You are on page 1of 10

‫‪ISLAMIYYAT 36 (2014): 103 - 111‬‬

‫أحكام الغرر في عقود التبرعات‪ :‬دراسة فقهية مقارنة‬


‫‪Legal Rulings on Uncertainty in Contracts of Donations: A Comparative Study‬‬
‫‪of Islamic Jurisprudence‬‬

‫‪Abdel Wadoud Mustofa Moursi Al-Saudi‬‬

‫ملخص‬

‫ً‬
‫خاصة؛ مما يسبب مشكلة كبيرة بين المتعاقدين‬ ‫ً‬
‫عامة‪ ،‬وفي عقود التبرعات‬ ‫تتمثل مشكلة البحث في وقوع الغرر في سائر عقود المعامالت‬
‫وخصومة قد تصل إلى ساحة القضاء ؛ للفصل بين المتخاصمين بسبب الغرر الواقع على أحد المتعاقدين ‪ .‬ويهدف هذا البحث إلى بيان أحكام‬
‫طريقا يسلكه المتعاقدان حتى ال يقع أحدهما في الغرر الذي يلحق بالضرر على‬ ‫ً‬ ‫الغرر في عقود التبرعات في الفقه اإلسالمي؛ كي تكون‬
‫أحد المتعاقدين‪ .‬وسلك الباحث في دراسته المنهج االسقرائي والمنهج التحليلي والمنهج المقارن‪ ،‬وذلك باستقراء أقوال الفقهاء في المسألة‬
‫موضوع البحث ‪ ،‬ثم المقارنة بين ثم التحليل بين تلك اآلراء ومناقشتها والترجيح بينها الختيار الرأي الراجح ‪ .‬وقد توصل الباحث إلى جملة‬
‫من النتائج ‪ ،‬من أهمها‪ :‬الغرر محرم في الشريعة الشتماله على جملة من المفاسد الشرعية ‪ .‬المقصود بالغرر هو ما اشتمل على نوع من‬
‫المخاطرة ‪ ،‬وال يدري اإلنسان أيحصل له ما يريد أم ال‪ .‬الغرر يجوز للحاجة إذا كان تركه يفضي إلى مفسدة ومشقة أشد‪ .‬الغرر إذا كان‬
‫يسيرا لم يضر‪ .‬عقود التبرعات تختلف في طبيعتها عن حقوق المعاوضات ‪ ،‬فالمعاوضة تقوم على أساس المنفعة المتبادلة‪ ،‬أما التبرعات فهي‬ ‫ً‬
‫إحسان وتفضل من المتبرع ‪ .‬الغرر غير مؤثر في عقود التبرعات ؛ ألنها تبرع وإحسان‪ ،‬والغرر فيها ال يفضي إلى المشاحة والمخاصمة‪.‬‬
‫الجهالة في الهبة ال تضر‪ ،‬فلو وهب شخص آلخر ماال من غير تعيين جاز ذلك‪ .‬اإلبراء مع الجهل بقدر الدين يصح ‪ ،‬لما في ذلك من إبراء‬
‫للذمم وإسقاط للديون‪ .‬الوصية تصح مع الجهالة؛ فلو أوصى شخص آلخر بجزء من ماله صح ذلك ‪ ،‬ولو لم يحدد القدر والنوع‪.‬‬

‫‪ABSTRACT‬‬

‫‪The statement of problem in this paper is about the occurrence of uncertainty in contracts in general and contracts‬‬
‫‪of donations in specific. When this case occurs, it can cause a big problem among contractors and sometimes it leads‬‬
‫‪to the court for decision. The objective of this paper is to demonstrate legal rulings on uncertainty in contracts of‬‬
‫‪donations in Islamic jurisprudence. It is in order to avoid any uncertainty in future that can cause damage among‬‬
‫‪contractors. The paper is prepared based on a few methods, viz. deductive, analysis and comparative methods. The views‬‬
‫‪of Muslims scholars are filtered and then put them in comparative study in order to get a real answer to the matter in‬‬
‫‪question before weighting them to choose the most correct opinion. In conclusion, it could be said that the uncertainty‬‬
‫‪is forbidden in Islamic law. It is a kind of bad conduct in any transaction. Its nature mostly based on speculation and‬‬
‫‪risk, one actually does not know whether he can get what he need or not. Uncertainty situation may be permissible in‬‬
‫‪the case of necessity when left a specific action or conduct, it can lead to evil and cause the worst. Small uncertainty‬‬
‫‪will not give any meaning. Contracts of donations vary in nature compared to contracts of commutative. Contracts‬‬
‫‪of commutative are practiced based on the basis of mutual benefit, but contract of donation is a kind of charity and‬‬
‫‪gift from one to another without any do ut des. Uncertainty is ineffective in contracts of donations because they run‬‬
‫‪under donation and charity. The uncertainty will not cause a quarrel. The element of ignorance in donation does‬‬
‫‪not harm the contract. It is permissible a person generally give something to another. That is why the discharge of a‬‬
‫‪debt in general is permissible. Likewise, in the case of will, where one person can bequeath his property to another‬‬
‫‪without specifically in portion and kind.‬‬

‫حقوقهم وأموالهم ‪ ،‬فال َيظلمون وال يُظلمون ‪ ،‬وقد وردت في الكتاب‬ ‫مقدمة‬
‫جمال من الضوابط واألصول الجامعة‬ ‫والسنة نصوص كثيرة ‪ ،‬تتضمن ً‬
‫المنظمة ألمور الناس في معامالتهم ‪ ،‬والحافظة لحقوقهم ‪ ،‬ومن هذه‬ ‫أحمد اهلل تعالى أبلغ الحمد وأكمله ‪ ،‬وأزكاه وأشمله ‪ ،‬وأشهد أن ال إله‬
‫القواعد‪ :‬منع الغرر ‪ ،‬والغرر الممنوع في الشرع له صور وتطبيقات‬ ‫ُح َّم ًدا عبده ورسوله‪ ،‬وحبيبه‬ ‫إال اهلل ‪ ،‬وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد َّ‬
‫أن م َ‬
‫كثيرة تتنوع في حقيقتها وفي الحكم عليها ‪ ،‬وقد وقع الخالف بين الفقهاء‬ ‫وخليله ‪ ،‬المصطفى بتعميم دعوته ورسالته ‪ ،‬صلوات اهلل وسالمه‬
‫وحديثا ‪ -‬في حكم كثير من هذه الصور ‪ ،‬ومن الصور المختلف‬ ‫ً‬ ‫‪ -‬قديمًا‬ ‫الصالحين‪ ،‬وتابعيهم‬
‫كل ‪ ،‬وسائر َّ‬ ‫عليه ‪ ،‬وعلى إخوانه من النبيين ‪ ،‬وآل ٍّ‬
‫فيها‪ :‬الغرر في عقود التبرعات‪ ،‬فعقود التبرعات لها طبيعة تختلف‬ ‫حسان إلى يوم ِّ‬
‫الدين ‪ .....‬وبـعـد‪:‬‬ ‫بإِ ٍ‬
‫عن عقود المعاوضات ‪ ،‬فالمعاوضات تقوم على المنفعة المتبادلة ‪،‬‬ ‫فإن اهلل تعالى بعث محم ًدا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬لنشر الحق‬
‫وهي مباحة األصل ‪ ،‬أما التبرعات ‪-‬كالهبة والصدقة واإلبراء ‪ -‬فيراد‬ ‫ووضع القواعد واألحكام الشرعية التي تحفظ للناس‬ ‫ْ‬ ‫وإقامة العدل ‪،‬‬

‫‪Islamiyyat Bab 11.indd 103‬‬ ‫‪7/14/2014 11:25:39 AM‬‬


‫‪104‬‬ ‫‪Islamiyyat 36‬‬

‫ومفردات غريب القرآن ‪ ،‬للراغب األصفهاني ‪ :‬ص‪ ، 341/‬والمحكم‬ ‫بها اإلحسان واإلرفاق‪ ،‬وهي مستحبة ومندوب إليها في الشرع‪ ،‬فهل‬
‫والمحيط األعظم‪ ،‬البن سيده ‪ ، 168/1 :‬وتاج العروس ‪ ،‬للزبيدي‬ ‫اختالف حقيقة العقدين مؤثر في حكم الغرر فيهما‪ ،‬وهل الغرر جائر‬
‫‪.)394/8 :‬‬ ‫في عقود التبرعات لما لها من آثار اجتماعية وإنسانية سامية ونبيلة ‪،‬‬
‫جاء في معجم مقاييس اللغة (معجم مقاييس اللغة البن فارس ‪،‬‬ ‫ونظرا ألهمية هذا الموضوع ‪ ،‬ومساسه بواقع وحياة الناس ‪ ،‬ولما‬ ‫ً‬
‫ص‪ “ : )654:‬العين والقاف والدال أصل واحد يدل على شد وشدة‬ ‫يتضمنه من مسائل فقهية دقيقة ‪ ،‬وقواعد جامعة ‪ ،‬وددت أن أكتب‬
‫وثوق ” ‪.‬‬ ‫ً‬
‫بحثا فقهيًّا مُقار ًنا تحت عنوان ‪ { :‬أحكام الغرر في عقود التبرعات‬
‫اصطالحا ‪ :‬ارتباط اإليجاب بالقبول على وجه‬
‫ً‬ ‫تعريف العقد‬ ‫“دراسة فقهية مقارنة”} ‪ ،‬وقد كتبت هذا البحث في أربعة مباحث‬
‫مشروع يظهر أثره في المحل (التعريفات ‪ ،‬للجرجاني ‪ :‬ص‪، 196‬‬ ‫وخاتمة ‪ ،‬بيانها كاآلتي ‪:‬‬
‫والمنثور في القواعد ‪ ،‬للزركشي ‪ ، 397 :2 :‬وحاشية ابن عابدين‪،‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬تحديد المصطلحات “الغرر والعقد”‪.‬‬
‫‪ ، 3:3‬ودرر الحكام شرح مجلة األحكام ‪ ،‬لعلي حيدر آباد ‪،‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬أدلة تحريم الغرر‪.‬‬
‫‪. )105/1‬‬
‫تعريف التبرع ً‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬ضوابط الغرر المؤثر في العقد‪.‬‬
‫لغة ‪ :‬برع في اللغة تدل على التبريز والفضل‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬أثر الغرر في عقود التبرعات‪.‬‬
‫تم في كل فضيلة وجمال وفاق أصحابه في العلم‬ ‫وبرع فهو بارع ‪َّ ،‬‬ ‫الخاتمة ‪ :‬وتحتوي نتائج البحث‪.‬‬
‫وغيره ‪ ،‬وفعلت كذا متبرعا‪ ،‬أي متطوعا (العين ‪ ،‬للخليل بن أحمد‬
‫الفراهيدي‪ ، 135/2 ،‬ومعجم مقاييس اللغة ‪ ،‬البن فارس ‪ :‬ص‬ ‫وأخيرا ‪ :‬فقد حاولت من خالل هذا البحث اإلسهام في معالجة‬ ‫ً‬
‫‪ ، 105‬والصحاح ‪ ،‬للجوهري ‪ ، 1184/3 :‬ولسان العرب ‪ ،‬البن‬ ‫هذا الموضوع ‪ ،‬معالجة شرعية مفيدة للمعامالت اإلسالمية‬
‫عز َّ‬
‫وجل ‪ ، -‬وما كان‬ ‫صواب َف ِم َن اهلل – َّ‬ ‫المعاصرة ‪ ،‬فما كان من‬
‫منظور ‪.)260/1 :‬‬ ‫ٍ‬
‫ذكرا لتعريف عقد التبرع‬
‫اصطالحا ‪ :‬لم أجد ً‬
‫ً‬ ‫تعريف عقد التبرع‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫من زلل فمن نفسي‪ ،‬واستغفر اهلل ‪ .‬وال غ ْر َو ؛ فإِن العصمة والكمال‬
‫بمعناه المركب عند المتقدمين ‪ ،‬وإنما كانوا يعرفون صور هذا العقد‬ ‫لِ َم ْن َت َف َّر َد بالجالل ‪ ،‬وهـو حسبي وعليه االتكال ‪ .‬وما توفيقي إال‬
‫وأنواعه ‪ :‬كالهدية ‪ ,‬والوصية ‪..‬ونحو ذلك ‪ ،‬وقد ذكر بعض المعاصرين‬ ‫باهلل ‪ ،‬عليه توكلت وإليه أنبيب ‪.‬‬
‫معناه بقوله ‪ :‬هو عقد يقوم على أساس المنحة أو المعونة من أحد‬
‫الطرفين لآلخر (المدخل الفقهي العام ‪ ،‬للزرقاء ‪.)579/1 :‬‬ ‫المبحث األول ‪ :‬تحديد المصطلحات “الغرر والعقد”‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬أدلة تحريم الغرر‬ ‫تعريف الغرر في اللغة واالصطالح‪:‬‬


‫لغة ‪ :‬الخطر والنقصان والتعريض للهلكة والغفلة‬ ‫تعريف الغرر ً‬
‫وردت نصوص شرعية كثيرة تدل على تحريم الغرر في الشرعية‬ ‫َ‬ ‫ريرا و َت ِغرًّة َّ‬
‫عرضهما لل َهلك ِة‬ ‫ْ‬
‫وغ َّر َر بنفسه ومالِه َتغ ً‬
‫عن عاقبة األمر ‪َ ،‬‬
‫ْرف (معجم مقاييس اللغة ‪ ،‬البن فارس ‪ ،‬ص‪، 770 :‬‬ ‫َ‬
‫اإلسالمية ‪ ،‬وهذه النصوص منها ما جاء على وجه اإلجمال والعموم ‪،‬‬ ‫من غير أن َيع ِ‬
‫ومنها ما خص ً‬
‫أنواعا من المبايعات التي كانت معروفة في ذلك الزمان‬ ‫ومفردات غريب القرآن ‪ ،‬للراغب األصفهاني ‪ ،‬ص‪ ، 359:‬ولسان‬
‫وهي مشتملة على شيء من الغرر ‪ ،‬إما ‪ :‬من جهة الجهل بالمحل ‪،‬‬ ‫العرب‪ ،‬البن منظور ‪ ، 3233 :5 ،‬وتاج العروس ‪ ،‬للزبيدي‪،‬‬
‫أو باألجل ‪ ،‬أو بالقيمة ‪ ،‬أو عدم القدرة على التسليم ‪ ،‬ومنها ما اشتمل‬ ‫‪.)233 :13‬‬
‫على أنواع من أسباب الغرر ‪ ،‬وهذه المبايعات المحرمة المنصوص‬ ‫اصطالحا ‪ :‬تعددت عبارات الفقهاء في تعريف‬ ‫ً‬ ‫تعريف الغرر‬
‫عليها دالة على غيرها مما لم يرد في النصوص ‪ ،‬أو مما أحدثه الناس‬ ‫الغرر ‪ ،‬ومن هذه التعريفات ‪:‬‬
‫بعضا من أهم النصوص‬ ‫من صور العقود والمبايعات ‪ ،‬وسأذكر هنا ً‬ ‫الغرر هو ‪ :‬ما ال يقدر على تسليمه ‪ ،‬سواء أكان موجو ًدا أم‬
‫الدالة على المنع من الغرر‪:‬‬ ‫معدومًا (إعالم الموقعين ‪ ،‬البن القيم ‪ .)7 :2 ،‬وقيل هو ‪ :‬مجهول‬
‫العاقبة الذي ال يُدرى أيحصل أم ال (الفروق ‪ ،‬للقرافي ‪، 265 :3 ،‬‬
‫فمنها اآليات التي فيها النهي عن أكل المال بالباطل ‪ ،‬كقوله تعالى‬ ‫‪ -‬‬
‫ْ‬ ‫ومجموع الفتاوى ‪ ،‬البن تيمية ‪ ، 22 :29 ،‬وتبيين الحقائق ‪ ،‬للزيلعي‪،‬‬
‫اط ِل ” (سورة البقرة ‪ ،‬جزء من‬ ‫‪َ “ :‬وال َتأ ُكلُوا أَ ْم َوالَ ُك ْم َب ْي َن ُك ْم ِب ْال َب ِ‬ ‫‪ .)46 :4‬وقيل هو ‪ :‬ما شك في حصول أحد عوضيه أو مقصود‬
‫ْ‬
‫ين آ َمنُوا ال َتأ ُكلُوا‬ ‫َ‬
‫اآلية رقم ‪ ،)188 :‬وقوله تعالى ‪َ “ :‬يا أ ُّي َها الَّ ِذ َ‬
‫منه غالبًا (التاج واإلكليل ‪ ،‬للمواق ‪ ، 362 :4 ،‬وحاشية العدوي ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫اض ِمنك ْم ”‬ ‫ار ًة َع ْن َت َر ٍ‬ ‫ون ِت َج َ‬ ‫اط ِل إِلاَّ أَ ْن َت ُك َ‬ ‫أَ ْم َوالَ ُك ْم َب ْي َن ُك ْم ِب ْال َب ِ‬ ‫‪ ، 215 :2‬ومنح الجليل ‪ . )29 :5 ،‬وقيل هو ‪ :‬ماال يعلم حصوله‬
‫(سورة النساء ‪ ،‬جزء من اآلية رقم ‪ ، ) 29 :‬وقوله تعالى‬
‫َْ َ َ‬ ‫أو ال يقدر على تسليمه أو ال يعرف حقيقته ومقداره (زاد المعاد ‪،‬‬
‫اس ِب ْال َب ِ‬ ‫‪َ “ :‬وأَ ْخ ِذ ِه ُم ِّ َ‬
‫اط ِل ”‬ ‫الر َبا َوق ْد نُهُوا َع ْن ُه َوأكلِ ِه ْم أ ْم َوال النَّ ِ‬ ‫البن القيم ‪ .)5/818 :‬وهذا التعريف أشمل وأكمل ‪ ،‬فيشمل ما تردد‬
‫(سورة النساء ‪ ،‬جزء من اآلية رقم ‪ ، ) 161 :‬والغرر من الباطل‬
‫في حصوله وما جهل مقداره ‪ ،‬كما أنه يعم الصور والمسائل الذي‬
‫اط ِل ”‬ ‫المنهي عنه ‪ ،‬قال ابن العربي عند قوله تعالى ‪ِ “ :‬ب ْال َب ِ‬ ‫يذكرها الفقهاء حين الكالم على مسائل الغرر ‪.‬‬
‫‪ “ :‬يعني بما ال يحل شرعا وال يفيد مقصودا ألن الشرع نهى‬
‫تعريف عقود التبرعات في اللغة واالصطالح ‪:‬‬
‫عنه ومنع منه وحرم تعاطيه كالربا والغرر ونحوهما ” ( أحكام‬ ‫لغة ‪ُّ :‬‬ ‫تعريف العقد ً‬
‫الشد والتوثيق والجمع بين أطراف الشيء‬
‫اط ِل ”‬ ‫القرآن ‪ ،) 138/1 :‬وقال القرطبي عند قوله تعالى ‪ِ “ :‬ب ْال َب ِ‬ ‫ويستعمل ذلك في األجسام الصلبة كعقد الحبل وعقد البناء ثم‬
‫‪ “ :‬أي بغير حق ووجوه ذلك تكثر ‪ ..‬ومن أكل المال بالباطل بيع‬
‫يستعار ذلك للمعاني نحو عقد البيع والعهد وغيرهما فيقال عاقدته‬
‫العربان ‪ ..‬ألنه من باب بيع القمار والغرر والمخاطرة ” (تفسير‬
‫وعقدته وتعاقدنا وعقدت يمينه (الصحاح ‪ ،‬للجوهري ‪، 510/2 :‬‬
‫القرطبي ‪.)150/5 :‬‬

‫‪Islamiyyat Bab 11.indd 104‬‬ ‫‪7/14/2014 11:25:39 AM‬‬


‫أحكام الغرر في عقود التبرعات‪ :‬دراسة فقهية مقارنة‬ ‫‪105‬‬

‫الثاني ‪ :‬أال يترتب على منع الغرر حرج ومشقة وضرر أشد‬ ‫السـنَّة النبوية الدالة على منع الغرر ما‬ ‫ومن النصوص الواردة في ُّ‬
‫من إمضاء العقد مع وجوده ‪ ،‬قال ابن تيمية (القواعد النورانية ‪:‬‬ ‫يلي ‪:‬‬
‫ص‪ “: )118/‬ومفسدة الغرر أقل من الربا فلذلك رخص فيما تدعو‬
‫ول اللهَِّ ‪-‬صلى اهلل عليه‬ ‫ال ‪َ { :‬ن َهى َر ُس ُ‬ ‫‪ -‬حديث أَ ِبى ُه َري َ‬
‫ْر َة َق َ‬
‫غررا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫ضررا من ضرر كونه‬ ‫ً‬ ‫إليه الحاجة منه فإن تحريمه أشد‬
‫ْع ْال َغ َر ِر } (أخرجه مسلم في‬ ‫ْ‬
‫صا ِة َو َعن َبي ِ‬ ‫ْع ْال َح َ‬ ‫ْ‬
‫وسلم‪َ -‬عن َبي ِ‬
‫مثل ‪ :‬بيع العقار جملة و إن لم يعلم دواخل الحيطان و األساس ” ‪.‬‬
‫كتاب البيوع ‪ ،‬باب بطالن بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر ‪،‬‬
‫وقال في موضع آخر (مجموع الفتاوى ‪ “ : )48/ 29 :‬وإذا كانت‬
‫‪. )3/5‬‬
‫مفسدة بيع الغرر هي كونه مظنة العداوة والبغضاء وأكل األموال‬ ‫‪ -‬حديث عبد اللهَِّ بن ُع َم َر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ { : -‬أَ َّن َر ُس َ‬
‫ول اللهَِّ‬
‫بالباطل فمعلوم أن هذه المفسدة إذا عارضتها المصلحة الراجحة قدمت‬
‫ْع َح َب ِل ْال َح َبلَ ِة ‪ ،‬وكان َب ْيعًا َي َت َبا َي ُع ُه‬ ‫َصلى اهلل عليه وسلم نهى عن َبي ِ‬
‫عليها ‪ ،‬كما أن السباق بالخيل والسهام واإلبل لما كان فيه مصلحة‬
‫ور إلى أَ ْن تُ ْن َت َج النَّ َاق ُة ثُ َّم‬ ‫اع ْال َج ُز َ‬ ‫الر ُج ُل َي ْب َت ُ‬
‫اهلِيَّ ِة كان َّ‬ ‫أ ْه ُل ْال َج ِ‬
‫شرعية جاز بالعوض وإن لم يجز غيره بعوض ‪ ،‬وكما أن اللهو‬
‫تُ ْن َت ُج التي في َب ْط ِن َها} (أخرجه البخاري في كتاب البيوع ‪ ،‬باب‬
‫الذي يلهو به الرجل إذا لم يكن فيه منفعة فهو باطل ‪ ،‬وإن كان فيه‬
‫‪ :‬بيع الغرر وحبل الحبلة‪ ، 753/2 ،‬ومسلم في كتاب البيوع ‪،‬‬
‫منفعة وهو ما ذكره النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بقوله ‪ “ :‬كل لهو‬
‫باب ‪ :‬تحريم بيع حبل الحبلة ‪.)1153/3‬‬
‫يلهو به الرجل فهو باطل إال رميه بقوسه وتأديبه فرسه ومالعبته‬ ‫ض َي اهللُ َع ْن ُه َما ‪ -‬أَ َّن َر ُس َ‬
‫صلَّى‬ ‫ول اهللِ ‪َ -‬‬ ‫ْن ُع َم َر ‪َ -‬ر ِ‬ ‫‪ -‬حديث َع ْب ِد اهللِ ب ِ‬
‫امرأته فإنهن من الحق” (أخرجه الطبراني في األوسط ‪، 268/5 :‬‬ ‫َ‬ ‫لاَ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ‬
‫ص ُح َها ن َهى‬ ‫ار َحتى َي ْبد َو َ‬ ‫ْع الث َم ِ‬ ‫اهلل َعل ْي ِه َو َسل َم ‪ {: -‬ن َهى َعن َبي ِ‬
‫والحاكم في المستدرك ‪ ، 104/2‬وقال ‪ :‬صحيح على شرط مسلم‬
‫ولم يخرجاه)‪ ،‬صار هذا اللهو ً‬ ‫اع } (أخرجه البخاري في كتاب البيوع ‪ ،‬باب ‪ :‬بيع‬ ‫ْال َبا ِئ َع َوال ُم ْب َت َ‬
‫ْ‬
‫حقا ‪ ،‬ومعلوم أن الضرر على الناس‬
‫الثمار قبل أن يبدو صالحها ‪ ، 2/766‬ومسلم في كتاب البيوع ‪،‬‬
‫بتحريم هذه المعامالت أشد عليهم مما قد يتخوف فيها من تباغض‬
‫باب ‪ :‬النهى عن بيع الثمار قبل بدو صالحها بغير شرط القطع‬
‫وأكل مال بالباطل ” ‪.‬‬
‫‪.)1165/3‬‬
‫يسيرا لم يؤثر ‪ ،‬قال‬
‫كثيرا ‪ ،‬فإن كان ً‬ ‫الثالث ‪ :‬أن يكون الغرر ً‬
‫‪ -‬حديث أَ َبي َس ِعي ٍد ْال ُخ ْد ِر ّي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال ‪َ { :‬ن َها َنا‬
‫القرافي (الفروق‪“ ” : )433/3 :‬الغرر ثالثة أقسام‪ ،‬األول‪ :‬كثير‬ ‫للهَّ‬
‫إجماعا كالطير في الهواء ومن ذلك جميع البيوع التي نهي‬ ‫ً‬ ‫ممتنع‬
‫ْن ‪ :‬نهى عن‬ ‫ْس َتي ِ‬ ‫رسول ا ِ صلى اهلل عليه وسلم عن َب ْي َع َتي ِ‬
‫ْن َولِب َ‬
‫الر ُج ِل َث ْو َب‬ ‫ْس َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ْع ‪َ ،‬وال ُملاَ َم َسة ‪ :‬لم ُ‬ ‫ْال ُملاَ َم َس ِة َوال ُم َنا َب َذ ِة في ال َبي‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫عنها صلى اهلل عليه وسلم ‪..‬وهي محرمة لكثير الغرر الحاصل من‬ ‫ِ‬ ‫لآْ‬
‫ار وال َي ْقلِبُ ُه إال ِب َذلِ َك ‪َ ،‬و ْال ُم َنا َب َذ ُة أَ ْن‬ ‫َّ‬
‫ْل أو ِبالن َه ِ‬
‫َّ‬
‫ا َخ ِر بيده ِباللي ِ‬
‫ً‬
‫إجماعا كأساس‬ ‫جهات الجهالة المذكورة ‪ .‬والقسم الثاني‪ :‬قليل جائز‬ ‫ُ‬ ‫لآْ‬
‫الر ُج ِل ِب َث ْو ِب ِه َو َي ْن ِب َذ ا َخ ُر إليه َث ْو َب ُه ‪َ ،‬و َيك ُ‬ ‫ُ‬
‫ون‬ ‫الر ُجل إلى َّ‬ ‫َي ْن ِب َذ َّ‬
‫الدار وقطن الجبة ‪ .‬والقسم الثالث ‪ :‬متوسط اختلف فيه هو يلحق‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫باألول أو الثاني ” ‪.‬‬
‫اض } (أخرجه البخاري‬ ‫ْر نظ ٍر وال ت َر ٍ‬ ‫ذلك َب ْي َع ُه َما من غي ِ‬
‫في كتاب البيوع‪،‬باب‪:‬بيع المنابذة ‪ ،2/754‬ومسلم في كتاب‬
‫وقال ابن رشد (بداية المجتهد ‪ “ :)155/2 :‬الفقهاء متفقون على‬
‫البيوع‪،‬باب‪:‬إبطال بيع المالمسة والمنابذة ‪.)1152/3‬‬
‫أن الغرر الكثير في المبيعات ال يجوز ‪ ،‬وأن القليل يجوز ‪ ،‬ويختلفون‬
‫في أشياء من أنواع الغرر ‪ ،‬فبعضهم يلحقها بالغرر الكثير وبعضهم‬
‫يلحقها بالغرر القليل المباح لترددها بين القليل والكثير ” ‪.‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬ضوابط الغرر المؤثر في العقد‬
‫وقال النووي (المجموع شرح المهذب ‪ “ : )258/9 :‬نقل‬
‫العلماء اإلجماع في أشياء غررها حقير (منها) أن األمة أجمعت‬ ‫للغرر المحرم ضوابط ذكرها الفقهاء ‪ ،‬ومن أهم هذه الضوابط ما‬
‫على صحة بيع الجبة المحشوة وإن لم ير حشوها ولو باع حشوها‬ ‫آت ‪:‬‬
‫هو ٍ‬
‫منفر ًدا لم يصح ‪ ،‬وأجمعوا على جواز إجازة الدار وغيرها ً‬
‫شهرا‬ ‫األول ‪ :‬أن يكون الغرر في المعقود عليه أصالة ‪ ،‬أما إذا كان تابعًا‬
‫مع انه قد يكون ثالثين يومًا وقد يكون تسعة وعشرين ‪ ،‬وأجمعوا‬ ‫فال يؤثر الغرر ‪ ،‬ومن القواعد المقررة عند الفقهاء أنه يجوز في التابع‬
‫على جواز دخول الحمام بأجرة وعلى جواز الشرب من ماء السقاء‬ ‫من الغرر ما ال يجوز في المتبوع (المغني ‪ ،‬البن قدامة ‪ ، )68/4 :‬ولذا‬
‫بعوض مع اختالف أحوال الناس في استعمال الماء أو مكثهم في‬ ‫جاز بيع الحمل في البطن تبعًا ألمه ‪ ،‬مع احتمال أن يكون الحمل واح ًدا‬
‫الحمام ” ‪.‬‬ ‫أو أكثر ‪ ،‬وقد يكون سليمًا وقد يكون معيبًا ‪ ،‬وقد ورد نهيه ‪ -‬صلى اهلل‬
‫ومن أمثلة الغرر اليسير ما يسمى اآلن بـ “ البوفيه المفتوح ” ‪،‬‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬عن بيع حبل الحبلة (سبق تخريجه) ‪ ،‬وجاز بيع اللبن‬
‫مستقال عند األكثرين‬ ‫ً‬ ‫في الضرع مع الحيوان ‪ ،‬مع عدم جواز بيعه‬
‫فهو جائز ؛ ألن الغرر فيه يسير ‪ ،‬وما يأكله الناس في العادة معلوم‬
‫على وجه التقريب ‪ ،‬واالختالف اليسير ال يضر ‪.‬‬ ‫(المغني ‪ ،‬البن قدامة ‪ ، )68/4 :‬ومن ذلك أن بيع الثمرة قبل بدو‬
‫ضابطا للغرر اليسير والكثير ‪،‬‬‫ً‬ ‫وقد ذكر أبو الوليد الباجي‬ ‫ض َي اهللُ َع ْن ُه َما أَ َّن‬ ‫ْن ُع َم َر َر ِ‬ ‫صالحها ال يجوز لما ورد َع ْن َع ْب ِد اهللِ ب ِ‬
‫ار َحتَّى َي ْب ُد َو‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ول اهللِ ‪َ ُ َّ َ -‬‬ ‫َر ُس َ‬
‫فقال (المنتقى شرح الموطأ ‪ “ :)41/5 :‬ومعنى بيع الغرر ‪ -‬واهلل‬ ‫صلى اهلل َعل ْي ِه َو َسل َم – { َن َه َ َ ِ َ ِ‬
‫م‬ ‫الث‬ ‫ْع‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ى‬
‫اع} (سبق تخريجه) ‪،‬لكن لو باعها مع‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫صلاَ ُح َها َن َهى ال َبا ِئ َع َوال ُم ْب َت َ‬ ‫َ‬
‫أعلم ‪ -‬ما كثر فيه الغرر ‪ ,‬وغلب عليه حتى صار البيع يوصف ببيع‬
‫ال‪:‬‬ ‫ض َي اهللُ َع ْن ُه َما َق َ‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ع‬‫ُ‬
‫َ ِ ِ ِ ََ َ ِ‬ ‫ْن‬‫ب‬ ‫هلل‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫ع‬ ‫عن‬ ‫ورد‬ ‫لما‬ ‫جاز‬ ‫األصل‬
‫الغرر ”‪.‬‬
‫اع َن ْخلاً َب ْع َد‬ ‫ول‪َ {:‬م ِن ا ْب َت َ‬ ‫‪-‬صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َي ُق ُ‬ ‫ول اهللِ َ‬ ‫ْت َر ُس َ‬ ‫َس ِمع ُ‬
‫الرابع ‪ :‬أن يكون الغرر في عقود المعاوضات ‪ ،‬ال في عقود‬
‫اع}( أخرجه البخاري في‬ ‫َ‬ ‫أَ ْن تُ َؤب َ‬
‫َّر َف َث َم َرتُ َها لِْل َبا ِئع إِلاَّ أ ْن َي ْش َت ِر َط ْال ُم ْب َت ُ‬
‫التبرعات ‪ ،‬وسيأتي الكالم على هذا الضابط في المبحث التالي إن‬ ‫ِ‬
‫شاء اهلل تعالى ‪.‬‬ ‫كتاب المساقاة ‪ ،‬باب ‪ :‬الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو‬
‫نخل ‪ ، 838/2‬ومسلم في كتاب البيوع ‪ ،‬باب ‪ :‬من باع نخال عليها‬
‫ثمر ‪.)1173/3‬‬

‫‪Islamiyyat Bab 11.indd 105‬‬ ‫‪7/14/2014 11:25:40 AM‬‬


‫‪106‬‬ ‫‪Islamiyyat 36‬‬

‫ات أَ َع َّد اللهَُّ لَ ُه ْم َم ْغ ِف َر ًة َوأَ ْج ًرا َع ِظيمًا ” (سورة األحزاب‪،‬‬ ‫الذا ِك َر ِ‬ ‫َو َّ‬ ‫المبحث الرابع ‪ :‬أثر الغرر في عقود التبرعات‬
‫ُ‬
‫ار ُعوا إِلى َم ْغ ِف َر ٍة ِم ْن َربِّك ْم‬ ‫َ‬
‫آية رقم ‪ .)35 :‬وقوله تعالى ‪َ “ :‬و َس ِ‬
‫ُ‬
‫ين يُن ِفق َ‬
‫ون‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ين ال ِذ َ‬‫ض أُ ِعدت لِلمُت ِق َ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ات َوالأْ َ ْر ُ‬ ‫الس َما َو ُ‬
‫ض َها َّ‬ ‫َو َجنَّ ٍة َع ْر ُ‬ ‫سأذكر في المبحث أهم المسائل التي تكلم عليها الفقهاء حول هذا‬
‫ين َعن النَّاس َواللهَُّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الض َّرا ِء َوال َك ِ‬‫الس َّرا ِء َو َّ‬
‫ِ‬ ‫ين ال َغيْظ َوال َعا ِف َ ِ‬ ‫اظ ِم َ‬ ‫ِفي َّ‬ ‫الموضوع ‪ ،‬وهي هبة المجهول والمعدوم ‪ ،‬واإلبراء من الدين المجهول ‪،‬‬
‫ين ” (سورة آل عمران ‪ ،‬اآليات ‪.)133،134 :‬‬ ‫ُح ِس ِن َ‬ ‫ْ‬
‫ُح ُّب الم ْ‬ ‫يِ‬ ‫والوصية بالمجهول ‪ ،‬وإليك – أيها القارئ الكريم ‪ -‬البيان‪.‬‬
‫أنه برهان على صحة اإليمان ‪ ،‬ويدل على ما ذلك ما ورد‬ ‫‪ -‬‬
‫ول اللهَِّ ‪-‬صلى اهلل عليه‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال ‪َ :‬ق َ‬ ‫األ ْش َعري َق َ‬ ‫عن أَبى َمالِ ٍك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المطلب األول ‪ :‬في بيان األدلة الشرعية في فضل التبرع والحث‬
‫ان‪.‬‬ ‫يز َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫للِهَّ‬
‫ان َوال َح ْم ُد ِ َتمْأل ال ِم َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫اإل‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ط‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ُور‬
‫ُ‬ ‫ه‬ ‫وسلم ‪ُّ “ : -‬‬
‫الط‬
‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫عليه‬
‫ْأل ‪َ -‬ما َبي َ‬ ‫ان اللهَّ و ْال َح ْم ُد للِهَّ َتمْآلن ‪ -‬أَ ْو َتم ُ‬
‫ات‬‫الس َم َو ِ‬ ‫ْن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْح َ ِ َ‬ ‫َو ُسب َ‬
‫ض َيا ٌء‬ ‫ْر ِ‬ ‫الصب ُ‬
‫ان َو َّ‬ ‫ُر َه ٌ‬ ‫الص َد َق ُة ب ْ‬‫ور َو َّ‬ ‫ال ُة نُ ٌ‬‫الص َ‬ ‫ض َو َّ‬ ‫َ‬
‫َو األ ِ‬
‫ر‬ ‫ْ‬ ‫وأنه يحقق مقاصد شرعية عظيمة دفع المال على وجه التبرع من‬
‫اس َي ْغ ُدو َف َبا ِئ ٌع َن ْف َس ُه َف ُم ْع ِت ُق َها‬ ‫ٌ َ َ َ َ َ ُ ُّ‬ ‫َو ْال ُق ْر ُ‬
‫آن ُح َّجة لك أ ْو َعليْك كل النَّ ِ‬ ‫األمور التي جاءت نصوص الشريعة متواترة في الحث عليه ‪،‬‬
‫ُوبق َها ” ( أخرجه مسلم في كتاب الطهارة ‪ ،‬باب ‪ :‬فضل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أ ْو م ِ‬ ‫والترغيب فيه ‪ ،‬ودفع المال على هذه الصفة له فضائل كثيرة ‪ ،‬ومن‬
‫الوضوء ‪ .)203/1‬وقوله في الحديث ‪ “ :‬الصدقة برهان ”‬ ‫هذه الفضائل ‪:‬‬
‫أي أنها دليل على صحة إيمان العبد ؛ ألن المنافق ال يدفعها‬
‫لكونه ال يؤمن بها ‪ ،‬فإذا دفعها اإلنسان كان ذلك دليال على‬ ‫أنه سبب لتكفير السيئات ورفع الدرجات ‪ ،‬ويدل على هذا قوله‬ ‫‪ -‬‬
‫صحة اإليمان (شرح النووي على صحيح مسلم ‪.)101/3‬‬ ‫تعالى ‪َ “ :‬و َما أَ ْن َف ْقتُ ْم ِم ْن َن َف َق ٍة أَ ْو َن َذ ْرتُ ْم ِم ْن َن ْذ ٍر َفإِ َّن اللهََّ َيعْلَ ُم ُه َو َما‬
‫أنه سبب لدفع الكروب وزوال المصائب ‪ ،‬ويدل على هذا ما ورد‬ ‫‪ -‬‬ ‫وها‬‫ات َف ِن ِعمَّا ِه َي َوإِ ْن تُ ْخ ُف َ‬ ‫َق ِ‬ ‫الصد َ‬ ‫ار إِ ْن تُ ْب ُدوا َّ‬ ‫صٍ‬ ‫ين ِم ْن أَ ْن َ‬ ‫لظالِ ِم َ‬ ‫لِ َّ‬
‫للهَُّ‬ ‫ُ‬
‫ُكف ُر َع ْنك ْم ِم ْن َسيِّ َئا ِتك ْم َوا ِب َما‬‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ْر لك ْم َوي َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وها الف َق َرا َء َف ُه َو َخي ٌ‬ ‫ْ‬ ‫َوتُ ْؤتُ َ‬
‫أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال حين كسفت الشمس ‪“ :‬‬
‫ص َّد ُقوا ” (أخرجه‬ ‫صلُّوا َو َت َ‬ ‫ِّروا َو َ‬ ‫َفإِ َذا َرأَيْتُ ْم َذلِ َك َفا ْد ُعوا اهللَ َو َكب ُ‬ ‫ير ” (سورة البقرة ‪ ،‬اآليات ‪.) 272 ، 271 :‬‬ ‫َ‬
‫ون خ ِب ٌ‬ ‫َت ْع َملُ َ‬
‫البخاري في كتاب الكسوف‪ ،‬باب ‪ :‬النداء بالصالة جامعة في‬ ‫أن دافع المال بهذه الصفة يضاعف له ما دفع يوم القيامة ‪ ،‬ويدل‬ ‫‪ -‬‬
‫ضوا‬ ‫ات َوأَ ْق َر ُ‬ ‫ين َو ْالم َّ‬
‫ُص ِّد َق ِ‬ ‫ُص ِّد ِق َ‬ ‫على ذلك قوله تعالى ‪ “ :‬إِ َّن ْالم َّ‬
‫الكسوف ‪ ، 354/1‬ومسلم في كتاب الكسوف‪ ،‬باب ‪ :‬صالة‬
‫ف لَ ُه ْم َو ل ُه ْم أ ْج ٌر َك ِر ي ٌم ” (سورة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اع ُ‬‫ُض َ‬ ‫ضا َح َس ًنا ي َ‬ ‫ا للهََّ َق ْر ً‬
‫الكسوف ‪ -. )618/2‬أنه سبب للتحاب والتآلف بين المسلمين ‪،‬‬
‫ويدل على ذلك ما ورد عن أبى هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال‬ ‫الحديد ‪ ،‬آية رقم ‪. )18 :‬‬
‫يل اللهَِّ َك َم َث ِل‬ ‫ب‬‫س‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ال‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ون أَ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫ي‬ ‫َ‬
‫ين‬ ‫وقوله تعالى ‪َ “ :‬م َث ُل الَّ ِذ‬ ‫ ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ “ :‬تهادَوا تحابُّوا ” (أخرجه‬ ‫ِ ِ‬
‫البخاري في األدب المفرد ‪ :‬ص‪ ، 208/‬وأبو يعلى في مسنده‬ ‫ف‬ ‫اع ُ‬ ‫ُض ِ‬ ‫ْع َس َن ِاب َل ِفي ُك ِّل ُس ْنبُلَ ٍة ِما َئ ُة َحبَّ ٍة َواللهَُّ ي َ‬ ‫َحبَّ ٍة أَ ْن َب َت ْت َسب َ‬
‫‪ ، 9/11‬والبيهقي في سننه ‪ ، 169/6 :‬وتمام الرازي في فوائده‬ ‫اس ٌع َعلِي ٌم ” (سورة البقرة ‪ ،‬آية رقم ‪.)261 :‬‬ ‫لِ َم ْن َي َشا ُء َواللهَُّ َو ِ‬
‫اع َف ُه‬
‫ُض ِ‬ ‫ضا َح َس ًنا َفي َ‬ ‫ض اللهََّ َق ْر ً‬ ‫وقوله تعالى ‪َ “ :‬م ْن َذا الَّ ِذي ي ُْق ِر ُ‬ ‫ ‬
‫‪ ، 220/2 :‬والحديث حسنه األلباني في اإلرواء ‪.)44/6‬‬
‫ُون ” (سورة‬ ‫َ‬
‫ْسط َوإِل ْي ِه تُ ْر َجع َ‬ ‫ُ‬ ‫ض َو َيب ُ‬ ‫ير ًة َواللهَُّ َي ْق ِب ُ‬ ‫ض َع ًافا َك ِث َ‬ ‫لَ ُه أَ ْ‬
‫ْر َة رضي اهلل عنه َق َ‬
‫ال‬ ‫البقرة ‪ ،‬آية رقم ‪ .)245 :‬وعن أبي ُه َري َ‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬حكم هبة المجهول والمعدوم‬ ‫َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫َق ٍة‬‫صد َ‬ ‫ص َّد َق أ َح ٌد ِب َ‬ ‫ول اللهَِّ ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ “: -‬ما َت َ‬
‫الر ْح َم ُن ِب َي ِمي ِن ِه‬ ‫ال أَ َخ َذ َها َّ‬ ‫ِّب ‪ -‬إ َّ‬ ‫َ ْ ُ للهَُّ َّ َّ‬
‫ِّب ‪َ -‬وال َيق َبل ا إِال الطي َ ِ‬
‫َ‬
‫ِم ْن طي ٍ‬
‫تعريف الهبة في اللغة واالصطالح ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الر ْح َم ِن َحتَّى َتك َ‬ ‫ْر ًة َف َت ْربُو ِفي َك ِّ‬
‫الهبة ً‬
‫ون أ ْعظ َم ِم َن‬ ‫ف َّ‬ ‫َوإِ ْن َكا َن ْت َتم َ‬
‫لغة ‪ :‬مصدر وهب يهب هبة وهي العطاء بال عوض ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُربِّى أ َحدك ْم فل َّو ُه (بفتح الفاء وضم الالم وهو المهر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْال َج َب ِل َك َما ي َ‬
‫وقيل ‪ :‬هي العطية الخالية من األغراض (لسان العرب ‪، 803/1 :‬‬ ‫ألنه يفلى عن أمه أي يعزل ‪ .‬انظر ‪ :‬مشارق األنوار ‪ ،‬للقاضي‬
‫وتاج العروس ‪.)364/3 :‬‬ ‫صيلَ ُه ” (أخرجه البخاري في كتاب ‪:‬‬ ‫عياض ‪ )158 / 2 :‬أَ ْو َف ِ‬
‫واصطالحا ‪ :‬هي تمليك المال في الحياة بال عوض (المغني ‪،‬‬
‫ً‬ ‫الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬الصدقة من كسب طيب ‪ ، 511/2‬ومسلم في كتاب‬
‫البن قدامة ‪ ، 5/379 :‬والمطلع على أبواب المقنع ‪ :‬ص‪ ، 291/‬ودرر‬ ‫الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها ‪.)702/2‬‬
‫الحكام شرح مجلة األحكام ‪.)343/2 :‬‬ ‫ْر َة‬‫أنه سبب للفالح والنجاح‪ ،‬ويدل على ذلك ما ورد عن أبي ُه َري َ‬ ‫‪ -‬‬
‫اختالف الفقهاء في هبة المجهول والمعدوم ‪:‬‬ ‫رضي اهلل عنه أَ َّن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال ‪“ :‬ما من َي ْو ٍم‬
‫صورة المسألة ‪ :‬إذا قال شخص آلخر وهبتك إحدى غنمي ‪ ،‬أو‬ ‫ان َي ْن ِزلاَ ِن فيقول أَ َح ُد ُه َما اللهم أَ ْع ِط ُم ْن ِف ًقا‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬
‫ُص ِب ُح ال ِع َبا ُد فيه إال َملك ِ‬ ‫يْ‬
‫وهبتك ما في بطن هذه الدابة ‪ ،‬أو وهبتك ما أكسبه من مال ‪ ،‬فهل‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫لآْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ْسكا تلفا ” (أخرجه البخاري في‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َخلَفا َو َيقول ا خ ُر اللهم أ ْع ِط ُمم ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫تصح هذه الهبة أم ال ‪.‬‬ ‫كتاب الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬قول اهلل تعالى ‪ “ :‬فأما من أعطى واتقى‬
‫اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال ‪:‬‬ ‫وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ” ‪ ، 522/2‬ومسلم في كتاب‬
‫القول األول ‪:‬‬ ‫الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬في المنفق والممسك ‪.)700/2‬‬
‫المنع‪ ،‬وبه قال الحنفية (المبسوط ‪ ،‬للسرخسي ‪ ، 74/12 :‬وتبيين‬ ‫أنه سبب إلطفاء الخطايا وتكفير السيئات ‪ ،‬كما في قوله تعالى‬ ‫‪ -‬‬
‫الحقائق ‪ ،‬للزيلعي ‪ ، 94/5 :‬وحاشية ابن عابدين ‪ ، )440/8 :‬والشافعية‬ ‫ات َو ْال َقا ِن ِت َ‬ ‫ين َو ْالم ْ‬ ‫ات َو ْالم ْ‬ ‫ين َو ْالم ْ‬ ‫‪ “ :‬إِ َّن ْالم ْ‬
‫ين‬ ‫ُؤ ِم َن ِ‬ ‫ُؤ ِم ِن َ‬ ‫ُسلِ َم ِ‬ ‫ُسلِ ِم َ‬
‫(الحاوي ‪ ،‬للماوردي ‪ ، 273 / 5 :‬وروضة الطالبين ‪ ،‬للنووي ‪:‬‬ ‫ات‬‫اب َر ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫ين َو َّ‬ ‫اب ِر َ‬‫الص ِ‬‫ات َو َّ‬ ‫الصا ِد َق ِ‬ ‫ين َو َّ‬ ‫الصا ِد ِق َ‬
‫ات َو َّ‬ ‫َو ْال َقا ِن َت ِ‬
‫‪ ، 435/4‬ونهاية المحتاج ‪ ،‬للرملي ‪ ،)411/5 :‬والمذهب عند‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫الصا ِئ ِم َ‬
‫ين‬ ‫ات َو َّ‬ ‫ص ِّد َق ِ‬ ‫ين َوال ُم َت َ‬ ‫ص ِّد ِق َ‬ ‫ات َوال ُم َت َ‬ ‫اش َع ِ‬ ‫ين َوال َخ ِ‬ ‫اش ِع َ‬ ‫َو ْال َخ ِ‬
‫الحنابلة فيما ال يتعذر علمه (الذي ال يتعذر علمه مثل ‪ :‬وهبتك شاة‬ ‫يرا‬‫ين اللهََّ َك ِث ً‬ ‫الذا ِك ِر َ‬‫ات َو َّ‬ ‫وج ُه ْم َو ْال َحا ِف َظ ِ‬ ‫ين ُف ُر َ‬ ‫ات َو ْال َحا ِف ِظ َ‬ ‫الصا ِئ َم ِ‬ ‫َو َّ‬
‫من غنمي ‪ ،‬فهنا ال تصح على الراجح في المذهب ‪ ،‬أما ما يتعذر‬

‫‪Islamiyyat Bab 11.indd 106‬‬ ‫‪7/14/2014 11:25:40 AM‬‬


‫أحكام الغرر في عقود التبرعات‪ :‬دراسة فقهية مقارنة‬ ‫‪107‬‬

‫ْر َها ” قال َفأَ ْع َت َق َها النبي صلى اهلل عليه وسلم َو َت َز َّو َج َها‬ ‫ْي َغي َ‬ ‫السب ِ‬
‫َّ‬ ‫علمه فتصح ‪ ،‬مثل ‪ :‬إذا اختلط زيته بزيت صاحبه فوهبه إياه) ‪ ،‬وبه‬
‫(أخرجه البخاري في كتاب الصالة ‪ ،‬باب ‪ :‬ما يذكر في الفخذ‬ ‫قال ابن حزم (المحلى ‪ ،‬البن حزم ‪. )116/9 :‬‬
‫‪ ، 1/145‬ومسلم في كتاب النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬فضيلة إعتاقه أمة ثم‬
‫واستدلوا بما يلي ‪:‬‬
‫يتزوجها ‪. )1043/2‬‬
‫ووجه الداللة منه ‪ :‬أن النبي صلى اهلل عليه وسلم أمره بأخذ جارية‬ ‫ ‬ ‫ين آ َمنُوا لاَ َت ْأ ُكلُوا أَ ْم َوالَ ُك ْم َب ْي َن ُك ْم‬ ‫‪ -1‬قوله تعالى ‪َ “ :‬يا أَ ُّي َها الَّ ِذ َ‬
‫مع الجهل بعينها ‪.‬‬ ‫اط ِل ” (سورة النساء ‪ ،‬جزء من اآلية رقم ‪. 29 :‬‬ ‫ِب ْال َب ِ‬
‫‪ - 2‬حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النَّ ِب َّى ‪-‬صلى اهلل‬ ‫ووجه الداللة من اآلية ‪ :‬أن اهلل حرم فيها أكل المال بالباطل ‪،‬‬ ‫ ‬
‫ير َفأَ َخ َذ َو َب َر ًة ِم ْن‬ ‫عليه وسلم‪ -‬في بعض غزواته د َنا ِم ْن َب ِع ٍ‬ ‫والهبة مع الغرر من أكل المال بالباطل‪ .‬وأجيب ‪ :‬بأن اآلية المراد‬
‫ْس لِى ِم َن ْال َف ْى ِء َش ْى ٌء َوالَ‬ ‫اس إِنَّ ُه لَي َ‬ ‫ال “ َيا أَ ُّي َها النَّ ُ‬ ‫َس َنا ِم ِه ثُ َّم َق َ‬ ‫أكل مال الغير بغير حق ‪ ،‬وبدون رضا ‪ ،‬أما مع قبول ورضا‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُس َم ْر ُدو ٌد َعليْك ْم َفأ ُّدوا‬ ‫ْ‬
‫ُس َوال ُخم ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫َه َذا ”‪َ .‬و َر َف َع أ ْ‬ ‫صاحب المال فهو من أكل المال بالحق ال بالباطل ‪.‬‬
‫صبُ َع ْي ِه “ إِال ال ُخم َ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ‬ ‫ْرو(هو عمرو بن يثربي الضمري الحجازي ‪ ،‬أسلم‬ ‫‪ -2‬حديث َعم ِ‬
‫ْر(الكب ‪ :‬الشيء‬ ‫ال ِخ َياط َوال ِم ْخ َيط ”‪ .‬فقا َم َر ُجل ِفى َي ِد ِه كبَّة ِمن شع ٍ‬
‫ْ‬
‫المجتمع ‪ ،‬وكبة الشعر ‪ :‬ما جمع منه بعد الغزل ‪ .‬انظر ‪ :‬المحكم‬ ‫عام الفتح ‪ ،‬وصحب النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وروى‬
‫والمحيط األعظم ‪ ،‬البن سيده ‪ , 668/6 :‬وشرح النووي على‬ ‫عنه ‪ ،‬استقضاه عثمان رضي اهلل عنه على البصرة ‪ ( .‬انظر‬
‫صلِ َح ِب َها َب ْر َذ َع ًة (البرذعة‬ ‫أل ْ‬ ‫ال أَ َخ ْذ ُت َهذه ُ‬ ‫مسلم ‪َ .)108/14 :‬ف َق َ‬ ‫‪ :‬االستيعاب ‪ ،‬البن عبد البر ‪ ، 1206/3 :‬وأسد الغابة ‪ ،‬البن‬
‫ِِ‬
‫‪ :‬ما يوضع على الدابة حين الركوب عليها ‪ ،‬وتكون تحت الرحل‬ ‫صلَّى اللهَُّ‬ ‫ول اللهَِّ َ‬ ‫ال ‪َ :‬خ َط َب َنا َر ُس ُ‬ ‫األثير ‪ )296/4 :‬بْن َي ْثرب ٍّي َق َ‬
‫ِ ِِ‬
‫ال‬‫‪.‬انظر ‪ :‬مشارق األنوار على صحاح اآلثار ‪ )1/84 :‬لِى َف َق َ‬ ‫ال أَ ِخي ِه َش ْي ٌء إِال‬ ‫ْر ٍئ ِم ْن َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ال ‪ “ :‬أال وال َي ِح ُّ‬ ‫َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم َف َق َ‬
‫ول اللهَِّ ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ “ -‬أَمَّا َما َك َ‬ ‫َر ُس ُ‬ ‫س ِم ْن ُه ” (أخرجه أحمد في مسنده ‪ ، 560/34‬والدار‬ ‫ْ‬
‫ان لي َولَِب ِنى َع ْب ِد‬ ‫يب َنف ٍ‬ ‫ِب ِط ِ‬
‫ال أ َر َب لِى ِفي َها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُطلِ ِب َف ُه َو لك ”‪َ .‬ف َقال أمَّا إذ َبل َغ ْت َما أ َرى َف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْالم َّ‬ ‫قطني في سننه ‪ ، 26/3 :‬والبيهقي في سننه ‪ .97/6 :‬وقد روي‬
‫ِ‬
‫َو َن َب َذ َها (أخرجه مالك في الموطأ ‪ ، 457/2 :‬وأحمد في مسنده‬ ‫هذا الحديث عن جماعة من الصحابة ‪ ،‬منهم ‪ :‬أنس بن مالك ‪،‬‬
‫‪ ، 341/11 :‬وأبو داود في كتاب الجهاد ‪ ،‬باب في التفريق بين‬ ‫وأبو سعيد الخدري ‪ ،‬وعمرو بن يثربي ‪ ،‬وعبداهلل بن عباس‬
‫السبي ‪ ، 63/3‬قال الهيثمي في مجمع الزوائد ‪ : 188/6‬ورجال‬ ‫رضي اهلل عنهم قال في مجمع الزوائد ‪ 172/4 :‬ورجال أحمد‬
‫أحد أسانيده ثقات)‪ .‬ووجه الداللة منه‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫ثقات ‪ ،‬وصحح الحديث األلباني في إرواء الغليل ‪.)279/5 :‬‬
‫وسلم‪ -‬أعطاه حقه وحق بني عبد المطلب‪ ،‬وهو مجهول القدر‪.‬‬ ‫ووجه الداللة منه ‪ :‬أن الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أخبر أن‬ ‫ ‬
‫لأْ‬ ‫ُ‬
‫ان إِلَى‬ ‫ص َم ِ‬‫ار َي ْخ َت ِ‬‫صِ‬ ‫‪ -3‬حديث أ ِّم َسلَ َم َة‪َ ،‬قالَ ْت‪َ :‬جا َء َر ُجلاَ ِن ِم َن ا َ ْن َ‬ ‫أموال الناس ال تحل إال بطيب أنفسهم وال يجوز أن تطيب النفس‬
‫يث َب ْي َن ُه َما َق ْد ُد ِر َس ْت ‪،‬‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ِفي َم َوار َ‬ ‫ول اهللِ َ‬ ‫َر ُس ِ‬ ‫على ما ال تعرف صفاته وال ما هو وال ما قدره وال ما يساوي‬
‫ِ‬
‫صلَّى اهلل َعل ْي ِه َو َسل َم‪ “ :‬إِنَّك ْم‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ول اهللِ َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ْس َب ْي َن ُه َما َبيِّ َن ٌة ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫لَي َ‬ ‫(المحلى ‪ ،‬البن حزم ‪. )116/9 :‬‬
‫ْض ُك ْم أَْل َح ُن ِب ُح َّج ِت ِه‪ ،‬أَ ْو َق ْد‬ ‫ُون إِلَ َّي‪َ ،‬وإِنَّ َما أََنا َب َش ٌر‪َ ،‬ولَ َع َّل َبع َ‬ ‫صم َ‬ ‫َت ْخ َت ِ‬ ‫وأجيب ‪ :‬بأن الواجب هو رضا صاحب المال ‪ ،‬وهو‬ ‫ ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضي َب ْي َنك ْم َعلى َن ْح ِو َما أ ْس َم ُع‪،‬‬ ‫ْض‪َ ،‬فإِنِّ َما أق ِ‬ ‫َقال‪ :‬لِ ُح َّج ِت ِه‪ِ ،‬م ْن َبع ٍ‬ ‫موجود ‪ ،‬وعدم العلم بقدر الموهوب أو صفته ال يخرجه عن‬
‫ْت لَ ُه ِم ْن َح ِّق أَ ِخي ِه َشي ًْئا‪ ،‬فَلاَ َي ْأ ُخ ْذهُ‪َ ،‬فإِنَّ َما أَ ْق َط ُع لَ ُه ِق ْط َع ًة‬ ‫ضي ُ‬ ‫َف َم ْن َق َ‬ ‫كونه مرضيا‪.‬‬
‫ار َيأ ِتي ِب َها إِ ْسطامًا (اإلسطام ‪ :‬الحديدة المفطوحة الطرف‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ِم َن الن ِ‬
‫ول اللهَِّ ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َ -‬عنْ‬ ‫ال َن َهى َر ُس ُ‬ ‫‪ -3‬حديث أَِبى ُه َري َ‬
‫ْر َة َق َ‬
‫لاَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْع ال َغ َر ِر(سبق تخريجه)‪ .‬ووجه الداللة منه‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْع ْال َح َ‬
‫الر ُج ِن‪،‬‬ ‫ُ‬
‫التى تحرك بها النار) ِفي ُعن ِق ِه َي ْو َم ال ِق َيا َم ِة ” ‪ .‬ف َبكى َّ‬ ‫صا ِة َو َعن َبي ِ‬ ‫َبي ِ‬
‫صلَّى‬ ‫ول اهللِ َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال ‪َ :‬ف َق َ‬ ‫اح ٍد ِم ْن ُه َما‪َ :‬ح ِّقي لأِ َ ِخي‪َ ،‬ق َ‬ ‫ال ُك ُّل َو ِ‬ ‫َو َق َ‬ ‫أن النبي صلى اهلل عليه وسلم نهى فيه عن بيع الغرر ‪ ،‬لما فيه‬
‫اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ “ :‬أَ َما إِ ْذ ُق ْلتُ َما‪َ ،‬ف ْاذ َه َبا َف ْاق َت ِس َما‪ ،‬ثُ َّم َت َو َّخ َيا ْال َح َّق‪،‬‬ ‫المفاسد ‪ ،‬والغرر في أبواب التبرعات مثله في وجود المفسدة ‪.‬‬
‫اح َب ُه ” (أخرجه أبوداود‬ ‫ص ِ‬ ‫اح ٍد ِم ْن ُك َما َ‬ ‫اس َت ِه َما ‪ ،‬ثُ َّم لَِي ْحلِ ْل ُك ُّل َو ِ‬ ‫ثُ َّم ْ‬ ‫وأجيب ‪ :‬بعدم التسليم بوجود المفسدة في هبة المجهول ؛ ألن الهبة‬ ‫ ‬
‫في كتاب األقضية ‪ ،‬باب ‪ :‬في قضاء القاضي إذا أخطأ ‪، 301/3‬‬ ‫ال تبنى على المعاوضة ‪ ،‬بل هي تبرع محض من الواهب ‪،‬‬
‫وأحمد في مسنده ‪ ، 308/44‬وابن أبي شيبة في مصنفه ‪541/4 :‬‬ ‫والغرر فيها ليس فيه ظلم ألحد المتعاقدين ‪.‬‬
‫‪ ،‬والطحاوي في شرح معاني اآلثار ‪ ، 4/154 :‬والدار قطني في‬ ‫القول الثاني‪ :‬الجواز ‪ ،‬وبه قال المالكية (البيان والتحصيل ‪،‬‬ ‫ ‬
‫سننه ‪ ، 238/4 :‬وأبو يعلى في مسنده ‪ ، 7027 :‬وابن الجارود‬ ‫البن رشد ‪ ، 423/13 :‬والذخيرة ‪ ،‬للقرافي ‪ ، 243/6 :‬ومواهب‬
‫في المنتقى ‪ ، 250/1 :‬والبيهقي في سننه ‪ ، 66/6 :‬والحاكم في‬ ‫الجليل ‪ ،)6/8 :‬وهو قول في مذهب الحنابلة (اإلنصاف ‪:‬‬
‫المستدرك ‪ ، 107/4‬وقال ‪ “ :‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه ”)‪.‬‬ ‫‪ ، )132/7‬اختاره ابن تيمية (الفتاوى الكبرى‪ ، )434/5 :‬وابن‬
‫ووجه الداللة منه ‪ :‬أن النبي صلى اهلل عليه وسلم أباح إسقاط‬ ‫القيم (إعالم الموقعين ‪. )28/2 :‬‬
‫بعض الحق مع الجهل به ‪.‬‬ ‫واستدلوا بما يلي ‪:‬‬
‫‪ -4‬حديث َج ِابر بن عبد اللهَِّ رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬قال ‪ :‬رسول ا ِ‬
‫للهَّ‬
‫ْن لقد أَ ْع َطيْتُ َك َه َك َذا‬ ‫ُ ْ‬ ‫‪ -1‬حديث أنس بن مالك رضي اهلل عنه في خبر غزوة خيبر ‪ ،‬حين‬
‫صلى اهلل عليه وسلم “ لو قد َجا َء َنا َمال ال َب ْح َري ِ‬ ‫السب ِ‬ ‫للهَّ َ‬
‫ض النبي صلى اهلل عليه‬ ‫َو َه َك َذا َو َه َك َذا ” وقال ِب َي َد ْي ِه جميعا َف ُق ِب َ‬ ‫ْي قال ‪ْ “ :‬اذ َه ْب‬ ‫ار َي ًة من َّ‬ ‫ُ‬
‫َجا َء ِد ْح َية فقال يا َن ِب َّي ا ِ أ ْع ِط ِني َج ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ص ِفيَّة ِب ْن َت ُح َي ٍّي َف َجا َء َر ُجل إلى النبي صلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ار َية ” َفأ َخ َذ َ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ذ‬‫َف ُخ ْ‬
‫ْن َف َق ِد َم على أبي َبك ٍر َب ْع َد ُه َفأ َم َر‬ ‫وسلم قبل أ ْن يجئ َمال ال َب ْح َري ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم َنا ِديًا َف َنادَى من كانت له على النبي صلى اهلل عليه وسلم ِع َد ٌة‬
‫ص ِفي َ‬
‫َّة ِب ْن َت ُح َي ٍّي َسيِّ َد َة‬ ‫اهلل عليه وسلم فقال يا َن ِب َّي اللهَِّ أَ ْع َطي َ‬
‫ْت ِد ْح َي َة َ‬
‫ْت فقلت إِ َّن النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ “ :‬قال‬ ‫ْن َف ْل َي ْأ ِت َف ُقم ُ‬‫أو َدي ٌ‬ ‫صلُ ُح إال لك قال‪ “ :‬ا ْد ُعو ُه بها ” َف َجا َء بها‬ ‫ير ال َت ْ‬ ‫ض ِ‬
‫ُق َري َ‬
‫ْظ َة َوالنَّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْن أ ْعطيْتك َهكذا َو َهكذا َو َهكذا ” فحثي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ار َي ًة من‬ ‫ُْ‬
‫فلما َنظ َر إِل ْي َها النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪ “ :‬خذ َج ِ‬
‫َ َ‬
‫لو قد َجا َءنا َمال ال َب ْح َري ِ‬

‫‪Islamiyyat Bab 11.indd 107‬‬ ‫‪7/14/2014 11:25:40 AM‬‬


‫‪108‬‬ ‫‪Islamiyyat 33‬‬

‫مع عدم وجود المعارض ؛ وألن األصل عدم المنع ‪ ،‬واألصل في‬ ‫أبو َب ْك ٍر َم َّر ًة ثُ َّم قال لي ُع َّد َها َف َع َد ْدتُ َها فإذا ِه َي خمسمائة فقال ُخ ْذ‬
‫العقود الحل فيؤخذ بهذا األصل وال يعدل عنه إال بدليل صحيح‬ ‫ِم ْثلَ ْي َها ‪ .‬ووجه الداللة منه ‪ :‬أن النبي صلى اهلل عليه وسلم أخبر‬
‫وال دليل على المنع ؛ وألن في هذا القول تحقيق لمقاصد شرعية‬ ‫جابرا أنه سيهبه ماال ‪ ،‬ولم يحدد له هذا المال ‪ ،‬وهذا يدل على‬
‫عظيمة ‪ ،‬وفي المنع تضييق على بعض أوجه البر والخير ‪ .‬واهلل‬ ‫أن الهبة مبناها على التسامح والتيسير ‪ .‬ونوقش ‪ :‬بأن هذا وعد‬
‫– تعالى – أعلم ‪.‬‬ ‫وليس هبة ‪ ،‬والوعد ليس فيه تمليك بخالف الهبة ‪.‬‬
‫صلَّى‬ ‫ال ُكنَّا َم َع النَّ ِب ِّي َ‬ ‫ض َي اهللُ َع ْن ُه َما َق َ‬ ‫ْن ُع َم َر َر ِ‬ ‫ما ورد َع ِن اب ِ‬ ‫‪ -5‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬حكم اإلبراء من الدين المجهول‬
‫ْ‬
‫ان َيغلِبُ ِني‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْب لِ ُع َم َر فك َ‬ ‫صع ٍ‬ ‫اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم ِفي َسف ٍر فكنت َعلى َبك ٍر َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َف َي َت َق َّد ُم أَ َما َم ْال َق ْو ِم َف َي ْز ُج ُر ُه ُع َم ُر َو َي ُر ُّد ُه ثُ َّم َي َت َق َّد ُم َف َي ْز ُج ُر ُه ُع َم ُر َو َي ُر ُّد ُه‬
‫ال ُه َو لَ َك َيا‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم لِ ُع َم َر ‪ “ :‬ب ْع ِني ِه ” َق َ‬ ‫ال النَّ ِب ُّي َ‬ ‫َف َق َ‬
‫تعريف اإلبراء في اللغة واالصطالح ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َر ُسول اهللِ َقال ِب ْع ِني ِه َف َب َ‬ ‫َ‬
‫لغة ‪ :‬من البراءة وهي التباعد من الشيء ومزايلته (تاج‬ ‫اإلبراء ً‬ ‫صلى اهلل َعل ْي ِه َو َسل َم‬ ‫ول اهللِ َ‬ ‫اع ُه ِم ْن َر ُس ِ‬
‫ْن ُع َم َر‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسل َم “ ه َو لك َيا َع ْب َد اهللِ ب َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ال النَّ ِب ُّي َ‬ ‫َف َق َ‬
‫العروس ‪ ،‬للزبيدي ‪ ، 145/1 :‬والمعجم الوسيط ‪ .)46/1 :‬جاء في‬
‫معجم مقاييس اللغة (معجم مقاييس اللغة ‪ “ : )236/1 ،‬برأ الباء والراء‬ ‫ص َن ُع ِب ِه َما ِش ْئ َت ” ( أخرجه البخاري في كتاب البيوع ‪ ،‬باب‬ ‫َت ْ‬
‫والهمزة أصالن إليهما ترجع فروع الباب أحدهما الخلق ‪ ..‬واألصل‬ ‫‪ :‬ما ذكر في األسواق ‪ . )745/2‬ووجه الداللة منه ‪ :‬أن النبي‬
‫اآلخر التباعد من الشيء ومزايلته ‪ ..‬ومن ذلك قولهم برئت إليك من‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم وهب المبيع قبل قبضه ‪ ،‬والتصرف في‬
‫حقك ‪ ..‬وكذلك بارأت شريكي وأبرأت من الدين والضمان ” ‪.‬‬ ‫المبيع قبل القبض منهي عنه ‪ ،‬ولكن في هذا الحديث جاز ذلك‬
‫واصطالحا ‪ :‬فهو حط وتنزيل قسم من الحق الذي في ذمة شخص‬ ‫ً‬ ‫ألنه عقد تبرع ‪ ،‬فدل على أن التبرعات يغتفر فيها ما ال يغتفر‬
‫‪ ,‬أو كله (درر الحكام شرح مجلة األحكام ‪ ،‬لعلي حيدر ‪. )4/67 :‬‬ ‫في المعاوضات ‪.‬‬
‫بيان مشروعية اإلبراء ‪ ،‬وأنه من عقود اإلحسان والتبرع ‪:‬‬ ‫أن األصل في العقود الصحة ‪ ،‬وال يحكم بالفساد إال بدليل وال‬ ‫‪ -6‬‬
‫وردت أدلة كثيرة في مشروعية اإلبراء ‪ ،‬والترغيب فيه ‪ ،‬وأنه‬ ‫دليل ‪ ،‬والقياس على منع الغرر في البيع غير مسلم ؛ ألن البيع من‬
‫من فضائل األعمال ومحاسن األخالق ‪ ،‬وأن المبرئ له األجر الكبير‬ ‫عقود المعاوضات والغرر في العقد يلحق الضرر بأحد المتعاقدين‬
‫عند اهلل لما قام به من عمل المعروف واإلحسان والبر ‪ ،‬فاإلبراء‬ ‫‪ ،‬ولذا منع منه ‪ ،‬أما الغرر في الهبة فال يضر ؛ “ ألنها إحسان‬
‫يحصل به خلو الذمة من الحقوق والواجبات ‪ ،‬وهو مقصد عظيم من‬ ‫صرف ال يقصد به تنمية المال كالصدقة والهبة واإلبراء فإن هذه‬
‫مقاصد الشريعة ‪.‬‬ ‫التصرفات ال يقصد بها تنمية المال ‪ ،‬بل إن فاتت على من أحسن‬
‫شيئا بخالف القسم األول إذا‬ ‫إليه بها ال ضرر عليه فإنه لم يبذل ً‬
‫ومن األدلة على مشروعية اإلبراء ما يلي ‪ - :‬قوله تعالى ‪“ :‬‬
‫فات بالغرر والجهاالت ضاع المال المبذول في مقابلته فاقتضت‬
‫ْر لَ ُك ْم إِ ْن ُك ْنتُ ْم‬‫ص َّد ُقوا َخي ٌ‬ ‫ْس َر ٍة َوأَ ْن َت َ‬ ‫ان ُذو ُع ْس َر ٍة َف َن ِظ َر ٌة إِلَى َمي َ‬ ‫َوإِ ْن َك َ‬
‫ُون ” (سورة البقرة ‪ ،‬آية رقم ‪. )280 :‬‬ ‫َتعْلَم َ‬ ‫حكمة الشرع منع الجهالة فيه ‪ ،‬أما اإلحسان الصرف فال ضرر‬
‫فقوله تعالى ‪ “ :‬وأن تصدقوا ” المراد به إسقاط الدين عن المدين‬ ‫فيه فاقتضت حكمة الشرع وحثه على اإلحسان التوسعة فيه بكل‬
‫المعسر ‪ ،‬وإبرائه منه ‪ .‬قال ابن العربي‪ “ :‬قال علماؤنا‪ :‬الصدقة على‬ ‫طريق بالمعلوم والمجهول ” (الفروق ‪ ،‬للقرافي ‪. )277/1 :‬‬
‫المعسر قربة وذلك أفضل عند اهلل من إنظاره إلى الميسرة ” ( أحكام‬ ‫أن القول بالجواز فيه تحقيق لمقصد عظيم من مقاصد‬ ‫‪ -7‬‬
‫القرآن ‪.)326/1 :‬‬ ‫الشريعة ‪ ،‬وهو بذل المال على وجه التبرع واإلحسان ‪ ،‬حيث‬
‫ْن لك ْم َع ْن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ص ُدقا ِت ِه َّن ِن ْحلة فإِ ْن ِطب َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫تواترت النصوص الشرعية في الحث على ذلك ‪ ،‬والقول بالمنع‬
‫‪ -‬قوله تعالى ‪َ “ :‬وآتوا الن َسا َء َ‬
‫َش ْي ٍء ِم ْن ُه َن ْف ًسا َف ُكلُو ُه َه ِن ًيئا َم ِر ًيئا (سورة النساء ‪ ،‬آية رقم ‪ .)4 :‬ففي‬ ‫فيه تضييق ومنع لما حرص الشارع على إيجاده ‪.‬‬
‫هذه اآلية أمر اهلل تعالى األزواج بإعطاء الزوجة حقها من الصداق إال‬ ‫أن العلل الموجبة للمنع في المعاوضات غير موجودة في التبرعات‬ ‫‪ -8‬‬
‫إن تنازلت عن صداقها أو عن بعضه لزوجها ‪.‬‬ ‫‪ ،‬فالقول بالجواز ال يؤدي إلى الشحناء والبغضاء ‪ ،‬وليس فيه أكل‬
‫ْك ْم إِ ْن َطلَّ ْقتُ ُم الن َسا َء َما ل ْم َت َم ُّس ُ‬
‫َ‬ ‫اح َعلَي ُ‬ ‫لمال الغير بالباطل ‪ ،‬وال يوصل إلى الظلم المحرم ً‬
‫شرعا ‪.‬‬
‫وه َّن‬ ‫ِّ‬ ‫‪ -‬قوله تعالى ‪ “ :‬لاَ ُج َن َ‬
‫َر ُه َو َعلَى ْالم ْ‬ ‫أَ ْو َت ْف ِر ُ‬ ‫القول الثالث ‪ :‬أن الجهل من الواهب يمنع الصحة ‪ ،‬دون جهل‬ ‫ ‬
‫ُق ِت ِر‬ ‫ُوه َّن َعلَى ْالم ِ‬
‫ُوس ِع َقد ُ‬ ‫يض ًة َو َمتِّع ُ‬ ‫ُن َف ِر َ‬ ‫ضوا لَه َّ‬
‫ين (‪َ )236‬وإِ ْن َطلَّ ْقتُم ُ‬
‫ُوه َّن‬ ‫ُح ِس ِن َ‬‫وف َح ًّقا َعلَى ْالم ْ‬ ‫اعا ِب ْال َمع ُ‬ ‫َر ُه َم َت ً‬‫َقد ُ‬ ‫الموهوب له ‪ .‬وهو قول في مذهب الحنابلة (المغني ‪ ،‬البن قدامة‬
‫ْر ِ‬
‫ضتُ ْم إلاَّ‬ ‫يض ًة َف ِن ْ ُ‬ ‫ضتُ ْم لَه َّ‬ ‫وه َّن َو َق ْد َف َر ْ‬ ‫َ‬ ‫‪ ، 384/5 :‬واإلنصاف ‪ ،‬للمرداوي ‪.)132/7 :‬‬
‫صف َما ف َر ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ُن َف ِر َ‬ ‫ْل أ ْن َت َم ُّس ُ‬ ‫ِم ْن َقب ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اح َوأ ْن َتعْفوا أق َر ُب لِلتق َوى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْف َ‬ ‫أَ ْن َيع ُ‬ ‫ودليل هذا القول ‪ “ :‬أن الجهل إذا كان في حق الواهب منع الصحة‬ ‫ ‬
‫ون أ ْو َيعْف َو ال ِذي ِب َي ِد ِه ُعق َدة النك ِ‬ ‫ألنه غرر في حقه وإن كان من الموهوب له لم يمنعها ألنه غرر‬
‫ير (‪( ” )237‬سورة‬ ‫صٌ‬ ‫ون َب ِ‬ ‫ض َل َب ْي َن ُك ْم إِ َّن اللهََّ ِب َما َت ْع َملُ َ‬ ‫َولاَ َت ْن َس ُوا ْال َف ْ‬
‫البقرة ‪ ،‬اآليات ‪ .)237 ، 236 :‬ففي هذه اآلية أمر اهلل تعالى األزواج‬ ‫في حقه فلم يعتبر في حقه العلم بما يوهب له كالموصى له ”‬
‫بإعطاء الزوجة المطلقة حقها من المهر ‪ ،‬إال إن عفت وتنازلت‬ ‫(المغني ‪ ،‬البن قدامة ‪.)384/5 :‬‬
‫وأبرات زوجها من الدين الذين في ذمته لها ‪.‬‬ ‫وأجيب ‪ :‬بأن الغرر مع وجوده في هبة المجهول إال أنه ال‬ ‫ ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬حديث َع ْب ِد اللهَِّ ب َ َ َ َ َ‬ ‫يضر ؛ ألن األدلة جاءت في منع الغرر في عقود المعاوضات‬
‫ارى‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ًا‬
‫م‬ ‫ي‬ ‫ْن أ ِبي ق َتا َد َة أ َّن أ َبا ق َتا َد َة َ ِ‬
‫ر‬ ‫غ‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ط‬ ‫ِ‬
‫؛ ألن الغرر فيها يفضي الخصومة والمنازعة فيمنع ‪ ،‬أما في‬
‫ْت َر ُس َ‬
‫ول‬ ‫ال َفإِنِّى َس ِمع ُ‬ ‫ال آللهَِّ‪َ .‬ق َ‬
‫ال آللهَِّ َق َ‬ ‫ْس ٌر‪َ .‬ف َق َ‬‫ال إِنِّى ُمع ِ‬ ‫َع ْن ُه ثُ َّم َو َج َد ُه َف َق َ‬
‫َ‬
‫ـر ُه أ ْن يُ ْن ِج َي ُه اللهَُّ ِم ْن ُك َر ِب‬ ‫ول ‪َ “ :‬م ْن َس َّ‬ ‫اللهَِّ ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َ -‬ي ُق ُ‬ ‫التبرع فال يفضي إلى ذلك فيجوز ‪.‬‬
‫ـع َعن ُه ” (أخرجه مسلم في‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َي ْو ِم ْال ِقيــَا َم ِة َف ْليُ َن ِّف ْ‬ ‫الترجيـــح ‪:‬‬ ‫ ‬
‫ضْ‬ ‫ْس ٍر أ ْو َي َ‬ ‫س َع ْن ُمع ِ‬
‫كتاب المساقاة ‪ ،‬باب ‪ :‬في إنظار المعسر ‪.)1196/3‬‬ ‫لدي ‪ -‬واهلل أعلم‪ -‬القول الثاني ‪ ،‬وهو القول بأن الجهالة‬ ‫الراجح َّ‬ ‫ ‬
‫في الهبة ال تضر ؛ وذلك لصحة األحاديث الدالة على الجواز ‪،‬‬

‫‪Islamiyyat Bab 11.indd 108‬‬ ‫‪7/14/2014 11:25:40 AM‬‬


‫الشيخ أبو بكر األشعري الماليزي ومنهجه في كتاب “إينتيساري تفسير جزء عم”‬ ‫‪109‬‬

‫مما يشغلها ‪ ،‬وهو إحسان من صاحب الدين ‪ ،‬وإذا انتفت العلة‬ ‫ْن أَ ِبى‬ ‫اضى اب َ‬ ‫ْن َمالِ ٍك َع ْن أَ ِبي ِه أَنَّ ُه َت َق َ‬ ‫ْب ب ِ‬
‫للهَّ‬
‫‪ -‬حديث َعبْد ا ِ بْن َكع ِ‬
‫للهَّ‬
‫زال الحكم ‪.‬‬ ‫ول ا ِ ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬ ‫ان لَ ُه َعل ْي ِه ِفى َع ْه ِد َر ُس ِ‬
‫َ‬ ‫َح ْد َر ٍد َد ْي ًنا َك َ‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن اإلبراء صحيح ‪ ،‬وبه قال الحنفية (الفتاوى‬ ‫ ‬ ‫للهَّ‬ ‫ُ‬
‫ص َوات ُه َما َحتى َس ِم َع َها َر ُسول ا ِ صلى اهلل‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ارتف َعت أ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِفى ْال َم ْس ِج ِد َف ْ‬
‫للهَّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الهندية ‪ ، 384/4 :‬ودرر الحكام شرح مجلة الحكام ‪ ،‬لعلي حيدر‬ ‫ْه َما َر ُسول ا ِ ‪-‬صلى اهلل عليه‬ ‫عليه وسلم‪َ -‬و ُه َو ِفى َب ْي ِت ِه َف َخ َر َج إِلي ِ‬
‫‪ ،)388/2 :‬والمالكية (الخرشي على مختصر خليل ‪، 99/6 :‬‬ ‫ف (السجف ‪ :‬الستر ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ال يسمى سجفا‬ ‫ف ِس ْج َ‬ ‫وسلم‪َ -‬حتَّى َك َش َ‬
‫ومواهب الجليل‪ ،)241/7 :‬والحنابلة (كشاف القناع ‪، 304/4 :‬‬ ‫َ‬
‫ْن َمالِ ٍك َف َقال ‪“ :‬‬ ‫ْب ب َ‬ ‫إال إذا كان مشقوق الوسط) ُح ْج َر ِت ِه َو َنادَى َكع َ‬
‫ومطالب أولي النهى ‪.)342/3 :‬‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ار إِلَ ْي ِه ِب َي ِد ِه أن ض ِع الشط َر‬ ‫ول اللهَِّ‪َ .‬فأَ َش َ‬ ‫ْك َيا َر ُس َ‬ ‫ال لَبَّي َ‬ ‫ْب ” ‪َ .‬ف َق َ‬ ‫َيا َكع ُ‬
‫للهَّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬
‫ْب َق ْد َف َعل ُت َيا َر ُسول ا ِ‪َ .‬قال َر ُسول ا ِ ‪-‬صلى اهلل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِم ْن َد ْي ِنك‪َ .‬قال َكع ٌ‬
‫أدلة هذا القول ‪:‬‬
‫ض ِه ” (أخرجه البخاري في كتاب الصالة ‪ ،‬باب‬ ‫عليه وسلم‪ُ “ -‬ق ْم َفاق ِ‬
‫ْ‬
‫حديث الرجلين الذين جاء إلى الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫‪ -1‬‬ ‫‪ :‬التقاضي والمالزمة في المسجد ‪ ، 99/1‬ومسلم في كتاب البيوع ‪،‬‬
‫يختصمان في مواريث قد درست بينهما ‪ ،‬وليس لهما بينة ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ال‬ ‫باب ‪ :‬استحباب الوضع من الدين ‪.)1192/3‬‬
‫صلَّى اهللُ َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ “ :‬أَ َما إِ ْذ ُق ْلتُ َما‪َ ،‬ف ْاذ َه َبا َف ْاق َت ِس َما‪،‬‬ ‫ول اهللِ َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ول اللهَِّ ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال ‪َ :‬ق َ‬ ‫ضي اهلل َعنه َق َ‬ ‫‪ -‬حديث ُح َذ ْي َف َة َر ِ‬
‫ُ‬
‫اح ٍد ِم ْنك َما َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ثُ َّم َت َو َّخ َيا ال َح َّق‪ ،‬ث َّم ْ‬
‫ُ‬
‫اح َب ُه ”‬
‫ص ِ‬ ‫اس َت ِه َما ‪ ،‬ث َّم لَِي ْحلِل كل َو ِ‬ ‫ان َقبْلَ ُك ْم َف َقالُوا أَ َع ِم ْل َت‬ ‫َّن َك َ‬ ‫وح َر ُج ٍل ِمم ْ‬ ‫عليه وسلم‪َ “ -‬تلََّق ِت ْال َم َ‬
‫ال ِئ َك ُة ُر َ‬
‫(سبق تخريجه) ووجه الداللة منه ‪ :‬أن النبي صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫ُر ِف ْت َيا ِنى‬
‫اس َفآم ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ال َ َ‬ ‫ِم َن ْال َخيْر َشي ًْئا َق َ‬
‫َاي ُن النَّ َ‬ ‫ال‪ .‬قالوا َتذك ْر‪ .‬قال ك ْن ُت أد ِ‬ ‫ِ‬
‫أمر كل واحد منهما أن يبرئ صاحبه من حقه المجهول ‪.‬‬ ‫ال اللهَُّ َع َّز َو َج َّل‬ ‫ال ‪َ -‬ق َ‬ ‫ُوسر ‪َ -‬ق َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ْس َر َو َي َت َج َّو ُزوا َعن ْ‬
‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫أَ ْن يُ ْن ِظ ُروا ْ‬
‫ال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن اإلبراء إسقاط فصح مع الجهالة ‪ ،‬فهو كاإلعتاق والطالق‬ ‫‪ -2‬‬ ‫َت َج َّو ُزوا َع ْن ُه ” (أخرجه مسلم في كتاب المساقاة ‪ ،‬باب ‪ :‬فضل إنظار‬
‫(المغني ‪ ،‬البن قدامة ‪.)385/5 :‬‬ ‫المعسر ‪.)1194/3‬‬
‫أن ما ال يفتقر إلى التسليم يصح مع الجهالة ‪ ،‬وما يفتقر إلى التسليم‬ ‫‪ -3‬‬
‫اختالف الفقهاء في اإلبراء من الدين المجهول ‪:‬‬
‫ال يصح مع الجهالة كالبيع فلما كان اإلبراء ال يفتقر إلى التسليم‬
‫صورة المسألة ‪ :‬إذا أقرض شخص آخر مبل ًغا من المال ‪ ،‬ونسي‬
‫صح في المجهول (الحاوي الكبير ‪ ،‬للماوردي ‪.)272/5 :‬‬
‫المقرض أو كالهما قدر الدين الواجب في الذمة ‪ ،‬فقال المقرض ‪ :‬أبرأتك‬
‫“ أن الحاجة داعية إلى تبرئة الذمة ‪ ,‬وال سبيل إلى العلم بما‬ ‫‪ -4‬‬
‫فيها ‪ ,‬فلو وقف صحة البراءة على العلم ‪ ,‬لكان ًّ‬ ‫من كل المال الذي في ذمتك لي ‪ ،‬فهل يصح هذا اإلبراء واإلسقاط أم‬
‫سدا لباب عفو‬
‫ال ‪ ،‬اختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة على قولين ‪:‬‬
‫اإلنسان عن أخيه المسلم ‪ ,‬وتبرئة ذمته ” ( المغني ‪ ،‬البن قدامة‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬أن اإلبراء غير صحيح ‪ ،‬وبه قال الشافعية‬
‫‪.)385/5‬‬
‫(إعانة الطالبين ‪ ، 152/3 :‬وحاشية البجيرمي على شرح منهج‬
‫الترجيــــح ‪:‬‬ ‫الطالب ‪ .30/3 :‬وطريق اإلبراء من المجهول عند الشافعية أنه‬
‫الراجح فيما يبدو لي – واهلل أعلم ‪ -‬القول الثاني ‪ ،‬وهو القول بأن‬ ‫يذكر عددا يتحقق أنه يزيد على قدر الدين كمن ال يعلم هل له‬
‫ً‬
‫مجهوال ؛ لقوة ما استدل به أصحاب هذا‬ ‫اإلبراء يصح ولو كان الدين‬ ‫عليه خمسة أو عشرة فيبرئه من خمسة عشر مثال‪ .‬انظر ‪ :‬مغني‬
‫القول وسالمته من المناقشة ‪ ،‬في حين نوقشت أدلة القول اآلخر ؛ وألن‬ ‫المحتاج ‪.)202/2 :‬‬
‫اإلبراء يتحقق به مقاصد شرعية عظيمة كخلو الذمة من الديون ‪،‬‬ ‫أدلة هذا القول ‪:‬‬
‫وقطع الخصومات ‪ ،‬وتفريج الكربات‪.‬‬ ‫ال َن َهى َر ُس ُ‬
‫ول اللهَِّ ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َ -‬ع ْن‬ ‫‪ -1‬حديث أَِبى ُه َري َ‬
‫ْر َة َق َ‬
‫ْع ال َغ َر ِر(سبق تخريجه)‪ .‬ووجه الداللة منه‬‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْع ْال َح َ‬
‫صا ِة َو َعن َبي ِ‬ ‫َبي ِ‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬الوصية بالمجهول‬ ‫‪ :‬أن النبي صلى اهلل عليه وسلم نهى عن بيع الغرر ؛ واإلبراء‬
‫مع الجهل بقدر المال نوع من الغرر فيحرم (الحاوي الكبير ‪،‬‬
‫تعريف الوصية في اللغة واالصطالح ‪:‬‬ ‫للماوردي ‪. )272/5 :‬‬
‫لغة ‪ :‬أوصى الرجل ووصاه عهد إليه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬من باب وصيت‬ ‫الوصية ً‬ ‫وأجيب ‪ :‬بأن الحديث في المعاوضات التي يفضي الغرر فيها إلى‬ ‫ ‬
‫الشيء بالشيء أصيه أي ‪ :‬وصلته (المحكم والمحيط األعظم ‪ ،‬البن‬ ‫الخصومة والشقاق ‪ ،‬وضياع الحقوق ‪ ،‬أما اإلبراء فهو تبرع من‬
‫سيده ‪ ، 394/8 :‬والمصباح المنير ‪ ،‬للفيومي ‪.)662/2 :‬‬ ‫المبرئ وال يترتب على الجهل بقدر المال ضياع حقوق أو ظلم‬
‫واصطالحا ‪ :‬تمليك مضاف لما بعد الموت بطريق التبرع سواء‬
‫ً‬ ‫ألحد المتعاقدين ‪.‬‬
‫كان ذلك في األعيان أو في المنافع (البحر الرائق ‪ ، 459/8 :‬ومواهب‬ ‫‪ -2‬أن اإلبراء من الدين تمليك ‪ ،‬فيجب العلم بقدر المال‬
‫الجليل ‪.)513/8 :‬‬ ‫كالبيع ‪ .‬وأجيب ‪ :‬بعدم التسليم بأن اإلبراء تمليك بل هو‬
‫إسقاط كاإلعتاق ‪ ،‬فقياسه على البيع غير مسلم (المغني ‪،‬‬
‫أدلة مشروعية الوصية ‪:‬‬ ‫البن قدامة ‪. )385/5 :‬‬
‫الوصية مشروعية باالتفاق ‪ ،‬قال النووي (تهذيب األسماء واللغات ‪:‬‬ ‫‪ -3‬أن الجهالة المعفو عنها هي الجهالة التي ال يمكن االحتراز منها‬
‫‪ “ :)365/3‬دالئل الكتاب والسنة وإجماع األمة متعاضدة على أصل‬ ‫كأساس الدار ‪ ،‬أما الجهالة التي يمكن االحتراز منها فال يعفى‬
‫الوصية ”‪.‬‬ ‫عنها ‪ ،‬فلما أمكن االحتراز من الجهالة في اإلبراء وجب أن تكون‬
‫وأدلة مشروعية الوصية وبيان فضلها كثيرة ‪ ،‬ومنها قوله تعالى‬ ‫مانعة من الصحة (الحاوي الكبير‪ ،‬للماوردي ‪ .)273/5 :‬وأجيب‬
‫َ‬ ‫‪ِ “ :‬م ْن َب ْع ِد َو ِ‬ ‫‪ :‬بأن الجهالة تمنع الصحة في عقود المعاوضات لما يترتب على‬
‫ْن ” (سورة النساء ‪ ،‬جزء من‬ ‫ُوصي ِب َها أ ْو َدي ٍ‬ ‫صيَّ ٍة ي ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ض َي اهلل َعن ُه قال ‪ :‬ك َ‬
‫اص َر ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ذلك من الظلم ‪ ،‬أما في اإلبراء فال يوجد ظلم ‪ ،‬بل فيه خلو الذمة‬
‫ْن أ ِبي َوق ٍ‬‫اآلية رقم ‪ ،)11 :‬وعن َس ْع ِد ب ِ‬

‫‪Islamiyyat Bab 11.indd 109‬‬ ‫‪7/14/2014 11:25:40 AM‬‬


‫‪110‬‬ ‫‪Islamiyyat 36‬‬

‫ً‬ ‫َاع ِم ْن َو َج ٍع‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ول اهللِ َ َّ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ثالثا ‪ -‬الغرر يجوز للحاجة ‪ ،‬وإذا كان تركه يفضي إلى مفسدة ومشقة‬ ‫صلى اهلل َعل ْي ِه َو َسل َم َيعُود ِنيَ َعا َم َح َّج ِة ال َود ِ‬
‫ال َولاَ َيرثُ ِني إلاَّ ا ْب َنةٌ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫أشد ‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫اش َت َّد ِبي َفقل ُت إِنِّي َق ْد َبل َغ ِبي ِم َن ال َو َج ِع َوأ َنا ذو َم ٍ‬
‫رابعًا ‪ -‬الغرر يجوز إذا تابعًا لغيره ‪ ،‬وأنه يثبت تبعًا ما ال يثبت‬ ‫ال ‪:‬‬ ‫ال “ ال ” ثُ َّم َق َ‬ ‫الش ْطر َف َق َ‬
‫ِ‬
‫ال ‪ “ :‬ال ” َف ُق ْل ُت ب َّ‬
‫ِ‬
‫ص َّد ُق بثُلَُث ْي َمالِي َق َ‬
‫ِ‬ ‫أَ َفأَ َت َ‬
‫ً‬
‫استقالال ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ْر ِم ْن أ ْن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ير إِنَّك أ ْن َت َذ َر َو َر َث َتك أ ْغ ِن َيا َء َخي ٌ‬ ‫َ‬
‫ير أ ْو َك ِث ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫الثلث َوالثلث َك ِب ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫“ ُّ‬
‫يسيرا لم يضر ‪.‬‬
‫خامسا ‪ -‬الغرر إذا كان ً‬ ‫ً‬ ‫اس ” (أخرجه البخاري في كتاب الجنائز ‪،‬‬ ‫ون النَّ َ‬ ‫َت َذ َر ُه ْم َعالَ ًة َي َت َك َّف ُف َ‬
‫سادسا ‪ -‬أن عقود التبرعات تختلف في طبيعتها عن حقوق‬ ‫ً‬ ‫باب‪ :‬رثي النبي صلى اهلل عليه وسلم سعد بن خوله ‪ ، 435/1‬ومسلم‬
‫المعاوضات ‪ ،‬فالمعاوضة تقوم على أساس المنفعة المتبادلة ‪ ،‬أما‬ ‫في كتاب الوصية‪ ،‬باب ‪ :‬الوصية بالثلث ‪.)1250/3‬‬
‫التبرعات فهي إحسان وتفضل من المتبرع ‪.‬‬ ‫ول اللهَِّ صلى اهلل عليه‬ ‫وعن ابن ُع َم َر رضي اهلل عنهما أَ َّن َر ُس َ‬
‫سابعًا ‪ -‬الغرر غير مؤثر في عقود التبرعات ؛ ألنها تبرع وإحسان ‪،‬‬ ‫يت َثلاَ َث‬ ‫ُسلِم له َش ْي ٌء يوصى فيه َي ِب ُ‬
‫ْر ٍئ م ْ ٍ‬
‫ُّ‬
‫وسلم قال ‪ “ :‬ما َحق ام ِ‬
‫والغرر فيها ال يفضي إلى المشاحة والمخاصمة ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫صيَّتُ ُه ِع ْن َد ُه َمكتُو َبة “ قال عبد ا ِ بن ُع َم َر ‪ :‬ما َم َّر ْت َعل َّي‬ ‫ال إال َو َو ِ‬ ‫لََي ٍ‬
‫ثام ًنا ‪ -‬الجهالة في الهبة ال تضر ‪ ،‬فلو وهب شخص آلخر ماال من‬ ‫ول اللهَِّ صلى اهلل عليه وسلم قال ذلك إال َو ِع ْن ِدي‬ ‫لَيْلَ ٌة ُم ْن ُذ سمعت َر ُس َ‬
‫غير تعيين جاز ذلك ‪.‬‬ ‫صيَّ ِتي ” (أخرجه البخاري في كتاب الوصايا ‪ ،‬باب ‪ :‬الوصايا‬ ‫َو ِ‬
‫تاسعًا ‪ -‬اإلبراء مع الجهل بقدر الدين يصح ‪ ،‬لما في ذلك من إبراء‬ ‫‪ ، 1005/3‬ومسلم في كتاب الوصية ‪. )1250/3‬‬
‫للذمم وإسقاط للديون ‪.‬‬
‫حكم الوصية بالمجهول ‪:‬‬
‫عاشرا ‪ -‬الوصية تصح مع الجهالة ؛ فلو أوصى شخص آلخر بجزء‬ ‫ً‬
‫من ماله صح ذلك ‪ ،‬ولو لم يحدد القدر والنوع ‪.‬‬ ‫اتفق الفقهاء من الحنفية (بدائع الصنائع ‪ ، 68/5 :‬والبحر الرائق ‪:‬‬
‫‪ ، ) 472/8‬والمالكية (المنتقى شرح الموطأ ‪ ، 174/6 :‬والتاج واإلكليل‬
‫‪ ، 531/8 :‬وشرح مختصر خليل ‪ ،‬للخرشي ‪ ، )182/8 :‬والشافعية‬
‫“ تلك أهم نتائج البحث المستخلصة من خالل هذه الدراسة ”‬
‫(الحاوي ‪ ،‬للماوردي ‪ ، 538/7 :‬والوسيط ‪ ،‬للغزالي ‪، 416/4 :‬‬
‫المصادر والمراجع‬ ‫والمجموع شرح المهذب ‪ ،‬للنووي ‪ ،)229/9 :‬والحنابلة (اإلنصاف ‪،‬‬
‫للمرداوي ‪ ، 255/7 :‬والمبدع ‪ ،‬البن مفلح ‪ .) 51/6 :‬على أن الجهالة‬
‫القرآن الكرمي‪.‬‬ ‫ال تضر في الوصية ‪ ،‬فمن أوصى بشاة من غنمه ‪ ،‬أو سيارة من‬
‫إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي‪1400 .‬هـ‪ .‬المبدع في شرح المقنع البن‬ ‫سياراته ‪ ،‬أو بثوب من أثوابه من غير تعيين ‪ ،‬أو قال ‪ :‬لفالن جزء من‬
‫مفلح‪ .‬بيروت‪ :‬المكتب اإلسالمي‪.‬‬ ‫مالي ‪ ،‬فوصيته صحيحة ‪ ،‬وال تضر جهالة الموصى به ‪.‬‬
‫ابن العربي‪ .‬محمد بن عبد اهلل األندلسي المالكي‪ .‬أحكام القرآن‪ .‬بيروت‪ :‬دار‬ ‫فعال أو وصى لمطلق‬‫قال ابن تيمية ‪ “ :‬ولو وصى لمعين إذا فعل ً‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬
‫موصوف فكل من الوصيتين جائز باتفاق األئمة فإنهم ال ينازعون‬
‫أبي الوليد بن رشد القرطبي‪ .‬البيان والتحصيل البن رشد الحفيد‪ .‬بيروت‪:‬‬
‫دار الغرب اإلسالمي‪.‬‬ ‫في جواز الوصية بالمجهول ” (الفتاوى الكبرى ‪ ، 49/4 :‬ومجموع‬
‫أبي بكر مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي‪ .‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع‬ ‫الفتاوى‪. )320/31 :‬‬
‫للكاساني‪ .‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫واستدلوا على الجواز بأدلة ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي‪1392 .‬هـ‪ .‬شرح النووي على‬
‫مسلم‪ .‬الطبعة الثانية‪ .‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬ ‫أن الوصية كاإلرث ‪ ،‬واإلرث ال تضره الجهالة فكذلك الوصية ‪ ،‬ولذا‬ ‫ ‪-‬‬
‫أحمد بن إدريس القرافي المالكي‪ .‬للقرافي‪ .‬أنوار البروق في أنواع الفروق‬ ‫قيل ‪ :‬الوصية أخت الميراث (البحر الرائق ‪ ،‬البن نجيم ‪511/8 :‬‬
‫المعروف بـ ‪ ”:‬الفروق”‪ .‬بيروت‪ :‬عالم الكتب‪.‬‬
‫‪ ،‬والمجموع شرح المهذب ‪ ،‬للنووي ‪ ، 418/15 :‬والمغني ‪،‬‬
‫أحمد بن محمد بن سالمة أبو جعفر الطحاوي‪1399 .‬هـ‪ .‬شرح معاني اآلثار‬
‫للطحاوي‪ .‬تحقيق‪ :‬محمد زهري النجار‪ .‬الطبعة األولى‪ .‬بيروت‪ :‬دار‬ ‫البن قدامة ‪. )92/6 :‬‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬ ‫أن اهلل – تعالى ‪ -‬أعطى عبده ثلث ماله في آخر عمره وقد ال‬ ‫‪ -‬‬
‫أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني‪ .‬الفتاوى الكبرى البن تيمية‪ .‬بيروت‪:‬‬ ‫يعرف حينئذ ثلث ماله لكثرته أو غيبته أو غيرهما فدعت الحاجة‬
‫دار الكتب العلمية‪.‬‬ ‫إلى تجويز الوصية بالمجهول (شرح البهجة ‪ ، 7/4 :‬وأسنى‬
‫أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني‪.‬القواعد النورانية الفقهية البن تيمية‪.‬‬ ‫المطالب ‪.)35/3 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد حامد الفقي‪1399 .‬هـ‪ .‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪.‬‬
‫إسماعيل بن حماد الجوهري‪1399 .‬هـ‪ .‬الصحاح للجوهري‪ .‬تحقيق‪ :‬أحمد عبد‬
‫الغفور عطار‪ .‬الطبعة الثانية‪ .‬بيروت‪ :‬دار العلم للماليين‪.‬‬ ‫الخاتمة‬
‫بدر الدين بن محمد بهادر الزركشي الشافعي‪ .‬المنثور في القواعد الفقهية‬
‫للزركشي‪ .‬الكويت‪ :‬وزارة األوقاف الكويتية‪.‬‬ ‫وبعد هذه الرحلة العلمية حول موضوع‪ { :‬أحكام الغرر في عقود‬
‫تمام بن محمد الرازي‪ .‬الفوائد للرازي‪ .‬تحقيق‪ :‬حمدي السلفي‪ .‬الرياض‪:‬‬ ‫التبرعات “ دراسة فقهية مقارنة ” }‪ ،‬يُمْـكن القول َّ‬
‫بأن أهم النتائج‬
‫مكتبة الرشد‪.‬‬
‫زكريا بن محمد بن زكريا األنصاري الشافعي‪ .‬شرح البهجة لألنصاري‪.‬‬ ‫التي توصلت إليها من خالل ِّ‬
‫الدراسة ‪ ،‬هـي ‪:‬‬
‫المطبعة الميمنية ‪.‬‬ ‫أوال ‪ -‬الغرر محرم في الشريعة الشتماله على جملة من المفاسد‬ ‫ً‬
‫زكريا بن محمد بن زكريا األنصاري الشافعي‪ .‬أسنى المطالب شرح روض‬
‫الشرعية ‪.‬‬
‫الطالب‪ .‬بيروت‪ :‬دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬
‫زيلعي‪ .‬فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي‪ .‬تبيين الحقائق شرح كنز‬ ‫ثانيًا ‪ -‬المقصود بالغرر هو ما اشتمل على نوع من المخاطرة ‪ ،‬وال‬
‫الدقائق‪ .‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪.‬‬ ‫يدري اإلنسان أيحصل له ما يريد أم ال ‪.‬‬

‫‪Islamiyyat Bab 11.indd 110‬‬ ‫‪7/14/2014 11:25:41 AM‬‬


‫أحكام الغرر في عقود التبرعات‪ :‬دراسة فقهية مقارنة‬ ‫‪111‬‬

‫محمد بن مكرم بن منظور األفريقي المصري‪ .‬لسان العرب البن منظور‪.‬‬ ‫زين الدين بن إبراهيم (ابن نجيم) الحنفي‪ .‬البحر الرائق شرح كنز الدقائق‬
‫الطبعة األولى‪ .‬بيروت‪ :‬دار صادر‪.‬‬ ‫البن نجيم‪ .‬دمشق‪ :‬دار الكتاب اإلسالمي‪.‬‬
‫محمد بن مفلح بن محمد المقدسي الحنبلي‪ .‬الفروع‪ :‬لمحمد بن مفلح بن محمد‬ ‫سليمان بن محمد البجيرمي‪ .‬حاشية البجيرمي على المنهج للبجيرمي‪ .‬القاهرة‪:‬‬
‫المقدسي الحنبلي‪ .‬بيروت‪ :‬عالم الكتب‪.‬‬ ‫دار الفكر العربي‪.‬‬
‫محمد بن يوسف العبدري (المواق) المالكي‪ .‬التاج واإلكليل لمختصر خليل‪.‬‬ ‫شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي‪ .‬الذخيرة للقرافي‪ .1994 .‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬ ‫بو خبزة‪ .‬الطبعة األولى‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪.‬‬
‫محمد مرتضى الزبيدي‪ .‬تاج العــروس من جواهر القاموس‪ .‬دار مكتبة‬ ‫علي الصعيدي العدوي المالكي‪ .‬حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب‪.‬‬
‫الحياة ‪.‬‬ ‫بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫محمود بن عمر الزمخشري‪ .‬الفائق في غريب الحديث للزمخشري‪ .‬تحقيق‪:‬‬ ‫علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري‪ .‬المحلى باآلثار البن حزم‪ .‬بيروت‪:‬‬
‫علي محمد البجاوي‪ .‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ .‬الطبعة الثانية‪ .‬دار‬ ‫دار الفكر‪.‬‬
‫المعرفة ‪.‬‬ ‫علي بن سليمان بن أحمد المرداوي الحنبلي‪ .‬اإلنصاف للمرداوي‪ .‬بيروت‪:‬‬
‫محي الدين يحيى بن شرف النووي‪ .‬المجموع شرح المهذب للنووي‪ .‬جدة‪:‬‬ ‫دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫مكتبة اإلرشاد‪.‬‬ ‫علي بن محمد بن حبيب الماوردي‪ .‬الحاوي في فقه مذهب اإلمام الشافعي‬
‫مجموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬جمع وترتيب‪ :‬عبد الرحمن بن‬ ‫للماوردي‪ .‬تحقيق‪ :‬علي معوض‪ .‬عادل عبد الموجود‪ .‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫قاسم وابنه محمد‪ .‬توزيع وزارة الشؤون اإلسالمية بالمملكة العربية‬ ‫بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫السعودية‪.‬‬ ‫علي بن محمد بن علي الجرجاني‪1405 .‬هـ‪ .‬التعريفات للجرجاني‪ .‬تحقيق‪:‬‬
‫منصور بن يونس البهوتي الحنبلي‪ .‬كشاف القناع عن متن اإلقناع للبهوتي‪.‬‬ ‫إبراهيم األبياري‪ .‬الطبعة األولى‪ .‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪.‬‬
‫بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬ ‫مبارك بن محمد بن األثير الجزري‪1399 .‬هـ‪ .‬النهاية في غريب الحديث‬
‫مصطفى أحمد الزرقاء‪1387 .‬هـ‪ .‬المدخل الفقهي العام للزرقا‪ .‬الطبعة العاشرة‪.‬‬ ‫واألثر البن األثير‪ .‬تحقيق‪ :‬طاهر أحمد الزاوي‪ .‬محمود محمد الطناحي‪.‬‬
‫بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬ ‫بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫موفق الدين عبد اهلل بن أحمد (ابن قدامه) الحنبلي‪1405 .‬هـ‪ .‬المغني البن‬ ‫محمد بن أبي بكر الزرعي ابن قيم الجوزية‪ .‬إعالم الموقعين عن رب العالمين‪.‬‬
‫قدامه‪ .‬الطبعة األولى‪ .‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬ ‫بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫نظام الدين البلخي الحنفي‪ .‬الفتاوى الهندية‪ :‬لجنة علماء برئاسة نظام الدين‬ ‫محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي‪ .‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد‬
‫البلخي الحنفي‪ .‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬ ‫البن رشد الحفيد‪ .‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي‪ 1412 .‬هـ‪ .‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‬ ‫محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي‪1372 .‬هـ‪ .‬الجامع ألحكام‬
‫للهيثمي‪ .‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬ ‫القرآن للقرطبي‪ .‬تحقيق ‪:‬أحمد عبد العليم البردوني‪ .‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫يحيى بن شرف النووي‪ .‬الطبعة الثانية‪1405 .‬هـ‪ .‬روضة الطالبين للنووي‪.‬‬ ‫القاهرة‪ :‬دار الشعب‪.‬‬
‫بيروت‪ :‬المكتب اإلسالمي‪.‬‬ ‫محمد بن أمين بن عمر (ابن عابدين) الحنفي‪ .‬رد المحتار على الدر المحتار‬
‫“حاشية ابن عابدين”‪ .‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫محمد بن عبد اهلل الخرشي المالكي‪ .‬شرح مختصر خليل‪ .‬للخرشي‪ .‬بيروت‪:‬‬
‫‪Abdel Wadoud Mustofa Moursi Al-Saudi‬‬ ‫دار الفكر‪.‬‬
‫‪Jabatan Syariah‬‬ ‫محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي الحنفي‪ .‬المبسوط للسرخسي‪ .‬بيروت‪:‬‬
‫‪Fakulti Pengajian Islam‬‬ ‫دار المعرفة‪.‬‬
‫‪Universiti Kebangsaan Malaysia‬‬ ‫محمد بن محمد بن عبد الرحمن (الحطاب) المالكي‪ .‬مواهب الجليل في شرح‬
‫‪43600 UKM Bangi‬‬ ‫مختصر خليل للحطاب‪ .‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪Selangor D. E.‬‬ ‫محمد بن محمد بن محمد الغزالي‪1417 .‬هـ‪ .‬الوسيط في المذهب ألبي حامد‬
‫‪MALAYSIA‬‬ ‫الغزالي‪ .‬تحقيق‪ :‬أحمد محمود إبراهيم‪ .‬محمد محمد تامر‪ .‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار السالم‪.‬‬

‫‪Islamiyyat Bab 11.indd 111‬‬ ‫‪7/14/2014 11:25:41 AM‬‬


Islamiyyat Bab 11.indd 112 7/14/2014 11:25:41 AM

You might also like