You are on page 1of 16

‫تعريف الالمركزية وشروطها‬

‫الالمركزية – التي تمثل بالنسبة للعديد من الدول أداة لتنفيذ سياسة‬

‫تهيئة المجال – هي عملية ترمي إلى نقل أنشطة اقتصادية وخدمية‬

‫من منطقة مركزية مسيطرة إلى أقاليم قليلة النمو‪.‬‬

‫وتعرف الالمركزية اإلدارية بأنها <<أي فعل تقوم الحكومة عبره بنقل‬

‫السلطة والمسؤولية رسميا إلى فاعلين ومؤسسات على مستوى‬

‫أدنى في تراتبية سياسية وإدارية ومناطقية >>‪ ،‬فهذا النقل‬

‫للصالحيات اإلدارية يمكن األقاليم من مزاولة عمل الدولة فيما يخص‬

‫تنفيذ ومتابعة وتسيير االستثمارات العمومية‪ ،‬وينبغي أن يكون تحويل‬

‫السلطات إلى األقاليم مصاحبا بتوفير الوسائل المالية الضرورية للتنمية‬

‫اإلقليمية الالمركزية‪.‬‬

‫كما تعني الالمركزية عند البعض اآلخر <<أن تعترف الدولة لألشخاص‬

‫المعنوية الدنيا (بلديات‪ ،‬مجالس جهوية‪ ،‬مؤسسات عمومية) بنوع من‬

‫االستقاللية في تسيير شؤونها الداخلية‪ ،‬لكن دائما تحت إشراف‬

‫ومراقبة السلطة المركزية ‪>> .‬‬

‫وهناك أيضا من يعتبر الالمركزية مسار أو سياقا يتخلى بموجبه مركز‬

‫عن جزء من سلطاته وامتيازاته‪ ،‬لصالح مجاالت أخرى‪ ،‬فهي بهذا‬

‫المعنى تحويل جزء من الصالحيات إلى سلطات أدنى‪.‬‬

‫ويشترط لقيام الالمركزية عناصر أساسية هي‪:‬‬

‫*وجود مصالح محلية ذاتية تتمتع بالشخصية المعنوية‪ ،‬فإلى جانب‬


‫المرافق التي تؤمنها الدولة (كالدفاع والبريد ‪ ،)...‬توجد أيضا خدمات‬

‫تؤمنها إدارة محلية كتوزيع الكهرباء والماء في األقاليم‪ ،‬وتتولى الدولة‬

‫في هذا المجال عملية تحديد المرافق العامة التي تعتبرها وطنية وتلك‬

‫التي تعتبرها محلية‪.‬‬

‫ولكي تتمكن وحدات اإلدارة المحلية من إدارة شؤونها يجب أن يكون‬

‫لديها موظفون وأمالك وموازنة خاصة‪ ،‬وأن تمتلك حق التقاضي أي أن‬

‫تتمتع بالشخصية المعنوية‪.‬‬

‫*تنظيم مجالس إدارية محلية مستقلة تنتخب من بين الناخبين‬

‫المسجلين في المنطقة ومن قبل هؤالء الناخبين‪.‬‬

‫*أن ال تخضع أجهزة السلطة المحلية لرقابة صارمة من قبل السلطة‬

‫المركزية‪ ،‬حيث تحقق الالمركزية نوعا من االستقالل الذاتي غير‬

‫المطلق‪ ،‬بمعنى أن السلطة المحلية تبقى خاضعة لرقابة السلطة‬

‫المركزية أو لرقابة ممثليها المحليين‪ ،‬إال أن هذه الرقابة ال ينبغي أن‬

‫تكون حادة‪.‬‬

‫ب‪ -‬أما الالمركزية اإلدارية‪ ،‬ومهما يكن الشكل الذي تتخذه‪ ،‬فتتمي ّز بقيام‬

‫كيانات قانونية منتخبة على المستوى المحلي‪ ،‬تتمتع بالشخصية‬

‫المعنوية وباالستقالل المالي واإلداري‪ ،‬وإنما تخضع لرقابة السلطة‬

‫المركزية –المحدودة مبدئيا‪ -‬رغم استقاللها عنها إداريا"‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن‬

‫أهم المعايير الواجب اعتمادها للقول بوجود حالة المركزية هي‪:‬‬

‫*قيام سلطة عامة محلية‪ ،‬تستمد شرعيتها من القانون الذي يح ّ‬


‫دد‬

‫صالحياتها‪.‬‬
‫*تمتّع هذه السلطة بالشخصية المعنوية المستقلة عن شخصية الدولة‬

‫التي هي جزء منها‪.‬‬

‫*تمتّع هذه السلطة باستقالل مالي‪ ،‬أي بموازنة مستقلة عن الموازنة‬

‫العامة‪ ،‬وبمصادر واردات خاصة بها‪ ،‬وبإمكانية إنفاق من ضمن الموازنة‪.‬‬

‫لكن هذا االستقالل ليس مطلقا‪ ،‬فالسلطة المركزية تحتفظ لنفسها‬

‫بحق الرقابة‪ ،‬نظرا إلى كون هذه األموال أمواال عامة‪ ،‬يقتضي فرض‬

‫الرقابة على سبل جمعها وإدارتها وإنفاقها‪ ،‬وإنما حصرا ضمن حدود‬

‫القانون‪.‬‬

‫*تمتّع السلطة الالمركزية باالستقالل اإلداري‪ ،‬أي بإمكانية إدارة أموالها‬

‫وشؤونها دون الرجوع إلى السلطة المركزية إال ّ استثنائيا‪.‬‬

‫وفي ضوء العالقة بين الالحصرية (الالمحورية) والالمركزية يمكن القول‬

‫أن األولى تمثل محطة على طريق تحقيق الثانية‪ ،‬والتي تتخذ هي‬

‫األخرى أنماطا ومستويات متعددة‪.‬‬

‫أنماط ومستويات الالمركزية‬ ‫–‬

‫يشير مفهوم الالمركزية إلى العملية العامة التي تنقل بموجبها السلطة‬

‫السياسية والعمليات التنفيذية إلى هيئات حكومية على المستوى‬

‫المحلي‪ ،‬ولقد قسم المنظرون الالمركزية حسب درجتها وعمقها إلى‬

‫ً‬
‫تبعا لمستوى نقل السلطة ولنوع "الوحدة" التي يجري‬ ‫أنماط أربعة‬

‫تشاطر السلطة معها‪ ،‬وهذه األنماط هي‪:‬‬

‫‪-‬التنازل‪ :‬ويعني نقل السلطة إلى حكومات محلية مستقلة ذاتيا أو‬

‫شبه مستقلة ذاتيا‪.‬‬


‫‪-‬التفويض‪ :‬وهو نقل مسؤوليات الخدمات واإلدارة إلى أجهزة الحكم‬

‫والمؤسسات المحلية‪.‬‬

‫ُ‬
‫التركز)‪ :‬ويعني توكيل تنفيذ البرامج الوطنية‬ ‫‪-‬إبطال المركزية (أو عدم‬

‫لفروع أدنى من الحكومة‪.‬‬

‫‪-‬التجريد‪ :‬وهو نقل الخدمات والمؤسسات العامة (الحكومية) إلى‬

‫شركات ومؤسسات خاصة‪" .‬‬

‫ولكل نمط من هذه األنماط مقومات سياسية ومالية وإدارية (الجدول‬

‫رقم ‪ ،)1‬فكلما كان حجم ونوع الصالحيات اإلدارية للوحدات اإلدارية‬

‫الممنوحة المحلية واإلقليمية في كل جانب من جوانب اإلدارة العامة‬

‫ذات العالقة بعملية تطبيق الالمركزية كبيراً وهاماً‪ ،‬كلما كانت الالمركزية‬

‫قوية‪.‬‬

‫وقد حدد البعض حجم ونوع هذه الصالحيات لكل جانب من جوانب اإلدارة‬

‫العامة وربطها بمستوى الالمركزية الذي تمثله والتي تمثلت في‪:‬‬

‫‪-‬البعد المكاني ‪ :‬ويقصد به تشكيل الوحدات الجغرافية الالمركزية‪ ،‬فإذا‬

‫تم ذلك بموجب الدستور تكون الالمركزية قوية‪ ،‬وإذا حصل ذلك وفق‬

‫قانون تكون الالمركزية متوسطة‪ ،‬أما إذا شكلت هذه الوحدات بموجب‬

‫قرار إداري فتكون الالمركزية ضعيفة‪.‬‬

‫‪-‬البعد التنظيمي ‪ :‬ويعني مدى استقاللية الوحدات اإلدارية المحلية في‬

‫وضع نظامها الداخلي‪ ،‬فإذا كانت هذه الوحدات تتمتع في ذلك‬

‫باالستقالل الكافي تكون الالمركزية قوية‪ ،‬وإذا ما قامت الحكومة‬

‫المركزية بتحديد إطار عام للنظام الداخلي للسلطات المحلية فتكون‬


‫الالمركزية متوسطة‪ ،‬وإذا وضعت الحكومة المركزية النظام الداخلي‬

‫للوحدات اإلدارية المحلية أو حددت تعليمات تفصيلية لهذه الغاية فتكون‬

‫الالمركزية ضعيفة‪.‬‬

‫‪-‬البعد المؤسسي ‪ :‬إذا توفر للوحدات اإلدارية المحلية البناء المؤسسي‬

‫المعتاد للحكومات من برلمان وقضاء مستقل فتكون الالمركزية قوية‪،‬‬

‫وإذا توفرت جميع المؤسسات باستثناء القضاء وبعض المؤسسات‬

‫األخرى فتكون الالمركزية متوسطة‪ ،‬أما إذا كانت اإلدارات المحلية مجرد‬

‫سلطة إدارية عندئذ تكون الالمركزية ضعيفة‪.‬‬

‫‪-‬تعيين المسؤولين ‪ :‬إذا كان تعيين المسؤولين في الوحدات اإلدارية‬

‫المحلية يتم بواسطة االنتخاب من قِبل السكان تكون الالمركزية قوية‪،‬‬

‫وإذا تم تعيين المسؤولين في هذه اإلدارات بموافقة السلطة المركزية‬

‫فتكون الالمركزية عندئذ متوسطة‪ ،‬وفي حالة تعيين المسؤولين من قِبل‬

‫الحكومة المركزية تكون الالمركزية ضعيفة‪.‬‬

‫‪-‬تحديد الصالحيات ‪ :‬إذا ُ‬


‫حددت صالحيات الوحدات اإلدارية المحلية‬

‫بموجب الدستور تكون الالمركزية قوية‪ ،‬وإذا كان ذلك عن طريق قانون‬

‫تكون الالمركزية متوسطة‪ ،‬أما إذا كان هذا التحديد قائم على أساس‬

‫قرار إداري فتكون الالمركزية ضعيفة‪.‬‬

‫‪-‬صالحية التشريع ‪ :‬إذا تمتعت الوحدات اإلدارية المحلية بصالحية‬

‫تشريع كاملة في جوانب معينة تكون الالمركزية قوية‪ ،‬وإذا كانت‬

‫صالحية التشريع في جوانب معينة موزعة ما بين اإلدارة المحلية‬

‫والسلطة المركزية فتكون الالمركزية متوسطة‪ ،‬وفي حالة عدم امتالك‬


‫الوحدات اإلدارية المحلية ألي سلطة تشريعية تكون الالمركزية ضعيفة‪.‬‬

‫‪-‬فرض وجمع الضرائب ‪ :‬إذا كان من صالحيات الوحدات اإلدارية المحلية‬

‫استيفاء ضرائب الدولة المختلفة في المناطق التي تمارس فيها‬

‫صالحياتها تكون الالمركزية قوية‪ ،‬أما إذا اقتصرت صالحياتها في هذا‬

‫المجال على استيفاء الضرائب المحلية فتكون الالمركزية متوسطة‪ ،‬وإذا‬

‫لم تمتلك هذه الوحدات أي صالحياتها في استيفاء الضرائب تكون‬

‫الالمركزية ضعيفة‪.‬‬

‫‪-‬صالحية اإلنفاق ‪ :‬إذا تمتعت الوحدات اإلدارية المحلية باستقاللية في‬

‫الصرف وبدون شروط تكون الالمركزية قوية‪ ،‬وإذا كان الصرف وفق‬

‫شروط تحددها السلطة المركزية تكون الالمركزية متوسطة‪ ،‬أما إذا كان‬

‫الصرف بموافقة السلطة المركزية فتكون الالمركزية ضعيفة‪.‬‬

‫‪-‬تمثيل المصالح المحلية على المستوى الوطني‪ :‬إذا كانت المصالح‬

‫المحلية واإلقليمية ممثلة بمؤسسات على المستوى الوطني مثال ً في‬

‫مجالس برلمانية تكون الالمركزية قوية‪ ،‬وإذا اقتصر تمثيل المصالح‬

‫المحلية على المستوى الوطني بشخص أو أكثر تكون الالمركزية‬

‫متوسطة‪ ،‬وإذا غاب الشرطان السابقان تكون الالمركزية ضعيفة‪.‬‬

‫‪2-‬مفهوم وأهداف التنمية المحلية‪:‬‬

‫ظهر مفهوم التنمية المحلية بعد ازدياد االهتمام بالمجتمعات المحلية‬

‫لكونها وسيلة لتحقيق التنمية الشاملة على المستوى القطري‪،‬‬

‫فالجهود الذاتية والمشاركة الشعبية ال تقل أهمية عن الجهود الحكومية‬

‫في تحقيق التنمية‪ ،‬عبر مساهمة السكان في وضع وتنفيذ مشروعات‬


‫التنمية‪ ،‬مما يستوجب تضافر الجهود المحلية الذاتية والجهود الحكومية‬

‫لتحسين نوعية الحياة االقتصادية واالجتماعية والثقافية والحضارية‬

‫للمجتمعات المحلية‪ ،‬وإدماجها في التنمية القطرية‪.‬‬

‫وهكذا انطلقت التنمية المحلية من فكرة أساسية تؤكد أن التوجه‬

‫التنموي التعصيري االنتاجوي قد أهمل الوسط الفالحي والمعارف‬

‫المحلية التقليدية التي اكتسبتها المجتمعات الريفية التقليدية على‬

‫مدى قرون‪ ،‬لذا أصبحت هذه المعارف (منذ مطلع الثمانينات وبالنسبة‬

‫إلى العديد من المؤسسات المختصة في التعاون الدولي) محل دراسة‬

‫ومصدر استلهام للعمل التنموي باعتبارها قابلة للتطوير‪ ،‬ذلك ألن‬

‫المجتمعات التقليدية ليست في الواقع جامدة بل تتطور باستمرار وهي‬

‫قابلة للتكيف مع ما تشهده من ظروف جديدة‪ .‬ويمكن في هذا الصدد‬

‫إعادة االعتبار لطرق العالج التقليدية‪ ،‬وطرق استغالل الموارد الغابية‬

‫والمائية والفالحية المتاحة محليا‪.‬‬

‫ويقوم مفهوم التنمية المحلية على عنصرين رئيسيين هما‪:‬‬

‫*المشاركة الشعبية في جهود التنمية المحلية‪ ،‬والتي تقود إلى‬

‫مشاركة السكان في جميع الجهود المبذولة لتحسين مستوى‬

‫معيشتهم ونوعية الحياة التي يعشونها معتمدين على مبادراتهم الذاتية‪.‬‬

‫*توفير مختلف الخدمات ومشروعات التنمية المحلية بأسلوب يشجع‬

‫االعتماد على النفس والمشاركة‪.‬‬

‫أما من حيث األهداف المرجوة منها فإن التنمية المحلية تهدف إلى اآلتي‬

‫‪:‬‬
‫*تطوير عناصر البنية األساسية كالنقل والمياه والكهرباء حيث يعتبر‬

‫النهوض بهذه القطاعات أساسا لعملية التنمية ولتطوير المجتمع‬

‫المحلي‪.‬‬

‫*زيادة التعاون والمشاركة بين السكان مما يساعد في نقل المواطنين‬

‫من حالة الالمباالة إلى حالة المشاركة الفاعلة‪.‬‬

‫*زيادة حرص المواطنين على المحافظة على المشروعات التي‬

‫يساهمون في تخطيطها وتنفيذها‪.‬‬

‫إن التنمية المحلية تعمق مبدأ المشاركة في التنمية بهدف تحقيق‬

‫ديمقراطية التنمية المحلية‪ .‬فمنطلق التنمية المحلية إذن هو تبني مبدأ‬

‫البناء من أسفل‪ ،‬بأن نجعل من تنمية الجماعات المحلية نقطة االنطالق‬

‫األساسية لتنمية المجتمع ككل‪ .‬فكيف إذن تساهم الالمركزية في‬

‫تحقيق ذلك ؟‬

‫ثالثا‪ :‬دور الالمركزية في تحقيق التنمية المحلية‬

‫بما أن الالمركزية هي الحالة أو الوضع الذي يعطى فيه حق المشاركة‬

‫في اتخاذ القرار للمستويات اإلدارية الدنيا‪ ،‬دون أن يلغي ذلك حق الجهة‬

‫المركزية في اتخاذ القرار‪ ،‬فهي إذن أسلوب في العمل يقوم على مبدأ‬

‫توزيع سلطة صنع القرار والصالحيات بين السلطة المركزية وهيئات‬

‫أخرى مستقلة تتواجد في األقاليم والتجمعات السكانية المختلفة‪ ،‬وهذا‬

‫يعني أن الالمركزية اإلدارية تتمثل في تفعيل دور السلطات اإلقليمية‬

‫والمحلية‪ ،‬وذلك بإسناد مهام إدارية وتنموية لها تزيد من فاعليتها‪ ،‬وتعزز‬
‫دورها في تحمل مسؤولياتها وصالحياتها بالشكل الذي يعمل على دمج‬

‫السكان المحليين في عمليات التنمية المحلية ويؤدي في النهاية إلى‬

‫نجاحها‪.‬‬

‫‪1-‬الالمركزية كإطار مالئم لتخطيط وتنفيذ التنمية المحلية‬

‫ً‬
‫عامة‪،‬‬ ‫إن الجانب اإلداري في عملية إعداد وتنفيذ ومتابعة خطط التنمية‬

‫والتنمية المحلية خاصة قضية يجب التعامل معها على أنها أساسية‬

‫وضرورية لنجاح هذه الخطط في تحقيق أهدافها‪ ،‬إذ أن فشل كثيـر من‬

‫خطط التنمية وبالذات الريفية منها في العديد من دول العالم النامي‬

‫ناجم باألساس عن األساليـب اإلداريـة المتبعـة في إدارة خطـط التنمية‬

‫أثناء تنفيذها وليس عن فقـر في محتوى عملية التخطيـط نفسهـا‪.‬‬

‫على صعيد آخر فإن اإلدارة هي التي تبرز أهمية التخطيط الالمركزي‬

‫مقارنة بالتخطيط القطاعي‪ ،‬وهي الوسيلة الوحيدة التي يتم من خاللها‬

‫تحويل األهداف القطاعية إلى إطار عام يصلح كاستراتيجية تنمية محلية‬

‫تسمح بتحقيق المشاركة الشعبية‪ ،‬وتضمن الترابط واالنسجام والتكامل‬

‫بين الهيئات والمؤسسات المعنية بإعداد وتنفيذ خطط التنمية المحلية‪،‬‬

‫لذلك فإن هيئات التخطيط الرسمية في المستوى اإلقليمي والمحلي‬

‫يجب أن تمتلك السلطة والكفاءة اإلدارية العالية التي تمكنها من القيام‬

‫بدورها على أكمل وجه‪.‬‬

‫إن عملية التخطيط في ظل الالمركزية اإلدارية يجب أن تعني تفعيل‬

‫المشاركة الشعبية ودور المجموعات المستهدفة في عمليات إعداد‬


‫وتنفيذ خطط التنمية المحلية‪ ،‬وهذا ما يعرف بأسلوب التخطيط من‬

‫أسفل‪ ،‬فالتخطيط والبناء من أسفل يعمل على تحقيق مبدأ رئيس من‬

‫مبادئ التنمية الناجحة كما يراها إيمانويل صن وهذا المبدأ يتمثل في‬

‫تعزيز الحرية‪ ،‬ولكن ليس بمفهومها السياسي فقط‪ ،‬وإنما بمفهومها‬

‫اإلنساني الشامل الذي يسمح ويعظم من قدرة اإلنسان على االختيـار‪.‬‬

‫كما أن التخطيط من أسفل يساعد في تحديد أهداف التنمية اإلقليمية‬

‫التي تعكس خصوصية اإلقليم قيد التخطيط‪ ،‬ودائماً هناك فرق كبير بين‬

‫أهداف التنمية اإلقليمية التي تضعها هيئات ومؤسسات تخطيط‬

‫إقليمية‪ ،‬وأهداف التنمية اإلقليمية التي تضعها هيئات التخطيط‬

‫المركزي‪ ،‬وإن كانت األولى يجب أن تكون مكملة ومنسجمة مع الثانية‬

‫وغير متناقضة معها‪.‬‬

‫إن تطبيق اإلدارة الالمركزية بفاعلية في مجال التخطيط والتنمية‬

‫المحلية‪ ،‬يعمل على تطويع برامج التنمية بسهولة إزاء حاجات السكان‬

‫المحليين ومتطلباتهم‪ ،‬نظراً ألنها تسمح بمشاركة سكان الوحدات‬

‫اإلدارية المختلفة في عملية إعداد وتنفيذ الخطط التنموية لمناطقهم‪،‬‬

‫كما أنها توفر دعماً ضرورياً لحشد الطاقات وتعبئة الموارد‪ ،‬وهذا يهيئ‬

‫فرص النجاح لخطط التنمية الوطنية في تحقيق أهدافها بشكل متوازن‬

‫يضمن توفير حياة مالئمة لجميع السكان في جميع المناطق داخل‬

‫الدولة‪ ،‬ويسهم هذا النجاح في تحقيق التوازن اإلقليمي وتقليل الفوارق‬

‫االقتصادية واالجتماعية اإلقليمية‪ ،‬وهذا يعتمد بالدرجة األولى على‬

‫توزيع سلطة صنع القرار بين هيئات التنمية والتخطيط المركزية ونظيرتها‬
‫المحلية‪ ،‬وذلك على اعتبار أن توزيع االستثمارات والموارد ورصدها في‬

‫مجتمع ما له عالقة وثيقة بتوزيع سلطة صنع القرار فيه‪.‬‬

‫‪2-‬الالمركزية وتوسيع خيار المشاركة والديمقراطية المحلية‪:‬‬

‫يعتبر الكثير من فقهاء القانون اإلداري أن الالمركزية ليست أسلوبا إداريا‬

‫صرفا إنما شكل من أشكال وجود السلطة‪ ،‬باعتبارها وثيقة الصلة بنمط‬

‫الحكم القائم ودرجة تركيز السلطة ونمط العالقات القائمة بين الدولة‬

‫والمجتمع‪.‬‬

‫ويساعد تبني الخيار الالمركزي على تحسين إدارة الحكم عبر تعزيز‬

‫المساءلة والمشاركة والشفافية‪ ،‬لذلك اعتمدته العديد من الدول النامية‬

‫في مختلف أنحاء العالم بهدف بناء قدرتها اإلدارية والمؤسسية‪ ،‬ويؤكد‬

‫برنامج األمم المتحدة اإلنمائي على أن إدارة الحكم الرشيد تتطلب‬

‫مشاركة الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص‪ ،‬فمن دون المشاركة‬

‫من أدنى إلى أعلى لن تتمكن أجهزة الحكم المحلي من هيكلة أو إدارة‬

‫الخدمات العامة وتحقيق التنمية المحلية‪.‬‬

‫وكلما صغر النطاق الجغرافي للمجتمع‪ ،‬زادت قدرة الناس على‬

‫المشاركة الفعالة في نسق للحكم الرشيد وقل احتمال إهمال‬

‫"األطراف" نتيجة لسيطرة "المركز" على المجتمع كله‪ ،‬وهي من آفات‬

‫الحكم في البلدان النامية‪ .‬إذ تخلق إدارة الحكم الالمركزي فرصا أكثر‬

‫لمشاركة الناس وإسهامهم‪.‬‬


‫وفي أنظمة الحكم الديمقراطي يكون الحكم المحلي ميدانا لتبلور‬

‫قدرات المساهمة في مجاالت الحكم المختلفة‪ ،‬وبروز العناصر القادرة‬

‫على المساهمة في الحكم المركزي‪ ،‬كما ينظر إلى عملية صنع القرار‬

‫على المستوى المحلي كأحد أوجه المشاركة الشعبية يعبر عنه بـ"البعد‬

‫المحلي للديمقراطية" أو "الديمقراطية المحلية" التي تعد إحدى‬

‫المؤشرات األساسية لنموذج الحكم الرشيد الذي يراد له اليوم أن يمثل‬

‫اإلطار المرجعي لإلصالح السياسي والمؤسسي في الدول النامية‪،‬‬

‫وفي هذا الصدد يعتبر ألكسيس دي توكفيل أن الهياكل البلدية هي‬

‫بالنسبة للديمقراطية بمثابة المدارس االبتدائية بالنسبة للعلم‪.‬‬

‫وتكمن الفكرة األساسية لالمركزية في أن القرارات العامة يجب اتخاذها‬

‫إذا أمكن على مستوى السلطة األقرب إلى الناس‪ ،‬إذ يملك قاطنو‬

‫منطقة معينة الحق والمسؤولية في اتخاذ قرارات بشأن المسائل التي‬

‫تؤثر فيهم مباشرة والتي يستطيعون اتخاذ قرارات في شأنها‪.‬‬

‫وفي مقدور أجهزة الحكم المحلي أن تكون أكثر تجاوبا وتكيفا مع‬

‫األوضاع المحلية األمر الذي يؤدي إلى فاعلية أكبر‪ ،‬فاإلداريين المحليين‬

‫يوفرون مجاال أفضل وأكثر راحة‪ ،‬ويضعون المؤسسات الحكومية مباشرة‬

‫في متناول السكان الذين تخدمهم‪.‬‬

‫وتمثل البلديات مسرحا لتجسيد التعاون والتضامن‪ ،‬بدءا باالتصال‬

‫المباشر بالناس‪ ،‬وكذلك مع المنظمات والجمعيات األهلية واألحزاب‬

‫السياسية‪ ،‬عبر أطر تضمن الديمقراطية والمشاركة في آن واحد‪.‬‬

‫فالمشاركة الشعبية ضرورية إليجاد المساءلة داخل المؤسسات‬


‫المحلية والتجاوب مع حاجات المجتمع المحلي‪.‬‬

‫لكن تطبيق سياسة الالمركزية ليس حال سحريا لكل المشاكل التنموية‬

‫على المستوى المحلي‪ ،‬وإنما تواجهه جملة من التحديات‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬أنواع الالمركزية‬

‫‪ecentralization Kinds‬‬

‫يميز أغلب الكتاب والباحثين في معرض حديثهم عن الالمركزية بين‬

‫األنواع اآلتية(‪) :10‬‬

‫‪1-‬الالمركزية الجغرافية‪ :‬وتتمثل في عملية توزيع السلطة بين أقاليم‬

‫ومحافظات ومناطق القطر الواحد التي تتمتع بشخصية معنوية تناط‬

‫بمجلس محلي ينتخب جميع أو بعض أعضاءه من قبل مواطني اإلقليم‬

‫ويكون له صالحية وضع ميزانية مستقلة واتخاذ القرارات اإلدارية‬

‫المتعلقة بإدارة المشروعات والمرافق العامة في حدود ذلك اإلقليم أو‬

‫المحافظة‪ ،‬ويطلق البعض على هذا النوع من الالمركزية اإلدارية باإلدارة‬

‫المحلية أو إدارة األقاليم والمحافظات‪.‬‬

‫ان واقع اإلدارات المحلية في العالم يعكس تفاوتاً كبيراً في هياكل‬

‫واختصاصات هذه اإلدارات تتميز فيه المعالم اآلتية(‪) :11‬‬


‫‪ö‬إن اإلدارات المحلية في الدول النامية تميل إلى كونها أدوات بيد‬

‫اإلدارات المركزية‪ ،‬فهي بهذا أجهزة تنفيذية للقرارات‪ ،‬كذلك تتميز هذه‬

‫اإلدارات المحلية بأنها تتمتع بقسط محدود جداً من االهتمام والدعم من‬

‫قبل السلطات المركزية رغم كونها مكرسة من حيث المبدأ إلشباع‬

‫الطلبات لألكثرية العظمى من أبناء الشعب‪ ،‬كما تتميز هذه األجهزة‬

‫اإلدارية في الدول النامية بمحدودية إمكاناتها المادية والفنية بصورة‬

‫عامة مقارنة باألجهزة اإلدارية المركزية كذلك الشعور بالتبعية والميل‬

‫نحو عدم اتخاذ المبادرة في ممارسة الصالحيات المتاحة‪ ،‬ومن طريف‬

‫القول هنا إن مسألة نقل العاملين من األجهزة المركزية إلى األجهزة‬

‫اإلدارية المحلية كثيراً ما يأخذ طابع العقود اإلدارية بالنسبة لهؤالء‬

‫العاملين‪.‬‬

‫البد من اإلشارة هنا إلى إن محافظات العراق (عدا منطقة كردستان)‬

‫تعمل وفق صيغة اإلدارات المحلية بموجب قانون المحافظات رقم (‪)59‬‬

‫لسنة ‪ 1969‬وحتى الوقت الحاضر‪ ،‬أما منطقة كردستان فكانت تعمل‬

‫بموجب قانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان الوارد بقرار مجلس قيادة‬

‫الثورة المنحل رقم ‪ 248‬لسنة ‪ 1974‬إلى غاية عام ‪.1991‬‬

‫‪ö‬أما سمات ومميزات أجهزة اإلدارات المحلية في الدول المتقدمة‬

‫فمتباينة فيما بينها‪ ،‬فاإلدارات المحلية في النظام االنكليزي والنظام‬

‫األمريكي تتميز بأنها تمثل اتجاهاً ال مركزياً واضحاً مقارنة باإلدارات‬

‫المحلية في النظام الفرنسي الذي يبرز عكس االتجاه المذكور‪ ،‬رغم‬


‫تقارب هذه اإلدارات المحلية في هذه الدول من حيث تمتعها بقدرات‬

‫فنية ومالية ومستويات تخصصية عالية نسبياً‪ ،‬أما ظروف العمل في‬

‫اإلدارات المحلية فال تختلف كثيراً عن ظروف العمل في اإلدارات‬

‫المركزية عكس ما تم مالحظته في الدول النامية‪.‬‬

‫‪ö‬أما في الدول االشتراكية فاإلدارات المحلية تبرز اتجاهاً ال مركزياً‬

‫واضحاً مع التزامها بالتخطيط المركزي القومي شأنها في ذلك شأن‬

‫اإلدارات المركزية‪ ،‬كما تتميز اإلدارات المحلية في الدول االشتراكية‬

‫بتأكيدها على المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات ورسم الخطط‬

‫ضمن حدود صالحياتها ومسؤولياتها الجغرافية‪ ،‬أما ظروف العمل‬

‫واإلمكانات الفنية والمادية ومستويات االنجاز في هذه اإلدارات المحلية‬

‫فمشابه إلى حد كبير لإلدارات المركزية بسبب التزام الدولة بالتخطيط‬

‫المركزي وتأكيدها على تطبيق مبدأ المساواة‪.‬‬

‫‪2-‬الالمركزية الوظيفية‪ :‬وتتمثل في عملية توزيع السلطات والصالحيات‬

‫فقط على المستويات الهرمية وبين األقسام المتخصصة داخل المنظمة‬

‫أو الوزارة الواحدة‪ ،‬وتبرز الحاجة إلى هذا النمط االداري كلما اتسعت‬

‫مهام المستويات العليا وزادت أعمالها وضاق وقتها عن تسيير األمور‬

‫بكفاءة وفعالية‪.‬‬

‫‪3-‬الالمركزية السياسية‪ :‬وهي عملية قانونية يتم بموجبها توزيع‬


‫الوظائف الحكومية المختلفة – التشريعية والتنفيذية والقضائية– بين‬

‫الحكومة الموجودة في مركز البلد والسلطات الموجودة في المراكز‬

‫األخرى التابعة لهذا البلد نفسه وينتج عن هذا التوزيع نوع من نظام‬

‫الحكم يسمى (باالتحاد الفدرالي)• فاالتحاد الفدرالي يتكون من عدة‬

‫حكومات مركبة تشكل بمجموعها اتحاداً واحداً‪ ،‬فكل والية حكومة‪ ،‬ولكل‬

‫حكومة سلطات ثالثة‪ :‬تشريعية وتنفيذية وقضائية وغالباً ما نالحظ هذا‬

‫النمط من الحكم في الدول المركبة من واليات كالواليات المتحدة‬

‫األمريكية وسويسرا واألرجنتين والبرازيل والمكسيك واالتحاد السوفيتي‬

‫السابق ويوغسالفيا واستراليا والهند وأندنوسيا وغيرها(‪).12‬‬

You might also like