Professional Documents
Culture Documents
القضية الفلسطينية..خلفياتها وتطوراتها حتى سنة 2001
القضية الفلسطينية..خلفياتها وتطوراتها حتى سنة 2001
1
القضية الفلسطينية
خلفياتها و تطوراتها حتى سنة 2001
2
غموض ،وفي ذات الوقت أيضا ً بل إخلل أو بتر للتسلسل
التاريخي.
م المعلومات الهائل الذي تحتفظ به ذاكرة المؤلف ثالثًا :ك ّ
ووثائقه ،ل يترك مجال ً للملل ،ول للكلل ،ول لحب التصفح
وحسب ،ولكنه يشد القارئ إلى متابعة القراءة ،حتى النتهاء
من صفحات الكتيب في وقت قياسي.
رابعًا :يمتاز أسلوب المؤلف بكشف الحقائق مباشرة ،بل تحيز
لرأي مسبق ،أو محاولة لتزيين رأي ملحق.
خامسًا :ومن أبرز ما أبرزه المؤلف-:
تاريخ فلسطين منذ الزمان القديم ،وحتى هذه الساعة (1
في تسلسل موجز وكاف.
قومية فلسطين العربية الموغلة في القدم. (2
الدين الذي انسجمت معه فلسطين أطول فترة في (3
تاريخها وهو السلم.
تزييف اليهود لكتبهم وللتاريخ ،وبطلن ادعاء أي حق (4
لهم في فلسطين.
الغزوات المختلفة على مدار التاريخ ،كانت تمر (5
بفلسطين ،ثم تزول عنها ،ليبقى شعبها الفلسطيني متشبثا ً
بوطنه ،مرتبطا ً بأرضه.
تضافر قوى الستعمار العالمي ،وفكر الصهاينة، (6
وأموالهم ،وبطشهم ،لم يمنع الشعب الفلسطيني من
الثورات المتتابعة دفاعا ً عن أرضه ومقدساته أمام المشروع
الصهيوني الصليبي الحديث.
ل زالت المة العربية والسلمية تكن للقدس (7
والمسجد القصى وفلسطين المكانة اللئقة ،ودليل ذلك
انتفاضتها الشعبية العارمة ،احتجاجا ً على تدنيس الصهاينة
للمسجد القصى المبارك.
مشروع التسوية السلمية في فلسطين ،ليس له (8
نصيب من النجاح ،وقد ُولد ميتًا ،وأسهمت النتفاضة الخيرة
في دفنه.
المقاومة المسلحة هي الطريق الوحيد ،لجتماع الصف (9
الفلسطيني ،واسترداد الوطن الفلسطيني ،وطرد الغاصبين
منه.
التيار السلمي الحركي في فلسطين بالشتراك مع (10
كل فصائل الشعب الفلسطيني هو الذي يقود هذا الصراع،
ويتزعم هذه المقاومة ،وهو حريّ بالنتصار بإذن الله.
3
وأخيرًا ،فإن كل من يرغب أن يعرف عن قضية فلسطين ،في
القديم وفي الحديث ،وعن الغزو الصهيوني الصليبي لها ،في
هذا الزمان –وأن يتزود بمعلومات مركزة ووفيرة ،بأسلوب
ميسر وبسيط -فعليه أن يقرأ هذا الكتيب.
جزى الله المؤلف كل خير ،ونفعه ،ونفع به .والحمد لله
رب العالمين.
د /محمد صيام كواللمبور-
16/9/2001م
مقدمة المؤلف-:
الحمد لله رب العالمين ،والصلة والسلم على سيد
المرسلين ،وعلى آله وصحبه أجمعين.
تحاول هذه الدراسة المختصرة تقديم رؤية عامة
للقضية الفلسطينية من خلل تتّبع مفاصل السياق التاريخي
للقضية؛ لن السياق التاريخي ييسر على القارئ استيعاب
الصورة الشاملة والعوامل المتداخلة المتعلقة بالقضية ،في
أي مرحلة من المراحل ،وفي ترتيب منطقي ،وصول ً إلى
المرحلة الحالية .وكان من الممكن التعريف بالقضية
الفلسطينية من خلل تقسيمها إلى مواضيع )الرض ،الشعب،
العدو ،المقاومة...إلخ( ،لكننا وجدنا أن هذا التقسيم -على
مزاياه -يصعب التعامل معه في الدراسات المختصرة ،ويقدم
الصورة العامة لكل موضوع ،دون أن يقدمها لجميع المواضيع
في سياق واحد.
وهذه الدراسة تخاطب أولئك الذين يرغبون في
الحصول على فكرة عامة عن قضية فلسطين ،وهو بذلك
أقرب إلى كتاب الجيب الذي يمكن أن يخدم شرائح واسعة
من العرب والمسلمين ،الذين ل يجدون وقتا ً للدراسات
كتبت هذه الدراسة من التفصيلية المتخصصة.وبالطبع ،فقد ُ
خلل رؤية تؤمن بحق أبناء فلسطين في أرضهم ،وأن
ف للمسلمين فلسطين أرض عربية إسلمية ،وأنها أرض وق ٍ
وأجيالهم إلى يوم القيامة.
4
وقد صيغت هذه الدراسة بصيغة علمية أكاديمية
ة
موثقة ،وجاءت -قدر المكان -مكتوبة بلغة سهلة ،حافل ً
بالمعلومات ،بعيدة عن الخطاب العاطفي النشائي.
نسأل الله سبحانه أن يكون هذا العمل خالصا ً لوجهه الكريم.
5
الشرقي للبحر المتوسط .ولفلسطين موقع استراتيجي هام،
إذ ُتعد ّ صلة الوصل بين قارتي آسيا وإفريقيا ،ونقطة التقاء
جناحي العالم السلمي.
وقد سكن النسان أرض فلسطين منذ عصور موغلة في
القدم ،كما تدل الحفريات والثار ،وشهدت أرضها مراحل
لولى في التحول من الرعي إلى الزراعة، التطور النساني ا ُ
كما أن أول مدينة جرى تشييدها في التاريخ هي مدينة
"أريحا" الواقعة شمال شرقي فلسطين وذلك نحو 8000
ق.م حسبما يذكر علماء الثار.
وأقدم اسم معروف لهذه الرض هو "أرض كنعان"؛
لن أول شعب سكن هذه الرض ومعروف لدينا تاريخيا ً هم
"الكنعانيون" ،الذين قدموا من جزيرة العرب نحو 2500
ق.م .واسم فلسطين هو اسم مشتق من اسم أقوام بحرية،
لعلها جاءت من غرب آسيا الصغرى ومناطق بحر إيجة حوالي
القرن الثاني عشر ق.م ،وورد اسمها في النقوش المصرية
باسم "ب ل س ت" ،وربما أضيفت النون بعد ذلك للجمع،
وقد سكنوا المناطق الساحلية ،واندمجوا بالكنعانيين بسرعة،
فلم يبق لهم أثر مميز سوى أنهم أعطوا الرض اسمهم].[1
أما أرض فلسطين بحدودها الجغرافية المتعارف عليها
حاليا ً فلم تتحدد بدقة إل في أيام الحتلل البريطاني
لفلسطين )وخصوصا ً خلل 1920ـ .(1923وقد ظلت حدود
أرض فلسطين تضيق وتتسع عبر التاريخ ،غير أنها ظلت تعّبر
بشكل عام عن الرض الواقعة بين البحر المتوسط وبين
البحر الميت ونهر الردن .وفي العهد السلمي ُقسمت بلد
الشام إلى "أجناد" ،وكان جند فلسطين يمتد من رفح على
جون التي تقع على بعد 18 الحدود مع سيناء المصرية إلى الل ّ
كم شمالي غرب مدينة جنين .وأيا ً كانت التقسيمات في
العهود السلمية المختلفة فإن فلسطين ظلت جزءا ً من بلد
الشام ،ولم تكن مثل هذه التقسيمات توسيعا ً أو تضييقا ً لتغّير
شيئا ً من حقيقة شعور أبنائها بأنهم أبناء أمة مسلمة واحدة،
وأن ولءهم للحكم ل يهتز ما دام مسلما ً حقًا .وعلى أي حال،
فإن مساحة فلسطين وفق التقسيمات المعاصرة تبلغ
27009كم .[2]2
وتتمتع فلسطين بمناخ معتدل هو مناخ البحر المتوسط ،وهو
مناخ يشجع على الستقرار والنتاج .ويمكن أن تقسم
فلسطين إلى ثلثة قطاعات رئيسية ،هي السهل الساحلي
6
والمرتفعات الجبلية الوسطى والخدود الردني .والسهل
الساحلي منطقة تركز غالب الفلسطينيين ،حيث الموانئ
ومراكز التجارة والنشاط القتصادي والزراعي .وتشمل
المرتفعات الجبلية الوسطى جبال الجليل ونابلس والخليل
وهضبة النقب ،وأعلى جبالها ارتفاعا ً هو جبل الجرمق شمال
فلسطين الذي يبلغ ارتفاعه 1207أمتار ،وقد سكن في هذه
المرتفعات الفلح الفلسطيني منذ آلف السنين وزرعها
بالحبوب والفواكه والخضار ،ورعى الماشية .أما الخدود
الردني ،حيث يجري نهر الردن ليصب في البحر الميت ،فهو
ُيعد ّ أكثر المناطق انخفاضا ً عن مستوى سطح البحر من أي
مكان آخر على وجه الرض ،حيث يصل النخفاض إلى نحو
400متر تحت سطح البحر ،وهي مناطق تتميز بحرارتها
طوال العام ،وتشتهر بزراعتها للنخيل والموز والخضروات.
مكانة فلسطين السلمية -:
لرض فلسطين مكانة عظيمة في نفوس المسلمين فهي-:
-أرض مقدسة بنص القرآن الكريم "يا قوم ادخلوا الرض
المقدسة التي كتب الله لكم"].[3
-أرض مباركة بنص القرآن الكريم "سبحان الذي أسرى
بعبده ليل ً من المسجد الحرام إلى المسجد القصى الذي
باركنا حوله"] ،[4وقوله تعالى" :ولسليمان الريح عاصفة
تجري بأمره إلى الرض التي باركنا فيها"].[5
-وفيها المسجد القصى المبارك ،أول قبلة للمسلمين ،وثالث
ن شد الرحال إليه ،والصلة المساجد مكانة في السلم وُيس ّ
فيه تعدل خمسمائة صلة عما سواه من المساجد ،قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم" :ل تشد الرحال إل إلى
ثلثة مساجد :المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد
القصى"] ،[6وقال عليه السلم" :الصلة في المسجد الحرام
بمائة ألف صلة ،والصلة في مسجدي بألف صلة ،والصلة
في بيت المقدس بخمسمائة صلة"].[7
-وفلسطين أرض النبياء و مبعثهم -عليهم السلم -فعلى
أرضها عاش إبراهيم ولوط وإسماعيل واسحق ويعقوب
ويوسف وداود وسليمان وصالح وزكريا ويحيى وعيسى عليهم
السلم ممن ورد ذكرهم في القرآن ،كما زارها محمد .r
وعاش على أرضها العديد من أنبياء بني إسرائيل ـ ممن لم
يرد ذكرهم في القرآن ـ عندما كانت تسوسهم النبياء ،وممن
ورد ذكرهم في الحديث الصحيح يوشع عليه السلم.
7
-وفلسطين أرض السراء ،فقد اختار الله سبحانه المسجد
القصى ليكون مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من
المسجد الحرام إلى المسجد القصى ،ومنه كان معراجه إلى
السماء ،فشّرف الله سبحانه هذا المسجد وأرض فلسطين
تشريفا ً عظيمًا .وهناك في المسجد القصى جمع سبحانه
مهم رسول الله في الصلة ،دللة على استمرار النبياء حيث أ ّ
رسالة التوحيد التي جاء بها النبياء ،وعلى انتقال ميراث
النبياء والمامة وأعباء الرسالة إلى المة السلمية.
-وفي الحديث الصحيح أن بيت المقدس هي "أرض المحشر
والمنشر"].[8
-وبلد الشام ـ وفلسطين جزء منها ـ هي عقر دار السلم
وقت اشتداد المحن والفتن ،كما في الحديث الصحيح "عقر
دار السلم بالشام"] ،[9و "أل إن اليمان إذا وقعت الفتن
بالشام"].[10
-والمقيم المحتسب في هذه الرض كالمجاهد والمرابط
في سبيل الله لقوله صلى الله عليه وسلم" :أهل الشام
وأزواجهم وذرياتهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة
مرابطون في سبيل الله ،فمن احتل مدينة من المدائن فهو
في رباط ،ومن احتل منها ثغرا ً من الثغور فهو في جهاد"]
،[11والطائفة المنصورة الثابتة على الحق إلى يوم القيامة
تسكن في الشام وخصوصا ً بيت المقدس وأكناف بيت
المقدس] .[12وعلى ذلك ،فل غرو أن تتعلق قلوب
المسلمين وأفئدتهم بهذه الرض المباركة المقدسة ويفدونها
بدمائهم وأرواحهم.
فلسطين عبر التاريخ -:
هناك آثار تشير إلى أن النسان سكن فلسطين منذ
العصر الحجري القديم ) 500ألف 14-ألف ق.م( ،كما يشير
العصر الحجري الوسيط ) 14ألف 8-آلف ق.م( إلى وجود
أشكال حياة حضارية تمثلت بما يعرف بالحضارة النطوفية.
وعندما قدم الكنعانيون من جزيرة العرب )نحو 2500ق.م(
كانت هجرتهم واسعة بحيث أصبحوا السكان الساسيين
للبلد ،وقد أنشأوا ما ل يقل عن مائتي مدينة وقرية في
فلسطين ،مثل مدن بيسان وعسقلن وعكا وحيفا والخليل
وأسدود وبئر السبع وبيت لحم] .[13ويرى ثقات المؤرخين أن
معظم أهل فلسطين الحاليين ،وخصوصا ً القرويين ،هم من
أنسال القبائل الكنعانية والعمورية والفلسطينية ،ومن القبائل
8
العربية التي استقرت في فلسطين قبل الفتح السلمي
وبعده ،حيث اندمج الجميع في نسيج واحد ،يجمعهم السلم
واللغة العربية ،حيث أسلم الجميع واستعربوا تحت الحكم
السلمي طوال ثلثة عشر قرنًا.
كان قدوم إبراهيم عليه السلم إلى فلسطين )نحو 1900
ق.م( إشراقة لنور التوحيد في هذه الرض المباركة ،وقد
عاصر حاكم القدس "ملكي صادق" الذي كان على ما يبدو
موحدا ً وصديقا ً له .وكان لبي النبياء إبراهيم دوره في نشر
رسالة التوحيد ،ويبدو أنه لم يجد عنتا ً أو عناًء من أهل
فلسطين ،ولم يضطر لتركها بسبب دينه أو دعوته فظل
حّرية حيث يشاء إلى أن توفاه الله مستقرا ً فيها ويتنقل ب ُ
تعالى في المدينة التي حملت اسمه "الخليل" .وقد سار على
دربه أبناؤه النبياء من بعده إسماعيل )الذي استقر في مكة(،
واسحق وابنه يعقوب اللذين استقرا في فلسطين .وكان
ليعقوب عليه السلم اثنا عشر ابنا ً هم السباط المعرفون
ببني إسرائيل )وإسرائيل هو لقب ليعقوب عليه السلم( وقد
هاجروا إلى مصر واستقروا فيها ،حيث عانوا من اضطهاد
الفراعنة بضعة قرون .وأرسل الله لهم موسى عليه السلم
)في القرن 13ق.م( لينقذهم من فرعون وطغيانه ،وأهلك
الله فرعون وجنوده ،غير أن بني إسرائيل في ذلك الزمان
ل والجبن فرفضوا الذهاب إلى الرض طبعوا على الذ ّ كانوا قد ُ
المقدسة قائلين لموسى" :فاذهب أنت وربك فقاتل إنا هاهنا
قاعدون"] .[14وتوفي موسى عليه السلم قبل أن يدخل
فلسطين ،وعندما نشأ جيل جديد صلب من بني إسرائيل بعد
أربعين سنة من التيه ،قادهم يوشع بن نون عليه السلم )نحو
1190ق.م( حيث عبر بهم نهر الردن ،واستطاع تحقيق
بعض السيطرة لبني إسرائيل في الجزء الشمالي الشرقي
من فلسطين .ولمدة 150سنة تالية سادت النكبات
والفوضى والخلفات والنحلل الخلقي والديني بين بني
إسرائيل .ولم يتحسن حالهم إل بقدوم طالوت ملكا ً عليهم،
والذي استطاع النتصار على أعدائه.
وكان ظهور داود عليه السلم الذي خلف طالوت
إيذانا ً ببدء مرحلة جديدة لنور التوحيد في الرض المباركة،
حيث آتاه الله الملك )نحو 1004ق.م( وقد واصل حربه ضد
القوام الكافرة على الرض المقدسة حيث أخضعها واستطاع
نقل عاصمته إلى القدس سنة 995ق.م وسيطر على معظم
9
فلسطين ،باستثناء معظم المناطق الساحلية التي لم تخضع
له .واستمر في حكمه عليه السلم حتى 963ق.م حيث
خلفه ابنه سليمان عليه السلم
) 963-923ق.م( حيث شهدت فلسطين حركة بناء وعمران
ن ،وأعطاه ملكا ً ل خر الله له الريح والج ّ
وازدهار ضخمة ،وس ّ
ينبغي لحد من بعده .وكان حكم داود وسليمان هو العصر
حكمت فيه فلسطين نحو ثمانين عاما ً تحت راية الذهبي الذي ُ
اليمان والتوحيد قبل الفتح السلمي لها.
وبعد وفاة سليمان انقسمت مملكته إلى دولتين منفصلتين
متعاديتين في كثير من الحيان فنشأت مملكة "إسرائيل"
شمال فلسطين خلل الفترة ) 721-923ق.م( التي سمتها
دائرة المعارف البريطانية ازدراء "المملكة الذيلية" حيث
ضعفت وفسد حكامها وانتهى أمرها بسيطرة الشوريين
بقيادة سرجون الثاني عليها ،وتدميرها ونقل سكانها من بني
إسرائيل إلى حّران والخابور وكردستان وفارس ،وأحلوا
مكانهم جماعات من الراميين ،ولم يبق بعد ذلك أثر لسباط
كلوا هذه الدولة .أما مملكة بني إسرائيل العشرة الذين ش ّ
"يهودا" فاستمرت منذ ) 586-923ق.م( ،وكانت عاصمتها
القدس وقد اعترتها عوامل الضعف والوقوع تحت النفوذ
الخارجي فترات طويلة ،فقد هزمها ودخل عاصمتها شيشق
فرعون مصر )أواخر القرن 10ق.م( ،وفعل مثله
الفلسطينيون في عهد يهورام ) 842-849ق.م( ،واضطرت
لدفع الجزية للشوريين … ،ثم إنها سقطت أخيرا ً بيد البابليين
مر الهيكل ،وسبى بقيادة نبوخذ نصر الذي خّرب القدس ،ود ّ
حوالي 40ألفا ً من اليهود ،وبذلك سقطت مملكتهم سنة
586ق.م.
وتشير التوراة إلى آثام بني إسرائيل التي استحقوا بسببها
دمار ملكهم ،فتذكر على لسان أشعيا ـ أحد أنبيائهم ـ" :ويل
للمة الخاطئة ،الشعب الثقيل الثم ،نسل فاعلي الشّر ،أولد
مفسدون تركوا الرب ،واستهانوا بقدوس إسرائيل ،ارتدوا إلى
وراء" سفر أشعيا ،الصحاح الول ،وتقول التوراة" :والرض
دوا الشرائع ،غّيروا الفريضة، تدنست تحت سكانها لنهم تع ّ
نكثوا العهد البدي" سفر أشعيا ،الصحاح .24
طل مملكة بني إسرائيل في فلسطين أكثر من وهكذا فلم ت َ ُ
ً
أربعة قرون حكموا في معظم الوقت بعضا من أرضها ،وكان
حكمهم غالب الوقت ضعيفا ً مفككًا ،وخضع أحيانا ً لنفوذ
10
وهيمنة دول قوية مجاورة .وفي الوقت نفسه ظل أبناء
فلسطين من الكنعانين وغيرهم في أرضهم ،ولم يهجروها أو
يرتحلوا عنها .وقد سمح المبراطور الفارسي قورش لليهود
بالعودة إلى فلسطين ،فعادت قّلة منهم ،عاشت إلى جانب
أبناء فلسطين ،وتمتعت منطقة القدس بنوع من الحكم
الذاتي تحت السلطة الفارسية التي استمرت )332-539
ق.م( .وتل ذلك عصر السيطرة الهللينية الغريقية على
فلسطين ) 63-332ق.م( ،واستمر يدير شئون اليهود
"الكاهن الكبر" ،واستطاع اليهود تحقيق حكم ذاتي منذ سنة
164ق.م أخذ يضيق ويتسع ،وتزداد مظاهر استقلله وتضعف
حسب صراع القوى الكبرى في ذلك الوقت على فلسطين
)الرومان ،البطالمة ،السلوقيين (.
كن الرومان من السيطرة على فلسطين 63ق.م، وقد تم َ
وأخضعوها لحكمهم المباشر من سنة 6م حيث ألغوا الحكم
الذاتي اليهودي في منطقة القدس .وقد ثار اليهود )70-66
مر
م( لكن القائد العسكري الروماني تيتوس أخمد ثورتهم ود ّ
الهيكل ،ثم ثار اليهود مرة أخرى وأخيرة ) 135-132م( لكن
القائد الروماني جوليوس سيفروس احتل القدس ودمرها،
وأقام المبراطور الروماني هدريان مدينة جديدة فوق خرائبها
عرفت بعد ذلك باسم إيلياء ،وهو سماها إيليا كابيتولينا حيث ُ
اسم هدريان الول .وحظر على اليهود دخول القدس حوالي
200سنة تالية] ،[15وندرت أعدادهم نسبة إلى السكان
طوال 18قرنا ً تالية .بينما ظل أهل البلد الصليون من
كنعانيين ومن اختلط بهم من قبائل العرب مستقرين في
البلد قبل قدوم بني إسرائيل وفي أثناء وجودهم ،وظلوا
مستمرين كذلك بعدهم إلى أيامنا هذه.
فلسطين في العهد السلمي-:
قبل أن تتشكل الدولة السلمية في المدينة المنورة،
كانت أنظار القّلة المستضعفة من المسلمين في مكة تتجه
إلى المسجد القصى وبيت المقدس في فلسطين .إذ إن
معجزة السراء تمت من المسجد الحرام إلى المسجد
القصى .وكان المسجد القصى هو القبلة الولى للمسلمين
في الصلة .وقد كان فتح خيبر وفدك )7هـ( وغزوتا مؤتة )
8هـ( وتبوك )9هـ( وحملة أسامة بن زيد )11هـ( مقدمة لتطلع
المسلمين إلى بلد الشام.أما فتح فلسطين فكانت أبرز
المعارك التي أدت إلى فتحها هي معركة أجنادين بقيادة خالد
11
بن الوليد رضي الله عنه في 27جمادى الولى 13هـ ـ 30
يوليو 634م قرب بيت جبرين التي قتل فيها نحو ثلثة آلف
من الروم ،ومعركة فحل ـ بيسان في 28ذي القعدة 13هـ ـ
23يناير 635م والتي كان ميدانها غربي نهر الردن إلى
الجنوب من بيسان .أما المعركة الفاصلة فكانت معركة
اليرموك شمالي الردن في 5رجب 15هـ ـ 12أغسطس
ش المسلمين ـ المكون من 36 636م والتي واجه فيها جي ُ
ألفا ً بقيادة أبي عبيدة وخالد بن الوليد رضي الله عنهما ـ
جيش الروم البالغ 200ألف .وقد حّلت كارثة كبرى في
درها بعض المؤرخين بنحو 130ألف قتيل .وقد أدت الروم ق ّ
هذه المعركة إلى فتح بلد الشام .وجاء عمر بن الخطاب
رضي الله عنه بنفسه لستلم مفاتيح بيت المقدس بعد أن
حاصرها المسلمون بضعة أشهر ورغب أهلها في الصلح
شرط أن يتولى عمر رضي الله عنه العقد بنفسه .وهي
المدينة الوحيدة في عهد الراشدين التي تولى خليفة بنفسه
استلم مفاتيحها ،وقد شارك عمر في الفتح نحو أربعة آلف
دح صوت بلل بن رباح فيها بالذان بعد أن من الصحابة وص َ
كان امتنع عن ذلك منذ وفاة النبي [r.[16وقد كتب عمر بن
الخطاب لهل القدس عهدًا ،اشتهر باسم "العهدة العمرية"]
[17وقد جاء فيه" -:بسم الله الرحمن الرحيم .هذا ما
أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من المان،
أعطاهم أمانا ً لنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم
وسقيمها وبريئها وسائر ملتها ،أنه ل تسكن كنائسهم ول تهدم،
زها ول من صليبهم ،ول من شيء ول ينتقص منها ول من حي ّ ِ
من أموالهم ،ول يكرهون على دينهم ،ول يضار أحد منهم ،ول
يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود .وعلى أهل إيلياء أن
يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن .وعليهم أن يخرجوا
منها الروم واللصوص ،فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه
وماله حتى يبلغوا مأمنهم ،ومن أقام منهم فهو آمن وله مثل
ما على أهل إيلياء من الجزية ...وعلى ما في هذا الكتاب عهد
الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا
الذي عليهم من الجزية.
شهد على ذلك خالد بن الوليد ،وعمرو بن العاص ،وعبد
الرحمن بن عوف ،ومعاوية بن أبي سفيان ،وكتب وحضر سنة
15هـ" .ويعكس هذا النص مدى التسامح الديني عند
المسلمين في عالم كان يسوده التعصب العمى والكراه
12
على الدين .وقد تم فتح القدس على الرجح في ربيع الخر
15هـ ـ مايو 637م .وكانت "قيسارية" آخر مدينة تفتح في
فلسطين في شوال 19هـ ـ أكتوبر 639م ،وكانت ميناء
ومدينة عامرة قوية سعى الروم للحتفاظ بها قدر
استطاعتهم.
ً
وحسب التقسيمات الدارية أصبحت فلسطين "جندا" من
"أجناد" الشام الذي توزع على أربعة أجناد في الراشدين،
وأصبحت خمسا ً في عهد الدولة الموية .وقد ظلت فلسطين
جزءا ً أصيل ً في الدولة السلمية ومتفاعل ً مع تطوراتها
السياسية والحضارية .ولم يكن تغّير الدول والسر الحاكمة
ليؤثر على حقيقة أن أهل فلسطين عرب مسلمون موالون
لدولة السلم وحكم السلم.
وقد استمر حكم الراشدين حتى سنة 41هـ ـ 661م ،ثم تبعه
حكم بني أمية حتى 132هـ ـ 750م ،ثم العباسيون الذين
استمر حكمهم المباشر على فلسطين إلى أن بدأ يعاني من
الضعف والتفكك مع انتهاء العصر العباسي الول بمقتل
الخليفة العباسي المتوكل سنة 247هـ ـ 861م مما أعطى
الفرصة للولة إلى أن يشكلوا لنفسهم سلطات محلية
وراثية ،كما حدث مع العائلة الطولونية التي حكمت مصر
مت فلسطين إليها 264ـ 292هـ أي 878ـ 905م ،وقد وض ّ
حذا الخشيديون حذو الطولونيين عندما حكموا مصر،
فضموها إلى نفوذهم 323ـ 358هـ أي 935ـ 969م .وقد
حكم الخشيديون والطولونيون تحت الظل السمي للدولة
العباسية.وفي 358هـ تمكن الفاطميون الذين ينتمون إلى
المذهب السماعيلي من السيطرة على فلسطين .وخاض
الفاطميون صراعات مع الثورات المحلية ومع القرامطة
والتراك السلجقة للسيطرة على فلسطين .وتمكن
السلجقة في 464هـ ـ 1071م من السيطرة على معظمها.
لكن الصراع عاد ليحتدم بين السلجقة أنفسهم وبينهم وبين
الفاطميين الذين تمكنوا من السيطرة على صور سنة 1097
وبيت المقدس في فبراير 1098وقد كان هذا الصراع في
غمرة الحملة الصليبية الولى التي بدأت طلئعها في الوصول
إلى بلد الشام .وقام الفاطميون بمراسلة الصليبيين عارضين
عليهم التعاون في قتال السلجقة مقابل أن يكون القسم
الشمالي من بلد الشام للصليبيين وفلسطين للفاطميين].
[18
13
وليس من منهجنا في هذه الدراسة أن نتحدث عن تفصيلت
الحروب الصليبية [19].ولكننا نذكر أن الصليبيين تمكنوا من
احتلل فلسطين ،وسيطروا على القدس 493هـ ـ 1099م
بعد أن خاضوا في بحر من دماء المسلمين ،وقتلوا منهم في
القدس حوالي سبعين ألفًا .لكن المة المسلمة كانت ل تزال
تملك الكثير من القوة والحيوية وكانت أرقى حضاريا ً وعلميا ً
من الصليبيين الوروبيين ،رغم ما كانت تعانيه من تشرذم
وصراع سياسي وحروب داخلية .فقد ظهر أبطال مجاهدون
أنهكوا الصليبيين طيلة فترة حكمهم ،من أمثال أقسنقر
البرسقي 508ـ 520هـ ،وعماد الدين زنكي 521ـ 540هـ
الذي أسقط إمارة الرها الصليبية ،وابنه نور الدين محمود
دم نموذجا ً فذا ً 541ـ 569هـ 1146 /ـ 1174م ،الذي ق ّ
للقيادة المسلمة ،وتبنى مشروعا ً نهضويا ً حضاريا ً موازيا ً
لمشروع التحرير الذي شغله طيلة حكمه ،فتمكن من توحيد
م مصر إلى القوى السلمية بقيادته في بلد الشام ،ثم ض ّ
حكمه ،وأسقط الخلفة الفاطمية فيها على يد واليه هناك
صلح الدين اليوبي ،وتمكن من تحرير نحو خمسين مدينة
وقلعة من الصليبيين .إل أنه توفي رحمه الله بعد أن استكمل
تثبيت فكي الكماشة )مصر والشام( على عنق الصليبيين.
رفع صلح الدين اليوبي راية الجهاد بعد نور الدين 569ـ
589هـ 1174 /ـ 1193م ،وأعاد توحيد الشام ومصر تحت
قيادته ،وخاض معركة حطين مع الصليبيين في 24ربيع الخر
583هـ ـ 4يوليو 1187م وهي معركة فاصلة في التاريخ أدت
إلى تحطيم الوجود الصليبي وفتح بيت المقدس في 27رجب
583هـ ـ 2أكتوبر 1187م أي بعد نحو 88عاما ً من الحكم
الصليبي .وقد تابع الصليبيون حملتهم وتمكنوا من السيطرة
على شريط ساحلي بين يافا وصور ،كما سيطروا مرة أخرى
على القدس )بسبب الصراعات الداخلية في الدولة اليوبية(.
معظم الفترة بين 626ـ 642هـ 1229 /ـ 1244م إلى أن
عادت نهائيا ً إلى حظيرة السلم ،واستمرت كذلك حتى
الحتلل البريطاني لفلسطين سنة 1917م.
وقد خلف المماليك الدولة اليوبية سنة 648هـ ـ 1250م
وواجهوا الزحف المغولي على أرض فلسطين في معركة
عين جالوت 25رمضان 658هـ الموافق 6سبتمبر 1260م
بقيادة قطز )محمود بن ممدود( والتي تعد ّ من المعارك
الفاصلة في التاريخ .ثم تابع المماليك مشروع تحرير
14
فلسطين وبلد الشام من بقايا الصليبيين ،فقام الظاهر
بيبرس بجهد كبير في ذلك ،حيث استرد العديد من المناطق
في فلسطين والشام ثم تابعه سيف الدين قلوون ،ثم ابنه
الشرف خليل بن قلوون الذي تم على يديه إنهاء الوجود
الصليبي في بلد الشام بإسقاطه مملكة عكا الصليبية .إذ
حّرر عكا في 17جمادي الولى 690هـ الموافق 18مايو
1291م ،واستولى بعد ذلك بسرعة على صيدا وصور وحيفا
وعتليت .لتعود السيطرة الكاملة على فلسطين والشام من
جديد لحكم السلم.
وعندما ضعف شأن المماليك قام العثمانيون بالسيطرة على
فلسطين )وباقي الشام( سنة 1516م وسيطروا على مصر
سعوا سيطرتهم خلل نصف القرن في السنة التالية ،وو ّ
التالي لتشمل معظم العالم العربي ،حيث استمر حكمهم
حتى نهاية الحرب العالمية الولى سنة 1918م .وقد تولت
الدولة البيزنطية )دولة الروم( القسم الشرقي من الدولة
الرومانية منذ 394م ،واستمرت في الهيمنة على فلسطين ـ
عدا فترات ضئيلة من النفوذ الفارسي ـ حتى جاء الفتح
السلمي لفلسطين سنة ) 15هـ 636 /م( في عهد الخليفة
الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .ومنذ ذلك الزمان
اكتسبت فلسطين طابعها السلمي ،ودخل أهلها في دين الله
أفواجًا ،وتعربوا وتعربت لغتهم بامتزاجهم مع القبائل العربية
القادمة من الجزيرة العربية تحت لواء الحضارة السلمية.
ولم تكن فترة الحروب الصليبية لتؤثر كثيرا ً على هوية الرض
والسكان ،فقد استمرت مملكة بيت المقدس الصليبية إلى
أن سقطت بعد 88عاما ً ) (1187-1099على يد البطل
المسلم صلح الدين اليوبي ،وكانت هذه المملكة في أحيان
منهك ،عانت فيه من هجمات قادة كثيرة في وضع دفاعي ُ
المسلمين أمثال نور الدين محمود رحمه الله.
وعلى أي حال ،فإن الحكم السلمي لفلسطين استمر نحوا ً
من 1200سنة حتى 1917م ،وهي أطول فترة تاريخية
مقارنة بأي حكم آخر ،كان الحكم فيها مسلمًا ،والشعب
ل فلسطين وليس بعضها ،كما ضرب مسلمًا ،وغطى الحكم ك ّ
المسلمون المثل العلى في التسامح الديني وحرية الديان،
فكانوا خير من خدم الرض المقدسة ،وحمى حرمتها .وقد
ترسخ السلم في فلسطين بقدوم عدد من الصحابة رضي
الله عنهم واستقرارهم في فلسطين ونشرهم للسلم فيها،
15
وكان منهم :عبادة بن الصامت ،وشداد بن أوس ،وأسامة بن
زيد بن حارثة ،وواثلة بن السقع ،وفيروز الديلمي ،ودحية
الكلبي ،وعبد الرحمن بن غنم الشعري ،وعلقمة بن مجزر
الكناني ،وأوس بن الصامت ،ومسعود بن أوس بن زيد،
وزنباع بن روح ،وأبو ريحانة شمعون النصاري ،وسويد بن
ي بن أم حرام النصاري، ُ
زيد ،وذو الصابع التميمي ،وأبو أب ّ
وأنيف بن ملة الجذامي ،وأبو رويحة الفزعي… وغيرهم من
الصحابة الذين عاشوا في فلسطين وُدفنوا في ثراها .ومن
التابعين من أبناء فلسطين رجاء بن حيوة الكندي من مواليد
بيسان ،وهو الذي أشار على سليمان بن عبد الملك بتولية
عمر بن عبد العزيز الخلفة .ومن التابعين أيضا ً عبادة بن
نسي الكندي ،وروح بن زنباع ،وممن سكن فلسطين أو زارها
من التابعين مالك بن دينار ،والوزاعي ،وهانئ بن كلثوم،
وحميد بن عبد الله اللخمي ،وسفيان الثوري ،وابن شهاب
الزهري.
ومن كبار الئمة والفقهاء الذين ولدوا في فلسطين المام
الشافعي الذي ولد في مدينة غزة ،وممن عاشوا في
فلسطين أو زاروها من الئمة إبراهيم بن أدهم ،والليث بن
سعد ،وأبو بكر محمد الطرطوشي ،وأبو بكر الجرجاني ،وابن
قدامة المقدسي .وإلى فلسطين ينتسب فاتح الندلس القائد
موسى بن نصير اللخمي ،كما ينتسب إليها عبد الحميد بن
يحيى رئيس فن الكتابة وسّيد النشاء والدواوين في عصره،
وينتسب إليها أيضا ً أول علماء الكيمياء الكبار في التاريخ
السلمي خالد بن يزيد الموي .ول يتسع المجال للستطراد،
فقد كانت الرض المقدسة مركزا ً للحضارة السلمية ،ومهوى
لفئدة المسلمين ،وشارك أبناؤها بفعالية في بناء صرح المة
السلمية الشامل وفي الرتقاء بنهضتها][20
المزاعم الدينية والتاريخية لليهود في
فلسطين -:
تجدر الشارة إلى أن يهود هذا الزمان يبنون احتللهم
دعون أن اللهلفلسطين على مزاعم دينية وتاريخية ،في ّ
سبحانه وعدهم هذه الرض ،ويشيرون إلى ارتباطهم التاريخي
بها بحكمهم إياها زمنًا ،وبتواجدهم على أرضها ،وارتباطهم
النفسي والروحي بها ،وقدسيتها عندهم .ونحن نؤمن أن
لليهود حريتهم الدينية ،وليس من حق أحد أن يكرههم على
تغيير عقائدهم ،ولكن ليس من حقهم أن يلزموا الخرين
16
بعقيدتهم .كما أنه ليس من حقهم أن يشردوا شعبا ً من دياره،
ويغتصبوا أرضه وأملكه ومقدساته تحت دعاواهم الدينية .أما
المسلمون فل يرون لليهود حقا ً في هذه الرض ،فمن ناحية
دينية ،فإن هذه الرض أعطيت لبني إسرائيل عندما رفعوا
راية التوحيد ،واستقاموا عليها ،تحت قيادة رسلهم وصالحيهم.
دلوا وقتلوا أنبياءهم ،وعاثوا في الرض ولكنهم انحرفوا وب ّ
فسادا ً بعد ذلك ،ففقدوا تلك الشرعية .والمسلمون يؤمنون
أنهم الورثة الحقيقيون لراية التوحيد ،وأنهم المتداد الحقيقي
الوحيد لمة التوحيد ودعوة الرسل ،وأن دعوة السلم هي
امتداد واستمرار لدعوة إبراهيم وإسحق ويعقوب وإسماعيل
وموسى وداود وسليمان وعيسى …عليهم السلم.
فالمسلمون الن هم أحق الناس بهذا الميراث بعد أن انحرف
الخرون .والمسألة غير مرتبطة بالجنس والنسل والقومية،
وإنما مرتبطة باتباع المنهج ،وعلى هذا فنحن المسلمين نؤمن
أن رصيد النبياء هو رصيدنا ،وتجربتهم هي تجربتنا ،وتاريخهم
هو تاريخنا ،والشرعية التي أعطاها الله للنبياء واتباعهم في
حكم الرض المقدسة هي دللة على شرعيتنا وحقنا في هذه
الرض وحكمها .قال تعالى" :ما كان إبراهيم يهوديا ً ول
نصرانيا ً ولكن كان حنيفا ً مسلما ً وما كان من المشركين .إن
أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا
والله ولي المؤمنين"] ،[21وقال تعالى" :ووصى بها إبراهيم
بنيه ويعقوب يا َبني إن الله اصطفى لكم الدين فل تموتن إل
وأنتم مسلمون"] ،[22وقال تعالى" :وإذ ابتلى إبراهيم رّبه
بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما ً قال ومن ذريتي
قال ل ينال عهدي الظالمين"] .[23وهكذا فإن الله أخبر
إبراهيم عليه السلم أن المامة والقيادة ل ينالها الظالمون
من نسله وذريته ،لن المر مرتبط بالستقامة على منهج
الله ،ولو كان المر مرتبطا ً بالتناسل فل ينبغي لبني إسرائيل
أن يقصروه على أنفسهم ،ولستحق إسماعيل عليه السلم
ونسله هذا الوعد الذي ُأعطي لبراهيم ،ولستحقه العرب
المنتسبون إلى إسماعيل جد العرب العدنانية ،ومنهم قريش
وسيدها محمد صلى الله عليه وسلم .
ما من الناحية التاريخية ،فإن حكم بني إسرائيل أ َ
لفلسطين كان فترة ضئيلة ولم تتجاوز الربعة قرون على
أجزاء من فلسطين ،وليس كلها .أما الحكم السلمي فقد
استمر نحو 12قرنا ً )1917-636م( قطعته لفترة ضئيلة
17
فترة الحروب الصليبية .وإذا كان معظم اليهود قد غادر
فلسطين ،وانقطعت صلتهم الفعلية بها مدة 18قرنا ً منذ )
135م وحتى القرن العشرين( فإن أهل فلسطين الصليين
لم يغادروها طوال الربعة آلف وخمسمائة - 4500-سنة
طرد عدد كبير منهم قسرا ً على يد الماضية ،إلى أن ُ
العصابات الصهيونية عام 1948م ،ول زالوا إلى الن
م إن أكثر يجاهدون لسترداد أرضهم دون أن يتنازلوا عنها .ث َ
من %80من يهود هذا الزمان -حسب بعض الباحثين
والعلماء اليهود أنفسهم وعلى رأسهم آرثر كوستلر A.
Koestlerصاحب كتاب القبيلة الثالثة عشر The Thirteenth
مـّتون إلى - Tribe: The Khazar Empire & its Heritageل ي ُ
بني إسرائيل ول إلى فلسطين بأية صلة نسب أو تاريخ ،لن
معظم اليهود المعاصرين هم من يهود "الخزر" الذين ترجع
أصولهم إلى قبائل تترية-تركية قديمة استوطنت منطقة
شمال القوقاز )جنوب روسيا( وتهودت في القرن الثامن
الميلدي بقيادة ملكها بولن سنة 740م ،وعندما سقط
ملكهم انتشروا في روسيا وشرق أوربا ،وهم ما يعرف الن
باليهود الشكناز] ،[24فإن كان لهم ثمة حق في العودة
فليعودوا إلى جنوب روسيا !!.
خلفيات ظهور القضية الفلسطينية في التاريخ
الحديث-:
قد َ اليهود صلتهم بفلسطين عمليا ً كما أشرنا سابقًا ،فَ َ
حوالي ألف وثمانمائة عام ،ولم يكن لديهم سوى العاطفة
الدينية التي رفض أحبارهم وحاخاماتهم وقادتهم تحويلها إلى
برنامج عملي؛ لنهم كانوا يؤمنون أنهم استحقوا تدمير دولتهم
وشتاتهم بسبب خطاياهم ،وأن عليهم انتظار المسيح المخّلص
الخاص بهم "الماشيح" أو "المسيا" ،وعند ذلك يجوز لهم
الستقرار في فلسطين وإقامة كيانهم .على أن عددا ً من
التغيرات الهامة حدثت في التاريخ الوربي الحديث ،انعكست
بدورها على اليهود وإنشاء المشروع الصهيوني .فمنذ القرن
السادس عشر الميلدي ظهرت حركة الصلح الديني
"الحركة البروتستانتية" التي ركّزت على اليمان بالعهد
القديم "التوراة" ،ونظرت لليهود وفق رؤية توراتية بأنهم
"أهل فلسطين" المشردين في الرض ،وآمنت بأن اليهود
سُيجمعون من جديد في فلسطين لعودة المسيح المنتظر
الذي سيقوم بتنصيرهم ،ليبدأ بعد ذلك عهد يمتد ألف سنة من
18
السعادة .وقد شكل أتباع الكنائس البروتستانتية أغلبية سكان
بريطانيا والوليات المتحدة وهولندا ونحو نصف سكان ألمانيا.
وهكذا ظهرت "الصهيونية غير اليهودية" خصوصا ً وسط هؤلء
البروتستانت الذين دعموا المشروع الصهيوني بناء على
خلفية دينية].[25
ً
ومن جهة أخرى فإن أوربا ـ خصوصا في القرن التاسع عشر ـ
شهدت تحولت سياسية هامة ،فمنذ الثورة الفرنسية على
الحكم الملكي سنة 1789أخذت تتشكل الدولة الوربية
الحديثة ،وانتشرت الفكرة القومية والمشاعر الوطنية ،وتم
مشت دور إنشاء أنظمة علمانية فصلت الدين عن الدولة وه ّ
الكنيسة .وتم "تحرير" اليهود ،وإعطاؤهم كافة حقوق
المواطنة ،خصوصا ً في أوربا الغربية ،مما سهل على اليهود
اختراق هذه المجتمعات والنظمة ،والرتقاء بمكانتهم
السياسية والقتصادية والجتماعية ،وتحقيق مستويات أعلى
من النفوذ في دوائر السياسة والقتصاد والعلم .وفي
المقابل فإن الدولة القومية والمشاعر الوطنية في روسيا
وأوربا الشرقية قد أخذت منحى آخر ،حيث كان يتواجد غالبية
يهود العالم .إذ قاوم يهود روسيا عمليات الدمج والتحديث
الروسية ،التي تميزت بالفوقية والقسر والرهاب .وزادت
مشاركة الكثير من اليهود في الحركات الثورية اليسارية من
عداء الحكومة القيصرية الروسية لهم ،وانفجرت العداوة
ضدهم بشكل مكشوف إثر اغتيال قيصر روسيا الكسندر
الثاني ،1881والذي اتهم به اليهود .وبدأت موجة من
الجراءات العنيفة القاسية ضدهم سميت ب "اللسامية"anti-
،semitismأي العداء لليهود لكونهم يهودا ً ينتمون إلى العنصر
السامي ،وقد أدى ذلك إلى نشوء "المشكلة اليهودية"] [26إذ
إن مليين اليهود في روسيا أخذوا يبحثون عن فرصة للخلص
مما هم فيه ،وبدأت أعداد هائلة منهم في الهجرة إلى أوربا
الغربية وأمريكا الشمالية والجنوبية .وكانت هذه فرصة
الحركة الصهيونية للظهور والدعوة إلى حل المشكلة اليهودية
بإنشاء كيان آمن مستقل لليهود في فلسطين .وتعاطف
الكثير من الوربيين والمريكان مع هذه الدعوة سواء
لخلفياتهم الدينية ،أو تخلصا ً من أعباء التدفق اليهودي على
أرضهم.
وأسهم ضعف الدولة العثمانية ـ التي كانت فلسطين
تحت حكمها 1917-1516م ـ وسعي الدول الغربية لتقاسم
19
أراضيها إلى بروز أجواء عملية أفضل لتأسيس المشروع
الصهيوني .ففي مؤتمر لندن الستعماري 1907-1905م
ظهرت فكرة إنشاء "الدولة الحاجزة" في منطقة فلسطين،
واقترح المؤتمرون الذين رفعوا توصياتهم إلى رئيس وزراء
بريطانيا في ذلك الوقت كامبل بنرمان C. Bannermanإنشاء
هذا الكيان بحيث يتشكل حاجز بشري قوي وغريب ،شرقي
البحر المتوسط ،يكون قوة عدوة لشعب المنطقة ،وصديقة
للدول الوربية ومعتمدة عليها] .[27وكان أفضل من ينفذ هذا
المشروع هم "اليهود" .وقد هدف المشروع الغربي من إنشاء
فكرة الدولة الحاجزة إلى غرس كيان غريب في قلب العالم
السلمي ،ويفصل جناحه السيوي عن جناحه الفريقي .يمنع
وحدته ،ويضمن ضعفه وتفككه ،إذ إن استمرار مثل هذا
الكيان مرتبط بذلك .وسيسعى هذا الكيان بالتالي لضرب أي
نمو حضاري قوي في المنطقة ،وسيشغل العالم السلمي
بمشكلة طويلة معقدة تستنـزف طاقته وجهوده ،وتبقيه إلى
أبعد مدى ممكن في فلك التبعية والضعف والحاجة للعالم
الغربي وقواه الكبرى .وكما أن هذا الكيان سيكون بحاجة إلى
دعم الغرب لضمان استمراره ،فإن الغرب كذلك سيكون
بحاجة إليه لضمان ضعف العالم السلمي وتفككه وتبعيته.
وبذلك ينشأ بينهما تحالف يهودي صهيوني-غربي صليبي ل
ينفصم .وهنا تكمن أهمية أن يفهم المسلمون أن هذا
المشروع موجه ضد كل مسلم وآماله في الوحدة والنهضة
والتقدم وليس ضد الفلسطينيين وحدهم.
لقد عانى الغرب الصليبي من قرون طويلة من الصراع مع
المسلمين،كانت فيه اليد الطولى للمسلمين نحو أحد عشر
قرنًا ،وما كانت لتنتهي دولة مسلمة حتى تحل مكانها دولة
مسلمة تجدد الحيوية في هذه المة ،وتحفظ عزتها وكرامتها،
فكانت دول الراشدين والمويين والعباسيين والمماليك.
وتمكن العثمانيون الذين خلفوا المماليك من فتح معظم أوربا
الشرقية ،ومن توحيد العالم العربي تحت رايتهم فكانوا حصنا ً
عظيما ً للسلم قرون عديدة .غير أن ضعف الدولة العثمانية
خصوصا ً في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين جعل
الوربيين يفكرون بطريقة تضمن أل تقوم بعد ذلك للعالم
السلمي قائمة ،وأل تحل محل العثمانيين دولة مسلمة
جديدة ،تبعث الحيوية والنهضة فيهم ،فكانت فكرة الدولة
الحاجزة.
20
-------------------------------------------------------------------
-----
] [1لمزيد من التفصيل حول تاريخ فلسطين القديم ،انظر
ل :محمد أديب العامري ،عروبة فلسطين في التاريخ مث ً
)صيدا-بيروت :المكتبة العصرية ،(1972 ،والموسوعة
الفلسطينية ،إشراف أحمد المرعشلي )دمشق :هيئة
الموسوعة الفلسطينية ،(1984 ،ج ،1ص ،37وج ،3ص
،279-273وج ،4ص .174
] [2انظر :الموسوعة الفلسطينية ،ج ،1ص .129-117
] [3سورة المائدة.57:
] [4سورة السراء.1:
] [5سورة النبياء.80:
] [6رواه البخاري ومسلم وابن ماجة وأبو داود.
] [7حديث حسن ،رواه الطبراني.
] [8حديث صحيح ،رواه المام أحمد في مسنده ،وابن ماجه
في سننه.
] [9حديث صحيح ،رواه الطبراني
] [10حديث صحيح ،أخرجه الحاكم ،وأبو نعيم في الحلية
] [11رواه الطبراني ،وقال الهيثمي فيه أرطاه بن المنذر،
وبقية رجاله ثقات
( (12ورد حديث رواه المام أحمد بهذا المعنى .ونصه "ل
تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ،لعدوهم قاهرين ،ل
يضرهم من خالفهم إل ما أصابهم من لواء حتى يأتيهم أمر
الله وهم كذلك ،قالوا يا رسول الله :وأين هم؟ قال :ببيت
المقدس وأكناف بيت المقدس" ،ورجاله ثقات إل مهدي بن
جعفر الرملي ،فقد وثقه ابن حبان و يحيى بن معين ،وضّعفه
البخاري .
] [13انظر :الموسوعة الفلسطينية ،ج ،3ص ،279-271
وص .670-666
][14سورة المائدة.24:
] [15انظر مثل ً حول تاريخ بني إسرائيل القديم المشار إليه
في الفقرات السابقة في :ظفر السلم خان ،تاريخ فلسطين
القديم 1220ق.م1359-م :منذ أول غزو يهودي حتى آخر
غزو صليبي ،ط ) 4بيروت :دار النفائس .(1984 ،والموسوعة
الفلسطينية ،ج ،1ص ،238وج ،3ص ،186-184وص -266
،268وج ،4ص .218-216
21
] [16حول فتح فلسطين وبلد الشام ،انظر مث ً
ل :الزدي،
تاريخ فتوح الشام ،تحقيق عبد المنعم عبد الله عامر
)القاهرة :مؤسسة سجل العرب ،(1970 ،وأحمد عادل
كمال ،الطريق إلى دمشق )بيروت :دار النفائس،(1980 ،
ومحسن صالح ،الطريق إلى القدس ،ط ) 3لندن :فلسطين
المسلمة ،(1998 ،ص 49ـ .77
] [17انظر نص العهدة العمرية في :محمد بن جرير الطبري،
تاريخ الرسل والملوك ،تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم
)القاهرة :دار المعارف ،(1969 ،ج ،3ص .418
] [18حول فلسطين في عهد الراشدين والمويين والعباسيين
ل :الموسوعة الفلسطينية ،ج والفاطميين واليوبيين ،انظر مث ً
،3ص 242ـ ،266وص 426ـ .428
] [19ناقشنا في كتابنا الطريق إلى القدس في الفصل
الثالث بالتفصيل جهاد المسلمين لتحرير فلسطين من
الصليبيين والتتار ،انظر :الطريق إلى القدس ،ص 89ـ .128
] [20انظر مثل ً حول الصحابة والتابعين ورجال السلم الذين
عاشوا في فلسطين في :ضياء الدين محمد المقدسي،
فضائل بيت المقدس ،تحقيق محمد مطيع حافظ ،سلسلة
فضائل الشام رقم ) 2دمشق :دار الفكر ،(1985 ،ص -90
،92ومصطفى مراد الدباغ ،القبائل العربية وسلئلها في
بلدنا فلسطين )بيروت :دار الطليعة ،(1979 ،ص ،48-47
وص ،113-111وص ،140-138وص .188ومصطفى مراد
الدباغ ،من هنا وهناك ،ص ،83-80وص .112
] [21سورة آل عمران68-67:
] [22سورة البقرة.132:
] [23سورة البقرة.124:
] [24انظر مثل ً حول يهود الخزر في :أسماء فاعور ،فلسطين
والمزاعم اليهودية )بيروت :دار المة ،(1995 ،ص -235
.241
] [25انظر حول هذا الموضوع :ريجينا الشريف ،الصهيونية
غير اليهودية جذورها في التاريخ الغربي ،ترجمة أحمد عبد
الله عبد العزيز ،سلسلة عالم المعرفة ،رقم ) 96الكويت:
المجلس الوطني للثقافة والفنون والداب ،ديسمبر .(1985
] [26انظر حول هذا الموضوع في :عبد الوهاب المسيري،
اليديولوجية الصهيونية ،سلسلة عالم المعرفة ،رقم 61-60
)الكويت :المجلس الوطني للثقافة والفنون والداب ،ديسمبر
22
-1982يناير ،(1983ج ،1ص .116-89وأسعد عبد الرحمن،
المنظمة الصهيونية العالمية ) 1982-1882بيروت:
المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،(1990 ،ص .26-23
] [27انظر :ملف وثائق فلسطين ،إعداد وزارة الرشاد
القومي ،الهيئة العامة للستعلمات )القاهرة :الهيئة العامة
للستعلمات ،(1969 ،ج ،1ص .121
23
لقناة السويس التي أصبحت الشريان الحيوي للمواصلت
البريطانية خصوصا ً إلى الهند .وعندما تأسس المشروع
الصهيوني ،وظهرت فكرة الدولة الحاجزة فإنها كانت تخدم ـ
بل شك ـ مختلف الدوافع والخلفيات الدينية والحضارية
والسياسية والستراتيجية .وأصبحت تتخذ أبعادا ً عملية يمكن
تنفيذها في ضوء التدهور العثماني المتسارع.
ولم تكن أصداء الدعاوي التي أطلقها اليهود والصهاينة غير
اليهود "للعودة" إلى فلسطين لتأخذ أبعادا ً جدية قبل نهايات
القرن التاسع عشر .فقد ظهرت بواكير هذه الدعوات في
القرن السادس عشر ،مرورا ً بأول كتاب صدر حول هذا
الموضوع بقلم المحامي البريطاني هزي فنش H.Finchسنة
1621بعنوان "البعث العالمي الكبير أو دعوة اليهود" ،كما
ظهرت في كتابات ودعوات النصارى أمثال إسحق نيوتن )
،(1727-1643جان جاك روسو ) ،(1778-1712وبريستلي
) ،(1804-1733وشافتسبري ،ولورنس أوليفنت .وظهرت
كذلك دعوات اليهود أمثال شبتاي بن زفي )،(1676-1626
ويهودا القالي ) ،(1878-1798وموزيس هس )-1812
(1875وغيرهم] .[30غير أن قدوم اليهود ظل مرتبطا ً
بالعاطفة الدينية التقليدية في زيارة الماكن المقدسة ،أو
السكن بجواره،كما ارتبط بمشاريع استيطانية "خيرية" ،ولم
يأخذ طابع البرنامج السياسي المنظم المكشوف .فقد كان
عدد اليهود في فلسطين سنة 1799نحو خمسة آلف]،[31
وفي عام 1876بلغ 13920يهوديًا][32
أخذت الهجرة اليهودية تتخذ طابعا ً أكثر تنظيما ً وكثافة منذ
1882إثر تصاعد "المشكلة اليهودية" في روسيا ،وقامت
السلطات العثمانية بعدد من الجراءات لمنع الستيطان
اليهودي في فلسطين ،وقامت سنة 1887بفصل سنجق
القدس عن ولية سوريا ،ووضعته مباشرة تحت إشراف
الحكومة المركزية )الباب العالي( لعطاء رعاية واهتمام أكبر
لهذه المنطقة] .[33ورغم أن عدد اليهود الذين تركوا بلدانهم
الصلية )خصوصا ً روسيا وشرقي أوربا( بلغ مليونين و 366
ألفا ً و 941شخصا ً خلل الفترة ) ،(1914-1881إل أن عدد
من استطاع الهجرة منهم إلى فلسطين بلغ نحو 55ألفًا ،أي
ما نسبته %2.32بينما هاجرت الغلبية الساحقة إلى الوليات
المتحدة وأوربا الغربية وأمريكا الجنوبية] .[34وهذا يدل على
24
نجاح نسبي للسلطات العثمانية في الحد من الهجرة اليهودية
إلى فلسطين
وقد كان إنشاء المنظمة الصهيونية العالمية World
Zionist Organizationوانعقاد مؤتمرها الول في بال
بسويسرا 29-27أغطسس 1897بزعامة ثيودور هرتزل T.
Herzlفاتحة العمل الصهيوني السياسي المؤسسي المنظم
لتأسيس الدولة اليهودية على أرض فلسطين .وقد حرص
هرتزل على تحقيق المشروع الصهيوني من خلل التصالت
الدبلوماسية ،ومحاولة تشجيع القوى الكبرى ،وخصوصا ً
بريطانيا ،على تبّني هذا المشروع ،في ضوء المصالح والفوائد
التي يمكن أن يجنيها الغرب الستعماري الصليبي ،وقد حاول
هرتزل عبثا ً إقناع الدولة العثمانية ببيعه فلسطين وإعطاء
اليهود حكما ً ذاتيا ً فيها تحت السيادة العثمانية ،وفتح أبواب
الهجرة اليهودية إليها مقابل عروض مغرية ،كانت الدولة
س الحاجة إليها .إل أن السلطان عبد الحميد م ّ
العثمانية في أ َ
ً ً
الثاني ) (1909-1876وقف سدا منيعا ضد رغبات اليهود،
ل" :انصحه أل يسير ورد ّ على من نقل اقتراح هرتزل إليه قائ ً
أبدا ً في هذا المر .ل أقدر أن أبيع ولو قدما واحدا من البلد؛
ً ً
لنها ليست لي بل لشعبي .ولقد حصل شعبي على هذه
المبراطورية بإراقة دمائهم ،وقد غذوها فيما بعد بدمائهم،
وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لحد باغتصابها منا …
ليحتفظ اليهود ببليينهم ،فإذا قسمت المبراطورية ،فقد
يحصل اليهود على فلسطين دون مقابل ،إنما لن تقسم إل
على جثثنا ،ولن أقبل بتشريحنا ليّ غرض كان"].[35
وقد شارك اليهود بفعالية في إسقاط السلطان عبد الحميد
من منصبه ،من خلل انبثاثهم ونفوذهم الكبير في جمعية
تركيا الفتاة وذراعها لجنة التحاد والترقي ،والتي قامت
بالنقلب العسكري عليه ،وإجباره على التنازل عن العرش،
وتعمدت إرسال قره صو اليهودي ضمن الوفد الذي أبلغ
السلطان عبد الحميد بقرار عزله .وكان قره صو هذا قد
حاول التأثير على السلطان عبد الحميد لسكان اليهود في
فلسطين ،فقام بطرده] .[36وقد استمتع اليهود بنفوذ كبير
تحت حكم التحاد والترقي خلل الفترة )،(1914-1909
فبينما كان لليهود ثلثة وزراء من أصل 13وزيرا ً في حكومة
التحاد والترقي التي تشكلت سنة ،1913كان للعرب الذين
يزيد عددهم عن نصف السكان وزير واحد].[37
25
وقد كان لبناء فلسطين نشاط مبكر في مواجهة المشروع
الصهيوني ،وكانت أولى الصطدامات المسلحة بين الفلحين
الفلسطينيين والمستوطنين الصهاينة سنة ،1886وقاموا
بتقديم العرائض للسلطات العثمانية ،كما نشطت الصحف
في تبيان الخطر الصهيوني مثل جريدتي الكرمل وفلسطين.
وكان للشيخ محمد رشيد رضا المصلح السلمي "اللبناني"
المقيم في مصر من خلل مجلة المنار دور رائد في ذلك .كما
برز من رجالت فلسطين يوسف ضيا الخالدي وسليمان
التاجي الفاروقي وإسعاف النشاشيبي… ممن تحدثوا عن
الخطر الصهيوني .وكانت سياسات "التتريك" والمحاباة
للصهيونية التي مارستها حكومة التحاد والترقي باعثا ً رئيسيا ً
لبناء فلسطين والعرب للنضمام للجمعيات العربية ،التي
أخذت تطالب بالصلح ضمن الدولة العثمانية ،مثل حزب
اللمركزية والعربية الفتاة وغيرها].[38
قضية فلسطين في الحرب العالمية الولى
:1918-1914
ومع بداية الحرب العالمية الولى 1914كان قد بلغ عدد
اليهود في فلسطين نحو 80ألفًا ،غير أن موقف اليهود
الممالئ لبريطانيا وحلفائها ضد الدولة العثمانية قد جعل
العثمانيين يضيقون عليهم فترة الحرب )،(1918-1914
فانخفض عددهم مع نهايتها إلى نحو 55ألفًا.وقد كانت
الحرب العالمية الولى خطرا ً هائل ً على الجميع ،لكنها مثلت
في الوقت نفسه فرصة أمام كل طرف للنتفاع من نتائجها
في حالة النتصار ،فنشط سوق المفاوضات والتصالت
السرية والمعاهدات لترتيبات ما بعد الحرب .ورغم أن
المنظمة الصهيونية العالمية عانت مؤقتا ً من حالة من
التشتت بسبب وجود الكثير من قياداتها في ألمانيا ،إل أن
حاييم وايزمن C.Weizmannاستطاع إعادة ترتيب أوراقها،
وقيادتها عمليا ً من خلل مركزه في بريطانيا .أما بريطانيا فقد
سعت إلى ضمان نفوذها في بلد الشام والعراق من خلل
السير في ثلثة اتجاهات متعارضة متضاربة ،ولم تبال بهذا
التعارض كثيرا ً في سبيل تحقيق أهدافها والنتصار في
الحرب.
-كان التجاه الول التفاوض مع الشريف حسين بن علي
أمير الحجاز )مراسلت حسين-مكماهون يوليو -1915مارس
(1916لدفعه لعلن الثورة العربية على العثمانيين مقابل
26
وعود باستقلل معظم المناطق العربية في جزيرة العرب
وبلد الشام والعراق تحت زعامته .وكان الكثير من رجالت
العرب قد أصيبوا بالحباط جّراء سياسات التحاد والترقي،
التي أفقدت الدولة العثمانية مصداقيتها السلمية،كما غضبوا
لقيام جمال باشا الصغير والي سوريا بتعليق العديد من
القيادات العربية على أعواد المشانق في مايو ،1915رغم
أن زعامات الجمعيات العربية كانت قد أعلنت في بداية
الحرب تناسي خلفاتها مع العثمانيين ،والوقوف إلى جانبها
في محاربة "الكفار" .وقد تعمدت بريطانيا سياسة عدم
الوضوح في تحديد التزاماتها ،وقد ضغط الشريف حسين
على بريطانيا لتكون أكثر تحديدًا ،خصوصا ً فيما يتعلق بحدود
الدولة العربية المقترحة ،فأرسلت بريطانيا في 24أكتوبر
1915عددا ً من التحفظات على الحدود،كمطالبتها بعدم ضم
إقليمي مرسين وأضنة ،وكذلك المناطق التي تقع إلى الغرب
من سناجق حلب وحمص وحماة ودمشق ،فضل ً عن استمرار
استعمارها لجنوب اليمن وإمارات الخليج العربي ،ومطالبتها
بوضع إداري خاص لجنوب العراق يكفل المصالح البريطانية.
ورغم أن الشريف حسين كان يفهم أنه ل يستطيع تغيير شيء
بالنسبة للبلدان العربية المستعمرة ،كما عبر عن استعداده
لمناقشة المصالح البريطانية في جنوب العراق ،إل أنه أصر
على عروبة المناطق غربي مناطق حلب وحمص ودمشق
)وهي ما فهم أن المقصود منها ما يعرف الن بلبنان( .وقد تم
التفاق على ضرورة المسارعة في إعلن الثورة على أن تتم
مناقشة المور المعلقة بعد انتهاء الحرب .فقام الشريف
حسين بإعلن الثورة في الحجاز في 10يونيو 1916وتحالف
علنا ً مع البريطانيين ،وأيدته في ذلك الجمعيات العربية التي
كان لها نفوذ قوي خصوصا ً في بلد الشام كالعربية الفتاة
واللمركزية والعهد.
-أما التجاه البريطاني الثاني فكان التفاوض مع فرنسا
)انضمت بعد ذلك روسيا للمفاوضات( بشأن مستقبل العراق
وبلد الشام .وقد تم التفاق فيما يعرف بمعاهدة سايكس-
بيكو Sykes-Picot Agreementفي مايو 1916على إعطاء
البريطانيين معظم العراق )مقارنة بحدوده الحالية( وشرق
الردن ومنطقة حيفا في فلسطين ،أما لبنان وسوريا
فتوضعان تحت الستعمار الفرنسي .ونظرا ً لرغبة كافة
27
الطراف في استعمار فلسطين فقد اُتفق على أن توضع
تحت إشراف دولي.
-وكان التجاه البريطاني الثالث هو التفاوض مع المنظمة
الصهيونية العالمية حول مستقبل فلسطين .وقد دفعهم إلى
ذلك حاجتهم الماسة لستخدام النفوذ اليهودي في الوليات
المتحدة لدفعها للمشاركة في الحرب إلى جانب بريطانيا
وحلفائها )وهذا ما حدث فعل ً في مارس ،(1917فضل ً عن
وجود النفوذ اليهودي الصهيوني في بريطانيا وفي الحكومة
البريطانية نفسها من خلل وزير الداخلية اليهودي الصهيوني
هربرت صمويل ،H.Samuelوالنصارى المتصهينيين مثل رئيس
الوزراء لويد جورج ،L.Goergeووزير الخارجية بلفور .Balfour
هذا بالضافة إلى ما أشرنا إليه سابقا ً من دوافع وخلفيات
دينية وسياسية واستراتيجية … .وكانت النتيجة صدور وعد
بلفور في 2نوفمبر 1917بتعهد بريطانيا بإنشاء وطن قومي
لليهود في فلسطين .وقد كان هذا من أغرب الوعود في
التاريخ النساني ،ففضل ً عن تعارضه مع المعاهدات الخرى،
فقد تجاوز بصلف وغرور رغبات وأماني أصحاب البلد
الشرعيين ،وتعهد أن يعطي أرضا ً ل يملكها ـ بل ولم يكن قد
احتلها بعد ـ إلى أناس ل يستحقونها ،وكان ذلك في ذروة
الحديث عن الشرف البريطاني ،والدفاع عن القيم والمبادئ.
لم تبق اتفاقية سايكس-بيكو طي الكتمان ،إذ قام
الروس بكشفها بعد أن استطاعت الثورة الشيوعية القضاء
على الحكم القيصري في روسيا في أكتوبر 1917وأعلنت
انسحابها من الحرب .كما عرف الناس مبكرا ً بوعد بلفور
الذي لم يعد سرا ً بعد أن وصل للصحافة في البلد العربية ـ
مصر بالتحديد ـ بعد أقل من أسبوع من صدوره .وقد كان
ذلك صدمة كبيرة للثورة العربية ،إذ لم يتخيلوا أبدا ً هذه
الدرجة من الخداع البريطاني ،ولذلك رفض جنود الثورة
العربية الستمرار ما لم توضح المور ،فأرسلت بريطانيا
إمعانا ً في التضليل أحد مبعوثيها )هوغارث ( Hogarthفي يناير
1918لطمأنة الشريف حسين ،حيث حمل تصريحا ً بريطانيا ً
بأن الهجرة اليهودية لفلسطين لن تتعارض مع مصالح
السكان السياسية والقتصادية .كما حمل التصريح البريطاني
إلى القياديين السوريين السبعة في يونيو 1918تأكيدات
واضحة على أن الرض التي يحتلها البريطانيون )جنوب
فلسطين وجنوب العراق( سوف تحكم وفق رغبات السكان،
28
فضل ً عن الموافقة على استقلل ما كان ل يزال تحت
السيادة العثمانية من شمال فلسطين وشرق الردن وسوريا
ولبنان وشمال العراق .وعندما انتهت الحرب العالمية صدر
التصريح النجلو-فرنسي 7نوفمبر 1918بتأكيد التعهدات
للعرب الذين كانوا تحت الحكم العثماني في الحرية
والستقلل][3
فلسطين تحت الحتلل البريطاني -1917
1948م:
أتم البريطانيون احتلل جنوب فلسطين ووسطها في
ديسمبر 1917واحتلوا القدس في 9ديسمبر .1917
وخطب قائد الجيش البريطاني اللنبي في القدس محتفل ً
ل" :والن انتهت الحروب الصليبية"] [40وكأن بانتصاره قائ ً
حملتهم على فلسطين كانت آخر حملة صليبية ،وكأن
الحروب الصليبية لم تتوقف منذ أن شنها الوربيون قبل ذلك
بأكثر من 800عام .وفي سبتمبر 1918احتل البريطانيون
شمال فلسطين ،كما احتلوا في سبتمبر-أكتوبر 1918شرق
الردن وسوريا ولبنان .ومنذ ذلك الوقت فتحت بريطانيا
بالقوة مشروع التهويد المنظم لرض فلسطين ،واستطاعت
بريطانيا بعد ذلك إقناع فرنسا بالتخلي عن مشروع تدويل
فلسطين كما في نصوص سايكس بيكو ،مقابل رفع بريطانيا
لدعمها للحكومة العربية التي نشأت في دمشق بزعامة
فيصل بن الشريف حسين ،حتى تتمكن فرنسا من احتلل
سوريا .ثم وفرت بريطانيا لنفسها غطاًء دوليا ً باستصدار قرار
من عصبة المم في 24يوليو 1922بانتدابها على فلسطين،
وتم تضمين وعد بلفور في صك النتداب ،بحيث أصبح التزاما ً
رسميا ً معتمدا ً دوليًا .غير أن فكرة النتداب التي ابتدعتها
عصبة المم ،كانت قائمة على أساس مساعدة الشعوب
المنتدبة وإعدادها لنيل استقللها .وقد تضمن صك النتداب
نفسه على فلسطين مسئولية الدولة المنتدبة )بريطانيا( في
الرتقاء بمؤسسات الحكم المحلي ،وصيانة الحقوق المدنية
والدينية لجميع سكان فلسطين .وهذا يعني أل يقف وعد
بلفور في نهاية المر عائقا ً في وجه أبناء فلسطين ضد
الرتقاء بمؤسساتهم وإقامة دولتهم .وكان تنفيذ وعد بلفور
يعني عمليا ً الضرار بمصالح أهل فلسطين وحقوقهم،
وتعطيل بناء مؤسساتهم الدستورية باتجاه إقامة دولتهم .وقد
فضلت بريطانيا دائما ً التزام الشق المتعلق بوعد بلفور،
29
مت آذانها ولم تحترم الشق المتعلق بحقوق أبناء وأص ّ
فلسطين العرب الذين كانوا يمثلون نحو [41]%92من
السكان عند بداية الحتلل .وربما أرادت بريطانيا من إيجاد
نصوص متعلقة بحقوق الفلسطينيين إظهار نفسها بمظهر
الحكم العادل بين الطرفين العربي واليهودي ،وتشجيع
الفلسطينيين على المطالبة بحقوقهم وفق أساليب مدنية
"دستورية" ،وعدم إغلق كافة المنافذ أمامهم ،بحيث ل
يصلون إلى درجة النفجار والثورة بسرعة ،في الوقت الذي
تقوم فيه بالتسويف والمماطلة ،ريثما يتم لها ترسيخ الوطن
القومي اليهودي في فلسطين .وضعت بريطانيا فلسطين
تحت الحكم العسكري حتى نهاية يونيو ،1920ثم حولتها إلى
الحكم المدني ،وعينت اليهودي الصهيوني هربرت صمويل
م" لها على فلسطين ) (1925-1920حيث أّول "مندوب سا ٍ
شرع في تنفيذ المشروع الصهيوني ميدانيا ً على الرض .وتابع
المندوبون "السامون" المسيرة نفسها ،غير أن أكثرهم سوءا ً
ودهاءا ً ونجاحا ً في التنفيذ كان آرثر واكهوب A. Wauchope
((1931-1938حيث وصل المشروع الصهيوني في عهده إلى
درجات خطيرة.
تطور المشروع الصهيوني-:
وعلى أي حال ،فقد عاشت فلسطين تحت الحتلل
حرم أهل فلسطين من بناء البريطاني مؤامرة رهيبة ،ف ُ
كم أنفسهم ،وُوضعوا تحت الحكم ح ْ
مؤسساتهم الدستورية و ُ
البريطاني المباشر ،وُأعطي المندوبون السامون صلحيات
مطلقة .وضيقت بريطانيا على الفلسطينيين سبل العيش
وكسب الرزق ،وشجعت الفساد ،وسعت لتعميق النقسامات
العائلية والطائفية وإشغال أبناء فلسطين ببعضهم .وفي
المقابل شجعت الهجرة اليهودية ،فزاد عدد اليهود من 55
ألفا ً ) %8من السكان( سنة 1918إلى 650ألفا ً ) %31من
السكان( سنة .1948ورغم الجهود اليهودية-البريطانية
المضنية للحصول على الرض ،إل أن اليهود لم يتمكنوا من
الحصول سوى على نحو %6.5من فلسطين بحلول ،1948
ض باعها إقطاعيون ض حكومية ،أو أرا ٍ كان معظمها إما أرا ٍ
غير فلسطينيين كانوا يقيمون في لبنان وسوريا وغيرها ،وقد
بنى اليهود على هذه الراضي 291مستعمرة .وفي الوقت
الذي كانت السلطات البريطانية تسعى حثيثا ً لنـزع أسلحة
الفلسطينيين ،وتقتل أحيانا ً من يحوز سلحا ً ناريًا ،بل وتسجن
30
ل ،فإنهالسنوات من يملك رصاصات أو خنجرا ً أو سكينا ً طوي ً
ضت الطرف ،بل وشجعت سّرا ً تسليح اليهود لنفسهم، غ ّ
وتشكيلهم قوات عسكرية وتدريبها ،بلغ عددها مع اندلع
حرب 1948أكثر من سبعين ألف مقاتل ) 64ألف مقاتل من
الهاغاناه ،وخمسة آلف من الرغون ،وألفين من شتيرن …
وغيرها( ،وهو عدد يبلغ أكثر من ثلثة أضعاف الجيوش العربية
السبعة التي شاركت في حرب !!1948وأسس اليهود
الوكالة اليهودية سنة ،1929والتي تولت شئون اليهود في
فلسطين ،وأصبحت أشبه بدولة داخل دولة لما تمتعت به من
صلحيات واسعة .وأقام اليهود مؤسسات اقتصادية واجتماعية
وتعليمية ضخمة ،شكّلت بنية تحتية قوية للدولة اليهودية
القادمة ،فتأسس الهستدروت )اتحاد العمال( وافتتحت
الجامعة العبرية بالقدس سنة .…[42]1925وهكذا ،فإن
الظلم والقهر والمحاباة كان السمة البرز للستعمار
البريطاني لفلسطين
-------------------------------------------------------------------
-----
][28انظر :ريجينا الشريف ،مرجع سابق ،ص ،110-106
والموسوعة الفلسطينية ،ج ،2ص .279
]Albert H. Hyamson, Palestine under the Mandate 1920- [29
.1948 (Great Britain: Methuen, 1950), p.7
][30انظر :ريجينا الشريف ،مرجع سابق ،ص ،81-79وأسعد عبد
الرحمن ،مرجع سابق ،ص .30-27
][31حسان حلق ،موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية
،1909-1897ط ) 2بيروت :الدار الجامعية للطباعة والنشر،
،(1980ص 84-82
][32سمير أيوب ،وثائق أساسية في الصراع العربي الصهيوني
)بيروت :دار الحداثة للطباعة النشر ،(1984 ،ج ،1ص .280
] [33انظر :حسان حلق ،مرجع سابق ،ص .105-101
][34انظر :وليم فهمي ،الهجرة اليهودية إلى فلسطين )مصر:
درت الهيئة المصرية العامة للكتاب ،(1974 ،ص .36وقد ق ّ
مراجع أخرى عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين 1914-1882
ل :دليل إسرائيل العام ،تحرير بحوالي 70-55ألفًا ،انظر مث ً
صبري حريس وأحمد خليفة )بيروت :مؤسسة الدراسات
الفلسطينية ،(1996 ،ص .40
] [35سمير أيوب ،مرجع سابق ،ج ،1ص .128
31
][36انظر :صالح أبو يصير ،جهاد شعب فلسطين خلل نصف
قرن )بيروت :دار الفتح ،(1970 ،ص .33
]37عجاج نويهض ،رجال من فلسطين بيروت :منشورات
فلسطين المحتلة 1980 ،ص 327-326
( 38انظر حول هذا الموضوع في :عبد الوهاب الكيالي،
تاريخ فلسطين الحديث ،ط ) 9بيروت :المؤسسة العربية
للدراسات والنشر ،(1985 ،ص .67-37
] [39حول المفاوضات والوعود البريطانية مع الشريف
حسين ،والفرنسيين ،والمنظمة الصهيونية العالمية ،انظر:
المرجع نفسه ،ص .84-72وأيضًاGeorge Antonius, The :
Arab Awaking (London: Hamish Hamilton,1955) pp.260-
.272وتقرير اللجنة الملكية :الكتاب البيض رقم ،5479
النسخة العربية الرسمية ،إصدار حكومة النتداب البريطاني
في فلسطين )القدس ،(1937 ،ص ) .31-23اشتهر هذا
التقرير باسم تقرير بيل.
32
ظهور الحركة الوطنية الفلسطينية-:
ورغم حالة النهاك التي خرج بها الفلسطينيون من الحرب
العالمية الولى ،ورغم وقوع البلد العربية من حولهم ـ
والعالم السلمي بشكل عام ـ تحت سطوة الستعمار
ونفوذه ،ورغم ضعف إمكاناتهم المادية ،وانعدام أدوات
الضغط والنفوذ السياسي لديهم ،مقارنة بما حظي به
المشروع الصهيوني من دعم يهودي عالمي ،ومن رعاية
القوى العظمى له ،رغم ذلك كله ،فإن التمسك بحقهم
الكامل في فلسطين ،والصرار على استقللهم مهما كلف
الثمن ،كانت السمة البرز لنشاطهم السياسي الجهادي
طوال فترة الحتلل البريطاني .وقد تمحور النشاط السياسي
الفلسطيني حول مطالب محددة أبرزها-:
-إلغاء وعد بلفور لما يتضمنه من ظلم وإجحاف بحقوق
الغلبية الساحقة من السكان.
-إيقاف الهجرة اليهودية
-وقف بيع الراضي لليهود.
-إقامة حكومة وطنية فلسطينية منتخبة عبر برلمان )مجلس
تشريعي( يمثل الرادة الحقيقية الحرة للسكان.
-الدخول في مفاوضات مع البريطانيين لعقد معاهدة تؤدي
في النهاية إلى استقلل فلسطين.
وعلى هذه السس نشأت الحركة الوطنية الفلسطينية ،وأقام
الفلسطينيون مؤتمرهم الول )المؤتمر العربي الفلسطيني
27يناير 10-فبراير (1919في القدس ،فرفض تقسيم بلد
الشام وفق المصالح الستعمارية ،وعد ّ فلسطين جزءا ً من
سوريا )بلد الشام( ،وطالب باستقلل سوريا ضمن الوحدة
العربية ،وتشكيل حكومة وطنية تمارس الحكم في فلسطين،
وقد عقد الفلسطينيون سبعة مؤتمرات من هذا النوع حتى
عام .1928وبرز في قيادة الحركة الوطنية رئيس اللجنة
التنفيذية للمؤتمر الفلسطيني موسى كاظم الحسيني الذي
استمر في الزعامة الرسمية للحركة الوطنية حتى وفاته في
مارس .1934غير أنه من الناحية الفعلية برز اسم الحاج
أمين الحسيني ،الذي أصبح مفتي القدس سنة ،1921
ورئيس المجلس السلمي الشرعي العلى منذ تأسيسه سنة
،1922والذي غدا أهم قلعة للحركة الوطنية والقوة الدافعة
خلفها .وبوفاة موسى كاظم الحسيني أصبح الحاج أمين زعيم
33
فلسطين دون منازع حتى نهاية الستعمار البريطاني سنة
1948م.
الحركة الوطنية الفلسطينية )1929-1918م(:
ركزت الحركة الوطنية الفلسطينية خصوصا ً خلل )-1918
(1929على المقاومة السلمية للمشروع الصهيوني،
ومحاولة إقناع بريطانيا بالعدول عن وعد بلفور ،وقد كان ل
ل في ذلك ،خصوصا ً وأن البريطانيين كانوا يزال لديها بقايا أم ٍ
حلفاء الشريف حسين خلل الحرب العالمية الولى ،كما أن
المشروع الصهيوني لم يكن قد حقق بعد أية نتائج عملية
ذات أبعاد خطيرة على الوضع في فلسطين .هذا ،فضل ً عن
أن القيادة الفلسطينية لم تكن ترى أن الفلسطينيين يملكون
الوسائل البديلة المكافئة التي تمكنهم من فرض إرادتهم على
البريطانيين .كما أن القيادة نفسها لم تكن تملك العزيمة
والرادة والتماسك لتحدي البريطانيين بوسائل أكثر عنفًا.
ولعبت قلة الخبرة السياسية ،والتنافس العائلي على القيادة
)الحسينية والنشاشيبية( ـ والذي أسهم البريطانيون في
تأجيجه ـ دوره في إضعاف الحركة الوطنية الفلسطينية .غير
أن هذا لم يؤثر بشكل عام على الموقف المبدئي الفلسطيني
من المشروع الصهيوني والستعمار البريطاني ،ومن
المطالب السياسية العامة للحركة الوطنية.
ومن الناحية السياسية ،أرسلت القيادةالفلسطينية وفدها
الول إلى لندن في يوليو ،1921الذي التقى وزير
ً
المستعمرات ونستون تشرشل W.Churchilوعددا من
المسؤولين ،لكن جهوده لم تلق آذانا ً صاغية من الحكومة
البريطانية ،وإن كان نجح في دفع مجلس اللوردات البريطاني
بإصدار قرار برفض وعد بلفور .ومن جهة أخرى ،أفشل
الفلسطينيون محاولة بريطانية تشكيل مجلس تشريعي في
فلسطين سنة 1923منزوع الصلحية الفعلية ،ول يمثل
بشكل صحيح سكان فلسطين .ولقيت زيارة بلفور لفلسطين
سنة 1925احتجاجات عامة ،وتمت مقاطعته ،وُنفذ إضراب
شمل كل فلسطين .وفي المؤتمر الفلسطيني الخامس -22
25أغسطس 1922وضع المؤتمرون ميثاقا ً وطنيا ً أقسموا
اليمين التالي على اللتزام به" :نحن ممثلي الشعب العربي
الفلسطيني في المؤتمر العربي الفلسطيني الخامس
المعقود في نابلس ،نتعهد أمام الله والتاريخ والشعب على
أن نستمر في جهودنا الرامية إلى استقلل بلدنا ،وتحقيق
34
الوحدة العربية بجميع الوسائل المشروعة ،وسوف ل نقبل
بإقامة وطن قومي يهودي أو هجرة يهودية"].[43
وخلل الفترة نفسها 1929-1918وقعت ثلث ثورات عبرت
بشكل قوي عن الغضب الشعبي العارم من المشروع
الصهيوني ،غير أنها وجهت غضبها ضد اليهود ،وحاولت تجنب
البريطانيين )بسبب العوامل المشار إليها سابقًا( ،لكن الدور
الساسي في قمع هذه الثورات كان للبريطانيين .فكانت
ثورة موسم النبي موسى 10-4إبريل 1920في القدس
التي أدت إلى مقتل خمسة يهود وجرح 211آخرين ،ومقتل
أربعة عرب وجرح 24آخرين ،وثورة يافا 15-1مايو 1921
التي اندلعت في يافا وشملت أجزاء من شمال فلسطين
وأدت إلى مقتل 47وجرح 146يهوديًا ،بينما قتل 48وجرح
73عربيًا ،وثورة البراق التي تصاعدت أحداثها منذ 15
أغسطس واستمرت حتى 2سبتمبر ،1929وقد خاضها
المسلمون دفاعا ً عن العتداءات اليهودية على حائط البراق
"الحائط الغربي للمسجد القصى المبارك" وانتشرت في
كافة أرجاء فلسطين ،وأدت إلى مقتل 133وجرح 339
يهوديًا ،وقتل 116عربيا ً وجرح 232آخرين .وفي الثورات
الثلث حدثت معظم إصابات اليهود على أيدي العرب ،أما
معظم إصابات العرب فوقعت على أيدي القوات البريطانية
والشرطة .وقد كان للحاج أمين الحسيني مفتي القدس دور
أساسي في ثورة موسم النبي موسى وثورة البراق .أما
القيادة السياسية الرسمية الفلسطينية فقد ظلت متمسكة
سَعت إلى تهدئة مشاعر الغضب بالساليب السلمية ،بل و َ
واستيعابها .ومن المهم الشارة إلى أن الثورات الثلث قد
اتخذت طابعا ً إسلميا ً أسهم في تأجيح المشاعر الوطنية
وتفجيرها ضد المشروع الصهيوني][44
الحركة الوطنية الفلسطينية )1939-1929م(:
كانت ثورة البراق 1929فاتحة لعقد تصاعدت فيه المقاومة
الجهادية العنيفة للمشروع الصهيوني وللستعمار البريطاني
على حد سواء ،وقد وصلت ذروتها في الثورة الفلسطينية
الكبرى ) .(1939-1936فقد أخذت تتكرس خطورة
المشروع اليهودي-الصهيوني خصوصا ً إثر هجرة أكثر من 152
ألف يهودي خلل الفترة ) ،(1935-1930مما ضاعف عدد
اليهود الذين كان عددهم في منتصف سنة 1929حوالي
156ألفًا ،وكان الكثير من المهاجرين الجدد من ألمانيا ،من
35
رجال العمال وأصحاب الموال والتجارة ومن العلماء
المتخصصين .كما تمكن اليهود في الفترة نفسها )-1930
(1935من الستيلء على 229ألف دونم من الراضي
ُ
الفلسطينية .وهّرب اليهود كميات ضخمة من السلحة كشفت
حالتان منها في 15مارس ،1930وفي 16أكتوبر ]1935
.[45وتميز النصف الول من الثلثينيات بازدياد النشاط
السياسي والتفاعل الوطني مع الحداث ،وتوجيه العداء
بشكل مباشر وواسع ضد السلطات البريطانية باعتبارها
"أصل الداء ،وأساس كل بلء" .وتشكلت في هذه الفترة
الحزاب الفلسطينية ،وكان "حزب الستقلل" أغسطس
1932أولها ظهورًا ،وأسهم بشكل كبير في توجيه العداء ضد
بريطانيا ،لكن شأنه ضعف منذ منتصف .1933أما الحزب
العربي الفلسطيني الذي ظهر في مارس 1935فقد أصبح
الحزب الشعبي الول ،وحظي بدعم المفتي )الحاج أمين(
وبدعم الجماهير] ،[46ونشطت في الفترة نفسها جمعيات
الشبان المسلمين ،و الحركات الكشفية .ونشأت وتطورت
تنظيمات سرية عسكرية جهادية مثل حركة "الجهادية" بقيادة
عز الدين القسام ،و"منظمة الجهاد المقدس" بقيادة عبد
القادر الحسيني )والشراف السّري للحاج أمين( ،كما ظهرت
مجموعات ثورية أصغر دخلت في صدامات مبكرة مع
السلطة مثل "الكف الخضر".
قد َ الفلسطينيون في هذه الفترة أملهم في الحصول لقد فَ َ
على حقوقهم بالوسائل السلمية والقانونية ،وعلق الحاج أمين
ل" :كنا ما نزال حتى سنة الحسيني على تلك المرحلة قائ ً
1932على شيء من المل ،ولكنه زال مع الزمن ،كل عذابنا
…كل آلمنا كانت ُتعد ّ بعناية ،لم يكن أمامنا غير الشهادة"]
.[47وأشارت مذكرة لمدير قسم المخابرات في شرطة
فلسطين إلى أن "الشعور المتزايد بالسخط ضد النتداب
البريطاني والدارة أصبح سائدا ً وسط كل الطبقات… ،وأن
ملوا بأن بريطانيا سوف تحقق لهم العدل ،قد َ
العرب ،الذين أ ِ
أصيبوا باليأس"] .[48وقد أسهم في تكريس القناعات
المعادية لبريطانيا وانتشارها فشل مهمة الوفد العربي
الفلسطيني إلى لندن برئاسة موسى كاظم الحسيني في
ربيع .1930وعدم تنفيذ توصيات جون هوب سمبسون
J.H.Simpsonخبير السكان والراضي ،الذي كلفته الحكومة
البريطانية بدراسة الوضع في فلسطين ،والذي استنتج بعد
36
ض إضافية حاليا ً يمكن إعطاؤها
دراسة دقيقة أنه ل توجد أرا ٍ
للمهاجرين اليهود ،وأوصى بخفض الهجرة اليهودية أو وقفها]
.[49وزاد من تفاقم الوضع نكوص الحكومة البريطانية عن
تنفيذ توجهاتها التي أعلنتها في "الكتاب البيض" في أكتوبر
1930الذي وعد بضبط الهجرة اليهودية ،ثم إصدارها "الكتاب
السود" في فبراير 1931الذي أكد التزامات بريطانيا تجاه
المشروع الصهيوني ،ومسح عمليا ً ما جاء في الكتاب البيض]
.[50
واستطاع أبناء فلسطين في تلك الفترة أن يجددوا البعد
العربي والسلمي لقضية فلسطين وينشطوه .فنقلت
التقارير في مايو 1931وجود مخطط ثوري جهادي يستهدف
إنقاذ البلد العربية وخصوصا ً فلسطين وسوريا ،وأن المير
شكيب أرسلن )وهو إسلمي لبناني( كان زعيم هذه الحركة،
ويشترك معه في المخطط الحاج أمين الحسيني ومولنا
شوكت علي الزعيم الهندي المعروف .وكان على اتصال
بزعماء الحركات العربية في الجزيرة العربية والعراق والشام
ومصر .لكن المخطط لم ُيكتب له النجاح] .[51وفي -7
17ديسمبر 1931انعقد في القدس المؤتمر السلمي العام
برئاسة الحاج أمين الحسيني ،وبحضور مندوبين عن 22بلدًا،
وتكرس فيه البعد السلمي لقضية فلسطين ،التي أصبحت
ما ً مركزيا ً للعالم السلمي ،وحضره علماء وشخصيات ه ّ
إسلمية كبرى مثل الشيخ محمد رشيد رضا ،والمفكر الهندي
الشاعر "محمد إقبال" ،والزعيم الهندي شوكت علي،
والزعيم التونسي عبد العزيز الثعالبي ،ورئيس وزراء إيران
السابق ضياء الدين الطبطبائي ،والزعيم السوري شكري
القوتلي… ،وغيرهم .وصدرت العديد من القرارات العملية
كإنشاء جامعة إسلمية ،وتأسيس شركة لنقاذ الراضي،
وتشكيل لجان لفلسطين في مختلف البلدان …] [52لكن
وقوع معظم بلدان العالم السلمي تحت الستعمار ،وإصرار
البريطانيين على إفشال أي من المشاريع العملية أدى إلى
تعطيل العمل بمعظم هذه القرارات .وتزايد دور علماء
المسلمين الفلسطينيين بانعقاد مؤتمرهم الول في 25يناير
،1935وإصدارهم فتوى بتحريم بيع الرض لليهود ،وتكفير
من يرتكب ذلك ،ثم قيامهم بحملة توعية كبرى في فلسطين]
.[53ومن جهة أخرى ،فإن المقاومة الجهادية تمثلت في
البداية في منظمة "الكف الخضر" ،التي ظهرت إثر ثورة
37
البراق في شمال فلسطين بزعامة أحمد طافش ،وقامت
بعمليات ضد اليهود والبريطانيين ،لكن الحملة البريطانية
المكثفة ضدها أدت إلى القضاء عليها في فبراير ،1930
والقبض على زعيمها .وفي أكتوبر 1933صّعدت القيادة
السياسية الفلسطينية معارضتها ،وأقامت مظاهرتين كبيرتين
في القدس في 13أكتوبر ،وفي يافا في 27أكتوبر ،شارك
فيها الزعماء بأنفسهم ،وانطلقت المظاهرة الولى من
المسجد القصى ،أما الثانية فانطلقت بعد صلة الجمعة من
يافا ،وأضربت فلسطين في هذين اليومين ،وحاولت
السلطات منع المظاهرات بالقوة ،مما أدى إلى مقتل 35
وجرح 255عربيًا .وقد اتسعت المظاهرات وزادت عنفا ً في
حيفا والقدس ونابلس وبئر السبع واللد وغيرها؛ مما أدى
لسقوط المزيد من الضحايا ،وأضربت فلسطين مدة سبعة
أيام .واعتقلت السلطات البريطانية 12زعيما ً فلسطينيًا،
بينهم ثلثة من أعضاء اللجنة التنفيذية ،وأصيب موسى كاظم
الحسيني في أثناء مظاهرة يافا بكدمات أغمي عليه على
إثرها ،وُذكر أنه توفي في مارس 1934متأثرا ً بهذه الصابة،
وهو في الحادية والثمانين من عمره].[54
أما حركة "الجهادية" فقد أسسها الشيخ عز الدين القسام،
وتعود بجذورها إلى سنة .1925وهي حركة سرية جهادية،
اتخذت السلم منهجًا ،وكان شعارها "هذا جهاد ،نصر أو
استشهاد" وانتشرت في شمال فلسطين ،خصوصا ً بين
العمال والفلحين ،وأمكن لها تنظيم 200رجل ،بالضافة إلى
800من النصار .وقامت سّرا ً بالمشاركة الجهادية في ثورة
البراق ،ثم نفذت بعض العمليات خلل النصف الول من
الثلثينيات ،لكنها أعلنت عن نفسها ونزلت إلى الميدان في
نوفمبر ،1935واستشهد الشيخ القسام واثنان من رفاقه في
أول مواجهة مع الشرطة في معركة أحراش يعبد في 20
نوفمبر .1935ولم تكن هذه نهاية الحركة ،فقد تولى القيادة
الشيخ فرحان السعدي .وكان لها دور رائد عظيم في الثورة
الكبرى ) .[55](1939-1936أما منظمة "الجهاد المقدس"
فقد اصطبغت بصبغة إسلمية وطنية ،ولقيت رعاية الحاج
أمين ،وتركز تنظيمها في القدس ،بقيادة عبد القادر
الحسيني ،ووصل عدد أفرادها سنة 1935إلى 400عضو]
.[56وشاركت في الثورة الكبرى في قيادة العمل في
مناطق القدس والخليل.
38
الثورة الفلسطينية الكبرى -:1939-1936
كانت الثورة الكبرى من أعظم الثورات في تاريخ فلسطين
الحديث والمعاصر .وقد تفجرت في 15إبريل 1936على يد
مجموعة قسامية بقيادة الشيخ فرحان السعدي ،قامت بقتل
اثنين من اليهود .ثم تفاعلت الحداث ،وحصلت ردود فعل
غاضبة متبادلة بين العرب واليهود ،وأعلن أبناء فلسطين
الضراب العام في 20إبريل ،وتم توحيد الحزاب العربية،
وتشكيل اللجنة العربية العليا )التي تولى رئاستها الحاج أمين
الحسيني بنفسه( في 25إبريل ،وقامت اللجنة بالعلن عن
الصرار على الستمرار في الضراب حتى تحقيق المطالب
الفلسطينية في إنشاء حكومة فلسطينية مسئولة أمام
برلمان منتخب ،ووقف الهجرة اليهودية ،ومنع بيع الراضي
لليهود .واستمر الضراب 178يوما ً )حوالي ستة اشهر(
ليكون أطول إضراب في التاريخ يقوم به شعب بأكمله.
مت كل فلسطين ،ولم تتوقف ورافق الضراب ثورة عارمة ع ّ
المرحلة الولى من الثورة إل في 12أكتوبر ،1936بناء على
نداء ملوك وأمراء العرب ،و تهيئة لقدوم لجنة تحقيق ملكية
بريطانية )لجنة بيل( لتدرس الوضع وتقدم توصياتها .وقد
صدرت توصيات هذه اللجنة في مطلع يوليو ،1937واقترحت
تقسيم فلسطين بين العرب واليهود .وقد أدى ذلك إلى تأجيج
مشاعر الثورة من جديد ،وكانت علمة بدئها الفاصلة اغتيال
القساميين للحاكم البريطاني للواء الجليل أندروز Andrews
في 26سبتمبر .1937وقامت السلطات البريطانية
بإجراءات قمعية هائلة ،وحّلت المجلس السلمي العلى
واللجنة العربية العليا واللجان القومية ،وحاولت اعتقال الحاج
أمين الذي تمكن من الهرب إلى لبنان في منتصف أكتوبر
،1937حيث تولى قيادة الثورة من هناك ،لكنها نجحت في
اعتقال أربعة من أعضاء اللجنة العربية العليا ،وأبعدتهم إلى
جزر سيشل.
وقد وصلت الثورة إلى قمتها في صيف ،1938ونجح
الثوار في السيطرة على الريف الفلسطيني وُقراه ،وتمكنوا
من احتلل عدد من المدن لفترات محدودة ،وانهارت السلطة
المدنية البريطانية .ولو أن المر اقتصر فقط على مواجهة
مرة ،لربما أدى المر إلى بين شعب محتل وسلطة مستع ِ
انسحابها وإعطاء الشعب حقوقه .ولكن وجود الطرف
اليهودي-الصهيوني ونفوذه ،وطبيعة مشروعه،كانت تضغط
39
دائما ً لمزيد من المكابرة والعناد عند البريطانيين .وقد قامت
بريطانيا بإرسال تعزيزات ضخمة يقودها عسكريون مرموقون
)ويفل ،هيننج ،مونتجمري…( ،وقامت بإعادة احتلل فلسطين
قرية قرية ،مستخدمة كل وسائل التنكيل والدمار ،وأحدث ما
توصلت إليه أكبر قوة عظمى في ذلك الزمان ،إلى أن
أخمدت الثورة في صيف .1939واستشهد كثير من قادة
الثورة أمثال فرحان السعدي ،ومحمد الصالح الحمد ،وعبد
الرحيم الحاج محمد ،ويوسف أبو درة].[57
ومن جهة أخرى ،حاولت بريطانيا إيجاد مخرج سياسي ـ
بينما كانت تقوم بسحق الثورة ـ فقامت بإلغاء مشروع
تقسيم فلسطين ،وأفرجت عن معتقلي سيشل ،ودعت إلى
مؤتمر المائدة المستديرة في لندن ،بحيث تحضره وفود تمثل
الفلسطينيين واليهود وعددا ً من البلد العربية .وقد فشل
المؤتمر الذي انعقد في فبراير ،1939في الوصول إلى نتيجة
محددة .وهذا مّهد الطريق أمام البريطانيين ليعلنوا وحدهم
الحل الذي يرتئونه ،والذين قالوا إنهم سينفذونه بغض النظر
عن رضى الطرفين .فأصدرت الحكومة البريطانية "الكتاب
كل إلى حد ما نصرا ً سياسيا ً البيض" في مايو ،1939الذي ش ّ
للفلسطينيين ،فقد أقرت بريطانيا بشكل حاسم أنه ليس من
سياستها أن تصبح فلسطين دولة يهودية ،وأن ما تريده هو
دولة فلسطينية مستقلة ،يقتسم فيها العرب واليهود السلطة
الحكومية .وأعلنت بريطانيا سعيها إلى إنشاء دولة فلسطينية
خلل عشر سنوات ،وأن الهجرة اليهودية في الخمس سنوات
القادمة لن تزيد عن 75ألفًا ،وبعد ذلك تمنع إل بإذن من
العرب ،وقررت حظر بيع الراضي في بعض مناطق
فلسطين ،بينما يكون مقيدا ً في مناطق أخرى .ولم توافق
معظم القيادة الفلسطينية على المشروع البريطاني؛ لشكهم
أساسا ً في الوعود والنوايا البريطانية ،ولنه ربط استقلل
فلسطين بموافقة اليهود وتعاونهم ،كما أنه لم ي َِعد بإصدار
عفو عام عن الثوار ،أو المصالحة مع زعيم فلسطين الحاج
أمين .وفوق ذلك فإن الفلسطينيين رأوا أنه ليس من الحكمة
الموافقة المبكرة على المشروع الذي يتضمن بعض
التنازلت ،وما دامت بريطانيا مصّرة على تنفيذه على أي
حال ،فإن الزمن كفيل بكشف مدى جديتها .كما عارض اليهود
بقوة وعنف المشروع البريطاني][58
التطورات السياسية :1947-1939
40
وخلل الفترة ) (1945-1939وقعت الحرب العالمية
الثانية ،ودخل الفلسطينيون تلك الفترة وقد أنهكت قواهم،
وتشتت قيادتهم السياسية نتيجة الثورة ،واضطر الحاج أمين
أن يهرب إلى العراق في أكتوبر ،1939ثم هرب إلى إيران
وتركيا ثم إلى ألمانيا التي وصلها في نوفمبر ،1941بعد أن
سقط الحكم الوطني المعادي لبريطانيا في العراق ،الذي
كان للحاج أمين دور رئيسي في إقامته .وهناك لم يجد ب ُد ّا ً
من التعاون مع اللمان أعداء النجليز ،في سبيل نيل العرب
لحقوقهم ،وتم إعداد مسودة تصريح تضمن تقديم دولتي
المحور )ألمانيا وإيطاليا( كل مساعدة ممكنة للبلدان العربية
التي تحتلها وتسيطر عليها بريطانيا ،والعتراف باستقللها،
والمساعدة في القضاء على فكرة الوطن القومي اليهودي.
غير أن اللمان أصّروا على عدم إصدار التصريح إل بعد
وصول القوات اللمانية إلى منطقة القوقاز .وعلى أي حال،
فإن الحاج أمين استفاد عمليا ً من وجوده هناك في السعي
درب على يد اللمان من الجنسيات لتكوين جيش عربي م ّ
العربية ،وقد تدرب بالفعل مئات الشبان العرب ضمن هذا
الجيش الذي أعلن رسميا ً عن إنشائه في 2نوفمبر 1943
خّبئ ده اللمان بالكثير من السلحة الخفيفة والذخائر ،و ُوم ّ
في ليبيا نحو ثلثين ألف قطعة سلح لستخدامها مستقب ً
ل]
.[59لكن انتصار البريطانيين وحلفائهم في الحرب ،وضع
ل أكثر صعوبة .وقبض الفلسطينيين وقيادتهم في حا ٍ
الفرنسيون على الحاج أمين ،لكنه ما لبث أن استطاع الهرب
مت فلسطين في يونيو ،1946ووصل فجأة إلى مصر ،وع ّ
الفراح "فأقيمت الزينات في طول البلد وعرضها ،وتألفت
ل على المواكب ،وشمل الناس سرور عظيم"] [60مما د ّ
الشعبية الهائلة التي ل يزال المفتي يتمتع بها .وتألفت الهيئة
العربية العليا لفلسطين في 12يونيو 1946بقرار من جامعة
الدول العربية ،وعندما عاد الحاج أمين تولى رئاستها،
وأصبحت الهيئة الرسمية الممثلة للفلسطينيين .لكن مشاكل
الحاج أمين مع حكومتي الردن والعراق أضعفت قدرته على
العمل والمناورة ،هذا فضل ً عن وجوده في مصر التي كانت ل
تزال تحت بعض أشكال النفوذ البريطاني.
ومن جهة أخرى ،استغل اليهود فترة الحرب العالمية الثانية
استغلل ً كبيرًا ،وسعوا إلى المبالغة وتهويل ما حدث لهم في
ألمانيا وأوربا الشرقية ،كسبا ً للعواطف والنصار ،مؤكدين أنه
41
ل يوجد مكان آمن لحمايتهم ،وأنه ل بديل لنجاتهم سوى إقامة
ول اليهود مركز تركيزهم وطنهم القومي في فلسطين .وح ّ
ً
إلى القوة العظمى الصاعدة الوليات المتحدة ،خصوصا منذ
مؤتمر بلتيمور Biltmoreسنة ،1942وحصلوا على دعم
الحزبين الجمهوري والديموقراطي بإلغاء الكتاب البريطاني
البيض )مايو .(1939وعندما صعد "ترومان" لسدة الحكم
أظهر عطفا ً أكبر على الصهيونية ،وطلب في 31أغسطس
1945من "إتلي" Attleeرئيس بريطانيا إدخال مائة ألف
يهودي إلى فلسطين .وسعى اليهود إلى تجهيز أنفسهم
عسكريًا ،وشارك 26ألفا ً من يهود فلسطين في الوحدات
اليهودية في الجيش البريطاني خلل الحرب العالمية ،وكان
معظمهم أعضاء في منظمة "الهاغاناه" ،حيث استفادوا خبرة
عسكرية ،جعلتهم نواة الدولة اليهودية المنتظرة .وهاجر إلى
فلسطين خلل ) (1945-1939نحو 92ألف يهودي ،كما
تمكن 61ألفا ً آخرين من الهجرة خلل الفترة )-1946
،(1948وحاز اليهود خلل ) (1947-1939نحو 270ألف
دونم من الراضي ،وأنشأوا خلل الفترة )73 (1948-1940
مستعمرة جديدة .وفي جو من الضغط اليهودي-المريكي،
والضعف العربي ،قام البريطانيون بالتخلي رسميا ً عن الكتاب
البيض في البيان الذي أصدره وزير الخارجية "بيفن"Bevin
في 14نوفمبر .1945ودعا البيان أيضا ً إلى تشكيل لجنة
إنجلو-أمريكية للتحقيق في قضية فلسطين ،وتقديم توصياتها،
مما أدخل المريكان بشكل مباشر في القضية ،وقد أوصت
اللجنة سنة 1946بهجرة مائة ألف يهودي ،وبحرية انتقال
الراضي وبيعها لليهود].[61
ً ً
واتخذت قضية فلسطين ُبعدا دوليا عندما طلبت
بريطانيا من المم المتحدة في 2إبريل 1947إدراج القضية
ضمن جدول أعمالها .ثم تشكلت لجنة تحقيق دولية خاصة
بفلسطين )انسكوب( UNSCOPلدراسة الوضع وتقديم تقرير
عنه .وقد انتهت من وضع تقريرها في 31أغسطس ،1947
صت توصياتها المتحيزة على:إنهاء النتداب البريطاني على ون ّ
فلسطين وتقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين عربية
ويهودية ،مع وضع القدس تحت وصاية دولية] .(62وفي
مؤتمر صوفر 6سبتمبر ،1947وعاليه 15-7أكتوبر ،1947
قررت الدول العربية مقاومة اقتراحات اللجنة الدولية،
42
وتقديم المعونة من رجال وسلح لهل فلسطين ،واتخاذ
"احتياطات عسكرية" وتنظيم العمل العسكري.
وفي 29نوفمبر 1947أصدرت الجمعية العامة للمم
المتحدة قرارها المشئوم رقم 181بتقسيم فلسطين إلى
دولتين عربية ويهودية ،وحاز أغلبية الثلثين بضغط أمريكي
ودعم روسي قوي .ول بد من الشارة هنا إلى أن قرارات
الجمعية العامة ليست قرارات ملزمة ،حتى ضمن مواثيق
المم المتحدة نفسها .والقرار نفسه مخالف للساس الذي
قامت عليه المم المتحدة من حقوق الشعوب في الحرية
ي أساسا ًوتقرير مصيرها بنفسها .ثم إن شعب فلسطين المعن ِ ّ
بالمر لم تتم استشارته ول استفتاؤه .هذا ،فضل ً عن الظلم
الفاضح الذي تضمنته تفصيلت القرار من إعطاء نحو %54
من أرض فلسطين لقلية يهودية دخيلة مهاجرة تمثل %31.7
من السكان ول تملك أكثر من %6.5من الرض.
تطور أعداد السكان في فلسطين تحت الحتلل البريطاني:
العرب
اليهود
السنة
العدد
النسبة
العدد
النسبة
1918
600.000
91.6%
55.000
8.4%
1948
1.390.000
68.3%
646.000
31.7%
تطور نسبة ملكية الراضي في فلسطين تحت الحتلل
البريطاني:
43
حرب 1948م وانعكاساتها :-
وقد اندلعت الحرب فور صدور قرار التقسيم ،وتحمل أبناء
فلسطين أعباءها في الشهر الستة الولى ،بمساعدة عدد
محدود من المتطوعين ،إذ رفضت الدول العربية إرسال
جيوشها إلى أن تخرج بريطانيا في 15مايو .1948وش ّ
كل
الفلسطينيون جيش "الجهاد المقدس" بقيادة عبد القادر
كلت الجامعة العربية "جيش النقاذ" من الحسيني ،كما ش ّ
متطوعي البلد العربية والسلمية .وقد عانى أبناء فلسطين
من هزالة الدعم العربي بالسلح والعتاد لدرجة مأساوية ،ومع
ذلك تمكنوا من إثارة قلق اليهود ورعبهم فترة طويلة ،ووصل
المر بالوليات المتحدة للتفكير الجدي بالتراجع عن فكرة
التقسيم في مارس .1948وحتى دخول الجيوش العربية
تمكن الفلسطينيون من المحافظة على نحو %82من أرض
فلسطين رغم النقص المريع في كل شيء قياسا ً باليهود،
ورغم تعاون البريطانيين – في أثناء انسحابهم -مع اليهود.
وقد مّثل دخول الجيوش العربية السبعة قصة مأساة أخرى،
فلم يزد عدد مقاتليها مجتمعة عن 24ألفا ً مقابل أكثر من 70
ألف يهودي ،وعانت من ضعف التنسيق بينها ،وجهلها بالرض،
ومن أسلحتها القديمة والفاسدة ،وشغل بعضها أنفسهم بنـزع
أسلحة الفلسطينيين بدل ً من تسليحهم ،كما عانى بعضها من
سوء قياداته ،فضل ً عن أن أحد هذه الجيوش كان بين ضباطه
الخمسين الكبار 45بريطانيا وفضل ً عن الستقلل الحديث
لبعض الدول العربية ،وقلة خبرة جيوشها ،فإن بعض هذه
الدول كان ل يزال عمليا ً تحت النفوذ الستعماري البريطاني]
.[63
لقد كانت حماسة أبناء فلسطين وأبناء الشعوب العربية
والسلمية هائلة نحو الجهاد والبذل والتضحية ،ولكن القيادات
السياسية والجيوش كانت عامل إحباط وفشل كبير .وعلى
سبيل المثال فقد شارك الخوان المسلمون في مصر بجهود
كبيرة لنقاذ فلسطين ،وتطوع الشهيد حسن البنا في أكتوبر
44
1947بدماء عشرة آلف من الخوان كدفعة أولى للمعركة.
لكن الحكومة المصرية ضّيقت الخناق عليهم ،ومنعتهم من
السفر إل بشكل محدود جدًا .ومع ذلك فإن المئات الذين
استطاعوا المشاركة في المعارك ،وقاموا فيها بأدوار
بطولية،كان مصيرهم العتقال والسجون قبل عودتهم إلى
ل جماعة الخوان المسلمين قبل أن تنتهي مصر ،وتم ح ّ
المعارك في ديسمبر ،1948وقامت المخابرات المصرية
باغتيال حسن البنا نفسه في 11فبراير ،1949قبيل قليل
من توقيعها اتفاقية الهدنة مع الكيان الصهيوني .كما شارك
الخوان المسلمون من الردن وسوريا والعراق ليمثلوا صورة
وضيئة للندفاع الشعبي للتضحية والجهاد.وهذا ل يقلل من
قيمة البطولت التي قدمها الخرون ،أمثال رجال الجهاد
المقدس .هذا بالضافة إلى مشاركة الكثير من العرب في
جيش النقاذ ،بل ومشاركة نحو 250بوسنيا ً في هذه الحرب
دفاعا ً عن فلسطين.وكان من المشاهد التي آلمت أبناء
فلسطين أن تقوم بعض الجيوش العربية بنزع أسلحتهم بدل ً
من تسليحهم !!كما كان من المشاهد التي آلمت الجندي
العربي أن يسّلم أسلحة قديمة أو فاسدة تنفجر أحيانا ً في
وجهه عندما يستخدمها !!
أعلن اليهود دولتهم "إسرائيل" في مساء 14مايو ،1948
وتمكنوا مع نهاية الحرب من هزيمة الجيوش العربية ،ومن
الستيلء على نحو %78من أرض فلسطين ،أما
الفلسطينيون فقد أعلنوا حكومة عموم فلسطين في مؤتمر
غزة في أكتوبر ،1948غير أن الحكومات العربية التي تملك
جيوشا ً على أرض فلسطين لم تمكنها من ممارسة سلطاتها،
بل وُأجبر الحاج أمين الحسيني على مغادرة غزة تحت تهديد
السلح المصري.
وكان من النتائج المباشرة لحرب 1948قيام العصابات
اليهودية-الصهيونية بتشريد حوالي %60من الشعب
شّرد بالقوة حوالي 800ألف من الفلسطيني من أرضهم ) ُ
أصل مليون و 390ألفًا( إلى خارج الرض التي أقام اليهود
عليها كيانهم ،بينما شّردوا ثلثين ألفا ً آخرين إلى مناطق
مر الصهاينة 478 أخرى في داخل الرض المحتلة نفسها .ود ّ
قرية من أصل 585قرية كانت قائمة قبل الحرب ،وارتكبوا
34مجزرة خلل حرب 1948بمدنيين فلسطينيين في أثناء
عملية التهجير ،وكان من أشهرها مذبحة دير ياسين في 9
45
إبريل 1948التي اعترف الصهاينة أنفسهم بقتلهم وذبحهم لـ
ل].[64 254رجل ً وامرأة وطف ً
لقد مزقت حرب 1948النسيج الجتماعي والقتصادي
للشعب الفلسطيني ،الذي وجد نفسه مشردا ً في العراء ،بعد
أن استقر في بلده طوال أربع آلف وخمسمائة سنة ماضية.
وكان على هذا الشعب المسلم أن ُيذبح وُيدمر ليدفع ثمن
حماقات الوربيين تجاه اليهود ،وكان عليه أن ُيطرد تنفيذا ً
لرغبات قوى الستكبار و" الصليبية" الدولية المتعاطفة مع
وا كيانهم على بحر اليهود ،ولم يكن الصهاينة اليهود الذين بن َ ْ
من دماء الفلسطينيين وآلمهم ومعاناتهم ليشعروا بالثم أو
وخز الضمير ،وكان أولى بهم أن يستشعروا معاناة الخرين،
دعونه من ظلم حاق بهم ،أقاموا الدنيا ولم يقعدوها لما ي ّ
بسببه ،رغم أنهم لم يضمدوا جراحهم بعد من مذابح اللمان،
ومن "لسامية" الروس .ويعترف موشية دايان الذي تولى
مناصب رئاسة أركان الجيش "السرائيلي" ووزارة الدفاع
ووزارة الخارجية وكان عالما ً بالثار أنه "ليست هناك قرية
يهودية واحدة في هذه البلد لم يتم بناؤها فوق موقع لقرية
عربية"] .[65إنه الجرام المنظم مع سبق الصرار والترصد،
ولم يشفع للكيان الصهيوني أن المم المتحدة اتخذت أكثر
من 110قرارات حتى الن بعودة اللجئين إلى أرضهم،
والذي وصل عددهم الن) سنة (2000إلى نحو خمسة
مليين من أبناء فلسطين المحتلة ،1948فضل ً عن أكثر من
مليون آخرين من أبناء الضفة والقطاع محرومون من العودة
إليها.
-------------------------------------------------------------------
----
] [43انظر حول ما سبق في :الكيالي ،مرجع سابق ،ص
،105-104وص .198-134
] [44حول هذه الثورات الثلث انظر :محسن محمد صالح،
التيار السلمي في فلسطين وأثره في حركة الجهاد -1917
) 1948الكويت :مكتبة الفلح ،(1988 ،ص .191-165
Palestine ] [45انظر :تقرير بيل ،ص ،266وأيضًا:
Government, A Survey of Palestine, prepared in Dec. 1945
& Jan. 1946 (Jerusalem: Government Printer, 1946), Vol. 1,
.p.141, p.185, p.224
46
] [46انظر :بيان الحوت ،القيادات والمؤسسات السياسية
في فلسطين ) 1948-1917بيروت :مؤسسة الدراسات
الفلسطينية ،(1981 ،ص ،314-301وكامل خلة ،فلسطين
والنتداب البريطاني ) 1939-1922طرابلس )ليبيا( :المنشأة
العامة للنشر والتوزيع والعلن ،(1982 ،ص .521-517
] [47زهير المارديني ،ألف يوم مع الحاج أمين الحسيني
)بيروت :د.ن ،(1980 ،ص .77
]Appreciation of Arab Feeling as affecting Palestine, [48
Memorandum by H.R. Rice Submitted to the Chief
.Secretary, &Sep. 1933, Secret, Colonial office 733/257/11
]Palestine: Report on Immigration, Land Settlement and [49
Development, by Sir J.H. Simpson, 1930, Cmd.3686
.(London: His Majesty Stationary Office, 1930), pp.141-153
] [50اشتهر الكتاب البيض باسم كتاب باسفيلد البيض
،Passfield White Paperأما الكتاب السود فهو رسالة رئيس
الوزراء البريطاني ماكدونالد R. MacDonaldإلى حاييم
وايزمن رئيس المنظمة الصهيونية العالمية ،وقرأها في
مجلس العموم البريطاني في 13فبراير .1931
] [51الكيالي ،مرجع سابق ،ص .229
][52انظر :بيان الحوت ،مرجع سابق ،ص ،216و ،247-246
و .873-872
][53المرجع نفسه ،ص ،295-294ووثائق الحركة الوطنية
الفلسطينية :1939-1981من أوراق أكرم زعيتر ،أعدتها
للنشر بيان الحوت ،ط ) 2بيروت :مؤسسة الدراسات
الفلسطينية ،(1984 ،ص .391-381
][54انظر :محسن محمد صالح ،القوات العسكرية والشرطة
في فلسطين ) 1939-1917عمان :دار النفائس،(1996 ،
ص .418-408
][55انظر بالتفصيل حول هذه الحركة في :محسن صالح،
التيار السلمي في فلسطين ،ص .327-229
] [56انظر :أميل الغوري ،مرجع سابق ،ص .235-232
][57حول الثورة الكبرى ،انظر :الكيالي ،مرجع سابق ،ص
،300-260ومحسن صالح ،القوات العسكرية والشرطة في
فلسطين ،ص .618-437
][58انظر :الكيالي ،مرجع سابق ،ص ،302-300وخلة،
مرجع سابق ،ص .743-733
47
][59انظر :فلح خالد علي ،فلسطين والنتداب البريطاني
) 1948-1939بيروت :المؤسسة العربية للـدراسات والنشر،
،(1980ص ،111-107وزهير المارديني ،مرجع سابق ،ص
،162-157وص ،171وص ،202-200وص ،241وص
.243
] [60خليل السكاكيني ،كذا أنا يا دنيا ،ط ]) 2دمشق[ :التحاد
العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين ،(1982 ،ص .367
] [61حول هذه الفقرة ،انظر :فلح علي ،مرجع سابق ،ص
،141وص ،181وص ،197-195وص ،205-203وحرب
فلسطين ) 1948-1947الرواية السرائيلية الرسمية( ،ص
،26وص .87
] [62فلح علي ،مرجع سابق ،ص 250-248
] [63حول حالة الجيوش العربية وسلوكها في حرب ،1948
ل :عارف العارف ،النكبة :نكبة بيت المقدس انظر مث ً
والفردوس المفقود ) 1951-1947صيدا-بيروت :المكتبة
العصرية ،(1954 ،ج ،2ص ،342وج ،6ص ،225ومحمد
عزة دروزة ،فلسطين وجهاد الفلسطينيين )القاهرة :دار
الكتاب العربي ،(1959 ،ص .89-80كما تحدث عن ذلك
بإسهاب :صالح أبو يصير في كتابه جهاد شعب فلسطين.
][64انظر :مقال إبراهيم أبو جابر "المجتمع العربي في
إسرائيل" في المدخل إلى القضية الفلسطينية ،تحرير جواد
الحمد ،سلسلة دراسات ،رقم ) 21عمان :مركز دراسات
الشرق الوسط ،(1997 ،ص ،427وأيضا ً
Salman Abu Sitta, Palestinian Right to Return (London:
The Palestinian Return Center, 1999), p. 16 & p.27.
(65كليفورد رايت ،حقائق وأباطيل في الصراع العربي
السرائيلي ،ترجمة عبد الله عريقات وعبد الله عّياد) ،عمان:
دار الناصر ،(1992 ،ص ،85نقل ً عن جريدة الجارديان
Guardian Theالبريطانية في عدد
48
فلسطين لدى الجامعة العربية في 1963م-:
وبدعم من عبد الناصر ،تم اختيار أحمد الشقيري
ممثل ً لفلسطين مكان عبد الباقي ،وك ُّلف بدراسة القضية
الفلسطينية وسبل تحريكها وتنشيطها .وعندما انعقد مؤتمر
القمة العربي الول في القاهرة في 13يناير ،1964تقرر
تكليف الشقيري بالتصال بالدول العضاء والشعب
الفلسطيني" ،بغية الوصول إلى القواعد السليمة لتنظيم
الشعب الفلسطيني ،وتمكينه من القيام بدوره في تحرير
وطنه ،وتقرير مصيره" .ولم يقم الشقيري بتقديم تقرير
للجامعة حول السبل المقترحة؛ لقناعته بأنه سيكون عرضة
لمزيد من المدارسة والتأجيل ،فقرر وضع البلد العربية أمام
المر الواقع .فقام بدعم مصري بإنشاء منظمة التحرير
الفلسطينية)م.ت.ف ،(.حيث انعقد المجلس الوطني
الفلسطيني الول في القدس في 28مايو/أيار 1964
بحضور 422ممثل ً للفلسطينيين ،وبرعاية الملك حسين ملك
الردن ،وأعلن ميلد المنظمة رسميًا ،وصودق على الميثاق
القومي الفلسطيني الذي أكد على الكفاح المسلح لتحرير كل
فلسطين ،وعدم التنازل عن أي جزء منها ،وانُتخب أحمد
الشقيري رئيسا ً للمنظمة .وقد قررت م.ت.ف تشكيل جيش
التحرير الفلسطيني ،كما قامت بعدد من الجهود التعبوية
والعلمية .ورحب الفلسطينيون بشكل عام بإنشاء م.ت.ف
باعتبارها تمثيل ً للكيانية الفلسطينية والهوية الوطنية التي
49
جرى تغييبها سابقًا .وإن كان البعض مثل حركة "فتح" قد
شكك في خلفيات إنشائها ،وقدرتها على القيام بواجباتها]
.[72
حرب حزيران/يونيو 1967وانعكاساتها-:
وفي 5يونيو 1967اندلعت الحرب العربية-السرائيلية ،بعد
حالة من التصعيد المتبادل ،قامت فيه مصر بإغلق مضائق
تيران في البحر الحمر ،وطلبت من مراقبي المم المتحدة
على حدودها المغادرة ،وأعلنت البلد العربية استعدادها
لمعركة المصير وتحرير فلسطين .لكن القوات السرائيلية
قامت في صباح 5يونيو/حزيران بتدمير الطيران في
المطارات المصرية والردنية والسورية ،وفي غضون ستة
أيام كان المر قد انتهى بكارثة عربية جديدة ،فاحتل الصهاينة
باقي فلسطين )الضفة الغربية 5878كم 2وقطاع غزة
363كم (2وصحراء سيناء المصرية 61198كم 2ومرتفعات
الجولن السورية 1150كم .2ودخل الجنود اليهود بيت
المقدس والمسجد القصى وهم يهزجون "حط المشمش
عالتفاح …دين محمد وّلى وراح" ،و"محمد مات … خّلف
بنات" ويصرخون "يا لثارات خيبر…" ،وصحت الجماهير
العربية والسلمية على هول كارثة لم تدر بخلدها ،واكتشفوا
مدى الزيف والخداع والوهام التي غذتهم بها النظمة العربية
طوال التسعة عشر سنة السابقة .فقد تم تدمير سلح
ً
الطيران المصري والسوري والردني وهو ل يزال قابعا في
مدرجاته .وتم تدمير %80من أعتدة الجيش المصري.
واستشهد حوالي عشرة الف مقاتل مصري و 6094مقاتل ً
أردنيا ً وألف مقاتل سوري ،فضل ً عن الجرحى.
وكان من نتائج هذه الحرب تشريد 330ألف فلسطيني
آخرين ،وخفوت نجم جمــال عبد الناصر ،وضعف الثقة
بالنظمة العربية ،وسعي الفلسطينيين إلى أخذ زمام المبادرة
بأيديهم ،ونمو الحركة الوطنية الفلسطينية أكثر وأكثر .غير أن
أحد أبرز النتائج المؤسفة قد أصبح تركيز النظمة العربية ـ بل
و م.ت.ف فيما بعد ـ على استعادة الرض المحتلة 1967
)الضفة والقطاع( أي %23من أرض فلسطين ،والستعداد
الضمني للتنازل عن الرض المحتلة سنة ،1948والتي قامت
كل هذه الحروب والمنظمات أساسا ً لتحريرها.
-------------------------------------------------------------------
-----
50
].See Files: F.O. 371/111077, 111098-111100 [66
] [67الموسوعة الفلسطينية ،ج ،3ص .504-502
] [68المرجع نفسه ،ج ،3ص .398-393
][69انظر :عبد الله أبو عزة ،مع الحركة السلمية في الدول
العربية )الكويت :دار القلم ،(1986 ،ص ،96-71ومحسن
صالح ،الطريق إلى القدس ،ط ) 3لندن :فلسطين المسلمة،
،(1998ص .163-160
][70صلح خلف ،فلسطين بل هوية ،ط ) 2عمان :دار الجليل
للنشر ،(1996 ،ص .83-75
][71فوزي تيم "،القوى السياسية الفلسطينية "،في المدخل
إلى القضية الفلسطينية ،مرجع سابق ،ص .358-357
][72حول م.ت.ف انظر :أسعد عبد الرحمن ،منظمة التحرير
الفلسطينية )نيقوسيا :مركز البحاث ،(1985 ،والموسوعة
الفلسطينية ،ج ،4ص 325-313
51
بروز الهوية الفلسطينية :-
اضطرت النظمة العربية تفاديا ً لموجات السخط الشعبي،
وتجاوزا ً لحالة الحباط الناتجة عن حرب ،1967إلى إفساح
المجال للعمل الفدائي الفلسطيني ،الذي استطاع أن يبني
قواعد قوية وواسعة في الردن ولبنان .واستطاعت
التنظيمات الفدائية الفلسطينية بقيادة فتح الوصول إلى قيادة
م.ت.ف ،التي أصبحت برئاسة ياسر عرفات منذ
فبراير/شباط .1969وبرز خط الكفاح الشعبي المسلح
وحرب العصابات ،واكتسبت الشخصية الوطنية الفلسطينية
زخما ً كبيرًا .وتمكنت م.ت.ف في مؤتمر الزعماء العرب في
الرباط في تشرين أول/أكتوبر 1974من الحصول من الدول
العربية على العتراف بها ممثل ً شرعيا ً وحيدا ً للشعب
الفلسطيني .وفي الشهر التالي حققت انتصارا ً سياسياً،
عندما ُدعي ياسر عرفات للقاء خطابه في مقر المم
المتحدة بنيويورك ،وتم قبول م.ت.ف عضوا ً مراقبًا .ولم تعد
المم المتحدة تتعامل مع قضية فلسطين كقضية لجئين
فقط ،كما حدث طوال العشرين سنة الماضية ،وإنما أخذت
منذ 10ديسمبر/كانون أول 1969تعترف بوجود الشعب
الفلسطيني ،وأصدرت قرارات في السبعينيات تؤيد حق
شعب فلسطين في تقرير مصيره ،بل واتخاذ كافة السبل
المشروعة لنيل حقوقه ،ومنها الكفاح المسلح .ومنذ 1974م
عادت قضية فلسطين لتدرج بندا ً مستقل ً على جدول أعمال
المم المتحدة لول مرة منذ الربعينيات .وكان أحد أهم
القرارات المتخذة القرار رقم 3236الصادر في 22
نوفمبر/تشرين ثاني ،1975ويحمل عنوان قرار حقوق
الشعب الفلسطيني ،وفيه يؤيد حقه في تقرير مصيره دون
تدخل خارجي ،وحقه في الستقلل والسيادة الوطنيين ،وحقه
في العودة إلى أرضه ،وحقه في استعادة حقوقه بكل
الوسائل ،وفقا ً لمقاصد ميثاق المم المتحدة ومبادئه .ثم
توالت قرارات "الشرعية" الدولية المؤيدة للحق الفلسطيني،
ووجد الصهاينة أنفسهم في حالة حصار سياسي ،خصوصا ً أن
المم المتحدة أخذت منذ سنة 1975تتخذ قرارات تعتبر
الصهيونية شكل ً من أشكال التفرقة العنصرية .غير أن
الوليات المتحدة كانت دائما ً على استعداد للوقوف بجانب
الكيان الصهيوني ،ونقض أي قرارات دولية ملزمة عبر
استخدامها حق النقض الفيتو] .[73وهكذا فإن الكفاح
52
المسلح أجبر العالم على سماع صوت أبناء فلسطين ،وفرض
عليهم احترامه .لكن الضربات التي تلقتها المقاومة
ّ
الفلسطينية ،والضعف والتمزق العربي والسلمي ،قلل من
إمكانات الستفادة الجدية من الدعم الدولي.
وإذا كان خط المكاسب الفلسطينية السياسية قد تصاعد
على الساحة العربية والدولية في هذه المرحلة ،فإن خط
العمل الفدائي الفلسطيني المسلح ،وخط الدعم العربي
الفاعل ،اللذين شهدا صعودا ً في البداية ،ما لبثا أن تراجعا
وانحسرا إلى مستويات متدنية ـ في النصف الثاني من هذه
المرحلة ـ بحيث أّثر سلبا ً على المكاسب السياسية نفسها.
الكفاح الفلسطيني المسّلح:
لقد كانت الفترة ) (1970-1967هي الفترة الذهبية للعمل
الفدائي الفلسطيني حيث كانت حدود الردن مع فلسطين
المحتلة )360كم( ومع لبنان )79كم( مفتوحة للعمليات
الفدائية .وكانت معركة الكرامة في 21آذار /مارس 1968
التي كّبدت الصهاينة خسائر فادحة نصرا ً معنويا ً وماديا ً
للمقاومة الفلسطينية .فاندفع عشرات اللف للتطوع للقتال،
وقد تطور العمل الفدائي الفلسطيني من 12عملية شهريا ً
سنة 1967إلى 52عملية شهريا ً سنة 1968إلى 199
عملية شهريا ً سنة 1969إلى 279عملية شهريا ً في الشهر
الولى من عام 1970م (74).لكن الصدامات العنيفة التي
حدثت بين الجيش الردني والمقاومة الفلسطينية في
سبتمبر /أيلول 1970وفي يوليو /تموز 1971أدت إلى
إخراج العمل الفدائي الفلسطيني من الردن ،وحرمان
المقاومة من أهم ساحاتها .غير أن المقاومة الفلسطينية
استطاعت أن ترسخ قاعدة نفوذها في لبنان ،لكنها اضطرت
لخوض صراع عنيف مع الجيش اللبناني لتحقيق ذلك،
وانتزعت اتفاق القاهرة في نوفمبر /تشرين الثاني 1969
ولها حق العمل المسلح عبر لبنان .لكنها ما لبثت أن الذي يخ ّ
وجدت نفسها تدخل في مستنقع الحرب الهلية اللبنانية،
حيث استهدف التحالف الكتائبي الماروني الذي أشعل فتيل
الحرب في إبريل 1975التواجد الفلسطيني أساسًا .وقد
استنزف هذا كثيرا ً من طاقات المقاومة الفلسطينية ودماء
أبنائها ،ومصادر دعمها ،وأضعف قدرتها على التركيز ضد العدو
الصهيوني حتى نهاية المرحلة التي نحن بصددها .وتعدت هذه
المعاناة إلى معارك وحروب مع أطراف حليفة سابقة مثل
53
حركة "أمل" الشيعية ،التي قامت بحصار مرير للمخيمات
الفلسطينية لكثر من سنتين ) .(1987-1985وفوق ذلك فإن
مصر وسوريا أغلقتا حدودهما في وجه المقاومة الفلسطينية،
وهذا جعل العمل الفدائي الفلسطيني من الخارج باتجاه
فلسطين أشبه بالمستحيل .ومن جهة أخرى ،فإن الكيان
الصهيوني استخدم أساليب النتقام الشرسة من المناطق
التي تؤوي العمل الفدائي ،سواء في الردن أو لبنان ،وبالغ
في النتقام من المدنيين البرياء ،وتدمير البنية التحتية من
مصانع وجسور ومحطات كهرباء ومحاصيل زراعية وغيرها.
وفي لبنان قام الصهاينة بحملت مكثفة على منطقة العرقوب
) ،(1972-1970واغتالوا ثلثة من قادة م.ت.ف في
نيسان/إبريل ،1973وقاموا بحملة اجتياح واسعة للجنوب
اللبناني في مارس/آذار ،1978نجحوا على إثرها في إنشاء
حزام أمني لهم داخل الحدود اللبنانية بقيادة سعد حداد ،الذي
قاد جيش لبنان الجنوبي العميل للصهاينة .وفي معركة
الشقيف 19آب/أغسطس 1980حققت المقاومة
الفلسطينية نجاحا ً كبيرا ً ضد الهجوم الصهيوني .وكان اجتياح
الجيش الصهيوني للبنان في صيف 1982هو الضخم
والعنف ،وقد تمكن من اجتياح الجنوب بسهولة وسرعة
نسبية ،غير أنه توقف عند أسوار بيروت حوالي ثمانين يومًا،
حيث واجهته المقاومة الفلسطينية وحلفاؤها بمقاومة عنيفة،
وتضحيات كبيرة ،في الوقت الذي كان العالم العربي
والسلمي والدولي يقف موقف المتفرج .ورغم أن المقاتل
الفلسطيني أثبت شجاعته وكفاءته ،ورغم أن الصهاينة فشلوا
في سحق الفدائيين وقيادتهم ،إل أنهم نجحوا في تدمير
معظم البنية التحتية للعمل الفدائي الفلسطيني .وُأجبر أكثر
من ستة آلف فدائي فلسطيني على الخروج من لبنان ـ وفق
تسوية وقف إطلق النار ـ إلى معسكرات بعيدة في اليمن
ضّيق الخناق على أيةوتونس والجزائر والسودان .وهكذا ُ
مقاومة فلسطينية محتملة من خارج فلسطين.
ونتيجة لما سبق ،فإن معدل العمليات الفدائية من الخارج قد
انخفض في السبعينيات ،وتراجع إلى حدود متواضعة جدا ً في
الثمانينيات .غير أنه تم تنفيذ عدد من العمليات النوعية التي
تجدر الشارة إليها ،مثل عملية سافوي التي نفذتها حركة فتح
في تل أبيب في 6آذار /مارس ،1975وأدت إلى مقتل
خمسين جنديا ً وخمسين مدنيًا ،وعملية كمال عدوان التي
54
نفذتها فتح أيضا ً في 11آذار /مارس ،1978التي أدت إلى
مقتل 37وجرح 82صهيونيًا .وبرزت الجبهة الشعبية لتحرير
فلسطين في مجال اختطاف الطائرات خصوصا ً سنة ،1970
وفي الهجوم على مطار اللد في 30مايو /أيار ،1972مما
أدى إلى مقتل 31وجرح 80آخرين .ونفذت الجبهة الشعبية-
القيادة العامة عملية الخالصة في 11نيسان /إبريل ]1974
،[75كما نفذت الجبهة نفسها عملية الطائرة الشراعية في
تشرين الثاني /نوفمبر .1987وهكذا ،فمنذ عام 1982أدى
النهـاك العسـكري لـ م.ت.ف إلى استضعاف سياسي،
وكسب أنصار تيار "الواقعية" فيها دفعات جديدة باتجاه تبّني
الحلول السلمية .والحقيقة أن م.ت.ف بدأت ُتغّير من خطابها
السياسي منذ فترة مبكرة ،فدعت في أواخر الستينيات إلى
إقامة الدولة العلمانية الديمقراطية التي تضم الفلسطينيين
واليهود ،متنازلة عن ضرورة عودة المهاجرين اليهود إلى
بلدهم .ثم تبّنت برنامج النقاط العشر سنة ،1974الذي
يفسح المجال للعمل السياسي كأحد وسائل تحرير فلسطين،
بعد أن كان الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحريرها،
وكثر الحديث بعد ذلك عن الحلول المرحلية وإقامة الدولة
الفلسطينية على أي جزء من فلسطين يتم تحريره )أو
استرجاعه بطرق أخرى( .وكانت موافقة م.ت.ف على
مشروع التسوية العربي )مشروع فاس( سنة 1982تنازل ً
كبيرا ً إذ تضمن اعترافا ً ضمنيا ً بالكيان الصهيوني وما اغتصبه
من معظم أراضي فلسطين سنة ،1948عندما وافقت على
حق جميع دول المنطقة في العيش بسلم )بما فيها الكيان
الصهيوني( ،كما وافقت على الدخول في مفاوضات لتحقيق
التسوية] .[76وواجهت م.ت.ف سنوات عجافا ً خلل )-1983
(1987انعكست على شكل تراجع في الداء النضالي
المسلح ،وفي التأثير والفاعلية السياسية حتى في الوسط
العربي نفسه.
البلد العربية وقضية فلسطين -:
أما من ناحية البلد العربية ،فإن ترسيخ الهوية الوطنية
الفلسطينية وتمثيل م.ت.ف الشرعي الوحيد للفلسطينيين
ب -عمليا ً -في إزاحة أثقال المسئولية تجاه القضية
قد ص ّ
عن أكتافها ،وتحميلها للفلسطينيين وحدهم .وخفتت أصوات
"قومية المعركة" لتنحصر في الطار الفلسطيني الضّيق،
الذي كان عليه أن يواجه أعتى قوى العالم .وأخذت مع الزمن
55
)خصوصا ً بعد (1973مسئولية البلدان العربية تنحصر في
الدعم السياسي والقتصادي ،بل إن الدعم القتصادي نفسه
أخذ يضعف منذ الثمانينيات بعد أن سعت كل دولة إلى تقديم
أولوياتها المحلية ،وبعد أن انشغلت الدول النفطية بمشاكلها
الناتجة عن انخفاض أسعار النفط .ولم تسلم م.ت.ف من
مشاكل مع عدد من النظمة العربية ،جعلتها أعجز عن القيام
بمهامها ،فمشاكلها مع الساحة الوسع والهم الردن غطت
حقبة السبعينيات ،ومشاكلها مع لبنان لم تهدأ طوال المرحلة،
ومشاكلها مع سوريا استعرت سنة ،1976ثم عادت للتصاعد
طرد ياسر عرفات من منذ عام 1983وما تله ،عندما ُ
دمشق ،وتمت محاولة القضاء على تواجد أنصاره في شمال
لبنان ،وخصوصا ً مخيمات نهر البارد والبداوي في العام نفسه.
هذا بالضافة إلى حالة العداء مع أكبر قوة عربية مصر
)خصوصا ً الفترة (1983-1977بعد دخولها في مشروع
التسوية السلمية ،وتوقيعها اتفاق كامب ديفيد .بينما انشغل
العراق بحربه مع إيران ) (1988-1980ليفقد كثيرا ً من
فاعليته على الساحة….لقد كان الموقف العربي في بداية
هذه المرحلة متصلبًا ،فانعقد مؤتمر الخرطوم في يوليو
،1967وقرر الملوك والرؤساء والمراء العرب أن "ل صلح،
ول مفاوضات ،ول استسلم" مع الصهاينة ،ودخلت مصر
وسوريا في حرب استنـزاف مع الكيان الصهيوني.
وفي 6تشرين أول/أكتوبر 1973م اندلعت الحرب
العربية السرائيلية )حرب أكتوبر /رمضان( شاركت فيها
سوريا ومصر ضد الصهاينة ،وحقق الطرفان العربيان في
البداية بعض النجاحات .وتمكن المصريون من الزحف نحو
الجناح الشرقي لقناة السويس والتوغل داخل سيناء ،كما
تمكن السوريون من التوغل داخل الجولن .لكن ما لبث
الصهاينة ـ مستفيدين من جسر جوي من الدعم المريكي ـ
أن أخذوا زمام المبادرة ،فأحدثوا اختراقا ً في الجهة الغربية
لقناة السويس )ثغرة الدفرسوار( ،كما استعادوا ما فقدوه
في الجولن ،واحتلوا 39قرية سورية جديدة )ما عرف بجيب
سعسع( .واعتبر التحسن النسبي في الداء العربي ،وخسائر
الصهاينة الجسيمة في حرب أكتوبر كسرا ً لسطورة الجيش
الصهيوني الذي ل ُيقهر ،واستعادة للمعنويات والثقة التي
أهينت في حرب .1967وتم تصوير حرب أكتوبر عربيا ً
باعتبارها نصرا ً مؤزرًا ،وظهرت قيادتا سوريا ومصر بمظهر
56
البطال .غير أن الرئيس المصري السادات استخدم هذه
الحرب لتحريك الوضع باتجاه التسوية ،واستفاد منها بحيث ل
يوضع بعد ذلك موضع التهام أو التقصير ،حيث أنه "بطل
أكتوبر" ،وحيث أن مصر "أّدت ما عليها" تجاه فلسطين .فقام
السادات بزيارة الكيان الصهيوني في تشرين ثاني/نوفمبر
،1977ووقع اتفاقية كامب ديفيد في سبتمبر ،1978التي
ُتدخل مصر في سلم مع الكيان الصهيوني ،وُتوقف حالة
الصراع بينهما ،بينما تسترجع مصر شبه جزيرة سيناء .وبذلك
خسرت القضية الفلسطينية أهم طرف فاعل في الصراع ضد
الصهاينة ،مما أضعف مستقبل ً من إمكانات أية مواجهات
عسكرية شاملة ضد "إسرائيل".
وربما كان من المفيد أن نشير إلى أنه إثر حادثة إحراق
المسجد القصى تم إنشاء منظمة المؤتمر السلمي سنة
،1969والذي شكل بادرة أمل لتوحيد جهود المسلمين لدعم
قضية فلسطين .وقد قامت هذه المنظمة بعقد الكثير من
الجتماعات ،وأصدرت عشرات القرارات بدعم قضية
فلسطين سياسيا ً وماليا ً وعسكريا ً وإعلن الجهاد . ...غير أن
قراراتها بقيت حبرا ً على ورق ،لنها افتقرت إلى أية آلية
حقيقية ملزمة لتنفيذ القرارات .ويبدو أن العديد من بلدان
العالم السلمي قد استخدمت منبر هذه المنظمة "لتفريغ"
مشاعر شعوبها المتشوقة للوحدة وتحرير المقدسات ،بدل ً
من السير في أية برامج عملية ذات فاعلية على أرض الواقع.
بل إن بعض البلدان السلمية بقي على علقة قوية بالكيان
الصهيوني مثل تركيا ،فضل ً عن أن بلدان العالم السلمي
ملت الطرف الفلسطيني المسؤولية الساسية أجمع ح ّ
باعتباره "الممثل الشرعي والوحيد" ،واكتفى أغلبها بالتمنيات
) ....هذا إن لم يضع العقبات !!( .مما أدى لحصر دائرة
طري فلسطيني ،وعزل البعدين العربي الصراع في إطار قُ ْ
والسلمي عمليا ً عن هذه الدائرة .وقد أثرت النزاعات بين
المسلمين أنفسهم سلبا ً على دور العالم السلمي ،كالحرب
العراقية اليرانية ) (1988-1980التي استنزفت طاقات
البلدين وثرواتهما.
بروز التيار السلمي الفلسطيني :-
ومن الجدير بالذكر أن الظاهرة السلمية وسط الفلسطينيين
أخذت تستعيد حيويتها في هذه المرحلة ،وتزايد التجاه نحو
السلم ،بعد أن رأت الجماهير فشل اليديولوجيات القومية
57
والعلمانية واليسارية في حل القضية .وكانت مشاركة الخوان
المسلمين في العمل الفدائي الفلسطيني )(1970-1968
عبر ما عرف بـ "معسكرات الشيوخ" في الردن بالتنسيق مع
حركة فتح ،أحد مظاهر الحيوية المبكرة ،حيث تم تدريب نحو
300رجل توزعوا على سبع قواعد فدائية ،وشاركوا في عدد
من العمليات النوعية.
كشف تنظيم "أسرة الجهاد" في الرض وفي عام ُ 1980
قل نحو ستين من أعضائه ،بعد أن قام المحتلة ،1948واعت ُ ِ
ُ
بعدد من العمليات ،وقبض سنة 1984على الشيخ أحمد
ياسين وعدد من رفاقه ،بعد اكتشاف مخزن أسلحة في أحد
المساجد ،بتهمة إنشاء تنظيم جهادي ضد الصهاينة .كما
تشكلت حركة الجهاد السلمي في فلسطين سنة ،1980
وكان أعضاؤها المؤسسون أفرادا ً سابقين في الخوان
المسلمين ،ونشطت في القيام بعدد من العمليات .غير أن
ل محدودا ً متواضعا ً طيلة هذهالعمل السلمي الجهادي ظ ّ
الفترة قياسا ً بالمنظمات الفلسطينية الخرى وخصوصا فتح،
ً
ولكنه كان في الوقت نفسه إرهاصا ً لمرحلة قادمة يلعب فيها
دورا ً أساسيًا .وكان المكسب البرز للتيار السلمي هو اتساع
شعبيته وتناميها خصوصا ً منذ منتصف السبعينيات سواء داخل
فلسطين المحتلة أو في الردن والكويت ولبنان وغيرها .وأخذ
السلميون يفوزون في النتخابات الطلبية منذ أواخر
السبعينيات كما في جامعة النجاح في نابلس ،وجامعة غزة
السلمية وغيرهما .وفي جامعات الردن ،كما أخذوا في
النتشار والسيطرة على النقابات المهنية .ونجحوا في ميادين
العمل الخيري والجتماعي والتعليمي مما مكنهم من تأسيس
قاعدة واسعة صلبة ،بحيث أصبح التيار السلمي )الخوان
المسلمون تحديدًا( هو المنافس الول للتيار العلماني الذي
تمثله فتح والذي يسيطر على م.ت.ف].[77
-------------------------------------------------------------------
-----
][73حول القضية الفلسطينية في المم المتحدة ،انظر مثلً:
الموسوعة الفلسطينية ،ج ،1ص ،362-360وص ،563-552
وج ،2ص .260
58
][75انظر حول هذه العمليات في :الموسوعة الفلسطينية ،ج
،2ص ،314-313وص ،567وج ،3ص ،662-661وج ،4
ص .42
ً
][76حول مشاريع التسوية ،انظر مثل :منير الهور وطارق
العيسى ،مشاريع التسوية للقضية الفلسطينية ،1985-1947
ط ) 2عمان :دار الجليل.(1986 ،
]77حول التيار السلمي في هذه الفترة ،انظر :محسن
صالح ،الطريق إلى القدس ،ص .170-164
59
قضية فلسطين )2000-1987م):
بقدر ما تجلت قدرات الشعب الفلسطيني ـ في هذه المرحلة
ـ على التضحية والعطاء ،بقدر ما كانت الحصيلة السياسية
مخيبة للمال .وبقدر ما تللت أنوار النتفاضة المباركة معبرة
عن أصالة شعب مقهور ،يواجه أطفاله ونساؤه دبابات
الصهاينة بالحجارة ،والرواح المتطلعة إلى الحرية والشهادة،
بقدر ما زكمت النوف اتفاقيات أوسلو وممارسات السلطة
الفلسطينية ضد أبناء شعبها ومجاهديها .وباختصار فإن أبرز
معالم هذه المرحلة- :
-اندلع النتفاضة المباركة ) ،(1993-1987وبروز التيار
السلمي المجاهد.
-اتفاقيات أوسلو بين م.ت.ف والصهاينة ،1993والتنازلت
المريعة عن حقوق شعب فلسطين.
-ضعف وتفكك وصراع داخلي عربي ـ عربي إثر استيلء
العراق على الكويت ،وما تبع ذلك من حرب ومعاناة
وعداوات ،وتوقيع الردن اتفاقية تسوية مع الكيان الصهيوني.
-انهيار التحاد السوفيتي وتفككه ،والهجرة اليهودية الهائلة
منه إلى الكيان الصهيوني ،واستفراد أمريكا بالسيطرة
العالمية.
النتفاضة المباركة -:
حدثت شرارة النتفاضة المباركة في يوم 9ديسمبر/كانون
أول 1987م إثر استشهاد أربعة عمال فلسطينيين في حادث
دهس متعمد في اليوم الذي سبقه .وقد قررت الحركة
السلمية منذ تلك الليلة المشاركة في النتفاضة وتوجيهها،
فبدأت ـ بترتيبها ـ المظاهرات العارمة بعد صلة فجر التاسع
من ديسمبر من مسجد مخيم جباليا ،وسقط الشهيد حاتم أبو
سيس ،ثم سقط الشهيد رائد شحادة في مظاهرة أخرى
قرب مستشفى الشفاء .وتوالى سقوط الشهداء ،واتسعت
المظاهرات لتعم أرجاء الضفة والقطاع ،وليشارك فيها كافة
أبناء الشعب .وتميزت هذه النتفاضة بأربعة مظاهر:
الول :أن أهل "الداخل" المحتل )الضفة والقطاع( أخذوا
زمام المبادرة النضالية الجهادية ،بعد أن كانت بيد العمل من
"الخارج".
الثاني :أن التيار السلمي شارك بقوة وعنف وفاعلية ،وبرز
على ساحة المواجهة بحجم منظم مؤثر.
60
الثالث :أنها شملت كافة قطاعات الشعب الفلسطيني
مرية.
واتجاهاته وفئاته العُ ْ
الرابع :أنها اتسمت بالجرأة والتضحية ،والمشاركة الواسعة
للطفال والفتيان والنساء ،وبالمظاهر النبيلة من إيثار وتعاون
وشهامة ،وبالقضاء على مظاهر العمالة والفساد من خمور
ودور له.
وتميزت المرحلة الولى من النتفاضة بالمواجهات الشعبية
الواسعة والضرابات ،والمظاهرات ،ومقاطعة الدارة المدنية
الصهيونية ،وتنظيف المجتمع من العملء ومروجي الفساد
والمخدرات .وبعد نحو أربع سنوات أخذت تبرز المرحلة
الثانية ،التي شهدت تنامي العمليات المسلحة ضد الصهاينة،
دت حركة فتح مع تراجع النشطة الجماهيرية الواسعة .وقد ع ّ
وحلفاؤها في م.ت.ف اتفاقية أوسلو )سبتمبر (1993نهاية
للنتفاضة ،فأوقفت فاعلياتها ،أما الجهات الخرى وخصوصا ً
حماس والجهاد السلمي فقد استمرتا في فعالياتهما ،بل
وصعدتا من عملياتهما الجهادية .غير أن تشكيل السلطة
الفلسطينية في الرض المحتلة )مايو (1994أفقد النتفاضة
كثيرا ً من وهجها،كما أفقدها المشاركة الشعبية الجماهيرية
اليومية ،فاقتصر المر بشكل أكبر على أعضاء الحركات
والتنظيمات .وعلى أي حال ،فإن السنوات الست للنتفاضة
)ديسمبر -1987ديسمبر (1993حسب إحصائية أعدتها
م.ت.ف قد شهدت استشهاد " "1540فلسطينيًا ،وبلغ عدد
الجرحى 130ألفًا ،كما اعتقل حوالي 116ألفا ً لمدد مختلفة)
.(78
حمـــاس-:
وقد تلزم إنشاء حركة المقاومة السلمية "حماس" مع بداية
النتفاضة ،وأصدرت بيانها الول في 14ديسمبر ،1987
واعتبرت من أكثر الطراف فاعلية ،إن لم تكن أبرزها .وقد
عّرفت حماس نفسها بأنها جناح للخوان المسلمين وامتداد
لهم ،وذكرت في ميثاقها أنها "تعتبر السلم منهجها ،منه
تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها ،وإليه تحتكم ،ومنه
تسترشد خطاها" .وهدفت إلى تحرير فلسطين ،وإقامة دولة
السلم على أرضها ،ودعت إلى تربية متكاملة للجيال
لتحقيق الغايات المرجوة.
وقد استطاعت حماس أن تحقق شعبية واسعة ،فكان
مؤيدوها ـ ول يزالون ـ يحققون من ثلث إلى نصف الصوات
61
عادة في النتخابات الطلبية والنقابات المهنية ،كما في
جامعات النجاح وغزة والخليل وبيرزيت والقدس ،ونقابات
المهندسين والطباء والصيادلة والمحامين والمعلمين ،وغرف
التجارة .وفي مقابلة صحفية للدكتور هشام شرابي المعروف
بميوله العلمانية قال إن حمـاس هي الشكل الجديد
للمقاومة ،وأنها "نجحت حتى الن فيما عجزت عنه م.ت .ف
وفصائلها خلل أكثر من ربع قرن في استنباط أشكال جديدة
لتنظيم الشعب الفلسطيني ،وتمكينه من الصراع العسكري
الفعال باستقلل عن كل عون خارجي"].[79
وبرز في قيادة حماس مؤسسها وشيخ النتفاضة أحمد
مة، ُ
ياسين ،وهو الرجل المقعد المشلول الذي حّرك موات أ ّ
وإلى جانبه في قطاع غزة عبد العزيزالرنتيسي ومحمود
الزهار وعبد الفتاح دخان ،وفي الضفة الغربـية جمال سليم،
وحسن يوسف وجمال النتشة … ،وفي خارج فلسطين رئيس
المكتب السياسي خالد مشعل ،والرئيس السابق للمكتب
موسى أبو مرزوق ،وإبراهيم غوشة الناطق الرسمي باسم
حماس … وغيرهم .وحسب تصريح إبراهيم غوشة فإن
ً
حماس قدمت منذ النتفاضة حوالي سبعمائة شهيد ،فضل عن
آلف الجرحى والسرى .وهو رقم ل يبدو يسيرا ً في أجواء
العمل الصعبة في فلسطين ،وقبل الدخول في معارك
وحروب ذات طبيعة شاملة مع الكيان الصهيوني .وترى
حماس أنه في مثل هذه الظروف من العلو اليهودي
الصهيوني ،والتآمر الدولي والضعف السياسي الفلسطيني،
والتمزق والتشرذم العربي والسلمي ،فإن عملها ل يستهدف
تحرير فلسطين عاجل ً ومباشرة ،وإنما يتعامل معها كمعركة
تتداولها الجيال ،وفي هذه الجواء فإنها تسعى إلى تجاوز
المرحلة بالمحافظة على الحق وإبقاء جذوة الجهاد .وقد
أمكن لها مواجهة التحديات من خلل نوعية الرجال الذين
قدمتهم والمستعدين للتضحية والستشهاد ،حتى إن المحللين
السرائيليين يعترفون أن "حماس قد صكت نماذج جديدة
للنسان الفلسطيني وهم الستشهاديون الجدد" ،وأشار أحد
خبراء الصهاينة إلى ما تتمتع به حماس من ديناميكية ومبادرة،
كما اعترف الجنرال أوري ساغي رئيس شعبة الستخبارات
العسكرية بأن لدى حماس أساليب عمل متطورة ،ومستوى
ل من السرية ،وأنها تنفذ عمليات بارزة قاسية.واستطاعت عا ٍ
حماس أن تتمتع بحيوية مكنتها من تبديل عدد من الجيال
62
القيادية في وقت قصير .فكلما كشفت أو استشهدت أو
سجنت قيادتها ،ظهر من يحل مكانها ويواصل العمل .وكذا
كان الحال مع اعتقال الشيخ أحمد ياسين في مايو ،1989
واعتقال موسى أبو مرزوق في يوليو ،1995واستشهاد عماد
عقل في نوفمبر ،1993ويحيى عياش في يناير ،1996
ومحي الدين الشريف في مارس ،1998واعتقال محمد
الضيف في مايو .2000ورغم أن دخول م.ت.ف في تسوية
مع الكيان الصهيوني ،وتوليها الحكم الذاتي في المناطق
السكانية في الضفة والقطاع )منذ (1994جعل العمل
الجهادي أمرا ً يكاد يكون مستحي ً
ل ،إل أن الفترة )-1994
(1998شهدت تطورا ً نوعيا ً في العمليات وخصوصا ً
الستشهادية منها .ومن ذلك رّدها على مذبحة الحرم
البراهيمي )فبراير (1994بخمس عمليات عنيفة ،وردها
على استشهاد يحيى عياش )الذي كان مهندسا ً لعمليات أدت
لقتل سبعين صهيونيا ً وجرح 340آخرين( بعدة عمليات في
فبراير-مارس 1996هزت الكيان الصهيوني وأفقدته صوابه،
واستدعت عقد مؤتمر دولي بمشاركة الدول الكبرى لما
أسموه "محاربة الرهاب" .وقام الصهاينة والسلطة
الفلسطينية )بالتعاون المباشر مع أمريكا وباستخدام كافة
التقنيات المنية( بحملة شعواء استهدفت اجتثاث كل ماله
صلة بالتيار السلمي الحركي المقاوم في فلسطين .ومّرت
حماس ـ ول تزال ـ بمرحلة من أقسى المراحل ،وعانت من
ضربات قاسية من السلطة الفلسطينية التي شعرت أن
مشروعها السلمي أصبح في "مهب الريح" على حد تعبير
القيادي الفلسطيني صائب عريقات .وعانت حماس من
الضغوط والمحاربة في الخارج ،فكان اعتقال موسى أبو
مرزوق في أمريكا )يوليو -1995مايو (1997ومحاولة اغتيال
خالد مشعل في سبتمبر ،1997وإغلق مكاتب الحركة في
الردن في آخر أغسطس ،1999وإبعاد أربعة من قادتها من
الردن )بعد سجنهم أكثر من شهرين ونصف( إلى قطر في
نوفمبر .1999
ورغم التنسيق الصهيوني ـ السلطوي الفلسطيني ـ الدولي
لجتثاث هذه الحركة إل أن أنصارها ل زالوا يفوزون في
النتخابات الطلبية والنقابية ،ول تزال تتمتع بثقل شعبي كبير
في الداخل والخارج]. 80
63
ومن جهة أخرى ،فإن حركة الجهاد السلمي قامت بعدد
من العمليات النوعية والستشهادية مثل عمليات نتساريم في
نوفمبر ،1994وبيت ليد في يناير ،1995وتل أبيب في
مارس .1996وهي تتعرض لنفس ما تتعرض له حماس من
ضغوط ومطاردة .وقد استشهد قائدها فتحي الشقاقي في
عملية نفذها الموساد السرائيلي في 26أكتوبر .1995
وتشير النتخابات الطلبية إلى تمتع هذه الحركة بنحو %5-3
من أصوات الناخبين.
م.ت.ف :من الكفاح المسلح إلى التسوية
السلمية:-
عانت م.ت.ف من استضعاف سياسي إثر المحاولت
المتوالية لجتثاثها عسكريًا ،ووصلت حالة تهميشها مدى كبيرا ً
مان في أكتوبر .1987وعندما في مؤتمر القمة العربي في ع ّ
دتها م.ت.ف رافعة سياسية لها، اندلعت النتفاضة المباركة ع ّ
فحاولت استثمارها بشكل مبكر .فقامت بتشكيل القيادة
الوطنية الموحدة للنتفاضة )بعد شهر من اندلعها( ،وشاركت
الفصائل الفلسطينية وخصوصا ً فتح بفعالية في النتفاضة.
ورد ّ الكيان الصهيوني باغتياله لبي جهاد )الرجل الثاني في
م.ت.ف وفي فتح( ـ رحمه الله ـ في تونس في 16إبريل
،1988وذلك ضمن حملته الشرسة لقمع النتفاضة .وقد
أفادت م.ت.ف من قيام الردن بفك روابطه الدارية
والقانونية مع الضفة الغربية في 31يوليو ،1988لتؤكد
تمثيلها الرسمي الوحيد لهل الضفة الغربية ،ولتخوض ما
أسمته "هجوم السلم الفلسطيني".
وفي المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر )15-12
نوفمبر (1988الذي يتبع م.ت.ف تم وضع برنامج فلسطيني
قائم على العتراف بقرار المم المتحدة رقم 181لسنة
1947القاضي بتقسيم فلسطين لدولتين عربية ويهودية.
واعترفت م.ت.ف لول مرة منذ 21عاما ً بقرار 242الصادر
عن مجلس المن في نوفمبر .1967ودعت إلى تسوية
سياسية من خلل مؤتمر دولي .وحتى "يتجرع" الفلسطينيون
كل هذه "المرارات" فقد أعلن المجلس "استقلل
فلسطين" .ولقد لقي هذا العلن ترحيبا ً دوليا ً واسعا ،حيث
ً
اعترفت بهذه الدولة حوالي 120دولة خلل بضعة أشهر.
ورغم أن الوليات المتحدة ودول أوربا الغربية لم تعترف بها،
ل" لم يقم بعد على أرض الواقع ،إل ورغم أنها عمليا ً كانت "أم ً
64
أن ذلك أعاد تحريك القضية دوليًا ،وأعاد لـ م.ت.ف حضورها
السياسي ،بعد أن رضيت لنفسها "بتقزيم" مطالبها
و"قصقصة" برامجها النضالية.
وفي أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات حدثت تغيرات على
المستوى العربي والدولي أضعفت كثيرا ً الموقف الفلسطيني
والعربي .فقد حدث مزيد من الضعف والتفكك في الساحة
العربية ،خصوصا ً إثر الجتياح العراقي للكويت في 2
أغسطس 1990وما نتج عنه من عداء بين البلد العربية،
واستنزاف الموارد والثروات العربية ،وتدمير البنية العسكرية
للعراق ،وتهجير وهجرة مئات اللف من الفلسطينيين من
الكويت في أثناء الجتياح العراقي ،وبعد انسحابه منها ،وما
تله من حجب الدعم عن م.ت.ف … .وبشكل عام فإن هذا
الجتياح وما استتبعه من "حرب الخليج" ونتائجها ،كان له آثار
كارثية على قضية فلسطين.
أما في الطار الدولي ،فقد شهدت هذه الفترة انهيار التحاد
السوفيتي وتفككه ،وكذلك كتلة الدول الشتراكية ،وتحولها
من حالة المنافسة والعداء مع أمريكا وحلفائها إلى حالة من
التوافق و"السترضاء" ،في ضوء التحول نحو الرأسمالية
والديمقراطية الغربية ،والحاجة إلى المساعدات القتصادية
من الغرب .وقد أسهم ذلك في اختلل التوازن السياسي
الدولي ،الذي كان يستفيد منه الجانب الفلسطيني والعربي
إلى حد ما ،عندما كانت هناك حالة من التنافر والستقطاب
تسمح بمجال للمناورة.وهكذا برزت الوليات المتحدة كقوة
وحيدة أولى في العالم ،خصوصا ً بعد حرب الخليج في أوائل
.1991وزاد الوضع سوءا ً تزايد النفوذ اليهودي فيها ،حتى إنه
عّين في إدارة الرئيس المتصهين كلينتون وزراء يهود في
مناصب حساسة ،مثل وزيرة الخارجية أولبرايت ،ووزير
المالية روبرت روبين ،ووزير الدفاع وليم كوهين ،ووزير
الزراعة جيلكمان .هذا بالضافة إلى وجود سبعة يهود من
أصل أحد عشر في مجلس المن القومي ،ورئاسة اليهودي
جرينسبان للبنك المركزي ،واليهودي جورج تينيت للمخابرات
CIAوغيرها.
وقد استثمرت الوليات المتحدة ذلك في فرض هيمنتها
وإدارتها وتصوراتها لنظام عالمي جديد ،كما سعت لغلق
الملف الفلسطيني بما يخدم مصالح حليفها
الستراتيجي"إسرائيل" .بينما قطف الكيان السرائيلي ثمارا ً
65
غالية نتيجة انهيار التحاد السوفيتي والدول الشتراكية،
فأعادت هذه الدول علقاتها الدبلوماسية معها ،كما فتحت
أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة ـ خصوصا ً من
التحاد السوفيتي ـ وقد احتفل الكيان الصهيوني في 7مايو
2000بقدوم المهاجر رقم مليون منذ بداية موجة الهجرة من
التحاد السوفيتي في سبتمبر ،1989وقام رئيس الوزراء
باستقباله بنفسه] .[81وشملت موجة الهجرة هذه نحو 92
ألف عالم متخصص في شتى المجالت] ،[82بينهم عدة آلف
متخصصون في الصناعات النووية ،فضل ً عن الكثير من
الكفاءات العسكرية العالية ،مما زاد من خطورة الكيان
السرائيلي ومشروعه في المنطقة.
وفي هذه الجواء المثالية لمريكا و"إسرائيل" ،نجحت
الوليات المتحدة في جر البلد العربية إلى مؤتمر السلم
العربي السرائيلي في مدريد في أكتوبر ،1991تلته
مفاوضات عربية إسرائيلية مباشرة .ولم تنفع حوالي سنتين
من المفاوضات بين الجانب الفلسطيني والجانب السرائيلي
في كسر التصلب الصهيوني .وقد جاءت المفاجأة عندما ُأعلن
كشف النقاب عن عن اتفاق أوسلو بين الطرفين ،حيث ُ
مفاوضات سرية كانت تجري بين الطرفين منذ 20يناير
1993من وراء ظهر الوفد الفلسطيني الرسمي المفاوض
)برئاسة حيدر عبد الشافي( ،ومن دون علم معظم قادة
م.ت.ف .وقد وقع التفاق بالحرف الولى في 19أغسطس
1993في أوسلو بالنرويج ،وتم التوقيع عليه رسميا ً في
13سبتمبر 1993في واشنطن برعاية الرئيس المريكي بيل
كلينتون ،وحضور ياسر عرفات ورئيس الوزراء السرائيلي
اسحق رابين ،ووقعه عن الجانب الفلسطيني محمود عباس،
وعن الجانب السرائيلي وزير الخارجية شمعون بيريز ،كما
وقعه وزيرا خارجية أمريكا وروسيا كشاهدين.
وقد اتسم اتفاق أوسلو] [83ـ الذي قامت على أساسه
السلطة الفلسطينية الحالية ـ بالمرحلية .إذ تضمن حكما ً ذاتيا ً
في قطاع غزة وأريحا أول ً على أن يغطي مناطق فلسطينية
أوسع في مراحل تالية خصوصا ً تلك المأهولة بالسكان،
وتشمل صلحيات السلطة التعليم والصحة والشئون
الجتماعية والضرائب المباشرة والسياحة .بينما تجري
المفاوضات حول القضايا الحساسة والوضع النهائي بعد
سنتين من بدء الحكم الذاتي .على أن السلوك الصهيوني
66
اتسم بالمماطلة والتسويف والتعجيز ،بحيث مّر إعطاء
الصلحيات للفلسطينيين بكثير من التعقيدات التي عادة ما
كان جوهرها مطالبة "السلطة"بالنجاح في "الختبار"
السرائيلي في ضرب حماس وحركات المقاومة ،وتقديم
السلطة لمزيد من التنازلت .وتم عقد عدة اتفاقيات خدمت
أساسا ً المصالح الصهيونية بشكل أفضل ،فكان اتفاق القاهرة
) 4مايو ،(1994واتفاق "طابا" في ) 28سبتمبر ،(1995
مرورا ً باتفاقية واي بلنتيشن ) 23أكتوبر ،(1998ومذكرة
شرم الشيخ ) 4سبتمبر (1999ووزعت مناطق الحكم
الذاتي إلى مناطق )أ( و)ب( .ول تملك السلطة حاليا ً سوى
حوالي %15من أراضي الضفة تحت )أ( حيث سيطرتها
المنية والدارية ،ونحو 025/0-20من أراضي الضفة تحت
بند )ب( حيث تسيطر إداريا ً بينما يكون الشراف المني
مشتركا ً مع الصهاينة .وقد فشلت السلطة حتى الن )سبتمبر
(2000في الوصول إلى تسوية نهائية حول القضايا المصيرية
الحساسة.وبشكل عام ،فإن أبرز النتقادات والملحظات على
اتفاق أوسلو يمكن تلخيصها فيما يلي- :
- 1قضية فلسطين قضية كل المسلمين وليس قضية
الفلسطينيين وحدهم ،وهي معركة بين حق المسلمين وباطل
اليهود ،وهي معركة تتوارثها الجيال ،ول يجوز لجيل أن يرضخ
أو يتنازل فيغمط حق الجيال التالية .وقد أجمع العلماء
الثقات على عدم جواز هذه التسوية بالشكل الذي تمت فيه،
ودعوا إلى وجوب الجهاد لتحرير الرض المباركة.
- 2تفردت قيادة م.ت.ف بالموافقة على التفاق والتفاقات
التي تلته ،ولم ترجع حتى إلى الشعب الفلسطيني نفسه،
الذي توجد فيه تيارات واسعة معترضة على هذه التسويات
من السلميين واليساريين والقوميين ،وحتى في حركة فتح
نفسها.
- 3اعترفت قيادة م.ت.ف "بحق إسرائيل في الوجود"،
وبشرعية احتللها لـ %77من أرض فلسطين المحتلة عام
،1948والتي ل تجري عليها أية مفاوضات .
-4لم يتم التعرض لخطر القضايا حيث تم تأجيلها إلى
مرحلة المفاوضات النهائية ،ولن م.ت.ف تعهدت بعدم
اللجوء إلى القوة إطلقًا ،فقد أصبح المر مرتبطا ً بمدى
"الكرم الصهيوني" الذي يملك عناصر القوة وأوراق اللعبة،
وهذه القضايا-:
67
أ ـ مستقبل مدينة القدس ،والتي أعلنها اليهود عاصمة أبدية
لهم ،وصادروا %86من أرضها ،وأسكنوا في القدس الشرقية
أكثر من 190ألف مستوطن.
ب ـ مستقبل اللجئين الفلسطينيين الذين يزيد عددهم عن
خمسة مليين لجئ.
ج ـ مستقبل المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية
وقطاع غزة ،حيث صادر الصهاينة نحو %62من أراضي
الضفة والقطاع ،وأقاموا أكثر من 160مستوطنة في الضفة،
و 16مستوطنة في القطاع ،يعيش فيها 200ألف يهودي
مستوطن.
-5ل تتضمن مسئوليات السلطة الفلسطينية المن الخارجي
والحدود ،ول يستطيع أحد دخول مناطق السلطة دون إذن
إسرائيلي .ول يجوز للسلطة تشكيل جيش ،والسلحة تدخل
بإذن إسرائيلي.
6-للكيان الصهيوني حق النقض "الفيتو" على أية تشريعات
تصدرها السلطة خلل المرحلة النتقالية.
- 7ل يوجد في التفاقيات إشارة إلى حق الفلسطينيين في
تقرير المصير ،أو إقامة دولتهم المستقلة ،ول تشير
ض محتلة ،مما يعزز التفاقيات إلى الضفة والقطاع كأر ٍ
ض متنازع عليها - 8في الوقت الذي العتقاد بأنها أرا ٍ
تعهدت فيه م.ت.ف )السلطة الفلسطينية( بعدم اللجوء
إطلقا ً للمقاومة المسلحة ضد الكيان الصهيوني ،وبحل كافة
مشاكلها بالطرق السلمية ،فإنها في الوقت نفسه أصبحت
مضطرة في ضوء تعهداتها السلمية ـ لقمع وسحق أية
مقاومة مسلحة ضد الكيان الصهيوني ،ومحاربة أبناء شعبها
الذين يقومون بذلك .ووجدت نفسها ـ عمليا ً ـ أداة لحماية
"المن السرائيلي" في مناطقها ،وقامت بحملت اعتقال
واسعة وشرسة إثباتا ً "لحسن نواياها" ،وحرصا ً على السلم
مع "إسرائيل".
ً
لقد كان الكاتب الفلسطيني المعروف إدوارد سعيد دقيقا إلى
حد كبير عندما قال إن عرفات "وّرط شعبه بمصيدة ل مخرج
منها"] ،[84بينما قال المفكر الفلسطيني هشام شرابي إن
القيادة الفلسطينية "ل تعرف كيف يؤخذ القرار ،وكيف يتم
تقرير المصير"].[85
68
السلطة الفلسطينية والوضع الحالي-:
بدأ دخول الشرطة الفلسطينية قطاع غزة في 18مايو
،1994وأدى أعضاء الحكم الذاتي اليمين الدستورية أمام
ياسر عرفات في أريحا يوم 5يوليو .1994وقد صدقت
الكثير من التخوفات حول التسوية وأداء السلطة المحتمل.
فلن اتفاقات الحكم الذاتي مؤقتة ،ولن تسليم الرض
للسلطة يتم "بالقطارة" جرعة…جرعة ،ولن تحقيق أي تقدم
بات مرهونا ً برضى الطرف السرائيلي ،فقد وجدت السلطة
الفلسطينية نفسها "تحت رحمة" الطرف الخر ،وأصبحت
مضطرة للستجابة لضغوطه ،في سبيل الحصول على أية
حقوق مهما كانت ضئيلة .وقد سعى الصهاينة إلى المماطلة
والتسويف لتحقيق تنازلت جديدة ،كما ربطوا بين أي تقدم
في التسوية وبين سحق السلطة الفلسطينية للمعارضة
المسلحة .ونجح الكيان الصهيوني في وضع حماس والجهاد
ق في الطريق ،على السلمي والمعارضة الفلسطينية كعائ ٍ
كه وتقمعه حتى تصل إلى ما تحسبه أهدافا ً السلطة أن تد ّ
وطنية فلسطينية.وبالفعل ،فبعد سنوات من اتفاقات أوسلو،
ل تزال المماطلت مستمرة ،ولم ُتحسم القضايا الجوهرية
التي كان يجب أن تحسم ـ حسب التفاق ـ قبل أكثر من
سنتين ) .(1998ومراكز سيطرة السلطة الفلسطينية الفعلية
هي في المناطق المأهولة بالسكان ،والتي كان الصهاينة
يرغبون منذ زمن طويل بإيكال جميع "المهام القذرة" فيها،
من ملحقات أمنية ،وضرائب ،وأعمال بلدية… ،إلى من ينوب
عنهم بذلك ،حتى يصبح استعمارهم استعمارا ً "نظيفًا.وتضخم
الجانب المني لدى السلطة الفلسطينية ليقوم بدوره
المطلوب ،فبلغ عدد الشرطة الفلسطينية نحو أربعين ألفًا،
ليشكل أعلى نسبة شرطة في العالم مقارنة بعدد السكان.
وشكلت السلطة ثمانية أجهزة أمنية مختلفة ،تعاملت دون
هوادة مع المعارضة الفلسطينية ،ونسقت بشكل مباشر
مكشوف مع الجهزة المنية السرائيلية والمريكية.
وتضخمت ميزانية المن ومكتب الرئيس عرفات لتصبح في
سنة 2000حوالي %70من مجموع ميزانية السلطة][86
فيما أخذت الوزارات والمؤسسات الخرى من صحة وتعليم
… وغيرها كثير باقي النسبة.وقد وخدمات اجتماعية وكهرباء
كان ذلك على حساب الحالة القتصادية التي تراجعت كثيرًا،
وعلى حساب مؤسسات التعليم والحريات السياسية
69
والمؤسسات الجتماعية .ففي مايو ُ 1995نشر تقرير
لبرنامج المم المتحدة للتنمية أشار إلى أن دخل الفرد في
قطاع غزة تراجع إلى 500دولر ،بنسبة تراجع %38عما
كان عليه سنة .[87]1993وفي إبريل 2000وصفت
شخصيات فلسطينية بارزة ومنظمات حقوق إنسان اتفاق
أوسلو بأنه بمثابة كارثة اقتصادية وسياسية للفلسطينيين،
ودعت عرفات ـ في وثيقة نشرت في واشنطن ـ إلى
الستقالة .وقالت الوثيقة إن نصيب الفرد الفلسطيني من
الدخل انخفض بنسبة ،%30وأن معدل البطالة تضاعف ثلث
مرات في الضفة والقطاع منذ .[88]1993
وعانت السلطة من الفساد الداري والمحسوبية التي تفشت
بسرعة في أجهزتها .حتى إن أحد كبار قادة فتح نفسها
"محمد جهاد" لم يتورع عن القول إن عرفات قد أحاط نفسه
بثلة من اللصوص والمبتزين] .[89ونقل عن شخصية أخرى
قولها "العربدات تمارس بشكل يومي في الشارع…،
والحديث عن النحلل والرشوة والمحسوبية يزكم النوف"]
.[90وفي مايو 1997صدر تقرير لجنة المراقبة في
المجلس التشريعي الفلسطيني التابع لسلطة الحكم الذاتي
مؤكدا ً أن الفساد المالي في أجهزة السلطة والسرقات قد
طالت 326مليون دولر أمريكي ،وهو مبلغ هائل ـ وهو ما
أمكن كشفه ـ بالنسبة إلى ميزانية السلطة التي كانت بحدود
وت المجلس التشريعي بحجب 1500مليون دولر .وقد ص ّ
الثقة عن حكومة عرفات ) 56صوت مقابل صوت واحد(
بسبب ذلك .وفي نوفمبر 1999وّقع عشرون مفكرا ً
وشخصية فلسطينية بارزة تحت حكم السلطة وثيقة
"العشرين" التي اتهمت السلطة بالفساد والمحسوبية
والشللية وقمع الحريات… وغير ذلك .وقد وصف هشام
ل" :إن السلطة الفلسطينية بتركيبها الحالي شرابي الوضع قائ ً
ل تمثل الشعب الفلسطيني… ،إنها عاجزة عن إحداث أي
تغيير في الوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني ،وهي
نفسها أحد أسباب تفاقم وضعه المأساوي"].[91
وكان النجاز الكثر تميزا ً للسلطة هو القمع المني للمعارضة،
وحملتها المستمرة لجتثاثها ،وللقارئ أن يتصور أن السلطة
شّنت في السنة الولى من عمرها 12حملة اعتقال .وفي
قطاع غزة الذي ل تتجاوز مساحته 363كم 2يتبع السلطة
24مركز توقيف واعتقال ،وهناك 32حاجزا ً عسكريًا .وفي
70
شهر واحد مثل ً ) (9/5/1995-19/4داهمت السلطة 57
مسجدا ً 138مرة في إطار قمعها للتجاه السلمي].[92
وتوالت الحملت المنية بعد كل عملية جهادية ،وكان أشدها
حملة مارس 1996إثر العمليات الستشهادية التي نفذتها
حماس انتقاما ً لستشهاد يحيى عياش .ولم تنجح محاولت
الحوار بين السلطة وحماس ،وحدث أكثر من مرة أن تعتقل
ذب عددا ً منهم أمثال حسن يوسف السلطة محاوريها وتع ّ
وجمال سليم وغيرهم .وقد نجح التنسيق المني الصهيوني-
الفلسطيني-المريكي في إحباط الكثير من العمليات
الجهادية ،وفي القبض على كثير من المجاهدين.وفي يناير
1997أعلنت منظمات حقوق النسان أن هناك 1600
معتقل فلسطيني في سجون السلطة الفلسطينية بينهم 700
دون تهم أو محاكمة] .[93وقد ُقتل حتى الن أكثر من
عشرين شخصا ً تحت التعذيب في هذه السجون.وهكذا ،ففي
ل فيه الكيان الصهيوني ،ويصادر المزيد من الوقت الذي يتغوّ ُ
الراضي ،ويبني المستوطنات في الضفة والقطاع ،ويستقدم
المهاجرين ،ويمحو الهوية السلمية للقدس ،تقوم السلطة
ج بهم في سجونها).ومما يجدر ذكره بكف يد ّ المجاهدين ،وتز ّ
أن سلوك السلطة الفلسطينية تجاه المعارضة قد اختلف عند
اندلع انتفاضة القصى في 28سبتمبر .2000فقد وجدت
أنه ل يمكن ممارسة نفس السياسات القمعية في وقت يتنكر
فيه الصهاينة لتفاقياتهم ،ويزدادون غطرسة وبطشا ً بالشعب
ب فيه هذا الشعب بأكمله للدفاع الفلسطيني ،وفي وقت ه ّ
ففت السلطة من قيودها عن كرامته ومقدساته .ولذلك ،خ ّ
على المعارضة ،وأطلقت سراح الكثير من السجناء ،وأطلقت
ن العمليات العنان للمظاهرات والحتجاجات ،لكنها لم تتب ّ
الفدائية ،واستمرت في سياستها باستنكار قتل المدنيين
ل على السرائيليين ،غير أنها بّررت هذه العمليات بأنها رد ّ فع ٍ
الوحشية الصهيونية في قتل الفلسطينيين البرياء ،وتدمير
بيوتهم ،ومصادرة أرضهم ،والعتداء على مقدساتهم .ولم
تتعاون السلطة بشكل جاد من الناحية المنية مع السلطات
سر على الفصائل الفلسطينية وخصوصا ً الصهيونية مما ي ّ
حماس والجهاد السلمي وفتح القيام بالكثير من العمليات
العسكرية الموجهة ضد أهداف صهيونية( *.
71
الكيان الصهيوني والوضع الحالي-:
يقف الكيان الصهيوني في مطلع القرن الـ 21الميلدي في
حالة من الزهو والعلو بعد أن ثّبت دعائمه في ظل دعم
القوى الكبرى ،وفي أجواء التمزق والضعف العربي
والسلمي ،فخلل 52عاما ً من إنشائه )(2000 – 1948
تمكن من استقدام نحو مليونين و 900ألف مهاجر يهودي،
وتزايد عدد اليهود في فلسطين المحتلة من 650ألفا ً سنة
1948إلى حوالي أربعة مليين و 947ألفا ً في نهاية سنة
،2000أي حوالي % 38من يهود العالم[94].واستطاع
الكيان الصهيوني أن يتجاوز عزلته الدولية ،فمع انحلل التحاد
السوفيتي والنظمة الشيوعية "هرولت" روسيا ودول أوربا
الشرقية باتجاه فتح سفاراتها وتعزيز علقاتها السياسية
والقتصادية مع الدولة الصهيونية .ومع الضعف العربي
والسلمي إثر احتلل الكويت وحرب الخليج )،(1991-1990
وتوقيع م .ت .ف .لتفاقيات أوسلو ،قامت الردن بعقد اتفاق
تسوية سلمية مع الكيان الصهيوني ،وتبعتها عدد من الدول
العربية بتبادل فتح مكاتب تمثيل تجاري ورعاية مصالح )قطر،
عمان ،تونس ،(...وقامت أكثر من خمسين دولة أخرى في ُ
العالم بفتح علقات دبلوماسية واقتصادية مع الكيان
الصهيوني.ومع تراجع مشروع التحرير والحروب العربية ،ومع
تولي السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة والقطاع مهام
قمع المعارضة المسلحة للكيان الصهيوني ،استمتع الكيان
كنته من مضاعفة نموه بحالة من الستقرار النسبي ،م ّ
القتصادي .فقد تمكن من مضاعفة الناتج المحلي الجمالي
من 15.3بليون دولر أمريكي سنة 1983إلى 105.4بليون
دولر سنة 2000أي بنحو سبعة أضعاف ) ،(%689ولم يعد
تحت رحمة المساعدات المريكية والهبات الخارجية التي
كانت تشكل سنة 1983نحوا ً من %25من دخله القومي،
فأصبحت ل تشكل أكثر من ،%4وإن ظلت مبالغ
المساعدات والهبات نفسها دون تغيير )حوالي أربعة بليين
دولر سنويًا( .وارتفع معدل الدخل السنوي للفرد في الكيان
الصهيوني إلى 18300دولر أمريكي سنة 2000ليشكل أحد
أعلى الدخول في العالم .وتضاعفت قيمة الصادرات
"السرائيلية" من حوالي 11.6بليون دولر سنة 1990إلى
23.6بليون دولر سنة .2000أما ميزانية الكيان الصهيوني
لعام 2000فتقدر إيراداتها بنحو 40بليون دولر أمريكي،
72
ونفقاتها بنحو 42.4بليون دولر .وإيرادات هذه الميزانية
أعلى بنحو 8بليين دولر أمريكي من مجموع إيرادات
الميزانيات العامة لمصر وسوريا والردن ولبنان مجتمعة]
.[95وتتمتع القوات العسكرية الصهيونية بمزايا تجعلها الدولة
القوى في الشرق الوسط حسب المعايير المادية ،فالقوات
العسكرية المتفرغة تبلغ 178ألف جندي ،يمكن مضاعفتها
بقوات احتياط عالية التدريب والكفاءة خلل 72ساعة إلى
أكثر من 700ألف ،بل إلى مليون جندي وفق بعض
التقديرات .وهي تتمتع بتفوق كبير في كافة أنواع السلحة
التقليدية وأسلحة الدمار الشامل ،حيث تحصل أول ً بأول على
أحدث السلحة المريكية ،فضل ً عن وجود أكثر من 200
شركة "إسرائيلية" تعمل في الصناعات الحربية .ويتمتع
الكيان الصهيوني باتفاقية تعاون استراتيجي مع أمريكا،
وبضمانات رسمية بأن تظل القوة العسكرية السرائيلية
متفوقة على القوة العسكرية العربية مجتمعة .ويملك الكيان
الصهيوني أكثر من 200قنبلة نووية ،وُيعد ّ خامس أكبر مصدر
للسلح في العالم ،حيث حصل على عقود بيع أسلحة عام
1999تزيد قيمتها عن 2000مليون دولر أمريكي].[96ومع
ذلك ،فإن للكيان الصهيوني مشكلته ،فهناك حالة من
النقسام والتفتت وسط الحزاب السياسية الكبرى ،ويشكو
الجيش "السرائيلي" من حالة من الترهل "النسبية" وضعف
المعنويات ،وحالت الهروب من الخدمة العسكرية
والنتحار.وهناك مشاكل اجتماعية متمثلة في تزايد حالة
النقسام العرقي والديني بين فئات اليهود الشكناز
والسفارديم ،وارتفاع نسب الطلق ،وانخفاض نسب المواليد،
كما أن مصادر الهجرة اليهودية في روسيا وأوربا الشرقية قد
حت وأوشكت على النفاد ،ول يهتم يهود أمريكا وأوربا ش ّ
الغربية بالهجرة ،مما يشكل ضربة لمشروع التوسع الصهيوني
ول أعيننا عن والدولة اليهودية.غير أن هذا كله ل ينبغي أن يح ّ
وه،خصوصا ً عندما نقارن ذلك حقيقة قوة هذا الكيان وعل ّ
بحقيقة الوضاع في عالمنا العربي والسلمي ،الذي تواجه
دوله مشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية خطيرة أيضًا .ولم
تصل مشاكل الكيان الصهيوني إلى الحالة الحرجة التي تؤذن
بانحلله وزواله ،إذ ل بد لذلك من مشروع عربي –إسلمي
نهضوي شامل يكون على مستوى التحدي.
73
القدس والوضع الحالي-:
احتل اليهود القدس الغربية في حرب ) ،1948وهي تساوي
نحو %84.1من المساحة الكلية للقدس( ،وقاموا بتهويد هذه
المنطقة –التي تعود % 85من ملكيتها للعرب –وبناء أحياء
سكنية يهودية فوق أراضيها وأراضي القرى العربية المصادرة
حولها ،مثل قرية لفتا التي ُبني عليها البرلمان السرائيلي
"الكنيست" وعدد من الوزارات ،وقرى عين كارم ودير ياسين
والمالحة وغيرها [97].وفي عام 1967أكمل الكيان
الصهيوني احتلله للقدس الشرقية ،التي ُتعد ّ جزءا ً من الضفة
الغربية ،والتي يقع فيها المسجد القصى .ومنذ ذلك الوقت
بدأ حملة تهويد محمومة لشرقي القدس ،فأعلن عن توحيد
شطري القدس تحت الدارة "السرائيلية" في 27يونيو
،1967ثم أعلن رسميا ً في 30يوليو 1980أن القدس
عاصمة أبدية موحدة للكيان "السرائيلي"[98].وقد كان
التركيز على القدس مسألة مركزية في الفكر اليهودي
الصهيوني؛ لما تمثله من أبعاد دينية وتاريخية ،وقبل أن ينشأ
الكيان السرائيلي بحوالي خمسين عاما ً قال هرتزل ،مؤسس
المنظمة الصهيونية العالمية" ،إذا حصلنا على مدينة القدس،
وكنت ل أزال حيا ً وقادرا ً على القيام بأي عمل ،فسوف أزيل
كل شيء ليس مقدسا ً لدى اليهود فيها ،وسوف أحرق جميع
الثار التي مرت عليها قرون"] ،[99وكان المؤسس الفعلي
للكيان السرائيلي وأول رئيس وزراء له ديفيد بن جوريون
يقول "إنه ل معنى لسرائيل دون القدس ،ول معنى للقدس
دون الهيكل".
وقام الكيان السرائيلي بتوسيع نطاق بلدية القدس تدريجيًا؛
ليتمكن من ضم مناطق أخرى من الضفة الغربية نهائيا ً إلى
كيانه ،وليقوم بعملية تهويد القدس على نطاق مبرمج واسع.
فتوسع نطاق البلدية شرقي القدس من 6.5كم 2سنة
1967إلى 123كم 2سنة .1990أما خطة ما يسمى
بالقدس الكبرى التي يطمح لتنفيذها فتشمل 840كم ،2أي
نحو % 15من مساحة الضفة الغربية .وفي نطاق بلدية
شرقي القدس أنشأ الصهاينة طوقا ً من 11حيا ً يهوديا ً حول
المدينة القديمة حيث المسجد القصى ،يسكنها نحو 190
ألف يهودي .كما أنشأ طوقا ً آخر -أكثر اتساعًا -حول
القدس من 17مستعمرة يهودية محاول ً قطع القدس عن
محيطها العربي السلمي ،وبالتالي قطع الطريق عن أي
74
تسوية سلمية يمكن أن تعيد القدس أو شرقي القدس
للفلسطينيين [100].ويسكن القدس بشقيها الغربي
والشرقي حوالي 650ألفا ً حسب تقديرات سنة 2000من
بينهم 450ألف يهودي ،و 200ألف عربي )كل العرب تقريبا ً
يسكنون شرقي القدس( .وبسبب سياسات المصادرة والقهر
استولى الصهاينة على % 86من مساحة القدس ،وبقي
للعرب الفلسطينيين فعليا ً ،% 4بينما هناك ُ % 10
منع
دة لمشاريع يهودية ،مما يشير إلى العرب من النتفاع بها ومع ّ
مدى الخطورة التي وصل إليها مشروع تهويد مدينة القدس.
مع العلم أن الفلسطينيين كانوا يملكون % 90من القدس
عند بدء الحتلل البريطاني [101].1918
أما الحرم القدسي "المسجد القصى" فهي قصة
مأساة أكثر إيلمًا .فبعد أيام من احتلل اليهود القدس
الشرقية ،قاموا بتدمير حي المغاربة المقابل للحائط الغربي
للمسجد القصى )حائط البراق أو ما يسميه اليهود حائط
المبكى( ،وهو حي مكون من 135بيتا ً ومسجدين ،وجرى
تسويته بالرض ليكون ساحة يستخدمها اليهود لغراض
عبادتهم ،رغم أن الحي أرض وقف إسلمي .وبدأ اليهود حملة
محمومة من الحفريات تحت المسجد القصى وحوله،
كزين على المنطقة الغربية والجنوبية للمسجد ،محاولين مر ّ
إيجاد أي دليل حول هيكلهم ،لكن كان معظم ما وجدوه آثارا ً
إسلمية تعزز مكانة القدس وهويتها السلمية .ومنذ 1967
وحتى سنة 2000مرت عمليات الحفريات بعشر مراحل،
كانت تتم بنشاط ولكن بهدوء وتكتم .وتم حفر عدد من
النفاق تحت المسجد القصى .وبلغت الحفريات مراحل
خطيرة عندما أخذوا يفرغون التربة والصخور من تحت
المسجد القصى وقبة الصخرة ،مستخدمين المواد الكيماوية
لتذويب الصخور ،مما يجعل القصى تحت خطر النهيار في
أي لحظة ،بسبب أية عاصفة قوية أو زلزال خفيف.
أما العتداءات على المسجد القصى فقد جرى 40
اعتداًء خلل ،1990-1967ولم تنفع التسوية السلمية
واتفاقات أوسلو في وقف العتداءات ،فتم تسجيل 72اعتداًء
خلل الفترة ،1998-1993مما يشير إلى ازدياد الحملة
الشرسة ضد أحد أقدس مقدسات المسلمين .وكان من أبرز
العتداءات عملية إحراق المسجد القصى في 21أغسطس
،1969وجرت محاولت لنسف المسجد القصى في أول
75
مايو ،1980وفي يناير وأغسطس وديسمبر .1984وفي 17
أكتوبر 1989قامت جماعة يهودية بوضع حجر الساس لبناء
الهيكل اليهودي الثالث قرب مدخل المسجد القصى[102].
ويقوم المسلمون في القدس وفلسطين بالسهر على حماية
القصى رغم ما يعانونه من احتلل وقهر ،وهم يهّبون دوما ً
للدفاع عن حرمته بأجسادهم وحجارتهم ،بعد أن فقدوا النصير
العربي والسلمي .فلم تخل أي محاولة اعتداء يهودية من
قيام المسلمين بالتصدي لها حتى لو أدى ذلك إلى ارتكاب
مجازر بحقهم ،كما حدث في 8أكتوبر 1990عندما استشهد
34وجرح 115آخرون ،عندما حاولت جماعة يهودية وضع
حجر أساس الهيكل داخل المسجد القصى .وكما حدث في
27-25سبتمبر 1996إثر انتفاضة الغضب التي قامت بسبب
افتتاح اليهود لنفق تحت الجدار الغربي للمسجد القصى ،مما
أدى لستشهاد 62فلسطينيًا ،وجرح 1600آخرين[103].
لقد صدرت عشرات القرارات الدولية عن المم المتحدة
ومجلس المن الدولي برفض ضم الكيان السرائيلي للقدس
الشرقية ،ورفض أية إجراءات مادية أو إدارية أو قانونية تغّير
من واقع القدس واعتبار ذلك لغيًا ،واعتبرت هذه القرارات
الكيان "السرائيلي" قوة احتلل يجب أن تخرج من القدس
)ومن الضفة الغربية وقطاع غزة ككل( .وقد صدر أول هذه
القرارات في 4يوليو 1967عن الجمعية العامة للمم
المتحدة تحت رقم .2253وظلت القرارات تتوالى إلى أن
ضم الكيان السرائيلي القدس رسميا ً إليه ،فاتخذت الجمعية
العامة للمم المتحدة قرار ES 712في 29يوليو 1980
بغالبية 112صوتا ً مقابل 7أصوات وامتناع ،24يدعو
الصهاينة إلى النسحاب الكامل ودون شروط من جميع
الراضي العربية المحتلة بما فيها القدس .واتخذ مجلس
المن في 30يوليو 1980بغالبية 14صوتا ً ضد ل شيء
وامتناع الوليات المتحدة عن التصويت قرارا ً بإعلن بطلن
الجراءات التي اتخذها الكيان السرائيلي لتغيير وضع القدس،
مؤكدا ً ضرورة إنهاء الحتلل "السرائيلي".
واستمرت القرارات في الصدور إلى الن ،غير أنها وإن
كانت تعترف بحقوق الفلسطينيين ،إل أنها تفتقر الجدية
واللية اللزمة لرغام الكيان السرائيلي على احترام
القرارات الدولية[104].
76
انتفاضة القصى 28 :سبتمبر -2000الن )أكتوبر
2001م(-:
لقد كانت زيارة الرهابي أرييل شارون زعيم حزب الليكود
الستفزازية إلى حرم المسجد القصى في 28سبتمبر
2000هي الشرارة التي فجرت النتفاضة ،وكان واضحا ً أن
ثمة مباركة وتأييدا ً من رئيس الحكومة الصهيونية باراك
للزيارة حيث زوده بستمائة جندي لمرافقته ،واستنفر 3000
جندي وشرطي في القدس وأحيائها .وصمم المسلمون على
الدفاع عن القصى ،حيث سقط في المواجهات الولى
خمسة شهداء ،وجرح أكثر من مائة.وكانت عناصر اشتعال
الوضع وأسباب تفجيره جاهزة ،فقد وصلت مفاوضات
التسوية السلمية إلى طريق مسدود ،وتأكدت الطماع
الصهيونية اليهودية في القدس والمسجد القصى ،وظهر
التعنت السرائيلي في قضايا اللجئين والمستوطنات،
واستمر الصهاينة في مصادرة الراضي وتوسيع
المستوطنات.ولم يكونوا مستعدين للتنازل ،ول لتنفيذ
القرارات الدولية ،عندما يتعلق المر بالقضايا الجوهرية
الحاسمة .وبدا لباراك أن "الحل الوحيد الذي لح في الفق
كان دفع الوضع إلى النفجار" ،كما قال بنفسه في اجتماع
سري في 25أكتوبر .[105]2000ولعله أراد إظهار مزيد
من التصلب ،وتحقيق مزيد من الشعبية وسط المجتمع
الصهيوني ،واستثمار ذلك في وقف عملية التسوية أو إدخالها
في أزمات متتالية ،في الوقت الذي تزداد فيه عمليات الهجرة
اليهودية ومصادرة الراضي والستيطان ،ليتسنى تحقيق مزيد
من الضغط على السلطة الفلسطينية ،التي أثبتت السنوات
الماضية قابليتها للتنازل والتراجع ،وتخفيض سقف
مطالبها.لكن الصهاينة ُووجهوا ببركان غضب عارم ليس في
فلسطين وحدها ،وإنما في العالم السلمي أجمع ،وحيثما
وجدت الجاليات السلمية ،وأبطل الله سبحانه وتعالى
حسابات الصهاينة ومكرهم ،وبرز القصى عصيا ً على الخضوع
دت المليين أن تفديه -والرض والغتصاب عندما استع ّ
ً
المباركة – بأرواحها ،وأفرزت النتفاضة عددا من الحقائق
والمؤشرات أهمها-:
الولى :أن المة السلمية ل تزال حية ،رغم الجراح التي
أثخنتها ،وأن روح المقاومة والصمود والستعداد للبذل
والتضحية لم تخمد .فقد خرجت المظاهرات بعشرات اللف
77
بل بمئات اللف في بلدان العالم السلمي ،من الرباط في
أقصى المغرب وحتى جاكرتا في أقصى المشرق
السلمي،كلها تهتف للقصى والقدس وفلسطين ،وتطالب
بالجهاد ،وتقدم ما لديها من تبرعات ودعم .فكانت لحظات
رائعة من أخوة السلم ووحدة المة .وظهرت تجليات
المكانات الكبرى لهذه المة لتحقيق النصر لو سلكت طريق
الجهاد.
الثانية :أن قضية فلسطين – بأرضها المباركة وبقدسها
وأقصاها – قضية تجمع المسلمين وتوحدهم ،بل وتكون سببا ً
في تجاوز خلفاتهم والتركيز على العدو الصهيوني المشترك.
وأن هذه القضية غدت القضية المركزية للعالم السلمي ،فل
قضية تجمعهم كهذه القضية ،ول عدو يجتمعون ضده كهذا
العدو.
الثالثة :وجهت النتفاضة ضربة قاسية لمشروع التسوية
السلمية والتطبيع مع العدو ،وبرز الخيار الجهادي كخيار أمثل.
الرابعة :أن هذه النتفاضة انعكست على طريقة تفكير الناس
وأسلوب حياتهم اليومي ،فاشتد العداء للمشروع الصهيوني،
واشتد العداء ضد أمريكا ،وتكرست الروح الجهادية وروح
التكافل ،وتجاوبت الجماهير مع دعوات مقاطعة البضائع
المريكية والسرائيلية ،حتى غّير المليين من أسلوب
طعامهم وشرابهم اليومي ،ومن لباسهم ووسائل تنقلهم
واتصالتهم وترفيههم ،فكانت مدرسة تربوية اجتماعية شعبية،
ربما احتاجت حركات الصلح سنوات للوصول إلى مثل
نتائجها .فانخفضت مثل ً مبيعات مطاعم الوجبات السريعة
) مكدونالدز ،و ( K.F.Cبنحو %80في السعودية ،وانخفضت
مبيعات مشروبات البيبسي كول بنسبة %46في مصر )وذلك
حسب بعض التقديرات التي نشرت في نوفمبر ،(2000
واتجه الناس للمأكولت والمشروبات الشعبية ،بل واضطرت
الشركات الجنبية المريكية لنزال إعلنات عدم العلقة
بالكيان الصهيوني ،بل والتبرع لضحايا النتفاضة ،كما حدث مع
مطاعم مكدونالدز التي تبرعت بريال سعودي لكل وجبة
طعام ،لعلج جرحى النتفاضة].[106
الخامسة :أن التسوية السلمية قائمة على الظلم والغصب،
وأن جماهير الفلسطينيين والعرب والمسلمين ترفض التنازل
عن حقوقها في الرض المقدسة ،وأنها ل تأمل من الغاصب
78
الصهيوني سلما ً ول خيرًا ،وأنها ترى في الجهاد الوسيلة
النجع لسترداد الحقوق.
السادسة :برزت أهمية العلم ودوره في التعبئة ،إذ تمكن
المسلمون من كسر الطوق العلمي الغربي المتصهين ،من
خلل الفضائيات العربية ،وخدمات النترنت والبريد
اللكتروني ،وخصوصا ً في المراحل الولى من النتفاضة .ومن
جهة أخرى ،فقد تميزت هذه النتفاضة بالمشاركة الشعبية
الواسعة في كل أرجاء فلسطين المحتلة ،وبمشاركة كافة
التيارات الفلسطينية .كما تميزت في الوقت نفسه ،بشدة
القمع الصهيوني الذي تمادى في قتل الطفال والبرياء
واستخدام السلحة المحرمة دوليًا ،وانكشفت سوءات أدعياء
السلم "الصهاينة" الذين تباروا في سحق النتفاضة المباركة.
وقد صمد أبناء فلسطين صمودا ً بطوليا ً طوال الفترة
الماضية ،ول يزالون .وتشير الحصائيات إلى أنه بعد مرور
سنة على النتفاضة ) 28سبتمبر 28-2000سبتمبر (2001
فقد استشهد 727فلسطينيًا ،وجرح نحو ثلثين ألفا ً )أو 35
ألفا ً حسب تقديرات أخرى( ،وأصيب 2800منهم بإعاقات
ل ،وجرح دائمة .واستشهد من أطفال فلسطين 159طف ً
آلف الطفال ،وتقدر نسبة الصابات في الطفال واليافعين
دون سن الثامنة عشرة بنحو %40من مجمل إصابات
النتفاضة .وكان من بين الشهداء 13شهيدا ً من أبناء الرض
المحتلة عام 1948حيث انتفضوا بقوة إلى جانب إخوانهم
في الضفة والقطاع .وقام الكيان الصهيوني بتدمير نحو
خمسة آلف بيت ،واجتثاث 200ألف شجرة ،وقصف 95
مدرسة ،وتسبب حصاره في معاناة 218قرية من العطش
الشديد ،وارتفعت نسبة البطالة من %11إلى %57بين أبناء
الضفة والقطاع ،وأصبح هناك 265ألفا ً عاطلين عن العمل،
وباحتساب عدد عائلت هؤلء يرتفع عدد المتضررين إلى
مليون و 270ألفًا ،أي نحو % 45.5من سكان الضفة
والقطاع .وارتفعت نسبة الفلسطينيين تحت خط الفقر إلى
، %50وخسر القتصاد الفلسطيني –الناشئ المنهك -نحو
7.5بليون دولر أمريكي.[107].أما منظمة العمل العربية
فقد قدرت خسائر الفلسطينيين بنحو 19مليون دولر يوميًا،
درت الخسائر منت الضرار غير المباشرة( ،فق ّ ) يبدو أنها ض ّ
اليومية لقطاع العمال بـ 6.6مليون دولر ،وقطاع التجارة
5.5مليون ،والصناعة 3.3مليون ،والزراعة .)108]3.2وقد
79
تعمد الصهاينة إطلق النار بقصد القتل وليس لتفريق
المظاهرات ،أو مجرد مواجهة حجارة المنتفضين ،فذكرت
التقارير أن %65من الصابات كانت في الجزء العلوي من
الجسد ،أي في الرأس والرقبة والصدر والبطن ،وأن %40
من الصابات كانت باستخدام أسلحة محرمة دوليا ً مثل
رصاص الدمدم الذي يتفجر في الجسد ،ورصاص ،500و
800الذي يستخدم عادة ضد الدبابات!! ،وكانت نسبة
%40من الصابات ليافعين وأطفال تحت سن 18سنة]
.[109كما تبنى الصهاينة سياسة الغتيال السياسي لنشطاء
النتفاضة ،حيث استشهد من جراء ذلك نحو ثمانين فلسطينيا ً
من مختلف الفصائل الفلسطينية مثل جمال منصور وجمال
سليم من قيادات حماس ،ومثل أبو علي مصطفى المين
العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .غير أن كافة الساليب
القمعية لم تفلح في قمع النتفاضة التي أخذت طابعا ً عسكريا ً
زاد قوة مع تطور الحداث ،فذكرت تقارير إسرائيلية عن
وقوع ما معدله 70 -50عملية يوميا ً ضد أهداف صهيونية،
وتعمد الكيان الصهيوني أسلوب التعتيم العلمي ،وعدم
العلن إل عما ل يمكن إخفاؤه ،وعند ذلك يتعمد إخفاء
الخسائر الحقيقية ،وإعطاء أرقام أقل للحفاظ على معنويات
المجتمع الصهيوني وجنوده ،وعلى الثقة بالقيادة الصهيونية،
وإشعار المجاهدين أن فعالياتهم وعملياتهم غير مؤثرة ،فضل ً
عن إضعاف روح التفاعل العربي والسلمي مع القضية .وقد
شاركت كافة الفصائل الفلسطينية في العمليات العسرية.
در مجموع قتلى الصهاينة بنحو 165بعد مرور سنة على ويق ّ
النتفاضة )وهو ما أمكن معرفته من المصادر الرسمية
"السرائيلية" التي تتعمد إخفاء خسائرها أو تقليلها(،
والجرحى بنحو .1400وتشير إحصائية فلسطينية أخرى،
نشرتها وكالة قدس برس في يناير ،2002إلى أنه قد قتل
منذ اندلع النتفاضة وحتى نهاية سنة 2001ما مجموعه
243صهيونيا ً بينهم 184مستوطنا ً و 59عسكريًا ،وأصيب
2344إسرائيليا ً بجراح بينهم 1662مستوطنًا ،و 682
عسكريًا ،وذلك في 10401عملية فدائية نفذها مقاتلون
فلسطينيون ضد الهداف الصهيونية.
ل،وتميزت حماس بعملياتها الستشهادية التي أحدثت دويا ً هائ ً
وزعزعت المن في الكيان الصهيوني .فقد نفذت حماس 12
عملية استشهادية خلل السنة الولى للنتفاضةُ ،قتل فيها 61
80
صهيونيا ً على القل ،ونفذ معظمها في قلب الرض المحتلة
سنة ،1948في مدن تل أبيب ونتانيا والقدس وكفر سابا
ونهاريا وغزة .أما كتائب شهداء القصى التابعة لحركة فتح
فركزت على عمليات إطلق الرصاص ضد قوات الحتلل
والمستوطنين في الضفة الغربية والقطاع ،حيث قتل نحو 30
صهيونيًا .ونفذت الجهاد السلمي أربع عمليات كبيرة ُقتل
فيها عشرة صهاينة .كما نفذت الجبهتان الشعبية
والديموقراطية وغيرهما عددا ً من العمليات] .[110ومن
العمليات النوعية التي تستحق الشادة عملية اغتيال وزير
السياحة "السرائيلي" رحبعام زئيفي( وهو جنرال سابق في
الجيش "السرائيلي" ،ومن أشد الصهاينة تطرفًا ،وقد نفذت
الجبهة الشعبية هذه العملية بجرأة وبراعة منتقمة لغتيال
أمينها العام أبو علي مصطفى .كما نفذت حماس
والديموقراطية عمليات اقتحام نوعية لمستوطنات إسرائيلية.
وفضل ً عن أسلوب الردع العنيف الذي تبّناه الصهاينة ،فإن
هذه النتفاضة قد أدت إلى سقوط حكومة حزب العمل
السرائيلي بزعامة باراك ،وهزيمة باراك الساحقة في
انتخابات رئاسة الوزراء السرائيلية 6فبراير ،2001حيث
اختار الصهاينة رجل ً أكثر دموية وتطرفًا ،ومشهورا ً بمذابحه
ضد الفلسطينيين ،هو أرييل شارون زعيم الليكود.
وفقد المجتمع الصهيوني شعوره بالمن ،وأصبح الصهاينة
يتجنبون ركوب الحافلت ،ويخففون من التسوق قدر المكان،
لئل يحدث انفجار في أي لحظة في أي مكان .وتبخرت أحلمه
في فرض شروطه المهينة على العرب والمسلمين ،وارتفعت
جدران العداء والدماء من جديد لتوقف مد التسوية والتطبيع
وتركيع المنطقة للمشروع الصهيوني .كما أعاد الكيان
الصهيوني إلى أذهان العالم صورة وجهه البشع من جديد،
وتحول نموذج استشهاد الطفل محمد الدرة -الذي رآه العالم-
إلى كابوس يفضح الحقد والوحشية الصهيونية.وعانى
الصهاينة من تدهور وضعهم القتصادي الذي كان يشهد
درت ضربت السياحة ،وقُ ّ ازدهارا ً كبيرا ً قبل النتفاضة ،فقد ُ
خسائرها بنحو مليار دولر ،وانخفض الناتج الوطني السرائيلي
بنسبة ،%9.8بعد أن كان سجل نموا ً قدره %9خلل الربع
الثالث من عام ،2000وانخفض حجم الميزان التجاري بنسبة
،%31وبلغ العجز التجاري في شهر أكتوبر 2000فقط
حوالي 486مليون دولر] [111وصل المعدل العام للخسائر
81
اليومية الصهيونية في آب /أغسطس 2001إلى نحو 16-14
مليون دولر أمريكي يوميًا.
لقد أحدثت هذه النتفاضة هزة عميقة في الكيان الصهيوني،
وأصابته في صميم القاعدتين اللتين بنى عليهما وجوده
المادي ،وهما المن والزدهار القتصادي .وأخذ عشرات
اللف من اليهود يحزمون حقائبهم ويغادرون الكيان
الصهيوني إلى أوربا وأمريكا وأستراليا ،وأظهرت استطلعات
الرأي العام أن أكثر من %25من اليهود في فلسطين
يفكرون جديا ً في المغادرة وترك البلد .ول زال الكيان
الصهيوني بقيادة الرهابي شارون مصّرا ً على قمع النتفاضة،
وإلغاء مكاسبها .وقد استفاد مؤخرا ً من أجواء انشغال العالم
بأحداث تدمير مبنى التجارة العالمي في نيويورك في 11
سبتمبر ،2001وما تله من هجوم أمريكا وحلفائها على
أفغانستان ،ومحاولة القضاء على حركة طالبان وبن لدن...
استفاد من ذلك ليستخدم أشرس ما في جعبته من قتل
وتدمير وتخريب .لكن الخشية الحقيقية على هذه النتفاضة
تأتي من وسط الشعب الفلسطيني ،وبشكل أكثر تحديدا ً من
احتمالت تعاون السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني في
وأد النتفاضة بحجة العودة إلى طاولة المفاوضات ،وإمكانية
تحقيق مكاسب سياسية.
-------------------------------------------------------------------
-----
] [78جريدة صوت الشعب )الردن( 8 ،ديسمبر .1993
] [79جريدة الحياة 5 ،مارس . 1995
] [80انظر حول حماس في :محسن صالح ،الطريق إلى
القدس ،ص ،205-183وخالد الحروب ،حماس )بيروت:
مؤسسة الدراسات االفلسطينية.(1997 ،
] [81جريدة الخليج )المارات( 8 ،مايو .2000
][82جريدة الخليج 25 ،يناير ،2000وحسب المصدر نفسه
يوجد في الكيان الصهيوني عشرة آلف عالم نووي.
][83حول اتفاق أوسلو وما تله ،انظر:عماد يوسف وآخرون،
النعكاسات السياسية لتفاق الحكم الذاتي الفلسطيني،
)عمان :مركز دراسات الشرق الوسط ،(1995 ،ومنير
شفيق ،أوسلو " "1و" :"2المسار والمآل )لندن :فلسطين
المسلمة ،(1997 ،ومحسن صالح ،الطريق إلى القدس ،ص
.182-174
82
][84جريدة الحياة 12،أغسطس .1995
][85جريدة الحياة5 ،مارس .1995
][86حسبما تناقلته الخبار في 1مارس ،2000انظر:
WWW.Palestine-info.org./news, 2Mar.2000
] [87جريدة الرأي )الردن( 2 ،مايو .1995
] [88جريدة الخليج 16 ،إبريل .2000
] [89جريدة السياسة )الكويت( 27 ،إبريل .1995
] [90جريدة الشرق الوسط )لندن( 22 ،مارس .1995
] [91تصريح هشام شرابي في جريدة الحياة 5 ،مارس
.1995
][92داود سليمان ،السلطة الوطنية الفلسطينية في عام
) 1995-1994عمان :مركز دراسات الشرق الوسط،
،(1995ص 135
].www.passia.org/Palestine-facts/chronology/1997 [93
* أضيفت هذه الفقرة بعد تماثل الكتاب للطباعة.
] [94حول الهجرة اليهودية وأعداد اليهود ،انظر:
Central Bureau of statistics, government of Israel, in:
http://www.cbs.gov.il/yahran/bl/e.htm
وانظر :عمران أبو صبيح ،الهجرة اليهودية حقائق وأرقام:
) 1990-1882عمان :دار الجليل.(1991 ،
][95حول الوضع القتصادي في الكيان السرائيلي ،انظر:
http://www.cbs.gov.il/yahran/bl/e.htm, and CIA world
.Factbook 2000, Israel, Egypt, Syria Lebanon and Jordan
وفضل النقيب" ،القتصاد" ،في دليل إسرائيل العام )بيروت:
مؤسسة الدراسات الفلسطينية ،(1996 :ص .212-183
][96حول القوة العسكرية "السرائيلية" ،انظر:محمد زهير
دياب" ،المؤسسة العسكرية "،في دليل إسرائيل العام ،مرجع
سابق ،ص .313-285وعبد الوهاب المسيري" ،صناعة
السلح في التجمع الستيطاني الصهيوني" ،في جريدة
الخليج 11 ،يونيو .2000وانظر:
The Military Balance, 1998/99, International Institute for
.Strategic Studies, London
] [97انظر :رفيق النشتة ،وإسماعيل ياغي ،تاريخ مدينة
القدس )عمان :دار الكرمل ،(1984 ،ص ،94وهنري كتن،
فلسطين في ضوء الحق والعدل )بيروت ،(1970 :ص .45
] [98انظر :الموسوعة الفلسطينية ،ج ،3ص .522
83
] [99النتشة ،مرجع سابق ،ص .157
] [100حول هذه الفترة عن تهويد القدس ،انظر :الموسوعة
الفلسطينية ،ج ،3ص ،527-521وإبراهيم أبو جابر وآخرون
"قضية القدس ومستقبلها" ،في المدخل إلى القضية
الفلسطينية )عمان :مركز دارسات الشرق الوسط،(1997 ،
ص .568-544وجريدة الدستور 18 ،يونيو .1997
][101حول نسب الملكية في القدس ،انظر :إبراهيم أبو
جابر وآخرون ،مرجع سابق ،ص ،541وص .557ورفيق
النتشة ،مرجع سابق ،ص .98
] [102هناك الكثير من المصادر التي تحدثت عن عمليات
تهويد منطقة القصى والحفريات تحته والعتداءات عليه،
انظر حول الفقرتين السابقتين مثل ً في :إبراهيم أبو جابر،
مرجع سابق ،ص ،568-564والموسوعة الفلسطينية ،ج ،3
ص ،523-522والخبار اليومية ،مثل ً في :جريدة الخليج
13فبراير ،2000و 27يوليو ،2000و 9سبتمبر ،2000و
8و 17يناير ،2001والمركز العلمي الفلسطيني )
(http:/www.palsetine-info.orgبتواريخ 23مارس ،2000و
6 ،2إبريل .2000
][103غطت الجرائد اليومية تلك الحداث ،انظر الخبار في
اليام التالية للحداث ،مثل ً في :جريدتي الرأي والدستور.
ل :الموسوعة ][104حول القدس في المم المتحدة ،انظر مث ً
الفلسطينية ،ج ،3ص .553-548
][105جريدة الخليج 10 ،نوفمبر .2000
][106يمكن مراجعة التقارير المنشورة في النترنت في
أشهر أكتوبر وديسمبر 2000في Islamonline.com،
،Palistine-info.orgلقراءة العديد من النماذج والتقارير.
] [107انظر :الملف التوثيقي الذي أصدره مركز زايد في
المارات ،والذي نشر ملخصه في :الخليج 5 ،أكتوبر .2001
وانظر أيضًا :الخليج 29 ،سبتمبر ،2001و 1أكتوبر .2001
] [108الخليج 6،ديسمبر .2000
] [109الخليج 11 ،ديسمبر .2000
] [110انظر :فلسطين المسلمة ،أكتوبر ،2001وتقرير
الجيل للصحافة في 23سبتمبر 2001في:
www.Islam-online.net/Arabic/news
] [111انظر المجتمع 28 ،نوفمبر ،2000فلسطين
المسلمة ،مارس .2000
84
تقويم و خلصات-:
يجدر بنا في نهاية هذه الدراسة المختصرة أن نضع النقاط
على الحروف فيما يتعلق بأهم الخلصات ،وتقويمنا لمسيرة
القضية الفلسطينية وتجربتها:-
) (1أرض فلسطين أرض مقدسة مباركة ،سكنها أبناؤها
"الكنعانيون" منذ نحو 4500عام ،ومن امتزج بهم بعد ذلك
من "الفلسطينيين"و القبائل العربية .وقد أسلم أبناؤها -بعد
الفتح السلمي لفلسطين 15هـ636/م -وتعربت لغتهم،
وظلوا تحت حكم السلم أطول فترة في تاريخ فلسطين.
( (2إن بني إسرائيل حكموا أجزاء من فلسطين نحو أربعة
قرون ،ولكنهم عندما حرّفوا دينهم وكفروا وقتلوا أنبياءهم،
سخط الله عليهم ،وخسروا شرعيتهم في فلسطين .وورثت
المة المسلمة السائرة على درب التوحيد والنبياء هذا الحق.
وقد انقطعت صلة اليهود عمليا ً بفلسطين نحو ) (1800عام،
"منذ 135م وحتى القرن العشرين" ،دون أن يكون لهم
تواجد سياسي أو حضاري أو ريادي في هذه الرض المباركة.
) (3إن ظهور النزعات الصهيونية -المؤيدة لتجميع اليهود
في فلسطين -وسط مسيحي أوربا ،وخصوصا ً البروتستانت،
وظهور الفكرة القومية والدولة القومية ،ونشأة المشكلة
كن اليهود من اليهودية خصوصا ً في أوربا الشرقية ،وتم ّ
الوصول إلى عدد من دوائر النفوذ في أوربا وأمريكا ....كل
ذلك عوامل أسهمت في نشوء الحركة الصهيونية التي سعت
لنشاء كيان يهودي في فلسطين.
( (4إن فكرة "الدولة الحاجزة" في فلسطين ،التي دعمها
الستعمار الغربي ،وخصوصا ً بريطانيا ،تمثل ذروة الخطر
الصليبي -الصهيوني في قلب العالم السلمي .وهي تهدف
إلى منع وحدته وإضعافه ،وإبقائه مفككا ً عاجزا ً عن النهضة،
قابعا ً في دائرة التبعية .كما هدفت إلى منع ظهور قوة
ل مكان الدولة العثمانية التي تم القضاء إسلمية كبرى ،تح ّ
عليها.
( (5إن القوى الغربية الكبرى قد أعطت الغطاء والرعاية
والحماية للمشروع الصهيوني ،فقامت بريطانيا باحتلل
ب المشروع فلسطين بالقوة والقهر ) ،(1948-1918حتى ش ّ
85
عوده .ثم أصبحت الوليات المتحدة السند الصهيوني على ُ
الول ،والراعي الكبر لهذا المشروع ،منذ انتهاء الحرب
العالمية الثانية 1945وحتى الن ،تزوده بالحماية والدعم
العسكري والسياسي والمالي ،وتوفر له غطاء "الشرعية"
الدولية
((6إن العالم العربي والسلمي كان مستضعفا ً مستعمرا ً
في النصف الول من القرن العشرين مما سّهل إنشاء الكيان
الصهيوني .كما أن نشوء الدولة القطرية المستقلة بعد ذلك
أبقى على حالة التفكك والتجزئة والضعف ،فتوزع العالم
السلمي على نحو 55دولة .وقد استندت هذه النظمة في
حكمها إلى مناهج مستوردة بعيدة عن السلم وعن تراث
هذه المة وحضارتها ،فكانت أعجز من أن تستنهض طاقات
المة في مواجهة الخطر الصهيوني ،الذي يهددها جميعًا .كما
فشل أغلبها في مجالت النهضة القتصادية والعلمية ،وفي
حل مشاكل شعوبها ،فضل ً عن خصامها مع شعوبها ،بسبب
الفساد السياسي والحكم العسكري. ...
) (7إن ما ُيعرف بـ "الشرعية الدولية" سواء أكان عصبة
المم ،أو المم المتحدة ،قد استخدمتها الدول الكبرى كأدوات
لتنفيذ خططها ومصالحها ،ولضفاء الشرعية على هيمنتها
الدولية ،ومن ذلك إقامة الدولة الصهيونية في فلسطين،
وترسيخ وجودها "وشرعيتها" محليا ً ودوليًا .وإن أية قرارات
دولية تدعم الحق الفلسطيني كان يتم تجاهلها أو إجهاضها،
مما يكشف الوجه القبيح لهذه "الشرعية" التي تتستر خلفها
دولة كبرى "الوليات المتحدة" أو أكثر.
((8إن خطر الكيان اليهودي الصهيوني يهدد العالم السلمي
أجمع ،فمع نهاية القرن العشرين ترسخ هذا الكيان بوجود
خمسة مليين يهودي ،لديهم من القوة العسكرية ما يمكنهم
من هزيمة الدول العربية وفق الحسابات المادية ،ولديهم نحو
) (200قنبلة نووية تمكنهم من تدمير عواصم العالم السلمي
ومدنه .وهو يسعى بشكل دائب لبقاء العالم السلمي ضعيفا ً
مفككًا؛ لن ذلك خير وسيلة لضمان استمراره .وما دعمه
وتدريبه للمتمردين في جنوبي السودان ،وتدميره للمفاعل
النووي العراقي سنة ،1981ومحاولة تدميره المفاعل
النووي الباكستاني ،ودوره المخابراتي والفسادي في مصر
والردن ولبنان وغيرها إل بعض مؤشرات على ذلك.
86
( (9إن المسلمين ل يقاتلون اليهود لكونهم يهودا ً فقط.
فالصل في علقة المسلمين بأهل الكتاب أو أهل الذمة هو
العدل والحسان وإعطاء كافة الحريات والحقوق الدينية
وحقوق المواطنة الكاملة لهم تحت حكم السلم ،وإن
"المشكلة اليهودية" والعداء للسامية نشأت في أوربا وليس
في العالم السلمي الذي كان اليهود يلجأون إليه آمنين من
الضطهاد والتعصب الديني والقومي في أوربا .إن المسلمين
يقاتلون اليهود الصهاينة المعتدين الذين اغتصبوا أرض
فلسطين وشردوا شعبها وانتهكوا مقدساتها ،وسيقاتل
المسلمون أية فئة أو جماعة تحاول احتلل أرضهم مهما كان
دينها أو قوميتها.
( (10إن المقاومة الفلسطينية ضد بريطانيا والمشروع
الصهيوني ) (1948-1917اتسمت بالمبدئية والخلص،
وضحى أبناء فلسطين تضحيات جساما ً خصوصا ً في الثورة
الكبرى ) .(1939-1936غير أن المؤامرة الدولية وإمكانات
القوى الكبرى كانت أكبر من طاقاتهم ،في وقت افتقدوا فيه
النصير القوي المين.
) (11إن المقاومة الفلسطينية المعاصرة )م.ت.ف ،والعمل
الفدائي الفلسطيني( التي تولت قيادة الساحة الفلسطينية،
قد قدمت هي الخرى تضحيات كبيرة ،وكرست الهوية
الوطنية الفلسطينية ،ولقيت اعتراف واحترام معظم دول
العالم ،غير أنها عانت من جوانب أضعفت أداءها وقدرتها على
تحقيق أهدافها ،ومن ذلك-:
87
-إشكالية القيادة :افتقدت القيادة السياسية الفلسطينية التجانس،
وعانت من تباين أهدافها ،ومراعاة أطراف عربية ودولية على
حساب أولويات القضية .ولم تحترم القيادة العمل المؤسسي.
وتمكن زعيم فتح والمنظمة من جمع كل الصلحيات الممكنة بيده،
وأمسك بعصبي القرار السياسي والنفاق المالي ،فضل ً عن عصب
الجهزة المنية والعسكرية ،مما جعل العمل الفلسطيني مرتبطا ً
شللبمبادرة "الزعيم" وقراره .وقد أسهم ذلك في نمو ال ّ
والمحسوبيات ،وتفكيك البناء الداخلي للثورة الفلسطينية ،وخروج
الكثير من الكفاءات والقيادات وتحييدها.
-إشكالية المؤسسات :أضعف أداء القيادة الفلسطينية العمل
المؤسسي الفلسطيني ،فقد ُأفرغ المجلس الوطني الفلسطيني
من محتواه ،ولم يتمكن من أداء دوره في المراقبة والمحاسبة.
كما ضعفت أو اندثرت أدوار مؤسسات هامة كالصندوق القومي
ومركز البحاث ،ومؤسسات رعاية الشهداء وصامد ،ودائرة
التخطيط...ومـع الزمن انحصـرت دائرة العمل الفلسطيـني في
حفنة من الناس ،جعلوا لنفسهم حق تقرير مصير قضية هي أخطر
قضية تواجه العالم العربي والسلمي في الواقع المعاصر.
-عانت الثورة الفلسطينية بشدة من أشقائها
العرب"اللداء" ،واستنزفت دماء وجهودا ً هائلة في صراعها
مع النظمة التي حاولت "ترويضها" ،وضبطها أو التحدث
باسمها أو القفز فوقها . ...وقد أسهم ذلك في إضعاف هذه
الثورة ،وتبديد طاقاتها ،ومنعها من العمل المسلح من
الخارج ،وبالتالي حصر نشاطها في دائرة "الممكن
السياسي".
كر في مواجهة ) (12قام التيار السلمي بأدوار جهادية ل ُتن َ
المشروع الصهيوني والقوى الستعمارية .وقد تميزت
الثورات الفلسطينية خلل 1939 -1920ببعدها السلمي.
وبرزت حركة "الجهادية" بقيادة الشيخ القسام لتقدم نماذج
رائعة في المقاومة والجهاد ،كما برزت حركة "الجهاد
المقدس" بقيادة عبد القادر الحسيني ،وكان لهذه القوى
و"للخوان المسلمين" دور كبير في قيادة العمل الشعبي
في حرب ) .(1948-1947وإذا كانت "فتح" التي خرجت
من أحضان الخوان المسلمين قد اتخذت بعد ذلك خطا ً
علمانيا ً وطنيًا ،فإن الخوان شاركوا بعد ذلك في معسكرات
الشيوخ ،كما أنشأوا حركة المقاومة السلمية "حماس" في
،1987والتي ل تزال تمثل أهم القوى الفلسطينية
88
المجاهدة ،المستمرة في الكفاح المسلح ،الرافض للتنازل
عن أي جزء من فلسطين.
) 13وإذا كان التيار السلمي الحركي قد تميز بفعله
الجهادي ،فإنه لم يتمكن بعد من قيادة الساحة السياسية
الفلسطينية .ول يزال هذا التيار يعاني من محاولت سحق
واقتلع وتشويه وتحييد فلسطينيا ً وعربيا ً ودوليًا .لكنه ل يزال
يمثل نبض هذه المة ،وأملها القادم بإذن الله .
غير أنه مطالب في الوقت نفسه بـ-:
-التحديد الدقيق لرؤيته المنهجية – المرحلية وبعيدة المدى –
لكيفية مواجهة التحدي الصهيوني وتحرير فلسطين.
*-توسيع دائرة الصراع والتفاعل مع قضية فلسطين ليتجاوز
الطار القليمي المحّلي والطار القومي العربي ،وينطلق
ليشمل كافة مسلمي العالم ،وتوفير الدوات والوسائل
المكافئة لتحقيق ذلك.
*-تطوير مؤسساته التنظيمية ،وكفاءات قياداته ،والنفتاح
والستفادة بشكل أفضل من الكفاءات المتوفرة ،وتحقيق
عملية توريث سلسة وسليمة للجيال القيادية الحالية
والقادمة. ...
*-اللتصاق أكثر بهموم الجماهير ،والتعبير عن معاناتها
م مواجهة وخدمتها ،والتغلغل في أوساطها ،وتحويل ه ّ
م جماهيري يومي. المشروع الصهيوني إلى ه ّ
* -البقاء على جذوة المقاومة والجهاد ،وصوت الحق الذي
ل يتنازل عن فلسطين مهما كانت التضحيات.
لقد أعطت المقاومة السلمية في جنوبي لبنان بارقة أمل
للمقاومة الفلسطينية ،عندما أجبرت العدو الصهيوني على
النسحاب دون شروط بعد " "22سنة من الحتلل.
) (14إن المسلمين متيقنون من نصر الله ،ومن اقتلع
المشروع اليهودي الصهيوني مهما طال الزمن ،فهذا وعد
الله سبحانه في فواتح سورة السراء ":فإذا جاء وعد الخرة
ليسوءوا وجوهكم ،وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة
وليتبروا ما علوا تتبيرًا"] ،[112وهي بشرى نبيه صلى الله
عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم وأحمد عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله rقال" :ل تقوم
الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ،فيقتلهم المسلمون،
حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ،فيقول الحجر
أو الشجر :يا مسلم يا عبد الله ،هذا يهودي خلفي ،فتعال
89
فاقتله ،إل الغرقد فإنه من شجر اليهود" .وإذا كانت الخبار
تتواتر من فلسطين أن اليهود يكثرون من زراعة شجر
الغرقد ،فإن الولى بالمسلمين أن يتيقنوا من قول ربهم
وبشرى نبيهم ،ويشمروا عن ساعد الجد ،إعدادا ً لذلك اليوم
الذي ل بد قادم إن شاء الله....
ملحق شهادات وأقوال-:
" -المساحة !! من نهر مصر إلى نهر الفرات ،نريد فترة
انتقالية في ظل مؤسساتنا الخاصة ،وحاكما ً يهوديا ً خلل
هذه الفترة .وما أن يصبح السكان اليهود في منطقة ما ثلثي
سكانها حتى تصبح الدارة اليهودية سارية المفعول على
الصعيد السياسي".ثيودور هرتزل ،مؤسس ورئيس المنظمة
الصهيونية العالمية) ،نقل ً عن :أسعد زروق ،إسرائيل
الكبرى ،ص .89-87
“ -سوف نطالب بما نحتاج إليه ،كلما زاد عدد المهاجرين
ازدادت حاجتنا للرض"يوميات هرتزل ،جزء ،2ص 720
”.بالنسبة لفلسطين ،نحن ل نقترح حتى مجرد استشارة
رغبات السكان الحاليين للبلد… إن القوى الكبرى الربع
ملتزمة بدعم الصهيونية .وسواء أكانت الصهيونية على حق
أو باطل ،حسنة أو سيئة ،فإنها عميقة الجذور في التقاليد،
وفي احتياجات الحاضر ،وآفاق المستقبل .وأعظم بكثير من
ظلمات ورغبات 700ألف عربي يسكنون الن في هذا
البلد القديم"من مذكرة وزير الخارجية البريطاني بلفور إلى
اللورد كيرزون ،Curzonبتاريخ 11آب /أغسطس ،1919
والمحفوظة في مركز الوثائق البريطاني .F.O. 371/4183
" -في لقاء سري مع السفير السوفييتي في لندن إيفان
مايسكي في فبراير ،1941عرض حاييم وايزمن تهجير
مليون فلسطيني من أرضهم من أجل إحضار 5 -4مليين
يهودي من شرق أوربا مكانهم ،وأرسل السفير تقريرا ً بذلك،
حفظته الخارجية الروسية في أرشيفها ،إلى أن كشفته
صحيفة يديعوت أحرونوت السرائيلية في مايو ،1993
ونشرته جريدة القدس ،وكذلك الرأي الردنية في 29مايو
.1993وايزمن هو رئيس الحركة الصهيونية )،1933 -1921
(1946-1935وأول رئيس للكيان الصهيوني.
" -أريد عددا ً قليل ً من اليهود المريكيين المشهورين،
خصوصا ً أولئك الذين أحترمهم .والذين علموني كل شيء،
أريدهم أن يقفوا ويقولوا "لنترك الكذب على العالم وعلى
90
أنفسنا ،لقد سرقنا فلسطين ،لقد سرقناها .حتى لو أعطينا
الفلسطينيين حكما ً ذاتيًا ،أو تقرير مصير ،أو الضفة الغربية،
أو دولة فلسطينية ،فإننا ل زلنا نسرق معظم أرضهم ،فلنبدأ
على القل بقول الحقيقة" الكاتب اليهودي رون ديفيد ،كتاب
العرب وإسرائيل للمبتدئين ،ص .210
"-إن مطالبة الصهاينة بدولة يهودية كان يتعارض بشكل تام
مع كل مبادئ القانون الدولي والتاريخ الحديث" ناحوم
غولدمان ،رئيس المنظمة الصهيونية العالمية 1968 -1956
في مقاله-:
Nahum Goldman, “The Psychology of Middle East Peace”,
.in foreign affairs, Oct. 1975, p.114
" -ل يوجد لسرائيل مستقبل على المدى الطويل دون
تسوية سلمية مع العرب"" .لقد ذكر لي بن جوريون في
سنة 1956أن الدولة اليهودية ستستمر في العشر أو
الخمس عشر سنة القادمة ،ولكن احتمالت وجودها بعد
ذلك هي "%50ناحوم جولدمان ،المرجع السابق نفسه ،ص
.113
" -إن المبدأ الذي قام عليه وجود إسرائيل منذ البداية هو أن
العرب ل بد أن يبادروا ذات يوم إلى التعاون معنا ،ولكن هذا
التعاون لن يتحقق إل بعد القضاء على جميع العناصر التي
تغذي شعور العداء ضد إسرائيل في العالم العربي ،وفي
مقدمة هذه العناصر رجال الدين المتعصبون من أتباع
الخوان المسلمين" إيرل بيرغر ،كتاب العهد والسيف ،نشر
سنة 1965
ً
” -يجب أن يكون واضحا فيما بيننا أنه ل مكان في هذا البلد
لشعبين .فبعد أن يتم نقل العرب ،ستكون البلد واسعة بما
يكفي لنا .إن الحل الوحيد هو أن تكون أرض إسرائيل ،أو
على القل الجزء الغربي منها ]يعني فلسطين[ دون
ل آخر" .إن الفكرة الصهيونية جاءت عرب… .ليس هناك ح ٌ
جوابا ً للمشكلة اليهودية في أرض إسرائيل؛ إن التفريغ
الكامل للبلد من كل غير اليهود وتسليمها للشعب اليهودي
هو الحل" يوسف ويتز Yosef Weitzمدير قسم الستيطان
)الرض( في الصندوق القومي اليهودي ،حسبما كتب في
مذكراته في 20ديسمبر 1940و 20مارس ،1941
والمحفوظة في الرشيف الصهيوني المركزي CZAتحت
رقم .A246/7نقل ً عن:
91
Nur Masalha, The Expulsion of the Palestinians (U.S.A.:
.Institute for Palestine Studies, 1993), pp. 131-2
-إن مشكلة الشعب اليهودي هو أن الدين السلمي ما زال
في دور العدوان والتوسع ،وليس مستعدا ً لقبول أية حلول
مع إسرائيل ،إنه عدونا اللدود الذي يهدد مستقبل إسرائيل
وشعبها" .إسحق رابين ،رئيس الوزراء السرائيلي حسب
تصريح نقلته مجلة المجتمع الكويتية ،عدد ،324سنة
1976م .
" -إن على اليهود وأصدقائهم أن يدركوا أن الخطر الحقيقي
الذي تواجهه إسرائيل هو خطر عودة الروح السلمية إلى
الستيقاظ من جديد ،وإن على المحبين لسرائيل أن يبذلوا
قصارى جهدهم لبقاء الروح السلمية خامدة ،لنها إذا
اشتعلت من جديد فلن تكون إسرائيل وحدها في خطر،
ولكن الحضارة الغربية ستكون كلها في خطر" .معلق
الذاعة السرائيلية السياسية 10:15مساًء 5 /سبتمبر
1978م.
ً ً
" -شكلت السلطات السرائيلية مجلسا من 30خبيرا من
المتخصصين في علم النفس والتاريخ والجتماع والسياسة
والحرب لدراسة الظروف التي ظهر فيها صلح الدين
اليوبي ،وستكون مهمة المجلس دارسة إمكانية ظهور
"صلح الدين" مسلم جديد في صورة زعيم مسلم ،أو
جماعة إسلمية لمجابهة الخطر حال ظهوره".نشرة البراق
الصادرة عن دار البراق للوثائق العلمية والتحقيقات
الصحفية ،عدد 30 ،18يونيو 1981م.
] [112سورة السراء.7:
92
فهرست الكتاب
تقديم :الدكتور /محمد الشيخ محمود صيام2.........................................................................
مقدمة المؤلف4........................................................................................................-:
القضية الفلسطينية :خلفياتها و تطوراتها حتى سنة 5.................................................. -: 2000
فلسطين5................................................................................................................-:
مكانة فلسطين السلمية 7...........................................................................................-:
فلسطين عبر التاريخ 8...............................................................................................-:
فلسطين في العهد السلمي11......................................................................................-:
المزاعم الدينية والتاريخية لليهود في فلسطين 16................................................................-:
خلفيات ظهور القضية الفلسطينية في التاريخ الحديث18.......................................................-:
التطور السياسي للقضية الفلسطينية حتى 1914م23.............................................................:
قضية فلسطين في الحرب العالمية الولى 26....................................................:1918-1914
فلسطين تحت الحتلل البريطاني 1948-1917م29............................................................:
تطور المشروع الصهيوني30.......................................................................................-:
ظهور الحركة الوطنية الفلسطينية33...............................................................................-:
الحركة الوطنية الفلسطينية )1929-1918م(34..................................................................:
الحركة الوطنية الفلسطينية )1939-1929م(35..................................................................:
الثورة الفلسطينية الكبرى 39.......................................................................-:1939-1936
93
حرب 1948م وانعكاساتها 44.....................................................................................:-
فلسطين لدى الجامعة العربية في 1963م49.....................................................................-:
حرب حزيران/يونيو 1967وانعكاساتها50.......................................................................-:
بروز الهوية الفلسطينية 52..........................................................................................:-
الكفاح الفلسطيني المسّلح53..........................................................................................:
البلد العربية وقضية فلسطين 55..................................................................................-:
بروز التيار السلمي الفلسطيني 57...............................................................................:-
قضية فلسطين )2000-1987م)60.................................................................................:
النتفاضة المباركة 60................................................................................................-:
حمـــاس61.............................................................................................................-:
م.ت.ف :من الكفاح المسلح إلى التسوية السلمية64..............................................................:-
السلطة الفلسطينية والوضع الحالي69............................................................................-:
الكيان الصهيوني والوضع الحالي72..............................................................................-:
القدس والوضع الحالي74............................................................................................-:
انتفاضة القصى 28 :سبتمبر -2000الن )أكتوبر 2001م(77.............................................-:
تقويم و خلصات85..................................................................................................-:
94