You are on page 1of 94

‫مجلة أقلم الثقافية‬

‫‪1‬‬
‫القضية الفلسطينية‬
‫خلفياتها و تطوراتها حتى سنة ‪2001‬‬

‫بقلم‪ :‬د‪ .‬محسن محمد صالح‬


‫الستاذ المشارك في الدراسات‬
‫الفلسطينية‪...‬وتاريخ العرب الحديث‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫تقديم‪ :‬الدكتور‪ /‬محمد الشيخ محمود صيام‬
‫القائم بأعمال رئيس الجامعة السلمية‬
‫بغزة‪.....‬وخطيب المسجد القصى)سابقًا(‬
‫كنت قد تعودت من زمن بعيد‪ ،‬أن أتصفح كتب القضية‬
‫الفلسطينية تصفحا ً وحسب وذلك لكثرة ما قرأته عنها‪ ،‬فضل ً‬
‫عما عايشته منها‪ ،‬وحاولت أن أتصفح هذا الكتيب جريا ً على‬
‫عادتي‪ ،‬ولكنني لم أستطع إلى ذلك سبيل‪ .‬فقد شدني إليه‬
‫من أسطره الولى‪ ،‬فصرت أقرأ فيه بعناية وتركيز شديدين‪.‬‬
‫ذلك أن أسلوبه يتميز بمميزات قل نظيرها‪ .‬ومن أبرزها‪-:‬‬
‫ل‪ :‬إلمام المؤلف بخلفيات القضية وتطوراتها –إلماما ً واسعا ً‬ ‫أو ً‬
‫وعميقًا‪ ،‬وموثقا ً ودقيقا‪ً.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أسلوبه في سرد الحداث التاريخية‪ ،‬أسلوب علمي‪،‬‬
‫ولكنه في متناول الجميع‪ ،‬بل تعقيدات ول تفريعات ول‬

‫‪2‬‬
‫غموض‪ ،‬وفي ذات الوقت أيضا ً بل إخلل أو بتر للتسلسل‬
‫التاريخي‪.‬‬
‫م المعلومات الهائل الذي تحتفظ به ذاكرة المؤلف‬ ‫ثالثًا‪ :‬ك ّ‬
‫ووثائقه‪ ،‬ل يترك مجال ً للملل‪ ،‬ول للكلل‪ ،‬ول لحب التصفح‬
‫وحسب‪ ،‬ولكنه يشد القارئ إلى متابعة القراءة‪ ،‬حتى النتهاء‬
‫من صفحات الكتيب في وقت قياسي‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬يمتاز أسلوب المؤلف بكشف الحقائق مباشرة‪ ،‬بل تحيز‬
‫لرأي مسبق‪ ،‬أو محاولة لتزيين رأي ملحق‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬ومن أبرز ما أبرزه المؤلف‪-:‬‬
‫تاريخ فلسطين منذ الزمان القديم‪ ،‬وحتى هذه الساعة‬ ‫‪(1‬‬
‫في تسلسل موجز وكاف‪.‬‬
‫قومية فلسطين العربية الموغلة في القدم‪.‬‬ ‫‪(2‬‬
‫الدين الذي انسجمت معه فلسطين أطول فترة في‬ ‫‪(3‬‬
‫تاريخها وهو السلم‪.‬‬
‫تزييف اليهود لكتبهم وللتاريخ‪ ،‬وبطلن ادعاء أي حق‬ ‫‪(4‬‬
‫لهم في فلسطين‪.‬‬
‫الغزوات المختلفة على مدار التاريخ‪ ،‬كانت تمر‬ ‫‪(5‬‬
‫بفلسطين‪ ،‬ثم تزول عنها‪ ،‬ليبقى شعبها الفلسطيني متشبثا ً‬
‫بوطنه‪ ،‬مرتبطا ً بأرضه‪.‬‬
‫تضافر قوى الستعمار العالمي‪ ،‬وفكر الصهاينة‪،‬‬ ‫‪(6‬‬
‫وأموالهم‪ ،‬وبطشهم‪ ،‬لم يمنع الشعب الفلسطيني من‬
‫الثورات المتتابعة دفاعا ً عن أرضه ومقدساته أمام المشروع‬
‫الصهيوني الصليبي الحديث‪.‬‬
‫ل زالت المة العربية والسلمية تكن للقدس‬ ‫‪(7‬‬
‫والمسجد القصى وفلسطين المكانة اللئقة‪ ،‬ودليل ذلك‬
‫انتفاضتها الشعبية العارمة‪ ،‬احتجاجا ً على تدنيس الصهاينة‬
‫للمسجد القصى المبارك‪.‬‬
‫مشروع التسوية السلمية في فلسطين‪ ،‬ليس له‬ ‫‪(8‬‬
‫نصيب من النجاح‪ ،‬وقد ُولد ميتًا‪ ،‬وأسهمت النتفاضة الخيرة‬
‫في دفنه‪.‬‬
‫المقاومة المسلحة هي الطريق الوحيد‪ ،‬لجتماع الصف‬ ‫‪(9‬‬
‫الفلسطيني‪ ،‬واسترداد الوطن الفلسطيني‪ ،‬وطرد الغاصبين‬
‫منه‪.‬‬
‫التيار السلمي الحركي في فلسطين بالشتراك مع‬ ‫‪(10‬‬
‫كل فصائل الشعب الفلسطيني هو الذي يقود هذا الصراع‪،‬‬
‫ويتزعم هذه المقاومة‪ ،‬وهو حريّ بالنتصار بإذن الله‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وأخيرًا‪ ،‬فإن كل من يرغب أن يعرف عن قضية فلسطين‪ ،‬في‬
‫القديم وفي الحديث‪ ،‬وعن الغزو الصهيوني الصليبي لها‪ ،‬في‬
‫هذا الزمان –وأن يتزود بمعلومات مركزة ووفيرة‪ ،‬بأسلوب‬
‫ميسر وبسيط‪ -‬فعليه أن يقرأ هذا الكتيب‪.‬‬
‫جزى الله المؤلف كل خير‪ ،‬ونفعه‪ ،‬ونفع به‪ .‬والحمد لله‬
‫رب العالمين‪.‬‬
‫د‪ /‬محمد صيام كواللمبور‪-‬‬
‫‪16/9/2001‬م‬

‫مقدمة المؤلف‪-:‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على سيد‬
‫المرسلين‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫تحاول هذه الدراسة المختصرة تقديم رؤية عامة‬
‫للقضية الفلسطينية من خلل تتّبع مفاصل السياق التاريخي‬
‫للقضية؛ لن السياق التاريخي ييسر على القارئ استيعاب‬
‫الصورة الشاملة والعوامل المتداخلة المتعلقة بالقضية‪ ،‬في‬
‫أي مرحلة من المراحل‪ ،‬وفي ترتيب منطقي‪ ،‬وصول ً إلى‬
‫المرحلة الحالية‪ .‬وكان من الممكن التعريف بالقضية‬
‫الفلسطينية من خلل تقسيمها إلى مواضيع )الرض‪ ،‬الشعب‪،‬‬
‫العدو‪ ،‬المقاومة‪...‬إلخ(‪ ،‬لكننا وجدنا أن هذا التقسيم ‪-‬على‬
‫مزاياه‪ -‬يصعب التعامل معه في الدراسات المختصرة‪ ،‬ويقدم‬
‫الصورة العامة لكل موضوع‪ ،‬دون أن يقدمها لجميع المواضيع‬
‫في سياق واحد‪.‬‬
‫وهذه الدراسة تخاطب أولئك الذين يرغبون في‬
‫الحصول على فكرة عامة عن قضية فلسطين‪ ،‬وهو بذلك‬
‫أقرب إلى كتاب الجيب الذي يمكن أن يخدم شرائح واسعة‬
‫من العرب والمسلمين‪ ،‬الذين ل يجدون وقتا ً للدراسات‬
‫كتبت هذه الدراسة من‬ ‫التفصيلية المتخصصة‪.‬وبالطبع‪ ،‬فقد ُ‬
‫خلل رؤية تؤمن بحق أبناء فلسطين في أرضهم‪ ،‬وأن‬
‫ف للمسلمين‬ ‫فلسطين أرض عربية إسلمية‪ ،‬وأنها أرض وق ٍ‬
‫وأجيالهم إلى يوم القيامة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وقد صيغت هذه الدراسة بصيغة علمية أكاديمية‬
‫ة‬
‫موثقة‪ ،‬وجاءت ‪-‬قدر المكان‪ -‬مكتوبة بلغة سهلة‪ ،‬حافل ً‬
‫بالمعلومات‪ ،‬بعيدة عن الخطاب العاطفي النشائي‪.‬‬
‫نسأل الله سبحانه أن يكون هذا العمل خالصا ً لوجهه الكريم‪.‬‬

‫القضية الفلسطينية‪ :‬خلفياتها و تطوراتها حتى‬


‫سنة ‪-: 2000‬‬
‫مقدمة‪-:‬ثلثة جوانب تجعل القضية الفلسطينية القضية‬
‫البرز التي شغلت ‪-‬ول تزال تشغل‪ -‬العالم العربي‬
‫والسلمي‪-:‬‬
‫‪-‬الجانب الول‪ :‬طبيعة الرض بقدسيتها وبركتها ومركزيتها‬
‫في قلوب المسلمين‪.‬‬
‫‪-‬والجانب الثاني‪ :‬طبيعة العدو بخلفيته العقائدية وعدائه‬
‫التاريخي‪.‬‬
‫‪-‬والجانب الثالث‪ :‬طبيعة التحالف الغربي‪ -‬الصهيوني الذي‬
‫هدف أساسا ً إلى تمزيق المة السلمية‪ ،‬وإضعافها وإبقائها‬
‫مفككة الوصال‪ ،‬تدور في فلك التبعية للقوى الكبرى‪.‬‬
‫ولذلك يمثل التحدي اليهودي الصهيوني‪ ،‬الذي انزرع في‬
‫فلسطين ‪-‬قلب العالم السلمي ‪-‬بأشكاله العسكرية‬
‫والسياسية والحضارية‪ ،‬أبرز التحديات التي تواجه المة‬
‫المسلمة‪ ،‬وسعيها نحو التحرر والوحدة والنهضة‪ ،‬لسترداد‬
‫ف أن هذه القضية لم‬ ‫مكانتها وريادتها بين المم‪.‬وليس بخا ٍ‬
‫تكن يوما ً قضية الفلسطينيين وحدهم؛ لن إنشاء الكيان‬
‫اليهودي‪-‬الصهيوني على أرض فلسطين لم يكن إل مركزا ً‬
‫متقدما ً لتنفيذ هذا البرنامج الغربي ‪-‬الصهيوني‪ .‬وسواء التقى‬
‫ذلك مع أهداف أخرى من حل مشكلة اليهود في أوربا‪ ،‬أو‬
‫التعاطف الديني مع رغباتهم‪ ،‬فإن الحقيقة الصارخة تكشف‬
‫مدى الظلم الذي يرتكبه الغرب في تهجير شعب فلسطين‬
‫وتدمير كيانه‪ ،‬وتعريض العالم السلمي للخطر‪ ،‬والستقرار‬
‫العالمي للنفجار‪ ،‬في سبيل تحقيق أهدافهم تلك‪ ،‬في عالم ٍ‬
‫يزعمون فيه دعوتهم للسلم العالمي وحقوق النسان‪.‬‬
‫فلسطين‪-:‬‬
‫يطلق اسم فلسطين على القسم الجنوبي الغربي‬
‫لبلد الشام‪ ،‬وهي الرض الواقعة غربي آسيا‪ ،‬على الساحل‬

‫‪5‬‬
‫الشرقي للبحر المتوسط‪ .‬ولفلسطين موقع استراتيجي هام‪،‬‬
‫إذ ُتعد ّ صلة الوصل بين قارتي آسيا وإفريقيا‪ ،‬ونقطة التقاء‬
‫جناحي العالم السلمي‪.‬‬
‫وقد سكن النسان أرض فلسطين منذ عصور موغلة في‬
‫القدم‪ ،‬كما تدل الحفريات والثار‪ ،‬وشهدت أرضها مراحل‬
‫لولى في التحول من الرعي إلى الزراعة‪،‬‬ ‫التطور النساني ا ُ‬
‫كما أن أول مدينة جرى تشييدها في التاريخ هي مدينة‬
‫"أريحا" الواقعة شمال شرقي فلسطين وذلك نحو ‪8000‬‬
‫ق‪.‬م حسبما يذكر علماء الثار‪.‬‬
‫وأقدم اسم معروف لهذه الرض هو "أرض كنعان"؛‬
‫لن أول شعب سكن هذه الرض ومعروف لدينا تاريخيا ً هم‬
‫"الكنعانيون"‪ ،‬الذين قدموا من جزيرة العرب نحو ‪2500‬‬
‫ق‪.‬م‪ .‬واسم فلسطين هو اسم مشتق من اسم أقوام بحرية‪،‬‬
‫لعلها جاءت من غرب آسيا الصغرى ومناطق بحر إيجة حوالي‬
‫القرن الثاني عشر ق‪.‬م‪ ،‬وورد اسمها في النقوش المصرية‬
‫باسم "ب ل س ت"‪ ،‬وربما أضيفت النون بعد ذلك للجمع‪،‬‬
‫وقد سكنوا المناطق الساحلية‪ ،‬واندمجوا بالكنعانيين بسرعة‪،‬‬
‫فلم يبق لهم أثر مميز سوى أنهم أعطوا الرض اسمهم]‪.[1‬‬
‫أما أرض فلسطين بحدودها الجغرافية المتعارف عليها‬
‫حاليا ً فلم تتحدد بدقة إل في أيام الحتلل البريطاني‬
‫لفلسطين )وخصوصا ً خلل ‪1920‬ـ ‪ .(1923‬وقد ظلت حدود‬
‫أرض فلسطين تضيق وتتسع عبر التاريخ‪ ،‬غير أنها ظلت تعّبر‬
‫بشكل عام عن الرض الواقعة بين البحر المتوسط وبين‬
‫البحر الميت ونهر الردن‪ .‬وفي العهد السلمي ُقسمت بلد‬
‫الشام إلى "أجناد"‪ ،‬وكان جند فلسطين يمتد من رفح على‬
‫جون التي تقع على بعد ‪18‬‬ ‫الحدود مع سيناء المصرية إلى الل ّ‬
‫كم شمالي غرب مدينة جنين‪ .‬وأيا ً كانت التقسيمات في‬
‫العهود السلمية المختلفة فإن فلسطين ظلت جزءا ً من بلد‬
‫الشام‪ ،‬ولم تكن مثل هذه التقسيمات توسيعا ً أو تضييقا ً لتغّير‬
‫شيئا ً من حقيقة شعور أبنائها بأنهم أبناء أمة مسلمة واحدة‪،‬‬
‫وأن ولءهم للحكم ل يهتز ما دام مسلما ً حقًا‪ .‬وعلى أي حال‪،‬‬
‫فإن مساحة فلسطين وفق التقسيمات المعاصرة تبلغ‬
‫‪ 27009‬كم ‪.[2]2‬‬
‫وتتمتع فلسطين بمناخ معتدل هو مناخ البحر المتوسط‪ ،‬وهو‬
‫مناخ يشجع على الستقرار والنتاج‪ .‬ويمكن أن تقسم‬
‫فلسطين إلى ثلثة قطاعات رئيسية‪ ،‬هي السهل الساحلي‬

‫‪6‬‬
‫والمرتفعات الجبلية الوسطى والخدود الردني‪ .‬والسهل‬
‫الساحلي منطقة تركز غالب الفلسطينيين‪ ،‬حيث الموانئ‬
‫ومراكز التجارة والنشاط القتصادي والزراعي‪ .‬وتشمل‬
‫المرتفعات الجبلية الوسطى جبال الجليل ونابلس والخليل‬
‫وهضبة النقب‪ ،‬وأعلى جبالها ارتفاعا ً هو جبل الجرمق شمال‬
‫فلسطين الذي يبلغ ارتفاعه ‪ 1207‬أمتار‪ ،‬وقد سكن في هذه‬
‫المرتفعات الفلح الفلسطيني منذ آلف السنين وزرعها‬
‫بالحبوب والفواكه والخضار‪ ،‬ورعى الماشية‪ .‬أما الخدود‬
‫الردني‪ ،‬حيث يجري نهر الردن ليصب في البحر الميت‪ ،‬فهو‬
‫ُيعد ّ أكثر المناطق انخفاضا ً عن مستوى سطح البحر من أي‬
‫مكان آخر على وجه الرض‪ ،‬حيث يصل النخفاض إلى نحو‬
‫‪ 400‬متر تحت سطح البحر‪ ،‬وهي مناطق تتميز بحرارتها‬
‫طوال العام‪ ،‬وتشتهر بزراعتها للنخيل والموز والخضروات‪.‬‬
‫مكانة فلسطين السلمية ‪-:‬‬
‫لرض فلسطين مكانة عظيمة في نفوس المسلمين فهي‪-:‬‬
‫‪ -‬أرض مقدسة بنص القرآن الكريم "يا قوم ادخلوا الرض‬
‫المقدسة التي كتب الله لكم"]‪.[3‬‬
‫‪ -‬أرض مباركة بنص القرآن الكريم "سبحان الذي أسرى‬
‫بعبده ليل ً من المسجد الحرام إلى المسجد القصى الذي‬
‫باركنا حوله"]‪ ،[4‬وقوله تعالى‪" :‬ولسليمان الريح عاصفة‬
‫تجري بأمره إلى الرض التي باركنا فيها"]‪.[5‬‬
‫‪ -‬وفيها المسجد القصى المبارك‪ ،‬أول قبلة للمسلمين‪ ،‬وثالث‬
‫ن شد الرحال إليه‪ ،‬والصلة‬ ‫المساجد مكانة في السلم وُيس ّ‬
‫فيه تعدل خمسمائة صلة عما سواه من المساجد‪ ،‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل تشد الرحال إل إلى‬
‫ثلثة مساجد‪ :‬المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد‬
‫القصى"]‪ ،[6‬وقال عليه السلم‪" :‬الصلة في المسجد الحرام‬
‫بمائة ألف صلة‪ ،‬والصلة في مسجدي بألف صلة‪ ،‬والصلة‬
‫في بيت المقدس بخمسمائة صلة"]‪.[7‬‬
‫‪ -‬وفلسطين أرض النبياء و مبعثهم ‪-‬عليهم السلم ‪-‬فعلى‬
‫أرضها عاش إبراهيم ولوط وإسماعيل واسحق ويعقوب‬
‫ويوسف وداود وسليمان وصالح وزكريا ويحيى وعيسى عليهم‬
‫السلم ممن ورد ذكرهم في القرآن‪ ،‬كما زارها محمد ‪.r‬‬
‫وعاش على أرضها العديد من أنبياء بني إسرائيل ـ ممن لم‬
‫يرد ذكرهم في القرآن ـ عندما كانت تسوسهم النبياء‪ ،‬وممن‬
‫ورد ذكرهم في الحديث الصحيح يوشع عليه السلم‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ -‬وفلسطين أرض السراء‪ ،‬فقد اختار الله سبحانه المسجد‬
‫القصى ليكون مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫المسجد الحرام إلى المسجد القصى‪ ،‬ومنه كان معراجه إلى‬
‫السماء‪ ،‬فشّرف الله سبحانه هذا المسجد وأرض فلسطين‬
‫تشريفا ً عظيمًا‪ .‬وهناك في المسجد القصى جمع سبحانه‬
‫مهم رسول الله في الصلة‪ ،‬دللة على استمرار‬ ‫النبياء حيث أ ّ‬
‫رسالة التوحيد التي جاء بها النبياء‪ ،‬وعلى انتقال ميراث‬
‫النبياء والمامة وأعباء الرسالة إلى المة السلمية‪.‬‬
‫‪ -‬وفي الحديث الصحيح أن بيت المقدس هي "أرض المحشر‬
‫والمنشر"]‪.[8‬‬
‫‪ -‬وبلد الشام ـ وفلسطين جزء منها ـ هي عقر دار السلم‬
‫وقت اشتداد المحن والفتن‪ ،‬كما في الحديث الصحيح "عقر‬
‫دار السلم بالشام"]‪ ،[9‬و "أل إن اليمان إذا وقعت الفتن‬
‫بالشام"]‪.[10‬‬
‫‪ -‬والمقيم المحتسب في هذه الرض كالمجاهد والمرابط‬
‫في سبيل الله لقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أهل الشام‬
‫وأزواجهم وذرياتهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة‬
‫مرابطون في سبيل الله‪ ،‬فمن احتل مدينة من المدائن فهو‬
‫في رباط‪ ،‬ومن احتل منها ثغرا ً من الثغور فهو في جهاد"]‬
‫‪ ،[11‬والطائفة المنصورة الثابتة على الحق إلى يوم القيامة‬
‫تسكن في الشام وخصوصا ً بيت المقدس وأكناف بيت‬
‫المقدس]‪ .[12‬وعلى ذلك‪ ،‬فل غرو أن تتعلق قلوب‬
‫المسلمين وأفئدتهم بهذه الرض المباركة المقدسة ويفدونها‬
‫بدمائهم وأرواحهم‪.‬‬
‫فلسطين عبر التاريخ ‪-:‬‬
‫هناك آثار تشير إلى أن النسان سكن فلسطين منذ‬
‫العصر الحجري القديم )‪ 500‬ألف‪ 14-‬ألف ق‪.‬م(‪ ،‬كما يشير‬
‫العصر الحجري الوسيط )‪ 14‬ألف‪ 8-‬آلف ق‪.‬م( إلى وجود‬
‫أشكال حياة حضارية تمثلت بما يعرف بالحضارة النطوفية‪.‬‬
‫وعندما قدم الكنعانيون من جزيرة العرب )نحو ‪ 2500‬ق‪.‬م(‬
‫كانت هجرتهم واسعة بحيث أصبحوا السكان الساسيين‬
‫للبلد‪ ،‬وقد أنشأوا ما ل يقل عن مائتي مدينة وقرية في‬
‫فلسطين‪ ،‬مثل مدن بيسان وعسقلن وعكا وحيفا والخليل‬
‫وأسدود وبئر السبع وبيت لحم]‪ .[13‬ويرى ثقات المؤرخين أن‬
‫معظم أهل فلسطين الحاليين‪ ،‬وخصوصا ً القرويين‪ ،‬هم من‬
‫أنسال القبائل الكنعانية والعمورية والفلسطينية‪ ،‬ومن القبائل‬

‫‪8‬‬
‫العربية التي استقرت في فلسطين قبل الفتح السلمي‬
‫وبعده‪ ،‬حيث اندمج الجميع في نسيج واحد‪ ،‬يجمعهم السلم‬
‫واللغة العربية‪ ،‬حيث أسلم الجميع واستعربوا تحت الحكم‬
‫السلمي طوال ثلثة عشر قرنًا‪.‬‬
‫كان قدوم إبراهيم عليه السلم إلى فلسطين )نحو ‪1900‬‬
‫ق‪.‬م( إشراقة لنور التوحيد في هذه الرض المباركة‪ ،‬وقد‬
‫عاصر حاكم القدس "ملكي صادق" الذي كان على ما يبدو‬
‫موحدا ً وصديقا ً له‪ .‬وكان لبي النبياء إبراهيم دوره في نشر‬
‫رسالة التوحيد‪ ،‬ويبدو أنه لم يجد عنتا ً أو عناًء من أهل‬
‫فلسطين‪ ،‬ولم يضطر لتركها بسبب دينه أو دعوته فظل‬
‫حّرية حيث يشاء إلى أن توفاه الله‬ ‫مستقرا ً فيها ويتنقل ب ُ‬
‫تعالى في المدينة التي حملت اسمه "الخليل"‪ .‬وقد سار على‬
‫دربه أبناؤه النبياء من بعده إسماعيل )الذي استقر في مكة(‪،‬‬
‫واسحق وابنه يعقوب اللذين استقرا في فلسطين‪ .‬وكان‬
‫ليعقوب عليه السلم اثنا عشر ابنا ً هم السباط المعرفون‬
‫ببني إسرائيل )وإسرائيل هو لقب ليعقوب عليه السلم( وقد‬
‫هاجروا إلى مصر واستقروا فيها‪ ،‬حيث عانوا من اضطهاد‬
‫الفراعنة بضعة قرون‪ .‬وأرسل الله لهم موسى عليه السلم‬
‫)في القرن ‪ 13‬ق‪.‬م( لينقذهم من فرعون وطغيانه‪ ،‬وأهلك‬
‫الله فرعون وجنوده‪ ،‬غير أن بني إسرائيل في ذلك الزمان‬
‫ل والجبن فرفضوا الذهاب إلى الرض‬ ‫طبعوا على الذ ّ‬ ‫كانوا قد ُ‬
‫المقدسة قائلين لموسى‪" :‬فاذهب أنت وربك فقاتل إنا هاهنا‬
‫قاعدون"]‪ .[14‬وتوفي موسى عليه السلم قبل أن يدخل‬
‫فلسطين‪ ،‬وعندما نشأ جيل جديد صلب من بني إسرائيل بعد‬
‫أربعين سنة من التيه‪ ،‬قادهم يوشع بن نون عليه السلم )نحو‬
‫‪ 1190‬ق‪.‬م( حيث عبر بهم نهر الردن‪ ،‬واستطاع تحقيق‬
‫بعض السيطرة لبني إسرائيل في الجزء الشمالي الشرقي‬
‫من فلسطين‪ .‬ولمدة ‪ 150‬سنة تالية سادت النكبات‬
‫والفوضى والخلفات والنحلل الخلقي والديني بين بني‬
‫إسرائيل‪ .‬ولم يتحسن حالهم إل بقدوم طالوت ملكا ً عليهم‪،‬‬
‫والذي استطاع النتصار على أعدائه‪.‬‬
‫وكان ظهور داود عليه السلم الذي خلف طالوت‬
‫إيذانا ً ببدء مرحلة جديدة لنور التوحيد في الرض المباركة‪،‬‬
‫حيث آتاه الله الملك )نحو ‪ 1004‬ق‪.‬م( وقد واصل حربه ضد‬
‫القوام الكافرة على الرض المقدسة حيث أخضعها واستطاع‬
‫نقل عاصمته إلى القدس سنة ‪ 995‬ق‪.‬م وسيطر على معظم‬

‫‪9‬‬
‫فلسطين‪ ،‬باستثناء معظم المناطق الساحلية التي لم تخضع‬
‫له‪ .‬واستمر في حكمه عليه السلم حتى ‪ 963‬ق‪.‬م حيث‬
‫خلفه ابنه سليمان عليه السلم‬
‫)‪ 963-923‬ق‪.‬م( حيث شهدت فلسطين حركة بناء وعمران‬
‫ن‪ ،‬وأعطاه ملكا ً ل‬ ‫خر الله له الريح والج ّ‬
‫وازدهار ضخمة‪ ،‬وس ّ‬
‫ينبغي لحد من بعده‪ .‬وكان حكم داود وسليمان هو العصر‬
‫حكمت فيه فلسطين نحو ثمانين عاما ً تحت راية‬ ‫الذهبي الذي ُ‬
‫اليمان والتوحيد قبل الفتح السلمي لها‪.‬‬
‫وبعد وفاة سليمان انقسمت مملكته إلى دولتين منفصلتين‬
‫متعاديتين في كثير من الحيان فنشأت مملكة "إسرائيل"‬
‫شمال فلسطين خلل الفترة )‪ 721-923‬ق‪.‬م( التي سمتها‬
‫دائرة المعارف البريطانية ازدراء "المملكة الذيلية" حيث‬
‫ضعفت وفسد حكامها وانتهى أمرها بسيطرة الشوريين‬
‫بقيادة سرجون الثاني عليها‪ ،‬وتدميرها ونقل سكانها من بني‬
‫إسرائيل إلى حّران والخابور وكردستان وفارس‪ ،‬وأحلوا‬
‫مكانهم جماعات من الراميين‪ ،‬ولم يبق بعد ذلك أثر لسباط‬
‫كلوا هذه الدولة‪ .‬أما مملكة‬ ‫بني إسرائيل العشرة الذين ش ّ‬
‫"يهودا" فاستمرت منذ )‪ 586-923‬ق‪.‬م(‪ ،‬وكانت عاصمتها‬
‫القدس وقد اعترتها عوامل الضعف والوقوع تحت النفوذ‬
‫الخارجي فترات طويلة‪ ،‬فقد هزمها ودخل عاصمتها شيشق‬
‫فرعون مصر )أواخر القرن ‪ 10‬ق‪.‬م(‪ ،‬وفعل مثله‬
‫الفلسطينيون في عهد يهورام )‪ 842-849‬ق‪.‬م(‪ ،‬واضطرت‬
‫لدفع الجزية للشوريين …‪ ،‬ثم إنها سقطت أخيرا ً بيد البابليين‬
‫مر الهيكل‪ ،‬وسبى‬ ‫بقيادة نبوخذ نصر الذي خّرب القدس‪ ،‬ود ّ‬
‫حوالي ‪ 40‬ألفا ً من اليهود‪ ،‬وبذلك سقطت مملكتهم سنة‬
‫‪ 586‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫وتشير التوراة إلى آثام بني إسرائيل التي استحقوا بسببها‬
‫دمار ملكهم‪ ،‬فتذكر على لسان أشعيا ـ أحد أنبيائهم ـ‪" :‬ويل‬
‫للمة الخاطئة‪ ،‬الشعب الثقيل الثم‪ ،‬نسل فاعلي الشّر‪ ،‬أولد‬
‫مفسدون تركوا الرب‪ ،‬واستهانوا بقدوس إسرائيل‪ ،‬ارتدوا إلى‬
‫وراء" سفر أشعيا‪ ،‬الصحاح الول‪ ،‬وتقول التوراة‪" :‬والرض‬
‫دوا الشرائع‪ ،‬غّيروا الفريضة‪،‬‬ ‫تدنست تحت سكانها لنهم تع ّ‬
‫نكثوا العهد البدي" سفر أشعيا‪ ،‬الصحاح ‪.24‬‬
‫طل مملكة بني إسرائيل في فلسطين أكثر من‬ ‫وهكذا فلم ت َ ُ‬
‫ً‬
‫أربعة قرون حكموا في معظم الوقت بعضا من أرضها‪ ،‬وكان‬
‫حكمهم غالب الوقت ضعيفا ً مفككًا‪ ،‬وخضع أحيانا ً لنفوذ‬

‫‪10‬‬
‫وهيمنة دول قوية مجاورة‪ .‬وفي الوقت نفسه ظل أبناء‬
‫فلسطين من الكنعانين وغيرهم في أرضهم‪ ،‬ولم يهجروها أو‬
‫يرتحلوا عنها‪ .‬وقد سمح المبراطور الفارسي قورش لليهود‬
‫بالعودة إلى فلسطين‪ ،‬فعادت قّلة منهم‪ ،‬عاشت إلى جانب‬
‫أبناء فلسطين‪ ،‬وتمتعت منطقة القدس بنوع من الحكم‬
‫الذاتي تحت السلطة الفارسية التي استمرت )‪332-539‬‬
‫ق‪.‬م(‪ .‬وتل ذلك عصر السيطرة الهللينية الغريقية على‬
‫فلسطين )‪ 63-332‬ق‪.‬م(‪ ،‬واستمر يدير شئون اليهود‬
‫"الكاهن الكبر"‪ ،‬واستطاع اليهود تحقيق حكم ذاتي منذ سنة‬
‫‪ 164‬ق‪.‬م أخذ يضيق ويتسع‪ ،‬وتزداد مظاهر استقلله وتضعف‬
‫حسب صراع القوى الكبرى في ذلك الوقت على فلسطين‬
‫)الرومان‪ ،‬البطالمة‪ ،‬السلوقيين (‪.‬‬
‫كن الرومان من السيطرة على فلسطين ‪ 63‬ق‪.‬م‪،‬‬ ‫وقد تم َ‬
‫وأخضعوها لحكمهم المباشر من سنة ‪ 6‬م حيث ألغوا الحكم‬
‫الذاتي اليهودي في منطقة القدس‪ .‬وقد ثار اليهود )‪70-66‬‬
‫مر‬
‫م( لكن القائد العسكري الروماني تيتوس أخمد ثورتهم ود ّ‬
‫الهيكل‪ ،‬ثم ثار اليهود مرة أخرى وأخيرة )‪ 135-132‬م( لكن‬
‫القائد الروماني جوليوس سيفروس احتل القدس ودمرها‪،‬‬
‫وأقام المبراطور الروماني هدريان مدينة جديدة فوق خرائبها‬
‫عرفت بعد ذلك باسم إيلياء‪ ،‬وهو‬ ‫سماها إيليا كابيتولينا حيث ُ‬
‫اسم هدريان الول‪ .‬وحظر على اليهود دخول القدس حوالي‬
‫‪ 200‬سنة تالية]‪ ،[15‬وندرت أعدادهم نسبة إلى السكان‬
‫طوال ‪ 18‬قرنا ً تالية‪ .‬بينما ظل أهل البلد الصليون من‬
‫كنعانيين ومن اختلط بهم من قبائل العرب مستقرين في‬
‫البلد قبل قدوم بني إسرائيل وفي أثناء وجودهم‪ ،‬وظلوا‬
‫مستمرين كذلك بعدهم إلى أيامنا هذه‪.‬‬
‫فلسطين في العهد السلمي‪-:‬‬
‫قبل أن تتشكل الدولة السلمية في المدينة المنورة‪،‬‬
‫كانت أنظار القّلة المستضعفة من المسلمين في مكة تتجه‬
‫إلى المسجد القصى وبيت المقدس في فلسطين‪ .‬إذ إن‬
‫معجزة السراء تمت من المسجد الحرام إلى المسجد‬
‫القصى‪ .‬وكان المسجد القصى هو القبلة الولى للمسلمين‬
‫في الصلة‪ .‬وقد كان فتح خيبر وفدك )‪7‬هـ( وغزوتا مؤتة )‬
‫‪8‬هـ( وتبوك )‪9‬هـ( وحملة أسامة بن زيد )‪11‬هـ( مقدمة لتطلع‬
‫المسلمين إلى بلد الشام‪.‬أما فتح فلسطين فكانت أبرز‬
‫المعارك التي أدت إلى فتحها هي معركة أجنادين بقيادة خالد‬

‫‪11‬‬
‫بن الوليد رضي الله عنه في ‪ 27‬جمادى الولى ‪13‬هـ ـ ‪30‬‬
‫يوليو ‪634‬م قرب بيت جبرين التي قتل فيها نحو ثلثة آلف‬
‫من الروم‪ ،‬ومعركة فحل ـ بيسان في ‪ 28‬ذي القعدة ‪13‬هـ ـ‬
‫‪ 23‬يناير ‪635‬م والتي كان ميدانها غربي نهر الردن إلى‬
‫الجنوب من بيسان‪ .‬أما المعركة الفاصلة فكانت معركة‬
‫اليرموك شمالي الردن في ‪ 5‬رجب ‪15‬هـ ـ ‪ 12‬أغسطس‬
‫ش المسلمين ـ المكون من ‪36‬‬ ‫‪636‬م والتي واجه فيها جي ُ‬
‫ألفا ً بقيادة أبي عبيدة وخالد بن الوليد رضي الله عنهما ـ‬
‫جيش الروم البالغ ‪ 200‬ألف‪ .‬وقد حّلت كارثة كبرى في‬
‫درها بعض المؤرخين بنحو ‪ 130‬ألف قتيل‪ .‬وقد أدت‬ ‫الروم ق ّ‬
‫هذه المعركة إلى فتح بلد الشام‪ .‬وجاء عمر بن الخطاب‬
‫رضي الله عنه بنفسه لستلم مفاتيح بيت المقدس بعد أن‬
‫حاصرها المسلمون بضعة أشهر ورغب أهلها في الصلح‬
‫شرط أن يتولى عمر رضي الله عنه العقد بنفسه‪ .‬وهي‬
‫المدينة الوحيدة في عهد الراشدين التي تولى خليفة بنفسه‬
‫استلم مفاتيحها‪ ،‬وقد شارك عمر في الفتح نحو أربعة آلف‬
‫دح صوت بلل بن رباح فيها بالذان بعد أن‬ ‫من الصحابة وص َ‬
‫كان امتنع عن ذلك منذ وفاة النبي ‪ [r.[16‬وقد كتب عمر بن‬
‫الخطاب لهل القدس عهدًا‪ ،‬اشتهر باسم "العهدة العمرية"]‬
‫‪ [17‬وقد جاء فيه‪" -:‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ .‬هذا ما‬
‫أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من المان‪،‬‬
‫أعطاهم أمانا ً لنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم‬
‫وسقيمها وبريئها وسائر ملتها‪ ،‬أنه ل تسكن كنائسهم ول تهدم‪،‬‬
‫زها ول من صليبهم‪ ،‬ول من شيء‬ ‫ول ينتقص منها ول من حي ّ ِ‬
‫من أموالهم‪ ،‬ول يكرهون على دينهم‪ ،‬ول يضار أحد منهم‪ ،‬ول‬
‫يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود‪ .‬وعلى أهل إيلياء أن‬
‫يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن‪ .‬وعليهم أن يخرجوا‬
‫منها الروم واللصوص‪ ،‬فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه‬
‫وماله حتى يبلغوا مأمنهم‪ ،‬ومن أقام منهم فهو آمن وله مثل‬
‫ما على أهل إيلياء من الجزية ‪...‬وعلى ما في هذا الكتاب عهد‬
‫الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا‬
‫الذي عليهم من الجزية‪.‬‬
‫شهد على ذلك خالد بن الوليد‪ ،‬وعمرو بن العاص‪ ،‬وعبد‬
‫الرحمن بن عوف‪ ،‬ومعاوية بن أبي سفيان‪ ،‬وكتب وحضر سنة‬
‫‪15‬هـ"‪ .‬ويعكس هذا النص مدى التسامح الديني عند‬
‫المسلمين في عالم كان يسوده التعصب العمى والكراه‬

‫‪12‬‬
‫على الدين‪ .‬وقد تم فتح القدس على الرجح في ربيع الخر‬
‫‪15‬هـ ـ مايو ‪637‬م‪ .‬وكانت "قيسارية" آخر مدينة تفتح في‬
‫فلسطين في شوال ‪19‬هـ ـ أكتوبر ‪639‬م‪ ،‬وكانت ميناء‬
‫ومدينة عامرة قوية سعى الروم للحتفاظ بها قدر‬
‫استطاعتهم‪.‬‬
‫ً‬
‫وحسب التقسيمات الدارية أصبحت فلسطين "جندا" من‬
‫"أجناد" الشام الذي توزع على أربعة أجناد في الراشدين‪،‬‬
‫وأصبحت خمسا ً في عهد الدولة الموية‪ .‬وقد ظلت فلسطين‬
‫جزءا ً أصيل ً في الدولة السلمية ومتفاعل ً مع تطوراتها‬
‫السياسية والحضارية‪ .‬ولم يكن تغّير الدول والسر الحاكمة‬
‫ليؤثر على حقيقة أن أهل فلسطين عرب مسلمون موالون‬
‫لدولة السلم وحكم السلم‪.‬‬
‫وقد استمر حكم الراشدين حتى سنة ‪41‬هـ ـ ‪661‬م‪ ،‬ثم تبعه‬
‫حكم بني أمية حتى ‪132‬هـ ـ ‪750‬م‪ ،‬ثم العباسيون الذين‬
‫استمر حكمهم المباشر على فلسطين إلى أن بدأ يعاني من‬
‫الضعف والتفكك مع انتهاء العصر العباسي الول بمقتل‬
‫الخليفة العباسي المتوكل سنة ‪247‬هـ ـ ‪861‬م مما أعطى‬
‫الفرصة للولة إلى أن يشكلوا لنفسهم سلطات محلية‬
‫وراثية‪ ،‬كما حدث مع العائلة الطولونية التي حكمت مصر‬
‫مت فلسطين إليها ‪ 264‬ـ ‪292‬هـ أي ‪ 878‬ـ ‪905‬م‪ ،‬وقد‬ ‫وض ّ‬
‫حذا الخشيديون حذو الطولونيين عندما حكموا مصر‪،‬‬
‫فضموها إلى نفوذهم ‪ 323‬ـ ‪358‬هـ أي ‪ 935‬ـ ‪969‬م‪ .‬وقد‬
‫حكم الخشيديون والطولونيون تحت الظل السمي للدولة‬
‫العباسية‪.‬وفي ‪358‬هـ تمكن الفاطميون الذين ينتمون إلى‬
‫المذهب السماعيلي من السيطرة على فلسطين‪ .‬وخاض‬
‫الفاطميون صراعات مع الثورات المحلية ومع القرامطة‬
‫والتراك السلجقة للسيطرة على فلسطين‪ .‬وتمكن‬
‫السلجقة في ‪464‬هـ ـ ‪1071‬م من السيطرة على معظمها‪.‬‬
‫لكن الصراع عاد ليحتدم بين السلجقة أنفسهم وبينهم وبين‬
‫الفاطميين الذين تمكنوا من السيطرة على صور سنة ‪1097‬‬
‫وبيت المقدس في فبراير ‪ 1098‬وقد كان هذا الصراع في‬
‫غمرة الحملة الصليبية الولى التي بدأت طلئعها في الوصول‬
‫إلى بلد الشام‪ .‬وقام الفاطميون بمراسلة الصليبيين عارضين‬
‫عليهم التعاون في قتال السلجقة مقابل أن يكون القسم‬
‫الشمالي من بلد الشام للصليبيين وفلسطين للفاطميين‪].‬‬
‫‪[18‬‬

‫‪13‬‬
‫وليس من منهجنا في هذه الدراسة أن نتحدث عن تفصيلت‬
‫الحروب الصليبية‪ [19].‬ولكننا نذكر أن الصليبيين تمكنوا من‬
‫احتلل فلسطين‪ ،‬وسيطروا على القدس ‪493‬هـ ـ ‪1099‬م‬
‫بعد أن خاضوا في بحر من دماء المسلمين‪ ،‬وقتلوا منهم في‬
‫القدس حوالي سبعين ألفًا‪ .‬لكن المة المسلمة كانت ل تزال‬
‫تملك الكثير من القوة والحيوية وكانت أرقى حضاريا ً وعلميا ً‬
‫من الصليبيين الوروبيين‪ ،‬رغم ما كانت تعانيه من تشرذم‬
‫وصراع سياسي وحروب داخلية‪ .‬فقد ظهر أبطال مجاهدون‬
‫أنهكوا الصليبيين طيلة فترة حكمهم‪ ،‬من أمثال أقسنقر‬
‫البرسقي ‪ 508‬ـ ‪520‬هـ‪ ،‬وعماد الدين زنكي ‪ 521‬ـ ‪540‬هـ‬
‫الذي أسقط إمارة الرها الصليبية‪ ،‬وابنه نور الدين محمود‬
‫دم نموذجا ً فذا ً‬ ‫‪ 541‬ـ ‪569‬هـ ‪ 1146 /‬ـ ‪1174‬م‪ ،‬الذي ق ّ‬
‫للقيادة المسلمة‪ ،‬وتبنى مشروعا ً نهضويا ً حضاريا ً موازيا ً‬
‫لمشروع التحرير الذي شغله طيلة حكمه‪ ،‬فتمكن من توحيد‬
‫م مصر إلى‬ ‫القوى السلمية بقيادته في بلد الشام‪ ،‬ثم ض ّ‬
‫حكمه‪ ،‬وأسقط الخلفة الفاطمية فيها على يد واليه هناك‬
‫صلح الدين اليوبي‪ ،‬وتمكن من تحرير نحو خمسين مدينة‬
‫وقلعة من الصليبيين‪ .‬إل أنه توفي رحمه الله بعد أن استكمل‬
‫تثبيت فكي الكماشة )مصر والشام( على عنق الصليبيين‪.‬‬
‫رفع صلح الدين اليوبي راية الجهاد بعد نور الدين ‪ 569‬ـ‬
‫‪589‬هـ ‪ 1174 /‬ـ ‪1193‬م‪ ،‬وأعاد توحيد الشام ومصر تحت‬
‫قيادته‪ ،‬وخاض معركة حطين مع الصليبيين في ‪ 24‬ربيع الخر‬
‫‪583‬هـ ـ ‪ 4‬يوليو ‪1187‬م وهي معركة فاصلة في التاريخ أدت‬
‫إلى تحطيم الوجود الصليبي وفتح بيت المقدس في ‪ 27‬رجب‬
‫‪583‬هـ ـ ‪ 2‬أكتوبر ‪1187‬م أي بعد نحو ‪ 88‬عاما ً من الحكم‬
‫الصليبي‪ .‬وقد تابع الصليبيون حملتهم وتمكنوا من السيطرة‬
‫على شريط ساحلي بين يافا وصور‪ ،‬كما سيطروا مرة أخرى‬
‫على القدس )بسبب الصراعات الداخلية في الدولة اليوبية(‪.‬‬
‫معظم الفترة بين ‪ 626‬ـ ‪642‬هـ ‪ 1229 /‬ـ ‪1244‬م إلى أن‬
‫عادت نهائيا ً إلى حظيرة السلم‪ ،‬واستمرت كذلك حتى‬
‫الحتلل البريطاني لفلسطين سنة ‪1917‬م‪.‬‬
‫وقد خلف المماليك الدولة اليوبية سنة ‪648‬هـ ـ ‪1250‬م‬
‫وواجهوا الزحف المغولي على أرض فلسطين في معركة‬
‫عين جالوت ‪ 25‬رمضان ‪658‬هـ الموافق ‪ 6‬سبتمبر ‪1260‬م‬
‫بقيادة قطز )محمود بن ممدود( والتي تعد ّ من المعارك‬
‫الفاصلة في التاريخ‪ .‬ثم تابع المماليك مشروع تحرير‬

‫‪14‬‬
‫فلسطين وبلد الشام من بقايا الصليبيين‪ ،‬فقام الظاهر‬
‫بيبرس بجهد كبير في ذلك‪ ،‬حيث استرد العديد من المناطق‬
‫في فلسطين والشام ثم تابعه سيف الدين قلوون‪ ،‬ثم ابنه‬
‫الشرف خليل بن قلوون الذي تم على يديه إنهاء الوجود‬
‫الصليبي في بلد الشام بإسقاطه مملكة عكا الصليبية‪ .‬إذ‬
‫حّرر عكا في ‪ 17‬جمادي الولى ‪690‬هـ الموافق ‪ 18‬مايو‬
‫‪1291‬م‪ ،‬واستولى بعد ذلك بسرعة على صيدا وصور وحيفا‬
‫وعتليت‪ .‬لتعود السيطرة الكاملة على فلسطين والشام من‬
‫جديد لحكم السلم‪.‬‬
‫وعندما ضعف شأن المماليك قام العثمانيون بالسيطرة على‬
‫فلسطين )وباقي الشام( سنة ‪1516‬م وسيطروا على مصر‬
‫سعوا سيطرتهم خلل نصف القرن‬ ‫في السنة التالية‪ ،‬وو ّ‬
‫التالي لتشمل معظم العالم العربي‪ ،‬حيث استمر حكمهم‬
‫حتى نهاية الحرب العالمية الولى سنة ‪1918‬م‪ .‬وقد تولت‬
‫الدولة البيزنطية )دولة الروم( القسم الشرقي من الدولة‬
‫الرومانية منذ ‪ 394‬م‪ ،‬واستمرت في الهيمنة على فلسطين ـ‬
‫عدا فترات ضئيلة من النفوذ الفارسي ـ حتى جاء الفتح‬
‫السلمي لفلسطين سنة )‪ 15‬هـ‪ 636 /‬م( في عهد الخليفة‬
‫الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ .‬ومنذ ذلك الزمان‬
‫اكتسبت فلسطين طابعها السلمي‪ ،‬ودخل أهلها في دين الله‬
‫أفواجًا‪ ،‬وتعربوا وتعربت لغتهم بامتزاجهم مع القبائل العربية‬
‫القادمة من الجزيرة العربية تحت لواء الحضارة السلمية‪.‬‬
‫ولم تكن فترة الحروب الصليبية لتؤثر كثيرا ً على هوية الرض‬
‫والسكان‪ ،‬فقد استمرت مملكة بيت المقدس الصليبية إلى‬
‫أن سقطت بعد ‪ 88‬عاما ً )‪ (1187-1099‬على يد البطل‬
‫المسلم صلح الدين اليوبي‪ ،‬وكانت هذه المملكة في أحيان‬
‫منهك‪ ،‬عانت فيه من هجمات قادة‬ ‫كثيرة في وضع دفاعي ُ‬
‫المسلمين أمثال نور الدين محمود رحمه الله‪.‬‬
‫وعلى أي حال‪ ،‬فإن الحكم السلمي لفلسطين استمر نحوا ً‬
‫من ‪ 1200‬سنة حتى ‪ 1917‬م‪ ،‬وهي أطول فترة تاريخية‬
‫مقارنة بأي حكم آخر‪ ،‬كان الحكم فيها مسلمًا‪ ،‬والشعب‬
‫ل فلسطين وليس بعضها‪ ،‬كما ضرب‬ ‫مسلمًا‪ ،‬وغطى الحكم ك ّ‬
‫المسلمون المثل العلى في التسامح الديني وحرية الديان‪،‬‬
‫فكانوا خير من خدم الرض المقدسة‪ ،‬وحمى حرمتها‪ .‬وقد‬
‫ترسخ السلم في فلسطين بقدوم عدد من الصحابة رضي‬
‫الله عنهم واستقرارهم في فلسطين ونشرهم للسلم فيها‪،‬‬

‫‪15‬‬
‫وكان منهم‪ :‬عبادة بن الصامت‪ ،‬وشداد بن أوس‪ ،‬وأسامة بن‬
‫زيد بن حارثة‪ ،‬وواثلة بن السقع‪ ،‬وفيروز الديلمي‪ ،‬ودحية‬
‫الكلبي‪ ،‬وعبد الرحمن بن غنم الشعري‪ ،‬وعلقمة بن مجزر‬
‫الكناني‪ ،‬وأوس بن الصامت‪ ،‬ومسعود بن أوس بن زيد‪،‬‬
‫وزنباع بن روح‪ ،‬وأبو ريحانة شمعون النصاري‪ ،‬وسويد بن‬
‫ي بن أم حرام النصاري‪،‬‬ ‫ُ‬
‫زيد‪ ،‬وذو الصابع التميمي‪ ،‬وأبو أب ّ‬
‫وأنيف بن ملة الجذامي‪ ،‬وأبو رويحة الفزعي… وغيرهم من‬
‫الصحابة الذين عاشوا في فلسطين وُدفنوا في ثراها‪ .‬ومن‬
‫التابعين من أبناء فلسطين رجاء بن حيوة الكندي من مواليد‬
‫بيسان‪ ،‬وهو الذي أشار على سليمان بن عبد الملك بتولية‬
‫عمر بن عبد العزيز الخلفة‪ .‬ومن التابعين أيضا ً عبادة بن‬
‫نسي الكندي‪ ،‬وروح بن زنباع‪ ،‬وممن سكن فلسطين أو زارها‬
‫من التابعين مالك بن دينار‪ ،‬والوزاعي‪ ،‬وهانئ بن كلثوم‪،‬‬
‫وحميد بن عبد الله اللخمي‪ ،‬وسفيان الثوري‪ ،‬وابن شهاب‬
‫الزهري‪.‬‬
‫ومن كبار الئمة والفقهاء الذين ولدوا في فلسطين المام‬
‫الشافعي الذي ولد في مدينة غزة‪ ،‬وممن عاشوا في‬
‫فلسطين أو زاروها من الئمة إبراهيم بن أدهم‪ ،‬والليث بن‬
‫سعد‪ ،‬وأبو بكر محمد الطرطوشي‪ ،‬وأبو بكر الجرجاني‪ ،‬وابن‬
‫قدامة المقدسي‪ .‬وإلى فلسطين ينتسب فاتح الندلس القائد‬
‫موسى بن نصير اللخمي‪ ،‬كما ينتسب إليها عبد الحميد بن‬
‫يحيى رئيس فن الكتابة وسّيد النشاء والدواوين في عصره‪،‬‬
‫وينتسب إليها أيضا ً أول علماء الكيمياء الكبار في التاريخ‬
‫السلمي خالد بن يزيد الموي‪ .‬ول يتسع المجال للستطراد‪،‬‬
‫فقد كانت الرض المقدسة مركزا ً للحضارة السلمية‪ ،‬ومهوى‬
‫لفئدة المسلمين‪ ،‬وشارك أبناؤها بفعالية في بناء صرح المة‬
‫السلمية الشامل وفي الرتقاء بنهضتها]‪[20‬‬
‫المزاعم الدينية والتاريخية لليهود في‬
‫فلسطين ‪-:‬‬
‫تجدر الشارة إلى أن يهود هذا الزمان يبنون احتللهم‬
‫دعون أن الله‬‫لفلسطين على مزاعم دينية وتاريخية‪ ،‬في ّ‬
‫سبحانه وعدهم هذه الرض‪ ،‬ويشيرون إلى ارتباطهم التاريخي‬
‫بها بحكمهم إياها زمنًا‪ ،‬وبتواجدهم على أرضها‪ ،‬وارتباطهم‬
‫النفسي والروحي بها‪ ،‬وقدسيتها عندهم‪ .‬ونحن نؤمن أن‬
‫لليهود حريتهم الدينية‪ ،‬وليس من حق أحد أن يكرههم على‬
‫تغيير عقائدهم‪ ،‬ولكن ليس من حقهم أن يلزموا الخرين‬

‫‪16‬‬
‫بعقيدتهم‪ .‬كما أنه ليس من حقهم أن يشردوا شعبا ً من دياره‪،‬‬
‫ويغتصبوا أرضه وأملكه ومقدساته تحت دعاواهم الدينية‪ .‬أما‬
‫المسلمون فل يرون لليهود حقا ً في هذه الرض‪ ،‬فمن ناحية‬
‫دينية‪ ،‬فإن هذه الرض أعطيت لبني إسرائيل عندما رفعوا‬
‫راية التوحيد‪ ،‬واستقاموا عليها‪ ،‬تحت قيادة رسلهم وصالحيهم‪.‬‬
‫دلوا وقتلوا أنبياءهم‪ ،‬وعاثوا في الرض‬ ‫ولكنهم انحرفوا وب ّ‬
‫فسادا ً بعد ذلك‪ ،‬ففقدوا تلك الشرعية‪ .‬والمسلمون يؤمنون‬
‫أنهم الورثة الحقيقيون لراية التوحيد‪ ،‬وأنهم المتداد الحقيقي‬
‫الوحيد لمة التوحيد ودعوة الرسل‪ ،‬وأن دعوة السلم هي‬
‫امتداد واستمرار لدعوة إبراهيم وإسحق ويعقوب وإسماعيل‬
‫وموسى وداود وسليمان وعيسى …عليهم السلم‪.‬‬
‫فالمسلمون الن هم أحق الناس بهذا الميراث بعد أن انحرف‬
‫الخرون‪ .‬والمسألة غير مرتبطة بالجنس والنسل والقومية‪،‬‬
‫وإنما مرتبطة باتباع المنهج‪ ،‬وعلى هذا فنحن المسلمين نؤمن‬
‫أن رصيد النبياء هو رصيدنا‪ ،‬وتجربتهم هي تجربتنا‪ ،‬وتاريخهم‬
‫هو تاريخنا‪ ،‬والشرعية التي أعطاها الله للنبياء واتباعهم في‬
‫حكم الرض المقدسة هي دللة على شرعيتنا وحقنا في هذه‬
‫الرض وحكمها‪ .‬قال تعالى‪" :‬ما كان إبراهيم يهوديا ً ول‬
‫نصرانيا ً ولكن كان حنيفا ً مسلما ً وما كان من المشركين‪ .‬إن‬
‫أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا‬
‫والله ولي المؤمنين"]‪ ،[21‬وقال تعالى‪" :‬ووصى بها إبراهيم‬
‫بنيه ويعقوب يا َبني إن الله اصطفى لكم الدين فل تموتن إل‬
‫وأنتم مسلمون"]‪ ،[22‬وقال تعالى‪" :‬وإذ ابتلى إبراهيم رّبه‬
‫بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما ً قال ومن ذريتي‬
‫قال ل ينال عهدي الظالمين"]‪ .[23‬وهكذا فإن الله أخبر‬
‫إبراهيم عليه السلم أن المامة والقيادة ل ينالها الظالمون‬
‫من نسله وذريته‪ ،‬لن المر مرتبط بالستقامة على منهج‬
‫الله‪ ،‬ولو كان المر مرتبطا ً بالتناسل فل ينبغي لبني إسرائيل‬
‫أن يقصروه على أنفسهم‪ ،‬ولستحق إسماعيل عليه السلم‬
‫ونسله هذا الوعد الذي ُأعطي لبراهيم‪ ،‬ولستحقه العرب‬
‫المنتسبون إلى إسماعيل جد العرب العدنانية‪ ،‬ومنهم قريش‬
‫وسيدها محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ما من الناحية التاريخية‪ ،‬فإن حكم بني إسرائيل‬ ‫أ َ‬
‫لفلسطين كان فترة ضئيلة ولم تتجاوز الربعة قرون على‬
‫أجزاء من فلسطين‪ ،‬وليس كلها‪ .‬أما الحكم السلمي فقد‬
‫استمر نحو ‪ 12‬قرنا ً )‪1917-636‬م( قطعته لفترة ضئيلة‬

‫‪17‬‬
‫فترة الحروب الصليبية‪ .‬وإذا كان معظم اليهود قد غادر‬
‫فلسطين‪ ،‬وانقطعت صلتهم الفعلية بها مدة ‪ 18‬قرنا ً منذ )‬
‫‪135‬م وحتى القرن العشرين( فإن أهل فلسطين الصليين‬
‫لم يغادروها طوال الربعة آلف وخمسمائة‪ - 4500-‬سنة‬
‫طرد عدد كبير منهم قسرا ً على يد‬ ‫الماضية‪ ،‬إلى أن ُ‬
‫العصابات الصهيونية عام ‪1948‬م‪ ،‬ول زالوا إلى الن‬
‫م إن أكثر‬ ‫يجاهدون لسترداد أرضهم دون أن يتنازلوا عنها‪ .‬ث َ‬
‫من ‪ %80‬من يهود هذا الزمان ‪-‬حسب بعض الباحثين‬
‫والعلماء اليهود أنفسهم وعلى رأسهم آرثر كوستلر ‪A.‬‬
‫‪ Koestler‬صاحب كتاب القبيلة الثالثة عشر ‪The Thirteenth‬‬
‫مـّتون إلى‬ ‫‪ - Tribe: The Khazar Empire & its Heritage‬ل ي ُ‬
‫بني إسرائيل ول إلى فلسطين بأية صلة نسب أو تاريخ‪ ،‬لن‬
‫معظم اليهود المعاصرين هم من يهود "الخزر" الذين ترجع‬
‫أصولهم إلى قبائل تترية‪-‬تركية قديمة استوطنت منطقة‬
‫شمال القوقاز )جنوب روسيا( وتهودت في القرن الثامن‬
‫الميلدي بقيادة ملكها بولن سنة ‪740‬م‪ ،‬وعندما سقط‬
‫ملكهم انتشروا في روسيا وشرق أوربا‪ ،‬وهم ما يعرف الن‬
‫باليهود الشكناز]‪ ،[24‬فإن كان لهم ثمة حق في العودة‬
‫فليعودوا إلى جنوب روسيا !!‪.‬‬
‫خلفيات ظهور القضية الفلسطينية في التاريخ‬
‫الحديث‪-:‬‬
‫قد َ اليهود صلتهم بفلسطين عمليا ً‬ ‫كما أشرنا سابقًا‪ ،‬فَ َ‬
‫حوالي ألف وثمانمائة عام‪ ،‬ولم يكن لديهم سوى العاطفة‬
‫الدينية التي رفض أحبارهم وحاخاماتهم وقادتهم تحويلها إلى‬
‫برنامج عملي؛ لنهم كانوا يؤمنون أنهم استحقوا تدمير دولتهم‬
‫وشتاتهم بسبب خطاياهم‪ ،‬وأن عليهم انتظار المسيح المخّلص‬
‫الخاص بهم "الماشيح" أو "المسيا"‪ ،‬وعند ذلك يجوز لهم‬
‫الستقرار في فلسطين وإقامة كيانهم‪ .‬على أن عددا ً من‬
‫التغيرات الهامة حدثت في التاريخ الوربي الحديث‪ ،‬انعكست‬
‫بدورها على اليهود وإنشاء المشروع الصهيوني‪ .‬فمنذ القرن‬
‫السادس عشر الميلدي ظهرت حركة الصلح الديني‬
‫"الحركة البروتستانتية" التي ركّزت على اليمان بالعهد‬
‫القديم "التوراة"‪ ،‬ونظرت لليهود وفق رؤية توراتية بأنهم‬
‫"أهل فلسطين" المشردين في الرض‪ ،‬وآمنت بأن اليهود‬
‫سُيجمعون من جديد في فلسطين لعودة المسيح المنتظر‬
‫الذي سيقوم بتنصيرهم‪ ،‬ليبدأ بعد ذلك عهد يمتد ألف سنة من‬

‫‪18‬‬
‫السعادة‪ .‬وقد شكل أتباع الكنائس البروتستانتية أغلبية سكان‬
‫بريطانيا والوليات المتحدة وهولندا ونحو نصف سكان ألمانيا‪.‬‬
‫وهكذا ظهرت "الصهيونية غير اليهودية" خصوصا ً وسط هؤلء‬
‫البروتستانت الذين دعموا المشروع الصهيوني بناء على‬
‫خلفية دينية]‪.[25‬‬
‫ً‬
‫ومن جهة أخرى فإن أوربا ـ خصوصا في القرن التاسع عشر ـ‬
‫شهدت تحولت سياسية هامة‪ ،‬فمنذ الثورة الفرنسية على‬
‫الحكم الملكي سنة ‪ 1789‬أخذت تتشكل الدولة الوربية‬
‫الحديثة‪ ،‬وانتشرت الفكرة القومية والمشاعر الوطنية‪ ،‬وتم‬
‫مشت دور‬ ‫إنشاء أنظمة علمانية فصلت الدين عن الدولة وه ّ‬
‫الكنيسة‪ .‬وتم "تحرير" اليهود‪ ،‬وإعطاؤهم كافة حقوق‬
‫المواطنة‪ ،‬خصوصا ً في أوربا الغربية‪ ،‬مما سهل على اليهود‬
‫اختراق هذه المجتمعات والنظمة‪ ،‬والرتقاء بمكانتهم‬
‫السياسية والقتصادية والجتماعية‪ ،‬وتحقيق مستويات أعلى‬
‫من النفوذ في دوائر السياسة والقتصاد والعلم‪ .‬وفي‬
‫المقابل فإن الدولة القومية والمشاعر الوطنية في روسيا‬
‫وأوربا الشرقية قد أخذت منحى آخر‪ ،‬حيث كان يتواجد غالبية‬
‫يهود العالم‪ .‬إذ قاوم يهود روسيا عمليات الدمج والتحديث‬
‫الروسية‪ ،‬التي تميزت بالفوقية والقسر والرهاب‪ .‬وزادت‬
‫مشاركة الكثير من اليهود في الحركات الثورية اليسارية من‬
‫عداء الحكومة القيصرية الروسية لهم‪ ،‬وانفجرت العداوة‬
‫ضدهم بشكل مكشوف إثر اغتيال قيصر روسيا الكسندر‬
‫الثاني ‪ ،1881‬والذي اتهم به اليهود‪ .‬وبدأت موجة من‬
‫الجراءات العنيفة القاسية ضدهم سميت ب "اللسامية"‪anti-‬‬
‫‪ ،semitism‬أي العداء لليهود لكونهم يهودا ً ينتمون إلى العنصر‬
‫السامي‪ ،‬وقد أدى ذلك إلى نشوء "المشكلة اليهودية"]‪ [26‬إذ‬
‫إن مليين اليهود في روسيا أخذوا يبحثون عن فرصة للخلص‬
‫مما هم فيه‪ ،‬وبدأت أعداد هائلة منهم في الهجرة إلى أوربا‬
‫الغربية وأمريكا الشمالية والجنوبية‪ .‬وكانت هذه فرصة‬
‫الحركة الصهيونية للظهور والدعوة إلى حل المشكلة اليهودية‬
‫بإنشاء كيان آمن مستقل لليهود في فلسطين‪ .‬وتعاطف‬
‫الكثير من الوربيين والمريكان مع هذه الدعوة سواء‬
‫لخلفياتهم الدينية‪ ،‬أو تخلصا ً من أعباء التدفق اليهودي على‬
‫أرضهم‪.‬‬
‫وأسهم ضعف الدولة العثمانية ـ التي كانت فلسطين‬
‫تحت حكمها ‪1917-1516‬م ـ وسعي الدول الغربية لتقاسم‬

‫‪19‬‬
‫أراضيها إلى بروز أجواء عملية أفضل لتأسيس المشروع‬
‫الصهيوني‪ .‬ففي مؤتمر لندن الستعماري ‪1907-1905‬م‬
‫ظهرت فكرة إنشاء "الدولة الحاجزة" في منطقة فلسطين‪،‬‬
‫واقترح المؤتمرون الذين رفعوا توصياتهم إلى رئيس وزراء‬
‫بريطانيا في ذلك الوقت كامبل بنرمان ‪ C. Bannerman‬إنشاء‬
‫هذا الكيان بحيث يتشكل حاجز بشري قوي وغريب‪ ،‬شرقي‬
‫البحر المتوسط‪ ،‬يكون قوة عدوة لشعب المنطقة‪ ،‬وصديقة‬
‫للدول الوربية ومعتمدة عليها]‪ .[27‬وكان أفضل من ينفذ هذا‬
‫المشروع هم "اليهود"‪ .‬وقد هدف المشروع الغربي من إنشاء‬
‫فكرة الدولة الحاجزة إلى غرس كيان غريب في قلب العالم‬
‫السلمي‪ ،‬ويفصل جناحه السيوي عن جناحه الفريقي‪ .‬يمنع‬
‫وحدته‪ ،‬ويضمن ضعفه وتفككه‪ ،‬إذ إن استمرار مثل هذا‬
‫الكيان مرتبط بذلك‪ .‬وسيسعى هذا الكيان بالتالي لضرب أي‬
‫نمو حضاري قوي في المنطقة‪ ،‬وسيشغل العالم السلمي‬
‫بمشكلة طويلة معقدة تستنـزف طاقته وجهوده‪ ،‬وتبقيه إلى‬
‫أبعد مدى ممكن في فلك التبعية والضعف والحاجة للعالم‬
‫الغربي وقواه الكبرى‪ .‬وكما أن هذا الكيان سيكون بحاجة إلى‬
‫دعم الغرب لضمان استمراره‪ ،‬فإن الغرب كذلك سيكون‬
‫بحاجة إليه لضمان ضعف العالم السلمي وتفككه وتبعيته‪.‬‬
‫وبذلك ينشأ بينهما تحالف يهودي صهيوني‪-‬غربي صليبي ل‬
‫ينفصم‪ .‬وهنا تكمن أهمية أن يفهم المسلمون أن هذا‬
‫المشروع موجه ضد كل مسلم وآماله في الوحدة والنهضة‬
‫والتقدم وليس ضد الفلسطينيين وحدهم‪.‬‬
‫لقد عانى الغرب الصليبي من قرون طويلة من الصراع مع‬
‫المسلمين‪،‬كانت فيه اليد الطولى للمسلمين نحو أحد عشر‬
‫قرنًا‪ ،‬وما كانت لتنتهي دولة مسلمة حتى تحل مكانها دولة‬
‫مسلمة تجدد الحيوية في هذه المة‪ ،‬وتحفظ عزتها وكرامتها‪،‬‬
‫فكانت دول الراشدين والمويين والعباسيين والمماليك‪.‬‬
‫وتمكن العثمانيون الذين خلفوا المماليك من فتح معظم أوربا‬
‫الشرقية‪ ،‬ومن توحيد العالم العربي تحت رايتهم فكانوا حصنا ً‬
‫عظيما ً للسلم قرون عديدة‪ .‬غير أن ضعف الدولة العثمانية‬
‫خصوصا ً في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين جعل‬
‫الوربيين يفكرون بطريقة تضمن أل تقوم بعد ذلك للعالم‬
‫السلمي قائمة‪ ،‬وأل تحل محل العثمانيين دولة مسلمة‬
‫جديدة‪ ،‬تبعث الحيوية والنهضة فيهم‪ ،‬فكانت فكرة الدولة‬
‫الحاجزة‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪-------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪-----‬‬
‫]‪ [1‬لمزيد من التفصيل حول تاريخ فلسطين القديم‪ ،‬انظر‬
‫ل‪ :‬محمد أديب العامري‪ ،‬عروبة فلسطين في التاريخ‬ ‫مث ً‬
‫)صيدا‪-‬بيروت‪ :‬المكتبة العصرية‪ ،(1972 ،‬والموسوعة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬إشراف أحمد المرعشلي )دمشق‪ :‬هيئة‬
‫الموسوعة الفلسطينية‪ ،(1984 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،37‬وج ‪ ،3‬ص‬
‫‪ ،279-273‬وج ‪ ،4‬ص ‪.174‬‬
‫]‪ [2‬انظر‪ :‬الموسوعة الفلسطينية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.129-117‬‬
‫]‪ [3‬سورة المائدة‪.57:‬‬
‫]‪ [4‬سورة السراء‪.1:‬‬
‫]‪ [5‬سورة النبياء‪.80:‬‬
‫]‪ [6‬رواه البخاري ومسلم وابن ماجة وأبو داود‪.‬‬
‫]‪ [7‬حديث حسن‪ ،‬رواه الطبراني‪.‬‬
‫]‪ [8‬حديث صحيح‪ ،‬رواه المام أحمد في مسنده‪ ،‬وابن ماجه‬
‫في سننه‪.‬‬
‫]‪ [9‬حديث صحيح‪ ،‬رواه الطبراني‬
‫]‪ [10‬حديث صحيح‪ ،‬أخرجه الحاكم‪ ،‬وأبو نعيم في الحلية‬
‫]‪ [11‬رواه الطبراني‪ ،‬وقال الهيثمي فيه أرطاه بن المنذر‪،‬‬
‫وبقية رجاله ثقات‬
‫‪ ( (12‬ورد حديث رواه المام أحمد بهذا المعنى‪ .‬ونصه "ل‬
‫تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين‪ ،‬لعدوهم قاهرين‪ ،‬ل‬
‫يضرهم من خالفهم إل ما أصابهم من لواء حتى يأتيهم أمر‬
‫الله وهم كذلك‪ ،‬قالوا يا رسول الله‪ :‬وأين هم؟ قال‪ :‬ببيت‬
‫المقدس وأكناف بيت المقدس"‪ ،‬ورجاله ثقات إل مهدي بن‬
‫جعفر الرملي‪ ،‬فقد وثقه ابن حبان و يحيى بن معين‪ ،‬وضّعفه‬
‫البخاري ‪.‬‬
‫]‪ [13‬انظر‪ :‬الموسوعة الفلسطينية‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪،279-271‬‬
‫وص ‪.670-666‬‬
‫]‪[14‬سورة المائدة‪.24:‬‬
‫]‪ [15‬انظر مثل ً حول تاريخ بني إسرائيل القديم المشار إليه‬
‫في الفقرات السابقة في‪ :‬ظفر السلم خان‪ ،‬تاريخ فلسطين‬
‫القديم ‪1220‬ق‪.‬م‪1359-‬م‪ :‬منذ أول غزو يهودي حتى آخر‬
‫غزو صليبي‪ ،‬ط ‪) 4‬بيروت‪ :‬دار النفائس‪ .(1984 ،‬والموسوعة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،238‬وج ‪ ،3‬ص ‪ ،186-184‬وص ‪-266‬‬
‫‪ ،268‬وج ‪ ،4‬ص ‪.218-216‬‬

‫‪21‬‬
‫]‪ [16‬حول فتح فلسطين وبلد الشام‪ ،‬انظر مث ً‬
‫ل‪ :‬الزدي‪،‬‬
‫تاريخ فتوح الشام‪ ،‬تحقيق عبد المنعم عبد الله عامر‬
‫)القاهرة‪ :‬مؤسسة سجل العرب‪ ،(1970 ،‬وأحمد عادل‬
‫كمال‪ ،‬الطريق إلى دمشق )بيروت‪ :‬دار النفائس‪،(1980 ،‬‬
‫ومحسن صالح‪ ،‬الطريق إلى القدس‪ ،‬ط ‪) 3‬لندن‪ :‬فلسطين‬
‫المسلمة‪ ،(1998 ،‬ص ‪ 49‬ـ ‪.77‬‬
‫]‪ [17‬انظر نص العهدة العمرية في‪ :‬محمد بن جرير الطبري‪،‬‬
‫تاريخ الرسل والملوك‪ ،‬تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم‬
‫)القاهرة‪ :‬دار المعارف‪ ،(1969 ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.418‬‬
‫]‪ [18‬حول فلسطين في عهد الراشدين والمويين والعباسيين‬
‫ل‪ :‬الموسوعة الفلسطينية‪ ،‬ج‬ ‫والفاطميين واليوبيين‪ ،‬انظر مث ً‬
‫‪ ،3‬ص ‪ 242‬ـ ‪ ،266‬وص ‪ 426‬ـ ‪.428‬‬
‫]‪ [19‬ناقشنا في كتابنا الطريق إلى القدس في الفصل‬
‫الثالث بالتفصيل جهاد المسلمين لتحرير فلسطين من‬
‫الصليبيين والتتار‪ ،‬انظر‪ :‬الطريق إلى القدس‪ ،‬ص ‪ 89‬ـ ‪.128‬‬
‫]‪ [20‬انظر مثل ً حول الصحابة والتابعين ورجال السلم الذين‬
‫عاشوا في فلسطين في‪ :‬ضياء الدين محمد المقدسي‪،‬‬
‫فضائل بيت المقدس‪ ،‬تحقيق محمد مطيع حافظ‪ ،‬سلسلة‬
‫فضائل الشام رقم ‪) 2‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،(1985 ،‬ص ‪-90‬‬
‫‪ ،92‬ومصطفى مراد الدباغ‪ ،‬القبائل العربية وسلئلها في‬
‫بلدنا فلسطين )بيروت‪ :‬دار الطليعة‪ ،(1979 ،‬ص ‪،48-47‬‬
‫وص ‪ ،113-111‬وص ‪ ،140-138‬وص ‪ .188‬ومصطفى مراد‬
‫الدباغ‪ ،‬من هنا وهناك‪ ،‬ص ‪ ،83-80‬وص ‪.112‬‬
‫]‪ [21‬سورة آل عمران‪68-67:‬‬
‫]‪ [22‬سورة البقرة‪.132:‬‬
‫]‪ [23‬سورة البقرة‪.124:‬‬
‫]‪ [24‬انظر مثل ً حول يهود الخزر في‪ :‬أسماء فاعور‪ ،‬فلسطين‬
‫والمزاعم اليهودية )بيروت‪ :‬دار المة‪ ،(1995 ،‬ص ‪-235‬‬
‫‪.241‬‬
‫]‪ [25‬انظر حول هذا الموضوع‪ :‬ريجينا الشريف‪ ،‬الصهيونية‬
‫غير اليهودية جذورها في التاريخ الغربي‪ ،‬ترجمة أحمد عبد‬
‫الله عبد العزيز‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬رقم ‪) 96‬الكويت‪:‬‬
‫المجلس الوطني للثقافة والفنون والداب‪ ،‬ديسمبر ‪.(1985‬‬
‫]‪ [26‬انظر حول هذا الموضوع في‪ :‬عبد الوهاب المسيري‪،‬‬
‫اليديولوجية الصهيونية‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬رقم ‪61-60‬‬
‫)الكويت‪ :‬المجلس الوطني للثقافة والفنون والداب‪ ،‬ديسمبر‬

‫‪22‬‬
‫‪-1982‬يناير ‪ ،(1983‬ج ‪ ،1‬ص ‪ .116-89‬وأسعد عبد الرحمن‪،‬‬
‫المنظمة الصهيونية العالمية ‪) 1982-1882‬بيروت‪:‬‬
‫المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،(1990 ،‬ص ‪.26-23‬‬
‫]‪ [27‬انظر‪ :‬ملف وثائق فلسطين‪ ،‬إعداد وزارة الرشاد‬
‫القومي‪ ،‬الهيئة العامة للستعلمات )القاهرة‪ :‬الهيئة العامة‬
‫للستعلمات‪ ،(1969 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.121‬‬

‫التطور السياسي للقضية الفلسطينية حتى‬


‫‪1914‬م‪:‬‬
‫لفتت حملة نابليون بونابرت على مصر التي احتلها بسهولة‬
‫في يوليو ‪ 1798‬النظار إلى مدى ضعف الدولة العثمانية‪،‬‬
‫وفتحت شهية الستعمار الوربي لقتسام تركة هذه الدولة‪.‬‬
‫ورغم أن حملة نابليون بونابرت على فلسطين انتهت بالفشل‬
‫على أسوار مدينة عكا ‪ ،1799‬إل أنه كان أول زعيم سياسي‬
‫أوربي يصدر دعوة رسمية لليهود لتحقيق آمالهم وإقامة‬
‫كيانهم على أرض فلسطين‪ ،‬وقد نشر دعوته هذه في ‪20‬‬
‫إبريل ‪ 1799‬في أثناء حصاره لعكا]‪.[28‬ولم تكن الهمية‬
‫الخاصة لمصر وبلد الشام لتغيب عن أعين البريطانيين الذين‬
‫كانوا القوة الكبرى الولى في العالم‪ ،‬فافتتحت بريطانيا‬
‫قنصلية لها في القدس سنة ‪ .1838‬وفي أول رسالة لنائب‬
‫القنصل في القدس‪ ،‬طلبت الخارجية البريطانية منه توفير‬
‫الحماية لليهود‪ ،‬حتى وإن كانوا غير بريطانيين‪ ،‬ولذلك ظلت‬
‫هذه القنصلية مركزا ً للدفاع عن مصالح اليهود حتى نشوب‬
‫الحرب العالمية الولى سنة ‪ .[29]1914‬وعندما تم‬
‫للبريطانيين السيطرة على قبرص ‪1878‬ومصر ‪،1882‬‬
‫أصبحت الدولة الستعمارية الوحيدة التي لها قواعد شرقي‬
‫البحر المتوسط‪ .‬وفضل ً عن الخلفيات الدينية والتاريخية‪ ،‬فقد‬
‫أصبحت تنظر إلى فلسطين في ضوء التنافس الستعماري‬
‫على المنطقة‪ ،‬وفي ضوء حاجتها لحماية الجناح الشرقي‬

‫‪23‬‬
‫لقناة السويس التي أصبحت الشريان الحيوي للمواصلت‬
‫البريطانية خصوصا ً إلى الهند‪ .‬وعندما تأسس المشروع‬
‫الصهيوني‪ ،‬وظهرت فكرة الدولة الحاجزة فإنها كانت تخدم ـ‬
‫بل شك ـ مختلف الدوافع والخلفيات الدينية والحضارية‬
‫والسياسية والستراتيجية‪ .‬وأصبحت تتخذ أبعادا ً عملية يمكن‬
‫تنفيذها في ضوء التدهور العثماني المتسارع‪.‬‬
‫ولم تكن أصداء الدعاوي التي أطلقها اليهود والصهاينة غير‬
‫اليهود "للعودة" إلى فلسطين لتأخذ أبعادا ً جدية قبل نهايات‬
‫القرن التاسع عشر‪ .‬فقد ظهرت بواكير هذه الدعوات في‬
‫القرن السادس عشر‪ ،‬مرورا ً بأول كتاب صدر حول هذا‬
‫الموضوع بقلم المحامي البريطاني هزي فنش ‪ H.Finch‬سنة‬
‫‪ 1621‬بعنوان "البعث العالمي الكبير أو دعوة اليهود"‪ ،‬كما‬
‫ظهرت في كتابات ودعوات النصارى أمثال إسحق نيوتن )‬
‫‪ ،(1727-1643‬جان جاك روسو )‪ ،(1778-1712‬وبريستلي‬
‫)‪ ،(1804-1733‬وشافتسبري‪ ،‬ولورنس أوليفنت‪ .‬وظهرت‬
‫كذلك دعوات اليهود أمثال شبتاي بن زفي )‪،(1676-1626‬‬
‫ويهودا القالي )‪ ،(1878-1798‬وموزيس هس )‪-1812‬‬
‫‪ (1875‬وغيرهم]‪ .[30‬غير أن قدوم اليهود ظل مرتبطا ً‬
‫بالعاطفة الدينية التقليدية في زيارة الماكن المقدسة‪ ،‬أو‬
‫السكن بجواره‪،‬كما ارتبط بمشاريع استيطانية "خيرية"‪ ،‬ولم‬
‫يأخذ طابع البرنامج السياسي المنظم المكشوف‪ .‬فقد كان‬
‫عدد اليهود في فلسطين سنة ‪ 1799‬نحو خمسة آلف]‪،[31‬‬
‫وفي عام ‪ 1876‬بلغ ‪ 13920‬يهوديًا]‪[32‬‬
‫أخذت الهجرة اليهودية تتخذ طابعا ً أكثر تنظيما ً وكثافة منذ‬
‫‪ 1882‬إثر تصاعد "المشكلة اليهودية" في روسيا‪ ،‬وقامت‬
‫السلطات العثمانية بعدد من الجراءات لمنع الستيطان‬
‫اليهودي في فلسطين‪ ،‬وقامت سنة ‪ 1887‬بفصل سنجق‬
‫القدس عن ولية سوريا‪ ،‬ووضعته مباشرة تحت إشراف‬
‫الحكومة المركزية )الباب العالي( لعطاء رعاية واهتمام أكبر‬
‫لهذه المنطقة]‪ .[33‬ورغم أن عدد اليهود الذين تركوا بلدانهم‬
‫الصلية )خصوصا ً روسيا وشرقي أوربا( بلغ مليونين و ‪366‬‬
‫ألفا ً و ‪ 941‬شخصا ً خلل الفترة )‪ ،(1914-1881‬إل أن عدد‬
‫من استطاع الهجرة منهم إلى فلسطين بلغ نحو ‪ 55‬ألفًا‪ ،‬أي‬
‫ما نسبته ‪ %2.32‬بينما هاجرت الغلبية الساحقة إلى الوليات‬
‫المتحدة وأوربا الغربية وأمريكا الجنوبية]‪ .[34‬وهذا يدل على‬

‫‪24‬‬
‫نجاح نسبي للسلطات العثمانية في الحد من الهجرة اليهودية‬
‫إلى فلسطين‬
‫وقد كان إنشاء المنظمة الصهيونية العالمية ‪World‬‬
‫‪ Zionist Organization‬وانعقاد مؤتمرها الول في بال‬
‫بسويسرا ‪ 29-27‬أغطسس ‪ 1897‬بزعامة ثيودور هرتزل ‪T.‬‬
‫‪ Herzl‬فاتحة العمل الصهيوني السياسي المؤسسي المنظم‬
‫لتأسيس الدولة اليهودية على أرض فلسطين‪ .‬وقد حرص‬
‫هرتزل على تحقيق المشروع الصهيوني من خلل التصالت‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬ومحاولة تشجيع القوى الكبرى‪ ،‬وخصوصا ً‬
‫بريطانيا‪ ،‬على تبّني هذا المشروع‪ ،‬في ضوء المصالح والفوائد‬
‫التي يمكن أن يجنيها الغرب الستعماري الصليبي‪ ،‬وقد حاول‬
‫هرتزل عبثا ً إقناع الدولة العثمانية ببيعه فلسطين وإعطاء‬
‫اليهود حكما ً ذاتيا ً فيها تحت السيادة العثمانية‪ ،‬وفتح أبواب‬
‫الهجرة اليهودية إليها مقابل عروض مغرية‪ ،‬كانت الدولة‬
‫س الحاجة إليها‪ .‬إل أن السلطان عبد الحميد‬ ‫م ّ‬
‫العثمانية في أ َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الثاني )‪ (1909-1876‬وقف سدا منيعا ضد رغبات اليهود‪،‬‬
‫ل‪" :‬انصحه أل يسير‬ ‫ورد ّ على من نقل اقتراح هرتزل إليه قائ ً‬
‫أبدا ً في هذا المر‪ .‬ل أقدر أن أبيع ولو قدما واحدا من البلد؛‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لنها ليست لي بل لشعبي‪ .‬ولقد حصل شعبي على هذه‬
‫المبراطورية بإراقة دمائهم‪ ،‬وقد غذوها فيما بعد بدمائهم‪،‬‬
‫وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لحد باغتصابها منا …‬
‫ليحتفظ اليهود ببليينهم‪ ،‬فإذا قسمت المبراطورية‪ ،‬فقد‬
‫يحصل اليهود على فلسطين دون مقابل‪ ،‬إنما لن تقسم إل‬
‫على جثثنا‪ ،‬ولن أقبل بتشريحنا ليّ غرض كان"]‪.[35‬‬
‫وقد شارك اليهود بفعالية في إسقاط السلطان عبد الحميد‬
‫من منصبه‪ ،‬من خلل انبثاثهم ونفوذهم الكبير في جمعية‬
‫تركيا الفتاة وذراعها لجنة التحاد والترقي‪ ،‬والتي قامت‬
‫بالنقلب العسكري عليه‪ ،‬وإجباره على التنازل عن العرش‪،‬‬
‫وتعمدت إرسال قره صو اليهودي ضمن الوفد الذي أبلغ‬
‫السلطان عبد الحميد بقرار عزله‪ .‬وكان قره صو هذا قد‬
‫حاول التأثير على السلطان عبد الحميد لسكان اليهود في‬
‫فلسطين‪ ،‬فقام بطرده]‪ .[36‬وقد استمتع اليهود بنفوذ كبير‬
‫تحت حكم التحاد والترقي خلل الفترة )‪،(1914-1909‬‬
‫فبينما كان لليهود ثلثة وزراء من أصل ‪ 13‬وزيرا ً في حكومة‬
‫التحاد والترقي التي تشكلت سنة ‪،1913‬كان للعرب الذين‬
‫يزيد عددهم عن نصف السكان وزير واحد]‪.[37‬‬

‫‪25‬‬
‫وقد كان لبناء فلسطين نشاط مبكر في مواجهة المشروع‬
‫الصهيوني‪ ،‬وكانت أولى الصطدامات المسلحة بين الفلحين‬
‫الفلسطينيين والمستوطنين الصهاينة سنة ‪ ،1886‬وقاموا‬
‫بتقديم العرائض للسلطات العثمانية‪ ،‬كما نشطت الصحف‬
‫في تبيان الخطر الصهيوني مثل جريدتي الكرمل وفلسطين‪.‬‬
‫وكان للشيخ محمد رشيد رضا المصلح السلمي "اللبناني"‬
‫المقيم في مصر من خلل مجلة المنار دور رائد في ذلك‪ .‬كما‬
‫برز من رجالت فلسطين يوسف ضيا الخالدي وسليمان‬
‫التاجي الفاروقي وإسعاف النشاشيبي… ممن تحدثوا عن‬
‫الخطر الصهيوني‪ .‬وكانت سياسات "التتريك" والمحاباة‬
‫للصهيونية التي مارستها حكومة التحاد والترقي باعثا ً رئيسيا ً‬
‫لبناء فلسطين والعرب للنضمام للجمعيات العربية‪ ،‬التي‬
‫أخذت تطالب بالصلح ضمن الدولة العثمانية‪ ،‬مثل حزب‬
‫اللمركزية والعربية الفتاة وغيرها]‪.[38‬‬
‫قضية فلسطين في الحرب العالمية الولى‬
‫‪:1918-1914‬‬
‫ومع بداية الحرب العالمية الولى ‪ 1914‬كان قد بلغ عدد‬
‫اليهود في فلسطين نحو ‪ 80‬ألفًا‪ ،‬غير أن موقف اليهود‬
‫الممالئ لبريطانيا وحلفائها ضد الدولة العثمانية قد جعل‬
‫العثمانيين يضيقون عليهم فترة الحرب )‪،(1918-1914‬‬
‫فانخفض عددهم مع نهايتها إلى نحو ‪ 55‬ألفًا‪.‬وقد كانت‬
‫الحرب العالمية الولى خطرا ً هائل ً على الجميع‪ ،‬لكنها مثلت‬
‫في الوقت نفسه فرصة أمام كل طرف للنتفاع من نتائجها‬
‫في حالة النتصار‪ ،‬فنشط سوق المفاوضات والتصالت‬
‫السرية والمعاهدات لترتيبات ما بعد الحرب‪ .‬ورغم أن‬
‫المنظمة الصهيونية العالمية عانت مؤقتا ً من حالة من‬
‫التشتت بسبب وجود الكثير من قياداتها في ألمانيا‪ ،‬إل أن‬
‫حاييم وايزمن ‪ C.Weizmann‬استطاع إعادة ترتيب أوراقها‪،‬‬
‫وقيادتها عمليا ً من خلل مركزه في بريطانيا‪ .‬أما بريطانيا فقد‬
‫سعت إلى ضمان نفوذها في بلد الشام والعراق من خلل‬
‫السير في ثلثة اتجاهات متعارضة متضاربة‪ ،‬ولم تبال بهذا‬
‫التعارض كثيرا ً في سبيل تحقيق أهدافها والنتصار في‬
‫الحرب‪.‬‬
‫‪ -‬كان التجاه الول التفاوض مع الشريف حسين بن علي‬
‫أمير الحجاز )مراسلت حسين‪-‬مكماهون يوليو ‪-1915‬مارس‬
‫‪ (1916‬لدفعه لعلن الثورة العربية على العثمانيين مقابل‬

‫‪26‬‬
‫وعود باستقلل معظم المناطق العربية في جزيرة العرب‬
‫وبلد الشام والعراق تحت زعامته‪ .‬وكان الكثير من رجالت‬
‫العرب قد أصيبوا بالحباط جّراء سياسات التحاد والترقي‪،‬‬
‫التي أفقدت الدولة العثمانية مصداقيتها السلمية‪،‬كما غضبوا‬
‫لقيام جمال باشا الصغير والي سوريا بتعليق العديد من‬
‫القيادات العربية على أعواد المشانق في مايو ‪ ،1915‬رغم‬
‫أن زعامات الجمعيات العربية كانت قد أعلنت في بداية‬
‫الحرب تناسي خلفاتها مع العثمانيين‪ ،‬والوقوف إلى جانبها‬
‫في محاربة "الكفار"‪ .‬وقد تعمدت بريطانيا سياسة عدم‬
‫الوضوح في تحديد التزاماتها‪ ،‬وقد ضغط الشريف حسين‬
‫على بريطانيا لتكون أكثر تحديدًا‪ ،‬خصوصا ً فيما يتعلق بحدود‬
‫الدولة العربية المقترحة‪ ،‬فأرسلت بريطانيا في ‪ 24‬أكتوبر‬
‫‪ 1915‬عددا ً من التحفظات على الحدود‪،‬كمطالبتها بعدم ضم‬
‫إقليمي مرسين وأضنة‪ ،‬وكذلك المناطق التي تقع إلى الغرب‬
‫من سناجق حلب وحمص وحماة ودمشق‪ ،‬فضل ً عن استمرار‬
‫استعمارها لجنوب اليمن وإمارات الخليج العربي‪ ،‬ومطالبتها‬
‫بوضع إداري خاص لجنوب العراق يكفل المصالح البريطانية‪.‬‬
‫ورغم أن الشريف حسين كان يفهم أنه ل يستطيع تغيير شيء‬
‫بالنسبة للبلدان العربية المستعمرة‪ ،‬كما عبر عن استعداده‬
‫لمناقشة المصالح البريطانية في جنوب العراق‪ ،‬إل أنه أصر‬
‫على عروبة المناطق غربي مناطق حلب وحمص ودمشق‬
‫)وهي ما فهم أن المقصود منها ما يعرف الن بلبنان(‪ .‬وقد تم‬
‫التفاق على ضرورة المسارعة في إعلن الثورة على أن تتم‬
‫مناقشة المور المعلقة بعد انتهاء الحرب‪ .‬فقام الشريف‬
‫حسين بإعلن الثورة في الحجاز في ‪ 10‬يونيو ‪ 1916‬وتحالف‬
‫علنا ً مع البريطانيين‪ ،‬وأيدته في ذلك الجمعيات العربية التي‬
‫كان لها نفوذ قوي خصوصا ً في بلد الشام كالعربية الفتاة‬
‫واللمركزية والعهد‪.‬‬
‫‪ -‬أما التجاه البريطاني الثاني فكان التفاوض مع فرنسا‬
‫)انضمت بعد ذلك روسيا للمفاوضات( بشأن مستقبل العراق‬
‫وبلد الشام‪ .‬وقد تم التفاق فيما يعرف بمعاهدة سايكس‪-‬‬
‫بيكو ‪ Sykes-Picot Agreement‬في مايو ‪ 1916‬على إعطاء‬
‫البريطانيين معظم العراق )مقارنة بحدوده الحالية( وشرق‬
‫الردن ومنطقة حيفا في فلسطين‪ ،‬أما لبنان وسوريا‬
‫فتوضعان تحت الستعمار الفرنسي‪ .‬ونظرا ً لرغبة كافة‬

‫‪27‬‬
‫الطراف في استعمار فلسطين فقد اُتفق على أن توضع‬
‫تحت إشراف دولي‪.‬‬
‫‪ -‬وكان التجاه البريطاني الثالث هو التفاوض مع المنظمة‬
‫الصهيونية العالمية حول مستقبل فلسطين‪ .‬وقد دفعهم إلى‬
‫ذلك حاجتهم الماسة لستخدام النفوذ اليهودي في الوليات‬
‫المتحدة لدفعها للمشاركة في الحرب إلى جانب بريطانيا‬
‫وحلفائها )وهذا ما حدث فعل ً في مارس ‪ ،(1917‬فضل ً عن‬
‫وجود النفوذ اليهودي الصهيوني في بريطانيا وفي الحكومة‬
‫البريطانية نفسها من خلل وزير الداخلية اليهودي الصهيوني‬
‫هربرت صمويل ‪ ،H.Samuel‬والنصارى المتصهينيين مثل رئيس‬
‫الوزراء لويد جورج ‪ ،L.Goerge‬ووزير الخارجية بلفور ‪.Balfour‬‬
‫هذا بالضافة إلى ما أشرنا إليه سابقا ً من دوافع وخلفيات‬
‫دينية وسياسية واستراتيجية …‪ .‬وكانت النتيجة صدور وعد‬
‫بلفور في ‪2‬نوفمبر ‪ 1917‬بتعهد بريطانيا بإنشاء وطن قومي‬
‫لليهود في فلسطين‪ .‬وقد كان هذا من أغرب الوعود في‬
‫التاريخ النساني‪ ،‬ففضل ً عن تعارضه مع المعاهدات الخرى‪،‬‬
‫فقد تجاوز بصلف وغرور رغبات وأماني أصحاب البلد‬
‫الشرعيين‪ ،‬وتعهد أن يعطي أرضا ً ل يملكها ـ بل ولم يكن قد‬
‫احتلها بعد ـ إلى أناس ل يستحقونها‪ ،‬وكان ذلك في ذروة‬
‫الحديث عن الشرف البريطاني‪ ،‬والدفاع عن القيم والمبادئ‪.‬‬
‫لم تبق اتفاقية سايكس‪-‬بيكو طي الكتمان‪ ،‬إذ قام‬
‫الروس بكشفها بعد أن استطاعت الثورة الشيوعية القضاء‬
‫على الحكم القيصري في روسيا في أكتوبر ‪ 1917‬وأعلنت‬
‫انسحابها من الحرب‪ .‬كما عرف الناس مبكرا ً بوعد بلفور‬
‫الذي لم يعد سرا ً بعد أن وصل للصحافة في البلد العربية ـ‬
‫مصر بالتحديد ـ بعد أقل من أسبوع من صدوره‪ .‬وقد كان‬
‫ذلك صدمة كبيرة للثورة العربية‪ ،‬إذ لم يتخيلوا أبدا ً هذه‬
‫الدرجة من الخداع البريطاني‪ ،‬ولذلك رفض جنود الثورة‬
‫العربية الستمرار ما لم توضح المور‪ ،‬فأرسلت بريطانيا‬
‫إمعانا ً في التضليل أحد مبعوثيها )هوغارث ‪ ( Hogarth‬في يناير‬
‫‪ 1918‬لطمأنة الشريف حسين‪ ،‬حيث حمل تصريحا ً بريطانيا ً‬
‫بأن الهجرة اليهودية لفلسطين لن تتعارض مع مصالح‬
‫السكان السياسية والقتصادية‪ .‬كما حمل التصريح البريطاني‬
‫إلى القياديين السوريين السبعة في يونيو ‪ 1918‬تأكيدات‬
‫واضحة على أن الرض التي يحتلها البريطانيون )جنوب‬
‫فلسطين وجنوب العراق( سوف تحكم وفق رغبات السكان‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫فضل ً عن الموافقة على استقلل ما كان ل يزال تحت‬
‫السيادة العثمانية من شمال فلسطين وشرق الردن وسوريا‬
‫ولبنان وشمال العراق‪ .‬وعندما انتهت الحرب العالمية صدر‬
‫التصريح النجلو‪-‬فرنسي ‪ 7‬نوفمبر ‪ 1918‬بتأكيد التعهدات‬
‫للعرب الذين كانوا تحت الحكم العثماني في الحرية‬
‫والستقلل]‪[3‬‬
‫فلسطين تحت الحتلل البريطاني ‪-1917‬‬
‫‪1948‬م‪:‬‬
‫أتم البريطانيون احتلل جنوب فلسطين ووسطها في‬
‫ديسمبر ‪ 1917‬واحتلوا القدس في ‪ 9‬ديسمبر ‪.1917‬‬
‫وخطب قائد الجيش البريطاني اللنبي في القدس محتفل ً‬
‫ل‪" :‬والن انتهت الحروب الصليبية"]‪ [40‬وكأن‬ ‫بانتصاره قائ ً‬
‫حملتهم على فلسطين كانت آخر حملة صليبية‪ ،‬وكأن‬
‫الحروب الصليبية لم تتوقف منذ أن شنها الوربيون قبل ذلك‬
‫بأكثر من ‪ 800‬عام‪ .‬وفي سبتمبر ‪ 1918‬احتل البريطانيون‬
‫شمال فلسطين‪ ،‬كما احتلوا في سبتمبر‪-‬أكتوبر ‪ 1918‬شرق‬
‫الردن وسوريا ولبنان‪ .‬ومنذ ذلك الوقت فتحت بريطانيا‬
‫بالقوة مشروع التهويد المنظم لرض فلسطين‪ ،‬واستطاعت‬
‫بريطانيا بعد ذلك إقناع فرنسا بالتخلي عن مشروع تدويل‬
‫فلسطين كما في نصوص سايكس بيكو‪ ،‬مقابل رفع بريطانيا‬
‫لدعمها للحكومة العربية التي نشأت في دمشق بزعامة‬
‫فيصل بن الشريف حسين‪ ،‬حتى تتمكن فرنسا من احتلل‬
‫سوريا‪ .‬ثم وفرت بريطانيا لنفسها غطاًء دوليا ً باستصدار قرار‬
‫من عصبة المم في ‪ 24‬يوليو ‪ 1922‬بانتدابها على فلسطين‪،‬‬
‫وتم تضمين وعد بلفور في صك النتداب‪ ،‬بحيث أصبح التزاما ً‬
‫رسميا ً معتمدا ً دوليًا‪ .‬غير أن فكرة النتداب التي ابتدعتها‬
‫عصبة المم‪ ،‬كانت قائمة على أساس مساعدة الشعوب‬
‫المنتدبة وإعدادها لنيل استقللها‪ .‬وقد تضمن صك النتداب‬
‫نفسه على فلسطين مسئولية الدولة المنتدبة )بريطانيا( في‬
‫الرتقاء بمؤسسات الحكم المحلي‪ ،‬وصيانة الحقوق المدنية‬
‫والدينية لجميع سكان فلسطين‪ .‬وهذا يعني أل يقف وعد‬
‫بلفور في نهاية المر عائقا ً في وجه أبناء فلسطين ضد‬
‫الرتقاء بمؤسساتهم وإقامة دولتهم‪ .‬وكان تنفيذ وعد بلفور‬
‫يعني عمليا ً الضرار بمصالح أهل فلسطين وحقوقهم‪،‬‬
‫وتعطيل بناء مؤسساتهم الدستورية باتجاه إقامة دولتهم‪ .‬وقد‬
‫فضلت بريطانيا دائما ً التزام الشق المتعلق بوعد بلفور‪،‬‬

‫‪29‬‬
‫مت آذانها ولم تحترم الشق المتعلق بحقوق أبناء‬ ‫وأص ّ‬
‫فلسطين العرب الذين كانوا يمثلون نحو ‪ [41]%92‬من‬
‫السكان عند بداية الحتلل‪ .‬وربما أرادت بريطانيا من إيجاد‬
‫نصوص متعلقة بحقوق الفلسطينيين إظهار نفسها بمظهر‬
‫الحكم العادل بين الطرفين العربي واليهودي‪ ،‬وتشجيع‬
‫الفلسطينيين على المطالبة بحقوقهم وفق أساليب مدنية‬
‫"دستورية"‪ ،‬وعدم إغلق كافة المنافذ أمامهم‪ ،‬بحيث ل‬
‫يصلون إلى درجة النفجار والثورة بسرعة‪ ،‬في الوقت الذي‬
‫تقوم فيه بالتسويف والمماطلة‪ ،‬ريثما يتم لها ترسيخ الوطن‬
‫القومي اليهودي في فلسطين‪ .‬وضعت بريطانيا فلسطين‬
‫تحت الحكم العسكري حتى نهاية يونيو ‪ ،1920‬ثم حولتها إلى‬
‫الحكم المدني‪ ،‬وعينت اليهودي الصهيوني هربرت صمويل‬
‫م" لها على فلسطين )‪ (1925-1920‬حيث‬ ‫أّول "مندوب سا ٍ‬
‫شرع في تنفيذ المشروع الصهيوني ميدانيا ً على الرض‪ .‬وتابع‬
‫المندوبون "السامون" المسيرة نفسها‪ ،‬غير أن أكثرهم سوءا ً‬
‫ودهاءا ً ونجاحا ً في التنفيذ كان آرثر واكهوب ‪A. Wauchope‬‬
‫‪ ((1931-1938‬حيث وصل المشروع الصهيوني في عهده إلى‬
‫درجات خطيرة‪.‬‬
‫تطور المشروع الصهيوني‪-:‬‬
‫وعلى أي حال‪ ،‬فقد عاشت فلسطين تحت الحتلل‬
‫حرم أهل فلسطين من بناء‬ ‫البريطاني مؤامرة رهيبة‪ ،‬ف ُ‬
‫كم أنفسهم‪ ،‬وُوضعوا تحت الحكم‬ ‫ح ْ‬
‫مؤسساتهم الدستورية و ُ‬
‫البريطاني المباشر‪ ،‬وُأعطي المندوبون السامون صلحيات‬
‫مطلقة‪ .‬وضيقت بريطانيا على الفلسطينيين سبل العيش‬
‫وكسب الرزق‪ ،‬وشجعت الفساد‪ ،‬وسعت لتعميق النقسامات‬
‫العائلية والطائفية وإشغال أبناء فلسطين ببعضهم‪ .‬وفي‬
‫المقابل شجعت الهجرة اليهودية‪ ،‬فزاد عدد اليهود من ‪55‬‬
‫ألفا ً )‪ %8‬من السكان( سنة ‪ 1918‬إلى ‪ 650‬ألفا ً )‪ %31‬من‬
‫السكان( سنة ‪ .1948‬ورغم الجهود اليهودية‪-‬البريطانية‬
‫المضنية للحصول على الرض‪ ،‬إل أن اليهود لم يتمكنوا من‬
‫الحصول سوى على نحو ‪ %6.5‬من فلسطين بحلول ‪،1948‬‬
‫ض باعها إقطاعيون‬ ‫ض حكومية‪ ،‬أو أرا ٍ‬ ‫كان معظمها إما أرا ٍ‬
‫غير فلسطينيين كانوا يقيمون في لبنان وسوريا وغيرها‪ ،‬وقد‬
‫بنى اليهود على هذه الراضي ‪ 291‬مستعمرة‪ .‬وفي الوقت‬
‫الذي كانت السلطات البريطانية تسعى حثيثا ً لنـزع أسلحة‬
‫الفلسطينيين‪ ،‬وتقتل أحيانا ً من يحوز سلحا ً ناريًا‪ ،‬بل وتسجن‬

‫‪30‬‬
‫ل‪ ،‬فإنها‬‫لسنوات من يملك رصاصات أو خنجرا ً أو سكينا ً طوي ً‬
‫ضت الطرف‪ ،‬بل وشجعت سّرا ً تسليح اليهود لنفسهم‪،‬‬ ‫غ ّ‬
‫وتشكيلهم قوات عسكرية وتدريبها‪ ،‬بلغ عددها مع اندلع‬
‫حرب ‪ 1948‬أكثر من سبعين ألف مقاتل )‪ 64‬ألف مقاتل من‬
‫الهاغاناه‪ ،‬وخمسة آلف من الرغون‪ ،‬وألفين من شتيرن …‬
‫وغيرها(‪ ،‬وهو عدد يبلغ أكثر من ثلثة أضعاف الجيوش العربية‬
‫السبعة التي شاركت في حرب ‪ !!1948‬وأسس اليهود‬
‫الوكالة اليهودية سنة ‪ ،1929‬والتي تولت شئون اليهود في‬
‫فلسطين‪ ،‬وأصبحت أشبه بدولة داخل دولة لما تمتعت به من‬
‫صلحيات واسعة‪ .‬وأقام اليهود مؤسسات اقتصادية واجتماعية‬
‫وتعليمية ضخمة‪ ،‬شكّلت بنية تحتية قوية للدولة اليهودية‬
‫القادمة‪ ،‬فتأسس الهستدروت )اتحاد العمال( وافتتحت‬
‫الجامعة العبرية بالقدس سنة ‪ .…[42]1925‬وهكذا‪ ،‬فإن‬
‫الظلم والقهر والمحاباة كان السمة البرز للستعمار‬
‫البريطاني لفلسطين‬
‫‪-------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪-----‬‬
‫]‪[28‬انظر‪ :‬ريجينا الشريف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪،110-106‬‬
‫والموسوعة الفلسطينية‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.279‬‬
‫]‪Albert H. Hyamson, Palestine under the Mandate 1920- [29‬‬
‫‪.1948 (Great Britain: Methuen, 1950), p.7‬‬
‫]‪[30‬انظر‪ :‬ريجينا الشريف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،81-79‬وأسعد عبد‬
‫الرحمن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.30-27‬‬
‫]‪[31‬حسان حلق‪ ،‬موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية‬
‫‪ ،1909-1897‬ط ‪) 2‬بيروت‪ :‬الدار الجامعية للطباعة والنشر‪،‬‬
‫‪ ،(1980‬ص ‪84-82‬‬
‫]‪[32‬سمير أيوب‪ ،‬وثائق أساسية في الصراع العربي الصهيوني‬
‫)بيروت‪ :‬دار الحداثة للطباعة النشر‪ ،(1984 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.280‬‬
‫]‪ [33‬انظر‪ :‬حسان حلق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.105-101‬‬
‫]‪[34‬انظر‪ :‬وليم فهمي‪ ،‬الهجرة اليهودية إلى فلسطين )مصر‪:‬‬
‫درت‬ ‫الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،(1974 ،‬ص ‪ .36‬وقد ق ّ‬
‫مراجع أخرى عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين ‪1914-1882‬‬
‫ل‪ :‬دليل إسرائيل العام‪ ،‬تحرير‬ ‫بحوالي ‪ 70-55‬ألفًا‪ ،‬انظر مث ً‬
‫صبري حريس وأحمد خليفة )بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات‬
‫الفلسطينية‪ ،(1996 ،‬ص ‪.40‬‬
‫]‪ [35‬سمير أيوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.128‬‬

‫‪31‬‬
‫]‪[36‬انظر‪ :‬صالح أبو يصير‪ ،‬جهاد شعب فلسطين خلل نصف‬
‫قرن )بيروت‪ :‬دار الفتح‪ ،(1970 ،‬ص ‪.33‬‬
‫]‪37‬عجاج نويهض‪ ،‬رجال من فلسطين بيروت‪ :‬منشورات‬
‫فلسطين المحتلة‪ 1980 ،‬ص ‪327-326‬‬
‫‪ ( 38‬انظر حول هذا الموضوع في‪ :‬عبد الوهاب الكيالي‪،‬‬
‫تاريخ فلسطين الحديث‪ ،‬ط ‪) 9‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية‬
‫للدراسات والنشر‪ ،(1985 ،‬ص ‪.67-37‬‬
‫]‪ [39‬حول المفاوضات والوعود البريطانية مع الشريف‬
‫حسين‪ ،‬والفرنسيين‪ ،‬والمنظمة الصهيونية العالمية‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ .84-72‬وأيضًا‪George Antonius, The :‬‬
‫‪Arab Awaking (London: Hamish Hamilton,1955) pp.260-‬‬
‫‪ .272‬وتقرير اللجنة الملكية‪ :‬الكتاب البيض رقم ‪،5479‬‬
‫النسخة العربية الرسمية‪ ،‬إصدار حكومة النتداب البريطاني‬
‫في فلسطين )القدس‪ ،(1937 ،‬ص ‪) .31-23‬اشتهر هذا‬
‫التقرير باسم تقرير بيل‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ظهور الحركة الوطنية الفلسطينية‪-:‬‬
‫ورغم حالة النهاك التي خرج بها الفلسطينيون من الحرب‬
‫العالمية الولى‪ ،‬ورغم وقوع البلد العربية من حولهم ـ‬
‫والعالم السلمي بشكل عام ـ تحت سطوة الستعمار‬
‫ونفوذه‪ ،‬ورغم ضعف إمكاناتهم المادية‪ ،‬وانعدام أدوات‬
‫الضغط والنفوذ السياسي لديهم‪ ،‬مقارنة بما حظي به‬
‫المشروع الصهيوني من دعم يهودي عالمي‪ ،‬ومن رعاية‬
‫القوى العظمى له‪ ،‬رغم ذلك كله‪ ،‬فإن التمسك بحقهم‬
‫الكامل في فلسطين‪ ،‬والصرار على استقللهم مهما كلف‬
‫الثمن‪ ،‬كانت السمة البرز لنشاطهم السياسي الجهادي‬
‫طوال فترة الحتلل البريطاني‪ .‬وقد تمحور النشاط السياسي‬
‫الفلسطيني حول مطالب محددة أبرزها‪-:‬‬
‫‪ -‬إلغاء وعد بلفور لما يتضمنه من ظلم وإجحاف بحقوق‬
‫الغلبية الساحقة من السكان‪.‬‬
‫‪ -‬إيقاف الهجرة اليهودية‬
‫‪ -‬وقف بيع الراضي لليهود‪.‬‬
‫‪ -‬إقامة حكومة وطنية فلسطينية منتخبة عبر برلمان )مجلس‬
‫تشريعي( يمثل الرادة الحقيقية الحرة للسكان‪.‬‬
‫‪ -‬الدخول في مفاوضات مع البريطانيين لعقد معاهدة تؤدي‬
‫في النهاية إلى استقلل فلسطين‪.‬‬
‫وعلى هذه السس نشأت الحركة الوطنية الفلسطينية‪ ،‬وأقام‬
‫الفلسطينيون مؤتمرهم الول )المؤتمر العربي الفلسطيني‬
‫‪ 27‬يناير‪ 10-‬فبراير ‪ (1919‬في القدس‪ ،‬فرفض تقسيم بلد‬
‫الشام وفق المصالح الستعمارية‪ ،‬وعد ّ فلسطين جزءا ً من‬
‫سوريا )بلد الشام(‪ ،‬وطالب باستقلل سوريا ضمن الوحدة‬
‫العربية‪ ،‬وتشكيل حكومة وطنية تمارس الحكم في فلسطين‪،‬‬
‫وقد عقد الفلسطينيون سبعة مؤتمرات من هذا النوع حتى‬
‫عام ‪ .1928‬وبرز في قيادة الحركة الوطنية رئيس اللجنة‬
‫التنفيذية للمؤتمر الفلسطيني موسى كاظم الحسيني الذي‬
‫استمر في الزعامة الرسمية للحركة الوطنية حتى وفاته في‬
‫مارس ‪ .1934‬غير أنه من الناحية الفعلية برز اسم الحاج‬
‫أمين الحسيني‪ ،‬الذي أصبح مفتي القدس سنة ‪،1921‬‬
‫ورئيس المجلس السلمي الشرعي العلى منذ تأسيسه سنة‬
‫‪ ،1922‬والذي غدا أهم قلعة للحركة الوطنية والقوة الدافعة‬
‫خلفها‪ .‬وبوفاة موسى كاظم الحسيني أصبح الحاج أمين زعيم‬

‫‪33‬‬
‫فلسطين دون منازع حتى نهاية الستعمار البريطاني سنة‬
‫‪1948‬م‪.‬‬
‫الحركة الوطنية الفلسطينية )‪1929-1918‬م(‪:‬‬
‫ركزت الحركة الوطنية الفلسطينية خصوصا ً خلل )‪-1918‬‬
‫‪ (1929‬على المقاومة السلمية للمشروع الصهيوني‪،‬‬
‫ومحاولة إقناع بريطانيا بالعدول عن وعد بلفور‪ ،‬وقد كان ل‬
‫ل في ذلك‪ ،‬خصوصا ً وأن البريطانيين كانوا‬ ‫يزال لديها بقايا أم ٍ‬
‫حلفاء الشريف حسين خلل الحرب العالمية الولى‪ ،‬كما أن‬
‫المشروع الصهيوني لم يكن قد حقق بعد أية نتائج عملية‬
‫ذات أبعاد خطيرة على الوضع في فلسطين‪ .‬هذا‪ ،‬فضل ً عن‬
‫أن القيادة الفلسطينية لم تكن ترى أن الفلسطينيين يملكون‬
‫الوسائل البديلة المكافئة التي تمكنهم من فرض إرادتهم على‬
‫البريطانيين‪ .‬كما أن القيادة نفسها لم تكن تملك العزيمة‬
‫والرادة والتماسك لتحدي البريطانيين بوسائل أكثر عنفًا‪.‬‬
‫ولعبت قلة الخبرة السياسية‪ ،‬والتنافس العائلي على القيادة‬
‫)الحسينية والنشاشيبية( ـ والذي أسهم البريطانيون في‬
‫تأجيجه ـ دوره في إضعاف الحركة الوطنية الفلسطينية‪ .‬غير‬
‫أن هذا لم يؤثر بشكل عام على الموقف المبدئي الفلسطيني‬
‫من المشروع الصهيوني والستعمار البريطاني‪ ،‬ومن‬
‫المطالب السياسية العامة للحركة الوطنية‪.‬‬
‫ومن الناحية السياسية‪ ،‬أرسلت القيادةالفلسطينية وفدها‬
‫الول إلى لندن في يوليو ‪ ،1921‬الذي التقى وزير‬
‫ً‬
‫المستعمرات ونستون تشرشل ‪W.Churchil‬وعددا من‬
‫المسؤولين‪ ،‬لكن جهوده لم تلق آذانا ً صاغية من الحكومة‬
‫البريطانية‪ ،‬وإن كان نجح في دفع مجلس اللوردات البريطاني‬
‫بإصدار قرار برفض وعد بلفور‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬أفشل‬
‫الفلسطينيون محاولة بريطانية تشكيل مجلس تشريعي في‬
‫فلسطين سنة ‪ 1923‬منزوع الصلحية الفعلية‪ ،‬ول يمثل‬
‫بشكل صحيح سكان فلسطين‪ .‬ولقيت زيارة بلفور لفلسطين‬
‫سنة ‪ 1925‬احتجاجات عامة‪ ،‬وتمت مقاطعته‪ ،‬وُنفذ إضراب‬
‫شمل كل فلسطين‪ .‬وفي المؤتمر الفلسطيني الخامس ‪-22‬‬
‫‪ 25‬أغسطس ‪ 1922‬وضع المؤتمرون ميثاقا ً وطنيا ً أقسموا‬
‫اليمين التالي على اللتزام به‪" :‬نحن ممثلي الشعب العربي‬
‫الفلسطيني في المؤتمر العربي الفلسطيني الخامس‬
‫المعقود في نابلس‪ ،‬نتعهد أمام الله والتاريخ والشعب على‬
‫أن نستمر في جهودنا الرامية إلى استقلل بلدنا‪ ،‬وتحقيق‬

‫‪34‬‬
‫الوحدة العربية بجميع الوسائل المشروعة‪ ،‬وسوف ل نقبل‬
‫بإقامة وطن قومي يهودي أو هجرة يهودية"]‪.[43‬‬
‫وخلل الفترة نفسها ‪ 1929-1918‬وقعت ثلث ثورات عبرت‬
‫بشكل قوي عن الغضب الشعبي العارم من المشروع‬
‫الصهيوني‪ ،‬غير أنها وجهت غضبها ضد اليهود‪ ،‬وحاولت تجنب‬
‫البريطانيين )بسبب العوامل المشار إليها سابقًا(‪ ،‬لكن الدور‬
‫الساسي في قمع هذه الثورات كان للبريطانيين‪ .‬فكانت‬
‫ثورة موسم النبي موسى ‪ 10-4‬إبريل ‪ 1920‬في القدس‬
‫التي أدت إلى مقتل خمسة يهود وجرح ‪ 211‬آخرين‪ ،‬ومقتل‬
‫أربعة عرب وجرح ‪ 24‬آخرين‪ ،‬وثورة يافا ‪ 15-1‬مايو ‪1921‬‬
‫التي اندلعت في يافا وشملت أجزاء من شمال فلسطين‬
‫وأدت إلى مقتل ‪ 47‬وجرح ‪ 146‬يهوديًا‪ ،‬بينما قتل ‪ 48‬وجرح‬
‫‪ 73‬عربيًا‪ ،‬وثورة البراق التي تصاعدت أحداثها منذ ‪15‬‬
‫أغسطس واستمرت حتى ‪ 2‬سبتمبر ‪ ،1929‬وقد خاضها‬
‫المسلمون دفاعا ً عن العتداءات اليهودية على حائط البراق‬
‫"الحائط الغربي للمسجد القصى المبارك" وانتشرت في‬
‫كافة أرجاء فلسطين‪ ،‬وأدت إلى مقتل ‪ 133‬وجرح ‪339‬‬
‫يهوديًا‪ ،‬وقتل ‪ 116‬عربيا ً وجرح ‪ 232‬آخرين‪ .‬وفي الثورات‬
‫الثلث حدثت معظم إصابات اليهود على أيدي العرب‪ ،‬أما‬
‫معظم إصابات العرب فوقعت على أيدي القوات البريطانية‬
‫والشرطة‪ .‬وقد كان للحاج أمين الحسيني مفتي القدس دور‬
‫أساسي في ثورة موسم النبي موسى وثورة البراق‪ .‬أما‬
‫القيادة السياسية الرسمية الفلسطينية فقد ظلت متمسكة‬
‫سَعت إلى تهدئة مشاعر الغضب‬ ‫بالساليب السلمية‪ ،‬بل و َ‬
‫واستيعابها‪ .‬ومن المهم الشارة إلى أن الثورات الثلث قد‬
‫اتخذت طابعا ً إسلميا ً أسهم في تأجيح المشاعر الوطنية‬
‫وتفجيرها ضد المشروع الصهيوني]‪[44‬‬
‫الحركة الوطنية الفلسطينية )‪1939-1929‬م(‪:‬‬
‫كانت ثورة البراق ‪ 1929‬فاتحة لعقد تصاعدت فيه المقاومة‬
‫الجهادية العنيفة للمشروع الصهيوني وللستعمار البريطاني‬
‫على حد سواء‪ ،‬وقد وصلت ذروتها في الثورة الفلسطينية‬
‫الكبرى )‪ .(1939-1936‬فقد أخذت تتكرس خطورة‬
‫المشروع اليهودي‪-‬الصهيوني خصوصا ً إثر هجرة أكثر من ‪152‬‬
‫ألف يهودي خلل الفترة )‪ ،(1935-1930‬مما ضاعف عدد‬
‫اليهود الذين كان عددهم في منتصف سنة ‪ 1929‬حوالي‬
‫‪ 156‬ألفًا‪ ،‬وكان الكثير من المهاجرين الجدد من ألمانيا‪ ،‬من‬

‫‪35‬‬
‫رجال العمال وأصحاب الموال والتجارة ومن العلماء‬
‫المتخصصين‪ .‬كما تمكن اليهود في الفترة نفسها )‪-1930‬‬
‫‪ (1935‬من الستيلء على ‪ 229‬ألف دونم من الراضي‬
‫ُ‬
‫الفلسطينية‪ .‬وهّرب اليهود كميات ضخمة من السلحة كشفت‬
‫حالتان منها في ‪ 15‬مارس ‪ ،1930‬وفي ‪ 16‬أكتوبر ‪]1935‬‬
‫‪ .[45‬وتميز النصف الول من الثلثينيات بازدياد النشاط‬
‫السياسي والتفاعل الوطني مع الحداث‪ ،‬وتوجيه العداء‬
‫بشكل مباشر وواسع ضد السلطات البريطانية باعتبارها‬
‫"أصل الداء‪ ،‬وأساس كل بلء"‪ .‬وتشكلت في هذه الفترة‬
‫الحزاب الفلسطينية‪ ،‬وكان "حزب الستقلل" أغسطس‬
‫‪ 1932‬أولها ظهورًا‪ ،‬وأسهم بشكل كبير في توجيه العداء ضد‬
‫بريطانيا‪ ،‬لكن شأنه ضعف منذ منتصف ‪ .1933‬أما الحزب‬
‫العربي الفلسطيني الذي ظهر في مارس ‪ 1935‬فقد أصبح‬
‫الحزب الشعبي الول‪ ،‬وحظي بدعم المفتي )الحاج أمين(‬
‫وبدعم الجماهير]‪ ،[46‬ونشطت في الفترة نفسها جمعيات‬
‫الشبان المسلمين‪ ،‬و الحركات الكشفية‪ .‬ونشأت وتطورت‬
‫تنظيمات سرية عسكرية جهادية مثل حركة "الجهادية" بقيادة‬
‫عز الدين القسام‪ ،‬و"منظمة الجهاد المقدس" بقيادة عبد‬
‫القادر الحسيني )والشراف السّري للحاج أمين(‪ ،‬كما ظهرت‬
‫مجموعات ثورية أصغر دخلت في صدامات مبكرة مع‬
‫السلطة مثل "الكف الخضر"‪.‬‬
‫قد َ الفلسطينيون في هذه الفترة أملهم في الحصول‬ ‫لقد فَ َ‬
‫على حقوقهم بالوسائل السلمية والقانونية‪ ،‬وعلق الحاج أمين‬
‫ل‪" :‬كنا ما نزال حتى سنة‬ ‫الحسيني على تلك المرحلة قائ ً‬
‫‪ 1932‬على شيء من المل‪ ،‬ولكنه زال مع الزمن‪ ،‬كل عذابنا‬
‫…كل آلمنا كانت ُتعد ّ بعناية‪ ،‬لم يكن أمامنا غير الشهادة"]‬
‫‪ .[47‬وأشارت مذكرة لمدير قسم المخابرات في شرطة‬
‫فلسطين إلى أن "الشعور المتزايد بالسخط ضد النتداب‬
‫البريطاني والدارة أصبح سائدا ً وسط كل الطبقات…‪ ،‬وأن‬
‫ملوا بأن بريطانيا سوف تحقق لهم العدل‪ ،‬قد‬ ‫َ‬
‫العرب‪ ،‬الذين أ ِ‬
‫أصيبوا باليأس"]‪ .[48‬وقد أسهم في تكريس القناعات‬
‫المعادية لبريطانيا وانتشارها فشل مهمة الوفد العربي‬
‫الفلسطيني إلى لندن برئاسة موسى كاظم الحسيني في‬
‫ربيع ‪ .1930‬وعدم تنفيذ توصيات جون هوب سمبسون‬
‫‪ J.H.Simpson‬خبير السكان والراضي‪ ،‬الذي كلفته الحكومة‬
‫البريطانية بدراسة الوضع في فلسطين‪ ،‬والذي استنتج بعد‬

‫‪36‬‬
‫ض إضافية حاليا ً يمكن إعطاؤها‬
‫دراسة دقيقة أنه ل توجد أرا ٍ‬
‫للمهاجرين اليهود‪ ،‬وأوصى بخفض الهجرة اليهودية أو وقفها]‬
‫‪ .[49‬وزاد من تفاقم الوضع نكوص الحكومة البريطانية عن‬
‫تنفيذ توجهاتها التي أعلنتها في "الكتاب البيض" في أكتوبر‬
‫‪ 1930‬الذي وعد بضبط الهجرة اليهودية‪ ،‬ثم إصدارها "الكتاب‬
‫السود" في فبراير ‪ 1931‬الذي أكد التزامات بريطانيا تجاه‬
‫المشروع الصهيوني‪ ،‬ومسح عمليا ً ما جاء في الكتاب البيض]‬
‫‪.[50‬‬
‫واستطاع أبناء فلسطين في تلك الفترة أن يجددوا البعد‬
‫العربي والسلمي لقضية فلسطين وينشطوه‪ .‬فنقلت‬
‫التقارير في مايو ‪ 1931‬وجود مخطط ثوري جهادي يستهدف‬
‫إنقاذ البلد العربية وخصوصا ً فلسطين وسوريا‪ ،‬وأن المير‬
‫شكيب أرسلن )وهو إسلمي لبناني( كان زعيم هذه الحركة‪،‬‬
‫ويشترك معه في المخطط الحاج أمين الحسيني ومولنا‬
‫شوكت علي الزعيم الهندي المعروف‪ .‬وكان على اتصال‬
‫بزعماء الحركات العربية في الجزيرة العربية والعراق والشام‬
‫ومصر‪ .‬لكن المخطط لم ُيكتب له النجاح]‪ .[51‬وفي ‪-7‬‬
‫‪17‬ديسمبر ‪ 1931‬انعقد في القدس المؤتمر السلمي العام‬
‫برئاسة الحاج أمين الحسيني‪ ،‬وبحضور مندوبين عن ‪ 22‬بلدًا‪،‬‬
‫وتكرس فيه البعد السلمي لقضية فلسطين‪ ،‬التي أصبحت‬
‫ما ً مركزيا ً للعالم السلمي‪ ،‬وحضره علماء وشخصيات‬ ‫ه ّ‬
‫إسلمية كبرى مثل الشيخ محمد رشيد رضا‪ ،‬والمفكر الهندي‬
‫الشاعر "محمد إقبال"‪ ،‬والزعيم الهندي شوكت علي‪،‬‬
‫والزعيم التونسي عبد العزيز الثعالبي‪ ،‬ورئيس وزراء إيران‬
‫السابق ضياء الدين الطبطبائي‪ ،‬والزعيم السوري شكري‬
‫القوتلي‪… ،‬وغيرهم‪ .‬وصدرت العديد من القرارات العملية‬
‫كإنشاء جامعة إسلمية‪ ،‬وتأسيس شركة لنقاذ الراضي‪،‬‬
‫وتشكيل لجان لفلسطين في مختلف البلدان …]‪ [52‬لكن‬
‫وقوع معظم بلدان العالم السلمي تحت الستعمار‪ ،‬وإصرار‬
‫البريطانيين على إفشال أي من المشاريع العملية أدى إلى‬
‫تعطيل العمل بمعظم هذه القرارات‪ .‬وتزايد دور علماء‬
‫المسلمين الفلسطينيين بانعقاد مؤتمرهم الول في ‪ 25‬يناير‬
‫‪ ،1935‬وإصدارهم فتوى بتحريم بيع الرض لليهود‪ ،‬وتكفير‬
‫من يرتكب ذلك‪ ،‬ثم قيامهم بحملة توعية كبرى في فلسطين]‬
‫‪ .[53‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن المقاومة الجهادية تمثلت في‬
‫البداية في منظمة "الكف الخضر"‪ ،‬التي ظهرت إثر ثورة‬

‫‪37‬‬
‫البراق في شمال فلسطين بزعامة أحمد طافش‪ ،‬وقامت‬
‫بعمليات ضد اليهود والبريطانيين‪ ،‬لكن الحملة البريطانية‬
‫المكثفة ضدها أدت إلى القضاء عليها في فبراير ‪،1930‬‬
‫والقبض على زعيمها‪ .‬وفي أكتوبر ‪ 1933‬صّعدت القيادة‬
‫السياسية الفلسطينية معارضتها‪ ،‬وأقامت مظاهرتين كبيرتين‬
‫في القدس في ‪ 13‬أكتوبر‪ ،‬وفي يافا في ‪ 27‬أكتوبر‪ ،‬شارك‬
‫فيها الزعماء بأنفسهم‪ ،‬وانطلقت المظاهرة الولى من‬
‫المسجد القصى‪ ،‬أما الثانية فانطلقت بعد صلة الجمعة من‬
‫يافا‪ ،‬وأضربت فلسطين في هذين اليومين‪ ،‬وحاولت‬
‫السلطات منع المظاهرات بالقوة‪ ،‬مما أدى إلى مقتل ‪35‬‬
‫وجرح ‪ 255‬عربيًا‪ .‬وقد اتسعت المظاهرات وزادت عنفا ً في‬
‫حيفا والقدس ونابلس وبئر السبع واللد وغيرها؛ مما أدى‬
‫لسقوط المزيد من الضحايا‪ ،‬وأضربت فلسطين مدة سبعة‬
‫أيام‪ .‬واعتقلت السلطات البريطانية ‪ 12‬زعيما ً فلسطينيًا‪،‬‬
‫بينهم ثلثة من أعضاء اللجنة التنفيذية‪ ،‬وأصيب موسى كاظم‬
‫الحسيني في أثناء مظاهرة يافا بكدمات أغمي عليه على‬
‫إثرها‪ ،‬وُذكر أنه توفي في مارس ‪ 1934‬متأثرا ً بهذه الصابة‪،‬‬
‫وهو في الحادية والثمانين من عمره]‪.[54‬‬
‫أما حركة "الجهادية" فقد أسسها الشيخ عز الدين القسام‪،‬‬
‫وتعود بجذورها إلى سنة ‪ .1925‬وهي حركة سرية جهادية‪،‬‬
‫اتخذت السلم منهجًا‪ ،‬وكان شعارها "هذا جهاد‪ ،‬نصر أو‬
‫استشهاد" وانتشرت في شمال فلسطين‪ ،‬خصوصا ً بين‬
‫العمال والفلحين‪ ،‬وأمكن لها تنظيم ‪ 200‬رجل‪ ،‬بالضافة إلى‬
‫‪ 800‬من النصار‪ .‬وقامت سّرا ً بالمشاركة الجهادية في ثورة‬
‫البراق‪ ،‬ثم نفذت بعض العمليات خلل النصف الول من‬
‫الثلثينيات‪ ،‬لكنها أعلنت عن نفسها ونزلت إلى الميدان في‬
‫نوفمبر ‪ ،1935‬واستشهد الشيخ القسام واثنان من رفاقه في‬
‫أول مواجهة مع الشرطة في معركة أحراش يعبد في ‪20‬‬
‫نوفمبر ‪ .1935‬ولم تكن هذه نهاية الحركة‪ ،‬فقد تولى القيادة‬
‫الشيخ فرحان السعدي‪ .‬وكان لها دور رائد عظيم في الثورة‬
‫الكبرى )‪ .[55](1939-1936‬أما منظمة "الجهاد المقدس"‬
‫فقد اصطبغت بصبغة إسلمية وطنية‪ ،‬ولقيت رعاية الحاج‬
‫أمين‪ ،‬وتركز تنظيمها في القدس‪ ،‬بقيادة عبد القادر‬
‫الحسيني‪ ،‬ووصل عدد أفرادها سنة ‪ 1935‬إلى ‪ 400‬عضو]‬
‫‪ .[56‬وشاركت في الثورة الكبرى في قيادة العمل في‬
‫مناطق القدس والخليل‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫الثورة الفلسطينية الكبرى ‪-:1939-1936‬‬
‫كانت الثورة الكبرى من أعظم الثورات في تاريخ فلسطين‬
‫الحديث والمعاصر‪ .‬وقد تفجرت في ‪ 15‬إبريل ‪ 1936‬على يد‬
‫مجموعة قسامية بقيادة الشيخ فرحان السعدي‪ ،‬قامت بقتل‬
‫اثنين من اليهود‪ .‬ثم تفاعلت الحداث‪ ،‬وحصلت ردود فعل‬
‫غاضبة متبادلة بين العرب واليهود‪ ،‬وأعلن أبناء فلسطين‬
‫الضراب العام في ‪ 20‬إبريل‪ ،‬وتم توحيد الحزاب العربية‪،‬‬
‫وتشكيل اللجنة العربية العليا )التي تولى رئاستها الحاج أمين‬
‫الحسيني بنفسه( في ‪ 25‬إبريل‪ ،‬وقامت اللجنة بالعلن عن‬
‫الصرار على الستمرار في الضراب حتى تحقيق المطالب‬
‫الفلسطينية في إنشاء حكومة فلسطينية مسئولة أمام‬
‫برلمان منتخب‪ ،‬ووقف الهجرة اليهودية‪ ،‬ومنع بيع الراضي‬
‫لليهود‪ .‬واستمر الضراب ‪ 178‬يوما ً )حوالي ستة اشهر(‬
‫ليكون أطول إضراب في التاريخ يقوم به شعب بأكمله‪.‬‬
‫مت كل فلسطين‪ ،‬ولم تتوقف‬ ‫ورافق الضراب ثورة عارمة ع ّ‬
‫المرحلة الولى من الثورة إل في ‪ 12‬أكتوبر ‪ ،1936‬بناء على‬
‫نداء ملوك وأمراء العرب‪ ،‬و تهيئة لقدوم لجنة تحقيق ملكية‬
‫بريطانية )لجنة بيل( لتدرس الوضع وتقدم توصياتها‪ .‬وقد‬
‫صدرت توصيات هذه اللجنة في مطلع يوليو ‪ ،1937‬واقترحت‬
‫تقسيم فلسطين بين العرب واليهود‪ .‬وقد أدى ذلك إلى تأجيج‬
‫مشاعر الثورة من جديد‪ ،‬وكانت علمة بدئها الفاصلة اغتيال‬
‫القساميين للحاكم البريطاني للواء الجليل أندروز ‪Andrews‬‬
‫في ‪ 26‬سبتمبر ‪ .1937‬وقامت السلطات البريطانية‬
‫بإجراءات قمعية هائلة‪ ،‬وحّلت المجلس السلمي العلى‬
‫واللجنة العربية العليا واللجان القومية‪ ،‬وحاولت اعتقال الحاج‬
‫أمين الذي تمكن من الهرب إلى لبنان في منتصف أكتوبر‬
‫‪ ،1937‬حيث تولى قيادة الثورة من هناك‪ ،‬لكنها نجحت في‬
‫اعتقال أربعة من أعضاء اللجنة العربية العليا‪ ،‬وأبعدتهم إلى‬
‫جزر سيشل‪.‬‬
‫وقد وصلت الثورة إلى قمتها في صيف ‪ ،1938‬ونجح‬
‫الثوار في السيطرة على الريف الفلسطيني وُقراه‪ ،‬وتمكنوا‬
‫من احتلل عدد من المدن لفترات محدودة‪ ،‬وانهارت السلطة‬
‫المدنية البريطانية‪ .‬ولو أن المر اقتصر فقط على مواجهة‬
‫مرة‪ ،‬لربما أدى المر إلى‬ ‫بين شعب محتل وسلطة مستع ِ‬
‫انسحابها وإعطاء الشعب حقوقه‪ .‬ولكن وجود الطرف‬
‫اليهودي‪-‬الصهيوني ونفوذه‪ ،‬وطبيعة مشروعه‪،‬كانت تضغط‬

‫‪39‬‬
‫دائما ً لمزيد من المكابرة والعناد عند البريطانيين‪ .‬وقد قامت‬
‫بريطانيا بإرسال تعزيزات ضخمة يقودها عسكريون مرموقون‬
‫)ويفل‪ ،‬هيننج‪ ،‬مونتجمري…(‪ ،‬وقامت بإعادة احتلل فلسطين‬
‫قرية قرية‪ ،‬مستخدمة كل وسائل التنكيل والدمار‪ ،‬وأحدث ما‬
‫توصلت إليه أكبر قوة عظمى في ذلك الزمان‪ ،‬إلى أن‬
‫أخمدت الثورة في صيف ‪ .1939‬واستشهد كثير من قادة‬
‫الثورة أمثال فرحان السعدي‪ ،‬ومحمد الصالح الحمد‪ ،‬وعبد‬
‫الرحيم الحاج محمد‪ ،‬ويوسف أبو درة]‪.[57‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬حاولت بريطانيا إيجاد مخرج سياسي ـ‬
‫بينما كانت تقوم بسحق الثورة ـ فقامت بإلغاء مشروع‬
‫تقسيم فلسطين‪ ،‬وأفرجت عن معتقلي سيشل‪ ،‬ودعت إلى‬
‫مؤتمر المائدة المستديرة في لندن‪ ،‬بحيث تحضره وفود تمثل‬
‫الفلسطينيين واليهود وعددا ً من البلد العربية‪ .‬وقد فشل‬
‫المؤتمر الذي انعقد في فبراير ‪ ،1939‬في الوصول إلى نتيجة‬
‫محددة‪ .‬وهذا مّهد الطريق أمام البريطانيين ليعلنوا وحدهم‬
‫الحل الذي يرتئونه‪ ،‬والذين قالوا إنهم سينفذونه بغض النظر‬
‫عن رضى الطرفين‪ .‬فأصدرت الحكومة البريطانية "الكتاب‬
‫كل إلى حد ما نصرا ً سياسيا ً‬ ‫البيض" في مايو ‪ ،1939‬الذي ش ّ‬
‫للفلسطينيين‪ ،‬فقد أقرت بريطانيا بشكل حاسم أنه ليس من‬
‫سياستها أن تصبح فلسطين دولة يهودية‪ ،‬وأن ما تريده هو‬
‫دولة فلسطينية مستقلة‪ ،‬يقتسم فيها العرب واليهود السلطة‬
‫الحكومية‪ .‬وأعلنت بريطانيا سعيها إلى إنشاء دولة فلسطينية‬
‫خلل عشر سنوات‪ ،‬وأن الهجرة اليهودية في الخمس سنوات‬
‫القادمة لن تزيد عن ‪ 75‬ألفًا‪ ،‬وبعد ذلك تمنع إل بإذن من‬
‫العرب‪ ،‬وقررت حظر بيع الراضي في بعض مناطق‬
‫فلسطين‪ ،‬بينما يكون مقيدا ً في مناطق أخرى‪ .‬ولم توافق‬
‫معظم القيادة الفلسطينية على المشروع البريطاني؛ لشكهم‬
‫أساسا ً في الوعود والنوايا البريطانية‪ ،‬ولنه ربط استقلل‬
‫فلسطين بموافقة اليهود وتعاونهم‪ ،‬كما أنه لم ي َِعد بإصدار‬
‫عفو عام عن الثوار‪ ،‬أو المصالحة مع زعيم فلسطين الحاج‬
‫أمين‪ .‬وفوق ذلك فإن الفلسطينيين رأوا أنه ليس من الحكمة‬
‫الموافقة المبكرة على المشروع الذي يتضمن بعض‬
‫التنازلت‪ ،‬وما دامت بريطانيا مصّرة على تنفيذه على أي‬
‫حال‪ ،‬فإن الزمن كفيل بكشف مدى جديتها‪ .‬كما عارض اليهود‬
‫بقوة وعنف المشروع البريطاني]‪[58‬‬
‫التطورات السياسية ‪:1947-1939‬‬

‫‪40‬‬
‫وخلل الفترة )‪ (1945-1939‬وقعت الحرب العالمية‬
‫الثانية‪ ،‬ودخل الفلسطينيون تلك الفترة وقد أنهكت قواهم‪،‬‬
‫وتشتت قيادتهم السياسية نتيجة الثورة‪ ،‬واضطر الحاج أمين‬
‫أن يهرب إلى العراق في أكتوبر ‪ ،1939‬ثم هرب إلى إيران‬
‫وتركيا ثم إلى ألمانيا التي وصلها في نوفمبر ‪ ،1941‬بعد أن‬
‫سقط الحكم الوطني المعادي لبريطانيا في العراق‪ ،‬الذي‬
‫كان للحاج أمين دور رئيسي في إقامته‪ .‬وهناك لم يجد ب ُد ّا ً‬
‫من التعاون مع اللمان أعداء النجليز‪ ،‬في سبيل نيل العرب‬
‫لحقوقهم‪ ،‬وتم إعداد مسودة تصريح تضمن تقديم دولتي‬
‫المحور )ألمانيا وإيطاليا( كل مساعدة ممكنة للبلدان العربية‬
‫التي تحتلها وتسيطر عليها بريطانيا‪ ،‬والعتراف باستقللها‪،‬‬
‫والمساعدة في القضاء على فكرة الوطن القومي اليهودي‪.‬‬
‫غير أن اللمان أصّروا على عدم إصدار التصريح إل بعد‬
‫وصول القوات اللمانية إلى منطقة القوقاز‪ .‬وعلى أي حال‪،‬‬
‫فإن الحاج أمين استفاد عمليا ً من وجوده هناك في السعي‬
‫درب على يد اللمان من الجنسيات‬ ‫لتكوين جيش عربي م ّ‬
‫العربية‪ ،‬وقد تدرب بالفعل مئات الشبان العرب ضمن هذا‬
‫الجيش الذي أعلن رسميا ً عن إنشائه في ‪ 2‬نوفمبر ‪1943‬‬
‫خّبئ‬ ‫ده اللمان بالكثير من السلحة الخفيفة والذخائر‪ ،‬و ُ‬‫وم ّ‬
‫في ليبيا نحو ثلثين ألف قطعة سلح لستخدامها مستقب ً‬
‫ل]‬
‫‪ .[59‬لكن انتصار البريطانيين وحلفائهم في الحرب‪ ،‬وضع‬
‫ل أكثر صعوبة‪ .‬وقبض‬ ‫الفلسطينيين وقيادتهم في حا ٍ‬
‫الفرنسيون على الحاج أمين‪ ،‬لكنه ما لبث أن استطاع الهرب‬
‫مت فلسطين‬ ‫في يونيو ‪ ،1946‬ووصل فجأة إلى مصر‪ ،‬وع ّ‬
‫الفراح "فأقيمت الزينات في طول البلد وعرضها‪ ،‬وتألفت‬
‫ل على‬ ‫المواكب‪ ،‬وشمل الناس سرور عظيم"]‪ [60‬مما د ّ‬
‫الشعبية الهائلة التي ل يزال المفتي يتمتع بها‪ .‬وتألفت الهيئة‬
‫العربية العليا لفلسطين في ‪ 12‬يونيو ‪ 1946‬بقرار من جامعة‬
‫الدول العربية‪ ،‬وعندما عاد الحاج أمين تولى رئاستها‪،‬‬
‫وأصبحت الهيئة الرسمية الممثلة للفلسطينيين‪ .‬لكن مشاكل‬
‫الحاج أمين مع حكومتي الردن والعراق أضعفت قدرته على‬
‫العمل والمناورة‪ ،‬هذا فضل ً عن وجوده في مصر التي كانت ل‬
‫تزال تحت بعض أشكال النفوذ البريطاني‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬استغل اليهود فترة الحرب العالمية الثانية‬
‫استغلل ً كبيرًا‪ ،‬وسعوا إلى المبالغة وتهويل ما حدث لهم في‬
‫ألمانيا وأوربا الشرقية‪ ،‬كسبا ً للعواطف والنصار‪ ،‬مؤكدين أنه‬

‫‪41‬‬
‫ل يوجد مكان آمن لحمايتهم‪ ،‬وأنه ل بديل لنجاتهم سوى إقامة‬
‫ول اليهود مركز تركيزهم‬ ‫وطنهم القومي في فلسطين‪ .‬وح ّ‬
‫ً‬
‫إلى القوة العظمى الصاعدة الوليات المتحدة‪ ،‬خصوصا منذ‬
‫مؤتمر بلتيمور ‪ Biltmore‬سنة ‪ ،1942‬وحصلوا على دعم‬
‫الحزبين الجمهوري والديموقراطي بإلغاء الكتاب البريطاني‬
‫البيض )مايو ‪ .(1939‬وعندما صعد "ترومان" لسدة الحكم‬
‫أظهر عطفا ً أكبر على الصهيونية‪ ،‬وطلب في ‪ 31‬أغسطس‬
‫‪ 1945‬من "إتلي" ‪ Attlee‬رئيس بريطانيا إدخال مائة ألف‬
‫يهودي إلى فلسطين‪ .‬وسعى اليهود إلى تجهيز أنفسهم‬
‫عسكريًا‪ ،‬وشارك ‪ 26‬ألفا ً من يهود فلسطين في الوحدات‬
‫اليهودية في الجيش البريطاني خلل الحرب العالمية‪ ،‬وكان‬
‫معظمهم أعضاء في منظمة "الهاغاناه"‪ ،‬حيث استفادوا خبرة‬
‫عسكرية‪ ،‬جعلتهم نواة الدولة اليهودية المنتظرة‪ .‬وهاجر إلى‬
‫فلسطين خلل )‪ (1945-1939‬نحو ‪ 92‬ألف يهودي‪ ،‬كما‬
‫تمكن ‪ 61‬ألفا ً آخرين من الهجرة خلل الفترة )‪-1946‬‬
‫‪ ،(1948‬وحاز اليهود خلل )‪ (1947-1939‬نحو ‪ 270‬ألف‬
‫دونم من الراضي‪ ،‬وأنشأوا خلل الفترة )‪73 (1948-1940‬‬
‫مستعمرة جديدة‪ .‬وفي جو من الضغط اليهودي‪-‬المريكي‪،‬‬
‫والضعف العربي‪ ،‬قام البريطانيون بالتخلي رسميا ً عن الكتاب‬
‫البيض في البيان الذي أصدره وزير الخارجية "بيفن"‪Bevin‬‬
‫في ‪ 14‬نوفمبر ‪ .1945‬ودعا البيان أيضا ً إلى تشكيل لجنة‬
‫إنجلو‪-‬أمريكية للتحقيق في قضية فلسطين‪ ،‬وتقديم توصياتها‪،‬‬
‫مما أدخل المريكان بشكل مباشر في القضية‪ ،‬وقد أوصت‬
‫اللجنة سنة ‪ 1946‬بهجرة مائة ألف يهودي‪ ،‬وبحرية انتقال‬
‫الراضي وبيعها لليهود]‪.[61‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واتخذت قضية فلسطين ُبعدا دوليا عندما طلبت‬
‫بريطانيا من المم المتحدة في ‪ 2‬إبريل ‪ 1947‬إدراج القضية‬
‫ضمن جدول أعمالها‪ .‬ثم تشكلت لجنة تحقيق دولية خاصة‬
‫بفلسطين )انسكوب( ‪ UNSCOP‬لدراسة الوضع وتقديم تقرير‬
‫عنه‪ .‬وقد انتهت من وضع تقريرها في ‪ 31‬أغسطس ‪،1947‬‬
‫صت توصياتها المتحيزة على‪:‬إنهاء النتداب البريطاني على‬ ‫ون ّ‬
‫فلسطين وتقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين عربية‬
‫ويهودية‪ ،‬مع وضع القدس تحت وصاية دولية]‪ .(62‬وفي‬
‫مؤتمر صوفر ‪ 6‬سبتمبر ‪ ،1947‬وعاليه ‪ 15-7‬أكتوبر ‪،1947‬‬
‫قررت الدول العربية مقاومة اقتراحات اللجنة الدولية‪،‬‬

‫‪42‬‬
‫وتقديم المعونة من رجال وسلح لهل فلسطين‪ ،‬واتخاذ‬
‫"احتياطات عسكرية" وتنظيم العمل العسكري‪.‬‬
‫وفي ‪ 29‬نوفمبر ‪ 1947‬أصدرت الجمعية العامة للمم‬
‫المتحدة قرارها المشئوم رقم ‪ 181‬بتقسيم فلسطين إلى‬
‫دولتين عربية ويهودية‪ ،‬وحاز أغلبية الثلثين بضغط أمريكي‬
‫ودعم روسي قوي‪ .‬ول بد من الشارة هنا إلى أن قرارات‬
‫الجمعية العامة ليست قرارات ملزمة‪ ،‬حتى ضمن مواثيق‬
‫المم المتحدة نفسها‪ .‬والقرار نفسه مخالف للساس الذي‬
‫قامت عليه المم المتحدة من حقوق الشعوب في الحرية‬
‫ي أساسا ً‬‫وتقرير مصيرها بنفسها‪ .‬ثم إن شعب فلسطين المعن ِ ّ‬
‫بالمر لم تتم استشارته ول استفتاؤه‪ .‬هذا‪ ،‬فضل ً عن الظلم‬
‫الفاضح الذي تضمنته تفصيلت القرار من إعطاء نحو ‪%54‬‬
‫من أرض فلسطين لقلية يهودية دخيلة مهاجرة تمثل ‪%31.7‬‬
‫من السكان ول تملك أكثر من ‪ %6.5‬من الرض‪.‬‬
‫تطور أعداد السكان في فلسطين تحت الحتلل البريطاني‪:‬‬
‫العرب‬
‫اليهود‬
‫السنة‬
‫العدد‬
‫النسبة‬
‫العدد‬
‫النسبة‬
‫‪1918‬‬
‫‪600.000‬‬
‫‪91.6%‬‬
‫‪55.000‬‬
‫‪8.4%‬‬
‫‪1948‬‬
‫‪1.390.000‬‬
‫‪68.3%‬‬
‫‪646.000‬‬
‫‪31.7%‬‬
‫تطور نسبة ملكية الراضي في فلسطين تحت الحتلل‬
‫البريطاني‪:‬‬

‫‪43‬‬
‫حرب ‪1948‬م وانعكاساتها ‪:-‬‬
‫وقد اندلعت الحرب فور صدور قرار التقسيم‪ ،‬وتحمل أبناء‬
‫فلسطين أعباءها في الشهر الستة الولى‪ ،‬بمساعدة عدد‬
‫محدود من المتطوعين‪ ،‬إذ رفضت الدول العربية إرسال‬
‫جيوشها إلى أن تخرج بريطانيا في ‪ 15‬مايو ‪ .1948‬وش ّ‬
‫كل‬
‫الفلسطينيون جيش "الجهاد المقدس" بقيادة عبد القادر‬
‫كلت الجامعة العربية "جيش النقاذ" من‬ ‫الحسيني‪ ،‬كما ش ّ‬
‫متطوعي البلد العربية والسلمية‪ .‬وقد عانى أبناء فلسطين‬
‫من هزالة الدعم العربي بالسلح والعتاد لدرجة مأساوية‪ ،‬ومع‬
‫ذلك تمكنوا من إثارة قلق اليهود ورعبهم فترة طويلة‪ ،‬ووصل‬
‫المر بالوليات المتحدة للتفكير الجدي بالتراجع عن فكرة‬
‫التقسيم في مارس ‪ .1948‬وحتى دخول الجيوش العربية‬
‫تمكن الفلسطينيون من المحافظة على نحو ‪ %82‬من أرض‬
‫فلسطين رغم النقص المريع في كل شيء قياسا ً باليهود‪،‬‬
‫ورغم تعاون البريطانيين – في أثناء انسحابهم ‪-‬مع اليهود‪.‬‬
‫وقد مّثل دخول الجيوش العربية السبعة قصة مأساة أخرى‪،‬‬
‫فلم يزد عدد مقاتليها مجتمعة عن ‪ 24‬ألفا ً مقابل أكثر من ‪70‬‬
‫ألف يهودي‪ ،‬وعانت من ضعف التنسيق بينها‪ ،‬وجهلها بالرض‪،‬‬
‫ومن أسلحتها القديمة والفاسدة‪ ،‬وشغل بعضها أنفسهم بنـزع‬
‫أسلحة الفلسطينيين بدل ً من تسليحهم‪ ،‬كما عانى بعضها من‬
‫سوء قياداته‪ ،‬فضل ً عن أن أحد هذه الجيوش كان بين ضباطه‬
‫الخمسين الكبار ‪ 45‬بريطانيا وفضل ً عن الستقلل الحديث‬
‫لبعض الدول العربية‪ ،‬وقلة خبرة جيوشها‪ ،‬فإن بعض هذه‬
‫الدول كان ل يزال عمليا ً تحت النفوذ الستعماري البريطاني]‬
‫‪.[63‬‬
‫لقد كانت حماسة أبناء فلسطين وأبناء الشعوب العربية‬
‫والسلمية هائلة نحو الجهاد والبذل والتضحية‪ ،‬ولكن القيادات‬
‫السياسية والجيوش كانت عامل إحباط وفشل كبير‪ .‬وعلى‬
‫سبيل المثال فقد شارك الخوان المسلمون في مصر بجهود‬
‫كبيرة لنقاذ فلسطين‪ ،‬وتطوع الشهيد حسن البنا في أكتوبر‬

‫‪44‬‬
‫‪ 1947‬بدماء عشرة آلف من الخوان كدفعة أولى للمعركة‪.‬‬
‫لكن الحكومة المصرية ضّيقت الخناق عليهم‪ ،‬ومنعتهم من‬
‫السفر إل بشكل محدود جدًا‪ .‬ومع ذلك فإن المئات الذين‬
‫استطاعوا المشاركة في المعارك‪ ،‬وقاموا فيها بأدوار‬
‫بطولية‪،‬كان مصيرهم العتقال والسجون قبل عودتهم إلى‬
‫ل جماعة الخوان المسلمين قبل أن تنتهي‬ ‫مصر‪ ،‬وتم ح ّ‬
‫المعارك في ديسمبر ‪ ،1948‬وقامت المخابرات المصرية‬
‫باغتيال حسن البنا نفسه في ‪ 11‬فبراير ‪ ،1949‬قبيل قليل‬
‫من توقيعها اتفاقية الهدنة مع الكيان الصهيوني‪ .‬كما شارك‬
‫الخوان المسلمون من الردن وسوريا والعراق ليمثلوا صورة‬
‫وضيئة للندفاع الشعبي للتضحية والجهاد‪.‬وهذا ل يقلل من‬
‫قيمة البطولت التي قدمها الخرون‪ ،‬أمثال رجال الجهاد‬
‫المقدس‪ .‬هذا بالضافة إلى مشاركة الكثير من العرب في‬
‫جيش النقاذ‪ ،‬بل ومشاركة نحو ‪ 250‬بوسنيا ً في هذه الحرب‬
‫دفاعا ً عن فلسطين‪.‬وكان من المشاهد التي آلمت أبناء‬
‫فلسطين أن تقوم بعض الجيوش العربية بنزع أسلحتهم بدل ً‬
‫من تسليحهم !!كما كان من المشاهد التي آلمت الجندي‬
‫العربي أن يسّلم أسلحة قديمة أو فاسدة تنفجر أحيانا ً في‬
‫وجهه عندما يستخدمها !!‬
‫أعلن اليهود دولتهم "إسرائيل" في مساء ‪ 14‬مايو ‪،1948‬‬
‫وتمكنوا مع نهاية الحرب من هزيمة الجيوش العربية‪ ،‬ومن‬
‫الستيلء على نحو ‪ %78‬من أرض فلسطين‪ ،‬أما‬
‫الفلسطينيون فقد أعلنوا حكومة عموم فلسطين في مؤتمر‬
‫غزة في أكتوبر ‪ ،1948‬غير أن الحكومات العربية التي تملك‬
‫جيوشا ً على أرض فلسطين لم تمكنها من ممارسة سلطاتها‪،‬‬
‫بل وُأجبر الحاج أمين الحسيني على مغادرة غزة تحت تهديد‬
‫السلح المصري‪.‬‬
‫وكان من النتائج المباشرة لحرب ‪ 1948‬قيام العصابات‬
‫اليهودية‪-‬الصهيونية بتشريد حوالي ‪ %60‬من الشعب‬
‫شّرد بالقوة حوالي ‪ 800‬ألف من‬ ‫الفلسطيني من أرضهم ) ُ‬
‫أصل مليون و ‪ 390‬ألفًا( إلى خارج الرض التي أقام اليهود‬
‫عليها كيانهم‪ ،‬بينما شّردوا ثلثين ألفا ً آخرين إلى مناطق‬
‫مر الصهاينة ‪478‬‬ ‫أخرى في داخل الرض المحتلة نفسها‪ .‬ود ّ‬
‫قرية من أصل ‪ 585‬قرية كانت قائمة قبل الحرب‪ ،‬وارتكبوا‬
‫‪ 34‬مجزرة خلل حرب ‪ 1948‬بمدنيين فلسطينيين في أثناء‬
‫عملية التهجير‪ ،‬وكان من أشهرها مذبحة دير ياسين في ‪9‬‬

‫‪45‬‬
‫إبريل ‪ 1948‬التي اعترف الصهاينة أنفسهم بقتلهم وذبحهم لـ‬
‫ل]‪.[64‬‬‫‪ 254‬رجل ً وامرأة وطف ً‬
‫لقد مزقت حرب ‪ 1948‬النسيج الجتماعي والقتصادي‬
‫للشعب الفلسطيني‪ ،‬الذي وجد نفسه مشردا ً في العراء‪ ،‬بعد‬
‫أن استقر في بلده طوال أربع آلف وخمسمائة سنة ماضية‪.‬‬
‫وكان على هذا الشعب المسلم أن ُيذبح وُيدمر ليدفع ثمن‬
‫حماقات الوربيين تجاه اليهود‪ ،‬وكان عليه أن ُيطرد تنفيذا ً‬
‫لرغبات قوى الستكبار و" الصليبية" الدولية المتعاطفة مع‬
‫وا كيانهم على بحر‬ ‫اليهود‪ ،‬ولم يكن الصهاينة اليهود الذين بن َ ْ‬
‫من دماء الفلسطينيين وآلمهم ومعاناتهم ليشعروا بالثم أو‬
‫وخز الضمير‪ ،‬وكان أولى بهم أن يستشعروا معاناة الخرين‪،‬‬
‫دعونه من ظلم حاق بهم‪ ،‬أقاموا الدنيا ولم يقعدوها‬ ‫لما ي ّ‬
‫بسببه‪ ،‬رغم أنهم لم يضمدوا جراحهم بعد من مذابح اللمان‪،‬‬
‫ومن "لسامية" الروس‪ .‬ويعترف موشية دايان الذي تولى‬
‫مناصب رئاسة أركان الجيش "السرائيلي" ووزارة الدفاع‬
‫ووزارة الخارجية وكان عالما ً بالثار أنه "ليست هناك قرية‬
‫يهودية واحدة في هذه البلد لم يتم بناؤها فوق موقع لقرية‬
‫عربية"]‪ .[65‬إنه الجرام المنظم مع سبق الصرار والترصد‪،‬‬
‫ولم يشفع للكيان الصهيوني أن المم المتحدة اتخذت أكثر‬
‫من ‪ 110‬قرارات حتى الن بعودة اللجئين إلى أرضهم‪،‬‬
‫والذي وصل عددهم الن) سنة ‪ (2000‬إلى نحو خمسة‬
‫مليين من أبناء فلسطين المحتلة ‪ ،1948‬فضل ً عن أكثر من‬
‫مليون آخرين من أبناء الضفة والقطاع محرومون من العودة‬
‫إليها‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪----‬‬
‫]‪ [43‬انظر حول ما سبق في‪ :‬الكيالي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪ ،105-104‬وص ‪.198-134‬‬
‫]‪ [44‬حول هذه الثورات الثلث انظر‪ :‬محسن محمد صالح‪،‬‬
‫التيار السلمي في فلسطين وأثره في حركة الجهاد ‪-1917‬‬
‫‪) 1948‬الكويت‪ :‬مكتبة الفلح‪ ،(1988 ،‬ص ‪.191-165‬‬
‫‪Palestine‬‬ ‫]‪ [45‬انظر‪ :‬تقرير بيل‪ ،‬ص ‪ ،266‬وأيضًا‪:‬‬
‫‪Government, A Survey of Palestine, prepared in Dec. 1945‬‬
‫‪& Jan. 1946 (Jerusalem: Government Printer, 1946), Vol. 1,‬‬
‫‪.p.141, p.185, p.224‬‬

‫‪46‬‬
‫]‪ [46‬انظر‪ :‬بيان الحوت‪ ،‬القيادات والمؤسسات السياسية‬
‫في فلسطين ‪) 1948-1917‬بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات‬
‫الفلسطينية‪ ،(1981 ،‬ص ‪ ،314-301‬وكامل خلة‪ ،‬فلسطين‬
‫والنتداب البريطاني ‪) 1939-1922‬طرابلس )ليبيا(‪ :‬المنشأة‬
‫العامة للنشر والتوزيع والعلن‪ ،(1982 ،‬ص ‪.521-517‬‬
‫]‪ [47‬زهير المارديني‪ ،‬ألف يوم مع الحاج أمين الحسيني‬
‫)بيروت‪ :‬د‪.‬ن‪ ،(1980 ،‬ص ‪.77‬‬
‫]‪Appreciation of Arab Feeling as affecting Palestine, [48‬‬
‫‪Memorandum by H.R. Rice Submitted to the Chief‬‬
‫‪.Secretary, &Sep. 1933, Secret, Colonial office 733/257/11‬‬
‫]‪Palestine: Report on Immigration, Land Settlement and [49‬‬
‫‪Development, by Sir J.H. Simpson, 1930, Cmd.3686‬‬
‫‪.(London: His Majesty Stationary Office, 1930), pp.141-153‬‬
‫]‪ [50‬اشتهر الكتاب البيض باسم كتاب باسفيلد البيض‬
‫‪ ،Passfield White Paper‬أما الكتاب السود فهو رسالة رئيس‬
‫الوزراء البريطاني ماكدونالد ‪ R. MacDonald‬إلى حاييم‬
‫وايزمن رئيس المنظمة الصهيونية العالمية‪ ،‬وقرأها في‬
‫مجلس العموم البريطاني في ‪ 13‬فبراير ‪.1931‬‬
‫]‪ [51‬الكيالي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.229‬‬
‫]‪[52‬انظر‪ :‬بيان الحوت‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،216‬و ‪،247-246‬‬
‫و ‪.873-872‬‬
‫]‪[53‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ ،295-294‬ووثائق الحركة الوطنية‬
‫الفلسطينية ‪ :1939-1981‬من أوراق أكرم زعيتر‪ ،‬أعدتها‬
‫للنشر بيان الحوت‪ ،‬ط ‪) 2‬بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات‬
‫الفلسطينية‪ ،(1984 ،‬ص ‪.391-381‬‬
‫]‪[54‬انظر‪ :‬محسن محمد صالح‪ ،‬القوات العسكرية والشرطة‬
‫في فلسطين ‪) 1939-1917‬عمان‪ :‬دار النفائس‪،(1996 ،‬‬
‫ص ‪.418-408‬‬
‫]‪[55‬انظر بالتفصيل حول هذه الحركة في‪ :‬محسن صالح‪،‬‬
‫التيار السلمي في فلسطين‪ ،‬ص ‪.327-229‬‬
‫]‪ [56‬انظر‪ :‬أميل الغوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.235-232‬‬
‫]‪[57‬حول الثورة الكبرى‪ ،‬انظر‪ :‬الكيالي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪ ،300-260‬ومحسن صالح‪ ،‬القوات العسكرية والشرطة في‬
‫فلسطين‪ ،‬ص ‪.618-437‬‬
‫]‪[58‬انظر‪ :‬الكيالي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،302-300‬وخلة‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.743-733‬‬

‫‪47‬‬
‫]‪[59‬انظر‪ :‬فلح خالد علي‪ ،‬فلسطين والنتداب البريطاني‬
‫‪) 1948-1939‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية للـدراسات والنشر‪،‬‬
‫‪ ،(1980‬ص ‪ ،111-107‬وزهير المارديني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪ ،162-157‬وص ‪ ،171‬وص ‪ ،202-200‬وص ‪ ،241‬وص‬
‫‪.243‬‬
‫]‪ [60‬خليل السكاكيني‪ ،‬كذا أنا يا دنيا‪ ،‬ط ‪]) 2‬دمشق[‪ :‬التحاد‬
‫العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين‪ ،(1982 ،‬ص ‪.367‬‬
‫]‪ [61‬حول هذه الفقرة‪ ،‬انظر‪ :‬فلح علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪ ،141‬وص ‪ ،181‬وص ‪ ،197-195‬وص ‪ ،205-203‬وحرب‬
‫فلسطين ‪) 1948-1947‬الرواية السرائيلية الرسمية(‪ ،‬ص‬
‫‪ ،26‬وص ‪.87‬‬
‫]‪ [62‬فلح علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪250-248‬‬
‫]‪ [63‬حول حالة الجيوش العربية وسلوكها في حرب ‪،1948‬‬
‫ل‪ :‬عارف العارف‪ ،‬النكبة‪ :‬نكبة بيت المقدس‬ ‫انظر مث ً‬
‫والفردوس المفقود ‪) 1951-1947‬صيدا‪-‬بيروت‪ :‬المكتبة‬
‫العصرية‪ ،(1954 ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،342‬وج ‪ ،6‬ص ‪ ،225‬ومحمد‬
‫عزة دروزة‪ ،‬فلسطين وجهاد الفلسطينيين )القاهرة‪ :‬دار‬
‫الكتاب العربي‪ ،(1959 ،‬ص ‪ .89-80‬كما تحدث عن ذلك‬
‫بإسهاب ‪:‬صالح أبو يصير في كتابه جهاد شعب فلسطين‪.‬‬
‫]‪[64‬انظر‪ :‬مقال إبراهيم أبو جابر "المجتمع العربي في‬
‫إسرائيل" في المدخل إلى القضية الفلسطينية‪ ،‬تحرير جواد‬
‫الحمد‪ ،‬سلسلة دراسات‪ ،‬رقم ‪) 21‬عمان‪ :‬مركز دراسات‬
‫الشرق الوسط‪ ،(1997 ،‬ص ‪ ،427‬وأيضا ً‬
‫‪Salman Abu Sitta, Palestinian Right to Return (London:‬‬
‫‪The Palestinian Return Center, 1999), p. 16 & p.27.‬‬
‫‪ (65‬كليفورد رايت‪ ،‬حقائق وأباطيل في الصراع العربي‬
‫السرائيلي‪ ،‬ترجمة عبد الله عريقات وعبد الله عّياد‪) ،‬عمان‪:‬‬
‫دار الناصر‪ ،(1992 ،‬ص ‪ ،85‬نقل ً عن جريدة الجارديان‬
‫‪Guardian The‬البريطانية في عدد‬

‫‪48‬‬
‫فلسطين لدى الجامعة العربية في ‪1963‬م‪-:‬‬
‫وبدعم من عبد الناصر‪ ،‬تم اختيار أحمد الشقيري‬
‫ممثل ً لفلسطين مكان عبد الباقي‪ ،‬وك ُّلف بدراسة القضية‬
‫الفلسطينية وسبل تحريكها وتنشيطها‪ .‬وعندما انعقد مؤتمر‬
‫القمة العربي الول في القاهرة في ‪ 13‬يناير ‪ ،1964‬تقرر‬
‫تكليف الشقيري بالتصال بالدول العضاء والشعب‬
‫الفلسطيني‪" ،‬بغية الوصول إلى القواعد السليمة لتنظيم‬
‫الشعب الفلسطيني‪ ،‬وتمكينه من القيام بدوره في تحرير‬
‫وطنه‪ ،‬وتقرير مصيره"‪ .‬ولم يقم الشقيري بتقديم تقرير‬
‫للجامعة حول السبل المقترحة؛ لقناعته بأنه سيكون عرضة‬
‫لمزيد من المدارسة والتأجيل‪ ،‬فقرر وضع البلد العربية أمام‬
‫المر الواقع‪ .‬فقام بدعم مصري بإنشاء منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية)م‪.‬ت‪.‬ف‪ ،(.‬حيث انعقد المجلس الوطني‬
‫الفلسطيني الول في القدس في ‪ 28‬مايو‪/‬أيار ‪1964‬‬
‫بحضور ‪ 422‬ممثل ً للفلسطينيين‪ ،‬وبرعاية الملك حسين ملك‬
‫الردن‪ ،‬وأعلن ميلد المنظمة رسميًا‪ ،‬وصودق على الميثاق‬
‫القومي الفلسطيني الذي أكد على الكفاح المسلح لتحرير كل‬
‫فلسطين‪ ،‬وعدم التنازل عن أي جزء منها‪ ،‬وانُتخب أحمد‬
‫الشقيري رئيسا ً للمنظمة‪ .‬وقد قررت م‪.‬ت‪.‬ف تشكيل جيش‬
‫التحرير الفلسطيني‪ ،‬كما قامت بعدد من الجهود التعبوية‬
‫والعلمية‪ .‬ورحب الفلسطينيون بشكل عام بإنشاء م‪.‬ت‪.‬ف‬
‫باعتبارها تمثيل ً للكيانية الفلسطينية والهوية الوطنية التي‬

‫‪49‬‬
‫جرى تغييبها سابقًا‪ .‬وإن كان البعض مثل حركة "فتح" قد‬
‫شكك في خلفيات إنشائها‪ ،‬وقدرتها على القيام بواجباتها]‬
‫‪.[72‬‬
‫حرب حزيران‪/‬يونيو ‪1967‬وانعكاساتها‪-:‬‬
‫وفي ‪ 5‬يونيو ‪ 1967‬اندلعت الحرب العربية‪-‬السرائيلية‪ ،‬بعد‬
‫حالة من التصعيد المتبادل‪ ،‬قامت فيه مصر بإغلق مضائق‬
‫تيران في البحر الحمر‪ ،‬وطلبت من مراقبي المم المتحدة‬
‫على حدودها المغادرة‪ ،‬وأعلنت البلد العربية استعدادها‬
‫لمعركة المصير وتحرير فلسطين‪ .‬لكن القوات السرائيلية‬
‫قامت في صباح ‪ 5‬يونيو‪/‬حزيران بتدمير الطيران في‬
‫المطارات المصرية والردنية والسورية‪ ،‬وفي غضون ستة‬
‫أيام كان المر قد انتهى بكارثة عربية جديدة‪ ،‬فاحتل الصهاينة‬
‫باقي فلسطين )الضفة الغربية ‪5878‬كم ‪2‬وقطاع غزة‬
‫‪363‬كم ‪ (2‬وصحراء سيناء المصرية ‪61198‬كم ‪ 2‬ومرتفعات‬
‫الجولن السورية ‪1150‬كم ‪ .2‬ودخل الجنود اليهود بيت‬
‫المقدس والمسجد القصى وهم يهزجون "حط المشمش‬
‫عالتفاح …دين محمد وّلى وراح"‪ ،‬و"محمد مات … خّلف‬
‫بنات" ويصرخون "يا لثارات خيبر…"‪ ،‬وصحت الجماهير‬
‫العربية والسلمية على هول كارثة لم تدر بخلدها‪ ،‬واكتشفوا‬
‫مدى الزيف والخداع والوهام التي غذتهم بها النظمة العربية‬
‫طوال التسعة عشر سنة السابقة‪ .‬فقد تم تدمير سلح‬
‫ً‬
‫الطيران المصري والسوري والردني وهو ل يزال قابعا في‬
‫مدرجاته‪ .‬وتم تدمير ‪ %80‬من أعتدة الجيش المصري‪.‬‬
‫واستشهد حوالي عشرة الف مقاتل مصري و ‪ 6094‬مقاتل ً‬
‫أردنيا ً وألف مقاتل سوري‪ ،‬فضل ً عن الجرحى‪.‬‬
‫وكان من نتائج هذه الحرب تشريد ‪ 330‬ألف فلسطيني‬
‫آخرين‪ ،‬وخفوت نجم جمــال عبد الناصر‪ ،‬وضعف الثقة‬
‫بالنظمة العربية‪ ،‬وسعي الفلسطينيين إلى أخذ زمام المبادرة‬
‫بأيديهم‪ ،‬ونمو الحركة الوطنية الفلسطينية أكثر وأكثر‪ .‬غير أن‬
‫أحد أبرز النتائج المؤسفة قد أصبح تركيز النظمة العربية ـ بل‬
‫و م‪.‬ت‪.‬ف فيما بعد ـ على استعادة الرض المحتلة ‪1967‬‬
‫)الضفة والقطاع( أي ‪ %23‬من أرض فلسطين‪ ،‬والستعداد‬
‫الضمني للتنازل عن الرض المحتلة سنة ‪ ،1948‬والتي قامت‬
‫كل هذه الحروب والمنظمات أساسا ً لتحريرها‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪-----‬‬

‫‪50‬‬
‫]‪.See Files: F.O. 371/111077, 111098-111100 [66‬‬
‫]‪ [67‬الموسوعة الفلسطينية‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.504-502‬‬
‫]‪ [68‬المرجع نفسه‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.398-393‬‬
‫]‪[69‬انظر‪ :‬عبد الله أبو عزة‪ ،‬مع الحركة السلمية في الدول‬
‫العربية )الكويت‪ :‬دار القلم‪ ،(1986 ،‬ص ‪ ،96-71‬ومحسن‬
‫صالح‪ ،‬الطريق إلى القدس‪ ،‬ط ‪) 3‬لندن‪ :‬فلسطين المسلمة‪،‬‬
‫‪ ،(1998‬ص ‪.163-160‬‬
‫]‪[70‬صلح خلف‪ ،‬فلسطين بل هوية‪ ،‬ط ‪) 2‬عمان‪ :‬دار الجليل‬
‫للنشر‪ ،(1996 ،‬ص ‪.83-75‬‬
‫]‪[71‬فوزي تيم ‪"،‬القوى السياسية الفلسطينية‪ "،‬في المدخل‬
‫إلى القضية الفلسطينية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.358-357‬‬
‫]‪[72‬حول م‪.‬ت‪.‬ف انظر‪ :‬أسعد عبد الرحمن‪ ،‬منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية )نيقوسيا‪ :‬مركز البحاث‪ ،(1985 ،‬والموسوعة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪325-313‬‬

‫‪51‬‬
‫بروز الهوية الفلسطينية ‪:-‬‬
‫اضطرت النظمة العربية تفاديا ً لموجات السخط الشعبي‪،‬‬
‫وتجاوزا ً لحالة الحباط الناتجة عن حرب ‪ ،1967‬إلى إفساح‬
‫المجال للعمل الفدائي الفلسطيني‪ ،‬الذي استطاع أن يبني‬
‫قواعد قوية وواسعة في الردن ولبنان‪ .‬واستطاعت‬
‫التنظيمات الفدائية الفلسطينية بقيادة فتح الوصول إلى قيادة‬
‫م‪.‬ت‪.‬ف‪ ،‬التي أصبحت برئاسة ياسر عرفات منذ‬
‫فبراير‪/‬شباط ‪ .1969‬وبرز خط الكفاح الشعبي المسلح‬
‫وحرب العصابات‪ ،‬واكتسبت الشخصية الوطنية الفلسطينية‬
‫زخما ً كبيرًا‪ .‬وتمكنت م‪.‬ت‪.‬ف في مؤتمر الزعماء العرب في‬
‫الرباط في تشرين أول‪/‬أكتوبر ‪ 1974‬من الحصول من الدول‬
‫العربية على العتراف بها ممثل ً شرعيا ً وحيدا ً للشعب‬
‫الفلسطيني‪ .‬وفي الشهر التالي حققت انتصارا ً سياسيا‪ً،‬‬
‫عندما ُدعي ياسر عرفات للقاء خطابه في مقر المم‬
‫المتحدة بنيويورك‪ ،‬وتم قبول م‪.‬ت‪.‬ف عضوا ً مراقبًا‪ .‬ولم تعد‬
‫المم المتحدة تتعامل مع قضية فلسطين كقضية لجئين‬
‫فقط‪ ،‬كما حدث طوال العشرين سنة الماضية‪ ،‬وإنما أخذت‬
‫منذ ‪ 10‬ديسمبر‪/‬كانون أول ‪ 1969‬تعترف بوجود الشعب‬
‫الفلسطيني‪ ،‬وأصدرت قرارات في السبعينيات تؤيد حق‬
‫شعب فلسطين في تقرير مصيره‪ ،‬بل واتخاذ كافة السبل‬
‫المشروعة لنيل حقوقه‪ ،‬ومنها الكفاح المسلح‪ .‬ومنذ ‪1974‬م‬
‫عادت قضية فلسطين لتدرج بندا ً مستقل ً على جدول أعمال‬
‫المم المتحدة لول مرة منذ الربعينيات‪ .‬وكان أحد أهم‬
‫القرارات المتخذة القرار رقم ‪ 3236‬الصادر في ‪22‬‬
‫نوفمبر‪/‬تشرين ثاني ‪ ،1975‬ويحمل عنوان قرار حقوق‬
‫الشعب الفلسطيني‪ ،‬وفيه يؤيد حقه في تقرير مصيره دون‬
‫تدخل خارجي‪ ،‬وحقه في الستقلل والسيادة الوطنيين‪ ،‬وحقه‬
‫في العودة إلى أرضه‪ ،‬وحقه في استعادة حقوقه بكل‬
‫الوسائل‪ ،‬وفقا ً لمقاصد ميثاق المم المتحدة ومبادئه‪ .‬ثم‬
‫توالت قرارات "الشرعية" الدولية المؤيدة للحق الفلسطيني‪،‬‬
‫ووجد الصهاينة أنفسهم في حالة حصار سياسي‪ ،‬خصوصا ً أن‬
‫المم المتحدة أخذت منذ سنة ‪ 1975‬تتخذ قرارات تعتبر‬
‫الصهيونية شكل ً من أشكال التفرقة العنصرية‪ .‬غير أن‬
‫الوليات المتحدة كانت دائما ً على استعداد للوقوف بجانب‬
‫الكيان الصهيوني‪ ،‬ونقض أي قرارات دولية ملزمة عبر‬
‫استخدامها حق النقض الفيتو]‪ .[73‬وهكذا فإن الكفاح‬

‫‪52‬‬
‫المسلح أجبر العالم على سماع صوت أبناء فلسطين‪ ،‬وفرض‬
‫عليهم احترامه‪ .‬لكن الضربات التي تلقتها المقاومة‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية‪ ،‬والضعف والتمزق العربي والسلمي‪ ،‬قلل من‬
‫إمكانات الستفادة الجدية من الدعم الدولي‪.‬‬
‫وإذا كان خط المكاسب الفلسطينية السياسية قد تصاعد‬
‫على الساحة العربية والدولية في هذه المرحلة‪ ،‬فإن خط‬
‫العمل الفدائي الفلسطيني المسلح‪ ،‬وخط الدعم العربي‬
‫الفاعل‪ ،‬اللذين شهدا صعودا ً في البداية‪ ،‬ما لبثا أن تراجعا‬
‫وانحسرا إلى مستويات متدنية ـ في النصف الثاني من هذه‬
‫المرحلة ـ بحيث أّثر سلبا ً على المكاسب السياسية نفسها‪.‬‬
‫الكفاح الفلسطيني المسّلح‪:‬‬
‫لقد كانت الفترة )‪ (1970-1967‬هي الفترة الذهبية للعمل‬
‫الفدائي الفلسطيني حيث كانت حدود الردن مع فلسطين‬
‫المحتلة )‪360‬كم( ومع لبنان )‪79‬كم( مفتوحة للعمليات‬
‫الفدائية‪ .‬وكانت معركة الكرامة في ‪21‬آذار‪ /‬مارس ‪1968‬‬
‫التي كّبدت الصهاينة خسائر فادحة نصرا ً معنويا ً وماديا ً‬
‫للمقاومة الفلسطينية‪ .‬فاندفع عشرات اللف للتطوع للقتال‪،‬‬
‫وقد تطور العمل الفدائي الفلسطيني من ‪ 12‬عملية شهريا ً‬
‫سنة ‪ 1967‬إلى ‪ 52‬عملية شهريا ً سنة ‪ 1968‬إلى ‪199‬‬
‫عملية شهريا ً سنة ‪ 1969‬إلى ‪ 279‬عملية شهريا ً في الشهر‬
‫الولى من عام ‪1970‬م‪ (74).‬لكن الصدامات العنيفة التي‬
‫حدثت بين الجيش الردني والمقاومة الفلسطينية في‬
‫سبتمبر‪ /‬أيلول ‪ 1970‬وفي يوليو‪ /‬تموز ‪ 1971‬أدت إلى‬
‫إخراج العمل الفدائي الفلسطيني من الردن‪ ،‬وحرمان‬
‫المقاومة من أهم ساحاتها‪ .‬غير أن المقاومة الفلسطينية‬
‫استطاعت أن ترسخ قاعدة نفوذها في لبنان‪ ،‬لكنها اضطرت‬
‫لخوض صراع عنيف مع الجيش اللبناني لتحقيق ذلك‪،‬‬
‫وانتزعت اتفاق القاهرة في نوفمبر‪ /‬تشرين الثاني ‪1969‬‬
‫ولها حق العمل المسلح عبر لبنان‪ .‬لكنها ما لبثت أن‬ ‫الذي يخ ّ‬
‫وجدت نفسها تدخل في مستنقع الحرب الهلية اللبنانية‪،‬‬
‫حيث استهدف التحالف الكتائبي الماروني الذي أشعل فتيل‬
‫الحرب في إبريل ‪ 1975‬التواجد الفلسطيني أساسًا‪ .‬وقد‬
‫استنزف هذا كثيرا ً من طاقات المقاومة الفلسطينية ودماء‬
‫أبنائها‪ ،‬ومصادر دعمها‪ ،‬وأضعف قدرتها على التركيز ضد العدو‬
‫الصهيوني حتى نهاية المرحلة التي نحن بصددها‪ .‬وتعدت هذه‬
‫المعاناة إلى معارك وحروب مع أطراف حليفة سابقة مثل‬

‫‪53‬‬
‫حركة "أمل" الشيعية‪ ،‬التي قامت بحصار مرير للمخيمات‬
‫الفلسطينية لكثر من سنتين )‪ .(1987-1985‬وفوق ذلك فإن‬
‫مصر وسوريا أغلقتا حدودهما في وجه المقاومة الفلسطينية‪،‬‬
‫وهذا جعل العمل الفدائي الفلسطيني من الخارج باتجاه‬
‫فلسطين أشبه بالمستحيل‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن الكيان‬
‫الصهيوني استخدم أساليب النتقام الشرسة من المناطق‬
‫التي تؤوي العمل الفدائي‪ ،‬سواء في الردن أو لبنان‪ ،‬وبالغ‬
‫في النتقام من المدنيين البرياء‪ ،‬وتدمير البنية التحتية من‬
‫مصانع وجسور ومحطات كهرباء ومحاصيل زراعية وغيرها‪.‬‬
‫وفي لبنان قام الصهاينة بحملت مكثفة على منطقة العرقوب‬
‫)‪ ،(1972-1970‬واغتالوا ثلثة من قادة م‪.‬ت‪.‬ف في‬
‫نيسان‪/‬إبريل ‪ ،1973‬وقاموا بحملة اجتياح واسعة للجنوب‬
‫اللبناني في مارس‪/‬آذار ‪ ،1978‬نجحوا على إثرها في إنشاء‬
‫حزام أمني لهم داخل الحدود اللبنانية بقيادة سعد حداد‪ ،‬الذي‬
‫قاد جيش لبنان الجنوبي العميل للصهاينة‪ .‬وفي معركة‬
‫الشقيف ‪ 19‬آب‪/‬أغسطس ‪ 1980‬حققت المقاومة‬
‫الفلسطينية نجاحا ً كبيرا ً ضد الهجوم الصهيوني‪ .‬وكان اجتياح‬
‫الجيش الصهيوني للبنان في صيف ‪ 1982‬هو الضخم‬
‫والعنف‪ ،‬وقد تمكن من اجتياح الجنوب بسهولة وسرعة‬
‫نسبية‪ ،‬غير أنه توقف عند أسوار بيروت حوالي ثمانين يومًا‪،‬‬
‫حيث واجهته المقاومة الفلسطينية وحلفاؤها بمقاومة عنيفة‪،‬‬
‫وتضحيات كبيرة‪ ،‬في الوقت الذي كان العالم العربي‬
‫والسلمي والدولي يقف موقف المتفرج‪ .‬ورغم أن المقاتل‬
‫الفلسطيني أثبت شجاعته وكفاءته‪ ،‬ورغم أن الصهاينة فشلوا‬
‫في سحق الفدائيين وقيادتهم‪ ،‬إل أنهم نجحوا في تدمير‬
‫معظم البنية التحتية للعمل الفدائي الفلسطيني‪ .‬وُأجبر أكثر‬
‫من ستة آلف فدائي فلسطيني على الخروج من لبنان ـ وفق‬
‫تسوية وقف إطلق النار ـ إلى معسكرات بعيدة في اليمن‬
‫ضّيق الخناق على أية‬‫وتونس والجزائر والسودان‪ .‬وهكذا ُ‬
‫مقاومة فلسطينية محتملة من خارج فلسطين‪.‬‬
‫ونتيجة لما سبق‪ ،‬فإن معدل العمليات الفدائية من الخارج قد‬
‫انخفض في السبعينيات‪ ،‬وتراجع إلى حدود متواضعة جدا ً في‬
‫الثمانينيات‪ .‬غير أنه تم تنفيذ عدد من العمليات النوعية التي‬
‫تجدر الشارة إليها‪ ،‬مثل عملية سافوي التي نفذتها حركة فتح‬
‫في تل أبيب في ‪ 6‬آذار‪ /‬مارس ‪ ،1975‬وأدت إلى مقتل‬
‫خمسين جنديا ً وخمسين مدنيًا‪ ،‬وعملية كمال عدوان التي‬

‫‪54‬‬
‫نفذتها فتح أيضا ً في ‪ 11‬آذار‪ /‬مارس ‪ ،1978‬التي أدت إلى‬
‫مقتل ‪ 37‬وجرح ‪ 82‬صهيونيًا‪ .‬وبرزت الجبهة الشعبية لتحرير‬
‫فلسطين في مجال اختطاف الطائرات خصوصا ً سنة ‪،1970‬‬
‫وفي الهجوم على مطار اللد في ‪ 30‬مايو‪ /‬أيار ‪ ،1972‬مما‬
‫أدى إلى مقتل ‪ 31‬وجرح ‪ 80‬آخرين‪ .‬ونفذت الجبهة الشعبية‪-‬‬
‫القيادة العامة عملية الخالصة في ‪ 11‬نيسان‪ /‬إبريل ‪]1974‬‬
‫‪ ،[75‬كما نفذت الجبهة نفسها عملية الطائرة الشراعية في‬
‫تشرين الثاني‪ /‬نوفمبر ‪ .1987‬وهكذا‪ ،‬فمنذ عام ‪ 1982‬أدى‬
‫النهـاك العسـكري لـ م‪.‬ت‪.‬ف إلى استضعاف سياسي‪،‬‬
‫وكسب أنصار تيار "الواقعية" فيها دفعات جديدة باتجاه تبّني‬
‫الحلول السلمية‪ .‬والحقيقة أن م‪.‬ت‪.‬ف بدأت ُتغّير من خطابها‬
‫السياسي منذ فترة مبكرة‪ ،‬فدعت في أواخر الستينيات إلى‬
‫إقامة الدولة العلمانية الديمقراطية التي تضم الفلسطينيين‬
‫واليهود‪ ،‬متنازلة عن ضرورة عودة المهاجرين اليهود إلى‬
‫بلدهم‪ .‬ثم تبّنت برنامج النقاط العشر سنة ‪ ،1974‬الذي‬
‫يفسح المجال للعمل السياسي كأحد وسائل تحرير فلسطين‪،‬‬
‫بعد أن كان الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحريرها‪،‬‬
‫وكثر الحديث بعد ذلك عن الحلول المرحلية وإقامة الدولة‬
‫الفلسطينية على أي جزء من فلسطين يتم تحريره )أو‬
‫استرجاعه بطرق أخرى(‪ .‬وكانت موافقة م‪.‬ت‪.‬ف على‬
‫مشروع التسوية العربي )مشروع فاس( سنة ‪ 1982‬تنازل ً‬
‫كبيرا ً إذ تضمن اعترافا ً ضمنيا ً بالكيان الصهيوني وما اغتصبه‬
‫من معظم أراضي فلسطين سنة ‪ ،1948‬عندما وافقت على‬
‫حق جميع دول المنطقة في العيش بسلم )بما فيها الكيان‬
‫الصهيوني(‪ ،‬كما وافقت على الدخول في مفاوضات لتحقيق‬
‫التسوية]‪ .[76‬وواجهت م‪.‬ت‪.‬ف سنوات عجافا ً خلل )‪-1983‬‬
‫‪(1987‬انعكست على شكل تراجع في الداء النضالي‬
‫المسلح‪ ،‬وفي التأثير والفاعلية السياسية حتى في الوسط‬
‫العربي نفسه‪.‬‬
‫البلد العربية وقضية فلسطين ‪-:‬‬
‫أما من ناحية البلد العربية‪ ،‬فإن ترسيخ الهوية الوطنية‬
‫الفلسطينية وتمثيل م‪.‬ت‪.‬ف الشرعي الوحيد للفلسطينيين‬
‫ب ‪ -‬عمليا ً ‪ -‬في إزاحة أثقال المسئولية تجاه القضية‬
‫قد ص ّ‬
‫عن أكتافها‪ ،‬وتحميلها للفلسطينيين وحدهم‪ .‬وخفتت أصوات‬
‫"قومية المعركة" لتنحصر في الطار الفلسطيني الضّيق‪،‬‬
‫الذي كان عليه أن يواجه أعتى قوى العالم‪ .‬وأخذت مع الزمن‬

‫‪55‬‬
‫)خصوصا ً بعد ‪ (1973‬مسئولية البلدان العربية تنحصر في‬
‫الدعم السياسي والقتصادي‪ ،‬بل إن الدعم القتصادي نفسه‬
‫أخذ يضعف منذ الثمانينيات بعد أن سعت كل دولة إلى تقديم‬
‫أولوياتها المحلية‪ ،‬وبعد أن انشغلت الدول النفطية بمشاكلها‬
‫الناتجة عن انخفاض أسعار النفط‪ .‬ولم تسلم م‪.‬ت‪.‬ف من‬
‫مشاكل مع عدد من النظمة العربية‪ ،‬جعلتها أعجز عن القيام‬
‫بمهامها‪ ،‬فمشاكلها مع الساحة الوسع والهم الردن غطت‬
‫حقبة السبعينيات‪ ،‬ومشاكلها مع لبنان لم تهدأ طوال المرحلة‪،‬‬
‫ومشاكلها مع سوريا استعرت سنة ‪ ،1976‬ثم عادت للتصاعد‬
‫طرد ياسر عرفات من‬ ‫منذ عام ‪ 1983‬وما تله‪ ،‬عندما ُ‬
‫دمشق‪ ،‬وتمت محاولة القضاء على تواجد أنصاره في شمال‬
‫لبنان‪ ،‬وخصوصا ً مخيمات نهر البارد والبداوي في العام نفسه‪.‬‬
‫هذا بالضافة إلى حالة العداء مع أكبر قوة عربية مصر‬
‫)خصوصا ً الفترة ‪ (1983-1977‬بعد دخولها في مشروع‬
‫التسوية السلمية‪ ،‬وتوقيعها اتفاق كامب ديفيد‪ .‬بينما انشغل‬
‫العراق بحربه مع إيران )‪ (1988-1980‬ليفقد كثيرا ً من‬
‫فاعليته على الساحة…‪.‬لقد كان الموقف العربي في بداية‬
‫هذه المرحلة متصلبًا‪ ،‬فانعقد مؤتمر الخرطوم في يوليو‬
‫‪ ،1967‬وقرر الملوك والرؤساء والمراء العرب أن "ل صلح‪،‬‬
‫ول مفاوضات‪ ،‬ول استسلم" مع الصهاينة‪ ،‬ودخلت مصر‬
‫وسوريا في حرب استنـزاف مع الكيان الصهيوني‪.‬‬
‫وفي ‪ 6‬تشرين أول‪/‬أكتوبر ‪1973‬م اندلعت الحرب‬
‫العربية السرائيلية )حرب أكتوبر‪ /‬رمضان( شاركت فيها‬
‫سوريا ومصر ضد الصهاينة‪ ،‬وحقق الطرفان العربيان في‬
‫البداية بعض النجاحات‪ .‬وتمكن المصريون من الزحف نحو‬
‫الجناح الشرقي لقناة السويس والتوغل داخل سيناء‪ ،‬كما‬
‫تمكن السوريون من التوغل داخل الجولن‪ .‬لكن ما لبث‬
‫الصهاينة ـ مستفيدين من جسر جوي من الدعم المريكي ـ‬
‫أن أخذوا زمام المبادرة‪ ،‬فأحدثوا اختراقا ً في الجهة الغربية‬
‫لقناة السويس )ثغرة الدفرسوار(‪ ،‬كما استعادوا ما فقدوه‬
‫في الجولن‪ ،‬واحتلوا ‪ 39‬قرية سورية جديدة )ما عرف بجيب‬
‫سعسع(‪ .‬واعتبر التحسن النسبي في الداء العربي‪ ،‬وخسائر‬
‫الصهاينة الجسيمة في حرب أكتوبر كسرا ً لسطورة الجيش‬
‫الصهيوني الذي ل ُيقهر‪ ،‬واستعادة للمعنويات والثقة التي‬
‫أهينت في حرب ‪.1967‬وتم تصوير حرب أكتوبر عربيا ً‬
‫باعتبارها نصرا ً مؤزرًا‪ ،‬وظهرت قيادتا سوريا ومصر بمظهر‬

‫‪56‬‬
‫البطال‪ .‬غير أن الرئيس المصري السادات استخدم هذه‬
‫الحرب لتحريك الوضع باتجاه التسوية‪ ،‬واستفاد منها بحيث ل‬
‫يوضع بعد ذلك موضع التهام أو التقصير‪ ،‬حيث أنه "بطل‬
‫أكتوبر"‪ ،‬وحيث أن مصر "أّدت ما عليها" تجاه فلسطين‪ .‬فقام‬
‫السادات بزيارة الكيان الصهيوني في تشرين ثاني‪/‬نوفمبر‬
‫‪ ،1977‬ووقع اتفاقية كامب ديفيد في سبتمبر ‪ ،1978‬التي‬
‫ُتدخل مصر في سلم مع الكيان الصهيوني‪ ،‬وُتوقف حالة‬
‫الصراع بينهما‪ ،‬بينما تسترجع مصر شبه جزيرة سيناء‪ .‬وبذلك‬
‫خسرت القضية الفلسطينية أهم طرف فاعل في الصراع ضد‬
‫الصهاينة‪ ،‬مما أضعف مستقبل ً من إمكانات أية مواجهات‬
‫عسكرية شاملة ضد "إسرائيل"‪.‬‬
‫وربما كان من المفيد أن نشير إلى أنه إثر حادثة إحراق‬
‫المسجد القصى تم إنشاء منظمة المؤتمر السلمي سنة‬
‫‪ ،1969‬والذي شكل بادرة أمل لتوحيد جهود المسلمين لدعم‬
‫قضية فلسطين‪ .‬وقد قامت هذه المنظمة بعقد الكثير من‬
‫الجتماعات‪ ،‬وأصدرت عشرات القرارات بدعم قضية‬
‫فلسطين سياسيا ً وماليا ً وعسكريا ً وإعلن الجهاد‪ . ...‬غير أن‬
‫قراراتها بقيت حبرا ً على ورق‪ ،‬لنها افتقرت إلى أية آلية‬
‫حقيقية ملزمة لتنفيذ القرارات‪ .‬ويبدو أن العديد من بلدان‬
‫العالم السلمي قد استخدمت منبر هذه المنظمة "لتفريغ"‬
‫مشاعر شعوبها المتشوقة للوحدة وتحرير المقدسات‪ ،‬بدل ً‬
‫من السير في أية برامج عملية ذات فاعلية على أرض الواقع‪.‬‬
‫بل إن بعض البلدان السلمية بقي على علقة قوية بالكيان‬
‫الصهيوني مثل تركيا‪ ،‬فضل ً عن أن بلدان العالم السلمي‬
‫ملت الطرف الفلسطيني المسؤولية الساسية‬ ‫أجمع ح ّ‬
‫باعتباره "الممثل الشرعي والوحيد"‪ ،‬واكتفى أغلبها بالتمنيات‬
‫‪) ....‬هذا إن لم يضع العقبات !!(‪ .‬مما أدى لحصر دائرة‬
‫طري فلسطيني‪ ،‬وعزل البعدين العربي‬ ‫الصراع في إطار قُ ْ‬
‫والسلمي عمليا ً عن هذه الدائرة‪ .‬وقد أثرت النزاعات بين‬
‫المسلمين أنفسهم سلبا ً على دور العالم السلمي‪ ،‬كالحرب‬
‫العراقية اليرانية )‪ (1988-1980‬التي استنزفت طاقات‬
‫البلدين وثرواتهما‪.‬‬
‫بروز التيار السلمي الفلسطيني ‪:-‬‬
‫ومن الجدير بالذكر أن الظاهرة السلمية وسط الفلسطينيين‬
‫أخذت تستعيد حيويتها في هذه المرحلة‪ ،‬وتزايد التجاه نحو‬
‫السلم‪ ،‬بعد أن رأت الجماهير فشل اليديولوجيات القومية‬

‫‪57‬‬
‫والعلمانية واليسارية في حل القضية‪ .‬وكانت مشاركة الخوان‬
‫المسلمين في العمل الفدائي الفلسطيني )‪(1970-1968‬‬
‫عبر ما عرف بـ "معسكرات الشيوخ" في الردن بالتنسيق مع‬
‫حركة فتح‪ ،‬أحد مظاهر الحيوية المبكرة‪ ،‬حيث تم تدريب نحو‬
‫‪ 300‬رجل توزعوا على سبع قواعد فدائية‪ ،‬وشاركوا في عدد‬
‫من العمليات النوعية‪.‬‬
‫كشف تنظيم "أسرة الجهاد" في الرض‬ ‫وفي عام ‪ُ 1980‬‬
‫قل نحو ستين من أعضائه‪ ،‬بعد أن قام‬ ‫المحتلة ‪ ،1948‬واعت ُ ِ‬
‫ُ‬
‫بعدد من العمليات‪ ،‬وقبض سنة ‪ 1984‬على الشيخ أحمد‬
‫ياسين وعدد من رفاقه‪ ،‬بعد اكتشاف مخزن أسلحة في أحد‬
‫المساجد‪ ،‬بتهمة إنشاء تنظيم جهادي ضد الصهاينة‪ .‬كما‬
‫تشكلت حركة الجهاد السلمي في فلسطين سنة ‪،1980‬‬
‫وكان أعضاؤها المؤسسون أفرادا ً سابقين في الخوان‬
‫المسلمين‪ ،‬ونشطت في القيام بعدد من العمليات‪ .‬غير أن‬
‫ل محدودا ً متواضعا ً طيلة هذه‬‫العمل السلمي الجهادي ظ ّ‬
‫الفترة قياسا ً بالمنظمات الفلسطينية الخرى وخصوصا فتح‪،‬‬
‫ً‬
‫ولكنه كان في الوقت نفسه إرهاصا ً لمرحلة قادمة يلعب فيها‬
‫دورا ً أساسيًا‪ .‬وكان المكسب البرز للتيار السلمي هو اتساع‬
‫شعبيته وتناميها خصوصا ً منذ منتصف السبعينيات سواء داخل‬
‫فلسطين المحتلة أو في الردن والكويت ولبنان وغيرها‪ .‬وأخذ‬
‫السلميون يفوزون في النتخابات الطلبية منذ أواخر‬
‫السبعينيات كما في جامعة النجاح في نابلس‪ ،‬وجامعة غزة‬
‫السلمية وغيرهما‪ .‬وفي جامعات الردن‪ ،‬كما أخذوا في‬
‫النتشار والسيطرة على النقابات المهنية‪ .‬ونجحوا في ميادين‬
‫العمل الخيري والجتماعي والتعليمي مما مكنهم من تأسيس‬
‫قاعدة واسعة صلبة‪ ،‬بحيث أصبح التيار السلمي )الخوان‬
‫المسلمون تحديدًا( هو المنافس الول للتيار العلماني الذي‬
‫تمثله فتح والذي يسيطر على م‪.‬ت‪.‬ف]‪.[77‬‬
‫‪-------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪-----‬‬
‫]‪[73‬حول القضية الفلسطينية في المم المتحدة‪ ،‬انظر مثل‪ً:‬‬
‫الموسوعة الفلسطينية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،362-360‬وص ‪،563-552‬‬
‫وج ‪ ،2‬ص ‪.260‬‬

‫]‪ [74‬صلح خلف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.98-96‬‬

‫‪58‬‬
‫]‪[75‬انظر حول هذه العمليات في‪ :‬الموسوعة الفلسطينية‪ ،‬ج‬
‫‪ ،2‬ص ‪ ،314-313‬وص ‪ ،567‬وج ‪ ،3‬ص ‪ ،662-661‬وج ‪،4‬‬
‫ص ‪.42‬‬
‫ً‬
‫]‪[76‬حول مشاريع التسوية‪ ،‬انظر مثل‪ :‬منير الهور وطارق‬
‫العيسى‪ ،‬مشاريع التسوية للقضية الفلسطينية ‪،1985-1947‬‬
‫ط ‪) 2‬عمان‪ :‬دار الجليل‪.(1986 ،‬‬
‫]‪77‬حول التيار السلمي في هذه الفترة‪ ،‬انظر‪ :‬محسن‬
‫صالح‪ ،‬الطريق إلى القدس‪ ،‬ص ‪.170-164‬‬

‫‪59‬‬
‫قضية فلسطين )‪2000-1987‬م)‪:‬‬
‫بقدر ما تجلت قدرات الشعب الفلسطيني ـ في هذه المرحلة‬
‫ـ على التضحية والعطاء‪ ،‬بقدر ما كانت الحصيلة السياسية‬
‫مخيبة للمال‪ .‬وبقدر ما تللت أنوار النتفاضة المباركة معبرة‬
‫عن أصالة شعب مقهور‪ ،‬يواجه أطفاله ونساؤه دبابات‬
‫الصهاينة بالحجارة‪ ،‬والرواح المتطلعة إلى الحرية والشهادة‪،‬‬
‫بقدر ما زكمت النوف اتفاقيات أوسلو وممارسات السلطة‬
‫الفلسطينية ضد أبناء شعبها ومجاهديها‪ .‬وباختصار فإن أبرز‬
‫معالم هذه المرحلة‪- :‬‬
‫‪ -‬اندلع النتفاضة المباركة )‪ ،(1993-1987‬وبروز التيار‬
‫السلمي المجاهد‪.‬‬
‫‪ -‬اتفاقيات أوسلو بين م‪.‬ت‪.‬ف والصهاينة ‪ ،1993‬والتنازلت‬
‫المريعة عن حقوق شعب فلسطين‪.‬‬
‫‪-‬ضعف وتفكك وصراع داخلي عربي ـ عربي إثر استيلء‬
‫العراق على الكويت‪ ،‬وما تبع ذلك من حرب ومعاناة‬
‫وعداوات‪ ،‬وتوقيع الردن اتفاقية تسوية مع الكيان الصهيوني‪.‬‬
‫‪-‬انهيار التحاد السوفيتي وتفككه‪ ،‬والهجرة اليهودية الهائلة‬
‫منه إلى الكيان الصهيوني‪ ،‬واستفراد أمريكا بالسيطرة‬
‫العالمية‪.‬‬
‫النتفاضة المباركة ‪-:‬‬
‫حدثت شرارة النتفاضة المباركة في يوم ‪ 9‬ديسمبر‪/‬كانون‬
‫أول ‪1987‬م إثر استشهاد أربعة عمال فلسطينيين في حادث‬
‫دهس متعمد في اليوم الذي سبقه‪ .‬وقد قررت الحركة‬
‫السلمية منذ تلك الليلة المشاركة في النتفاضة وتوجيهها‪،‬‬
‫فبدأت ـ بترتيبها ـ المظاهرات العارمة بعد صلة فجر التاسع‬
‫من ديسمبر من مسجد مخيم جباليا‪ ،‬وسقط الشهيد حاتم أبو‬
‫سيس‪ ،‬ثم سقط الشهيد رائد شحادة في مظاهرة أخرى‬
‫قرب مستشفى الشفاء‪ .‬وتوالى سقوط الشهداء‪ ،‬واتسعت‬
‫المظاهرات لتعم أرجاء الضفة والقطاع‪ ،‬وليشارك فيها كافة‬
‫أبناء الشعب‪ .‬وتميزت هذه النتفاضة بأربعة مظاهر‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن أهل "الداخل" المحتل )الضفة والقطاع( أخذوا‬
‫زمام المبادرة النضالية الجهادية‪ ،‬بعد أن كانت بيد العمل من‬
‫"الخارج"‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن التيار السلمي شارك بقوة وعنف وفاعلية‪ ،‬وبرز‬
‫على ساحة المواجهة بحجم منظم مؤثر‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫الثالث‪ :‬أنها شملت كافة قطاعات الشعب الفلسطيني‬
‫مرية‪.‬‬
‫واتجاهاته وفئاته العُ ْ‬
‫الرابع‪ :‬أنها اتسمت بالجرأة والتضحية‪ ،‬والمشاركة الواسعة‬
‫للطفال والفتيان والنساء‪ ،‬وبالمظاهر النبيلة من إيثار وتعاون‬
‫وشهامة‪ ،‬وبالقضاء على مظاهر العمالة والفساد من خمور‬
‫ودور له‪.‬‬
‫وتميزت المرحلة الولى من النتفاضة بالمواجهات الشعبية‬
‫الواسعة والضرابات‪ ،‬والمظاهرات‪ ،‬ومقاطعة الدارة المدنية‬
‫الصهيونية‪ ،‬وتنظيف المجتمع من العملء ومروجي الفساد‬
‫والمخدرات‪ .‬وبعد نحو أربع سنوات أخذت تبرز المرحلة‬
‫الثانية‪ ،‬التي شهدت تنامي العمليات المسلحة ضد الصهاينة‪،‬‬
‫دت حركة فتح‬ ‫مع تراجع النشطة الجماهيرية الواسعة‪ .‬وقد ع ّ‬
‫وحلفاؤها في م‪.‬ت‪.‬ف اتفاقية أوسلو )سبتمبر ‪ (1993‬نهاية‬
‫للنتفاضة‪ ،‬فأوقفت فاعلياتها‪ ،‬أما الجهات الخرى وخصوصا ً‬
‫حماس والجهاد السلمي فقد استمرتا في فعالياتهما‪ ،‬بل‬
‫وصعدتا من عملياتهما الجهادية‪ .‬غير أن تشكيل السلطة‬
‫الفلسطينية في الرض المحتلة )مايو ‪ (1994‬أفقد النتفاضة‬
‫كثيرا ً من وهجها‪،‬كما أفقدها المشاركة الشعبية الجماهيرية‬
‫اليومية‪ ،‬فاقتصر المر بشكل أكبر على أعضاء الحركات‬
‫والتنظيمات‪ .‬وعلى أي حال‪ ،‬فإن السنوات الست للنتفاضة‬
‫)ديسمبر ‪-1987‬ديسمبر ‪ (1993‬حسب إحصائية أعدتها‬
‫م‪.‬ت‪.‬ف قد شهدت استشهاد "‪ "1540‬فلسطينيًا‪ ،‬وبلغ عدد‬
‫الجرحى ‪ 130‬ألفًا‪ ،‬كما اعتقل حوالي ‪ 116‬ألفا ً لمدد مختلفة)‬
‫‪.(78‬‬
‫حمـــاس‪-:‬‬
‫وقد تلزم إنشاء حركة المقاومة السلمية "حماس" مع بداية‬
‫النتفاضة‪ ،‬وأصدرت بيانها الول في ‪ 14‬ديسمبر ‪،1987‬‬
‫واعتبرت من أكثر الطراف فاعلية‪ ،‬إن لم تكن أبرزها‪ .‬وقد‬
‫عّرفت حماس نفسها بأنها جناح للخوان المسلمين وامتداد‬
‫لهم‪ ،‬وذكرت في ميثاقها أنها "تعتبر السلم منهجها‪ ،‬منه‬
‫تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها‪ ،‬وإليه تحتكم‪ ،‬ومنه‬
‫تسترشد خطاها"‪ .‬وهدفت إلى تحرير فلسطين‪ ،‬وإقامة دولة‬
‫السلم على أرضها‪ ،‬ودعت إلى تربية متكاملة للجيال‬
‫لتحقيق الغايات المرجوة‪.‬‬
‫وقد استطاعت حماس أن تحقق شعبية واسعة‪ ،‬فكان‬
‫مؤيدوها ـ ول يزالون ـ يحققون من ثلث إلى نصف الصوات‬

‫‪61‬‬
‫عادة في النتخابات الطلبية والنقابات المهنية‪ ،‬كما في‬
‫جامعات النجاح وغزة والخليل وبيرزيت والقدس‪ ،‬ونقابات‬
‫المهندسين والطباء والصيادلة والمحامين والمعلمين‪ ،‬وغرف‬
‫التجارة‪ .‬وفي مقابلة صحفية للدكتور هشام شرابي المعروف‬
‫بميوله العلمانية قال إن حمـاس هي الشكل الجديد‬
‫للمقاومة‪ ،‬وأنها "نجحت حتى الن فيما عجزت عنه م‪.‬ت‪ .‬ف‬
‫وفصائلها خلل أكثر من ربع قرن في استنباط أشكال جديدة‬
‫لتنظيم الشعب الفلسطيني‪ ،‬وتمكينه من الصراع العسكري‬
‫الفعال باستقلل عن كل عون خارجي"]‪.[79‬‬
‫وبرز في قيادة حماس مؤسسها وشيخ النتفاضة أحمد‬
‫مة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ياسين‪ ،‬وهو الرجل المقعد المشلول الذي حّرك موات أ ّ‬
‫وإلى جانبه في قطاع غزة عبد العزيزالرنتيسي ومحمود‬
‫الزهار وعبد الفتاح دخان‪ ،‬وفي الضفة الغربـية جمال سليم‪،‬‬
‫وحسن يوسف وجمال النتشة …‪ ،‬وفي خارج فلسطين رئيس‬
‫المكتب السياسي خالد مشعل‪ ،‬والرئيس السابق للمكتب‬
‫موسى أبو مرزوق‪ ،‬وإبراهيم غوشة الناطق الرسمي باسم‬
‫حماس … وغيرهم‪ .‬وحسب تصريح إبراهيم غوشة فإن‬
‫ً‬
‫حماس قدمت منذ النتفاضة حوالي سبعمائة شهيد‪ ،‬فضل عن‬
‫آلف الجرحى والسرى‪ .‬وهو رقم ل يبدو يسيرا ً في أجواء‬
‫العمل الصعبة في فلسطين‪ ،‬وقبل الدخول في معارك‬
‫وحروب ذات طبيعة شاملة مع الكيان الصهيوني‪ .‬وترى‬
‫حماس أنه في مثل هذه الظروف من العلو اليهودي‬
‫الصهيوني‪ ،‬والتآمر الدولي والضعف السياسي الفلسطيني‪،‬‬
‫والتمزق والتشرذم العربي والسلمي‪ ،‬فإن عملها ل يستهدف‬
‫تحرير فلسطين عاجل ً ومباشرة‪ ،‬وإنما يتعامل معها كمعركة‬
‫تتداولها الجيال‪ ،‬وفي هذه الجواء فإنها تسعى إلى تجاوز‬
‫المرحلة بالمحافظة على الحق وإبقاء جذوة الجهاد‪ .‬وقد‬
‫أمكن لها مواجهة التحديات من خلل نوعية الرجال الذين‬
‫قدمتهم والمستعدين للتضحية والستشهاد‪ ،‬حتى إن المحللين‬
‫السرائيليين يعترفون أن "حماس قد صكت نماذج جديدة‬
‫للنسان الفلسطيني وهم الستشهاديون الجدد"‪ ،‬وأشار أحد‬
‫خبراء الصهاينة إلى ما تتمتع به حماس من ديناميكية ومبادرة‪،‬‬
‫كما اعترف الجنرال أوري ساغي رئيس شعبة الستخبارات‬
‫العسكرية بأن لدى حماس أساليب عمل متطورة‪ ،‬ومستوى‬
‫ل من السرية‪ ،‬وأنها تنفذ عمليات بارزة قاسية‪.‬واستطاعت‬ ‫عا ٍ‬
‫حماس أن تتمتع بحيوية مكنتها من تبديل عدد من الجيال‬

‫‪62‬‬
‫القيادية في وقت قصير‪ .‬فكلما كشفت أو استشهدت أو‬
‫سجنت قيادتها‪ ،‬ظهر من يحل مكانها ويواصل العمل‪ .‬وكذا‬
‫كان الحال مع اعتقال الشيخ أحمد ياسين في مايو ‪،1989‬‬
‫واعتقال موسى أبو مرزوق في يوليو ‪ ،1995‬واستشهاد عماد‬
‫عقل في نوفمبر ‪ ،1993‬ويحيى عياش في يناير ‪،1996‬‬
‫ومحي الدين الشريف في مارس ‪ ،1998‬واعتقال محمد‬
‫الضيف في مايو ‪ .2000‬ورغم أن دخول م‪.‬ت‪.‬ف في تسوية‬
‫مع الكيان الصهيوني‪ ،‬وتوليها الحكم الذاتي في المناطق‬
‫السكانية في الضفة والقطاع )منذ ‪ (1994‬جعل العمل‬
‫الجهادي أمرا ً يكاد يكون مستحي ً‬
‫ل‪ ،‬إل أن الفترة )‪-1994‬‬
‫‪ (1998‬شهدت تطورا ً نوعيا ً في العمليات وخصوصا ً‬
‫الستشهادية منها‪ .‬ومن ذلك رّدها على مذبحة الحرم‬
‫البراهيمي )فبراير ‪ (1994‬بخمس عمليات عنيفة‪ ،‬وردها‬
‫على استشهاد يحيى عياش )الذي كان مهندسا ً لعمليات أدت‬
‫لقتل سبعين صهيونيا ً وجرح ‪ 340‬آخرين( بعدة عمليات في‬
‫فبراير‪-‬مارس ‪ 1996‬هزت الكيان الصهيوني وأفقدته صوابه‪،‬‬
‫واستدعت عقد مؤتمر دولي بمشاركة الدول الكبرى لما‬
‫أسموه "محاربة الرهاب"‪ .‬وقام الصهاينة والسلطة‬
‫الفلسطينية )بالتعاون المباشر مع أمريكا وباستخدام كافة‬
‫التقنيات المنية( بحملة شعواء استهدفت اجتثاث كل ماله‬
‫صلة بالتيار السلمي الحركي المقاوم في فلسطين‪ .‬ومّرت‬
‫حماس ـ ول تزال ـ بمرحلة من أقسى المراحل‪ ،‬وعانت من‬
‫ضربات قاسية من السلطة الفلسطينية التي شعرت أن‬
‫مشروعها السلمي أصبح في "مهب الريح" على حد تعبير‬
‫القيادي الفلسطيني صائب عريقات‪ .‬وعانت حماس من‬
‫الضغوط والمحاربة في الخارج‪ ،‬فكان اعتقال موسى أبو‬
‫مرزوق في أمريكا )يوليو ‪-1995‬مايو ‪ (1997‬ومحاولة اغتيال‬
‫خالد مشعل في سبتمبر ‪ ،1997‬وإغلق مكاتب الحركة في‬
‫الردن في آخر أغسطس ‪ ،1999‬وإبعاد أربعة من قادتها من‬
‫الردن )بعد سجنهم أكثر من شهرين ونصف( إلى قطر في‬
‫نوفمبر ‪.1999‬‬
‫ورغم التنسيق الصهيوني ـ السلطوي الفلسطيني ـ الدولي‬
‫لجتثاث هذه الحركة إل أن أنصارها ل زالوا يفوزون في‬
‫النتخابات الطلبية والنقابية‪ ،‬ول تزال تتمتع بثقل شعبي كبير‬
‫في الداخل والخارج]‪. 80‬‬

‫‪63‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن حركة الجهاد السلمي قامت بعدد‬
‫من العمليات النوعية والستشهادية مثل عمليات نتساريم في‬
‫نوفمبر ‪ ،1994‬وبيت ليد في يناير ‪ ،1995‬وتل أبيب في‬
‫مارس ‪ .1996‬وهي تتعرض لنفس ما تتعرض له حماس من‬
‫ضغوط ومطاردة‪ .‬وقد استشهد قائدها فتحي الشقاقي في‬
‫عملية نفذها الموساد السرائيلي في ‪ 26‬أكتوبر ‪.1995‬‬
‫وتشير النتخابات الطلبية إلى تمتع هذه الحركة بنحو ‪%5-3‬‬
‫من أصوات الناخبين‪.‬‬
‫م‪.‬ت‪.‬ف‪ :‬من الكفاح المسلح إلى التسوية‬
‫السلمية‪:-‬‬
‫عانت م‪.‬ت‪.‬ف من استضعاف سياسي إثر المحاولت‬
‫المتوالية لجتثاثها عسكريًا‪ ،‬ووصلت حالة تهميشها مدى كبيرا ً‬
‫مان في أكتوبر ‪ .1987‬وعندما‬ ‫في مؤتمر القمة العربي في ع ّ‬
‫دتها م‪.‬ت‪.‬ف رافعة سياسية لها‪،‬‬ ‫اندلعت النتفاضة المباركة ع ّ‬
‫فحاولت استثمارها بشكل مبكر‪ .‬فقامت بتشكيل القيادة‬
‫الوطنية الموحدة للنتفاضة )بعد شهر من اندلعها(‪ ،‬وشاركت‬
‫الفصائل الفلسطينية وخصوصا ً فتح بفعالية في النتفاضة‪.‬‬
‫ورد ّ الكيان الصهيوني باغتياله لبي جهاد )الرجل الثاني في‬
‫م‪.‬ت‪.‬ف وفي فتح( ـ رحمه الله ـ في تونس في ‪ 16‬إبريل‬
‫‪ ،1988‬وذلك ضمن حملته الشرسة لقمع النتفاضة‪ .‬وقد‬
‫أفادت م‪.‬ت‪.‬ف من قيام الردن بفك روابطه الدارية‬
‫والقانونية مع الضفة الغربية في ‪ 31‬يوليو ‪ ،1988‬لتؤكد‬
‫تمثيلها الرسمي الوحيد لهل الضفة الغربية‪ ،‬ولتخوض ما‬
‫أسمته "هجوم السلم الفلسطيني"‪.‬‬
‫وفي المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر )‪15-12‬‬
‫نوفمبر ‪ (1988‬الذي يتبع م‪.‬ت‪.‬ف تم وضع برنامج فلسطيني‬
‫قائم على العتراف بقرار المم المتحدة رقم ‪ 181‬لسنة‬
‫‪ 1947‬القاضي بتقسيم فلسطين لدولتين عربية ويهودية‪.‬‬
‫واعترفت م‪.‬ت‪.‬ف لول مرة منذ ‪ 21‬عاما ً بقرار ‪ 242‬الصادر‬
‫عن مجلس المن في نوفمبر ‪ .1967‬ودعت إلى تسوية‬
‫سياسية من خلل مؤتمر دولي‪ .‬وحتى "يتجرع" الفلسطينيون‬
‫كل هذه "المرارات" فقد أعلن المجلس "استقلل‬
‫فلسطين"‪ .‬ولقد لقي هذا العلن ترحيبا ً دوليا ً واسعا‪ ،‬حيث‬
‫ً‬
‫اعترفت بهذه الدولة حوالي ‪ 120‬دولة خلل بضعة أشهر‪.‬‬
‫ورغم أن الوليات المتحدة ودول أوربا الغربية لم تعترف بها‪،‬‬
‫ل" لم يقم بعد على أرض الواقع‪ ،‬إل‬ ‫ورغم أنها عمليا ً كانت "أم ً‬

‫‪64‬‬
‫أن ذلك أعاد تحريك القضية دوليًا‪ ،‬وأعاد لـ م‪.‬ت‪.‬ف حضورها‬
‫السياسي‪ ،‬بعد أن رضيت لنفسها "بتقزيم" مطالبها‬
‫و"قصقصة" برامجها النضالية‪.‬‬
‫وفي أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات حدثت تغيرات على‬
‫المستوى العربي والدولي أضعفت كثيرا ً الموقف الفلسطيني‬
‫والعربي‪ .‬فقد حدث مزيد من الضعف والتفكك في الساحة‬
‫العربية‪ ،‬خصوصا ً إثر الجتياح العراقي للكويت في ‪2‬‬
‫أغسطس ‪ 1990‬وما نتج عنه من عداء بين البلد العربية‪،‬‬
‫واستنزاف الموارد والثروات العربية‪ ،‬وتدمير البنية العسكرية‬
‫للعراق‪ ،‬وتهجير وهجرة مئات اللف من الفلسطينيين من‬
‫الكويت في أثناء الجتياح العراقي‪ ،‬وبعد انسحابه منها‪ ،‬وما‬
‫تله من حجب الدعم عن م‪.‬ت‪.‬ف … ‪ .‬وبشكل عام فإن هذا‬
‫الجتياح وما استتبعه من "حرب الخليج" ونتائجها‪ ،‬كان له آثار‬
‫كارثية على قضية فلسطين‪.‬‬
‫أما في الطار الدولي‪ ،‬فقد شهدت هذه الفترة انهيار التحاد‬
‫السوفيتي وتفككه‪ ،‬وكذلك كتلة الدول الشتراكية‪ ،‬وتحولها‬
‫من حالة المنافسة والعداء مع أمريكا وحلفائها إلى حالة من‬
‫التوافق و"السترضاء"‪ ،‬في ضوء التحول نحو الرأسمالية‬
‫والديمقراطية الغربية‪ ،‬والحاجة إلى المساعدات القتصادية‬
‫من الغرب‪ .‬وقد أسهم ذلك في اختلل التوازن السياسي‬
‫الدولي‪ ،‬الذي كان يستفيد منه الجانب الفلسطيني والعربي‬
‫إلى حد ما‪ ،‬عندما كانت هناك حالة من التنافر والستقطاب‬
‫تسمح بمجال للمناورة‪.‬وهكذا برزت الوليات المتحدة كقوة‬
‫وحيدة أولى في العالم‪ ،‬خصوصا ً بعد حرب الخليج في أوائل‬
‫‪ .1991‬وزاد الوضع سوءا ً تزايد النفوذ اليهودي فيها‪ ،‬حتى إنه‬
‫عّين في إدارة الرئيس المتصهين كلينتون وزراء يهود في‬
‫مناصب حساسة‪ ،‬مثل وزيرة الخارجية أولبرايت‪ ،‬ووزير‬
‫المالية روبرت روبين‪ ،‬ووزير الدفاع وليم كوهين‪ ،‬ووزير‬
‫الزراعة جيلكمان‪ .‬هذا بالضافة إلى وجود سبعة يهود من‬
‫أصل أحد عشر في مجلس المن القومي‪ ،‬ورئاسة اليهودي‬
‫جرينسبان للبنك المركزي‪ ،‬واليهودي جورج تينيت للمخابرات‬
‫‪ CIA‬وغيرها‪.‬‬
‫وقد استثمرت الوليات المتحدة ذلك في فرض هيمنتها‬
‫وإدارتها وتصوراتها لنظام عالمي جديد‪ ،‬كما سعت لغلق‬
‫الملف الفلسطيني بما يخدم مصالح حليفها‬
‫الستراتيجي"إسرائيل"‪ .‬بينما قطف الكيان السرائيلي ثمارا ً‬

‫‪65‬‬
‫غالية نتيجة انهيار التحاد السوفيتي والدول الشتراكية‪،‬‬
‫فأعادت هذه الدول علقاتها الدبلوماسية معها‪ ،‬كما فتحت‬
‫أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة ـ خصوصا ً من‬
‫التحاد السوفيتي ـ وقد احتفل الكيان الصهيوني في ‪ 7‬مايو‬
‫‪ 2000‬بقدوم المهاجر رقم مليون منذ بداية موجة الهجرة من‬
‫التحاد السوفيتي في سبتمبر ‪ ،1989‬وقام رئيس الوزراء‬
‫باستقباله بنفسه]‪ .[81‬وشملت موجة الهجرة هذه نحو ‪92‬‬
‫ألف عالم متخصص في شتى المجالت]‪ ،[82‬بينهم عدة آلف‬
‫متخصصون في الصناعات النووية‪ ،‬فضل ً عن الكثير من‬
‫الكفاءات العسكرية العالية‪ ،‬مما زاد من خطورة الكيان‬
‫السرائيلي ومشروعه في المنطقة‪.‬‬
‫وفي هذه الجواء المثالية لمريكا و"إسرائيل"‪ ،‬نجحت‬
‫الوليات المتحدة في جر البلد العربية إلى مؤتمر السلم‬
‫العربي السرائيلي في مدريد في أكتوبر ‪ ،1991‬تلته‬
‫مفاوضات عربية إسرائيلية مباشرة‪ .‬ولم تنفع حوالي سنتين‬
‫من المفاوضات بين الجانب الفلسطيني والجانب السرائيلي‬
‫في كسر التصلب الصهيوني‪ .‬وقد جاءت المفاجأة عندما ُأعلن‬
‫كشف النقاب عن‬ ‫عن اتفاق أوسلو بين الطرفين‪ ،‬حيث ُ‬
‫مفاوضات سرية كانت تجري بين الطرفين منذ ‪ 20‬يناير‬
‫‪ 1993‬من وراء ظهر الوفد الفلسطيني الرسمي المفاوض‬
‫)برئاسة حيدر عبد الشافي(‪ ،‬ومن دون علم معظم قادة‬
‫م‪.‬ت‪.‬ف‪ .‬وقد وقع التفاق بالحرف الولى في ‪ 19‬أغسطس‬
‫‪ 1993‬في أوسلو بالنرويج‪ ،‬وتم التوقيع عليه رسميا ً في‬
‫‪13‬سبتمبر ‪ 1993‬في واشنطن برعاية الرئيس المريكي بيل‬
‫كلينتون‪ ،‬وحضور ياسر عرفات ورئيس الوزراء السرائيلي‬
‫اسحق رابين‪ ،‬ووقعه عن الجانب الفلسطيني محمود عباس‪،‬‬
‫وعن الجانب السرائيلي وزير الخارجية شمعون بيريز‪ ،‬كما‬
‫وقعه وزيرا خارجية أمريكا وروسيا كشاهدين‪.‬‬
‫وقد اتسم اتفاق أوسلو]‪ [83‬ـ الذي قامت على أساسه‬
‫السلطة الفلسطينية الحالية ـ بالمرحلية‪ .‬إذ تضمن حكما ً ذاتيا ً‬
‫في قطاع غزة وأريحا أول ً على أن يغطي مناطق فلسطينية‬
‫أوسع في مراحل تالية خصوصا ً تلك المأهولة بالسكان‪،‬‬
‫وتشمل صلحيات السلطة التعليم والصحة والشئون‬
‫الجتماعية والضرائب المباشرة والسياحة‪ .‬بينما تجري‬
‫المفاوضات حول القضايا الحساسة والوضع النهائي بعد‬
‫سنتين من بدء الحكم الذاتي‪ .‬على أن السلوك الصهيوني‬

‫‪66‬‬
‫اتسم بالمماطلة والتسويف والتعجيز‪ ،‬بحيث مّر إعطاء‬
‫الصلحيات للفلسطينيين بكثير من التعقيدات التي عادة ما‬
‫كان جوهرها مطالبة "السلطة"بالنجاح في "الختبار"‬
‫السرائيلي في ضرب حماس وحركات المقاومة‪ ،‬وتقديم‬
‫السلطة لمزيد من التنازلت‪ .‬وتم عقد عدة اتفاقيات خدمت‬
‫أساسا ً المصالح الصهيونية بشكل أفضل‪ ،‬فكان اتفاق القاهرة‬
‫)‪ 4‬مايو ‪ ،(1994‬واتفاق "طابا" في )‪ 28‬سبتمبر ‪،(1995‬‬
‫مرورا ً باتفاقية واي بلنتيشن )‪ 23‬أكتوبر ‪ ،(1998‬ومذكرة‬
‫شرم الشيخ )‪ 4‬سبتمبر ‪ (1999‬ووزعت مناطق الحكم‬
‫الذاتي إلى مناطق )أ( و)ب(‪ .‬ول تملك السلطة حاليا ً سوى‬
‫حوالي ‪ %15‬من أراضي الضفة تحت )أ( حيث سيطرتها‬
‫المنية والدارية‪ ،‬ونحو ‪ 025/0-20‬من أراضي الضفة تحت‬
‫بند )ب( حيث تسيطر إداريا ً بينما يكون الشراف المني‬
‫مشتركا ً مع الصهاينة‪ .‬وقد فشلت السلطة حتى الن )سبتمبر‬
‫‪ (2000‬في الوصول إلى تسوية نهائية حول القضايا المصيرية‬
‫الحساسة‪.‬وبشكل عام‪ ،‬فإن أبرز النتقادات والملحظات على‬
‫اتفاق أوسلو يمكن تلخيصها فيما يلي‪- :‬‬
‫‪ - 1‬قضية فلسطين قضية كل المسلمين وليس قضية‬
‫الفلسطينيين وحدهم‪ ،‬وهي معركة بين حق المسلمين وباطل‬
‫اليهود‪ ،‬وهي معركة تتوارثها الجيال‪ ،‬ول يجوز لجيل أن يرضخ‬
‫أو يتنازل فيغمط حق الجيال التالية‪ .‬وقد أجمع العلماء‬
‫الثقات على عدم جواز هذه التسوية بالشكل الذي تمت فيه‪،‬‬
‫ودعوا إلى وجوب الجهاد لتحرير الرض المباركة‪.‬‬
‫‪ - 2‬تفردت قيادة م‪.‬ت‪.‬ف بالموافقة على التفاق والتفاقات‬
‫التي تلته‪ ،‬ولم ترجع حتى إلى الشعب الفلسطيني نفسه‪،‬‬
‫الذي توجد فيه تيارات واسعة معترضة على هذه التسويات‬
‫من السلميين واليساريين والقوميين‪ ،‬وحتى في حركة فتح‬
‫نفسها‪.‬‬
‫‪- 3‬اعترفت قيادة م‪.‬ت‪.‬ف "بحق إسرائيل في الوجود"‪،‬‬
‫وبشرعية احتللها لـ ‪ %77‬من أرض فلسطين المحتلة عام‬
‫‪ ،1948‬والتي ل تجري عليها أية مفاوضات ‪.‬‬
‫‪ -4‬لم يتم التعرض لخطر القضايا حيث تم تأجيلها إلى‬
‫مرحلة المفاوضات النهائية‪ ،‬ولن م‪.‬ت‪.‬ف تعهدت بعدم‬
‫اللجوء إلى القوة إطلقًا‪ ،‬فقد أصبح المر مرتبطا ً بمدى‬
‫"الكرم الصهيوني" الذي يملك عناصر القوة وأوراق اللعبة‪،‬‬
‫وهذه القضايا‪-:‬‬

‫‪67‬‬
‫أ ـ مستقبل مدينة القدس‪ ،‬والتي أعلنها اليهود عاصمة أبدية‬
‫لهم‪ ،‬وصادروا ‪%86‬من أرضها‪ ،‬وأسكنوا في القدس الشرقية‬
‫أكثر من ‪ 190‬ألف مستوطن‪.‬‬
‫ب ـ مستقبل اللجئين الفلسطينيين الذين يزيد عددهم عن‬
‫خمسة مليين لجئ‪.‬‬
‫ج ـ مستقبل المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية‬
‫وقطاع غزة‪ ،‬حيث صادر الصهاينة نحو ‪ %62‬من أراضي‬
‫الضفة والقطاع‪ ،‬وأقاموا أكثر من ‪ 160‬مستوطنة في الضفة‪،‬‬
‫و ‪ 16‬مستوطنة في القطاع‪ ،‬يعيش فيها ‪ 200‬ألف يهودي‬
‫مستوطن‪.‬‬
‫‪ -5‬ل تتضمن مسئوليات السلطة الفلسطينية المن الخارجي‬
‫والحدود‪ ،‬ول يستطيع أحد دخول مناطق السلطة دون إذن‬
‫إسرائيلي‪ .‬ول يجوز للسلطة تشكيل جيش‪ ،‬والسلحة تدخل‬
‫بإذن إسرائيلي‪.‬‬
‫‪6-‬للكيان الصهيوني حق النقض "الفيتو" على أية تشريعات‬
‫تصدرها السلطة خلل المرحلة النتقالية‪.‬‬
‫‪ - 7‬ل يوجد في التفاقيات إشارة إلى حق الفلسطينيين في‬
‫تقرير المصير‪ ،‬أو إقامة دولتهم المستقلة‪ ،‬ول تشير‬
‫ض محتلة‪ ،‬مما يعزز‬ ‫التفاقيات إلى الضفة والقطاع كأر ٍ‬
‫ض متنازع عليها ‪ - 8‬في الوقت الذي‬ ‫العتقاد بأنها أرا ٍ‬
‫تعهدت فيه م‪.‬ت‪.‬ف )السلطة الفلسطينية( بعدم اللجوء‬
‫إطلقا ً للمقاومة المسلحة ضد الكيان الصهيوني‪ ،‬وبحل كافة‬
‫مشاكلها بالطرق السلمية‪ ،‬فإنها في الوقت نفسه أصبحت‬
‫مضطرة في ضوء تعهداتها السلمية ـ لقمع وسحق أية‬
‫مقاومة مسلحة ضد الكيان الصهيوني‪ ،‬ومحاربة أبناء شعبها‬
‫الذين يقومون بذلك‪ .‬ووجدت نفسها ـ عمليا ً ـ أداة لحماية‬
‫"المن السرائيلي" في مناطقها‪ ،‬وقامت بحملت اعتقال‬
‫واسعة وشرسة إثباتا ً "لحسن نواياها"‪ ،‬وحرصا ً على السلم‬
‫مع "إسرائيل"‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد كان الكاتب الفلسطيني المعروف إدوارد سعيد دقيقا إلى‬
‫حد كبير عندما قال إن عرفات "وّرط شعبه بمصيدة ل مخرج‬
‫منها"]‪ ،[84‬بينما قال المفكر الفلسطيني هشام شرابي إن‬
‫القيادة الفلسطينية "ل تعرف كيف يؤخذ القرار‪ ،‬وكيف يتم‬
‫تقرير المصير"]‪.[85‬‬

‫‪68‬‬
‫السلطة الفلسطينية والوضع الحالي‪-:‬‬
‫بدأ دخول الشرطة الفلسطينية قطاع غزة في ‪ 18‬مايو‬
‫‪ ،1994‬وأدى أعضاء الحكم الذاتي اليمين الدستورية أمام‬
‫ياسر عرفات في أريحا يوم ‪ 5‬يوليو ‪ .1994‬وقد صدقت‬
‫الكثير من التخوفات حول التسوية وأداء السلطة المحتمل‪.‬‬
‫فلن اتفاقات الحكم الذاتي مؤقتة‪ ،‬ولن تسليم الرض‬
‫للسلطة يتم "بالقطارة" جرعة…جرعة‪ ،‬ولن تحقيق أي تقدم‬
‫بات مرهونا ً برضى الطرف السرائيلي‪ ،‬فقد وجدت السلطة‬
‫الفلسطينية نفسها "تحت رحمة" الطرف الخر‪ ،‬وأصبحت‬
‫مضطرة للستجابة لضغوطه‪ ،‬في سبيل الحصول على أية‬
‫حقوق مهما كانت ضئيلة‪ .‬وقد سعى الصهاينة إلى المماطلة‬
‫والتسويف لتحقيق تنازلت جديدة‪ ،‬كما ربطوا بين أي تقدم‬
‫في التسوية وبين سحق السلطة الفلسطينية للمعارضة‬
‫المسلحة‪ .‬ونجح الكيان الصهيوني في وضع حماس والجهاد‬
‫ق في الطريق‪ ،‬على‬ ‫السلمي والمعارضة الفلسطينية كعائ ٍ‬
‫كه وتقمعه حتى تصل إلى ما تحسبه أهدافا ً‬ ‫السلطة أن تد ّ‬
‫وطنية فلسطينية‪.‬وبالفعل‪ ،‬فبعد سنوات من اتفاقات أوسلو‪،‬‬
‫ل تزال المماطلت مستمرة‪ ،‬ولم ُتحسم القضايا الجوهرية‬
‫التي كان يجب أن تحسم ـ حسب التفاق ـ قبل أكثر من‬
‫سنتين )‪ .(1998‬ومراكز سيطرة السلطة الفلسطينية الفعلية‬
‫هي في المناطق المأهولة بالسكان‪ ،‬والتي كان الصهاينة‬
‫يرغبون منذ زمن طويل بإيكال جميع "المهام القذرة" فيها‪،‬‬
‫من ملحقات أمنية‪ ،‬وضرائب‪ ،‬وأعمال بلدية…‪ ،‬إلى من ينوب‬
‫عنهم بذلك‪ ،‬حتى يصبح استعمارهم استعمارا ً "نظيفًا‪.‬وتضخم‬
‫الجانب المني لدى السلطة الفلسطينية ليقوم بدوره‬
‫المطلوب‪ ،‬فبلغ عدد الشرطة الفلسطينية نحو أربعين ألفًا‪،‬‬
‫ليشكل أعلى نسبة شرطة في العالم مقارنة بعدد السكان‪.‬‬
‫وشكلت السلطة ثمانية أجهزة أمنية مختلفة‪ ،‬تعاملت دون‬
‫هوادة مع المعارضة الفلسطينية‪ ،‬ونسقت بشكل مباشر‬
‫مكشوف مع الجهزة المنية السرائيلية والمريكية‪.‬‬
‫وتضخمت ميزانية المن ومكتب الرئيس عرفات لتصبح في‬
‫سنة ‪ 2000‬حوالي ‪ %70‬من مجموع ميزانية السلطة]‪[86‬‬
‫فيما أخذت الوزارات والمؤسسات الخرى من صحة وتعليم‬
‫… وغيرها كثير باقي النسبة‪.‬وقد‬ ‫وخدمات اجتماعية وكهرباء ‍‬
‫كان ذلك على حساب الحالة القتصادية التي تراجعت كثيرًا‪،‬‬
‫وعلى حساب مؤسسات التعليم والحريات السياسية‬

‫‪69‬‬
‫والمؤسسات الجتماعية‪ .‬ففي مايو ‪ُ 1995‬نشر تقرير‬
‫لبرنامج المم المتحدة للتنمية أشار إلى أن دخل الفرد في‬
‫قطاع غزة تراجع إلى ‪ 500‬دولر‪ ،‬بنسبة تراجع ‪ %38‬عما‬
‫كان عليه سنة ‪ .[87]1993‬وفي إبريل ‪ 2000‬وصفت‬
‫شخصيات فلسطينية بارزة ومنظمات حقوق إنسان اتفاق‬
‫أوسلو بأنه بمثابة كارثة اقتصادية وسياسية للفلسطينيين‪،‬‬
‫ودعت عرفات ـ في وثيقة نشرت في واشنطن ـ إلى‬
‫الستقالة‪ .‬وقالت الوثيقة إن نصيب الفرد الفلسطيني من‬
‫الدخل انخفض بنسبة ‪ ،%30‬وأن معدل البطالة تضاعف ثلث‬
‫مرات في الضفة والقطاع منذ ‪.[88]1993‬‬
‫وعانت السلطة من الفساد الداري والمحسوبية التي تفشت‬
‫بسرعة في أجهزتها‪ .‬حتى إن أحد كبار قادة فتح نفسها‬
‫"محمد جهاد" لم يتورع عن القول إن عرفات قد أحاط نفسه‬
‫بثلة من اللصوص والمبتزين]‪ .[89‬ونقل عن شخصية أخرى‬
‫قولها "العربدات تمارس بشكل يومي في الشارع…‪،‬‬
‫والحديث عن النحلل والرشوة والمحسوبية يزكم النوف"]‬
‫‪ .[90‬وفي مايو ‪ 1997‬صدر تقرير لجنة المراقبة في‬
‫المجلس التشريعي الفلسطيني التابع لسلطة الحكم الذاتي‬
‫مؤكدا ً أن الفساد المالي في أجهزة السلطة والسرقات قد‬
‫طالت ‪ 326‬مليون دولر أمريكي‪ ،‬وهو مبلغ هائل ـ وهو ما‬
‫أمكن كشفه ـ بالنسبة إلى ميزانية السلطة التي كانت بحدود‬
‫وت المجلس التشريعي بحجب‬ ‫‪ 1500‬مليون دولر‪ .‬وقد ص ّ‬
‫الثقة عن حكومة عرفات )‪ 56‬صوت مقابل صوت واحد(‬
‫بسبب ذلك‪ .‬وفي نوفمبر ‪ 1999‬وّقع عشرون مفكرا ً‬
‫وشخصية فلسطينية بارزة تحت حكم السلطة وثيقة‬
‫"العشرين" التي اتهمت السلطة بالفساد والمحسوبية‬
‫والشللية وقمع الحريات… وغير ذلك‪ .‬وقد وصف هشام‬
‫ل‪" :‬إن السلطة الفلسطينية بتركيبها الحالي‬ ‫شرابي الوضع قائ ً‬
‫ل تمثل الشعب الفلسطيني…‪ ،‬إنها عاجزة عن إحداث أي‬
‫تغيير في الوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني‪ ،‬وهي‬
‫نفسها أحد أسباب تفاقم وضعه المأساوي"]‪.[91‬‬
‫وكان النجاز الكثر تميزا ً للسلطة هو القمع المني للمعارضة‪،‬‬
‫وحملتها المستمرة لجتثاثها‪ ،‬وللقارئ أن يتصور أن السلطة‬
‫شّنت في السنة الولى من عمرها ‪ 12‬حملة اعتقال‪ .‬وفي‬
‫قطاع غزة الذي ل تتجاوز مساحته ‪363‬كم ‪ 2‬يتبع السلطة‬
‫‪ 24‬مركز توقيف واعتقال‪ ،‬وهناك ‪ 32‬حاجزا ً عسكريًا‪ .‬وفي‬

‫‪70‬‬
‫شهر واحد مثل ً )‪ (9/5/1995-19/4‬داهمت السلطة ‪57‬‬
‫مسجدا ً ‪ 138‬مرة في إطار قمعها للتجاه السلمي]‪.[92‬‬
‫وتوالت الحملت المنية بعد كل عملية جهادية‪ ،‬وكان أشدها‬
‫حملة مارس ‪ 1996‬إثر العمليات الستشهادية التي نفذتها‬
‫حماس انتقاما ً لستشهاد يحيى عياش‪ .‬ولم تنجح محاولت‬
‫الحوار بين السلطة وحماس‪ ،‬وحدث أكثر من مرة أن تعتقل‬
‫ذب عددا ً منهم أمثال حسن يوسف‬ ‫السلطة محاوريها وتع ّ‬
‫وجمال سليم وغيرهم‪ .‬وقد نجح التنسيق المني الصهيوني‪-‬‬
‫الفلسطيني‪-‬المريكي في إحباط الكثير من العمليات‬
‫الجهادية‪ ،‬وفي القبض على كثير من المجاهدين‪.‬وفي يناير‬
‫‪ 1997‬أعلنت منظمات حقوق النسان أن هناك ‪1600‬‬
‫معتقل فلسطيني في سجون السلطة الفلسطينية بينهم ‪700‬‬
‫دون تهم أو محاكمة]‪ .[93‬وقد ُقتل حتى الن أكثر من‬
‫عشرين شخصا ً تحت التعذيب في هذه السجون‪.‬وهكذا‪ ،‬ففي‬
‫ل فيه الكيان الصهيوني‪ ،‬ويصادر المزيد من‬ ‫الوقت الذي يتغوّ ُ‬
‫الراضي‪ ،‬ويبني المستوطنات في الضفة والقطاع‪ ،‬ويستقدم‬
‫المهاجرين‪ ،‬ويمحو الهوية السلمية للقدس‪ ،‬تقوم السلطة‬
‫ج بهم في سجونها‪).‬ومما يجدر ذكره‬ ‫بكف يد ّ المجاهدين‪ ،‬وتز ّ‬
‫أن سلوك السلطة الفلسطينية تجاه المعارضة قد اختلف عند‬
‫اندلع انتفاضة القصى في ‪ 28‬سبتمبر ‪ .2000‬فقد وجدت‬
‫أنه ل يمكن ممارسة نفس السياسات القمعية في وقت يتنكر‬
‫فيه الصهاينة لتفاقياتهم‪ ،‬ويزدادون غطرسة وبطشا ً بالشعب‬
‫ب فيه هذا الشعب بأكمله للدفاع‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬وفي وقت ه ّ‬
‫ففت السلطة من قيودها‬ ‫عن كرامته ومقدساته‪ .‬ولذلك‪ ،‬خ ّ‬
‫على المعارضة‪ ،‬وأطلقت سراح الكثير من السجناء‪ ،‬وأطلقت‬
‫ن العمليات‬ ‫العنان للمظاهرات والحتجاجات‪ ،‬لكنها لم تتب ّ‬
‫الفدائية‪ ،‬واستمرت في سياستها باستنكار قتل المدنيين‬
‫ل على‬ ‫السرائيليين‪ ،‬غير أنها بّررت هذه العمليات بأنها رد ّ فع ٍ‬
‫الوحشية الصهيونية في قتل الفلسطينيين البرياء‪ ،‬وتدمير‬
‫بيوتهم‪ ،‬ومصادرة أرضهم‪ ،‬والعتداء على مقدساتهم‪ .‬ولم‬
‫تتعاون السلطة بشكل جاد من الناحية المنية مع السلطات‬
‫سر على الفصائل الفلسطينية وخصوصا ً‬ ‫الصهيونية مما ي ّ‬
‫حماس والجهاد السلمي وفتح القيام بالكثير من العمليات‬
‫العسكرية الموجهة ضد أهداف صهيونية( *‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫الكيان الصهيوني والوضع الحالي‪-:‬‬
‫يقف الكيان الصهيوني في مطلع القرن الـ ‪ 21‬الميلدي في‬
‫حالة من الزهو والعلو بعد أن ثّبت دعائمه في ظل دعم‬
‫القوى الكبرى‪ ،‬وفي أجواء التمزق والضعف العربي‬
‫والسلمي‪ ،‬فخلل ‪ 52‬عاما ً من إنشائه )‪(2000 – 1948‬‬
‫تمكن من استقدام نحو مليونين و ‪ 900‬ألف مهاجر يهودي‪،‬‬
‫وتزايد عدد اليهود في فلسطين المحتلة من ‪ 650‬ألفا ً سنة‬
‫‪ 1948‬إلى حوالي أربعة مليين و ‪ 947‬ألفا ً في نهاية سنة‬
‫‪ ،2000‬أي حوالي ‪ % 38‬من يهود العالم‪[94].‬واستطاع‬
‫الكيان الصهيوني أن يتجاوز عزلته الدولية‪ ،‬فمع انحلل التحاد‬
‫السوفيتي والنظمة الشيوعية "هرولت" روسيا ودول أوربا‬
‫الشرقية باتجاه فتح سفاراتها وتعزيز علقاتها السياسية‬
‫والقتصادية مع الدولة الصهيونية‪ .‬ومع الضعف العربي‬
‫والسلمي إثر احتلل الكويت وحرب الخليج )‪،(1991-1990‬‬
‫وتوقيع م‪ .‬ت‪ .‬ف‪ .‬لتفاقيات أوسلو‪ ،‬قامت الردن بعقد اتفاق‬
‫تسوية سلمية مع الكيان الصهيوني‪ ،‬وتبعتها عدد من الدول‬
‫العربية بتبادل فتح مكاتب تمثيل تجاري ورعاية مصالح )قطر‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬تونس ‪ ،(...‬وقامت أكثر من خمسين دولة أخرى في‬ ‫ُ‬
‫العالم بفتح علقات دبلوماسية واقتصادية مع الكيان‬
‫الصهيوني‪.‬ومع تراجع مشروع التحرير والحروب العربية‪ ،‬ومع‬
‫تولي السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة والقطاع مهام‬
‫قمع المعارضة المسلحة للكيان الصهيوني‪ ،‬استمتع الكيان‬
‫كنته من مضاعفة نموه‬ ‫بحالة من الستقرار النسبي‪ ،‬م ّ‬
‫القتصادي‪ .‬فقد تمكن من مضاعفة الناتج المحلي الجمالي‬
‫من ‪ 15.3‬بليون دولر أمريكي سنة ‪ 1983‬إلى ‪ 105.4‬بليون‬
‫دولر سنة ‪ 2000‬أي بنحو سبعة أضعاف )‪ ،(%689‬ولم يعد‬
‫تحت رحمة المساعدات المريكية والهبات الخارجية التي‬
‫كانت تشكل سنة ‪ 1983‬نحوا ً من ‪ %25‬من دخله القومي‪،‬‬
‫فأصبحت ل تشكل أكثر من ‪ ،%4‬وإن ظلت مبالغ‬
‫المساعدات والهبات نفسها دون تغيير )حوالي أربعة بليين‬
‫دولر سنويًا(‪ .‬وارتفع معدل الدخل السنوي للفرد في الكيان‬
‫الصهيوني إلى ‪ 18300‬دولر أمريكي سنة ‪ 2000‬ليشكل أحد‬
‫أعلى الدخول في العالم‪ .‬وتضاعفت قيمة الصادرات‬
‫"السرائيلية" من حوالي ‪ 11.6‬بليون دولر سنة ‪ 1990‬إلى‬
‫‪ 23.6‬بليون دولر سنة ‪ .2000‬أما ميزانية الكيان الصهيوني‬
‫لعام ‪ 2000‬فتقدر إيراداتها بنحو ‪ 40‬بليون دولر أمريكي‪،‬‬

‫‪72‬‬
‫ونفقاتها بنحو ‪ 42.4‬بليون دولر‪ .‬وإيرادات هذه الميزانية‬
‫أعلى بنحو ‪ 8‬بليين دولر أمريكي من مجموع إيرادات‬
‫الميزانيات العامة لمصر وسوريا والردن ولبنان مجتمعة]‬
‫‪.[95‬وتتمتع القوات العسكرية الصهيونية بمزايا تجعلها الدولة‬
‫القوى في الشرق الوسط حسب المعايير المادية‪ ،‬فالقوات‬
‫العسكرية المتفرغة تبلغ ‪ 178‬ألف جندي‪ ،‬يمكن مضاعفتها‬
‫بقوات احتياط عالية التدريب والكفاءة خلل ‪ 72‬ساعة إلى‬
‫أكثر من ‪ 700‬ألف‪ ،‬بل إلى مليون جندي وفق بعض‬
‫التقديرات‪ .‬وهي تتمتع بتفوق كبير في كافة أنواع السلحة‬
‫التقليدية وأسلحة الدمار الشامل‪ ،‬حيث تحصل أول ً بأول على‬
‫أحدث السلحة المريكية‪ ،‬فضل ً عن وجود أكثر من ‪200‬‬
‫شركة "إسرائيلية" تعمل في الصناعات الحربية‪ .‬ويتمتع‬
‫الكيان الصهيوني باتفاقية تعاون استراتيجي مع أمريكا‪،‬‬
‫وبضمانات رسمية بأن تظل القوة العسكرية السرائيلية‬
‫متفوقة على القوة العسكرية العربية مجتمعة‪ .‬ويملك الكيان‬
‫الصهيوني أكثر من ‪ 200‬قنبلة نووية‪ ،‬وُيعد ّ خامس أكبر مصدر‬
‫للسلح في العالم‪ ،‬حيث حصل على عقود بيع أسلحة عام‬
‫‪ 1999‬تزيد قيمتها عن ‪ 2000‬مليون دولر أمريكي]‪.[96‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬فإن للكيان الصهيوني مشكلته‪ ،‬فهناك حالة من‬
‫النقسام والتفتت وسط الحزاب السياسية الكبرى‪ ،‬ويشكو‬
‫الجيش "السرائيلي" من حالة من الترهل "النسبية" وضعف‬
‫المعنويات‪ ،‬وحالت الهروب من الخدمة العسكرية‬
‫والنتحار‪.‬وهناك مشاكل اجتماعية متمثلة في تزايد حالة‬
‫النقسام العرقي والديني بين فئات اليهود الشكناز‬
‫والسفارديم‪ ،‬وارتفاع نسب الطلق‪ ،‬وانخفاض نسب المواليد‪،‬‬
‫كما أن مصادر الهجرة اليهودية في روسيا وأوربا الشرقية قد‬
‫حت وأوشكت على النفاد‪ ،‬ول يهتم يهود أمريكا وأوربا‬ ‫ش ّ‬
‫الغربية بالهجرة‪ ،‬مما يشكل ضربة لمشروع التوسع الصهيوني‬
‫ول أعيننا عن‬ ‫والدولة اليهودية‪.‬غير أن هذا كله ل ينبغي أن يح ّ‬
‫وه‪،‬خصوصا ً عندما نقارن ذلك‬ ‫حقيقة قوة هذا الكيان وعل ّ‬
‫بحقيقة الوضاع في عالمنا العربي والسلمي‪ ،‬الذي تواجه‬
‫دوله مشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية خطيرة أيضًا‪ .‬ولم‬
‫تصل مشاكل الكيان الصهيوني إلى الحالة الحرجة التي تؤذن‬
‫بانحلله وزواله‪ ،‬إذ ل بد لذلك من مشروع عربي –إسلمي‬
‫نهضوي شامل يكون على مستوى التحدي‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫القدس والوضع الحالي‪-:‬‬
‫احتل اليهود القدس الغربية في حرب ‪) ،1948‬وهي تساوي‬
‫نحو ‪ %84.1‬من المساحة الكلية للقدس(‪ ،‬وقاموا بتهويد هذه‬
‫المنطقة –التي تعود ‪ % 85‬من ملكيتها للعرب –وبناء أحياء‬
‫سكنية يهودية فوق أراضيها وأراضي القرى العربية المصادرة‬
‫حولها‪ ،‬مثل قرية لفتا التي ُبني عليها البرلمان السرائيلي‬
‫"الكنيست" وعدد من الوزارات‪ ،‬وقرى عين كارم ودير ياسين‬
‫والمالحة وغيرها‪ [97].‬وفي عام ‪ 1967‬أكمل الكيان‬
‫الصهيوني احتلله للقدس الشرقية‪ ،‬التي ُتعد ّ جزءا ً من الضفة‬
‫الغربية‪ ،‬والتي يقع فيها المسجد القصى‪ .‬ومنذ ذلك الوقت‬
‫بدأ حملة تهويد محمومة لشرقي القدس‪ ،‬فأعلن عن توحيد‬
‫شطري القدس تحت الدارة "السرائيلية" في ‪ 27‬يونيو‬
‫‪ ،1967‬ثم أعلن رسميا ً في ‪ 30‬يوليو ‪ 1980‬أن القدس‬
‫عاصمة أبدية موحدة للكيان "السرائيلي"‪[98].‬وقد كان‬
‫التركيز على القدس مسألة مركزية في الفكر اليهودي‬
‫الصهيوني؛ لما تمثله من أبعاد دينية وتاريخية‪ ،‬وقبل أن ينشأ‬
‫الكيان السرائيلي بحوالي خمسين عاما ً قال هرتزل‪ ،‬مؤسس‬
‫المنظمة الصهيونية العالمية‪" ،‬إذا حصلنا على مدينة القدس‪،‬‬
‫وكنت ل أزال حيا ً وقادرا ً على القيام بأي عمل‪ ،‬فسوف أزيل‬
‫كل شيء ليس مقدسا ً لدى اليهود فيها‪ ،‬وسوف أحرق جميع‬
‫الثار التي مرت عليها قرون"]‪ ،[99‬وكان المؤسس الفعلي‬
‫للكيان السرائيلي وأول رئيس وزراء له ديفيد بن جوريون‬
‫يقول "إنه ل معنى لسرائيل دون القدس‪ ،‬ول معنى للقدس‬
‫دون الهيكل"‪.‬‬
‫وقام الكيان السرائيلي بتوسيع نطاق بلدية القدس تدريجيًا؛‬
‫ليتمكن من ضم مناطق أخرى من الضفة الغربية نهائيا ً إلى‬
‫كيانه‪ ،‬وليقوم بعملية تهويد القدس على نطاق مبرمج واسع‪.‬‬
‫فتوسع نطاق البلدية شرقي القدس من ‪ 6.5‬كم ‪ 2‬سنة‬
‫‪ 1967‬إلى ‪ 123‬كم ‪ 2‬سنة ‪ .1990‬أما خطة ما يسمى‬
‫بالقدس الكبرى التي يطمح لتنفيذها فتشمل ‪ 840‬كم ‪ ،2‬أي‬
‫نحو ‪ % 15‬من مساحة الضفة الغربية‪ .‬وفي نطاق بلدية‬
‫شرقي القدس أنشأ الصهاينة طوقا ً من ‪ 11‬حيا ً يهوديا ً حول‬
‫المدينة القديمة حيث المسجد القصى‪ ،‬يسكنها نحو ‪190‬‬
‫ألف يهودي‪ .‬كما أنشأ طوقا ً آخر ‪ -‬أكثر اتساعًا‪ -‬حول‬
‫القدس من ‪ 17‬مستعمرة يهودية محاول ً قطع القدس عن‬
‫محيطها العربي السلمي‪ ،‬وبالتالي قطع الطريق عن أي‬

‫‪74‬‬
‫تسوية سلمية يمكن أن تعيد القدس أو شرقي القدس‬
‫للفلسطينيين‪ [100].‬ويسكن القدس بشقيها الغربي‬
‫والشرقي حوالي ‪ 650‬ألفا ً حسب تقديرات سنة ‪ 2000‬من‬
‫بينهم ‪ 450‬ألف يهودي‪ ،‬و ‪ 200‬ألف عربي )كل العرب تقريبا ً‬
‫يسكنون شرقي القدس(‪ .‬وبسبب سياسات المصادرة والقهر‬
‫استولى الصهاينة على ‪ % 86‬من مساحة القدس‪ ،‬وبقي‬
‫للعرب الفلسطينيين فعليا ً ‪ ،% 4‬بينما هناك ‪ُ % 10‬‬
‫منع‬
‫دة لمشاريع يهودية‪ ،‬مما يشير إلى‬ ‫العرب من النتفاع بها ومع ّ‬
‫مدى الخطورة التي وصل إليها مشروع تهويد مدينة القدس‪.‬‬
‫مع العلم أن الفلسطينيين كانوا يملكون ‪ % 90‬من القدس‬
‫عند بدء الحتلل البريطاني ‪[101].1918‬‬
‫أما الحرم القدسي "المسجد القصى" فهي قصة‬
‫مأساة أكثر إيلمًا‪ .‬فبعد أيام من احتلل اليهود القدس‬
‫الشرقية‪ ،‬قاموا بتدمير حي المغاربة المقابل للحائط الغربي‬
‫للمسجد القصى )حائط البراق أو ما يسميه اليهود حائط‬
‫المبكى(‪ ،‬وهو حي مكون من ‪ 135‬بيتا ً ومسجدين‪ ،‬وجرى‬
‫تسويته بالرض ليكون ساحة يستخدمها اليهود لغراض‬
‫عبادتهم‪ ،‬رغم أن الحي أرض وقف إسلمي‪ .‬وبدأ اليهود حملة‬
‫محمومة من الحفريات تحت المسجد القصى وحوله‪،‬‬
‫كزين على المنطقة الغربية والجنوبية للمسجد‪ ،‬محاولين‬ ‫مر ّ‬
‫إيجاد أي دليل حول هيكلهم‪ ،‬لكن كان معظم ما وجدوه آثارا ً‬
‫إسلمية تعزز مكانة القدس وهويتها السلمية‪ .‬ومنذ ‪1967‬‬
‫وحتى سنة ‪ 2000‬مرت عمليات الحفريات بعشر مراحل‪،‬‬
‫كانت تتم بنشاط ولكن بهدوء وتكتم‪ .‬وتم حفر عدد من‬
‫النفاق تحت المسجد القصى‪ .‬وبلغت الحفريات مراحل‬
‫خطيرة عندما أخذوا يفرغون التربة والصخور من تحت‬
‫المسجد القصى وقبة الصخرة‪ ،‬مستخدمين المواد الكيماوية‬
‫لتذويب الصخور‪ ،‬مما يجعل القصى تحت خطر النهيار في‬
‫أي لحظة‪ ،‬بسبب أية عاصفة قوية أو زلزال خفيف‪.‬‬
‫أما العتداءات على المسجد القصى فقد جرى ‪40‬‬
‫اعتداًء خلل ‪ ،1990-1967‬ولم تنفع التسوية السلمية‬
‫واتفاقات أوسلو في وقف العتداءات‪ ،‬فتم تسجيل ‪ 72‬اعتداًء‬
‫خلل الفترة ‪ ،1998-1993‬مما يشير إلى ازدياد الحملة‬
‫الشرسة ضد أحد أقدس مقدسات المسلمين‪ .‬وكان من أبرز‬
‫العتداءات عملية إحراق المسجد القصى في ‪ 21‬أغسطس‬
‫‪ ،1969‬وجرت محاولت لنسف المسجد القصى في أول‬

‫‪75‬‬
‫مايو ‪ ،1980‬وفي يناير وأغسطس وديسمبر ‪ .1984‬وفي ‪17‬‬
‫أكتوبر ‪ 1989‬قامت جماعة يهودية بوضع حجر الساس لبناء‬
‫الهيكل اليهودي الثالث قرب مدخل المسجد القصى‪[102].‬‬
‫ويقوم المسلمون في القدس وفلسطين بالسهر على حماية‬
‫القصى رغم ما يعانونه من احتلل وقهر‪ ،‬وهم يهّبون دوما ً‬
‫للدفاع عن حرمته بأجسادهم وحجارتهم‪ ،‬بعد أن فقدوا النصير‬
‫العربي والسلمي‪ .‬فلم تخل أي محاولة اعتداء يهودية من‬
‫قيام المسلمين بالتصدي لها حتى لو أدى ذلك إلى ارتكاب‬
‫مجازر بحقهم‪ ،‬كما حدث في ‪ 8‬أكتوبر ‪ 1990‬عندما استشهد‬
‫‪ 34‬وجرح ‪ 115‬آخرون‪ ،‬عندما حاولت جماعة يهودية وضع‬
‫حجر أساس الهيكل داخل المسجد القصى‪ .‬وكما حدث في‬
‫‪ 27-25‬سبتمبر ‪ 1996‬إثر انتفاضة الغضب التي قامت بسبب‬
‫افتتاح اليهود لنفق تحت الجدار الغربي للمسجد القصى‪ ،‬مما‬
‫أدى لستشهاد ‪ 62‬فلسطينيًا‪ ،‬وجرح ‪ 1600‬آخرين‪[103].‬‬
‫لقد صدرت عشرات القرارات الدولية عن المم المتحدة‬
‫ومجلس المن الدولي برفض ضم الكيان السرائيلي للقدس‬
‫الشرقية‪ ،‬ورفض أية إجراءات مادية أو إدارية أو قانونية تغّير‬
‫من واقع القدس واعتبار ذلك لغيًا‪ ،‬واعتبرت هذه القرارات‬
‫الكيان "السرائيلي" قوة احتلل يجب أن تخرج من القدس‬
‫)ومن الضفة الغربية وقطاع غزة ككل(‪ .‬وقد صدر أول هذه‬
‫القرارات في ‪ 4‬يوليو ‪ 1967‬عن الجمعية العامة للمم‬
‫المتحدة تحت رقم ‪ .2253‬وظلت القرارات تتوالى إلى أن‬
‫ضم الكيان السرائيلي القدس رسميا ً إليه‪ ،‬فاتخذت الجمعية‬
‫العامة للمم المتحدة قرار ‪ ES 712‬في ‪ 29‬يوليو ‪1980‬‬
‫بغالبية ‪ 112‬صوتا ً مقابل ‪ 7‬أصوات وامتناع ‪ ،24‬يدعو‬
‫الصهاينة إلى النسحاب الكامل ودون شروط من جميع‬
‫الراضي العربية المحتلة بما فيها القدس‪ .‬واتخذ مجلس‬
‫المن في ‪ 30‬يوليو ‪ 1980‬بغالبية ‪ 14‬صوتا ً ضد ل شيء‬
‫وامتناع الوليات المتحدة عن التصويت قرارا ً بإعلن بطلن‬
‫الجراءات التي اتخذها الكيان السرائيلي لتغيير وضع القدس‪،‬‬
‫مؤكدا ً ضرورة إنهاء الحتلل "السرائيلي"‪.‬‬
‫واستمرت القرارات في الصدور إلى الن‪ ،‬غير أنها وإن‬
‫كانت تعترف بحقوق الفلسطينيين‪ ،‬إل أنها تفتقر الجدية‬
‫واللية اللزمة لرغام الكيان السرائيلي على احترام‬
‫القرارات الدولية‪[104].‬‬

‫‪76‬‬
‫انتفاضة القصى‪ 28 :‬سبتمبر ‪ -2000‬الن )أكتوبر‬
‫‪2001‬م(‪-:‬‬
‫لقد كانت زيارة الرهابي أرييل شارون زعيم حزب الليكود‬
‫الستفزازية إلى حرم المسجد القصى في ‪ 28‬سبتمبر‬
‫‪ 2000‬هي الشرارة التي فجرت النتفاضة‪ ،‬وكان واضحا ً أن‬
‫ثمة مباركة وتأييدا ً من رئيس الحكومة الصهيونية باراك‬
‫للزيارة حيث زوده بستمائة جندي لمرافقته‪ ،‬واستنفر ‪3000‬‬
‫جندي وشرطي في القدس وأحيائها‪ .‬وصمم المسلمون على‬
‫الدفاع عن القصى‪ ،‬حيث سقط في المواجهات الولى‬
‫خمسة شهداء‪ ،‬وجرح أكثر من مائة‪.‬وكانت عناصر اشتعال‬
‫الوضع وأسباب تفجيره جاهزة‪ ،‬فقد وصلت مفاوضات‬
‫التسوية السلمية إلى طريق مسدود‪ ،‬وتأكدت الطماع‬
‫الصهيونية اليهودية في القدس والمسجد القصى‪ ،‬وظهر‬
‫التعنت السرائيلي في قضايا اللجئين والمستوطنات‪،‬‬
‫واستمر الصهاينة في مصادرة الراضي وتوسيع‬
‫المستوطنات‪.‬ولم يكونوا مستعدين للتنازل‪ ،‬ول لتنفيذ‬
‫القرارات الدولية‪ ،‬عندما يتعلق المر بالقضايا الجوهرية‬
‫الحاسمة‪ .‬وبدا لباراك أن "الحل الوحيد الذي لح في الفق‬
‫كان دفع الوضع إلى النفجار"‪ ،‬كما قال بنفسه في اجتماع‬
‫سري في ‪ 25‬أكتوبر ‪ .[105]2000‬ولعله أراد إظهار مزيد‬
‫من التصلب‪ ،‬وتحقيق مزيد من الشعبية وسط المجتمع‬
‫الصهيوني‪ ،‬واستثمار ذلك في وقف عملية التسوية أو إدخالها‬
‫في أزمات متتالية‪ ،‬في الوقت الذي تزداد فيه عمليات الهجرة‬
‫اليهودية ومصادرة الراضي والستيطان‪ ،‬ليتسنى تحقيق مزيد‬
‫من الضغط على السلطة الفلسطينية‪ ،‬التي أثبتت السنوات‬
‫الماضية قابليتها للتنازل والتراجع‪ ،‬وتخفيض سقف‬
‫مطالبها‪.‬لكن الصهاينة ُووجهوا ببركان غضب عارم ليس في‬
‫فلسطين وحدها‪ ،‬وإنما في العالم السلمي أجمع‪ ،‬وحيثما‬
‫وجدت الجاليات السلمية‪ ،‬وأبطل الله سبحانه وتعالى‬
‫حسابات الصهاينة ومكرهم‪ ،‬وبرز القصى عصيا ً على الخضوع‬
‫دت المليين أن تفديه ‪ -‬والرض‬ ‫والغتصاب عندما استع ّ‬
‫ً‬
‫المباركة – بأرواحها‪ ،‬وأفرزت النتفاضة عددا من الحقائق‬
‫والمؤشرات أهمها‪-:‬‬
‫الولى‪ :‬أن المة السلمية ل تزال حية‪ ،‬رغم الجراح التي‬
‫أثخنتها‪ ،‬وأن روح المقاومة والصمود والستعداد للبذل‬
‫والتضحية لم تخمد‪ .‬فقد خرجت المظاهرات بعشرات اللف‬

‫‪77‬‬
‫بل بمئات اللف في بلدان العالم السلمي‪ ،‬من الرباط في‬
‫أقصى المغرب وحتى جاكرتا في أقصى المشرق‬
‫السلمي‪،‬كلها تهتف للقصى والقدس وفلسطين‪ ،‬وتطالب‬
‫بالجهاد‪ ،‬وتقدم ما لديها من تبرعات ودعم‪ .‬فكانت لحظات‬
‫رائعة من أخوة السلم ووحدة المة‪ .‬وظهرت تجليات‬
‫المكانات الكبرى لهذه المة لتحقيق النصر لو سلكت طريق‬
‫الجهاد‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن قضية فلسطين – بأرضها المباركة وبقدسها‬
‫وأقصاها – قضية تجمع المسلمين وتوحدهم‪ ،‬بل وتكون سببا ً‬
‫في تجاوز خلفاتهم والتركيز على العدو الصهيوني المشترك‪.‬‬
‫وأن هذه القضية غدت القضية المركزية للعالم السلمي‪ ،‬فل‬
‫قضية تجمعهم كهذه القضية‪ ،‬ول عدو يجتمعون ضده كهذا‬
‫العدو‪.‬‬
‫الثالثة ‪:‬وجهت النتفاضة ضربة قاسية لمشروع التسوية‬
‫السلمية والتطبيع مع العدو‪ ،‬وبرز الخيار الجهادي كخيار أمثل‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أن هذه النتفاضة انعكست على طريقة تفكير الناس‬
‫وأسلوب حياتهم اليومي‪ ،‬فاشتد العداء للمشروع الصهيوني‪،‬‬
‫واشتد العداء ضد أمريكا‪ ،‬وتكرست الروح الجهادية وروح‬
‫التكافل‪ ،‬وتجاوبت الجماهير مع دعوات مقاطعة البضائع‬
‫المريكية والسرائيلية‪ ،‬حتى غّير المليين من أسلوب‬
‫طعامهم وشرابهم اليومي‪ ،‬ومن لباسهم ووسائل تنقلهم‬
‫واتصالتهم وترفيههم‪ ،‬فكانت مدرسة تربوية اجتماعية شعبية‪،‬‬
‫ربما احتاجت حركات الصلح سنوات للوصول إلى مثل‬
‫نتائجها‪ .‬فانخفضت مثل ً مبيعات مطاعم الوجبات السريعة‬
‫) مكدونالدز‪ ،‬و ‪ ( K.F.C‬بنحو ‪ %80‬في السعودية‪ ،‬وانخفضت‬
‫مبيعات مشروبات البيبسي كول بنسبة ‪ %46‬في مصر )وذلك‬
‫حسب بعض التقديرات التي نشرت في نوفمبر ‪،(2000‬‬
‫واتجه الناس للمأكولت والمشروبات الشعبية‪ ،‬بل واضطرت‬
‫الشركات الجنبية المريكية لنزال إعلنات عدم العلقة‬
‫بالكيان الصهيوني‪ ،‬بل والتبرع لضحايا النتفاضة‪ ،‬كما حدث مع‬
‫مطاعم مكدونالدز التي تبرعت بريال سعودي لكل وجبة‬
‫طعام‪ ،‬لعلج جرحى النتفاضة]‪.[106‬‬
‫الخامسة‪ :‬أن التسوية السلمية قائمة على الظلم والغصب‪،‬‬
‫وأن جماهير الفلسطينيين والعرب والمسلمين ترفض التنازل‬
‫عن حقوقها في الرض المقدسة‪ ،‬وأنها ل تأمل من الغاصب‬

‫‪78‬‬
‫الصهيوني سلما ً ول خيرًا‪ ،‬وأنها ترى في الجهاد الوسيلة‬
‫النجع لسترداد الحقوق‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬برزت أهمية العلم ودوره في التعبئة‪ ،‬إذ تمكن‬
‫المسلمون من كسر الطوق العلمي الغربي المتصهين‪ ،‬من‬
‫خلل الفضائيات العربية‪ ،‬وخدمات النترنت والبريد‬
‫اللكتروني‪ ،‬وخصوصا ً في المراحل الولى من النتفاضة‪ .‬ومن‬
‫جهة أخرى‪ ،‬فقد تميزت هذه النتفاضة بالمشاركة الشعبية‬
‫الواسعة في كل أرجاء فلسطين المحتلة‪ ،‬وبمشاركة كافة‬
‫التيارات الفلسطينية‪ .‬كما تميزت في الوقت نفسه‪ ،‬بشدة‬
‫القمع الصهيوني الذي تمادى في قتل الطفال والبرياء‬
‫واستخدام السلحة المحرمة دوليًا‪ ،‬وانكشفت سوءات أدعياء‬
‫السلم "الصهاينة" الذين تباروا في سحق النتفاضة المباركة‪.‬‬
‫وقد صمد أبناء فلسطين صمودا ً بطوليا ً طوال الفترة‬
‫الماضية‪ ،‬ول يزالون‪ .‬وتشير الحصائيات إلى أنه بعد مرور‬
‫سنة على النتفاضة )‪ 28‬سبتمبر ‪ 28-2000‬سبتمبر ‪(2001‬‬
‫فقد استشهد ‪ 727‬فلسطينيًا‪ ،‬وجرح نحو ثلثين ألفا ً )أو ‪35‬‬
‫ألفا ً حسب تقديرات أخرى(‪ ،‬وأصيب ‪ 2800‬منهم بإعاقات‬
‫ل‪ ،‬وجرح‬ ‫دائمة‪ .‬واستشهد من أطفال فلسطين ‪ 159‬طف ً‬
‫آلف الطفال‪ ،‬وتقدر نسبة الصابات في الطفال واليافعين‬
‫دون سن الثامنة عشرة بنحو ‪ %40‬من مجمل إصابات‬
‫النتفاضة‪ .‬وكان من بين الشهداء ‪ 13‬شهيدا ً من أبناء الرض‬
‫المحتلة عام ‪ 1948‬حيث انتفضوا بقوة إلى جانب إخوانهم‬
‫في الضفة والقطاع‪ .‬وقام الكيان الصهيوني بتدمير نحو‬
‫خمسة آلف بيت‪ ،‬واجتثاث ‪ 200‬ألف شجرة‪ ،‬وقصف ‪95‬‬
‫مدرسة‪ ،‬وتسبب حصاره في معاناة ‪ 218‬قرية من العطش‬
‫الشديد‪ ،‬وارتفعت نسبة البطالة من ‪ %11‬إلى ‪ %57‬بين أبناء‬
‫الضفة والقطاع‪ ،‬وأصبح هناك ‪ 265‬ألفا ً عاطلين عن العمل‪،‬‬
‫وباحتساب عدد عائلت هؤلء يرتفع عدد المتضررين إلى‬
‫مليون و ‪ 270‬ألفًا‪ ،‬أي نحو ‪ % 45.5‬من سكان الضفة‬
‫والقطاع‪ .‬وارتفعت نسبة الفلسطينيين تحت خط الفقر إلى‬
‫‪ ، %50‬وخسر القتصاد الفلسطيني –الناشئ المنهك‪ -‬نحو‬
‫‪ 7.5‬بليون دولر أمريكي‪.[107].‬أما منظمة العمل العربية‬
‫فقد قدرت خسائر الفلسطينيين بنحو ‪ 19‬مليون دولر يوميًا‪،‬‬
‫درت الخسائر‬ ‫منت الضرار غير المباشرة(‪ ،‬فق ّ‬ ‫) يبدو أنها ض ّ‬
‫اليومية لقطاع العمال بـ ‪6.6‬مليون دولر‪ ،‬وقطاع التجارة‬
‫‪5.5‬مليون‪ ،‬والصناعة ‪ 3.3‬مليون‪ ،‬والزراعة ‪ .)108]3.2‬وقد‬

‫‪79‬‬
‫تعمد الصهاينة إطلق النار بقصد القتل وليس لتفريق‬
‫المظاهرات‪ ،‬أو مجرد مواجهة حجارة المنتفضين‪ ،‬فذكرت‬
‫التقارير أن ‪ %65‬من الصابات كانت في الجزء العلوي من‬
‫الجسد‪ ،‬أي في الرأس والرقبة والصدر والبطن‪ ،‬وأن ‪%40‬‬
‫من الصابات كانت باستخدام أسلحة محرمة دوليا ً مثل‬
‫رصاص الدمدم الذي يتفجر في الجسد‪ ،‬ورصاص ‪ ،500‬و‬
‫‪ 800‬الذي يستخدم عادة ضد الدبابات!!‪ ،‬وكانت نسبة‬
‫‪%40‬من الصابات ليافعين وأطفال تحت سن ‪ 18‬سنة]‬
‫‪ .[109‬كما تبنى الصهاينة سياسة الغتيال السياسي لنشطاء‬
‫النتفاضة‪ ،‬حيث استشهد من جراء ذلك نحو ثمانين فلسطينيا ً‬
‫من مختلف الفصائل الفلسطينية مثل جمال منصور وجمال‬
‫سليم من قيادات حماس‪ ،‬ومثل أبو علي مصطفى المين‬
‫العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين‪ .‬غير أن كافة الساليب‬
‫القمعية لم تفلح في قمع النتفاضة التي أخذت طابعا ً عسكريا ً‬
‫زاد قوة مع تطور الحداث‪ ،‬فذكرت تقارير إسرائيلية عن‬
‫وقوع ما معدله ‪ 70 -50‬عملية يوميا ً ضد أهداف صهيونية‪،‬‬
‫وتعمد الكيان الصهيوني أسلوب التعتيم العلمي‪ ،‬وعدم‬
‫العلن إل عما ل يمكن إخفاؤه‪ ،‬وعند ذلك يتعمد إخفاء‬
‫الخسائر الحقيقية‪ ،‬وإعطاء أرقام أقل للحفاظ على معنويات‬
‫المجتمع الصهيوني وجنوده‪ ،‬وعلى الثقة بالقيادة الصهيونية‪،‬‬
‫وإشعار المجاهدين أن فعالياتهم وعملياتهم غير مؤثرة‪ ،‬فضل ً‬
‫عن إضعاف روح التفاعل العربي والسلمي مع القضية‪ .‬وقد‬
‫شاركت كافة الفصائل الفلسطينية في العمليات العسرية‪.‬‬
‫در مجموع قتلى الصهاينة بنحو ‪ 165‬بعد مرور سنة على‬ ‫ويق ّ‬
‫النتفاضة )وهو ما أمكن معرفته من المصادر الرسمية‬
‫"السرائيلية" التي تتعمد إخفاء خسائرها أو تقليلها(‪،‬‬
‫والجرحى بنحو ‪ .1400‬وتشير إحصائية فلسطينية أخرى‪،‬‬
‫نشرتها وكالة قدس برس في يناير ‪ ،2002‬إلى أنه قد قتل‬
‫منذ اندلع النتفاضة وحتى نهاية سنة ‪ 2001‬ما مجموعه‬
‫‪ 243‬صهيونيا ً بينهم ‪ 184‬مستوطنا ً و ‪ 59‬عسكريًا‪ ،‬وأصيب‬
‫‪ 2344‬إسرائيليا ً بجراح بينهم ‪ 1662‬مستوطنًا‪ ،‬و ‪682‬‬
‫عسكريًا‪ ،‬وذلك في ‪ 10401‬عملية فدائية نفذها مقاتلون‬
‫فلسطينيون ضد الهداف الصهيونية‪.‬‬
‫ل‪،‬‬‫وتميزت حماس بعملياتها الستشهادية التي أحدثت دويا ً هائ ً‬
‫وزعزعت المن في الكيان الصهيوني‪ .‬فقد نفذت حماس ‪12‬‬
‫عملية استشهادية خلل السنة الولى للنتفاضة‪ُ ،‬قتل فيها ‪61‬‬

‫‪80‬‬
‫صهيونيا ً على القل‪ ،‬ونفذ معظمها في قلب الرض المحتلة‬
‫سنة ‪ ،1948‬في مدن تل أبيب ونتانيا والقدس وكفر سابا‬
‫ونهاريا وغزة‪ .‬أما كتائب شهداء القصى التابعة لحركة فتح‬
‫فركزت على عمليات إطلق الرصاص ضد قوات الحتلل‬
‫والمستوطنين في الضفة الغربية والقطاع‪ ،‬حيث قتل نحو ‪30‬‬
‫صهيونيًا‪ .‬ونفذت الجهاد السلمي أربع عمليات كبيرة ُقتل‬
‫فيها عشرة صهاينة‪ .‬كما نفذت الجبهتان الشعبية‬
‫والديموقراطية وغيرهما عددا ً من العمليات]‪ .[110‬ومن‬
‫العمليات النوعية التي تستحق الشادة عملية اغتيال وزير‬
‫السياحة "السرائيلي" رحبعام زئيفي( وهو جنرال سابق في‬
‫الجيش "السرائيلي"‪ ،‬ومن أشد الصهاينة تطرفًا‪ ،‬وقد نفذت‬
‫الجبهة الشعبية هذه العملية بجرأة وبراعة منتقمة لغتيال‬
‫أمينها العام أبو علي مصطفى‪ .‬كما نفذت حماس‬
‫والديموقراطية عمليات اقتحام نوعية لمستوطنات إسرائيلية‪.‬‬
‫وفضل ً عن أسلوب الردع العنيف الذي تبّناه الصهاينة‪ ،‬فإن‬
‫هذه النتفاضة قد أدت إلى سقوط حكومة حزب العمل‬
‫السرائيلي بزعامة باراك‪ ،‬وهزيمة باراك الساحقة في‬
‫انتخابات رئاسة الوزراء السرائيلية ‪ 6‬فبراير ‪ ،2001‬حيث‬
‫اختار الصهاينة رجل ً أكثر دموية وتطرفًا‪ ،‬ومشهورا ً بمذابحه‬
‫ضد الفلسطينيين‪ ،‬هو أرييل شارون زعيم الليكود‪.‬‬
‫وفقد المجتمع الصهيوني شعوره بالمن‪ ،‬وأصبح الصهاينة‬
‫يتجنبون ركوب الحافلت‪ ،‬ويخففون من التسوق قدر المكان‪،‬‬
‫لئل يحدث انفجار في أي لحظة في أي مكان‪ .‬وتبخرت أحلمه‬
‫في فرض شروطه المهينة على العرب والمسلمين‪ ،‬وارتفعت‬
‫جدران العداء والدماء من جديد لتوقف مد التسوية والتطبيع‬
‫وتركيع المنطقة للمشروع الصهيوني‪ .‬كما أعاد الكيان‬
‫الصهيوني إلى أذهان العالم صورة وجهه البشع من جديد‪،‬‬
‫وتحول نموذج استشهاد الطفل محمد الدرة ‪-‬الذي رآه العالم‪-‬‬
‫إلى كابوس يفضح الحقد والوحشية الصهيونية‪.‬وعانى‬
‫الصهاينة من تدهور وضعهم القتصادي الذي كان يشهد‬
‫درت‬ ‫ضربت السياحة‪ ،‬وقُ ّ‬ ‫ازدهارا ً كبيرا ً قبل النتفاضة‪ ،‬فقد ُ‬
‫خسائرها بنحو مليار دولر‪ ،‬وانخفض الناتج الوطني السرائيلي‬
‫بنسبة ‪ ،%9.8‬بعد أن كان سجل نموا ً قدره ‪ %9‬خلل الربع‬
‫الثالث من عام ‪ ،2000‬وانخفض حجم الميزان التجاري بنسبة‬
‫‪ ،%31‬وبلغ العجز التجاري في شهر أكتوبر ‪ 2000‬فقط‬
‫حوالي ‪ 486‬مليون دولر]‪ [111‬وصل المعدل العام للخسائر‬

‫‪81‬‬
‫اليومية الصهيونية في آب‪ /‬أغسطس ‪ 2001‬إلى نحو ‪16-14‬‬
‫مليون دولر أمريكي يوميًا‪.‬‬
‫لقد أحدثت هذه النتفاضة هزة عميقة في الكيان الصهيوني‪،‬‬
‫وأصابته في صميم القاعدتين اللتين بنى عليهما وجوده‬
‫المادي‪ ،‬وهما المن والزدهار القتصادي‪ .‬وأخذ عشرات‬
‫اللف من اليهود يحزمون حقائبهم ويغادرون الكيان‬
‫الصهيوني إلى أوربا وأمريكا وأستراليا‪ ،‬وأظهرت استطلعات‬
‫الرأي العام أن أكثر من ‪ %25‬من اليهود في فلسطين‬
‫يفكرون جديا ً في المغادرة وترك البلد‪ .‬ول زال الكيان‬
‫الصهيوني بقيادة الرهابي شارون مصّرا ً على قمع النتفاضة‪،‬‬
‫وإلغاء مكاسبها‪ .‬وقد استفاد مؤخرا ً من أجواء انشغال العالم‬
‫بأحداث تدمير مبنى التجارة العالمي في نيويورك في ‪11‬‬
‫سبتمبر ‪ ،2001‬وما تله من هجوم أمريكا وحلفائها على‬
‫أفغانستان‪ ،‬ومحاولة القضاء على حركة طالبان وبن لدن‪...‬‬
‫استفاد من ذلك ليستخدم أشرس ما في جعبته من قتل‬
‫وتدمير وتخريب‪ .‬لكن الخشية الحقيقية على هذه النتفاضة‬
‫تأتي من وسط الشعب الفلسطيني‪ ،‬وبشكل أكثر تحديدا ً من‬
‫احتمالت تعاون السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني في‬
‫وأد النتفاضة بحجة العودة إلى طاولة المفاوضات‪ ،‬وإمكانية‬
‫تحقيق مكاسب سياسية‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪-----‬‬
‫]‪ [78‬جريدة صوت الشعب )الردن(‪ 8 ،‬ديسمبر ‪.1993‬‬
‫]‪ [79‬جريدة الحياة‪ 5 ،‬مارس ‪. 1995‬‬
‫]‪ [80‬انظر حول حماس في‪ :‬محسن صالح‪ ،‬الطريق إلى‬
‫القدس‪ ،‬ص ‪ ،205-183‬وخالد الحروب‪ ،‬حماس )بيروت‪:‬‬
‫مؤسسة الدراسات االفلسطينية‪.(1997 ،‬‬
‫]‪ [81‬جريدة الخليج )المارات(‪ 8 ،‬مايو ‪.2000‬‬
‫]‪[82‬جريدة الخليج‪ 25 ،‬يناير ‪ ،2000‬وحسب المصدر نفسه‬
‫يوجد في الكيان الصهيوني عشرة آلف عالم نووي‪.‬‬
‫]‪[83‬حول اتفاق أوسلو وما تله‪ ،‬انظر‪:‬عماد يوسف وآخرون‪،‬‬
‫النعكاسات السياسية لتفاق الحكم الذاتي الفلسطيني‪،‬‬
‫)عمان‪ :‬مركز دراسات الشرق الوسط‪ ،(1995 ،‬ومنير‬
‫شفيق‪ ،‬أوسلو "‪ "1‬و"‪ :"2‬المسار والمآل )لندن‪ :‬فلسطين‬
‫المسلمة‪ ،(1997 ،‬ومحسن صالح‪ ،‬الطريق إلى القدس‪ ،‬ص‬
‫‪.182-174‬‬

‫‪82‬‬
‫]‪[84‬جريدة الحياة ‪ 12،‬أغسطس ‪.1995‬‬
‫]‪[85‬جريدة الحياة‪5 ،‬مارس ‪.1995‬‬
‫]‪[86‬حسبما تناقلته الخبار في ‪ 1‬مارس ‪ ،2000‬انظر‪:‬‬
‫‪WWW.Palestine-info.org./news, 2Mar.2000‬‬
‫]‪ [87‬جريدة الرأي )الردن(‪ 2 ،‬مايو ‪.1995‬‬
‫]‪ [88‬جريدة الخليج‪ 16 ،‬إبريل ‪.2000‬‬
‫]‪ [89‬جريدة السياسة )الكويت(‪ 27 ،‬إبريل ‪.1995‬‬
‫]‪ [90‬جريدة الشرق الوسط )لندن(‪ 22 ،‬مارس ‪.1995‬‬
‫]‪ [91‬تصريح هشام شرابي في جريدة الحياة‪ 5 ،‬مارس‬
‫‪.1995‬‬
‫]‪[92‬داود سليمان‪ ،‬السلطة الوطنية الفلسطينية في عام‬
‫‪) 1995-1994‬عمان‪ :‬مركز دراسات الشرق الوسط‪،‬‬
‫‪ ،(1995‬ص ‪135‬‬
‫]‪.www.passia.org/Palestine-facts/chronology/1997 [93‬‬
‫* أضيفت هذه الفقرة بعد تماثل الكتاب للطباعة‪.‬‬
‫]‪ [94‬حول الهجرة اليهودية وأعداد اليهود‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Central Bureau of statistics, government of Israel, in:‬‬
‫‪http://www.cbs.gov.il/yahran/bl/e.htm‬‬
‫وانظر‪ :‬عمران أبو صبيح‪ ،‬الهجرة اليهودية حقائق وأرقام‪:‬‬
‫‪) 1990-1882‬عمان‪ :‬دار الجليل‪.(1991 ،‬‬
‫]‪[95‬حول الوضع القتصادي في الكيان السرائيلي‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪http://www.cbs.gov.il/yahran/bl/e.htm, and CIA world‬‬
‫‪.Factbook 2000, Israel, Egypt, Syria Lebanon and Jordan‬‬
‫وفضل النقيب‪" ،‬القتصاد"‪ ،‬في دليل إسرائيل العام )بيروت‪:‬‬
‫مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،(1996 :‬ص ‪.212-183‬‬
‫]‪[96‬حول القوة العسكرية "السرائيلية"‪ ،‬انظر‪:‬محمد زهير‬
‫دياب‪" ،‬المؤسسة العسكرية‪ "،‬في دليل إسرائيل العام‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪ .313-285‬وعبد الوهاب المسيري‪" ،‬صناعة‬
‫السلح في التجمع الستيطاني الصهيوني"‪ ،‬في جريدة‬
‫الخليج‪ 11 ،‬يونيو ‪ .2000‬وانظر‪:‬‬
‫‪The Military Balance, 1998/99, International Institute for‬‬
‫‪.Strategic Studies, London‬‬
‫]‪ [97‬انظر‪ :‬رفيق النشتة‪ ،‬وإسماعيل ياغي‪ ،‬تاريخ مدينة‬
‫القدس )عمان‪ :‬دار الكرمل‪ ،(1984 ،‬ص ‪ ،94‬وهنري كتن‪،‬‬
‫فلسطين في ضوء الحق والعدل )بيروت‪ ،(1970 :‬ص ‪.45‬‬
‫]‪ [98‬انظر‪ :‬الموسوعة الفلسطينية‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.522‬‬

‫‪83‬‬
‫]‪ [99‬النتشة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.157‬‬
‫]‪ [100‬حول هذه الفترة عن تهويد القدس‪ ،‬انظر‪ :‬الموسوعة‬
‫الفلسطينية‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،527-521‬وإبراهيم أبو جابر وآخرون‬
‫"قضية القدس ومستقبلها‪" ،‬في المدخل إلى القضية‬
‫الفلسطينية )عمان‪ :‬مركز دارسات الشرق الوسط‪،(1997 ،‬‬
‫ص ‪ .568-544‬وجريدة الدستور‪ 18 ،‬يونيو ‪.1997‬‬
‫]‪[101‬حول نسب الملكية في القدس‪ ،‬انظر‪ :‬إبراهيم أبو‬
‫جابر وآخرون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،541‬وص ‪ .557‬ورفيق‬
‫النتشة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫]‪ [102‬هناك الكثير من المصادر التي تحدثت عن عمليات‬
‫تهويد منطقة القصى والحفريات تحته والعتداءات عليه‪،‬‬
‫انظر حول الفقرتين السابقتين مثل ً في‪ :‬إبراهيم أبو جابر‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،568-564‬والموسوعة الفلسطينية‪ ،‬ج ‪،3‬‬
‫ص ‪ ،523-522‬والخبار اليومية‪ ،‬مثل ً في‪ :‬جريدة الخليج‬
‫‪13‬فبراير ‪ ،2000‬و ‪ 27‬يوليو ‪ ،2000‬و ‪ 9‬سبتمبر ‪ ،2000‬و‬
‫‪ 8‬و ‪ 17‬يناير ‪ ،2001‬والمركز العلمي الفلسطيني )‬
‫‪ (http:/www.palsetine-info.org‬بتواريخ ‪ 23‬مارس ‪ ،2000‬و‬
‫‪ 6 ،2‬إبريل ‪.2000‬‬
‫]‪[103‬غطت الجرائد اليومية تلك الحداث‪ ،‬انظر الخبار في‬
‫اليام التالية للحداث‪ ،‬مثل ً في‪ :‬جريدتي الرأي والدستور‪.‬‬
‫ل‪ :‬الموسوعة‬ ‫]‪[104‬حول القدس في المم المتحدة‪ ،‬انظر مث ً‬
‫الفلسطينية‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.553-548‬‬
‫]‪[105‬جريدة الخليج‪ 10 ،‬نوفمبر ‪.2000‬‬
‫]‪[106‬يمكن مراجعة التقارير المنشورة في النترنت في‬
‫أشهر أكتوبر وديسمبر ‪ 2000‬في ‪Islamonline.com،‬‬
‫‪ ،Palistine-info.org‬لقراءة العديد من النماذج والتقارير‪.‬‬
‫]‪ [107‬انظر‪ :‬الملف التوثيقي الذي أصدره مركز زايد في‬
‫المارات‪ ،‬والذي نشر ملخصه في‪ :‬الخليج‪ 5 ،‬أكتوبر ‪.2001‬‬
‫وانظر أيضًا‪ :‬الخليج‪ 29 ،‬سبتمبر ‪ ،2001‬و ‪ 1‬أكتوبر ‪.2001‬‬
‫]‪ [108‬الخليج‪ 6،‬ديسمبر ‪.2000‬‬
‫]‪ [109‬الخليج‪ 11 ،‬ديسمبر ‪.2000‬‬
‫]‪ [110‬انظر‪ :‬فلسطين المسلمة‪ ،‬أكتوبر ‪ ،2001‬وتقرير‬
‫الجيل للصحافة في ‪ 23‬سبتمبر ‪ 2001‬في‪:‬‬
‫‪www.Islam-online.net/Arabic/news‬‬
‫]‪ [111‬انظر المجتمع‪ 28 ،‬نوفمبر ‪ ،2000‬فلسطين‬
‫المسلمة‪ ،‬مارس ‪.2000‬‬

‫‪84‬‬
‫تقويم و خلصات‪-:‬‬
‫يجدر بنا في نهاية هذه الدراسة المختصرة أن نضع النقاط‬
‫على الحروف فيما يتعلق بأهم الخلصات‪ ،‬وتقويمنا لمسيرة‬
‫القضية الفلسطينية وتجربتها‪:-‬‬
‫)‪ (1‬أرض فلسطين أرض مقدسة مباركة‪ ،‬سكنها أبناؤها‬
‫"الكنعانيون" منذ نحو ‪ 4500‬عام‪ ،‬ومن امتزج بهم بعد ذلك‬
‫من "الفلسطينيين"و القبائل العربية‪ .‬وقد أسلم أبناؤها ‪ -‬بعد‬
‫الفتح السلمي لفلسطين ‪15‬هـ‪636/‬م ‪ -‬وتعربت لغتهم‪،‬‬
‫وظلوا تحت حكم السلم أطول فترة في تاريخ فلسطين‪.‬‬
‫‪ ( (2‬إن بني إسرائيل حكموا أجزاء من فلسطين نحو أربعة‬
‫قرون‪ ،‬ولكنهم عندما حرّفوا دينهم وكفروا وقتلوا أنبياءهم‪،‬‬
‫سخط الله عليهم‪ ،‬وخسروا شرعيتهم في فلسطين‪ .‬وورثت‬
‫المة المسلمة السائرة على درب التوحيد والنبياء هذا الحق‪.‬‬
‫وقد انقطعت صلة اليهود عمليا ً بفلسطين نحو )‪ (1800‬عام‪،‬‬
‫"منذ ‪135‬م وحتى القرن العشرين"‪ ،‬دون أن يكون لهم‬
‫تواجد سياسي أو حضاري أو ريادي في هذه الرض المباركة‪.‬‬
‫) ‪ (3‬إن ظهور النزعات الصهيونية ‪ -‬المؤيدة لتجميع اليهود‬
‫في فلسطين ‪ -‬وسط مسيحي أوربا‪ ،‬وخصوصا ً البروتستانت‪،‬‬
‫وظهور الفكرة القومية والدولة القومية‪ ،‬ونشأة المشكلة‬
‫كن اليهود من‬ ‫اليهودية خصوصا ً في أوربا الشرقية‪ ،‬وتم ّ‬
‫الوصول إلى عدد من دوائر النفوذ في أوربا وأمريكا‪ ....‬كل‬
‫ذلك عوامل أسهمت في نشوء الحركة الصهيونية التي سعت‬
‫لنشاء كيان يهودي في فلسطين‪.‬‬
‫‪ ( (4‬إن فكرة "الدولة الحاجزة" في فلسطين‪ ،‬التي دعمها‬
‫الستعمار الغربي‪ ،‬وخصوصا ً بريطانيا‪ ،‬تمثل ذروة الخطر‬
‫الصليبي‪ -‬الصهيوني في قلب العالم السلمي‪ .‬وهي تهدف‬
‫إلى منع وحدته وإضعافه‪ ،‬وإبقائه مفككا ً عاجزا ً عن النهضة‪،‬‬
‫قابعا ً في دائرة التبعية‪ .‬كما هدفت إلى منع ظهور قوة‬
‫ل مكان الدولة العثمانية التي تم القضاء‬ ‫إسلمية كبرى‪ ،‬تح ّ‬
‫عليها‪.‬‬
‫‪ ( (5‬إن القوى الغربية الكبرى قد أعطت الغطاء والرعاية‬
‫والحماية للمشروع الصهيوني‪ ،‬فقامت بريطانيا باحتلل‬
‫ب المشروع‬ ‫فلسطين بالقوة والقهر )‪ ،(1948-1918‬حتى ش ّ‬

‫‪85‬‬
‫عوده‪ .‬ثم أصبحت الوليات المتحدة السند‬ ‫الصهيوني على ُ‬
‫الول‪ ،‬والراعي الكبر لهذا المشروع‪ ،‬منذ انتهاء الحرب‬
‫العالمية الثانية ‪ 1945‬وحتى الن‪ ،‬تزوده بالحماية والدعم‬
‫العسكري والسياسي والمالي‪ ،‬وتوفر له غطاء "الشرعية"‬
‫الدولية‬
‫‪ ((6‬إن العالم العربي والسلمي كان مستضعفا ً مستعمرا ً‬
‫في النصف الول من القرن العشرين مما سّهل إنشاء الكيان‬
‫الصهيوني‪ .‬كما أن نشوء الدولة القطرية المستقلة بعد ذلك‬
‫أبقى على حالة التفكك والتجزئة والضعف‪ ،‬فتوزع العالم‬
‫السلمي على نحو ‪ 55‬دولة‪ .‬وقد استندت هذه النظمة في‬
‫حكمها إلى مناهج مستوردة بعيدة عن السلم وعن تراث‬
‫هذه المة وحضارتها‪ ،‬فكانت أعجز من أن تستنهض طاقات‬
‫المة في مواجهة الخطر الصهيوني‪ ،‬الذي يهددها جميعًا‪ .‬كما‬
‫فشل أغلبها في مجالت النهضة القتصادية والعلمية‪ ،‬وفي‬
‫حل مشاكل شعوبها‪ ،‬فضل ً عن خصامها مع شعوبها‪ ،‬بسبب‬
‫الفساد السياسي والحكم العسكري‪. ...‬‬
‫)‪ (7‬إن ما ُيعرف بـ "الشرعية الدولية" سواء أكان عصبة‬
‫المم‪ ،‬أو المم المتحدة‪ ،‬قد استخدمتها الدول الكبرى كأدوات‬
‫لتنفيذ خططها ومصالحها‪ ،‬ولضفاء الشرعية على هيمنتها‬
‫الدولية‪ ،‬ومن ذلك إقامة الدولة الصهيونية في فلسطين‪،‬‬
‫وترسيخ وجودها "وشرعيتها" محليا ً ودوليًا‪ .‬وإن أية قرارات‬
‫دولية تدعم الحق الفلسطيني كان يتم تجاهلها أو إجهاضها‪،‬‬
‫مما يكشف الوجه القبيح لهذه "الشرعية" التي تتستر خلفها‬
‫دولة كبرى "الوليات المتحدة" أو أكثر‪.‬‬
‫‪ ((8‬إن خطر الكيان اليهودي الصهيوني يهدد العالم السلمي‬
‫أجمع‪ ،‬فمع نهاية القرن العشرين ترسخ هذا الكيان بوجود‬
‫خمسة مليين يهودي‪ ،‬لديهم من القوة العسكرية ما يمكنهم‬
‫من هزيمة الدول العربية وفق الحسابات المادية‪ ،‬ولديهم نحو‬
‫)‪ (200‬قنبلة نووية تمكنهم من تدمير عواصم العالم السلمي‬
‫ومدنه‪ .‬وهو يسعى بشكل دائب لبقاء العالم السلمي ضعيفا ً‬
‫مفككًا؛ لن ذلك خير وسيلة لضمان استمراره‪ .‬وما دعمه‬
‫وتدريبه للمتمردين في جنوبي السودان‪ ،‬وتدميره للمفاعل‬
‫النووي العراقي سنة ‪ ،1981‬ومحاولة تدميره المفاعل‬
‫النووي الباكستاني‪ ،‬ودوره المخابراتي والفسادي في مصر‬
‫والردن ولبنان وغيرها إل بعض مؤشرات على ذلك‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪ ( (9‬إن المسلمين ل يقاتلون اليهود لكونهم يهودا ً فقط‪.‬‬
‫فالصل في علقة المسلمين بأهل الكتاب أو أهل الذمة هو‬
‫العدل والحسان وإعطاء كافة الحريات والحقوق الدينية‬
‫وحقوق المواطنة الكاملة لهم تحت حكم السلم‪ ،‬وإن‬
‫"المشكلة اليهودية" والعداء للسامية نشأت في أوربا وليس‬
‫في العالم السلمي الذي كان اليهود يلجأون إليه آمنين من‬
‫الضطهاد والتعصب الديني والقومي في أوربا‪ .‬إن المسلمين‬
‫يقاتلون اليهود الصهاينة المعتدين الذين اغتصبوا أرض‬
‫فلسطين وشردوا شعبها وانتهكوا مقدساتها‪ ،‬وسيقاتل‬
‫المسلمون أية فئة أو جماعة تحاول احتلل أرضهم مهما كان‬
‫دينها أو قوميتها‪.‬‬
‫‪ ( (10‬إن المقاومة الفلسطينية ضد بريطانيا والمشروع‬
‫الصهيوني )‪ (1948-1917‬اتسمت بالمبدئية والخلص‪،‬‬
‫وضحى أبناء فلسطين تضحيات جساما ً خصوصا ً في الثورة‬
‫الكبرى )‪ .(1939-1936‬غير أن المؤامرة الدولية وإمكانات‬
‫القوى الكبرى كانت أكبر من طاقاتهم‪ ،‬في وقت افتقدوا فيه‬
‫النصير القوي المين‪.‬‬
‫)‪ (11‬إن المقاومة الفلسطينية المعاصرة )م‪.‬ت‪.‬ف‪ ،‬والعمل‬
‫الفدائي الفلسطيني( التي تولت قيادة الساحة الفلسطينية‪،‬‬
‫قد قدمت هي الخرى تضحيات كبيرة‪ ،‬وكرست الهوية‬
‫الوطنية الفلسطينية‪ ،‬ولقيت اعتراف واحترام معظم دول‬
‫العالم‪ ،‬غير أنها عانت من جوانب أضعفت أداءها وقدرتها على‬
‫تحقيق أهدافها‪ ،‬ومن ذلك‪-:‬‬

‫‪ -‬إشكالية المنهج‪ :‬حيث تميز خطها بأنه خط علماني‪ ،‬راوح‬


‫بين دوائر الوطنية والقومية واليسارية‪ .‬ولم يستند إلى المنهج‬
‫السلمي القدر على استنهاض طاقات المة وتوحيدها‬
‫وتجنيدها ضد الصهيونية وحلفائها‪ .‬وظل منهج م‪.‬ت‪.‬ف‪ .‬ينزع‬
‫دائما ً للستجابة للضغوط "ومتطلبات المرحلة"‪ ،‬والسعي‬
‫للبقاء في دائرة الضوء‪ ،‬حتى ولو على حساب المبادئ‬
‫والثوابت والحقوق الساسية للشعب الفلسطيني‪ .‬مما أدى‬
‫إلى "تقزيم" المطالب السياسية الفلسطينية مع الزمن‪. ...‬‬
‫فمن تحرير فلسطين وإخراج الغاصبين‪ ،‬إلى الدولة‬
‫الديموقراطية التي تشمل العرب والصهاينة المعتدين‪ ،‬إلى‬
‫القبول "بحق" الصهاينة في ‪ %77‬من أرض فلسطين‪ ،‬إلى‬
‫الموافقة على حكم ذاتي في الضفة والقطاع‪. ..‬‬

‫‪87‬‬
‫‪ -‬إشكالية القيادة‪ :‬افتقدت القيادة السياسية الفلسطينية التجانس‪،‬‬
‫وعانت من تباين أهدافها‪ ،‬ومراعاة أطراف عربية ودولية على‬
‫حساب أولويات القضية‪ .‬ولم تحترم القيادة العمل المؤسسي‪.‬‬
‫وتمكن زعيم فتح والمنظمة من جمع كل الصلحيات الممكنة بيده‪،‬‬
‫وأمسك بعصبي القرار السياسي والنفاق المالي‪ ،‬فضل ً عن عصب‬
‫الجهزة المنية والعسكرية‪ ،‬مما جعل العمل الفلسطيني مرتبطا ً‬
‫شلل‬‫بمبادرة "الزعيم" وقراره‪ .‬وقد أسهم ذلك في نمو ال ّ‬
‫والمحسوبيات‪ ،‬وتفكيك البناء الداخلي للثورة الفلسطينية‪ ،‬وخروج‬
‫الكثير من الكفاءات والقيادات وتحييدها‪.‬‬
‫‪ -‬إشكالية المؤسسات‪ :‬أضعف أداء القيادة الفلسطينية العمل‬
‫المؤسسي الفلسطيني‪ ،‬فقد ُأفرغ المجلس الوطني الفلسطيني‬
‫من محتواه‪ ،‬ولم يتمكن من أداء دوره في المراقبة والمحاسبة‪.‬‬
‫كما ضعفت أو اندثرت أدوار مؤسسات هامة كالصندوق القومي‬
‫ومركز البحاث‪ ،‬ومؤسسات رعاية الشهداء وصامد‪ ،‬ودائرة‬
‫التخطيط‪...‬ومـع الزمن انحصـرت دائرة العمل الفلسطيـني في‬
‫حفنة من الناس‪ ،‬جعلوا لنفسهم حق تقرير مصير قضية هي أخطر‬
‫قضية تواجه العالم العربي والسلمي في الواقع المعاصر‪.‬‬
‫‪ -‬عانت الثورة الفلسطينية بشدة من أشقائها‬
‫العرب"اللداء"‪ ،‬واستنزفت دماء وجهودا ً هائلة في صراعها‬
‫مع النظمة التي حاولت "ترويضها"‪ ،‬وضبطها أو التحدث‬
‫باسمها أو القفز فوقها‪ . ...‬وقد أسهم ذلك في إضعاف هذه‬
‫الثورة‪ ،‬وتبديد طاقاتها‪ ،‬ومنعها من العمل المسلح من‬
‫الخارج‪ ،‬وبالتالي حصر نشاطها في دائرة "الممكن‬
‫السياسي"‪.‬‬
‫كر في مواجهة‬ ‫)‪ (12‬قام التيار السلمي بأدوار جهادية ل ُتن َ‬
‫المشروع الصهيوني والقوى الستعمارية‪ .‬وقد تميزت‬
‫الثورات الفلسطينية خلل ‪1939 -1920‬ببعدها السلمي‪.‬‬
‫وبرزت حركة "الجهادية" بقيادة الشيخ القسام لتقدم نماذج‬
‫رائعة في المقاومة والجهاد‪ ،‬كما برزت حركة "الجهاد‬
‫المقدس" بقيادة عبد القادر الحسيني‪ ،‬وكان لهذه القوى‬
‫و"للخوان المسلمين" دور كبير في قيادة العمل الشعبي‬
‫في حرب )‪ .(1948-1947‬وإذا كانت "فتح" التي خرجت‬
‫من أحضان الخوان المسلمين قد اتخذت بعد ذلك خطا ً‬
‫علمانيا ً وطنيًا‪ ،‬فإن الخوان شاركوا بعد ذلك في معسكرات‬
‫الشيوخ‪ ،‬كما أنشأوا حركة المقاومة السلمية "حماس" في‬
‫‪ ،1987‬والتي ل تزال تمثل أهم القوى الفلسطينية‬

‫‪88‬‬
‫المجاهدة‪ ،‬المستمرة في الكفاح المسلح‪ ،‬الرافض للتنازل‬
‫عن أي جزء من فلسطين‪.‬‬
‫)‪ 13‬وإذا كان التيار السلمي الحركي قد تميز بفعله‬
‫الجهادي‪ ،‬فإنه لم يتمكن بعد من قيادة الساحة السياسية‬
‫الفلسطينية‪ .‬ول يزال هذا التيار يعاني من محاولت سحق‬
‫واقتلع وتشويه وتحييد فلسطينيا ً وعربيا ً ودوليًا‪ .‬لكنه ل يزال‬
‫يمثل نبض هذه المة‪ ،‬وأملها القادم بإذن الله ‪.‬‬
‫غير أنه مطالب في الوقت نفسه بـ‪-:‬‬
‫‪-‬التحديد الدقيق لرؤيته المنهجية – المرحلية وبعيدة المدى –‬
‫لكيفية مواجهة التحدي الصهيوني وتحرير فلسطين‪.‬‬
‫‪*-‬توسيع دائرة الصراع والتفاعل مع قضية فلسطين ليتجاوز‬
‫الطار القليمي المحّلي والطار القومي العربي‪ ،‬وينطلق‬
‫ليشمل كافة مسلمي العالم‪ ،‬وتوفير الدوات والوسائل‬
‫المكافئة لتحقيق ذلك‪.‬‬
‫‪*-‬تطوير مؤسساته التنظيمية‪ ،‬وكفاءات قياداته‪ ،‬والنفتاح‬
‫والستفادة بشكل أفضل من الكفاءات المتوفرة‪ ،‬وتحقيق‬
‫عملية توريث سلسة وسليمة للجيال القيادية الحالية‬
‫والقادمة‪. ...‬‬
‫‪*-‬اللتصاق أكثر بهموم الجماهير‪ ،‬والتعبير عن معاناتها‬
‫م مواجهة‬ ‫وخدمتها‪ ،‬والتغلغل في أوساطها‪ ،‬وتحويل ه ّ‬
‫م جماهيري يومي‪.‬‬ ‫المشروع الصهيوني إلى ه ّ‬
‫‪ * -‬البقاء على جذوة المقاومة والجهاد‪ ،‬وصوت الحق الذي‬
‫ل يتنازل عن فلسطين مهما كانت التضحيات‪.‬‬
‫لقد أعطت المقاومة السلمية في جنوبي لبنان بارقة أمل‬
‫للمقاومة الفلسطينية‪ ،‬عندما أجبرت العدو الصهيوني على‬
‫النسحاب دون شروط بعد "‪ "22‬سنة من الحتلل‪.‬‬
‫)‪ (14‬إن المسلمين متيقنون من نصر الله‪ ،‬ومن اقتلع‬
‫المشروع اليهودي الصهيوني مهما طال الزمن‪ ،‬فهذا وعد‬
‫الله سبحانه في فواتح سورة السراء‪ ":‬فإذا جاء وعد الخرة‬
‫ليسوءوا وجوهكم‪ ،‬وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة‬
‫وليتبروا ما علوا تتبيرًا"]‪ ،[112‬وهي بشرى نبيه صلى الله‬
‫عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم وأحمد عن أبي‬
‫هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ‪ r‬قال‪" :‬ل تقوم‬
‫الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود‪ ،‬فيقتلهم المسلمون‪،‬‬
‫حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر‪ ،‬فيقول الحجر‬
‫أو الشجر‪ :‬يا مسلم يا عبد الله‪ ،‬هذا يهودي خلفي‪ ،‬فتعال‬

‫‪89‬‬
‫فاقتله‪ ،‬إل الغرقد فإنه من شجر اليهود"‪ .‬وإذا كانت الخبار‬
‫تتواتر من فلسطين أن اليهود يكثرون من زراعة شجر‬
‫الغرقد‪ ،‬فإن الولى بالمسلمين أن يتيقنوا من قول ربهم‬
‫وبشرى نبيهم‪ ،‬ويشمروا عن ساعد الجد‪ ،‬إعدادا ً لذلك اليوم‬
‫الذي ل بد قادم إن شاء الله‪....‬‬
‫ملحق شهادات وأقوال‪-:‬‬
‫‪" -‬المساحة !! من نهر مصر إلى نهر الفرات‪ ،‬نريد فترة‬
‫انتقالية في ظل مؤسساتنا الخاصة‪ ،‬وحاكما ً يهوديا ً خلل‬
‫هذه الفترة‪ .‬وما أن يصبح السكان اليهود في منطقة ما ثلثي‬
‫سكانها حتى تصبح الدارة اليهودية سارية المفعول على‬
‫الصعيد السياسي"‪.‬ثيودور هرتزل‪ ،‬مؤسس ورئيس المنظمة‬
‫الصهيونية العالمية‪) ،‬نقل ً عن‪ :‬أسعد زروق‪ ،‬إسرائيل‬
‫الكبرى‪ ،‬ص ‪.89-87‬‬
‫‪“ -‬سوف نطالب بما نحتاج إليه‪ ،‬كلما زاد عدد المهاجرين‬
‫ازدادت حاجتنا للرض"يوميات هرتزل‪ ،‬جزء ‪ ،2‬ص ‪720‬‬
‫”‪.‬بالنسبة لفلسطين‪ ،‬نحن ل نقترح حتى مجرد استشارة‬
‫رغبات السكان الحاليين للبلد… إن القوى الكبرى الربع‬
‫ملتزمة بدعم الصهيونية‪ .‬وسواء أكانت الصهيونية على حق‬
‫أو باطل‪ ،‬حسنة أو سيئة‪ ،‬فإنها عميقة الجذور في التقاليد‪،‬‬
‫وفي احتياجات الحاضر‪ ،‬وآفاق المستقبل‪ .‬وأعظم بكثير من‬
‫ظلمات ورغبات ‪ 700‬ألف عربي يسكنون الن في هذا‬
‫البلد القديم"من مذكرة وزير الخارجية البريطاني بلفور إلى‬
‫اللورد كيرزون ‪ ،Curzon‬بتاريخ ‪ 11‬آب‪ /‬أغسطس ‪،1919‬‬
‫والمحفوظة في مركز الوثائق البريطاني ‪.F.O. 371/4183‬‬
‫‪ " -‬في لقاء سري مع السفير السوفييتي في لندن إيفان‬
‫مايسكي في فبراير ‪ ،1941‬عرض حاييم وايزمن تهجير‬
‫مليون فلسطيني من أرضهم من أجل إحضار ‪ 5 -4‬مليين‬
‫يهودي من شرق أوربا مكانهم‪ ،‬وأرسل السفير تقريرا ً بذلك‪،‬‬
‫حفظته الخارجية الروسية في أرشيفها‪ ،‬إلى أن كشفته‬
‫صحيفة يديعوت أحرونوت السرائيلية في مايو ‪،1993‬‬
‫ونشرته جريدة القدس‪ ،‬وكذلك الرأي الردنية في ‪ 29‬مايو‬
‫‪.1993‬وايزمن هو رئيس الحركة الصهيونية )‪،1933 -1921‬‬
‫‪ (1946-1935‬وأول رئيس للكيان الصهيوني‪.‬‬
‫‪" -‬أريد عددا ً قليل ً من اليهود المريكيين المشهورين‪،‬‬
‫خصوصا ً أولئك الذين أحترمهم‪ .‬والذين علموني كل شيء‪،‬‬
‫أريدهم أن يقفوا ويقولوا "لنترك الكذب على العالم وعلى‬

‫‪90‬‬
‫أنفسنا‪ ،‬لقد سرقنا فلسطين‪ ،‬لقد سرقناها‪ .‬حتى لو أعطينا‬
‫الفلسطينيين حكما ً ذاتيًا‪ ،‬أو تقرير مصير‪ ،‬أو الضفة الغربية‪،‬‬
‫أو دولة فلسطينية‪ ،‬فإننا ل زلنا نسرق معظم أرضهم‪ ،‬فلنبدأ‬
‫على القل بقول الحقيقة" الكاتب اليهودي رون ديفيد‪ ،‬كتاب‬
‫العرب وإسرائيل للمبتدئين‪ ،‬ص ‪.210‬‬
‫‪"-‬إن مطالبة الصهاينة بدولة يهودية كان يتعارض بشكل تام‬
‫مع كل مبادئ القانون الدولي والتاريخ الحديث" ناحوم‬
‫غولدمان‪ ،‬رئيس المنظمة الصهيونية العالمية ‪1968 -1956‬‬
‫في مقاله‪-:‬‬
‫‪Nahum Goldman, “The Psychology of Middle East Peace”,‬‬
‫‪.in foreign affairs, Oct. 1975, p.114‬‬
‫‪" -‬ل يوجد لسرائيل مستقبل على المدى الطويل دون‬
‫تسوية سلمية مع العرب"‪" .‬لقد ذكر لي بن جوريون في‬
‫سنة ‪ 1956‬أن الدولة اليهودية ستستمر في العشر أو‬
‫الخمس عشر سنة القادمة‪ ،‬ولكن احتمالت وجودها بعد‬
‫ذلك هي ‪"%50‬ناحوم جولدمان‪ ،‬المرجع السابق نفسه‪ ،‬ص‬
‫‪.113‬‬
‫‪" -‬إن المبدأ الذي قام عليه وجود إسرائيل منذ البداية هو أن‬
‫العرب ل بد أن يبادروا ذات يوم إلى التعاون معنا‪ ،‬ولكن هذا‬
‫التعاون لن يتحقق إل بعد القضاء على جميع العناصر التي‬
‫تغذي شعور العداء ضد إسرائيل في العالم العربي‪ ،‬وفي‬
‫مقدمة هذه العناصر رجال الدين المتعصبون من أتباع‬
‫الخوان المسلمين" إيرل بيرغر‪ ،‬كتاب العهد والسيف‪ ،‬نشر‬
‫سنة ‪1965‬‬
‫ً‬
‫‪” -‬يجب أن يكون واضحا فيما بيننا أنه ل مكان في هذا البلد‬
‫لشعبين‪ .‬فبعد أن يتم نقل العرب‪ ،‬ستكون البلد واسعة بما‬
‫يكفي لنا‪ .‬إن الحل الوحيد هو أن تكون أرض إسرائيل‪ ،‬أو‬
‫على القل الجزء الغربي منها ]يعني فلسطين[ دون‬
‫ل آخر‪" .‬إن الفكرة الصهيونية جاءت‬ ‫عرب…‪ .‬ليس هناك ح ٌ‬
‫جوابا ً للمشكلة اليهودية في أرض إسرائيل؛ إن التفريغ‬
‫الكامل للبلد من كل غير اليهود وتسليمها للشعب اليهودي‬
‫هو الحل" يوسف ويتز ‪ Yosef Weitz‬مدير قسم الستيطان‬
‫)الرض( في الصندوق القومي اليهودي‪ ،‬حسبما كتب في‬
‫مذكراته في ‪ 20‬ديسمبر ‪ 1940‬و ‪ 20‬مارس ‪،1941‬‬
‫والمحفوظة في الرشيف الصهيوني المركزي ‪ CZA‬تحت‬
‫رقم ‪ .A246/7‬نقل ً عن‪:‬‬

‫‪91‬‬
‫‪Nur Masalha, The Expulsion of the Palestinians (U.S.A.:‬‬
‫‪.Institute for Palestine Studies, 1993), pp. 131-2‬‬
‫‪-‬إن مشكلة الشعب اليهودي هو أن الدين السلمي ما زال‬
‫في دور العدوان والتوسع‪ ،‬وليس مستعدا ً لقبول أية حلول‬
‫مع إسرائيل‪ ،‬إنه عدونا اللدود الذي يهدد مستقبل إسرائيل‬
‫وشعبها" ‪ .‬إسحق رابين‪ ،‬رئيس الوزراء السرائيلي حسب‬
‫تصريح نقلته مجلة المجتمع الكويتية‪ ،‬عدد ‪ ،324‬سنة‬
‫‪1976‬م ‪.‬‬
‫‪" -‬إن على اليهود وأصدقائهم أن يدركوا أن الخطر الحقيقي‬
‫الذي تواجهه إسرائيل هو خطر عودة الروح السلمية إلى‬
‫الستيقاظ من جديد‪ ،‬وإن على المحبين لسرائيل أن يبذلوا‬
‫قصارى جهدهم لبقاء الروح السلمية خامدة‪ ،‬لنها إذا‬
‫اشتعلت من جديد فلن تكون إسرائيل وحدها في خطر‪،‬‬
‫ولكن الحضارة الغربية ستكون كلها في خطر"‪ .‬معلق‬
‫الذاعة السرائيلية السياسية ‪ 10:15‬مساًء‪ 5 /‬سبتمبر‬
‫‪1978‬م‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ " -‬شكلت السلطات السرائيلية مجلسا من ‪ 30‬خبيرا من‬
‫المتخصصين في علم النفس والتاريخ والجتماع والسياسة‬
‫والحرب لدراسة الظروف التي ظهر فيها صلح الدين‬
‫اليوبي‪ ،‬وستكون مهمة المجلس دارسة إمكانية ظهور‬
‫"صلح الدين" مسلم جديد في صورة زعيم مسلم‪ ،‬أو‬
‫جماعة إسلمية لمجابهة الخطر حال ظهوره"‪.‬نشرة البراق‬
‫الصادرة عن دار البراق للوثائق العلمية والتحقيقات‬
‫الصحفية‪ ،‬عدد ‪ 30 ،18‬يونيو ‪1981‬م‪.‬‬
‫]‪ [112‬سورة السراء‪.7:‬‬

‫‪92‬‬
‫فهرست الكتاب‬
‫تقديم‪ :‬الدكتور‪ /‬محمد الشيخ محمود صيام‪2.........................................................................‬‬
‫مقدمة المؤلف‪4........................................................................................................-:‬‬
‫القضية الفلسطينية‪ :‬خلفياتها و تطوراتها حتى سنة ‪5.................................................. -: 2000‬‬
‫فلسطين‪5................................................................................................................-:‬‬
‫مكانة فلسطين السلمية ‪7...........................................................................................-:‬‬
‫فلسطين عبر التاريخ ‪8...............................................................................................-:‬‬
‫فلسطين في العهد السلمي‪11......................................................................................-:‬‬
‫المزاعم الدينية والتاريخية لليهود في فلسطين ‪16................................................................-:‬‬
‫خلفيات ظهور القضية الفلسطينية في التاريخ الحديث‪18.......................................................-:‬‬
‫التطور السياسي للقضية الفلسطينية حتى ‪1914‬م‪23.............................................................:‬‬
‫قضية فلسطين في الحرب العالمية الولى ‪26....................................................:1918-1914‬‬
‫فلسطين تحت الحتلل البريطاني ‪1948-1917‬م‪29............................................................:‬‬
‫تطور المشروع الصهيوني‪30.......................................................................................-:‬‬
‫ظهور الحركة الوطنية الفلسطينية‪33...............................................................................-:‬‬
‫الحركة الوطنية الفلسطينية )‪1929-1918‬م(‪34..................................................................:‬‬
‫الحركة الوطنية الفلسطينية )‪1939-1929‬م(‪35..................................................................:‬‬
‫الثورة الفلسطينية الكبرى ‪39.......................................................................-:1939-1936‬‬

‫‪93‬‬
‫حرب ‪1948‬م وانعكاساتها ‪44.....................................................................................:-‬‬
‫فلسطين لدى الجامعة العربية في ‪1963‬م‪49.....................................................................-:‬‬
‫حرب حزيران‪/‬يونيو ‪1967‬وانعكاساتها‪50.......................................................................-:‬‬
‫بروز الهوية الفلسطينية ‪52..........................................................................................:-‬‬
‫الكفاح الفلسطيني المسّلح‪53..........................................................................................:‬‬
‫البلد العربية وقضية فلسطين ‪55..................................................................................-:‬‬
‫بروز التيار السلمي الفلسطيني ‪57...............................................................................:-‬‬
‫قضية فلسطين )‪2000-1987‬م)‪60.................................................................................:‬‬
‫النتفاضة المباركة ‪60................................................................................................-:‬‬
‫حمـــاس‪61.............................................................................................................-:‬‬
‫م‪.‬ت‪.‬ف‪ :‬من الكفاح المسلح إلى التسوية السلمية‪64..............................................................:-‬‬
‫السلطة الفلسطينية والوضع الحالي‪69............................................................................-:‬‬
‫الكيان الصهيوني والوضع الحالي‪72..............................................................................-:‬‬
‫القدس والوضع الحالي‪74............................................................................................-:‬‬
‫انتفاضة القصى‪ 28 :‬سبتمبر ‪ -2000‬الن )أكتوبر ‪2001‬م(‪77.............................................-:‬‬
‫تقويم و خلصات‪85..................................................................................................-:‬‬

‫‪94‬‬

You might also like