Professional Documents
Culture Documents
الشعب (لا) يريدتغييرالنظام PDF
الشعب (لا) يريدتغييرالنظام PDF
2
الشعب (ال) يريد تغيري النظام :يف األصول النفسية
للمحافظة السياسية
طارق عثامن
ملخص
كيـــف ميكـــن أن يوجـــد نظـــام اجتامعـــي أو ســـيايس أو اقتصـــادي يكـــون مـــن
ش ــأنه أن يلح ــق الضي ــم بالن ــاس ،ولكنه ــم م ــع ذل ــك يحتملون ــه ببال ــغ الص ــر ،ب ــل يف
بعـــض األحيـــان ال يحتملونـــه وفقـــط وإمنـــا يدعمونـــه عـــاوة عـــى ذلـــك؟
ملـــاذا ال يســـعى النـــاس إىل تغيـــر األوضـــاع االجتامعيـــة التـــي يعانـــون تحـــت
وطأتهـــا؟
ملــاذا تغلب عىل الناس املحافظة السياســية؟
تح ــاول ه ــذه الدراس ــة أن تلق ــي الض ــوء ع ــى ه ــذه األس ــئلة م ــن وجه ــة نظ ــر
ســـيكولوجية ،مـــن خـــال ســـراألصول النفســـية للمحافظـــة السياســـية ،وذلـــك بتقديـــم
مراجعـــة لنظريـــة تربيـــر النظـــام مقدماتهـــا ،وأطروحتهـــا ،وأصولهـــا التطوريّـــة.
3
عم وجدنــا عليه آباءنا!..
قالــوا أجئتنــا لتلفتنا ّ
(القــرآن الكريم ،يونس)78 :
األشــياء التي نقوم بها هي ]يف أعيننا[ دامئًا أشــياء حســنة.
(ليون فيســتنجر ،اإلرث البرشي)
والســكني فوق عنقها ،الترغب الشــاة يف يشء قدر رغبتها يف الذبح.
(فرانــك أندروود ،بيــت العنكبوت )house of cards
– مقدمة:
ال ينفـــك ســـافوي جيجـــك يكـــرر عـــى مســـامعنا مقولـــة فريدريـــك جيمســـون
1
«م ــن األي ــر علين ــا الي ــوم أن نتخي ــل نهاي ــة الع ــامل ع ــن أن نتخي ــل نهاي ــة الرأس ــالية»،
ليش ــر إىل الكيفي ــة الت ــي تعم ــل به ــا األيديولوجي ــا فين ــا عمله ــا يف الزم ــن الراه ــن ،لق ــد
1ت ُعــزى هــذه املقولــة أحيانًــا ،بالخطــأ إىل جيجــك ،ولكــن جيجــك نفســه قــد عزاهــا مـرا ًرا إىل جيمســون ،عــى ســبيل املثــال يف كتابــه
العيــش يف أزمنــة النهايــة ،إذ يقــول« :مقولــة جيمســون التهكميــة القدميــة ذات وجاهــة اليــوم أكــر مــن أي وقــت مــى :إنــه ملــن األيــر
أن نتخيــل وقــوع كارثــة معممــة تضــع حـدًا للحيــاة عــى األرض عــن أن نتخيــل حــدوث تغــر حقيقــي يف العالقــات الرأســالية» (,Zizek
.)334 :2010ولقــد قالهــا جيمســون ألول مــرة يف كتابــه بــذور الزمــن« :يبــدو أنــه مــن األيــر علينــا اليــوم أن نتخيــل الدمــار الــكيل
لــأرض وللطبيعــة عــن أن نتخيــل انهيــار الرأســالية املتأخــرة» ( .)xii :1994 ,Jamesonولكــن جيمســون نفســه ،وعــى نحــو مربــك ،قــد
استشــهد بهــا فيــا بعــد يف نــص لــه نُــر يف الـــنيو ليفــت ريفيــو بعنــوان مدينــة املســتقبل وعزاهــا إىل مجهــول« :شــخص مــا قــد قــال
ذات مــرة أنــه مــن األيــر أن نتخيــل نهايــة العــامل عــن أن نتخيــل نهايــة الرأســالية» ( .)76 :2003 ,Jamesonوبحســب ماثيــو بيومنــت
فــإن الشــخص املجهــول الــذي يتحــدث عنــه جيمســون هــو إتــش بــروس فرانكلــن الــذي نجــد عنــده أول جمــع بــن نهايــة الرأســالية،
ونهايــة العــامل يف جملــة واحــدة ،ولكــن يف ســياق مختلــف متا ًمــا ،إذ يقــول يف تعليــق لــه عــى روايــة أبوكاليبــس لجــى جــي بيــارد « إن
بيــارد يخلــط بــن نهايــة الرأســالية ونهايــة العــامل» ( .)88 :2014 ,Beaumontومهــا يكــن مــن أمــر فــإن هــذه املقولــة قــد اشــتهرت
عــى يــد جيجــك الــذي كررهــا يف مــا ال يحــى مــن مناســبات :يف خطابــه يف إحــدى تظاه ـرات حركــة احتلــو وول ســريت ،ويف فيلمــه
دليــل املنحــرف إىل األيديولوجيــا ،ويف الكتــاب املستشــهد بــه ،حتــى ال نذكــر إال القليــل.
4
أقنعتن ــا ب ــأن تغي ــر النظ ــام الرأس ــايل أم ــر مس ــتبعد الح ــدوث متا ًم ــا ،لدرج ــة أن ــه مل
يع ــد بوس ــعنا أن نتخي ــل حت ــى ح ــدوث ذل ــك .يطل ــق م ــارك في ــر ع ــى ه ــذا الوض ــع
اســـم «الواقعيـــة الرأســـالية» (« :)capitalist realismذلـــك اإلحســـاس الشـــائع ليـــس
فق ــط ب ــأن الرأس ــالية ه ــي النظ ــام الس ــيايس واالقتص ــادي الوحي ــد القاب ــل للتطبي ــق،
أيضـــا بأنـــه مـــن املســـتحيل اآلن حتـــى تخيـــل بديـــل متامســـك لهـــا» (,Fisher وإمنـــا ً
2 :2009؛ التشـــديد يف األصـــل) .يســـتدل كل مـــن جيجـــك وفيـــر عـــى هـــذا الفقـــر
األيديولوجـــي للخيـــال بأفـــام الديســـتوبيا الراهنـــة؛ فاملفـــرض أن الفكـــرة األساســـية
الثانوي ــة خل ــف أف ــام الديس ــتوبيا (أو اليوتوبي ــا) ه ــي تصوي ــر أمن ــاط عي ــش جدي ــدة،
إال أن ذل ــك لي ــس ه ــو الحاص ــل بالفع ــل يف أف ــام الي ــوم .فالكارث ــة تح ــل ع ــى الع ــامل
نع ــم ،ولكنه ــا ال ت ــأيت بنظ ــام جدي ــد كلي ــة .فق ــط نف ــس النظ ــام القدي ــم ولك ــن مس ــاوئه
قــد بلغــت الحــدود القصــوى .ففــي )2006( children of menأللفونســو كيــوران ،عــى
س ــبيل املث ــال ،ينبهن ــا في ــر إىل أن سالس ــل املقاه ــي ]الت ــي ع ــى ش ــاكلة س ــتاربكس[
ال ت ــزال موج ــوده بش ــكل طبيع ــي جن ًب ــا إىل جن ــب م ــع معس ــكرات االعتق ــال الهمجي ــة
( 2 .)2 :2009 ,Fisherفـــا الـــذي يجعـــل نظـــام اقتصـــادي وســـيايس كالرأســـالية فيـــه
م ــن الج ــور م ــا في ــه يتمت ــع به ــذا الق ــدر م ــن االس ــتقرار بحي ــث يعج ــز الن ــاس ع ــن
مج ــرد تخ ّي ــل زوال ــه؟
يتحـــدث جيجـــك (وفيـــر وجيمســـون) هنـــا عـــن الرأســـالية التـــي ال يتحمـــل
الن ــاس وجوده ــا ويتقبلون ــه وفق ــط ،وإمن ــا يعاملونه ــا كبداه ــة منقطع ــة النظ ــر ،بحي ــث
أنهـــم ال يســـتطيعون حتـــى ولـــو مـــن بـــاب االســـتيهام الســـينياميئ ( ،)fantasyتخ ّيـــل
وجـــود نظـــام آخـــر غريهـــا .لكـــن هـــذه الوضعيـــة ليســـت حكـــ ًرا عـــى الرأســـالية يف
2يشــر جيجــك إىل أن هــذا هــو الحــال أيضً ــا يف ألعــاب الفيديــو التــي تجــري أحداثهــا يف عــامل مــا بعــد الكارثــة .وللمزيــد عــن هــذه
الفكــرة عامــة مــع تحليــل مفصــل لفيلــم )2011( contagionلســتيفني ســودربريج ،كنمــوذج عــى تصــور نهايــة العــامل دومنــا نهايــة
الرأســالية ،انظــر .)2014( Beaumont
5
واق ــع األم ــر ،إنه ــا متعلق ــة ب ــكل نظ ــام قائ ــم ومس ــتقر ،ك ــا س ــتحاجج ه ــذه الدراس ــة.
فل ــو عدن ــا مث ـ ًـا ،خمس ــة ق ــرون إىل ال ــوراء (إىل 1548تحديــ ًدا) س ــنجد أن إيتي ــان دو
ال بويـــي هـــو تقري ًبـــا أول مـــن استشـــكل هـــذه الوضعيـــة ،وإن كان يف ســـياق آخـــر،
وأطلـــق عليهـــا اســـم العبوديـــة الطوعيـــة ،إذ يقـــول:
م ــا أود أن أعرف ــه ه ــو كي ــف أمك ــن للعدي ــد م ــن الن ــاس ،وم ــن الق ــرى ،وم ــن
امل ــدن ،وم ــن األم ــم أن تع ــاين األمري ــن أحيانً ــا ،ع ــى ي ــد طاغي ــة متوح ــد ال ميل ــك م ــن
ق ــوة س ــوى تل ــك الت ــي مينحون ــه إياه ــا ،وال يق ــدر ع ــى إلح ــاق ال ــر به ــم إال بق ــدر
مـــا يريـــدون هـــم أن يقاســـوا ...إنـــه ألمـــر مذهـــل بـــا ريـــب ،ولكنـــه شـــائع جـــ ًدا
بالرغ ــم م ــن ذل ــك .ف ــأن ي ــرى امل ــرء مالي ــن م ــن الن ــاس رازح ــن يف الش ــقاء وأعناقه ــم
تح ــت الن ــر م ــن دون أن يكون ــوا مرغم ــن ع ــى ذل ــك م ــن ِقب ــل ق ــوة قاه ــرة ،له ــو
3
أم ــر مث ــر ل ــأمل أك ــر من ــه مث ــر للدهش ــة» (.)41-40 :2008 ,de la Boetie
6
ع ــاوة ع ــى ذل ــك؟ أو لنق ــل ذل ــك بعب ــارة أخ ــرى :مل ــاذا ال يس ــعى الن ــاس إىل تغي ــر
األوضـــاع االجتامعيـــة التـــي يعانـــون تحـــت وطئتهـــا؟ ملـــاذا مل تحـــدث الثـــورات عـــى
مـــدار التاريـــخ البـــري إال نـــاد ًرا بالرغـــم مـــن أنـــه تاريـــخ مـــرع بالظلـــم والقهـــر
والالمس ــاواة؟ أو مل ــاذا ،حت ــى نتكل ــم بلغ ــة أيديولوجي ــة ،تغل ــب ع ــى الن ــاس املحافظ ــة
السياس ــية ()political conservatism؟ بعيــ ًدا ع ــن التفس ــرات السياس ــية (االقتصادي ــة،
التاريخي ــة ،أو السوس ــيولوجية) س ــتحاول ه ــذه الدراس ــة أن تلق ــي بع ــض م ــن الض ــوء
عـــى هـــذه األســـئلة مـــن وجهـــة نظـــر ســـيكولوجية ،وذلـــك بســـر األصـــول النفســـية
للمحافظ ــة السياس ــية ،م ــن خ ــال تقدي ــم مراجع ــة لنظري ــة تربي ــر النظ ــام ( system
)justification theoryالت ــي طوره ــا ج ــون جوس ــت (وزم ــاؤه) ،مبناقش ــة مقدماته ــا
وأطروحتهـــا واألصـــول التطوريـــة التـــي ميكـــن أن تكـــون مبنيـــة عليهـــا.
7
أيضـــا مبثابـــة نظريـــات عـــن كيفيـــة و ِعلـــة اجتـــاع ســـات حـــول الجامعـــات ،هـــي ً
معينـــة مـــع بعضهـــا البعـــض» ( .)240 :1996 ,Hiltonأمـــا وظيفـــة الصـــور النمطيـــة
فه ــي وظيف ــة س ــياقية مبعن ــى أنه ــا تظه ــر يف س ــياقات معين ــة لتق ــوم بوظائ ــف معين ــة
تفرضه ــا ه ــذه الس ــياقات ،وعام ــة «تظه ــر الص ــور النمطي ــة كطريق ــة لتبس ــيط الجه ــد
الذهن ــي املطال ــب م ــن املتلق ــي بذل ــه ،وذل ــك بتيس ــرها لعملي ــة معالج ــة املعلوم ــات
االجتامعي ــة ع ــن األف ــراد أو الجامع ــات ،إذ تس ــمح ل ــه باإلعت ــاد ع ــى املعرف ــة املخزن ــه
عوضـــا عـــن االعتـــاد عـــى املعلومـــات الجديـــدة» (:1996 ,Hilton ســـابقًا يف عقلـــه ً
،)238يف رضب مـــن االقتصـــاد الذهنـــي إذا جـــاز القـــول .أو لنقـــل ذلـــك بعبـــارة
تطوريـــة :الصـــور النمطيـــة هـــي تكيـــف ذهنـــي اجتامعـــي ،إنهـــا «ال تعيننـــا عـــى أن
نبح ــر يف بيئتن ــا االجتامعي ــة املعق ــدة وفق ــط ،وإمن ــا ه ــي تفع ــل ذل ــك بكف ــاءة عالي ــة
أيض ــا؛ فف ــي الواق ــع ،الص ــور النمطي ــة مبثاب ــة أجه ــزة موف ــرة للطاق ــة» (& Hutchison ً
()6
.)292 :2015 ,Martin
باإلضافـــة إىل هـــذه الوظيفـــة الذهنيـــة ( )cognitiveالعامـــة للصـــور النمطيـــة
مث ــة وظيف ــة أخ ــرى له ــا ،ولكنه ــا وظيف ــة دافعي ــة ( )motivationalه ــذه امل ــرة :إنه ــا
التربي ــر ( .)justificationويقص ــد بالتربي ــر هن ــا عام ــة «اس ــتخدام فك ــرة م ــا لرشعن ــة
أو دعـــم فكـــرة أخـــرى أو ســـلوكيات معينـــة» ( .)1 :1994 ,Jost & Banajiيســـتخدم
النـــاس ،إذن الصـــور النمطيـــة بغـــرض التربيـــر ،ولكـــن تربيـــر مـــاذا بالضبـــط؟ يف أول
األمـــر حـــر والـــر ليبـــان ( )1922وظيفـــة الصـــور النمطيـــة التربيريـــة يف تربير-األنـــا
( :)ego-justificationيســـتخدم النـــاس الصـــور النمطيـــة لتربيـــر وحاميـــة وضعهـــم
6كــا هــو الحــال مــع الكثــر مــن الصــور النمطيــة الذائعــة بيننــا ،عــى ســبيل املثــال« :الصعايــدة أغبيــاء»« ،املنايفــة بخــاء»« ،بنــات
كليــة هندســة يفتقــرون للجــال» وهكــذا..
8
االجتامعـــي ولتربيـــر ســـلوكياتهم.
7
ه ــدف الص ــور النمطي ــة ،إذن ه ــو حامي ــة تص ــور امل ــرء ع ــن ذات ــه وتقدي ــره له ــا
( ،)self-esteemبتربي ــر مواقف ــه وأحاسيس ــه وس ــلوكياته ووضع ــه االجتامع ــي.
ولك ــن فرضي ــة تربير-األن ــا يعتوره ــا بع ــض النق ــص ،إذ ال تصل ــح لتفس ــر الح ــاالت
اآلتي ــة:
(أ) الص ــور النمطي ــة الس ــلبية ع ــن ال ــذات ،كأن يتبن ــى أف ــراد الجامع ــات األدىن
حظ ــوة يف املجتم ــع ص ــورة منطي ــة س ــلبية ع ــن أنفس ــهم وع ــن الجامع ــة الت ــي ينتم ــون
إليه ــا.
(ب) اس ــتخدام األف ــراد الص ــور النمطي ــة يف ح ــاالت ال يحتاج ــون فيه ــا إىل تربي ــر
أوضاعه ــم أو س ــلوكياتهم ،كأن يتبن ــى امل ــرء ص ــورة منطي ــة س ــلبية ع ــن جامع ــة مل يتفاع ــل
معه ــا أص ـ ًـا ،وم ــن ث ـ ّم ه ــو لي ــس بحاج ــة إىل تربي ــر ترصفات ــه حي ــال أفراده ــا ،أو تربي ــر
وضع ــه االجتامع ــي مقارن ــة بوضعه ــم .أو كأن يتبن ــى أف ــراد الجامع ــات املحروم ــة ص ــور
منطي ــة س ــلبية ع ــن بعضه ــم البع ــض بالرغ ــم م ــن أن وال واح ــدة منه ــا أع ــى رتب ــة م ــن
األخ ــرى بحي ــث تك ــون بحاج ــة إىل تربي ــر وضعه ــا االجتامع ــي؛.
(ج) تشـــارك قطاعـــات عريضـــة مـــن املجتمـــع لنفـــس الصـــور النمطيـــة .أي أن
نفـــس الصـــور النمطيـــة يتـــم اســـتخدامها مـــن ِقبـــل أفـــراد مختلفـــن ،أفـــراد يفـــرض
أن له ــم س ــلوكيات وأوض ــاع مختلف ــة تحت ــاج إىل تربي ــرات مختلف ــة ،وم ــن ثــ ّم ص ــور
منطيـــة مختلفـــة (.)5-4 :1994 ,Jost & Banaji
بع ــد ليب ــان اق ــرح ه ــري تاجف ــل (وزم ــاؤه م ــن منظ ــري الهوي ــة االجتامعي ــة
والتوحـــد االجتامعـــي) 8أن يتـــم توســـيع نطـــاق الوظيفـــة التربيريـــة للصـــور النمطيـــة
7األغنيــاء مثـ ًـا ،يســتخدمون الصــور النمطيــة عــن الفق ـراء بوصفهــم كســاىل غــر مجتهديــن ،ومــن ث ـ ّم يســتحقون فقرهــم لتربيــر
وضعهــم االجتامعــي كأغنيــاء .الجنــود املعتــدون يســتخدمون الصــور النمطيــة عــن املعتــدى عليهــم بوصفهــم همــج وغــر متحرضيــن
لتربيــر عدوانهــم ( ،)1994 ,Jost & Banajiوهكــذا.
8ملراجعة لنظرية الهوية االجتامعية ( )social identityوالتوحد االجتامعي ( ،)social identificationانظر.)2016( Hogg ،
9
لتمتـــد مـــن الفـــرد إىل الجامعـــة ،وهـــو مـــا يُعـــرف بفرضيـــة تربير-الجامعـــة (group-
:)justificationغـــرض الصـــور النمطيـــة هـــو حاميـــة وضـــع وســـلوك الجامعـــة التـــي
ينتمـــي إليهـــا الفـــرد .ومـــن ثـــ ّم تُســـتخدم الصـــور النمطيـــة لتربيـــر وعقلنـــة أفعـــال
الجامع ــة الت ــي ينتم ــي إليه ــا الف ــرد (الـــ )in-groupاملرتكب ــة ،أو املن ــوي ارتكابه ــا يف
ح ــق الجامع ــات األخ ــرى (الـــ .)out-groupوكذل ــك يتبن ــى أف ــراد جامع ــة معين ــة ص ــور
منطي ــة س ــلبية ع ــن الجامع ــات األخ ــرى بغ ــرض متيي ــز جامعته ــم واإلع ــاء م ــن ش ــأنها
عـــى حســـاب الجامعـــات األخـــرى (انظـــر عـــى ســـبيل املثـــال .)1981 ,Tajfel :وفقـــا
له ــذه الوظيف ــة األوس ــع للص ــور النمطي ــة ميك ــن للم ــرء ،إذن أن يتبن ــى ص ــو ًرا منطي ــة
معينـــة ال لتربيـــر ســـلوكياته أو وضعـــه االجتامعـــي ،وإمنـــا لتربيـــر ورشعنـــة ســـلوكيات
وأوضـــاع األفـــراد اآلخريـــن الذيـــن يشـــاركهم نفـــس الهويـــة االجتامعيـــة.
وبذلـــك تكـــون فرضيـــة تربير-الجامعـــة قـــد ســـدت بعـــض فجـــوات الفرضيـــة
األوىل ،فهـــي تفـــر اآليت ،عـــى ســـبيل املثـــال:
(أ) تبن ــى الف ــرد ص ــور منطي ــة س ــلبية ع ــن جامع ــة مل يحت ــك به ــا ع ــى اإلط ــاق،
ولك ــن احت ــك به ــا أف ــراد آخ ــرون ينتم ــون لجامعت ــه.
(ب) تبنـــى الجامعـــات املحرومـــة صـــو ًرا منطيـــة ســـلبية عـــن بعضهـــم البعـــض
بالرغ ــم م ــن تس ــاويهم يف الب ــؤس ،وذل ــك مب ــا أن األص ــل يف العالق ــات ب ــن الجامع ــات
هـــو ،وفقًـــا لنظريـــة الهويـــة االجتامعيـــة التنافـــس( .ج) تفـــر شـــيوع نفـــس الصـــور
النمطي ــة ب ــن أف ــراد مختلف ــن ،وذل ــك مب ــا أنه ــم يش ــركون يف نف ــس الهوي ــة االجتامعي ــة،
ولكـــن فرضيـــة تربير-الجامعـــة ال يـــزال يعتورهـــا بالرغـــم مـــن ذلـــك بعـــض النقـــص،
فه ــي ال تف ــر الح ــاالت اآلتي ــة ع ــى س ــبيل املث ــال:
(أ) تش ــارك جامعت ــان مختلفت ــان لنف ــس الص ــور النمطي ــة ،فالرج ــال والنس ــاء ،مث ـ ًـا،
يتبنـــون نفـــس الصـــور النمطيـــة الجندريـــة ،كذلـــك كل مـــن البيـــض والســـود يتبنـــون
نف ــس الص ــور النمطي ــة العرقي ــة.
10
(ب) تبن ــى ص ــور منطي ــة س ــلبية ع ــن ال ــذات والجامع ــة ،فالنس ــاء مث ـ ًـا يتبن ــون
نف ــس الص ــور النمطي ــة الذكوري ــة الس ــلبية عنه ــم ،مث ــل :امل ــرأة عاطفي ــة مبعن ــى أنه ــا
غ ــر عقالني ــة ،وامل ــرأة س ــلبية.
(ج) ظاه ــرة تفضي ــل الجامع ــة الخارجي ــة ( )out-group favoritismكأن يفض ــل
الفق ــراء مث ـ ًـا أف ــراد الطبق ــات الغني ــة ع ــن أف ــراد الطبق ــات الفق ــرة (,Jost & Banaji
،)9-6 :1994ولس ــد ه ــذه الفج ــوات الت ــى تع ــاين منه ــا الفرضيت ــن الس ــابقتني ،اق ــرح
جوســـت وباناجـــي ( )1994فرضيـــة ثالثـــة :تســـتخدم الصـــور النمطيـــة ،باإلضافـــة اىل
اســتخدامها يف تربير-األنــا وتربير-الجامعــة ،يف تربير-النظــام .واملقصــود بالنظــام ()system
هنـــا ،ومبصطلحـــات تالكـــوت بارســـونز« ،شـــبكة ُمبنيَنـــة مـــن العالقـــات االجتامعيـــة»،
أي «نظـــام مـــن ســـرورات التفاعـــل بـــن الفاعلـــن االجتامعيـــن» (:2005 ,Parsons
،)15وق ــد يك ــون النظ ــام ماديًّ ــا كاألرسة ،املنظ ــات ،املؤسس ــات ،أو املجتم ــع ككل .أو
غـــر مـــادي كاملعايـــر والقواعـــد غـــر املكتوبـــة للمعامـــات والســـلوكيات (,.Jost et al
.)4 :2009أو لنقـــل ذلـــك ببســـاطة :املقصـــود بالنظـــام هنـــا هـــو مختلـــف الرتتيبـــات
االجتامعيـــة القامئـــة .أمـــا مفهـــوم تربير-النظـــام فيشـــر إىل «العمليـــة النفســـية التـــي
يتـــم بواســـطتها تقبـــل وتفســـر وتربيـــر األوضـــاع الســـائدة ســـواء كانـــت اجتامعيـــة،
سياســـية ،اقتصاديـــة ،جنســـية ،أو قانونيـــة ببســـاطة ألنهـــا أوضـــاع قامئـــة» (& Jost
11 :1994 ,Banaji؛ التشـــديد منـــي).
يحاجـــج جوســـت وباناجـــي هنـــا إذن ،بـــأن مثـــة ظواهـــر ال ميكـــن تفســـرها
باإلحال ــة ع ــى وظيفت ــي الص ــور النمطي ــة املتمثلت ــن يف حامي ــة األن ــا وحامي ــة الجامع ــة،
وإمنـــا باإلحالـــة عـــى وظيفـــة ثالثـــة هـــي حاميـــة النظـــام القائـــم .وهـــذه الوظيفـــة
الثالثـــة مـــن شـــأنها ،يف أغلـــب األوقـــات ،أن تتعـــارض مـــع الوظيفتـــن األوىل والثانيـــة:
«فبخـــاف فرضيـــة تربير-األنـــا أو تربير-الجامعـــة التـــي تفـــرض وجـــود ميكانيـــزم
11
تكيفـــي نفـــي وراء الصـــور النمطيـــة (حاميـــة األنـــا أو األنـــا الجمعـــي األوســـع) ،ال
يلع ــب تربير-النظ ــام دو ًرا مش ــاب ًها يف حامي ــة مصال ــح ال ــذات والجامع ــة .فف ــي الواق ــع
يشـــر تربيـــر النظـــام إىل العمليـــة النفســـية التـــي يتـــم بواســـتطها حاميـــة الرتتيبـــات
االجتامعي ــة القامئ ــة بغ ــض النظ ــر ع ــن األرضار النفس ــية ،واملادي ــة الت ــي تخلفه ــا ع ــى
األفـــراد والجامعـــات املحرومـــة» ( ،)10 :1994 ,Jost & Banajiوبعبـــارة أخـــرى يشـــر
تربير-النظ ــام إىل «العملي ــة النفس ــية الت ــي يت ــم بواس ــطتها رشعن ــة النظ ــام االجتامع ــي
القائ ــم حت ــى ل ــو كان ذل ــك ع ــى حس ــاب مصلح ــة الف ــرد ومصلح ــة الجامع ــة» (Jost
.)2 :1994 ,& Banajiطُ ــورت الص ــور النمطي ــة إذن ،ل ــي ت ُس ــتخدم يف تفس ــر وتربي ــر
بعـــض األوضـــاع القامئـــة كالنظـــام الســـيايس واالقتصـــادي ،وهرميـــة الســـلطة واملكانـــة
االجتامعي ــة طريق ــة توزي ــع امل ــوارد ،وطريق ــة تقس ــيم األدوار االجتامعي ــة ،وهل ــم ج ــرا.
وبالت ــايل ،يف ــرض أن تك ــون الص ــور النمطي ــة (كمعتق ــدات ش ــائعة ح ــول الجامع ــات)
مصاحبـــة ألي نظـــام مـــن شـــأنه أن يقســـم النـــاس إىل طبقـــات مختلفـــة ذات أدوار
اجتامعيـــة مختلفـــة ومكانـــة اجتامعيـــة مختلفـــة ،وذلـــك مبـــا أن النـــاس مييلـــون إىل
النظـــر إىل هـــذه الرتتيبـــات عـــى أنهـــا مـــررة ،ومـــن ثـــ ّم يحتاجـــون إىل صـــور منطيـــة
لرشعنـــة وعقلنـــة هـــذه الرتتيبـــات (.)3 :1994 ,Jost & Banaji
بجانـــب الوظيفـــة التكيفيـــة للصـــور النمطيـــة :حاميـــة األنـــا أو الجامعـــة مثـــة
وظيفـــة أخـــرى إذن ،ولكنهـــا وظيفـــة أيديولوجيـــة هـــذه املـــرة« :تضطلـــع الصـــور
النمطيـــة بوظائـــف أيديولوجيـــة ،وبالتحديـــد ،إنهـــا تقـــوم بتربيـــر اســـتغالل جامعـــات
بعينهـــا لجامعـــات أخـــرى ،وتفســـر فقـــر وعجـــز بعـــض الجامعـــات وغنـــى ونجـــاح
الجامعـــات األخـــرى بطـــرق مـــن شـــأنها أن تجعـــل هـــذه الفـــروق تبـــدو رشعيـــة بـــل
حتـــى طبيعيـــة» ( .)10 :1994 ,Jost & Banajiتقـــرب الصـــور النمطيـــة يف وظيفتهـــا
هـــذه مـــن مفهـــوم «الوعـــي الزائـــف» ( )false consciousnessيف التقليـــد املاركـــي،
12
مبعن ــى املعتق ــدات الخاطئ ــة الت ــي يعتنقه ــا امل ــرء والت ــي م ــن ش ــأنها أن تبق ــي علي ــه
مضطهــ ًدا ومقمو ًع ــا؛ «أي أن يتمس ــك الف ــرد مبعتق ــدات مض ــادة ملصلحت ــه أو ملصلح ــة
جامعت ــه ،وبالت ــايل تحاف ــظ ع ــى األوض ــاع الظامل ــة الت ــي يعيش ــها الف ــرد أو الجامع ــة».
ع ــى س ــبيل املث ــال :االعتق ــاد ب ــأن معان ــاة الف ــرد ال من ــاص منه ــا أو أنه ــا مس ــتحقة؛ أو
أن املكان ــة االجتامعي ــة الت ــي يتس ــنمها األف ــراد تعك ــس ،مه ــا كان ــت قيمته ــم الفعلي ــة
وم ــا يس ــتحقونه (3 :1994 ,Jost & Banaji؛ ولتحلي ــل مفص ــل ملفه ــوم الوع ــي الزائ ــف،
ولبي ــان األدل ــة الس ــيكولوجية الت ــي تربه ــن علي ــه ،انظ ــر 1995 ,Jost؛ ولدف ــاع فلس ــفي
عنـــه ،انظـــر .)2011 ,Lukes
لنجمــل القــول إذن :للصور النمطية ثالثــة أنواع من الوظائف:
ذهنية .و(ب) دافعيــة تكيفية.
و(ج) دافعي ــة أيديولوجي ــة .تتمث ــل الوظيف ــة الذهني ــة يف توف ــر الجه ــد الذهن ــي
وتيســـر اإلبحـــار يف العـــامل االجتامعـــي املعقـــد .وتتمثـــل الوظيفـــة الدافعيـــة التكيفيـــة
يف حامي ــة األن ــا وحامي ــة الجامع ــة بتربي ــر س ــلوكياتهام وأوضاعه ــا االجتامعي ــة .بين ــا
تتمثـــل الوظيفـــة الدافعيـــة األيديولوجيـــة يف حاميـــة النظـــام القائـــم بتربيـــره وعقلنتـــه
ورشعنتـــه .وانطالقًـــا مـــن طبيعـــة الصـــور النمطيـــة وطبيعـــة وظائفهـــا هـــذه ،تحاجـــج
9
نظريـــة تربيـــر النظـــام عـــن أن الدوافـــع البرشيـــة عامـــة ال تقتـــر يف هـــذا الســـياق،
عـــى الدوافـــع املتعلقـــة بحاميـــة الـــذات وبحاميـــة الجامعـــة وهـــا نوعـــان جليـــان
ومفهوم ــان م ــن أن ــواع الدواف ــع البرشي ــة ،وإمن ــا مث ــة ن ــوع ثال ــث م ــن الدواف ــع وه ــو
املتعل ــق بحامي ــة النظ ــام االجتامع ــي القائ ــم .أو بعب ــارة أخ ــرى مث ــة ث ــاث أن ــواع م ــن
الدواف ــع البرشي ــة( :أ) تربير-األن ــا؛ و(ب) تربير-الجامع ــة؛ و(ج) تربير-النظ ــام .وتحاج ــج
النظري ــة ب ــأن
9نتحــدث هنــا عــن رضب بعينــة مــن رضوب الدوافــع البرشيــة الواســعة ،وهــو املتعلــق بالتربيــر والعقلنــة .وملراجعــة شــاملة لنظريــة
الدوافــع البرشيــة بعامــة انظــر.)2013( Petri & Govern ،
13
( )1هــذه الدوافــع تتم عىل مســتوى الالوعي يف املقام األول.
( )2ميكـــن أن يكـــون مثـــة تضـــارب بـــن هـــذه الدوافـــع الثـــاث وهـــو مـــا قـــد
يول ــد الــراع بينه ــا ،خاص ــة ب ــن تربي ــر األن ــا وتربي ــر الجامع ــة يف جه ــة وتربي ــر النظ ــام
يف الجه ــة املقابل ــة .فف ــي بع ــض األحي ــان ،وك ــا س ــنبني الح ًق ــا ،تنس ــجم الدواف ــع الثالث ــة
مـــع بعضهـــا البعـــض ،ولكـــن يف أحيـــان أخـــرى تتنـــازع فيـــا بينهـــا ،فتكـــون الغلبـــة
أحيانًـــا لدوافـــع تربيـــر األنـــا وتربيـــر الجامعـــة عـــى حســـب تربيـــر النظـــام ،ولكـــن يف
أحي ــان أخ ــرى ،وه ــي الت ــي تعنين ــا هن ــا تحديــ ًدا ،تك ــون الغلب ــة لتربي ــر النظ ــام :فـــ»يف
ظ ــروف معين ــة س ــيقوم الن ــاس بتربي ــر الوض ــع القائ ــم مه ــا كان الثم ــن ،ع ــى نح ــو
يتج ــاوز رغبته ــم يف تربي ــر مصالحه ــم الخاص ــة أو مصال ــح جامعاته ــم» (,Jost & Banaji
10 :1994؛ التشـــديد منـــي).
عندمـــا نريـــد أن نعـــرف األســـباب التـــي تجعـــل نظـــام مـــا ينعـــم باإلســـتقرار
الشـــديد عـــى الرغـــم مـــن كونـــه يلحـــق الضيـــم بالنـــاس فإننـــا نفتـــش ،غالبًـــا ،عنهـــا
يف ناحيـــة النظـــام نفســـه :تاريخـــه ،وســـاته ،وآليـــات عملـــه ،ولكـــن نظريـــة تربيـــر
النظـــام تدعونـــا ألن نيمـــم وجهنـــا شـــطر ناحيـــة أخـــرى :النـــاس الذيـــن يعيشـــون يف
ظ ــل ه ــذا النظ ــام أنفس ــهم؛ ال ينع ــم نظ ــام مجح ــف باالس ــتقرار بفض ــل خصائص ــه أو
أيض ــا وه ــو األه ــم هن ــا بفض ــل الن ــاس أنفس ــهم الذي ــن آلي ــات عمل ــه وفق ــط ،وإمن ــا ً
يعان ــون من ــه؛ وذل ــك ألن الن ــاس لديه ــم مي ــل اس ــتعداد داف ــع أصي ــل لتربي ــر النظ ــام،
أي نظ ــام قائ ــم حت ــى ل ــو كان ذل ــك النظ ــام يع ــود بال ــرر ع ــى مصالحه ــم الش ــخصية،
أو مصالـــح جامعاتهـــم ،وهـــذه هـــي األطروحـــة األساســـية لنظريـــة تربيـــر النظـــام.
ولك ــن يجبهن ــا هن ــا س ــؤاالن :كي ــف يق ــوم الن ــاس بتربي ــر النظ ــام؟ ومل ــاذا يقوم ــون
بذل ــك أص ـ ًـا ،خاص ــة إذا م ــا كان ه ــذا النظ ــام يلح ــق به ــم أرضار معت ــرة؟ س ــنحاول أن
نجي ــب ع ــى هذي ــن الس ــؤالني تبا ًع ــا.
14
-العقلنة :آلية تربير الوضع القائم:
الثعلـــب والعنـــب ،هـــي إحـــدى حكايـــات إيســـوب الشـــهرية ،ومتـــي الحكايـــة
كالت ــايل :كان الثعل ــب يتض ــور جو ًع ــا ف ــرأي عناقي ــد العن ــب الناضج ــة تت ــدىل م ــن أيك ــة
عاليـــة ،فلجـــأ إىل كل الحيـــل لـــي يصـــل إليهـــا ،ولكنـــه أضنـــى نفســـه بـــا جـــدوى،
فتـــوىل عنهـــا يف نهايـــة املطـــاف ،ومداريًـــا لخيبـــة أملـــه قـــال لنفســـه« :إنـــه حـــرم
عـــى أيـــة حـــال وليـــس ناض ُجـــا كـــا ظننـــت» (إيســـوب25 :2003 ،؛ مـــع تـــرف
يســـر يف الرتجمـــة( .تـــرح هـــذه الحكايـــة ،عـــى نحـــو بليـــغ ،إحـــدى امليكانيزمـــات
الدفاعي ــة األساس ــية الفرويدي ــة ،10 ،وه ــي العقلن ــة ( .)rationalizationوالعقلن ــة ه ــي
«ميكانيـــزم دفاعـــي إنـــكاري ،يســـمح للفـــرد بـــأن يتعامـــل مـــع الرصاعـــات العاطفيـــة
أو مـــع الضغـــوط النفســـية الداخليـــة أو الخارجيـــة ،عـــن طريـــق اختـــاق تفســـرات
مطمئن ــة وخادم ــة لل ــذات ولكنه ــا خاطئ ــة ألف ــكاره ،أو أفعال ــه ،أو مش ــاعره أو ألف ــكار،
أو أفعـــال ،أو مشـــاعر اآلخريـــن التـــي تغطـــي عـــى دوافـــع أخـــرى» (,.Knoll et al
2016؛ التش ــديد من ــي) .م ــا فعل ــه الثعل ــب هن ــا ه ــو «عقلن ــة» خيبت ــه يف الوص ــول إىل
العن ــب ع ــن طري ــق الق ــول لنفس ــه ب ــأن العن ــب ال ــذي عج ــز ع ــن نوال ــه ال يس ــتحق
التح ــر ع ــى فوات ــه ،فه ــو مج ــرد ح ــرم ال ي ــزال ،وببس ــاطة ميك ــن النظ ــر إىل العقلن ــة
هنـــا ،أي بوصفهـــا ميكانيـــزم دفاعـــي عـــى أنهـــا رضب مـــن خـــداع النفـــس والكـــذب
عليهـــا بغـــرض حاميتهـــا مـــن الضغـــوط النفســـية (لألصـــول التطوريـــة لخـــداع النفـــس
انظـــر.)2011 ,Trivers ،
10امليكانيزمــات الدفاعيــة ( )defense mechanismsهــي ســرورات نفســية أومتاتيكيــة تحمــي الفــرد مــن الرصاعــات العاطفيــة أو
الضغــوط العصبيــة ،كاإلنــكار ،الكبــت ،اإلســقاط ،الفكرنــة ،اإلســاء ،النقــل ،وإلــخ ،وانظــر للتفصيــل.)2006( Cramer ،
15
تج ــادل نظري ــة تربي ــر النظ ــام بأنن ــا نفع ــل م ــع الوض ــع القائ ــم ( )status quoم ــا
فعل ــه ثعل ــب إيس ــوب م ــع العن ــب :العقلن ــة .فم ــن أه ــم األس ــباب الت ــي تجع ــل نظ ــام
مـــا ينعـــم باإلســـتقرار هـــو أن النـــاس أنفســـهم هـــم الذيـــن يرشعنـــون هـــذا النظـــام
ويكرســـون اســـتقراره ،مبـــا لديهـــا مـــن قـــدرة عـــى العقلنـــة والتربيـــر« :ميتلـــك النـــاس
«جه ــاز مناع ــة نف ــي» ميكنه ــم م ــن التأقل ــم م ــع النتائ ــج غ ــر املرج ــوة املنج ــرة ع ــن
النظ ــام واالنس ــجام معه ــا ع ــن طري ــق اإلع ــاء م ــن قيم ــة الوض ــع القائ ــم وتبخي ــس
قيم ــة بدائل ــه» ( .)1300 :2002 ,.Kay et alوبالت ــايل ،عندم ــا يع ــاين الن ــاس تح ــت وط ــأة
نظـــام قائـــم فإنهـــم ،ولـــي يتأقلمـــوا مـــع معاناتهـــم يف ظـــل هـــذا النظـــام ،يقومـــون
عوضـــا عـــن يســـعون إىل تغيـــر النظـــام لـــي ينســـجم مـــع رغباتهـــم، بعقلنتهـــا .أي ً
يقومـــون بتغيـــر رغباتهـــم لتنســـجم مـــع النظـــام .أو كـــا يقـــول بروســـت يف البحـــث
ع ــن الزم ــن املفق ــود (الج ــزء الس ــادس ألربت ــن يف الش ــتات أو الش ــاردة) «نح ــن ال ننج ــح
يف تغيـــر األشـــياء لتتوافـــق مـــع رغباتنـــا ،وإمنـــا رغباتنـــا هـــي التـــي تتغـــر بالتدريـــج
لتتوافـــق مـــع األشـــياء» ( مستشـــهد بـــه يف.)1301 :2002 ,.Kay et al ،
هـــذا وتتخـــذ عقلنـــة الوضـــع القائـــم منطـــن ،يســـميهام وليـــام ماجويـــر وكلـــر
ماجوي ــر ( ،)1991وع ــى نح ــو اس ــتعاري ،بـــ (« )1العن ــب الحام ــض» و (« )2الليم ــون
الحل ــو» .والفرضي ــة األساس ــية الثاوي ــة وراء ه ــذا التصني ــف ه ــي التالي ــة :مث ــة عالق ــة
طرديـــة بـــن درجـــة مرغوبيـــة الحـــدث واحتامليـــة وقوعـــه .مبعنـــى ،كلـــا كانـــت
احتامليـــة وقـــوع حـــدث مـــا كبـــرة ،كلـــا تـــم اعتبـــاره حدث ًـــا مرغوبًـــا مـــن طـــرف
النـــاس ،وكلـــا كانـــت احتامليـــة وقـــوع الحـــدث ضعيفـــة ،كلـــا تـــم اعتبـــاره حدث ًـــا
غ ــر مرغ ــوب في ــه م ــن ط ــرف الن ــاس .وبن ــا ًء علي ــه ،يتخ ــذ النم ــط األول م ــن عقلن ــة
الوض ــع القائ ــم الص ــورة التالي ــة :إذا كان م ــن غ ــر املرج ــح لح ــدث م ــا أن يق ــع ف ــإن
النـــاس مييلـــون إىل اعتبـــاره حـــدث غـــر مرغـــوب فيـــه ،ومـــن ثـــ ّم مييلـــون إىل الحـــط
16
م ــن أهمي ــة اآلث ــار اإليجابي ــة الت ــي م ــن املف ــرض أن يخلفه ــا حدوث ــه ،وم ــن خط ــورة
اآلث ــار الس ــلبية الت ــي م ــن املف ــرض أن مينعه ــا حدوث ــه ،الح ــدث هن ــا «عن ــب» ولك ــن
ملـــا كان وقوعـــه غـــر مرجـــح تـــم النظـــر إليـــه عـــى أنـــه «حامـــض» .ويتخـــذ النمـــط
الث ــاين الص ــورة التالي ــة :إذا كان م ــن املرج ــح لح ــدث م ــا أن يق ــع ،ف ــإن الن ــاس مييل ــون
إىل اعتبـــاره حدث ًـــا مرغوبًـــا ،ومـــن ثـــ ّم مييلـــون إىل املبالغـــة يف تقديـــر أهميـــة اآلثـــار
اإليجابي ــة الت ــي م ــن املف ــرض أن يخلفه ــا حدوث ــه ،ويف تقدي ــر خط ــورة اآلث ــار الس ــلبية
الت ــي م ــن املف ــرض أن مينعه ــا حدوث ــه .الح ــدث هن ــا «ليم ــون» ولك ــن مل ــا كان وقوع ــه
مرج ًح ــا ت ــم النظ ــر إلي ــه ع ــى أن ــه «حل ــو» (Kay et ;1991 ,McGuire & McGuire
.)2002 ,.al
عندمـــا يكـــون النظـــام الســـيايس (أو االقتصـــادي أو االجتامعـــي) القائـــم إذن،
ينعـــم باالســـتقرار مبعنـــى أن النـــاس ال يـــرون أن إمكانيـــة تغيـــره كبـــرة أو محتملـــة،
فإنهـــم ميارســـون رضيب العقلنـــة هاتـــن يف حقـــه حتـــى يتســـنى لهـــم التأقلـــم نفســـ ًيا
مـــع معاناتهـــم تحـــت وطأتـــه :املبالغـــة يف تقديـــر أهميـــة التبعـــات اإليجابيـــة التـــي
تخلفهـــا قـــرارات هـــذا النظـــام وسياســـاته ،ويف تقديـــر خطـــورة التبعـــات الســـلبية
الت ــي متنعه ــا قرارات ــه وسياس ــاته ،والح ــط م ــن أهمي ــة التبع ــات اإليجابي ــة الت ــي م ــن
املفـــرض أن يخلفهـــا تغيـــره ،ومـــن خطـــورة التبعـــات الســـلبية التـــي مـــن املفـــرض
أن يزيلهـــا تغيـــره .النظـــام القائـــم ،إذن« ،ليمـــون» لكـــن مل كان تغيـــره غـــر مرجـــح
ت ــم النظ ــر إلي ــه ع ــى أن ــه «حل ــو» ،وبدائ ــل النظ ــام القائ ــم «عن ــب» ولك ــن مل ــا كان
تحققه ــا غ ــر مرج ــح ت ــم النظ ــر إليه ــا ع ــى أنه ــا «حامض ــة» .ونالح ــظ ه ــذا امليكاني ــزم
الدفاع ــي بج ــاء ،ع ــى س ــبيل املث ــال ،يف الطريق ــة الت ــي يتعام ــل به ــا مواطن ــن دول ــة
مـــا ،عـــى ســـبيل املثـــال ،مـــع القـــرارات االقتصاديـــة القاســـية التـــي يتخذهـــا النظـــام
الحاك ــم ال ــذي يتمت ــع باالس ــتقرار؛ فبالرغ ــم م ــن أرضاراه ــا الرصيح ــة الت ــي ال تخطأه ــا
17
الع ــن ع ــى املواطن ــن إال أنه ــم ،وخاص ــة الطبق ــات املحروم ــة منه ــم (انظ ــر م ــا ي ــي)،
مييلـــون إىل عقلنـــة وتربيـــر هـــذه القـــرارات ،ويزيـــد هـــذا امليـــل كلـــا كان النظـــام يف
ع ــن الن ــاس غ ــر قاب ــل للتغي ــر.
العقلن ــة ه ــي إذن ،اآللي ــة الت ــي بواس ــطتها يق ــوم الن ــاس بتربي ــر النظ ــام يكف ــي
إذن ،لنظ ــام م ــا (س ــيايس ،اقتص ــادي ،أو اجتامع ــي) أن يك ــون قامئً ــا بح ــق ،أي أن يك ــون
مســـتق ًرا لدرجـــة كبـــرة ،بحيـــث ال يكـــون تغيـــره إمكانيـــة محتملـــة تلـــوح يف األفـــق،
حت ــى ت ــزداد مرغوبيت ــه يف أع ــن الن ــاس ،وحت ــى يقوم ــون بعقلن ــة وتربي ــر كل ترصفات ــه
مه ــا كان ــت فظيع ــة ،ومه ــا كان ــت تع ــود عليه ــم بال ــرر .ولك ــن مل ــاذا يفع ــل الن ــاس
ذل ــك يف املق ــام األول؟ م ــا ه ــي دوافعه ــم؟ أو مل ــاذا يق ــوم الن ــاس بتربي ــر النظ ــام؟
18
مل يش ــهد الع ــامل مثله ــا ق ــط» (مستش ــهد ب ــه يف 2 :2009 ,.Jost et al؛ التش ــديد من ــي).
ولكـــن مـــا هـــي بالظبـــط هـــذه امليكانيزمـــات النفســـية الرحيمـــة التـــي تجعـــل املـــرء
يتحمـــل تعاســـته؟ إنهـــا تربيرالنظـــام يحاجـــج جوســـت وزمـــاؤه ،فتربيـــر النظـــام هـــو
ال ــذي يع ــن الن ــاس ع ــى التعام ــل م ــع واقعه ــم الق ــايس وع ــى تأقلمه ــم مع ــه ،ع ــن
طريـــق عقلنـــة هـــذا الواقـــع والنظـــر إليـــه كواقـــع عـــادل ومنصـــف ورشعـــي .يقـــول
لرينـــر « :يـــود النـــاس أن يعتقـــدوا؛ بـــل هـــم مضطريـــن ألن يعتقـــدوا أنهـــم يعيشـــون
يف عـــامل عـــادل ،ومـــن ثـــم ميكنهـــم أن ميضـــوا يف حيواتهـــم اليوميـــة وهـــم يشـــعرون
بالثقـــة واألمـــل يف مســـتقبلهم» ( .)14 :1980 ,Lernerميكـــن القـــول إذن ،بـــأن النـــاس
لديه ــم داف ــع غ ــر واع ــي يف املق ــام األول ،لتربي ــر النظ ــام القائ ــم ،ألن ذل ــك م ــن ش ــأنه
أن ميكنهـــم مـــن التأقلـــم مـــع الواقـــع القـــايس الـــذي يفرضـــه هـــذا النظـــام« :ينخـــرط
الن ــاس يف تربي ــر النظ ــام بغ ــرض التعام ــل والتكي ــف م ــع الوقائ ــع غ ــر العادل ــة ،وغ ــر
الس ــارة الت ــي تب ــدو له ــم محتوم ــة» (146 :2003 ,Jost & Hunyady؛ التش ــديد من ــي).
عندم ــا يك ــون الوض ــع القائ ــم ق ــايس وظ ــامل لكن ــه غ ــر قاب ــل للتغي ــر ،أو ع ــى األق ــل
يتص ــور الن ــاس أن ــه غ ــر قاب ــل للتغي ــر ،ف ــإن الطريق ــة الوحي ــدة للتأقل ــم م ــع ه ــذه
القس ــوة وه ــذا الظل ــم ،ه ــي رف ــع صف ــة القس ــوة والظل ــم ع ــن ه ــذا الوض ــع ،وذل ــك
بعقلنت ــه ورشعنت ــه :النظ ــام القائ ــم ع ــادل ومنص ــف ورشع ــي وينبغ ــي الحف ــاظ علي ــه.
وه ــو األم ــر ال ــذي يزي ــد م ــن ثباتي ــة النظ ــام ويكرس ــه مزي ـ ًدا ،وم ــن ث ـ ّم تق ــل احتاملي ــة
تغي ــره.
باإلضاف ــة إىل وظيف ــة التأقل ــم تل ــك تج ــادل النظري ــة ،ب ــأن تربي ــر النظ ــام يلب ــي،
أيض ــا ث ــاث أن ــواع م ــن الحاج ــات ل ــدى الب ــر: ً
حاجات ابســتيمولوجية
و(ب) حاجـــات عالئقيـــة و(ج) حاجـــات وجوديـــة (;2003 ,Jost & Hunyady
19
.)2017 ,Jostأمـــا الحاجـــات اإلبســـتيمولوجية فتتمثـــل يف تقليـــل اإلحســـاس بالاليقـــن.
فإحس ــاس امل ــرء بالاليق ــن في ــا يتعل ــق بذات ــه وس ــلوكياته ،أو باآلخري ــن وبس ــلوكياتهم،
أو بواقعـــه عامـــة إحســـاس مـــؤمل ،ومـــن ثـــم فـــإن األفـــراد مدفوعـــن لتقليـــل هـــذا
الاليقـــن (ملراجعـــة انظـــر .)2007 ,Hogg ،أحـــد أهـــم األســـباب التـــي تجعـــل النـــاس
رشعنون ــه ه ــو أنه ــم يش ــعرون بق ــدر أق ــل م ــن الاليق ــنيعقلن ــون الوض ــع القائ ــم وي ّ
يف ظل ــه ،بين ــا تغي ــره ،أو حت ــى احتاملي ــة تغي ــره تضاع ــف م ــن ش ــعورهم بالاليق ــن.
وملـــا كان الشـــعور بالاليقـــن شـــعور مـــؤمل فـــإن النـــاس لديهـــم ميـــل للحفـــاظ عـــى
الوض ــع القائ ــم ل ــي يتجنب ــوا أمل الاليق ــن ال ــذي س ــينجر ع ــن تغي ــره .يتحم ــل الن ــاس
إذن ،قس ــوة الوض ــع القائ ــم ب ــكل عيوب ــه يف نظ ــر ق ــدر اليق ــن (الحقيق ــي أو املتوه ــم)
الـــذي يشـــعرون بـــه يف ظلـــه ،بينـــا يضحـــون بـــأي منافـــع قـــد يعـــود بهـــا عليهـــم
تغي ــره ،تجن ًب ــا ألمل الاليق ــن ال ــذي س ــيلحقه ه ــذا التغي ــر به ــم .أو لنق ــل ذل ــك بكل ــات
دو ال بويـــي :إن املـــرء ليؤثـــر «أمـــان عيـــش التعســـاء» عـــى «األمـــل املشـــكوك فيـــه
يف عيـــش الســـعداء» ( .)44 :2008 ,de la Boetieأو قـــل إنـــه ليؤثـــر يقـــن األمل عـــى
أمل الاليقـــن .وبعبـــارة أخـــرى ،قـــد يكـــون النظـــام القائـــم شـــيطان ،ولكنـــه شـــيطان
نعرف ــه ،وبالت ــايل ه ــو خ ــر م ــن ش ــيطان ال نعرف ــه .أم ــا الحاج ــات العالئقي ــة فتتمث ــل
يف ك ــون تربي ــر النظ ــام يس ــمح للف ــرد ب ــأن يك ــون منتميً ــا إىل املجتم ــع ال ــذي يعي ــش
في ــه ،بين ــا التم ــرد ع ــى النظ ــام (ول ــو حت ــى ع ــى س ــبيل ال ــكالم) يع ــرض الف ــرد إىل
خط ــر النب ــذ واالس ــتبعاد االجتامع ــي ( .)ostracismومعل ــوم أن الب ــر لديه ــم حاج ــة
أصيلـــة لالنتـــاء ( ،)the need to belongأي أنهـــم مدفوعـــون ،عـــى نحـــو أســـايس،
البتغ ــاء االندم ــاج االجتامع ــي والعالق ــات اآلمن ــة وعالق ــات الح ــب والدع ــم االجتامع ــي
(لنـــص تأســـييس انظـــر .)1995 ,Baumeister & Leary ،ومـــن ثـــ ّم تجنـــب املواقـــف
واملامرس ــات الت ــي م ــن ش ــأنها أن تعرضه ــم للنب ــذ االجتامع ــي (ملراجع ــة ش ــاملة ملس ــألة
20
النبـــذ االجتامعـــي انظـــر .)2007 ,Williams ،ومـــن هنـــا كان النبـــذ االجتامعـــي مـــؤمل
نفســ ًيا ،ويع ــرف ه ــذا األمل بـــ»األمل االجتامع ــي» ،وه ــو رضب م ــن األمل ال يق ــل كربً ــا
عـــن األمل الجســـدي ،ومثـــة أدلـــة عـــى أن أسســـهام العصبيـــة تتقاطـــع عـــى نحـــو
كبـــر ،مبعنـــى أن الدمـــاغ يتعامـــل مـــع األمل االجتامعـــي متا ًمـــا كـــا يتعامـــل مـــع األمل
الجس ــدي ( .)2016 ,Sturgeon & Zautra ;2012 ,Eisenbergerب ــل مث ــة ع ــاوة ع ــى
ذل ــك ،أدل ــة ع ــى أن أث ــر األمل االجتامع ــي ي ــدوم لف ــرة أط ــول م ــن أث ــر األمل الجس ــدي
( .)2015 ,.Meyer et alالن ــاس مدفوع ــون إذن ،لتربي ــر الوض ــع القائ ــم حت ــى يش ــعروا
باالنت ــاء وحت ــى يتجنب ــوا أمل النب ــذ االجتامع ــي .أم ــا الحاج ــات الوجودي ــة فتتمث ــل يف
ك ــون تربي ــر النظ ــام يُش ــعر األف ــراد باألم ــن ويقل ــل م ــن إحساس ــهم بالخط ــر ويش ــعرهم
ب ــأن الواق ــع القائ ــم ل ــه معن ــى.
وبنـــا ًء عـــى مـــا ســـبق ،تُ فهـــم الســـيكولوجيا االجتامعيـــة األيديولوجيـــا بطريقـــة
مغايـــرة ملفهمـــة العلـــوم السياســـية لهـــا ،فبينـــا تســـلك األخـــرة مســـا ًرا «مـــن أعـــى
إىل أســـفل» لفهـــم األيديولوج ّيـــا :يعتنـــق النـــاس أيديولوجيـــا مـــا بســـبب تعرضهـــم
لخطابـــات املنظريـــن األيديولوجـــن وللدعايـــة األيديولوجيـــة ،تســـلك األوىل مســـا ًرا
مقلوبًـــا «مـــن أســـفل إىل أعـــى» :يعتنـــق النـــاس أيديولوجيـــا مـــا ألنهـــا تلبـــي لديهـــم
حاجـــات نفســـية (ابســـتيمولوجية ،ووجوديـــة وعالئقيـــة) معينـــة مرهونـــة بســـاتهم
الشـــخصية وبظروفهـــم االجتامعيـــة (2012 ,Jost & Amodio؛ وملراجعـــة ،انظـــرJost ،
.)2009 ,.et alواملحافظ ــة السياس ــية تنتم ــي إىل عائل ــة م ــن األيديولوجي ــات السياس ــية
ميك ــن تس ــميتها بأيديولوجي ــات تربي ــر النظ ــام ،11 ،وبالرغ ــم م ــن أن مناح ــي املحافظ ــة
11مــن أفــراد هــذه العائلــة ،باإلضافــة إىل املحافظــة السياســية ،األيديولوجيــات التاليــة ،عــى ســبيل املثــال :الســلطوية اليمينيــة:
يتعــن عــى النــاس أن يتبعــوا التقاليــد املألوفــة ،والســلطات الراســخة ،وأن يتخلــوا عــن أفــكار التمــرد والعصيــان ،اإلميــان بعدالــة العــامل:
ينــال النــاس مــا يســتحقوه ويســتحقوا مــا ينالــوه؛ فــا يحــدث هــو مــا ينبغــي أن يحــدث ،معارضــة املســاواة :املســاواة االجتامعيــة
واالقتصاديــة غــر محبــذة وغــر ممكنــة وميكــن أن تدمــر املجتمــع ،أيديولوجيــا الســوق العادلــة :آليــة عمــل الســوق الحــرة ليســت فقــط
فعالــة وإمنــا ايضً ــا مرشوعــة ومنصفــة وعادلــة ،و الهيمنــة االجتامعيــة :بعــض الجامعــات أعــى مــن البعــض اآلخــر ،وهــذه الرتاتبيــة هــي
أمــر حســن (.)2005 ,Jost & Hunyady
21
السياســـية تختلـــف تب ًعـــا الختـــاف الســـياقات التاريخيـــة والثقافيـــة ،إال أن نواتهـــا
املركزي ــة تظ ــل ثابت ــة :رف ــض التغي ــر االجتامع ــي ،وتقب ــل الالمس ــاواة االجتامعي ــة (Jost
.)2003 ,.et alوبوصفه ــا أيديولوجي ــا تربي ــر نظ ــام ت ــؤدي املحافظ ــة السياس ــية الخدم ــات
النفس ــية الت ــي يؤديه ــا تربي ــر النظ ــام لألف ــراد؛ إنه ــا ذات وظيف ــة «مس ـكّنة»« ،ملطف ــة»،
إنه ــا «تقن ــع الن ــاس ب ــأن الع ــامل م ــكان ميك ــن التحك ــم في ــه ،م ــكان منص ــف وع ــادل
ورشع ــي ،وتس ــمح له ــم ب ــأن يش ــعروا بالرض ــا حي ــال أوضاعه ــم وحي ــال الوض ــع القائ ــم
ككل» ( .)145 :2003 ,Jost & Hunyadyيتبنـــى النـــاس أيديولوجيـــا محافظـــة سياســـية
إذن ،ألنهـــا متكنهـــم مـــن التأقلـــم مـــع أوضاعهـــم غـــر الســـارة ،وألنهـــا تســـ ّد لديهـــم
احتياج ــات ابس ــتيمولوجية (تقلي ــل الاليق ــن) وعالئقي ــة (االندم ــاج االجتامع ــي وتجن ــب
النبـــذ) ووجوديـــة (تقليـــل اإلحســـاس بالخطـــر وبغيـــاب املعنـــى).
استطالعات رأي أجراها مركز بيو بني األمريكيني تحديدًا ( ،)2008 ,Napier & Jostولكن من املستساغ تعميم هذه النتائج. 12
السعادة مفهوم مشكل جدًا ،وملقاربة شاملة عابرة للتخصصات ،انظر.)2013(.David et al ، 13
عن عالقة مستوى الدخل بالسعادة ،انظر.)2010( .Boyce et al ، 14
عن عالقة التدين بالسعادة ،انظر.)2011( .Diener et al ، 15
22
أك ــر س ــعادة لعل ــو رتبته ــم االجتامعي ــة ولرثائه ــم ،ولتدينه ــم مقارن ــة بغ ــر املحافظ ــن،
إال أن ــه ميك ــن املحاجج ــة ،م ــع ناب ــر وجوس ــت ( ،)2008ب ــأن س ــعادة املحافظ ــن ه ــذه
تع ــود يف املق ــام األول إىل اعتناقه ــم لواح ــدة أو أخ ــرى م ــن أيديولوجي ــات تربي ــر النظ ــام،
وم ــن ثــ ّم ينعم ــون ب ــكل املناف ــع النفس ــية الت ــي م ــن ش ــأن القي ــام بتربي ــر النظ ــام أن
مينحه ــم إياه ــا ،إنه ــا امليكاني ــزم الرحي ــم (بتعب ــر أودن) الت ــي متكنه ــم م ــن الرض ــا ع ــن
العـــامل وعـــن أوضاعهـــم فيـــه (للتفصيـــل ،وإلثبـــات امربيقـــي ،انظـــر,Napier & Jost ،
.)2008
لكـــن هـــذه املنافـــع النفســـية آنفـــة الذكـــر ليســـت مجانيـــة ،وإمنـــا لهـــا مثـــن
باه ــظ يف واق ــع األم ــر وه ــو تكري ــس النظ ــام القائ ــم ،وترس ــيخه ،وتبدي ــد ف ــرص تغي ــره.
وه ــو األم ــر ال ــذي يف ــر ،إج ــالً ،ن ــدرة الث ــورات ع ــى م ــدار التاري ــخ الب ــري ع ــى
الرغ ــم م ــن كون ــه م ــرع بالقه ــر والظل ــم والالمس ــاواة .فف ــي نظ ــر املناف ــع النفس ــية
الت ــي يحصله ــا الن ــاس م ــن تربيره ــم للنظ ــام القائ ــم ،يقوم ــون بتكري ــس ه ــذا النظ ــام
وترس ــيخه ،أو بعب ــارة أخ ــرى يق ــوض تربي ــر النظ ــام إرادة االحتج ــاج أو العصي ــان ل ــدى
الجامعـــات األقـــل حظـــا يف املجتمـــع .وذلـــك ببســـاطة؛ ألن تربيـــر النظـــام مـــن شـــأنه
أن يقـــوض املقومـــات التـــي يســـتلزمها االحتجـــاج والعصيـــان .عـــى ســـبيل املثـــال،
ووف ًق ــا لنظريت ــي الحرم ــان النس ــبي ،واالحباط-العن ــف ( 16 ،)1970 ,Gurrم ــن املف ــرض
أن تحتـــج الجامعـــات األقـــل حظًـــا ضـــد أوضاعهـــا ،تحـــت وطـــأة شـــعورها بالغضـــب
واالحبـــاط ،ولكـــن التاريـــخ ال يشـــهد عـــى ذلـــك أبـــ ًدا ،ففـــي حـــاالت قليلـــة فقـــط
تقـــوم الجامعـــات املظلومـــة باالحتجـــاج عـــى أوضاعهـــا ،بينـــا يف أغلـــب الحـــاالت
تحتم ــل ه ــذه الجامع ــات وتص ــر ع ــى أوضاعه ــا .وعل ــة ذل ــك أن املي ــل غ ــر الواع ــي
16احساس الفرد (أو الجامعة) باإلحباط مصدر أسايس لالحتجاج والعصيان واالنخراط يف مامرسات عنيفة .وإحساس الفرد (أو الجامعة)
بالحرمان النسبي أي مقارنة بالجامعات األخرى هو املصدر األسايس لإلحباط ،أو قل يولد الحرمان النسبي االحباط ويولد االحباط العنف.
23
ل ــدى أف ــراد ه ــذه الجامع ــات إىل تربي ــر الوض ــع القائ ــم وعقلنت ــه (ل ــي يحصل ــوا ع ــى
املناف ــع س ــالفة الذك ــر) ،يقل ــل م ــن ش ــعورهم بالغض ــب واإلحب ــاط ،ويقل ــل م ــن درج ــة
توحدهـــم مـــع جامعتهـــم ،ومـــن ثـــ ّم يقـــوض فرصـــة العمـــل الجامعـــي االحتجاجـــي
(للمزي ــد ،ولرباه ــن إمربيقي ــة ع ــى تقوي ــض تربي ــر النظ ــام للعم ــل االحتجاج ــي ،انظ ــر،
.)2012 ,.Jost et al
يأخذنـــا ذلـــك رأســـاً إىل ظاهـــرة ذات طابـــع مفـــارق ،وهـــي محافظـــة الطبقـــة
العامل ــة :مل ــاذا يدع ــم أف ــراد الطبق ــة العامل ــة األح ــزاب املحافظ ــة واليميني ــة واملرش ــحني
الرئاس ــيني املحافظ ــن واليمين ــن ،ع ــى الرغ ــم م ــن أن سياس ــات تل ــك األح ــزاب وه ــؤالء
املرشــحني ال تعــزز مــن مصالحهــم ومصالــح طبقتهــم وفقــط ،وإمنــا تكــون مضــادة لهــا يف
أغل ــب األحي ــان؟ متث ــل محافظ ــة الطبق ــة العامل ــة لغــ ًزا بالنس ــبة للعل ــاء االجتامعي ــن،
ويعـــود ذلـــك ،يف املقـــام األول ،وكـــا يحاجـــج جوســـت ( ،)2017إىل هـــذا االفـــراض
املس ــبق ال ــذي ينطلق ــون من ــه :يتخ ــذ األف ــراد املواق ــف السياس ــية الت ــي تتواف ــق م ــع
مصالحه ــم الش ــخصية ،ولك ــن نظري ــة تربي ــر النظ ــام ال تس ــلم به ــذا االف ــراض ،وتنطل ــق
يف املقابـــل مـــن االفـــراض القائـــل بـــأن األفـــراد لديهـــم دافـــع أصيـــل لتربيـــر النظـــام
بق ــدر م ــا لديه ــم داف ــع لتربي ــر ذواته ــم وجامعاته ــم .ولك ــن يف حال ــة الطبق ــات ذات
الحظـــوة يف املجتمـــع تنســـجم هـــذه الدوافـــع الثالثـــة مـــع بعضهـــا :تربيـــر الوضـــع
القائ ــم يخ ــدم مصال ــح األف ــراد ومصال ــح جامعته ــم ،بين ــا يف حال ــة الجامع ــات الدني ــا
ال تنس ــجم ه ــذه الدواف ــع م ــع بعضه ــا وإمن ــا تتض ــاد بدرج ــة أو بأخ ــرى :تربي ــر النظ ــام
يع ــود بال ــرر ع ــى مصال ــح األف ــراد ومصال ــح جامعته ــم .وتحاج ــج النظري ــة ع ــن أن ــه
بالرغ ــم م ــن ك ــون تربي ــر النظ ــام يع ــود بال ــرر ع ــى أف ــراد الطبق ــات الدني ــا (تكري ــس
أيضـــا عليهـــم مبنافـــع نفســـية كبـــرة ،يجـــدون الظلـــم والالمســـاواة)؛ إال أنـــه يعـــود ً
لديه ــم االس ــتعداد لتحم ــل ه ــذا ال ــرر يف نظ ــر الحص ــول عليه ــا.
24
امليـــل إىل تربيـــر النظـــام ميـــل معمـــم إذن ،مبعنـــى أنـــه موجـــود لـــدى أفـــراد
الطبقـــات العليـــا والدنيـــا عـــى حـــد الســـواء .بـــل تحاجـــج النظريـــة أن امليـــل لتربيـــر
الوض ــع القائ ــم ق ــد يك ــون أك ــر ل ــدى أف ــراد الطبق ــات الدني ــا تحدي ــدا ،وذل ــك ل ــآيت:
أفـــراد الطبقـــة العاملـــة غالبًـــا مـــا يواجهـــون معـــدالت عاليـــة ومنفـــرة مـــن
الاليقـــن ،وعـــدم األمـــان واالســـتبعاد االجتامعـــي ،ومـــن ثـــم لديهـــم رغبـــة قويـــة يف
الحص ــول ع ــى االس ــتقرار واألم ــان واالندم ــاج االجتامع ــي ،وه ــذه ه ــي تحديــ ًدا األش ــياء
التـــي يوفرهـــا لهـــم تربيـــر النظـــام.
( )2دعـــم أفـــراد الطبقـــة العاملـــة للوضـــع القائـــم يقلـــل التنافـــر الذهنـــي
( 17 )cognitive dissonanceلديهـــم ،كالتـــايل :مثـــة تنافـــر بـــن مـــا يعرفـــه أفـــراد
الطبق ــات الدني ــا ع ــن وضعه ــم االجتامع ــي ،وب ــن س ــلوكهم تج ــاه ه ــذا الوض ــع :ه ــم
يعرفـــون أنهـــم مظلومـــون ومقهـــورون ،ولكنهـــم يف الوقـــت عينـــه ال يحتجـــون وال
يس ــعون لتغي ــر ه ــذا الوض ــع .ومب ــا أن التناف ــر غ ــر مري ــح نفســيًّا ،فإنه ــم مدفوع ــون
17نظريــة التنافــر الذهنــي ،كــا طورهــا ليــون فيســتنجر ( ،)1957هــي واحــدة مــن النظريــات األساســية (باإلضافــة إىل نظريــات
الهويــة االجتامعيــة ،الهيمنــة االجتامعيــة ،واالعتقــاد يف عدالــة العــامل؛ ،)2003 ,Jost & Hunyadyالتــي تعــد ســلفًا لنظريــة تربيــر النظــام.
واألطروحــة األساســية للنظريــة هــي التــايل :التنافــر ،أي وجــود عالقــات غــر منســجمة فيــا بــن معــارف املــرء أو أرائــه أو معتقداتــه عــن
بيئتــه أو ذاتــه أو ســلوكياته هــو بحــد ذاتــه عامــل محفــز (متامــا كالجــوع واالحبــاط) .والفرضيتــان األساســيتان للنظريــة هــا )1( :وجــود
التنافــر غــر مريــح نفس ـيًّا ومــن ث ـ ّم املــرء مدفــوع إىل إزالتــه؛ ( )2عندمــا يكــون التنافــر موجــودًا ،ســيقوم املــرء ،باإلضافــة إىل محاولــة
تقليلــة ،بتجنــب املواقــف واملعلومــات التــي مــن املرجــح أن تزيــد منــه ( .)3 :1957 ,Festingerولنــرب مثـ ًـا عــى ذلــك بالتدخــن؛
املدخــن يعلــم أن التدخــن يــره ،ولكنــه مــع ذلــك يســتمر يف التدخــن مثــة إذن ،تنافــر فيــا بــن معــارف هــذا الشــخص وســلوكه (هــو
يعــرف ان التدخــن ضــار ولكنــه يدخــن) ،وجــود هــذا التنافــر غــر مريــح نفسـيًّا ،ومــن ثـ ّم املدخــن مدفــوع إلزالتــه ،ولكــن مــا الســبيل
إىل ذلــك؟ كيــف ميكــن تحقيــق االنســجام بــن املعرفــة والســلوك املتعلقــن بالتدخــن؟ الســبيل األول أن يتوقــف عــن التدخــن ببســاطة،
ولكــن ذلــك صعــب للغايــة ،وبالتــايل يقصــد الســبيل اآلخــر وهــو أن يعقلــن تدخينــه كاآليت( :أ) التدخــن ممتــع وبالتــايل هــو يســتحق
مثنــه( .ب) األمـراض التــي ميكــن أن تصيبنــي مــن جـراء التدخــن ليســت بالخطــورة التــي يتحدثــون عنهــا؛ (ج) ليــس بوســعي أن أتفــادى
كل املخاطــر املمكنــة يف هــذا العــامل ومــع ذلــك مــا زلــت حيــا( .د) عندمــا أتوقــف عــن التدخــن ســيزيد وزين وهــو أمــر أكــر خطــورة
عــى صحتــي مــن التدخــن نفســه رمبــا .وبذلــك يكــون املدخــن قــد حــل التنافــر بــن معارفــه عــن التدخــن وســلوكه كمدخــن ،وبالتــايل
يســتمر يف التدخــن ببســاطة ( .)2 :1957 ,Festingerوملراجعــة للتطــور التاريخــي لنظريــة التنافــر الذهنــي ،انظــر.)2007( Cooper ،
25
إىل إزالتـــه أو تقليلـــه ،ولكـــن كيـــف يتـــأيت لهـــم ذلـــك؟ الســـبيل األول هـــو أن يثـــوروا
ببس ــاطة ،ولك ــن ذل ــك صع ــب وخط ــر للغاي ــة ،وبالت ــايل يعم ــدون إىل الس ــبيل الث ــاين:
عقلن ــة وضعه ــم االجتامع ــي وتربي ــره ،ب ــأن يقول ــوا ألنفس ــهم أن الوض ــع القائ ــم رشع ــي
وع ــادل وينبغ ــي الحف ــاظ علي ــه ،وبالت ــايل ي ــزول التناف ــر ،ويس ــتمرون يف العي ــش تح ــت
وط ــأة الظل ــم ببس ــاطة (ق ــارن مبث ــال التدخ ــن املذك ــور يف الهام ــش أدن ــاه) .أو بتعب ــر
روب ــرت الن« :أن يفك ــروا يف أنفس ــهم ع ــى أن مكانه ــم يف املجتم ــع ه ــو م ــكان ع ــادل
بالرغـــم مـــن معاناتهـــم ،هـــو أخـــف وطـــأة عليهـــم مـــن التفكـــر يف أنفســـهم عـــى
أنهـــم مســـتغلني وضحايـــا يف مجتمـــع غـــر عـــادل» (مستشـــهد بـــه يف:2017 ,Jost ،
.)74وع ــاوة ع ــى ذل ــك تحاج ــج نظري ــة تربي ــر النظ ــام ع ــن أن ــه كل ــا زادت معان ــاة
األف ــراد تح ــت وط ــأة النظ ــام القائ ــم كل ــا ازداد تربيره ــم ل ــه ،أو بعب ــارة أخ ــرى أك ــر
الن ــاس معان ــاة م ــن الوض ــع القائ ــم ه ــم أك ــر الن ــاس تربي ـ ًرا ل ــه ،وذل ــك ألنه ــم يعان ــون
أك ــر م ــن أمل التناف ــر ،وبالت ــايل مدفوع ــن أك ــر إلزالت ــه ،والس ــبيل الوحي ــد املت ــاح لذل ــك
ه ــو االنخ ــراط مزيــ ًدا يف تربي ــر الوض ــع القائ ــم« :فك ــا أن املعان ــاة تزي ــد ،وع ــى نح ــو
مفـــارق مـــن متســـك املـــرء مبصـــدر معاناتـــه ،وذلـــك مـــن خـــال ميكانيزمـــات تقليـــل
التنافـــر ،ميكـــن ألفـــراد الجامعـــات الدنيـــا أن يظهـــروا مســـتويات أعـــى مـــن تربيـــر
النظـــام مقارنـــة بأفـــراد الجامعـــات العليـــا ،خاصـــة عندمـــا تســـوء األوضـــاع (& Jost
122 :2003 ,Hunyady؛ ولنقـــد ،انظـــر2013 ,Brandt ،؛ ولـــر ٍد عليـــه ،انظـــر,Jost ،
.)2017ميكـــن إذن ،لنظريـــة تربيـــر النظـــام أن تســـاهم يف تفســـر اإلجهـــاض األبـــدي
للحل ــم املارك ــي املتعل ــق بث ــورة الربوليتاري ــا ،الت ــي يؤم ــل منه ــا أن تض ــع حــ ًدا للظل ــم
الرأس ــايل ال ــذي يش ــتيك جيمس ــون (وجيجي ــك وفي ــر) م ــن أن ــه أه ــون ع ــى الن ــاس
الي ــوم تخي ــل نهاي ــة الع ــامل نفس ــه ع ــن تخي ــل نهايت ــه!
26
-تربير النظام :األصول التطورية
كيــف ميكــن لنــا أن نفهــم تربيــر النظــام مــن الناحيــة التطوريــة ()evolutionary؟
معل ــوم أن مث ــة مس ــتويني للتحلي ــل أو التفس ــر البيلوج ــي ،يبح ــث املس ــتوى األول ع ــا
يســـمى باألســـباب القريبـــة ( ،)proximate causesبينـــا يبحـــث الثـــاين عـــا يســـمى
باألســباب البعيــدة أو النهائيــة إن شــئتم ( .)distal or ultimate causesيتعلــق املســتوى
األول باألس ــباب الت ــي تجي ــب ع ــى س ــؤال كي ــف؟ بين ــا يتعل ــق الث ــاين باألس ــباب الت ــي
تجي ــب ع ــن س ــؤال مل ــاذا؟ يتعل ــق املس ــتوى األول بامليكانيزم ــات بين ــا يتعل ــق الث ــاين
بالغاي ــات (للتفصي ــل ،انظ ــر .)2011 ,MacDougall-Shackleton ،ومعل ــوم أن التحلي ــل
أساس ــا ،إن ــه يبح ــث ع ــن العل ــل النهائي ــة للس ــات
التط ــوري يتعل ــق باملس ــتوى الث ــاين ً
البرشي ــة (الس ــيكولوجية يف ه ــذا املق ــام) ،أي نوعي ــة وم ــدى أثره ــا ع ــى ق ــدرة اإلنس ــان
عـــى البقـــاء ح ًّيـــا ،وعـــى (وهـــو األهـــم) فرصـــه التكاثريّـــة 18 .أن نحـــاول فهـــم تربيـــر
النظ ــام م ــن منظ ــور تط ــوري يعن ــي إذن ،أن نس ــأل ه ــذا الس ــؤال :ه ــل قــ ّدم تربي ــر
النظ ــام ع ــى م ــدار التاري ــخ التط ــوري لإلنس ــان مناف ــع م ــن ش ــأنها أن تحس ــن فرص ــه
يف البق ــاء وم ــن ث ــم يف التكاث ــر؟ أو بعب ــارة أخ ــرى ه ــل تربي ــر النظ ــام «م ــرر» تطوريًّ ــا؟
الح ــال ،أن ك ــون املي ــل إىل عقلن ــة الوض ــع القائ ــم وتربي ــرة لي ــس مج ــرد مي ــل موج ــود
ل ــدى الب ــر وفق ــط ،وإمن ــا ه ــو مي ــل أصي ــل ومعم ــم ،ليعن ــي ب ــادئ ال ــرأي ،أن ــه مي ــل
ق ــد ت ــم انتق ــاؤه بواس ــطة االنتق ــاء الطبيع ــي ( ،)natural selectionوه ــو م ــا يعن ــي
بـــدوره أن هـــذا امليـــل قـــد أدى وظيفـــة تكيفيـــة ( )adaptiveعـــى مـــدار التاريـــخ
التطـــوري ،ولكـــن كيـــف يكـــون ذلـــك صحي ًحـــا إذا مـــا كان تربيـــر النظـــام يـــؤدي إىل
تكري ــس الظل ــم والقه ــر ،وبالت ــايل إلح ــاق ال ــرر باملصال ــح الذاتي ــة ألف ــراد الجامع ــات
18ضـدًا عــى الفهــم الشــائع للصلوحيــة الداروينيــة التكاثــر ،وليــس مجــرد الحيــاة هــو األســاس ،فبقــاء الكائــن عــى قيــد الحيــاة مهــم
فقــط بقــدر مســاهمته يف متكينــه مــن التكاثــر.
27
الدني ــا؟ كي ــف يع ــود ذل ــك ع ــى صلوحي ــة ه ــؤالء األف ــراد بالنف ــع؟ أو ق ــل مل ــاذا ت ــم
انتق ــاء االس ــتعداد الب ــري لتربي ــر النظ ــام؟
وفقًـــا لنظريـــة االنتقـــاء متعـــدد املســـتويات ( )multilevel selectionمثـــة
مســـتويني أساســـيني يعمـــل فيهـــا االنتقـــاء الطبيعـــي:
-1االنتقاء عىل مســتوى الفرد (.)individual selection
-2واالنتقـــاء عـــى مســـتوى الجامعـــة ( .)group selectionأمـــا االنتقـــاء عـــى
مس ــتوى الف ــرد فيعن ــي أن الصف ــات الت ــي يت ــم انتقائه ــا ه ــي تل ــك الت ــي تع ــود ع ــى
صلوحي ــة الف ــرد مب ــا ه ــو كذل ــك بالنف ــع .أم ــا االنتق ــاء ع ــى مس ــتوى الجامع ــة فيعن ــي
أن الصفـــات قـــد يتـــم انتقائهـــا ال ألنهـــا تعـــود عـــى صلوحيـــة الفـــرد بالنفـــع وفقـــط،
وإمن ــا ميك ــن انتقائه ــا ألنه ــا تع ــود ع ــى الجامع ــة ككل بالنف ــع ،حت ــى ول ــو كان الثم ــن
ه ــو اإلرضار بصلوحي ــة بع ــض أف ــراد الجامع ــة (للتفاصي ــل ،ولتاري ــخ وحيثي ــات الج ــدل
املريـــر حـــول االنتقـــاء عـــى مســـتوى الجامعـــة بـــن التطوريـــن ،انظـــر ،عـــى ســـبيل
املثـــال.)2007 ,Wilson & Wilson ;1997 ,Wilson ;1994 ,Wilson & Sober ،
والح ــال أن ــه م ــن املمك ــن اإلجاب ــة ع ــى تل ــك األس ــئلة ضم ــن هذي ــن املس ــتويني ،ك ــا
ي ــي:
يف املس ــتوى األول ميك ــن تفس ــر انتق ــاء االس ــتعداد الب ــري لتربي ــر النظ ــام القائ ــم
كاآليت :بالرغ ــم م ــن أن تربي ــر النظ ــام يك ــرس معان ــاة الجامع ــات املظلوم ــة؛ إال أن املناف ــع
النفســـية التـــي يقدمهـــا لهـــم تربيـــر النظـــام مـــن شـــأنها أن تزيـــد مـــن صلوحيتهـــم،
وتحديــ ًدا املنفع ــة املتعلق ــة بتقلي ــل إحساس ــهم بالاليق ــن ،وبفق ــدان الس ــيطرة ،كاآليت:
يف املجتمعـــات املنظمـــة عـــى نحـــو تراتبـــي كاملجتمعـــات اإلنســـانية ،حيـــث ينقســـم
النـــاس إىل جامعـــات مهيمنـــة وجامعـــات مهيمـــن عليهـــا ،وبحيـــث ينتمـــي الفـــرد إىل
28
أكـــر مـــن تراتبيـــة اجتامعيـــة يف نفـــس الوقت19 ،يكـــون األفـــراد ذوي الرتبـــة األدىن يف
تراتبيـــة مـــا أكـــر عرضـــة مـــن أولئـــك الذيـــن يتســـنمون رتـــب عليـــا فيهـــا للضغـــوط
النفس ــية ،والضغ ــوط النفس ــية ت ــؤدي لكث ــر م ــن األم ــراض الجس ــدية (أم ــراض القل ــب
والرشايـــن والخصوبـــة يف املقـــام األول) ،والنفســـية (كاإلكتئـــاب عـــى ســـبيل املثـــال).
ولكـــن روبـــرت سابولســـي ( )2004يحاجـــج بأنـــه مثـــة عوامـــل تتوســـط أثـــر الضغـــط
النف ــي ه ــذا ع ــى الصح ــة ،منه ــا احس ــاس امل ــرء بالاليق ــن وبفق ــدان الس ــيطرة ،فكل ــا
ازدادا كل ــا كان أث ــر الضغ ــط النف ــي ع ــى الصح ــة أش ــد رض ًرا .ومب ــا أن تربي ــر النظ ــام
يقلـــل ،أو حتـــى يزيـــل ،أثـــر هذيـــن العاملـــن كـــا رأينـــا ،فســـيكون مـــن شـــأنه إذن،
أن يخف ــف م ــن أرضار الضغ ــوط النفس ــية الت ــي يتع ــرض له ــا أف ــراد الجامع ــات الدني ــا
تح ــت وط ــأة الوض ــع القائ ــم ( .)2018 ,.Jost et al ;2004 ,Sapolskyيع ــود املي ــل إىل
تربي ــر النظ ــام ع ــى صلوحي ــة أف ــراد الجامع ــات الدني ــا إذن ،بالنف ــع ،ألن ــه يقل ــل م ــن
األرضار التـــي يلحقهـــا الضغـــط النفـــي (املتولـــد عـــن انخفـــاض رتبتهـــم االجتامعيـــة)
بصحتهـــم الجســـدية والنفســـية.
أيضـــا ميكـــن تفســـر تربيـــر النظـــام تطوريًّـــا (وعـــى نحـــو أكـــر اقنا ًعـــا رمبـــا)
ً
بواســـطة االنتقـــاء عـــى مســـتوى الجامعـــة ،كاآليت :مل يتـــم انتقـــاء االســـتعداد البـــري
لتربيـــر النظـــام القائـــم لكونـــه يعـــود بالنفـــع عـــى صلوحيـــة األفـــراد ،بـــل سنســـلم
وع ــى العك ــس م ــن ذل ــك ،ب ــأن تربي ــر النظ ــام القائ ــم يلح ــق ال ــرر بصلوحي ــة بع ــض
األفـــراد ،تحديـــ ًدا أفـــراد الجامعـــات الدنيـــا املظلومـــة ،ومبخوســـة الحـــق عـــن طريـــق
تكريســـه للظلـــم الواقـــع عليهـــم ،والـــذي مـــن شـــأنه أن يحرمهـــم مـــن املـــوارد التـــي
تزيـــد مـــن فرصهـــم يف الحيـــاة يف التكاثـــر .ويف املقابـــل ســـنقول بـــأن امليـــل البـــري
لتربي ــر النظ ــام القائ ــم ق ــد ت ــم انتق ــاؤه ألن ــه يع ــود بالنف ــع ع ــى الجامع ــة ككل وإن
19للمزيد عن األصول التطورية للرتاتبية االجتامعية والهيمنة االجتامعية ،انظر.)2001( Sidanius & Pratto ;)2005( Cummins ،
29
كان مثـــن ذلـــك هـــو إلحـــاق الـــرر ببعـــض أفـــراد هـــذه الجامعـــة ،وذلـــك كالتـــايل:
لنفـــرض أن مثـــة جامعتـــن (أ) و(ب) .تتســـم الجامعـــة (أ) باســـتقرار تراتبيتهـــا مبعنـــى
أن األفـــراد األقـــل رتبـــة يخضعـــون طواعيـــة للنظـــام القائـــم الـــذي يضبـــط الفـــروق
بـــن األفـــراد فيـــا يتعلـــق باملكانـــة االجتامعيـــة واألدوار االجتامعيـــة وتوزيـــع املـــوارد.
بين ــا تفتق ــر الجامع ــة (ب) إىل ه ــذا النح ــو م ــن االس ــتقرار ،مبعن ــى أن األف ــراد األق ــل
اعرتاض ــا ع ــى وضعه ــم االجتامع ــي ،وبالت ــايل يك ــر العصي ــان
ً رتب ــة يتم ــردون باس ــتمرار
والتم ــرد والن ــزاع داخ ــل ه ــذه الجامع ــة .ول ــو افرتضن ــا (وه ــو الحاص ــل دو ًم ــا) أن مث ــة
تنافـــس ثقـــايف بـــن (أ) و(ب) ســـواء كان ماديًّـــا أو رمزيًّـــا ،فـــا هـــي الجامعـــة التـــي
يرجـــح أن يكـــون النـــر حليفهـــا؟ إنهـــا (أ) ،وذلـــك ببســـاطة بفضـــل قـــدر االســـتقرار
ال ــذي تنع ــم ب ــه يف مقاب ــل (ب) .ت ــم انتق ــاء االس ــتعداد الب ــري لتربي ــر الوض ــع القائ ــم
إذن ،ألنـــه يزيـــد مـــن فرصـــة الجامعـــة يف التفـــوق االجتامعـــي ،حتـــى وإن كان مثـــن
ذلـــك هـــو اإلرضار ببعـــض أفـــراد الجامعـــة (.)2018 ,.Jost et al
30
خامتة
حاول ــت ه ــذه الدراس ــة أن تس ــر األص ــول النفس ــية للمحافظ ــة السياس ــية ،م ــن
خ ــال تقدي ــم مراجع ــة لنظري ــة تربي ــر النظ ــام .وميك ــن أن نجم ــل أه ــم خالصاته ــا يف
النق ــاط التالي ــة:
كـــا أن النـــاس لديهـــم ميـــل أصيـــل لتربيـــر ذواتهـــم وجامعاتهـــم ،لديهـــم ميـــل
ال يق ــل أصال ــة ولكن ــه غ ــر واع ــي يف املق ــام األول لتربي ــر النظ ــام االجتامع ــي القائ ــم،
بـــكل أبعـــاده السياســـية واالقتصاديـــة والثقافيـــة.
يعـــود تربيـــر النظـــام عـــى األفـــراد مبنافـــع نفســـية معتـــرة ،فهـــو يســـ ّد لديهـــم
حاج ــات ابس ــتيمولوجية (تقلي ــل الاليق ــن) وعالئقي ــة (تحقي ــق االنت ــاء وتجن ــب النب ــذ
االجتامعـــي) ووجوديـــة (تقليـــل اإلحســـاس بالخطـــر وبغيـــاب املعنـــى) .كـــا يعينهـــم
ع ــى التأقل ــم م ــع الظ ــروف القاس ــية الت ــي يعيش ــون تح ــت وطأته ــا.
يف مقابـــل هـــذه املنافـــع النفســـية ،يـــؤدي تربيـــر النظـــام إىل تكريـــس الوضـــع
القائـــم ،وتبديـــد فـــرص تغيـــره ،وبالتـــايل تكريـــس معانـــاة الجامعـــات األقـــل حظـــا،
ومـــن ثـــ ّم قلـــة حـــدوث الثـــورات عـــر التاريـــخ.
يف حال ــة أف ــراد الجامع ــات ذات الحظ ــوة يف املجتم ــع تنس ــجم الحاج ــات التربيري ــة
الث ــاث م ــع بعضه ــا البع ــض ،تربي ــر األن ــا وتربي ــر الجامع ــة ،وتربي ــر النظ ــام .بين ــا يف
حال ــة أف ــراد الجامع ــات الدني ــا تتص ــادم ه ــذه الحاج ــات ،ويف س ــياقات معين ــة تتغل ــب
الحاج ــة إىل تربي ــر النظ ــام ع ــى الحاج ــة لتربي ــر األن ــا أو تربي ــر الجامع ــة.
اآللي ــة الت ــي يت ــم به ــا تربي ــر الوض ــع القائ ــم ورشعنت ــه ه ــي العقلن ــة ،وتتخ ــذ
صورت ــن :تزي ــد مرغوبي ــة الح ــدث يف أع ــن الن ــاس كل ــا كان حصول ــه مرج ًح ــا ،حت ــى
31
ل ــو كان تقييمه ــم األويل ل ــه س ــلبيًا (الليم ــون الحل ــو) ،وتق ــل مرغوبي ــة الح ــدث يف أع ــن
النـــاس كلـــا كان حصولـــه غـــر مرجـــح ،حتـــى لـــو كان تقييمهـــم األويل لـــه إيجاب ًيـــا
(العن ــب الحام ــض).
حقيق ــة أن الن ــاس مدفوع ــن لتربي ــر النظ ــام االجتامع ــي ال تعن ــى أنه ــم س ــيفعلون
ذل ــك ع ــى نح ــو دائ ــم ،فبع ــض األنظم ــة تتضم ــن أنظم ــة حك ــم سياس ــية فاس ــدة ع ــى
نح ــو ج ــي ،بق ــدر ال ميك ــن مع ــه للمواطن ــن االس ــتمرار يف اإلمي ــان برشعيته ــا .وه ــو م ــا
ق ــد ي ــؤدي به ــم إىل البح ــث يف أماك ــن أخ ــرى (كاألنظم ــة الديني ــة أو العائلي ــة) لتلبي ــة
حاجته ــم إىل تربي ــر النظ ــام (.)2017 ,Jost
يتوق ــف الن ــاس ع ــن تربي ــر النظ ــام القائ ــم عندم ــا يتيقن ــون أن ــه زائ ــل ال محال ــة،
وأن مثـــة نظـــام آخـــر قـــادم ،وعندهـــا تتحـــول طاقتهـــم التربيريـــة إىل تربيـــر النظـــام
الجديـــد (.)2002 ,.Kay et al
يتفـــوات النـــاس يف ميلهـــم إىل تربيـــر النظـــام ،حيـــث يزيـــد هـــذا امليـــل كلـــا
زادت درج ــة ع ــدم تحم ــل امل ــرء لإلحس ــاس بالاليق ــن وبالخط ــر ،و كل ــا زادت قدرت ــه
عـــى خـــداع النفـــس ،ويقـــل كلـــا زاد اســـتعداده لالنفتـــاح عـــى التجربـــة (& Jost
.)2005 ,Hunyady
يزيـــد ميـــل النـــاس إىل تربيـــر النظـــام القائـــم يف األوقـــات التـــي يكـــون فيهـــا
معرضـــا للخطـــر.
ً النظـــام
األف ــراد األك ــر معان ــاة تح ــت وط ــأة نظ ــام م ــا قائ ــم ه ــم األك ــر مي ـ ًـا إىل تربي ــره،
وه ــو م ــا يس ــاهم يف تفس ــر التوجه ــات املحافظ ــة ل ــدى الطبق ــات العامل ــة.
ميك ــن تفس ــر املي ــل الب ــري لتربي ــر النظ ــام ،تطوريًّ ــا ،بواس ــطة مفه ــوم االنتق ــاء
عـــى مســـتوى الجامعـــة؛ يزيـــد تربيـــر النظـــام مـــن فرصـــة الجامعـــة يف التفـــوق عـــى
الجامع ــات األخ ــرى.
32
يحتمـــل النـــاس إذن ،الطغيـــان ،ســـواء كان طغيـــان الرأســـالية يف نســـختها
النيوليربالي ــة الت ــي يتح ــدث عنه ــا جيمس ــون وجيج ــك ،أو الطغي ــان الديكتات ــوري ال ــذي
تحـــدث عنـــه دو ال بويـــي ،ألن لديهـــم ميـــل أصيـــل ،وإن كان غـــر واعـــي لرشعنـــة
وعقلنـــة أي نظـــام قائـــم ،ال لـــيء إال لكونـــه قائـــم.
33
املراجع
Baumeister, R. and Leary, M. (1995). The need to belong: desire
for interpersonal attachments as a fundamental human motivation.
Psychological bulletin, vol. 117, no. 529-497 ,3.
34
Cramer, P. (2006). Protecting the self: defence mechanisms in action.
London: The Guilford press.
David, S., Boniwell, I. and Ayers, A. eds. (2013). The oxford handbook
of happiness. Uk: oxford university press.
35
Festinger, L. (1957). A theory of cognitive dissonance. California:
Stanford univrisity press.
36
Jameson, F. (1994). The seeds of time. New York: Columbia university
press.
37
Jost, J. et al., (2009). system justification: how do we know it
is motivated. In A. C. Kay et al. (Eds.), The psychology of justice and
legitimacy: The Ontario symposium (Vol. 11). Hillsdale, NJ: Erlbaum.
Jost. J. et al., (2012). Why Men (and Women) Do and Don’t Rebel:
Effects of System Justification on Willingness to Protest. Personality and
Social Psychology Bulletin 208 –197 )2( 38.
38
Kay, Aaron C., Jimenez, Maria C. and Jost, John T. (2002). sour grapes
and sweet lemons: the rationalization of anticipated status quo. Personality
and Social Psychology Bulletin 1312-1300 ,9 :28.
39
Advances in social cognition, Vol. 4. The content, structure, and operation
of thought systems. Hillsdale, NJ, US: Lawrence Erlbaum Associates, Inc.
pp. 78-1.
40
Sturgeon, J and Zautra, A. (2016). Social pain and physical pain:
shared paths to resilience. Pain Management. 74–63:)1(6.
Trivers, R. (2011). The folly of the fools: the logic of deceit and self-
deception in human life. New York: Basic Books.
41
Zizek, S. (2010). Living in the end times. London: verso.
42