Professional Documents
Culture Documents
مبحث أول
مبحث أول
لم تتبع التشريعات الجنائية نفس المنهج العقابي عند معاقبتها لكل من الفاعل األصلي و الشريك التبعي و
قد كان االختالف وليد تبني اتجاهات نظرية مختلفة ،و بناءا على ذلك فان تحديد عقاب عن الجريمة
المطابقة الرادة الشركاء يستوجب أوال التعرض الى مختلف االتجاهات النظرية في العقاب (فقرة أولى)
لنخلص بعد ذلك الى أن المشرع قد كرس مبدأ االستعارة المطلقة للعقوبة (فقرة ثانية)
تفرض كل سياسة تشريعية جنائية لزوما وجود أسس فلسفية و نظرية تستمد منها مجمل أحكامها و
قواعدها الخاصة بمبادئ التجريم و قد اختلفت التشريعات الجنائية الحديثة من حيث اعتمادها التجاهين
مختلفين عند معاقبتها للشريك فاالتجاه األول هو اتجاه التمييز بين عقاب الفاعل األصلي و عقاب الشريك
(أ) أما االتجاه الثاني فهو اتجاه التوحيد في العقاب استنادا الى نظرية استعارة التجريم و العقاب (ب)
يتأسس هذا االتجاه على فكرة تعدد الجرائم بتعدد المساهمين في الجريمة ،و مفاد هذه الفكرة اعتبار كل
مساهم في ارتكاب الجريمة فاعال أصليا بالنسبة للفعل الذي ارتكبه ،بحيث يساءل عنه النظر عن تحقق
النتيجة االجرامية من عدمها ،فجميع األطراف و مهما كانت درجة مساهمتهم يحققون معا الجريمة ،و تبعا
لذلك يعتبر المشروع االجرامي مستوفي األركان بموجب فعل كل واحد منهم 1.و قد تبنى هذا الموقف كل
من القانونيين االيطالي و النرويجي.2
و يتمثل األساس النظري لهذا االتجاه في نظرية تعادل ال|أسباب التي تستند الى فكرة تساوي جميع
األسباب في احداث النتيجة التي كان من المقصود المساهمة فيها ،اذ أن لكل األفعال المرتكبة من قبل
جميع الجناة فاعلية سببية متساوية في تحقيق الجريمة ،و يعتبر أنصار هذا االتجاه أن التمييز في العقاب
من شأنه أن يفضي الى تجنب بعض االشكاليات فعندما يكون الفاعل األصلي معدوم األهلية أو غير
مسؤول جزائيا فانه مسائلة الشريك دون اشكال.
و رغم مطابقة هذا االتجاه للمبادئ الحديثة للقانون الجنائي و التي تفرض وجوب تفريد العقاب فقد تعرض
النتقادات تتلخص في عنصرين أساسيين :أولهما هو أن األخذ بنظرية تعدد الجرائم بتعدد المساهمين
سوف يؤدي الى االكثار المبالع فيه في عدد الجرائم التي يمكن أن تجمعهم جريمة واحدة وهو ما يشكل
1
2
تجاهال للروابط الوثيقة التي تربط بين أفعال الشركاء و توحد بينهم و أهمها وحدة الغاية االجرامية ،و
ثانيهما هو أن في قيام هذه النظرية بتجريم فعل كل مشارك باعتباره جريمة مستقلة بذاتها ،اغفال عن
جوهر األفعال التي يرتكبها الشريك ،اذ ال تشكل هذه األفعال في حد ذاتها خطرا على المجتمع ،فهي ال
تكتسب الصفة غير المشروعة اال عند اقترانها بفعل األصلي معاقب عنه و مقترف من قبل الفاعل
األصلي .و لقد كان لهذه االنتقادات وقع كبير لدى مناهضي هذه النظرية و مناصري اتجاه التوحيد في
3
العقاب بين الفاعل األصلي و الشريك.
يتأسس هذا االتجاه على فكرة وحدة الجريمة مع التمييز بين الفاعل و الشريك ،و يتمثل األساس النظري
لهذا االتجاه في نظرية استعارة التجريم و العقاب .اذ تعتبر هذه النظرية الفاعلين األصليين األخطر في
اجرامهم من الشركاء و أن العالقة التي تجمع بينهما هي عالقة استعارة ،و هذه العالقة هي التي تسحب
على نشاط الشريك صفة االجرام ،و لكن هناك من الفقهاء من يقر بضرورة الحديث عن استعارة العقوبة
ال عن استعارة االجرام عندما يتعلق مجال البحث بتحديد العقاب 4.و قد انقسم فقهاء نظرية استعارة العقوبة
على قسمين ،قسم أخذ بفكرة االستعارة المطلقة ،أما القسم الثاني فقد أخذ بفكرة االستعارة النسبية.
لعل ما يمكن مالحظته من خالل القراءة األولى للفصل 33من المجلة الجزائية هي أن المشرع قد تأثر
بنظام التمييز بنظام التميز بين الفاعل و الشريك مع وحدة الجريمة المرتكبة ،فكرس مبدأ االستعارة
المطلقة للعقوبة (أ) و ذلك بأن جعل من عقوبة الشريك هي نفس عقوبة الفاعل االصلي اال أن هذا المبدأ قد
تعرض للنقد (ب)
يقرر مذهب االستعارة المطلقة للعقوبة المساواة الكاملة بين الفاعلين و الشركاء ،فال تفرقة بينهم في
العقوبة و أساس ذلك أن تدخل الشريك في جريمة غيره يعني أنه قد تبناها و اعتبرها جريمته و تقبل كل
النتائج التي يمكن أن يفضي اليها نشاط الفاعل.
و يالحظ أنصار هذا الرأي أن المساواة في العقوبة بين الفاعلين و الشركاء يجد سنده في وحدة المشروع
االجرامي الذي تضامن المساهمون في خلقه باالضافة الى أهمية أفعالهم و خطورة نواياهم االجرامية،
3
4
فالمساهمون جميعا جريمتهم واحدة و نواياهم واحدة .5اذ أن نشاط كل مساهم على حدة ضروري التمام
الجريمة على النحو الذي تحققت به ،و لو أنه لم يقع هذا النشاط لما ارتكبت الجريمة أو التخذت على األقل
صورة أخرى ،و بالتالي فاألفعال تتعادل من حيث لزومها للجريمة مثلما تتعادل النوايا االجرامية في الخط
ورة ،فكل مساهم اتجهت ارادته الى الجريمة بكل أركانها و عناصرها ،فجميع الجناة أرادوا االعتداء على
نفس الحق الذي يحميه المشرع وهو ما يستوجب وحدة العقوبة.
اذن فالمقصود بهذا المبدأ أنه ال وجود لمشارك في جريمة اال اذا وجد فاعل أصلي لها يرتكب الفعل غير
المشروع ،و الذي يستعير منه الشريك عقوبة المشاركة فيه فكان فقه القضاء وفيا لما ذهب اليه المشرع و
طبق مبدأ التسوية في العقوبة بين الفاعل و الشريك و رغم أهمية هذه النظرية في تبرير التوحيد في
العقاب بين الفاعل األصلي و الشريك ،فقد تعرضت لنقد شديد من قبل الفقه الحديث ،اذ أن االتجاه الحديث
أصبح يميل الى تكريس نظرية االستعارة النسبية للعقوبة بهدف اجتناب سلبيات نظرية االستعارة المطلقة.
ان تحمل الشريك المسؤولية كاملة حد على ظروف الفاعل الشخصية رعم عدم توافرها فيه جعل نظام
استعارة التجريم المؤسسة عليه عقوبة المشاركة يقع نقده و ذلك لعدة أسباب من بينها أن هذا النظام يؤدي
الى التسديد على المشاركة في العقاب من أجل ظرف تشديد ال علم له به و ذلك مثل الذي يساعد على
ارتكاب جريمة قتل عمد بدون أن يكون على علم بسابقية اضمار الفاعل األصلي للقتل.
كذلك فان نظام استعارة التجريم قد يؤدي الى اعفاء المشارك من العقاب عندما تنتقي الجريمة األصلية
رعم خطورة فعل المشاركة الذي يكون قد تم و تمثل اما في التحريض على االجرام أو في فعل األفعال
المساعدة التي يمكن أن تكون شديدة الخطورة على أمن و سالمة المجتمع.
و قد وقع نقد هذا المبدأ أيضا لكونه يتعارض مع المبدأ الذي يفرض على المشرع أن يجعل العقوبة
متناسبة مع خطورة الجريمة بداية و قبل تطبيقها من طرف القاضي و ذلك أنه في أغلب األحيان قد تكون
المشاركة أقل خطورة من الجريمة األصلية فانه من التناقض اعتبار أن فعل الشريك مشروع في ذاته و
أنه يستمد الصفة االجرامية من عمل الفاعل األصلي.
اذن ما يمكن مالحظته هو أن هذا النقد موجها أساسا لفقه القضاء الذي لم يتفاعل مع باطن الفصل 33من
م.ج و ذلك ألنه يملك صالحية تأويل النص القانوني و تطبيقه بما يتالئم مع الواقع .فمن غير المنطقي أن
يقع تطبيق نفس العقوبة على الفاعل و الشريك و ذلك نظرا لتفاوت الخطورة بين الفعلين و هذا ما دفع
5
المحاكم الى اعتماد نظام استعارة نسبي تكون فيه عقوبة المشارك مبدئيا أخف من عقوبة الجريمة األصلية
6
مع جعل عقوبة المشاركة مختلفة عن عقوبة الفاعل األصلي في بعض الحاالت االستثنائية.
أحدث فقه ال قضاء نقلة نوعية في نظام االستعارة فلنتجنب سلبيات مبدأ االستعارة المطلقة لجأ القضاء الى
نظام االستعارة النسبية و يتضح من الفصل 33من المجلة الجزائية أن المشرع التونسي قد اعتمد نظرية
االستعارة المطلقة للعقاب (فقرة أولى) اال أنه نجد بعض التشريعات األخرى اعتمدت المزج بين نظرية
االستعارة المطلقة و االستعارة النسبية (فقرة ثانية).
لقد تاثر المشرع التونسي بنظام التمييز بين الفاعل و الشريك مع وحدة الجريمة المرتكبة اذ نص صلب
الفصل 33من المجلة الجزائية على أن "المشاركون في جريمة يعاقبون في كل الحاالت التي لم ينص
القانون على خالفها بمثل العقاب الذي ينال فاعلها ما لم تنطبق عليهم أحكام الفصل 53بحسب مقتظيات
األحوال".
فالفصل 33من م.ج يفيد تبني المشرع التونسي لنظرية االستعارة المطلقة للعقوبة (أ) لكن ايعانا منه
بنقائص هذه النظرية فقد اعتمد قاعدة التدرج من الصالبة الى اللين بأن اعتمد الى جانبها نظرية االستعارة
النسبية للعقوبة (ب)
بالرجوع الى الفصل 33م.ج نالحظ أن المشرع التونسي قد كرس نظرية االستعارة المطلقة للعقوبة ،اذ
جعل من عقوبة الشريك نفس عقوبة الفاعل األصلي سواء على مستوى العقوبات االصلية أو التكميلية
وهو ما يمكن استنتاجه من خالل عبارة "العقاب" التي وردت عامة فحملت على اطالقها.7
فاالستعارة المطلقة للعقوبة تشمل العقوبات االصلية (القتل ،السجن بقية العمر ،السجن لمدة معينة ،العمل
لفائدة المصلحة العامة) كما تشمل العقوبات التكميلية (كالتشعيل االصالحي ،االبعاد ،المراقبة االدارية،
الحرمان من مباشرة بعض الحقوق و االمتيازات 8)...و لكن تجدر االشارة الى أن بعض العقوبات
التكميلية كالحرمان من مباشرة الحقوق و االمتيازات ال يمكن تطبيقها على الشريك اذا كانت متعلقة
6
7
8
بشخص الفاعل دون غيره من المساهمين ،9فاذا كان الفاعل األصلي طبيبا مثال فلن يحكم على شريكه
الذي ال يتعاطى هذه المهنة بالحرمان من مباشرة الطب.
و ما تجدر مالحظته هو أن تكريس المشرع التونسي لنظرية االستعارة المطلقة للعقوبة لم يقتصر على
النص العام للمشاركة فحسب ،بل وقع اعتماد نفس هذه السياسة في بعض الصور األخرى للتجريم ،على
غرار تجريم االتفاق الجنائي ،فرعم أن هذا التجريم كان مستقال على النص العام للمشاركة فان المشرع
يعاقب جميع الجناة المتفقين دون تفؤيق على أساس درجة مساهمة كل واحد منهم ،اذ ينص صلب الفصل
132من م.ج على أنه "يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كل من انخرط في عصابة أو شارك في وفاق من
النوع المقرر بالفصل 131من المجلة" و يتدعم هذا الرأي بمعاقبته صلب الفصل 133من م.ج
للمساهمين في اتفاق جنائي بنفس العقوبة المنصوص عليها بالفصل 132من م.ج.
ان اقتنع المشرع التونسي بنظرية االستعارة المطلقة للعقوبة لم يمنع من اعتماده لنظرية االستعارة النسبية
باعتبار جدواهما معا في ارساء سياسة جنائية رادعة لكل من تساوره نفسه خرق موجبات القانون
الجزائي.
ليس المقصود بالتسوية في العقاب بين الفاعل األصلي و الشريك أن يوقع القاضي على الشريك نفس
العقوبة التي يقضي بها على الفاعل ،كما أن ذلك ال يعني أن المشرع يعاقب الشريك كما لو كان فاعل
للجريمة ،اذ المقصود بالتسوية في العقاب هو احالتها على المحكمة وفق نص أو نصوص قانونية واحدة و
تبقى للقاضي بعد ذلك حرية االجتهاد في تسليط العقاب المناسب على كل واحد منهما وفقا لما تمليه
10
المعطيات و ظروف الملف الخاصة بكل منهما.
و تأسيسا على ذلك فقد اعتمد المشرع التونسي صلب الفصل 33من م.ج نظرية االستعارة النسبية
للعقوبة ،فلئن كان المبدأ هو التسوية في العقاب بين الفاعل األصلي و الشريك التبعي فان ذلك يبقى
مشروطا بعدم تنصيص القانون على خالفه و كذلك بعدم تطبيق ظروف التخفيف المنصوص عليها
بالفصل 53من م.ج فيكون المشرع بذلك قد وضع حدودا لنظرية االستعارة المطلقة للعقوبة وهو ما من
شأنه أن يفضي الى تناسب العقوبة مع الدور الذي يلعبه الشريك في الجريمة ،و الجدير بالمالحظة هو أن
هذه الحدود تنقسم الى صنفين ،حدود اختيارية و حدود اجبارية.
9
10
لقد حرص المشرع على منح القضاة سلطة تقديرية في تحديد العقاب 11فتضمن الفصل 33من م.ج احالة
الفصل 53من نفس المجلة ،و يتعلق هذا الفصل األخير بظروف التخفيف وهي ظروف ذات طابع
اختياري وهو ما أكدته محكمة التعقيب التونسية صلب أحد قراراتها "تطبيق ظروف التخفيف ليس بواجب
بل هو اختياري و للمحكمة أن تطبقه عندما تقتضي أحوال الفعل الواقع ألجله التتبع ما يحمل على تخفيف
العقاب و كان القانون عير مانع من ذلك" .12و بذلك يكون القاضي حرا في استعمال سلطته التقديرية سواء
تجاه الشريك أو تجاه الفاعل األصلي على النحو الذي يتفق و خطورة األفعال المقترفة و مقدار كل واحد
منهما بالعقاب.
و ف ي قرار آخر لمحكمة التعقيب جاء فيه ":أن تقدير العقاب في نطاق النص المنطبق على الجريمة
المقترفة هو من عالئق محكمة الموضوع التي لها وحدها 13حق استناد العقاب للمتهم و ذلك بالنظر الى
ظروف الواقعة و مالبساتها و بالتالي فان فقه القضاء التونسي قد استقر في العديد من القرارات على أن
القاضي له الحرية في تطبيق الظروف المخففة التي تساهم في تفريد العقاب اذن فمن خالل مختلف
التطبيقات القضائية يبرر جليا أن فقه القضاء قد حقق ما يرمي اليه المشرع في أنه ليس المقصود بالتسوية
في العقاب بين الفاعل و الشريك هو تسليط عقاب مساو لكليهما و انما احالتهما على المحاكمة وفق نص أو
نصوص قانونية واحدة و تبقى للمحكمة بعد ذلك االجتهاد في تسليط العقاب المناسب على كل واحد منهما.
11
12
13
فقرة ثانية :موقف التشريعات األخرى
لقد تعدد اآلراء حول مسألة االستعارة النسبية للعقوبة في القوانين المقارنة منها القانون الفرنسي الذي
أحدث تحوال جذريا على نظرية العقاب في المشاركة (أ) و الى جانب مختلف التشريعات العربية األخرى
التي مزجت النظرية المطلقة و النظرية النسبية في تحديد العقاب (ب)
لقد أحدثت المجلة الجزائية الفرنسية الجديدة لسنة 1994تحوال جذريا على نظرية العقاب على المشاركة
و ذلك بموجب الفصل 121-6الذي أصبح يعاقب الشريك في الجريمة "كفاعل" و ليس "كالفاعل" 14وهو
ما يبرر االستقاللية التي أصبح يتمتع بها الشريك من حيث توقيع العقاب.
و بالتالي
14