You are on page 1of 59

‫ ‪5‬‬

‫تقديم‬

‫أحم ُد اهللَ على نِعَمه التي جلَّت مواقِ ُع ِديَ ِمها‪ ،‬وع َّمت فوائ ُد‬
‫َك َر ِمها‪ ،‬وأشكر اهللَ الذي َح َك َم بالموت على عباده؛ إظهاراً لبدائع‬
‫وح َك ِمها‪.‬‬‫ق ُ ْد َرتِه ِ‬

‫وأش��هد أن ال إله إال اهلل وحده ال ش��ريك له‪ ،‬ش��هادةً يَ ْقتَ ِر ُن‬
‫خ ُرها‪ ،‬ويَن ْ َس�� ِد ُل على‬
‫ي��وم ف ْ‬
‫ٍ‬ ‫خلُ��ود ِذ ْك ُرها‪ ،‬ويتج�� َّددُ في ك ِّل‬ ‫بال ُ‬
‫هفوات اإلنسان ِست ُْرها‪ .‬وأشهد أن سيِّ َدنَا محمداً عبدُه ورسولُه‪،‬‬
‫محاسنه األعناق‪ ،‬وب َ َعثَهُ على حين فَت َْر ٍة من الرسل‬ ‫ِ‬ ‫الذي قلَّ َد ب ُد َر ِر‬
‫ُمتَ ِّمماً لمكارم األخالق‪ ،‬وجعل ش��مس َش�� ِري َعتِ ِه الغ��راء دائمةَ‬
‫اإلش��راق‪ ،‬صلى اهلل عليه وعلى آله وصحب��ه الذين ج َّملوا ب ِذ ْك ِر‬
‫مفاخ ِرهم اآلصا َل والبُ َكر‪ ،‬ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بوصف‬ ‫محاسنِ ِه ُم ِّ‬
‫الس��يَر‪ ،‬وذ َّهبُوا‬ ‫ِ‬
‫الكتب على أسماع األواخ ِر‬ ‫ُ‬ ‫ذكر األفاضل‪ ،‬وجلَت‬ ‫ت األقالمُ َ‬ ‫دَ َّون َ ِ‬
‫ِذ ْك َر األوائل‪ ،‬وسلَّم‪.‬‬
‫وبعدُ‪ :‬فهذه ترجمةٌ لش��يخي الوال ِد العالِم الجليل مُ ْفتِي بالد‬
‫‪  6‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫السكندري ـ رحمه‬ ‫ضل عبدالرحيم ِّ‬ ‫السند وفخ ِرها العلاَّ َم ِة أبي ال َف ْ‬ ‫ِّ‬
‫��ر مع ثَبَت شيخ مشايخنا المحدِّث‬ ‫اهلل تعالى ورضي عنه ـ‪ ،‬ستُن ْ َش ُ‬
‫عبدالح��ق ال َّدهْلَوي الهن��دي (ت ‪1057‬ه��ـ) ال ُم َس�� َّمى بـ« ِذ ْك ُر‬
‫يث»‪ ،‬وهو ثَبَ ٌ‬
‫ت مُ ِه ٌّم يُن ْ َش ُ‬
‫��ر‬ ‫ي��م َوال ْ َ‬
‫ح ِد ِ‬ ‫يث فِي ال ْ َق ِد ِ‬ ‫ات ال ْ َ‬
‫ح ِد ِ‬ ‫إِ َج��ا َز ِ‬
‫مرة عن ن ُ َس ٍخ نادرة‪.‬‬
‫أل َّو ِل َّ‬
‫ح َّق َق إلى الدار من ُذ م َّد ٍة طويلة‬ ‫ت الثَّبَ َ‬
‫ت ال ُم َ‬ ‫وقد كنت س��لَّ ْم ُ‬
‫ألس��باب يعلمها‬
‫ٍ‬ ‫ـ كما يَ ْظ َه ُر من تأريخ التقديم ـ‪ ،‬وتأ َّخر صدو ُره‬
‫خنا الوال��د ـ رحمه اهلل تعال��ى ـ هو الذي‬ ‫اهلل تعال��ى‪ ،‬وكان ش��ي ُ‬
‫ُ‬
‫المخطوط مفقوداً‬ ‫جعني على تحقيقه وإخراجه من�� ُذ أن كان‬ ‫ش�� َّ‬
‫ت على‬‫واستمر تشجيعُه وسؤالُه عنه حتى َوق َ ْف ُ‬ ‫َّ‬ ‫من سنة ‪2008‬م‪،‬‬
‫تحت‬
‫َ‬ ‫فعكفت على تحقيقه‬
‫ُ‬ ‫قريب‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫مخطوطات الكتاب من ُذ عه ٍد‬
‫ِ‬
‫إشرافه ومراجعته‪ ،‬حتى انتهى إلى هذه الصورة الالئقة‪ ،‬والحم ُد‬
‫ينتظر صدو َرهُ‪ ،‬ويس��ألُنِي عنه ك َّل‬
‫ُ‬ ‫هلل أ َّوالً ِ‬
‫وآخ��راً‪ .‬وكان وال��دي‬
‫حي ٍن‪ ،‬حتى التحق برفيق األعلى في ‪ 11‬من رجب ال ُم َر َّجب سنة‬
‫‪1439‬هـ‪ ،‬فإنا هلل وإنا إليه راجعون‪.‬‬
‫��ب األديب الدكتور‪/‬‬ ‫المح ِّ‬ ‫طلبت من الفاضل النبيل ِ‬ ‫ُ‬ ‫لذل��ك‬
‫أيام حتى أَف ْ ُر َغ من ترجم ِة َسيِّ ِدي‬ ‫صبِ َر بضعةَ ٍ‬ ‫إياد أحمد الغوج أن يَ ْ‬
‫ِ‬
‫مشايخنا‬ ‫صلْنَا بثَبَ ِ‬
‫ت ش��يخ‬ ‫بس��ن ِده وطري ِقه ات َّ َ‬
‫الش��يخ الوال ِ ِد‪ ،‬الذي َ‬
‫ِ‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪7‬‬
‫ي‪ ،‬ومؤلفاته األخرى؛ فوافق وأ َّخ َر طباعة‬ ‫العالم ِة عبدالح ِّق ال َّدهْلَ ِو ِّ‬
‫الثَّبَت؛ حتى يتس��نَّى لي أن أُل ْ ِح َق رسالةً مو َج َزةً في ترجمة َسيِّ ِدي‬
‫ي‪ ،‬رحمه اهلل تعالى‪.‬‬ ‫الس َكن ْ َد ِر ِّ‬
‫الوال ِد العلاَّ م ِة المفتي عبدالرحيم ِّ‬
‫وج��زى اهللُ خيراً أخانا الدكتور‪ /‬إي��اد أحمد الغوج‪ ،‬وبارك‬
‫فيه على ُج ْه ِده في نشر العلم والمعرفة‪.‬‬
‫وقد َكثُ َرت دواعي تأليف هذه الرسالة ب َ ْع َد وفاة شيخنا الوالد‬
‫ـ رحمه اهلل تعالى ـ؛ ومن أه ِّمها‪:‬‬
‫باإلحس��ان إل��ى الوالدين‪ ،‬وحثَّنَا‬
‫ِ‬ ‫‪1‬ـ أ َّن اهللَ تعال��ى قد أمرنا‬
‫باب البر واإلحسان إليهما‪،‬‬ ‫على بِ ِّرهما؛ وهذه الترجمةُ تدخل في ِ‬
‫ظ على‬ ‫حافِ َ‬ ‫خاصةً إذا كان ُ‬
‫األب من العلماء؛ فلزامٌ على االبن أن يُ َ‬ ‫َّ‬
‫وينشر آثا َره‪.‬‬
‫َ‬ ‫تراث أبيه‪،‬‬
‫حدِّث‬
‫ت الش��يخ ال ُم َ‬ ‫‪2‬ـ م��ا لهذه الترجم�� ِة من صل ٍة قويَّ ٍة بثَبَ ِ‬
‫ظ بهذا الثَّبَت‪ ،‬وتزي ُد الحاجةُ‬ ‫عبدالح ِّق ال َّدهْلَوي؛ فينبغي أ ْن يُ ْ‬
‫حتَ َف َ‬
‫ص َل س��ندُهم بهذا الكتاب عن‬ ‫إليه وتتج َّددُ مع كثرة عدد الذين ات َّ َ‬
‫ص ُل‬ ‫شيخنا الوالد‪ ،‬وانتمائهم إلى بُلْد ٍ‬
‫َان َشتَّى؛ فك ُّل َم ْن يَ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫طريق ِ‬
‫على نسخة هذا الثَّبَت‪ ،‬سي َّط ِل ُع على ترجم ِة ُمجِ ي ِزه ويعرف أخبا َره‬
‫وآثا َره ـ رحمه اهلل ـ‪.‬‬
‫‪  8‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫شك أ َّن دراسة تراجم العلماء األعالم واألئمة الكرام‪،‬‬ ‫‪3‬ـ ال َّ‬
‫في زم ٍن ع َّز فيه العلماء العاملون‪ ،‬تُع ِّوض شيئاً من النقص‪ ،‬وتَجبُ ُر‬
‫ش��يئاً من هذا الفقر‪ .‬كان الش��يخ ـ رحمه اهلل ـ نموذجاً فريداً من‬
‫العلماء العاملين‪.‬‬
‫ت لمجرد المدح أو اإلطراء لشخصه‬ ‫‪4‬ـ أن هذه الرسالة ما أُل ِّ َف ْ‬
‫َ‬
‫صلَةُ البُن ُ َّوة وحسب؛ بل لِيَ ْق َرأ ِس َ‬
‫يرتَهُ‬ ‫رحمه اهلل‪ ،‬أو ألنه تربطني به ِ‬
‫يعاص ْره‪ ،‬فيَع ِرفَ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫محاسنَهُ مَ ْن لم‬ ‫مَن لم يُعايِ ْن صو َرتَهُ‪ ،‬ويش��اه َد‬
‫ويتمس َ‬
‫��ك‬ ‫َّ‬ ‫منصبَ��ه ومرتبَتَه‪ ،‬فيَجِ �� َّد في الطلب؛ ليَلْ َ‬
‫ح َق بأمثالهم‪،‬‬
‫بهديهم‪.‬‬
‫حب االبن ألبيه وال َول َ ِه‬
‫ومع هذا فالرسالةُ ال تخلو من مظاهر ِّ‬
‫حاولت ـ ق َ ْد َر المس��تطاع ـ أن أبتعد عن المبالغ ِة‬
‫ُ‬ ‫بذ ْك�� ِره‪ ،‬ولكنِّي‬
‫ف‬ ‫واجتنبت التكلُّ َ‬
‫ُ‬ ‫ووصفت الواقِ َع م��ن حياة والدي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫واإلطراء‪،‬‬
‫في تضخيم األح��داث العادية إلضفاء ال َغراب��ة عليها‪ .‬ولوال أنَّهُ‬
‫ألطنبت في ذكره‪ ،‬و ُع َّد ذلك من المبالغة عند مَ ْن لم يَ َّط ِل ْع‬ ‫ُ‬ ‫والدي‬
‫على حياته‪ ،‬ووفَّيْتُهُ م َن الوصف ح َّق ق َ ْد ِره‪ ،‬ولكن َك َفاهُ ما أُثْبِتُهُ له‬
‫سيمر بالقارئ في هذه الرسالة‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫في هذه الترجمة‪ ،‬وما‬
‫واش��تملت ه��ذه الترجمةُ عل��ى مقدِّمة‪ ،‬وع��دة فصول‪ ،‬ثم‬
‫خاتمة‪.‬‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪9‬‬
‫ودواعي تأليفها‪،‬‬
‫َ‬ ‫بينت موضو َع هذه الرسالة‪،‬‬
‫المقدمة‪ :‬وفيها ُ‬
‫وأهميَّتَها‪ ،‬وتس ِميَتَها‪ ،‬وفصولَها‪.‬‬
‫أما فصولُها‪ ،‬فجاءت على الن َّ َسق اآلتي‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اس ُمه ونسبُه ومولِدُه‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬نشأتُه وأسرتُه‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬طلبُه للعلم ُ‬
‫وشيُو ُخه‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تال ِمي ُذه‪.‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬أس��انيدُه في ال ُكتُب الستَّة‪ ،‬وسائ ِر العلوم‬
‫الشرعيَّة‪.‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬آثا ُره العلمية‪.‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬مكانتُه العلمية‪ ،‬وثناءُ العلما ِء عليه‪.‬‬
‫الفصل الثامن‪َ :‬م ْكتَبَتُ ُه و ُحبُّه لل ُكتُب‪.‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬حياتُه الخاصة‪.‬‬
‫ص َفاتُه ومناقِبُه‪.‬‬
‫الفصل العاشر‪ِ :‬‬
‫الفصل الحادي عشر‪ :‬وفاتُه‪.‬‬
‫تلخيص لما س��بق‪ ،‬وتوصي��ةٌ ألبنائه‬
‫ٌ‬ ‫أم��ا الخاتم��ةُ‪ :‬ففيه��ا‬
‫وتالميذه‪.‬‬
‫‪  10‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫ي بترجم ِة العلاَّ َم ِة‬ ‫ت هذه الترجمةَ بـ«إتحافُ َّ‬


‫الس ِر ّ‬ ‫وقد َس َّميْ ُ‬
‫ي ـ رحمه اهلل ـ»‪ ،‬وأسأ ُل اهلل تبارك‬ ‫الس�� َكن ْ َد ِر ّ‬
‫المفتي عبدالرحيم ِّ‬
‫وتعال��ى أن يتقبَّ�� َل خدمت��ي و ُج ْه��دي الذي ه��و ُج ْه�� ُد ال ُم ِق ِّل‪،‬‬
‫مجيب الدعوات‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫قريب‬
‫ٌ‬ ‫ويجعلَ ُهما في ميزان حسناتي‪ ،‬إنه سمي ٌع‬
‫حبِه أ َ ْج َم ِعين‪.‬‬ ‫وصلى اهلل على َسيِّ ِدنَا وموالنا مح َّم ٍد وآل ِه َ‬
‫وص ْ‬

‫الس َكن ْ َد ِر ُّ‬


‫ي األزهري‬ ‫كتبه أبو البركات ح ُّق النبي ِّ‬
‫رئيس دار العلوم ِصبْ َغة ال ُهدَى‪،‬‬
‫شاهفور جاكر‪ ،‬السند‪ ،‬باكستان‬
‫‪ 1‬من رمضان المبارك سنة ‪1439‬هـ‪.‬‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪11‬‬

‫الفصل الأول‬
‫اسمُه ونسبُه ومولِدُه‬

‫اسمه ونسبه‪:‬‬

‫ُ‬
‫الشيخ أبو‬ ‫هو العالِـ ُم العلاَّ مة‪ ،‬الفقيهُ األعظم‪ُ ،‬م ْفتِي ِّ‬
‫الس��نْد‪،‬‬
‫حراب خان بن ق��ادر داد((( بن مولى‬ ‫الر ِحيم ب��ن ِم ْ‬
‫ض��ل عب ُد َّ‬ ‫ال َف ْ‬ ‫‪ ‬‬

‫ي مُ ْعتَ َقداً‪،‬‬
‫الحنفي مذهب��اً‪ ،‬الـ َمات ُ ِري ِد ُّ‬
‫ُّ‬ ‫دي موطناً‪،‬‬ ‫خش(((‪ِّ ،‬‬
‫الس��ن ْ ُّ‬ ‫بَ ْ‬
‫بالس َكن ْ َد ِري؛ نسبةً إلى َشيْ ِخه ِس َكنْدَر‬ ‫القادري طريقةً‪ ،‬المش��هو ُر ِّ‬
‫ُّ‬
‫علي‪.‬‬

‫والدتُه‪:‬‬

‫«س��يبانُو‬ ‫ُول ِ َد ـ رحمه اهلل تعالى ـ َ‬


‫وقت أذان الفجر‪ ،‬في قرية ِ‬
‫الس��نْد‪ ،‬ي��وم ال ُ‬
‫ج ُمعة‪،‬‬ ‫خ��ان»‪ ،‬التابعة لمركز خير فور من إقليم ِّ‬

‫(( ( (داد) كلمة فارسية معناها‪ :‬عطاء‪ ،‬فهو عطاء القادر‪.‬‬


‫(( ( (بخش) َك ِل َم ٌة فارسية معناها أيضاً‪ :‬العطاء‪ ،‬فهو عطاء المولى‪.‬‬
‫‪  12‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫في الس��ابع والعشري َن من شهر رمضان المع َّظم‪ ،‬سنةَ ‪1363‬هـ‪،‬‬


‫الموافِق الرابع عشر من شهر سبتمبر سنة ‪1944‬م(((‪.‬‬

‫ُكنْيَتُهُ‪ ،‬ورؤيا عَجِ يبة‪:‬‬

‫ض ِل من‬ ‫ب ت َ ْكنِيَةُ ِ‬
‫أهل ال َف ْ‬ ‫ِم َن المعلوم لدى العلماء أنه يُ ْستَ َ‬
‫ح ُّ‬
‫ُ‬
‫الشيخ‬ ‫الرجال والنساء‪ ،‬سواءٌ أكان له ول ٌد أم لم يكن‪ .‬وقد تكنَّى‬
‫الس�� َكنْدري بـ«أبي الفضل»‪ْ ،‬‬
‫واش��تُ ِه َر بهذه‬ ‫العالم��ة عبدالرحيم ِّ‬
‫ال ُكنْيَة‪.‬‬

‫ق أ ْن أَعْ�� ِرفَ َم ِن ال��ذي كنَّاه به��ذه الكنية ِم ْن‬ ‫وكن��ت أش��تا ُ‬


‫ُ‬
‫إلي أَجِ ن ْ َدتَ��ه (مُ َذ ِّكراتِه)‪،‬‬
‫مش��ايخه؛ فس��ألتُه يوماً عن ذلك‪ ،‬ف َ َق َّدمَ َّ‬
‫وفرحت بما َكتَبُهُ‪ ،‬وهو اآلتي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫وطالعتُها‬

‫ت كثيراً أ ْن أختار لنفسي‬ ‫(‪ 14‬فبراير من السنة ‪1970‬م) ف َ َّك ْر ُ‬


‫أستش��ير َش��يْ ِخ َي‬
‫َ‬ ‫��ب‪ ،‬فوقع اختياري على أ ْن‬ ‫من ال ُكنْيَ ِة ما ت َ َ‬
‫ناس َ‬
‫وقررت أ ْن أس��أل َ ُه في‬
‫ُ‬ ‫العلاَّ مة تقدُّس علي خان الهندي الحنفي‪،‬‬
‫(صبْ َغة ال ُهدَى)‪،‬‬ ‫فنمت َ‬
‫تلك الليلة في المدرس��ة ِ‬ ‫ُ‬ ‫أ َّو ِل لق��ا ٍء معه‪،‬‬

‫ح ْح‪ ،‬وال يُ ْعتَ َم ْد على غير‬ ‫غير ذلك فَلْيُ َ‬


‫ص َّ‬ ‫(( ( قد ُكتِ َ‬
‫ب ون ُ ِش َر عن تاريخ َم ْولِده ُ‬
‫ب في هذه الرسالة‪.‬‬ ‫ما ُكتِ َ‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪13‬‬
‫آت في الرؤيا وقال‪ُ :‬كنْيَتُك أبو الفضل ال غير‪ ،‬فأكتب بعد‬
‫وأتاني ٍ‬
‫اليوم ُكنْيَتي «أبو الفضل» إن شاء اهللُ تعالى‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫فكنيةُ الش��يخ كانت ِهبَةً و َه ِديَّة ربانية‪ ،‬ال اختياراً ش��خصيّاً؛‬
‫ذلك فضل اهلل يُ ْؤتِي ِه من يَ َشاءُ واهلل ذو الفضل العظيم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪  14‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫الفصل الثاني‬
‫نشأته وأسرته‬

‫الس�� َكنْدَري في بيت ِعلْ ٍم‬ ‫نش��أ الش��يخ العلاَّ مة عبد الرحيم ِّ‬
‫السند مَ ْش ُهو َرةٌ بال ِعلْ ِم والصالح‪.‬‬
‫وصالح وفِ ْقه؛ فعائلتُه في بالد ِّ‬
‫ٍ‬
‫الشيخ محراب خان معروفاً بالعلم والزهد‪ ،‬وكان‬‫ُ‬ ‫كان والِدُه‬
‫ب َع ْق ٍل ورزانة‪ ،‬لم ينهض من تلك األس��رة‬ ‫ِ‬
‫صاح َ‬ ‫ع��ادالً حازماً‪،‬‬
‫أح ٌد مثلُ��ه في العقل والتدبير‪ .‬وكان مَ ْش�� ُكو َر الس��يرة في ف َ ْ‬
‫ص ِل‬
‫القضايا والم ِه َّمات‪ .‬وكذلك َجدُّه الش��يخ قادر داد خان كان من‬
‫حاء المعروفين بين العلماء والمشايخ‪.‬‬ ‫الصلَ َ‬
‫ُّ‬
‫وكان وال ُد جدِّه الشيخ موال بخش ـ عميد األسرة ـ مشهوراً‬
‫بالصدق واألمانة‪ ،‬م��ع متانة الدِّيانة‪ ،‬و َكثْ َرة التَّ َعبُّد‪ ،‬والمحاس��ن‬
‫الناس مثلَه!‬
‫ِ‬ ‫الج َّمة‪ ،‬ق َّل أَن ترى العُيو ُن في‬
‫الس�� َكنْدَري معروفةٌ‬
‫فأس��رة الش��يخ العالم��ة عبدالرحي��م ِّ‬
‫والخ��واص بالعلم والص�لاح‪ ،‬وت ُ َع ُّد من‬
‫ِّ‬ ‫ومش��هورةٌ بين العوا ِّم‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪15‬‬

‫األ ُ َسر التي ت َ ْ‬


‫ح َظى بمكان ٍة مرموق ٍة في بالدها‪ ،‬و ُر ِزقَت ح ّظاً وافراً‬
‫من الوجاه ِة‪ ،‬و ُح ْسن القبول والكلمة النافذة في األمور الدنيوية‪،‬‬
‫والمسائل الشرعية‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪  16‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫الفصل الثالث‬
‫طلبه للعلم وشيوخه‬

‫الس�� َكنْدري ِّ‬


‫السن ْ ِدي‬ ‫بدأ س��يدي الوالد العالمة عبدالرحيم ِّ‬
‫ف��ي طلب العلم في قري��ة «موالبخش» ـ قرية منس��وبة إلى وال ِد‬
‫حيث تل َّقى بها مبادئ اللغة ِّ‬
‫الس��ندية‬ ‫ُ‬ ‫جدِّه الش��يخ موالبخش ـ‪،‬‬
‫والفارسية‪ ،‬وأت َّم المرحلة االبتدائية سنة ‪1954‬م‪.‬‬
‫ومن أس��اتذته في تلك المرحلة‪ :‬األستاذ الحاج لعل بخش‬
‫خان خاصخيلي‪ ،‬الحاج مير محمد‪ ،‬ربذنو ش��يخ‪ ،‬األستاذ غالم‬
‫علي ُكبَ ْر‪ ،‬األس��تاذ جمال الدين‪ ،‬ووالده الش��يخ الحاج محراب‬
‫خان ـ رحمهم اهلل أجمعين ـ‪.‬‬
‫القرآن الكريم على ي ِد‬
‫ِ‬ ‫وقد أت َّم في تلك السنوات أيضاً قراءةَ‬
‫ِ‬
‫الحافظ قادر بخش الفنجابي ـ رحمه اهلل ـ‪.‬‬ ‫الشيخ الصالح‬
‫ث��م ارتح��ل لطل��ب العلم إل��ى الخانق��اه الراش��دية بمدينة‬
‫بتش��جيع من َجدِّه الشيخ قادر داد خان ـ رحمه اهلل ـ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫(بيركوت)‪،‬‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪17‬‬

‫فتتلمذ على علما ِء عصـره في مختلف العلوم الشـرعية واللُّغوية‪،‬‬


‫الكبير في نبوغه فيها‪ ،‬وبالخصوص‬
‫ُ‬ ‫األثر‬
‫وقد كان لهذه المشيخة ُ‬
‫في عُلوم الفقه والحديث‪ ،‬وعلوم اآلل ِة‪ ،‬وس��وف نذكر فيما يأتي‬
‫أشهر َم ْن تَلَ َّقى عنهم والزمهم‪ ،‬وتخرج على أيديهم‪ ،‬من العلماء‬
‫َ‬
‫ُّ‬
‫والشيوخ في ذلك العصر‪.‬‬

‫ولْيُعْلَ�� ْم أن��ه كان��ت بداية التحاقه بالجامعة الراش��دية س��نة‬


‫ٍ‬
‫مكان غيرها حتى التخرج‪.‬‬ ‫‪1957‬م‪ ،‬فَلَ ِز َم َها ولم يَ ْ‬
‫خ ُرج منها إلى‬

‫شيوخه‪:‬‬

‫ح ِّق��ق ال ُم َدقِّق‪،‬‬
‫‪1‬ـ الفقي��ه األعظم‪ ،‬العلاَّ م��ة األصولي‪ ،‬ال ُم َ‬
‫مفتى باكس��تان األعظم محمد صاحبداد خان بن خميس��و خان‬
‫حن َ ِف ُّي (‪.)1385-1316‬‬
‫السنْدي‪ ،‬ال َ‬
‫الجمالي‪ِّ ،‬‬
‫‪2‬ـ العالم الجليل الشيخ العالمة عبد الصمد بن عبد اهلل ميتلو(((‬

‫السنْدي‪ ،‬النقشبندي‪ ،‬الحنفي (ولد ‪ 1337‬تقريباً ـ ‪.)1393‬‬


‫ِّ‬
‫‪3‬ـ الش��يخ الصالح المجاهد‪ ،‬األديب األريب أستاذ العلماء‬

‫(( ( (ميتلو) اسم قبيلة ِسن ْ ِديَّة‪ ،‬تق ُطن نواحي مدينة (الركانه)‪.‬‬
‫‪  18‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫محم��د صال��ح ابن ِمياً ج��ي((( مص��ري((( ِّ‬


‫الس��نْدي‪ ،‬القادري‪،‬‬
‫الحنفي (‪.)1396-1331‬‬
‫‪4‬ـ الفقيه ال ُم ْسنِد‪ ،‬شيخ الحديث‪ ،‬العالمة تقدّس على خان‬
‫الس��نْدي‪ ،‬الحنفي‬
‫ابن س��ردار ولي خ��ان القادري البريلوي‪ ،‬ثم ِّ‬
‫(‪.)1408-1325‬‬
‫خش ب��ن اهلل ِدنُو((( بن كريم ِدنُو‬
‫‪5‬ـ والش��يخ العالمة كريم ب َ ْ‬
‫الحنفي (‪.)1408=1988‬‬ ‫ُّ‬ ‫السنْدي‪ ،‬الن َّ ْق َشبَن ْ ِد ُّ‬
‫ي‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫‪6‬ـ جا ِم��ع المعق��ول والمنق��ول؛ العلاَّ مة المعقولي الس��يد‬
‫النقشبندي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الحنفي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ي‪،‬‬ ‫الشريف حسين إمام أختر((( ِّ‬
‫السن ْ ِد ُّ‬
‫الشيخ مُ َّدةً مديدة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫خه في التخرج‪ ،‬وقد الزمهم‬ ‫هؤالء مشاي ُ‬
‫وتخ��ر َج عل��ى أيديه��م‪ ،‬وحصل عل��ى إج��ازة (إذن) التدريس‬‫َّ‬
‫ج ُمعة الس��ابع والعش��رين من ش��هر رجب‬ ‫والفتوى منهم يوم ال ُ‬
‫س��نة ‪1386‬هـ‪ ،‬الموافق الحادي عشر من نوفمبر سنة ‪1966‬م‪،‬‬

‫(( ( (مياً جي)‪ :‬ل َ َقب يُ ْطلَ ُق في بالد ِّ‬


‫السنْد على األسر العلمية‪ ،‬ومعناه‪ :‬السيد‪،‬‬
‫أو الشيخ‪ ،‬وأحياناً يقولون‪ِ ( :‬مياً) فقط‪.‬‬
‫السنْد معناها‪ :‬السكر‪.‬‬ ‫(( ( (مصري) بلغة ِّ‬
‫السن ْ ِديَّة معناها‪ :‬عطاء‪ ،‬فهو عطاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫(( ( (دنو) بلغة ِّ‬
‫(( ( (أختر) كلمة فارسية معناها‪ :‬النجم‪.‬‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪19‬‬
‫والسند ـ في ج ٍّم غفير‬
‫طريق مش��ايخ بالد الهند ِّ‬
‫ِ‬ ‫و ُع ِّمم ـ حس��ب‬
‫من مشايخ باكستان‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪  20‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫الفصل الرابع‬
‫تلام ِيذ ُه‬

‫الس َكنْدري السندي‬


‫كان سيدي الش��يخ العالمة عبدالرحيم ِّ‬
‫مش��غوالً بالتدريس طوال حيات��ه ـ مع كثرة أس��فاره ـ‪ ،‬وكان قد‬
‫اقتص��ر في آخر حيات��ه على تدري��س «الصحيحي��ن» مع بحث‬
‫وتدقيق‪.‬‬
‫كثير في فنون عديدة‪ ،‬و َكثُ َر عددُ تالمذته‬‫وق��د انتفع به خل ٌق ٌ‬
‫وأكثر َم ِن اس��تفاد منه ون َ َه َل من علومه‬
‫ُ‬ ‫الذين انتش��روا في البالد‪،‬‬
‫جانب‬
‫ٍ‬ ‫ص في‬ ‫وتأثَّر بشخصيته هم إخوانه وأبناؤه‪ ،‬ك ٌّل منهم َّ‬
‫تخص َ‬
‫ْ‬
‫واشتُ ِه َر به‪.‬‬
‫ِ‬
‫بش��يخنا الوال ِد ـ رحم��ه اهلل تعالى ـ خلقاً كثيراً‪،‬‬ ‫وقد نفع اهلل‬
‫��ر َج على يده جمعاً م��ن العلماء والمش��ايخ‪ ،‬ونبغت بتربيته‬ ‫و َخ َّ‬
‫الخير‬
‫َ‬ ‫جماعةٌ من أهل التربية واإلرشاد‪ ،‬وأ َ ْج َرى اهلل على أيديه ُم‬
‫الس��ن ِد خصوصاً‪ ،‬وغيرها بوج ٍه عامٍّ‪ ،‬في نش��ر العلوم‬ ‫الكثير في ِّ‬
‫َ‬
‫الدينية‪ ،‬وتصحيح العقائد‪ ،‬وتربية النفوس‪ ،‬والدعوة واإلصالح‪.‬‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪21‬‬

‫ونظراً لتعدد المواد العلمية التي كان يُ َد ِّر ُسها الشيخ ـ رحمه‬
‫مجاالت نبوغهم؛ فكما‬
‫ُ‬ ‫اتجاهات تال ِم َذتِه‪ ،‬وتن َّوعَت‬
‫ُ‬ ‫اهلل ـ تع َّددَت‬
‫نَبَ َغ منه ُم ال ُم ْسنِدُون والفقهاء واألصوليون‪ ،‬نبغ منهم المؤرخون‬
‫بعض من تالمذته‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫واللغويون‪ ،‬وفيما يأتي‬

‫‪1‬ـ أخ��وه الش��قيق العالِـم الجليل األس��تاذ الدكت��ور الفقيه‬


‫الس َكنْدري‪.‬‬
‫الشيخ‪ /‬موالبخش ِّ‬
‫الس َكنْدري‪،‬‬
‫‪2‬ـ أخوه الش��قيق األستاذ الدكتور‪ /‬نذر حسين ِّ‬
‫ص في التصوف والتربية‪.‬‬
‫ص ٌ‬ ‫ُمتَ َ‬
‫خ ِّ‬
‫ص في‬
‫ص ٌ‬ ‫الس�� َكنْدري‪ُ ،‬متَ َ‬
‫خ ِّ‬ ‫‪3‬ـ ابنه الش��يخ الفقيه نور النبي ِّ‬
‫الفقه وعُلُوم اآللة‪.‬‬

‫‪4‬ـ ه��ذا العب��د الفقي��ر (الدكتور‪ /‬أب��و البركات ح�� ُّق النبي‬
‫السندي)‪.‬‬‫الس َكنْدَري ِّ‬
‫ِّ‬
‫وغي��ر ذلك م��ن الفضالء؛ منه��م‪ :‬الدكتور محمد يوس��ف‬
‫الس َكنْدَري‪ ،‬والشيخ شاه محمد‬
‫الس َكنْدري‪ ،‬والشيخ إمداد علي ِّ‬
‫ِّ‬
‫الس َكنْدَري‪ ،‬والشيخ عثمان خان‬
‫الس َكنْدَري‪ ،‬والشيخ ُغالم علي ِّ‬
‫ِّ‬
‫النوري (عضو البرلمان سابقاً) وغيرهم‪.‬‬
‫‪  22‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫الفصل الخامس‬
‫ِ‬
‫س َت ّة وسائر العلوم الشرعية‬
‫أسانيدُه في ا�لكتب ال ّ‬

‫ش��يخه الفقي ِه األَف ْ َ‬


‫خ ِم‬ ‫ِ‬ ‫كان َس��يِّ ِدي الوالِد يعتمد على س��ن ِد‬
‫الس��ندي‬ ‫العالم الجلي��ل ال ُم ْفتِي محمد صاحبداد خان الجمالي ِّ‬
‫في س��ائر العلوم الشرعية؛ وذلك حس��ب الوصية التي تَلَ َّقاها من‬
‫شيخ مشايخهم محدِّث الهند بال ُمنا ِزع‪ ،‬وأستاذ األساتذة العلاَّ مة‬
‫المحدِّث عبدالحق ال َّدهْلَ ِوي (‪1057‬هـ)‪ ،‬والتي يقول فيها‪ :‬واعلم‬
‫جئِي س��يدي الشيخ‬
‫وصاني ش��يخي وموالي ومالذي ومل َ‬ ‫أنَّه قد َّ‬
‫ِ‬
‫وبركات علومه‪،‬‬ ‫المكي ـ ن َ َف َعنَ��ا اهللُ ببركاته‬
‫ُّ‬ ‫عب��د الوهاب ال ُمتَّقي‬
‫وجزاه عن اإلسالم والمسلمين خير الجزاء ـ بأنَّه ينبغي لل ُم َ‬
‫حدِّث‬
‫أ ْن يختا َر لِن َ ْف ِس��ه ِم َن األس��انيد التي حصلت له من المشايخ سنداً‬
‫واحداً ويحفظه؛ لِيَت َِّص َل به إلى َس��يِّ ِد المرس��لين‪َ ،‬‬
‫وسنَد األولين‬
‫واآلخري��ن ـ ﷺ ـ‪ ،‬وتع��ود بركتُ��ه إل��ى حاله في الدني��ا والدين؛‬
‫البخاري‪ ،‬وآ َخ َر ِم َن‬
‫ِّ‬ ‫فاخترت لوصية الشيخ َسنَداً ِم ْن طريق اإلمام‬
‫ُ‬
‫واكتفيت بهما؛ ففيهما البَ َرك ُة والخير باليقين‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اإلمام ُم ْسلم‪،‬‬
‫ِ‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪23‬‬

‫سلسلة سند العالمة المفتي عبد الرحيم‬


‫السكندري رحمه اهلل‬
‫إلى الشيخ المحقق المحدث عبدالحق الدهلوي‬

‫يروي ش��يخنا العالمة الفقيه المفتي عبد الرحيم السكندري‬


‫كت��ب الحديث الش��ريف وغيرها ع��ن مفتي باكس��تان األعظم‬
‫محم��د صاحبداد خان بن خميس��و خان الجمال��ي‪ ،‬عن محمد‬
‫قاس��م بن محمد هاشم الكرهي ياسيني‪ ،‬عن والده محمد هاشم‬
‫الكرهي ياس��يني‪ ،‬عن نور محمد بن ِميًا غ�لام محمد الفاروقي‬
‫الشهدادكوتي‪ ،‬عن الخليفة محمد يعقوب الهمايوني‪ ،‬عن أستاذ‬
‫الكل عبد الحليم ال َكن ْ َد ِوي‪ِّ ،‬‬
‫السنْدي الحنفي‪ ،‬عن السيد الشريف‬
‫محمد عاقل‪ ،‬عن المخدوم نور محمد؛ المشهور بمحدِّث محمد‬
‫ج ِوي‪ ،‬عن قُل أحمد‪ ،‬عن أبيه عبد اهلل اللبيب بن عبد الحكيم‬
‫العَا ِري َ‬
‫الس��يَال ْ ُكوتي‪ ،‬ع��ن والده العالمة عبد الحكيم بن ش��مس الدين‬‫ِ‬
‫السيَال ْ ُكوتي‪ ،‬عن محدِّث الهند عبد الحق بن سيف اهلل ال ِّدهْلَوي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ِّ‬
‫وقال(((‪:‬‬

‫(( ( أي‪ :‬الشيخ عبدالحق الدهلوي‪.‬‬


‫‪  24‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫سند صحيح البخاري‬


‫الولي الـ ُم ْقتَدى عبد الوهاب بن ّ‬
‫ولي اهلل المتقي‬ ‫ّ‬ ‫َح َّدثَنا الشيخ‬
‫خنا اإلمام العال��م العارف باهلل علي بن‬ ‫الحنفي‪ ،‬قال‪َ :‬ح َّدثَنا ش��ي ُ‬
‫حس��ام الدِّين الـ ُمتَّقي‪ ،‬قال‪َ :‬ح َّدثَنا الشيخ اإلمام الحافظ العارف‬
‫َّيمي‬ ‫باهلل أبو الحسن محمد بن محمد بن عبد الرحمن ال ُق َر ّ‬
‫شي الت ّ‬
‫األنصاري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ري‪ ،‬قال‪َ :‬ح َّدثَنا الشيخ اإلمام الح َّ‬
‫جة زكريا‬ ‫البَ ْك ّ‬
‫أخبرنا الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر العسقالني‪.‬‬
‫َّقي‪ ،‬قال‪َ :‬ح َّدثَنا‬
‫(ح) و َح َّدثَنا الش��يخ اإلمام عبد الوهاب الـ ُمت ّ‬
‫الشافعي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫األزهري‬
‫ّ‬ ‫الشيخ اإلمام الـ ُم ْس��نِد ّ‬
‫علي بن أحمد الجناني‬
‫قال‪َ :‬ح َّدثَنا ش��يخ اإلسالم عبد الرحمن جالل الدين األسيوطي‪،‬‬
‫قال(((‪َ :‬ح َّدثَنا الش��يخ اإلمام الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر‬
‫العسقالني المصري‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو محمد عبد اهلل بن محمد بن‬
‫رضي الدِّين أبو‬
‫ّ‬ ‫كي‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا العالمة‬ ‫ُس��لَيمان النَّيساب ُ ّ‬
‫وري الـ َم ّ‬
‫ري‪ ،‬قال‪:‬أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن‬
‫‪ ‬‬

‫أحمد إبراهيم بن محمد ال َّطبَ ّ‬


‫مي‪ ،‬قال‪َ :‬ح َّدثَنا أبو الحس��ن عل��ي بن ُح َميد بن عمار‬ ‫ابن أبي َح َر ّ‬
‫رابلس��ي‪ ،‬قال‪َ :‬ح َّدثَنا أبو مكتوم عيسى ابن الحافظ أبي ذر عن‬ ‫ّ‬ ‫ال َّط‬
‫السرخسي‪،‬‬
‫أبيه‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا أبو محمد عبد اهلل بن أحمد الحموي َّ‬

‫(( ( رواية السيوطي عن ابن حجر بالعامة إن لم تكن خاصة‪ ،‬فتنبه‪.‬‬


‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪25‬‬
‫قال‪ :‬أخبرنا أبو عبد اهلل محمد بن يوس��ف بن َم َط��ر ال َف َربْري‪ ،‬قال‬
‫أخبرنا أبو عبد اهلل محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬قال‪َ :‬ح َّدثَنا المكي‬
‫بن إبراهيم‪ ،‬قال‪َ :‬ح َّدثَنا يزيد بن أبي عبيد‪ ،‬عن س��لمة بن األكوع‪،‬‬
‫س��معت رس��و َل اهلل ـ ﷺ ـ يق��ول‪« :‬مَ ْن يَ ُق ْل عَلَ َّي مَ��ا ل َ ْم أَق ُ ْل‬ ‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫فَلْيَتَبَ َّوأ ْمَ ْق َع َدهُ ِم َن النَّا ِر»‪.‬‬

‫سند «صحيح مسلم»‬


‫ق��ال العبد الـ ِم ْس��كين عبد الحق بن س��يف الدي��ن‪َ :‬ح َّدثَنا‬
‫خنا علي الـ ُمتَّقي ‪،‬‬‫ش��يخنا عبد الوهاب الـ ُمتَّقي‪ ،‬قال‪َ :‬ح َّدثَنا شي ُ‬
‫عن الشيخ أبي الحسن البَ ْكري‪ ،‬عن شيخ اإلسالم يحي بن زكريا‬
‫األنص��اري‪ ،‬قال‪َ :‬ح َّدثَنا ش��يخنا ختم المحدثي��ن الحافظ اإلمام‬
‫الحجة شهاب الدين أحمد ابن حجر العسقالني ثم المصري‪.‬‬
‫(ح) َح َّدثَنا الش��يخ عبد الوهاب المتقي‪ ،‬قال‪َ :‬ح َّدثَنا الشيخ‬
‫علي بن أحمد الجناني األزهري‪ ،‬قال‪َ :‬ح َّدثَنا الشيخ اإلمام أحمد‬
‫القس��طالني(((‪ ،‬عن الحافظ ابن حجر‪ ،‬أنا أبو محمد عبد اهلل بن‬
‫يسابوري‪ ،‬أنا أبو الفضل ُسلَيمان بن حمزة الـ َم ْق ّ‬
‫دسي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫محمد الن َّ‬
‫أنا أبو الحسن علي بن الحسن ابن الـ ُم َقيَّر‪ ،‬أنا الحافظ أبو ال َف ْ‬
‫ضل‬

‫(( ( هو صاحب المواهب اللدنية‪.‬‬


‫‪  26‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫محمد بن ناصر الس�لامي‪ ،‬أنا الحافظ أبو القاس��م عبد الرحمن‬


‫ب��ن َمنْده‪ ،‬أنا الحافظ أبو بك��ر((( محمد بن عبد اهلل بن محمد بن‬
‫يسابوري‪ ،‬أنا الشيخ‬
‫ّ‬ ‫الجوزقي‪ ،‬أنا أبو الحسن المكي بن عبدان الن َّ‬
‫يسابوري‪ ،‬ثنا محمد بن‬
‫ّ‬ ‫اإلمام أبو الحس��ن مسلم بن الحجاج الن َّ‬
‫قال‪:‬سمعت‬
‫ُ‬ ‫مثنى وابن بشار قاال‪ :‬ثنا محمد بن جعفر‪ ،‬ثنا شعبة‪،‬‬
‫ث َم ْن‬ ‫قتادة يحدث عن أنس‪ ،‬قال‪ :‬قال رس��ول اهلل ـ ﷺ ـ‪« :‬ثَلاَ ٌ‬
‫ب ال ْ َم ْرءَ لاَ يُ ِحبُّ ُه إِلاَّ هلل‪،‬‬ ‫ان‪َ :‬م ْن َكا َن يُ ِح ُّ‬ ‫ُك َّن فِي ِه َو َج�� َد َط ْع َم الإْ ِي َم ِ‬
‫ب إِلَيْ ِه ِم َّما ِس َوا ُه َما‪َ ،‬و َم ْن َكا َن أ َ ْن يُلْ َقى‬ ‫َو َم ْن َكا َن اهللُ َو َر ُس��ول ُ ُه أ َ َح َّ‬
‫ب إِلَيْ ِه ِم ْن أ َ ْن يَ ْرجِ َع فِي ال ْ ُك ْف ِر ب َ ْع َد أ َ ْن أَن ْ َق َذهُ اهللُ ِمن ْ ُه»‪.‬‬
‫فِي النَّا ِر أ َ َح َّ‬
‫وللش��يخ المحقق المح��دث عبدالحق الدهل��وي إجازات‬
‫كثيرة من عدة مش��ايخ أجالء‪ ،‬لكنه كان يذكر هذا السند ويعتمد‬
‫عليه‪ .‬وله إجازات وطرق أخرى ـ ذكرها في ثبته المسمى بـ«ذكر‬
‫إجازات الحديث في القديم والحديث»((( ـ ومن مش��ايخه أيضا‬
‫هؤالء األعالم‪:‬‬

‫(( ( في (ج)‪ :‬ابن أبي بكر‪.‬‬


‫(( ( من رام التفصيل واالطالع على باقي اإلجازات واألس��انيد فليطلع على‬
‫ذل��ك الثبت‪،‬صدر في دارالفتح األردن على نس��خ نفيس��ة‪،‬بتحقيق هذا‬
‫العبد الفقير سنة ‪2017‬م‪.‬‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪27‬‬
‫‪1‬ـ الشيخ محمد البنوفري المالكي المصري (ت ‪998‬هـ)‪.‬‬
‫‪2‬ـ الشيخ وجيه الدين العَلَوي ال ُك ْ‬
‫جراتي (ت ‪998‬هـ)‪.‬‬
‫‪3‬ـ الشيخ علي بن عسى البجلي القادري (ت ‪999‬هـ)‪.‬‬
‫الحرم المدني (ت ‪1001‬هـ)‪.‬‬
‫‪4‬ـ الشيخ أحمد بن محمد أبو َ‬
‫‪5‬ـ الشيخ محمد البَ ْهنَسي (ت ‪1001‬هـ)‪.‬‬
‫‪6‬ـ الشيخ موسى ابن الشيخ حامد األ ُ ِّجي الكيالني القادري‬
‫(ت‪1001‬هـ)‪.‬‬
‫‪7‬ـ الش��يخ َح ِمي ُد الدين ابن القاضي عبداهلل ِّ‬
‫السنْدي المكي‬
‫(ت‪1009‬هـ)‪.‬‬
‫‪8‬ـ القاض��ي علي بن ج��ار اهلل القرش��ي المخزومي المكي‬
‫(ت‪1010‬هـ)‪.‬‬
‫‪9‬ـ الشيخ زين العابدين بن محمد البكري (ت‪ 1013‬هـ)‪.‬‬
‫الس َم ْرقَندي المدني‪.‬‬
‫‪10‬ـ الشيخ جعفر َّ‬
‫‪11‬ـ الشيخ حبيب اهلل الشيرازي ثم البغدادي المصري‪.‬‬
‫‪12‬ـ الشيخ عبدالوهاب بن فتح اهلل البروجي‪.‬‬
‫‪13‬ـ الشيخ محمد قضاعي المصري‪.‬‬
‫‪14‬ـ الشيخ حاجي ن َ َظ ْر البَ َد ْخشي‪.‬رحمهم اهلل أجمعين‪.‬‬
‫‪  28‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫والسنْد فتتصل بها‬


‫وأما الطرق األخرى الشهيرة في بالد الهند ِّ‬
‫أسانيدُه وإجازاته‪ ،‬وهي ُمت ََش ِّعبَ ٌة و ُمت َِّصلَ ٌة بالمشايخ المشهورين في‬
‫الرائج‬
‫ِ‬ ‫بمؤسس المنهج الدراسي‬‫ِّ‬ ‫صالُه‬ ‫هذه البالد؛ ومن أهمها‪ :‬ات ِّ َ‬
‫صاحب العلوم والفنون‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الشيخ اإلمام العالِـم الكبير‪،‬‬
‫ِ‬ ‫في بالد الهند‬
‫ُ‬
‫نظام الدين بن‬
‫بالربْع المس��كون‪ ،‬أستاذ األس��اتذة‪ ،‬الشيخ ِ‬
‫‪ ‬‬

‫العالِـم َّ‬
‫الس��هالوي ثم اللكهنوي‬
‫ِّ‬ ‫األنصاري‬
‫ِّ‬ ‫قطب الدين ب��ن عبد الحليم‬
‫تفرد بعُلومه‪ ،‬وأخذ لواءَها بيده‪.‬‬
‫(ت‪1161‬هـ)‪ ،‬الذي َّ‬
‫وبالش��اه ولي اهلل ال َّدهْلَوي (ت ‪1176‬هـ)‪ ،‬وبشيخ اإلسالم‬
‫السن ْ ِدي الحنفي (ت ‪1174‬هـ)‪ ،‬وبالشيخ المحدِّث‬ ‫محمد هاشم ِّ‬
‫السن ْ ِدي األنصاري ال َم َدنِي (ت ‪1257‬هـ)‪ ،‬وبالشيخ‬
‫محمد عابد ِّ‬
‫اإلم��ام الفقي��ه أحمد رضا خ��ان الهندي الحنف��ي‪ ،‬وغيرهم من‬
‫األعالم ـ رحمهم اهلل أ َ ْج َم ِعي َن ـ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪29‬‬

‫الفصل السادس‬
‫آثاره العلمية‬

‫الس َكنْدَري‬
‫ت ُ َع ُّد حياة والدي الشيخ العلاَّ مة المفتي عبدالرحيم ِّ‬
‫سلسلةً من الكفاح والس��عي الد ُؤوب في نشر العلم‪ ،‬واالن ْ ِكباب‬
‫على الدرس والتحصيل‪ ،‬فقد ج َّد واجتهد‪ ،‬حتى أصبح من األعالم‬
‫صفحات مُ ْش�� ِرقَةً في تاريخ اإلسالم والمسلمين‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫جلُوا‬
‫الذين س َّ‬
‫ويظهر ذلك من خالل الن ُّ َكت اآلتية‪:‬‬
‫«صبْ َغة ال ُهدَى»‪:‬‬
‫‪1‬ـ تأسيس دار العلوم ِ‬

‫السن ْ ِدي مآثِ َر‬‫الس َكنْدَري ِّ‬


‫ترك الشيخ أبو الفضل عبدالرحيم ِّ‬
‫بتدريس‬
‫ِ‬ ‫علميَّةً في حياته؛ من أهمها وأفخمها مدرسة دينية تهت ُّم‬
‫العلوم الشرعية‪.‬‬
‫سبع‬
‫أسسها في مدينة شاهفور جاكر‪ ،‬السند‪ ،‬باكستان‪ ،‬سنة ٍ‬ ‫َّ‬
‫«صبْ َغة ال ُهدَى»‪،‬‬
‫وثمانين وثالث مئة وألف (‪1387‬هـ)‪ ،‬س َّماها ِ‬
‫��س مجمعاً علميّاً للتأليف والنشر‪ ،‬س َّماه «مطبوعات صدى‬
‫وأس َ‬
‫َّ‬
‫‪  30‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫الوطن»(((‪ ،‬بشاهفور جاكر كذلك‪.‬‬


‫ُ‬
‫الش��يخ في إنشاء هذه الجامعة‪ ،‬وأخذ على عاتقه‬ ‫وقد نجح‬
‫إع��داد مناهجه��ا‪ ،‬وتوفي��ر ما يحتاج��ه طلبة العلم م��ن الكتب‪،‬‬
‫والطعام‪ ،‬والملبس‪.‬‬
‫ِ‬ ‫والس َكن‪،‬‬
‫َّ‬
‫«صبْ َغة الهدى» بدراسة العلوم الشرعية؛‬ ‫ْ‬
‫واشتُ ِه َرت مدرستُه ِ‬
‫ب العلم من أنحاء باكستان للدراسة فيها‪.‬‬‫فقصدها طُلاَّ ُ‬
‫كان الش��يخ في بداية أمره يتولَّى التدريس بنفس��ه‪ ،‬ويد ِّرس‬
‫ُ��ب المتداولة؛ م�� َن النحو‪ ،‬والصرف‪ ،‬والمن ْ ِط��ق‪ ،‬والبالغة‪،‬‬ ‫ال ُكت َ‬
‫والفلس��فة‪ ،‬وال ِف ْقه‪ ،‬واألص��ول‪ ،‬وعُلُوم التفس��ير‪ ،‬وعلم الكالم‪،‬‬
‫والحديث وفنونه‪ ،‬وكان يد ِّرس من الصباح إلى العش��اء ِ‬
‫اآلخ َرة‪،‬‬
‫جماعات من فضالء تالميذه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ت على يديه‬ ‫ليالً ونهاراً‪ ،‬حتى ت َ َ‬
‫خ َّر َج ْ‬
‫فعاونوه في مهمة التدريس‪ ،‬وساعدوه في أمور التعليم‪.‬‬
‫الس��ن ْ ِديَّة؛‬
‫ت ُ ْعتَبَ ُر هذه المدرس��ةُ من أهم المدارس في الديار ِّ‬
‫الحنفي‬
‫ِّ‬ ‫خاصةً في دراسة الفقه‬ ‫فهي تتميَّز بدراس��تها ومناهجها‪َّ ،‬‬
‫ت بها‬ ‫ح َق ْ‬ ‫يسها‪ ،‬الْتَ َ‬
‫وأصوله‪ .‬ونظراً إلى ش��هرة هذه المدرسة و َرئِ ِ‬
‫الس��ند وقُراه��ا‪ ،‬وأصبحت تابعةً لها في‬ ‫ع�� َّدةُ أفرع في مُد ُِن بالد ِّ‬
‫طريق ِة التعليم والمناهج‪.‬‬

‫‪(1) SADA E WATAN PUBLICATIONS.‬‬


‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪31‬‬
‫بنفسه االختبارات السنويَّة‬‫وكان س��يدي ـ رحمه اهلل ـ يتولَّى ِ‬
‫جباء تالميذه نِيابةً عنه ـ‪،‬‬‫لتل��ك المدارس ـ أو يتولاَّ ها واح ٌد من ن ُ َ‬
‫ج َح‬‫للنهوض بمستوى التعليم‪ ،‬وقد ن َ َ‬
‫ِ‬ ‫ويراقب األمور الدراس��ية؛‬
‫ُ‬
‫حوظاً‪.‬‬ ‫في ذلك نجاحاً َملْ ُ‬
‫الراحل على ما قدَّم للمس��لمين من‬ ‫جزى اهلل خيراً ش��ي َ‬
‫خنا َّ‬
‫ٍ‬
‫خدمات جليلة‪ ،‬ومنها هذه الجامعة العريقة‪.‬‬
‫‪2‬ـ بناء مدارس تحفيظ القرآن الكريم‪:‬‬
‫كثيرا‬
‫أسس ً‬ ‫من أه ِّم المآثر العلمية للش��يخ ـ رحمه اهلل ـ أنه َّ‬
‫ى كثير ٍة‪ ،‬ومناط َق بعيد ٍة‪،‬‬‫قر ً‬
‫من مدارس تحفيظ القرآن الكريم في َ‬
‫أساس��ي إلى تحسي ِن قراءة‬
‫ٍّ‬ ‫بش��كل‬
‫ٍ‬ ‫المدارس تهدفُ‬
‫ُ‬ ‫وكانت هذه‬
‫ض ُهم‪ ،‬وواجباتِهم؛‬
‫الناس فرائِ َ‬
‫ُ‬ ‫القرآن الكريم‪ ،‬وتعليم م��ا يُ ِقي ُم به‬
‫الصال ِة‪ ،‬والصوم‪ ،‬والزكاة‪.‬‬‫من َّ‬
‫وكان الش��يخ ينتخ��ب واح��داً م��ن ُع َم��دا ِء القري��ة رئيس��اً‬
‫للمدرس��ة‪ ،‬أو َم ْن يَتَبَ َّر ُع لتح ُّمل تكاليفها‪ ،‬ويُ َعيِّ ُن ِم ْن تالمذته َم ْن‬
‫فرائضهم وواجباتِهم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫تحفيظ القرآن‪ ،‬وتعلي َم الناس‬ ‫َ‬ ‫يتولَّى‬
‫ٍ‬
‫أهم آثارها‬ ‫وق�د نجحت هذه املدارس يف ُق َر ًى كثرية‪ ،‬وكان من ِّ‬
‫�م ِك رَ ِب س�نِّهم‪ ،‬وتع َّل ُموا هبا‬ ‫َ‬
‫القرآن هبا َر ْغ َ‬ ‫أن كثير ًا م�ن الناس َق َ�ر ُأوا‬
‫‪  32‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫وهدَ ى‬‫احلالل من احلرام‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫مس�ائل الصالة والصوم والزكاة‪ ،‬و َع َر ُفوا‬ ‫َ‬
‫اهللُ تعاىل هبا ُأنَاس� ًا كانوا كاألنعا ِم بل ه�م َأ َض ُّل؛ فجدَّ ُدوا هَ‬
‫إيامنم باهلل‬
‫سبحانه‪ ،‬وو َّف َق ُه ُم اهلل للصيا ِم والقيام‪ ،‬وألزمهم ك َِل َم َة ال َّت ْق َوى‪.‬‬
‫‪3‬ـ بناء المساجد‪:‬‬
‫ومنها أنه ـ رحمه اهلل ـ ب َ َذ َل األموا َل الطائلةَ في بناء المساجد؛‬
‫خاصةً في مناطق الصحراء‬ ‫السنْد‪َّ ،‬‬
‫أرض ِّ‬
‫ِ‬ ‫فبنى مس��اجِ َد كثيرةً في‬
‫على ُحدُود الهند‪ ،‬باإلضاف ِة إلى تعمي ِر المساجِ د القديمة‪ ،‬و َجع ِْل‬
‫��ر ٍج وغير‬‫وس ُ‬ ‫الروات��ب لألئمة والمؤذنين‪ ،‬واألرزاق من ب ُ ُس ٍ‬
‫��ط ُ‬ ‫ِ‬
‫ذلك للمساجد‪.‬‬
‫ب��ل األعجب من ذلك أن عددَ مدارس تحفيظ القرآن الكريم‬
‫ب‬‫والمساجد الشريفة تجاو َز المئات‪ ،‬لكنَّه ـ رحمه اهلل ـ لم يَ ُكن يُ ِح ُّ‬
‫وضع اس ُمه في لوحة االفتتاح ـ كما جرت عادةُ عوامِّ المسلمين‬ ‫أن يُ َ‬
‫وخواصهم في باكستان ـ على ُجدْران المساجد‪ ،‬أو المدارس‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫ومن ال ُمالحظ في حياة الشيخ ـ رحمه اهلل ـ أنه ف َ َع َل ك َّل هذا‬
‫اعتم��اداً عل��ى ُج ْه ِده وتو ُّك ِله‪ ،‬ولم يكن لدي ِه م��ن المال ما يَ ْك ِفي‬
‫يحث المسلمين على‬ ‫ُّ‬ ‫لكل هذه المشروعات الدينية‪ ،‬ولكنه كان‬
‫اإلنفاقِ على هذه المشاريع تَبَ ُّرعاً‪ ،‬ولم يقبل في حياته فِلْساً لنفسه؛‬
‫ب��ل ك ُّل م��ا كان يأتيه من األموال كان يُن ْ َف�� ُق على تلك المدارس‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪33‬‬
‫حصل ـ م��ن األموال الكثيرة في‬
‫وعلى هذه المس��اجد‪ .‬وكل ما َّ‬
‫حياته ـ أ َ ْوق َ َف ُه على طلبة العلم‪ .‬رحمه اهلل تعالى ورفع درجاته‪.‬‬
‫‪4‬ـ مؤل َّ َفاتُه‪:‬‬
‫الس َكنْدَري ـ رحمه اهلل ـ‬
‫كان الشيخ الوالد العلاَّ مة عبدالرحيم ِّ‬
‫كثير المطالعة‪ ،‬واس��ع االطالع‪ ،‬له قَلَ ٌم س��يَّال‪،‬‬
‫ح��راً؛ َ‬‫عالم��اً ُمتَبَ ِّ‬
‫وس��جِ ٌّل حافِ ٌل بالتألي��ف‪ ،‬رغم تعدُّد نش��اطاته وكثرتها‪ ،‬فكانت‬
‫السن ْ ِدية‪،‬‬
‫مؤلفاتُه متنوعةَ األغراض‪ ،‬واسعةَ النطاق‪ ،‬مكتوبةً باللغة ِّ‬
‫غفير من المسلمين‪.‬‬
‫وقد انتفع بها ج ٌّم ٌ‬
‫ومن ِض ْم ِن هذه المؤلفات الكثيرة‪:‬‬
‫الصدِّي ِقين»‪ ،‬للشيخ محمد‬
‫‪1‬ـ تحقيق ودراسة تفسير «هداية ِّ‬
‫الس��نْدي‪ ،‬الحنف��ي (‪ُ ،)994-905‬طبِ َع في‬
‫صديق نورنك زاده ِّ‬
‫السنْدية‪.‬‬
‫مجلدين باللغة ِّ‬
‫‪2‬ـ «صحبة الصالحين» في التصوف‪.‬‬
‫‪3‬ـ «مجموع الفتاوى»‪ ،‬ويحوي عشرة آالف فَتْوى‪.‬‬
‫ف‬‫الس�� َكنْدَري»‪ ،‬وهو مؤل َّ ٌ‬
‫الس�� َكنْدَري» و«س ُّد ِّ‬
‫‪4‬ـ «س��يف ِّ‬
‫َح�� َوى دفاع��اً علميّاً عن عقائد أهل الس��نة والجماع��ة‪ ،‬وقضايا‬
‫التصوف‪.‬‬
‫‪  34‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫‪5‬ـ «الشيعة»‪ :‬مؤل َّ ٌ‬


‫ف في بيان عقائدهم الفاسدة‪ ،‬والردِّ عليها‪.‬‬
‫‪6‬ـ «التحقيق المختار في أفضليَّة صاحب المصطفى بالغار»‪:‬‬
‫خ ٌم يق ُع في مجلدين‪ ،‬يعم ُل على تنس��يقه وترتيبه العب ُد‬ ‫ض ْ‬
‫كتاب َ‬
‫ٌ‬
‫ف مثلُه في بالد ِّ‬
‫الس��ند‪،‬‬ ‫خ ُر به‪ ،‬ل��م يُؤَل َّ ْ‬ ‫الفقي��ر‪ ،‬وه��و مؤل َّ ٌ‬
‫ف يُ ْفتَ َ‬
‫وقد رتَّبَهُ الش��يخ ـ رحمه اهلل ـ على ع َّد ِة أبواب‪ ،‬وظهر فيه نُبُو ُغه‬
‫ومهارتُه في الفقه‪ ،‬واألصول‪ُّ ،‬‬
‫والسنة النبويَّة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫س��ؤال‬ ‫آخ ِره ُجزْءاً يش��تمل على َ‬
‫أكثر من مئة‬ ‫وقد أَل ْ َ‬
‫ح َق في ِ‬
‫من أسئلة الشيعة اإلمامية المتعلِّقة بعقيد ِة أهل السنة والجماعة؛‬
‫ف َ َفنَّدَه��ا ـ رحم��ه اهلل ـ باألدل��ة العقلية والنقلية‪ ،‬ول��م يُبْ ِق مجاالً‬
‫لل ُم ْعتَ ِر ِضي َن والمش ِّك ِكي َن‪.‬‬
‫ظ تلك األس��ئلة مع األجوبة يَ ْس ُه ُل‬ ‫كان يقول عنها‪ :‬مَ ْن َح ِف َ‬
‫ض مَ ْذ َهبِ ِهم حس��ب‬‫علي��ه ردُّ مذه��ب الش��يعة‪ ،‬ويقدر عل��ى ن َ ْق ِ‬
‫ض وباطل‪.‬‬ ‫أُصولِهم‪ ،‬ويظهر له أ َّن مذهبهم مُتَنَاقِ ٌ‬
‫كتاب مُ ْشتَ ِم ٌل على مسائل الصالة‪،‬‬‫‪7‬ـ «تحفة المؤمنين»‪ :‬وهو ٌ‬
‫الشيخ بأ ُ ْسلُ ٍ‬
‫وب َس ْه ٍل‪ ،‬يُ ِفي ُد عامَّة المسلمين‪ .‬وقد ْ‬
‫اشتُ ِه َر هذا‬ ‫ُ‬ ‫أل َّ َفهُ‬
‫السند‪ ،‬و ُطبِ َع منه ـ وما زال يُ ْطبَ ُع حتى اآلن ـ‬
‫الكتاب وانْت ََش َر في بالد ِّ‬
‫ُ‬
‫أكثر من مليون نسخة‪ ،‬وق ُ ِّر َر في المدارس الدينية‪.‬‬
‫ُ‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪35‬‬

‫السنَّة على ُعنُق صاحب البدعة»‪.‬‬


‫‪8‬ـ «سيف ُّ‬
‫‪9‬ـ «ق ُ َّرةُ ال َعيْنَيْ ِن في إثبات إيمان األَب َ َويْ ِن ال َك ِري َميْ ِن»(((‪.‬‬
‫يح اإلِفك عن مسألة الفدك»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫«توض ُ‬ ‫‪10‬ـ‬

‫وكل هذه المؤل َّ َفات باللغة ِّ‬


‫السنْدية‪.‬‬
‫مختص ٌر على صحيح البخاري» باللغة‬ ‫َ‬ ‫‪11‬ـ «حاشيةٌ وتعلي ٌق‬
‫العربي��ة‪ ،‬أتمها وتر َك مُ َس�� َّودَةً لها قُبَيْ َل وفات��ه‪ ،‬وكان أخبرني عن‬
‫وأنشره‪.‬‬
‫َ‬ ‫الكتاب وتهذيبه‪ ،‬حتى أتولَّى َ‬
‫أمر ذلك‬ ‫ِ‬ ‫ترتيب‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫النبي ـ ﷺ ـ‪.‬‬
‫َي ِّ‬ ‫أي والِد ِ‬
‫(( ( ْ‬
‫(( ( ف��دك‪ :‬قريةٌ‪ ‬بخيبر‪ ،‬وقيل بناحي��ة الحجاز‪ ،‬فيها عين ونخ��ل‪ ،‬أفاءها اهلل‬
‫وكان‪ ‬علي‪ ‬والعبَّ��اس‪ ‬ـ عليهما الس�لام ـ يتنازعانها‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫عل��ى نبي��ه ـ ﷺ ـ‪،‬‬
‫فذكر‪ ‬عل��ي‪ ‬ـ رضي اهلل عنه ـ أ َّن‬
‫ٌّ‬ ‫وس��لَّمها‪ ‬عمر‪ ‬ـ رضي اهلل عنه ـ إليهما‪،‬‬
‫بي ـ ﷺ ـ كان جعلها في حياته لفاطمة‪ ‬ـ رضي اهلل عنها ـ وول َ ِدها‪ ،‬وأبى‬ ‫الن َّ َّ‬
‫اس‪ ‬ذلك‪ .‬لسان العرب‪ ،‬فدك‪.‬‬ ‫العبَّ ُ‬
‫‪  36‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫الفصل السابع‬
‫مكانتُه العلمية‪ ،‬وثناء ُ العلماء عليه‬

‫* قَـبُولُه ُ‬
‫وش ْه َرتُه في بلده‪:‬‬

‫الس�� َكن ْ ِدري ِّ‬


‫الس��ن ْ ِدي ـ‬ ‫اش��تُ ِه َر العالمةُ الش��يخ عبدالرحيم ِّ‬‫ْ‬
‫رحمه اهلل ـ في بلده ش��هرةً عظيمة‪ ،‬وبلغ مبلغاً لم يبلُ ْغه أح ٌد من‬
‫ق قَبُوالً حس��ناً لم يُ ْر َزقْهُ أح ٌد من المش��ايخ في‬
‫المعاصرين‪ ،‬و ُر ِز َ‬
‫عصره‪.‬‬
‫السند ـ من أهل السنة والجماعة ـ ينظرون‬ ‫وكان جمي ُع أهل ِّ‬
‫باحترام ويُجِ لُّون َ ُه؛ لعلمه ورجاحة عقله‪ ،‬و ِكبَ ِر نفسه‪ ،‬ورزانته‬
‫ٍ‬ ‫إليه‬
‫كبي��ر المنزلة‪ ،‬عظي َم الج��اه عند جميع‬
‫َ‬ ‫��ي ُم َوقَّراً‪،‬‬
‫ونزاهت��ه‪ ،‬وب َ ِق َ‬
‫الطبقات ـ على اختالف أنوا ِعها ـ من العوا ِّم والعلماء‪.‬‬ ‫ِ‬

‫��رأَبَّت إليه‬ ‫جالً‪ ،‬مالت إلي��ه القلوب‪ْ ،‬‬


‫واش َ‬ ‫مكرم��اً مُبَ َّ‬
‫ع��اش َّ‬
‫ألقاب ْ‬
‫اشتُ ِه َر بها بي َن العامة والخاصة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫النفوس‪ ،‬وقد ُع ِرفَ بعدَّة‬
‫والخواص أنه كان يُ ْس��تَ ْقبَ ُل استقباالً‬
‫ِّ‬ ‫دالئل قبوله بين العوامِّ‬
‫ِ‬ ‫ومن‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪37‬‬
‫الناس يتطلَّعُون‬
‫ُ‬ ‫عظيماً في ك ِّل ب ُ ْق َع ٍة كان يَن ْ ِز ُل فيها أو ُّ‬
‫يمر بها‪ ،‬وكان‬
‫وسماع ُخ َطبِه ومواعظه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الستقباله وزيارته‪ ،‬ويزدحمون لرؤيته‪،‬‬
‫بألقاب يَن ْ ُد ُر أن نج َد لها‬
‫ٍ‬ ‫والخ��واص‬
‫ِّ‬ ‫وقد ْ‬
‫اش��تُ ِه َر بين العوامِّ‬
‫نظيراً في تاريخ بالد ِّ‬
‫السند؛ ومن هذه األلقاب‪:‬‬
‫‪1‬ـ شمس العلماء‪:‬‬
‫ح ِره في‬
‫جمع غفي ٍر من العلماء والمشايخ؛ لتب ُّ‬
‫ب بذلك بين ٍ‬ ‫ل ُ ِّق َ‬
‫أس��اليب الكالم‪ ،‬وبراعتِه في اإلنشاء‬
‫ِ‬ ‫الفقه وأصوله‪ ،‬ومهارته في‬
‫واالسترسال‪.‬‬

‫نصيب؛ فقد كان إذا ورد مجلساً‪ ،‬أو ق َ ِدمَ‬ ‫ٌ‬ ‫وقد كان له ِم ْن لقبه‬
‫القلوب‪ ،‬وترتقي شخصيَّتُه‬ ‫ُ‬ ‫محط األنظار‪ ،‬تميل إليه‬‫َّ‬ ‫أصبح‬
‫َ‬ ‫منزالً‬
‫الشمس فِي أعلى َمحل‪ ،‬مع ِع َظ ِم وقا ِره‪ ،‬وش َّد ِة‬
‫ُ‬ ‫بينهم كما ترتقي‬
‫صالحه‪ .‬رحمه اهلل تعالى‪.‬‬‫ِ‬

‫‪2‬ـ ُس��لْ َطا ُن الواعظين‪ :‬وهذا من أش��هر ألقاب��ه‪ ،‬طار بذكره‬


‫الر ْكبَا ُن في الديار ِّ‬
‫السندية!‬ ‫ُّ‬
‫الش��يْ ُخ بالوعظ المؤثِّر في قلوب الناس؛ فقد كان له‬
‫اشتُ ِه َر َّ‬
‫ْ‬
‫الي�� ُد ال ُّطولَى في الموعظ��ة والتذكير‪ ،‬مخاطب��اً عواطف الناس‪،‬‬
‫مُ ْس��تَ ِميالً له��م بفصاح�� ٍة وبالغة‪ ،‬ف��كان يضحكهم متى ش��اء‪،‬‬
‫‪  38‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫ويبكيهم متى شاء؛ وذلك لق َّو ِة ُح َّ‬


‫جتِه‪ ،‬وبراع ِة أسلوبه‪.‬‬
‫ح��راً في العلوم‪ ،‬عقليَّةً‬ ‫وكان ـ رحم��ه اهلل ـ خطيباً بليغاً‪ ،‬مُتَبَ ِّ‬
‫كانت أو نقليَّةً‪ ،‬مطلعاً على دقائق الشرع وغوامضه‪ ،‬يتحرى ال ِّدقَّةَ‬
‫السن ِد ب ِعلْ ِم‬
‫ح ِّر ُر المس��ائل‪ ،‬وينفردُ في بالد ِّ‬ ‫في نقل األحكام‪ ،‬ويُ َ‬
‫الفتوى والوعظ‪.‬‬
‫الس��نْد‪ ،‬وأُول ِ َع الن��اس ب ُ‬
‫خ َطبِ ِه ومواعظه‪،‬‬ ‫ذا َع صيتُه في بالد ِّ‬
‫وتنافس��ت عليه الجمعي��ات والمؤتم��رات الديني��ة والتعليمية؛‬
‫تتس��اب ُق في دعوته‪ ،‬وتس��تعين بخطابته‪ .‬كان حادَّ الذكاء‪ِ ،‬‬
‫حاض َر‬
‫الناس مثلَ ُه في دياره ِعلْماً و َع َمالً‬
‫ُ‬ ‫لطيف الن ُّ ْكتَة‪ ،‬ما رأى‬
‫َ‬ ‫البديه��ة‪،‬‬
‫وجم��االً و ُخلُقاً واتِّبَاعاً و َك َرماً و ُح ْكماً في ح ِّق نفس��ه‪ ،‬وقياماً في‬
‫ح ِّق اهلل عند انتهاك حرمته‪.‬‬

‫وكان آي��ةً من آيات اهلل في التق��وى والعمل‪ ،‬وتأثير الوعظ‪،‬‬


‫وآيات بَيِّن َ ٍ‬
‫ات من‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الوع��ظ‪،‬‬ ‫كان يُ َزيِّ�� ُن خطبَ ُه ومواع َظه برقائ َق من‬
‫األنفس احتراقاً!‬
‫ُ‬ ‫وتذوب بها‬
‫ُ‬ ‫القلوب اشتياقاً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الذكر ت َ ِط ُ‬
‫ير لها‬

‫حب الناس له وإجالل شخصه‪ ،‬كانوا يتساقطون‬ ‫ومن شدة ِّ‬


‫ب ـ كما قيل ـ‬ ‫ط الفراش على المصباح‪ ،‬وما ُكنَّا ن ْ‬
‫ح َس ُ‬ ‫عليه تَس��اق ُ َ‬
‫أ َّن مُتَ َكلِّم��اً في الدنيا يُ ْع َطى من مَلَ َك ِة التأثير في النفوس ما أ ُ ْع ِط َي‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪39‬‬

‫يختص بال َقبُ ِ‬


‫ول مَ ْن يشاءُ من‬ ‫ُّ‬ ‫هذا الش��يخ الجليل‪ ،‬فس��بحان مَ ْن‬
‫عباده‪ ،‬واهلل ذو الفضل العظيم‪.‬‬

‫وم��ن آث��ار مواعظه ومحاس��نه‪ :‬أنه ب��دأ بمجال��س الوعظ‬


‫الس��ن ْ ِدية‪،‬‬
‫واإلرش��اد في فت��رة االضطراب والتش��تت في الديار ِّ‬
‫الس��ند ُم َه َّددَةً‬
‫حي�� َن كانت المراك��ز الديني��ة والثقافية في ب�لاد ِّ‬
‫ضةً بش��دة‬
‫بال��زوال‪ ،‬وأصبحت البقية الباقية من المس��لمين ُمع ََّر َ‬
‫لخطر االستس�لام لإللحاد والشيوعية والليبرالية‪ ،‬وخطر التشيع‬
‫طريق أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫اإليراني‪ ،‬وال ِف َرق المنح ِرفَة عن‬

‫فنشط سيدي الوالد ـ رحمه اهلل ـ في هذا المجال‪ ،‬وأثار في‬


‫المس��لمين اإليما َن‪ ،‬والثقةَ باهلل‪ ،‬واالعتزاز بالدين‪ ،‬ودعاهم إلى‬
‫الصبر والثبات والتو ُّكل على اهلل‪ ،‬ومقاومة المهاجمين وال ُم َغيِّ ِري َن‬
‫خ ِلع َة‪،‬‬ ‫القل��وب المن ْ َ‬
‫َ‬ ‫لإليمان واليقي��ن؛ فق َّوت موا ِع ُظه وجوالته‬
‫حاب‪،‬‬
‫الس ُ‬
‫الخطر‪ ،‬وانقش�� َع َّ‬
‫ُ‬ ‫ت األقدامَ المتزلزلةَ‪ ،‬وزال‬ ‫خ ِ‬‫ورس�� َ‬
‫َّ‬
‫س��ابق عهدها األول‪ ،‬وعاد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعادت المراك ُز الثقافية والدينية إلى‬
‫المس��لمون يزاولون حياتهم ونشاطهم باعتدال وثقة من جديد‪،‬‬
‫ول��و لم يكن من محاس��نه ـ وهي كثيرة وجليل��ة ـ إال هذا‪ ،‬لكان‬
‫كافياً‪ ،‬جزاه اهلل خيراً‪ ،‬ورحمه وغفر له‪ ،‬وأعلى مقامه‪ ،‬آمين‪.‬‬
‫‪  40‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫والخواص‪ ،‬ونفو ِذه إلى قلوبهم‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ومن ش َّد ِة تأثيره في العوا ِّم‬
‫كانت الحكومةُ ت َ َهابُهُ وتحا ِو ُل إرضاءه ب ُط ُرقٍ َشتَّى‪ ،‬لكنه ـ رحمه‬
‫اهلل ـ لم يُ ْظ ِه ِر ال َميْ َل إلى الدنيا وأصحاب المناصب قِي َد أُن ْ ُملَة‪ ،‬بل‬
‫عاش كريماً زاهداً‪ ،‬وانتقل إلى اهلل الكري ِم راضياً َم ْر ِضيّاً‪.‬‬
‫والحاصل أنه كان من عجائب الزمن‪ ،‬ومن محاسن باكستا َن‬
‫خاصة‪ ،‬ومن ع ََرف َ ُه ح َّق المعرفة تي َّق َن أن َّ ُه من‬ ‫عا َّمةً‪ ،‬وإقليم ِّ‬
‫الس��ند َّ‬
‫أولياء اهلل ـ س��بحانه وتعالى ـ‪ ،‬وأ َّن ثناء الناس عليه كادَ أن يكو َن‬
‫إجماع��اً‪ ،‬وأ َّن االعتراف بفض ِله ليس فيه نزاعٌ؛ فقد اجتم َع علماء‬
‫كل إقليم على فض ِله وجاللتِه‪.‬‬
‫‪3‬ـ أسد المصطفى‪:‬‬
‫خاصة في شمال‬ ‫والخواص ـ َّ‬
‫ِّ‬ ‫ب بذلك ْ‬
‫واشتُ ِه َر بين العوا ِّم‬ ‫ل ُ ِّق َ‬
‫ج َدتِه لك ِّل مستغيث‪ ،‬ال تمنعه‬ ‫ج ْرأَتِ ِه في كلم ِة الحق‪ ،‬ون َ ْ‬
‫السند ـ ل ُ‬ ‫ِّ‬
‫المهابةُ من قول الحق؛ فقد كان ال يخافُ في اهلل لومةَ الئ ٍم؛ فكان‬
‫صعْلُوكاً؛‬
‫يأم��ر ويَن ْ َهى ك َّل واح ٍد أيّاً كانت مكانتُه‪َ ،‬م ِل��كاً كان أو ُ‬
‫ُ‬
‫اشتُ ِه َر بـ«أسد المصطفى» بين األنام‪.‬‬ ‫ولذلك ْ‬
‫تمس ِ‬
‫��كه بمحب��ة النبي ـ ﷺ ـ‬ ‫وقد ُع ِرفَ أيضاً بذلك لش��دة ُّ‬
‫واتِّبا ِع��ه‪ ،‬ولش��دة َغيْرته عل��ى صحابة النب��ي ـ ﷺ ـ وأهل بيته‪،‬‬
‫وأولياء اهلل الصالحين‪.‬‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪41‬‬
‫النبي ـ ﷺ ـ في أثناء ُخ َطبِه‬
‫كثير الصالة على ِّ‬ ‫وكان ـ أيضاً ـ َ‬
‫كرامات كثيرة بين المسلمين‪ ،‬وهي‬‫ٌ‬ ‫ومواعظه‪ ،‬وت ُ ْر َوى وتُن ْ َق ُل عنه‬
‫متواتِ َرةٌ ومشهورةٌ في بالد ِّ‬
‫السن ِد‪.‬‬
‫اع ال ُّط ُرقِ‬ ‫َّ‬
‫ومن أعظم كراماته أنه تاب على يديه آالفٌ من قُط ِ‬
‫والعصاة‪ ،‬والتزموا الصراط المستقيم بع َد سماع ُخ َطبِه ومواعظه؛‬
‫ِ‬
‫مجلس��ه‬ ‫فلقد كان آيةً في الموعظة والتذكير‪َ ،‬م ْن رآهُ و َح َ‬
‫ض َر في‬
‫وصلُ َح حاله‪ ،‬واس��تقام‬ ‫مرةً واح��دة تاب عن المعاصي والبِدَع‪َ ،‬‬ ‫َّ‬
‫على الشريعة‪ ،‬وق َّدمَ مواله على ما سواه‪.‬‬
‫‪4‬ـ المفتي األعظم‪:‬‬
‫اش��تُ ِه َر ـ رحمه اهلل ـ بهذا اللقب؛ الش��تغالِه بعلم الفقه من ُذ‬
‫ْ‬
‫صباه‪ ،‬وت َ َف ُّق ِه ِه على مش��ايخ عصره؛ حتى نب��غ في العلم‪ ،‬وصار‬
‫الحنف��ي‪ ،‬وجملةُ فت��اواه تن ُّم عن‬
‫ِّ‬ ‫المرجِ �� َع والم ْق َ‬
‫ص�� َد في الفقه‬
‫ح ٍر في الفقه الحنفي‪ .‬رحمه اهلل تعالى‪ ،‬و َغ َف َر له‪ ،‬ورفع‬ ‫دراي�� ٍة وتب ُّ‬
‫درجاتِه‪ ،‬آمين‪.‬‬

‫* ثناءُ العلماء عليه‪:‬‬

‫اتفقت األلس ُن على الثناء عليه‪ ،‬واالعتراف بفض ِله ونزاهته‪،‬‬


‫وسدا ِد رأيه‪ ،‬و ُح ْس ِن قص ِده‪ ،‬وات َّ َف َق العلماءُ والفضالءُ على الثنا ِء‬
‫‪  42‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫عليه‪ ،‬ومدح شمائله‪ ،‬فصا َر ُمشاراً إليه في هذا الباب‪.‬‬


‫‪1‬ـ ق��ال عنه صدي ُق��ه ورفي ُق درب��ه العلاَّ مة ش��يخ الحديث‬
‫السندي‪ ،‬شيخ الجامعة الراشدية‬ ‫الس َكنْدَري ِّ‬‫المفتي محمد رحيم ِّ‬
‫المفتي عبدالرحيم كان مُت َِّصفاً باالستغناء‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الشيخ‬ ‫بالسند‪ :‬إ َّن أخانا‬
‫ع َّما في أي��دي الناس؛ فأكرمه اهللُ تعالى بالقب��ول والوجاهة بين‬
‫العلما ِء والعوا ِّم‪ ،‬فإنه أفادَ بعلمه وفقهه بالداً شاس��عة‪ ،‬ووصلت‬
‫أن��وا ُر عُلُو ِمه إلى ك ِّل أرجا ِء الديار ِّ‬
‫الس��ندية‪ .‬وقد رزقه اهللُ تعالى‬
‫فتحاً عجيباً؛ فكلَّ َما دخل قرية أو مدينة كان يُؤ َِّس ُ‬
‫س مدرسةً بها‪ ،‬أو‬
‫أكثر من ثالث مئة مدرسة ومسجد‬ ‫س َ‬ ‫يبني فيها مسجداً‪ ،‬وقد َّ‬
‫أس َ‬
‫في ق ُ َرى بالد السند ومُدُنها‪ .‬رحمه اهلل تعالى رحمةً واسعة‪.‬‬

‫السن ْ ِد ُّ‬
‫ي‪،‬‬ ‫‪2‬ـ قال عنه الشيخ الفقيه المفتي عبدالرحمن الت ُّ‬
‫َّتوي ِّ‬
‫ت عن‬ ‫السنْد‪ :‬أ ُ ْخبِ ْر ُ‬
‫ج ِّد ِديَّة بمدينة تته ِّ‬
‫رئيس الجامعة العثمانية ال ُم َ‬
‫أكناف باكستان الشيخ‬ ‫ِ‬ ‫ارتحال العلاَّ مة الف َّهامة الش��هير في جميع‬
‫بس��لْ َطان الواعظين‪،‬‬ ‫الس�� َكنْدَري المعروف ُ‬ ‫المفت��ي عبدالرحيم ِّ‬
‫ت عليه عيني! وكان ذلك‬ ‫��ش به َع ْق ِلي‪ ،‬و َح ِز َن به قلبي‪ ،‬وب َ َك ْ‬
‫ف ُد ِه َ‬
‫الحال لك ِّل مَ ْن زا َرهُ‪ ،‬أو َس ِم َعهُ أو َش ِه َد جِ نازته؛ فقد كان ـ رحمه‬
‫وش��يَ ِم‬‫حراً وخطيباً بليغاً ُمت َِّصفاً بمكا ِر ِم األخالقِ ‪ِ ،‬‬ ‫اهلل ـ عالماً ُمتَبَ ِّ‬
‫هلل‪ ،‬يَبْ ُذ ُل ُو ْس َع ُه‬
‫الصالحين‪ ،‬وكان داعياً إلى اهلل‪ ،‬ال يخاف أعداءَ ا ِ‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪43‬‬

‫وتوصيف واتِّبَاع ُسن َّ ِة رسوله ـ ﷺ ـ‪،‬‬


‫ِ‬ ‫وطاقَتَه إلعالء كلمته تعالى‪،‬‬
‫يقت ِفي آثا َر علمائنا المتقدمين‪ ،‬رحمةُ اهلل عليهم أجمعين‪ .‬ولشدة‬
‫ب أعداءَ اهلل‪ ،‬وأعداءَ رس��وله‪ .‬فيا‬‫اس��تقامته على الح ِّق كان يُ ْر ِع ُ‬
‫أ َ َس�� َفى على فق��ده!! هلل ما أعطى‪ ،‬وله ما أخذ‪ ،‬وك ُّل ش��ي ٍء عندَه‬
‫فصبر جميل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫بمقدار!‬

‫‪3‬ـ وقال عنه العلاَّ مة ال ُم ْس��نِد ال ُم َربِّي العالم الجليل الش��يخ‬


‫ج ِّد ِديَّة النعيمية‪،‬‬
‫محمد أحم��د النعيمي‪ ،‬رئيس جامعة أن��وار ال ُم َ‬
‫يرتِي وفضال ِء‬‫سمعت م َّمن أدركتُهم من أكابر ع َِش َ‬
‫ُ‬ ‫بكراتشي‪ :‬إني‬
‫الس�� َكنْدَري لم‬
‫ورأيت بعيني ـ أن الش��يخ عبدالرحيم ِّ‬
‫ُ‬ ‫عص��ري ـ‬
‫يكن له مث ٌل في العلم والعمل واالس��تقامة على الحق في عصره‬
‫ومصره‪ .‬رحمه اهلل تعالى ونفعنا ب ِه‪.‬‬

‫‪4‬ـ وقال عنه س��ماحة الش��يخ الفقيه األديب المفتي محمد‬


‫جان ابن ش��مس العلماء المفتي عبداهلل النَّعيمي‪ ،‬رئيس وش��يخ‬
‫ج ِّد ِديَّة النعيمية‪ ،‬كراتش��ي‪َ :‬كان الش��يخ ـ‬
‫الحدي��ث بجامع��ة ال ُم َ‬
‫خير عال ٍم في َز َمانه ِعلْماً َو َع َمالً‪ِ ،‬‬
‫صيَانةً وديانةً‪ ،‬عزماً‬ ‫رحمه اهلل ـ َ‬
‫َ‬
‫وحزماً؛ مناقبه كثيرةٌ‪ ،‬وفضائله ش��هيرةٌ‪ ،‬أ َس�� ُفنَا على فِ َراقه ٌ‬
‫كثير‪،‬‬
‫وف َ ْ‬
‫ج َعتُنَا بموت ِه كبيرةٌ‪.‬‬
‫‪  44‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫ٍ‬
‫وصف‪،‬‬ ‫الشخص قد يُ ْشتَ َه ُر بف ٍّن أو‬ ‫وقال أيضاً‪ :‬إن العالِـم أو َّ‬
‫النقص ش��يئاً‬
‫ُ‬ ‫ويص��ل إلى درجة الكمال ويُ ْش��تَ َه ُر ب��ه‪ ،‬ثم يَ ْعتَ ِريه‬
‫الس َكنْدَري بأنه لم‬
‫فشيئاً‪ ،‬لك َّن اهللَ أكر َم الشيخ العلاَّ مة عبدالرحيم ِّ‬
‫يَ َر الزوا َل‪ ،‬ولم تُن ْ َقص عن��ه نعمةُ ال َقبول وال َوجاهة‪ ،‬بل زادَ ُّ‬
‫حب‬
‫المس��لمين له حتى في آخر أيام حياتِه‪ ،‬س��بحان ِّ‬
‫مقسم األرزاق‪،‬‬
‫وبارئ النسمات!!‬
‫‪5‬ـ وقال عنه ش��يخ الحديث العلاَّ مة الش��يخ محمد إبراهيم‬
‫القادري‪ ،‬رئيس وش��يخ الحديث بجامعة القادرية بمدينة س��كر‬
‫ِ‬
‫المشكالت‪،‬‬ ‫الس��ند‪ :‬كان الشيخ ـ رحمه اهلل ـ مَ ْرجِ عاً للعلماء في‬
‫وكان وج��وده موئ�لاً وقلعةً حصينةً للمس��لمين ض��د التيارات‬
‫ج ِل َ‬
‫س‬ ‫السن َّ ِة والجماعة‪ .‬وك ُّّل مَ ْن َح َ‬
‫ض َر م ْ‬ ‫المنح ِرفة عن طريق أهل ُّ‬
‫ش‬ ‫َو ْع ِظ��ه أثْنَ��ى على علمه وصالح��ه‪ ،‬وكان ـ رحم��ه اهلل ـ يُ ْد ِه ُ‬
‫الخ��واص قبل العوامِّ بِ َكثْ َرة محفوظه‪ ،‬وطالقة لس��انِه‪ ،‬وفصاح ِة‬ ‫َّ‬
‫نفس وحشمة‪ .‬وفاتُه‬ ‫أسلوبه‪ ،‬وكان ذا َهيْب ٍة ع ِظيمة‪ ،‬ونزاه ٍة‪ ،‬وق ُ َّو ِة ٍ‬
‫صدمةٌ عظيمةٌ لجميع المسلمين في باكستان‪ .‬رحمه اهلل وإيانا‪.‬‬
‫‪6‬ـ وقال عنه ش��يخ السادة النقش��بندية‪ ،‬الشيخ محمد أيوب‬
‫جان ابن الش��يخ محم��د إبراهيم جان الس��رهندي الفاروقي‪ :‬إن‬
‫مهابته كانت ت َ ْغ َش��ى قُلُوبَنَ��ا لصالحه وتقواه وديانت��ه‪ ،‬فلقد كان‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪45‬‬
‫ُم َر ِّوجاً للش��ريعة‪ُ ،‬منَ�� ِّوراً للطريقة‪ُ ،‬مت َِّصفاً بالصف��ات ال َملَ ُكوتِيَّة‪،‬‬
‫ح َف ًة‬
‫الشيخ ـ رحمه اهلل ـ كان َه ِديَّةً وت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫عهدنا من مشايخنا وآبائنا أن‬
‫بركات رسول اهلل ـ ﷺ ـ في‬ ‫ِ‬ ‫ش��ك أنه كان َم ْظ َه َر‬
‫َّ‬ ‫لهذه البالد‪ ،‬وال‬
‫السندية‪.‬‬
‫الديار ِّ‬
‫‪7‬ـ قال عنه ش��يخ المنقول والمعقول‪ ،‬الش��يخ عبدالس��تار‬
‫الس��عيدي‪ ،‬ش��يخ الحديث بجامعة النظامي��ة الرضوية بالهور‪:‬‬
‫الس َكنْدَري ـ رحمه اهلل ـ كان أستاذَ األساتذة‪،‬‬ ‫الش��يخ عبدالرحيم ِّ‬
‫حراً‪،‬‬
‫وجامعاً للعلوم النقليَّ��ة والعقليَّة‪ ،‬وكان عالماً منف��رداً ومُتَبَ ِّ‬
‫قرن باس��تقام ٍة و َوقار‪ .‬وقد‬ ‫أكثر من نصف ٍ‬ ‫خدمَ اإلس�لام وأهلَه َ‬
‫ص َّو ِر والمعنوي‪ ،‬ومن ال ُمال َحظ‬ ‫ق ح ّظاً وافراً من ال ُ‬
‫ح ْس�� ِن ال ُم َ‬ ‫ُر ِز َ‬
‫ص َرفَ ك َّل وقتِه إلى‬‫ف��ي حياته أنه لم يُ ِض ْع لمحةً من عُمره‪ ،‬ب��ل َ‬
‫خدمة اإلس�لام والمسلمين‪ .‬رحمه اهللُ تعالى وإيَّانا‪ ،‬وجعل قِ َراه‬
‫الْجن َّ َة‪ ،‬وجزاه َعنَّا وعن المسلمين َ‬
‫أوفر جزاء‪.‬‬
‫‪8‬ـ وقال عنه األس��تاذ الدكتور عبدالغني الشيخ‪ ،‬عميد كلية‬
‫الس��ند‪ :‬كان الشيخ ـ رحمه اهلل ـ كثير اإلصالح‪،‬‬ ‫اآلداب بجامعة ِّ‬
‫ص��دُوق اللس��ان‪ ،‬قلي�� َل الزَّلَل‪ ،‬وق��وراً صبوراً‪ ،‬يُ ِح ُّ‬
‫��ب في اهلل‪،‬‬ ‫َ‬
‫ض في اهلل‪ ،‬وكان آي ًة من آيات اهلل في ال ِعلْ ِم والعمل في هذا‬ ‫ويُبْ ِغ ُ‬
‫العصر ـ رحمه اهللُ تعالى‪.‬‬
‫‪  46‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫‪9‬ـ قال عنه تلمي ُذهُ وش��قي ُقه األس��تاذ الدكت��ور‪ /‬موالبخش‬
‫الس��ندي‪ :‬كان أخ��ي وأس��تاذي الش��يخ عبدالرحيم‬ ‫الس�� َكنْدَري ِّ‬
‫ِّ‬
‫أقوم طرق االستقامة‪،‬‬ ‫ضال ِء وقته َّ‬
‫كالشامة‪ ،‬صار في ِ‬ ‫الس َكنْدَري بين ف ُ َ‬
‫ِّ‬
‫فعل الخي��ر‪ ،‬وتح ُّفزه له‪ ،‬مع ِ‬
‫عدم خوضه فيما ال‬ ‫من حرصه على ِ‬
‫يعنيه‪ ،‬والندم على الوقت الَّذي فِي غير العلم يمضيه‪.‬‬
‫رأيت منه أم��راً مخالِفاً‬
‫ُ‬ ‫كنت ق��د الزمتُه منذ طفولت��ي‪ ،‬وما‬ ‫ُ‬
‫ت عَنهُ على األَل ْ ُسن الصادقة الكرامات الخارقة‪،‬‬
‫للشريعة‪ ،‬و ُح ِكيَ ْ‬
‫كنت ِم َّمن َش��اهد بَع َ‬
‫ْضها‪ ،‬ولكنه ـ رحمه اهلل ـ كان يكتُ ُمها أش َّد‬ ‫َو ُ‬
‫الكتمان‪ ،‬وكان قد َح َّر َم على نفسه أن يُثْنَى على شخصه‪ ،‬ويُتَ َف َّوهَ‬
‫الفخ��ر وال ُ‬
‫خيَالءُ‪ .‬رحمه اهلل تعالى‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بكلمات يظهر فيها‬ ‫ف��ي ح ِّق ِه‬
‫وغفر له‪ ،‬ونفعنا ببركاته‪.‬‬
‫‪10‬ـ قال عنه المفتي األعظم بباكس��تان البروفيس��ور الشيخ‬
‫منيب الرحمن‪ ،‬رئي��س دار العلوم النعيمية‪ ،‬كراتش��ي‪ :‬قد ت ُ ُوف ِّ َي‬
‫الس َكنْدَري‪،‬‬ ‫ُ‬
‫واعظ اإلس�لام الش��هير العلاَّ مة المفتي عبدالرحيم ِّ‬
‫خدمات جليلةٌ في نش�� ِر‬
‫ٌ‬ ‫الس��ند وعال ُمها‪ ،‬وقد كان له‬ ‫مفتي بالد ِّ‬
‫اإلسالم ودعوته‪ .‬ووفاتُه خسارةٌ كبيرةٌ للمسلمين‪ ،‬وفجعةٌ عظيمةٌ‬
‫فسيح جنَّاتِه‪.‬‬
‫َ‬ ‫لنا جميعاً‪ .‬تغ َّم َدهُ اهلل ِ‬
‫بواس ِع مغ ِف َرتِه‪ ،‬وأسكنَهُ‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪47‬‬
‫‪١١‬ـ قال عنه العالمة المربي المفس��ر الش��يخ محمد إدريس‬
‫الداهري النقش��بندي السندي‪ :‬موالنا الش��يخ المفتي عبد الرحيم‬
‫الس��كندري‪ ،‬عرفتُ��ه منذ ش��بابه‪ ،‬واس��تمرت صداقتي ب��ه إلى أن‬
‫توفي رحم��ه اهلل تعالى‪ .‬فمما رأيتُه والحظتُه في حياته وش��خصه‬
‫الكريم أنه كان متصفاً بصفة االس��تقامة ـ الت��ي هي فوق الكرامة ـ‬
‫في أعلى مراتبها‪ ،‬وتمسك بها‪ ،‬واشتهر بها إلى آخر لحظات حياته‪،‬‬
‫رحمه اهلل تعالى ونفعني به في الدارين‪.‬‬
‫معاص ِريه؛ م��ن الفقها ِء‪،‬‬
‫ِ‬ ‫هذه بع��ض ال َك ِل َمات ال َع ِط َ‬
‫��رة من‬
‫خ ِصه‬ ‫وال ُم ْسنِ ِدي َن‪ ،‬إن دلَّت فإنَّما تد ُّل على غزي ِر علمه‪ ،‬وشهرة َش ْ‬
‫بين المشايخ‪ .‬رحمه اهلل رحمةً واسعة‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪  48‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫الفصل التاسع‬
‫وح ُب ّه ل�لكتب‬
‫مَكْتَبَتُه ُ ُ‬

‫الس�� َكنْدَري بمكتبته‬


‫الش��يخ العلاَّ م��ةُ عبدالرحي��م ِّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫اش��تُ ِه َر‬
‫ٍ‬
‫أمهات‬ ‫ُ��ب وفير ٍة كثي��ر ٍة؛ تض�� ُّم‬
‫الكبي��رة الت��ي تحتوي عل��ى ُكت ٍ‬
‫ونفائ��س م��ن ك ِّل ف ٍّن؛ م َن التفس��ير‪ ،‬والفق��ه‪ ،‬والحديث‪ ،‬وعلوم‬
‫َ‬
‫العربي��ة‪ ،‬والتاري��خ‪ ،‬وغيره��ا م��ن العل��وم‪ .‬وكان ـ رحم��ه اهلل ـ‬
‫مُ ْغ َرماً بالمطالعة‪ ،‬س��ا ِعياً القتناء ال ُكتُب النفيس��ة‪َ ،‬‬
‫ضنَّاناً بها ضنَّةَ‬
‫النفائس واللطائف والنواد َر‬
‫َ‬ ‫ب للمحب��وب‪ ،‬وقد َج َم َع منها‬ ‫ِ‬
‫المح ِّ‬
‫والظرائف‪.‬‬

‫وقد ب َ َذ َل في سبيل الحصول على هذه الكتب أمواالً طائلة‪،‬‬


‫جا ُر في باكس��تان يق ِّد ُمو َن إلي��ه ك َّل ٍ‬
‫كتاب جديد‪ ،‬وكانوا‬ ‫وكان التُّ َّ‬
‫يُ َغالُو َن في الس��عر أيضاً؛ لمعرفتهم بأ َّن الشيخ يشتري ك َّل جدي ٍد‬
‫نفيس من كتب التراث‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وقد س��افر‪ ،‬للحصول على بع��ض المخطوطات‪ ،‬إلى قُرى‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪49‬‬
‫ٍ‬
‫مخطوط من‬ ‫الس��ند و ُمدُنها‪ ،‬وجم��ع أكثر من خمس مئ��ة‬ ‫ب�لاد ِّ‬
‫أكثره��ا كان مكتوباً بأيدي ُم َ‬
‫صن ِّ ِفيها‪،‬‬ ‫الس��ند‪ُ ،‬‬
‫النوادر لعلماء بالد ِّ‬
‫َص ِر ُمؤَل ِّ ِفيها‪.‬‬
‫قريب العهد من ع ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وبعضها كان‬
‫ص أمامي‬ ‫خ ُ‬ ‫ق عليه ـ رحمه اهلل ـ قول الجاحظ‪ ،‬ويتش�� َّ‬ ‫ص ُد ُ‬‫يَ ْ‬
‫الجليس‬
‫ُ‬ ‫ص َو ِره‪ :‬الكتاب كان له نِ ْع َم ال ُّذ ْخ ُر والعقدَة‪ ،‬ونِ ْع َم‬‫ب��ك ِّل ُ‬
‫األنيس لساعة ال َوحدَة‪ ،‬ونع َم‬
‫ُ‬ ‫وال ُعدَّة‪ ،‬ونِ ْع َم النشرةُ والنزهة‪ ،‬ونعم‬
‫الوزير والنزيل!!‬
‫ُ‬ ‫القري ُن والدخيل‪ ،‬ونع َم‬
‫وس��وف أضع أمام��ك ـ أيها القارئ ـ بعض��اً من معالِم حبه‬
‫بعض‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫خالل ذلك‬ ‫للكتب‪ ،‬وش��غف ِه بجمعها؛ حتى يتبين لك من‬
‫معالم حياته العلمية‪.‬‬
‫معالِم ُحبِّه للعلم‪ ،‬وشغفه بالمطالعة‪:‬‬
‫الحب الش��دي ُد‬
‫ُّ‬ ‫‪1‬ـ كان ُم ِحبّ��اً وعاش��قاً للعلم وأهله‪ ،‬وهذا‬
‫أنتج لديه ال َول َ َه بال ُكتُب والعش��ق لها‪ .‬وكان إذا تحدَّث عن ٍ‬
‫كتاب‬
‫ك عليه لُبَّ ُه ومش��ا ِع َره‪،‬‬ ‫��ب ذلك الكتاب َملَ َ‬ ‫س الس��امع أن ُح َّ‬ ‫يُ ِح ُّ‬
‫ب حتى ـ‬ ‫وأنس��اه األه َل والولد‪ ،‬وإذا تحدَّث عن رس��ال ٍة ـ أو ُكتَيِّ ٍ‬
‫ديوان من دواوين اإلسالم‬ ‫ٍ‬ ‫ب‪ ،‬بِ َما يُ ْش ِع ُر السام َع أنه يتكلَّ ُم عن‬ ‫أ َ ْطن َ َ‬
‫الشهيرة‪.‬‬
‫‪  50‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫وكنت أحا ُر في‬ ‫ُ‬ ‫وق��د كانت تلك عادتَه من ُذ بداية طفولت��ي‪،‬‬
‫تيقنت شيئاً فشيئاً أنه فِ ْعالً‬
‫ُ‬ ‫أمر ِه‪ ،‬وأظنُّه يبال ِ ُغ أو يتكلَّف ذاك‪ ،‬حتى‬
‫كان يتكلَّ�� ُم عن أع ِّز ش��ي ٍء عنده في الوج��ود إذا تحدث‪ ،‬وأكرم‬
‫شي ٍء عليه إذا تف َّكر وتدبر‪.‬‬
‫كثير م َّما ال يُو َجد عند غيره‬
‫‪2‬ـ كان لديه من الكتب النفيس��ة ٌ‬
‫السندية‪.‬‬
‫من العلماء في الديار ِّ‬
‫نفائس الكتب‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪3‬ـ كا َن ـ رحمه اهلل ـ ع ِظي َم اإلنفاقِ على شراء‬
‫حتى إذا سافر خارج مدينته‪ ،‬أو ق َ ِد َم إلى الحرمين الشريفين‪ ،‬كان‬
‫وكنت في‬
‫ُ‬ ‫ُ��ب ويمنحها ألحبابِ��ه هدايا دون ثم��ن‪،‬‬ ‫يش��تري ال ُكت َ‬
‫األمر‪ ،‬فصار قدوةً‬ ‫َ‬ ‫ْت‬
‫بالضيق من ذلك‪ ،‬حتى ا ْعتَد ُ‬‫ِ‬ ‫أش��عر‬
‫ُ‬ ‫ص َغري‬‫ِ‬
‫ح ْس�� ِن تربيته ـ؛ ال أَتَلَ َّذ ُذ بنعي ٍم أعظ َم‬
‫لي في هذا ـ بفضل اهلل‪ ،‬ثم ب ُ‬
‫القريب والبعيد‪.‬‬‫ُ‬ ‫من نعي ِم إهدا ِء الكتب؛ لينتفع بها‬
‫‪4‬ـ كان ل��ه ق ُ ْد َرةٌ عجيب��ةٌ على المطالعة؛ فق��د كا َن يُ َرى في‬
‫وإش��ارات‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫عالمات له‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ألف مجل ٍد‪ ،‬وعليها‬
‫مكتبته ُزهاءُ ثالثين َ‬
‫وعبارات‪ ،‬وقلَّما نَجِ ُد كتاباً في خزانته ليس عليه قراءةٌ‪ ،‬أو ٌ‬
‫نظر في‬ ‫ٌ‬
‫فتح اهللُ ب ِه علي ِه من الن ِّ ِ‬
‫كات‬ ‫يكتب فيه ك َّل ما َ‬
‫ُ‬ ‫أي ف ٍّن كان؛ فقد كان‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫واإلشارات العلميَّة الدقيقة‪.‬‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪51‬‬

‫‪5‬ـ كان ـ ِم ْن ش��دَّة َول َ ِعه بالكت��ب ـ إذا َم َّ‬


‫س كتاباً يقول‪ :‬هذا‬
‫الوقت الفالني‪ .‬انتهى‪ .‬وإذا ُطلب منه‬
‫ِ‬ ‫الفالني مَلَ ْكتُه في‬
‫ُّ‬ ‫الكتاب‬
‫ُ‬
‫جلَّ ٍد كان يقومُ إلى الخزانة فيتناوله فيبدو وكأنَّه موضو ٌع في‬
‫أي مُ َ‬
‫ُّ‬
‫الخزان َ ِة في تلك اللحظة؛ من ِع َظ ِم المحافظة عليه‪.‬‬
‫أكثر من عشرين سنة في ليالي رمضان ـ صيفاً وشتاءً ـ‬
‫‪6‬ـ رأيتُه َ‬
‫الكتاب للمطالعة‪ ،‬ويق ُع ُد بعد صالة التراويح‪ ،‬حتى إنه لم‬ ‫َ‬ ‫يفت��ح‬
‫ُ‬
‫وكنت آتيه‬ ‫ُ‬ ‫يش��عر ب ُم ِض ِّي الليل؛ من ش َّد ِة استمتاعه بالقراءة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يكن‬
‫وكنت أ ُ َسلِّ ُم‬
‫ُ‬ ‫عند الس��حور فأجده جالس��اً ُمن ْ َكبّاً على المطالعة‪،‬‬
‫ْت ُمبَ ِّكراً؟‬
‫حيِّراً ويقول‪ :‬ألم تَن َ ْم؟! ول ِ َم َر َجع َ‬
‫عليه فيرد الس�لام ُمتَ َ‬
‫فأ ُ ْخبِ ُرهُ أ َّن الليل قد مضى‪ ،‬فيقول‪ :‬س��بحان اهلل! لم أشعر بمرور‬
‫الوقت‪.‬‬
‫الحر‬
‫خاصة؛ ال يش��غله ُّ‬ ‫كان ه��ذا دَأَبَ��ه ف��ي ليالي رمض��ان َّ‬
‫وال ال َق ُّر عن المطال َع ِة واالس��تفادة‪ ،‬ف��كا َن ال يَ ْق ِضي وقتاً إال في‬
‫االستزاد ِة من العلم‪ ،‬والعناية بالمطالعة وال َفهم‪.‬‬
‫‪7‬ـ س��معتُه ـ أنا وغيري من تالمذته وإخوت��ه ـ مراراً يَ ُقول‪:‬‬
‫صلِّي‬ ‫ْضلة‪ ،‬فأ ُ َ‬ ‫ليقف خاطري فِي المس��ألة‪ ،‬أو ت ُ ْش ِك ُل َّ‬
‫علي مُع ِ‬ ‫ُ‬ ‫إِنَّه‬
‫وأ ُ َسلِّم على النبي ـ ﷺ ـ وأنام؛ فأستيقظ ُمن ْ َش ِر َح الصدر‪ ،‬ويُ َ‬
‫ح ُّل‬
‫‪  52‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫علي‬
‫يشرح لي تلك المسألة‪ ،‬ويُ ْملي َّ‬ ‫ُ‬ ‫وكنت أسم ُع مَ ْن‬
‫ُ‬ ‫اإلشكال‪.‬‬
‫أحفظ كلماتِ��ه‪ ،‬وما زال صوتُه يت��ردَّدُ في أُذُني‬
‫َ‬ ‫ف��ي الرؤي��ا حتَّى‬
‫بضعةَ أيام‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫الس��ن ْ ِديَّة ـ عن أح ٍد‬
‫س��معت ـ في الديار ِّ‬
‫ُ‬ ‫‪8‬ـ ل��م أ َر ُّ‬
‫قط‪ ،‬وال‬
‫اس��تَ ْوفَى‬
‫قط إال ْ‬‫كتاب ُّ‬‫ٌ‬ ‫أكثر من��ه؛ فإنَّهُ لم يقع بيده‬
‫ُب َ‬ ‫أح��ب ال ُكت َ‬
‫َّ‬
‫ض ُع الكتب الجديدة في الخزانات‬ ‫قراءته‪ ،‬كائناً ما كان‪ .‬وكان ال يَ َ‬
‫إلاَّ بعد أن يَ ْش��بَ َع من قراءتها‪ ،‬وكانت ت ُ َ‬
‫وض ُع بجوار س��ريره على‬
‫المكتب‪.‬‬
‫اش��تُ ِه َر عنه قوله‪َ :‬م ِن اشترى ال ُكتُب غالية الثمن‪ ،‬وأنفق‬ ‫‪9‬ـ ْ‬
‫عليها‪ ،‬أبقى اهلل تعالى علماً ف��ي َخلَ ِفه‪ ،‬وجعل ذُ ِّريَّتَهُ من العلماء‬
‫بفض ِله وكرمه‪.‬‬
‫ُب ويُ َع ِّظ ُم َها جِ �� ّداً؛ ومن مظاهر إجاللِه‬
‫‪10‬ـ كان يُجِ �� ُّل ال ُكت َ‬
‫للكتب أنه ما كان يج ِّو ُز ثَن ْ َي ورق الكتب أو ل َّفه‪ ،‬وكان يرى ذلك‬
‫إهانةً للكتب‪ ،‬ويقو ُل‪ :‬نحن أُمرنا بتعظيمها ال بإهانتها‪.‬‬
‫فيض عل ِمه وش��غفه بالعل��م والكتب‪ ،‬ولو‬‫ِ‬ ‫غي��ض من‬
‫ٌ‬ ‫هذا‬
‫جلَّداً‪ .‬رحمه اهلل تعالى‪ ،‬ورضي‬
‫شرحت ت َ ْف ِصي َل ما أجملتُه لكان ُم َ‬
‫ُ‬
‫أتعب َم ْن َجاءَ ب َ ْعدَه!!‬
‫َ‬ ‫فسيح جناته‪ ،‬لقد‬
‫َ‬ ‫عنه‪ ،‬وأسكنه‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪53‬‬

‫الفصل العاشر‬
‫خاصة‬
‫حياتُه ال َ ّ‬

‫الش��يخ ـ َر ِح َمهُ اهلل ـ في س ٍّن مُبَ ِّكرة؛ في عام ‪1963‬م‬


‫ُ‬ ‫تز َّو َج‬
‫من ام��رأ ٍة صالحة ت ُ ْدعَى «حضور خات��ون»‪ ،‬ابنة الرجل الصالح‬
‫وتحري‬
‫ِّ‬ ‫الفقير «ربذنو»(((‪ ،‬الذي ْ‬
‫اشتُ ِه َر في القرية بسالم ِة الصدر‬
‫الحالل‪.‬‬
‫(((‬
‫وخير‬
‫َ‬ ‫خير َرفِيق ٍة للوالد‪،‬‬
‫كان��ت أمُّنا ـ رحمها اهلل تعال��ى ـ َ‬
‫مُ ِعينَ�� ٍة له في أمور المدرس��ة‪ ،‬كانت تخ ُدمُ طلبةَ العلم الش��رعي‬
‫بإخالص‪ ،‬وتهت ُّم بأك ِل ِهم اهتمامَها بأوالدها وأحفادها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وكان الشيخ الوالد ـ رحمه اهلل ـ يُثْنِي عليها كثيراً بعد موتها‬
‫مرةً‬
‫إلي لوماً َّ‬
‫ويقول‪ :‬إنها أعانتني ف��ي الحياة الدينية‪ ،‬ولم ت ُ َو ِّجهْ َّ‬
‫واحدةً في حياتها‪ ،‬رغم ضغط األش��غال‪ ،‬وكثر ِة الطُلاَّ ب‪ ،‬وكان‬

‫(( ( معناه‪ :‬عطاء الرب‪.‬‬


‫(( ( انتقلت إلى رحمة اهلل تعالى سنة ‪2012‬م‪.‬‬
‫‪  54‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫في ُو ْس�� ِعها أن تقول‪ :‬إنني لم أ ُكلَّف بخدم�� ِة تالم َذتِك‪ ،‬ولكني‬
‫وينش ِر ُح صد ُرها لخدمتهم‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫كنت أراها تتهلَّ ُل َ‬‫ُ‬
‫كنت أسمعها تقو ُل‪ :‬هؤالء ضيوفُ رسول اهلل ـ ﷺ ـ‬
‫وكثيراً ما ُ‬
‫ووصيته؛ ففي خدمتهم الخير والبركة‪ .‬رحمها اهلل تعالى وأس��كنها‬
‫فسيح جناته‪.‬‬
‫َ‬
‫ق الوال ُد منه��ا أربعةً من الذكور؛ ه��م‪ :‬عبد النبي‪،‬‬
‫وق��د ُر ِز َ‬
‫ونور النبي‪ ،‬وح ُّق النبي‪ ،‬وفضل النبي‪ ،‬وثالثاً من اإلناث؛ وكلهم‬
‫متزوجون‪.‬‬
‫الش��يخ س��خيّاً‬
‫ُ‬ ‫وفيم��ا يتعلَّ ُق باإلنفاق على األهل‪ ،‬فقد كان‬
‫كريم��اً‪ ،‬حتى إنه كان يُن ْ ِفق على كثي ٍر من أفراد أس��رته دون ٍ‬
‫طلب‬
‫منهم‪ ،‬ويُ ْك ِرمُهم بالهدايا في المناسبات‪ ،‬كال ِعي َديْ ِن وال َّز َواج‪.‬‬
‫خنا الوالد بتعلي ِمنا وتربيتنا كثيراً‪ ،‬فرغ َم ما كا َن‬
‫وقد اهت َّم شي ُ‬
‫يُ ْظ ِه ُرهُ ـ أحياناً ـ م َن القسو ِة في التعامل مع أوالده‪ ،‬إلاَّ أنه كان سهالً‬
‫خاصةٌ بأمور التعليم والتربية؛‬
‫َّ‬ ‫ليِّناً في كل حياتِه‪ ،‬وكانت له عنايةٌ‬
‫فلم يكن ليتس��اه َل أبداً في هذا الجانب‪ .‬وكان يردِّدُ كثيراً‪ :‬أوالد‬
‫العلماء والمش��ايخ ال ب ُ َّد أن ينظروا إل��ى العلم باعتباره ميراثهم‪،‬‬
‫ويَ ْقنَعُون بأنه ال يكفيهم أنهم من ذُ ِّريَّة العلماء والمش��ايخ‪ ،‬حتى‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪55‬‬
‫يس��تحقوا التعظي َم‪ ،‬والتبجي َل من الناس‪ ،‬بل ال ب ُ َّد لهم إذا أرادوا‬
‫ذلك أن يسيروا على ُخ َطى آبائهم علماً وعمالً‪ ،‬وإلاَّ فال‪.‬‬
‫درست على يدي ِه القرآن الكريم‪ ،‬وكان يتف َّق ُد أحوال دراستي‬
‫ُ‬
‫إعراب‬
‫ِ‬ ‫ك َّل حين‪ ،‬وكان يختبرني دون أن أش��عر! كان يتساءل عن‬
‫فكن��ت ِ‬
‫أقتح ُم‬ ‫ُ‬ ‫بع��ض اآليات وتوجيهه��ا النح��وي واإلعرابي؛‬
‫ِ‬
‫ِّش في كتب التفاس��ير‪ ،‬ثم آتي ِه بالجواب‪ ،‬فيناقِ ُشنِي‬‫المكتبة‪ ،‬وأفت ُ‬
‫كنت أتوق َّ ُع‪ ،‬أنك َس��تَجِ ُد‬
‫بلطف‪ ،‬ويقول‪ :‬جزاك اهلل خيراً‪ ،‬هذا ما ُ‬
‫ٍ‬
‫اإلجابة الصحيحة‪.‬‬
‫كثي��راً م��ا ُكنَّا نناقش ه��ذه األم��ور في رمض��ان بعد صالة‬
‫يوم س��ؤاالً ِم َن ال َق ْد ِر الذي كنا نقرأهُ‬
‫إلي ك َّل ٍ‬
‫التروايح؛ كان يو ِّجه َّ‬
‫في الصالة‪.‬‬
‫وقرأت علي��ه «الصحيحين»‪ ،‬و«مش��كاة‬ ‫ُ‬ ‫س��معت منه‬
‫ُ‬ ‫وق��د‬
‫«الس��نَن األربع��ة»‪ ،‬و«العقائد‬
‫ب ُّ‬ ‫وس��معت منه غال ِ َ‬
‫ُ‬ ‫المصابيح»‪،‬‬
‫النسفيَّة»‪ ،‬و«كنز الدقائق»‪ ،‬و«الهداية»‪ ،‬وغير ذلك من الكتب‪.‬‬
‫ج��زاهُ اهلل خيراً على قد ِر اهتما ِمه بنا‪ ،‬وتحبيبه العل َم والعم َل‬
‫إلينا؛ فلوال عنايتُه الخاصة بتربيتن��ا وتعليمنا ل ُكنَّا من الذين ض َّل‬
‫ح ِسنُو َن ُ‬
‫صنْعا‪.‬‬ ‫ح َسبُو َن أنهم يُ ْ‬
‫سعيهم في الحياة الدنيا‪ ،‬وهم يَ ْ‬
‫‪  56‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫حادي عَشَر َ‬
‫الفصل ال َ‬
‫صفاتُه ومناق ِبُه‬

‫الس َكنْدَري‬
‫كان س��يدي الش��يخ العلاَّ مة المفتي عبدالرحيم ِّ‬
‫يحب من‬
‫ُّ‬ ‫نق��ي اللون‪ ،‬وكان‬
‫َّ‬ ‫ـ رحم��ه اهلل تعالى ـ وضيءَ الوج ِه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫إسراف‪ ،‬لم‬ ‫اس أجملَه من غير‬ ‫األثواب أحسنها‪ ،‬ويختار من اللِّبَ ِ‬
‫ِ‬
‫يض من الثياب‪ ،‬ولم يتع َّمم عند لُبسها سوى‬ ‫يَلْبَس في حياته إلاَّ البِ َ‬
‫بالعمامة البيضاء‪ ،‬وقد كان يقلِّده في مَلْبَ ِس��ه ومَ ْشيِه ومنهجِ ِه في‬
‫السند وفضالئها‪.‬‬
‫غفير من علماء بالد ِّ‬
‫إلقاء خطبه ودروسه ج ٌّم ٌ‬
‫ٍ‬
‫بصفات‬ ‫ولقد تميزت ش��خصيَّةُ شيخنا الراحل ـ رحمه اهلل ـ‬
‫ب مع الصبيان‬ ‫ومناق��ب عظيم ٍة منذ الصغر؛ فإنَّهُ لم يُ ْش�� َغل باللَّ ِع ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الشغوف بطلب العلم‪،‬‬ ‫واش��تُ ِه َر بين أساتذتِه بالطالب‬
‫في قريته‪ْ ،‬‬
‫والباحث ال��دؤوب الذي ال يم ُّل من القراءة والكتابة‪ ،‬وتحصيل‬
‫ونفس أبيَّة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ال ِعلْم وتعليمه للناس به َّم ٍة عالية‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بصف��ات فريدة‪،‬‬ ‫وإن ال ُمتَتَبِّ�� َع لس��يرته يج��د أن��ه كان يتميَّ ُز‬
‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪57‬‬
‫وخصائ��ص ت��كادُ تجعلُه وحي َد أقرانِ��ه‪ ،‬ومن أب��رز صفاتِه‪ :‬ق َّوةُ‬
‫َ‬
‫غريب األسئلة ونا ِد ِرها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫البديهة‪ ،‬وحضو ُر الذهن‪ ،‬واإلجابةُ على‬
‫السند‬
‫ص في بالد ِّ‬ ‫ص ُ‬ ‫مع كثرة الحفظ‪ ،‬وس��عة الرواية‪ .‬وت ُ ْر َوى ال ِق َ‬
‫والخواص؛ حتى إن‬
‫ِّ‬ ‫ع��ن ق ُ َّوة بديهته‪ ،‬وحضور ذهنه بين الع��وامِّ‬
‫صصاً ع��ن عق ِله الوقَّ��اد‪ ،‬وأجوبته الحاضرة‬
‫العلم��اء يتناقلو َن قِ َ‬
‫السريعة‪.‬‬
‫َّ‬
‫اش��تُ ِه َر ب��ه بين أعدائِ��ه‪ ،‬وال يُ ْم ِك ُن‬
‫أم��ا الزه�� ُد وال َو َر ُع فقد ْ‬
‫لمخالفه ـ مهما كانت درجة الخالف في العلم والفكر والمنهج ـ‬
‫أن يَتَّ ِه َمهُ في ُز ْه ِده و َو َر ِعه‪ ،‬والح ُّق ما َش ِهدَت به األعداءُ‪.‬‬
‫بالحزم والصرام ِة في كثي ٍر من المواقف‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وقد ُع ِرفَ ْ‬
‫واشتُ ِه َر‬
‫وكان م��ن نوادر العصر‪ ،‬ونوابغ الرجال ف��ي قوة العزم‪ ،‬والثبات‬
‫كثير الج ِّد فيما يعالجه من األمور‪ ،‬بعيداً عن ال َهزْل‬
‫عل��ى المبدأ‪َ ،‬‬
‫وسفاس��ف األش��يا ِء وخس��ائس األغراض‪ ،‬حريصاً على خدمة‬ ‫ِ‬
‫أس��رته وأهل��ه وإخوانه‪ ،‬وق��وراً مَ ِهيباً‪ ،‬محافِظاً عل��ى الواجبات‬
‫الدينية‪ ،‬والشعائ ِر اإلسالمية‪.‬‬
‫كان يُ ِعي ُن طلبةَ العلم في الملبَس والمأ َكل‪ ،‬ويش��ف ُع ويسعَى‬
‫ِ‬
‫الوظائف والخدمات‪.‬‬ ‫التحصيل في‬
‫ِ‬ ‫لهم ب َ ْع َد فراغهم من‬
‫‪  58‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫إخالص‬
‫ٍ‬ ‫وخالص ُة القول أنه قد ُع ِرفَ عنه ِعلْ ُمه وذكا ُؤه‪ ،‬مع‬
‫يبتغي به ال��دا َر اآلخرة‪ ،‬بعيداً عن ع ََرض الحياة الدنيا‪ .‬رحمه اهلل‬
‫تعالى رحم ًة واسعة‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪59‬‬

‫الفصل الثاني َ عَشَر َ‬


‫وفاتُه ُ‬

‫عاش س��يدي الوال��د العلاَّ م��ة الفقي��ه المفتي أب��و الفضل‬


‫الس�� َكنْدَري أربعاً وس��بعين عاماً؛ مالزم��اً خاللَها‬ ‫عبدالرحي��م ِّ‬
‫للجمع والتصنيف والتأليف والتدريس والدعوة واإلرش��اد إلى‬ ‫ِ‬
‫اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬إلى أ ْن ت ُ ُوف ِّ َي‪.‬‬
‫كان قد مَ ِرضَ أيَّاماً يس��يرة ـ حوال َ ْي أُسبوعين ـ‪ ،‬واشت َّد عليه‬
‫الخامس من شهر رجب‬ ‫َ‬ ‫ج ُمعة الموافق‬ ‫يوم ال ُ‬
‫المرضُ بعد صالة ِ‬
‫سنة ‪1439‬هـ بمدرس��ته «صبغة الهدى» بمدينة شاهفور جاكر‪،‬‬
‫ون ُ ِق َل إلى المستشفى في مدينة كراتشي‪.‬‬
‫ت ُ ُوف ِّ َي ـ رحمه اهلل ـ بها وهو يردِّدُ لفظ الجاللة «اهلل اهلل» بك ِّل‬
‫عشر من شهر رجب سنة‬ ‫َ‬ ‫الحادي‬
‫َ‬ ‫وس ِكينَة يوم الخميس‬ ‫طمأنين ٍة َ‬
‫‪1439‬هـ‪ ،‬الموافق التاسع والعش��رين من مارس سنة ‪2018‬م‪،‬‬
‫ج ُمعة‪.‬‬‫وبات في قبره ليلة ال ُ‬
‫��ف العلماء والمش��ايخ لموته‬ ‫وقد اغت َّم الناس ب ِف َراقِه‪َّ ،‬‬
‫وتأس َ‬
‫‪  60‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  إتحاف السري‬

‫تأسفاً شديداً‪ ،‬وب َ َك ْوا عليه‪ ،‬وأ َّر َخ لوفاتِه ٌ‬


‫كثير من الناس‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫غالب‬
‫حصره من ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُب‬
‫يصع ُ‬ ‫كانت جِ نازته َم ْش ُهودَةً‪ ،‬حضرها عددٌ ْ‬
‫ض�لاء ف َمن دُونَهم‪،‬‬ ‫أهل البل��د‪ ،‬و ُح ِم َل على أَعْن��اق العلماء وال ُف َ‬
‫ف‪ ،‬ولم يتخلَّف عن‬ ‫األسف لفقده‪ ،‬ورفعُوا نَع َْشه على األ َ ُك ِّ‬‫ُ‬ ‫و َع ُظ َم‬
‫الس��ندية‪ ،‬وال ُس ِم َع فيها بشي ٍء‬ ‫جِ نازته إِال من َش�� َّذ؛ فلم يُ َر بالديار ِّ‬
‫السند وصلحاؤها‪.‬‬ ‫ض َرهُ ك ُّل علماء ِّ‬ ‫أعظ َم من ذلك المشه ِد الذي َح َ‬
‫رحمه اهلل تعالى‪ ،‬ورف َع درجاته‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫بترجمة العلامة عبد الرحيم السكندري  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ‪61‬‬

‫الخاتمة‬

‫بعض األخبار من حياة عَلَ ٍم من‬


‫َ‬ ‫ق َ َّدمْنَا في الفصول الس��ابقة‬
‫الش��يخ العلاَّ مةُ الفقيهُ المفتي عبدالرحيم‬
‫ُ‬ ‫أعالم باكس��تان‪ ،‬وهو‬
‫بعض‬
‫ُ‬ ‫الس َكنْدَري الحنفي ـ رحمه اهلل ـ؛ فظهر لك ـ أيها القارئ ـ‬ ‫ِّ‬
‫مالمح حياتِه العلمية‪ ،‬و ُج ْه ِده الطيب المبارك‪.‬‬
‫وص َي به في خاتم ِة هذه الرسالة ما يلي‪:‬‬
‫وم َّما ينبغي أن ن ُ ِ‬
‫‪1‬ـ ضرورة االهتمام بإنشاء مكتبة كبيرة باسم الشيخ العلاَّ مة‬
‫الس َكنْدَري‪ ،‬تض ُّم ك َّل مؤلفاته‪ ،‬وما ُكتِب عنه؛‬
‫المفتي عبدالرحيم ِّ‬
‫يخص شخصيَّته‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫لتكون مرجعاً للعلماء والباحثين فيما‬
‫‪2‬ـ أن تُ�� َد َّرس ش��خصيَّتُ ُه في الجامعات‪ ،‬وت ُ َع َّد عنه رس��ائ ُل‬
‫خاص ًة في الجانب الفقهي‪ ،‬والكالمي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الماجس��تير والدكتوراه‪،‬‬
‫والتاريخي من حياته‪ .‬رحمه اهلل‪.‬‬
‫بعض ما‬
‫ُ‬ ‫ص‬ ‫غير المطبوعة‪ ،‬وت ُ ْش َر َح‪ ،‬ويُلَ َّ‬
‫خ َ‬ ‫‪3‬ـ أن تُن ْ َش َر كتبُه ُ‬
‫يحتاج التَّلْ ِخيص‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬ ‫‪  62‬‬
‫ظ على تُراثِه العلمي الذي ت َ َر َكه بيننا؛ وهو يتمثَّ ُل‬ ‫‪4‬ـ أن نحافِ َ‬
‫في مدرس��ته التي بناها‪ ،‬و ُكتُبِه الت��ي تركها؛ فَلْنَتَعا َو ْن في الحفاظ‬
‫على هذا التراث‪ ،‬ونشره في المجتمع‪.‬‬
‫دروس��ه الصوتية في ش��كل ُكت ٍُب ورسائل؛ ألن‬
‫ُ‬ ‫‪5‬ـ أن ت ُ َف َّر َغ‬
‫معلومات دقيقة‪ ،‬وهي ُخالصةٌ لما جاء‬
‫ٍ‬ ‫الكثير منها يحتوي على‬ ‫َ‬
‫في المط َّولاَ ت‪.‬‬
‫‪6‬ـ إنش��اء معاه��د ومدارس جديدة باس��مه؛ وف��اءً لجهده‪،‬‬
‫الناس ح َّق ق َ ْد ِره‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وإجالالً لعلمه وعمله؛ حتى يُ َق ِّد َرهُ‬
‫َه َذا َوبِاهللِ التَّ ْوفِي ُق‬
‫اإلخالص‪ ،‬ويتقبَّ َل مني‬
‫َ‬ ‫أس��أل اهلل تبارك وتعالى أن يَ ْر ُزقَنِي‬
‫ج ْهد‪ ،‬وينفعَني به يوم ال ينفع ما ٌل وال بنو َن إال َم ْن أتى اهللَ‬ ‫ه��ذا ال ُ‬
‫بقلب سليم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وسلَّم‪.‬‬
‫وصلى اهلل على سي ِدنا محم ٍد وعلى آلِه وصحبِه وبَا َر َك َ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫فهرس المحتو يات‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫تقديم ‪5 .............................................................‬‬
‫اسمه ونسبُه ومول ِ ُده ‪11 ................................‬‬
‫الفصل األول‪ُ :‬‬
‫االفصل الثاني‪ :‬نشأته وأسرته ‪14 ......................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬طلبه للعلم وشيوخه ‪16 ...............................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬تال ِمي ُذه‪20 .............................................‬‬
‫الستَّة وسائر العلوم الشرعية ‪22 ...‬‬
‫أسانيده في الكتب ِّ‬
‫ُ‬ ‫الفصل الخامس‪:‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬آثاره العلمية ‪29 .....................................‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬مكانتُه العلمية‪ ،‬وثناءُ العلماء عليه ‪36 .................‬‬
‫وحبُّه للكتب ‪48 ...............................‬‬ ‫ْ‬
‫الفصل التاسع‪َ :‬مكتَبَتُ ُه ُ‬
‫الخاصة‪53 .....................................‬‬
‫َّ‬ ‫الفصل العاشر‪ :‬حياتُه‬
‫الحادي َعشَ ر‪ :‬صفاتُه ومناقِبُه ‪56 ..............................‬‬
‫َ‬ ‫الفصل‬
‫َ‬
‫الثاني َع َش َر‪ :‬وفات ُ ُه‪59 ..........................................‬‬
‫َ‬ ‫الفصل‬
‫الخاتمة ‪61 ...........................................................‬‬
‫فهرس المحتويات ‪63 ................................................‬‬

You might also like