You are on page 1of 50

‫" الساعة الواحدة مساءا "‬

‫يمر الغريب‬
‫يدوس دفاترها المدرسية ‪ ،‬يبعثر علبة ألوانها‬
‫يطفئ شمعتها‬
‫يلملم أنينها ‪ ،‬أوراق كتابها الممزق‬
‫وأسمها المكتوب على صفح ٍة بيضاء‬
‫فتاة ٌ منسية بيتها قطعة من لحاف‬
‫‪...‬‬
‫بالخوف والقهر‬
‫ِ‬ ‫مليئتان‬
‫ِ‬ ‫تمشي وعيناها‬
‫يدركها زمن مكسور‬
‫والدرب المسي ُج بالصمت يركض في مفاصلها‬
‫تذوي في الممرات ‪،‬‬
‫ومن وق ٍ‬
‫ت آلخر يصطادها وه ٌج فتسقط في الرماد‪.‬‬
‫" الساعة الثانية مساءا "‬

‫في ذلك الشتاء التقطتُ صورتها‬


‫تماهت عيناها الزرقاوان وبشرتها البيضاء‬
‫وعامها الخامس عشر يركض في أعوامه االربعين‬
‫يا ذات الوجه الشاحب‬
‫والعينيين الذابلتين‬
‫هل " سيبقى متسع من موت " يعلن ارتحالك‬
‫والرصيف الراحل في العدم‬
‫أيقن بالفناء حين تعلق بالسراب‪.‬‬
‫صغيرتان فهاج في قلبها‬
‫ِ‬ ‫شامتان‬
‫ِ‬ ‫نبتت‬
‫بحر وردي اللون يمألوها مدٌ وجزر‬
‫ٌ‬
‫في صم ٍ‬
‫ت تجتر أآلمها اليومية ‪،‬‬
‫وظلها ينمو على ظله‬
‫المسكون الذي ينتظره األفول‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫" الساعة الثالثة مساءا "‬

‫يُقبل مبتسما ً والسجدة في جبينه تقبل األرض‬


‫ستار تتحرش بجسدها الغض‬
‫ٍ‬ ‫تمتد يده من خلف‬
‫طفولتها التي تحترق‬
‫من مالمسته‬
‫جلدها ينسلخ عنها ‪،‬‬
‫شمس الظهيرة تسرق مالمحها‬
‫تعصرها األحزان‬
‫ويمألوها قهر نبتتةٌ داستها األقدام‬
‫فتفيض السماء حرقة ً‬
‫تذوي المدينة في عيونها‬
‫حتى اآلن ما زال الرصيف يحصدها‬
‫" الساعة الرابعة مساءا "‬

‫فتى‬
‫كان ً‬
‫حلم‬
‫حجر نحتته الريح من بقايا ٍ‬
‫ٍ‬ ‫يغفو على‬
‫يتأرجح بين مآقي العابرين‬
‫يغيب خلف رائحة صحفٍ منثورة‬
‫يتراكم حوله الوهج ‪ ،‬تنز حوافه من االحتراق‬
‫األغنيات تكبر‬
‫والندى المعلق في األلوان‬
‫يغفو كلوح ٍة اعتادت إهمالها‪.‬‬
‫‪...‬‬
‫في غمرة الليل والسحب تغسل الطريق‬
‫خبز تبللت‬
‫يحمل قطعة ٍ‬
‫يطعمها صديقه " الكلب "‬
‫" الساعة الخامسة مساءا "‬

‫حين تنخر األيام قلوبهن ويسكن أرصفتهن‬


‫ٌ‬
‫حزن‬
‫وخوف‬
‫ٌ‬
‫وجوع‬
‫ب وصوب‬
‫تطوقهن األعين الشاردة من كل حد ٍ‬
‫يستبدلن الخيبات على كل رصيف‬
‫وحين تنمو زهرة في غور موع ٍد‬
‫يشعلن النار‬
‫في غيمة أمطرت في طرقات ٍ منسية‬
‫‪...‬‬
‫تمنيت أن أخترق أسوارهم ‪،‬‬
‫ثأري الذي سيأخذني حين تمتطيني‬
‫األسئلة‬
‫الرصيف يقشرني حزنا ً‬
‫حزنا ً‬
‫ودمعةً دمعة‬
‫فأرسم بدمي لوحة الخالص‪.‬‬
‫" الساعة السادسة مساءا "‬

‫في المطعم المقابل لرصيفها ‪،‬‬


‫الطاوالت تجتر حيرتها‬
‫تجترح غيمةً لغيابها ‪ ،‬لتدرك عصفورة خانها فوات األوان‬
‫تنتظر طفلتها التي اهترأت بغفل ٍة من أحالم اليقظة‬
‫بهجتها التي احتضنت رمادها‬
‫مدار عينيين زادته النجوم إنبثاقا ً‬
‫نثرته في ِ‬
‫لعجوز أصم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫تسقط زهرة األحزان لطفل ٍة تشرح صمتها‬
‫‪........‬‬
‫الذي كان يمألوها كل ليلة ‪ ،‬يرتشفها على مهل‬
‫دربها الذي ينكفئ في أضلعي‬
‫نهار معتم‬
‫طفلتها ال ستأتي ذات ٍ‬
‫تصحو وليس لها سوى نشيج من العذاب‬
‫وفنجان قهوة إندلق ‪،‬‬
‫وريح ابتدعت للمجيء حرائق االنتظار‬
‫وأنامل لم تعرف الـسكينة ‪ ،‬والسراب مثق ٌل بالمسير‪.‬‬
‫‪...........‬‬
‫في ذلك الركن القصي من البيت المهجور‬
‫أتأمل تعب أقدامها المسكونة بأنفاس الخوف‬
‫شمس عمياء "‬
‫ٍ‬ ‫كأزهار " عباد‬
‫أينما يممت أناملها‬
‫تشظت أحالمها العابرة‬
‫و" المهاجل " التي سقت طفولتها‬
‫جفت في حلقها‬
‫وحرث الغربا ُء براءتها الصامتة‪.‬‬
‫" الساعة السابعة مساءا "‬

‫على وقع الميزان وذاكرة من مروا عليه‬


‫تستهلكها األرقام الظاهرة والكلمات المختبئة في الوجوه‬
‫تئن األرقام ‪،‬‬
‫تقضي كل يومها‬
‫وفي آخر النهار تحرق الرياالت‬
‫في شربة ماء ووجبة غداء‬
‫الظالل الراحلة ‪ ،‬تمسح دمعتها المعلقة ‪،‬‬
‫وحين تواسيها ِ‬
‫تهرب من وجه المدينة‬
‫وتختبئ داخل براءتها‬
‫‪...‬‬
‫تسقي الحكايات كأسها ‪ ،‬تفيض أحزانها‬
‫وفي المساءات يخلد فيها المنفى‬
‫تتكوم حول جسدها ‪،‬‬
‫ويطل رأسها من بين ثنايا قطعة قماش مهترئة‬
‫تتكئ على كتف جدار مخلوع‬
‫تحلم بفرحٍ " طاعن في الشيخوخة " وأمنيا ٍ‬
‫ت هاربة‬
‫" الساعة الثامنة مساءا "‬

‫تقطف رائحة البرد لياليه المنسية‬


‫شجر منسيات‬
‫ٍ‬ ‫خلف أوراق‬
‫نهار موغل في الخطيئة‬
‫يترنح على أرصفة مشبعة برائحة ٍ‬
‫تعلقه الصورة المرسومة له‬
‫فيبتني رصيفا ً يراقب الخطوات الشاردة‬
‫يختصر " عجوز وجع العالم بعكازه "‬
‫‪.....‬‬
‫تتسلقه جبال األسئلة‬
‫أين ؟‬
‫كيف ؟‬
‫لماذا ؟‬
‫وما زال االسفلت بيته وعنوانه‬
‫ألنه ابن الخطيئة تتقاذفه الطرقات الخلفية‬
‫ال سبيل يأويه غير خطيئته‬
‫تحتضن تشرده غابا ٍ‬
‫ت سوداء‬
‫تجلجل ضحكاته بطول الهموم‬
‫ويحصد السنابل من حلكة الليل‬
‫‪........‬‬
‫اإلشارة تعرض جسده الذي لفحه التشرد‬
‫كفاترينة تعرض باقة ور ٍد‬
‫في المساءات ذات اللون الرمادي يذوي الشجر‬
‫لمستقر لها‬
‫ٍ‬ ‫تهبط األحزان‬
‫إطارات الصور التي ذوبتها نيران البوح‬
‫تحتويه في قوالبها‬
‫وما زال في وضع االنتظار‬
‫تستكين الشوارع ‪ ،‬يقشر الحجر لونه األصفر‬
‫تبهت الخطوات‬
‫تحجب خيوط الضوء عن يومه ‪ ،‬يسترخي على وهم التفاصيل‬
‫الظالل‬
‫يغيب في مسافات ِ‬
‫حين تتسلل الغيوم‬
‫كدهشة من نافذةٍ فاضت جدبا ً‬
‫" الساعة التاسعة مساءا "‬

‫حين يسحب الليل جثته ‪ ،‬تعزف السماء موالها‬


‫سأدعوه‬
‫لرقص ٍة هاربة من البرع ‪،‬‬
‫يحدق المزمار بأطراف قلبه‬
‫عمر االندهاش فيصحو على عمر من خمس دقائق‬
‫ويحسب ُ‬
‫‪ -‬من سيكتب الغياب ؟!‬
‫وكل رصيفٍ أضاع ساكنيه‪.‬‬
‫‪........‬‬
‫مغمور بقطرة حليب‬
‫ٍ‬ ‫فنجان من البن‬
‫ٍ‬ ‫كرائحة‬
‫من رائحة الليل ‪،‬‬
‫قمر دافئ ليكمل فراغه‪.‬‬
‫يتصاعد من القاع ضوء ٍ‬
‫تائه في زقازق أحالم ‪،‬‬
‫منذور للضياع في أرض عارية‬
‫عمر مقيت‬
‫إال من ٍ‬
‫الدرب يحصده وتذروه الرياح‪.‬‬
‫" الساعة العاشرة مساءا "‬

‫من نبع طفول ٍة ورائحة صباحا ٍ‬


‫ت ‪ ،‬من صفير الريح‬
‫وعبق رحيل حكايات جدات‬
‫ب اتعبته األماني‬
‫وشال يلتحف دمه المرمي في زاوية قل ٍ‬
‫ليل يقسو على خرابه‪،‬‬
‫يرحل حين يقطفه اليأس‬
‫وحين يمتلئ رعبا ً من نف ٍس مالهُ بهجةً‬

‫ألقى نظرة أخيرة ‪ ،‬لم ير سوى‬


‫زحام‬
‫ظالل‬
‫ذئاب‬
‫و‬
‫ض‬
‫ي‬
‫ا‬
‫ع‬
‫" الساعة الحادية عشرة مساءا "‬

‫صور متحركة‬
‫ٍ‬ ‫في طفولتها لم تحلم بأكثر من‬
‫علبة مكياج ‪،‬‬
‫عروس ٍة من بالستيك‬
‫صارت‬
‫تصاحب العويل أكثر ‪ ،‬تقطع دروبا من الترحال‬
‫أناملها استحالت قِطعا ً من فحم‬
‫أرض تتشعب داخلها‬
‫ٍ‬ ‫ت‬
‫تعرف أن ذاكرتها تحملها لمسافا ِ‬
‫تسهر معها أوهام ‪،‬‬
‫الظالل‬
‫ترقص أسراب ِ‬
‫وحين يتذكرها الُيتم يمر اآلتي سهوا‪.‬‬
‫‪.......‬‬
‫تمتطيها األفكار أنى اتجهت ‪ ،‬تتسع مالبسها محملةً بقطع ٍ‬
‫خبز ‪،‬‬
‫واحالم غرب ْ‬
‫ت‬
‫فنبتت لها أجنحة تراقص أيامها‪.‬‬
‫" الساعة الثانية عشرة مساءا "‬

‫يسأل التراب عن انكساراته‬


‫المرايا تلعب لعبتها ‪ ،‬تنكسر حين تشاء‬
‫تعكس صورته المكسورة‬
‫عذاباته‬
‫أفراحه‬
‫خيباته‬
‫يرفض ماضيه‬
‫يرفضه حاضره‬
‫يموت مستقبله ؛ يشنقه أبناء وطنه بالكلمات‬
‫" الساعة الواحدة صباحا "‬

‫في الحكاية تقولين ‪:‬‬


‫متجر ‪ ،‬تتفحصني النظرات‬
‫ٍ‬ ‫مرهقة أنزوي في ركن‬
‫يلتهمني االتهام‪.‬‬
‫متعبة من رصيفٍ يعرضنا كسوق نخاسة‬
‫نتخندق في زاوية معزولة كسجن خفي‬
‫والليل‬
‫كلما صرخ فيه األنين ‪ ،‬يمزق حجابه‬
‫يرحل الضوء في ذاكرة المكان‬
‫فترتعش نجمة أضاعت قمرها‬
‫‪....‬‬
‫يوم تحل فينا بالدٌ من القهر والظلم‬
‫كل ٍ‬
‫تنغلق ذواتنا ‪ ،‬نتخبط على كل رصيف‬
‫وخلف أسراب األفراح تنزفنا الطرقات ‪.‬‬
‫" الساعة الثانية صباحا "‬

‫يحكي الفتى‬
‫عندما تكتب الشمس حقيقتنا ‪ ،‬نشتاق‬
‫يسحقنا العمر ويمضي‬
‫حكاياتنا المنسيةُ تحت خطوات العابرين‬
‫خارطة أجسادنا المنهكة ‪،‬‬
‫تشتاق رائحة األمن‬
‫تجدف بنا األيام ‪،‬‬
‫ُ‬
‫تفتح لنا هاوية تشبه أوجاعنا‬
‫وذات يوم سنتناسل بين البشر‪.‬‬
‫‪.......‬‬
‫في ذكرى يُتمي تهشمت نجمةٌ‬

‫وأنهت وردة ٌ تكوينها‬


‫الساعات تستبيحني ‪،‬‬
‫األرض تضيق حولي‬
‫واأللم يتحول إلى وجه مليء بالتجاعيد‬
‫تتوكأ أ ٌم ثكلى عصا الليل ‪،‬‬
‫قارب ال مرفأ له‬
‫ٌ‬ ‫يبحر بنا‬
‫ُ‬
‫فال هي تتذكر البداية ‪ ،‬وال أنا أعرف الختام‪.‬‬
‫" الساعة الثالثة صباحا "‬

‫ألنك طفلةٌ تحتضن األحزان من وحشة الرصيف‬


‫ِ‬
‫مسلوبة األحالم‬
‫تقتفين حكاية نجمة قصية قيد التمني‬
‫وتعدين حقيبة للخرائط وتنزلقين بالطرقات‬
‫الم ُ‬
‫شبعة برائحة اإلطارات‬
‫‪.....‬‬
‫ألنك إمرأة ترقص على حبال الذاكرة‬
‫ِ‬
‫وتبتكر من الموت كل يوم رقصةً جديدة‬
‫تركضين نحو حق ٍل مشطور من األرجوان المنسدل‬
‫خلف ستارة الكون المشغول بالفتنة‬
‫واألماني‬
‫التي تحاولين اصطيادها ؛ تمضي‬
‫في جرحٍ باركته المواسم‬
‫" الساعة الرابعة صباحا "‬

‫ألنك طف ٌل تترجل أفراحك في كل منعطفٍ‬


‫تعجز الرياح أن تمحو شقاوته ‪،‬‬
‫تحتمي بالنسيان‬
‫في محطا ٍ‬
‫ت يسبقك اليها حنين آثم‬
‫‪.......‬‬
‫ألنك رج ٌل يغزوك الخوف ‪ ،‬تختبئ في مساءات تائهة‬
‫تبتل بالحنين كلما طفى االنتظار‬
‫ألنك ال تؤمن بالنهايات تعاني الفقد في معرك ٍة‬
‫عتْمةُ انقاضك‪.‬‬
‫انتصرت فيها ُ‬
‫‪....‬‬
‫ٌ‬
‫إنسان مول ٌع بالخطيئة ‪ ،‬تغفو‬ ‫ألنك‬
‫على حافة األرق‬
‫وتصحو ذاكرتك على احتراق‬
‫حين تنكسر روحك تعبر نجمة في صم ٍ‬
‫ت‬
‫لتتسع مساحةُ حزنك‪.‬‬
‫" الساعة الخامسة صباحا "‬

‫الجرح الذي يشرب من ثقوب الضوء ‪،‬‬


‫ينسل كمشه ٍد‬
‫غارق في وجوههم المنهوكة‬
‫الجرح ال يشبه اللعنة ينبش األلوان الهاربة من ريشتها‬
‫ق من األرق‬
‫ال يبُقي لهم سوى أورا ٍ‬
‫‪.....‬‬
‫النهار يشهر أطرافه الممدودة‬
‫بستان للغرباء‬
‫ٍ‬ ‫وصعلوك إنبثق من‬
‫عمر باغتهم‬
‫ً‬ ‫تنتعل فصول الجرح وهنها ‪ ،‬تمضي فوق خرائب‬
‫الموت الذي ال ينام جاءهم في جذوة الحلم‬
‫غافلتهم خيباتهم كغرباء يرتلون‬
‫آخر ِظل في المشهد‪.‬‬
‫" الساعة السادسة صباحا "‬

‫الفتاة التي تأخذ من التشرد لعنةً وإنكسارات في مواسم الندى‬


‫صارت بنفسجةً غفت‬
‫على مرافئ النحيب‬
‫الفتاة ال تجيد الثرثرة تحكي موتها لجمهور من الصدى ‪،‬‬
‫مطر يمارس طقوسه‬
‫ٍ‬ ‫وتحتمي من‬
‫تنبعث من فرقعة حلم‬
‫واالنتظار‬
‫ُ‬
‫يفتح لها صندوق الضياع‪.‬‬
‫" الساعة السابعة صباحا "‬

‫عيون الشهوةِ‬
‫ِ‬ ‫الفتاة المسجونة في‬
‫تمنحهم وعدا ً ثم‬
‫توغل في اليباب‪.‬‬
‫" الساعة الثامنة صباحا "‬

‫ذات شتاءٍ كانوا يغرسون أعمارهم بضحكا ٍ‬


‫ت من أجزائهم المبعثرة‬
‫فترتدي دروبهم أرديةً مثقوبة باألرصفة‬
‫ال أمس لهم ولكنها هذه الليلة‬
‫يشعلهم الحنين لرصيفٍ غادرهم‬
‫يجلسون على عتبة الشمس‬
‫في انتظار موت ينتشي في حدقات الوجوه‪.‬‬
‫" الساعة التاسعة صباحا "‬

‫في غرفته وحدهُ مع هذا الجرح تحفره هوة ال تنتهي‬


‫مريب هذا الجرح ‪،‬‬
‫يسقطه من لهف العيون‬
‫قبل طلوع جمرة الفؤاد‬
‫باردة ٌ كل الوجوه ‪ ،‬كلما نطق الفرح‬
‫" غار نصل اليأس "‬
‫اليو ُم تكتمل السنون ‪،‬‬
‫تطوي السماء أشرعتها‬

‫تاركةً إرثا من فتنة شارعٍ‬


‫علهُ‬
‫ينجو من حكايات المارين‪.‬‬
‫" الساعة العاشرة صباحا "‬

‫في التشرد يُشن ُق البو ُح على نوافذ األرصفة‬


‫الروح تُعريهم ‪ ،‬تُحد ُق في الفراغ الممتد‬
‫علها تكشف ِظاللهم‬
‫أطل على المرفأ المهجور ‪،‬وماضيهم يعبر من خاللي‬
‫يسجن ذكرياتهم ‪ ،‬يُشردُ آمالهم‪.‬‬
‫وطفولة الُيتم حملتهم فصوالً‬
‫والفصول تعيد ترتيب خريفها وربيعها‬
‫المدينة التي أحبوها نسيتهم في شوارعها الخلفية‬
‫وأطفأت قناديلها‪.‬‬
‫" الساعة الحادية عشرة صباحا "‬

‫الزواج يفتح لها نوافذ الظالم‬


‫في عامها األول كانت أمها تحتضن آناتها‬
‫في الثاني كان أبوها يهيئها للفرح‬
‫في الثالث أقبلت على الدنيا‬
‫في الرابع كان الفرح يبني لها قصورا‬
‫في الخامس كان القدر يعيد ترتيب أوراقه‬
‫في السابع أخذوها من لعبها‬
‫في الثامن كانت الفتاة ُ اللعبة ‪ ،‬تصرخ ملئ العالم‬
‫حينها سقطت مضرجة بآساها ويأسها‬
‫ورويدا ً‬
‫رويدا‬
‫اختفى ُ‬
‫ألق الحياة من حدائق عينيها‬
‫" الساعة الثانية عشرة ظهرا "‬

‫الفتى ذو البشرةِ السوداء يطوف الطرقات‬


‫يكنس األرصفة‪ ،‬تكنسهُ األقدام واأليدي‬
‫ُ‬
‫يلتحف قلبهُ األبيض ‪ ،‬يحاول أن يلحق أحالمه المبتورة‬
‫ُ‬ ‫وفي الليل‬
‫وينام حامالً عصاه يهش بها ما استطاع من تعبه‪.‬‬

‫يقترب؛ يسبقه حزنُهُ المتوارث وآالفا ً من الحكايا يلملمها ‪،‬‬


‫الشجون التي تشظيه تجمع حطام أحالمه‬
‫من عتمات االسفلت‪.‬‬
‫تالحقه انكسارات ماضيه وخطوات من خلف عمره‬
‫وفي قلبه صالة ٌ تسافر خلف أقمار الراحلين‬
‫وقصيدة ٌ حزينة‪.‬‬
‫" ساعة فائضة "‬

‫ت‬
‫يرسم الفتى على دفاتره ما ال يتذكره ‪ ،‬يكتب أغنيا ِ‬
‫صباه المدفون ِة داخله‪.‬‬
‫ب‬
‫ق الشجر ورائح ِة الترا ِ‬
‫وحين يغفو على حفيف ور ِ‬
‫يصحو وهو ال يتذكر شيئا‬
‫يشيب الطف ُل داخله أعواما ‪،‬‬
‫يحزم حقائبه‬
‫ويرح ُل في صقيع النسيان‬
‫تكبل الطرقات خطواته ُكلما اتسعت‬
‫والخوف نقش أسمائه على باب كل حلم‬
‫وكلما ضلله استدل على الطريق‬
‫" الساعة المنسية "‬

‫ينهش جسده اإلرهاق ‪،‬‬


‫يستقبل األجساد الملقاة على الرصيف‬
‫في رحلة التشرد ال يجد سوى األرصفة‬
‫واالسفلت والتراب والسراب‬
‫ال أمها ٍ‬
‫ت لهم وال أباء‬
‫ال مهد يؤيهم وال لحد‬
‫يسرح كل صباح ‪ ،‬يقابل نفس الرصيف‬
‫نفس اإلشارة‬
‫وكل مساء يستقب ُل ضيفا ً جديدا ً ‪.‬‬
‫" ساعة مهدورة "‬

‫عروقها الناتئة من البرد ‪ ،‬مالمحها المحملةُ بالغبار والسواد ‪:‬‬


‫ُ‬
‫تتحصن داخل ذاكرتها‬
‫على ُكرسيها المتحرك وابتسامتها ‪،‬‬
‫ضحكتها ال تُنسي الرصيف تعب ِ‬
‫يوم ِه‬
‫تتألم بصم ٍ‬
‫ت ‪ ،‬تشاهد المهرولين للمدارس‬
‫تتحس ُر بآخر النهار حين تعود بحفن ٍة‬
‫من القهر وكثير من الجروح‪.‬‬
‫" ساعة اليقظة "‬

‫تسل ُخ الطرقاتُ ِجلد أقدامهم‬


‫تُمزق حبالُهم الصوتية ‪،‬تنجب كل يوم اطفاالً جددا ً ‪،‬‬
‫وحين ينخرهم ماضيهم يدفنون مستقبلهم‬
‫ويتلقون التهاني‬
‫‪......‬‬
‫وحدهم غارقون في سيل هموم ال تنتهي ‪،‬‬
‫ال سبيل ينجيهم ‪ ،‬تحميهم أحجار‬
‫تسترهم ألوا ٌح من كراتين‬
‫وحدُهم يُشر ِشفُون أمنياتهم وفي عزلة ينتظرون خاتمة‬
‫ومن نصف غيبوبة يشرفون على هاوي ِة النسيان‪.‬‬
‫في غابا ٍ‬
‫ت من الممرات المتشابكة تتسلل حكايات وأقمار‬
‫لقادم ِها‬
‫ِ‬ ‫ونجو ٌم تؤثث‬
‫تتوقف كثيرا ً باإلشارات لتنطلق بالممرات الخلفية‬
‫تصنع مستقبلها‪.‬‬
‫المدينة المعجونة نهاراتها برائحة العرق‬
‫تضج ارصفتها بأصوات البائعين‬
‫ليل المدينة اعين صاغرة تحصي ارصفةً نخر السوس فيها‪.‬‬
‫المدينة التي كانت تزورني محملة بالحلوى‬
‫واللعب‬
‫ذات نهار معتم ؛ دفنت آخر ابتساماتي‬
‫وأغلقت نوافذ الضوء‬
‫وفتحت بوابة المقابر ‪.‬‬
‫وحدي هذه الليلة ؛ أقلب أوراق الرواية‬
‫أبحث عن وجهها في زوايا تنهيدة‬
‫والفراغ يحدق بي‬
‫وحدي هذه الليلة ؛ أشعر بالموت‬
‫وشا ٌل مغزول من شفق األمنيات‬
‫يدثرني‬
‫لمدينة جاوزت ربيع العمر‬
‫يدثرني لمو ٍ‬
‫ت قادم‪.‬‬
‫المدينة السائرة في الضالل‬
‫محاصر بالموت‬
‫ٍ‬ ‫كلما مر إنكسارها على رصيفٍ‬
‫متخ ٌم بالذكريات والخيبات‬
‫منذور للريح "‬
‫ٍ‬ ‫إنتصار "‬
‫ٍ‬ ‫تتكئ على‬
‫المدينة الغارقة في إيقاعاتها خارج طيات الزمن‬
‫خبز‬ ‫تح ُ‬
‫دق في رغيف ٍ‬
‫توارى خلف ِظل أمني ٍة‬
‫وقعت‬
‫في شركٍ شاهق‪.‬‬
‫في جنازت ِه ؛ أهدوني وشاحا ً وباقة ورد‬
‫مديحا ً في ساحة حرب‪.‬‬
‫في جنازت ِه‬
‫يمتدُ الوجع في ُح ٍلم حاصرته ذاكرتي‬
‫‪..........‬‬

‫وحدي أصحو هذا الصباح‬


‫ب‬
‫وال أجد من يقطف لي رائحة الشذا ِ‬
‫شجر الخراب‪.‬‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫وحدي هذا الصباح وال شيء معي‬
‫سوى‬
‫دمي المترامي األطراف‬
‫ض ِك الُمراق‬
‫نب ُ‬
‫وصور تتقاطر من شهوةِ الموت‪.‬‬
‫تائه في مدارات الجنون وهذياني الموجوع‬
‫" بذاكر ٍة مشوه ٍة "‬
‫لمدينة تكتب بالمكياج تاريخها‬
‫والليل المقسوم ضفتين‬
‫ضفة ال أول لها‬
‫وضفةٌ ال آخر لها‬
‫وانا كالرماد في ثنايا الحجر‪.‬‬
‫أنا الغارق في الحشرجات‬
‫في وهج األفول ؛ أخوض موتا ً ال مالمح له‬
‫أنا عابر السبيل الذي يسبقه موته‬
‫أحتمي باألرصفة ؛ وأمنية هاربة من شباك الرصاص‪.‬‬
‫وحدي أرسم األحالم‬
‫أستوطن حجارتها ؛ أسافر في مالمحها الشخصية‬
‫تاركا ً أغراضي الشخصية‬
‫إطار فارغ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫دون مالمح داخل‬
‫فحم‬
‫ضفاف سحاب ٍ ؛ يذوي كقطع ٍ‬
‫أراك على ِ‬
‫ِ‬
‫مغروستان بالنشيج‬
‫ِ‬ ‫ويدان‬
‫ِ‬
‫تبدآن بالطواف‪.‬‬
‫وحدي‬
‫أبحث عن مدينة أضاعت تاريخها‬
‫وفيها ينبت الموت على وقع زامل‬
‫" ما نبالي "‬

You might also like