Professional Documents
Culture Documents
Dawr
Dawr
('א+,א*)
-.#/0$
2א 1
يتضمن ھذا الكتيب نص المحاضرة التي ألقاھا المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمه
ﷲ في رابطة الحقوقيين بتـاريخ 23ﺻـفر 1392للھجـرة ،الموافـق 28آذار )مـارس(
1972للميالد ،في مدينة دمشق ،تحت عنوان "دور المسلم في الثلـث األخيـر مـن
القرن العشرين" ونص المحاضرة التي ألقاھا في مسجد المرابط في مدينة دمشق
بتاريخ 19ربيع الثاني 1392ھـ الموافق 22أيار )مايو( 1972م ،تحـت عنـوان "رسـالة
المسلم في الثلث األخير من القرن العشرين".
%/:3456א9:ق
@bhallak
=א5>،<
/ن
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
المحاضرة األولى
ن ا ْل ِع ْ
ش ِر ْين ن ا ْلق َْر ِ
ير ِم َ
خ ِاأل َ ِ
ث ْم فِي ال ﱡث ُل ِ
س ِل ِ دور ا ْل ُ
م ْ ُ
محاضرة األستاذ مالك بن نبي في رابطة الحقوقيين في دمشق
1972 /3 /28
أيھــا الــسادة الكــرام ،األبنــاء والطلبــة األعــزاء ،إننــي ال أســتطيع أن أقــدر ھــذه
اللحظة حق قدرھا في سجل حياتي مـع أن اللحظـات واللقـاءات تتكـرر .إننـي
أشــعر بمزيــد مــن الــسرور والفــرح إذ أتحــدث مــع ھــذه الطائفــة مــن الــشباب
المسلم في ھذه األﺻقاع من البالد الشقيقة ،سورية العزيزة ،وفي معقل من
معاقل اإلسالم ،المعقل العريق دمشق .ويجب علي أن أتوجه بالشكر إلخواننا
الحقــوقيين الــذين أفــسحوا لنــا المجــال وقــدموا لنــا ھــذا المكــان ،لنعــرض مــا
استطعنا دور المسلم في الثلث األخير من القرن العشرين في رأينا.
لو حاولنا تحديد دور المسلم عامة ما كان لنا أن نختار سوى مـا اختـاره ﷲ لـه
شـ َھ َدا َء ُم ُأ ﱠمـ ًة َو َ
سـطًا لِ َتكُو ُنـوا ُ ج َع ْل َنـاك ْ ل } َو َكـ َذلِ َ
ك َ دوراً في التاريخ .يقول ع ﱠز وجـ ﱠ
ش ِھي ًدا{ ]البقـرة [143 :ھكـذا يحـدد ﷲ دور ُم َ ول َعلَ ْيك ْ
س ُالر ُ
اس َويَكُونَ ﱠ
ِ َعلَى ال ﱠن
المسلم بصورة عامة ،ولـيس لنـا أن نختـار لـه دوراً أشـرف وأفـضل منـه ،وإنمـا
نلفت النظر إلى خطورة ھـذا الـدور وإلـى مقتـضياته التـي ھـي مـن اختـصاص
الفقھــاء ومــن اختــصاص الحقــوقيين ،ألنھــم يعرفــون شــروط تزكيــة الــشھادة
والشاھد من الناحية العقلية ومن الناحية األخالقية معاً.
أوال ً :لطبيعة القرن العـشرين التـي يتميـز بھـا عـن القـرون األخـرى كلھـا ،ألنـه
القرن الذي تحققت فيـه تغيـرات جذريـة ،بـدت وكأنھـا ترسـم لإلنـسانية نقطـة
الالرجوع على محور الزمن ،فھـو القـرن الـذي ھبـت فيـه أكبـر عواﺻـف التـاريخ
على مصير اإلنسانية.
2
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
ثانياً :ألنه القرن الذي سجل األحداث الكبرى ،سواء في مجـال العلـم ،أو -كمـا
سنرى -في المجال النفـسي ،أو فـي المجـال األخالقـي والـديني .ففـي كـل
ھذه المجاالت ھبت عواﺻف كبرى يبدو أنھا غيـرت معـالم الطريـق ،وعلـى أيـة
حال فھي قد غيرت مالمح الزمن والمجتمعات اإلنسانية.
ھذه التغيرات تحققت من خالل أحداث كبرى ،خاﺻة منھـا الحـربين العـالميتين
اللتين ھزتا العالم مرتين في ظـرف أربعـين سـنة ،وشـملتا للمـرة األولـى فـي
التاريخ سائر أنحائـه .ولوقـع ھـذه األحـداث نتـائج ال منـاص منھـا ،بعـضھا دخـل
سجل التاريخ وتسجل في حافظة اإلنسانية وفـي كتبھـا ،وبعـضھا دخـل عـالم
النفوس ،سواء استطعنا قراءته أم لم نستطع ،وبعضھا الزال توقعات في ضـمير
الغيب نرى من خاللھا أحداثاً كبرى مطلة على زماننا.
فھذه األسباب تجعلنا نرى فـي ھـذا الثلـث األخيـر مـن القـرن العـشرين ،كأنـه
النھر قرب شاطئ البحر وقد بلغ المصب ،بعد أن تجمعت فيه جميع روافده مـن
المياه ،التي انحدرت من أعالي الجبال في أقصى داخل الـبالد .فالثلـث األخيـر
يبدو ھكذا تلك الفتـرة مـن التـاريخ التـي تتجمـع فيھـا كـل روافـد التـاريخ ،بكـل
نتائجھا النفـسية واالجتماعيـة والـسياسية والعلميـة ،وكـل التغيـرات المترتبـة
على ھـذه النتـائج .وعليـه فـإن ھـذه المـسوغات تكفـي لتـسويغ اختيارنـا لـه
بــصفته حقبــة زمنيــة اســتثنائية فــي التــاريخ ،يكــون دور المــسلم فيھــا شــيئاً
استثنائياً أيضاً ،يجب إدراجـه بطريقـة خاﺻـة فـي الـدور العـام الـذي حـدده لـه
القرآن الكريم بوﺻفه شاھداً ،وذلك أمر يجـب أن يـدخل فـي اعتبارنـا ويجـب أن
نقدره بقدر ما يمكننـا مـن الواقعيـة ،حتـى نقـدم لـشبابنا الـصورة الموضـوعية،
التي يـرى مـن خاللھـا دوره ھـو ودور إخوانـه اآلخـرين فيـه ،ألن رسـالة الجيـل
الناشئ ستحقق على أية حال إمـا سـلبية أو إيجابيـة فيـه ،فھـو ثلـث تحقـق
رسالته.
ولكي نتبين طبيعة ھذا الدور ،الذي يجب على الشباب المـسلم أن يتـصدى -
منذ اآلن -لالضطالع به في ھذه الحقبة المواجھة لـه ،المنفتحـة أمامـه ،يجـب
أن نراجع بعض السمات التي يتميز بھا ھذا الثلث األخير في العـالم المتحـضر،
ألن مركز الفكر العالمي اليوم يوجد على محـور سـبق أن سـميناه )فـي كتـاب
3
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
إن األجيال في ھذا المجتمع المتحضر عاشـت علـى رﺻـيد ثقـافي ورثتـه مـن
األجيال السابقة ،أعني أنھا عاشت على رﺻيد المسوّغات التي دفعت عجلـة
التــاريخ فــي القــرون الماضــية ،وخــصوﺻاً فــي القــرن التاســع عــشر والقــرن
العشرين .والذي يبدو -خاﺻة إذا رجعنا إلى فترة ما بعد الحربين العالميتين -أن
مـل أعبـاء الحيـاة ،بـدأ ينفـد ،وبـدأت
ھذا الرﺻيد مـن المـسوّغات الـضرورية لتح ّ
الشعوب التي تعيش على محور واشنطن -موسكو ،الشعوب المتحضرة ،بدأت
تــشعر جميعھــا بنفــاد رﺻــيدھا الثقــافي ،رﺻــيد مــسوّغات حياتھــا التقليديــة
الموروثة عن أجدادھا ،وبدأت فعال ً تجري عمليات تعويض في شـتى الميـادين،
حتى في ميدان األدب حيث نرى لوناً جديداً يظھر تحت اسـم "الوجوديـة" .وإذا
كان من حق أﺻحاب ھذا اللون من األدب أن يحللوا القضية من الناحية األدبية،
كما يفعل كير كجارد وھايدجر وسارتر في كل من الدانمرك أو ألمانيا أو فرنـسا،
فإن من حقنا نحن أن نحلله من ناحية أخـرى .فنـرى فيـه رد فعـل أدبـي علـى
شعور غامض لفقدان المسوغات في المجال النفسي.
والسؤال اآلن كيف فقدت ھذه المـسوغات ،التـي تحركـت ودارت عليھـا عجلـة
التاريخ طيلة القرون الماضية فـي أوربـة؟ لنتـصور كيـف كـان ينـشأ الطفـل فـي
زمان كيبلنج مثال ً أو في زمان أرنست رنان مثال ً .كيف كان ينشأ فـي بيتـه؟ ثـم
كيف يتعلم فـي مدرسـته؟ ثـم كيـف كـان يتوجـه فـي عملـه بعـد التخـرج مـن
الجامعــة ،أو عنــدما يبلــغ أشــده ويتوجــه إلــى الحيــاة العمليــة جنــدياً فــي تلــك
الجيوش التي تفتح البلدان التي تسمى المستعمرات .كـان الطفـل فـي ذلـك
الوقت ينشأ وحوله جو من األفكـار منبتھـا االسـتعمار ،أي المنـاخ االسـتعماري
د سـواء ،وفـي االتحـاد الـسوفييتي الذي تك ﱠون في أوربة وفي أمريكة علـى حـ ٍّ
قبل الثورة أيضاً .ھذا المناخ االستعماري ھو الذي كـان ينـشأ فيـه الطفـل منـذ
والدتــه ،نــشأة ال يبــدو معھــا غريبــا فــي ھــذا المنــاخ الــذي كــان يــسود العــالم
4
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
المتحضر أن يقوم من فرنسا كاتب قصصي كبير في أواخر القـرن الماضـيى ھـو
جلفــرن ،ليكتــب عــن ملحمــة ال تمــت بــصلة إلــى بطولـة الفرنــسيين أو بطولــة
الجيش الفرنسي ،ھي ملحمة عنوانھـا ميـشال سـتروجوف ،بـل تتـصل بفـتح
روسيا للبالد اإلسالمية في بخـارى .وكانـت قـصة غريبـة فعـالً ،إن دلـت علـى
شيء فإنما تدل على سيادة المنـاخ االسـتعماري شـرق الـبالد وغربھـا ،ذلـك
المناخ الذي سيتم فيه إبرام الميثـاق االسـتعماري فـي مـؤتمر بـرلين 1881م،
حيث كان الضمير األوربي ،الضمير المتحضر يعيش ھذه الملحمـة المتفقـة مـع
روح ذلـــك الميثـــاق ،فـــال نـــستغرب معـــه اســـتعمال تـــسميات االكتـــشافات
االستعمارية والفتوحات االستعمارية .لكن الشيء الذي يھمنا نحن مـن جانـب
التحليل اليوم -كي نعود إلى موضوعنا -ھو كيف فقدت المسوغات؟ كان الطفل
يشبع جانب تعطشه لألشياء الغريبة والقصص النـادرة وقـصص البطـوالت ،فـي
جو االستعمار وفي ملحمة الفكرة االسـتعمارية نفـسھا ،لـذلك ال نـستغرب أن
نرى رجال ً كـ ستانلي في أواخر القـرن الماضـي ،نـشأ فـي ھـذا الجـو وتكونـت
عنده فكرة االكتشافات وفكرة الفتوحات ،نـراه يغـادر وطنـه وينـزل إلـى إفريقيـة
الوسطى فيحتل قطاعا ًكبيراً منھا .لقد كان يرى ما يـراه علـى الخريطـة قطعـة
بيــضاء فراودتــه الفكــرة أن يلونھــا بلــون مــا ،وكــان اللــون األحمــر علــى الخــرائط
المستعملة في أواخر القرن الماضي مخصصاً لتلوين المـستعمرات الفرنـسية،
واللـــون األخـــضر لتلـــوين المـــستعمرات اإلنجليزيـــة ،واللـــون البنـــي لتلـــوين
المستعمرات البرتغالية ،واللـون األﺻـفر لتلـوين المـستعمرات الھولنديـة إلـخ...
فأراد ستانلي أن يلون قطعة ما من إفريقية بلون يخـول ھـذه القطعـة أن تكـون
م وضع اليد عليھا -على ھدية ألوروبة بصفتھا مستعمرة ،وقد أھداھا فعال ً لما ت ﱠ
ـر َكتھم يقـدمھا إلـى
الكونغو -إلى تاج بلجيكا وكأنھا ملك أجداده أو قطعـة مـن تَ ِ
ملك أو ملكة بروكسل.
أما إذا كان ھذا األوربي جندياً فإن نشأته فـي ھـذا الجـو ،تـصور لـه أن المجـال
ألداء واجباتــه الوطنيــة وواجباتــه العــسكرية ،ھــو قطــاع مــن قطاعــات إفريقيــة
وآسية .ھكذا كانت األمور تسير ،وھكذا كانت تتفتح نفوس األطفال في أوربـة،
يضاف إلى ذلك تدخل بعض األشياء ذات الجانب الخفـي ،الجانـب الـذي يتـصل
بما نسميه الصراع الفكري؛ األشياء التي تصور لھذا الطفل الناشئ حتى قبـل
دخوله إلى المدرسـة االبتدائيـة أو قبـل خروجـه منھـا -فـي مجـالت متخصـصة
5
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
لألطفال -تصور له آيات البطولة فـي إفريقيـة علـى حـساب أولئـك البرابـرة مـن
السود أو من الصفر ،مما يجعلـه يعتقـد عنـدما ينـزل بـالداً مثـل شـنغھاي فـي
أواخر القرن الماضي ،أنه ھو رب الصين .فيضع الفتة على باب الحديقة -رأيناھا
نحــن عنــدما زرنــا الــصين ،ألن الحكومــة الــصينية تركتھــا كمــا ھــي بع ـد خ ـروج
االستعمار منھـا -كتـب عليھـا "ال يـدخل ھـذه الحديقـة الكـالب وال الـصينيون"،
بعض الكالب طبعاً .لقد كان ترتيب الكلمتين الكالب أوال ً والصينيون ثانيا.
ھذا ھو المناخ الذي كانت تتكون فيه نفوس األطفـال ونفـوس الـشبان ونفـوس
الرجال ،وھذا ھو المناخ الذي كانـت تنطلـق فيـه الطاقـات -طاقـات ال نحتقرھـا
فعال ً -كتلك الطاقة الجبارة التي نتصورھا في شخص مثـل األب دوفوكـو ،الـذي
تطوع أن يذھب في سنة 1908م على األقدام ،من مدينة في جنـوب الجزائـر،
لفتح القطاع الصحراوي حتى حدود ما يسمى بالسودان الغربي .فھذه األشياء
كانت تغمر الحياة األوربية بفيض من المسوغات .وربما كانت ھناك منابع أخرى
ـف نبعھــا بعــد الحــرب العالميــة األولــي والثانيــة،
جـ ّ
لھــذه المــسوغات فقــدت أو َ
بسبب تطـورات تتـصل بمـا حـدث مـثال ً بـشأن الـروابط الخفيـة أو الظـاھرة بـين
مجالي العلم والنفس .فبقدر مـا كانـت تتحقـق اكتـشافات علميـة كبـرى فـي
أوربة ،بقدر ما كانت تتـرك ﺻـداھا علـى المجـال النفـسي ،وأثرھـا الكبيـر فـي
التطور الروحي ،حتى بدأت تفتـر بعـض المـسوغات الروحيـة ألسـباب ال نطيـل
عندھا الوقوف ،حتى ال نتعدى بعض الحدود من اللياقة.
6
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
عندئذ؟ تحدث األزمـة الخطيـرة التـي يعيـشھا العـالم المتحـضر اليـوم .فالعـالم
المتحصر اليوم ،يبدو أنـه قـد أخفـق فـي عمليـة التعـويض ،سـواء مـن الجانـب
األدبي كمحاولـة الوجوديـة مـثالً ،أو مـن الجانـب الـسياسي كمحاولـة الرجـوع
ألﺻــله األوربــي ،بحث ـاً عــن منطلقــات جديــدة ألفكــاره ولنــشاطاته االقتــصادية،
فكأنما تقطعت أنفاسه ،ولم تعد في متداولـه تلـك األشـياء المتينـة التـي كـان
يرتكز عليھا في القرن الماضي وبداية ھذا القرن .وعندھا فإن من الطبيعـي أن
من ال يجد سنداً في مسيرته التاريخية سيقع في حيرة وتيه وقلـق ،وھـذا مـا
يفسرلنا ما نراه اليوم ،من حيرة قائمة فعال ً في العقول والنفـوس واألرواح ،فـإذا
ما اجتمعت ھذه األشياء فعال ً في نفـس بـشرية ،فعنـدھا يمكـن أن نتـصور مـا
تولده من دوافع سلبية .فإذا ما فقد مجتمع ما مسوغاته ولم يستطع تعويـضھا
بالطرق المشروعة في محاوالت مبذولـة ،عنـدھا يعتريـه القلـق ويعتريـه التيـه
وتعتريه الحيرة...
فماذا يترتب على ھذا من تـصرفات؟ يترتـب عليھـا التـصرفات التـى نراھـا فـي
أوربة وأمريكة اليوم .يترتب على ھذا مثال ً أن نجد البلـد الـذي حقـق الـضمانات
االجتماعية إلى أقصى حد مثل السويد ،يتميز بـشيء خطيـر وھـو أنـه يتـصدر
رأس القائمة في إحصائية االنتحار العالمية .فظاھرة االنتحار في العالم ،يشغل
فيھا المكان األول ،البلد االكثر تقـدماً نـسبياً مـن حيـث الـضمانات االجتماعيـة.
وھذا إن عنـى شـيئاً فإنمـا يعنـي أن البطـون إذا امـتألت ال تغنـي النفـوس وال
تشبعھا ،إذا شبعت البطون قد تبقـى األرواح متعطـشة،تبقى األرواح متطلعـة،
وحين ال تجد وجھة تتطلع إليھا تفضل االستقالة من الحياة .ھذا إذن ما يحدث،
وقد يحدث في بالد أخرى أكثر مـن ھـذا فـي ﺻـورة مـا؛ ويبـدو أن ھنـاك ﺻـوراً
أخرى لالستقالة من الحياة ،ھي في الحقيقة أشنع من الناحية األخالقية ،وال
أقول من الناحية الدينية .فھي أشنع ألن كل ﺻور خيبة األمل تتجلى فيھا ،مـع
شيء من العجز حتى عن القيام بھذه المحاولة إلعدام النفس .وذلـك أن ھـذه
المحاولة تتطلب شـيئاً مـن الـشجاعة .وألن اإلنـسان فقـد مروءتـه إلـى درجـة
الفشل ،حتى في التخلص من الحياة بالطرق غير المـشروعة ،فإنـه يفـر منھـا
عن طريق الموبقات ،عن طريق التـدھور األخالقـي ،عـن طريـق اإلدمـان علـى
المخدرات ،فيصبح المجتمع مھدداً بالخراب ،ألن قاعدتـه االجتماعيـة تنھـار ،أي
شبابه ينھار .إن بعض اإلحصائيات األخيـرة ،التـي وقعـت بـين يـدي عـن إدمـان
7
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
المخــدرات فــي محافظــة بــاريس ،والتــي نــشرتھا مــصلحة األمــن فــي ھــذه
المحافظة ،في تقرير رسمي ﺻادر عن مجلة تـصدرھا تلـك المـصلحة ،تفيـد أن
نسبة المدمنين بين الشباب لِلمخـدرات ،تـضاعف بنـسبة عـشرين فـي المئـة
في السنتين األخيرتين ،فبإمكانكم إذن أن تتصوروا مـاذا سـيكون معـدل ارتفـاع
النسبة خالل السنوات العشر المقبلة .ويمكن ،إن جـرت المـسائل كمـا تجـري
اآلن ،أن يعم اإلدمان الـشباب كلـه فـي بـاريس .وأظـن أن األمـور تجـري علـى
الوتيرة نفسھا في سائر أنحاء فرنسا .يبدو أن الشباب الفرنسي سـوف ينھـار،
وسوف يحاول االنفالت من حياة فقـدت مـسوغاتھا ،عـن طريـق المخـدرات .إن
ل ھذا على شيء ،فھو يدل على أن المجتمع يفقد اآلن قاعدتـه االجتماعيـة د ﱠ
المتينــة وھــي شــبابه ،يــضيعه إمــا فــي المتاھــات ،أو فــي الخمــارات ،أو فــي
المخدرات أو في المقابر ،عندما ينتحر.
وھذا ما يدعونا بالطبع إلى أن نحلل ھـذه األشـياء .مـاذا تعنـي ھـذه األشـياء؟
ماذا تعني ھذه اللوحة القاتمـة التـي قـدمناھا بخطـوط سـريعة ،بعبـارات فجـة
ملتقطة يميناً وشماالً؟
8
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
طريــق حيــث تنتھــي فيــه أخطـاؤه ،ليفــسح مجــاال ً لتجربــة أخــرى بعــد إخفــاق
التجارب السابقة ،ونحن نري فعال ً أن التجارب األساسـية فـي التـاريخ لـن تبـدأ
حتى تخفق قبلھا كل التجارب السابقة التي فقـدت أسـسھا التاريخيـة .يجـب
أن ينتھي التاريخ في نقطة ما كي يتجدد التـاريخ مـن نقطـة جديـدة .يجـب أن
يكون ھذا مفھوماً وخاﺻة لدى الشباب .يجب أن يخفق التاريخ ،يجب أن يفلس
التاريخ .وأحياناً يجب أن نعلن اإلفالس كي نشعر الناس وخصوﺻاً الـشباب بـأن
ل ھذا الذي نراه على ذلك المحور استدراج ھذا اإلفالس ھو طريق البداية .فلع ﱠ
سـولَ ُه بِا ْل ُھـ َدى َو ِد ِ
يـن ل َر ُ ھـ َو الﱠـ ِذي أَ ْر َ
سـ َ لشيء ربما تعبر عنه اآليـة الكريمـةُ } :
ـش ِركون{ ]الـصف [9 :ربمـا ھـذا ھـو الم ْ ه ول ْو َك ِ
ـر َه ُ ين ُك ِل ّ ِ
د ِظ ِھ َر ُه َعلَى ال ِّ
ق لِ ُي ْ ا ْل َ
ح ِّ
القطــب الــذي يتجــه إليــه مجــرى التــاريخ فــي ھــذا الثلــث األخيــر مــن القــرن
ت فـي العشرين .وعلينا أن نتأكد بقدر إمكاننا من ھذا ،ولـيس لنـا أن نقـرر ونبـ ّ
شيء قبل انقضائه ،فلكم أنتم أيھا الشباب بعد ثالثـين سـنة أن تـروا الحقيقـة
سافرة كما ھي .أما نحن في جيلنا فال نـرى إال توقعـات ،ونحـاول أن نـرى مـن
خالل ھذه التوقعات جانباً من مصير اإلنسانية.
يجب علينا أن نقـوم بعمليتـين :أن نرسـم خريطـة ،الخريطـة األيديولوجيـة كمـا
يقولون اليوم أو خريطة األديان كما نقول نحن ،في العصر الذي تنزلت فيه ھـذه
اآلية ،وھذه اآليـة فيمـا أظـن آيـة مكيـة أعنـي فـي البدايـة ،أعنـي فـي نقطـة
الصفر .لو كان لنا أن نرسم الخريطة فعال ً في وقت تنزلھا -تنزيـل اآليـة -لوضـعنا
على الخريطة نقطة من لون معين يعبر عـن رقعـة اإلسـالم فـي العـالم وھـي
مكة ،فنلونھا بلون ما .ھذا اللون اإلسالمي ال يعدو أن يكون نقطة في الكون...
د لھذا الواقع ،كأنھا تحد ال يتـصوره العقـل تـصوراًبينما تتنزل ھذه اآلية كأنھا تح ٍّ
لو كنا معه نحن معشر عباد القـرن العـشرين ،بعقالنيتنـا وعلميتنـا نعـيش فـي
وقت التنزيل لقلنا ھذه خرافة .ما ھي ھذه الخرافة؟ إن ھـذه اآليـة تتحـدى!!..
تتحدى اإلمبراطوريتين والحـضارتين القـديمتين الكبيـرتين :إمبراطوريـة وحـضارة
فارس من ناحية ،وإمبراطورية وحضارة بيزنطة والبحر األبيض علـى العمـوم مـن
ناحية أخرى ،فھذا التحدي ھو من أقسى معجزات القرآن في الحقيقـة ،وذلـك
عندما نتصوره في وقت التنزيـل ،ألننـا إذا رسـمنا الخريطـة األيديولوجيـة آنـذاك
فماذا نجد عليھا؟ إننا نجد عليھا لون المجوسية أو لون الديانة الفارسية ،ولـون
البوذية ،ولون البرھمية أو لون الھندوكية كمـا يقولـون ،ولـون المـسيحية ،ولـون
9
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
اليھودية ...ونقطة مغمورة في الكون ھي مكة نقطة اإلسالم .فلـو أردنـا ونحـن
في ذؤابة القـرن العـشرين ،الثلـث األخيـر منـه ،رسـم خريطـة جديـدة لألديـان
اليوم ،في عام 1972م فماذا نجد؟ نجد أن البوذية قد شطب عليھا قلم الـسيد
ماوتــسي تونــغ فمحاھــا مــن الوجــود .وأمــا المجوســية فقــد محاھــا عمــر يــوم
القادسية .وأما البرھمية فقـد محتھـا ظروفھـا الخاﺻـة بوﺻـفھا دينـاً ال بوﺻـفھا
ثقافــة ،فھــي بوﺻــفھا تراثـاً تقافيـاً ســتبقى إلــى أجــل ال نــدري مــداه -نتجنــب
التكھنات -أما بوﺻفھا ديناً فقد انتھت وانتھى دورھـا ،لقـد فـشلت فـي أبـسط
مھماتھا خاﺻة بعد استقالل الھند ،فقد سجلت الھند في السطور األولى مـن
دستورھا عام 1948م أنھا سوف تقضي على حالة المنبـوذ ،وكـان مـن سـجل
ھذا إنما سجله تحت إمالء الـروح الكبيـر كمـا يقولـون أي مھاتمـا غانـدي ،وقـد
سجل ھذا البند في أحسن ظروف تطبيقه بعد الخالص من محنـة االسـتعمار،
وبعد فرج االسـتقالل وفرحـة االسـتقالل .واليـوم إذا راجـع الھنـدوكي أو راجعنـا
نحن القضية بعد عشرين سنة نراھا قـد فـشلت فـشال ً ذريعـاً .وھـي قـضية ال
تتصل بمصير عشرة آالف مثال ً بل تتصل بمصير ثمانين مليوناً من البشر تقريبـاً،
وھــذا لــيس بالــشيء الھــين .لقدفــشلت ألنھــا لــم تــستطع حــل المــشكالت
االجتماعية ،وھذا يعني كأنما قد قدمت استقالتھا من التاريخ.
أما المسيحية فقد حدثت لھا أيضا في الفترة األخيرة تطورات غريبـة عبـر عنھـا
ذلك المجمع المسكوني األخير ،وقبلـه مجمـع الفاتيكـان الثـاني .لقـد أﺻـبحت
تعاني من مشكالت تعبر عـن ظـروف خطيـرة جـداً تواجھھـا المـسيحية اليـوم.
فالمسوغات المسيحية بدأت فعال تفقد تأثيرھا في الحياة المسيحية ،فقد بـدأ
بعض القسيسين -على رغم من تـأديتھم يمـين الـدخول فـي سـلك الرھبنـة:
يمين أنھم يعيشون من أجـل ﷲ ،وأنھـم ال يتزوجـون ويلتزمـون بجميـع شـروط
الرھبانيــة -بــدؤوا بعــد ھــذا اليمــين المقــدس -علــى شــروطھم -يــصرحون فــي
الصحافة .وفي مؤتمرات ﺻحفية كبرى تدور أحياناً أمام عدسة المصور ،ويعلنون
أنھم ألقوا المسوح وتخلصوا من أعبائه وأنھم تزوجوا… ونرى المعركة تـدور فـي
مــستوى أعلــى ،علــى مــستوى الكردينــاالت فــي الفاتيكــان ،فيقــدم كردينــال
ھولنــدي الكردينــال ســانس اســتقالته مــن المجمــع المــسكوني ،مــساند ًة
للقــساوسة مــن الــشباب الــذين تم ـردوا علــى الم ـسوح وشــروط لباســه ،ثــم
احتجاجاً على سياسة الفاتيكان االجتماعية.
10
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
مــا معنــى ھــذا بالنــسبة إلينــا نحــن الــذين نحلــل ھــذه الظــروف...؟ معنــاه أن
المـــسيحية بـــدأت فعـــال ً تفقـــد المـــسوغات التـــي يجـــب تقـــديمھا للـــشباب
د سواء .ولقد حدث الذي كان البـ ﱠد مـن أن يحـدث والقسيسين وللمرأة على ح ٍّ
على أثر فقدان المسوغات ،حدث أن بدأت دور التعليم العالي المـسيحي فـي
العالم ،خاﺻة في أمريكة الالتينية تغلق أبوابھا الواحدة بعد األخرى ،ثـم تبعتھـا
األديــرة .ذلــك ألن فتيــات المجتمــع اإليطــالي قــد انــصرفن لمجــاالت أخــرى مــن
النشاط األخالقي ،غير تلك التي تشرف عليھا الھيئات الكھنوتيـة .وھكـذا رأينـا
من سنتين حادثة ربما بلغكم ﺻداھا أن أحد األديـرة ذا التـاريخ العريـق المم َتـد
إلى سـتة أو سـبعة قـرون -كانـت أبوابـه خاللھـا مفتوحـة دائمـاً -أﺻـبح مھـدداً
باإلغالق ،ألنه فقـد البنـات المتطوعـات لـسلك الرھبنـة ولـبس المـسوح ،ممـا
جعل القس المشرف على إدارة ھذا الدير ،يرى نفسه مضطراً أن يقوم بعمليـة
أخذت أبعاد الفضيحة ،وذلك حينما اكتشفتھا ﺻحيفة إنكليزية .لقـد ذھـب ھـذا
القس لتفادي الوضع في ديره -ونحن نعلم كم كان له من عطـف وحنـان علـى
حياة ھذا الدير -إلى الھند وإلـى منطقـة فقيـرة منطقـة كـاراال ،فاشـترى منھـا
عدداً من البنات بالعملة الـصعبة ،كـي يعلمھـن ارتـداء لبـاس المـسوح والقيـام
ببعض الطقوس البسيطة ،وذلك لمدة شھرين قبل أن يزج بھن فـي الـدير ،كـل
ھذا كي يبقى الدير ...ولكن ﺻحيفة إنكليزية قد أفشت ھذا السر لألسف ،ثـم
تناولته الصحافة العالمية فأﺻبح فضيحة ،وأﺻبح الفاتيكان يحاول التغطيـة بقـدر
اإلمكان ،ألنھا فعال فضيحة.
فإذا رجعنا إذن إلى الخريطة المرسومة أمامنـا نجـد أن اللـون المـسيحي أيـضاً
يعاني ما يعاني ،فھو كأنما بھت أو شحب .ونرى على الخريطة شيئاً غريباً :إن
اللون اإلسالمي ولونـاً آخـر جديـداً -ھـو لـون ديانـة جديـدة -يكتـسحان العـالم.
فاللون اإلسالمي اليوم يغطي مساحة من الدنيا تعادل نصفھا تقريباً مـساحته
اإلفريقية واآلسوية تقدر بنصف الدنيا تقريباً ،وعدته البشرية تبلـغ 800مليـون -
صلنا ھذا الرقم من إحصائية أخيرة تحت إشراف األمم المتحدة -ولكي نعطي ح ﱠ
ھذا العدد االعتبار الصحيح يجب أن تكون لـدينا فكـرة عـن نمـوه فـي عـدد مـن
السنين .إنني حينما قرأت ألول مرة ما يسمى بالجغرافيا البشرية وأنـا ابـن 12
أو 13سنة كان توزيع أتباع األديان كما يلي :للمسيحية فيما أظـن 600مليـون
وللبوذية 500مليون وللبرھمية 400مليون ولإلسالم 250مليوناً.
11
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
وفي أوائل الحرب العالمية األولى كان ھذا عدد المسلمين كلھـم فـي العـالم،
أي إن عدة العالم اإلسـالمي البـشري كانـت 250مليونـاً .فھـا نحـن أوالء فـي
مدى نصف قرن مثال ً نرى أن العدد قد تصاعد إلى ما يقرب اآلن من المليار.
إذن فنحن نرى طرفين في القضية وعلى خطين متوازيين؛ نرى أن سير التاريخ
كأنمــا يــستدرج العــالم إلــى فــشل تجاربــه وخيبــة أملــه ،فــي تجاربــه العلميــة
والتكنولوجية إلخ ...من ناحية ،ومـن ناحيـة أخـرى نمـو العـالم اإلسـالمي كمـاً
وكيفاً؛ كماً من حيث ازدياد السكان ،وكيفـاً باكتـساب تجـارب جديـدة حتـى لـو
كانــت ســلبية .ونــرى فــي الخــط المــوازي كأنمــا ﷲ يھيــئ القاعــدة التاريخيــة
ـق
ح ِّ سولَ ُه بِا ْل ُھ َدى َو ِد ِ
ين ا ْل َ ل َر ُ ھ َو الﱠ ِذي أَ ْر َ
س َ االجتماعية لتحقيق اآلية الكريمةُ } :
ه{ ]الصف [61 :فنحن نرى أن القـضية تـسير فـي اتجـاه ين ُك ِل ّ ِ
د ِظ ِھ َر ُه َعلَى ال ِّ
لِ ُي ْ
ھذا القطب ،إذ يبدو أن من يسير على الخط الحضاري ،كأنه يـستدرج بأخطائـه
وباكتشافاته العلمية ،لتتھيأ لمن يسير على الخط الموازي ظروف ظھوره على
مسرح التاريخ.
سبق أن أشرنا إلى اللون الجديد الذي ظھر على الخريطـة سـنة 1917م وھـو
لون أحمر لـون الـشيوعية ،وھـي أيـضاً ديـن وأنـا أتحـدث عنھـا ھنـا علـى ھـذا
األســاس .فأنــا ال أتنــاول الــشيوعية ھنــا بوﺻــفھا مــذھباً سياســياً أو مــذھباً
اقتصادياً ،وإنما أتناولھا فـي حـديثي ھـذا علـى أنھـا عقيـدة وديـن تقـدم ھـي
األخرى مـسوغاتھا ،وھـي فـي الطريـق إحـدى عمليـات التعـويض فـي العـالم
المتحضر للمسوغات التي فقدھا .فإذا أخفقت محاولـة الوجوديـة كمـا أخفقـت
محاولة التعـويض الـسياسي ،لتنظـيم وبنـاء جديـد لحيـاة أورييـة متحـضرة بعـد
تصفية االستعمار ،فيجب أن نضيف إلى ھذا أن عمليات التعويض التي نجحـت،
إنما نجحت على حساب المسوغات األساسـية التقليديـة التاريخيـة أي علـى
حــساب المــسيحية .فالــشيوعية ظھــرت نتيجــة لعمليــة تعــويض لمــسوغات
مفقودة.
يتبين إذن أن خطي السير واألحـداث التـي تجـري عليھمـا ،كأنمـا تقـود مـصير
ل ھـ َو الﱠـ ِذي أَ ْر َ
سـ َ اإلنسانية نحو قطب يتحقق فيه معنى اآلية التـي ذكرناھـاُ } :
ين ُك ِل ّ ِ
ه{. د ِظ ِھ َر ُه َعلَى ال ِّ
ق لِ ُي ْ
ح ِّ سولَ ُه بِا ْل ُھ َدى َو ِد ِ
ين ا ْل َ َر ُ
12
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
إن ھذا ما يجعلنا نعيد النظر في موقف المسلم في ھذا الثلـث األخيـر ،إذ اآلن
يبدأ دور المـسلم أمـام ھـذه الظـاھرة ،حتـى لكأنمـا أراد ﷲ عـز وجـل تعطيـل
وتأجيل دور المسلم في ھذا القرن حتى تنتھي كل تجـارب اآلخـرين بالفـشل،
ويستطيع إﺻالح أخطائھم ،أو حتى تصل تجاربه إلـى نھايـة فـشلھا فتكـون لـه
الخبرة لتدارك أخطائه.
ولكــن كيــف يتحــدد ھــذا الــدور؟ يتحــدد طبعـاً طبقـاً لھــذه الظــاھرة التــي نــرى
جانبيھا ،جانبھا الذي يتحقـق علـى محـور واشـنطن -موسـكو ،والجانـب اآلخـر
الذي يتحقق على محور ما سميناه محور طنجة -جاكرتـا ،والـذي نـسميه اآلن
محور اإلسالم.
فكيــف نتــصور دور المــسلم؟ يجــب أن يفكــر المــسلم كيــف يــسير فــي اتجــاه
التاريخ،كيف يستغل الظروف السانحة التي تتھيأ لـه علـى المحـورين :المحـور
الذي فقد المسوغات التقليدية والذي ينتظر مسوغات جديـدة ،والمحـور الـذي
سـولَ ُه بِا ْل ُھـ َدى
ل َر ُ ھـ َو الﱠـ ِذي أَ ْر َ
سـ َ ل إليه فـي اآليـة الكريمـةُ } : أشار ﷲ ع ﱠز وج ﱠ
ين ُك ِل ّ ِ
ه{ د ِظ ِھ َر ُه َعلَى ال ِّ
ق لِ ُي ْ ين ا ْل َ
ح ِّ َو ِد ِ
كيف نتصور إذن دور المسلم؟ نتصوره طبقاً لضرورات داخلية وضـرورات خارجيـة:
ضرورات إنشاء وتشييد في الداخل ،وضرورات اتصال وإشـعاع فـي الخـارج .ولـو
ألقينا سؤاال ً اآلن فال شك أننا سنتفق على الجواب .فعندما نتساءل كيف يقوم
المسلم بدوره في اتجاه تحقيق معنى اآلية الكريمة التي أوردناھا نجيـب آليـاً؛
إن علــى المــسلم أن ُيبل ّـغ اإلســالم ،دون أن نحــدد فــي إجابتنــا شــروط ھــذا
التبليغ ،وھذا ھـو المنطـق الـسھل الـذي يغـرر بنـا ،إن الجـواب ﺻـحيح شـكلياً
ولكننا بكل أسف نقف عند الجواب وال نرى مقتضياته الواقعية.
سأعطيكم ﺻورة رمزية نطبقھا بعد ذلك :ھـل تـرون إلـى أرض عطـشى تنتظـر
الري مـن المـاء؟ ھـل نـستطيع ريھـا بمـاء يجـري تحـت مـستواھا؟ إن اإلجابـة
ستكون بالطبع :ال باستثناء المجنون أو ﺻاحب الشطحات الصوفية إذ يعتقـد أن
الماء سوف يطلع إليھا فيسقيھا .ال لن يسقي الماء األرض بالصعود إليھا ،وإنما
13
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
باالنحدار وذلك بحكم السنن اإللھية عن طريق الجاذبيـة .سـنة ﷲ تقتـضي أن
ينحدر إلى ھذه األرض إذا كان مستواه يخوله ذلك.
إذن إذا أراد المسلم أن يقوم بدور الري بالنسبة للشعوب المتحضرة والمجتمـع
المتحضر ،وأراد -بعبارة أوضح -أن يقدم المسوغات الجديدة التـي تنتظرھـا تلـك
األرواح ،التــي تتــألم لفراغھــا وحيرتھــا وتيھھــا ،إذا أراد المــسلم ذلــك ،فليرفــع
مستواه رفعاً يستطيع معـه فعـال ً القيـام بھـذا الـدور .إذ بمقـدار مـا يرتفـع إلـى
مستوى الحضارة بمقدار ما يصبح قادراً على تعميم ذلك الفـضل ،الـذي أعطـاه
ﷲ له -أعني دينه -إذ عندھا فقط يصبح قـادراً أيـضاً علـى بلـوغ قمـم الحقيقـة
اإلســالمية ،واكتــشاف قــيم الفــضيلة اإلســالمية ،ومــن ثــم ينــزل إلــى ھــضاب
الحضارة المتعطشة ،فيرويھا بالحقيقة اإلسالمية وبالھدى ،وبذلك يـضيف إليھـا
بعداً جديداً .ألن الحضارة العلمانية ،حضارة الصاروخ ،حضارة اإللكترون اكتـسبت
ھــذه األشــياء ،وضــيعت بعــداً آخــر تــشعر بفقدانــه وھــو ُبعــد الــسماء .إن أوربــة
حققت المعجـزات فـي عـالم االكتـشافات وعـالم العلـوم ...ولكنھـا فقـدت فـي
أعماق نفسھا البعد الـذي كـان يـروّح عليھـا ويرفّـه عنھـا ويـسندھا فـي وقـت
المحن ،ألنه يربطھا بوجود ﷲ.
إذا أراد المــسلم أن يــس ﱠد ھــذا الفــراغ فــي النفــوس المتعطــشة ،النفــوس
المنتظــرة للمــسوغات الجديــدة ...فيجــب أوال ً أن يرفــع مــستواه إلــى مــستوى
الحضارة أو أعلى منھا كي يرفع الحضارة بذلك إلى قداسة الوجود ،إلـى ربانيـة
الوجود ،وال قداسة لھذا الوجود إال بوجود ﷲ.
والمسلم إذا أتى بھذا ال بلسانه وال بشطحاته الـصوفية ،وإنمـا بوﺻـفه إنـساناً
معاﺻراً للناس شاھداً عليھم بالتقى والورع ،بنزاھة الشاھد الصادق ،الـصادق
الخبير ،الواعي لقيمة شھادته ...إذا أتـى المـسلم ھكـذا فـي ﺻـورة اإلنـسان
بالبعد الذي يضيفه اإلسالم إلى الحضارة وھـو ُ المتحضر ،الذي اكتملت حضارته
ُبعد السماء ،عندئذ ترتفع الحضارة كلھا إلى مـستوى القداسـة ،أي إن الوجـود
الذي فقد القداسة في القرنين األخيـرين خـصوﺻاً فـي ھـذا القـرن ،تعـود إليـه
قداسته ألن القداسة من ﷲ ومن ﷲ وحده وال شـيء يعطـي القداسـة لھـذا
الوجود غير ﷲ ،والسالم عليكم) .نھاية المحاضرة األولى(
14
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
المحاضرة الثانية
ن ا ْل ِع ْ
ش ِر ْين ن ا ْلق َْر ِ
ير ِم َ
خ ِاأل َ ِ
ث ْم فِي ال ﱡث ُل ِ
س ِل ِ سالَ ُة ا ْل ُ
م ْ ِر َ
محاضرة األستاذ مالك بن نبي في جامع المرابط في دمشق
1972 /5 /22
إخواني ،أيھا األبناء الكرام ،إن الظرف الذي يجمعني بكـم فـي ھـذا البيـت مـن
بيوت ﷲ ،وأنا على وشك العودة إلى الجزائر ،يجعلني أفكـر بـدال ً مـن أن أعيـد
محاضرة سابقة ھي اآلن بين أيديكم ،أن أضيف لھا بإيجاز حلقـة تمثـل امتـداداً
في سلسلة أفكارھا .ففي سلسلة األفكار التي تناولتھا المحاضـرة الـسابقة،
انتھيــت آخــر المطــاف إلــى نتيجــة كبــرى ،تــضع إشــارة اســتفھام علــى مــصير
اإلنسانية عموماً ،في ھذا الثلث األخير من القرن العـشرين ،كمـا تـضع إشـارة
استفھام على دور المسلم في ھذا الثلث األخيـر .وقـد قلـت فعـال ً فـي نھايـة
تلك المحاضرة "إن أوربة حققت المعجزات في عالم االكتشافات وعـالم العلـوم
ولكنھـا فقــدت فــي أعمـاق نفــسھا البعــد الـذي كــان يــروح عليھـا ويرفــه عنھــا
ويسندھا في وقت المحن ألنه يربطھا بوجود ﷲ .إذا أراد المسلم أن يس ﱠد ھذا
الفراغ في النفوس المتعطشة ،النفوس المنتظرة للمـسوغات الجديـدة فيجـب
أوال ً أن يرفع مستواه إلى مستوى الحـضارة أو أعلـى منھـا كـي يرفـع الحـضارة
بذلك إلى قداسة الوجود".
فحضارة القرن العشرين أفقـدت أو أتلفـت قداسـة الوجـود ،فـي النفـوس وفـي
الثقافة وفي الضمائر .ولقد أ ْتل َفت القداسة ألنھا عدتھا شيئاً تافھاً ال حاجـة لنـا
به .ولقد انجرّت إلـى إتالفھـا بـسبب منـشأ ثقافتھـا التـي يطلـق عليھـا اليـوم
العلمية ،والتي أخضعت كـل شـيء وكـل فكـرة إلـى مقـاييس الكـم منـذ عھـد
ديكارت .لقد حاولت أوربة ونجحت ،ونجاحھا قـد يفـسر لنـا اليـوم علـى المـدى
البعيد ،فشلھا في االستمرار .لقـد نجحـت فـي إخـضاع كـل شـيء لمقـاييس
الكم ،ولكن نجاحھا يفسر بالتالي األزمة التـي تمـ ﱡر بھـا اليـوم حـضارتھا ،التـي
فقدت كل مسوغات وجودھا ألنھا أفقدت الوجود قداسته.
15
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
كان الوجود مقدساً في كل تفاﺻيله ،في حياة الحشرات كـان مقدسـاً ،وحيـاة
اإلنسان كان أكثر قداسة ،حتى األشياء التي تلقى في الشوارع ،كانت ھنـاك
خبـز،
تفاﺻيل توحي بقداستھا ،كان المار في الشارع إذا التقى بـصره بِ ُف َتـات ال ُ
ينحني ويلتقط ھذا الفتات ثم يقبله ويضعه فـي مكـان طـاھر ،ألنـه كـان يـشعر
بقداسة ھذه األشياء .أما األوربي فال يھمه ھذا وال يلتفت إليه ألن ھذا الفتـات
من الخبز ،ال قيمة له في نظره الكمي ،إذ ال ثمـن لـه ،لـذا يلقـى مـع األشـياء
األخرى في سـلة المھمـالت .وتركـت أوربـة فـي سـلة مھمالتھـا كـل قداسـة
األشياء ،وكل القيم المقدسـة ،وفـي آخـر المطـاف دار عليھـا ﺻـولجان علمھـا
وطغيانھا العقلي ،كثعبان التوى على ﺻدرھا ُيضي ّق عليھا األنفاس ،أوربة اليوم
ال تتنفس التنفس الطليق ،بل تتنفس تحت ضغط عـالم األشـياء المتراكمـة .إذ
بقــدر مــا تراكم ـت األشــياء ،وبقــدر ماتراكم ـت اإلمكانيــات الحــضارية اضــمحلت
القاعدة األخالقية الروحية المعنوية التي تتحمل في كل مجتمـع عـبء األثقـال
االجتماعية واألثقال المادية ،إذ الب ﱠد من قاعدة روحية متينة حتى تتحمـل ھـذه
األعباء ،ھذه األعباء التي ترزح تحتھا أوربة أو الحضارة الغربية اليـوم وھـي فـي
خضم األشياء التي تنتجھا التكنولوجية.
من ھنا نتصور إذن دور المسلم باعتباره رسالة .دور المسلم ألنـه يعـاني أيـضاً
أزمته الخاﺻة به وھو يعلم ذلك ،إذ ال يمكنه أال يعلم ،وأعداؤه أﺻبحوا أقرب من
قبل من معاقله المقدسة .إنني ال أريد أن أشير ھنا إلى أشـياء سـمعتھا أثنـاء
الحجة األخيـرة ،أشـياء تـدل علـى أن الـشعور بـالخطر موجـود فـي ضـمير كـل
مسلم ،شعور بخطر كبير داھم.
إذن نحن نعيش أزمتنـا الخاﺻـة بنـا ونعيـشھا بكـل أبعادھـا ،بعـدھا اإلقتـصادي
مثالً ،يكفينا أن نذكر على سـبيل المثـال أن أحـطﱠ المـستويات االقتـصادية فـي
العــالم فــي ﺻــورة مــا يــسمى متوســط دخــل الفــرد الــسنوي ھــو فــي الــبالد
اإلسالمية ،إن ھذا معناه أن أحطﱠ الحظـوظ فـي ھـذه الـدنيا أﺻـبح لألمـة التـي
خصھا ﷲ بالھداية اإلسالمية وخصھا ﷲ برسالة األمـر بـالمعروف والنھـي عـن
المنكر في ھذه الدنيا .ھذه األمة أﺻـبحت تعـاني األزمـات المتنوعـة التـي قـد
نجمعھا في كلمة واحدة ھي األزمة الحضارية ،وھي فعال ً أزمة حضارية ال غير،
إذن نحن نعاني أزمتنا ومن ناحية أخرى تعاني اإلنسانية المتحضرة أزمتھا.
16
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
واألزمة التي تعانيھا اإلنسانية المتحضرة أخطر وأعمق بكثيـر مـن أزمتنـا نحـن،
ألن أزمتنا ال تمس جوھر كياننا اإلنساني فيبقى مع أزمتنا على الرغم من كـل
شيء ،شيء من الكرامة أو شيء من التكريم الذي وضـعه ﷲ عـز وجـل فـي
اإلنسان على العمـوم ،أمـا األزمـة التـي تنتـاب الحـضارة أو اإلنـسان المتحـضر
اليوم ،فھي أحيانـاً تفقـده حتـى إنـسانيته ،فيـصبح إمـا وحـشاً مفترسـاً ضـارياً
ينقض على كل ما يستطيع تحطيمه ،أو يصبح حيواناً تائھاً في المتاھـات التـي
تفــتح لــه بالمخــدرات ،ھــذه ھــي األزمــة الخطيــرة التــي تعانيھــا اإلنــسانية
المتحضرة أو يعانيھا اإلنسان المتحضر.
17
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
الجواب :إنقاذ نفسه وإنقـاذ اآلخـرين ،ھـذه ھـي رسـالة المـسلم .ألـيس فـي
أذھاننا مقدمات سلبية تتناقض مع ھذا الـزعم ،كأننـا انجـذبنا إلـى شـيء مـن
الغــرور؟ كيــف يــستطيع اإلنــسان المــسلم الــذي ال يتمتــع بالقــدر الكــافي مــن
اإلمكانيات الحضارية حتى لتحقيق لقمة عيشه؟ كيف يستطيع إنقاذ اآلخـرين؟
وكيــف يتطلــع لھــذه الرســالة؟ إذا تــساءلنا ھــذا الــسؤال يجــب علينــا أيــضاً أن
نتساءل بھذا المنطق نفسه :لمـاذا اسـتطاع ذلـك أولئـك األعـراب الفقـراء فـي
عھد محمد ﺻلى ﷲ عليه وسـلم؟ لمـاذا قـام أولئـك األعـراب الفقـراء األميـون
بإنقاذ اإلنسانية وشعروا أنھم جاؤوا من أجـل إنقاذھـا؟ فقـد كـانوا يعلنـون ھـذا
في أقوالھم ومخاطباتھم لآلخرين سواء من أھل الفرس أو من أھل روما .كـانوا
يقولون لھم :لقـد أتينـا لننقـذكم .إنھـم لـم يـشعروا بمركّـب الـنقص .لمـاذا لـم
يشعروا بمركب النقص؟ ألن اإلمكانيات الحضارية المتكدسة أمامھم في فـارس
أو في بيزنطة أو في روما لم تفرض عليھم النقص ،وبعبارة أخرى لـم تبھـرھم،
كانوا يشعرون أمام اإلمكانيات الحضارية المتكدسة ،بإرادة حضارية تفـوق كثيـراً
ما تبقى منھا لدى المجتمعات المتحضرة في ذلك العصر .كذلك الحال اليوم لـو
أننا عقدنا موازنة.
فليس إذن من الـصعب أن يقـوم ھـذا المـسلم الفقيـر ،األعـزل ،ھـذا المـسلم
الذي يضحي بمصالحه الكبرى حتى في ھيئة األمم ،أن يقوم على الرغم مـن
ذلك بفضل إسالمه فقط ،بمھمة اإلنقاذ ،ولھـذه المھمـة شـروط ربمـا نـشرحھا
إذا اتــسع المجــال لــذلك .إنــه بفــضل إســالمه ال غيــر يــستطيع اليــوم إنقــاذ
اإلنسانية المتورطة قي الضياع على الرغم من علمھا وكبريائھا وتكنولوجيتھا.
غير أن كل رسالة تقوم على إعجاز؛ رسالة موسى قامت علـى إعجـاز ،كانـت
خر السحرة ساجدين واعترفوا بإله ھـارون عصا موسى تلقف ما يأفكون ،حتى ﱠ
وموسى ،إعجاز عيسى كان إنقاذ المرضى من أمراضھم وإحياء الموتى أحياناً،
إعجــاز النبــي ﺻــلوات ﷲ عليــه وأزكــى التــسليم تعرفونــه جميع ـاً ،فقــد أيدتــه
م جرا… ه العظيم وأيدته أحياناً بالمالئكة ،وھل ﱠخ ُلق ِ
السماء بالقرآن وأيدته ب ُ
فاليوم أيضاً إذا أراد المسلم أن يقـوم برسـالة ،فھـذا يتطلـب نوعـاً مـن اإلعجـاز
تفرضه الظروف الخاﺻة التي تم ﱡر بھا اإلنسانية اليـوم ،علـى اعتبـار أن اإلعجـاز
18
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
ھو مجموعة شروط منطقية وغير منطقية أعني خارجة عن المنطق ،مجموعة
شروط تحقق أمرين :االقتناع واإلقناع .االقتناع أوال ً ألن فاقد الـشيء ال يعطيـه،
فال يمكن للمسلم إن لم يقتنع بأن له رسالة أن يبلغ اآلخرين ھذه الرسـالة ،أو
فحوى ھذه الرسالة أو مفعول ھذه الرسـالة .إذن يجـب أن يقتنـع ھـو أوال ً .وأنـا
أعني قناعته برسـالته فـي الثلـث األخيـر مـن القـرن العـشرين وال أتكلـم عـن
اقتناعه بدينه ،فكل مسلم مقتنع بدينه من يوم أن نزلت اآلية األولـى فـي غـار
حراء .ومن يحاول أن يأتي للمـسلمين بوسـائل إلقنـاعھم بـدينھم فإنمـا يـضيع
وقته وربما يضيع وقت المسلمين أنفسھم.
فالمھم في األمر اليوم أن نالحظ أن الشكوك التي تسربت إلى عقول اآلخـرين
عن المجتمع اإلسالمي إنما تتناول رسالة المـسلم ال عقيدتـه .فھـل اإلنـسان
الذي يستمع إلى المسلم وھو يتحدث عن رسالته ،إنسان تفحص أو راجع أمر
القرآن من حيث ھو فكرة ﺻحيحة؟ إن ھذا ھو مـن شـأن بعـض االختـصاﺻيين،
بعض األفراد من النخبة مثل المارتين الذي خصص أكبر فصل كتبه إنسان لحياة
النبي ﺻلى ﷲ عليه وسلم أو برناردشو أو توماس كارليل .أما الجموع الغفيـرة
من الناس فـال تـصبر لتـدليلنا المنطقـي أن ﷲ واحـد ال شـريك لـه ،وأن النبـي
رسوله ،وأن ھذا الـدين ﺻـحيح .لقـد أﺻـبح ھـذا كلـه مـسلمات .أمـا بالنـسبة
لآلخرين ،فإن كان مـن النخبـة فـيمكن أن يدركـه مـن خـالل كالمنـا ،وھـو فـي
الحقيقة ال ينتظر كالمنا ،بل ينصرف بجھده الخـاص إلـى ھـذا النبـع مـن النـور،
ويشعر بأن اإلسالم فعال ً حقيقة منزلة مـن الـسماء .أمـا الجمـوع الغفيـرة ،أمـا
مئات الماليين من البشر ،الذين تخصھم رسالة المسلم في ھذا الثلث األخيـر
من القرن العشرين ،فھي تقول دعونا نلمس ،وقولھا آتٍ من كونھا نشأت على
ما يسمى المنطق العملي أو كما يقول المـسيحي منطـق القـديس تومـا ،فــ
توما ھذا حينما رجع المسيح بعد أربعـين يومـاً إلـى الحـواريين قـال لھـم إننـي
عدت من السماء ...إلخ ،ورفعتني المالئكة ...إلخ فسأله توما وأين آثار الـصليب
على يديك وعلى قدميك؟ أرني كي ألمـس ھـذه اآلثـار بيـدي ال بعقلـي .ھـذا
قــولھم بــالطبع ولــيس قولنــا ،وإنمــا ن ـذكره بوﺻــفه عي ّنــة مــن تفكيــرھم ومــن
أوضاعھم النفسية أمام األفكار .فھل ھم يتصلون باألفكـار عـن طريـق المنطـق
الذي نعتبره نحن السند األول إلبطال أو تأييد فكرة معينة؟ كال إنھـم ال يطرقـون
الموضوع من ھذا الباب وإنما من باب سان توما.
19
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
فما ھو واضح في تصوري أنا المـسلم ،لـيس واضـحاً بالنـسبة لآلخـرين الـذين
ينبغي علي أن أتقـدم إلـيھم ،آخـذاً بإالعتبـار تـصورھم ھـم ال تـصوري أنـا عـن
حقيقة المسلم .ألن حقيقـة المـسلم محجوبـة عـن نظـر اآلخـرين .إن حقيقـة
المسلم ،كرامة المسلم ،فضيلة المسلم ،أخـالق المـسلم ،شـرف المـسلم،
عزة المسلم؛ كل ھذه األشياء تخفيھا عن نظر اآلخـرين المظـاھر االجتماعيـة.
وھي تشھد بكل أسف في نظر اآلخرين على المسلم وضده .فالمسلم فقير،
والمسلم جاھل ،المسلم كذا ...اإلحصائيات الموجودة في العالم كـذا ...إلـخ...
فنحن حينما تكلمنا عن اإلعجاز الذي يتضمن شـروط اإلقتنـاع وشـروط اإلقنـاع،
تكلمنا عن شيء جوھري جداً ،أعني أن المسلم ال يستطيع أن يقوم برسالته
في الثلث األخيـر مـن القـرن العـشرين ،إال إذا حقـق مـن خـالل منطـق خـاص
لرسالته كل شروط االقتناع وكل شروط اإلقناع.
حـة ،حتـى يفـي ومن ھنا نرى ما يترتب على المسلم مـن القيـام بواجبـات ُمل ّ
بشرط إعجازه في ھذا الثلث األخير نحو نفسه ونحو اآلخرين ،إنه يحتاج أحيانـاً
المعرضـين ،ألنھـم إلى ھذه الوسائل حتـى بالنـسبة إلـى إخوانـه المـسلمين ُ
يخضعون ھم أيضاً لمنطق سان توما الـذي يريـد أن يمـس األشـياء بيـده حتـى
يعترف بوجودھا .أليس في ﺻفوف شـبابنا عـدد يمنطـق قـضاياه بطريقـة سـان
توما ،يعني بلمس اليد ال بالنظرة العقلية ،بحيث يجـب فعـال ً أن تتـوافر لرسـالة
المسلم كل شروط االقتناع وكل شروط اإلقناع؟ ولن يتوافر ھـذا إال بتغييـر فـي
داخل المسلم ،في أغوار نفـسه وحـول المـسلم فـي محيطـه الخـاص أو فـي
محيطه العالمي ،ألننا حين تكلمنـا فـي بدايـة الحـديث ،عـن األزمـة اإلنـسانية
المواجھة ألزمتنا نحن المـسلمين ،رأينـا أزمـة إنـسانية مـن أخطـر مـا واجھتـه
اإلنسانية منذ بداية تاريخھا ،وكنتيجـة لھـذه األزمـة بـصورتيھا ،الـصورة الخاﺻـة
بالمــسلم والــصورة الخاﺻــة باإلنــسان المتحــضر ،أﺻــبح العــالم كأنــه ازدواجيــة،
ازدواجيــة بــين عنــصرين متــوازيين ال يتــصالن إال عــن طريــق شــبكة عالقــات
متناقضة.
ﺻالت من الطرف المتقـدم ومـن الطـرف ھناك في العالم اليوم إذا تصورناه كالًِ ،
المتخلف الذي يـسمى العـالم الثالـث ،إذا تفحـصنا كيـف تـسير العالقـات بـين
الطرفين نراھا تسير وفق ثالثـة أﺻـناف؛ ففـي المجـال االقتـصادي ،أﺻـبح كـل
20
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
شيء في منطق القرن العـشرين يفـسر باالقتـصاد وأﺻـبح كـل شـيء يخـضع
لالقتــصاد ،نــرى أن طرفــي العــالم يتعــامالن علــى أســاس عالقــة اقتــصادية
متناقضة ،في طرفھا األول المجتمع الذي ينتج المواد الخام كـالنفط وغيـر ذلـك
مــن المــواد األوليــة ،وفــي طرفھــا الثــاني مــن يحــول ھــذه المــواد األوليــة إلــى
منتجات حضارية ،وطبعاً على حساب العالم الثالـث أي علـى حـساب اقتـصاده
وعلى حساب نموه ،كما ھـو ظـاھر لنـا مـثال ً فـي قـضية الـنفط ،خـصوﺻاً قبـل
خمس أو ست سنوات ،حين كانت مـادة الـنفط تـدر علـى أﺻـحاب التروسـتات
وعلى أﺻحاب االحتكارات عشرات المرات ،أكثـر ممـا تـدر علـى أﺻـحاب الـبالد
المنتجة .ھكذا كان الوضع في المجاالت األخرى حيث كانت الصالت االقتـصادية
تسير على ھذه الوتيرة.
وفي المجال السياسي كانت العالقة أيضاً متناقـضة فـي طرفيھـا .كـان الحـوار
بين متكلمين؛ في الطرف األول االستعمار ،وفي طرف آخر القابلية لالستعمار.
ھذا الوضع الذي كـان ،وأخـشى أن أقـول وال يـزال قائمـاً بـين االسـتعمار وبـين
القابلية لالستعمار ،ألننا لم نغير شروط القابلية لالستعمار في أنفـسنا .غيﱠرنـا
بعض السطحيات ولم نغير القابلية لالستعمار ،غير أن ضغط بعض الظروف وقوة
د مـا ،ولكـن لـم تتغيـر
األشياء ،جعلت بعض المواقف االستعمارية تتغير إلى حـ ٍّ
كلھا ولن تتغير ،مادامت القابليـة لالسـتعمار ھـي التـي تحاورھـا فـي المجـال
السياسي.
وفي المجال النفسي أو الثقافي ھناك محوران :محور ثقـافي ھـو مـا نـسميه
محور واشنطن -موسكو ،وھو محور واحد ال يختلـف فيـه شـرقه عـن غربـه وال
غربه عن شرقه في ھذه الناحية .ھـذا المحـور يطـرق أو يطـرح كـل مـشكالته
بمنطق القوة .بينما يجب على المحور اآلخر أعني محور طنجة -جاكرتـا الـذي
نعيش عليه نحن ،نحن المجتمعات المتخلفة وخصوﺻاً نحـن المـسلمين يجـب
علينا أن نطرح المشكالت بمنطق البقاء ،ألننا بحاجة إلى رفع مـستوى بقائنـا،
إلــى مــستوى الحــضارة ،وھــذا يتنــافى مــع طــرح القــضايا بمنطــق القــوة ،وال
تستطيع وال تسمح لنا ظروفنا بغير ذلك ،وال يھمنا وال يھم اإلنسانية التي تعـد
نفسھا متقدمة أن ترجع إلى رشدھا .ال يھم أن تطـرح أمريكـة مـثال ً اليـوم كـل
مشكالتھا بمنطق القوة ،بينما مجتمعھـا أيـضاً يعـاني أعـراض التخلـف ،خاﺻـة
21
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
المدن الصناعية الكبيرة مثل نيويـورك وديترويـت وشـيكاغو ...إلـخ .ھـذه المـدن
أﺻبحت فيھا عينات تدل على أن التخلف بدأ يتفشى في المجتمع األمريكـي،
ومع ذلك فأمريكة تخصص كل إمكانياتھا لطرح مشكالتھا بمنطق القوة.
أما نحن فمضطرون أن نطرح مشكالتنا بمنطق البقاء ،حتى نستطيع أن نتقـدم
بعض الخطوات ،حتى نستطيع أن نرفع مستوانا إلـى مـستوى الحـضارة ،وھنـا
يفرض علينا طبعاً ھذه العالقات الثالثيـة المتناقـضة؛ العالقـة الثقافيـة ،العالقـة
النفسية ،العالقة السياسية .إذ يجب علينا أن نصفي ھـذه الخريطـة للعالقـات
العالميــة حتــى يتــسنى لھــذه اإلنــسانية أن ترفــع مــستواھا إلــى مــستوى
القداسة ،أن ترفع ھذه اإلنسانية مستواھا الـواقعي ومـستواھا الثقـافي إلـى
مستوى القداسة ،وإلى المستوى الـذي تـستوعب معـه مـسوغاتھا الجديـدة
في المرحلة الخطيرة التي تم ﱡر بھا اإلنسانية اليوم ،في ھذا الثلث األخيـر مـن
القرن العشرين ،إذن يجب على المسلم الـذي يـضطلع برسـالته أن يفكـر فـي
إعجازه ،وإعجـازه ال يتـأتى إال بتحقيـق شـرط جـوھري ،وھـو تغييـر مـا بنفـسه
ح ﱠتـى
م َ
ـر َمـا بِقَـ ْو ٍ وتغيير ما في محيطـه مـصداقاً لآليـة الكريمـة }إِ ﱠ
ن اللﱠـ َه َال ُي َغ ِي ّ ُ
م{ ]الرعد [11 :وال يمكنه أن يغير شيئاً في الخارج إن لم يغير ُي َغ ِي ّ ُروا َما بِأَ ْن ُف ِ
س ِھ ْ
شيئاً في نفسه .وحينما نقول ھذه الكلمة نقولھـا باعتبارھـا علمـاً ،وال نقولھـا
فقط تبركاً بآية ،نقولھا علمـاً ونعلـم مقـدارھا مـن الـصحة العلميـة ،ال يـستطيع
مسلم أو غير مسلم أن يغير ما حوله إن لم يغير أوال ً ما بنفسه ،فھـذه حقيقـة
علمية يجب أن نتصورھا قانوناً إنسانياً وضعه ﷲ عز وجل في القرآن ،سنة من
سنن ﷲ التي تسير عليھا حياة البشر.
إذن لكي يتحقق التغيير في محيطنا يجب أن يتحقـق أوال ً فـي أنفـسنا .وبـذلك
تتوفر شروط رسالة المسلم في الثلـث األخيـر مـن القـرن العـشرين ،وإال فـإن
المسلم لن يستطيع إنقاذ نفسه وال إنقاذ اآلخرين.
ثم إذا كان منھج الرسالة يقتضي التغيير ،والتغيير يقتضي تغيير ما في النفوس
أوالً ،إذا كان منھج الرسالة يقتضي ھذا ،فإننا نـستطيع أن نـتكلم عـن وسـائل
الرسالة أو الطرق العملية لتطبيق ھذه الرسالة كي تفـي بمھمتھـا ،أال وھـي
22
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
اإلنقاذ أو مواجھة حالة إنقاذ أو حالة طـوارئ تخـص المـسلم وتخـص اإلنـسانية
عامة ،عندھا يجب على كل مسلم أن يحقق بمفرده شروطاً ثالثة:
فسه. -1أن يَ ْع ِر َ
ف نَ َ
رف اآلخرين ،وأال يتعـالى علـيھم ،وأال يتجـاھلھم ،وھنـا يجـب أن تحـل -2أن يَ ْع َ
عقـدة نعرفھـا ،وھــي أن المـسلم يزھــد كثيـراً فــي عـالم النفــوس ممـا يتــصل
باآلخرين ،ال يجوز للمسلم أن يجھل ما في نفوس اآلخرين ،وال يجوز أن يتعالى
عـ ﱠد للجنـة و ُأ ِ
عـ ﱠد للتكـريم، على اآلخرين وال أن يتـسامى علـيھم بـدعوى أنـه ُأ ِ
يجب عليه أن يعلم ما في نفوس اآلخرين ويجب عليه أن يعلـم ذلـك ألمـرين ال
ألمر واحد ،إما لكي يتقي شرھم عـن معرفـة وإدراك لكـل معطيـات نفوسـھم،
وإما لتبليغھم إشراق اإلسالم وإشـراق الھدايـة اإلسـالمية .فھـو إن لـم يعـرف
النفــوس فكيــف يقــدر أن يتــصرف معھــا بحكمــة؟ إن لــم يعــرف نفــوس اآلخــرين
وظلت ﺻناديق مغلقة عليه فكيف يبلغھا الھداية اإلسالمية؟ إنه لـن يـستطيع.
عرف نفوس اآلخرين. َ َ
عرف نفسه أن يَ يجب إذن على المسلم بعد أن يَ
يعـرّف اآلخـرين بنفـسه ،لكـن بالـصورةِ -3ويجب عليـه فـي الـشرط الثالـث أن
المحببة ،بالصورة التي أجريت عليھا كل عمليات التغيير بعـد التنقيـة والتـصفية
مــن كــل رواســب القابليــة لالســتعمار والتخلــف وأﺻــناف التقھقــر ،كــل أﺻــناف
التخلف وأﺻناف التـأخر .ويجـب عليـه أوال ً أن يقـوم بھـذه التـصفية حتـى يقـدم
لآلخرين ﺻورة مقبولة محببة بوﺻفھا عينة من العينـات البـشرية التـي يـصنعھا
اإلسالم ،أما إذا تقدم المـسلم إلـى اآلخـرين بوﺻـفه عـورة يجـب أن يـستحى
منھا ،فالعورة تستر وال تكشف ،والعورة ال يمكنھا أن تبل ّغ إشعاعاً .الجھل عورة
الفقر الذي يسببه كسلنا ،وكسلنا عورة ،الفوضى عورة ،وھذه العورات كلھـا ال
تستطيع وال تتيح لشخصية المسلم أن ُتبل ّغ إشراق اإلسالم.
إذن ھناك شروط ثالثة يجب أن تتحقق ،أن يعرف المسلم نفسه بالتـدقيق وأال
يغــالط نفــسه فــي معرفــة نف ـسه ،ألنــه طالمــا عمــي المــسلم بــسبب ھــذه
المغالطــة؛ يــا ليتــه لــم يلعــن طيلــة القــرن الماضــي االســتعمار بــل القابليــة
ومرضية لنفسه ولآلخرين. لالستعمار ،ولو فعل ذلك لكان اليوم ذا ﺻورة محببة ُ
23
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
إذن يجب على المسلم أن يعـرف نفـسه مـن دون مغالطـة ،وأن يعـرف نفـوس
اآلخرين من دون كبرياء وتعال ،وبكل أخوة وﺻدق وإخالص أن يحـبھم لوجـه ﷲ
حتى تصل إليھم عن طريق وعلى جسر ھذه المحبة ،حـرارة اإلسـالم ،حـرارة
الحب اإلسالمي وكل ما يناط بمفھوم التغيير ،يجب أن نتوخى فيه أمراً أال وھو
أن كل فكرة لھا جانبان؛ جانب الصحة ،وجانب الصالحية.
قد تكون فكرة ما ﺻالحة وليست ﺻحيحة ،وقد تكـون فكـرة ﺻـحيحة ثـم فقـدت
في الطريق ﺻالحيتھا ألية أسباب .ألسنا نشعر نحن مثال ً بأن ديننا وھـو أوضـح
د مـا وبـسببنا نحـن ،وبـسبب من حيث الصحة من شمس النھـار ،أنـه إلـى حـ ٍّ
تقاعسنا وتكاسلنا ونومنا في النھار فقد بعض ﺻالحيته.
كأن ھذه الفكرة المقدسة التي أنزلھا ﷲ على محمد عليـه الـصالة والـسالم،
ھذه الفكرة -التي ال يختلف فـي ﺻـحتھا عقـل سـليم مـع عقـل سـليم -تبـدو
اليوم وكأنھا فقدت ﺻالحيتھا.
أين كرامة المسلم؟ أين عزة المسلم؟ أين مجد المسلم؟ أين علـم المـسلم؟
أين نزاھة المسلم؟ أين بطولة المسلم؟ أين استشھاد المسلم؟ أيـن شـھادة
المسلم ولو على نفسه؟!
24
دور المسلم ورسالته – مالك بن نبي
أقول ھذه الكلمات ،وﺻية إلخـواني وألبنائنـا الكـرام مـن الطلبـة ،وأدعـو ﷲ أن
تتحقق رسالة المـسلم فـي الثلـث األخيـر مـن القـرن العـشرين بفـضل ھـؤالء
الشباب ،وإخوانه في مصر ،وإخوانه في ليبيا ،وإخوانه في الجزائر ،وإخوانه في
كل البالد اإلسـالمية ...أن تتحقـق ھـذه الرسـالة إلنقـاذ المـسلم مـن كـسله
وإلنقاذ اإلنسان المتحضر من استھتاره ،والسالم عليكم.
25