You are on page 1of 5

‫الفروق األساسية بين النظام االقتصادي‬

‫اإلسالمي‬
‫والنظم االقتصادية الوضعية‬

‫إعداد‬

‫دكتور حسين شحاتة األستاذ بجامعة األزهر‬


‫الفروق األساسية بين النظام االقتصادي اإلسالمي والنظم االقتصادية‬
‫الوضعية‬
‫إعداد ‪ /‬دكتور حسين شحاتة األستاذ بجامعة األزهر‬
‫للنظام االقتصادي اإلسالمي ذاتيته المميزة والخاصة‪ ،‬والتي تختلف في كثير‬
‫من الجوانب عن النظم االقتصادية الوضعية سواء أكانت رأسمالية أو اشتراكية‪،‬‬
‫ولذلك فأنه من أفدح األخطاء من يظن أن النظام االقتصادي اإلسالمي يأخذ بالمنهج‬
‫االشتراكي أو يأخذ بالمنهج الرأسمالي ‪ ،‬أنه ساء ما يظنون جهال وتجاهال‪ ،‬فشتان بين‬
‫نظام اقتصادي يقوم على أسس مستنبطة من شرعية هللا الذي يعلم من خلق وهو‬
‫اللطيف الخبير وبين نظم اقتصادية تقوم على أسس من وضع البشر المخلوق الذي ال‬
‫يعلم ماذا يكسب غدا وال يعلم بأي أرض يموت ‪.‬‬
‫وهناك من فقهاء االقتصاد اإلسالمي من يرون أنه ال يجوز المقارنة بين‬
‫النظام االقتصادي اإلسالمي وبين النظم االقتصادية الوضعية ألنه ال وجه للمقارنة‬
‫على اإلطالق‪ ،‬بين شرع هللا وشرع البشر ‪ ....‬ولديهم األدلة الكثيرة على رأيهم‪،‬‬
‫وهناك من فقهاء االقتصاد اإلسالمي من يرون أنها ليست مقارنة بمفهوم المناظرة‬
‫والمقابلة‪ ،‬ولكن بقصد إبراز عظمة النظام االقتصادي اإلسالمي وبيان الفروق بينه‬
‫ويبين النظم االقتصادية الوضعية لكي يزداد المسلمون إيمانا مع إيمانهم بأن اإلسالم‬
‫نظام شامل لجميع نواحي الحياة وأن فيه اقتصاد وإدارة وحكم وسياسة‪ ،‬وليس من‬
‫المنطق أن نقترض من الشرق والغرب وخزائن المسلمين مليئة بالذخائر العلمية‪،‬‬
‫ولقد ورد بالقرآن الكريم العديد من اآليات التي تشير إلي المقارنة مثل قول هللا عز‬
‫س بُ ْنيَانَهُ‬ ‫ان َخ ْي ٌر أَم َّم ْن أ َ َّ‬
‫س َ‬ ‫ض َو ٍ‬ ‫علَى ت َ ْق َوى ِم َن َّ‬
‫ّللاِ َو ِر ْ‬ ‫س بُ ْنيَانَهُ َ‬
‫س َ‬ ‫وجل ‪ " :‬أَفَ َم ْن أ َ َّ‬
‫ست َ ِوي األ َ ْع َمى‬ ‫ف َه ٍار " ( سورة التوبة"‪ ، )"109‬وقوله عز وجل " َو َما َي ْ‬ ‫شفَا ُج ُر ٍ‬ ‫علَى َ‬ ‫َ‬
‫ور " (فاطر‪"21 ،20 ،19" :‬‬ ‫ظلُ َماتُ َولَ النُّور ‪َ ُُ ‬ولَ ِ‬
‫الظ ُّل َولَ ال َح ُر ُ‬ ‫ير ‪َ ‬ولَ ال ُّ‬ ‫َوا ْلبَ ِص ُ‬
‫)‪.‬‬

‫لذلك رأينا في هذه الصفحات التالية أن نورد أهم الفروق الجوهرية بين النظام‬
‫االقتصادي اإلسالمي والنظم االقتصادي الوضعية‪ ،‬حتى ال يظن البعض أن االقتصاد هو‬
‫االقتصاد وأنه ال فرق بين النظم االقتصادية المختلفة ‪.‬‬

‫أوالً ‪ :‬من حيث المقصد‬


‫يتمثل مقصد النظام االقتصادي اإلسالمي في إشباع الحاجات األصلية لالئتمان وتوفير‬
‫حد الكفاية الكريم ليحي الناس حياة طيبة رغدة وليعينهم على تعمير األرض وعبادة هللا عز وجل‪،‬‬
‫وبذلك فهو يهدف إلي تحقيق اإلشباع المادي والروحي لإلنسان وأساس ذلك قول هللا عز وجل ‪" :‬‬
‫ست َ ْع َم َر ُك ْم فِي َها " ( هود "‪ ،)"61‬وقوله كذلك ‪َ " :‬و َما َخ َل ْقتُ‬
‫ض َوا ْ‬‫شأ َ ُكم ِم َن األ َ ْر ِ‬
‫ُه َو أَن َ‬
‫ُون " ( الذاريات"‪. )"56‬‬ ‫نس إِلَّ ِليَ ْعبُد ِ‬ ‫الج َّن َو ِ‬
‫اإل َ‬ ‫ِ‬

‫‪2‬‬
‫أما مقاصد النظم االقتصادية الوضعية هي تحقيق أقصى إشباع مادي ممكن وتكوين‬
‫الثروات‪ ،‬بدون أي اعتبار إلي اإلشباع الروحي ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬من حيث المنهج‬


‫يقوم النظام االقتصادي اإلسالمي على منهج عقائدي أخالقي مبعثه الحالل والطيبات‬
‫واألمانة والصدق والطهارة والتكافل والتعاون والمحبة واألخوة مع اإليمان بأن العمل (ومنه‬
‫المعامالت االقتصادية) عبادة‪ ،‬وأساس ذلك قول هللا عز وجل ‪ " :‬فَ ُكلُوا ِم َّما َر َزقَكُ ُم َّ‬
‫ّللاُ َحاللا‬
‫ّللا " (النحل"‪ ، )"114‬وقول الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬طلب‬ ‫شك ُُروا نِ ْع َمتَ َّ ِ‬ ‫َ‬
‫ط ِيبا ا َوا ْ‬
‫الحالل فريضة بعد الفريضة" (متفق عليه) ‪.‬‬
‫أما النظم االقتصادية الوضعية فهي تقوم على منهج الفصل بين الدين وحلبة الحياة‪ ،‬فال‬
‫دخل للعقيدة واألخالق باالقتصاد‪ ،‬ومن المفاهيم التي يلزمون بها أنفسهم ‪ " :‬الدين هلل والوطن‬
‫للجميع " ‪ " ،‬دع ما لقيصر لقيصر وما هلل هلل "‪ ،‬كما يقولون " الغاية تبرر الوسيلة" ‪ ...‬هذه‬
‫المفاهيم وغيرها مرفوضة تماما في الفكر اإلسالمي ‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬من حيث التشريع‬


‫يضبط النظام االقتصادي اإلسالمي مجموعة من القواعد ( األصول او‬
‫األسس ) المستنبطة من مصادر الشريعة اإلسالمية ‪ :‬القرآن والسنة واجتهاد الفقهاء‬
‫الثقاة ‪ ،............‬كما أنه ال يتعارض مع مقاصد الشريعة اإلسالمية بل يعمل على‬
‫تحقيقها وهي حفظ الدين والعقل والنفس والعرض والمال وتتسم قواعد االقتصاد‬
‫اإلسالمي بالثبات والعالمية والواقعية‪ .......‬وتأتي المرونة في التفاصيل واإلجراءات‬
‫واألساليب واألدوات والوسائل ‪.‬‬
‫بينما يحكم النظم االقتصادية الوضعية مجموعة من المبادئ واألسس من‬
‫استنباط واستقراء البشر الذي يصيب ويخطئ‪ ،‬كما تتأثر هذه المبادئ باأليدولوجيه‬
‫التي تنتهجها الحكومة سواء أكانت حرة برجوازية أو شيوعية أو اشتراكية أو تعاونية‬
‫‪........‬وعلى ذلك فهي غير ثابتة أو مستقرة‪ ،‬بل دائمة التغيير والتبديل‪ ،‬وتتصف‬
‫كذلك بالتضاد والنقص واالنقراض كما تتأثر بالتغيرات الدائمة في الظروف‬
‫المحيطة‪ ،‬وذلك ألن واضعوها ينقصهم المعرفة الكاملة باحتياجات البشرية‪ ،‬كما ال‬
‫يعلمون الغيب ‪.‬‬

‫رابعا ً ‪ -:‬من حيث األساليب والوسائل‬


‫يستخدم فقهاء ومطبقوا قواعد االقتصاد اإلسالمي مجموعة من األساليب‬
‫والوسائل التي تحقق المقاصد والغايات شريطة أن تكون مشروعة‪ ،‬وعليهم أن‬
‫يأخذوا بأحدث أساليب التقنية الحديثة‪ ،‬فالحكمة ضالة المسلم‪ ،‬أينما وجدها فهو أحق‬
‫الناس بها ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وطبقا لهذا المفهوم نجد تشابها بين بعض األساليب والوسائل االقتصادية التي‬
‫تستخدم في النظم االقتصادية اإلسالمية والرأسمالية واالشتراكية‪ ،‬ألن ذلك من‬
‫األمور التجريدية ‪.‬‬
‫والفارق األساسي في هذا األمر هو أن اإلسالم يركز على مشروعية الغاية‬
‫ومشروعية األساليب والوسائل‪ ،‬بينما ال يعتقد بذلك في النظم االقتصادية الوضعية‪.‬‬

‫خامسا ً ‪ -:‬من حيث المقومات‬


‫يقوم النظام االقتصادي اإلسالمية على مجموعة من المقومات من أبرزها‬
‫زكاة المال وتحريم الربا وكافة المعامالت التي تؤدي إلي أكل أموال الناس بالباطل‬
‫كما يطبق التكافل االجتماعي وغير ذلك من المقومات المشروعة التي تحقق لإلنسان‬
‫الحياة الراغدة ورضاء هللا عز وجل ‪.‬‬
‫بينما تختلف هذه المقومات في النظام االشتراكي عنه في النظام الرأسمالي‬
‫وكالهما يختلف من مكان إلي مكان‪ ،‬فعلى سبيل المثال تأخذ هذه النظم بنظام الفائدة‬
‫ونظام الضرائب المباشرة وغر المباشرة ‪ ...........‬وهذه األمور تسبب خلال في‬
‫المعامالت االقتصادية ‪ ،‬وتقود إلي تكدس األموال في يد حفنة من الناس ليسيطروا‬
‫على مقادير اآلخرين ‪ ،‬وهذا ما يقول به علماء وكتاب االقتصاد الوضعي اآلن ‪.‬‬

‫سادسا ً ‪ -:‬الفرق من حيث حركة السوق ‪:‬‬


‫يعمل النظام االقتصادي اإلسالمي في ظل سوق حرة طاهرة نظيفة خالية‬
‫تماما من ‪ :‬الغرر والجهالة والتدليس والمقامرة والغش واالحتكار واالستغالل‬
‫والمنابذة ‪ .....‬الخ وكل صور البيوع التي تؤدي إلي أكل أموال الناس بالباطل‪،‬‬
‫ويضبط التزام المتعاملين بذلك كل من الوازع الديني والرقابة االجتماعية والرقابة‬
‫والحكومية‪ ،‬ويجوز للدولة التدخل في السوق إذا ما حدث خلل يترتب عليه ضرر‬
‫لألفراد وللمجتمع ‪.‬‬
‫بينما يعمل النظام االقتصادي االشتراكي في طل سوق مخططة من حيث‬
‫العرض واألسعار‪ ،‬فال توجد فردية لالنتاج أو التسعير‪....‬ونحو ذلك‪ ،‬وفي هذا قتل‬
‫للحوافز البشرية على اإلبداع واالبتكار‪ ،‬كما يقوم النظام االقتصادي الرأسمالي على‬
‫فكرة حرية السوق أو ما يسمى أحيانا ً باقتصاد الطلب المنبثق من السوق بدون‬
‫ضوابط أو حدود لمنع االحتكار والسيطرة والجشع وكل ما يمس ذاتية اإلنسان وحفظ‬
‫عقيدته وعقله وعرضه ونفسه وماله‪.‬‬
‫بينما يعمل النظام االقتصادي الرأسمالي في طل سوق حرة مطلقة بدون‬
‫ضوابط عقائدية أو خلقية‪ ،‬تؤدي في معظم األحيان إلي تكوين التكتالت واالحتكارات‬
‫واالستغالل‪ ،‬وهذا هو الواقع في الدول الرأسمالية اآلن والتي بدأت أخيرا بتدخل‬
‫الدولة للحد من تلك التكتالت واالحتكارات ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫سابعا ً ‪ -:‬الفروق من حيث الملكية‬
‫األصل في النظام االقتصادي اإلسالمي الملكية الخاصة ‪ ،‬وتكون مسئولية‬
‫الدولة حمايتها وتهيئة المناخ للنماء والتطوير‪ ،‬ويلتزم األفراد بسداد ما عليهم من‬
‫حقوق على هذه الملكية مثل الزكاة والصدقات والجزية والخراج‪ ...‬وكذلك من حق‬
‫الدولة أن توظف أموال األغنياء في حالة الضرورة إذا لم تكف اإليرادات‪ ،‬كما توجد‬
‫الملكية العامة بضوابط ولتحقيق مقاصد معينة ال يمكن للقطاع الخاص الوفاء بها‪،‬‬
‫مثل المنافع العامة كما ال يجوز للدولة أن تأخذ ملك إنسان لمنفعة عامة عند‬
‫الضرورة بال عوض ‪.‬‬
‫أما في ظل النظام الرأسمالي االقتصادي فإن األصل الملكية الخاصة وتكون‬
‫الملكية العامة في أضيق الحدود‪ ،‬وتتمثل حقوق الدولة على أساس الملكية الخاصة‬
‫في الضرائب والرسوم المختلفة والتي عادة ما تكون مرتفعة والمفهوم السائد هو‪:‬‬
‫دعه يعمل‪ ،‬دعه يسير‪ ،‬وفي ظل النظام االقتصادي االشتراكي فإن األصل هو‬
‫الملكية العامة لعوامل اإلنتاج في ظل إطار مخطط تخطيطا مركزيا‪ ،‬وعادة ما تكون‬
‫الضرائب قليلة ومنخفضة‪ ،‬ويؤدي إلغاء الملكية الفردية أو تحديدها إلي الفتور في‬
‫العمل واإلنتاج وقتل الحافز الذاتي لذلك تبين مما سبق أن الملكية في النظام‬
‫االقتصادي اإلسالمي في وضع وسط ومعتدل ومنضبط بين النظامين اآلخرين ‪.‬‬
‫يتضح من التحليل السابق أن هناك فروقا ً جوهرية أساسية بين النظام‬
‫االقتصادي اإلسالمي وبين النظم االقتصادية الوضعية سواء أكانت رأسمالية أو‬
‫اشتراكية‪ ،‬وأنه خطأ ما يقال أن االقتصاد هو االقتصاد‪ ،‬وأنه ال فرق بين االقتصاد‬
‫اإلسالمي وبين االقتصاد الوضعي‪ ،‬أو نعت االقتصاد اإلسالمي بالرأسمالية أو‬
‫االشتراكية ‪.‬‬
‫وعندما تطبق أسس االقتصاد اإلسالمي في مجتمع إسالمي سوف يتحقق‬
‫الحياة الرغدة الكريمة للناس‪ ،‬وتكون مسئولية الدولة هي توفير حد الكفاية لكل فرد‬
‫بصرف النظر عن دينه وفكره ‪.‬‬

‫‪5‬‬

You might also like