Professional Documents
Culture Documents
تقديم
أحم ُد اهللَ على نِعَمه التي جلَّت مواقِ ُع ِديَ ِمها ،وع َّمت فوائ ُد
َك َر ِمها ،وأشكر اهللَ الذي َح َك َم بالموت على عباده؛ إظهاراً لبدائع
وح َك ِمها.ق ُ ْد َرتِه ِ
وأش��هد أن ال إله إال اهلل وحده ال ش��ريك له ،ش��هادةً يَ ْقتَ ِر ُن
خ ُرها ،ويَن ْ َس�� ِد ُل على
ي��وم ف ْ
ٍ خلُ��ود ِذ ْك ُرها ،ويتج�� َّددُ في ك ِّل بال ُ
هفوات اإلنسان ِست ُْرها .وأشهد أن سيِّ َدنَا محمداً عبدُه ورسولُه،
محاسنه األعناق ،وب َ َعثَهُ على حين فَت َْر ٍة من الرسل ِ الذي قلَّ َد ب ُد َر ِر
ُمتَ ِّمماً لمكارم األخالق ،وجعل ش��مس َش�� ِري َعتِ ِه الغ��راء دائمةَ
اإلش��راق ،صلى اهلل عليه وعلى آله وصحب��ه الذين ج َّملوا ب ِذ ْك ِر
مفاخ ِرهم اآلصا َل والبُ َكر ،ما ِ ِ
بوصف محاسنِ ِه ُم ِّ
الس��يَر ،وذ َّهبُوا ِ
الكتب على أسماع األواخ ِر ُ ذكر األفاضل ،وجلَت ت األقالمُ َ دَ َّون َ ِ
ِذ ْك َر األوائل ،وسلَّم.
وبعدُ :فهذه ترجمةٌ لش��يخي الوال ِد العالِم الجليل مُ ْفتِي بالد
6ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إتحاف السري
السكندري ـ رحمه ضل عبدالرحيم ِّ السند وفخ ِرها العلاَّ َم ِة أبي ال َف ْ ِّ
��ر مع ثَبَت شيخ مشايخنا المحدِّث اهلل تعالى ورضي عنه ـ ،ستُن ْ َش ُ
عبدالح��ق ال َّدهْلَوي الهن��دي (ت 1057ه��ـ) ال ُم َس�� َّمى بـ« ِذ ْك ُر
يث» ،وهو ثَبَ ٌ
ت مُ ِه ٌّم يُن ْ َش ُ
��ر ي��م َوال ْ َ
ح ِد ِ يث فِي ال ْ َق ِد ِ ات ال ْ َ
ح ِد ِ إِ َج��ا َز ِ
مرة عن ن ُ َس ٍخ نادرة.
أل َّو ِل َّ
ح َّق َق إلى الدار من ُذ م َّد ٍة طويلة ت الثَّبَ َ
ت ال ُم َ وقد كنت س��لَّ ْم ُ
ألس��باب يعلمها
ٍ ـ كما يَ ْظ َه ُر من تأريخ التقديم ـ ،وتأ َّخر صدو ُره
خنا الوال��د ـ رحمه اهلل تعال��ى ـ هو الذي اهلل تعال��ى ،وكان ش��ي ُ
ُ
المخطوط مفقوداً جعني على تحقيقه وإخراجه من�� ُذ أن كان ش�� َّ
ت علىواستمر تشجيعُه وسؤالُه عنه حتى َوق َ ْف ُ َّ من سنة 2008م،
تحت
َ فعكفت على تحقيقه
ُ قريب،
ٍ مخطوطات الكتاب من ُذ عه ٍد
ِ
إشرافه ومراجعته ،حتى انتهى إلى هذه الصورة الالئقة ،والحم ُد
ينتظر صدو َرهُ ،ويس��ألُنِي عنه ك َّل
ُ هلل أ َّوالً ِ
وآخ��راً .وكان وال��دي
حي ٍن ،حتى التحق برفيق األعلى في 11من رجب ال ُم َر َّجب سنة
1439هـ ،فإنا هلل وإنا إليه راجعون.
��ب األديب الدكتور/ المح ِّ طلبت من الفاضل النبيل ِ ُ لذل��ك
أيام حتى أَف ْ ُر َغ من ترجم ِة َسيِّ ِدي صبِ َر بضعةَ ٍ إياد أحمد الغوج أن يَ ْ
ِ
مشايخنا صلْنَا بثَبَ ِ
ت ش��يخ بس��ن ِده وطري ِقه ات َّ َ
الش��يخ الوال ِ ِد ،الذي َ
ِ
بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 7
ي ،ومؤلفاته األخرى؛ فوافق وأ َّخ َر طباعة العالم ِة عبدالح ِّق ال َّدهْلَ ِو ِّ
الثَّبَت؛ حتى يتس��نَّى لي أن أُل ْ ِح َق رسالةً مو َج َزةً في ترجمة َسيِّ ِدي
ي ،رحمه اهلل تعالى. الس َكن ْ َد ِر ِّ
الوال ِد العلاَّ م ِة المفتي عبدالرحيم ِّ
وج��زى اهللُ خيراً أخانا الدكتور /إي��اد أحمد الغوج ،وبارك
فيه على ُج ْه ِده في نشر العلم والمعرفة.
وقد َكثُ َرت دواعي تأليف هذه الرسالة ب َ ْع َد وفاة شيخنا الوالد
ـ رحمه اهلل تعالى ـ؛ ومن أه ِّمها:
باإلحس��ان إل��ى الوالدين ،وحثَّنَا
ِ 1ـ أ َّن اهللَ تعال��ى قد أمرنا
باب البر واإلحسان إليهما، على بِ ِّرهما؛ وهذه الترجمةُ تدخل في ِ
ظ على حافِ َ خاصةً إذا كان ُ
األب من العلماء؛ فلزامٌ على االبن أن يُ َ َّ
وينشر آثا َره.
َ تراث أبيه،
حدِّث
ت الش��يخ ال ُم َ 2ـ م��ا لهذه الترجم�� ِة من صل ٍة قويَّ ٍة بثَبَ ِ
ظ بهذا الثَّبَت ،وتزي ُد الحاجةُ عبدالح ِّق ال َّدهْلَوي؛ فينبغي أ ْن يُ ْ
حتَ َف َ
ص َل س��ندُهم بهذا الكتاب عن إليه وتتج َّددُ مع كثرة عدد الذين ات َّ َ
ص ُل شيخنا الوالد ،وانتمائهم إلى بُلْد ٍ
َان َشتَّى؛ فك ُّل َم ْن يَ ْ
ح ُ طريق ِ
على نسخة هذا الثَّبَت ،سي َّط ِل ُع على ترجم ِة ُمجِ ي ِزه ويعرف أخبا َره
وآثا َره ـ رحمه اهلل ـ.
8ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إتحاف السري
شك أ َّن دراسة تراجم العلماء األعالم واألئمة الكرام، 3ـ ال َّ
في زم ٍن ع َّز فيه العلماء العاملون ،تُع ِّوض شيئاً من النقص ،وتَجبُ ُر
ش��يئاً من هذا الفقر .كان الش��يخ ـ رحمه اهلل ـ نموذجاً فريداً من
العلماء العاملين.
ت لمجرد المدح أو اإلطراء لشخصه 4ـ أن هذه الرسالة ما أُل ِّ َف ْ
َ
صلَةُ البُن ُ َّوة وحسب؛ بل لِيَ ْق َرأ ِس َ
يرتَهُ رحمه اهلل ،أو ألنه تربطني به ِ
يعاص ْره ،فيَع ِرفَِ ِ
محاسنَهُ مَ ْن لم مَن لم يُعايِ ْن صو َرتَهُ ،ويش��اه َد
ويتمس َ
��ك َّ منصبَ��ه ومرتبَتَه ،فيَجِ �� َّد في الطلب؛ ليَلْ َ
ح َق بأمثالهم،
بهديهم.
حب االبن ألبيه وال َول َ ِه
ومع هذا فالرسالةُ ال تخلو من مظاهر ِّ
حاولت ـ ق َ ْد َر المس��تطاع ـ أن أبتعد عن المبالغ ِة
ُ بذ ْك�� ِره ،ولكنِّي
ف واجتنبت التكلُّ َ
ُ ووصفت الواقِ َع م��ن حياة والدي،
ُ واإلطراء،
في تضخيم األح��داث العادية إلضفاء ال َغراب��ة عليها .ولوال أنَّهُ
ألطنبت في ذكره ،و ُع َّد ذلك من المبالغة عند مَ ْن لم يَ َّط ِل ْع ُ والدي
على حياته ،ووفَّيْتُهُ م َن الوصف ح َّق ق َ ْد ِره ،ولكن َك َفاهُ ما أُثْبِتُهُ له
سيمر بالقارئ في هذه الرسالة.
ُّ في هذه الترجمة ،وما
واش��تملت ه��ذه الترجمةُ عل��ى مقدِّمة ،وع��دة فصول ،ثم
خاتمة.
بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 9
ودواعي تأليفها،
َ بينت موضو َع هذه الرسالة،
المقدمة :وفيها ُ
وأهميَّتَها ،وتس ِميَتَها ،وفصولَها.
أما فصولُها ،فجاءت على الن َّ َسق اآلتي:
الفصل األول :اس ُمه ونسبُه ومولِدُه.
الفصل الثاني :نشأتُه وأسرتُه.
الفصل الثالث :طلبُه للعلم ُ
وشيُو ُخه.
الفصل الرابع :تال ِمي ُذه.
الفصل الخامس :أس��انيدُه في ال ُكتُب الستَّة ،وسائ ِر العلوم
الشرعيَّة.
الفصل السادس :آثا ُره العلمية.
الفصل السابع :مكانتُه العلمية ،وثناءُ العلما ِء عليه.
الفصل الثامنَ :م ْكتَبَتُ ُه و ُحبُّه لل ُكتُب.
الفصل التاسع :حياتُه الخاصة.
ص َفاتُه ومناقِبُه.
الفصل العاشرِ :
الفصل الحادي عشر :وفاتُه.
تلخيص لما س��بق ،وتوصي��ةٌ ألبنائه
ٌ أم��ا الخاتم��ةُ :ففيه��ا
وتالميذه.
10ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إتحاف السري
الفصل الأول
اسمُه ونسبُه ومولِدُه
اسمه ونسبه:
ُ
الشيخ أبو هو العالِـ ُم العلاَّ مة ،الفقيهُ األعظمُ ،م ْفتِي ِّ
الس��نْد،
حراب خان بن ق��ادر داد((( بن مولى الر ِحيم ب��ن ِم ْ
ض��ل عب ُد َّ ال َف ْ
ي مُ ْعتَ َقداً،
الحنفي مذهب��اً ،الـ َمات ُ ِري ِد ُّ
ُّ دي موطناً، خش(((ِّ ،
الس��ن ْ ُّ بَ ْ
بالس َكن ْ َد ِري؛ نسبةً إلى َشيْ ِخه ِس َكنْدَر القادري طريقةً ،المش��هو ُر ِّ
ُّ
علي.
والدتُه:
ض ِل من ب ت َ ْكنِيَةُ ِ
أهل ال َف ْ ِم َن المعلوم لدى العلماء أنه يُ ْستَ َ
ح ُّ
ُ
الشيخ الرجال والنساء ،سواءٌ أكان له ول ٌد أم لم يكن .وقد تكنَّى
الس�� َكنْدري بـ«أبي الفضل»ْ ،
واش��تُ ِه َر بهذه العالم��ة عبدالرحيم ِّ
ال ُكنْيَة.
الفصل الثاني
نشأته وأسرته
الس�� َكنْدَري في بيت ِعلْ ٍم نش��أ الش��يخ العلاَّ مة عبد الرحيم ِّ
السند مَ ْش ُهو َرةٌ بال ِعلْ ِم والصالح.
وصالح وفِ ْقه؛ فعائلتُه في بالد ِّ
ٍ
الشيخ محراب خان معروفاً بالعلم والزهد ،وكانُ كان والِدُه
ب َع ْق ٍل ورزانة ،لم ينهض من تلك األس��رة ِ
صاح َ ع��ادالً حازماً،
أح ٌد مثلُ��ه في العقل والتدبير .وكان مَ ْش�� ُكو َر الس��يرة في ف َ ْ
ص ِل
القضايا والم ِه َّمات .وكذلك َجدُّه الش��يخ قادر داد خان كان من
حاء المعروفين بين العلماء والمشايخ. الصلَ َ
ُّ
وكان وال ُد جدِّه الشيخ موال بخش ـ عميد األسرة ـ مشهوراً
بالصدق واألمانة ،م��ع متانة الدِّيانة ،و َكثْ َرة التَّ َعبُّد ،والمحاس��ن
الناس مثلَه!
ِ الج َّمة ،ق َّل أَن ترى العُيو ُن في
الس�� َكنْدَري معروفةٌ
فأس��رة الش��يخ العالم��ة عبدالرحي��م ِّ
والخ��واص بالعلم والص�لاح ،وت ُ َع ُّد من
ِّ ومش��هورةٌ بين العوا ِّم
بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 15
الفصل الثالث
طلبه للعلم وشيوخه
شيوخه:
ح ِّق��ق ال ُم َدقِّق،
1ـ الفقي��ه األعظم ،العلاَّ م��ة األصولي ،ال ُم َ
مفتى باكس��تان األعظم محمد صاحبداد خان بن خميس��و خان
حن َ ِف ُّي (.)1385-1316
السنْدي ،ال َ
الجماليِّ ،
2ـ العالم الجليل الشيخ العالمة عبد الصمد بن عبد اهلل ميتلو(((
(( ( (ميتلو) اسم قبيلة ِسن ْ ِديَّة ،تق ُطن نواحي مدينة (الركانه).
18ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إتحاف السري
الفصل الرابع
تلام ِيذ ُه
ونظراً لتعدد المواد العلمية التي كان يُ َد ِّر ُسها الشيخ ـ رحمه
مجاالت نبوغهم؛ فكما
ُ اتجاهات تال ِم َذتِه ،وتن َّوعَت
ُ اهلل ـ تع َّددَت
نَبَ َغ منه ُم ال ُم ْسنِدُون والفقهاء واألصوليون ،نبغ منهم المؤرخون
بعض من تالمذته:
ٌ واللغويون ،وفيما يأتي
4ـ ه��ذا العب��د الفقي��ر (الدكتور /أب��و البركات ح�� ُّق النبي
السندي).الس َكنْدَري ِّ
ِّ
وغي��ر ذلك م��ن الفضالء؛ منه��م :الدكتور محمد يوس��ف
الس َكنْدَري ،والشيخ شاه محمد
الس َكنْدري ،والشيخ إمداد علي ِّ
ِّ
الس َكنْدَري ،والشيخ عثمان خان
الس َكنْدَري ،والشيخ ُغالم علي ِّ
ِّ
النوري (عضو البرلمان سابقاً) وغيرهم.
22ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إتحاف السري
الفصل الخامس
ِ
س َت ّة وسائر العلوم الشرعية
أسانيدُه في ا�لكتب ال ّ
العالِـم َّ
الس��هالوي ثم اللكهنوي
ِّ األنصاري
ِّ قطب الدين ب��ن عبد الحليم
تفرد بعُلومه ،وأخذ لواءَها بيده.
(ت1161هـ) ،الذي َّ
وبالش��اه ولي اهلل ال َّدهْلَوي (ت 1176هـ) ،وبشيخ اإلسالم
السن ْ ِدي الحنفي (ت 1174هـ) ،وبالشيخ المحدِّث محمد هاشم ِّ
السن ْ ِدي األنصاري ال َم َدنِي (ت 1257هـ) ،وبالشيخ
محمد عابد ِّ
اإلم��ام الفقي��ه أحمد رضا خ��ان الهندي الحنف��ي ،وغيرهم من
األعالم ـ رحمهم اهلل أ َ ْج َم ِعي َن ـ.
الفصل السادس
آثاره العلمية
الس َكنْدَري
ت ُ َع ُّد حياة والدي الشيخ العلاَّ مة المفتي عبدالرحيم ِّ
سلسلةً من الكفاح والس��عي الد ُؤوب في نشر العلم ،واالن ْ ِكباب
على الدرس والتحصيل ،فقد ج َّد واجتهد ،حتى أصبح من األعالم
صفحات مُ ْش�� ِرقَةً في تاريخ اإلسالم والمسلمين،
ٍ جلُوا
الذين س َّ
ويظهر ذلك من خالل الن ُّ َكت اآلتية:
«صبْ َغة ال ُهدَى»:
1ـ تأسيس دار العلوم ِ
وهدَ ىاحلالل من احلرامَ ، َ مس�ائل الصالة والصوم والزكاة ،و َع َر ُفوا َ
اهللُ تعاىل هبا ُأنَاس� ًا كانوا كاألنعا ِم بل ه�م َأ َض ُّل؛ فجدَّ ُدوا هَ
إيامنم باهلل
سبحانه ،وو َّف َق ُه ُم اهلل للصيا ِم والقيام ،وألزمهم ك َِل َم َة ال َّت ْق َوى.
3ـ بناء المساجد:
ومنها أنه ـ رحمه اهلل ـ ب َ َذ َل األموا َل الطائلةَ في بناء المساجد؛
خاصةً في مناطق الصحراء السنْدَّ ،
أرض ِّ
ِ فبنى مس��اجِ َد كثيرةً في
على ُحدُود الهند ،باإلضاف ِة إلى تعمي ِر المساجِ د القديمة ،و َجع ِْل
��ر ٍج وغيروس ُ الروات��ب لألئمة والمؤذنين ،واألرزاق من ب ُ ُس ٍ
��ط ُ ِ
ذلك للمساجد.
ب��ل األعجب من ذلك أن عددَ مدارس تحفيظ القرآن الكريم
بوالمساجد الشريفة تجاو َز المئات ،لكنَّه ـ رحمه اهلل ـ لم يَ ُكن يُ ِح ُّ
وضع اس ُمه في لوحة االفتتاح ـ كما جرت عادةُ عوامِّ المسلمين أن يُ َ
وخواصهم في باكستان ـ على ُجدْران المساجد ،أو المدارس. ِّ
ومن ال ُمالحظ في حياة الشيخ ـ رحمه اهلل ـ أنه ف َ َع َل ك َّل هذا
اعتم��اداً عل��ى ُج ْه ِده وتو ُّك ِله ،ولم يكن لدي ِه م��ن المال ما يَ ْك ِفي
يحث المسلمين على ُّ لكل هذه المشروعات الدينية ،ولكنه كان
اإلنفاقِ على هذه المشاريع تَبَ ُّرعاً ،ولم يقبل في حياته فِلْساً لنفسه؛
ب��ل ك ُّل م��ا كان يأتيه من األموال كان يُن ْ َف�� ُق على تلك المدارس
بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 33
حصل ـ م��ن األموال الكثيرة في
وعلى هذه المس��اجد .وكل ما َّ
حياته ـ أ َ ْوق َ َف ُه على طلبة العلم .رحمه اهلل تعالى ورفع درجاته.
4ـ مؤل َّ َفاتُه:
الس َكنْدَري ـ رحمه اهلل ـ
كان الشيخ الوالد العلاَّ مة عبدالرحيم ِّ
كثير المطالعة ،واس��ع االطالع ،له قَلَ ٌم س��يَّال،
ح��راً؛ َعالم��اً ُمتَبَ ِّ
وس��جِ ٌّل حافِ ٌل بالتألي��ف ،رغم تعدُّد نش��اطاته وكثرتها ،فكانت
السن ْ ِدية،
مؤلفاتُه متنوعةَ األغراض ،واسعةَ النطاق ،مكتوبةً باللغة ِّ
غفير من المسلمين.
وقد انتفع بها ج ٌّم ٌ
ومن ِض ْم ِن هذه المؤلفات الكثيرة:
الصدِّي ِقين» ،للشيخ محمد
1ـ تحقيق ودراسة تفسير «هداية ِّ
الس��نْدي ،الحنف��ي (ُ ،)994-905طبِ َع في
صديق نورنك زاده ِّ
السنْدية.
مجلدين باللغة ِّ
2ـ «صحبة الصالحين» في التصوف.
3ـ «مجموع الفتاوى» ،ويحوي عشرة آالف فَتْوى.
فالس�� َكنْدَري» ،وهو مؤل َّ ٌ
الس�� َكنْدَري» و«س ُّد ِّ
4ـ «س��يف ِّ
َح�� َوى دفاع��اً علميّاً عن عقائد أهل الس��نة والجماع��ة ،وقضايا
التصوف.
34ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إتحاف السري
النبي ـ ﷺ ـ.
َي ِّ أي والِد ِ
(( ( ْ
(( ( ف��دك :قريةٌ بخيبر ،وقيل بناحي��ة الحجاز ،فيها عين ونخ��ل ،أفاءها اهلل
وكان علي والعبَّ��اس ـ عليهما الس�لام ـ يتنازعانها،
ٌّ عل��ى نبي��ه ـ ﷺ ـ،
فذكر عل��ي ـ رضي اهلل عنه ـ أ َّن
ٌّ وس��لَّمها عمر ـ رضي اهلل عنه ـ إليهما،
بي ـ ﷺ ـ كان جعلها في حياته لفاطمة ـ رضي اهلل عنها ـ وول َ ِدها ،وأبى الن َّ َّ
اس ذلك .لسان العرب ،فدك. العبَّ ُ
36ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إتحاف السري
الفصل السابع
مكانتُه العلمية ،وثناء ُ العلماء عليه
* قَـبُولُه ُ
وش ْه َرتُه في بلده:
نصيب؛ فقد كان إذا ورد مجلساً ،أو ق َ ِدمَ ٌ وقد كان له ِم ْن لقبه
القلوب ،وترتقي شخصيَّتُه ُ محط األنظار ،تميل إليهَّ أصبح
َ منزالً
الشمس فِي أعلى َمحل ،مع ِع َظ ِم وقا ِره ،وش َّد ِة
ُ بينهم كما ترتقي
صالحه .رحمه اهلل تعالى.ِ
والخواص ،ونفو ِذه إلى قلوبهم، ِّ ومن ش َّد ِة تأثيره في العوا ِّم
كانت الحكومةُ ت َ َهابُهُ وتحا ِو ُل إرضاءه ب ُط ُرقٍ َشتَّى ،لكنه ـ رحمه
اهلل ـ لم يُ ْظ ِه ِر ال َميْ َل إلى الدنيا وأصحاب المناصب قِي َد أُن ْ ُملَة ،بل
عاش كريماً زاهداً ،وانتقل إلى اهلل الكري ِم راضياً َم ْر ِضيّاً.
والحاصل أنه كان من عجائب الزمن ،ومن محاسن باكستا َن
خاصة ،ومن ع ََرف َ ُه ح َّق المعرفة تي َّق َن أن َّ ُه من عا َّمةً ،وإقليم ِّ
الس��ند َّ
أولياء اهلل ـ س��بحانه وتعالى ـ ،وأ َّن ثناء الناس عليه كادَ أن يكو َن
إجماع��اً ،وأ َّن االعتراف بفض ِله ليس فيه نزاعٌ؛ فقد اجتم َع علماء
كل إقليم على فض ِله وجاللتِه.
3ـ أسد المصطفى:
خاصة في شمال والخواص ـ َّ
ِّ ب بذلك ْ
واشتُ ِه َر بين العوا ِّم ل ُ ِّق َ
ج َدتِه لك ِّل مستغيث ،ال تمنعه ج ْرأَتِ ِه في كلم ِة الحق ،ون َ ْ
السند ـ ل ُ ِّ
المهابةُ من قول الحق؛ فقد كان ال يخافُ في اهلل لومةَ الئ ٍم؛ فكان
صعْلُوكاً؛
يأم��ر ويَن ْ َهى ك َّل واح ٍد أيّاً كانت مكانتُهَ ،م ِل��كاً كان أو ُ
ُ
اشتُ ِه َر بـ«أسد المصطفى» بين األنام. ولذلك ْ
تمس ِ
��كه بمحب��ة النبي ـ ﷺ ـ وقد ُع ِرفَ أيضاً بذلك لش��دة ُّ
واتِّبا ِع��ه ،ولش��دة َغيْرته عل��ى صحابة النب��ي ـ ﷺ ـ وأهل بيته،
وأولياء اهلل الصالحين.
بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 41
النبي ـ ﷺ ـ في أثناء ُخ َطبِه
كثير الصالة على ِّ وكان ـ أيضاً ـ َ
كرامات كثيرة بين المسلمين ،وهيٌ ومواعظه ،وت ُ ْر َوى وتُن ْ َق ُل عنه
متواتِ َرةٌ ومشهورةٌ في بالد ِّ
السن ِد.
اع ال ُّط ُرقِ َّ
ومن أعظم كراماته أنه تاب على يديه آالفٌ من قُط ِ
والعصاة ،والتزموا الصراط المستقيم بع َد سماع ُخ َطبِه ومواعظه؛
ِ
مجلس��ه فلقد كان آيةً في الموعظة والتذكيرَ ،م ْن رآهُ و َح َ
ض َر في
وصلُ َح حاله ،واس��تقام مرةً واح��دة تاب عن المعاصي والبِدَعَ ، َّ
على الشريعة ،وق َّدمَ مواله على ما سواه.
4ـ المفتي األعظم:
اش��تُ ِه َر ـ رحمه اهلل ـ بهذا اللقب؛ الش��تغالِه بعلم الفقه من ُذ
ْ
صباه ،وت َ َف ُّق ِه ِه على مش��ايخ عصره؛ حتى نب��غ في العلم ،وصار
الحنف��ي ،وجملةُ فت��اواه تن ُّم عن
ِّ المرجِ �� َع والم ْق َ
ص�� َد في الفقه
ح ٍر في الفقه الحنفي .رحمه اهلل تعالى ،و َغ َف َر له ،ورفع دراي�� ٍة وتب ُّ
درجاتِه ،آمين.
السن ْ ِد ُّ
ي، 2ـ قال عنه الشيخ الفقيه المفتي عبدالرحمن الت ُّ
َّتوي ِّ
ت عن السنْد :أ ُ ْخبِ ْر ُ
ج ِّد ِديَّة بمدينة تته ِّ
رئيس الجامعة العثمانية ال ُم َ
أكناف باكستان الشيخ ِ ارتحال العلاَّ مة الف َّهامة الش��هير في جميع
بس��لْ َطان الواعظين، الس�� َكنْدَري المعروف ُ المفت��ي عبدالرحيم ِّ
ت عليه عيني! وكان ذلك ��ش به َع ْق ِلي ،و َح ِز َن به قلبي ،وب َ َك ْ
ف ُد ِه َ
الحال لك ِّل مَ ْن زا َرهُ ،أو َس ِم َعهُ أو َش ِه َد جِ نازته؛ فقد كان ـ رحمه
وش��يَ ِمحراً وخطيباً بليغاً ُمت َِّصفاً بمكا ِر ِم األخالقِ ِ ، اهلل ـ عالماً ُمتَبَ ِّ
هلل ،يَبْ ُذ ُل ُو ْس َع ُه
الصالحين ،وكان داعياً إلى اهلل ،ال يخاف أعداءَ ا ِ
بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 43
ٍ
وصف، الشخص قد يُ ْشتَ َه ُر بف ٍّن أو وقال أيضاً :إن العالِـم أو َّ
النقص ش��يئاً
ُ ويص��ل إلى درجة الكمال ويُ ْش��تَ َه ُر ب��ه ،ثم يَ ْعتَ ِريه
الس َكنْدَري بأنه لم
فشيئاً ،لك َّن اهللَ أكر َم الشيخ العلاَّ مة عبدالرحيم ِّ
يَ َر الزوا َل ،ولم تُن ْ َقص عن��ه نعمةُ ال َقبول وال َوجاهة ،بل زادَ ُّ
حب
المس��لمين له حتى في آخر أيام حياتِه ،س��بحان ِّ
مقسم األرزاق،
وبارئ النسمات!!
5ـ وقال عنه ش��يخ الحديث العلاَّ مة الش��يخ محمد إبراهيم
القادري ،رئيس وش��يخ الحديث بجامعة القادرية بمدينة س��كر
ِ
المشكالت، الس��ند :كان الشيخ ـ رحمه اهلل ـ مَ ْرجِ عاً للعلماء في
وكان وج��وده موئ�لاً وقلعةً حصينةً للمس��لمين ض��د التيارات
ج ِل َ
س السن َّ ِة والجماعة .وك ُّّل مَ ْن َح َ
ض َر م ْ المنح ِرفة عن طريق أهل ُّ
ش َو ْع ِظ��ه أثْنَ��ى على علمه وصالح��ه ،وكان ـ رحم��ه اهلل ـ يُ ْد ِه ُ
الخ��واص قبل العوامِّ بِ َكثْ َرة محفوظه ،وطالقة لس��انِه ،وفصاح ِة َّ
نفس وحشمة .وفاتُه أسلوبه ،وكان ذا َهيْب ٍة ع ِظيمة ،ونزاه ٍة ،وق ُ َّو ِة ٍ
صدمةٌ عظيمةٌ لجميع المسلمين في باكستان .رحمه اهلل وإيانا.
6ـ وقال عنه ش��يخ السادة النقش��بندية ،الشيخ محمد أيوب
جان ابن الش��يخ محم��د إبراهيم جان الس��رهندي الفاروقي :إن
مهابته كانت ت َ ْغ َش��ى قُلُوبَنَ��ا لصالحه وتقواه وديانت��ه ،فلقد كان
بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 45
ُم َر ِّوجاً للش��ريعةُ ،منَ�� ِّوراً للطريقةُ ،مت َِّصفاً بالصف��ات ال َملَ ُكوتِيَّة،
ح َف ًة
الشيخ ـ رحمه اهلل ـ كان َه ِديَّةً وت ُ ْ
َ عهدنا من مشايخنا وآبائنا أن
بركات رسول اهلل ـ ﷺ ـ في ِ ش��ك أنه كان َم ْظ َه َر
َّ لهذه البالد ،وال
السندية.
الديار ِّ
7ـ قال عنه ش��يخ المنقول والمعقول ،الش��يخ عبدالس��تار
الس��عيدي ،ش��يخ الحديث بجامعة النظامي��ة الرضوية بالهور:
الس َكنْدَري ـ رحمه اهلل ـ كان أستاذَ األساتذة، الش��يخ عبدالرحيم ِّ
حراً،
وجامعاً للعلوم النقليَّ��ة والعقليَّة ،وكان عالماً منف��رداً ومُتَبَ ِّ
قرن باس��تقام ٍة و َوقار .وقد أكثر من نصف ٍ خدمَ اإلس�لام وأهلَه َ
ص َّو ِر والمعنوي ،ومن ال ُمال َحظ ق ح ّظاً وافراً من ال ُ
ح ْس�� ِن ال ُم َ ُر ِز َ
ص َرفَ ك َّل وقتِه إلىف��ي حياته أنه لم يُ ِض ْع لمحةً من عُمره ،ب��ل َ
خدمة اإلس�لام والمسلمين .رحمه اهللُ تعالى وإيَّانا ،وجعل قِ َراه
الْجن َّ َة ،وجزاه َعنَّا وعن المسلمين َ
أوفر جزاء.
8ـ وقال عنه األس��تاذ الدكتور عبدالغني الشيخ ،عميد كلية
الس��ند :كان الشيخ ـ رحمه اهلل ـ كثير اإلصالح، اآلداب بجامعة ِّ
ص��دُوق اللس��ان ،قلي�� َل الزَّلَل ،وق��وراً صبوراً ،يُ ِح ُّ
��ب في اهلل، َ
ض في اهلل ،وكان آي ًة من آيات اهلل في ال ِعلْ ِم والعمل في هذا ويُبْ ِغ ُ
العصر ـ رحمه اهللُ تعالى.
46ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إتحاف السري
9ـ قال عنه تلمي ُذهُ وش��قي ُقه األس��تاذ الدكت��ور /موالبخش
الس��ندي :كان أخ��ي وأس��تاذي الش��يخ عبدالرحيم الس�� َكنْدَري ِّ
ِّ
أقوم طرق االستقامة، ضال ِء وقته َّ
كالشامة ،صار في ِ الس َكنْدَري بين ف ُ َ
ِّ
فعل الخي��ر ،وتح ُّفزه له ،مع ِ
عدم خوضه فيما ال من حرصه على ِ
يعنيه ،والندم على الوقت الَّذي فِي غير العلم يمضيه.
رأيت منه أم��راً مخالِفاً
ُ كنت ق��د الزمتُه منذ طفولت��ي ،وما ُ
ت عَنهُ على األَل ْ ُسن الصادقة الكرامات الخارقة،
للشريعة ،و ُح ِكيَ ْ
كنت ِم َّمن َش��اهد بَع َ
ْضها ،ولكنه ـ رحمه اهلل ـ كان يكتُ ُمها أش َّد َو ُ
الكتمان ،وكان قد َح َّر َم على نفسه أن يُثْنَى على شخصه ،ويُتَ َف َّوهَ
الفخ��ر وال ُ
خيَالءُ .رحمه اهلل تعالى، ُ ٍ
بكلمات يظهر فيها ف��ي ح ِّق ِه
وغفر له ،ونفعنا ببركاته.
10ـ قال عنه المفتي األعظم بباكس��تان البروفيس��ور الشيخ
منيب الرحمن ،رئي��س دار العلوم النعيمية ،كراتش��ي :قد ت ُ ُوف ِّ َي
الس َكنْدَري، ُ
واعظ اإلس�لام الش��هير العلاَّ مة المفتي عبدالرحيم ِّ
خدمات جليلةٌ في نش�� ِر
ٌ الس��ند وعال ُمها ،وقد كان له مفتي بالد ِّ
اإلسالم ودعوته .ووفاتُه خسارةٌ كبيرةٌ للمسلمين ،وفجعةٌ عظيمةٌ
فسيح جنَّاتِه.
َ لنا جميعاً .تغ َّم َدهُ اهلل ِ
بواس ِع مغ ِف َرتِه ،وأسكنَهُ
بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 47
١١ـ قال عنه العالمة المربي المفس��ر الش��يخ محمد إدريس
الداهري النقش��بندي السندي :موالنا الش��يخ المفتي عبد الرحيم
الس��كندري ،عرفتُ��ه منذ ش��بابه ،واس��تمرت صداقتي ب��ه إلى أن
توفي رحم��ه اهلل تعالى .فمما رأيتُه والحظتُه في حياته وش��خصه
الكريم أنه كان متصفاً بصفة االس��تقامة ـ الت��ي هي فوق الكرامة ـ
في أعلى مراتبها ،وتمسك بها ،واشتهر بها إلى آخر لحظات حياته،
رحمه اهلل تعالى ونفعني به في الدارين.
معاص ِريه؛ م��ن الفقها ِء،
ِ هذه بع��ض ال َك ِل َمات ال َع ِط َ
��رة من
خ ِصه وال ُم ْسنِ ِدي َن ،إن دلَّت فإنَّما تد ُّل على غزي ِر علمه ،وشهرة َش ْ
بين المشايخ .رحمه اهلل رحمةً واسعة.
الفصل التاسع
وح ُب ّه ل�لكتب
مَكْتَبَتُه ُ ُ
وكنت أحا ُر في ُ وق��د كانت تلك عادتَه من ُذ بداية طفولت��ي،
تيقنت شيئاً فشيئاً أنه فِ ْعالً
ُ أمر ِه ،وأظنُّه يبال ِ ُغ أو يتكلَّف ذاك ،حتى
كان يتكلَّ�� ُم عن أع ِّز ش��ي ٍء عنده في الوج��ود إذا تحدث ،وأكرم
شي ٍء عليه إذا تف َّكر وتدبر.
كثير م َّما ال يُو َجد عند غيره
2ـ كان لديه من الكتب النفيس��ة ٌ
السندية.
من العلماء في الديار ِّ
نفائس الكتب،
ِ 3ـ كا َن ـ رحمه اهلل ـ ع ِظي َم اإلنفاقِ على شراء
حتى إذا سافر خارج مدينته ،أو ق َ ِد َم إلى الحرمين الشريفين ،كان
وكنت في
ُ ُ��ب ويمنحها ألحبابِ��ه هدايا دون ثم��ن، يش��تري ال ُكت َ
األمر ،فصار قدوةً َ ْت
بالضيق من ذلك ،حتى ا ْعتَد ُِ أش��عر
ُ ص َغريِ
ح ْس�� ِن تربيته ـ؛ ال أَتَلَ َّذ ُذ بنعي ٍم أعظ َم
لي في هذا ـ بفضل اهلل ،ثم ب ُ
القريب والبعيد.ُ من نعي ِم إهدا ِء الكتب؛ لينتفع بها
4ـ كان ل��ه ق ُ ْد َرةٌ عجيب��ةٌ على المطالعة؛ فق��د كا َن يُ َرى في
وإش��ارات،
ٌ عالمات له،
ٌ ألف مجل ٍد ،وعليها
مكتبته ُزهاءُ ثالثين َ
وعبارات ،وقلَّما نَجِ ُد كتاباً في خزانته ليس عليه قراءةٌ ،أو ٌ
نظر في ٌ
فتح اهللُ ب ِه علي ِه من الن ِّ ِ
كات يكتب فيه ك َّل ما َ
ُ أي ف ٍّن كان؛ فقد كان
ِّ
ِ
واإلشارات العلميَّة الدقيقة.
بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 51
علي
يشرح لي تلك المسألة ،ويُ ْملي َّ ُ وكنت أسم ُع مَ ْن
ُ اإلشكال.
أحفظ كلماتِ��ه ،وما زال صوتُه يت��ردَّدُ في أُذُني
َ ف��ي الرؤي��ا حتَّى
بضعةَ أيام .انتهى.
الس��ن ْ ِديَّة ـ عن أح ٍد
س��معت ـ في الديار ِّ
ُ 8ـ ل��م أ َر ُّ
قط ،وال
اس��تَ ْوفَى
قط إال ْكتاب ٌُّ أكثر من��ه؛ فإنَّهُ لم يقع بيده
ُب َ أح��ب ال ُكت َ
َّ
ض ُع الكتب الجديدة في الخزانات قراءته ،كائناً ما كان .وكان ال يَ َ
إلاَّ بعد أن يَ ْش��بَ َع من قراءتها ،وكانت ت ُ َ
وض ُع بجوار س��ريره على
المكتب.
اش��تُ ِه َر عنه قولهَ :م ِن اشترى ال ُكتُب غالية الثمن ،وأنفق 9ـ ْ
عليها ،أبقى اهلل تعالى علماً ف��ي َخلَ ِفه ،وجعل ذُ ِّريَّتَهُ من العلماء
بفض ِله وكرمه.
ُب ويُ َع ِّظ ُم َها جِ �� ّداً؛ ومن مظاهر إجاللِه
10ـ كان يُجِ �� ُّل ال ُكت َ
للكتب أنه ما كان يج ِّو ُز ثَن ْ َي ورق الكتب أو ل َّفه ،وكان يرى ذلك
إهانةً للكتب ،ويقو ُل :نحن أُمرنا بتعظيمها ال بإهانتها.
فيض عل ِمه وش��غفه بالعل��م والكتب ،ولوِ غي��ض من
ٌ هذا
جلَّداً .رحمه اهلل تعالى ،ورضي
شرحت ت َ ْف ِصي َل ما أجملتُه لكان ُم َ
ُ
أتعب َم ْن َجاءَ ب َ ْعدَه!!
َ فسيح جناته ،لقد
َ عنه ،وأسكنه
بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 53
الفصل العاشر
خاصة
حياتُه ال َ ّ
في ُو ْس�� ِعها أن تقول :إنني لم أ ُكلَّف بخدم�� ِة تالم َذتِك ،ولكني
وينش ِر ُح صد ُرها لخدمتهم .انتهى. كنت أراها تتهلَّ ُل َُ
كنت أسمعها تقو ُل :هؤالء ضيوفُ رسول اهلل ـ ﷺ ـ
وكثيراً ما ُ
ووصيته؛ ففي خدمتهم الخير والبركة .رحمها اهلل تعالى وأس��كنها
فسيح جناته.
َ
ق الوال ُد منه��ا أربعةً من الذكور؛ ه��م :عبد النبي،
وق��د ُر ِز َ
ونور النبي ،وح ُّق النبي ،وفضل النبي ،وثالثاً من اإلناث؛ وكلهم
متزوجون.
الش��يخ س��خيّاً
ُ وفيم��ا يتعلَّ ُق باإلنفاق على األهل ،فقد كان
كريم��اً ،حتى إنه كان يُن ْ ِفق على كثي ٍر من أفراد أس��رته دون ٍ
طلب
منهم ،ويُ ْك ِرمُهم بالهدايا في المناسبات ،كال ِعي َديْ ِن وال َّز َواج.
خنا الوالد بتعلي ِمنا وتربيتنا كثيراً ،فرغ َم ما كا َن
وقد اهت َّم شي ُ
يُ ْظ ِه ُرهُ ـ أحياناً ـ م َن القسو ِة في التعامل مع أوالده ،إلاَّ أنه كان سهالً
خاصةٌ بأمور التعليم والتربية؛
َّ ليِّناً في كل حياتِه ،وكانت له عنايةٌ
فلم يكن ليتس��اه َل أبداً في هذا الجانب .وكان يردِّدُ كثيراً :أوالد
العلماء والمش��ايخ ال ب ُ َّد أن ينظروا إل��ى العلم باعتباره ميراثهم،
ويَ ْقنَعُون بأنه ال يكفيهم أنهم من ذُ ِّريَّة العلماء والمش��ايخ ،حتى
بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 55
يس��تحقوا التعظي َم ،والتبجي َل من الناس ،بل ال ب ُ َّد لهم إذا أرادوا
ذلك أن يسيروا على ُخ َطى آبائهم علماً وعمالً ،وإلاَّ فال.
درست على يدي ِه القرآن الكريم ،وكان يتف َّق ُد أحوال دراستي
ُ
إعراب
ِ ك َّل حين ،وكان يختبرني دون أن أش��عر! كان يتساءل عن
فكن��ت ِ
أقتح ُم ُ بع��ض اآليات وتوجيهه��ا النح��وي واإلعرابي؛
ِ
ِّش في كتب التفاس��ير ،ثم آتي ِه بالجواب ،فيناقِ ُشنِيالمكتبة ،وأفت ُ
كنت أتوق َّ ُع ،أنك َس��تَجِ ُد
بلطف ،ويقول :جزاك اهلل خيراً ،هذا ما ُ
ٍ
اإلجابة الصحيحة.
كثي��راً م��ا ُكنَّا نناقش ه��ذه األم��ور في رمض��ان بعد صالة
يوم س��ؤاالً ِم َن ال َق ْد ِر الذي كنا نقرأهُ
إلي ك َّل ٍ
التروايح؛ كان يو ِّجه َّ
في الصالة.
وقرأت علي��ه «الصحيحين» ،و«مش��كاة ُ س��معت منه
ُ وق��د
«الس��نَن األربع��ة» ،و«العقائد
ب ُّ وس��معت منه غال ِ َ
ُ المصابيح»،
النسفيَّة» ،و«كنز الدقائق» ،و«الهداية» ،وغير ذلك من الكتب.
ج��زاهُ اهلل خيراً على قد ِر اهتما ِمه بنا ،وتحبيبه العل َم والعم َل
إلينا؛ فلوال عنايتُه الخاصة بتربيتن��ا وتعليمنا ل ُكنَّا من الذين ض َّل
ح ِسنُو َن ُ
صنْعا. ح َسبُو َن أنهم يُ ْ
سعيهم في الحياة الدنيا ،وهم يَ ْ
56ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إتحاف السري
حادي عَشَر َ
الفصل ال َ
صفاتُه ومناق ِبُه
الس َكنْدَري
كان س��يدي الش��يخ العلاَّ مة المفتي عبدالرحيم ِّ
يحب من
ُّ نق��ي اللون ،وكان
َّ ـ رحم��ه اهلل تعالى ـ وضيءَ الوج ِه،
ٍ
إسراف ،لم اس أجملَه من غير األثواب أحسنها ،ويختار من اللِّبَ ِ
ِ
يض من الثياب ،ولم يتع َّمم عند لُبسها سوى يَلْبَس في حياته إلاَّ البِ َ
بالعمامة البيضاء ،وقد كان يقلِّده في مَلْبَ ِس��ه ومَ ْشيِه ومنهجِ ِه في
السند وفضالئها.
غفير من علماء بالد ِّ
إلقاء خطبه ودروسه ج ٌّم ٌ
ٍ
بصفات ولقد تميزت ش��خصيَّةُ شيخنا الراحل ـ رحمه اهلل ـ
ب مع الصبيان ومناق��ب عظيم ٍة منذ الصغر؛ فإنَّهُ لم يُ ْش�� َغل باللَّ ِع ِ
َ
ِ
الشغوف بطلب العلم، واش��تُ ِه َر بين أساتذتِه بالطالب
في قريتهْ ،
والباحث ال��دؤوب الذي ال يم ُّل من القراءة والكتابة ،وتحصيل
ونفس أبيَّة.
ٍ ال ِعلْم وتعليمه للناس به َّم ٍة عالية،
ٍ
بصف��ات فريدة، وإن ال ُمتَتَبِّ�� َع لس��يرته يج��د أن��ه كان يتميَّ ُز
بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 57
وخصائ��ص ت��كادُ تجعلُه وحي َد أقرانِ��ه ،ومن أب��رز صفاتِه :ق َّوةُ
َ
غريب األسئلة ونا ِد ِرها،
ِ البديهة ،وحضو ُر الذهن ،واإلجابةُ على
السند
ص في بالد ِّ ص ُ مع كثرة الحفظ ،وس��عة الرواية .وت ُ ْر َوى ال ِق َ
والخواص؛ حتى إن
ِّ ع��ن ق ُ َّوة بديهته ،وحضور ذهنه بين الع��وامِّ
صصاً ع��ن عق ِله الوقَّ��اد ،وأجوبته الحاضرة
العلم��اء يتناقلو َن قِ َ
السريعة.
َّ
اش��تُ ِه َر ب��ه بين أعدائِ��ه ،وال يُ ْم ِك ُن
أم��ا الزه�� ُد وال َو َر ُع فقد ْ
لمخالفه ـ مهما كانت درجة الخالف في العلم والفكر والمنهج ـ
أن يَتَّ ِه َمهُ في ُز ْه ِده و َو َر ِعه ،والح ُّق ما َش ِهدَت به األعداءُ.
بالحزم والصرام ِة في كثي ٍر من المواقف،
ِ وقد ُع ِرفَ ْ
واشتُ ِه َر
وكان م��ن نوادر العصر ،ونوابغ الرجال ف��ي قوة العزم ،والثبات
كثير الج ِّد فيما يعالجه من األمور ،بعيداً عن ال َهزْل
عل��ى المبدأَ ،
وسفاس��ف األش��يا ِء وخس��ائس األغراض ،حريصاً على خدمة ِ
أس��رته وأهل��ه وإخوانه ،وق��وراً مَ ِهيباً ،محافِظاً عل��ى الواجبات
الدينية ،والشعائ ِر اإلسالمية.
كان يُ ِعي ُن طلبةَ العلم في الملبَس والمأ َكل ،ويش��ف ُع ويسعَى
ِ
الوظائف والخدمات. التحصيل في
ِ لهم ب َ ْع َد فراغهم من
58ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إتحاف السري
إخالص
ٍ وخالص ُة القول أنه قد ُع ِرفَ عنه ِعلْ ُمه وذكا ُؤه ،مع
يبتغي به ال��دا َر اآلخرة ،بعيداً عن ع ََرض الحياة الدنيا .رحمه اهلل
تعالى رحم ًة واسعة.
الخاتمة
الصفحة الموضوع
تقديم 5 .............................................................
اسمه ونسبُه ومول ِ ُده 11 ................................
الفصل األولُ :
االفصل الثاني :نشأته وأسرته 14 ......................................
الفصل الثالث :طلبه للعلم وشيوخه 16 ...............................
الفصل الرابع :تال ِمي ُذه20 .............................................
الستَّة وسائر العلوم الشرعية 22 ...
أسانيده في الكتب ِّ
ُ الفصل الخامس:
الفصل السادس :آثاره العلمية 29 .....................................
الفصل السابع :مكانتُه العلمية ،وثناءُ العلماء عليه 36 .................
وحبُّه للكتب 48 ............................... ْ
الفصل التاسعَ :مكتَبَتُ ُه ُ
الخاصة53 .....................................
َّ الفصل العاشر :حياتُه
الحادي َعشَ ر :صفاتُه ومناقِبُه 56 ..............................
َ الفصل
َ
الثاني َع َش َر :وفات ُ ُه59 ..........................................
َ الفصل
الخاتمة 61 ...........................................................
فهرس المحتويات 63 ................................................