ي عندنا يقوم بعض الناس بصالة ركعتين نافلة بين السؤال:في مسجد الح ّ
األذان واإلقامة في صالة المغرب ،والبعض اآلخر ال يصلي ،ويعترض
على من يصلي ،ويُثار الجدل تبعا ً لذلك ،فما القول الصحيح في هذه المسألة ،لقد سمعت أن النبي صلى هللا عليه وسلم لم يكن يصليها ،فما دليل من يصلي هاتين الركعتين ،وقرأت أيضا ً أن هناك أحاديث بهذا الخصوص ولكنها منسوخة ،فأرجو التوضيح ،مع ذكر القول الراجح بالدليل ؟ تم النشر بتاريخ17-06-2011 : الجواب: الحمد هلل اختلف الفقهاء في حكم صالة ركعتين بين أذان المغرب واإلقامة ،وذلك على ثالثة أقوال : القول األول :االستحباب ،وإليه ذهب الشافعية وابن حزم الظاهري ، واستدلوا على ذلك بأدلة: 1-عن عبد هللا المزني رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ( : ب - .قَا َل فِي الثَّا ِلث َ ِة ِ :-ل َم ْن شَا َء َ ،ك َرا ِهيَةَ أ َ ْن يَت َّ ِخذَهَا صالَةِ ْال َم ْغ ِر ِ صلُّوا قَ ْب َل َ َ ً سنَّة ) اس ُالنَّ ُ رواه البخاري ( )1183وبوب عليه اإلمام البخاري رحمه هللا بقوله :باب صلُّوا قَ ْب َل الصالة قبل المغرب .وفي لفظ رواية أبي داود للحديث نفسه َ ( : ب َر ْكعَتَي ِْن ) رقم ()1281 ْال َم ْغ ِر ِ سنَّةً ) ،قال اس ُ وقوله في هذا الحديث :قَ ْوله َ ( :ك َرا ِهيَة أ َ ْن يَت َّ ِخذَهَا اَلنَّ ُ المحب الطبري رحمه هللا في شرحه : ،ألَنَّهُ َال يُ ْم ِك ُن أ َ ْن َيأ ْ ُم َر ِب َما َال يُ ْست َ َحبُّ َ ,ب ْل َهذَا "لَ ْم يُ ِر ْد نَ ْفي اِ ْس ِت ْح َباب َها ِ ي ش َِري َعة سنَّة " أ َ ْ ا َ ْل َحدِيث ِم ْن أ َ ْق َوى ا َ ْألَدِلَّ ِة َعلَى اِ ْس ِت ْح َبا ِب َها َ ,و َم ْعنَى قَ ْو ِل ِه " ُ طاط َم ْرتَبَت َها َع ْن َر َواتِب ا َ ْلفَ َرائِض " .. ط ِريقَة َال ِز َمة َ ,و َكأ َ َّن ا َ ْل ُم َرادَ اِ ْن ِح َ َو َ انتهى من " فتح الباري " البن حجر ()60/3 ب النَّ ِبي ص َحا ِ ار أ َ ْ2-عن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال ( :لَقَ ْد َرأ َ ْيتُ ِكبَ َ ب) س َو ِاري ِع ْندَ ْال َم ْغ ِر ِ صلى هللا عليه وسلم يَ ْبتَد ُِرونَ ال َّ رواه البخاري () 503 َ 3-ع ْن أَن َِس ب ِْن َمالِكٍ رضي هللا عنه قَا َل ُ ( :كنَّا ِب ْال َمدِينَ ِة ،فَإِذَا أَذَّنَ ْال ُم َؤ ِذّ ُن ي ،فَيَ ْر َكعُونَ َر ْكعَتَي ِْن َر ْكعَتَي ِْن َ ،حتَّى إِ َّن ب ا ْبتَدَ ُروا ال َّ س َو ِار َ ص َالةِ ْال َم ْغ ِر ِ ِل َ ت ِم ْن َكثْ َرةِ َم ْن ص ِلّيَ ْ ص َالة َ قَ ْد ُ يب لَيَ ْد ُخ ُل ْال َم ْس ِجدَ فَيَ ْحس ُ ِب أ َ َّن ال َّ الر ُج َل ْالغ َِر َ َّ ص ِلّي ِه َما ) يُ َ رواه مسلم () 837 4-وعن زر بن حبيش قال : كان عبد الرحمن بن عوف ،وأبي بن كعب يصليان الركعتين قبل المغرب . رواه عبد الرزاق في " المصنف " () 433/2 وثمة آثار أخرى عن أبي أمامة وغيره في " السنن الكبرى " للبيهقي ()476/2 لذلك قال اإلمام أحمد بن حنبل رحمه هللا : "ما أكثر ما جاء فيه من الحديث " انتهى من " مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد هللا " (ص)96/ وباالستحباب تفتي " اللجنة الدائمة " ()253-251/7 القول الثاني :ال تشرع الركعتان قبل المغرب ،وهو المعتمد في مذهب الحنفية ،أي أنها غير مستحبة عندهم ،بل خالف األولى ،وشدد المالكية في المعتمد من مذهبهم حتى قالوا بالكراهة . وأدلة هذا القول ما يأتي: الر ْك َعتَي ِْن قَ ْب َل ْال َم ْغ ِر ِ ب فَقَا َل َ ( :ما ع َم َر َع ْن َّ وس قَا َل ُ : سئِ َل اب ُْن ُ او ٍ ط َُ 1.ع ْن َ ص ِلّي ِه َما َ ،و َر َّخ َ ص سلَّ َم يُ َ علَ ْي ِه َو َ صلَّى َّ َّللاُ َ سو ِل َّ َّللاِ َ َرأ َ ْيتُ أ َ َحدًا َعلَى َع ْه ِد َر ُ ص ِر ) رواه أبو داود ()1284 الر ْكعَتَي ِْن بَ ْعدَ ْالعَ ْ فِي َّ 2.عن إبراهيم النخعي رحمه هللا قال :لم يصل أبو بكر ،وال عمر ،وال عثمان ،الركعتين قبل المغرب .رواه عبد الرزاق في " المصنف " ( )434/2عن الثوري ،عن منصور ،عن إبراهيم به . وثمة آثار أخرى يستدل به أصحاب هذا القول ،يمكن مراجعتها في مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة ،وفي كتاب " قيام الليل " لمحمد بن نصر المروزي ( )71-77حيث توسع في نقل آثار المثبتين والنافين . يقول ابن الهمام الحنفي رحمه هللا: "إذ قد صح حديث ابن عمر عندنا عارض ما صح في البخاري ,ثم يترجح هو بأن عمل أكابر الصحابة كان على وفقه ،كأبي بكر وعمر ، حتى نهى إبراهيم النخعي عنهما...بل لو كان حسنا – يعني درجة ثبوت حديث ابن عمر -فالحسن يرتفع إلى الصحة بقرينة أخرى ـ كما قلنا ـ من عمل أكابر الصحابة على وفق ما قلناه ،وتركهم لمقتضى ذلك الحديث , وكذا أكثر السلف ,ومنهم مالك نجم الحديث . وما زاده ابن حبان على ما في الصحيحين من أن النبي صلى هللا عليه وسلم صالهما ،ال يعارض ما أرسله النخعي من أنه صلى هللا عليه وسلم لم يصلهما ،لجواز كون ما صاله قضاء عن شيء فاته ،وهو الثابت . روى الطبراني في مسند الشاميين عن جابر قال ( :سألنا نساء رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :هل رأيتن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يصلي الركعتين قبل المغرب ؟ فقلن :ال ,غير أم سلمة قالت :صالها عندي مرة ،فسألته ما هذه الصالة ؟ فقال صلى هللا عليه وسلم :نسيت الركعتين قبل العصر فصليتهما اآلن ) والذي يظهر أن مثير سؤالهم ظهور الرواية بهما مع عدم معهوديتهم في ذلك الصدر ,فأجاب نساؤه الالتي يعلمن من عمله ما ال يعلمه غيرهن بالنفي عنه ،وأجاب ابن عمر بنفيه عن الصحابة أيضا . وما قيل :المثبت أولى من النافي فيترجح حديث أنس على حديث ابن عمر :ليس بشيء...,فإنه لو كان الحال على ما في رواية أنس لم يخف على ابن عمر ،بل وال على أحد ممن يواظب الفرائض خلف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ,بل وال على من لم يواظب ،بل يحضرها خلفه أحيانا . ثم الثابت بعد هذا هو نفي المندوبية ,أما ثبوت الكراهة فال ،إال أن يدل دليل آخر ,وما ذكر من استلزام تأخير المغرب فقد قدمنا من القنية استثناء القليل ،والركعتان ال تزيد على القليل إذا تجوز فيهما " انتهى من " فتح القدير " ()446-445/1 ويقول الحطاب المالكي رحمه هللا: "اختلف فيمن كان في المسجد منتظرا ً للصالة ،هل له أن يتنفل فيما بين األذان واإلقامة – والسياق عن أذان المغرب -؟ فقيل :له ذلك ،على ما حكاه مالك في هذه الرواية عن بعض من أدرك . وقيل :ليس له ذلك ،وهو مذهب مالك على ما رواه ابن القاسم عنه في هذه الرواية . وما ذهب إليه مالك من كراهة ذلك أظهر " انتهى من " مواهب الجليل " ()418/1 القول الثالث :الجواز ،وهو معتمد مذهب الحنابلة. صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه ص ِلّي َعلَى َع ْه ِد النَّ ِب ّ يِ َ ودليله َع ْن أَن َِس ب ِْن َمالِكٍ قَا َل ُ ( :كنَّا نُ َ ب ،فَقُ ْلتُ لَهُ :أ َ َكانَ ص َالةِ ْال َم ْغ ِر ِ ش ْم ِس قَ ْب َل َ ب ال َّغ ُرو ِ سلَّ َم َر ْك َعتَي ِْن َب ْعدَ َُو َ ص ِلّي ِه َما فَلَ ْم ص َّال ُه َما ؟ قَا َل َ :كانَ يَ َرانَا نُ َ سلَّ َم َ صلَّى هللاُ َ علَ ْي ِه َو َ سو ُل هللاِ َ َر ُ يَأ ْ ُم ْرنَا َ ،ولَ ْم يَ ْن َهنَا) رواه مسلم () 836 يقول المرداوي رحمه هللا: "تباح صالة ركعتين قبل صالة المغرب على الصحيح من المذهب ،نص عليه – يعني اإلمام أحمد ،-وعليه جمهور األصحاب ،وجزم به في المغني ,والشرح ,وهو من المفردات .وقيل :يكره .قال ابن عقيل :ال يركع قبل المغرب شيئا . وعنه :يسن فعلهما ،جزم به ناظم المفردات ،وهي من المفردات أيضا " انتهى من " اإلنصاف " ( ،)422/1والقول باإلباحة هو المعتمد في " شرح منتهى اإلرادات " () 244/1 والقول الراجح في المسألة :هو القول األول باستحباب الصالة بين أذان المغرب وإقامتها ؛ لقوة أدلتهم وصراحتها وكثرتها ،وأما أدلة نفي االستحباب فمرجوحة ؛ ألن َمن َع ِلم حجةٌ َعلى َمن لم يعلم. يقول ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه هللا: "هما سنة غير مؤكدة على الصحيح – وذكر األدلة السابقة ثم قال - : وقول ابن عمر ( :ما رأيت أحدا يصليهما على عهد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ) نفي غير محصور ،وزعم أنه محصور عجيب ،إذ من المعلوم أن كثيرا من األزمنة في عهده صلى هللا عليه وسلم لم يحضره ابن عمر ،وال أحاط بما وقع فيه ،على أنه لو فرض الحصر فالمثبت معه زيادة علم فليقدم وبفرض التساقط يبقى معنا ( :صلوا قبل المغرب ركعتين ) إذ ال معارض له ،والخبر الصحيح السابق ( :بين كل أذانين -أي أذان وإقامة – صالة ) ،إذ هو يشملهما نصا ،ومن ث َ َّم أخذوا منه ندب ركعتين قبل العشاء " انتهى باختصار من " تحفة المحتاج " ()223/2 قال الشيخ ابن باز رحمه هللا : والصالة بعد أذان المغرب وقبل اإلقامة سنة لقول النبي صلى هللا عليه وسلم :صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب ثم قال في الثالثة لمن شاء رواه البخاري. وكان أصحاب النبي صلى هللا عليه وسلم إذا أذن للمغرب بادروا بصالة ركعتين قبل اإلقامة ،والنبي صلى هللا عليه وسلم يشاهدهم وال ينهاهم عن ذلك بل قد أمر بذلك كما في الحديث المذكور آنفا ".انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" () . 161/7 وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه هللا : " ..صالة ركعتين قبل صالة المغرب أي بين األذان واإلقامة سنة ،لكنها ليست راتبة ،فال ينبغي المحافظة عليها دائما ً " انتهى من "فتاوى ابن عثمين" () . 272/14 وهللا أعلم.