Professional Documents
Culture Documents
تعددت التعاريف حول إعطاء مفهوم شامل ودقيق لتخليق الحياة
تعددت التعاريف حول إعطاء مفهوم شامل ودقيق لتخليق الحياة
التخلٌق هً دعوة
لمحاربة كل مظاهر الفساد ،والعمل على ترسٌخ قٌم النزاهة والشفافٌة وكذا الدعوة إلى إقرار المساواة فً الحقوق وتكافإ
[1].الفرص
فً حٌن اعتبرها البعض أنها مجموعة من الضوابط والمبادئ الهادفة إلى التدبٌر الجٌد للشؤن المحلً والشؤن العام ،لما فٌه من ضبط
لممارسات الموظف العمومً داخل اإلدارة .مجهود ثنائً ومشترك ٌضم كل من الدولة وفعالٌات المجتمع المدنً ،من أجل توحٌد
[2].األهداف فً مواج هة القوى الفاسدة عبر خلق ارادة واعٌة تإمن بخطورة تؤثٌر الظاهرة على المصلحة العامة
ومما ال شك فٌه أن موضوع التخلٌق اإلداري أصبح ٌكتسً أهمٌة بالغة فً سٌاق التحدٌات الراهنة لبالدنا ،حٌث أن تدبٌر المرافق
العامة ال ٌخلو من تصرفات ال أخالقٌة وغٌر سلٌمة ،أ صبح معه الوضع ٌستلزم تحدٌد آلٌات ووسائل التخلٌق اإلداري أكثر من أي
وقت مضى ،للتصدي لهذه السلوكات السلبٌة ،فً نطاق أدبٌات وأخالقٌات تنبع من مبادئ وآلٌات ومإسسات الحكامة الجٌدة كوصفة
.ناجعة ضد كل داء إداري ،أو كٌف ما كان نوعه ومجاله
الشامل فً متطلبات أساسٌة تشمل األبعاد االستراتٌجٌة والقانونٌة والتدبٌرٌة والمجتمعٌة ] [3و بعدما تحددت معالم سٌاسة التخلٌق
والمإسسٌة ،تؤكد أن تؤهٌل المنظومة المإسسٌة والعمل باستمرار على تماسك وتكامل أدوار مكوناتها لتطوٌر فعالٌتهاٌ ،شكل المدخل
.الرئٌسً لضمان تحقٌق أهداف التخلٌق الشامل
[4] ،وتتمٌز الحكامة الجٌدة بقٌامها على مجموعة من المرتكزات تجعل منها وصفة فعالة ،ونوع من التدبٌر الواعً لبنٌات النظام
ٌهدف إلى التدبٌر الجٌد للشإون العامة وتخلٌق الحٌاة العامة ،منها احترام مبدأ سمو القانون ،ومكافحة الفساد والرشوة واحترام حقوق
[5].اإلنس ان وتشجٌع الدٌمقراطٌة والتنمٌة التشاركٌة
وقد أسس دستور 3122لمفهوم الحكامة الجٌدة ،كتعبٌر عن الفلسفة العامة من أجل التخلٌق والحد من الفساد واالختالالت وسوء
؛ وشكل قٌمة نوعٌة فً اتجاه توطٌد دولة الحق و القانون و تفعٌل الحكامة الجٌدة ] [6التدبٌر الذي تعانً منه مإسسات الدولة والمجتمع
و الدٌمقراطٌة التشاركٌة و قد احتلت هذه المفاهٌم حٌزا مهما ،وخصص الدستور لها بابا كامال :الباب الثانً عشر ،من 28فصال
(الفصول 265إلى ٌ ،) 282نقسم إلى شقٌنٌ ،تعلق األول بمبادئ عامة والثانً بتحدٌد المإسسات والهٌئات العاملة على تفعٌل هذه
.المبادئ
هذه المإسسات التً تعتبر جدٌدة دستورٌا ٌمكن تصنٌفها إلى مإسسات حقوقٌة لحماٌة الحقوق والحرٌات ،كمإسسة الوسٌط ،مإسسة
الجالٌة المغربٌة المقٌمة بالخارج ،المجلس الوطنً لحقوق االنسان ،ومإسسات الحكامة الجٌدة كالهٌئة العلٌا لإلتصال السمعً
الب صري ،و الهٌئة الوطنٌة للنزاهة و الوقاٌة من الرشوة و محاربتها و مجلس المنافسة وفئة ثالثة من الهٌئات المكلفة بالنهوض
بالتنمٌة البشرٌة والمستدامة والدمقراطٌة التشاركٌة و التً تحدد بقوانٌن و تؤلٌف و صالحٌات و تنظٌم قواعد تسٌٌر المإسسات و
الهٌئات السالفة كما نص على ذلك الفصل 282من الدستور .وقد شرع فً تنزٌل هذه المقتضٌات بعد أن ضمت الحكومة المغربٌة
المنبثقة عن تشرٌعات 36نونبر 3122ألول مرة قطاعا حكومٌا مكلفا بتحدٌث القطاعات العامة والحكامة ،فً إشارة قوٌة على
.اقتران تحدٌث اإلدارة باعتماد آلٌات الحكامة
وقد أكد د ستور 3122على مبدأ تخلٌق المرفق العام ،حٌث ورد فً عدة مقتضٌات ،من قبٌل الفقرة الثانٌة من الفصل ” :265
تخضع المرافق العمومٌة لمعاٌٌر الجودة والشفافٌة والمحاسبة والمسإولٌة ،وتخضع فً تسٌٌرها للمبادئ والقٌم الدٌمقراطٌة التً
أقرها الدستور ” .وكذا الفصل ٌ ” :266م ارس أعوان المرافق العمومٌة وظائفهم وفقا لمبادئ احترام القانون والحٌاد والشفافٌة
.والنزاهة والمصلحة العامة “ .وبذلك تتوطد أسس حكامة إدارٌة جٌدة وتترسخ أركان دولة الحكامة
هنا ٌجب أن نقر على أن هذه المإسسات تعتبر مكسبا للمملكة كآلٌات لتخلٌق المرفق العام وتكرٌ س دولة الحق والقانون وهٌئات
.لتوطٌد الدٌمقراطٌة التشاركٌة
.ذلك ما سنحاول النظر إلٌه من خالل الوقوف على دور بعض هذه المإسسات فً تخلٌق الحٌاة العامة ،وترسٌخ الحكامة الجٌدة
فً إطار التطور المستمر الذي طبع مجال حقوق اإلنسان والذي دشنه المغرب منذ سنة ، 2::1تم ارتقاء المجلس االستشاري
لحقوق اإلنسان بمبادرة ملكٌة إلى مجلس وطنً لحقوق اإلنسان وفق المعاٌٌر الدولٌة فً هذا الشؤن ،حٌث تم توسٌع مجال
،باعتماد هٌكلة جدٌدة قائمة على اآللٌات الجهوٌة لحقوق اإلنسان فً شكل لجان تابعة له بسائر جهات ][7تدخله واختصاصاته
كما ٌدخل ضمن اختصاصاته تلقً ومعالجة الشكاوى وزٌارة [8].المملكة تختص بمهام تتبع ومراقبة وضعٌة حقوق اإلنسان بالجهة
المإ سسات السجنٌة ومراقبة أماكن االعتقال ومراقبة ظروف السجناء .وأصبح المجلس الوطنً لحقوق اإلنسان أكثر تطابقا مع
معاٌٌر ومبادئ إعالن بارٌس الخاص بمراكز ومإسسات حماٌة حقوق اإلنسان والنهوض بها ،الصادرة بمقتضى الجمعٌة العامة
”[9].لألمم المتحدة سنة ، 2::5حٌث أضحى المجلس ٌصنف من قبل لجنة التنسٌق الدولٌة فً خانة “أ
لقد لعب المجلس الوطنً لحقوق اإلنسان دورا كبٌرا فً تعزٌز حكم القانون ،وإقامة العدل وضمان المساواة فً الحقوق والواجبات
من خالل مساهمته فً دراسة التشرٌعات الوطنٌة من حٌث مدى مالءمتها مع المعاٌٌر الدولٌة لحق وق اإلنسان ،وتقدٌم المشورة
والرأي على مستوى تطوٌر وتحسٌن آلٌات الرقابة والحماٌة والوقاٌة فً هذا الشؤن ،وذلك بغٌة ضمان العدل وتوفٌر سبل االنصاف،
وتحقٌق المساواة وإلقرار المسإولٌة والخضوع للشرعٌة القانونٌة ،وإقرار الشفافٌة والنزاهة ،وتحقٌق الحماٌة القانونٌة واالجتماعٌة
[10].والمإسساتٌة لحقوق االنسان ،والمساهمة فً تخلٌق الحٌاة العامة
كما نجح المجلس فً ظرف وجٌز من فرض مكانته على المستوى الدولً كمإسسة ذات مصداقٌة فً نظر الشركاء والفاعلٌن
الحقوقٌٌن الدولٌٌن ،ونجح بالتالً فً عقد مجموعة من االتفاقٌات ومذكرات التفاهم .ومن خالل تجربته المرصودة لمكافحة الفساد،
فإن عملٌة تخلٌق الحٌاة العامة هً صناعة مستمرة من أجل خلق التوازن المجتمعً ،لذلك ٌنبغً على الحكومة والبرلمان وغٌرهما
من المإسسات التعاون مع المجلس من خالل تطوٌر أدوات للحوار والتفاعل معها وذلك بؤخذ المقترحات و اآلراء والتوصٌات بنوع
[11].من الجدٌة وباالعتماد على االحترافٌة والمهنٌة العالٌة
وعالوة على التقارٌر السنوٌة ٌصدر المجلس تقارٌر موضوعاتٌة تهم قضاٌا خاصة وقد أصدر فً هذا اإلطار ،على سبٌل المثال ال
الحصر ،تقرٌرا خاصا باألوضاع فً السجون ،سنة 3123بعنوان ” :أزمة السجون مسإولٌة مشتركة 211 :توصٌة من أجل
”.حماٌة حقوق السجٌنات والسجناء
أما تقرٌر سنة 3127حول الصحة النفسٌة ،فقد شخص وضعٌة مإسسات الطب النفسً ،والبنٌات والتجهٌزات ،والموارد البشرٌة.
وخلص على أن الصحة النفسٌة جد متدهورة ،وال تحظى بالمكانة الالئقة بها فً السٌاسات العمومٌة ،ووضع مجموعة من التوصٌات
.من أجل النهوض بالصحة العقلٌة وحماٌة الحقوق األساسٌة للمرضى
دلٌل حول ” الحكامة الترابٌة وحقوق اإلنسان /اآللٌات التشاركٌة IRIكما أصدر المجلس بشراكة مع المعهد الجمهوري الدولً
الجهوٌة “ ،وذلك تتوٌجا لبرنامج تقوٌة قدرات فاعلٌن من المجتمع المدنً باألقالٌم الصحراوٌة فً مجاالت حقوق اإلنسان ،وأنظمة
.الحكامة التشاركٌة التً حبل بها دستور ، 3122وخاصة الجانب الذي ٌهم اآللٌات التشاركٌة على مستوى التنظٌم الجهوي
عمل دستور 3122على إلغاء دٌوان المظالم وتعوٌضه بمإسسة الوسٌط التً تعمل على إنصاف المواطنٌن فً عالقتهم باإلدارة
العمومٌة ،حٌث ٌنص الفصل 273من الدستور على أن “ :الوسٌط مإسسة وطنٌة مستقلة ومتخصصة ،مهمتها الدفاع عن الحقوق فً
نطاق العالقات بٌن اإلدارة والمرتفقٌن ،واإلسهام فً ترسٌخ سٌادة القانون ،وإشاعة مبادئ العدل واإلنصاف ،وقٌم التخلٌق والشفافٌة
فً تدبٌر اإلدارات والمإسسات العمومٌة والجماعات الترابٌة والهٌئات التً تمارس صالحٌات السلطة العمومٌة ” .وقد حلت هذه
المإسسة محل “دٌوان المظالم ” ،وتتمٌز هٌئة “الوسٌط ” فً تنظٌمها وعملها ،بمقتضى المرسوم الملكً بتعٌٌن مندوبٌن جهوٌٌن
ٌدعون “الوسٌط الجهوي ” ،للنهوض عن قرب بحماٌة حقوق الناس ال عادٌٌن ،من خالل إنصاف المشتكٌن المتضررٌن من أي
تصرف إداري ،متسم بالتجاوز أو استغالل السلطة ،وذلك فً نطاق سٌادة القانون ،وتم تخوٌل “مإسسة الوسٌط ” صالحٌات البحث
والتحري والقٌام بمساعً الوساطة والتوفٌق ،واقتراح المتابعة التؤدٌبٌة ،أو إحالة األمر إلى النٌابة ا لعامة ،طبقا للمقتضٌات القانونٌة،
وإمكانٌة إصدار توصٌات بتقدٌم المساعدة القضائٌة ،ال سٌما لألشخاص الذٌن لٌست لدٌهم إمكانات أو فقراء ومعوزٌن ،وٌندرج هذا
التغٌٌر فً إطار مواكبة اإلصالحات المإسساتٌة .وتعمل هذه المإسسة وفق إطار مرجعً ٌستلهم أصوله وفلسفته من قرار الملك
فً التاسع من دٌسمبر 3112بمناسبة تخلٌد ذكرى الٌوم العالمً لحقوق ] [12محمد السادس ،القاضً بإحداث مإسسة دٌوان المظالم
.اإلنسان
وهذه المإسسة لٌست فقط غرفة لتسجٌل وتلقً الشكاٌات وإحالتها على اإلدارات المعنٌة ،بقدر ما تعتبر مإسسة للتدخل والمساعدة
،إذ ٌتعٌن على ][13على إٌجاد حلول عملٌة وواقعٌة لمطالب المشتكٌن وتظلماتهم ،كلما كانت هذه المطالب عادلة وقانونٌة ثابتة
اإلدارة المعنٌة بالشكاٌات أو التظلمات المحالة علٌها من قبل الوسٌط أو أحد مندوبٌه الخاصٌن أو من الوسطاء الجهوٌٌن ،أن تحٌط
المإسسة علما بموق فها إزاء مطالب المشتكٌن أو المتظلمٌن ،وبجمٌع اإلجراءات والتدابٌر التً اتخذتها فً الشكاٌات المعروضة
علٌها ،أو حسب الحالة بالحلول التً تقترحها على المشتكً أو المتظلم ،حتى ٌتسنى رفع ما لحقه من ضرر أو تعسف أو شطط.
وٌجب أن تقوم اإلدارة بذلك خالل األجل الذي ٌحدد ه الوسٌط أو مندوبه الخاص أو الوسٌط الجهوي ،وإذا تعذر علٌها ذلك فً األجل
.المحدد ،جاز لها أن ترفع طلبا إلى المإسسة من أجل تمدٌده قصد إعداد الجواب ،شرٌطة ذكر األسباب الداعٌة إلى ذلك
كما ٌلعب الوسٌط دورا هاما فً ترسٌخ مبادئ الحكامة اإلدارٌة وتحسٌن أداء اإلدار ة حٌث ٌرفع فً إطار اختصاصاته ،وبصفته قوة
اقتراحٌة لتحسٌن أداء اإلدارة والرفع من جودة الخدمات العمومٌة التً تقدمها ،تقارٌر خاصة إلى رئٌس الحكومة تتضمن توصٌاته
:ومقترحاته الهادفة إلى إلى تخلٌق القطاع العمومً وذلك بالعمل على ما ٌلً
ترسٌخ قٌم الشفافٌة والتخلٌق والحكامة فً تدبٌر المرافق العمومٌة ،والعمل على نشرها بٌن الموظفٌن والمرتفقٌن ؛
التقٌد بقٌم حقوق اإلنسان كما هو متعارف علٌها عالمٌا ،وااللتزام بمراعاتها ،والنهوض بها فً عالقة اإلدارة
؛][14بالمرتفقٌن
مواكبة المستجدات ،وإٌجاد الحلول لما ٌطفو على الساحة من إشكالٌات ،ألن الجمود والتراتبٌة فً العمل اإلداري قد
ٌعوقان التقدم ،خاصة فً خضم التغٌٌرات المتسارعة التً تتطلب التصحٌح والتكٌٌف؛
التحدٌث والتواصل عن بعد ،ومكننة الخدمات ،واالعتماد على المعلومٌات ،مع العلم أن التحدٌث ٌجب أن ٌنصب على
؛] [15وسائل العمل وعلى المساط ر ،وعلى العقلٌات على الخصوص
إصالح ومراجعة النصوص التشرٌعٌة والتنظٌمٌة المتعلقة بمهام اإلدارة وسائر المرافق العمومٌة ،وتحسٌن بنٌات
االستقبال واالتصال ،وتبسٌط المساطر واإلجراءات اإلدارٌة لتٌسٌر ولوج المواطنٌن إلى الخدمات التً تقدمها اإلدارة فً
أحسن الظروف؛
وتتولى مإسسة الوسٌط تنظٌم منتدٌات وطنٌة أو إقلٌمٌة أو دولٌة إلغناء الفكر والحوار حول قضاٌا الحكامة الجٌدة ،وتحدٌث المرافق
العمومٌة ،فً نطاق سٌادة القانون ،ومبادئ العدل واإلنصاف .وتساهم المإسسة فً تعزٌز البناء الدٌمقراطً ،من خالل العمل على
تحدٌث وإص الح هٌاكل ومساطر اإلدارة ،وترسٌخ قٌم اإلدارة المواطنة ،والتشبع بؤخالقٌات المرفق العمومً .كما تساهم المإسسة
فً إحداث شبكات للتواصل والحوار بٌن الهئآت الوطنٌة واألجنبٌة ،وكذا بٌن الخبراء من ذوي اإلسهامات الوازنة فً مجال الحكامة
.اإلدارٌة الجٌدة ،من أجل االنفتاح على مستجدات العصر
كما أن مإسسة الوسٌط نهجت خٌار الالتمركز ،من خالل المضً فً فتح مندوبٌات ،فً إطار سٌاسة القرب كنمط لمعالجة المشاكل
المحلٌة .حٌث عمل الظهٌر على إسناد المهام المركزٌة إلى كل من وسٌط المملكة والكاتب العام وباقً الهٌاكل اإلدارٌة التنظٌمٌة
ا ألخرى وكذا المندوبون الخاصون ،فٌما تم إسناد المهام ذات البعد الجهوي على وسطاء جهوٌٌن من أجل ممارسة اختصاصات على
المستوى الترابً ،التً تم تفوٌتها من الوسٌط – باعتباره رئٌس المإسسة المركزٌة – إلى الوسطاء لمباشرتها محلٌا ،لتقرٌب
[16].المواطن المشتكً من سهولة إٌداع تظلماته بالسرعة الالزمة والمطلوبة
واستنادا إلى حصٌلة التقارٌر السنوٌة لمإسسة الوسٌط ( ،)3126 ،3125 ،3124 ،3123 ،3122عملت هذه األخٌرة على وضع
دراسات تهتم برصد الحصٌلة اإلدارٌة للمإسسة وكذا دراسة التقارٌر المحالة علٌها من طرف األجهزة اإلدارٌة من أجل تقٌٌمها
.واستخالص مقترحات وتوصٌات عملٌة واستشرافٌة وبلوة إصالح إداري ٌخدم اإلدارة والمواطن على السواء
وتجدر اإلشارة كذلك ،أن مإسسة الوسٌط قد ساهمت بشكل أو بآخر فً تشجٌع مختلف اإلدارات عن العدول عن سلوكاتها
.الالمشروعة ،واإلسهام فً تعدٌلها ،األمر الذي ٌستدعً معه أجرأة توصٌاتها لما فٌه خدمة للمرتفق واسترجاع حقوقه
أوال :القضاء
ٌشمل القضاء المحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها وكذلك النٌابة العامة باعتبارها شعبة أصٌلة من شعب السلطة القضائٌة ،وٌلعب هذا
القضاء من خالل المالحقة الجنائٌة لمرتكبً جرائم الفساد الدور األكثر فاعلٌة بهذا الشؤن ،بحسبان أن هذه المالحقة ٌتحقق عن
طرٌقها الردع الخاص لمرتكبً جرائم الفساد ،والردع العام لغٌرهم ممن قد تسول له نفسه ارتكاب تلك الجرائم ،وٌتطلب ذلك بطبٌعة
الحال أن تكون التشرٌعات الجنائٌة مشتملة على ما ٌإثم جمٌع صور الفساد القدٌمة من ها كالرشوة والحدٌثة كغسٌل األموال ،إضافة
إلى وجود قضاء مستقل ومإهل ومتخصص لدٌه االمكانٌات البشرٌة والفنٌة والمادٌة بهذا الصدد ،فضال عن تشدٌد العقوبات
.الجنائٌة بالنسبة لمرتكبً جرائم الفساد من الموظفٌن العمومٌٌن وتلك الواقعة على األموال العامة
:ومن خالل إست قراء التشرٌع الجنائً ٌمكن إدراج الجرائم التالٌة فً جرائم الفساد على سبٌل المثال ال الحصر
جرائم االختالس والغدر الذي ٌرتكبه الموظفون العمومٌون ،وقد تطرق إلٌها القانون الجنائً المغربً فً الفصول من 352إلى –
358؛
ومن جهة أخرى ٌلعب القضاء اإلداري دور هاما فً مكافحة الفساد باعتباره الحامً للحقوق األساسٌة والحرٌات العامة ،وذلك من
خالل الرقابة التً ٌمارسها على مشروعٌة أعمال اإلدارة ال سٌما عن طرٌق الطعون التً ٌقدمها أصحاب الشؤن بطلب إلغاء
القرارات اإلدارٌة النهائٌة استنادا ألحد أسباب عٌوب المشروعٌة الالحقة بها وعلى األخص عٌب اساءة استعمال السلطة أو
االنحراف بها الذي ٌكشف عن مظاهر الفساد المستشري فً مفاصل الجهاز اإلداري للدولة ،من الغلو فً توقٌع ا لعقوبات التؤدٌبٌة ،
واستعمال نزع الملكٌة لغٌر أغراض المنفعة العامة ،وتخطً األجدر واألكفؤ فً التعٌٌن والترقٌة بالوظٌفة العامة ،والمحاباة فً
شغل وظائف اإلدارة العلٌا ،وغٌر ذلك من صور الفساد اإلداري الذي من شؤنه أن ٌزعزع ثقة الجمهور فً اإلدارة وٌإدى إلى عدم
.احترام الوظٌفة العامة
والقضاء اإلداري لٌس مجرد قضاء تطبٌقً ،وإنما هو فً األعم قضاء تكوٌنً إنشائً خالق ٌبتدع الحلول المناسبة للروابط القانونٌة
التً تنشؤ بٌن الجهات اإلدارٌة فً تسٌٌرها للمرافق العامة من جهة ،وبٌن األفراد من جهة أخرى .وٌبتكر الحلول لما ٌعترض سبٌله
[17].من مآزق تحقٌقا لمهمة التوفٌق بٌن المصلحة العامة والمصلحة الخاصة
ثالثا :القضاء الدستوري ومكافحة الفساد :القضاء الدستوري هو الحامً للشرعٌة الدستورٌة فً الدولة القانونٌة عن طرٌق ممارسته
للرقابة على دستورٌة القوانٌن ،وبهذه المثابة فهو ٌقوم ب دور غٌر مباشر فً مكافحة الفساد من خالل ما ٌرفعه إلٌه ذوي الشؤن من
طعون على دستورٌة القوانٌن بناء على واحد أو أكثر من عٌوب الشرعٌة الدستورٌة ،فعلى سبٌل المثال ٌقرر القضاء الدستوري
إبطال النصوص التشرٌعٌة التً تحصن الطعن باإللغاء فً القرارات اإلدارٌة لمخالفة هذا التحصٌن لقواعد الدستور ،وبطالن
التشرٌعات المخلة بالحقوق األساسٌة أو المبادئ الدستورٌة العامة ،وذلك لتؤكٌد سٌادة القانون فً الدولة مما ٌوفر بٌئة مناسبة
لمكافحة الفساد التشرٌعً الذي ٌنعكس حتما على صور الفساد األخرى ،وهو ما ٌتطلب أن ٌكون القضاء الدستوري مستقال ومإهال
.ومتخصصا ومنصوص علٌه فً الوثٌقة الدستورٌة نفسها
وحٌث أن مسار الرقابة الدستورٌة بالمغرب التً تعد دعامة دولة الحق والقانون ،تمٌزت بالتذبذب والمحدودٌة ،فقد عمل المشرع
الدستوري بمناسبة المراجعة الدستورٌة األخٌرة لسنة 3122بالنظر إلى سٌاقها الع ام والظرفٌة التً دعت إلٌها ،إلى إحداث تحول
نوعً فً مجال الرقابة الدستورٌة التً تعد أساس دولة القانون وذلك بنصه على إحداث محكمة دستورٌة تعوض المجلس الدستوري
الذي وجهت إلٌه عدة انتقادات ..كما أن هذه األهمٌة تظهر من خالل المالحظات الشكلٌة األولٌة التً ٌتبٌن من خاللها أن دستور
3122خص فً هندسته هذه المحكمة بستة فصول وذلك عوض أربعة فصول التً خصصت للمجلس الدستوري بمقتضى دستور
2::7 .
وقد شدد المشرع الدستوري وألول مرة فً اختٌار أعضاء المحكمة الدستورٌة باشتراط الكفاءة والنزاهة والتجرد باإلضافة إلى
التجربة الواسعة وا لتكوٌن العالً ،زٌادة على توسٌع هامش حاالت التنافً بالنسبة للمهام التً ال ٌمكن الجمع بٌنها وبٌن عضوٌة
[18].المحكمة الدستورٌة استحضارا لعوامل استقاللٌة أعضاء المحكمة
حرص المغرب على غرار الدول المتطورة ،على االرتقاء بالمجلس ا ألعلى للحسابات إلى مصاف مإسسة دستورٌة تضطلع بدور
المساهمة الفعالة فً عقلنة تدبٌر األموال العامة و تمارس كلٌا وظٌفتها كمإسسة علٌا للرقابة مستقلة بذات الوقت عن السلطة
.التشرٌعٌة و السلطة التنفٌذٌة
و هكذا وضح الباب العاشر من الدستور بؤن المجلس األعلى للحسابات ٌتولى ممارسة الرقابة العلٌا على تنفٌذ القوانٌن المالٌة و ٌبذل
مساعدته للبرلمان و الحكومة فً المٌادٌن التً تدخل فً نطاق اختصاصاته بمقتضى القانون ،و ٌرفع إلى الملك بٌانات جمٌع
.األعمال التً ٌقوم بها فً إطار تقرٌره السنوي
و فضال عن ذلك و فً إطار سٌاسة الالمر كزٌة ،نص الدستور على إحداث المجالس الجهوٌة للحسابات المكلفة بمراقبة حسابات
.الجماعات المحلٌة و هٌئاتها و كٌفٌة قٌامها بتدبٌر شإونها
.و لقد تم تتوٌج المقتضٌات الدستورٌة بإصدار القانون رقم 73- ::المتعلق بمدونة المحاكم المالٌة بتارٌخ ٌ 24ونٌو 3113
و هكذا تم ت وضٌح الوظائف المخولة للمحاكم المالٌة بشكل أكثر جالء بهدف تؤمٌن ممارسة رقابة مندمجة و إقامة أفضل توازن فً
.مسإولٌات الخاضعٌن للرقابة و الوصول بالتالً إلى نظام عقوبات و متابعات أكثر عدال و إنصافا لهم
و ٌنبغً التذكٌر بؤن أهم الرقابات الممارسة من قبل المحاكم ا لمالٌة تهم الرقابة القضائٌة على مدى قانونٌة العملٌات المالٌة و مدى
مطابقتها للنصوص (البث فً الحسابات ،التسٌٌر بحكم الواقع و التؤدٌب المتعلق بالمٌزانٌة و الشإون المالٌة) ،و مراقبة التسٌٌر
.المركزة على تقٌٌم نتائج أداء الوحدات المراقبة من حٌث الفعالٌة و االقتصاد و الكفاٌة
وقد وردت عدة تقارٌر للمجلس األعلى للحسابات نتٌجة التدقٌق فً مالٌة عدة جماعات ترابٌة تمخض عنها قرارات زجرٌة فً حق
المخالفٌن لشروط التدبٌر الرشٌد والحكٌم ،الذي من مبادئه ربط المسإولٌة بالمحاسبة كمفهوم جدٌد وجب إعماله بتفعٌله ولٌس
االكتفاء بوصف المخالفات وضبطها خصوصا بعد تعمٌق استقاللٌة القضاء ترسٌخا لدولة الحق والقانون وفصل السلط ،ولعل ذلك ما
حدى بوزارة الداخلٌة إلى توقٌع عقوبات قانونٌة من قبٌل العزل فً حق مجموعة من رإساء الجماعات مع إحالتهم إلى القضاء بتهم
[19].مرتبطة بؤدائهم لمهامهم
وبالن سبة لتقرٌر المجلس حول برنامج التنمٌة المجالٌة إلقلٌم الحسٌمة ” منارة المتوسط “ ،فقد وقف المجلس على عدة اختالالت
شابت مرحلتً إعداد وتنفٌذ هذا البرنامج ،الشًء الذي أدى إلى بطء انطالقة البرنامج و تعثر إطالق المشارٌع ،ونتج عن ذلك اتخاذ
.مجموعة من التدابٌر والعق وبات من طرف الملك فً حق عدد من الوزراء والمسإولٌن السامٌن
وعموما ،فقد لعبت هٌئات الرقابة والحكامة دورا مهما فً تخلٌق الحٌاة العامة ،على سبٌل المثال ،فقد تم خالل سنة 3127تسجٌل
3::3متابعة تتعلق بجرائم الفساد ،كما أحال المجلس األعلى للحسابات على وزارة العدل 68قضٌة فً إطار المادة 222من مدونة
المحاكم المالٌة ،وقد أحٌلت جمٌعها على القضاء التخاذ اإلجراءات القانونٌة المناسبة ،كما أحالت الوزارة تلقائٌا بناء على تقارٌر هذا
المجلس 66قضٌة ،تهم مإسسات عمومٌة وجماعات ترابٌة رصدت بها أفعال ٌشتبه فً كونها تشكل جرائم معاقب علٌها
[20].قانونا
وقد تمكنت الهٌئة من تطوٌر مقاربات تشخٌص ظاهرة الفساد بتعزٌز مإشرا ت المالمسة باستثمار المقاربات القطاعٌة والقضائٌة
والتحصٌل الوثائقً لتشخٌص اختالالت الحكامة قبل التوجه نحو إطالق البحث الوطنً حول الرشوة ،وعملت على تقٌٌم السٌاسات
المعتمدة فً هذا المجال ،وتوجٌه مقترحات وتوصٌات إلى الجهات المعنٌة تهم مالءمة السٌاسة الجنائٌة وإصالح اختالالت حكامة
القطاعٌن العام والخاص وتدعٌم فعالٌة هٌئات المراقبة والمساءلة والنهوض بالتواصل والتحسٌس والشراكة .كما عملت على تقدٌم
مجموعة من اآلراء االستشارٌة لمواكبة بعض المشارٌع الكبرى من قبٌل إصالح منظومة العدالة والجهوٌة الموسعة والحق فً
الحصول على المعلومات ومعالجة تضارب المصالح والنهوض بحكامة الحٌاة السٌاسٌة ووسائل االعالم وجمعٌات المجتمع المدنً
.والتنزٌل التشرٌعً للهٌئة الوطنٌة للنزاهة والوقاٌة من الرشوة ومحاربتها
وفً هذا اإلطار ،أصدرت مجموعة من التقارٌر إما بمبادرة منها أو استجابة لمختلف طلبات إبداء الرأي نذكر منها على سبٌل
[21]:المثال
تقرٌر حول ” :الجهوٌة الموسعة ومستلزمات الحكامة والوقاٌة من الرشوة ”؛
وحٌث أن الهٌئة المركزٌة واجهت مجموعة من الصعوبات واالكراهات للقٌام بعملها على الوجه المطلوب ،المتجلٌة أساسا فً
االفتقار إلى الشخصٌة المعنوٌة واالستقالل المالً ،وضعف المٌزانٌ ة ،وغٌاب اآللٌات التحفٌزٌة للموارد البشرٌة .وبتعلٌمات ملكٌة،
.فقد تم تكرٌس هذه المإسسة دستورٌا كإحدى هٌئات الحكامة الجٌدة المختصة فً مكافحة مختلف مظاهر الفساد
خاتمــــة
وفً الختام فإنه ٌنبغً التؤكٌد على أن هذه المإسسات مهما كانت فاعلٌتها ،فإنه ال ٌمكن أن ن حملها لوحدها مسإولٌة تخلٌق الحٌاة
العامة ،ألن محاربة الفساد هو مسار طوٌل ومعقد ٌستوجب عالوة على هذه المإسسات واإلرادة السٌاسٌة القوٌة ،مجهودا وتعبئة
جماعٌٌن من خالل إشراك كافة اإلدارات والهٌئات ،وانخراط المجتمع المدنً واإلعالم والمواطنٌن من أجل القضاء على مسببات
الفساد ودعم الجانب التربوي والتوعوي من أجل وقف التطبٌع معه واالنتقال من التندٌد إلى التبلٌغ والحرص على إنزال القانون كلما
.تم ارتكاب فعل الفساد
وحٌث أننا اقتصرنا فً هذا البحث على دور المإسسات الوطنٌة فً تخلٌق الحٌاة العامة ،فإنه بالموازاة مع ذلكٌ ،نبغً تحٌٌن
النصوص المتعلقة بواجبات والتزامات الموظف األخالقٌة والمهنٌة والسٌما منها تلك المحددة فً النظام األساسً العام للوظٌفة
العمومٌة ،أو بعض األنظمة األساسٌة الخاصة ببعض الهٌئات من موظفً الدولة (القضاة ،المتصرفون ،المهندسون ،األطباء…) إذ
نجد البعض منها أصبح متجاوزا بفعل ما أصبحت تعرفه اإلدارة من مستجدات ،زٌادة على أن تطور المجتمعات وبروز حاجٌات ال
ٌمكن تلبٌتها إال بواسطة قوانٌن تتماشى مع هذه المستجدات فً مختلف مجاالت تدبٌر المرافق العامة بإدخال آلٌات التدقٌق والحكامة
الجٌدة لمكافحة ظاهرة الفساد ،ومواصلة العمل على تفعٌل ورش اإلدارة الرقمٌة لتكرٌس الشفافٌة ،كل ذلك ٌعجل بضرورة تحٌٌن
النصوص القانونٌة وتحدٌث اإلدارة بشكل ٌتماشى مع ما ٌعرفه المجتمع من تطور ،خاصة فٌما ٌتعلق بالجانب األخالقً على اعتبار
أن أول واجبات المرفق العام االلتزام بؤخالقٌات المهنة ،وأن ٌعم ل المواطنٌن بإخالص ونزاهة على النحو الذي ٌقتضٌه االختٌار
الدٌمقراطً فً دولة الحق والقانون ،وااللتزام بالمواطنة تعزٌزا النفتاح اإلدارة على محٌطها وترسٌخا لحكامة جٌدة ،وهذا ما أكدته
الرسالة الملكٌة الموجهة إلى المتناظرٌن فً ندوة دعم أخالقٌات المرفق العام …“ :وال ٌتؤتى ذلك إال بسمو األخالق واستقامتها…فإن
أول واجبات المرفق العام ،أن ٌلتزم باألخالق الحمٌدة ،وأن ٌخدم المواطنٌن باإلخالص الجدٌر بالشؤن العام والمصلحة العلٌا على
”.النحو الذي ٌقتضٌه االختٌار الدٌمقراطً فً دولة الحق والقانون