You are on page 1of 29

‫‪1‬‬

‫بحث ىمالسإلا ركفلا ىف‬


‫ةبهش وبأ ةريمأ ‪:‬ملقب‬
‫*رؤية حول*‬
‫=تجديد الخطاب الديني=‬

‫المقدمة‪-:‬‬

‫طغت علي السطح الفكري مشكلة عدم مواكبة الخطاب الديني في المجتمعات العربية لحالة‬
‫التغيير الحتمي التي تمر بها تلك المنطقة من العالم ‪ ,‬وعلي الرغم من أن ذلك المصطلح لم‬
‫يكن متداول في تاريخنا اإلسالمي القديم أو حتي الحديث ‪ ,‬إال أنه أصبح يشكل نقطة إرتكاز‬
‫لبحث العالقة بين تأثير الدين علي المجتمع إيجابا ً وسلبا ً في فكرنا المعاصر ‪ ...‬لذلك أردت‬
‫تناول تلك النقطة البحثية في موضوع "تجديد الخطاب الديني" من عد أوجه ‪-:‬‬
‫أولها ‪ :‬حقيقة ذلك الخطاب وأنواعه المؤثرة علي المجتمع ومدي إحتياجنا لتطويره‬
‫بنيويا ً ومنهجيا ً وليس خطابيا ً ووعظيا ً كما ينادي البعض ‪...‬‬
‫‪2‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬التعامل مع إشكالية المسئول عن ذلك التجديد إن وجد وما هي األفكار التي من‬
‫الممكن طرحها في ذلك الصدد‪..‬‬

‫وبين مؤمنين بحيوية الخطاب الديني ومواكبته للعصر وبين معلقين للفشل علي بنيان‬
‫الدعوة وتطرف الخطاب الديني تقع مؤسسات ومجتمعات في شكوك حقيقية حول جدوي‬
‫تقديم حلول لتجديد الخطاب الديني وكيفية فعل ذلك بصورة صحيحة تغوص في أعماق‬
‫المشكلة وتبحث عن جذور فلسفة الدين نفسه ومشاكل تاريخية الخطاب وإشكالية الجمود‬
‫الفكري الذي حل بالدعوة وبالفكر اإلسالمي بشكل أعم‪.‬‬

‫‪-‬من هنا قسمت البحث ألربعة أجزاء ‪:‬‬

‫‪-‬الجزء األول – مدخل في تعريف الخطاب الديني ونقد التجديد الدني بين مؤيد ومعارض‬
‫أو محافظ علي تفسير علوم الدين والجمود عند تقديس النص وسأتناول ذلك تحت عنوان‬
‫‪:‬‬

‫"مدخل حول تجديد الخطاب الديني"‬

‫‪-‬الجزء الثاني‪ -‬الخطاب الديني بين األصولية والتأثير اإلجتماعي وعالقة التوجهات‬
‫الدينية في الفكر السياسي بجمود الخطاب الديني وسلبياته ‪ ,‬وذلك الجانب سيكون موضح‬
‫تحت عنوان ‪:‬‬
‫"التجديد اإلسالمي ومشكالت المجتمع"‬

‫‪-‬الجزء الثالث‪ -‬سينطلق البحث في آليات الفصل بين قداسة الدين كأمر إيماني فردي‬
‫متعالي ‪ ,‬وبين تأثير الخطاب الديني علي فلسفة المشروع الحضاري ‪ ,‬باعتبار المنادي‬
‫بتجديد الخطاب الديني البد أن ينطلق من نقطة إحتاج مجتمعنا المعاصر لنوعية خطاب‬
‫مختلفة تختص بعلوم الدين من ناحية‪ ,‬وببعث الفكر اإلسالمي والثقافة اإلسالمية كمؤثر‬
‫حضاري للمجتمع من ناحية أخري ‪...‬‬

‫وسيكون ذلك التناول في الفصل الثالث تحت عنوان ‪-:‬‬


‫‪3‬‬

‫"تجديد الخطاب الديني وفلسفته الحضارية"‬

‫‪-‬الجزء الرابع‪ -‬سيتناول مشكلة الوعظ الديني وعالقتها بتدهور المجتمع مع سرد ألهم‬
‫نقاط البحث التي تقدم رؤية صحيحة لتطوير وتجديد تأثير الخطاب الديني مع عرض‬
‫المستفاد لتلك الدراسة الموجزة ‪...‬‬
‫وسيكون الجزء الرابع تحت عنوان ‪-:‬‬
‫"مشكلة الوعظ الديني في المجتمع ورؤية لتطوير الخطاب"‬

‫‪-‬ولقد تعاملت في ذلك البحث من منطلق فكري محايد لتقديم رؤية معاصرة حول قضية‬
‫إجتماعية تخص الفكر اإلسالمي دون الخوض في القداسة الدينية لتناول األمر ‪ ,‬إعتمادا ً‬
‫علي إشتباك قضايا الدين بقضايا الفكر والمجتمع والسياسة المؤثرة علي إحتاجات الناس‬
‫وتغييرهم لألفضل وقد إعتمدت في البحث علي عدة مراجع وقراءة نقدية للفكر اإلسالمي‬
‫المعاصر ‪ ,‬علي أمل أن أقدم فكرة جديدة تكون نواة ألطروحة أشمل حول تجديد الخطاب‬
‫الديني ونظرتنا لدوره سلبا ً وإيجاباً‪...‬‬

‫الفصل األول ‪ :‬مدخل حول تجديد الخطاب الديني‬


‫*******‬
‫‪-‬أوالً تعريف الخطاب الديني ‪-:‬‬
‫يمكن أن نعرف الخطاب الديني باإلعتماد علي النواة المعنوية الثابتة الوجود في ظل‬
‫التعريفات المصوغة له‪.‬‬
‫وهذه النواة هي أن الخطاب تشكل لفظي‪ ,‬شفوي أو مكتوب ‪ ,‬حامل لمضامين معينة ‪.‬‬
‫ومن باب التمثيل نذكر تعريف موجود في أحد الكتب وهو أن الخطاب الديني هو كخطاب‬
‫( ‪)1‬‬
‫" ذلك الملفوظ الموجه إلي الغير بإفهامه قصدا ً معيناً" (الشهري ‪ , 2004‬ص ‪)37‬‬

‫‪- 1‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ -‬استراتيجيات الخطاب مقارنة لغوية دار الكتاب الجديد‪-‬الطبعة األولي –لبنان ‪ 2004‬ص‪37‬‬
‫‪4‬‬

‫‪-‬ونظرا ً إلي اإلتساع الداللي الذي يتصف به مصطلح الخطاب ‪ ,‬فإن أنواعا ً شتي من‬
‫التشكالت اللفظية المضمونية يمكن أن تدخل في دائرته ‪.‬‬

‫ويخصص النعت "الديني" للخطاب فيضحي أقل عمومية لكونه يصبح ذا صلة وثيقة‬
‫بمجال محدد هو مجال (الدين)‪.‬‬

‫‪-‬والدين يتسع مفهومه ولكن سنمثل للمقصود به‪ ,‬بكونه إعتقاد بوجود قوة غيبية مقدسة‬
‫تسير هذا الكون ‪ ...‬ففي أحد المعاجم ما يلي ‪:‬‬
‫"يعود تعريف ماهية الدين ‪ ,‬في بادئ األمر إلي إعتبار الحركة اإلجتماعية التي تقوم علي‬
‫وجود متواكب ومتفاعل ل "معتقدات" بالقوي فوق الطبيعية أو القوي الخارقة أو‬
‫األلوهية الواحدة أو مجموعة من اآللهة و"األفعال" ذات الطبيعة الشعائرية التي تهدف‬
‫إلي عقد العالقات الخاصة بين الناس والكائنات والقوي الخارقة وترتكز هذه األفعال علي‬
‫(‪)2‬‬
‫المعتقدات ‪ ,‬وتشكل معها نظاما ً يقوم علي معرفة عادة مشتركة بشكل واسع"‬
‫‪-‬وهنا في ذلك التعريف للدين تطرق المرجع للحديث العام عن أديان عدة ‪ ,‬وخطابات دينية‬
‫عدة ‪.‬‬

‫وعندما نربط موضوعنا بالمجال الحضاري الذي يهمنا ‪ ,‬ونقصد الخطاب الديني في‬
‫المجال العربي اإلسالمي ‪ ,‬فإن هذا الكالم النظري نجد تفسيره علي أرض الواقع ‪ ,‬حيث‬
‫تكثر الخطابات الدينية وتتنوع ‪ ,‬فاللدعاة الدينيين اإلعالميين خطاباتهم ‪ ,‬وللحركات‬
‫المتطرفة اإلرهابية خطاباتها‪..‬‬
‫ولبعض الكُتاب ذوي الثقافة العامة خطاباتهم أيضا ً ‪.‬‬
‫والشأن نفسه حاصل بالنسبة إلي أصحاب التدين الشعبي ‪ ,‬أو أصحاب التدين المؤسساتي‬
‫الرسمي‪..‬‬

‫ومن هنا نقترب من حل تعريف الخطاب الديني ‪ ,‬بأنه الخطاب الراهن المؤمن بوجود قوة‬
‫سماوية مفارقة ومقدسة تسير الكون ‪ ,‬وتتدخل في شؤون األرض ‪ ,‬ويُطلب اإللتزام‬
‫بالتعاليم الصادرة عنها ‪.‬‬

‫‪- 2‬معجم اإلتنولوجيا واإلنثربولوجيا ‪,2006 ,‬ص‪)480‬‬


‫‪5‬‬

‫‪-‬بيد أن هذا التعريف الكلي يجيب عن ماهية الخطاب الديني فإنه لم يتطرق لسؤالنا‬
‫المطروح ‪ ,‬وهو أي خطاب ديني يجب أن نجري عليه عملية التجريد ؟‬

‫‪-‬نقدم فرضية بأن الخطاب الديني الذي يلزم إعتماده لتجديده هو الخطاب التراثي‬
‫الحضاري العالم الذي يستمر إلي اآلن ‪ ,‬إستقرارا ً فكريا في الكتب ‪ ,‬واستقرارا ً سلوكيا ً في‬
‫الممارسات اإلجتماعية العامة والعادية داخل المجتمعات العربية اإلسالمية ‪ ,‬ويبتعد عن‬
‫كل التخوم القصية ‪ ,‬سواء كانت إيغاالً في الشعبوية غير العالمة ‪ ,‬أو إمعانا ً في التشدد‬
‫المبدئي الدوغمائي ‪..‬‬
‫( ‪)3‬‬
‫أو اإلنخراط في اإلرهاب ‪ ,‬أو كذلك إستغالالً سيئا ً من قبل السلطة الرسمية‪.‬‬

‫‪-‬ولتوضيح أكبر للخطاب الديني كمصطلح لغوي محدد في تعريفه وداللته‬


‫نضبط معني تجديد الخطاب الديني‬
‫‪-‬الخطاب الديني لغويا ً ‪-:‬‬
‫جاء في لسان العرب أن (الخطاب هو مراجعة الكالم ‪ ,‬وقد خاطبه بالكالم مخاطبة‬
‫وخطاباً‪ ..‬والمخاطبة مفاعلة من الخطاب ‪.‬‬
‫*ابن منظور "لسان العرب " – مادة "خطب" ‪.‬‬

‫‪-‬وجاءت مادة "خطب" في عدة مواضع من القرآن الكريم‬


‫ب"‬ ‫ش َد ْدنَا ُم ْل َكهُ َوآت َ ْينَاهُ ا ْل ِح ْك َمةَ َوفَ ْ‬
‫ص َل ا ْل ِخ َطا ِ‬ ‫قال تعالي " َو َ‬

‫تعريف الخطاب إصطالحا ً ‪-:‬‬


‫‪-‬عرف بأنه "كل نطق أو كتابة تحمل وجهة نظر محددة من المتكلم أو الكاتب ‪ ,‬وتفترض‬
‫منه التأثير علي السامع أوالقارئ ‪ ,‬مع األخذ بعين اإلعتبار مجمل الظروف والممارسات‬
‫التي تتم فيه " ‪..‬‬
‫‪-1- 3‬من مقال "محمد عابد الجابري" – "العولمة ومسألة الهوية بين البحث العلمي والخطاب األيديولوجي"‬
‫*‪- -2‬معجم اإلتنولوجيا واإلنثربولوجيا ‪,‬ترجمة مصباح الصمد تحت إشراف بياربونت‪-‬ميشال إيزار‪-‬تأليف "بياربونت" وميشال إيزار ‪ ,‬وآخرون ‪..‬‬
‫الطبعة األولي ‪1427‬هــ ‪ 2006 -‬م ‪ .‬المعهد العالي العربي للترجمة‪-‬الجزائر‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر‪ -‬بيروت ‪ ,‬لبنان ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫‪-‬وفي ضوء ما سبق يمكن أن نعرف الخطاب ‪ :‬بأنه إيصال األفكار إلي اآلخرين بواسطة‬
‫الكالم المفهوم واللغة في ذلك هي أداة الخطاب ‪ ,‬يعني وعاء األفكار ‪.‬‬

‫‪-‬لكن يظل التعريف اإلصطالحي غير معبر عن تنوع الخطاب الديني ومستوي تناوله من‬
‫عدة أوجه ‪ ,‬حيث تكمن إشكالية الخطاب الديني المعاصر في مجتمعنا ‪ ,‬في أمور جوهرية‬
‫اشتبكت سياسيا ً واجتماعيا ً مع المسلمين وأدت بتدهورها أوغموضها أو جمودها عند‬
‫إجتهاد القرون اإلسالمية األولي البعيدة عن حياتنا المعاصرة ‪ ,‬وأدت إلي إنهيار الوعي‬
‫الجمعي للمسلمين وتصدع أثر التدين اإليجابي ليحل محله التطرف والتعصب وصوالً‬
‫للعنف المبني علي أسس دينية ‪...‬‬
‫وفي المقابل ظهرت نزعات اإلنحالل األخالقي المتسبب في تدمير منظومة القيم المستمدة‬
‫من الحرام والحالل في اإلسالم مما أدي بمجتمعنا لحالة من التفسخ اإلجتماعي التي جعلت‬
‫البعض يتطرف في اإلتجاه المقابل ليعلق كل مشكالت المجتمع علي الدين وأصوله‪ ,‬ليظهر‬
‫لنا تيار مضاد في اإلتجاه للعنف والتطرف العقدي ومنتمي لإللحاد وكراهية الدين ككل‪.‬‬

‫‪-‬من كل ما سبق نؤكد أهمية موضوع تجديد الخطاب الديني كنقد للسلبيات وتأكيد علي‬
‫إيجابيات تطوير الطرح الديني في محله ‪ ,‬وفي أصوله الفكرية ‪.‬‬

‫‪-‬فما هي أول مشكلة تواجه تجديد الخطاب الديني ؟‬


‫‪-‬لعل أول مشكالت تجديد الخطاب الديني أو بمعني أشمل تطوير الفكر الديني ستكون في‬
‫عدة نقاط ‪..‬‬
‫‪-1‬جمود الفقه وترديد التراث بإخراجه من سياقه التاريخي‪.‬‬
‫‪-2‬توقف اإلجتهاد في التشريع اإلسالمي ‪.‬‬
‫‪-3‬تقديس الفقهاء القدامي كمصادر علي التجديد الفقهي ‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫‪-4‬مشكلة الوعظ الديني والخطاب السلطوي في الدعوة‪.‬‬


‫‪-5‬تيار اإلحياء والتجديد من منظور المفكر "محمد عمارة"‬
‫‪-6‬عالقة السلطة بتجديد الخطاب الديني حل أم تعقيد ؟‬
‫‪-7‬نقد الخطاب الديني المعاصر وحلول لتفادي السلبيات ‪..‬‬

‫‪-‬وسأتناول النقاط األولي والثانية في الفصل الثاني من ذلك البحث ‪ ,‬علي أمل أن نقدم في‬
‫ذلك إتساع للرؤية حول تجديد الخطاب الديني وإسهامه في تقدم وتنوير الفكر اإلسالمي‬
‫وقضاياه المعاصرة ‪...‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الثاني ‪ -:‬التجديد اإلسالمي ومشكالت المجتمع‬

‫أوال‪ :‬جمود الفقه اإلسالمي وترديد التراث بإخراجه من سياقه التاريخي ‪...‬‬

‫**األزهر ودوره ‪-:‬‬


‫‪8‬‬

‫‪-‬ال يسع الباحث في الفكر المصري المعاصر أن يتناول مادة موضوعه ‪ ,‬دون العودة إلي‬
‫أطوار الحياة الثقافية والفكرية في هذه المؤسسة العريقة في القرن الماضي‪..‬‬
‫وقد كان األزهر –وال يزال‪ -‬هو الموطن األساسي الذي يتلقي فيه المصريون الثقافة‬
‫اإلسالمية العالية بجوانبها المتعددة ‪ ,‬وكانت روحه تعم الحياة المصرية بكافة جوانبها ‪..‬‬
‫مما أدي إلي طبع اإلتجاهات الفكرية السائدة في مصر بطابعه الخاص الذي إتسم بنزعة‬
‫فكرية "محافظة" إلي حد كبير ‪ ,‬ولم يكن األزهر في يوم من األيام مجرد مؤسسة تعليمية‬
‫أو هيئة منفصلة عن واقع المجتمع المصري ‪ ,‬وقضاياه فقد إحتل العلماء فيه مكانة‬
‫إجتماعية عالية بسبب الوظيفة اإلجتماعية والسياسية التي نهض بها العلماء والشيوخ‬
‫في رفع الظلم عن الرعية "قديما" ومواجهة إستبداد الحكام في عهد المماليك والعثمانيين‬
‫‪...‬‬
‫وعلي الجملة فقد كان األزهر في مصر باإلضافة إلي الكتاتيب والمساجد الكبري في المدن‬
‫‪ ,‬المصدر األساسي للتعليم والثقافة في مصر ‪ ,‬وكان لطابعه المحافظ في درس علوم‬
‫اإلسالم وحضارته أثر كبير في حفظ هوية األمة المصرية واإلسالمية لفترة طويلة من‬
‫الزمان ‪...‬لكن األزهر في العصر العثماني أصابه ما أصاب نواحي النشاط في مصر من‬
‫الركود والجمود إذ أن الدولة العثمانية لم تنظر إلي قضية نشر التعليم بين أفراد األمة علي‬
‫‪4‬‬
‫أنه أمر من واجبات الدولة وإنما تركت ذلك لجهود األفراد أو المؤسسات الخيرية‪..‬‬

‫‪-‬ولعل هذا بعينه ما يحدث لألزهر اآلن وبالتالي أدي لجموده ‪ ,‬ومشكالته في تجديد‬
‫الخطاب الديني تقع أوالً علي عاتق عدم إستقالله الفكري والمادي عن سلطة الدولة‬
‫وتوجهات الحكام الضيقة التي تؤثر بالسلب علي تأثيره في عموم الناس ‪..‬‬

‫‪-‬ومما سبق كان أول ما يمكن اإلعتماد عليه في تجديد الخطاب الديني هو "األزهر‬
‫الشريف" كمؤسسة علمية راسخة ‪ ,‬لكن أصابها الوهن والجمود نظرا ً لعدة عوامل ‪ ,‬منها‬
‫تحكم الدولة في توجهاته ‪ ,‬وبعض الفساد والمحسوبيات بداخل جامعاته ‪ ,‬ومن ثم ضعف‬

‫‪- 4‬من كتاب فلسفة المشروع الحضاري‪-‬بين اإلحياء اإلسالمي والتحديث الغربي‪ .‬أ‪.‬د أحمد محمد جاد عبدالرازق‪-‬الطبعة األولي ‪ 1416‬هــ ‪ 1995/‬م ص ‪96‬‬
‫‪9‬‬

‫المناهج في إستيعاب قضايا العصر وعدم السطرة العلمية علي اإلنتماء السياسي المؤدلج‬
‫"لبعض طالبه" ‪ ,‬فإذا ما عالجنا تلك األسباب المؤدية للمشكالت واإلفشال ‪ ,‬كان حري‬
‫باألزهر أن عود لمكانته ليصبح حائط الصد األول أمام انهيار الفكر الديني وجمود الفقه‬
‫وتجمدي قضايانا عند حيز اإلستنباط العقيم من التراث واألهم زيادة التأثير العلمي المعتدل‬
‫الوسطي السمح في جموع المسلمين ‪ ,‬وعودة األزهر كقيادة فكرية ‪ ,‬ومساهم في بث‬
‫الروح اإلسالمية في جسد الشعب المصري الذي يمر بهزات عنيفة تحوله للتغيير المتواتر‬
‫من النقيض للنقيض ‪...‬‬

‫*ونعود لنقطة تجديد اإلجتهاد الفقهي كعامل حاسم في تجديد الخطاب الديني‬
‫وتطوير الفكر اإلسالمي‪..‬‬

‫ـ لعل من أهم رموز التجديد الفكري في أمتنا اإلمام "محمد عبده"‬


‫وهو أولي بمعرفة نهجه للبدء من حيث انتهي ‪ ,‬بغية إصالح حقيقي لحالة الجمود الفقهي‬
‫والفكري التي نعاني منها حتي اآلن ‪.‬‬
‫‪-‬يقول اإلمام إن جمود الفكر ينتج عن إتباع التقليد‪ ,‬إذ ليس للمتأخر أن يقول لغير ما قال‬
‫المتقدم ‪ ,‬وأصبح ذلك عقيدة ثابتة لدي بعض الفقهاء الذين أخذوا ينشروا اآلراء واألخبار‬
‫التي تجعل أمور الدولة يكون النظر فيها من شأن الحكام دون غيرهم ‪...‬‬
‫ومن دخل في شئ في ذلك من غيرهم فهو متعرض لماال يعنيه ‪ ,‬وأن ما يظهر من فساد‬
‫األحوال واختاللها ليس من صنع الحكام ‪ ,‬وإنما هو تحقيق لما ورد في األخبار من أحوال‬
‫آخر الزمان !‬
‫وليس هناك من حيلة في إصالح حال أو مال ‪ ,‬واألسلم تفويض ذلك هلل !‬

‫‪-‬هنا يشير اإلمام لمستوي التواكل ولي ذراع الفقه التراثي للمساهمة في بقاء اإلستبداد‬
‫السياسي والفساد الديني في إخضاع الناس ‪ ,‬وبالتالي توقف الفكر الديني عن التجديد‬
‫كلياً‪.‬‬

‫‪-‬ثم يكمل اإلمام "محمد عبده" فكرته عن تجميد النص الديني والفقه التراثي فيقول ‪..‬‬
‫(وقد وجدوا "أي الفقهاء المقلدين" في ظواهر النصوص واأللفاظ لبعض األحاديث ما‬
‫يعينهم علي ذلك في الموضوعات والضعاف ‪ ,‬ما شد أزرهم في بث هذه األوهام ‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫‪-‬وقد أدي ذلك إلي إدخال بعض البدع في الدين وهي ليست منه في شئ ‪ ,‬ف ُجل ما يسميه‬
‫العامة إسالما ً ليس بإسالم ‪ ,‬وقد أدت هذه البدع بالتدريج إلي الجمود الذي عده البعض‬
‫ً ( ‪)5‬‬
‫دينا )‬

‫‪-‬ثم يواصل اإلمام نقده لحالة الجمود التي عمت العالم اإلسالمي إلي حد كبير ‪:‬‬

‫فيؤكد أنها كانت "ومازالت" بسبب سياسة الحكام الظلمة ‪ ,‬وإنه بسبب جمود الفقراء أو‬
‫بتعبيره هو "سياسة الظلمة وأهل األثره" ‪.‬‬
‫‪-‬وذلك الجمود الذي أدي إلي تلك الهوة الواسعة بين الدين ومشكالت الحياة اإلسالمية‬
‫المعاصرة ‪ ,‬كما أدي إلي خمول عمل العقل والعلم ‪ ,‬بعد أن أصبح المقصد األساسي‬
‫للفقهاء المتأخرين ‪ ,‬هو إعادة إنتاج ما قدمه شيوخهم من قبل في واقعهم التاريخي ‪,‬‬
‫وظروفهم الثقافية واإلجتماعية ونقله إلي عصر آخر ‪ ,‬دون محاولة لمراجعة ونظر فيما‬
‫( ‪)6‬‬
‫يتواكب مع المجتمع المعاصر‪.‬‬
‫‪-‬ويستطرد في شرح فكرته ليؤكد بأن ( أدي الجمود ‪ ,‬وتعطيل العقل والعلم في النصوص‬
‫الدينية وشيوع التقليد للسابقين دون مراعاة للظروف التي أنتجت ذلك التراث الفقهي ‪,‬‬
‫إلي عدة آثار سلبية ‪ ,‬منها ما يتعلق باللغة العربية ( أول جناية علي هذا الجمود كانت‬
‫علي اللغة وتراكيبها وآساليبها وآدابها ‪ ,‬فإن القوم كانوا يعنون بها لحاجة دينهم إليها ‪,‬‬
‫في فهم كتابهم وما تشير إليه هيئة تراكيبها فلما لم يبق للمتأخرين إال األخذ بما قال‬
‫المتقدم ‪ ,‬قصر المحصلون تحصيلهم علي فهم كالم من قبلهم ‪ ,‬واكتفوا بأخذ حكم هللا منهم‬
‫!‬
‫‪..‬بدون أن يرجعوا إلي دليله‪ ,‬ولو نظروا في الدليل ‪ ,‬فرأوه غير دال له بل داالً لخصمه ‪,‬‬
‫قالوا نعوذ باهلل أن تذهب عقولنا لغير ما ذهب إليه متقدمنا ‪ ,‬وأرغموا عقلهم علي الوقفة‬
‫(‪)7‬‬
‫‪...‬فيصيبه الشلل من تلك الناحية ‪ ,‬فأي حاجة بعد ذلك للغة العربية نفسها ؟!‬

‫‪- 5‬المرجع‪ /‬ص‪ , 321‬ص ‪– 322‬األعمال الكاملة لمحمد عبده‬


‫‪-‬فلسفة المشروع الحضاري بين اإلحياء اإلسالمي والتحديث الغربي‪.‬‬
‫أحمد محمد جاد عبد الرازق –الطبعة األولي‪ 1416 -‬هــ ‪ 1995 /‬م ‪.‬‬
‫‪- 6‬المرجع السابق –ص‪323‬‬
‫‪- 7‬المرجع| األعمال الكاملة الرد علي فرح أنطوان –محمد عبده‪ -‬تحقيق محمد عمارة‪-‬مجلة البيان‪1416-‬‬
‫=ص‪-323‬المرجع|فلسفة المشروع الحضاري بين اإلحياء اإلسالمي والتحديث الغربي‪-‬د‪.‬أحمد محمد جاد عبد الرازق –الطبعة األولي‪ 1416-‬هـ‪1995/‬م ‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫أو بعد ذلك نتسائل عن أسباب جمودنا الفقهي وعدم مواكبة الخطاب الديني‬
‫لفكرنا المعاصر ‪ ,‬وتوقف اإلجتهاد عند ترديد التراث يحاوطنا من كل اتجاه‬
‫كسلطة مكبلة لكل عقل مسلم يفكر وكل مجتمع إنساني يبدع‪..‬‬

‫‪-‬يقول اإلمام المجدد "محمد عبده" الذي تركنا من أكثر من قرن لكننا الزلنا في مكاننا‬
‫الجامد المتحجر وأكثر تخلفا ً فكريا ً وحضاريا ً عما سبق‪ ..‬يقول عن الفكر العقالني‬
‫وضرورته في اإلسالم للوصول للتجديد الحقيقي في الفكر الديني ‪..‬‬
‫}أن التفكير واجب علي الموجود العاقل ال مخلص له منه ‪ ,‬ففي هذا الموجود العاقل أن‬
‫ينهض بجهوده الخاصة للبحث عن الحقيقة في العالم ‪ ,‬والفحص عن الموجودات‬
‫واألشياء علي قدر ما تتيحه له رسائله الخاصة ‪ ,‬وسواء أكان مؤيدا أو معارضا ً ‪ ,‬فواجبه‬
‫أن يدعم موقفه ببراهين يقينية ‪ ,‬ولكن إذا كان عليه أال يهمل واجب التفكير فعليه أيضا ً أن‬
‫يحطاط من الشطط في اإلستدالل‪{8‬‬

‫وقد وصل اإلمام محمد عبده لذروة تحكيم الفكر العقالني كسلطة حاكمة علي الخطاب‬
‫الديني حين قرر بأن }العقل حكم في صحة النبوات ‪ ,‬وكذلك للعقل مطلق السلطان في فهم‬
‫الكتاب المنزل‪ ,‬باإلضافة إلي تقديم العقل علي النقل عند التعارض ‪{9‬‬
‫‪-‬النقطة الثانية في ذلك الفصل حول رؤية تجديد الخطاب الديني تصطدم بإشكالية توقف‬
‫اإلجتهاد في التشريع اإلسالمي بما يتناسب مع الدولة الحديثة والفكر اإلنساني والقانوني‬
‫المعاصر‪..‬‬

‫‪- 8‬تفسير عــم ‪ – 169 :‬محمد عبده‪ -‬المرجع السابق‪.‬‬


‫‪- 9‬رائد الفكر المصري –الطبعة األولي‪-‬ص‪232‬‬
‫‪12‬‬

‫ثانيا ‪ :‬توقف اإلجتهاد في التشريع اإلسالمي –مشكلة أخري تعوق تجديد الخطاب‬
‫الديني ‪..‬‬

‫‪-‬وسأستدل في ذلك علي فكرة تصدير ترهيب الناس بالحدود عند الحديث عن الشريعة ‪,‬‬
‫وكأن اإلسالم أُختصرت شريعته في جملة قوانين تاريخية ‪ ,‬منزوعة السياق ومحرمة‬
‫التأويل!‬
‫ومن هنا سأطرق الباب لإلستدالل ببحث حول التجديد القانوني تحت عنوان }تجديد‬
‫الخطاب اإلسالمي }الثابت والمتغير ‪ :‬نظام العقوبات نموذجا ً{‬
‫‪-‬أهمية هذا البحث أنه يتناول الخطاب اإلسالمي المعاصر بشأن الثوابت اإلسالمية التي ال‬
‫يمكن للحضارة اإلسالمية بطبيعة تكوينها العقدي ‪ ,‬أن تنهض وتنمو ‪ ,‬مالم تتمثلها ‪..‬‬
‫‪-‬يقول الباحث= يوظف هذا البحث منهج إسالمية المعرفة برؤية اإلسالم الكونية‬
‫اإلستخالقية الحضارية بتكامل منهجي شمولي األداء المنضبط لذلك )‪(Systematic‬‬
‫إلعادة النظر في أحد أهم ثوابت الشريعة ‪ ,‬وقانون "نظام العقوبات" اإلسالمي‪ ...‬وذلك‬
‫ليكون نموذجا ً لمحاولة إعادة بناء الخطاب اإلسالمي المعاصر علي ضوء نصوص‬
‫الشريعة‪...‬‬
‫إن الغاية من هذا البحث هي إدراك أهمية اإلصالح الفكري لألمة ‪ ,‬ودعوة المفكرين‬
‫والعلماء إلعادة النظر في خطابات األمة بشأن ثوابتها بالمنهج واألسلوب العلمي‬
‫‪10‬‬
‫اإلسالمي‪..‬‬

‫‪-‬يقرر الباحث أن األهمية الخاصة لقانون العقوبات اإلسالمي هو أن الدارس المسلم إذا‬
‫واجه في هذا العصر قضية الفهم السلبي ألمر مهم وخطير كقضية قانون العقوبات‬
‫اإلسالمية وموقف جمهور األمة منه ‪ ,‬فإن الحل والرؤية اإلسالمية البد أن تنبثق من‬
‫منهج فكر شمولي متكامل منضبط للمعرفة اإلسالمية ‪ ,‬ألن هذا الفكر وحده الذي يمكن أن‬
‫(‪)11‬‬
‫ينظر بواسطته في قضايا الفكر اإلسالمي المعاصر‪.‬‬

‫‪-‬يأخذ الباحث لإلستدالل علي قابلية التشريعات القانونية للتجديد نموذج }قضية الزنا {‬

‫‪- 10‬المرجع|تجديد الخطاب اإلسالمي المعاصر }الثابت والمتغير‪-‬نظام العقوبات نموذجا{ ‪-‬د‪/‬عبدالحميد أحمد محمد أبو سليمان – ص‪ ,4‬ص‪8‬‬
‫‪, - 11‬ص‪-9‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫فيقول‪ -‬كحد واضح في العقوبات اإلسالمية بنص القرآن يدل علي استحالة تطبيق هذا الحد‬
‫‪ ,‬إال في حاالت إستثنائية تتعلق بإشاعة الفاحشة في مجتمع كامل ‪ ,‬وليس في دوافع‬
‫غريزي أوقعت شخص في خطيئة ذاتية ‪ ,‬تُعد من الكبائر الدينية ‪" ...‬بينه وبين ربه‬
‫سبحانه" ‪ ,‬بل القصد من العقوبة ‪ ,‬كان خلق مجتمع ال يعلي قيمة الفاحشة بين جموعه‬
‫في المقام األول ‪..‬‬
‫لذلك كان المعيار إلقامة الحد هو شهادة أربعة شهود علي وقوع الزنا بشكل واضح‬
‫وصريح ال لبس فيه ‪ ,‬وهو أمر غير وارد أصالً في عالقات البشر في مثل تلك الحالة‬
‫الخاصة جدا ً ‪ ,‬مما يجعل العقوبة إجتماعية أكثر منها فردية ‪..‬وعن اإلنتشار واإلعالن لذلك‬
‫الفعل أكثر من كونه تتبع لكل فرد وخطاياه الشخصية ‪..‬‬
‫لذلك يوضح الكاتب الداللة اإلجتماعية لشهادة األربعة في "عقوبة الزنا" –فقد وضحت‬
‫هذه الدراسة أمامي أن العدد "أربعة" له داللة نفسية واجتماعية خاصة ومهمة وهي أن‬
‫األربعة يمثلون الحد األدني للتفاعل اإلجتماعي اإلنساني المتكامل ‪ ,‬مع كل ما ينشأ عنه‬
‫من توازن إجتماعي ‪ ,‬وإشباع للحاجات اإلنسانية ‪ ,‬أي أن األربعة يمثلون الحد األدني‬
‫للمجتمع المتكامل وتفاعالته اإليجابية ‪...‬‬
‫ولذلك كان الحد األدني إلثبات جريمة "الزنا" أربعة يشهدون شهادة صريحة قاطعة ‪ ,‬ألن‬
‫‪12‬‬
‫شهادة األربعة تعني اإلشهار في أربعة ‪ ,‬ومن أشهر في أربعة فقد أشهر في مجتمع‪..‬‬

‫‪-‬هذا دليل واضح علي محدودية العقوبات في الشريعة والقدرة المرنة علي تجاوز الحدود‬
‫بتأويل قانوني يليق بقانون حديث متواكب مع حقوق اإلنسان وبه حيز لإلجتهاد الفكري‬
‫المعاصر‪..‬‬

‫‪-‬لكن لم يشير الباحث في كتابه الذي ذهب فيه لتحليل إقامة الحدود كما هي دون تأويل إذا‬
‫ما تم المستحيل في إثباتها ‪..‬‬
‫‪-‬عموما ً يبقي التشريع اإلسالمي باب واسع لإلجتهاد المعاصر خصوصا ً من ناحية الفكر‬
‫القانوني والفقه الشرعي وال يمكن أن يظل مغلقاً‪.‬‬

‫‪- 12‬تجديد الخطاب اإلسالمي المعاصر (الثابت والمتغير‪-‬نظام العقوبات نموذجا‪ -‬د‪/‬عبدالحميد أحمد محمد أبوسليمان ص‪ , 13‬ص‪14‬‬
‫‪14‬‬

‫الفصل الثالث ‪ -:‬تجديد الخطاب الديني وفلسفته الحضارية ‪.‬‬

‫‪-‬سيتناول ذلك الفصل من البحث حول رؤية تجديدية للخطاب الديني المعاصر ‪ ..‬ثالث نقاط‬
‫قدمتهم في بداية البحث وهم ‪ -:‬النقطة الثالثة والخامسة والسادسة ‪ ,‬وسأترك الرابعة‬
‫والسابعة للفصل التالي ‪..‬‬

‫}أوالً {‪ -:‬تقديس الفقهاء القدامي ومصادرة التجديد الفقهي‬


‫"رؤية مجدد كاألفغاني ومجدد كاإلمام محمد عبده في األمر"‬

‫}ثانيا ً{ ‪ -:‬تيار اإلحياء والتجديد من منظور المفكر "محمد عبده" ‪.‬‬

‫}ثالثا ً{ ‪ -:‬عالقة السلطة بتجديد الخطاب الديني حل أم تعقيد ؟!‬

‫‪-‬أوالً ‪ :‬تقديس الفقهاء القدامي ومصادرة التجديد الفقهي‬

‫"رؤية للحل من تجربة األفغاني وعبده"‬

‫إن من أكبر إشكاليات الفكر اإلسالمي المعاصر وضع سلطات تكبل العقل وتستعبد الفكر‬
‫المطور إليجاد حلول ‪ ,‬وذلك عن طريق وضع وسائط بين إشتباك المسلمين مع نصهم‬
‫المقدس دون البرهنة علي كل اجتهاد ويذهبوا إليه من أقوال السلف الصالح أو انتاج‬
‫فقهاء العصور الوسطي ‪ ,‬الذين تم اعتمادهم كمراجع ال تقبل النقد في ممارستنا الفقهية‬
‫مما أدي إلي تخلف حضاري للخطاب الديني المعاصر ‪ ,‬الذي ينزع مشكالت فقهية لعصور‬
‫سابقة ويضعها في عصرنا الحالي !‬
‫‪15‬‬

‫‪-‬من هنا يجب أن نلقي نظرة سريعة علي تجربة التجديد المعاصرة التي تستحق اإللتفات‬
‫لبدايتها لعلنا نستلهم ذلك في وضعنا الحالي‪..‬‬

‫*تيار التجديد الديني نظرة عن نشأته في العصر الحديث‬

‫‪-‬إن الفكر اإلسالمي في مصر بالعصر الحديث ‪ ,‬يُعد بوجه ما رد فعل للسيطرة الغربية علي‬
‫العالم اإلسالمي سواء أكان ذلك بالدعوة إلي اإلتجاه نحو الغرب أن بالدعوة إلي المبادئ‬
‫الجوهرية في اإلسالم ‪ ,‬وإعادة فهمها بما يتناسب مع مشكالت الواقع المعيشي‪ ,‬والدعوة‬
‫إلي فتح باب اإلجتهاد ونبذ التقليد ‪ ,‬ولقد ارتكزت الدعوة إلي التجديد الديني لدي " جمال‬
‫الدين األفغاني ‪ -‬ومحمد عبده ‪ -‬ورشيد رضا"‬
‫علي أمرين أساسيين ‪ ,‬هما ‪-:‬‬

‫‪-1‬ضرورة العودة إلي األصول اإلسالمية األولي المبرأة من أدران التقليد والبدع ‪ ,‬تلك‬
‫البدع التي قعدت باإلسالم وأهله عن مالحقة ركب التقدم ‪..‬‬
‫‪-2‬الدعوة إلي األخذ بأسباب تقدم الحضارة الغربية ‪ ,‬وفي مقدمة تلك األسباب األخذ‬
‫بالعلوم التجريبية الغربية ‪ ,‬التي أسهمت إسهاما ً فعاالً في تطور الحضارة "الغربية"‬
‫(‪)13‬‬
‫وسيادتها ‪..‬‬

‫‪-‬إن سبيل الدين لمريد اإلصالح في المسلمين سبيل ال مندوحة عنها ‪ ,‬فإن إتيانهم (أي‬
‫مخاطبة الناس) من طرق األدب والحكمة العارية عن صبغة الدين ‪ ,‬يحتاج إلي إنشاء بناء‬
‫جديد ليس عندنا من موارده شئ ‪ ,‬وال يسهل عليه أن يجد من عماله أحدا ً !‬
‫وإذا كان الدين كافالً بتهذيب األخالق وصالح األعمال وحمل النفوس علي طلب السعادة‬
‫من أبوابها‪ ,‬وألهله الثقة فيه ماليس لهم في غيره ‪ ,‬وهو حاضر لديهم ‪ ,‬والعناء في‬
‫(‪)14‬‬
‫إرجاعهم إليه أخف من إحداث ماال إلمام لهم به ‪ ,‬فلم العدول عنه إلي غيره ؟!‬

‫‪- 13‬محمود قاسم‪-‬اإلسالم بين أمسه وغده‪-‬الطبعة األولي ص‪5‬‬


‫‪- 14‬أحمد أمين –يوم اإلسالم‪-‬الطبعة األولي‪-‬ص‪133‬‬
‫‪16‬‬

‫‪-‬ولقد أخذت جراثم الضعف تعمل في العالم اإلسالمي من العهد األموي ‪ ,‬وإن كان المجتمع‬
‫مسلما ً في مجموعه يتخذ من اإلسالم وتعاليمه أداة أساسية لتوجهاته الفكرية والحضارية‬
‫فعلي فترات زمنية متعددة ‪ ,‬انتشر التقليد ‪,‬وأغلق باب اإلجتهاد ‪ ,‬فتعطلت األداة األساسية‬
‫لتحقيق التوافق واإلنسجام بين النص القرآني والواقع التاريخي لألمة اإلسالمية ‪ ,‬وساد‬
‫الجمود ‪ ,‬والفهم السيئ للقضاء والقدر‪.‬‬

‫‪-‬ولقد كان من أهم أسباب تخلف الحضارة اإلسالمية البعد عن المبادئ الجوهرية التي‬
‫كانت أساس اإلنطالقة األولي لإلسالم ‪ ,‬فوجدت الخالفات العصبية بين العناصر العربية‬
‫وغير العربية طريقها ‪ ,‬وبعد أن أزال اإلسالم كل سلطة إال سلطة هللا ‪ ..‬استبدت القوي‬
‫الحاكمة ‪ ,‬فاهتزت قيم الشوري واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪.‬‬

‫ـ مما سبق وجب علينا أن نتخذ خطوات حقيقية في التجديد تنبع من جذور الجمود الديني‬
‫واإلجتماعي الناجم عن تقليدنا الفقهي للتراث وتوقف اإلجتهاد الحقيقي في التشريع‬
‫واستبعاد التأويل للنص واستبداله بسلطة الترديد للموروث في الفهم ‪ ,‬واألهم إبعاد حيز‬
‫اإلستبداد السياسي عن تجديد الفكر اإلسالمي بشكل أعم ‪...‬‬

‫ـ ولعل من أكبر اإلشكاليات التي تواجهنا في تجديد للخطاب هو تخلف فكرنا الثقافي بشكل‬
‫أشمل ‪ ,‬وغياب التعليم والوعي ‪ ..‬ومن ذلك ما يقرر "اإلمام محمد عبده" حين يقول ‪} ..‬‬
‫أما أمر الحكومة والمحكوم لقد تركته للقدر يقدره ‪ ,‬وليد هللا بعد ذلك تدبره‪ ,‬ألنني عرفت‬
‫أنه ثمرة تجنيها األمم من غراس تغرسه ‪ ,‬وتقوم علي تنميته السنين الطوال ‪ ,‬فهذا‬
‫(‪)15‬‬
‫الغراس هو الذي ينبغي أن يعني به "التعليم" اآلن‪.‬‬

‫ـ أما وسائل اإلصالح الديني في نظر اإلمام "محمد عبده" فتمثل في األمور‬
‫اآلتية ‪-:‬‬
‫‪-1‬تطهير اإلسالم من العادات والتأثيرات الفاسدة‪.‬‬
‫‪-2‬إعادة النظر في طريقة عرض المذاهب والمعارف اإلسالمية ‪ ,‬في ضوء الفكر الحديث‪.‬‬
‫‪-3‬إصالح التعليم العالي واإلسالمي‪.‬‬

‫‪- 15‬فلسفة المشروع الحضاري بين اإلحياء اإلسالمي والتحديث الغربي ‪ ,‬د‪.‬أحمد محمد جاد الحق –الطبعة األولي‪1416 -‬هـ ‪ 1995 -‬م ص‪316‬‬
‫‪17‬‬

‫‪-4‬الدفاع عن اإلسالم ضد التأثيرات األوروبية وهجمات المستشرقين ومن تابعهم دون‬


‫(‪)16‬‬
‫نقد أو تمحيص‪.‬‬

‫‪-‬أما بالنسبة لمحيط الخطاب الديني الثقافي فهو في حالة يرثي لها ويرجع إلي كثرة الشرح‬
‫للقديم جون إبداع تجديد !‬
‫‪-‬كما يقول د‪.‬إبراهيم مدكور ‪:‬ـ‬
‫}ثقافة العالم العربي رتيبة غير متنوعة ‪,‬جامدة غير متحركة ‪ ,‬مقلدة غير مبتكرة ‪ ,‬لفظية‬
‫غير موضوعية ‪ ,‬تكاد تدور حول نفسها ‪ ,‬تلخص األفكار العلمية في متون ‪ ,‬ثم توضحها‬
‫في شروح ‪ ,‬وقد تفسر الشروح في حواشي وتقارير وكل ذلك أخذ من السابقين ‪..‬‬
‫ويكمل د‪.‬إبراهيم مدكور‪..‬وهي أيضا ً ثقافة محصورة "ألنه ما ترك القديم للجديد شيئاً"‬
‫وقصرت علي طائفة معينة ووقفت نفسها عليها ‪ ,‬وكأنما كانت تعيش في الماضي دون‬
‫أن يكون لها بالحاضر صلة‪..‬تجهل التطور والتقدم وال تشعر بحاجتها إلي اإلجتهاد أو‬
‫الحرية !‬

‫‪-‬ويرجع ذلك إلي أنه في تلك الفترة لم توجد شروط التفكير الفلسفي نفسه ‪ ,‬وفي مقدمتها‬
‫الحرية ‪ ,‬باإلضافة إلي بيئة مواتية ترعاه وتتعهده ‪ ..‬ألن التفكير الفلسفي بحث إنساني‬
‫ً (‪)17‬‬
‫قبل أن يكون وطنيا ً أو قومياً‪ ,‬أو "دينياً" خالصا ‪.‬‬

‫ــ وتلك األسباب وهذا المناخ الثقافي والفلسفي والسياسي العقيم هو جزء رئيسي‬
‫مما نعاني منه اليوم ‪ ,‬وفي ظله مطالبين برؤية جديدة للدين تخدم المجتمع‬
‫وإصالح جذري حول الخطاب الديني ـ فكيف يحدث ذلك ؟‬

‫‪- 16‬نفس المرجع السابق ص‪316‬‬


‫‪ - 17‬د‪.‬إبراهيم مدكور‪-‬تاريخ الفلسفة في الفكر الفلسفي في مائة عام ‪-‬الطبعة األولي ص‪360,361,364‬‬
‫‪18‬‬

‫‪-‬ويقدم لنا في اإلجابة علي جزء آخر من ذلك السؤال المعقد والمتشعب الجذور ‪..‬‬
‫يقدم لنا المصلح الثائر "جمال الدين األفغاني" رؤيته للتجديد وفق عصره‬
‫فيقول ‪:‬ـ‬
‫ـ التجديد الديني من وجهة نظر "األفغاني" البد أن يتسم بالتالي ‪:‬ـ‬
‫‪-‬اإلتجاه إلي تصحيح المفاهيم اإلسالمية‪..‬‬
‫‪ -‬تنقية إعتقاد المسلمين من الخرافات والبدع التي علقت في أذهانهم‪.‬‬
‫‪ -‬تحرير العقل من أغالل التقليد ‪.‬‬
‫‪ -‬ضرورة فتح باب اإلجتهاد الذي يعد مبدأ الحركة في اإلسالم إذ من خالله يستطيع‬
‫الدين اإلسالمي أن يعمل أثره في الواقع التاريخي‪)18(.‬‬
‫ُ‬

‫‪ -‬وهناك قضيتان أساسيتان اهتم بهما "األفغاني" وسار أتباعه من بعده علي هدي‬
‫منهما ‪-:‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ -‬إحداهما ‪ :‬أن الدين يشكل البنية الثقافية والحضارية لألمة‪.‬‬
‫‪ -‬والثانية ‪ :‬أن الصراع بين العلم والدين والفلسفة أمر موجود في الطبيعة اإلنسانية ‪..‬لكن ليس‬
‫هناك دليل علي اضطهاد اإلسالم للعلم ‪ ,‬أو ما يتعارض بين الحقيقة العلمية واإلسالم‪)19( .‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬عالقة السلطة بتجديد الخطاب الديني‬


‫حل أم تعقيد ؟!‬

‫إن عالقة السلطة السياسية بتجديد الخطاب الديني هي باب من أبواب إغالق التجديد‬
‫الحقيقي للفكر الديني واألهم أنها تمنع التأثير الوجداني الصادق في جموع الناس‬
‫‪ ,‬بالتالي لن تتمكن مؤسسة أو فرد من تقديم خطاب ديني متطور معاصر يتماشي‬
‫مع متطلبات الفكر اإلنساني وأصالة الفكر اإلسالمي بإجتهاد خالص إذا ما تورط‬
‫في تمثيل السلطة ‪ ,‬أو توجيهها له ‪ ,‬حتي وإن كانت أعظم سلطة في العالم‬
‫سيتوجس من دعمها لرموز الدعوة ومؤسسات الدين جموع المسلمين ‪ ,‬ولن‬
‫يطرق مسامعهم أي توجيه أو خطاب أو فكر نابع من هؤالء الممثلين لخطاب ديني‬
‫سلطوي ‪ ..‬من هنا كان استبعاد التدخل الحكومي في توجيه الخطاب الديني أمر‬
‫حتمي ‪..‬‬

‫‪- 18‬فلسفة المشروع الحضاري بين اإلحياء اإلسالمي والتحديث الغربي ص‪293‬‬
‫‪Musjiin Mahdi : Islamic Philosophy “In” - 19‬‬
‫‪Colandmanp P.106 Taraq Ismeali‬‬
‫‪19‬‬

‫ولعله يبرهن علي ذلك التوجه ما قاله اإلمام "محمد عبده"}إن الدين أشبه بالبواعث‬
‫الفطرية اإللهامية ‪ ,‬منه بالدواعي اإلختيارية الدين قوة من أعظم قوي البشر ‪,‬‬
‫(‪)20‬‬
‫وإنما قد يعرض عليها من العلل ما يعرض لغيرها من القوي { ‪.‬‬

‫‪-‬ويؤكد اإلمام علي أنه كارثة اإلستبداد السياسي تحد من تأثير الخطاب الديني المستنير‬
‫وتقلل من فرص إنتشار الفكر الصحيح عندما يتناول ذلك بقوله ‪} ..‬أما الحكام وقد كانوا‬
‫أقدر الناس علي إنتشال األمة مما سقطت فيه ‪ ,‬فأصابهم من الجهل بما فرض عليهم في‬
‫أداء وظائفهم ما أصاب الجمهور األعظم من العام ‪ ,‬ولم يفهموا من معني الحكم إال‬
‫ستخير األبدان ألهوائهم ‪ ,‬وإذالل النفوس لخشونة سلطانهم ‪ ,‬وابتزاز األموال إلنفاقها و‬
‫وإرضاء شهواتهم ‪ ,‬وال يدعون في ذلك عدالً ‪ ,‬وال يستشيرون كتابا ً ‪ ,‬وال يتبعون ُ‬
‫سنة ‪,‬‬
‫حتي أفسدوا الكافة ‪ ,‬بما حملوها علي النفاق والكذب ‪ ,‬والغش ‪ ,‬واإلقتداء بهم في‬
‫(‪)21‬‬
‫المظالم ‪ ,‬وما يتبع ذلك من الخصال التي ما فشت في أمة إال حل بها العذاب {‪.‬‬

‫ـ ومما سبق يتضح أن ال سبيل إلصالح ديني طالما إستمرت مقاصل اإلستبداد‬
‫السياسي والجمود الفكري‪..‬‬

‫‪ -‬بينما تعاني السلطة الدينية من تأثيرات السلطة السياسية تعاني الدعوة بشكل عام‬
‫والخطاب الديني بشكل خاص من تأثيرات الفكر السياسي واإليديولجيات اإلسالمية‬
‫في العمل السياسي‪ ,‬مما أدي لضعف الهوية الدينية عند المنتمين لتيارات سياسية‬
‫تخلط بين العمل العام وأصول الدين ‪..‬‬
‫وبين هؤالء وآخرون نضع تجربة فكرية لتحاول التوفيق بين تيار الفكر المتجدد ‪,‬‬
‫والفكر األصولي‪ ..‬لتقدم لنا رؤية علمية دينية تصلح لإلنطالق منها لتجديد الفكر الديني‬
‫كما يعتقد الدكتور "محمد عمارة"‪.‬‬

‫‪-‬حيث تحدث عن تمايز تيارات الفكر اإلسالمي المعاصر إلي ‪:‬‬

‫أوالً‪ -:‬تيار الجمود والتقليد لتراثنا الفكري ‪ ,‬وعلي األخص من تراث عصر التراجع‬
‫الحضاري ألمتنا وحضارتنا ‪ ..‬ذلك التيار ينظر فقط إلي الخلف ‪ ,‬ويقف علي ظواهر‬
‫النصوص مغفالً المقاصد التي يقصدها الشارع ‪ ,‬من وراء هذه النصوص ‪ ,‬بل ويتخير‬

‫‪- 20‬األعمال الكاملة –محمد عبده‪( -‬رسالة التوحيد) ‪426/3‬‬


‫‪- 21‬فلسفة المشروع الحضاري بين اإلحياء اإلسالمي والتحديث الغربي ص‪-319‬ص‪320‬‬
‫‪20‬‬

‫من النصوص الوسيطة بدالً من النصوص األولي ‪ ,‬المقدسة والمعصومة ‪ ,‬غافلين عن‬
‫معني النص في علم أصول الفقه ‪ ,‬وهو الذي ال ينطبق علي كل "عبارة" ‪ ,‬وإنما يقتصر‬
‫علي ما هو قطعي الثبوت ‪ ,‬وقطعي الداللة‪ ,‬الذي ال مجال فيه ألي تأويل ‪.‬‬

‫‪-‬ولذلك فإن هذا التيار –تيار الجمود والتقليد‪ -‬يخاصم النظر العقلي في حكم ‪ ,‬وعلل‬
‫األحكام التي جاءت بها النصوص مع إهمال فقه الواقع المتغير ‪ ,‬والذي يتطلب –في‬
‫الفروق‪ -‬أحكاما ً جديدة ‪ ,‬تواكب المتغيرات ‪ ,‬وتستجيب للمصالح الشرعية المعتبرة التي‬
‫(‪)22‬‬
‫تفرزها هذه المتغيرات ‪..‬‬

‫‪ -‬ثانيا ً ‪ :‬تيار التغريب والحداثة الغربية ‪ ,‬ذلك الذي انطلق وينطلق من المرجعية‬
‫الفلسفية‬
‫للحضارة الغربية ‪ ,‬معتمدا ً علي مناهج النظر "الوضعية –العلمانية" وأحيانا ً المادية‬
‫التي تعاملت بها تلك الحضارة مع الدين وحقائقه ‪ ,‬وعوالمه وعلومه ‪ ,‬ومعارفه ‪,‬‬
‫فنظرت إلي الدين ومواريثه باعتبارها "فكراً" غير علمي ‪ ,‬عبر عن مرحلة من مراحل‬
‫تطور العقل اإلنساني هي مرحلة "طفولة" هذا العقل ‪ ..‬التي تلتها ونسختها "مرحلة‬
‫الميتافيزيقا" ‪ ,‬والتي تلتها هي األخري ونسختها الوضعية التي جعلت الكون المادي‬
‫والواقع الدنيوي فقط وليس الغيب – هو مصدر المعرفة الحقة والعلم الحقيقي ‪ ,‬كما‬
‫جعلت العقل "والتجربة" ‪ .‬هو مصدر المعرفة الحقة والعلم الحقيقي ‪ ,‬دون النقل‬
‫والوجدان ‪..‬‬
‫فكانت "القطيعة المعرفية " مع الموروث الديني ‪ ,‬تلك التي تميزت بها ثقافة الحداثة‬
‫الغربية ‪ ,‬عندما عزلت علمانيتها السماء عن األرض بدعوي أن العالم مكثف بذاته‬
‫وأن تدبير هذه الحياة الدنيا إنما يتم باألسباب المادية والملكات اإلنسانية المودعة في‬
‫ظواهرها وعوالمها دونما الحاجة إلي مدبر مفارق ومتعال من وراء الطبيعة‪...‬‬
‫‪-‬ذلك هو تيار التغريب ‪ ,‬والحداثة الغربية ‪ ,‬الذي نظر أهله فقط إلي الغرب ‪ ,‬فقلدوه ‪,‬‬
‫وجمدوا علي مقوالت ثقافته ‪ ,‬وفلسفاته ‪ ,‬كما نظر أهل الجمود التراثي ‪ ,‬فقط إلي‬
‫الماضي ‪ ,‬فقلد مقوالت سلف عصر تراجعنا الحضاري وجمدوا عند ظواهر نصوصها‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫}وهذا الذي بشر به ونادي له عمارة إعتقادا ً منه أنه‬ ‫ثالثاً‪ :‬تيار اإلحياء والتجديد‬
‫األصلح للتجديد الديني{‪...‬‬

‫‪22‬‬

‫‪- 23‬مستقبلنا بين التجديد اإلسالمي والحداثة الغربية – د‪.‬محمد عمارة ص‪ 5‬الطبعة األولي‪1423-‬هـ ‪ 2003‬م ص‪5‬‬
‫‪21‬‬

‫‪-‬ويقول "عمارة" إن تيار اإلحياء و التجديد ‪,‬إلحياء أصول اإلسالم وثوابته بالعودة إلي‬
‫المنابع الجوهرية والنقية لهذا الدين الحنيف ‪ ,‬والنظر فيها بعقل معاصر ‪ ,‬يفقه أحكامها‬
‫كما يفقه الواقع الذي يعيش فيه ‪ ,‬عاقدا ً القران بين "فقه الواقع وفقه األحكام" ليصل‬
‫التجديد في الفروع‪-‬أي الفقه‪ -‬مبدعا ً لألحكام الفقهية الجديدة التي تستجيب للمصالح‬
‫الشرعية المعتبرة‪ ,‬التي طرحتها ‪ ,‬وتطرحها مستجدات الواقع الجديد والمعيشي ‪..‬‬
‫‪-‬ففي هذا التيار‪-‬اإلحيائي والتجديدي‪ -‬تتوازن "الثوابت" – الدائمة الثبات ‪ ,‬والضامنة‬
‫لدوام إسالمية النسق الفكري علي إمتداد الزمان والمكان مع "التجديد" في الفروع التي‬
‫(‪)24‬‬
‫تطرحها متغيرات الواقع ومستحداثته ‪ ..‬األمر الذي ينفي القطيعة مع الثوابت الدينية!‬

‫‪-‬ثم يؤكد الدكتور عمارة علي فكرة تيار اإلحياء والتجديد اإلسالمي كنموذج‬
‫أفضل للفكر المعاصر فيقول‪:‬ـ‬
‫}فإذا كانت الحداثة الغربية –انطالقا ً من الفلسفة الوضعية التي حررت الدنيا من الدين‪-‬‬
‫قد أقامت قطيعة معرفية مع الموروث الديني‪..‬‬
‫وإذا كان الجمود والتقليد في (فكرنا اإلسالمي) ينكر التجديد بدعوي أن اإلسالم قد‬
‫اكتمل!‬
‫‪-‬فإن تجديد المفاهيم وتحرير مضامين المصطلحات هو الكفيل بتمييز "التجديد" عن‬
‫"الحداثة" وينفي التناقض الموهوم بين "التجديد" عن "الحداثة" وبين إكتمال الدين {‬

‫‪-‬ثم يؤكد توجهه في التجديد مع الحفاظ علي القديم فيؤكد رؤيته بأن }السبيل إلي دوام‬
‫سنة التجديد‬
‫بقاء هذا الدين واستمرار عطائه وصالحه لكل زمان ومكان ‪ ,‬هو إعمال ُ‬
‫للدين والفكر الديني ‪..‬‬
‫سنة ال تبديل لها وال تحويل ‪ ,‬أي أنها قانون من القوانين الفاعلة والعاملة دائما ً في‬
‫وهي ُ‬
‫النسق الفكري اإلسالمي وليست مجرد "مباح" أو مجرد حق من حقوق العقل‬
‫اإلسالمي!‬

‫‪-‬ووفقا ً لوجهة نظره‪ ،‬أنه هكذا جمعت الوسطية اإلسالمية وتجمع بين "إكتمال الدين‬
‫وبين تجديده" وربطت بين السلفية بمعني العودة في الدين إلي أصوله ومنابعه‬
‫(‪)25‬‬
‫الجوهرية ‪ ,‬وبين التجديد في الفروع وفي المتغيرات‪.‬‬

‫‪-‬وفي رأيي هذه محاولة تلفيقية للفكر ال يُبني عليها تجديد حقيقي للخطاب الديني بقدر‬
‫ما يُبني عليها ترقيع للثوب القديم بأقمشة منطقها العلقالنية كشعارات ال تتجاوز نطق‬
‫قائليها ‪ ,‬فلو أردنا تجديدا ً حقيقيا ً لما انطلقنا أصالً من التوفيق والتلفيق بين اجتهاد‬

‫‪- 24‬المرجع السابق ‪ /‬ص‪,5‬ص‪6‬‬


‫‪ - 25‬مستقبلنا بين التجديد اإلسالمي والحداثة الغربية – د‪.‬محمد عمارة ص‪ 5‬الطبعة األولي‪1423-‬هـ ‪ 2003‬م ص‪16‬‬
‫‪22‬‬

‫القدماء واجتهاد المحدثين والمعاصرين ‪ ,‬بل علينا أن نبني فكريا ً بنسق علمي نقدي‬
‫جديد وقطعا ً لن يتعارض ذلك مع أصول القرآن ‪..‬‬

‫‪-‬وختاما ً لذلك الفصل ‪ ,‬أردت أن أؤكد علي أنه ال يوجد ديني موحد نستطيع توجيه دفته‬
‫حيث شئنا بل السلطة داعمة لنوع من الخطاب الديني في كل عصر وكذلك التيارات‬
‫اإلسالمية المسيسة داعمة لتوجهات فكرية تدعم طرحهم السياسي للدين وتستخدمه‪,‬‬
‫وكذلك المفكرين والمؤسسة الدينية تدعم توجهها الخاص نحو الخطاب الديني ‪ ,‬والجميع‬
‫ينتج أفكاره الدينية من داخل مجتمع كامل يستمد نفس السلبيات واإلطروحات الفاشلة‬
‫التي وصلت به لحالة الجمود والتخلف الحضاري ‪ ,‬والتعصب الفكري الجاهل‪..‬‬
‫من هنا سنطرح سؤالنا لنختم به ذلك الفصل حول‪..‬‬

‫الصراع علي التمثيل ‪ :‬من يتحدث باسم الدين؟!‬


‫‪23‬‬

‫ـ بالرغم من وقوع مؤسسة األزهر في أزمات خطابية عديدة منذ الحراك الثوري في‬
‫مطلع عام ‪ , 2011‬فإن دعمه للسلطة السياسية لم يتوقف سواء بشكل مباشر أو غير‬
‫مباشر ‪ ,‬ذلك أن السلطة السياسية لم تنازع األزهر يوما ً في سلطة التمثيل الديني ‪ ,‬أما‬
‫حين آلت السلطة إلي جهة تسعي ‪ ,‬وفق قابلية جماهيرية معينة ‪ ,‬إلي أن تكون سلطة‬
‫تمثيل ديني بديلة "ممثلة في جماعة اإلخوان المسلمين" هنا أصبحت مؤسسة األزهر‬
‫العريقة أمام معركة وجود وهو ما انعكس علي خطابها الذي خاصت فيه صراعا ً خطابيا ً‬
‫عبر آليات التسمية وإطالق النعوت والحذف‪.‬‬
‫‪-‬وقد وصف األزهر جماعات التأييد الدينية بالفرق المنحرفة وبالقلة الطارئة علي ساحة‬
‫العلوم الشرعية والفتوي مستخدما ً التقليل منهم رغم أنهم رجال دين ودعاة ينتمون إلي‬
‫جماعات وأحزاب وتيارات معروفة ‪" ,‬ولهم تأثير ومساحة إعالمية علي كثير من‬
‫‪26‬‬
‫الناس"‬

‫‪-‬وهنا اتسم "األزهر" بتمثيله الرسمي للسلطة الدينية في مقابل تمثيل شعبي لدي‬
‫تيارات دينية سلفية متطرفة ودعاة مشاهير وقيادات سياسية إسالمية سابقة مما جعل‬
‫من الصعب أن نقدم رؤية موحدة تؤثر بحق في تجديد الخطاب الديني من جهة واحدة !‬

‫الفصل الرابع‬
‫"مشكلة الوعظ الديني في المجتمع"‬

‫‪-1‬أوالً مشكلة "الوعظ" الديني في تفاقم أزمة جمود الخطاب الديني ‪:‬ـ‬
‫إن مشكلة الوعظ وكثرة الوعاظ في المجتمع تكمن في نشر النفاق وقلة العلم بين الناس ‪,‬‬
‫وجعل وصاية دينية للتوجيه فوق عقول المسلمين‪ ,‬مما أتاح لجهالء أو متربحين أن‬
‫يسترزقوا من العمل الدعوي ‪ ,‬ويبثوا آرائهم الفكرية المشوهة في عقول الناس باعتبارها‬
‫دينا ً ‪ ,‬فكثرت الفتاوي وتعددت المنابر وقل العلم الحقيقي ‪ ,‬وتداعي الدين في النفوس‬

‫‪- 26‬كتاب "سطوة النص" –د‪.‬بسمة عبدالعزيز ص‪9‬‬


‫‪24‬‬

‫واألخالق ليحل محله التظاهر بأنماط التدين السطحي والطقوس ‪ ,‬وتؤخر مقاصد اإلسالم‬
‫الكبري وقيمه األخالقية العظيمة أما مظاهر سلوكية يروجها "وعاظ العصر"‬
‫باعتبارها ممثلة لإلسالم ‪ ,‬وبالطبع لكل تيار ديني وعاظه ولكل توجه رسمي أتباعه وكالً‬
‫يأخذ من أصول الدين ما يعضد به توجهاته الفكرية في تناول خطاب ديني يخدم مصالحه ‪,‬‬
‫سواء أكانت نظم سياسية ‪ ,‬أو جماعات إرهابية أو مؤسسة دينية أو حتي دعاة فضائيات‬
‫تلفزيونية !‬

‫‪ -‬ومن هنا يقول "علي الوردي" المؤرخ اإلجتماعي ‪..‬‬


‫"إن مشكلة الوعاظ عندنا أنهم يأخذون جانب الحاكم ويحاربون المحكومون‬
‫فتجدهم يعترفون بنقائص الطبيعة البشرية حين يستعرضون أعمال الحكام ‪ ,‬فإذا‬
‫ظلم الحاكم رعيته أو ألقي بها في مهاوي السوء ‪ ,‬قالوا إنه اجتهد فأخطأ ‪ ,‬وكل‬
‫إنسان يخطئ والعصمة هلل وحده ‪..‬‬

‫أما حين يستعرضون أعمال المحكومين ‪ ,‬فتراهم يوعدون ويزمجرون ‪,‬‬


‫‪27‬‬
‫وينذرونهم بعقاب هللا الذي ال مرد له ‪ ,‬وينسبون إليهم كل بالء ينزل ‪.‬‬

‫‪-‬ويكمل "علي الوردي" نقده لفكرة الوعظ وعمل "الوعاظ" فيقول ‪-:‬‬
‫(ويخيل لي أن الطغاة وجدوا في الواعظين خير معاون لهم علي إلهاء رعاياهم‬
‫وتحذيرهم ‪ ,‬فقد انشغل الناس بوعظ بعضهم بعضا ً ‪ ,‬فنسوا بذلك ما حل بهم علي‬
‫أيد الطغاة من ظلم ‪ ,‬فالواعظ حين يعظ الناس باتباع ال ُمثل العُليا وبتطهير نفوسهم‬
‫من أدوات الحسد واألنانية ‪ ,‬إنما يطلب المستحيل ‪ ,‬إذ ال يستطيع أن يفعل ذلك إال‬
‫النادرون من الناس ‪ ,‬أما بقية الناس ‪ ,‬وهم الذين يؤلفون السواد األعظم منهم ‪,‬‬
‫‪28‬‬
‫فيبقون في حيرة من أمرهم وقد انتابهم الوساس)‬
‫‪-‬وهنا يشير المؤرخ والكاتب اإلجتماعي "علي الوردي" إلي مالحظة هامة للغاية‬
‫في فكرة الوعظ الديني ‪ ,‬حيث أن الوعظ ال يغير نفوس بشر ولن يجدي أصالً في‬
‫تحويل الناس لطائعين صالحين نفوسهم راقية ‪ ,‬وإنما هو فقط محاولة لتأكيد ُمثل‬
‫غير موجودة سوي في الخطابات الشفهية مدفوعة األجر والتي هي أصالً ال توجد‬
‫إلي عموم المسلمين لتحملهم فساد حالهم وعبئ كوارثهم في قلة تقواهم وورعهم‬
‫‪..‬‬
‫وليست في فشل وفساد حكامهم وادارتهم وهذا هو عين النفاق الوعظي الذي‬
‫يتمثله أغلب الوعاظ ومجمل الخطاب الديني المعاصر ‪ ,‬علما ً بأنه لن يتحول‬
‫المسلمين يوما ً بخطاب ديني مثالي لشعوب من المالئكة !‬

‫‪- 27‬وعاظ السالطين –علي الوردي –ص‪12‬‬


‫‪ 28‬المرجع السابق ص‪12‬‬
‫‪25‬‬

‫‪-‬ويؤكد "الوردي" فكرته السابقة فيقول ‪ :‬إني أكاد أجزم بأن منطق "الواعظ"‬
‫األفالطوني هو منطق المترفين ‪ ,‬فهم يشغلون الناس بهذا المنطق قائلين لهم ‪ :‬لقد‬
‫‪29‬‬
‫ظلمتم أنفسكم ‪ ,‬وبحثتم عن حتفكم ‪ ..‬وبهذا يستريح المظلوم ويطلب الغفران!‬

‫ثانيا‪:‬ـ نقد الخطاب الديني المعاصر ‪ ,‬وحلول لتفادي السلبيات ‪-:‬‬

‫إن أهم نقد يمكن أن نحدده في الخطاب الديني المعاصر هو الجمود عند ترديد‬
‫التراث ‪ ,‬وقلة العمل علي إبداع حلول فكرية تناسب العصر الحالي ولعل ذلك عينه‬
‫ما حدده اإلمام "محمد عبده" قبل أكثر من قرن زمني عندما قال ‪-:‬‬
‫"فقد علم القرآن أهله أن يطالبوا الناس بالحجة ألنه أقامهم علي سواء المحجة ‪,‬‬
‫وجديد بصاحب اليقين أن يطالب خصمه به ‪ ,‬ويدعوه إليه ‪ ,‬وعلي هذا درج سلف‬
‫األمة الصالح ‪ ,‬قالوا بالدليل ‪ ,‬وطالبوا بالدليل ‪..‬‬
‫ثم جاء الخلف ‪ ,‬فحكم بالتقليد ‪ ,‬وأمر بالتقليد ونهي عن االستدالل علي غير صحة‬
‫التقليد ‪..‬‬
‫حتي كان اإلسالم خرج ن حده ‪ ,‬أو انقلب إلي ضده وصار الذين يعلمون أن‬
‫اإلسالم امتاز عن سائر األديان بإبطال التقليد ‪ ,‬وبالمطالبة بالبرهان والدليل ‪,‬‬
‫وعلم الناس استقالل الفكر مع المشاورة في األمر ‪..‬‬
‫يطالبون المسلمين بالرجوع إلي الدليل ‪ ,‬ويعيبون عليهم األخذ "بقيل" و "قال"‬
‫وياليته كان األخذ بقال "هللا" و"قيل فيما يروي عن رسول هللا ‪ ,‬ولكنه األخذ بقال‬
‫‪30‬‬
‫"فالن" وقيل عن "عالن" !‬

‫‪-‬أما ثاني المشكالت في نقدنا للخطاب الديني المعاصر فهو خلق سلطة‬
‫"كهنوتية" علي العقل المسلم المفكر بحيث اختصار اإلجتهاد الديني في فئة‬
‫تعلمت في "األزهر" مثالً ‪ ,‬أو تناولت العلم الشرعي الموروث تلقينا ً بمناهج دينية‬
‫صماء ال تفكر في أوسع من محيطها العلمي الشرعي مما شكل حاجز بين تطوير‬
‫الفكر الديني وبين مفكرين وعلماء أوسع مجاالً في اإلجتماع والسياسة والفلسفة‬
‫والعلم ‪...‬‬

‫‪-‬الحلول لتجديد الخطاب الديني –ورؤية إسالمية للفكر الديني ‪.‬‬


‫‪-‬يصطدم الدين بمشكالت اجتماعية كثيرة فيحلها الخطاب الديني لكن بطرق‬
‫أصبحت اليوم متأخرة جدا ً ومسببة لتصدعات كبيرة في المجتمع والعقل المسلم ‪..‬‬
‫‪ - 29‬وعاظ السالطين –علي الوردي –ص‪12‬‬
‫‪- 30‬كتاب فلسفة المشروع الحضاري –األعمال الكاملة –محمد عبده ص‪221‬‬
‫‪26‬‬

‫من هنا كانت إطروحة للدكتور "زكي نجيب محمود" حول رؤية إسالمية للثقافة‬
‫والفكر ‪ ,‬عندما قال‪:‬ـ‬
‫‪-‬عند مقابلة بين نص شرعي من ناحية ‪ ,‬ومشكلة اجتماعية أو فردية من ناحية‬
‫أخري ‪ ,‬بحيث ال تجد تلك المشكلة حلها العقلي –أي حلها العلمي‪ -‬متفقا ً مع ما يدل‬
‫عليه ظاهر النص الشرعي فما نحن صانعون ؟!‬

‫‪-‬هنا تجئ فتوي "اإلمام الغزالي" ‪:‬ـ بوجوب التوفيق بين الطرفين غير أنه من‬
‫حق سائل أن يقول كيف يكون هذا التوفيق بين الطرفين إذا كانا ضدين أو نقيضين‬
‫؟!‬

‫هنا يجيب الشيخ " محمد عبده" فَهاكَ نص ما كتبه جوابا ً عن سؤال هكذا ‪-:‬‬
‫" أنه إذا تعارض العقل والنقل ‪ ,‬أي تعارض حكم "العلم" مع نص "شرعي" أ ُخذ‬
‫بما د ّل عليه العقل ‪..‬‬
‫وبقي في النقل طريقان ‪:‬ـ‬
‫‪-‬طريق التعليم بصحة المنقول مع اإلعتراف بالعجز عن فهمه ‪ ,‬وتفويض األمر‬
‫إلي هللا وعلمه ‪..‬‬
‫والطريق الثاني ‪:‬ـ تأويل النقل مع المحافظة علي قوانين اللغة ‪ ,‬حتي يتفق معناه‬
‫‪31‬‬
‫مع ما أثبته العقل‪.‬‬
‫=وهذا اإلجابة تُعد باب مفصلي إلنطالق تجديد الخطاب الديني والفكر اإلسالمي‬
‫فالرجوع لتحكيم العقل حتي علي تأويل وفهم النص القرآني لهو مستوي يحدث‬
‫نقلة نوعية في فكرنا المعاصر ‪ ,‬خصوصا ً إذا ما تحررنا من الوسائط التراثية‬
‫الناقلة إلجتهاد علماء القرون الوسطي الحاكمة فوق عقولنا ‪ ,‬والواقفة بيننا وبين‬
‫فهم النص بشكل مباشر ‪ ,‬وأكثر تحررا عقليا ً ‪ ,‬وأكثر مواكبة لعصرنا ‪.‬‬

‫من ناحية أخري ‪ ,‬عند تقديم رؤية للتجديد في الخطاب الديني البد أن ال نخلط بين‬
‫مشكالت الخطاب الديني ‪ ,‬وكارثة االرهاب والتطرف ‪ ..‬ألننا كما يقول الدكتور‬
‫"زكي نجيب محمود"‬
‫"أننا نتساهل‪ ..‬حين نجعل التطرف في أي مجال‪ ,‬وجهة نظر ألن من كانت له‬
‫وجهة للنظر ثبت عليها ‪ ,‬ورأي كل شئ من خاللها ‪ ,‬لكن التطرف في حقيقته ‪,‬‬
‫حالة من حاالت التكوين النفسي ‪ ,‬تجعل صاحبها ُمعدا ً ألن يتطرف وكفي !‬
‫فليس هو المهم هو الموضوع الذي يتطرف فيه بل المهم تكوينه هو أن يتطرف‬
‫للتطرف في حد ذاته ‪...‬‬

‫‪"- 31‬كتاب اإلسالم والنصرانية" ط‪ , 6‬ص‪59‬‬


‫‪-‬ص‪ – 209‬رؤية إسالمية‪-‬زكي نجيب محمود‪ .‬الطبعة األولي ‪ 1407-‬هـ ‪ 1987 -‬م‬
‫‪27‬‬

‫ومن هنا رأينا أمثلة كثيرة لمتطرفين يقفزون بين يوم وليلة من تطرف في فكرة‬
‫إلي تطرف في الفكرة التي تناقضها‪.‬‬

‫‪-‬إن المريض بالتطرف ال يعرف ‪ ,‬وهو بالتالي ال يعترف بأنه مريض ‪ ,‬شأنه في‬
‫ذلك شأن المرضي بسائر األمراض النفسية ‪ ,‬وإذا كاشفت المتطرف الديني مثالً‬
‫(‪)32‬‬
‫تحقيق حالته أجابك بأنه يسير علي الخط الديني!‬

‫‪-‬وإنه ال يتطرف بالمعني الذي حددناه للتطرف إال من حمل علي كتفيه رأسا ً خاويا ً‬
‫ً (‪)33‬‬
‫وفارغا‪.‬‬

‫ومما سبق ال يتم تجديد خطاب ديني تحت إرهاب المتطرفين أو تحت إشراف‬
‫مقاصل الطغاة المستبدين ‪ ..‬فإن الخطاب الديني شأن فكري إجتماعي يحتاج لمناخ‬
‫تقدمي وتطور إقتصادي ووعي علمي يغذي عقول مجددة تنتج فكر ديني معاصر‬
‫يليق بتلك األمة ويحقق لها تقدم حقيقي يكون حائط صد أما أي تطرف وفي وجه‬
‫أي نوع من الجهل والخرافات والتقليد والجمود والنفاق الوعظي الذي لن يقدم أي‬
‫جديد ولن يسمع أحد ‪ ,‬لذلك فسبيل تجديد الخطاب الديني يبدأ من ثورة فكرية ال‬
‫شكلية ‪ ,‬بل ثورة حقيقية ‪.‬‬

‫*‬ ‫*الفهرست‬
‫‪ - 32‬ص‪ , 233‬ص ‪ – 234‬كتاب "رؤية إسالمية" – د‪.‬زكي نجيب محمود –الطبعة األولي‪1407 -‬هـ ‪ 1987‬م‬
‫‪ - 33‬المرجع السابق ص‪233‬‬
‫‪28‬‬

‫ـ المقدمة‬
‫ـ الفصل األول ـ مدخل حول تجديد الخطاب الديني‪.‬‬
‫‪-1‬تعريف الخطاب الديني‪0‬‬
‫‪-2‬ما هي المشكلة التي تواجه تجديد الخطاب الديني‪.‬‬
‫‪-3‬نقاط البحث‪.‬‬

‫ـ الفصل الثاني ‪:‬ـ التجديد اإلسالمي ومشكالت المجتمع‪.‬‬


‫‪ * -1‬األزهر ودوره‪.‬‬
‫*تجديد اإلجتهاد الفقي كعامل حاسم في تجديد الخطاب الديني‪.‬‬
‫‪ -2‬توقف اإلجتهاد في التشريع اإلسالمي – مشكلة أخري تعوق تجديد الخطاب‬
‫الديني‪.‬‬

‫ـ الفصل الثالث ‪:‬ـ تجديد الخطاب الديني وفلسفته الحضارية‪.‬‬

‫أوالً‪:‬ـ تقديس الفقهاء القدامي ومصادرة التجديد الفقهي‪.‬‬


‫‪ -‬تيار التجديد الديني – نظرة عن نشأته في العصر الحديث ‪.‬‬
‫‪-‬وسائل اإلصالح الديني في نظر اإلمام "محمد عبده" ‪.‬‬
‫ثانياً‪:‬ـ المناخ الثقافي والفلسفي والسياسي المؤثر علي الخطاب الديني ‪..‬‬
‫*رؤية األفغاني لإلصالح الديني‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪:‬ـ عالقة السلطة بتجديد الخطاب الديني ‪..‬حل أم تعقيد ؟!‬
‫‪-‬التجديد الفكري وتيار اإلحياء والتجديد رؤية للدكتور "محمد عمارة"‬
‫‪-‬نقد رؤية عمارة في ذلك النوع من التجديد‪.‬‬
‫‪-‬الصراع علي التمثيل ! من يتحدث بإسم الدين ‪.‬‬

‫‪-‬الفصل الرابع ‪:‬ـ مشكلة الوعظ الديني في المجتمع ‪.‬‬


‫‪-‬رؤية لتطوير الخطاب الديني ‪.‬‬
‫‪-1‬مشكلة الوعظ ‪.‬‬
‫‪-2‬نقد الخطاب الديني المعاصر وتفادي السلبيات ‪.‬‬
‫‪-‬الحلول لتجديد الخطاب الديني = رؤية إسالمية للفكر الديني ‪.‬‬
‫‪29‬‬

‫*المراجع*‬

‫‪ -1‬لسان العرب ‪.‬‬


‫‪ -2‬ابن منظور ‪.‬‬
‫‪ -3‬عبد الهادي بن ظافر الشهير ‪-‬استراتيجيات الخطاب مقارنة لغوية ‪.‬‬
‫‪ -4‬مقال "محمد عابد الجابري" العولمة ومسألة الهوية بين البحث العلمي والخطاب‬
‫األيديولوجي ‪.‬‬
‫‪ -5‬معجم اإلتنولوجيا واإلنثربولوجيا‪ -‬ترجمة "مصباح الصمد"‬
‫‪ -6‬فلسفة المشروع الحضاري –بين اإلحياء اإلسالمي والتحديث الغربي‬
‫ل د‪.‬أحمد محمد جاد عبد الرازق‪.‬‬
‫‪ -7‬رائد الفكر المصري – محمد عبده – الرد علي فرح أنطوان ‪.‬‬
‫‪ -8‬تجديد الخطاب اإلسالمي المعاصر }الثابت والمتغير – نظام العقوبات نموذجا ً { ل‬
‫د‪.‬عبدالحميد أحمد محمد أبو سليمان ‪.‬‬
‫‪ -9‬محمود قاسم – كتاب اإلسالم بين أمسه وغده‪.‬‬
‫‪ -10‬أحمد أمين – يوم اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -11‬تاريخ الفلسفة‪"-‬في الفكر الفلسفي في مائة عام" د‪.‬إبراهيم مدكور‪.‬‬
‫‪ -12‬األعمال الكاملة (محمد عبده) – رسالة التوحيد ‪.‬‬
‫‪ -13‬مستقبلنا بين التجديد اإلسالمي والحداثة الغربية ل د‪.‬محمد عمارة‪.‬‬
‫‪ -14‬كتاب سطوة النص – د‪ .‬بسمة عبد العزيز‪.‬‬
‫‪ -15‬وعاظ السالطين‪" -‬د‪.‬علي الوردي"‪.‬‬
‫‪-16‬اإلسالم والنصرانية‪ -‬محمد عبده ‪.‬‬
‫‪ -17‬رؤية إسالمية – زكي نجيب محمود‪.‬‬

‫**********‬

You might also like