Professional Documents
Culture Documents
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻋﻠﻤﻴﺔ وﻟﻴﺪة اﻟﺼﺪﻓﺔ
ﺗﺄﻟﻴﻒ
روﻳﺴﺘﻮن إم روﺑﺮﺗﺲ
ﺗﺮﺟﻤﺔ
ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺆاد
Serendipity اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
Royston M. Roberts روﻳﺴﺘﻮن إم روﺑﺮﺗﺲ
6
إﱃ ﻓﻴﻠﻴﺲ
ﻟﻘﺎؤﻫﺎ ﻛﺎن أﻫﻢ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻲ.
ﺷﻜﺮ وﺗﻘﺪﻳﺮ
أدﻳﻦ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﺨﺼﻮص ﻟﻠﺴري دﻳﺮﻳﻚ إﺗﺶ آر ﺑﺎرﺗﻮن؛ ﻷﻧﻪ ذﻛﺮ ﰲ ﺗﻘﺪﻳﻤﻪ ﻹﺣﺪى
املﺤﺎﴐات ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺗﻜﺴﺎس أن ﻣﻌﻈﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت املﻬﻤﺔ ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ
ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎﺗﻪ املﺒﻬﺮة ﻣﺴﺘﺨﺪﻣً ﺎ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت وﻟﻴﺪة املﺼﺎدﻓﺔ ،وﻗﺪ وﺻﻒ ﰲ ﺗﻮاﺿﻊ ً
»اﻟﺘﺨﻄﻴﻂ واﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺨﺎﻃﺊ واملﺼﺎدﻓﺔ« )ﻳﻤﻜﻨﻚ اﻻﻃﻼع ﻋﲆ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﺜﻠﺔ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ
اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﺜﻼﺛني(.
ﻛﻨﺖ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﱃ ﺗﺸﺠﻴﻊ ﻣﻦ أﺟﻞ إﺧﺮاج ﻓﻜﺮة ﻃﺎملﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻬﻮﻳﻨﻲ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖُ ،
إﱃ اﻟﻨﻮر .وﺑﺪأ اﻫﺘﻤﺎﻣﻲ ﺑﺎﻟﻔﻜﺮة ﺑﻤﺼﺎدﻓﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺻﺎدﻓﺘﻬﺎ ﺑﻨﻔﴘ )واﻟﺘﻲ ﺳﺄﻋﺮض ﻟﻬﺎ ﰲ
ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ( ،وﻳﺮﺟﻊ اﻟﺴﺒﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ إﱃ ﻫﺪﻳﺔ أﻋﻄﺎﻫﺎ ﱄ أﺣﺪ اﻟﻄﻼب
ﻣﻨﺬ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ،وﻛﺎﻧﺖ ﻛﺘﺎﺑًﺎ ﺻﻐريًا ﺑﻌﻨﻮان »اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻋﺎرﺿﺔ« .ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻄﺎﻟﺐ
اﻟﺬي ﻻ أذﻛﺮ اﺳﻤﻪ اﻵن — ﻫﺬا إن ﻛﻨﺖ أﻋﺮﻓﻪ ﻣﻦ اﻷﺳﺎس — ﻃﻴﱢﺒًﺎ ﺟﺪٍّا ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻪ ذﻛﺮ ﰲ
إﻫﺪاﺋﻪ اﻟﺬي ﺿﻤﱠ ﻨﻪ ﰲ اﻟﻜﺘﺎب أﻧﻪ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﺳﺘﻤﺘﺎﻋﻪ ﺑﻤﺤﺎﴐاﺗﻲ ،ﻓﺈن ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب
اﻟﺼﻐري ﻗﺪ ﻳﺰوﱢدﻧﻲ ﺑﺒﻌﺾ »املﻌﻠﻮﻣﺎت املﺜرية« املﻔﻴﺪة ﱄ ﰲ ﻋﻤﲇ املﺴﺘﻘﺒﲇ .وأﻧﺎ أرﺟﻮ
اﻟﴚء ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻛﺘﺎﺑﻲ ﻫﺬا؛ إذ آﻣﻞ أن ﻳﺠﺪه املﻌ ﱢﻠﻤﻮن ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ املﺴﺘﻮﻳﺎت ﻣﺮﺟﻌً ﺎ
ﻣﻔﻴﺪًا.
ً
ﺛﻤﺔ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص اﻵﺧﺮﻳﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﻮﻧﺎ ﱄ ،ﺣﻴﺚ زوﱠدوﻧﻲ ﺑﺄﻣﺜﻠﺔ
ﺻﺎدﻓﻮﻫﺎ ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ أو ﺳﻤﻌﻮا ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺸﺄن اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ،وﻣﻦ ﺑني ﻫﺆﻻء زﻣﻼﺋﻲ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ
ﺗﻜﺴﺎس ﺑﺄوﺳﺘﻦ اﻷﺳﺎﺗﺬ ُة :أﻟني ﺑﺎرد ،وآر ﻣﺎﻟﻜﻮﻟﻢ ﺑﺮاون اﻻﺑﻦ ،وﺟﻮزﻳﻒ ﻛﺎرﺗﺮ ،وﻣﺎري آن
ﻓﻮﻛﺲ ،وﺟﻲ ﺑﺎري ﻛﻴﺘﻮ ،وﻣﺎﻳﻜﻞ إس ﺑﺮاون ،ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺼﺤﻴﺔ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﺗﻜﺴﺎس
ﰲ داﻻس .وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﺮﻳﺴﺘني ﺟﻮﻧﺴﻮن — أﻣﻴﻨﺔ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻗﺴﻢ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ —
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺗﻮﻓﺮ ﱄ املﻘﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﻟﻢﻋﲆ ﻗﺪر ﺟﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﻜﻔﺎءة واﻟﺤﻤﺎس ﺣﺘﻰ إﻧﻬﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ أن ﱢ
أﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ إﱃ ﺟﻮن ﺳﻴﻼﺟﻲ — املﻤﺜﻞ املﺤﲇ ملﺆﺳﺴﺔ واﻳﲇ — ﺗﻜﻦ ﻣﺘﺎﺣﺔ .وأﺗﻮﺟﻪ ً
ﻻﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﻤﻮﺿﻮع اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ وﺗﺴﻬﻴﻞ اﻟﻌﻘﺪ اﻷﺻﲇ ﻣﻊ اﻟﻨﺎﴍ ،وﻛﺬﻟﻚ إﱃ اﻟﺪﻛﺘﻮرة
ﻛﺎرول ﺟﻮﻧﺰ ﻣﻦ ﴍﻛﺔ آي ﺑﻲ إم ﺑﺄوﺳﺘﻦ ،وإﱃ ﻛﺎرل ﻫﻴﺴﻠﺮ اﻻﺑﻦ ﻣﻦ أوﺳﺘﻦ ،وإﱃ
اﻟﺪﻛﺘﻮر إي ﺷﻮﻧﻔﺎﻟﺪت اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﰲ ﴍﻛﺔ ﻣريك وﻳﻌﻤﻞ اﻵن ﰲ أوﺳﺘﻦ ،وإﱃ
اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﺑﺮﻳﺴﻜﻮت وﻳﻠﻴﺎﻣﺰ ﻣﻦ املﻌﻬﺪ اﻟﻼﻫﻮﺗﻲ املﺸﻴﺨﻲ ،وإﱃ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر إﻳﻪ ﺗﻲ
ﺑﺎﻻﺑﺎن ﻣﻦ ﻣﻌﻬﺪ ﺑﻮﺧﺎرﺳﺖ املﺘﻌﺪد اﻟﺘﻘﻨﻴﺎت ،وإﱃ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺟﻮرج إف ﺑﺎس أﺳﺘﺎذ ﻋﻠﻢ
اﻵﺛﺎر اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺗﻜﺴﺎس ﻟﻠﻌﻠﻮم اﻟﺰراﻋﻴﺔ واملﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ ،وإﱃ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﺗﺸﺎرﻟﺰ
ﳼ ﺑﺮاﻳﺲ ،ﺻﺪﻳﻘﻲ اﻟﻄﻴﺐ وﻣﻌﻠﻤﻲ املﺤﱰم ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ إﻟﻴﻨﻮي .ﻛﻤﺎ أدﻳﻦ ﺑﺎﻟﻔﻀﻞ إﱃ
اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﺟﻴﻤﺲ ﺟﻲ ﺗﺮاﻳﻨﻬﺎم ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ وﻻﻳﺔ ﻟﻮﻳﺰﻳﺎﻧﺎ ،وإﱃ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﻛﻴﻨﻴﺚ ﺷﻴﺎ
ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﺎﻟﻴﻔﻮرﻧﻴﺎ ﰲ إﻳﺮﻓني ،وإﱃ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر إﻳﻪ ﺟﻲ إم ﺑﺎرﻳﺖ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻧﻮرث
وﻳﺴﱰن ،وإﱃ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر روﺑﺮت ﺟﻲ ﺑريﺟﻤﺎن ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﺎﻟﻴﻔﻮرﻧﻴﺎ ﰲ ﺑريﻛﲇ ،وإﱃ
اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر دي زﻳﺒﺎخ ﻣﻦ املﻌﻬﺪ اﻟﻔﻴﺪراﱄ ﻟﻠﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﰲ زﻳﻮرخ ،وإﱃ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺟﻴﻪ ﺟﻴﻪ
)ﻛﻴﻢ( راﻳﺖ ﻣﻦ ﴍﻛﺔ ﺑﺮﻳﺴﺘﻮل-ﻣﺎﻳﺮز ،وإﱃ رﻳﺘﺶ ﺳﺎﻧﺪرز وﺟُ ﻮدي ﺑﻮروﻓﺴﻜﻲ ﻣﻦ
ﴍﻛﺔ ﺛﺮي إم ،وإﱃ ﺑﻲ ﺟﻴﻪ ﻫﺎﻧﺎن ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﰲ ﻣﻌﻤﻞ أﺑﺤﺎث اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ،
وإﱃ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﳼ ﳼ ﺗﺸﻴﻨﺞ ،ﺗﻠﻤﻴﺬي ﰲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻌﻠﻴﺎ اﻟﻨﺎﺑﻎ اﻟﺬي أﺻﺒﺢ اﻵن
ﻣﺪﻳﺮ أﺑﺤﺎث ﰲ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﴪﻃﺎن اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻛﺎﻧﺴﺎس.
ﻋﺮب ﻋﻦ اﻣﺘﻨﺎﻧﻲ اﻟﺨﺎص ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر روي ﺑ َﻠﻨﻜﻴﺖ ﻣﻦ ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ واﻟﺪﻛﺘﻮر أو ﱡد أن أ ُ ِ
داﻧﻴﺎل دﺑﻠﻴﻮ ﻓﻮﻛﺲ ﻣﻦ ﴍﻛﺔ ﺟﻨﺮال إﻟﻴﻜﱰﻳﻚ ملﺸﺎرﻛﺔ ﺗﺠﺮﺑﺘﻬﻤﺎ ﻣﻌﻲ؛ ﺷﺨﺼﻴٍّﺎ وﻋﻦ
ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ )اﻧﻈﺮ اﻟﻔﺼﻠني اﻟﺴﺎﺑﻊ واﻟﻌﴩﻳﻦ واﻟﺜﺎﻧﻲ واﻟﺜﻼﺛني(.
آﻧﻔﺎ ﻷن ﺑﻌﺾ ﻗﺼﺼﻬﻢ ﻟﻢ ﺗﻈﻬﺮ ﰲ اﻟﻜﺘﺎب؛ إذ إن ﻟﺒﻌﺾ ﻣﻦ املﺬﻛﻮرﻳﻦ ً ٍ أﻋﺘﺬر
ً
ﻋﺮﺿﺎ ﻣُﺮﺿﻴًﺎ ﺑﻠﻐﺔ ﻏري ﻓﻨﻴﺔ — ﻓﻬﺬا اﻟﻜﺘﺎب َ
ﻋﺮﺿﻬﺎ ِ
أﺳﺘﻄ ْﻊ ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺺ ﻟﻢ
ﻋﺮﺿﻪ ﻟﻌﺪم وﺟﻮدَ ِ
أﺳﺘﻄ ْﻊ ﻣﻮﺟﱠ ﻪ ﺑﺎﻷﺳﺎس إﱃ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌﺎدي — واﻟﺒﻌﺾ َ
اﻵﺧﺮ ﻟﻢ
ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻟﻪ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب.ٍ
ﻋﺮب ﻋﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮي وﻋﺮﻓﺎﻧﻲ ﻟﻬﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺎﻋﺪوا ﰲ ﺗﻮﻓري اﻷﺷﻜﺎل أﻳﻀﺎ أن أ ُ ِ
أرﻳﺪ ً
اﻟﺘﻮﺿﻴﺤﻴﺔ املﻌﺮوﺿﺔ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب :ﺛﻴﻠﻤﺎ ﻣﺎﻛﺎرﺛﻲ ﻣﻦ املﺆﺳﺴﺔ اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﰲ
ﻓﻴﻼدﻟﻔﻴﺎ ،وآن إي ﻛﻮﺗﻨﺮ ﻣﻦ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻧﻴﻠﺲ ﺑﻮر اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﻤﻌﻬﺪ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻟﻠﻔﻴﺰﻳﺎء ﰲ
ﻧﻴﻮﻳﻮرك ،وﺟﺎﺳﺘﻦ إم ﻛﺎرﻳﺰﻳﻮ اﻻﺑﻦ وﺗريﻳﻨﺲ ﻛﺮﻳﴘ ودﻳﺎن ﻛﻮري ﻣﻦ ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ
10
ﺷﻜﺮ وﺗﻘﺪﻳﺮ
وآر ﺳﻤﻴﻠﺴﺘﻮر ورﻳﺘﺸﺎرد ﺟﻲ ﻛﻮل ﻣﻦ ﴍﻛﺔ ﻓﻴﻠﻜﺮو ﺑﺎﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ وﺟﻮان
ﺟﻴﺪرﻳﺰﻳﺎك ﻣﻦ ﴍﻛﺔ ﺳﻜﻮﻳﺐ.
وأﺧريًا ،أو ﱡد أن أﺷﻜﺮ دﻳﻔﻴﺪ ﺳﻮﺑﻴﻞ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﺤ ﱢﺮ ًرا ﻣﺘﻤ ﱢﻜﻨًﺎ وﻣﺘﻔﻬﱢ ﻤً ﺎ ﺟﺪٍّا ،وﻛﺎن
اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻌﻪ ﰲ ﻫﺬا املﴩوع ﻣﺘﻌﺔ ﻛﺒرية ﱄ.
11
ﲤﻬﻴﺪ
أﺛﻨﺎء اﻟﺴﻨﺔ اﻷوﱃ ﻣﻦ دراﺳﺘﻲ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٤٠ﺻﺎدﻓﺖ ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﱃ
ﻣﴩوع ﰲ وﻗﺖٍ ﻣﺎ ﻳُﻄﻠِﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺪﻛﺘﻮ ُر روﺑﺮﺗﺲ »اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﻮﻫﻤﻴﺔ« .ﻛﻨﺖ أﻋﻤﻞ ﰲ
اﻟﺤﺮب ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﻔﻴﻨﻴﻞ )ﻟﺼﻨﻊ ﺑﻮﱄ ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﻔﻴﻨﻴﻞ ،اﻟﺬي ﻳُﻌَ ﱡﺪ اﻵن أﺷﻬ َﺮ أﻧﻮاع
املﻮاد اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ اﺳﺘﺨﺪاﻣً ﺎ( .وﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ،ﻛﺎن ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﻔﻴﻨﻴﻞ ﻳُﺼﻨﱠﻊ ﺑﺈﺿﺎﻓﺔ ﻛﻠﻮرﻳﺪ
اﻟﻬﻴﺪروﺟني إﱃ اﻷﺳﻴﺘﻴﻠني ،ﻓﺤﺎوﻟﺖ إﻧﺘﺎﺟﻪ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺑﺪﻳﻠﺔ؛ وﻫﻲ ﺗﻤﺮﻳﺮ ﺛﺎﻧﻲ ﻛﻠﻮرﻳﺪ
اﻹﺛﻴﻠني ﻋﱪ أﻧﺒﻮب ﺳﺎﺧﻦ .ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﻔﻴﻨﻴﻞ املﺼﻨﱠﻊ اﻟﻴﻮم ﻛ ﱡﻠﻪ ﻳﺘﻢ إﻧﺘﺎﺟﻪ ﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ.
أﺻﻔﻲ ﺛﺎﻧﻲ ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻹﺛﻴﻠني ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﻘﻄري ﻓﻘﻂ ،ﻟﻜﻦ ﰲ أﺣﺪ اﻷﻳﺎم ﺟ ﱠﺮﺑﺖ ﻛﻨﺖ ﱢ
اﻟﻘﻴﺎ َم ﺑﺨﻄﻮة ﺗﺼﻔﻴﺔ إﺿﺎﻓﻴﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﻘﻄري؛ وﺟﺪت أن ﻋﻤﻠﻴﺔ إﻧﺘﺎج ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﻔﻴﻨﻴﻞ ﺣﻴﻨﻬﺎ
ﻗﺪ ﺳﺎرت ﺑﻤﻌﺪل أﴎع وﺑﺎﺳﺘﺨﺪام درﺟﺔ ﺣﺮارة أﻗﻞ .ﻟﻜﻦ ﻫﺬه اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ داﺋﻤً ﺎ
ﻵﺧﺮ ،وﻛﻨﺖ ﻏﺎﺿﺒًﺎ ﺑﺸﺪة ﻣﻦ ذﻟﻚ! وأﺧريًا ،اﻛﺘﺸﻔﺖ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ. ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻜﺮار ﻣﻦ ﻳﻮم َ
أوﻻ :ﺧﻄﻮة اﻟﺘﺼﻔﻴﺔ اﻹﺿﺎﻓﻴﺔ اﻟﺘﻲ أزاﻟﺖ ﻣﺎدة ﻣﺜﺒﻄﺔ ﻟﻠﺘﻔﺎﻋﻞ ﻛﺎن ﻫﺬا ﻟﻌﺪة أﺳﺒﺎب؛ ً
ﻣﺘﻮﻗﻊ( ﰲ ﺗﺠﻬﻴﺰات اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ؛ ﱠ ﺗﴪب ﻫﻮاء ﻏري ﻣﻘﺼﻮد )وﻏري املﺮﻏﻮب ،وﺛﺎﻧﻴًﺎ :وﺟﻮد ﱡ
ﻣﻤﺎ ﺳﻤﺢ ﺑﺪﺧﻮل اﻷﻛﺴﺠني ،وﻫﻮ ﻋﺎﻣﻞ ﱢ
ﻣﺤﻔﺰ ﻟﻠﺘﻔﺎﻋﻞ املﺮﻏﻮب .وﻫﻜﺬا ،ﻓﻘﺪ أدﱠت اﻹزاﻟﺔ
ٍ
اﻛﺘﺸﺎف ﺑﺎﻟﻎ اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﻌﺮﺿﻴﺔ ﻟﻠﻤﺎدة املﺜﺒﻄﺔ واﻹﺿﺎﻓﺔ اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ ﻟﻠﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻷﻛﺴﺠني إﱃ
ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ .وﻣﻨﺬ ﻋﺎم ،١٩٤٠ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﻮﺻﻠﺖ إﱃ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ.
وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ،اﻋﺘﻤﺪ ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف ﻋﲆ ﻋﻘﻞ ﻣﻬﻴﱠﺄ وﻣﺘﺄﻫﺐ ﻟﻼﻛﺘﺸﺎف اﻟﺬي ﺳﻴﺼﺎدﻓﻪ.
ً
ﻋﺮﺿﺎ راﺋﻌً ﺎ ملﺎ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﻳﻘﺪم ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي أ ﱠﻟ َﻔﻪ اﻟﺪﻛﺘﻮر روﻳﺴﺘﻮن روﺑﺮﺗﺲ
ﺑﺎﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ،أو اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌَ َﺮﴈ ،ﰲ ﻣﺠﺎﻻت ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻋﺪة .وﻫﻮ ﻣﻜﺘﻮب ﺑﻠﻐﺔ واﺿﺤﺔ
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
وﺑﺴﻴﻄﺔ ﺗﺘﻴﺢ ملﻦ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻣﺤﺪودة أو ﻟﻴﺴﺖ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق
ﻓﻬﻢ اﻟﻜﺘﺎب واﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﻤﺤﺘﻮاه.
أﻋﺘﻘﺪ أن ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺳﻴﻠﻘﻰ ﺗﺮﺣﻴﺒًﺎ ﻛﺒريًا؛ ﻓﻘﺮاءﺗﻪ ﺗﺠﻌﻠﻚ ﺗﺪرك ﻛﻴﻒ أن اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ
اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻳﻤﻜﻦ أﻻ ﻳﻜﻮن ﻣﺨ ﱠ
ﻄ ً
ﻄﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻘﺪﻣً ﺎ .ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﻘﺪﱢم ﻃﻠﺒًﺎ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ
ﺗﻤﻮﻳﻞ ﻟﺒﺤﺚ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻣﺎ ،ﻓﺈن ذﻟﻚ ﺳﻴﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ املﻌﺮﻓﺔ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ،وﻟﻴﺲ ﻋﲆ املﻌﺮﻓﺔ
املﺠﻬﻮﻟﺔ ﻟﻨﺎ ،ﻏري أن أﻛﺜﺮ املﻌﺎرف إﻣﺘﺎﻋً ﺎ ﻫﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﰲ ﻋﺎﻟﻢ املﻌﺮﻓﺔ املﺠﻬﻮﻟﺔ.
واﻟﺴﺆال اﻵن :ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ املﻌﻠﻮم إﱃ املﺠﻬﻮل؟ أﻓﻀﻞ ﺳﺒﻴﻞ إﱃ ذﻟﻚ —
ﰲ رأﻳﻲ — أن ﺗﺴري ﻋﲆ درب ﻣَ ْﻦ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ .ﻓﺎﻻﻛﺘﺸﺎف ،ﺳﻮاء ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ أو
ﺑﺎﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ،ﻋﺎد ًة ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ إﱃ ﻧﻔﺲ اﻷﺷﺨﺎص ﻣﺮة ﺑﻌﺪ ﻣﺮة.
اﻟﻘﺮاء ﻣﻦ ﻛﻞ اﻷﻋﻤﺎر ،ﻟﻜﻨﻪ ﺳﻴﻜﻮنإن ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺮاﺋﻊ ﻻ ﻏﻨﻰ ﻋﻦ ﻗﺮاءﺗﻪ ﻟﺠﻤﻴﻊ ُ ﱠ
ﻣﻔﻴﺪًا ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺧﺎص ﻟِﻤَ ْﻦ ﻳﺨﻄﻮن أوﱃ ﺧﻄﻮاﺗﻬﻢ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ املﻬﻨﻴﺔ .ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮن
ﺻﻐريًا ،ﺗﺮﻏﺐ أن ﺗﻜﻮن ﻛﻞ املﻌﺎرف اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻣﺘﻮاﻓﻘﺔ ﻣﻊ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﺴﺎﺋﺪة )املﺴﻠﻤﺎت
اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ( .وﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﻆ ،ﻫﺬه ﻟﻴﺴﺖ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث ﺑﻬﺎ اﻷﻣﻮر داﺋﻤً ﺎ ﰲ
اﻟﻮاﻗﻊ.
اﻟﺴري دﻳﺮﻳﻚ إﺗﺶ آر ﺑﺎرﺗﻮن
14
ﻣﻘﺪﻣﺔ
ﻣﺎ اﻟﴚء املﺸﱰك ﺑني اﻟﻔﻴﻠﻜﺮو واﻟ ِﺒﻨﺴﻠني وأﺷﻌﺔ إﻛﺲ واﻟﺘﻴﻔﻠﻮن واﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺖ وﻣﺨﻄﻮﻃﺎت
اﻟﺒﺤﺮ املﻴﺖ؟ إﻧﻬﺎ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ! ﻓﻜﻞ ﻫﺬه اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت املﺘﻨﻮﻋﺔ ﻛﺎﻧﺖ وﻟﻴﺪة املﺼﺎدﻓﺔ ،ﺷﺄﻧﻬﺎ
ﰲ ذﻟﻚ ﺷﺄن ﻣﺌﺎت اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ أﻛﺜﺮ ﺳﻬﻮﻟﺔ أو إﻣﺘﺎﻋً ﺎ
ً
ﺻﺤﺔ أو إﺛﺎر ًة .ﻛ ﱡﻠﻬﺎ ﺟﺎءت إﻟﻴﻨﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ املﺼﺎدﻓﺔ أو اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ؛ وﻫﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﺗﻌﻨﻲ — أو
َ
ﻛﻤﺎ ﰲ اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ اﻟﻘﺎﻣﻮﳼ ﻟﻬﺎ — اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻛﺘﺸﺎف أﺷﻴﺎء ﻗﻴﱢﻤﺔ أو راﺋﻌﺔ دون اﻟﺴﻌﻲ
ﱠ
ﻣﺘﻮﻗﻌَ ﺔ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻋَ َﺮﴈ«. وراءﻫﺎ ،أو »اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻛﺘﺸﺎف أﺷﻴﺎءَ ﻣﻬﻤﺔ وﻏري
ﺧﻄﺎب إﱃ ﺻﺪﻳﻘﻪ اﻟﺴري ٍ أول ﻣَ ﻦ ﺻﺎغ ﻛﻠﻤﺔ »ﴎﻧﺪﻳﺒﻴﺔ« ﻫﻮ ﻫﻮراس ووﻟﺒُﻮل ﰲ
ﻫﻮراس ﻣﺎن ﻋﺎم .١٧٥٤ﻛﺎن ووﻟﺒُﻮل ﻣُﻌﺠَ ﺒًﺎ ﺑﻘﺼﺔ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ ﻗﺮأﻫﺎ ﻋﻦ ﻣﻐﺎﻣﺮات »أﻣﺮاء
ﴎﻧﺪﻳﺐ اﻟﺜﻼﺛﺔ« — اﺳﻢ ﻗﺪﻳﻢ ﻟﺴﻴﻼن ،وﻫﻲ دوﻟﺔ ﺗُﻌ َﺮف اﻵن ﺑﺎﺳﻢ ﴎﻳﻼﻧﻜﺎ — اﻟﺬﻳﻦ
»ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻜﺘﺸﻔﻮن ،ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ واﻟﻔﻄﻨﺔ ،أﺷﻴﺎءَ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﺴﻌﻮن وراء اﻛﺘﺸﺎﻓﻬﺎ …«
اﻟﻜﻠﻤﺔ ﻟﻮﺻﻒ ﺑﻌﺾ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎﺗﻪ اﻟﻮﻟﻴﺪة ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ .وأُﻋِ ﻴ َﺪ اﻛﺘﺸﺎف
َ اﺳﺘﺨﺪم ووﻟﺒُﻮل
اﻟﻜﻠﻤﺔ ﺣﺪﻳﺜًﺎ وﻫﻲ ﺗﺴﺘﺨﺪَم ﺣﺎﻟﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺘﺰاﻳﺪ) .ﻟﻢ ﺗﻈﻬﺮ اﻟﻜﻠﻤﺔ ﰲ ﻃﺒﻌﺎت ١٩٣٩
ُ
أو ١٩٥٩ﻣﻦ أي ﻗﻮاﻣﻴﺲ إﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻇﻬﺮت ﰲ ﻃﺒﻌﺎت ١٩٧٤واﻟﻄﺒﻌﺎت
اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ،وﰲ اﻟﻘﻮاﻣﻴﺲ اﻷﺧﺮى املﻌﺎﴏة(.
أﻏﻠﺐ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ أﻧﻌﻢ ﷲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ﻻ ﻳﻤﺎﻧﻌﻮن ﰲ اﻻﻋﱰاف ﺑﺪور
اﻟﺤﻆ ﰲ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎﺗﻬﻢ ،وﻫﻢ ﻋﺎد ًة ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻣﺴﺘﻌِ ﺪﱢﻳﻦ ﻟﻮﺻﻒ اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻﻠﻮا ﺑﻬﺎ إﱃ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎﺗﻬﻢ .وأﻋﺘﻘﺪ أﻧﻬﻢ أدرﻛﻮا أن اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ﻻ ﺗﻘ ﱢﻠﻞ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﻞ اﻟﺬي ﻳ َ
ُﻨﺴﺐ إﻟﻴﻬﻢ ﰲ
ﺻﻨﻊ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎﺗﻬﻢ .أد َر َك ذﻟﻚ ﻟﻮي ﺑﺎﺳﺘري ،ﺻﺎﺣﺐ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء
واملﻴﻜﺮوﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ واﻟﻄﺐ ،وأﻋﺮب ﻋﻨﻪ ﺑﺎﻗﺘﻀﺎب ً
ﻗﺎﺋﻼ» :ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻠﻮم ،املﺼﺎدﻓﺔ ﻻ ﺗﻮاﺗﻲ
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
إﻻ اﻟﻌﻘﻮل املﺴﺘﻌﺪة «.وﺣﺪﻳﺜًﺎ ،ﻗﺎل ﺑﻮل ﻓﻠﻮري — اﻟﺤﺎﺋﺰ ﺟﺎﺋﺰ َة ﻧﻮﺑﻞ — ﻋﻨﺪ ﺣﺼﻮﻟﻪ
ﻋﲆ ﻗﻼدة ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ،اﻟﺘﻲ ﺗُﻌَ ﱡﺪ أرﻓﻊ ﺗﻜﺮﻳﻢ ﺗﻤﻨﺤﻪ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء:
إن اﻻﺧﱰاﻋﺎت املﻬﻤﺔ ﻻ ﺗﺘﻢ ﺑﻤﺤﺾ املﺼﺎدﻓﺔ ،واﻻﻋﺘﻘﺎد اﻟﺨﺎﻃﺊ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﺘﻢ ﻋﲆ
ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﺳﺎﺋﺪ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻛﺒري ،وﻟﻸﺳﻒ ﻟﻢ ﺗَ ُﻘﻢ اﻟﺪواﺋﺮ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ واﻟﻔﻨﻴﺔ ﺑﺠﻬﺪ
ﻛﺒري ﻟﻠﺘﺼﺪي ﻟﻬﺬا اﻻﻋﺘﻘﺎد .ﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ،ﻋﺎد ًة ﻣﺎ ﻳﻜﻮن ﻟﻠﻤﺼﺎدﻓﺔ دو ٌر ﰲ
اﻻﻛﺘﺸﺎف ،ﻟﻜﻦ ﺛﻤﺔ ﺟﻮاﻧﺐ ﻛﺜرية ﻣﺘﻀﻤﻨﺔ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﺧﱰاع أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻘﺎد
اﻟﺸﺎﺋﻊ ﺑﺤﺪوث ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﻣﻔﺎﺟﺌﺔ؛ ﻓﺎملﻌﺮﻓﺔ اﻟﻌﻤﻴﻘﺔ واﻟﻮاﺳﻌﺔ ﻣﻦ املﺘﻄﻠﺒﺎت
ً
ﻣﺴﺒﻘﺎ اﺳﺘﻌﺪادًا ﺗﺎﻣٍّ ﺎ ،ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻟﻦ ﺗﺠﺪ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ،وإن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻌﻘﻞ ﻣﺴﺘﻌِ ﺪٍّا
ﻌﺮب ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ — ﺷﻴﺌًﺎ ﺗُﺸﻌﻠﻪ أو ﴍارة اﻟﻌﺒﻘﺮﻳﺔ اﻟﺸﻬرية — إذا وﺟﺐ أن ﺗُ ِ
ﺗﺴﺘﺜريه.
ﱢ
ﺗﻮﺿﺢ اﻟﻌﺒﺎرﺗﺎن اﻟﺴﺎﺑﻘﺘﺎن ﻟﺒﺎﺳﺘري وﻓﻠﻮري أﻧﻬﻤﺎ أد َر َﻛﺎ ﻣﺎ ﻗﺼﺪه ووﻟﺒُﻮل ﻋﻨﺪﻣﺎ
وﺻﻒ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﺗﺤﺪث »ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ واﻟﻔﻄﻨﺔ«.
ﻐﺖ ﻣﺼﻄﻠﺢ »اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﻮﻫﻤﻴﺔ« ﻷﺷري إﱃ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌ َﺮﺿﻴﺔ ﻟﻄﺮق ﻟﻘﺪ ِﺻ ُ
ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺪف ﻳُﺴﻌﻰ إﻟﻴﻪ ،وذﻟﻚ ﻋﲆ ﻋﻜﺲ املﻘﺼﻮد ﺑ »اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ« )اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ( ،اﻟﺘﻲ
ﺑﺴﻌﻲ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻛﺘﺸﺎﻓﻬﺎ.ٍ ﺗﺼﻒ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌ َﺮﺿﻴﺔ ﻷﺷﻴﺎء ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺼﺤﻮﺑﺔ
ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺼﻠﻴﺪ املﻄﺎط ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻄﺖ ﻣﻨﻪ َ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،اﻛﺘﺸﻒ ﺗﺸﺎرﻟﺰ ﺟﻮدﻳري
ﻄﺎة ﺑﺎﻟﻜﱪﻳﺖ داﺧﻞ ﻓﺮن ﺳﺎﺧﻦ .ﻓﻌﲆ ﻣﺪى ﺳﻨﻮات ﻋﺪﻳﺪة، ً
ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ املﻄﺎط ﻣﻐ ﱠ
ﻣﻨﺸﻐﻼ ﺑﻤﺤﺎوﻟﺔ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﺘﻄﻮﻳﻊ املﻄﺎط واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻪ ﰲ ﻣﺠﺎل ً ﻛﺎن ﺟﻮدﻳري
اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ،وﻷن املﺼﺎدﻓﺔ وﺣﺪﻫﺎ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻗﺎدﺗﻪ إﱃ اﻛﺘﺸﺎف ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﻨﺎﺟﺤﺔ اﻟﺘﻲ
ﻛﺎن ﻳﺴﻌﻰ وراءﻫﺎ ﺑﻜﻞ ﺟﺪﻳﺔ؛ ﻓﺄﻧﺎ أُﺳﻤﻲ ﻫﺬه ﴎﻧﺪﻳﺒﻴﺔ وﻫﻤﻴﺔ .وﻋﲆ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ ذﻟﻚ،
ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﺪى ﺟﻮرج دي ﻣﻴﺴﱰال أﻳﺔ ﻧﻴﺔ ﻻﺧﱰاع ﴍﻳﻂ اﻟﺘﺜﺒﻴﺖ اﻟﻼﺻﻖ )اﻟﻔﻴﻠﻜﺮو( ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﻆ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﺼﺎق ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺬور اﻟﱪﻳﺔ ﺑﺈﺣﻜﺎم ﺑﻤﻼﺑﺴﻪ. ﻻﺣَ َ
ﻮﺻﻒ ﺑﺄﻧﻬﺎأﻋﺘﻘِ ُﺪ أن اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت املﻌﺮوﺿﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻳﺠﺐ أن ﺗُ َ
ً
أﻫﻤﻴﺔ .وﰲ ﺑﻌﺾ املﻮاﺿﻊ ،أﺣﺪﱢد ﻟﻚ إن ﴎﻧﺪﻳﺒﻴﺔ وﻫﻤﻴﺔ ،وﻫﺬا ﻻ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﴬورة أﻗ ﱠﻞ
ﻛﺎن اﻻﻛﺘﺸﺎف ﴎﻧﺪﻳﺒﻴٍّﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴٍّﺎ أم وﻫﻤﻴٍّﺎ ،وﰲ ﻣﻮاﺿﻊ أﺧﺮى أﺗﺮك اﻟﺤُ ﻜﻢ ﻟﻚ .وﻟﻜﻦ،
ﱡ
ﻳﺴﺘﺤﻖ اﻫﺘﻤﺎﻣﻨﺎ وإﻋﺠﺎﺑﻨﺎ. ً
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎ ﻳﻈﻞ اﻻﻛﺘﺸﺎف ﰲ ﻛﻠﺘﺎ اﻟﺤﺎﻟﺘني
16
ﻣﻘﺪﻣﺔ
ﺗﺒﺪأ اﻟﻘﺼﺺ اﻟﻮاردة ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﺑﻮاﺣﺪ ﻣﻦ أواﺋﻞ اﻷﻣﺜﻠﺔ املﺴﺠﱠ َﻠﺔ ﻋﲆ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻟﻮﻫﻤﻴﺔ .ﻓﻔﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ،ﻛﺎن أرﺷﻤﻴﺪس ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻻﻛﺘﺸﺎف ﻣﺎ
ﺻﻨِﻊ ملﻠﻜﻪ ،ووﺟﺪ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﻼﺣﻈﺔ إذا ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﻣﻌﺪن رﺧﻴﺺ ﰲ ﺗﺎج ذﻫﺒﻲ ُ
ُﴪﻋً ﺎ وﻫﻮ ﻋﺮﻳﺎن
ﻋﺮﺿﻴﺔ ﻟﻪ ﰲ أﺣﺪ اﻟﺤﻤﺎﻣﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﴎﻗﻮﺳﺔ؛ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻪ ﻳﺨﺮج ﻣ ِ
ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺎم ﺻﺎﺋﺤً ﺎ» :وﺟﺪﺗﻬﺎ!«
ﺗﺤﺪث ﺗﻠﻚ املﺼﺎدﻓﺎت اﻟﺴﻌﻴﺪة ﻵﻻف اﻟﻨﺎس ،ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن أﻏﻠﺒﻬﻢ رﺑﻤﺎ ﻟﻢ
ﻳﻜﻦ ر ﱡد ﻓﻌﻠﻪ ﻣﺜريًا ﻣﺜﻞ رد ﻓﻌﻞ أرﺷﻤﻴﺪس .وﻛﻠﻨﺎ ﻧﺴﺘﻔﻴﺪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻈﻬﺮ ﺗﻠﻚ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت
رﺗﺒﺖ ﺑﻌﺾ ﻫﺬه اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت — اﻟﺘﻲ ﻳﻌﺘﱪ ُ اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ ﻫﺬه املﺼﺎدﻓﺎت .ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب،
اﻵﺧﺮ ﻳﻜﺎد ﻳﻜﻮن ﺗﺎﻓﻬً ﺎ — زﻣﻨﻴٍّﺎ ﻣﻦ املﺎﴈ إﱃ اﻟﺤﺎﴐ. ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺷﺪﻳﺪ اﻷﻫﻤﻴﺔ واﻟﺒﻌﺾ َ
وﻋﻤﻮﻣً ﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺣﺎوﻟﺖ أن أﻋﺮض اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﺑﺄﺳﻠﻮب ﻳﺴﻬُ ﻞ ﻋﲆ اﻟﻘﺎرئ اﻟﻌﺎدي ﻓﻬﻤﻪ.
وﻟﻜﻦ اﻟﺒﻌﺾ ﻳﺤﺒﺬ اﺳﺘﺨﺪام املﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﻔﻨﻴﺔ أو اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،وإﻻ ﻓﺴﻴﺠﺪ املﺨﺘﺼﻮن أن
اﻟﻘﺼﺺ املﻌﺮوﺿﺔ ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻬﺎ ،وذﻟﻚ ﻋﲆ ﻧﻔﺲ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬي ﺳﻴﺠﺪ ﺑﻪ ﻏريُ املﺨﺘﺼني
أﻳﻀﺎ أن ﺗﻔﻴﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺺ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺼﺺ ﻛﺬﻟﻚ إذا ﺗ ﱠﻢ ﻋﺮﺿﻬﺎ ﺑﻠﻐﺔ ﻓﻨﻴﺔ ﺻﺎرﻣﺔ .وآﻣﻞ ً
املﻌﻠﻤني واﻟﻄﻼب ﻣﻦ ﻛﻞ املﺴﺘﻮﻳﺎت — ﻣﻦ املﺮﺣﻠﺔ اﻻﺑﺘﺪاﺋﻴﺔ ﺣﺘﻰ اﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ — ﰲ ﺗﻔﻌﻴﻞ
املﺤﺎﴐات واﻟﻨﻘﺎﺷﺎت؛ ﻟﺬﻟﻚ ،أﻗﺪم ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﺑﻌﺾ اﻟﴩوح أو املﻌﻠﻮﻣﺎت اﻹﺿﺎﻓﻴﺔ
ﰲ ﺷﻜﻞ ﺻﻴﻎ وأﺷﻜﺎل ﺗﻮﺿﻴﺤﻴﺔ .وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻣَ ْﻦ ﻳﺮﻏﺒﻮن ﰲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت
إﺿﺎﻓﻴﺔ أو ﻋﺎﻣﺔ ﻋﻦ املﻮﺿﻮﻋﺎت املﻌﺮوﺿﺔ ﰲ اﻟﻘﺼﺺ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻢ ﺗﻮﻓري ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺑﺎملﺮاﺟﻊ ﰲ
أردت — اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻣﻠﺤﻖ ﻓﻨﻲ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ ﺻﻴﻎ وﻣﻌﺎدﻻت َ املﻠﺤﻖ ،ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻜﻨﻚ — إذا
ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ إﺿﺎﻓﻴﺔ ،وﻫﻮ ﻣﻠﺤﻖ ﻳﻘﺪﻣﻪ اﻟﻨﺎﴍ ﺑﻨﺎءً ﻋﲆ ﻃﻠﺒﻚ.
ﻟﻜ ﱢﻞ ﻣﺜﺎل ﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ املﻌﺮوﺿﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب املﺌﺎت ﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﻟﻴﺲ
ْ
ﺻﺎدﻓ َﺖ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﻟﺪيﱠ ﻋﻠﻢ ﺑﻬﺎ؛ آﻣﻞ أن ﻳﻜﻮن ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﱢ
ﻣﺤﻔ ًﺰا ﻟﻚ — إذا
آﺧﺮﻳﻦ ﺻﺎدﻓﻮا ذﻟﻚ — ﻛﻲ ﺗﺨﱪﻧﻲ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻘﺼﺺ ﺑﺤﻴﺚ أﺿﻤﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﻄﺒﻌﺎت أو ﺗﻌﺮف َ
املﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب.
ﺳﻮف ﺗﺼﺪر — ﺑﻼ ﺷﻚ — ﻃﺒﻌﺎت ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب ﻷن اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ﻣﺴﺘﻤﺮة؛
ٌ
ﺣﺪث ﻧﺸﻬﺪه ﻛﻞ ﻳﻮم!
17
اﻟﻔﺼﻞ اﻷول
أرﺷﻤﻴﺪس:
ﺻﺎﺣﺐ أﻗﺪم اﻛﺘﺸﺎف َﻋ َﺮﴈ
ﻛﺎن أرﺷﻤﻴﺪس — ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎت اﻹﻏﺮﻳﻘﻲ — ﻳﻌﻴﺶ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﴎﻗﻮﺳﺔ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ
ﻗﺒﻞ املﻴﻼد .وﻟﻪ إﺳﻬﺎﻣﺎت ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺟﻠﻴﻠﺔ ﻣﺜﻞ اﺧﱰاع اﻟﺮاﻓِ ﻌﺔ )أو ﺷﺎدوف أرﺷﻤﻴﺪس( اﻟﺬي
ﻻ ﻳﺰال ﻣُﺴﺘﺨﺪَﻣً ﺎ ﰲ ﻣﴫ ﺣﺘﻰ اﻵن ﻟﺮﻓﻊ ﻣﻴﺎه اﻟﻨﻴﻞ ﺑﻬﺪف ري اﻷراﴈ املﺮﺗﻔﻌﺔ ،ووﺿﻊ
ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻄﻔﻮ اﻟﺬي ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن »ﻗﺎﻧﻮن أرﺷﻤﻴﺪس« .وﻫﻮ اﻟﺬي ﺧﺮج ﻳﺠﺮي
ﻋﺎرﻳًﺎ ﻣﻦ أﺣﺪ اﻟﺤﻤﺎﻣﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ إﱃ ﺷﻮارع ﴎﻗﻮﺳﺔ ﺻﺎﺋﺤً ﺎ» :وﺟﺪﺗﻬﺎ ،وﺟﺪﺗﻬﺎ!«
ﻣﺎ اﻟﺬي وﺟﺪه أرﺷﻤﻴﺪس؟ ﻣﺎ اﻟﺬي أﺛﺎره ﻫﻜﺬا ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻪ ﻧﴘ ارﺗﺪاء ﻣﻼﺑﺴﻪ ﻗﺒﻞ
اﻹﴎاع إﱃ ﻣﻨﺰﻟﻪ؟ ﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ،ﻳﺠﺐ أن ﻧﻌﺮف ﻣﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻔ ﱢﻜﺮ ﻓﻴﻪ
أرﺷﻤﻴﺪس ﻋﻨﺪﻣﺎ دﺧﻞ أﺣﺪ اﻟﺤﻤﺎﻣﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم .ﻋَ ِﻬ َﺪ ﻫريو — ﻣﻠﻚ ﴎﻗﻮﺳﺔ
وأﺣﺪ اﻷﺻﺪﻗﺎء املﻘ ﱠﺮﺑني إﱃ أرﺷﻤﻴﺪس ورﺑﻤﺎ أﺣﺪ أﻗﺎرﺑﻪ — إﱃ أﺣﺪ اﻟﺼﺎﺋﻐني ﺑﺼﻨﻊ ﺗﺎج
ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺨﺎﻟﺺ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﻠﻢ املﻠﻚ ﻫريو اﻟﺘﺎج ﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﻬﻰ ﻣﻨﻪ اﻟﺼﺎﺋﻎ ،ﺷ ﱠﻚ ﰲ
ﻛﻮن اﻟﺘﺎج ﻣﺼﻨﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺨﺎﻟﺺ .وأﺧﺬ املﻠﻚ ﻳﺘﺴﺎءل :ﻫﻞ اﺳﺘﺨﺪم اﻟﺼﺎﺋﻎ ﻣﻌﺪﻧًﺎ
ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻔﻀﺔ أو اﻟﻨﺤﺎس واﺳﺘﺒﺪل ﺑﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺬﻫﺐ املﻮﺟﻮد ﰲ اﻟﺘﺎج ﺛﻢ اﺣﺘﻔﻆ ً أﻗﻞ
ﺑﻬﺬا اﻟﺬﻫﺐ ﻟﻨﻔﺴﻪ؟
ً
ﻣﻌﺮوﻓﺎ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻣﺰج اﻟﺬﻫﺐ ﺑﺎﻟﻔﻀﺔ واﻟﻨﺤﺎس .وﻫﺬا املﺰﻳﺞ — أو اﻟﺴﺒﻴﻜﺔ ﻛﺎن
— ﻳﺤﺘﻔﻆ ﺑﺎﻟﻠﻮن اﻟﺰاﻫﻲ ﻟﻠﺬﻫﺐ ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻀﺎف إﻟﻴﻪ ﻛﻤﻴﺎت ﻛﺒرية ﻣﻦ ﻣﻌﺎدن أﺧﺮى.
ﻃﺎﻃﺎ ،وﺗﺘﻜﻮن ﺳﺒﻴﻜﺔ اﻟﺬﻫﺐ ﻋﻴﺎر ١٤ﻗريا ً ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺨﺎﻟﺺ ذﻫﺒًﺎ ﻋﻴﺎر ٢٤ﻗريا ً
ﻣﻦ ذﻫﺐ ﺑﻨﺴﺒﺔ ٪٥٨وﻣﻌﺎدن أﺧﺮى ﺑﻨﺴﺒﺔ .٪٤٨وﻫﻮ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳُﺴﺘﺨﺪَم ﰲ ﺻﻨﺎﻋﺔ
املﺠﻮﻫﺮات ،وﻳﻜﺎد ﻳﺸﺒﻪ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺨﺎﻟﺺ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ.
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺷﻜﻞ :1-1اﻛﺘﺸﻒ أرﺷﻤﻴﺪس ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻗﻴﺎس ﺣﺠﻢ ﺟﺴﻢ ﻏري ﻣﻨﺘﻈﻢ ﻣﺜﻞ اﻟﺘﺎج.
اﺳﺘﺪﻋﻰ املﻠﻚ ﻫريو ﺻﺪﻳﻘﻪ أرﺷﻤﻴﺪس ،ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎت اﻟﺸﻬري ،وﻋَ ِﻬ َﺪ إﻟﻴﻪ ﺑﻤﻬﻤﺔ
ﺗﺤﺪﻳﺪ إن ﻛﺎن اﻟﺘﺎج ﻣﺼﻨﻮﻋً ﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺨﺎﻟﺺ ،وﻣﺤﺘﻮﻳًﺎ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﲆ ﻛﻞ اﻟﺬﻫﺐ
اﻟﺼﺎﰲ اﻟﺬي أﻋﻄﺎه املﻠﻚ ﻟﻠﺼﺎﺋﻎ أم ﻻ .وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻮﺟﺪ ﺗﻘﺪﱡم ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ
ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎت ،ﻟﻜﻦ أرﺷﻤﻴﺪس ﻛﺎن
ﻣﻬﻨﺪﺳﺎ وﻋﺎﻟﻢ رﻳﺎﺿﻴﺎت ﺑﺎرﻋً ﺎ.
ً
ﺗﻮﺻ َﻞ إﱃ ﺻﻴﻎ رﻳﺎﺿﻴﺔ ﻟﻘﻴﺎس ﺣﺠﻢ اﻷﺟﺴﺎم اﻟﺼﻠﺒﺔ ﻛﺎن أرﺷﻤﻴﺪس ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻗﺪ ﱠ
املﻨﺘﻈﻤﺔ ﻣﺜﻞ اﻷﺟﺴﺎم اﻟﻜﺮوﻳﺔ واﻷﺳﻄﻮاﻧﻴﺔ .وأدرك أﻧﻪ إذا اﺳﺘﻄﺎع ﻗﻴﺎس ﺣﺠﻢ ﺗﺎج
املﻠﻚ ،ﻓﺴﻴﻤﻜﻨﻪ ﺗﺤﺪﻳﺪ إن ﻛﺎن اﻟﺘﺎج ﻣﺼﻨﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺨﺎﻟﺺ أم أﻧﻪ ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ
وﻣﻌﺎدن أﺧﺮى.
ﻋﻨﺪﻣﺎ رأى املﺎء ﻳﻔﻴﺾ ﻣﻦ أﻋﲆ املﻐﻄﺲ ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺿﻊ ﻓﻴﻪ ﻗﺪﻣﻴﻪ ،أدرك أن ﺣﺠﻢ املﺎء
ﻣﺴﺎو ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻟﺤﺠﻢ اﻟﺠﺰء اﻟﺬي أدﺧﻠﻪ ﻣﻦ ﺟﺴﺪه ﰲ املﺎء؛ واﺳﺘﻄﺎع ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ أن ﻳﺠﺪٍ املﺰاح
ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﺤﺴﺎب ﺣﺠﻢ أيﱢ ﺟﺴﻢ ﺻﻠﺐ ﻏري ﻣﻨﺘﻈﻢ ،ﺳﻮاء أﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺠﺴﻢ ﻫﻮ ﻗﺪﻣﻪ أم ﺗﺎج
املﻠﻚ .وﻫﻜﺬا إذا وﺿﻊ اﻟﺘﺎج ﰲ إﻧﺎء ﻣﻤﺘﻠﺊ ﺑﺎملﺎء ،ﻓﺈن ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ ﻗﻴﺎس ﺣﺠﻢ املﺎء املﺰاح،
واﻟﺬي ﺳﻴﻜﻮن ﻣﺴﺎوﻳًﺎ ﻟﺤﺠﻢ اﻟﺘﺎج.
20
أرﺷﻤﻴﺪس :ﺻﺎﺣﺐ أﻗﺪم اﻛﺘﺸﺎف ﻋَ َﺮﴈ
دﻋﻨﺎ ﻧﻔﱰض أن املﻠﻚ ﻫريو ﻗﺪ أﻋﻄﻰ اﻟﺼﺎﺋﻎ ﻣﻜﻌﺒًﺎ ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺨﺎﻟﺺ وزﻧﻪ ﺣﻮاﱄ
٥ﺑﺎوﻧﺪات ،وأن ﺣﺠﻢ ﺣﻮاﻓﻪ ٤٫٩ﺳﻨﺘﻴﻤﱰات )اﻟﺴﻨﺘﻴﻤﱰ اﻟﻮاﺣﺪ ﻳﺴﺎوي ٠٫٣٩٤ﺑﻮﺻﺔ(
وﺣﺠﻤﻪ ﻫﻮ ١١٨ﺳﻨﺘﻴﻤﱰًا ﻣﻜﻌﺒًﺎ .إذا ﺻﻨﻊ اﻟﺼﺎﺋﻎ اﻟﺘﺎج ﺑﻬﺬا اﻟﺬﻫﺐ ﻛﻠﻪ وﻟﻢ ﻳﺨﻠﻄﻪ ﺑﺄي
ﻣﻌﺎدن أﺧﺮى ،ﻓﺈن وزن اﻟﺘﺎج ﺳﻴﻜﻮن ٥ﺑﺎوﻧﺪات ،وﺣﺠﻤﻪ ﺳﻴﻜﻮن ﻧﻔﺲ ﺣﺠﻢ املﻜﻌﺐ
اﻷﺻﲇ ١١٨ ،ﺳﻨﺘﻴﻤﱰًا ﻣﻜﻌﺒًﺎ ،ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻪ ﰲ ﺷﻜﻞ ﻣﺨﺘﻠﻒ .أﻣﺎ إذا ﻛﺎن اﻟﺼﺎﺋﻎ
اﻵﺧﺮ ) ٢٫٥ﺑﺎوﻧﺪ اﻷﺧﺮى( ﺑﻜﻤﻴﺔ ﻗﺪ ﺻﻨﻊ اﻟﺘﺎج ﺑﻨﺼﻒ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﺬﻫﺐ ﻓﻘﻂ وأﺑ َﺪ َل اﻟﻨﺼﻒ َ
ﻣﺴﺎوﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ — ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل — ﻓﺈن وزن اﻟﺘﺎج ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﺳﻴﻜﻮن ٥ﺑﺎوﻧﺪات،
ً
ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ. وﻟﻜﻦ ﺣﺠﻤﻪ ﺳﻴﻜﻮن
إذا ﺗ ﱠﻢ ﻗﻴﺎس ﺣﺠﻢ اﻟﺘﺎج ،ﻓﺴﻴﻜﻮن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ١١٨ﺳﻨﺘﻴﻤﱰًا ﻣﻜﻌﺒًﺎ؛ ﻷن اﻟﻔﻀﺔ ﻛﺜﺎﻓﺘﻬﺎ
ﻧﺼﻒ ﻛﺜﺎﻓﺔ اﻟﺬﻫﺐ ،وﻛﺜﺎﻓﺔ املﺎدة ﻫﻲ ﻗﻴﺎس اﻟﻮزن ﻟﻮﺣﺪة اﻟﺤﺠﻢ ﻣﻦ ﻫﺬه املﺎدة ،أو ﻣﺎ
ً
ﻗﻴﻤﺔ؛ آﺧﺮ أﻗﻞﻳُﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻮزن اﻟﺤﺠﻤﻲ ﻟﻠﻤﺎدة .وﻛﺜﺎﻓﺔ اﻟﺬﻫﺐ أﻛﱪ ﻣﻦ أي ﻣﻌﺪن َ
ﻓﻜﺜﺎﻓﺘﻪ ١٩٫٣ﺟﺮاﻣً ﺎ ﻟﻜﻞ ﺳﻨﺘﻴﻤﱰ ﻣﻜﻌﺐ ،وﻛﺜﺎﻓﺔ اﻟﻔﻀﺔ ١٠٫٥ﺟﺮاﻣﺎت ﻟﻜﻞ ﺳﻨﺘﻴﻤﱰ
ﻣﻜﻌﺐ ،وﻛﺜﺎﻓﺔ اﻟﻨﺤﺎس أﻗﻞ؛ ﻓﻬﻲ ٨٫٩ﺟﺮاﻣﺎت ﻟﻜﻞ ﺳﻨﺘﻴﻤﱰ ﻣﻜﻌﺐ .وﺗﺎج وزﻧﻪ ٥
اﻵﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺔ ،ﺳﻴﻜﻮن ﺣﺠﻤﻪ ١٦٧ ﺑﺎوﻧﺪات ،ﻧﺼﻔﻪ ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻨﺼﻒ َ
ﺳﻨﺘﻴﻤﱰًا ﻣﻜﻌﺒًﺎ.
ً
اﻛﺘﺸﻒ أرﺷﻤﻴﺪس ﻫﺬا ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﰲ أﺣﺪ اﻟﺤﻤﺎﻣﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻓﺄﺻﺒﺢ ﻣﻦ اﻟﺴﻬﻞ ﻗﻴﺎس
ﺣﺠﻢ ﺗﺎج املﻠﻚ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﻮﺿﻌﻪ ﰲ املﺎء وﻗﻴﺎس ﺣﺠﻢ املﺎء املﺰاح .وﻋﻨﺪﻣﺎ وﺟﺪ املﻠﻚ أن
اﻟﺤﺠﻢ ﻛﺎن أﻛﱪ ﻛﺜريًا ﻣﻤﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻴﻪ ﺗﺎج ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺬﻫﺐ اﻟﺨﺎﻟﺺ ،أﺻﺪر
أواﻣﺮه ﴎﻳﻌً ﺎ ﺑﺄن ﻳﻠﻘﻰ اﻟﺼﺎﺋﻎ ﻏري اﻷﻣني ﺟﺰاءه وﻫﻮ اﻹﻋﺪام .ﻓﻴﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻛﺘﺸﺎف ﻋﺮﴈ
ﺳﻌﻴﺪ )ﴎﻧﺪﻳﺒﻴﺔ!( ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ أرﺷﻤﻴﺪس ،وإن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﺬﻟﻚ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﺼﺎﺋﻎ!
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف — وﻟﻴﺪ املﺼﺎدﻓﺔ ﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻗﻴﺎس ﺣﺠﻢ أي ﺟﺴﻢ ﺻﻠﺐ —
ُﴪﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺎم
اﻟﺴﺒﺐَ ﰲ ﻧﻮﺑﺔ اﻟﺤﻤﺎس اﻟﻌﺎرم اﻟﺘﻲ اﻋﱰت أرﺷﻤﻴﺪس وﺟﻌﻠﺘﻪ ﻳﺨﺮج ﻣ ِ
وﻫﻮ ﻋﺮﻳﺎن دون أن ﻳﺪرك أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺮﺗ ِﺪ ﻣﻼﺑﺴﻪ.
21
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ
ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻮس:
اﻛﺘﺸﺎف ﻋﺎﱂ ﺟﺪﻳﺪ
ﴍﻗﺎ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺟﺪﻳﺪة إﱃ ﺑﻼد ﻣﻌﻠﻮ ٌم ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ أن ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻮس أﺑﺤَ َﺮ ﻏﺮﺑًﺎ وﻟﻴﺲ ً
اﻟﴩق ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻎ ﺑﻼد اﻟﴩق وإﻧﻤﺎ اﻛﺘﺸﻒ ﻋﺎ ًملﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ،وﻫﻮ اﻷﻣﺮﻳﻜﺘﺎن .اﻟﻮاﻗﻊ أن
ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف ﻛﺎن ﻋ َﺮﺿﻴٍّﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻫﻞ ﻛﺎن ﴎﻧﺪﻳﺒﻴٍّﺎ؟
ﻳﻮﺟﺪ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻋﻮاﻣﻞ املﺼﺎدﻓﺔ ﰲ ﻗﺼﺔ ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻮس ﻏري ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻋﲆ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ
ﻣﺜﻞ رﺣﻠﺘﻪ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ اﻟﺸﻬريةُ .وﻟِﺪ ﻛﺮﻳﺴﺘﻮﻓﺮ ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻮس ﰲ ﺟﻨﻮة ﻋﺎم ١٤٤٦ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ،
ً
وﻃﺒﻘﺎ ﻟﺴريﺗﻪ ودرس اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎت واﻟﻌﻠﻮم اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻢ اﻟﻔﻠﻚ املﻼﺣﻲ ﰲ ﺑﺎﻓﻴﺎ.
اﻟﺬاﺗﻴﺔ اﻟﺘﻲ رواﻫﺎ اﺑﻨﻪ ﻓﺮﻧﺎﻧﺪو ،ﻗﺎم ﺑﺄوﱃ رﺣﻼﺗﻪ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ وﻫﻮ ﰲ ﺳﻦ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﴩة
ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،ورﺑﻤﺎ زار ﻓﻴﻬﺎ إﻧﺠﻠﱰا وأﻳﺮﻟﻨﺪا وأﻳﺴﻠﻨﺪا ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻴﻮﻧﺎن واﻟﱪﺗﻐﺎل وإﺳﺒﺎﻧﻴﺎ .وﰲ
املﺴﺘﻜﺸﻒ اﻟﺸﻬري ﻫﻨﺮي ﱠ
املﻼح، ِ ﻗﺒﻄﺎن ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﻣﻊ
ٍ اﻟﱪﺗﻐﺎل ،ﻗﺎﺑَ َﻞ ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻮس َ
اﺑﻨﺔ
املﻄ ﱠﻞ ﻋﲆ املﺤﻴﻂ اﻷﻃﻠﻨﻄﻲ ﻷوروﺑﺎ وأﻓﺮﻳﻘﻴﺎ، اﻟﺬي ﻛﺎن أول ﻣَ ﻦ اﻛﺘﺸﻒ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻐﺮﺑﻲ ِ
املﻼﺣني ،ﺗﻮ ﱠﻟﺪت ﻟﺪﻳﻪ رﻏﺒﺔ
املﻼح وﻏريه ﻣﻦ ﱠ وﺗﺰوﱠﺟَ ﻬﺎ .وﻣﻦ ﺧﻼل دراﺳﺔ ﺧﺮاﺋﻂ ﻫﻨﺮي ﱠ
ﻣﺤﻤﻮﻣﺔ ﻻﻛﺘﺸﺎف ﻃﺮﻳﻖ ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻠﻮﺻﻮل إﱃ ﺛﺮوات ﺑﻼد اﻟﴩق؛ وذﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻹﺑﺤﺎر
ﻃ َﻠﻊ ﻋﲆ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ املﻌﺎﴏ ﺛﻮر ﻫﺎﻳﺮدال أن ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻮس ﻗﺪ ا ﱠ ِ ﻏﺮﺑًﺎ .وﻳﻌﺘﻘﺪ اﻟﺮﺣﱠ ﺎﻟﺔ
ُﻛﺘِﺒﺖ ﻗﺒﻞ أرﺑﻌﺔ ﻗﺮون إﱃ اﻟﻔﺎﺗﻴﻜﺎن ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ اﻟﻜﻬﻨﺔ اﻟﻨﻮردﻳني ﰲ ﺟﺮﻳﻨﻼﻧﺪ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ
اﻟﺘﻲ وﺻﻔﻮا ﻓﻴﻬﺎ اﻷراﴈ اﻟﺘﻲ اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ ﺑﺎﻹﺑﺤﺎر أﻗﴡ اﻟﻐﺮب.
رﺣﻠﺔ ﻃﻤﻮﺣﺔ ﻛﺎﻟﺘﻲ ﻳﺮﻏﺐ ﰲ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻬﺎ ﺗﺤﺘﺎج إﱃ رﻋﺎﻳﺔ ً أدرك ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻮس أن
ﺑﺈﻟﺤﺎح ﻫﺬا اﻟﺪﻋ َﻢ ﻣﻦ ﻣﻠﻮك اﻟﱪﺗﻐﺎل وإﺳﺒﺎﻧﻴﺎ وﻓﺮﻧﺴﺎ وإﻧﺠﻠﱰا .رﻓﺾ ٍ ﻣﻠﻜﻴﺔ؛ ﻓﻄﻠﺐ
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻫﻨﺮي اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻣﻠﻚ إﻧﺠﻠﱰا ﻃﻠﺒﻪ ،ﻟﻜﻦ ﺣﺎﻛِﻤَ ﺎ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ املﻠﻚ ﻓﺮدﻳﻨﺎﻧﺪ واملﻠﻜﺔ إﻳﺰاﺑﻴﻼ َﻗ ِﺒ َﻼه؛
ﻌﺔ ﻟﻺﺳﺒﺎن وﻟﻴﺲ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ. وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺬﻟﻚ ،أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻌﻈﻢ أراﴈ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺗﺎ ِﺑ ًً
ﺛﻤﺔ ﻋﺎﻣﻞ آﺧﺮ ﻣﻦ ﻋﻮاﻣﻞ املﺼﺎدﻓﺔ ﰲ اﻛﺘﺸﺎف ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻮس ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وﻫﻮ
ﻣﺤﻘﺎ ﰲ اﻋﺘﻘﺎده ﺑﺄن اﻷرض ٍّ ﺗﻘﻴﻴﻤﻪ اﻟﺨﺎﻃﺊ ﻟﺤﺠﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ؛ ﻓﻌﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ ﻛﺎن
ﻛﺮوﻳﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻘﺪﱢر ﺣﺠﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺻﺤﻴﺢ ،واﻋﺘﻘﺪ أن اﻟﻘﺎرة اﻵﺳﻴﻮﻳﺔ أﻛﱪ
ﻣﺠﺴﻢ ﱠ ﺣﺠﻤً ﺎ وأﻛﺜﺮ ُﻗ ْﺮﺑًﺎ إﱃ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻣﻤﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ؛ ﻓﺒﻨﻰ ﺗﻘﺪﻳﺮاﺗﻪ اﻋﺘﻤﺎدًا ﻋﲆ
املﺠﺴﻢ ،ﻣﺎرﺗﻦ ﺑﻴﻬﺎﻳﻢ ،اﺳﺘﺨ َﺪ َم ﱠ اﻟﻜﺮة اﻷرﺿﻴﺔ اﻷﺷﻬﺮ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ .إﻻ أن ﻣﺼﻤﱢ َﻢ ﻫﺬا
املﺠﺴﻢ ﻣﺎ زال ﻣﻮﺟﻮدًا؛ ﱠ ﻗﻴﺎس ﺑﻄﻠﻴﻤﻮس ملﺤﻴﻂ اﻷرض ،وﻛﺎن أﺻﻐﺮ ﺑﻨﺴﺒﺔ ) .٪٢٥ﻫﺬا
ﺣﻴﺚ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﻣﺘﺤﻒ ﰲ ﻧﻮرﻣﱪج ﺑﺄملﺎﻧﻴﺎ (.ﻓﺒﻌﺪ أن أﺑﺤﺮ ﺣﻮاﱄ ٣آﻻف ﻣﻴﻞ ،اﻋﺘﻘﺪ
ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻮس أﻧﻪ أﺧﻄﺄ وﻟﻢ ﻳﺼﻞ إﱃ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﻛﻤﺎ أراد ،وأن اﻟﺠﺰر اﻟﺘﻲ ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ورﺳﺎ
ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻫﻲ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﻬﻨﺪ اﻟﴩﻗﻴﺔ )وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺟﺎءت ﺗﺴﻤﻴﺘﻪ ﻟﺴﻜﺎﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻬﻨﻮد( واﻟﺘﻲ
ﺗﻮﺟﺪ ﰲ ﺟﻨﻮب اﻟﻴﺎﺑﺎن ،ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺗﻠﻚ اﻷراﴈ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ آﻻف
اﻷﻣﻴﺎل َ
ﺟﻬﺔ اﻟﻐﺮب.
ﺪت ﻗﺒ َﻞ ذﻟﻚ ﻟﻜﻦ ﻫﻞ اﻛﺘﺸﺎف ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻮس ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻣﺜﺎل ﻋﲆ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ؟ أ ﱠﻛ ُ
ﻋﲆ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﻔﻄﻨﺔ ﰲ ﺗﺤﻮﻳﻞ أﺣﺪ اﻷﺣﺪاث إﱃ اﻛﺘﺸﺎف ﴎﻧﺪﻳﺒﻲ .ﻓﻌﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن
َ
ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺴﺘﻜﺸ ًﻔﺎ ﺟﺮﻳﺌًﺎ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ َﻓ ِﻄﻨًﺎ ﺑﺎﻟﻘﺪر اﻟﻜﺎﰲ ﺣﺘﻰ ﻳﺪرك
ِ ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻮس ﻛﺎن
اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ،وﻣﺎت ﻣﻌﺘﻘِ ﺪًا أﻧﻪ اﻛﺘﺸﻒ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ ﺑﻼد اﻟﴩق وﻟﻴﺴﺖ ﻗﺎرة ﺟﺪﻳﺪة.
ﻛﺬﻟﻚ ،ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻔِ ْﺪ ﻣﻦ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ﻋﲆ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺄﻣﻞ ﻓﻴﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﻧﺎل ﺛﻨﺎءً وﺗﻘﺪﻳ ًﺮا ﱠ
ﻣﺆﻗﺘًﺎ
ﻫﺪف اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﺛﺮوات ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ ُ ﱠ
ﻳﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ رﻋﺎة رﺣﻼﺗﻪ ﻣﻦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻟﻢ
ﺑﻼد اﻟﴩق ﻟﻨﻔﺴﻪ وﻟﺮﻋﺎﺗﻪ ﻋﲆ أرض اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻤﺮ اﻟﺜﻨﺎء وﻣﺎت وﻫﻮ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺨﻴﺒﺔ
أﻣﻞ ﻛﺒرية .وﻛﺎن ﻳﺄﻣﻞ ﰲ اﻛﺘﺸﺎف ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺨﺘﴫة إﱃ ﺑﻼد اﻟﴩق وﺛﺮواﺗﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ
اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻤﺎ اﻛﺘﺸﻔﻪ.
إن املﺼﺎدﻓﺔ اﻟﺴﻌﻴﺪة اﻟﺘﻲ رﺑﻤﺎ ﺳﻤﺤﺖ ﻟﻨﺎ ﺑﺄن ﻧﻘﻮل إن اﻛﺘﺸﺎف ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻮس ﻛﺎن
»ﴎﻧﺪﻳﺒﻴٍّﺎ« ﻫﻲ ﻧﺸﺄة ﺣﻀﺎرة ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وﻫﻮ أﻣﺮ ﺣﺪث ﺑﻌﺪ ﻓﱰة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ
ِ
املﺴﺘﻜﺸﻒ اﻟﻜﺒري. اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌ َﺮﴈ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ اﻟﺬي ﻗﺎم ﺑﻪ ﻫﺬا
24
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ
إن أﺻﻞ ﻣﺎدة اﻟﻜﻴﻨني ﻏﺎﻣﺾ ﺟﺪٍّا ﻟﺪرﺟﺔ ﻳﺼﻌﺐ ﻣﻌﻬﺎ ﻓﺼ ُﻞ اﻷﺳﻄﻮرة ﻋﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ؛ ﱠ
ﻓﻄﺒﻘﺎ ﻟﻠﺮواﻳﺔ اﻷﻛﺜﺮ ﺷﻬﺮ ًة ﰲ أوروﺑﺎُ ،ﺷﻔِ ﻴﺖ زوﺟﺔ ﻧﺎﺋﺐ ﻣﻠﻚ ﺑريو ،واملﻌﺮوﻓﺔ ﺑﻜﻮﻧﺘﻴﺴﺔ
ً
ﻛﻴﻨﺘﻮن ،Chinchonﻣﻦ ﻣﺮض املﻼرﻳﺎ ﺑﺘﻨﺎول ﻣﺴﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﻟﺤﺎء إﺣﺪى اﻷﺷﺠﺎر ﻣﻦ
ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻠﺤﺎء إﱃ ً ﻋﺠﺒﺖ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﺑﻬﺬا اﻟﻌﻼج ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻬﺎ أﺧﺬت ﻣﻌﻬﺎ ﺑريو ،وأ ُ ِ
إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ﻋﺎم ،١٦٣٨وﻫﻜﺬا ﺗﻜﻮن ﻫﻲ ﻣَ ﻦ أدﺧﻠﺖ ﻣﺎدة اﻟﻜﻴﻨني إﱃ أوروﺑﺎ .واﻋﺘﻤﺎدًا
ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ ،أﻃ َﻠ َﻖ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻨﺒﺎت اﻟﺴﻮﻳﺪي ﻟﻴﻨﺎوس ﻋﺎم ١٧٤٢اﺳﻢ »ﺳﻴﻨﻜﻮﻧﺎ«
Cinchonaﻋﲆ ﺟﻨﺲ اﻷﺷﺠﺎر املﺄﺧﻮذ ﻣﻨﻪ ﻫﺬا اﻟﻠﺤﺎء اﻟﻄﺒﻲ .ﻟﻜﻦ ﻛﺎن ﺛﻤﺔ ﺧﻄﺂن ﰲ
أوﻻ :ﻣﻊ أن ﻟﻴﻨﺎوس ﻗﺼﺪ ﺗﺨﻠﻴﺪ ذﻛﺮى اﻟﻜﻮﻧﺘﻴﺴﺔ ﻛﻴﻨﺘﻮن ﺑﺼﻨﻴﻌﻪ ﻫﺬا ،ﻓﺈﻧﻪ أﺧﻄﺄ ﻫﺬا؛ ً
ﰲ ﻫﺠﺎء اﺳﻤﻬﺎ ،ﻓﺄﻫﻤﻞ ﺛﺎﻧﻲ ﺣﺮف ﻓﻴﻪ وﻫﻮ ﺣﺮف .hﺛﺎﻧﻴًﺎ :ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﻜﻮﻧﺘﻴﺴﺔ ﻣﺼﺎﺑَﺔ
أﺻﻼ ﺑﺎملﻼرﻳﺎ ،وﻟﻢ ﺗﻨﻘﻞ ﻫﺬا اﻟﻠﺤﺎء اﻟﻄﺒﻲ ﻣﻌﻬﺎ إﱃ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ ،وإﻧﻤﺎ ﺗُﻮﻓﻴﺖ ﰲ ﻛﺎرﺗﺎﺧﻴﻨﺎ ً
ﺑﻜﻮﻟﻮﻣﺒﻴﺎ وﻫﻲ ﰲ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﻮدﺗﻬﺎ إﱃ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ.
ﻛﺎن أول اﺳﺘﺨﺪام ﻣُﺴﺠﱠ ﻞ ملﺎدة اﻟﻜﻴﻨني ﰲ ﻋﻼج املﻼرﻳﺎ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻹرﺳﺎﻟﻴﺎت
اﻟﻴﺴﻮﻋﻴﺔ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻟﻴﻤﺎ ﻋﺎم ١٦٣٠ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ؛ وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ،أُﻃﻠِﻖ اﺳﻢ »ﻟﺤﺎء اﻟﻴﺴﻮﻋﻴني« ﻋﲆ
ﻫﺬا اﻟﻠﺤﺎء اﻟﻄﺒﻲ ،ﻗﺒﻞ ﻟﻴﻨﺎوس ﺑﻨﺤﻮ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم .ورﺑﻤﺎ ﻳﺘﻌﺬر ﺗﻤﺎﻣً ﺎ أن ﻧﻌﺮف ﻋﲆ وﺟﻪ
اﻟﺘﺄﻛﻴﺪ إن ﻛﺎن اﻟﻴﺴﻮﻋﻴﻮن ﻗﺪ ﻋﺮﻓﻮا ﻣﻦ اﻟﻬﻨﻮد اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﻄﺒﻴﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻠﺤﺎء املﻔﻴﺪة ﰲ
ﻋﻼج املﻼرﻳﺎ .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﺗﻮﺟﺪ أﺳﻄﻮرة ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺗﻘﺪﱢم رواﻳﺔ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ ﻟﻼﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌﺮﴈ
ﻟﻠﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﻌﻼﺟﻴﺔ ﻟﻠﺤﺎء ﺷﺠﺮة اﻟﻜﻴﻨﺎ.
ﺗﺪور اﻷﺳﻄﻮرة ﺣﻮل رﺟﻞ ﻫﻨﺪي ﻛﺎن ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻰ ،وﻛﺎن ﺗﺎﺋﻬً ﺎ ﰲ ﻏﺎﺑﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ
ﰲ ﺟﺒﺎل اﻹﻧﺪﻳﺰ .وﺗﻨﻤﻮ ﻫﻨﺎك أﻧﻮاع ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻦ ﺷﺠﺮة اﻟﺴﻴﻨﻜﻮﻧﺎ )اﻟﺘﻲ ﻳﻄﻠِﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻬﻨﻮد
»ﻛﻴﻨﺎ-ﻛﻴﻨﺎ«( ﻋﲆ املﻨﺤﺪرات اﻟﺪاﻓﺌﺔ اﻟﺮﻃﺒﺔ ﻟﺠﺒﺎل اﻹﻧﺪﻳﺰ ﻣﻦ ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻴﺎ إﱃ ﺑﻮﻟﻴﻔﻴﺎ ،ﻋﲆ
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ارﺗﻔﺎﻋﺎت ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ٥آﻻف ﻗﺪم .وأﺛﻨﺎء ﺗﻘﺪ ِﱡﻣﻪ ﻣﺘﻌﺜ ﱢ ًﺮا ﻋﱪ اﻷﺷﺠﺎر ،وﺟَ َﺪ ﺑﺮﻛﺔ راﻛﺪة
ﻣﻦ املﺎء ،ﻓﺄﻟﻘﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺣﺎﻓﺘﻬﺎ ﻟﺘﻨﺎول ﺑﻌﺾ املﺎء اﻟﺒﺎرد ،وﻣﻦ أول رﺷﻔﺔ
أﺣﺲ ﺑﻤﺮارﺗﻪ ،أد َر َك أﻧﻪ ﻣ ُِﺰج ﺑﻠﺤﺎء أﺷﺠﺎر »اﻟﻜﻴﻨﺎ-ﻛﻴﻨﺎ« املﺠﺎورة ،اﻟﺬي
ﻣﻦ املﺎء اﻟﺬي ﱠ
ﻛﺎن ﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﺳﺎم ،وﻟﻜﻨﻪ اﻫﺘ ﱠﻢ ﺑﺄن ﻳﺮوي ﻋﻄﺸﻪ اﻟﺸﺪﻳﺪ وﻳﻘ ﱢﻠﻞ ﻣﺆﻗﺘًﺎ أﺛﺮ اﻟﺤﻤﻰ اﻟﺘﻲ
أﺻﺎﺑﺘﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺎﻵﺛﺎر اﻟﻌﻜﺴﻴﺔ املﻤﻴﺘﺔ املﺤﺘﻤَ ﻠﺔ؛ ﻓﺎﻏﱰف ﻣﻦ املﺎء اﻟﻜﺜري.
وﻣﻤﺎ أﺛﺎر دﻫﺸﺘﻪ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻤﺖ! ﻓﻔﻲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ،ﻫﺪأت اﻟﺤﻤﻰ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻌﺎﻧﻲ
ﻣﻨﻬﺎ وﺗﻤ ﱠﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻌﻮدة إﱃ ﻗﺮﻳﺘﻪ وﻫﻮ ﰲ ﻛﺎﻣﻞ ﻗﻮﺗﻪ .أﺧﱪ أﺻﺪﻗﺎءه وأﻗﺮﺑﺎءه ﺑﻘﺼﺔ ﻫﺬا
اﻟﺪواء اﻟﺴﺤﺮي؛ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻬﻢ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن ﻣﺴﺘﺨﻠﺼﺎت ﻣﻦ ﻟﺤﺎء ﺷﺠﺮة اﻟﻜﻴﻨﺎ-ﻛﻴﻨﺎ ﻟﻌﻼج
اﻟﺤﻤﻰ اﻟﺸﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن اﻟﻜﺜري ﻣﻨﻬﻢ ﻳﻌﺎﻧﻮن ﻣﻨﻬﺎ .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﻤﻰ ﻫﻮ
املﻼرﻳﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ املﺎدة اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ املﻮﺟﻮدة ﰲ ﻫﺬا اﻟﻠﺤﺎء ﻫﻲ ﻣﺎدة اﻟﻜﻴﻨني .وﻗﺪ اﻧﺘﴩت
أﻧﺒﺎءُ ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف ﰲ أرﺟﺎء املﻨﻄﻘﺔ ﺑﺄﴎﻫﺎ ،ورﺑﻤﺎ وﺻﻠﺖ إﱃ اﻹرﺳﺎﻟﻴﺎت اﻟﻴﺴﻮﻋﻴﺔ
ﰲ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ .وﻣﻤﺎ ﻳﺆ ﱢﻛﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺔ — ﻫﺬا إن ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺤﻴﺤﺔ — أﻧﻪ
ﺣﺘﻰ ﰲ املﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺒﺪاﺋﻴﺔ ،ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺴﻤﺢ »اﻟﻔﻄﻨﺔ« ﺑﺈﻋﻤﺎل اﻟﻌﻘﻞ ﻟﻠﻮﺻﻮل ﺑﻤﺤﺾ
ٍ
اﻛﺘﺸﺎف ذي ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻣﺪﻫﺸﺔ. املﺼﺎدﻓﺔ إﱃ
ﺷﻜﻞ :1-3ﻫﻨﺪي ﻣﺤﻤﻮم ﻣﻦ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻳﴩب ﻣﺎءً ﻣﻦ ﺑﺮﻛﺔ ﻣﺎءٍ ﰲ إﺣﺪى اﻟﻐﺎﺑﺎت،
وﻳﻜﺘﺸﻒ ﻣﺎدة اﻟﻜﻴﻨني.
ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺻﺤﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺔ ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﺨﺼﻮص ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺄﻛﻴﺪﻫﺎ ،ﻓﺈن
أﻣ ًﺮا ﻛﻬﺬا ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳﺤﺪث .ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ،ﺗﻜﻮن اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﺳﻌﻴﺪة ،ﻛﻤﺎ ﰲ ﻫﺬه
26
ٌ
ﻣﺮﻳﺾ ﻫﻨﺪي ﻳﻜﺘﺸﻒ اﻟﻜﻴﻨني
ُ
اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻫﻲ ﻣﻮت أو ﻣﺮض اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﺘﻨﺎول ﻣﺎدة اﻟﺤﺎﻟﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﺗﻜﻮن
ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ املﻔﻌﻮل ﻟﻠﻤﺮة اﻷوﱃ.
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ﻛﺎن ﻋﻼج املﻼرﻳﺎ ﺑﻤﺎدة اﻟﻜﻴﻨني ﻫﻮ أول اﺳﺘﺨﺪام ﻧﺎﺟﺢ ملﺎدة ﻛﻴﻤﺎﺋﻴﺔ ﻟﻌﻼج ﻣﺮض ﻣُﻌﺪٍ.
)ﻟﻠﺘﻌ ﱡﺮف ﻋﲆ ﺗﺎرﻳﺦ إدﺧﺎل ﻣﺎدة اﻟﻜﻴﻨني ﻛﺪواء إﱃ أوروﺑﺎ واﺳﺘﺰراع ﺷﺠﺮة اﻟﺴﻴﻨﻜﻮﻧﺎ ﻣﻦ
أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﰲ ﺟﻨﻮب ﴍق آﺳﻴﺎ ،اﻧﻈﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﰲ ﻛﺘﺎب ﺳﻴﻠﻔﺮﻣﺎن املﺬﻛﻮر ﰲ
املﻠﺤﻖ (.ﻟﻢ ﺗُﺴﺘﺨ َﻠﺺ املﺎدة اﻟﻔﻌﱠ ﺎﻟﺔ ﰲ ﻋﻼج املﻼرﻳﺎ املﻮﺟﻮدة ﰲ ﻟﺤﺎء ﺷﺠﺮة اﻟﺴﻴﻨﻜﻮﻧﺎ،
وﻫﻲ ﻣﺎدة اﻟﻜﻴﻨني ،ﺣﺘﻰ ﻋﺎم ) ١٨٢٠وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻋﲆ ﻳﺪ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴ ْﱠني اﻟﻔﺮﻧﺴﻴ ْﱠني ﺑﻴري
ﺟﻮزﻳﻒ ﺑﻠﻴﺘﻴﻴﻪ وﺟﻮزﻳﻒ ﺑﻴﺎﻧﺎﻣﻲ ﻛﺎﻓﻨﺘﻮ( ،وﻟﻢ ﺗُﻌ َﺮف اﻟﺼﻴﻐﺔ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﻟﺘﻠﻚ املﺎدة
اﻟﺘﺨﻠﻴﻖ املﻌﻤﲇ ﻟﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻋﺎم .١٩٤٤ ُ ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﺣﺘﻰ ﻋﺎم ،١٩٠٨وﻟﻢ ﻳُﺠ َﺮ
)ﻟﻠﺘﻌ ﱡﺮف ﻋﲆ اﻛﺘﺸﺎف ﻋ َﺮﴈ ﻳﺮﺟﻊ إﱃ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺑﺪاﺋﻴﺔ ﻟﺘﺨﻠﻴﻖ ﻣﺎدة اﻟﻜﻴﻨني ﰲ ﻋﺎم
،١٨٥٦اﻧﻈﺮ ﻗﺼﺔ وﻳﻠﻴﺎم ﺑريﻛﻦ واﻟﺼﺒﻐﺔ اﻷرﺟﻮاﻧﻴﺔ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ(.
ﻻ ﻳﺰال ﻣﺮض املﻼرﻳﺎ أﻛﺜﺮ اﻷﻣﺮاض ﻓﺘ ًﻜﺎ ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻣﻊ أﻧﻪ ﻗﺪ اﺧﺘﻔﻰ
ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﰲ اﻟﺪول املﺘﻘﺪﻣﺔ؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﺤﻤﻼت ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻟﺒﻌﻮض ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام املﺒﻴﺪات اﻟﺤﴩﻳﺔ.
)ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻃﻔﻴﻞ ﻣﺮض املﻼرﻳﺎ ﻣﻦ دم اﻟﺸﺨﺺ املﺼﺎب إﱃ اﻷﺻﺤﺎء ﻣﻦ ﺧﻼل ﻟﺪﻏﺎت ﺑﻌﺾ
أﻧﻮاع اﻟﺒﻌﻮض (.وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺴﺒﺐ ﻣﺮض املﻼرﻳﺎ ﰲ ﻣﻮت ﻋﺪد ﻛﺒري ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص
ﻳﻔﻮق ﻋﺪ َد ﻣَ ﻦ ﻣﺎﺗﻮا ﰲ ﻛﻞ اﻟﺤﺮوب املﻌﺮوﻓﺔ ﻋﲆ ﻣﺪار اﻟﺘﺎرﻳﺦ؛ وﻣﻦ ﺛﻢ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ املﺒﺎﻟﻐﺔ
ﰲ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻗﺪرة املﺒﻴﺪات اﻟﺤﴩﻳﺔ واﻷدوﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ ﻫﺬا املﺮض اﻟﺨﻄري.
ﱠث اﻟﺒﻌﺾ ﻋﻦ اﻟﴬر اﻟﻜﺒري وا ُملﺜﺒﺖ ﻟﻠﻤﺒﻴﺪات اﻟﺤﴩﻳﺔ ﻋﲆ اﻟﻄﻴﻮر وﺑﻌﺾ إذا ﺗﺤﺪ َ
اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻷﺧﺮى ،ﻓﻴﺠﺐ أن ﻧﻀﻊ ﰲ اﻻﻋﺘﺒﺎر ﺣﻴﺎ َة آﻻف اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻢ إﻧﻘﺎذﻫﻢ
ﺧﺎﺻﺔ ﰲ ﺿﻮء ﻇﻬﻮر ﻣﺒﻴﺪات ﺣﴩﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة ً ﻣﻦ املﻼرﻳﺎ ﺑﺴﺒﺐ اﺳﺘﺨﺪام ﺗﻠﻚ املﺒﻴﺪات،
ﻧﺔ ﺑﺒﻌﺾ املﺒﻴﺪات اﻷﻗﺪم ﻣﻨﻬﺎ. ﺗﻠﺤﻖ ﴐ ًرا أﻗﻞ ﻛﺜريًا ﺑﺎﻟﺒﻴﺌﺔ ﻣﻘﺎ َر ً
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎدة اﻟﻜﻴﻨني ﻣﻦ املﻮاد املﻬﻤﺔ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻌﺎملﻴﺔ .ﻓﻨﻈ ًﺮا ﻟﻌﺪم إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ
اﻟﻮﺻﻮل إﱃ أﺷﺠﺎر اﻟﺴﻴﻨﻜﻮﻧﺎ ﰲ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔُ ،زرﻋﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﺠﺎر ﰲ ﻣﻨﺎﻃﻖ أﺧﺮى
ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﻻ ﺳﻴﱠﻤﺎ ﰲ ﺟﺰر اﻟﻬﻨﺪ اﻟﴩﻗﻴﺔ اﻟﻬﻮﻟﻨﺪﻳﺔ .وﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻷوﱃ،
ﺣُ ِﺮﻣﺖ أملﺎﻧﻴﺎ ﻣﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ املﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ اﻟﺤﺼﻮل ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ إﻣﺪاداﺗﻬﺎ ﻣﻦ
ﺗﺨﻠﻴﻘﻲ ﻟﻬﺎ ،وﻗﺪ ﻧﺠﺤﺖ
ﱟ ﺑﺪﻳﻞ
ٍ ﻣﺎدة اﻟﻜﻴﻨني؛ ﻣﻤﺎ أدﱠى إﱃ ﻗﻴﺎﻣﻬﺎ ﺑﺠﻬﻮد ﻛﺒرية ﻹﻧﺘﺎج
27
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﰲ إﻧﺘﺎج دواء ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ اﻷﺗﺎﺑﺮﻳﻦ أو اﻟﻜﻮﻳﻨﺎﻛﺮﻳﻦ .وﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ
ً
ﺳﺎﺣﺔ ﻟﺘﻮاﻟُ ِﺪ اﻟﺒﻌﻮض اﻟﻨﺎﻗﻞ ﻟﻠﻤﻼرﻳﺎ )ﻣﺜﻞ ﺷﻤﺎل اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﺗﻘﺎﺗﻞ ﰲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻛﺎﻧ َ ْﺖ
أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ وأدﻏﺎل ﺟﺰر ﺟﻨﻮب املﺤﻴﻂ اﻟﻬﺎدئ( وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﻣﺴﻴﻄﺮة ﻋﲆ أﻣﺎﻛﻦ زراﻋﺔ
أﺷﺠﺎر اﻟﺴﻴﻨﻜﻮﻧﺎ؛ وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﺑﺤﺎﺟﺔ إﱃ ﺗﻄﻮﻳﺮ أدوﻳﺔ ﺗﺨﻠﻴﻘﻴﺔ ﻓﻌﱠ ﺎﻟﺔ
ملﻮاﺟﻬﺔ املﻼرﻳﺎ.
ﰲ ﺷﻤﺎل أﻓﺮﻳﻘﻴﺎَ ،أﴎ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﻮن ﺟﻨﻮدًا إﻳﻄﺎﻟﻴني ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻬﻢ أﻗﺮاص ﺷ ﱡﻜﻮا أﻧﻬﺎ
ﺗﻌﺎﻟﺞ املﻼرﻳﺎ؛ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﻗﺮاص ﺑﻴﻀﺎء ،ﰲ ﺣني أن أﻗﺮاص اﻷﺗﺎﺑﺮﻳﻦ ﺻﻔﺮاء .وﻧُﻘﻠﺖ
ﺧﻀﻌﺖ ﻟﺘﺤﻠﻴﻞ دﻗﻴﻖ؛ ﻓﻮﺟﺪوا أﻧﻬﺎ ﻟﺪواء ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﺗﻠﻚ اﻷﻗﺮاص إﱃ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة وأ ُ ِ
ﻃﻮﱢرآﺧﺮ ﻣﻀﺎد ﻟﻠﻤﻼرﻳﺎ ﺗﻢ ﺗﻄﻮﻳﺮه ﰲ ﻧﻔﺲ املﻌﻤﻞ اﻷملﺎﻧﻲ اﻟﺬي ُ ﻛﻠﻮروﻛﻮﻳﻦ ،وﻫﻮ دواء َ
ﻓﻴﻪ دواء اﻷﺗﺎﺑﺮﻳﻦ وﻳﺤﻤﻞ ﻧﻔﺲ ﺑﺮاءة اﻻﺧﱰاع اﻷملﺎﻧﻴﺔ .ﻛﺸﻔﺖ اﻻﺧﺘﺒﺎرات اﻟﺪواﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ
ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ ﻋﴩ ﻣﺮات ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻳﻨﺎﻛﺮﻳﻦ ﻋﻨﺪ ﺗﻨﺎول ﻧﻔﺲ ً ﺟﺮﻳﺖ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺪواء أﻧﻪ أﻛﺜﺮ أُ ِ
اﻟﺠﺮﻋﺔ ﻣﻦ ﻛﻼ اﻟﺪواءﻳﻦ ،ﻛﻤﺎ أن آﺛﺎره اﻟﺠﺎﻧﺒﻴﺔ أﻗﻞ وﻟﻮن أﻗﺮاﺻﻪ أﺑﻴﺾ.
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻮات اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﰲ املﺤﻴﻂ اﻟﻬﺎدئ آﻧﺬاك ﺗﺴﺘﺨﺪم دواءَ اﻟﻜﻮﻳﻨﺎﻛﺮﻳﻦ ،اﻟﺬي
ﻛﺎن ﻳﺒﺎع ﺑﺎﻻﺳﻢ اﻟﺘﺠﺎري أﺗﺎﺑﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ ﴍﻛﺔ وﻳﻨﺜﺮوب ،وﻫﻲ ﴍﻛﺔ أﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺗﺎﺑﻌﺔ
ﻟﻠﴩﻛﺔ اﻷملﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﻮﱠرت اﻟﺪواء ،ﻟﻜﻦ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺪواء
ﺑﺎﻧﺘﻈﺎم .أﺷﺎﻋﺖ اﻹذاﻋﺔ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ اﻟﺸﻬرية »ﻃﻮﻛﻴﻮ روز« اﻟﻨﺎﻃﻘﺔ ﺑﺎﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﰲ ذﻟﻚ
ﺑﺚ اﻟﺒﻠﺒﻠﺔ ﺑني ﺻﻔﻮف اﻷﻣﺮﻳﻜﻴني أن ﺗﻨﺎول اﻟﻜﻮﻳﻨﺎﻛﺮﻳﻦ ﻻ ﻳﺆدﱢي اﻟﻮﻗﺖ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺎول ﱠ
أﻳﻀﺎ إﱃ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻌُ ﻘﻢ )وﻫﻮﻓﻘﻂ إﱃ اﺻﻔﺮار اﻟﺠﻠﺪ )وﻫﺬه ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ( ،وﻟﻜﻦ ً
ض اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﻮن ﻋﻦ ﺗﻨﺎو ُِل ﻫﺬا اﻟﺪواء ،وﻋﻨﺪﻣﺎ وﺻﻠﺖ ً
وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺬﻟﻚ ،أﻋ َﺮ َ أﻣﺮ ﻏري ﺻﺤﻴﺢ(.
اﻟﻘﻮات اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ إﱃ ﻏﻴﻨﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﰲ ﻏﻀﻮن أﺳﺒﻮﻋني أ ُ ِﺻﻴﺐ ٪٩٥ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺎملﻼرﻳﺎ.
ﻟﻘﺪ أُﺑﻠ ِﻐﻨﺎ ﻧﺤﻦ أﻋﻀﺎء اﻟﱪﻧﺎﻣﺞ اﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ملﻜﺎﻓﺤﺔ املﻼرﻳﺎ اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻠﺠﻨﺔ اﻷﺑﺤﺎث
اﻟﻄﺒﻴﺔ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ إﻟﻴﻨﻮي ﺑﻬﺬا اﻷﻣﺮ ﺣﺘﻰ ﻧﺪرك أﻫﻤﻴﺔ ﻣﺎ ﻧﻘﻮم ﺑﻪ .وﻗﺪ ﻗﻴﻞ ﻟﻨﺎ إن إﺻﺎﺑﺔ
أﻟﻒ ﻓﺮد ﻣﻦ ﻗﻮات اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﺑﺎملﻼرﻳﺎ أﺳﻮأ )ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ( ﻣﻦ ﻣﻮﺗﻬﻢ؛ ﻷﻧﻪ
ُﺨﺼﺺ ﻟﻬﻢ أﻓﺮاد ﻣﻦ اﻟﺠﻴﺶ ﻟﻌﻼﺟﻬﻢ .وﺟﺎء ﻫﺬا ﺑﺎﻟﺘﺰاﻣﻦ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻊ ﺗﺄ ﱡﻛﺪﻧﺎ ﻣﻦ أن ﺳﻴ ﱠ
اﻟﻜﻠﻮروﻛﻮﻳﻦ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻷﺗﺎﺑﺮﻳﻦ ﻋﻨﺪ ﺣﺼﻮل املﺮﻳﺾ ﻋﲆ ﻧﻔﺲ اﻟﺠﺮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺪواءﻳﻦ،
ﻈﺮ إﱃ ﻋﺪم ﺗﺴﺒﺒﻪ ﰲ اﺻﻔﺮار اﻟﺠﻠﺪ ﻛﻤﻴﺰة ﻛﺒرية أﺧﺮى. وﻛﺎن ﻳُﻨ َ
ُروﱢﺟﺖ ﺷﺎﺋﻌﺔ ﺑﺄن اﻹﻳﻄﺎﻟﻴني ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن اﻟﻜﻠﻮروﻛﻮﻳﻦ ﰲ ﺷﻤﺎل أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ
ً
ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ وﻟﺬﻟﻚ أﻋﻄﻮه ﻟﺤﻠﻔﺎﺋﻬﻢ وﻟﻴﺲ اﻷﺗﺎﺑﺮﻳﻦ؛ ﻷن اﻷملﺎن وﺟﺪوا أن اﻟﻜﻠﻮروﻛﻮﻳﻦ أﻗﻞ
28
ٌ
ﻣﺮﻳﺾ ﻫﻨﺪي ﻳﻜﺘﺸﻒ اﻟﻜﻴﻨني
ﱠﺧﺮوا اﻷﺗﺎﺑﺮﻳﻦ ﻟﺠﻨﻮدﻫﻢ .وﻛﺎن اﻷملﺎن ﻣﺘﻤﻴﺰﻳﻦ ﻛﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني ،ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻣﻦ دول املﺤﻮر واد َ
ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎﺧﺘﺼﺎﺻﻴني ﰲ ﻋﻠﻢ اﻷدوﻳﺔ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺸﻔﺖ اﻻﺧﺘﺒﺎرات اﻟﺪواﺋﻴﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ أن اﻟﻜﻠﻮروﻛﻮﻳﻦ دواءٌ راﺋﻊ ،أﻋﻄﻴﻨﺎ
اﻟﻜﻠﻮروﻛﻮﻳﻦ أوﻟﻮﻳﺔ ﻛﺒرية ﰲ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻨﺎ املﻌﻨﻲ ﺑﻤﻜﺎﻓﺤﺔ املﻼرﻳﺎ .وﺑﺼﻔﺘﻲ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ
ُ
اﻛﺘﺸﺎف ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻃﻠِﺐ ﻣﻨﻲ ﺣﺎﺻﻼ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻋﲆ درﺟﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮراه وأﻋﻤﻞ ﰲ ﻫﺬا اﻟﱪﻧﺎﻣﺞُ ، ً
ﺟﺪﻳﺪة ﻟﺘﺨﻠﻴﻖ اﻟﻜﻠﻮروﻛﻮﻳﻦ .وﻛﺎن ﺣﺼﻮل اﻷملﺎن ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺪواء ﰲ ﺻﻮرﺗﻪ اﻟﻨﻘﻴﺔ ﻳﻤﺜﱢﻞ
آﺧﺮ ﻟﺘﻔﻀﻴﻠﻬﻢ اﻷﺗﺎﺑﺮﻳﻦ.ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﻟﻴﻬﻢ؛ وﻫﺬا رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﺳﺒﺒًﺎ َ
رأﻳﺖ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻠﻮرات اﻟﺒﻴﻀﺎء ُ ﺑﻮﺿﻮح اﻹﺛﺎر َة اﻟﺘﻲ ﺷﻌﺮت ﺑﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ
ٍ ﻻ أزال أﺗﺬ ﱠﻛﺮ
ﻔﺼﻞ ﻣﻦ ﻣﺤﻠﻮل ﻳﻐﲇ ﰲ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻣﻬﻤﺔ .ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﻮرات ملﺮﻛﺐ وﺳﻴﻂ اﻟﺮاﺋﻌﺔ وﻫﻲ ﺗُ َ
ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺨﻠﻴﻖ اﻟﻜﻠﻮروﻛﻮﻳﻦ ،وﻗﺒﻞ ﺗﺼﻨﻴﻌﻲ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺟﺮام ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻮروﻛﻮﻳﻦ ،ﻛﻨﺖ أﻧﺎ
واﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﺗﺸﺎرﻟﺰ ﳼ ﺑﺮاﻳﺲ )ﻣﺪﻳﺮ اﻷﺑﺤﺎث اﻟﺬي أﻋﻤﻞ ﻣﻌﻪ( ﻋﲆ ﻣﺘﻦ أﺣﺪ اﻟﻘﻄﺎرات
ﻣﺘﻮﺟﱢ ﻬَ ني إﱃ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻮﻓﻠﻮ ﻟﻠﺘﺤﺪﱡث إﱃ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴني ﰲ إﺣﺪى اﻟﺠﻬﺎت اﻟﺘﺼﻨﻴﻌﻴﺔ ﺑﺸﺄن
ﺑﻜﻤﻴﺎت ﻛﺒرية ﻹﻣﺪاد اﻟﺠﻴﺶ ﺑﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻧﺎﺟﺤﺔ ﺟﺪٍّا ﻟﺪرﺟﺔ ٍ ﻛﻴﻔﻴﺔ إﻧﺘﺎج دواﺋﻨﺎ
اﺧﱰاع ﻟﻬﺎ )ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ( ،وﻗﺪ ٍ أﻧﻨﻲ واﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﻗﺪ ﺣﺼﻠﻨﺎ ﻋﲆ ﺑﺮاءات
اﺳﺘُﺨﺪِﻣَ ْﺖ ﻹﻋﺪاد أﻃﻨﺎن ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻮروﻛﻮﻳﻦ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻀﻊ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ
أوزارﻫﺎ.
املﻌﻨﻲ ﺑﻤﻜﺎﻓﺤﺔ املﻼرﻳﺎ )اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻜ ﱠﻮﻧًﺎ
ﱡ ﰲ ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻛﺎن ﻓﺮﻳﻘﻨﺎ اﻟﺒﺤﺜﻲ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ
ﻣﻦ ﺣﻮاﱄ ١٢ﺑﺎﺣﺜًﺎ ﻣﻦ ﻃﻠﺒﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮراه وﻣﻦ اﻟﺤﺎﺻﻠني ﻋﲆ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ
اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﺑﺮاﻳﺲ( ﻳﺴﺎﺑﻖ اﻟﺰﻣﻦ ﻟﺼﻨﻊ ﻛﻤﻴﺎت ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺪواء ﻷﺣﺪ املﺴﺘﺸﻔﻴﺎت اﻟﺘﻲ
وﺗﻠﻘﻴْﻨﺎ ﻣﻜﺎملﺔ ﻫﺎﺗﻔﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﺑﻌﺪ ﻇﻬريةﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺠ َﺮى ﺑﻪ اﺧﺘﺒﺎرات إﻛﻠﻴﻨﻴﻜﻴﺔ ﻋﻠﻴﻪ .ﱠ
أﺣﺪ أﻳﺎم اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻳﺨﱪوﻧﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ أﻧﻪ ﻳُﺠﺮى اﺧﺘﺒﺎر اﻟﺪواء ﻋﲆ املﺮﴇ ﺑﺬﻟﻚ املﺴﺘﺸﻔﻰ،
زﻟﺖ أﺷﻌﺮ ﺑﺎﻟﻘﺸﻌﺮﻳﺮة ﻋﻨﺪﻣﺎ أذﻛﺮ املﺨﺎﻃﺮ اﻟﺘﻲ ﺧﻀﻨﺎﻫﺎ وأن إﻣﺪاداﺗﻬﻢ ﺗﻜﺎد ﺗﻨﻔﺪ .وﻣﺎ ُ
وﻧﺤﻦ ﻧﺴﺎرع اﻟﺰﻣﻦ ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﻜﻤﻴﺎت املﻄﻠﻮﺑﺔ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻻﻧﺘﻬﺎء ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﻳﻮم
اﻹﺛﻨني.
واﺧﺘﱪت ﰲ أﺛﻨﺎء
ِ ﺻﻨﱢﻌﺖﻛﺎن اﻟﻜﻠﻮروﻛﻮﻳﻦ واﺣﺪًا ﻣﻦ آﻻف املﺮﻛﺒﺎت اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ُ
اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ وﺑﻌﺪﻫﺎ ،وﻗﺪ اﺳﺘُﺨﺪِم ﻫﻮ وﺑﻌﺾ املﺮﻛﺒﺎت اﻟﺘﺨﻠﻴﻘﻴﺔ اﻷﺧﺮى
املﻀﺎدة ﻟﻠﻤﻼرﻳﺎ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب اﻟﻜﻮرﻳﺔ وﺣﺮب ﻓﻴﺘﻨﺎم .وﺑﻌﺪ اﺳﺘﺨﺪام ﺗﻠﻚ اﻷدوﻳﺔ ﻟﺴﻨﻮات
ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ؛ إذ ﻳﺒﺪو أن ﺳﻼﻻت ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ ﻃﻔﻴﻠﻴﺎت املﻼرﻳﺎ ﻗﺪ ﻇﻬﺮت ً ﻋﺪﻳﺪة و ُِﺟﺪ أﻧﻬﺎ أﻗﻞ
29
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
َﻣﺔ ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮ ﺗﺠﺎه ﻣﺎدة ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻷدوﻳﺔ .وﻟﻜﻦ ﻧﻈ ًﺮا ﻷن ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ املﻘﺎو ِ
ِ وﻛﺎﻧﺖ
ﻆ اﻟﺪواء اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺑﻤﻜﺎﻧﺘﻪ ﰲ ﻣﻌﺮﻛﺘﻨﺎ ﺿﺪ املﻼرﻳﺎ. َ
اﻟﻜﻴﻨني؛ ﻓﻘﺪ اﺣﺘﻔ َ
وأﺧريًا ،أو ﱡد أن أﺷري إﱃ ﻣﻠﺤﻮﻇﺔ ﻃﺮﻳﻔﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﴚء ﰲ إﻃﺎر ﻣﻮﺿﻮﻋﻨﺎ ﻫﺬا؛
ً
ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻌﺎدة ﻳﻘﻮل اﻟﺒﻌﺾ إن ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﺳﻴﻄﺮت ﻋﲆ اﻟﻬﻨﺪ ﺳﻴﺎﺳﻴٍّﺎ ﻟﻔﱰة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺟﺪٍّا
ﴍاب ﻫﻮ ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﻟﺠني )ﴍاب ﻣُﺴﻜِﺮ ﻗﻮي( وﻣﺎء اﻟﺼﻮدا. ٍ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴني ﰲ ﺗﻨﺎول
وﻧﻈ ًﺮا ﻷن ﻣﺎء اﻟﺼﻮدا ﻣﺼﻨﻮ ٌع ﻣﻦ اﻟﻜﻴﻨني؛ ﻓﻘﺪ ﺟﻨﱠﺐَ ﻫﺬا اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴني وﻣَ ْﻦ واﻻﻫﻢ ﻣﻦ
اﻟﻬﻨﻮد ﴍﱠ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﺎملﻼرﻳﺎ ،ﰲ ﺣني ﻋﺎﻧَﻰ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﺮﻋﺎﻳﺎ اﻟﻬﻨﻮد — اﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا
ﻳﻔﻀﻠﻮن ﻫﺬا اﻟﴩاب اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻲ — ﻣﻦ اﻟﺤﻤﻰ واﻟﻀﻌﻒ اﻟﻌﺎم اﻟﻨﺎﺗﺠَ ْني ﻋﻦ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﱢ
ﺑﺎملﻼرﻳﺎ.
30
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ
ﻳﺎ ﻟﻪ ﻣﻦ ﺷﺨﺺ ﻧﺎدر ﻫﺬا اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﺳﺘﺨﻼص ﻗﺎﻧﻮن ﻋﺎم ﻣﻦ ﺣﺪث ﻋﺎدي ﻳﻘﻊ
ﻛﻞ ﻳﻮم ،ﻣﺜﻞ ﺳﻘﻮط ﺗﻔﺎﺣﺔ!
ُوﻟِﺪ اﻟﺴري إﺳﺤﺎق ﻧﻴﻮﺗﻦ ﰲ ووﻟﺴﺜﻮرب ﰲ ﻟﻴﻨﻜﻮﻧﺸري ﺑﺈﻧﺠﻠﱰا ﰲ ﻟﻴﻠﺔ رأس اﻟﺴﻨﺔ
ﰲ ﻋﺎم .١٦٤٢ﻣﺎت أﺑﻮه ﻗﺒﻞ أن ﻳُﻮ َﻟﺪ ،وﺗﺰوﺟﺖ أﻣﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﰲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه
وﺗﺮﻛﺘﻪ ﰲ رﻋﺎﻳﺔ ﺟﺪﺗﻪ اﻟﺘﻲ أرﺳﻠﺘﻪ إﱃ ﻣﺪرﺳﺔ ﰲ ﺟﺮاﻧﺜﺎم ،ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ ٦أﻣﻴﺎل ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻦ
ووﻟﺴﺜﻮرب .ﺗﺮﻣﱠ ﻠﺖ أﻣﻪ ﻣﺮ ًة أﺧﺮى ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن إﺳﺤﺎق ﰲ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻋﴩة وﻋﺎدت إﱃ ﺑﻴﺖ
اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﰲ ووﻟﺴﺜﻮرب .وﻷن إﺳﺤﺎق ﺑَﺪَا ﻛﺄﻧﻪ ﻃﺎﻟﺐ ﻣﺘﻮﺳﻂ املﺴﺘﻮى؛ أﻋﺎدﺗﻪ أﻣﻪ إﱃ اﻟﺒﻴﺖ
ﻹدارة املﺰرﻋﺔ ،ﻟﻜﻦ إﺳﺤﺎق ﻛﺎن ﻣﻬﺘﻤٍّ ﺎ ﺑﺎﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎت وﺑﻌﺪدٍ ﻣﻦ اﻟﻬﻮاﻳﺎت املﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ أﻛﺜﺮ
ﻣﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ املﺰرﻋﺔ .وﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﻆ ،أد َر َك ﻋﻤﻪ — اﻟﺬي ﻛﺎن ﺧﺮﻳﺞ ﻛﻠﻴﺔ ﺗﺮﻳﻨﻴﺘﻲ
ﺑﻜﺎﻣﱪﻳﺪج — ﻗﺪراﺗﻪ وﻃﻠﺐ ﻣﻦ أﻣﻪ أن ﺗﻌﻴﺪ اﺑﻨﻬﺎ إﱃ املﺪرﺳﺔ ﻹﻋﺪاده ﻣﻦ أﺟﻞ اﻻﻟﺘﺤﺎق
ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ .اﻟﺘﺤﻖ إﺳﺤﺎق ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﻛﺎﻣﱪﻳﺪج ﰲ ﻋﺎم ١٦٦١وﻫﻮ ﰲ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋﴩة ،وﰲ
أﺛﻨﺎء اﻷﻋﻮام اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،ﺑﺪأت ﺗﺒﺰغ ﻋﺒﻘﺮﻳﺘﻪ ﰲ اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎت واﻟﻌﻠﻮم .وﰲ
ُ
اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ أﺑﻮاﺑَﻬﺎ ﰲ ﺻﻴﻒ ﻋﺎم ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ،ﺑﺪأ اﻟﻄﺎﻋﻮن ﻳﻨﺘﴩ ﰲ أرﺟﺎء ﻟﻨﺪن ،وأﻏﻠﻘﺖ
١٦٦٥ﻟﻠﺤﻴﻠﻮﻟﺔ دون اﻧﺘﺸﺎر املﺮض .وﻛﺎن ﻧﻴﻮﺗﻦ ﻗﺪ ﺣﺼﻞ ﻋﲆ درﺟﺘﻪ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﰲ أواﺋﻞ
ﻫﺬا اﻟﻌﺎم؛ ﻓﻌﺎد إﱃ ﺑﻴﺘﻪ وﻗﴣ ﻋﺎﻣني ﻫﺎدﺋني ﻫﻨﺎك ﰲ اﻟﺪراﺳﺔ واﻟﺘﺄﻣﱡ ﻞ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﻮدة إﱃ
ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﺎﻣﱪﻳﺪج ﻋﻨﺪﻣﺎ أُﻋﻴﺪ ﻓﺘﺤﻬﺎ.
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
32
اﻟﺴري إﺳﺤﺎق ﻧﻴﻮﺗﻦ :ﻗﺼﺔ اﻟﺘﻔﺎﺣﺔ وﻗﺎﻧﻮن اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ
ً
ﻣﺼﺪاﻗﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن رواﻳﺔ ﻓﻮﻟﺘري ﻟﻠﻘﺼﺔ ﻫﻲ اﻷﺷﻬﺮ ،ﻓﺜﻤﺔ وﺻﻒ أﻛﺜﺮ
ﻳﺒﺪو وﻫﻮ ﻣﺎ أورده اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﺘﻴﻮﻛﲇ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﻣﺬﻛﺮات ﻋﻦ ﺣﻴﺎة اﻟﺴري إﺳﺤﺎق ﻧﻴﻮﺗﻦ«
ً
رﺟﻼ ﻋﺠﻮ ًزا ،ووﺻﻒ اﻟﺤﻮار اﻟﺬي ﺟﺮى ) .(١٧٥٢زار ﺳﺘﻴﻮﻛﲇ ﻧﻴﻮﺗﻦ ﺑﻌﺪ أن ﺻﺎر
ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ:
ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺸﺎء ،ﻛﺎن اﻟﺠﻮ داﻓﺌًﺎ ،ﻓﺘﻮﺟﻬﻨﺎ إﱃ اﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ﻛﻲ ﻧﴩب اﻟﺸﺎي ﺗﺤﺖ
ﻇﻼل ﺑﻌﺾ أﺷﺠﺎر اﻟﺘﻔﺎح ،أﻧﺎ وﻫﻮ ﻓﻘﻂ .وأﺛﻨﺎء اﻟﺤﻮار ،أﺧﱪﻧﻲ أﻧﻪ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن
ﰲ ﻧﻔﺲ املﻮﻗﻒ أﺗَﺘْﻪ ﻓﻜﺮ ُة ﻣﻔﻬﻮم اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ .وﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ ﻫﻮ ﺳﻘﻮط ﺗﻔﺎﺣﺔ،
ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻳﺠﻠﺲ ﰲ ﻣﺰاج ﺗﺄﻣﱡ ﲇ؛ ﻓﻘﺎل ﻟﻨﻔﺴﻪ :ملﺎذا ﺗﺴﻘﻂ اﻟﺘﻔﺎﺣﺔ داﺋﻤً ﺎ
ﻋﻤﻮدﻳٍّﺎ ﻋﲆ اﻷرض؟ ملﺎذا ﻻ ﺗﻨﺤﺮف ﺟﺎﻧﺒًﺎ أو ﺗﺼﻌﺪ ﻷﻋﲆ ،ﺑﻞ ﺗﺴﻘﻂ داﺋﻤً ﺎ
ﺑﺎﺗﺠﺎه ﻣﺮﻛﺰ اﻷرض؟ ﻻ ﺑﺪ إذن أن اﻷرض ﻗﺪ ﺟﺬﺑﺘﻬﺎ؛ ﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ وﺟﻮد
ﻗﻮة ﺟﺎذﺑﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ املﺴﺄﻟﺔ .وﻣﺠﻤﻮع اﻟﻘﻮة اﻟﺠﺎذﺑﺔ ﰲ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻷرض ﻳﺠﺐ
أن ﻳﻜﻮن ﺑﺎﺗﺠﺎه ﻣﺮﻛﺰ اﻷرض ،وﻟﻴﺲ ﰲ أي ﺟﺎﻧﺐ؛ ﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﺗﺴﻘﻂ اﻟﺘﻔﺎﺣﺔ
ﺑﻌﻀﺎ ،ﻳﺠﺐ أنً ﻋﻤﻮدﻳٍّﺎ ،أو ﻧﺎﺣﻴﺔ املﺮﻛﺰ .وإذا ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺷﻴﺎءُ ﻳﺠﺬب ﺑﻌﻀﻬﺎ
ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ذﻟﻚ ﻣﻊ ﺣﺠﻤﻬﺎ .ﻓﺎﻟﺘﻔﺎﺣﺔ ﺗﺠﺬب اﻷرض ،ﻛﻤﺎ ﺗﺠﺬب اﻷرض اﻟﺘﻔﺎﺣﺔ؛
33
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ،ﺗﻮﺟﺪ ﻗﻮة — ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﻤﱢ ﻴﻬﺎ ﻫﻨﺎ اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ — ﺗﻤﺘﺪ ﻋﱪ أرﺟﺎء
اﻟﻜﻮن.
وﻫﻜﺬا ﺑﺪأ ﺑﺎﻟﺘﺪرﻳﺞ ﰲ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺧﺎﺻﻴﺔ اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ ﻫﺬه ﻋﲆ ﺣﺮﻛﺔ اﻷرض
واﻷﺟﺴﺎم اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ ﻟﺘﻘﺪﻳﺮ املﺴﺎﻓﺎت ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ وأﺣﺠﺎﻣﻬﺎ ودوراﻧﻬﺎ املﻨﺘﻈﻢ،
وﻹﺛﺒﺎت أن ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺎﺻﻴﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻟﺘﺪرﻳﺠﻴﺔ املﺆﺛﺮة ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ
ﺗﻔﴪان ﺑﻮﺿﻮح ﻣﺴﺎراﺗﻬﺎ اﻟﺪاﺋﺮﻳﺔ ،وﺳﺒﺐ ﻋﺪم ﺳﻘﻮط ﺑﻌﺾ ﺑﺎدئ اﻷﻣﺮ ﱢ
ﻒ ﻟﻪ اﻟﻜﻮاﻛﺐ ﻋﲆ ﺑﻌﻀﻬﺎ أو ﺳﻘﻮﻃﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﰲ ﻣﺮﻛﺰ واﺣﺪ؛ وﻫﻜﺬا ﱠ
ﺗﻜﺸ َ
اﻟﻜﻮن ﺗﺪرﻳﺠﻴٍّﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﴩارة اﻷوﱃ ﻟﺘﻠﻚ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت
املﺪﻫﺸﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺑﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻠﺴﻔﺘﻪ ،وذﻟﻚ ﻋﲆ أﺳﺎس ﺛﺎﺑﺖ وﺳﻂ دﻫﺸﺔ أوروﺑﺎ
ﻛﻠﻬﺎ.
34
اﻟﺴري إﺳﺤﺎق ﻧﻴﻮﺗﻦ :ﻗﺼﺔ اﻟﺘﻔﺎﺣﺔ وﻗﺎﻧﻮن اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ
ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ،ﻓﺈن اﻟﻘﻤﺮ ﺳﻴﻜﻮن ﻣﺜﻞ ﺻﺨﺮة أُﻟﻘﻴﺖ أﻓﻘﻴٍّﺎ ،وﺗﺴﻘﻂ داﺋﻤً ﺎ ﺑﺎﺗﺠﺎه
اﻷرض ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ ﺗﺼﻞ أﺑﺪًا إﱃ اﻷرض؛ ﻷن ﺣﺮﻛﺘﻬﺎ اﻟﴪﻳﻌﺔ ﺗﺤﻤﻠﻬﺎ ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ
َ
ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻷﻓﻖ .ﻳﺎ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻓﻜﺮة ﺑﺴﻴﻄﺔ! ﻟﻜﻦ ملﺎذا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﺪى ﺟﺎﻟﻴﻠﻴﻮ ،اﻟﺬي ﺣ ﱠﻞ
ﺑﴪﻋﺔ ﻛﺎﻓﻴ ٍﺔ
ٍ اﻟﻘﺬاﺋﻒ ،اﻟﺨﻴﺎل اﻟﻜﺎﰲ ﻟﺘﺨﻤني أن اﻟﻘﻤﺮ ﻣﺎ ﻫﻮ إﻻ ﻗﺬﻳﻔﺔ ﺗﺘﺤﺮك
ﻟﻠﻤﺮور ﻓﻴﻤﺎ وراء اﻷرض؟ وملﺎذا ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أﺣﺪ — ﺣﺘﻰ ﻫﺎﻳﺠﻨﺰ ،اﻟﺬي وﺿﻊ
ﻗﻮاﻧني اﻟﺤﺮﻛﺔ وﻗﻮة اﻟﻄﺮد املﺮﻛﺰي — أن ﻳﻜﺘﺸﻒ ﻫﺬا اﻟﴪ؟ رﺑﻤﺎ أﻫﻢ ﻣﺎ
ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺠﺬب ،وﻟﻜﻨﻪ ﴍع َ ﻳﻤﻴﱢﺰ ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ ﻧﻴﻮﺗﻦ ﻫﻮ ﺣﻘﻴﻘﺔ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺨﻤﱢ ﻦ ﻓﻘﻂ
أﻳﻀﺎ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر ﰲ ﻣﻬﻤﺔ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻗﺎﻧﻮن اﻟﻘﻮة اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻨﻪ أن ﻳُﺒﻘﻲ اﻟﻘﻤﺮ ﰲ ً
ﻣﺪاره.
أﻳﻀﺎ ﻣﺼﺪاﻗﻴﺔ ﻗﺼﺔ اﻟﺘﻔﺎﺣﺔ .أورد ﺑﺮوﺳﱰﺛﻤﺔ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﻟﻠﺴري دﻳﻔﻴﺪ ﺑﺮوﺳﱰ ﺗﺪﻋﻢ ً
ﻫﺬه املﻘﻮﻟﺔ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﺬي أ ﱠﻟﻔﻪ ﻋﻦ اﻟﺴرية اﻟﺬاﺗﻴﺔ ﻟﻨﻴﻮﺗﻦ ﺑﻌﻨﻮان »ﻣﺬﻛﺮات ﺣﻮل ﺣﻴﺎة
ُ
»رأﻳﺖ اﻟﺸﺠﺮة )ﻳﻘﺼﺪ ﺷﺠﺮة اﻟﺴري إﺳﺤﺎق ﻧﻴﻮﺗﻦ وﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻪ واﻛﺘﺸﺎﻓﺎﺗﻪ« ،وﻳﻘﻮل ﻓﻴﻬﺎ:
ُ
وأﺣﴬت ﺟﺰءًا ﻣﻦ أﺣﺪ ﺟﺬورﻫﺎ .ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺸﺠﺮة اﻟﺘﻔﺎح اﻟﺘﻲ ﺷﺎﻫﺪﻫﺎ ﻧﻴﻮﺗﻦ( ﻋﺎم ١٨١٤
ﻆ ﻋﲆ ﺧﺸﺒﻬﺎ اﻟﺴﻴﺪ ﺗريﻧﻮر ﻣﻦ َ
وﺣﺎﻓ َ ﱢ
ﻣﺘﻌﻔﻨﺔ ﺟﺪٍّا ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻬﻢ اﻗﺘﻠﻌﻮﻫﺎ ﻋﺎم ،١٨٢٠
ﺳﺘﻮك روﺗﺸﻔﻮرد«.
ﻫﻜﺬا ،ﻟﻌﺒﺖ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ دو ًرا ﰲ ﻧﺸﺄة ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻏﺮﺳﺖ ﺑﺬرﺗﻪ اﻷوﱃ ﰲ
ﻋﻘﻞ ﺷﺎب ﻋﻤﺮه ٢٣ﻋﺎﻣً ﺎ ،أﺻﺒﺢ واﺣﺪًا ﻣﻦ أﺷﻬﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻋﺮﻓﻬﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ.
35
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ
أﺛﺒﺖ ﻓﻮﻟﻄﺎ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﺧﺘﻼف اﻟﺠﻬﺪ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ﺑني املﻌﺎدن ﻏري املﺘﻤﺎﺛﻠﺔ
ﺑﺎﺧﱰاع أول ﺑﻄﺎرﻳﺔ ﻳﻤﻜﻦ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻫﻲ اﻟﺘﻲ وﺻﻔﻬﺎ ﰲ ﺧﻄﺎب أرﺳﻠﻪ إﱃ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ
املﻠﻜﻴﺔ ﰲ ﻟﻨﺪن ﰲ ﻋﺎم .١٨٠٠اﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖ ﰲ ﺑﻄﺎرﻳﺔ ﻓﻮﻟﻄﺎ »ﺧﻼﻳﺎ« ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻣﻌﺪﻧني
ﺑﺄﻗﺮاص ﻣﻦ اﻟﻮرق املﻘﻮﱠى ﻣُﺒ َﻠﻠﺔ ﺑﺎملﺎء
ٍ ﻣﺨﺘﻠﻔني ،ﻣﺜﻞ اﻟﻔﻀﺔ واﻟﺰﻧﻚ ،ﻳﺘﻢ اﻟﻔﺼﻞ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ
ِﻌﺖ ﺑﻄﺎرﻳﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺻﻨ ْ املﺎﻟﺢ وﻣﺘﺼﻠﺔ ﻋﲆ اﻟﺘﻮاﱄ .وﻣﻦ ﻣﺰﻳﺞ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻼﻳﺎ )اﻟﺠﻠﻔﺎﻧﻴﺔ( ُ
ﻗﻮﺗﻬﺎ )ﻓﻮﻟﻄﻴﺘﻬﺎ( ﻋﲆ ﻋﺪد ﺗﻠﻚ اﻟﺨﻼﻳﺎ.
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺒﻄﺎرﻳﺎت املﻨﺘَﺠﺔ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﻫﻲ أو َل ﻣﺼﺪر ﻟﺘﻮﻟﻴﺪ ﺗﻴﺎر ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ﻓﻌﱠ ﺎل
ﻳﻤﻜﻦ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻪ .ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ ﻓﻘﻂ املﻮ ﱢﻟﺪات اﻟﻜﻬﺮوﺳﺘﺎﺗﻴﻜﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ً
ﺗﻔﺮﻳﻐﺎ ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻴٍّﺎ ﺑﻔﻮﻟﻄﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﻮﻓري ﺗﻴﺎر ﻣﺴﺘﻤﺮ .وﺣﺘﻰ ﺗﻨﺘﺞ
اﻟﻄﺮﻳﻖ أﻣﺎم اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻛﻬﺮوﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ َ ﰲ ﺷﻜﻠﻬﺎ اﻟﺒﺪاﺋﻲ اﻷوﱠﱄ ،ﻣﻬﺪت ﺑﻄﺎرﻳﺔ ﻓﻮﻟﻄﺎ
ﻣﻬﻤﺔ ﻣﺜﻞ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺴري ﻫﻤﻔﺮي دﻳﻔﻲ ﻟﻌﻨﴫَي اﻟﺼﻮدﻳﻮم واﻟﺒﻮﺗﺎﺳﻴﻮم.
38
اﻟﺒﻄﺎرﻳﺔ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ واﻟﻜﻬﺮوﻣﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻴﺔ …
) (2اﻟﻜﻬﺮوﻣﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻴﺔ
39
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻗِ ﺒَﻞ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻲ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﺟﻮزﻳﻒ ﻫﻨﺮي ﰲ ﻋﺎم .١٨٣١وﻗﺪ أﺛ ﱠ َﺮ املﻐﻨﺎﻃﻴﺲ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻲ
ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻛﺒري ﻣﻦ ﺧﻼل اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻌﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﱰاوح ﻣﻦ ﺟﺮس اﻟﺒﺎب
واﻟﺘﻠﻐﺮاف إﱃ املﺤﺮﻛﺎت اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ.
40
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس
ﺷﻜﻞ :1-6إدوارد ﺟﻴﻨﺮ ﻳﺮى ﻧﺪﺑﺎت ﺑﺴﺒﺐ ﺟُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ ﻋﲆ ﻳﺪ ﺳﻴﺪة ﺗﻌﻤﻞ ﰲ ﻣﺠﺎل ﺣﻠﺐ
اﻷﻟﺒﺎن.
ﻻﺣﻘﺎ ﺑﻌﺪ أن ﺻﺎر ﻃﺒﻴﺒًﺎ ﻋﺪم ﺟﺪوى ﻣﺤﺎ َو َﻟﺔ ﻋﻼج ﻣﺮضاملﻘﻮﻟﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ أد َر َك ً
اﻟﺠُ ﺪَري .ﺑﺤﺚ ﺟﻴﻨﺮ اﻷﻣﺮ ووﺟﺪ أن اﻟﺴﻴﺪات اﻟﻼﺗﻲ ﻳﻌﻤﻠﻦ ﰲ ﺣﻠﺐ اﻷﻟﺒﺎن
ُﺼﺒﻦ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﺑﻤﺮض اﻟﺠُ ﺪَري ،ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﺎﻋِ ﺪن ﰲ ﺗﻤﺮﻳﺾ املﺼﺎﺑني ﻻﻳ َ
ُ
ﺑﺎملﺮض .وواﺗﺘﻪ ﻓﻜﺮة ﺗﻄﻌﻴﻢ املﺮﴇ ﺑﻤﺎدة ﻣﺴﺘﺨﻠﺼﺔ ﻣﻦ ﺑﺜﻮر ﺟُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ
ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻴﻬﻢ ﻣﻦ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﻤﺮض اﻟﺠُ ﺪَري اﻷﻛﺜﺮ ﺧﻄﻮر ًة .وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه ﴎﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ً
ﻣﻨﺎﻋﺔ ﺿﺪ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ؛ ﻓﻔﻜﺮة أن اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﻤﺮض ﺟُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ ﺗﻌﻄﻲ
ﺑﺎﻟﺠُ ﺪَري واﺗﺘﻪ دون ﺑﺬل ﺟﻬﺪ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻪ .وﻟﻜﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻨﺎﻟﻚ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻟﺪﻳﻪ
اﻹدراك اﻟﺴﻠﻴﻢ اﻟﺬي ﻣ ﱠﻜﻨَﻪ ﻣﻦ إدراك ﻗﻴﻤﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﻜﺮة واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﻬﺎ.
ُوﻟِﺪ إدوارد ﺟﻴﻨﺮ ﰲ ﺑريﻛﲇ ،ﺟﻠﻮﺳﱰﺷري ﰲ ﻋﺎم ،١٧٤٩وﻛﺎن اﺑﻨًﺎ ﻟﻜﺎﻫﻦ إﻧﺠﻠﻴﺰي
ﻣﺎت ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﺟﻴﻨﺮ ﰲ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه .ﺗﺮﺑﱠﻰ ﺑﻤﺴﺎﻋﺪة أخ أﻛﱪ ﻟﻪ ،ﱠ
وﺗﻠﻘﻰ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ
املﺒﻜﺮ ﰲ املﺪارس املﺤﻠﻴﺔ ﺣﻴﺚ أﻇﻬﺮ اﻫﺘﻤﺎﻣً ﺎ ﻛﺒريًا ﺑﺎﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،وﺑﺪأ دراﺳﺘﻪ ﻟﻠﻄﺐ
ﻋﲆ ﻳﺪ داﻧﻴﺎل ﻟﻮدﻟﻮ ،وﻫﻮ ﺟ ﱠﺮاح ﻣﻦ ﺳﺎدﺑريي ،ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺑﺮﻳﺴﺘﻮل .وﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ،
أﻟﻬﻤﺘﻪ ﺳﻴﺪة ﺗﻌﻤﻞ ﰲ ﺣﻠﺐ اﻷﻟﺒﺎن ﺑﻔﻜﺮة وﺟﻮد ﻋﻼﻗﺔ ﺑني ﺟُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ واﻟﺠُ ﺪَري.
42
اﻟﺘﻄﻌﻴﻢ :إدوارد ﺟﻴﻨﺮ وﺣﺎﻟِﺒﺔ اﻟﻠﺒﻦ وﻣﺮض اﻟﺠُ ﺪَري
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﻠﻎ اﻟﺤﺎدﻳﺔ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،اﻧﺘﻘﻞ إﱃ ﻟﻨﺪن ﻟﻴﺘﺘﻠﻤﺬ ﻋﲆ ﻳﺪ ﻃﺒﻴﺐ ﺷﻬري
ﻳُﺪﻋﻰ ﺟﻮن ﻫﺎﻧﱰ .ﻋﺎش ﰲ ﻣﻨﺰل ﻫﺎﻧﱰ ملﺪة ﻋﺎﻣني ،واﺳﺘﻌﺎن ﺑﻪ اﻟﺴري ﺟﻮزﻳﻒ ﺑﺎﻧﻜﺲ
ﰲ ﺗﺠﻬﻴﺰ وﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﻌﻴﻨﺎت اﻟﺤﻴﻮاﻧﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﺑﺎﻧﻜﺲ ﻗﺪ ﺟﻤﻌﻬﺎ ﰲ رﺣﻠﺔ ﻛﺎﺑﺘﻦ ﻛﻮك
ﺿﺖ ﻋﻠﻴﻪ وﻇﻴﻔﺔ اﺧﺘﺼﺎﴆ ﺗﺎرﻳﺦ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﰲ رﺣﻠﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ اﻷوﱃ ﰲ ﻋﺎم .١٧٧١وﻋُ ِﺮ ْ
وﻻﺣﻘﺎ ﰲ ﺗﺸﻴﻠﺘﻨﻢ .ﻛﺎن ﻣﻬﺘﻤٍّ ﺎ ً ﻛﻮك اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ رﻓﺾ ﻟﻴﺘﺎﺑﻊ ﻣﻤﺎرﺳﺘﻪ ﻟﻠﻄﺐ ﰲ ﺑريﻛﲇ
ﺑﻌﻠﻢ اﻟﻄﻴﻮر واﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ واملﻮﺳﻴﻘﻰ وﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﺸﻌﺮ ،وﻟﻜﻦ ﺑﺤﻠﻮل ﻋﺎم ١٧٩٢ﻗ ﱠﺮ َر أن
ﻳﻘﴫ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺼﻔﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﻄﺐ ،و ُﻣﻨِﺢ درﺟﺔ املﺎﺟﺴﺘري ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺳﺎﻧﺖ
آﻧﺪروز.
ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ،ﻻ ﺑﺪ أن ﻓﻜﺮة اﻟﺘﻄﻌﻴﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ اﺧﺘﻤﺮت ﰲ ذﻫﻨﻪ؛ ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﰲ
ﻟﻨﺪن ذﻛﺮ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني ﺟُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ واﻟﺠُ ﺪَري ﻟﻬﺎﻧﱰ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳُﺒْ ِﺪ اﻫﺘﻤﺎﻣً ﺎ ﻛﺒريًا ﺑﻬﺎ.
وﰲ ﻋﺎم ،١٧٧٥ﺑﺪأ ﺟﻴﻨﺮ دراﺳﺔ اﻋﺘﻘﺎد أﻫﻞ اﻟﺮﻳﻒ ﰲ ﺟﻠﻮﺳﱰﺷري ﻋﻦ ﺟُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ،
وﺑﺤﻠﻮل ﻋﺎم ١٧٨٠ﻛﺎن ﻗﺪ اﻛﺘﺸﻒ وﺟﻮد ﻧﻮﻋني ﻣﺨﺘﻠﻔني ﻣﻦ ﺟُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ ،وﻧﻮﻋً ﺎ
أﻳﻀﺎ أن اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻔﻌﱠ ﺎل ﻣﻦ ﺟُ ﺪَري واﺣﺪًا ﻓﻘﻂ ﻣﻦ اﻟﺠُ ﺪَري ﺗﺘﻮاﻓﺮ اﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﻣﻨﻪ .واﻛﺘﺸﻒ ً
ُﻨﻘﻞ إﱃ املﺮﻳﺾ ﰲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻘﺮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻘﻲ ﻣﻦ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﺠُ ﺪَري إﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳ َ
اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﺎملﺮض.
وﻧﻈ ًﺮا ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﺪﻳﻪ ﺣﺎﻻت إﺻﺎﺑﺔ ﻋﺪﻳﺪة ﺑﺠُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺘﻪ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ
ﻓﺮﺳ َﻢ ﻳ َﺪ ﺳﻴﺪة ﺗﻌﻤﻞ ﰲ ﺣﻠﺐ اﻷﻟﺒﺎن ﻋﲆ ﻳﺪﻫﺎ ﺑﺜﻮر ﻟﺪﻳﻪ ﻓﺮﺻﺔ ﻛﺒرية ﻻﺧﺘﺒﺎر ﻧﻈﺮﻳﺎﺗﻪَ .
)أو ﺣﻮﻳﺼﻼت أو ﻧﺪوب( ﺑﺴﺒﺐ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﺠُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ ،وأﺧﺬﻫﺎ إﱃ ﻟﻨﺪن ﻟﻌﺮﺿﻬﺎ ﻋﲆ
اﻷﻃﺒﺎء ﻫﻨﺎك ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻔﻬﻤﻮا املﻐﺰى ﻣﻦ أﻓﻜﺎره .ﻟﻜﻦ ﰲ ﻣﺎﻳﻮ ،١٧٩٦ﺣﻘﻦ ﺻﺒﻴٍّﺎ
ﻋﻤﺮه ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﻋﻮام ﻳُﺪﻋَ ﻰ ﺟﻴﻤﺰ ﻓﻴﺒﺲ ﺑﻤﺎدة ﻣﺴﺘﺨﻠﺼﺔ ﻣﻦ ﺑﺜﻮر ﺟُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ ﻣﻦ ﻳﺪ
ﺳﻴﺪة ﺗﻌﻤﻞ ﰲ ﺣﻠﺐ اﻟﻠﺒﻦ .وﰲ ﺷﻬﺮ ﻳﻮﻟﻴﻮ اﻟﺘﺎﱄ ،ﺗﻢ ﺣﻘﻦ اﻟﺼﺒﻲ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﻤﺎدة ﺧﺎﺻﺔ
ُﺼ ِﺐ اﻟﺼﺒﻲ ﺑﺎﻟﺠُ ﺪَري. ﺑﺎﻟﺠُ ﺪَري ،وﻛﻤﺎ ﱠ
ﺗﻮﻗ َﻊ ﺟﻴﻨﺮ :ﻟﻢ ﻳ َ
إن املﺮء ﻟﻴﺘﺴﺎءل ﻣﺘﻌﺠﺒًﺎ ﻛﻴﻒ أﻗﻨﻊ ﺟﻴﻨﺮ اﻟﺼﺒﻲ وواﻟ َﺪﻳْﻪ ﺑﺨﻮض ﺗﻠﻚ املﺨﺎﻃﺮة؟! ﱠ
ﻃﺮح ﺗﻔﺴريٌ ﻣﻤﻜﻦ ﻟﺬﻟﻚ رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﺮض اﻟﺠُ ﺪَري ﻣﺘﻔﺸﻴًﺎ ﰲ املﻨﻄﻘﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﱰةُ .
ﰲ ﻣﻘﺎل ﻋﻦ املﻨﺎﻋﺔ ﰲ ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ »إﻧﺴﻴﻜﻠﻮﺑﻴﺪﻳﺎ ﺑﺮﻳﺘﺎﻧﻴﻜﺎ« )ﻃﺒﻌﺔ ،١٩٦٢ﻣﺠﻠﺪ ،١٢
ﺻﻔﺤﺔ ،(١١٦ﻧﺼﻪ ﻛﺎﻟﺘﺎﱄ» :ﻗﺒﻞ اﻛﺘﺸﺎف ﻟﻘﺎح اﻟﺠُ ﺪَري ﰲ ﻋﺎم ،١٧٩٦ﻛﺎن اﻟﻨﺎس
ﺆﺧﺬ ﻣﻦ اﻟﻄﻔﺢ ﻳﺨﻀﻌﻮن ﻟﻠﺘﻄﻌﻴﻢ ﺿﺪ ﻣﺮض اﻟﺠُ ﺪَري ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺣﻘﻨﻬﻢ ﺑﻤﺎدة ﺗُ َ
ﻷﺷﺨﺎص ﻣﺼﺎﺑني ﺑﺎملﺮض .وﻛﺎن ﺑﻌﺾ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺨﻀﻌﻮن ﻟﻬﺬا ٍ اﻟﺠﻠﺪي
43
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻟﺘﻄﻌﻴﻢ ﻳُﺼﺎﺑﻮن ﺑﺎملﺮض ،وﻟﻜﻦ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻠﺨﻮف اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﻬﺬا املﺮض ﻛﺎن
ﻳﻔﻀﻠﻮن اﻻﺣﺘﻤﺎ َل اﻷﻗﻞ ﻟﻠﻤﻮت ﻣﻦ ﺟﺮاء اﻟﺘﻄﻌﻴﻢ ﻋﻦ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﺸﻜﻞ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﱢ
ً
اﺣﺘﻤﺎﻻ«. اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ املﻤﻴﺖ اﻷﻛﺜﺮ
ﺗﻮﺻ َﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﻣﻊ ﻓﻴﺒﺲ ﻣﺸﺠﱢ ً
ﻌﺔ ﺟﺪٍّا ﻟﺠﻴﻨﺮ ،ﻟﻜﻨﻪ اﻧﺘﻈﺮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﱠ
إﱃ ﺣني إﺟﺮاء ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻗﺒﻞ اﻹﻋﻼن ﻋﻦ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ .وﺗﻢ ﻫﺬا ﺑﻌﺪ ﻋﺎﻣني ﻷن ﻣﺮض
ﺟُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ اﺧﺘﻔﻰ ﺑﺼﻔﺔ ﻣﺆﻗﺘﺔ ﰲ ﺟﻠﻮﺳﱰﺷري.
ﺑﻌﺪ ﻧﺠﺎح اﻟﺘﻄﻌﻴﻢ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺑﻤﺮض ﺟُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ وﻣﺎ ﺗﺒﻌﻪ ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻹﺻﺎﺑﺔ
ﺑﻤﺮض اﻟﺠُ ﺪَري ،أﻋَ ﱠﺪ ﺟﻴﻨﺮ ﻧﴩ ًة ﻟﻺﻋﻼن ﻋﻦ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻗ ﱠﺮ َر اﻟﺬﻫﺎب إﱃ ﻟﻨﺪن ً
أوﻻ
ﺷﺨﺼﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺨﻀﻊ ً ﺛﻢ ﺗﻜﺮار اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻫﻨﺎك ،ﻟﻜﻦ ﰲ ﻟﻨﺪن وملﺪة ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻬﺮ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ
ﻟﻠﺘﺠﺮﺑﺔ .وﻟﻜﻨﻪ ﻣﺎ إن ﻋﺎد إﱃ ﻣﻮﻃﻨﻪ ،ﺣﺘﻰ أﺟﺮى ﻫﻨﺮي ﻛﻼﻳﻦ — وﻫﻮ أﺣﺪ اﻷﻃﺒﺎء
اﻟﺒﺎرزﻳﻦ ﰲ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﺳﺎﻧﺖ آﻧﺪروز ﰲ ﻟﻨﺪن — ﻋﺪة ﺗﺠﺎرب ﺗﻄﻌﻴﻢ ﻧﺎﺟﺤﺔ ،وأﺧﱪ
ﻟﻘﺎح ﻣﻦ ﺟُ ﺪَري
املﺠﺘﻤﻊ اﻟﻄﺒﻲ ﻫﻨﺎك ﺑﻤﺪى ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ اﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﻣﺮض اﻟﺠُ ﺪَري ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ٍ
اﻟﺒﻘﺮ.
ﺗﺄﺧ َﺮ اﻟﻘﺒﻮل اﻟﻌﺎم ﻟﻨﺠﺎح إﺟﺮاء اﻟﺘﻄﻌﻴﻢ اﻟﺨﺎص ﺑﺠﻴﻨﺮ؛ وذﻟﻚ ﻧﻈ ًﺮا ﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﱠ
ض ﻟﻪ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺟ ﱠﺮاح ﺑﺎرز ﻳُﺪﻋَ ﻰ ﺟﻴﻪ أوﻻ :اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺸﺪﻳﺪ اﻟﺬي ﺗﻌ ﱠﺮ َ
ﻟﺘﺤ ﱢﺪﻳ َْني ﻣﺨﺘﻠﻔني؛ ً
إﻧﺠﻴﻨﻬﺎوس ،واﻧﺤﻴﺎز اﻟﺒﻌﺾ ﺿﺪه ﻟﻔﱰة ﻣﻦ اﻟﻮﻗﺖ .ﺛﺎﻧﻴًﺎ :ﺳﻌﻰ ﻃﺒﻴﺐ ﻣﺘﻬﻮر ﻳُﺪﻋَ ﻰ
ٍ
ﻣﻌﺮﻓﺔ أو ﺧﱪة ﺟﻮرج ﺑريﺳﻮن إﱃ أن ﻳﻨﺴﺐ اﻟﻔﻀﻞ إﱃ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﻠﻘﺎح دون
ﻛﺎﻓﻴﺔ ،وﻗ ﱠﺪ َم ﻣﺎدة ﺗﻄﻌﻴﻢ ﻣﻠﻮﱠﺛﺔ ﺗﺴﺒﱠﺒ َْﺖ ﰲ ﻇﻬﻮر ﺣﺎﻻت ﻃﻔﺢ ﺟﻠﺪي ﻋﺪﻳﺪة ﺗُﺸ ِﺒﻪ ﺗﻠﻚ
اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﺮض اﻟﺠُ ﺪَري .أﺛﺒﺖ ﺟﻴﻨﺮ أن ﻟﻘﺎح ﺑريﺳﻮن ﻛﺎن ﻣﻠ ﱠﻮﺛًﺎ ،واﻧﺘﴩت أﺧﺒﺎر ﻧﺠﺎح
ﻣﺎدة ﻟﻘﺎح ﺟُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ اﻟﻨﻘﻴﺔ ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎﻟﻢ.
اﻧﻬﺎل اﻟﺘﻜﺮﻳﻢ ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻋﲆ ﺟﻴﻨﺮ ،وذﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻀﺢ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ:
ﺗﺄﺳﻴﺲ ﺟﻤﻌﻴﺔ ﺟﻴﻨﺮ املﻠﻜﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم ١٨٠٣ﻟﻠﻨﴩ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﻠﻘﺎح ﺟﻴﻨﺮ ﰲ ﻟﻨﺪن ،وﺣﺼﻮل
ﺟﻴﻨﺮ ﻋﲆ درﺟﺔ املﺎﺟﺴﺘري اﻟﻔﺨﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ أﻛﺴﻔﻮرد ﻋﺎم ،١٨١٣واﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺎﻟﺬﻛﺮى
ﺟﺮﻳﺖ ﻋﲆ اﻟﺼﺒﻲ ﺟﻴﻤﺰ ﻓﻴﺒﺲ( ﻟﻌﺪة ﺳﻨﻮات اﻟﺴﻨﻮﻳﺔ ﻷول ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﻄﻌﻴﻢ ﻧﺎﺟﺤﺔ )اﻟﺘﻲ أ ُ ِ
ﻛﻌﻴﺪ ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ ،وﺣﺼﻮل ﺟﻴﻨﺮ ﻋﲆ ﻣﻨﺤﺔ ﻣﻦ وزﻳﺮ اﻟﺨﺰاﻧﺔ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﻗﺪرﻫﺎ ٢٠أﻟﻒ
ﺗﻤﺜﺎل ﻟﺠﻴﻨﺮ ﰲ ﺟﻠﻮﺳﱰﺷري وﻟﻨﺪن .ﻛﻤﺎ ٍ ﺟﻨﻴﻪ ،وﻣَ ﻨْﺢ اﻟﻬﻨﺪ ﻣﺒﻠﻎ ٧٣٨٣ﺟﻨﻴﻬً ﺎ ﻟﻪ ،وﻋﻤﻞ
ﻗﻴﻞ إن ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﻗﺪ أﻣﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺑﺈﻃﻼق ﴎاح أﺳريﻳﻦ إﻧﺠﻠﻴﺰﻳني ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﻴﻞ ﻟﻪ إن ﺟﻴﻨﺮ
ﻂ ﻣﻦ أﺟﻞ إﻃﻼق ﴎاﺣﻬﻤﺎ ،وﻗﺎل» :إﻧﻨﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﺮﻓﺾ أيﱠ ﻃﻠﺐ ﻟﻬﺬا اﻟﺮﺟﻞ«. ﺗﻮﺳ َ
ﱠ
44
اﻟﺘﻄﻌﻴﻢ :إدوارد ﺟﻴﻨﺮ وﺣﺎﻟِﺒﺔ اﻟﻠﺒﻦ وﻣﺮض اﻟﺠُ ﺪَري
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺨﺪم ﺟﻴﻨﺮ ﻛﻠﻤﺔ »ﺗﻄﻌﻴﻢ« vaccinationوﻟﻜﻦ »اﻟﺤﻘﻦ ﺑﺎملﺎدة املﺴﺘﺨﻠﺼﺔ ﻣﻦ
ﺑﺜﻮر ﺟُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ« .variolae vaccinaeوملﺪة ﻗﺮن ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،ﻛﺎن اﻟﺘﻄﻌﻴﻢ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام
ﻟﻘﺎح ﺟﻴﻨﺮ املﺴﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺑﺜﻮر ﺟُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ اﻹﺟﺮاءَ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻠﺘﺤﺼني ﺿﺪ أي ﻣﺮض.
ﰲ ﻋﺎم ،١٨٨٠ﻃ ﱠﻮ َر ﻟﻮي ﺑﺎﺳﺘري ﺗﻄﻌﻴﻤً ﺎ ﻟﻠﺪواﺟﻦ ﺿﺪ ﺷﻜﻞ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل ﻣﺮض
اﻟﻜﻮﻟريا ،اﻟﺬي ﻛﺎن وﺑﺎءً دﻣﱠ َﺮ ٪١٠ﻣﻦ اﻟﺪواﺟﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ .ﻓﻘﺪ ﻋﺰل ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ
ﺣﺼﻨَﻬﺎُﻮﻫﻦ ﻣﻨﻬﺎ وﺗﻄﻌﻴﻢ دواﺟﻦ املﺰرﻋﺔ ﺑﻪ ،ﱠ ﻣﻦ ﻫﺬا املﺮض ،وﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ زرع ﺷﻜﻞ ﻣ ﱠ
ﺿﺪ اﻟﻬﺠﻤﺎت اﻟﴩﺳﺔ ﻟﻠﻤﺮض .وﻛﺎن ﻫﺬا ﻣُﺸﺎ ِﺑﻬً ﺎ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻔﻜﺮة ،ﻟﺘﻄﻌﻴﻢ ﺟﻴﻨﺮ
ُﻮﻫﻦ ﻓﻴﻪ ﻓريوس اﻟﺠُ ﺪَري ﰲ اﻟﺒﻘﺮة ﻗﺒﻞ ﻧﻘﻠﻪ إﱃ املﺴﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺟُ ﺪَري اﻟﺒﻘﺮ؛ اﻟﺬي ﻳ ﱠ
اﻟﺴﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﰲ ﺣﻠﺐ اﻟﻠﺒﻦ ﰲ ﺷﻜﻞ ﺟُ ﺪَري ﺑﻘﺮ.
ﺗﺤ ﱠﻮ َل ﺑﺎﺳﺘري ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ إﱃ ﻣﺮض اﻟﺠَ ﻤْ ﺮة اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ،وﻫﻮ ﻣﺮض ﻳﺼﻴﺐ املﺎﺷﻴﺔ
واﻷﻏﻨﺎم ،وﰲ ﻋﺎم ١٨٨١ﻋﺰل ﺑﺎﺳﺘري اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ اﻟﻌﺼﻮﻳﺔ .وزرع ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ ﰲ درﺟﺔ
ﺣﺮارة أﻋﲆ ﻣﻦ درﺟﺔ ﺣﺮارة ﺟﺴﻢ اﻟﺤﻴﻮان ﻹﻧﺘﺎج ﻣﺎدة ﺗﻄﻌﻴﻢ ﺗُﺤﺪِث ﻫﺠﻤﺔ ﻣﺘﻮﺳﻄﺔ
ﻣﻨﺎﻋﺔ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ﺿﺪ ً ﻜﺴﺐ ﻫﺬا اﻟﺤﻴﻮان ﻣﻦ ﻣﺮض اﻟﺠَ ﻤْ َﺮة اﻟﺨﺒﻴﺜﺔ ﰲ اﻟﺤﻴﻮان وﺗُ ِ
أﻳﺔ ﻫﺠﻤﺔ ﻋﻨﻴﻔﺔ ﻣﻦ املﺮض .واﻗﱰح ﺑﺎﺳﺘري إﻃﻼق ﻛﻠﻤﺔ vaccinationﻋﲆ اﻹﺟﺮاء اﻟﻌﺎم
ﻟﻠﺘﻄﻌﻴﻢ اﻟﻮﻗﺎﺋﻲ )واملﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ variolae vaccinaeاﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﺟﻴﻨﺮ( ﺗﻘﺪﻳ ًﺮا
ﻣﻨﻪ »ﻟﻠﺠﻬﻮد واﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﺠﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪﱠﻣَ ﻬﺎ ﺟﻴﻨﺮ اﻟﺬي ﻳُﻌَ ﱡﺪ أﺣ َﺪ أﻋﻈﻢ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ«.
ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺄرﺑﻌﺔ أﻋﻮام ،ﻃ ﱠﻮ َر ﺑﺎﺳﺘري ﻟﻘﺎﺣً ﺎ ﻟﻠﻤﺮض اﻟﺬي ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ داء اﻟﻜ َﻠﺐ ﰲ
اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت و)أﺣﻴﺎﻧًﺎ( ُرﻫﺎبَ املﺎء ﰲ اﻟﺒﴩ .وﻧﻈ ًﺮا ﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﺳﺘري اﻟﺮاﺋﺪ اﻟﺬي اﻋﺘﻤﺪ ﻋﲆ
اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻲ اﻟﺬي ﻗﺎم ﺑﻪ ﺟﻴﻨﺮ؛ أﺻﺒﺢ اﻟﺘﻄﻌﻴﻢ ﻋﻠﻤً ﺎ ﻣﻔﻴﺪًا ﺟﺪٍّا ،وﻣﻬﱠ ﺪ اﻟﻄﺮﻳﻖ
آﺧﺮ ﻏري ﻫﺬا — ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء ﻹﺣﺪاث ﺛﻮرة ﰲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻷﻣﺮاض ا ُملﻌﺪﻳﺔ .وﻻ ﻳﻮﺟﺪ إﺳﻬﺎم َ
اﺧﱰاع املﻀﺎدات اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ — ﻟﻪ أﺛﺮ ﻋﻤﻴﻖ ﻋﲆ ﺻﺤﺔ اﻟﺒﴩ .ﻳﺮى دﺑﻠﻴﻮ آر ﻛﻼرك ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ
»اﻷﺳﺲ اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻴﺔ ﻟﻌﻠﻢ املﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﺪﻳﺚ« ) (١٩٨٦أن »أﻫﻢ إﻧﺠﺎزات ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻄﻌﻴﻢ« ﻫﻮ
اﻟﻘﻀﺎء ﻧﻬﺎﺋﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﻣﺮض اﻟﺠُ ﺪَري .ﻓﻔﻲ اﻟﻨﺼﻒ اﻷول ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺼﻴﻠﺔ
اﻟﻮﻓﻴﺎت ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا املﺮض ﺗﱰاوح ﻣﺎ ﺑني ﻣﻠﻴﻮﻧ َ ْﻲ وﺛﻼﺛﺔ ﻣﻼﻳني ﺷﺨﺺ ،وﻗﺪ ُﺳﺠﱢ ﻠﺖ
آﺧِ ﺮ ﺣﺎﻟﺔ إﺻﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﺠُ ﺪَري ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﰲ ﻋﺎم ،١٩٤٩وﻛﺎﻧﺖ آﺧِ ﺮ ﺣﺎﻟﺔ إﺻﺎﺑﺔ ﰲ
اﻟﻌﺎﻟﻢ ﰲ اﻟﺼﻮﻣﺎل ﰲ ﻋﺎم .١٩٧٧
45
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ
ﻣﻌﻈﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت املﺒﻜﺮة ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﺗﻘﻊ ﺿﻤﻦ ﻧﻄﺎق اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ،أو ﻋﲆ
ﻂ ﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺒﺤﺚ. اﻷﻗﻞ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﻮﻫﻤﻴﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻮﺟﺪ أ ُ ُﺳﺲ ﻳُﺒﻨﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺘﺨﻄﻴ ُ
ﻛﺎن أﺳﻼف اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني ،وﻫﻢ اﻟﺨﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن ،ﻳﺴﻌﻮن إﱃ ﺗﺤﻮﻳﻞ أﺷﻴﺎء أﺧﺮى —
ٍ
وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻣﻤﻜﻨﺔ ٍ
ﻃﺮﻳﻘﺔ وإﺟﺮاءٍ ﻋﲆ رأﺳﻬﺎ املﻌﺎدن اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ — إﱃ ذﻫﺐ .وﺟ ﱠﺮﺑﻮا ﻛ ﱠﻞ
ﻂ ﰲ ذﻟﻚ ،ﻓﻘﺪ ﻓﻌﻠﻮا ﻣﺎ ﰲ وﺳﻌﻬﻢ ﻹﻗﻨﺎع ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﻬﺬا اﻟﺘﺤﻮﻳﻞ .وﻣﻊ أﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻨﺠﺤﻮا ﻗ ﱡ
ﻣﻌﺎﴏﻳﻬﻢ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻧﺠﺤﻮا ﰲ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ.
»اﻟﻌﻨﺎﴏ« ،ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﺨﻴﻤﺎﺋﻴني ،ﻫﻲ اﻟﻨﺎر واﻟﻬﻮاء واﻷرض واملﺎء .أﻣﺎ اﻵن،
ﻓﻤﻌﻠﻮ ٌم ﻟﻨﺎ أﻧﻪ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺻﻮرة ﻣﻦ أﺑﺴﻂ ﺻﻮر املﺎدة اﻟﺘﻲ ﻧﺴﻤﱢ ﻴﻬﺎ
»ﻋﻨﺎﴏ« ،وأن ﻫﺬه ﻫﻲ املﻜﻮﻧﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻜﻮن ،وﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻨﺎﴏ ﻣﺘﺎح ﺑﻜﺜﺮة
اﻵﺧﺮ ﻧﺎدر .ﺗﺘﻜﻮﱠن ﻗﴩة اﻷرض )ﺣﺘﻰ ﻋُ ﻤْ ﻖ ١٠أﻣﻴﺎل ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ( ﺑﺼﻔﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ واﻟﺒﻌﺾ َ
) (٪٩٩٫٥ﻣﻦ ١٢ﻋﻨﴫًا ،وﺗﺸ ﱢﻜﻞ ﺧﻤﺴﺔ ﻋﻨﺎﴏ ﻣﻨﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ،٪٩١وﻫﻲ ﺣﺴﺐ اﻟﱰﺗﻴﺐ
اﻟﺘﻨﺎزﱄ :اﻷﻛﺴﺠني ،واﻟﺴﻠﻴﻜﻮن ،واﻷملﻮﻧﻴﻮم ،واﻟﺤﺪﻳﺪ ،واﻟﻜﺎﻟﺴﻴﻮم .إذا ﺿﻤﻤﻨﺎ املﺤﻴﻄﺎت
واﻟﻐﻼف اﻟﺠﻮي ،ﻓﺴﻨﺠﺪ أن اﻟﻬﻴﺪروﺟني واﻟﻨﻴﱰوﺟني ﺿﻤﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻌﻨﺎﴏ وﻓﺮ ًة )ﻳﻤﺜﻞ
اﻟﻬﻴﺪروﺟني ٪١١ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻴﺐ املﺎء ،وﻳﻤﺜﻞ اﻟﻨﻴﱰوﺟني ٪٧٦ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻴﺐ اﻟﻬﻮاء(.
ُﺳﻤﱢ ﻴﺖ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ ﻋﲆ اﺳﻢ املﺎدة اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺼﻨَﻊ ﻣﻨﻬﺎ اﻷدوات
واملﻌﺪﱠات ﰲ ﻛﻞ ﻋﴫ ،ﻣﻨﻬﺎ :اﻟﻌﴫ اﻟﺤﺠﺮي واﻟﻌﴫ اﻟﱪوﻧﺰي واﻟﻌﴫ اﻟﺤﺪﻳﺪي .اﻟﱪوﻧﺰ
ﻫﻮ ﻣﺰﻳﺞ )ﺳﺒﻴﻜﺔ( ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس واﻟﺼﻔﻴﺢ ،وﻳﺤﻮي أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻛﻤﻴﺎت ﺻﻐرية ﻣﻦ ﻓﻠﺰات
أﺧﺮى .اﻟﻨﺤﺎس واﻟﺼﻔﻴﺢ ﻣﺘﺎﺣﺎن ﻋﲆ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ،وﻋﻨﺪ ﺻﻬﺮﻫﻤﺎ ﻣﻌً ﺎ ،ﻳﻜﻮﱢﻧﺎن ﻣﺰﻳﺠً ﺎ
أﻗﻮى ﻣﻦ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﲆ ﺣﺪة .ﻳﻘﺎوم اﻟﻨﺤﺎس واﻟﺼﻔﻴﺢ وﻣﺰﻳﺠﻬﻤﺎ اﻟﺘﺂ ُﻛ َﻞ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻬﻮاء
واملﺎء؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﻣﻮا ﱠد ﻣﻔﻴﺪة ﻟﺼﻨﻊ اﻷدوات واﻷﺳﻠﺤﺔ وأواﻧﻲ اﻟﻄﻬﻲ وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻷﺧﺮى .أﻣﺎ اﻟﻨﺤﺎس اﻷﺻﻔﺮ؛ ﻓﻬﻮ ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس واﻟﺰﻧﻚ ،وﻫﻮ ﻣﻌﺮوف ﻣﻨﺬ ﻋﺪة
ﻗﺮون .وأﺧريًا ،ﻣﺰﻳﺞ اﻟﺤﺪﻳﺪ واﻟﺼﻠﺐ )وﻫﻮ ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ واﻟﻜﺮﺑﻮن وﺑﻌﺾ اﻟﻔﻠﺰات
اﻷﺧﺮى( ،اﻟﺬي ﻳﺘﻢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ أﻛﱪ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮ إﻻ ﰲ وﻗﺖ أﺣﺪث.
ﻳﻌﺪ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم أﻛﺜ َﺮ اﻟﻔﻠﺰات اﻧﺘﺸﺎ ًرا ووﻓﺮ ًة ،وﻟﻜﻨﻪ أﻗﻠﻬﺎ اﺳﺘﺨﺪاﻣً ﺎ؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﺼﻌﻮﺑﺔ
اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﰲ ﺻﻮرﺗﻪ اﻟﺨﺎم ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﰲ ﺣﺎﻟﺘﻪ اﻟﺤ ﱠﺮة أو »اﻟﻌﻨﴫﻳﺔ«؛ ﻷﻧﻪ
ﻣﺘﻔﺎﻋﻞ ﺟﺪٍّا ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ ،ﻓﻬﻮ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻌﻨﺎﴏ أﺧﺮى ،ﻋﲆ ﻋﻜﺲ اﻟﻨﺤﺎس واﻟﻔﻀﺔ واﻟﺬﻫﺐ.
وﰲ املﻘﺎﺑﻞ ،ﻓﺈن ﺛﺒﺎت اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮد ﰲ ﺣﺎﻟﺘﻬﻤﺎ اﻟﻌﻨﴫﻳﺔ
واﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﱪﻳﻘﻬﻤﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻌﻈﻢ املﻌﺎدن اﻷﺧﺮى.
ﻟﻌﺒﺖ املﺼﺎدﻓﺔ دو ًرا رﺋﻴﺴﻴٍّﺎ ﰲ اﻛﺘﺸﺎف ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻷﻗﻞ ﺷﻴﻮﻋً ﺎ ﰲ اﻟﺤﺎﻟﺔ
اﻟﻌﻨﴫﻳﺔ أو املﻮﺟﻮدة ﻓﻘﻂ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺮﻛﺒﺔ ﻣﻊ ﻋﻨﺎﴏ أﺧﺮى ،ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ أﻛﺜﺮ اﻟﻌﻨﺎﴏ
وﻓﺮ ًة ،وﻫﻮ اﻷﻛﺴﺠني.
) (1اﻷﻛﺴﺠني
ﻳﺮﺟﻊ اﻟﻔﻀﻞ ﰲ اﻛﺘﺸﺎف اﻷﻛﺴﺠني إﱃ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﺟﻮزﻳﻒ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ،واﻟﺴﻮﻳﺪي
ﻛﺎرل ﻓﻴﻠﻬﻠﻢ ﺷﻴﻠﻪ .اﻛﺘﺸﻒ ﺷﻴﻠﻪ اﻷﻛﺴﺠني ﻗﺒﻞ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺎم ،وﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻦ
ﻋﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ أﺑﺤﺎﺛﻪ إﻻ ﺑﻌﺪ أن أﻋﻠﻦ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ﰲ ﻋﺎم ١٧٧٤ﻋﻦ ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ووﺻﻒ ﺧﺼﺎﺋﺺ
ﻧﺤﻮ أﻛﱪ إﱃُﻨﺴﺐ اﻟﻔﻀﻞ ﻋﲆ ٍ »اﻟﻬﻮاء« اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻏري اﻟﻌﺎدﻳﺔ ﻋﲆ ﺣﺪ ﺗﻌﺒريه .وﻫﻜﺬا ﻳ َ
ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ﰲ ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف.
رﺟﻼ ﻏري ﻋﺎديُ .وﻟِﺪ ﰲ ﻋﺎم ١٧٣٣ﰲ ﻓﻴﻠﺪﻫﻴﺪ ﺑﺎﻟﻘﺮب ً ﻛﺎن ﺟﻮزﻳﻒ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ
ً
ﻗﺴﻴﺴﺎ، ﻣﻦ ﻟﻴﺪز ﺑﺈﻧﺠﻠﱰا ،وﺗﺮﺑﱠﻰ ﰲ ﻛﻨﻒ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻛﻠﻔﻨﻴﺔ ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ ،وﺗﺄﻫﺐ ﻛﻲ ﻳﺼﺒﺢ
ﻈﺮ إﻟﻴﻪ ﻛﻤﻬﺮﻃﻖ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﻟﻜﻦ أﻓﻜﺎره اﻟﻠﻴﱪاﻟﻴﺔ ﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻳُﻨ َ
أﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻜﻠﻔﻨﻴني .وﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﰲ ﻋﺎم ١٧٦٧ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﰲ اﻷﻧﺠﻠﻴﻜﺎﻧﻴﺔ وﻟﻜﻦ ً
ﻣﻨﺸ ﱠﻘﺔ ﺻﻐرية ﰲ ﻟﻴﺪز .وأﺛﻨﺎء
اﻟﺮاﺑﻌﺔ واﻟﺜﻼﺛني ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،أﺻﺒﺢ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ﻛﺎﻫﻨًﺎ ﻟﺮﻋﻴﺔ َ
ني ﻣﻜﺘﺒﺔ وﻣﺮاﻓِ ًﻘﺎ أدﺑﻴٍّﺎ ﻹﻳﺮل ﺷﻴﻠﺒﻮرن وأﺣﺪ اﻟﻮزراء اﻟﺘﺎﺑﻌني ﺗﻠﻚ اﻟﻔﱰة ،ﻛﺎن ً
أﻳﻀﺎ أﻣ َ
ﻟﻮﻳﻠﻴﺎم ﺑﻴﺖ.
ﰲ إﺣﺪى رﺣﻼﺗﻪ املﺘﻜﺮرة إﱃ ﻟﻨﺪن ،اﻟﺘﻘﻰ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ وﺑﻨﺠﺎﻣني ﻓﺮاﻧﻜﻠني اﻟﺬي أﻳﻘﻆ
ﻓﻴﻪ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﻌﻠﻮم وأﺻﺒﺢ ﺻﺪﻳﻖ ﻋﻤﺮه .ﺑﺪأ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ اﻟﻌﻤﻞ دون ﺗﺮﻛﻴﺰ ﻛﺒري ﰲ
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ،اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻫﻮاﻳﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺤﻮذ ﻋﲆ ﻣﻌﻈﻢ وﻗﺘﻪ وﺟﻬﺪه .وﻛﺎن
48
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ
ﺗﺠﺮﻳﺒﻴٍّﺎ ذا ﻗﺪرات ﻛﺒرية ﰲ املﻼﺣﻈﺔ ،ﻟﻜﻦ ﺧﻠﻔﻴﺘﻪ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺪوﻣﺔ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ
ﺗﻮﺻ َﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﰲ ﺗﺠﺎرﺑﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻏري ﺻﺤﻴﺤﺔ وﰲ اﻟﻐﺎﻟﺐ ﻏﺮﻳﺒﺔ. اﻟﺘﻲ ﱠ
ً
ﺧﺎﺻﺔ ً
ﺷﻐﻮﻓﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋﻤﻠﻪ، ﻋﺎش ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻣﺼﻨﻊ ﺟﻌﺔ ﰲ ﻟﻴﺪز ،وأﺻﺒﺢ
اﻟﻐﺎز اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻄﻔﻮ ﻓﻮق اﻟﺴﻮاﺋﻞ ا ُملﺨﻤﱠ ﺮة .ووﺟﺪ أن ﻫﺬا »اﻟﻬﻮاء« — ﻛﻤﺎ ﺳﻤﱠ ﺎه
— ﻳُﻄﻔِ ﺊ ﻧﺸﺎرة اﻟﺨﺸﺐ املﺸﺘﻌﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻀﻌﻬﺎ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﺴﺎﺋﻞ ،وأن ﻣﺰﻳﺞ اﻟﻐﺎز
ﻳﺘﴪب ﻋﱪ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﻮﻋﺎء اﻟﻀﺨﻢ »ﻳﻬﺒﻂ إﱃ اﻷرض« .وﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬه ﱠ واﻟﺪﺧﺎن اﻟﺬي ﻛﺎن
املﻼﺣﻈﺔ ،اﺳﺘﻨﺘﺞ أن اﻟﻐﺎز )اﻟﺬي ﻛﺎن ﺛﺎﻧﻲ أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻜﺮﺑﻮن( أﺛﻘﻞ ﻣﻦ اﻟﻬﻮاء اﻟﻌﺎدي،
وﺗﻌ ﱠﻠ َﻢ ﻛﻴﻒ ﻳ ﱢ
ُﺤﴬ ﻫﺬا اﻟﻬﻮاء اﻟﺜﻘﻴﻞ ﰲ ﻣﻌﻤﻞ ﻣﻨﺰﻟﻪ ،ووﺟﺪ أن املﺎء املﺬاب ﻓﻴﻪ ﻟﻪ ﻃﻌﻢ
ﻣﺴﺘﺴﺎغ وﻻذع؛ وﻫﺬا ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻠﻮم ﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣَ ْﻦ ﻳﺴﺘﻤﺘﻌﻮن ﺑﻄﻌﻢ املﴩوﺑﺎت اﻟﻐﺎزﻳﺔ
وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ أﻧﻮاع ﻣﺎء اﻟﺼﻮدا .وﻗﺪ ﺣﺼﻞ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ﻋﲆ ﻣﻴﺪاﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ املﻠﻜﻴﺔ ﻋﺎم
١٧٧٣ﻧﻈري اﺧﱰاﻋﻪ ﻣﺎء اﻟﺼﻮدا.
49
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﱠت ﺑﻪ إﱃ دراﺳﺔ ﻏﺎزات أﺧﺮى إن اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺘﻲ أﺟﺮاﻫﺎ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻐﺎز أد ْ
ﻣﻜﱪة أو »ﻋﺪﺳﺔ ﺣﺎرﻗﺔ« ﺿﺨﻤﺔ، اﺳﺘﻄﺎع ﺗﺤﻀريﻫﺎ .ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ،ﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﻋﺪﺳﺔ ﱢ
ﻗﻄﺮﻫﺎ ١٢ﺑﻮﺻﺔ ،واﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﻟﱰﻛﻴﺰ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺴﺨني ﻣﻮاد
إﱃ درﺟﺎت ﺣﺮارة ﻋﺎﻟﻴﺔ .وﻣﻦ اﺑﺘﻜﺎرات ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﻐﺎزات )أو »اﻷﻫﻮﻳﺔ« ﻛﻤﺎ ﻛﺎن
ﻳُﻄﻠِﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ( ﺟﻬﺎ ٌز ﻟﺘﺠﻤﻴﻊ اﻟﻐﺎزات ﻓﻮق اﻟﺰﺋﺒﻖ؛ ﻛﺎن ﻳﻀﻊ ﻣﻮا ﱠد ﻋﲆ ﺳﻄﺢ اﻟﺰﺋﺒﻖ
ﻳﺴﺨﻨﻬﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻟﻌﺪﺳﺔ اﻟﺤﺎرﻗﺔ ،ﻛﺎﻧﺖ أﻳﺔ ﻏﺎزات ﱢ اﻟﺴﺎﺋﻞ ﰲ وﻋﺎء زﺟﺎﺟﻲ ﻣﻐﻠﻖ ،ﺛﻢ
ﻣﺘﻜﻮﱢﻧﺔ ﺗﺘﺠﻤﻊ ﻓﻮق اﻟﺰﺋﺒﻖ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺬﻳﺒﻬﺎ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﰲ ﺣﺎﻟﺔ املﺎء.
ﻳﺴﺨﻨﻬﺎ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ أﻛﺴﻴﺪ اﻟﺰﺋﺒﻖ، ﱢ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺑني املﻮاد اﻟﻌﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن
ﱢ
ﻳﺴﺨﻦ ﺗﻠﻚ املﺎدة اﻟﺼﻠﺒﺔ اﻟﺤﻤﺮاء ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺬي ﺳﻤﱠ ﺎه » َﻛ َﻠﺲ اﻟﺰﺋﺒﻖ اﻷﺣﻤﺮ« .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن
ﺗﻨﺤﻞ وﺗُﻨﺘِﺞ ﻏﺎ ًزا ﻋﺪﻳﻢ اﻟﻠﻮن ﻓﻮق اﻟﺰﺋﺒﻖ اﻟﺴﺎﺋﻞ .اﺧﺘﱪ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ﻫﺬا اﻟﻐﺎز ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام
ﻟﻬﺐ ﺷﻤﻌﺔ ،ﻓﻮﺟﺪ أن أﻏﻠﺐ اﻟﻐﺎزات اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳُﻨﺘﺠﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻄﻔﺊ ﻟﻬﺐ اﻟﺸﻤﻌﺔ .وﰲ
50
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ
ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﺗﺠﺎرب وﻣﻼﺣﻈﺎت ﻋﻦ أﻧﻮاع اﻟﻬﻮاء املﺨﺘﻠﻔﺔ« اﻟﺬي ﻧﴩه ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وﺻﻒ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ
ﻣﺎ ﺣﺪث ﻣﻊ ﻫﺬا »اﻟﻬﻮاء« ً
ﻗﺎﺋﻼ:
ﻟﻜﻦ ﻣﺎ أدﻫﺸﻨﻲ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻛﺒري وﻟﺴﺖ أﺳﺘﻄﻴﻊ اﻟﺘﻌﺒري ﻋﻨﻪ أن اﻟﺸﻤﻌﺔ ﻛﺎﻧﺖ
ﺗﴤء ﰲ ﻫﺬا اﻟﻬﻮاء وﻛﺎن ﻟﻬﺒﻬﺎ ﻗﻮﻳٍّﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻠﺤﻮظ … ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ ،ﺑﻌﺪ
ﻣﺮور ﻛﻞ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ،أن أذﻛﺮ ﻣﺎ ُ
ﻛﻨﺖ أﻫﺪف إﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﻴﺎﻣﻲ ﺑﻬﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ،
ﺗﻮﺻ ْﻠ ُﺖ إﻟﻴﻪ … ﻟﻜﻦ إذا ﺣﺪث ،ﻷي ﺳﺒﺐ ﻟﻜﻨﻨﻲ أﻋﺮف أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ ﱠ
أﺗﻮﻗﻊ ﻣﺎ ﱠ
آﺧﺮ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ أﻣﺎﻣﻲ ﺷﻤﻌﺔ ﻣﻀﺎءة ،ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻷﻗﻮم ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق َ
ً
ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ املﺸﺘﻌﻠﺔ اﻟﺤﻤﺮاء ملﻌﺖ ﻓﻴﻪ … واﺣﱰﻗﺖ ﺑﴪﻋﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ … إن
ً
ﺳﺒﻴﻼ إﱃ ﺗﻔﺴري ﻣﺎ ﺣﺪث. … ذُﻫِ ﻠﺖ ﺑﺸﺪة ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ أﻋﺮف
وﻗﺎل ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻪ ﻟﻬﺬا اﻟﻜﺘﺎب:
ﺗﻮﻓﺮ ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت ﻫﺬا اﻟﻘﺴﻢ ﺗﻮﺿﻴﺤً ﺎ ﻣُﺪﻫِ ًﺸﺎ ﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻣﻠﺤﻮﻇﺔ ذﻛﺮﺗﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﱢ
ﻣﺮة ﰲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻲ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ،واﻟﺘﻲ ﻧﺎد ًرا ﻣﺎ ﺗﺘﻜﺮر ﻛﺜريًا ،ﺣﻴﺚ إﻧﻬﺎ ﺗﻤﻴﻞ ﻋﲆ
ﻧﺤﻮ ﻛﺒري إﱃ ﺗﺸﺠﻴﻊ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻻﺳﺘﻜﺸﺎف اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ؛ ﻓﻬﻲ ﺗﺮﺟﻊ أﻛﺜﺮ إﱃ ﻣﺎ
َ
ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻧﺴﻤﱢ ﻴﻪ املﺼﺎدﻓﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ — إذا ﺗﺤﺪﱠﺛﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ —
أﺣﺪاث ﺗﻨﺸﺄ ﻷﺳﺒﺎب ﻏري ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ،وﻻ ﺗﺴﺘﻨﺪ إﱃ أي ﺗﺨﻄﻴﻂ ﻣﺤﺪﱠد أو ﻧﻈﺮﻳﺔ ٍ
ﻣﺘﺼﻮﱠرة ً
ﺳﻠﻔﺎ ﰲ ﻫﺬا املﺠﺎل.
ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱄ ﱠ ،أﻋﱰف ﺑﴫاﺣﺔ أﻧﻨﻲ ،ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺘﻲ ﺳﺄﻋﺮﺿﻬﺎ ﰲ
ﻫﺬا اﻟﻘﺴﻢ ،ﻛﻨﺖ ﺑﻌﻴﺪًا ﻛ ﱠﻞ اﻟﺒُﻌْ ﺪ ﻋﻦ ﺗﻜﻮﻳﻦ أﻳﺔ ﻓﺮﺿﻴﺔ ﺗﺆدﱢي إﱃ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت
ﻗﻤﺖ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺪ أداﺋﻲ ﻟﻬﺎ ،ﻟﺪرﺟﺔ أن ﺗﻠﻚ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺘﺒﺪو ﻏري ُ اﻟﺘﻲ
ﺧﱪت ﺑﻬﺎ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﻬﺎﻟﺖ ﻋﲇ ﱠ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺪاﻣﻐﺔ ﰲ ُ
ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱄ ﱠ إذا أ ِ
ُ
اﺳﺘﺴﻠﻤﺖ ﺑﺒﻂء ﺷﺪﻳﺪ وﺑﱰدﱡدٍ ﺑﺎﻟﻎ ﻟﻸدﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﱢﻣﻬﺎ ﱄ ﺣﻮاﳼ. اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ،
ﴎﻋﺎن ﻣﺎ اﻛﺘﺸﻒ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ أن ﻫﻮاءه اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻛﺎن ﺳﻴُﺒﻘِﻲ أيﱠ ﻓﺄر ﻋﲆ ﻗﻴﺪ اﻟﺤﻴﺎة
ً
ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻬﻮاء اﻟﻌﺎدي .واﺳﺘﻨﺸﻖ ﻫﻮ ً
ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻀﻌﻒ ﻋﻤﺎ ﻟﻮ اﺳﺘﻨﺸﻖملﺪة ﺗﺰﻳﺪ ﺑﻤﻘﺪار ﱢ
ً
أﻳﻀﺎ ﻫﺬا اﻟﻬﻮاء اﻟﺠﺪﻳﺪ وﻗﺎل:
ً
ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ﻋﻦ ﺷﻌﻮري ﺑﺎﻟﻬﻮاء اﻟﻌﺎدي ،ﻟﻜﻦ أﺗﺼﻮﱠر ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺷﻌﻮري ﺑﻪ ﰲ رﺋﺘﻲ
ٍ
وراﺣﺔ ﰲ ﺻﺪري ،اﺳﺘﻤﺮت ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ. ٍ
ﺑﺨﻔﺔ أﻧﻨﻲ ﺷﻌﺮت ﺗﺤﺪﻳﺪًا
51
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
52
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ
ﺷﻜﻞ :3-7رﺳﻢ ﻛﺎرﻳﻜﺎﺗﻮري ﺑﺮﻳﺸﺔ ﺟﻴﻤﺰ ﺟﻴﻠﺮاي ﻳﺼﻮﱢر ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ وﻫﻮ ﻳﻄﺎﻟِﺐ ﺑﺮأس
املﻠﻚ ﰲ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﻴﻮم اﻗﺘﺤﺎم ﺳﺠﻦ اﻟﺒﺎﺳﺘﻴﻞ ﰲ ﻋﺎم .١٧٩١وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ﻟﻢ
ﻳﺤﴬ ﻫﺬا اﻻﺣﺘﻔﺎل ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ ،ﺗﻌ ﱠﺮ َ
ض ﻣﻨﺰﻟﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻟﻠﺘﺪﻣري ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻌﺎﻣﺔ.
ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﺘﺞ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻐﺎ َز ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺴﺨني أﻛﺴﻴﺪ اﻟﺰﺋﺒﻖ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام
وﺗﻨﻔﺲ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت وﺣﻴﺎة اﻟﻨﺒﺎت؛ ﻆ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ وﺟﻮد ﻋﻼﻗﺔ ﺑني اﻻﺣﱰاق ﱡ ﻣﻜﱪة ،ﻻﺣَ َ ﻋﺪﺳﺔ ﱢ
اﺣﱰﻗ ْﺖ ﻓﻴﻪ ﺷﻤﻌﺔ ﺣﺘﻰ اﻧﻄﻔﺄت ﻣﻦ ﺗﻠﻘﺎء ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻛﺎن ﻗﺎد ًرا ﻋﲆ َ ﻆ أن اﻟﻬﻮاء اﻟﺬيﻓﻼﺣَ َ
دﻋﻢ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﺣﱰاق ﻣﺮة أﺧﺮى ،واﻟﺤﻔﺎظ ﻋﲆ ﺣﻴﺎة اﻟﻔﱤان »ﺑﻌﺪ ﻧﻤﻮ ﻧﺒﺎﺗﺎت ﺧﴬاء
ﱡ
اﻟﺘﻨﻔﺲ اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ اﻟﻨﺒﺎت، ﻆ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺴﺘﻨﻔﺪ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ «.وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ،ﻻﺣَ َ ﰲ اﻟﻬﻮاء ا ُمل َ
واﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﻨﺸﻖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻨﺒﺎت ﺛﺎﻧﻲ أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻜﺮﺑﻮن وﻳُﻄﻠِﻖ اﻷﻛﺴﺠني ،ﻟﻜﻦ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻟﻢ
ﻓﴪوﻫﺎ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻔﱰة ﻃﻮﻳﻠﺔ. ﺗُﻔﻬَ ﻢ وﺗُﺮﻛِﺖ ﻵﺧﺮﻳﻦ ﱠ
ﱠ
املﺘﻮﻗﻌﺔ ﺛﻤﺔ ﻣﻼﺣﻈﺔ أﺧﺮى ﻗﺎل ﻋﻨﻬﺎ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ إﻧﻬﺎ »اﻷﻏﺮب ﺑني ﻛﻞ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻏري
ﻆ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ أن »ﻣﺎدة ﺧﴬاء« ﺗﺘﻜﻮﱠن ﻋﲆ ﺟﺪران اﻟﺪوارق اﻟﺘﻲ ]ﺗﻮﺻﻞ[ إﻟﻴﻬﺎ «.ﻻﺣَ َ
ﱠ اﻟﺘﻲ
ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﰲ ﺗﺠﺎرﺑﻪ ﺗُﻄﻠِﻖ ﻏﺎ ًزا ﻋﻨﺪ ﺗﻌ ﱡﺮﺿﻬﺎ ﻟﻀﻮء اﻟﺸﻤﺲ .واﻛﺘﺸﻒ أﻧﻪ ﻧﻔﺲ
ﻆ إﻧﺘﺎجاﻟﻐﺎز اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻋﻨﺪ ﺗﺴﺨني أﻛﺴﻴﺪ اﻟﺰﺋﺒﻖ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﺮف أﻧﻪ أول ﻣَ ﻦ ﻻﺣَ َ
اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﱢ
ﺗﻮﻓﺮﻫﺎ َ ُ
اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻷﻛﺴﺠني ﺑﻔﻌﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ »اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ اﻟﻀﻮﺋﻲ« .ﺗﺴﺘﺨﺪِم ﺗﻠﻚ
اﻟﺸﻤﺲ ،ﺛﻢ ﺗﻤﺰج ﺑني ﺛﺎﻧﻲ أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻜﺮﺑﻮن واملﺎء ،وﺗﻨﺘﺞ ﻣﺎدة ﻋﻀﻮﻳﺔ )وﻫﻲ املﺎدة
53
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻟﺘﻲ أﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ »املﺎدة اﻟﺨﴬاء«( إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻷﻛﺴﺠني .وﺑﺪون ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ
اﻟﻀﻮﺋﻲ ،ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻮﺟﺪ ﺣﻴﺎة ﻋﲆ اﻷرض.
ﺗﻌﻘﻴﺐ
واﺟَ َﻪ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ﻣﺸﻜﻼت ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻛﺒرية ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﻪ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ وآراﺋﻪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ
أﻳﻀﺎ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﺎﺗﻪ .رﺑﻤﺎ ﻧﺠﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﻴﱪاﻟﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ أﻋﻠﻨﻬﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻋﲆ املﺬﺑﺢ وﻟﻜﻦ ً
اﺗﻬﺎﻣﺎت اﻟﻬﺮﻃﻘﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻪ أﻋﻠﻦ ﻋﲆ املﻸ دﻋﻤﻪ ﻟﻠﺜﻮرﺗني اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ واﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ.
ﺑﻌﺾ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻛﻨﻴﺴﺘﻪ وﻣﻨﺰﻟﻪ وﻧﻈ ًﺮا ﻵراﺋﻪ اﻟﻘﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ أﺑﺪاﻫﺎ ﺗﺠﺎه ﻫﺎﺗني اﻟﺜﻮرﺗني؛ أﺣ َﺮ َق ُ
ﰲ ﺑﺮﻣﻴﻨﺠﻬﺎم .واﻧﺘﻘﻞ ﺑﺄﴎﺗﻪ إﱃ ﻟﻨﺪن ﻟﻜﻨﻪ ﻋﺎﻧﻰ ﻣﻦ اﻻﺿﻄﻬﺎد ملﺪة ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ،ﺣﺘﻰ
ﺳﺎﻓ َﺮ ﺑﺤ ًﺮا ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ إﱃ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﰲ ﻋﺎم .١٧٩٤َ
ﻋﻨﺪ وﺻﻮﻟﻪ إﱃ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ،اﺳﺘﻘﺒﻠﻪ ﺑﺤﻔﺎو ٍة ﺣﺎﻛ ُﻢ اﻟﻮﻻﻳﺔ ﻛﻠﻴﻨﺘﻮن وآﺧﺮون ﻣﻦ
اﻟﺸﺨﺼﻴﺎت املﻬﻤﺔ .وﻛﺎن ﺻﻴﺘﻪ ﻛﺮﺟﻞ دﻳﻦ وﻋﺎﻟﻢ وﻟﻴﱪاﱄ ﻗﺪ ﺳﺒﻘﻪ إﱃ ﺗﻠﻚ املﺴﺘﻌﻤﺮات،
اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﱠﻟﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ إﱃ ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﺑﺎﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ .ﻋﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ
اﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ أن ﻳﻜﻮن َﻗ ٍّﺴﺎ ﺑﻬﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻋﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﻨﺴﻠﻔﺎﻧﻴﺎ أن ﻳﺼﺒﺢ أﺳﺘﺎذًا ملﺎدة
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﺑﻬﺎ ،وﻗﺪ اﺳﺘﺸﺎره ﺗﻮﻣﺎس ﺟﻴﻔﺮﺳﻮن ﺑﺸﺄن ﺗﺄﺳﻴﺲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻓريﺟﻴﻨﻴﺎ ،ودﻋﺎه
اﻟﺮﺋﻴﺲ ﺟﻮرج واﺷﻨﻄﻦ ﻟﺘﻨﺎول اﻟﺸﺎي ﻣﻌﻪ.
وﻓﻀ َﻞ أن ﻳﻌﺘﺰل اﻟﺤﻴﺎة ﰲ ﻣﻜﺎن ﻫﺎدئ وﻫﻮ رﻓﺾ أن ﻳﻜﻮن َﻗ ٍّﺴﺎ وأﺳﺘﺎذًا ﺟﺎﻣﻌﻴٍّﺎ ،ﱠ
ﻗﺮﻳﺔ ﻧﻮرﺛﻤﱪﻻﻧﺪ ،وﻫﻲ ﻣﻦ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮى ﰲ وﺳﻂ ﺑﻨﺴﻠﻔﺎﻧﻴﺎ .وﻗﴣ ﻫﻨﺎك آﺧِ ﺮ ﻋﴩ
ﻂ ﺑﺨﻄﺄ ُﺠﺮي ﺗﺠﺎرب ﰲ ﻣﻌﻤﻞ أُﻧﺸﺊ ﻣﻦ أﺟﻠﻪ .وﻟﻢ ﻳﻘﺘﻨﻊ ﻗ ﱡ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻳﺰرع وﻳ ِ
واﺳ َﻊ اﻷﻓﻖ ﺑﺎﻟﻘﺪر اﻟﻜﺎﰲ ﺑﺤﻴﺚ ﻳُﻌﻠِﻦ أﻧﻪ رﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮنﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﻔﻠﻮﺟﻴﺴﺘﻮن ،ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ِ
ً
رﺋﻴﺴﺎ ﻷﻣﺮﻳﻜﺎ. ﻣﺨﻄﺌًﺎ .ﻋﺎش ﺣﺘﻰ ﻋﺎم ،١٨٠٤ﻟريى ﺻﺪﻳﻘﻪ ﺟﻴﻔﺮﺳﻮن ﻳ َ
ُﻨﺘﺨﺐ
ﻟﻸﺳﻒ ،أُﻧﻬﻴﺖ ﻣﺴرية ﻻﻓﻮازﻳﻴﻪ اﻟﺮاﺋﻌﺔ ﻣﺒﻜ ًﺮا ﺑﺈﻋﺪاﻣﻪ ﺑﺎملﻘﺼﻠﺔ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ﰲ
ﺳﺎﻓ َﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ .أُﻋﺪِم ﻻﻓﻮازﻳﻴﻪ ﻋﲆ ﻳﺪ اﻟﺜﻮﱠار )ﻓﻬﻮ ﻟﻢ
ﻧﻔﺲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ َ
أﻳﻀﺎ ﺟﺎﻣﻊ ﴐاﺋﺐ ﻷﻓﺮاد اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻷرﺳﺘﻘﺮاﻃﻴﺔ( ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻜﻦ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ ﻓﻘﻂ ،وﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ً
ﻄ ِﻬﺪ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻨﺎﻫﴤ اﻟﺜﻮرة .ﻟﻢ ﻳﻘﺪﱢر اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﻮن وﻻ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰ ﻫﺬﻳﻦ اﺿ ُ
اﻟﻌﺎﻟِﻤني اﻟﺠﻠﻴﻠني ﰲ ﻗﻤﺔ ﻣﺴريﺗﻬﻤﺎ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻛ ﱠﺮﻣﻮﻫﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻬﻤﺎ.
54
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ
) (2اﻟﻴﻮد
اﻟﻴﻮد ﻋﻨﴫ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ ﺑﺎﻟﻜﻠﻮر ،وﻋﻨﺪ وﺿﻌﻪ ﰲ ﻣﺤﻠﻮل ﻛﺤﻮﱄ )ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ »ﺻﺒﻐﺔ«(،
ً
ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﺑﺮﻧﺎر ﻛﻮرﺗﻮا. ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻌﻤﻞ ﻛﻤﻄﻬﺮ .وﻗﺪ اﻛﺘﺸﻔﻪ
درس ﻛﻮرﺗﻮا اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ،ﻟﻜﻨﻪ ﺑﻌﺪ ﺑﻀﻊ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺔ واﻟﺒﺤﺚ ﰲ ﻣﻌﻬﺪ
ﺑﻮﻟﻴﺘﻜﻨﻴﻚ ﺑﺒﺎرﻳﺲ ،ﻗ ﱠﺮ َر ﰲ ﻋﺎم ١٨٠٤أن ﻳﺤﺬو ﺣﺬو أﺑﻴﻪ وﻳُﻘِﻴﻢ ﻣﺼﻨﻌً ﺎ ﻟﻠﻤﻠﺢ اﻟﺼﺨﺮي
ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺑﺎرﻳﺲ .وازدﻫﺮ ﻋﻤﻠﻪ ﻷن ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﻛﺎن ﻳﺤﺘﺎج إﱃ املﻠﺢ اﻟﺼﺨﺮي )ﻧﱰات
اﻟﺒﻮﺗﺎﺳﻴﻮم( ﻟﺼﻨﻊ اﻟﺬﺧرية .وﻛﺎن ﻋﻨﴫ اﻟﺒﻮﺗﺎﺳﻴﻮم — أﺣﺪ ﻣﻜﻮﱢﻧﺎت املﻠﺢ اﻟﺼﺨﺮي —
ﻳُﺴﺘﺨﺮج ﻋﺎد ًة ﻣﻦ رﻣﺎد اﻟﺨﺸﺐ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗُﺴﺘﺨﺮج اﻟﻨﱰات ﻣﻦ ﻣﺎدة ﻧﺒﺎﺗﻴﺔ ﻣﺘﺤﻠﻠﺔ.
ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻛﻮرﺗﻮا ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﺼﺪر أرﺧﺺ ﻟﻠﺒﻮﺗﺎﺳﻴﻮم ،وﺟﺪ ﻣﺒﺘﻐﺎه ﰲ ﻃﺤﻠﺐ
آﺧﺮ،املﻄ ﱢﻞ ﻋﲆ املﺤﻴﻂ اﻷﻃﻠﻨﻄﻲ ﻟﻔﺮﻧﺴﺎ .ﻓﻤﻦ وﻗﺖ إﱃ َ ﺑﺤﺮي ﻛﺎن ﻳﺠﺮف ﻋﲆ اﻟﺴﺎﺣﻞ ِ
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻈﻬﺮ رواﺳﺐ ﰲ اﻟﺨﺰاﻧﺎت املﺴﺘﺨﺪَﻣﺔ ﰲ اﺳﺘﺨﻼص اﻟﺒﻮﺗﺎﺳﻴﻮم ﻣﻦ رﻣﺎد اﻟﻄﺤﺎﻟﺐ
اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﻮﺟﺐ ﺗﻨﻈﻴﻔﻬﺎ ﺑﺎﻷﺣﻤﺎض .وﰲ أﺣﺪ اﻷﻳﺎم ﻣﻦ ﻋﺎم ،١٨١١ﻋﻨﺪﻣﺎ
اﺳﺘُﺨﺪِم ﺣﻤﺾ أﻗﻮى ﻣﻦ اﻷﺣﻤﺎض اﻟﻌﺎدﻳﺔ ﰲ ﺗﻨﻈﻴﻒ اﻟﺨﺰاﻧﺎت ،ﺣﺪث ﻣﺸﻬﺪ ﻣﺪﻫﺶ؛
وﺗﺮﺳﺒﺖ ﺑﻠﻮرات داﻛﻨﺔ ذات ﻣﻈﻬﺮ ﻻﻣﻊ ﱠ إذ ﺗﺼﺎﻋﺪت أﺑﺨﺮة ﺑﻨﻔﺴﺠﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺰاﻧﺎت،
ﻛﺎملﻌﺪن ﰲ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﻼﻣﺴﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻷﺑﺨﺮة ﻣﻊ أﺳﻄﺢ ﺑﺎردة .وأدرك ﻛﻮرﺗﻮا ﻋﻨﺪﺋ ٍﺬ
ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﻮرات اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺤﺼﻬﺎ. أن ﺷﻴﺌًﺎ ﻏري ﻋﺎدي ﻗﺪ ﺣﺪث ،ﻓﺠﻤﻊ ً
وﺟﺪ ﻛﻮرﺗﻮا أن ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﻮرات ﻻ ﺗﺘﺤﺪ ﻣﻊ اﻷﻛﺴﺠني ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺘﺤﺪ ﻣﻊ اﻟﻬﻴﺪروﺟني
ﻗﺎﺑﻼ ﻟﻼﻧﻔﺠﺎر .وﻧﻈ ًﺮا ﻟﻀﻐﻂ اﻟﻌﻤﻞ وﻧﻘﺺ واﻟﻔﻮﺳﻔﻮر .وﻣﻊ اﻟﻨﺸﺎدر ،ﻛﻮﱠﻧﺖ ﻣُﻨﺘﺠً ﺎ ً
ُﺠﺮ ﻛﻮرﺗﻮا ﻣﺰﻳﺪًا ﻣﻦ اﻷﺑﺤﺎث ﻋﲆ املﺎدة اﻟﺠﺪﻳﺪة ،ﻟﻜﻨﻪ ﻋﻬﺪ اﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺎت املﻌﻤﻠﻴﺔ ،ﻟﻢ ﻳ ِ
ﺑﺎﻷﻣﺮ إﱃ ﺻﺪﻳﻘني ﻟﻪ ﰲ ﻣﻌﻬﺪ ﺑﻮﻟﻴﺘﻜﻨﻴﻚ ﺑﺒﺎرﻳﺲ وﻫﻤﺎ ﳼ دﻳﺴﻮرم وإن ﻛﻠﻴﻤﻨﺖ ،وﻗﺪ
وﺻﻒ ﻫﺬان اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺎن املﺎد َة اﻟﺠﺪﻳﺪة املﺜرية املﺄﺧﻮذة ﻣﻦ ﻃﺤﻠﺐ ﺑﺤﺮي ﰲ ورﻗﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ
ﻧ ُ ِﴩت ﰲ دﻳﺴﻤﱪ .١٨١٣
ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ،ﺗﺼﺎدف وﺟﻮد اﻟﺴري ﻫﻤﻔﺮي دﻳﻔﻲ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ﻓﺄﻋﻄﺎه ﻛﻠﻴﻤﻨﺖ
ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ املﺎدة اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻤﻊ ﺑﻬﺬا ﺟﻮزﻳﻒ ﻟﻮي ﺟﺎي-ﻟﻮﺳﺎك ،اﻟﺬي ﻛﺎن أﺣﺪ ً
ُﻨﺴﺐ إﱃ رﺟﻞ إﻧﺠﻠﻴﺰي اﻟﻔﻀﻞ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني اﻟﻔﺮﻧﺴﻴني اﻟﺒﺎرزﻳﻦ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺮﻏﺐ ﰲ أن ﻳ َ
اﻛﺘﺸﺎف ﻣﻬ ﱟﻢ ﻛﻬﺬا؛ ﻟﺬﻟﻚ ذﻫﺐ ﻣﺒﺎﴍ ًة إﱃ ﻛﻮرﺗﻮا وﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﻋﻴﱢﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﻮرات. ٍ ﰲ
ﱠ
وﺑﻌﺪ ﻓﺤﺺ ﴎﻳﻊ وﻣﻜﺜﻒ ،أﻋﻠﻦ ﺟﺎي-ﻟﻮﺳﺎك ﻋﻦ اﻛﺘﺸﺎف ﻋﻨﴫ ﺟﺪﻳﺪ ،واﻗﱰح ﻟﻪ
اﻻﺳﻢ »أﻳﻮد« ،iodeاملﺸﺘﻖ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ ﻻﺗﻴﻨﻴﺔ ﻣﻌﻨﺎﻫﺎ »ﺑﻨﻔﺴﺠﻲ« .وأ ﱠﻛ َﺪ دﻳﻔﻲ اﻛﺘﺸﺎف
55
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻣﻔﻀ ًﻼ إﺿﺎﻓﺔ اﻟﻼﺣﻘﺔ -ineﻟﻴﺠﻌﻞ اﻻﺳﻢ ﱢ ﻋﻨﴫ ﺟﺪﻳﺪ وأﻋﻄﺎه اﻻﺳﻢ »أﻳﻮدﻳﻦ« ،iodine
ﻣﺘﻮاﻓﻘﺎ ﻣﻊ اﺳﻢ ﻋﻨﴫ ﻗﺮﻳﺐ ﻟﻪ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ وﻫﻮ اﻟﻜﻠﻮر ،chlorineاﻟﺬي ﻛﺎن ﻗﺪ ُﺳﻤﱢ ﻲ ً
ﺑﻬﺬا اﻻﺳﻢ ﻗﺒﻠﻪ.
ﻟﻜﻲ ﻧﻔﻬﻢ ﻗﺼﺔ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻴﻮد ﰲ اﻟﻄﺤﻠﺐ اﻟﺒﺤﺮي ،ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻌﺮف أن املﺎء املﺎﻟﺢ
ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ أﻣﻼح أﺧﺮى ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم ،ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻳﻮدﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم وﻳﻮدﻳﺪ
اﻟﺒﻮﺗﺎﺳﻴﻮم ،ﻟﻜﻦ ﺑﻜﻤﻴﺎت أﻗﻞ ﻛﺜريًا .ﺗﺼﺒﺢ أﻣﻼح اﻟﻴﻮدﻳﺪ ﻣﺮ ﱠﻛﺰة ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻤﻠﻴﺎت
ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﺣﻴﻮﻳﺔ ﺗﺘﻢ ﰲ اﻟﻄﺤﻠﺐ اﻟﺒﺤﺮي ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳُﺤ َﺮق اﻟﻄﺤﻠﺐ ،ﻳﺰداد ﺗﺮﻛﻴﺰ ﺗﻠﻚ
اﻷﻣﻼح ﻋﲆ ﻧﺤﻮ أﻛﱪ .ﻳﺒﺪو أن اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺬي اﺳﺘﺨﺪﻣﻪ ﻛﻮرﺗﻮا ﰲ ﺗﻨﻈﻴﻒ اﻟﺨﺰاﻧﺎت ﻗﺪ
ﺣ ﱠﻮ َل أﻣﻼح اﻟﻴﻮدﻳﺪ إﱃ ﻋﻨﴫ اﻟﻴﻮد اﻷوﱠﱄ ،اﻟﺬي ﺗﺤ ﱠﻮ َل إﱃ ﺑﺨﺎر ﺑﻨﻔﺴﺠﻲ اﻟﻠﻮن ﺑﻔﻌﻞ
ﻣﺒﺎﴍ ًة إﱃ ﺷﻜﻞ ﺑﻠﻮري ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺻﺎدف َ ﺣﺮارة اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ اﻟﺤﻤﺾ؛ ﺛﻢ ﺗﻜﺜﱠﻒ اﻟﺒﺨﺎر
أﺳﻄﺤً ﺎ ﺑﺎردة.
ً
ﻣﻊ أن اﻛﺘﺸﺎف ﻋﻨﴫ ﺟﺪﻳﺪ ﻛﺎن ﺣﺪﺛﺎ ﻣﺜريًا ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﰲ ﻋﺎم ،١٨١٣ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ
ﻳﻠﺒﺚ أن ﺗﻢ اﻟﺘﻮﺻﻞ إﱃ أﺣﺪ اﺳﺘﺨﺪاﻣﺎﺗﻪ املﻬﻤﺔ .ﻓﻔﻲ ﻋﺎم ،١٨٢٠ﺧﻤﱠ َﻦ ﺟﻮن ﻓﺮاﻧﺴﻮا
املﻜﺘﺸﻒ ﰲ اﻟﻄﺤﻠﺐ اﻟﺒﺤﺮي ﻳﺠﺐ َ ﻛﻮاﻧﺪﻳﺖ ،وﻫﻮ ﻃﺒﻴﺐ ﰲ ﺟﻨﻴﻒ ،أن اﻟﻌﻨﴫ اﻟﺠﺪﻳﺪ
ﱡ
ﺗﻀﺨﻢ اﻟﻐﺪة اﻟﺪرﻗﻴﺔ. أن ﻳﻜﻮن ﻧﻔﺲ املﺎدة املﻮﺟﻮدة ﰲ رﻣﺎد اﻹﺳﻔﻨﺞ ،وأﻧﻪ ﻣﻔﻴﺪ ﰲ ﻋﻼج
وﺑﺘﺤﻠﻴﻞ رﻣﺎد اﻹﺳﻔﻨﺞ وﺟﺪ أﻧﻪ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﲆ اﻟﻴﻮد ،واﻗﱰح ﻛﻮاﻧﺪﻳﺖ أﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪا ُم
ﺗﻀﺨﻢ اﻟﻐﺪة اﻟﺪرﻗﻴﺔ أو ﻓﺮط ﻧﺸﺎط ﱡ اﻟﻴﻮد املﺴﺘﺨ َﺮج ﻣﻦ اﻟﻄﺤﻠﺐ اﻟﺒﺤﺮي ﰲ ﻋﻼج ﻣﺮض
اﻟﻐﺪة اﻟﺪرﻗﻴﺔ.
ﺗﻀﺨ َﻢ اﻟﻐﺪة اﻟﺪرﻗﻴﺔ ﻣﺮض ﺳﺒﺒﻪ ﻧﻘﺺ اﻟﻴﻮد ﰲ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻐﺬاﺋﻲ؛ إذ ﻳﺤﺘﺎج ﱡ ﱠ
إن
اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﺤﻴﻮي ﻟﻬﺮﻣﻮن اﻟﺜريوﻛﺴني ﰲ اﻟﻐﺪة اﻟﺪرﻗﻴﺔ إﱃ اﻟﻴﻮد .ﻳﺘﺤ ﱠﻜﻢ ﻫﺬا اﻟﻬﺮﻣﻮن
ﰲ ﻣﻌﺪﻻت اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺎﻋﻼت اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﰲ اﻟﺠﺴﻢ؛ ﻓﺒﺸﻜﻞ ﻋﺎم ،ﻛﻠﻤﺎ زاد ﻣﻌﺪل
ﻫﺬا اﻟﻬﺮﻣﻮن ،زادت ﴎﻋﺔ اﻟﺠﺴﻢ ﰲ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻌﻤﻠﻴﺎﺗﻪ ،وﰲ ﺣﺎﻟﺔ وﺟﻮد ﻧﻘﺺ ﰲ اﻟﻴﻮد
ﰲ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻐﺬاﺋﻲ ﻟﻠﻔﺮد ،ﺳﺘﺤﺎول اﻟﻐﺪة اﻟﺪرﻗﻴﺔ ﺗﻌﻮﻳﺾ ﻫﺬا اﻟﻨﻘﺺ ﺑﺎﻟﺘﻀﺨﻢ ﻹﻧﺘﺎج
ﺗﻀﺨﻢ اﻟﻐﺪة اﻟﺪرﻗﻴﺔ .ﻻ ﻳﻈﻬﺮ ﻫﺬا ﱡ املﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻬﺮﻣﻮن؛ وﻣﻦ ﺛ ﱠﻢ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﺮض
املﺮض ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﰲ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ؛ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﺤﺼﻠﻮن ﻋﲆ اﻟﻜﻤﻴﺔ
اﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻴﻮد ﻣﻦ املﺼﺎدر اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ .وﻣﻦ اﻟﺸﺎﺋﻊ اﻵن إﺿﺎﻓﺔ ﻛﻤﻴﺎت ﺻﻐرية ﻣﻦ ﻳﻮدﻳﺪ
اﻟﺼﻮدﻳﻮم إﱃ املﻠﺢ اﻟﻌﺎدي )ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم(؛ ملﻨﻊ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﻬﺬا املﺮض ﰲ اﻷﺷﺨﺎص
اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻴﺸﻮن ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ اﻟﺒﺤﺮ.
56
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ
57
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻟﻮﻛري ﰲ أﺑﺤﺎﺛﻪ ﺑﻤﺴﺎﻋﺪة إدوارد ﻓﺮاﻧﻜﻼﻧﺪ ،أﺳﺘﺎذ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﱠ اﺳﺘﻤﺮ
ﻣﺎﻧﺸﺴﱰ ،وأﺻﺒﺢ ﻣﻘﺘﻨﻌً ﺎ ﺑﺄن اﻟﺨﻂ اﻟﻄﻴﻔﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺧﺎص ﺑﻌﻨﴫ ﺟﺪﻳﺪ ،ﺳﻤﱠ ﺎه
»اﻟﻬﻠﻴﻮم« ﻋﲆ اﺳﻢ اﻟﺸﻤﺲ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ »ﻫﻴﻠﻴﻮس«.
ﺑﺪأ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ دﻟﻴﻞ ﻟﻮﺟﻮد اﻟﻬﻠﻴﻮم ﻋﲆ اﻷرض ،ﻟﻜﻦ ﻣ ﱠﺮ ٢٣ﻋﺎﻣً ﺎ ﻗﺒﻞ
ﻆ دﺑﻠﻴﻮ إﺗﺶ ﻫﻴﻠﱪاﻧﺪ ﻣﻦ ﻫﻴﺌﺔ املﺴﺢ ﻇﻬﻮر أي دﻟﻴﻞ ﻋﲆ ذﻟﻚ .ﻓﻔﻲ ﻋﺎم ،١٨٩١ﻻﺣَ َ
ﺧﺎﺻﺎ ٍّ ﻏﺎز أُﻧﺘِﺞَ ﺑﺘﺴﺨني ﺧﺎم اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم؛ ﻛﺎن ﺑﺎﻷﺳﺎس َ
ﻃﻴﻒ ٍ اﻟﺠﻴﻮﻟﻮﺟﻲ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ
ﺑﻌﺾ اﻟﺨﻄﻮط ﰲ اﻟﻄﻴﻒ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻨﻴﱰوﺟني .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺮأ ُ ﺑﺎﻟﻨﻴﱰوﺟني ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ
ﺗﻮﺻ َﻞ إﻟﻴﻪ ﻫﻴﻠﱪاﻧﺪ ،اﺷﺘﺒﻪ ﰲ أن اﻟﺨﻄﻮط اﻟﻄﻴﻔﻴﺔ ﻏري املﻌﺮوﻓﺔ اﻟﺴري وﻳﻠﻴﺎم راﻣﺰي ﻣﺎ ﱠ
ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻷرﺟﻮن ،وﻫﻮ ﻋﻨﴫ ﻏﺎزي ﺧﺎﻣﻞ وﻧﺎدر ﻛﺎن ﻗﺪ اﻛﺘﺸﻔﻪ ﻫﻮ واﻟﻠﻮرد راﻳﲇ ﰲ
آﺧﺮ ﻣﻦ ﺧﺎم اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم وﻋﺎ َﻟﺠَ ﻪ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﻬﻮاء ﻗﺒﻞ ﻋﺎم واﺣﺪ .وﻗﺪ ﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﻧﻮع َ
ﺗﻮﻗﻊَ ،ﻟﻜﻨﻪ وﺟﺪ ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻞ ﺑﻬﺎ ﻫﻴﻠﱪاﻧﺪ ﻋﲆ ﻋﻴﻨﺘﻪ؛ ﻓﻮﺟﺪه ﻏﺎز اﻷرﺟﻮن ﻛﻤﺎ ﱠ
ٍّ
ﺧﺎﺻﺎ ﺑﺎﻟﻨﻴﱰوﺟني أو اﻷرﺟﻮن. ﺧ ٍّ
ﻄﺎ أﺻﻔﺮ إﺿﺎﻓﻴٍّﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ
ﻻﺣﻘﺎ( ،وﻫﻮ ﻏﺎز ً اﻋﺘﻘﺪ ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ أن اﻟﺨﻂ ﺧﺎص ﺑﺎﻟﻜِﺮﺑﺘﻮن )وذﻟﻚ ﻛﻤﺎ ُﺳﻤﱢ ﻲ
ﱠ
ﻟﻮﻛري ﺗﻮﻗ َﻊ أﻧﻪ ﻣﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﻷرﺟﻮن؛ ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ أرﺳﻞ ﻋﻴﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻐﺎز إﱃ آﺧﺮ ﱠﺧﺎﻣﻞ َ
واﻟﺴري وﻳﻠﻴﺎم ﻛﺮوﻛﺲ ﻹﺟﺮاء ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎس اﻟﻄﻴﻔﻲ اﻟﺪﻗﻴﻖ ،أ ﱠﻛﺪَا أن ﻃﻮل ﻣﻮﺟﺔ
اﻟﺨﻂ اﻷﺻﻔﺮ ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻃﻮل اﻟﻬﻠﻴﻮم املﻮﺟﻮد ﰲ اﻟﻐﻼف اﻟﺠﻮي ﻟﻠﺸﻤﺲ؛ ﻓﺄرﺳﻞ راﻣﺰي
ﻣﺮاﺳﻼت ﻓﻮرﻳﺔ إﱃ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ املﻠﻜﻴﺔ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ واﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻠﻌﻠﻮم ﻣُﻌ ِﻠﻨًﺎ ﻋﻦ
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻬﻠﻴﻮم ﻋﲆ اﻷرض ﰲ ٢٦ﻣﺎرس ﻣﻦ ﻋﺎم .١٨٩٥ﺣﺼﻞ راﻣﺰي ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة
ﻧﻮﺑﻞ ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﰲ ﻋﺎم ١٩٠٤ﻻﻛﺘﺸﺎﻓﻪ اﻷرﺟﻮن واﻟﻬﻠﻴﻮم )ﻋﲆ اﻷرض( وﻏريﻫﻤﺎ ﻣﻦ
اﻟﻐﺎزات اﻟﻨﺎدرة ،ﺛﻢ اﻛﺘﺸﻒ اﻟﻜﺮﺑﺘﻮن واﻟﺰﻳﻨﻮن واﻟﻨﻴﻮن ﺑني ﻋﺎﻣَ ْﻲ ١٨٩٥و ،١٨٩٨ﻣﺎﻟﺌًﺎ
ﻋﻤﻮ َد اﻟﺼﻔﺮ ﰲ اﻟﺠﺪول اﻟﺪوري ﺑﺎﻟﻌﻨﺎﴏ ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺔ اﻟﻬﻠﻴﻮم.
إن ﻋﻤﻮد اﻟﺼﻔﺮ ﰲ اﻟﺠﺪول اﻟﺪوري ﻫﻮ ﻣﻜﺎن اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻟﻨﺎدرة أو اﻟﺨﺎﻣﻠﺔ ﰲ اﻟﺠﺪول
اﻟﺬي ﺗُﺮﺗﱠﺐ ﻓﻴﻪ اﻟﻌﻨﺎﴏ ﺣﺴﺐ اﻟﻌﺪد اﻟﺬري واﻟﺘﺸﺎﺑﻬﺎت املﺘﻜﺮرة أو »اﻟﺪورﻳﺔ« .وﻋﺎد ًة
ُﻨﺴﺐ اﻟﻔﻀ ُﻞ إﱃ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ اﻟﺮوﳼ دﻳﻤﻴﱰي ﻣﻨﺪﻟﻴﻒ ﰲ ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻟﺠﺪول اﻟﺪوري ﻣﺎ ﻳ َ
ﻟﻠﻌﻨﺎﴏ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻳﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﻌﻨﺎﴏ املﻮﺟﻮدة ﰲ ﻋﻤﻮد اﻟﺼﻔﺮ ﻏري ﻗﺎدرة ﻋﲆ اﻻﺗﺤﺎد
ﻣﻊ ﻋﻨﺎﴏ أﺧﺮى )أي أﻧﻬﺎ ﻋﻨﺎﴏ ﻋﺪﻳﻤﺔ اﻟﻘﺪرة اﻻﺗﺤﺎدﻳﺔ ،أو ذات ﻗﻴﻤﺔ ﺗﻜﺎﻓﺆ ﺗﺴﺎوي
ﺻﻔ ًﺮا(؛ إﻻ أﻧﻪ ﻣﻦ املﻌﺮوف اﻵن أﻧﻪ ﺣﺘﻰ ﻫﺬه اﻟﻌﻨﺎﴏ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﺤﺪ ﻣﻊ ﻋﻨﺎﴏ
أﺧﺮى ،وﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ.
58
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌﻨﺎﴏ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ
ﱠ
ﻳﺘﻐري. ﰲ ﻋﺎم ،١٩٠٤ﻛﺎن اﻟﻬﻠﻴﻮم ﻏﺎ ًزا ﻧﺎد ًرا ،ﻟﻜﻦ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٠٥ﺑﺪأ اﻟﻮﺿﻊ
دﺧﻠﺖ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﺼﻮر َة ﻣﺮة أﺧﺮى ،ﻓﺎﻛﺘُ ِﺸﻒ ﺑﱤ ﻏﺎز ﻃﺒﻴﻌﻲ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ دﻳﻜﺴﱰ ﰲ
وﺿ ﱠﺦ اﻟﻐﺎز إﱃ ﻣﻮ ﱢﻟﺪ ﺑﺨﺎري ﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻛﻮﻗﻮد .ﻟﻜﻦ ﻣﺎ أﺛﺎر دﻫﺸﺔ اﻟﺠﻤﻴﻊ أن ﻛﺎﻧﺴﺎس ُ
اﻟﻐﺎز ﻟﻢ ﻳﺤﱰق .وﻋﻨﺪ ﺗﺤﻠﻴﻠﻪ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﺎﻧﺴﺎس ،وﺟﺪوا أﻧﻪ ﻧﻴﱰوﺟني
ﰲ املﻘﺎم اﻷول ،ﻟﻜﻦ املﺪﻫﺶ أﻧﻪ اﺣﺘﻮى ﻋﲆ ﺣﻮاﱄ ٪٢ﻫﻠﻴﻮم .ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،و ُِﺟﺪ أن اﻟﻐﺎزات
املﺴﺘﺨ َﺮﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻵﺑﺎر اﻷﺧﺮى ﰲ ﺗﻜﺴﺎس وﻧﻴﻮ ﻣﻜﺴﻴﻜﻮ وﻳﻮﺗﺎ واﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ
املﻘﺎﻃﻌﺎت اﻟﻜﻨﺪﻳﺔ ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﻛﻤﻴﺎت ﺿﺌﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻬﻠﻴﻮم .وﻳﻮﺟﺪ اﻵن ﻣﺼﺪر ﻛﺒري
ﻟﻠﻬﻠﻴﻮم ﰲ املﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻢ ٢٦ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ واﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﰲ ﺷﻤﺎل ﺗﻜﺴﺎس ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ
أﻣﺮﻳﻠﻮ .وﻣﻊ أن ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻬﻠﻴﻮم ﺿﺌﻴﻠﺔ )ﺣﻮاﱄ ،(٪١٫٨ﻓﺈن ﺣﺠﻢ اﻟﻐﺎز ﰲ ﻫﺬا اﻟﺤﻘﻞ ﻛﺒريٌ
ﺟﺪٍّا ،ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻪ ﻳُﻌَ ﱡﺪ املﺼﺪر اﻟﺮﺋﻴﴘ ﻟﻠﻬﻠﻴﻮم ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ.
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ﺷﻜﻞ :4-7ﻛﺎرﺛﺔ ﻣﻨﻄﺎد ﻫﻴﻨﺪﻧﱪج؛ اﺷﺘﻌﻞ اﻟﻬﻴﺪروﺟني ﺑﻔﻌﻞ اﻟﱪق .وﺑﻌﺪ اﺳﺘﺒﺪال اﻟﻬﻠﻴﻮم
ﺑﺎﻟﻬﻴﺪروﺟني ﰲ اﻟﻄﺎﺋﺮات ،ﻟﻢ ﻳَﻌُ ْﺪ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ ﺗﻜﺮا ُر ﻣﺜﻞ ﻫﺬه اﻟﻜﻮارث.
59
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺑﺪاﻳﺔ ﻣﻦ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ﻃ ﱠﻮ َر اﻷملﺎن ﺳﻔﻨًﺎ ﺟﻮﻳﺔ ﺻﻠﺒﺔ أﺧﻒ ﻣﻦ اﻟﻬﻮاء ً
ً
ﻧﺴﺒﺔ إﱃ ﻣَ ﻦ ﺻﻤﱠ ﻤﻬﺎ وﻫﻮ اﻟﻜﻮﻧﺖ ﻓﺮدﻳﻨﺎﻧﺪ ﻓﻮن زﺑﻠني .اﻋﺘﻤﺪت ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ ﻣﻨﺎﻃﻴﺪ زﺑﻠني،
ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﺠﻮﻳﺔ ﻋﲆ اﻟﻬﻴﺪروﺟني ﻛﻘﻮة راﻓﻌﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺴﺘﺨﺪَم ﻟﻼﺳﺘﻄﻼع واﻟﻬﺠﻮم
ﺑﺎﻟﻘﻨﺎﺑﻞ ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻷوﱃ ،وﻟﺨﺪﻣﺔ ﻧﻘﻞ اﻟﺮ ﱠﻛﺎب اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﰲ ﺛﻼﺛﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن
اﻟﻌﴩﻳﻦ ،وﻗﺪ اﻧﺘﻬﻰ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﺑﻜﺎرﺛﺔ اﻻﺣﱰاق املﺬﻫﻠﺔ ملﻨﻄﺎد ﻧﻘﻞ اﻟﺮ ﱠﻛﺎب ﻫﻴﻨﺪﻧﱪج
ُﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﺴﺒﺐ ﻫﻮأﺛﻨﺎء ﻫﺒﻮﻃﻪ ﰲ ﻟﻴﻜﻬﺮﺳﺖ ﺑﻨﻴﻮ ﺟريﳼ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٣٦وﻛﺎن ﻳ َ
أن ﻛﻬﺮﺑﺎء اﻟﻐﻼف اﻟﺠﻮي ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﻌﻞ اﻟﻬﻴﺪروﺟني .وﻛﺎن املﻔﻘﻮدون اﻟﺬﻳﻦ ﺑﻠﻐﻮا ٣٦
ﺷﺨﺼﺎ أول اﻟﺨﺴﺎﺋﺮ اﻟﺒﴩﻳﺔ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻄريان اﻟﺘﺠﺎري. ً
ﻻﺣﻘﺎ ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ ﺗﺼﻤﻴﻢ ﻣﻨﻄﺎد ﻣﻤﺎﺛﻞ وﺗﻌﺪﻳﻠﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻬﻠﻴﻮم ،ﻟﻜﻦ ً ﺗ ﱠﻢ
ﱢ
اﻟﻮﺿﻊ اﻟﺪوﱄ املﺘﻮﺗﺮ أدﱠى ﺑﺎﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة — اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘﻜﺮ إﻧﺘﺎج اﻟﻬﻠﻴﻮم — إﱃ
رﻓﺾ ﺗﺼﺪﻳﺮ اﻟﻬﻠﻴﻮم.
أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة »ﻣﻨﺎﻃﻴﺪ ﻣﺮاﻗﺒﺔ« ﻏري ﺻﻠﺒﺔ
ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﻤﻬﺎم ﻣﻀﺎدة ﻟﻠﻐﻮﱠاﺻﺎت وأﺧﺮى ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻤﺮاﻗﺒﺔ اﻟﺸﻮاﻃﺊ .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻮة اﻟﺮاﻓﻌﺔ
ﻳﺘﻢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻣﻦ اﻟﻬﻠﻴﻮم ،اﻟﺬي ﻳﻤﻠﻚ ٪٩٣ﻣﻦ اﻟﻘﻮة اﻟﺮاﻓﻌﺔ املﻌﺮوﻓﺔ ﻋﻦ
اﻟﻬﻴﺪروﺟني ،وﻻ ﻳﻨﻄﻮي ﻋﲆ ﺧﻄﺮ اﻧﺪﻻع ﺣﺮﻳﻖ؛ ﻷن اﻟﻬﻠﻴﻮم ﻏﺎز ﻻ ﻳﺸﺘﻌﻞ وﻻ ﻳﺴﺎﻋﺪ
ﻋﲆ اﻻﺷﺘﻌﺎل.
أدﱠى ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﻄﺎﺋﺮات اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﺛﻘﻞ ﻣﻦ اﻟﻬﻮاء إﱃ اﺧﺘﻔﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ
أﺧﻒ ﻣﻦ اﻟﻬﻮاء واملﺴﺘﺨﺪَﻣﺔ ﰲ ﻧﻘﻞ اﻟﺮ ﱠﻛﺎب ،ﻟﻜﻨﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻧﺘﺬ ﱠﻛﺮ ذﻟﻚ اﻟﻌﻨﴫَ اﻟﻌﺠﻴﺐ
ﻻﺣﻘﺎ ﻋﲆ اﻷرض ،ﻛﻠﻤﺎ رأﻳﻨﺎً ﻒ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﴎﻧﺪﻳﺒﻲ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻋﲆ اﻟﺸﻤﺲ ،ﺛﻢ اﻟﺬي اﻛﺘُ ِﺸ َ
ﻳﻮﻓﺮ ﻣﻨﺼﺔ ﻣﺪﻫﺸﺔ ﻟﻠﻜﺎﻣريات ﻣﻨﻄﺎد »ﺟﻮدﻳري« ﻳﺤﻮم ﺣﻮل اﺳﺘﺎد ﻛﺮة ﻗﺪم؛ ﺣﻴﺚ إﻧﻪ ﱢ
اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮﻧﻴﺔ.
60
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ
أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻨﻴﱰوز ﻣﻦ اﻟﻐﺎزات اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺸﻔﻬﺎ ﺟﻮزﻳﻒ ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ ودرﺳﻬﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام »ﺟﻬﺎزه
اﻟﻐﺎزي« ﰲ ﻋﺎم ،١٧٧٢وذﻟﻚ ﻗﺒﻞ ﻋﺎﻣني ﻣﻦ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ اﻷﻛﺴﺠني )اﻟﺬي ﻋﺮﺿﻨﺎ ﻟﻪ ﰲ
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ( .وﻗﺪ اﻛﺘُ ِﺸﻒ ﻣﺒﻜ ًﺮا أن ﻫﺬا اﻟﻐﺎز ﻏري ﺳﺎم ،ﱠ
ﻟﻜﻦ ﻟﻪ آﺛﺎ ًرا ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻋﻨﺪ
اﺳﺘﻨﺸﺎﻗﻪ؛ إذ إﻧﻪ ﻳﺪﻓﻊ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﻨﺸﻘﻮﻧﻪ إﱃ اﻹﺗﻴﺎن ﺑﺘﴫﻓﺎت ﻏري ﻣﻌﺘﺎدة
ﱠت ﻧﻮﺑﺔ اﻟﻀﺤﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻴﺐ ﻣَ ﻦ ﻳﺴﺘﻨﺸﻘﻪ إﱃ ﻣﺜﻞ اﻟﻐﻨﺎء أو اﻟﺸﺠﺎر أو اﻟﻀﺤﻚ .وﻗﺪ أد ْ
ﺗﺴﻤﻴﺘﻪ ﺑﺎﻻﺳﻢ اﻟﺸﺎﺋﻊ اﻟﺬي ﻳُﻄ َﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ،وﻫﻮ »اﻟﻐﺎز ا ُمل ْﻀﺤِ ﻚ«.
ﰲ ﻋﺎم ،١٧٩٨أﺻﺒﺢ ﻫﻤﻔﺮي دﻳﻔﻲ )اﻟﺬي ﻛﺎن ﺣﻴﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه(
أﺳ َﺴﻪ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺗﻮﻣﺎس ﺑﻴﺪوز ﰲ ﺑﺮﻳﺴﺘﻮل ﺑﺈﻧﺠﻠﱰا ﻣﺴﺌﻮﻻ ﻋﻦ ﻣﻌﻬﺪ اﻟﻐﺎزات اﻟﺬي ﱠ ً
ﻒ دﻳﻔﻲ أن اﺳﺘﻨﺸﺎق ﻟﺪراﺳﺔ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻄﺒﻴﺔ ﻟﻠﻐﺎزات .وﰲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻌﺎم اﻟﺘﺎﱄَ ،
اﻛﺘﺸ َ
ﻣﺆﻗﺖ ﻟﻠﻮﻋﻲ .اﺧﺘﱪ دﻳﻔﻲ اﻟﻐﺎز ﻋﲆ ﻏﺎز أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻨﻴﱰوز ملﺪة أﻃﻮل ﻳﺆدﱢي إﱃ ﻓﻘﺪان ﱠ
ﻧﻔﺴﻪ ،وذﻛﺮ أﻧﻪ اﺳﺘﻨﺸﻖ ١٦ﻛﻮارﺗًﺎ ) ٤ﺟﺎﻟﻮﻧﺎت( ﻣﻦ اﻟﻐﺎز ﺧﻼل ٧دﻗﺎﺋﻖ ،ﻓﺄﺻﺒﺢ
ﱠت ﻗﺼﺼﻪ املﻨﻤﻘﺔ ﻋﻦ ﺗﺠﺎرﺑﻪ إﱃ ﺟﺬب اﻷﻧﻈﺎر إﻟﻴﻪ وإﱃ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ »ﺛﻤﺎﻟﺔ ﺗﺎﻣﺔ« .وﻗﺪ أد ْ
املﻌﻬﺪ اﻟﺬي ﻳﺮأﺳﻪ ﺣﺘﻰ إﻧﻪ اﺳﺘُﻘﺪِم إﱃ ﻟﻨﺪن ﻟﻴﺘﻘﻠﺪ ﻣﻨﺼﺒًﺎ ﰲ املﻌﻬﺪ املﻠﻜﻲ ﰲ ﻋﺎم
،١٨٠١وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺮﻗﻰ ﻓﻴﻪ إﱃ ﻣﻨﺼﺐ أﺳﺘﺎذ .وﻗﺪ ذاع ﺻﻴﺖ دﻳﻔﻲ ﺑﺼﻔﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ
ﺑﺴﺒﺐ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ﻟﻌﻨﺎﴏ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﻋﺪﻳﺪة وﺗﺤﺪﻳﺪه ﻟﻄﺒﻴﻌﺘﻬﺎ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ »اﻛﺘﺸﻒ«
أﻳﻀﺎ ﻣﺎﻳﻜﻞ ﻓﺎراداي — ﻋﺒﻘﺮي اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء — اﻟﺬي اﺗﺨﺬه دﻳﻔﻲ ﻣﺴﺎﻋﺪًا ﻟﻪ ،واﻟﺬي ﺧﻠﻒ ً
دﻳﻔﻲ ﻛﺄﺳﺘﺎذ ﰲ املﻌﻬﺪ املﻠﻜﻲ .و ُﻣﻨِﺢ دﻳﻔﻲ ﻟﻘﺐ »ﺳري« وﻫﻮ ﰲ ﺳﻦ اﻟﺮاﺑﻌﺔ واﻟﺜﻼﺛني.
ﻣﻊ أن دﻳﻔﻲ أﺷﺎر إﱃ أن أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻨﻴﱰوز رﺑﻤﺎ ﻳﻔﻴﺪ ﰲ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺠﺮاﺣﻴﺔ ،ﻓﻠﻢ
ﺗﻜﻦ ﺛﻤﺔ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻬﺬا اﻷﻣﺮ ،وﰲ اﻟﺴﻨﻮات اﻷوﱃ ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ﻛﺎن اﻻﺳﺘﺨﺪام
اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻬﺬا اﻟﻐﺎز ﻫﻮ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﺴﻠﻴﺔ واملﺘﻌﺔ .وﰲ ﻋﺎم ١٨٤٤ﰲ ﻫﺎرﺗﻔﻮرد
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﱠت إﱃ اﻛﺘﺸﺎف ﺑﻜﻮﻧﻴﺘﻴﻜﺖ ،ﺗﻢ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻋﺮض ﻋﺎم ﺑﻐﺮض اﻟﺘﺴﻠﻴﺔ ،ﻓﻮﻗﻌﺖ ﻓﻴﻪ ﺣﺎدﺛﺔ أد ْ
اﻟﺘﺨﺪﻳﺮ ﰲ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺠﺮاﺣﻴﺔ.
ﻃﻠﺐ ﻣﻘﺪﱢم اﻟﻌﺮض ،وﻫﻮ رﺟﻞ ﻳُﺪﻋﻰ ﻛﻮﻟﺘﻦ ،ﻣﺘﻄﻮﻋني ﻻﺳﺘﻨﺸﺎق اﻟﻐﺎز ،ﻓﺘﻘﺪﱠﻣﺖ
ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص وﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺷﺎب ﺻﻐري ﻳُﺪﻋﻰ ﺻﺎﻣﻮﻳﻞ ﻛﻮﱄ ،ﺟﺎء ﻣﻊ ﺻﺪﻳﻘﻪ
ً
ﻋﻨﻴﻔﺎ؛ ﺣﻴﺚ ﺗﺸﺎﺟَ َﺮ ﻣﻊ ﻃﺒﻴﺐ اﻷﺳﻨﺎن ﻫﻮراس وﻳﻠﺰ .ﺑﻌﺪ اﺳﺘﻨﺸﺎق اﻟﻐﺎز ،أﺻﺒﺢ ﻛﻮﱄ
آﺧﺮﻳﻦ واﻧﺰﻟﻖ وﺳﻘﻂ ﻋﲆ اﻷرض ،ﻓﺄﻋﺎده اﻻرﺗﻄﺎم ﺑﺎﻷرض إﱃ وﻋﻴﻪ وذﻫﺐ ﰲ ﻫﺪوء إﱃ َ
ﻣﻘﻌﺪه وﺳﻂ اﻟﺠﻤﻬﻮر ﺑﺠﺎﻧﺐ وﻳﻠﺰ .ﻟﻜﻦ ﴎﻋﺎن ﻣﺎ رأى أﺣﺪ اﻷﺷﺨﺎص ﺑﺮﻛﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎء
ﻏﺎﺋﺮ ﰲ رﺟﻠﻪ .ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﻮﱄ واﻋﻴًﺎ ﺑﺎﻹﺻﺎﺑﺔ ٍ ﻗﻄﻊ
ٍ ﺗﺤﺖ ﻣﻘﻌﺪ ﻛﻮﱄ ،وو ُِﺟﺪ أﻧﻬﺎ ﺑﺴﺒﺐ
اﻟﺘﻲ ﺳﺒﱠﺒ َِﺖ اﻟﺠﺮح ،وﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺄي أﻟﻢ ﺣﺘﻰ ذﻫﺐ ﺗﺄﺛري اﻟﻐﺎز ﺑﻌﺪ ﻓﱰة .وﻧﻈ ًﺮا ﻷن وﻳﻠﺰ
ً
ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﺆملﺔ ﺟﺪٍّا ﻛﺎن ﻃﺒﻴﺐ أﺳﻨﺎن ،ﻓﻘﺪ اﺳﱰﻋﻰ اﻧﺘﺒﺎﻫﻪ ﻣﺎ ﺣﺪث .ﻟﻘﺪ ﻛﺎن ﺧﻠﻊ اﻷﺳﻨﺎن
واع ﻟﺪرﺟﺔ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم ،ﻓﻘﺎل وﻳﻠﺰ ﰲ ﻧﻔﺴﻪ إذا ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻐﺎز ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺠﻌﻞ املﺮء ﻏري ٍ
أﻧﻪ ﻻ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺠﺮح ﻏﺎﺋﺮ ﻛﺎﻟﺬي أﺻﺎب ﻛﻮﱄ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﰲ ﺧﻠﻊ اﻷﺳﻨﺎن دون
أﻟﻢ.
وﻗﺖ وﺳﺎرع ﺑﺎﺧﺘﺒﺎر ﻫﺬه اﻻﺣﺘﻤﺎﻟﻴﺔ ،ﻓﺎﺳﺘﺪﻋﻰ ﻃﺒﻴﺐَ أﺳﻨﺎن ﻟﻢ ﻳﻬﺪر وﻳﻠﺰ أي ٍ
ﺻﺪﻳﻘﺎ ﻟﻪ وﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺧﻠﻊ ﴐس ﻣﺴﻮس ﻟﺪﻳﻪ ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻨﺸﻖ ﻏﺎز أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻨﻴﱰوز، ً
وﺗﻤﺖ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺨﻠﻊ اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻴﺔ ﰲ ﺣﻀﻮر ﺷﻬﻮ ٍد ﺷﻬﺪوا ً
ﻻﺣﻘﺎ ﺑﺄﻧﻬﻢ رأوا اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗُﺠ َﺮى
ﺑﻴﻨﻤﺎ وﻳﻠﺰ ﻏﺎﺋﺐ ﻋﻦ اﻟﻮﻋﻲ ،وأن وﻳﻠﺰ ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻌﺎد وﻋﻴﻪ ،ﻗﺎل إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺄي أﻟﻢ.
ﻋﺮﺿﺎ ﰲ ﻣﺪرج ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﻣﺎﺳﺎﺗﺸﻮﺳﺘﺲ اﻟﻌﺎم ﰲ ﺑﻮﺳﻄﻦ. ً ﻗ ﱠﺪ َم ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ وﻳﻠﺰ
ﻣﺮﻳﻀﺎ ﻛﺎن ﻣﺴﺘﻌﺪٍّا ﻻﺳﺘﻨﺸﺎق اﻟﻐﺎز وﺗﻢ ﺧﻠﻊ إﺣﺪى أﺳﻨﺎﻧﻪ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛري اﻟﻐﺎز .وﻗﺪ ً وﺟﺪ
اﻟﺴﻦ ﻗﺒﻞ أن ﻳﴪي ﱢ ً
وﻣﻨﻔﻌﻼ ،اﻷﻣﺮ ﺑﺨﻠﻊ أﻋﻄﻰ وﻳﻠﺰ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ﻣﺘﻮﺗ ًﺮا
ﺗﺄﺛريُ اﻟﺘﺨﺪﻳﺮ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ،ﻓﴫخ املﺮﻳﺾ ﻣﻦ اﻷﻟﻢ .وﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻦ وﻳﻠﺰ وﻗﺘﻬﺎ إﻻ أن ﻏﺎدر
املﺪرج وﻫﻮ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﺰي ،واﺿﻄﺮ ﺑﻌﺪ ﻓﱰة ﻗﻠﻴﻠﺔ أن ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ ﻣﺰاوﻟﺔ ﻣﻬﻨﺘﻪ.
ﰲ ﻋﺎم ،١٨٤٦ﺑﻌﺪ ﻋﺎﻣني ﻣﻦ اﻟﻔﺸﻞ اﻟﺬرﻳﻊ ﻟﻌﺮض وﻳﻠﺰ ،ﻗ ﱠﺮ َر أﺣﺪ ﻃﻠﺒﺔ وﻳﻠﺰ
— اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﴍﻳﻜﻪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،وﻳُﺪﻋَ ﻰ وﻳﻠﻴﺎم ﺗﻲ ﺟﻲ ﻣﻮرﺗﻮن — ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻫﺬا اﻟﻐﺎز
ﻋﲆ ﻣﺮﺿﺎه ،وﻛﺎن ﻳﻌﺮف أن وﻳﻠﺰ ﻗﺪ ﺟ ﱠﺮﺑﻪ ﺑﻨﺠﺎح ﻋﲆ ﻣﺮﺿﺎه ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺮض اﻟﺴﻴﺊ
اﻟﺤﻆ اﻟﺬي ﻗﺪﱠﻣَ ﻪ .ﺳﺄل ﻣﻮرﺗﻮن ﴍﻳﻜﻪ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﺗﺸﺎرﻟﺰ ﺗﻲ ﺟﺎﻛﺴﻮن ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ
ﺑﺪﻻ ﻣﻨﻪ اﻹﺛريَ اﻟﺬي ادﱠﻋﻰ أﻧﻪ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻨﻴﱰوز ،ﻓﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ أن ﻳﺠ ﱢﺮب ً
اﺳﺘﺨﺪﻣﻪ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ﻛﻤﺎدة ﺗﺨﺪﻳﺮ .ﺟ ﱠﺮبَ ﻣﻮرﺗﻮن اﻹﺛري وﻧﺠﺤﺖ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﺧﻠﻊ ﺳﻨٍّﺎ
62
اﺳﺘﺨﺪام أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻨﻴﱰوز واﻹﺛري ﰲ اﻟﺘﺨﺪﻳﺮ
ﻷﺣﺪ املﺮﴇ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛري اﻹﺛري دون أن ﻳﺸﻌﺮ املﺮﻳﺾ ﺑﺎﻷﻟﻢ ،وﻛﺎن ذﻟﻚ ﰲ ٣٠ﺳﺒﺘﻤﱪ
آﺧﺮ ﰲ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ وﻳﻠﺰ، .١٨٤٦وﺑﻌﺪ ﻓﱰة ﻗﺼرية ،ﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﺗﴫﻳﺢ ﺑﺘﻘﺪﻳﻢ ﻋﺮض َ
وﻫﺬه املﺮة اﺳﺘﺄﺻﻞ ﻣﻮرﺗﻮن ورﻣً ﺎ ﻣﻦ رﻗﺒﺔ ﻣﺮﻳﺾ ﺑﻌﺪ ﺗﺨﺪﻳﺮه ﺑﺎﻹﺛري .ﺷﻬﺪ ﺟﻤﻬﻮر
ﻛﺒري ﻫﺬا اﻟﻌﺮض اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ ،وأدى ذﻳﻮع اﻟﻌﺮض واﻧﺘﺸﺎره ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ إﱃ ﺗﻤﻬﻴﺪ
اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻠﺨﻼف اﻟﻜﺒري اﻟﺬي ﻧﺸﺐ ﺑني وﻳﻠﺰ وﻣﻮرﺗﻮن وﺟﺎﻛﺴﻮن) .املﺴﻤﱠ ﻰ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ
اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﻠﺴﺎﺋﻞ املﺘﻄﺎﻳﺮ اﻟﺬي اﺳﺘﺨﺪﻣﻪ ﻣﻮرﺗﻮن ﻫﻮ إﺛري ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻹﻳﺜﻴﻞ ،وﻫﻮ ﻳُﻌَ ﱡﺪ اﻷﺷﻬﺮ
ٍ
ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ املﺮﻛﺒﺎت املﺮﺗﺒﻄﺔ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ املﻌﺮوﻓﺔ ﻋﻤﻮﻣً ﺎ ﺑﻌﺎﺋﻠﺔ اﻹﺛري؛ وﻋﻠﻴﻪ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﺿﻤﻦ
ً
ﻳﻘﻮل ﺷﺨﺺ ﻏري ﻣﺨﺘﺺ »إﺛري« ،ﻓﺈﻧﻪ ﻋﺎدة ﻣﺎ ﻳﻘﺼﺪ »إﺛري ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻹﻳﺜﻴﻞ«(.
ﻟﻜﻦ ﺟﺎﻛﺴﻮن ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻪ رواﻳﺔ أﺧﺮى ﻟﻠﻘﺼﺔ؛ ﺣﻴﺚ ادﱠﻋَ ﻰ أﻧﻪ ﻗﺪ أﻗﻨﻊ ﻣﻮرﺗﻮن ﰲ
اﻟﻮاﻗﻊ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻹﺛري؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻗﺪ ﺟ ﱠﺮبَ ﺷﺨﺼﻴٍّﺎ ﺧﺼﺎﺋﺼﻪ اﻟﺘﺨﺪﻳﺮﻳﺔ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﻔﱰة
ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ووﺻﻒ ﻛﻴﻒ أﻧﻪ ﰲ ﺷﺘﺎء ١٨٤٢-١٨٤١ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺨﺪم اﻟﻜﻠﻮر ﰲ إﺣﺪى اﻟﺘﺠﺎرب
ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﻜﴪ اﻟﻮﻋﺎء املﺤﺘﻮي ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺘﺄﺛ ﱠ َﺮ ﺑﺸﺪة ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻜﻠﻮر اﻟﺴﺎم .واﺳﺘﻨﺸﻖ اﻹﺛري
واﻟﻨﺸﺎدر ﺑﺎﻟﺘﻨﺎوب ،ﻓﻮﺟﺪ أﻧﻬﻤﺎ ﻣﺴ ﱢﻜﻨﺎن ﻟﻸﻟﻢ .وﰲ ﺻﺒﺎح اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ،اﺳﺘﻨﺸﻖ ﻣﺰﻳﺪًا
ﻣﻦ اﻹﺛري ،ﻓﻮﺟﺪ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻟﻪ أﺛﺮ أﻗﻮى ﰲ ﺗﺨﻔﻴﻒ ﺣﺎﻟﺔ اﺣﺘﻘﺎن اﻟﺤَ ْﻠﻖ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻌﺎﻧﻲ
ﻣﻨﻬﺎ ،وﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ﺑﺄي أﻟﻢ وﻓﻘﺪ اﻟﻮﻋﻲ .وﻗﺎل ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ» :ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﺗﺄﻣﱠ ﻠﺖ ﻫﺬه اﻟﻈﻮاﻫﺮ ،ﺗﺼﻮﱠرت أﻧﻨﻲ وﺻﻠﺖ إﱃ اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﺬي ﻃﺎملﺎ ﺳﻌﻴﺖ إﱃ اﻟﻮﺻﻮل
ﻣﺆﻗﺘﺔ؛ إﻟﻴﻪ؛ أ َ َﻻ وﻫﻮ اﻛﺘﺸﺎف ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﺘﻌﻄﻴﻞ اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ اﻟﺤﺴﻴﺔ ﻷﻋﺼﺎب اﻹﺣﺴﺎس ﺑﺼﻔﺔ ﱠ
ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ إﺟﺮاء ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺟﺮاﺣﻴﺔ ملﺮﻳﺾ دون أن ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺎﻷﻟﻢ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء«.
ﺣﺎ َو َل ﺟﺎﻛﺴﻮن أن ﻳﻨﺎل اﻟﻔﻀ َﻞ وﺣﺪه ﰲ ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف ﻣﻦ دون ﻣﻮرﺗﻮن ووﻳﻠﺰ
وﺣﺘﻰ دﻳﻔﻲ ،وادﻋﻰ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻐﻠﻮط أن دﻳﻔﻲ ﻗﺎل إن أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻨﻴﱰوز ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن
ﻳُﺴﺘﺨﺪَم ﻛﻤﺨﺪر؛ إذ إﻧﻪ ﻗﺎل إن وﻳﻠﺰ ﻗﺪ وﺟﺪ ً
أﻳﻀﺎ أن ﻫﺬا اﻟﻐﺎز ﻻ ﻳُﻮﻗِﻒ اﻷﻟﻢ وأ ﱠﻛ َﺪ
ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﲆ ذﻟﻚ .اﺷﺘﻌﻞ اﻟﴫاع ﺑني ﺟﺎﻛﺴﻮن ووﻳﻠﺰ وﻣﻮرﺗﻮن ،واﺳﺘﻤﺮ اﻟﴫاع
ُﻨﺎﴏﻳﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ اﻧﺘﺤﺎر وﻳﻠﺰ ﰲ ﻋﺎم .١٨٤٨وﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ﻋُ ِﺮض اﻟﴫاع ﻋﲆ ﺑني ﻣ ِ
آﺧﺮ ﻋﲆ ﻧﻴﻞ ﻓﻀﻞ اﻟﻜﻮﻧﺠﺮس اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻛﻲ ﻳﻔﺼﻞ ﻓﻴﻪ .وﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ،ﻇﻬﺮ ﻣﻨﺎﻓِ ﺲ َ
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺘﺨﺪﻳﺮ.
املﻨﺎﻓﺲ اﻟﺮاﺑﻊ ﻫﻮ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻛﺮوﻓﻮرد دﺑﻠﻴﻮ ﻟﻮﻧﺞ ﻣﻦ ﺟﻴﻔﺮﺳﻦ ،ﺑﻮﻻﻳﺔ ﺟﻮرﺟﻴﺎ
اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ .ﰲ أواﺋﻞ اﻷرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ،ﻇﻬﺮت ﺗﻘﻠﻴﻌﺔ ﰲ اﻟﺠﻨﻮب ﺗﺘﻤﺜﻞ
ﰲ إﻗﺎﻣﺔ ﺣﻔﻼت ﻳُﻐﻴﱠﺐ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺎﴐون ﻋﻦ اﻟﻮﻋﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﺳﺘﻨﺸﺎق ﻏﺎز أﻛﺴﻴﺪ
63
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻟﻨﻴﱰوز ،ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﻌﺮض اﻟﺬي ُﻗﺪﱢم ﰲ ﻫﺎرﺗﻔﻮرد ﺑﻜﻮﻧﻴﺘﻴﻜﺖ اﻟﺬي ﺷﻬﺪه وﻳﻠﺰ .ﻃﻠﺐ
ﺑﻌﺾ أﺻﺪﻗﺎء ﻟﻮﻧﺞ ﻣﻨﻪ أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻨﻴﱰوز ،وﺣﻴﺚ إﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻤﻠﻚ ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻨﻪ ،أﺧﱪﻫﻢ أن
ُﺒﻬﺠﺔ ﻣﻜﺎﻓﺌﺔ« .وﺑﻌﺪ أن ﺑﺪﻻ ﻣﻨﻪ ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﻋﺮف ﺑﺨﱪﺗﻪ أﻧﻪ ﻳُﺤﺪِث »آﺛﺎ ًرا ﻣ ِ ﻟﺪﻳﻪ اﻹﺛري ً
اﺳﺘﻨﺸﻘﻮا اﻹﺛري واﺳﺘﻤﺘﻌﻮا ﺑﺘﺄﺛريه ﻋﻠﻴﻬﻢ ،ﻗ ﱠﺮروا أﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮن ﻣﻦ املﺴﲇ أن ﻳﺠ ﱢﺮﺑﻮه ﻋﲆ
اﻟﻌﺒﺪ اﻷﺳﻮد اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻘﺪﱢم املﺮﻃﺒﺎت ،ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﺸﺨﺺ ﻟﻢ ﺗﻌﺠﺒﻪ اﻟﻔﻜﺮة ،وﺧﻼل
ﺗﻨﻔﺴﻪ اﻟﻌﻤﻴﻖ إﱃ اﺳﺘﻨﺸﺎق ﻛﻤﻴﺔ ﻛﺒرية ﻣﻦ اﻹﺛري اﻟﺸﺠﺎر اﻟﺬي ﻧﺸﺐ ﺑﻴﻨﻬﻢ ،أدﱠى ﺑﻪ ﱡ
ﻟﺪرﺟﺔ ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻳﺴﻘﻂ ﻋﲆ اﻷرض ﻓﺎﻗﺪًا اﻟﻮﻋﻲ .واﺳﺘُﺪﻋﻲ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻟﻮﻧﺞ ﺑﴪﻋﺔ؛ ﻷن ٍ
أﺻﺪﻗﺎء ﻟﻮﻧﺞ ﺧﺸﻮا أن ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﻣﺎت ،ﻓﺄﻇﻬﺮ اﻟﻔﺤﺺ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺘﻨﻔﺲ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎم ﺑﻨﺒﻀﺎت
ﻣﺒﺎﴍ ًة ،وﻋﻨﺪﻣﺎ أﻓﺎق ﺑﻌﺪ ﻋﺪة ﺳﺎﻋﺎت ﻻﺣﻘﺔ ،ﻛﺎن ﻃﺒﻴﻌﻴٍّﺎ ﻓﻴﻤﺎ َ ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳُﻔ ِْﻖ
ﻋﺪا أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﺬ ﱠﻛﺮ ﻣﺎ ﺣﺪث.
اﻧﺘﺒﻪ ﻟﻮﻧﺞ ،ﻣﺜﻞ وﻳﻠﺰ ،إﱃ اﺣﺘﻤﺎﻟﻴﺔ إﺟﺮاء ﻋﻤﻠﻴﺎت ﺟﺮاﺣﻴﺔ ﻋﲆ املﺮﴇ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛري
ﻣﺨﺪﱢر ﻣﺎ ،واﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻘﺼﺪ ﺑﻪ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻹﺛري وﻟﻴﺲ أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻨﻴﱰوز .وﺣﻈﻲ ﻟﻮﻧﺞ
ﺑﺄول ﻓﺮﺻﺔ ﻻﺧﺘﺒﺎر ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﰲ ٣٠ﻣﺎرس ﻣﻦ ﻋﺎم ،١٨٤٢ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﺄﺻﻞ ورﻣني ﻣﻦ
رﻗﺒﺔ ﻣﺮﻳﺾ دون أن ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺄﻟ ٍﻢ ﺑﻌﺪ أن اﺳﺘﻨﺸﻖ اﻹﺛري ،وﻛﺎن ﻫﺬا ﻗﺒﻞ أرﺑﻌﺔ أﻋﻮام ﻣﻦ
إﺟﺮاء ﻣﻮرﺗﻦ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺟﺮاﺣﻴﺔ ﻋﲆ ﻣﺮﻳﺾ ﺑﻌﺪ ﺗﺨﺪﻳﺮه ﺑﺎﻹﺛري ﰲ ﺑﻮﺳﻄﻦ .اﺳﺘﺨﺪم ﻟﻮﻧﺞ
ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﻹﺛري ﺑﺎﻧﺘﻈﺎم ﻟﺘﺨﺪﻳﺮ ﻣﺮﺿﺎه ،ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻣﺘﻮاﺿﻌً ﺎ وﻟﻢ ﻳُﻌﻠِﻦ ﻋﻦ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ.
ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺸﺐ اﻟﺨﻼف ﺑني ﺟﺎﻛﺴﻮن وﻣﻮرﺗﻮن ووﻳﻠﺰ ،ﺗﻘ ﱠﺪ َم أﺻﺪﻗﺎء ﻟﻮﻧﺞ
ﺑﻤﺬ ﱢﻛﺮة إﱃ اﻟﻜﻮﻧﺠﺮس ﻳُﻌﻠِﻨﻮن ﻓﻴﻬﺎ أﺳﺒﻘﻴﺘﻪ ﰲ اﻛﺘﺸﺎف ﺗﺄﺛري اﻹﺛري ،ﻟﻜﻦ اﻟﻜﻮﻧﺠﺮس
ﻟﻢ ﻳُﺼﺪِر أيﱠ ﻗﺮار رﺳﻤﻲ ﺑﺸﺄن ﻫﺬا اﻟﺨﻼف .وأﻋﻠﻨﺖ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻟﻄﺐ
اﻷﺳﻨﺎن واﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﻄﺒﻴﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم ١٨٧٠أن وﻳﻠﺰ )وذﻟﻚ ﺑﻌﺪ وﻓﺎﺗﻪ( ﻫﻮ
ﻣﻜﺘﺸﻒ اﻟﺘﺨﺪﻳﺮ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ. ِ
اﺳﺘﻤ ﱠﺮ ﻣﻮرﺗﻮن وﻟﻮﻧﺞ ﰲ اﺳﺘﺨﺪام اﻹﺛري ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺎﺗﻬﻤﺎ اﻟﺠﺮاﺣﻴﺔ .ووﻗﻌﺖ ﺣﻮادث
ﻛﺜرية أﺛﻨﺎء اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﲆ اﻹﺛري ﰲ اﻟﺘﺨﺪﻳﺮ ﺟﻌﻠﺖ اﻷﻋﻀﺎء املﺤﺎﻓِ ﻈني ﺑﺸﺪة ﰲ ﻣﻬﻨﺘَﻲ اﻟﻄﺐ
اﻟﺨﻨﺎق ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻋﲆ ﻣﻮرﺗﻮن ﺣﺘﻰ ﺗﺮك املﻬﻨﺔ. ُ ُﻌﺎرﺿﻮن اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪُ ،
وﺿﻴﱢﻖ وﻃﺐ اﻷﺳﻨﺎن ﻳ ِ
وﻋُ ﺜِﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺎﻗﺪًا اﻟﻮﻋﻲ ﰲ ﺣﺪﻳﻘﺔ »ﺳﻨﱰال ﺑﺎرك« ﰲ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﻋﺎم ،١٨٦٨وﻣﺎت ﻣﺘﺄﺛ ًﺮا
ُﻌﺘﻘﺪ أﻧﻬﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﻫﺠﻮم ﻣﻦ ﻣﻌﺘ ٍﺪ ﻏري ﻣﻌﺮوف .وﻧﺎل ﺟﺎﻛﺴﻮن ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ ﺑﺠﺮوح ﻳ َ
إﱃ ﺟﺎﻧﺐ ﺣﺼﻮﻟﻪ ﻋﲆ ﻧﻮط اﻟﻨﴪ اﻷﺣﻤﺮ ﻟﱪوﺳﻴﺎ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻣﺎت ﰲ ﻣﺼﺤﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم
ً
ﺗﻤﺜﺎﻻ ﻣﻴﺘﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم ،١٨٧٨وﺻﻨﻌﺖ وﻻﻳﺔ ﺟﻮرﺟﻴﺎ .١٨٨٠أﻣﺎ ﻟﻮﻧﺞ ،ﻓﻘﺪ ﻣﺎت ً
64
اﺳﺘﺨﺪام أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻨﻴﱰوز واﻹﺛري ﰲ اﻟﺘﺨﺪﻳﺮ
ﻟﻪ ﰲ ﻗﺎﻋﺔ املﺸﺎﻫري ﰲ واﺷﻨﻄﻦ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔُ ،ﻛﺘِﺐ ﺗﺤﺘﻪ» :ﺗﻘﺪﻳ ًﺮا ﻣﻦ ﺟﻮرﺟﻴﺎ ،ﻟﻜﺮوﻓﻮرد
ﻛﻤﺨﺪر ﰲ اﻟﺠﺮاﺣﺔ ﰲ ٣٠ﻣﺎرس ١٨٤٢ ٍ دﺑﻠﻴﻮ ﻟﻮﻧﺞ ،ﻣ ِ
ُﻜﺘﺸﻒ اﺳﺘﺨﺪام إﺛري اﻟﻜﱪﻳﺘﻴﻚ
ﰲ ﺟﻴﻔﺮﺳﻦ ﺑﻤﻘﺎﻃﻌﺔ ﺟﺎﻛﺴﻮن ﰲ وﻻﻳﺔ ﺟﻮرﺟﻴﺎ ﺑﺎﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ) «.وﰲ
اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻹﺛري ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳُﻌﺮف ﺗﻘﻨﻴٍّﺎ ﺑﺈﺛري ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻹﻳﺜﻴﻞ(.
ﻃﺎ ﺑﺎﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ﻣﻦ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺘﺨﺪﻳﺮ ﻫﻨﺎك اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻗﻠﻴﻠﺔ أﻛﺜﺮ ارﺗﺒﺎ ً
ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻨﻬﺎ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﻟﻺﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﻘﺪرﺑﺎﺳﺘﺨﺪام أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻨﻴﱰوز واﻹﺛري ،ﻟﻜﻦ ً
اﻟﺬي رأﻳﻨﺎه ﰲ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﺘﺨﺪﻳﺮ ،ورﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺼﻌﺐ
ُﻨﺴﺐ إﻟﻴﻪ اﻟﻔﻀ ُﻞ ﰲ اﻛﺘﺸﺎﻓﻬﺎ.ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣَ ْﻦ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳ َ
ﺗﻌﻘﻴﺐ
آﺧﺮون» :ﻻ ﻳﺤﺼﺪ املﺮء إﻻ ﻣﺎ زرع «.إن ﻳﻘﻮل اﻟﺒﻌﺾ» :ﻻ ﺟﺪﻳ َﺪ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﻤﺲ «.وﻳﻘﻮل َ
ﻛﻠﺘﺎ املﻘﻮﻟﺘني ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﻄ ِﺒ َﻘﺎ ﻋﲆ ﻗﺼﺔ اﻛﺘﺸﺎف أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻨﻴﱰوز واﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن
ﻛﻐﺎز ﻣﺜري ﻟﻠﻀﺤﻚ ،واﻵن
ٍ ﻳُﺴﺘﺨﺪَم ﻫﺬا اﻟﻐﺎز ﰲ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ اﻟﺸﺒﺎب
ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻪ املﺮاﻫﻘﻮن ﻛﻨﻮع ﻣﻦ املﺨﺪرات .ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻋﺎﻣﻞ ﻣﻬﻢ ﰲ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﺑﺪﻳﻞ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ
املﺨﻔﻮﻗﺔ؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻓﻬﻮ ﻣﺘﺎح ﰲ أﺳﻮاق اﻟﺴﻮﺑﺮ ﻣﺎرﻛﺖ املﺤﻠﻴﺔ أو ﻟﺪى ﻣﻮ ﱢردي املﻄﺎﻋﻢ.
ﺎﴐ وﻧﻈ ًﺮا ﻟﺴﻬﻮﻟﺔ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻴﻪ ،ﻓﺎﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص ﻳﺴﻴﺌﻮن اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪً ،
ﻃﺒﻘﺎ ملﺤَ ِ
اﻟﴩﻃﺔ.
65
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ
ﺻﻨﱢﻌﺖ ﰲ املﻌﻤﻞ )اﻧﻈﺮ ﺷﻜﻞ رﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻓﻴﺘﺎﻣني ب ١٢ﻫﻮ أﻋﻘﺪ املﻮاد اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ اﻟﺘﻲ ُ
أﺷﻨﻤﻮﴎ ﻋﻦ ﺗﺼﻨﻴﻌﻪ، .(1-9ﻓﻔﻲ ﻋﺎم ،١٩٧٢أﻋﻠﻦ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ روﺑﺮت ﺑﻲ وودورد وأﻟﱪت ِ
وﻛﺎن ﻫﺬا ﻧﺘﺎج ﻋﻤﻞ ﻣﺸﱰك ﰲ ﻫﺎرﻓﺮد وزﻳﻮرخ ﺷﺎرك ﻓﻴﻪ ١٠٠ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﻣﻦ ١٩دوﻟﺔ
ملﺪة ١١ﻋﺎﻣً ﺎ .وﻣﻊ أن ﺗﺠﺮﺑﺔ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻫﺬه ﻟﻦ ﺗﻜﻮن أﺑﺪًا ﻣﺼﺪ ًرا ﻓﻌﻠﻴٍّﺎ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ
اﻟﻔﻴﺘﺎﻣني ،ﻓﻬﻲ ﻋﻼﻣﺔ ﺑﺎرزة ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﻌﻀﻮي؛ ﻷن ﺗﻔﺎﻋﻼت وﺗﻘﻨﻴﺎت وﻧﻈﺮﻳﺎت
ﺟﺪﻳﺪة ﻗﺪ ﺗ ﱠﻢ ﺗﻄﻮﻳﺮﻫﺎ أﺛﻨﺎء ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ.
ﻂ ﺑﻜﺜري ﻣﻦ ﻫﺬا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻴﻮرﻳﺎ ،وﻫﻲ أو ُل ﻣﺎدة ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﺗُﺼﻨﱠﻊ ﰲ املﻌﻤﻞ ،أﺑﺴ َ
اﻟﻔﻴﺘﺎﻣني )اﻧﻈﺮ ﺷﻜﻞ ،(2-9وﻗﺪ ﺻﻨﱠﻌﻬﺎ ﻓﺮﻳﺪرﻳﻚ ﻓﻮﻟﺮ ﰲ ﻣﻌﻤﻠﻪ ﰲ ﺑﺮﻟني ﺑﺼﻮرة ﻏري
ﻣﺘﻌﻤﱠ ﺪة ﰲ ﻋﺎم .١٨٢٨
اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ اﻟﻴﻮرﻳﺎ ﰲ ﻋﺎم ١٨٢٨ﻛﻤﺮﻛﺐ ﻋﻀﻮي أﺳﺎﳼ .ﻋ ﱠﺮف اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ اﻟﺴﻮﻳﺪي
املﻌﺮوف ﻳﻮﻧﺰ ﻳﺎﻛﻮب ﺑﺮﺳﻴﻠﻴﻮس ﻣﺼﻄﻠﺢَ »ﺣﻴﻮي« ﰲ ﻋﺎم ١٨٠٧ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،وﻫﻮ ﻳُﻄﻠِﻘﻪ
ﻋﲆ أﻳﺔ ﻣﺎدة ﻳﻨﺘﺠﻬﺎ ﻛﺎﺋﻦ ﺣﻲ ،ﺳﻮاء أﻛﺎن ﻧﺒﺎﺗًﺎ أم ﺣﻴﻮاﻧًﺎ ،ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ املﻮاد اﻟﺘﻲ
ﻮﺻﻒ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻏري ﻋﻀﻮﻳﺔ .و ُِﺿﻌﺖ ﻛﻞ املﺮﻛﺒﺎت ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر ﻣﻌﺪﻧﻴﺔ ﻏري ﺣﻴﺔ واﻟﺘﻲ ﺗُ َ
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ املﻌﺮوﻓﺔ ﺿﻤﻦ ﻫﺎﺗني اﻟﻔﺌﺘني ﰲ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ .وﻛﺎﻧﺖ املﻮاد ﻏري
اﻟﻔﻠﺰﻳﺔ ،ﻣﺜﻞ اﻟﻌﻨﺎﴏ املﻌﺪﻧﻴﺔ )اﻟﻔﻠﺰات( اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ وﻣﺮﻛﺒﺎﺗﻬﺎ املﻮﺟﻮدة ﰲ املﻌﺎدن ،أﺑﺴ َ
ﻂ
ﺑﻜﺜري ﻣﻦ املﻮاد اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺴﻜﺮ واﻟﻨﺸﺎ واﻟﺪﻫﻦ اﻟﺤﻴﻮاﻧﻲ ،وﻛﺎن ﻳ َ
ُﻌﺘﻘﺪ أن املﻮاد
آﺧﺮ .وﺗﻀﻤﱠ ﻨﺖﺣﻴﻮان إﱃ َ
ٍ ٍ
ﻧﺒﺎت أو ذات »ﻗﻮة ﺣﻴﻮﻳﺔ« ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ُ
ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﺤَ ﻴﻮﻳﱠﺔ اﻓﱰاض أﻧﻪ ﰲ ﺣني ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻨﻴﻊ املﻮاد ﻏري اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﰲ املﻌﻤﻞ ،ﻓﺈن
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
CH2OH
O H
H H
O H
P O HO
O O−
H3C CH
CH3
N
CH2
NH N
CH3
CO
CH2
CH2
CH2CH2CONH2
CH3
CH3
C
H H
N CH3
CH3 H
N CH CH2CH2CONH2
++
CO
CH2 N CH3
CH3 N
H
H
CONH2 C
H3C
CN CH3 CH2
CH2
CH2CH2CONH2
CONH2
CONH2
68
ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻓﻮﻟﺮ ﻟﻠﻴﻮرﻳﺎ وﺑﺪاﻳﺔ ﻋﴫ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ
O
N N
H H
ﻫﺬا ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﲆ املﻮاد اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ؛ ﻓﻌﲆ اﻷﻗﻞ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻨﻴﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻮاد ﻏري
ﻋﻀﻮﻳﺔ.
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻴﻮرﻳﺎ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻛﻤﺎدة ﻋﻀﻮﻳﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم .١٨٢٨وﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ،ﻛﺎن
ﻓﻮﻟﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻬﺘﻤٍّ ﺎ ﺑﻮﺟﻮدﻫﺎ ﰲ اﻟﺒﻮل ،وأﺟﺮى ﺗﺠﺎرب ﻋﲆ إﻧﺘﺎﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ اﻟﻜﻼب وﺣﺘﻰ
ﻫﺎﻳﺪﻟﱪج.
ِ ﻧﻔﺴﻪ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺪرس اﻟﻄﺐ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ
ُوﻟِﺪ ﻓﺮﻳﺪرﻳﺶ ﻓﻮﻟﺮ ﰲ ﻋﺎم ١٨٠٠ﰲ ﻗﺮﻳﺔ إﴍﺳﻬﺎﻳﻢ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻓﺮاﻧﻜﻔﻮرت
ﺑﺄملﺎﻧﻴﺎ .وا ْﻟﺘﺤﻖ ﺑﺎملﺪرﺳﺔ اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ ﰲ ﻓﺮاﻧﻜﻔﻮرت ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻤﻴﱠ ًﺰا ﻛﻄﺎﻟﺐ؛ إذ ﻛﺎن
ﻳﻘﴤ ﻛﺜريًا ﻣﻦ وﻗﺘﻪ ﰲ إﺟﺮاء اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺨﺼﺺ وﻗﺘًﺎ ﻛﺎﻓﻴًﺎ ﻻﺳﺘﺬﻛﺎر
ﻻﺣﻘﺎ .وﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﺼﺪر إزﻋﺎج ﻷﻣﻪ ،ﺣﻴﺚ إﻧﻪ ﺣﻮﱠل دروﺳﻪ ﺣﺴﺒﻤﺎ اﻋﱰف ً
ﻏﺮﻓﺘﻪ ﰲ املﻨﺰل إﱃ ﻣﻌﻤﻞ ،واﺳﺘﺨﺪم اﻟﻔﺮن املﻮﺟﻮد ﰲ املﻄﺒﺦ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻔﺤﻢ،
ﻟﺘﺴﺨني املﻌﺎدن واملﻮاد اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ.
ﺑﻌﺪ ﺗﺨ ﱡﺮ ِج ﻓﻮﻟﺮ ﰲ املﺪرﺳﺔ اﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ دﺧﻞ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺎرﺑﻮرج ،وﻛﺎن ﻳﺴﺒﱢﺐ إزﻋﺎﺟً ﺎ
ملﺎﻟِﻚ اﻟﻌﻘﺎر ﻫﻨﺎك ،ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﺣﺴﺒﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻔﻌﻞ ﰲ ﻣﻨﺰﻟﻪ وﻟﻨﻔﺲ اﻟﺴﺒﺐ؛ إذ ﻛﺎن ﻳُﺠﺮي
ﺗﺠﺎرب ﻛﺜرية ﰲ اﻟﺤﻲ اﻟﺴﻜﻨﻲ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻘﻄﻦ ﻓﻴﻪ .وﺑﻌﺪ ﻗﻀﺎء ﻋﺎم واﺣﺪ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ
ﻫﺎﻳﺪﻟﱪج ﺣﻴﺚ ﺗﺄﺛ ﱠ َﺮ ﺑﺄﺣﺪ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني اﻷملﺎن اﻟﺒﺎرزﻳﻦ ﰲ
ِ ﻣﺎرﺑﻮرج ،اﻧﺘﻘﻞ إﱃ ﺟﺎﻣﻌﺔ
ﻫﺎﻳﺪﻟﱪج ﻃﺒﻴﺒًﺎ ،ﻓﻘﺪ ﻧﺼﺤﻪ
ِ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﱰة ،وﻳُﺪﻋَ ﻰ ﻟﻴﻮﺑﻮﻟﺪ ِﺟﻤﻴﻠني .وﻣﻊ أﻧﻪ ﺗﺨﺮج ﰲ
ﻳﺘﺨﲆ ﻋﻦ ﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻄﺐ وﻳﻬﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﱠ ِﺟﻤﻴﻠني — اﻟﺬي ﻛﺎن ً
أﻳﻀﺎ ﻃﺒﻴﺒًﺎ ذات ﻳﻮ ٍم — ﺑﺄن
ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء.
ﺑﻤﺒﺎرﻛﺔ ِﺟﻤﻴﻠني ،ذﻫﺐ ﻓﻮﻟﺮ إﱃ ﺳﺘﻮﻛﻬﻮﻟﻢ ﻟﻠﺪراﺳﺔ واﻟﻌﻤﻞ ﻣﻊ ﺑﺮﺳﻴﻠﻴﻮس ،ﻓﻘﴣ
ﺻﺪاﻗﺔ اﺳﺘﻤﺮت ﻣﺪى اﻟﺤﻴﺎة .وﻋﺎد ً ﻫﻨﺎك ﻋﺎﻣً ﺎ واﺣﺪًا ﻓﻘﻂ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻛﻮ َﱠن ﻫﻮ وﺑﺮﺳﻴﻠﻴﻮس
69
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻟﺠﺺ ﻟﻔﻮﻟﺮ وﻫﻮ ﰲ ﺳﻦ ﱢ ﺷﻜﻞ :3-9ﻓﺮﻳﺪرﻳﺶ ﻓﻮﻟﺮ ) .(١٨٨٢–١٨٠٠ﺗﻤﺜﺎل ﻧﺼﻔﻲ ﻣﻦ
اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ واﻟﺴﺘني ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،وﻫﻮ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ اﻟﻨﺤﱠ ﺎﺗﺔ اﻷملﺎﻧﻴﺔ إﻟﻴﺰاﺑﻴﺖ ﻧﺎي ،وﻳﻮﺟﺪ اﻟﺘﻤﺜﺎل
ﰲ ﻣﺘﺤﻒ إﻟﻴﺰاﺑﻴﺖ ﻧﺎي ﰲ أوﺳﺘﻦ ﺑﻮﻻﻳﺔ ﺗﻜﺴﺎس .اﻟﺘﻤﺜﺎل اﻷﺻﲇ املﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم،
آﺧﺮ ﻟﻴﻮﺳﺘﻮس ﻓﻮن ﻟﻴﺒﻴﺞ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ اﻟﻨﺤﱠ ﺎﺗﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﻛﺎﻧﺎ ﻣﻮﺿﻮﻋَ ْني ﺗﻤﺜﺎل َ
ٍ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ
ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺒ َْﻲ ﻣﺪﺧﻞ ﻗﺴﻢ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﰲ ﻣﻴﻮﻧﺦ ﺑﺄملﺎﻧﻴﺎ .وﻗﺪ دُﻣﱢ ﺮ اﻟﺘﻤﺜﺎﻻن
واﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺑﻘﺬﻳﻔﺔ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ.
70
ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻓﻮﻟﺮ ﻟﻠﻴﻮرﻳﺎ وﺑﺪاﻳﺔ ﻋﴫ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ
ﰲ ﻫﺬا املﻌﻤﻞ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﺑﺮﻟني ،ﰲ ﻋﺎم ،١٨٢٨أﺟﺮى ﻓﻮﻟﺮ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧ َ ْﺖ ﺳﺒﺐَ
ﺷﻬﺮﺗﻪ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ .ﻓﻘﺪ ﺳﻌﻰ إﱃ ﺗﺤﻀري ﺳﻴﺎﻧﺎت اﻷﻣﻮﻧﻴﻮم ،اﻟﺬي ﻛﺎن
املﻮﺿﺤﺔ ﰲ ﺷﻜﻞ ،4-9ﻣﻦ ﺳﻴﺎﻧﺎت اﻟﺒﻮﺗﺎﺳﻴﻮم وﺳﻠﻔﺎت ﱠ أن ﻟﻪ اﻟﺼﻴﻐﺔ اﻟﺠﺰﻳﺌﻴﺔ ﻳ َ
ُﻌﺘﻘﺪ ﱠ
ﺑﺨﺮ اﻷﻣﻮﻧﻴﻮم ،وﻫﻤﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﻼح ﻏري اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ .وﺑﻌﺪ ﺗﺴﺨني املﻠﺤني ﻣﻌً ﺎ ،ﱠ
ﺗﻮﻗﻊ أﻧﻪ ﺳﻴﺎﻧﺎت اﻷﻣﻮﻧﻴﻮم ،ﻟﻜﻨﻪ ﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﺑﻠﻮرات ﺑﻴﻀﺎء املﺤﻠﻮل اﻟﺬي ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﻣﺎ ﱠ
َت ﻣﺜﻞ اﻟﻴﻮرﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﻃﺎملﺎ ﻛﺎن ﻳﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻮل املﺄﺧﻮذ ﻣﻦ اﻟﻜﻼب واﻹﻧﺴﺎن. ﺑَﺪ ْ
ﱠ
املﺘﻮﻗﻌَ ﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ »ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻣﺪﻫﺸﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ وﴎﻋﺎن ﻣﺎ أﺛﺒﺖ أﻧﻬﺎ ﻳﻮرﻳﺎ ،ووﺻﻒ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻏري
ﻣﺜﺎﻻ ﻋﲆ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ملﺎدة ﻋﻀﻮﻳﺔ ،أو ﺣﻴﻮاﻧﻴﺔ ﻛﻤﺎ زﻋﻢ ،ﻣﻦ ﻣﻮاد ﻏري ً ﺗﻘﺪم
ﻋﻀﻮﻳﺔ«.
وأﻳﻀﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ً ﻳﻮﺟﺪ ﺟﺎﻧﺐ َ
آﺧﺮ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ املﺪﻫﺸﺔ ﻛﺎن ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻓﻮﻟﺮ،
إﱃ ﺑﺮﺳﻴﻠﻴﻮس اﻟﺬي ﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﻋَ ِﻠ َﻢ ﺑﺎﻛﺘﺸﺎف ﻓﻮﻟﺮ .ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻴﺎﻧﺎت اﻷﻣﻮﻧﻴﻮم واﻟﻴﻮرﻳﺎ
املﻨﺘَﺠَ ﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﻦ »اﻷﻳﺰوﻣِﺮات« )اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻨﻲ اﻷﺻﻞ اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ ﻟﻬﺎ »أﺟﺰاء ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ«(؛
وﻫﻮ ﻣﺼﻄﻠﺢ اﺑﺘﻜﺮه ﺑﺮﺳﻴﻠﻴﻮس ﻟﻮﺻﻒ املﺮﻛﺒﺎت املﻜﻮﱠﻧﺔ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﻌﻨﺎﴏ وﺑﻨﻔﺲ
اﻟﻨ ﱢ َﺴﺐ .ﺗﺤﺘﻮي ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ ﺳﻴﺎﻧﺎت اﻷﻣﻮﻧﻴﻮم واﻟﻴﻮرﻳﺎ ﻋﲆ ذرة ﻛﺮﺑﻮن وذرة أﻛﺴﺠني وذرﺗَ ْﻲ
ﻧﻴﱰوﺟني وأرﺑﻊ ذرات ﻫﻴﺪروﺟني .ﻳﺒﺪو أن ﻓﻮﻟﺮ وﺑﺮﺳﻴﻠﻴﻮس ر ﱠﻛ َﺰا ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ ﻣﻦ
ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻴﺰﻫﻤﺎ ﻋﲆ اﻟﺘﺄﺛري اﻟﺬي ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﺪﺛﻪ ذﻟﻚ ﻋﲆ ﻧﻈﺮﻳﺔ
اﻟﺤَ ﻴﻮﻳﱠﺔ.
H
+ −
H N H N C O
H
َ
ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﺤَ ﻴﻮﻳﱠﺔ ﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﻛﺎن اﻛﺘﺸﺎف ﻓﻮﻟﺮ اﻟﻌَ َﺮﴈ
اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮﻗﻞ ﺗﻄ ﱡﻮ َر ﻛﻴﻤﻴﺎء ﻣﺮﻛﺒﺎت اﻟﻜﺮﺑﻮن .ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ،أﺷﺎر ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮ ﻫﺬه اﻟﻔﱰة
ﻈﺮإﱃ أﻧﻪ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺳﻴﺎﻧﺎت اﻟﺒﻮﺗﺎﺳﻴﻮم وﺳﻠﻔﺎت اﻷﻣﻮﻧﻴﻮم ﻋﺎد ًة ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻳُﻨ َ
71
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
إﻟﻴﻬﻤﺎ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﻤﺎ ﻣﺎدﺗني ﻏري ﻋﻀﻮﻳﺘني ،ﻓﺈن ﻫﺎﺗني املﺎدﺗني اﻟﻠﺘني اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﻤﺎ ﻓﻮﻟﺮ
ﻛﺎن ﻳﺘﻢ إﻋﺪادﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﻮاد ﻋﻀﻮﻳﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻘﺮون واﻟﺪم وﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﴏ املﻜﻮﱢﻧﺔ
ﻟﻬﻤﺎ؛ وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻤﻜﻨًﺎ اﻟﺨﻠﻮص إﱃ أن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ املﻌﻤﲇ اﻟﺘﻲ أﺟﺮاﻫﺎ ﻓﻮﻟﺮ
ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻠﻐﻲ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﺤَ ﻴﻮﻳﱠﺔ .وﻟﻢ ﻳُﺴ ﱢﻠﻢ ﻫﺆﻻء ﺑﺴﻘﻮط ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻧﻬﺎﺋﻴٍّﺎ إﻻ ﰲ ﻋﺎم
ﺣﻤﺾ اﻟﺨﻠﻴﻚ ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﴏ املﻜﻮﱢﻧﺔ ﻟﻪ )وﻫﻲ اﻟﻜﺮﺑﻮن َ ﺣﴬ ﻫريﻣﺎن ﻛﻮﻟﺒﺎ ،١٨٤٥ﻋﻨﺪﻣﺎ ﱠ َ
واﻟﻬﻴﺪروﺟني واﻷﻛﺴﺠني( .وأﺻﺒﺢ ﺗﻌﺮﻳﻒ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ »ﻛﻴﻤﻴﺎء ﻣﺮﻛﺒﺎت اﻟﻜﺮﺑﻮن«
)وﻫﻮ اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ا ُملﺴﺘﻌﻤَ ﻞ ﺣﺎﻟﻴٍّﺎ( ،ﺳﻮاءٌ أﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ املﺮﻛﺒﺎت ﻗﺪ ﺗﻢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ
ﻣﺼﺎدر ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ أم ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺎت ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻣﻌﻤﻠﻴﺔ.
ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﺑﻘﻴﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ،ﻟﻜﻨﻪﻛﺎن ﻣﻦ املﻔﱰض أن ﻳَﻬَ ﺐَ ﻓﻮﻟﺮ َ
ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ؛ ﻓﺎﻫﺘﻤﺎﻣﻪ املﺒﻜﺮ ﺑﺎملﻌﺎدن اﺳﺘﻤ ﱠﺮ ،وﻛﺎن أﻏﻠﺐ ﻋﻤﻠﻪ اﻟﻼﺣﻖ ﻳﺨﺘﺺ ﺑﻤﺠﺎل
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﻏري اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ .وﺑﻌﺪ أن ﺗﺮك ﺑﺮﻟني ﰲ ﻋﺎم ،١٨٣١ﻋﻤﻞ ﻟﻔﱰة ﻗﺼرية ﰲ ﻛﺎﺳﻴﻞ
ٍ
ﺟﺎﻣﻌﺔ أملﺎﻧﻴﺔ ﺣﻘﻖ ﻫﺪﻓﻪ أﺧريًا ﰲ ﻋﺎم ١٨٣٦ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ أﺳﺘﺎذًا ﰲ ﰲ ﻣﻌﻬﺪ ﻓﻨﻲ آﺧﺮ ،ﺛﻢ ﱠ
ﻧﻔﺬَﻫﺎ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ أﻓﻀﻞ أﺑﺤﺎﺛﻪ اﻟﺘﻲ ﱠ ً ﻛﱪى وﻫﻲ ﺟﻮﺗﻴﻨﺠﻦ .وﻓﻴﻬﺎ ﻗﺪﱠم
ً
ﺻﺪﻳﻘﻪ ﻳﻮﺳﺘﻮس ﻓﻮن ﻟﻴﺒﻴﺦ ،واﻟﺬي ﻛﺎن وﻗﺘﻬﺎ أﺳﺘﺎذا ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ.
ﺑﺴﺒﺐ ارﺗﻘﺎﺋﻪ ﺑﻘﺴﻢ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺟﻮﺗﻴﻨﺠﻦ ،ﺟﺬب ﻓﻮﻟﺮ إﱃ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وﺑﻘﻲ ﰲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻳﺪ ﱢرس ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني وﻳﺪ ﱢرﺑﻬﻢ
ﻋﲆ إﺟﺮاء اﻷﺑﺤﺎث وﻳﺆ ﱢﻟﻒ ﻣﺮاﺟﻊ ﻋﻠﻤﻴﺔ وﻳﺤ ﱢﺮر ﻣﺠﻼت اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ،ﺣﺘﻰ واﻓﺘﻪ
املﻨﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم .١٨٨٢
د ﱠربَ ﻓﻮﻟﺮ ﺣﻮاﱄ ٨آﻻف ﻃﺎﻟﺐ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺟﻮﺗﻴﻨﺠﻦ ،ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ رودوﻟﻒ ﻓﻴﺘﻲ،
اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ أﺳﺘﺎذًا ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺗﻴﻮﺑﻨﺠﻦ ،وﻛﺎن ﻣﻦ ﺑني ﻣﻦ ﺗﺘﻠﻤﺬوا ﻋﲆ ﻳﺪﻳﻪ
إﻳﺮا رﻳﻤﺴﻦ ﻣﻦ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎد رﻳﻤﺴﻦ إﱃ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة
ﺑﻌﺪ دراﺳﺘﻪ ﰲ ﺗﻴﻮﺑﻨﺠﻦ ﻃﻮﱠر ﻗﺴﻢ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﺟﻮﻧﺰ ﻫﻮﺑﻜﻴﻨﺰ ﺣﺘﻰ وﺻﻞ ﺑﻪ إﱃ
املﺴﺘﻮى املﺘﻤﻴﺰ ﻷﻗﺴﺎم اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻷوروﺑﻴﺔ ،وأﺻﺒﺢ أﺣﺪ املﻨﺎﺑﺮ املﻬﻤﺔ ﻟﺘﺪرﻳﺐ
اﻷﺟﻴﺎل املﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ) .ﰲ ﻣﻌﻤﻞ رﻳﻤﺴﻦ
ً
ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﺑﺪﻳﻞ اﻟﺴﻜﺮ املﻌﺮوف ﺑﺎﻟﺴﻜﺎرﻳﻦ ،وذﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﺟﻮﻧﺰ ﻫﻮﺑﻜﻴﻨﺰ ،اﻛﺘُ ِﺸﻒ
ﺳﻨﻮﺿﺢ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ واﻟﻌﴩﻳﻦ(. ﱢ
ﻨﺴﺐ إﱃ ﻓﻮﻟﺮ ،ﻓﺈن اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ املﻌﻤﲇ ﻏري ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﺗُ َ
املﺘﻮﻗﻊ ملﺮﻛﺐ اﻟﻴﻮرﻳﺎ اﻟﺒﺴﻴﻂ اﻟﺬي أﺟﺮاه ﻓﻮﻟﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﺴﺨني ﺳﻴﺎﻧﺎت اﻷﻣﻮﻧﻴﻮم ﱠ
72
ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻓﻮﻟﺮ ﻟﻠﻴﻮرﻳﺎ وﺑﺪاﻳﺔ ﻋﴫ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﰲ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ﻳﻌﺪ أﻫﻢ إﻧﺠﺎزاﺗﻪ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق .وﻛﻞ املﺮاﺟﻊ
اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﺗﺬﻛﺮ ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺘﺐ ﻫﺬا اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ
املﻌﻤﲇ ملﺮﻛﺐ ﻋﻀﻮي ﻣﻦ َ
آﺧﺮ ﻏري ﻋﻀﻮي ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﺤَ ﻴﻮﻳﱠﺔ ،وﺳﺠﱠ ﻞ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء
أﺳﺎس ﻋﻘﲇﱟ.
ٍ اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﻋﲆ
ﺗﻌﻘﻴﺐ
اﻟﺤﺎﺷﺪ اﻟﺬﻳﻦ ذﻫﺒﻮا إﱃ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺟﻮﺗﻴﻨﺠﻦ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ِ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺑني ﺟَ ﻤْ ﻊ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني
أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﺘﻠﻤ ِﺬ ﻋﲆ ﻳﺪ ﻓﻮﻟﺮ ،ﻓﺮاﻧﻚ إف ﺟﻮﻳﺖ ،اﻟﺬي ﻋﺎد إﱃ اﻟﻮﻻﻳﺎت
املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻟﻴُﺪ ﱢرس ﰲ ﻛﻠﻴﺔ أوﺑﺮﻟني ﺑﺄوﻫﺎﻳﻮ .وﰲ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ
املﺆﺳﻔﺔ ﺑﺄﻧﻪ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﻋﴩ ،ﻛﺎن ﺟﻮﻳﺖ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳَﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮ ﻃﻼﺑﻪ إﱃ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ِ
اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم ﻫﻮ املﻌﺪن اﻷﻛﺜﺮ وﻓﺮ ًة ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ،ﻓﻠﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ أﺣ ٌﺪ اﺳﺘﺨﺮاﺟﻪ ﻣﻦ ﺧﺎﻣﻪ
ﺣﴬ ﻫﺬا املﻌﻘﺪ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام إﺟﺮاء ﻋﻤﲇ .وﻗﺎل ﻟﻬﻢ إن أﺳﺘﺎذه اﻷملﺎﻧﻲ ﻓﻮﻟﺮ ﻛﺎن أول ﻣَ ﻦ ﱠ ﱠ
ٍ
ﻟﺪرﺟﺔ ﺟﻌﻠﺖ املﻌﺪن ﻟﻜﻦ اﻹﺟﺮاء اﻟﺬي اﺳﺘﺨﺪﻣﻪ ﰲ ذﻟﻚ ﻛﺎن ﱠ
ﻣﻌﻘﺪًا وﻣﻜ ﱢﻠ ًﻔﺎ ﺟﺪٍّا املﻌﺪن ،ﱠ
َ
ﻣﺴﺘﻐ ﱟﻞ ملﺪ ٍة ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ٥٠ﻋﺎﻣً ﺎ. ﻏري
ﻛﺎن ﻣﻦ ﺑني ﺗﻼﻣﻴﺬ ﺟﻮﻳﺖ ﰲ ﻛﻠﻴﺔ أوﺑﺮﻟني ﺗﺸﺎرﻟﺰ ﻣﺎرﺗﻦ ﻫﻮل .وﻛﺎن ﻫﻮل ﻣﻬﺘﻤٍّ ﺎ
ﺟﺪٍّا ﺑﻬﺬا اﻟﺘﺤﺪﱢي اﻟﺬي ﺗﻤﺜﻠﻪ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم ﺣﺘﻰ إﻧﻪ ﻗ ﱠﺮ َر إﻳﺠﺎد ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺳﻬﻠﺔ
ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ املﻌﺪن ﻣﻦ ﺧﺎﻣﺎﺗﻪ ،وﻛﺎن ﻫﺬا ﻣﴩوﻋﻪ ﰲ ﺳﻨﺘﻪ اﻷﺧرية ﰲ اﻟﻜﻠﻴﺔ ،وأﺻﺒﺢ
ﻣﻘﺘﻨﻌً ﺎ ﺑﺄن اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ املﺜﲆ ﻟﺘﺤﻀري اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم ﻣﻦ ﺧﺎﻣﺎﺗﻪ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﰲ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء،
ﻓﺼﻨﻊ ﺑﻄﺎرﻳﺔ ﻣﻨﺰﻟﻴﺔ وﻓﺮﻧًﺎ ﰲ اﻟﺴﻘﻴﻔﺔ اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﺧﻠﻒ ﻣﻨﺰل ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ،وﺻﻬﺮ
ﻣﺎدة ﻣﻌﺪﻧﻴﺔ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ اﻟﻜﺮﻳﻮﻟﻴﺖ ﰲ اﻟﻔﺮن وأﺿﺎف ﺧﺎم اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم املﻮﺟﻮد ﺑﻮﻓﺮة ،وﻫﻮ
اﻟﺒﻮﻛﺴﻴﺖ ،اﻟﺬي وﺟ َﺪ أﻧﻪ ﻳﺬوب ﰲ اﻟﻜﺮﻳﻮﻟﻴﺖ املﻨﺼﻬﺮ ،ﺛﻢ ﻣ ﱠﺮ َر ﺗﻴﺎ ًرا ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻴٍّﺎ ﻋﱪ
اﻟﺨﻠﻴﻂ ،وﻗﺪ ﻏﻤﺮﺗﻪ اﻟﺴﻌﺎدة ﻋﻨﺪﻣﺎ رأى ﻛﺮﻳﱠﺎت ﻓﻀﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم ﺗﱰاﻛﻢ ﺣﻮل
ﻛﺎف ﺑﺤﻴﺚ اﻟﻘﻄﺐ اﻟﺴﺎﻟﺐ ﻟﺠﻬﺎزه .وﺑﻤﺠﺮد أن ﺑﺮدت اﻟﻜﺮﻳﱠﺎت اﻟﻼﻣﻌﺔ ﻟﻠﻤﻌﺪن إﱃ ﺣ ﱟﺪ ٍ
زﻫﻮ ﺷﺪﻳﺪ .ﺣﺪﺛﺖ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺣﻤﻠﻬﺎ ﰲ ﻳ َﺪﻳْﻪ ،اﻧﻄﻠﻖ ﻣﴪﻋً ﺎ ﻹﻃﻼع أﺳﺘﺎذه ﺟﻮﻳﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ٍ
ﻫﺬه اﻟﻮاﻗﻌﺔ ﰲ ٢٣ﻓﱪاﻳﺮ ﻣﻦ ﻋﺎم ،١٨٨٦ﺑﻌﺪ ٥٩ﻋﺎﻣً ﺎ ﻣﻦ إﻧﺘﺎج ﻓﻮﻟﺮ ﻟﻸﻟﻮﻣﻨﻴﻮم ﻷول
ﻣﺮة ،وﻛﺎن اﻟﺸﺎب اﻟﺬي وﺿﻊ اﻹﺟﺮاء اﻟﻌﻤﲇ ﻹﻧﺘﺎج اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم ﺗﻠﻤﻴﺬًا ﻷﺣﺪ ﺗﻼﻣﺬة ﻓﻮﻟﺮ!
ﺗﻮﺻﻞ ﺷﺎب ﻓﺮﻧﴘ ﻳُﺪﻋَ ﻰ ﺑﻲ إل ﺗﻲ ﻫريوﻟﺖ إﱃ ﻧﻔﺲ ﱠ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺒﻀﻌﺔ أ َ ْﺷﻬُ ٍﺮ،
ﺑﻄﻠﺐ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﺧﱰاع ﻹﺟﺮاﺋﻪ، ٍ اﻹﺟﺮاء ،ﻟﻜﻦ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎن ﻫﻮل ﻗﺪ ﺗﻘ ﱠﺪ َم
73
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
وﻗﺪ أُﻋﻄﻴﺖ اﻷوﻟﻮﻳﺔ ﻟﻄﻠﺒﻪ .ﺗﺄﺳﺴﺖ ﴍﻛﺔ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ اﻋﺘﻤﺎدًا ﻋﲆ ﺗﺠﺮﺑﺔ
ِ
املﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ﻫﻮل املﺒﺪﺋﻴﺔ ﻫﺬه ،ﺣﻴﺚ اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ اﻟﴩﻛﺔ ﻧﻔﺲ اﻹﺟﺮاء
اﻟﺨﺎص ﺑﻪ؛ ﻓﺄﺻﺒﺢ ﻫﻮل ﻏﻨﻴٍّﺎ ،وﻋﻨﺪ وﻓﺎﺗﻪ أوﴅ ﺑﺠﺰء ﻛﺒري ﻣﻦ ﺗﺮﻛﺘﻪ ملﺪرﺳﺘﻪ اﻷم؛
ﻛﻠﻴﺔ أوﺑﺮﻟني .ورﺑﻤﺎ ﻳﺮى أي ﺷﺨﺺ ﻳﺰور ﺣﺮم اﻟﻜﻠﻴﺔ اﻵن ﻗﺎﻋﺔ ﻣﺤﺎﴐات راﺋﻌﺔ ﻣُﻬﺪَاة
ً
وﺗﻤﺜﺎﻻ ﻟﻬُ ﻮل ﰲ ﻣﺒﻨﻰ ﻗﺴﻢ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء )واﻟﺬي و ُِﺿﻊ ﻫﻨﺎك اﻵن ﻟﺤﻤﺎﻳﺘﻪ ﻣﻦ ُﻫﻮل إﱃ أﻣﻪ،
ً
ﻓﻀﻼ ﻣﻦ ﻣﺰاح اﻟﻄﻼب اﻟﺬﻳﻦ وﺿﻌﻮه ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﰲ أﻣﺎﻛﻦ ﻏري ﻣﻼﺋﻤﺔ ﺣﻮل اﻟﺤﺮم(،
ﻋﻦ ﻣﻨﺰل ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻫﻮل ،اﻟﺬي ﻳُﻌَ ﱡﺪ ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻟﺤﺮم .وﻗﺪ ُ
ﺻﻨِﻊ اﻟﺘﻤﺜﺎل واﻟﻠﻮﺣﺔ اﻟﺘﺬﻛﺎرﻳﺔ
املﻮﺟﻮدة ﰲ ﻣﻨﺰل ﻫﻮل ﻣﻦ ﻫﺬا املﻌﺪن ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ.
74
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﺎﴍ
رأﻳﺖ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ﺻﻮر ًة ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻟﺠﻮرج واﺷﻨﻄﻦ؟ ﻛﻢ ﻋﺪد اﻟﺼﻮر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ َ ﻫﻞ
اﻟﺘﻲ رأﻳﺘَﻬﺎ ﻷﺑﺮاﻫﺎم ﻟﻨﻜﻮﻟﻦ؟
ﺗﻤﱠ ْﺖ أول ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺼﻮﻳﺮ ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ ﻧﺎﺟﺤﺔ ﻋﲆ ﻳﺪ إل ﺟﻴﻪ إم داﺟري ﰲ ﻋﺎم ،١٨٣٨
ً
رﺋﻴﺴﺎ ﻟﻠﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة .وﻗﺒﻞ ﻫﺬا ﺑﻌﺪ وﻓﺎة ﺟﻮرج واﺷﻨﻄﻦ وﻗﺒﻞ أن ﻳﺼﺒﺢ ﻟﻨﻜﻮﻟﻦ
اﻟﺮﺳﺎﻣني ﻟﺮﺳﻢ ﺻﻮر املﺸﺎﻫري.اﻻﺧﱰاع ،ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻣﻀﻄﺮﻳﻦ ﻟﻼﻋﺘﻤﺎد ﻋﲆ ﱠ
اﻟﺘﻘﻂ داﺟري أو َل ﺻﻮرة ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻟﻪ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام »ﻛﺎﻣريا ﻣﻈﻠﻤﺔ« ،وﻫﻲ ﰲ اﻷﺳﺎس
ﺼﻨﻔﺮ ﺣﻴﺚ ﺗﺮ ﱠﻛﺰت ﰲ ﺑﺆرﺗﻪ اﻟﺼﻮرة. ﺻﻨﺪوق ﰲ أﺣﺪ أﻃﺮاﻓﻪ ﻋﺪﺳﺔ وﻟﻮح ﻣﻦ اﻟﺰﺟﺎج ا ُمل ٌَ
اﺧﱰﻋﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺎﻣريا املﻈﻠﻤﺔ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﻘﺮون ﻋﺪﻳﺪة؛ ﻓﻘﺪ وﺻﻒ ﻟﻴﻮﻧﺎردو داﻓﻨﴚ وﻗﺪ ِ
واﺣﺪ ًة ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺎﻣريات ﻗﺒﻞ ﻋﺎم ،١٥١٩وﰲ ﻋﺎم ١٥٧٣ﺻﺤﱠ ﺢَ إي داﻧﺘﻲ اﻟﺼﻮر َة
املﻘﻠﻮﺑﺔ ﺑﻮﺿﻊ ﻣﺮآة ﺧﻠﻒ اﻟﻌﺪﺳﺔ .وﰲ أﻳﺎم داﺟري ،ﻛﺎن اﻟﻨﺎس ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺎﻣريا
ﻟﻮح ﻣﻦ اﻟﻮرق اﻟﺮﻗﻴﻖ ﻓﻮق اﻟﻠﻮح اﻟﺰﺟﺎﺟﻲ. املﻈﻠﻤﺔ ﰲ ﺗﺼﻮﻳﺮ اﻷﺟﺴﺎم واملﺸﺎﻫﺪ ﺑﻮﺿﻊ ٍ
آﺧﺮ ﻳُﺪﻋَ ﻰ ﺟﻴﻪ إنِﻣﻦ أواﺋﻞ ﻣَ ْﻦ ﺣﺎوﻟﻮا »ﺗﺜﺒﻴﺖ« ﺻﻮرة ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺎﻣريا رﺟ ٌﻞ ﻓﺮﻧﴘ َ
ﻧﻴﺒﺲ .اﺳﺘﺨﺪم ﻧﻴﺒﺲ ﻣﺎد ًة ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ اﻟﻘﺎر أو »ﺑﻴﺘﻮﻣني أوف ﺟﻮدﻳﺎ« ،اﻟﺘﻲ ازدادت ﻋﺪم
ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻬﺎ ﻟﻠﺬوﺑﺎن ﰲ ﻣﺬﻳﺒﺎت ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻌ ﱡﺮض ﻟﻠﻀﻮء ،وﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺣﺼﻞ ﺑﺸﻜﻞ
ﺑﺂﺧﺮ ﻋﲆ ﺻﻮرة داﺋﻤﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﻣريا املﻈﻠﻤﺔ ﰲ ﻋﺎم ١٨٢٢ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ .ورﺑﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه أو َ
أول ﺻﻮرة ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻟﻜﻦ املﻨﺘَﺞ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣُﺮﺿﻴًﺎ وﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻹﺟﺮاء ﻋﻤﻠﻴٍّﺎ .ﰲ
ﺣﺴﺎﺳﺔ ﻟﻠﺘﺤ ﱡﻠﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ،ﻛﺎن داﺟري ﻳُﺠﺮي ﺗﺠﺎرب ﻋﲆ أﻣﻼح اﻟﻔﻀﺔ املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﱠ
ﴍاﻛﺔ ﻣﻌً ﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻧﻴﺒﺲ ﻣﺎت ﺑﻌﺪ ذﻟﻚً ﺑﺎﻟﻀﻮء ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﻠﻢ ﺑﻌﻤﻞ ﻧﻴﺒﺲ ،اﺗﺼﻞ ﺑﻪ وﻛ ﱠﻮﻧَﺎ
ﺑﻔﱰة ﻗﺼرية )ﰲ ﻋﺎم (١٨٣٣وواﺻﻞ داﺟري اﻟﻌﻤﻞ ﺑﻤﻔﺮده ،إﻻ أﻧﻪ ارﺗﺒﻂ ﺑﺎﻟﺘﺰام ﻣﺎدي
ﻣﻊ اﺑﻦ ﻧﻴﺒﺲ وﻳُﺪﻋَ ﻰ إﻳﺰدور.
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
أﻋَ ﱠﺪ داﺟري أﻟﻮاﺣً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺤﺎس املﻄﲇ ﺑﺎﻟﻔﻀﺔ ﻣﺼﻘﻮﻟﺔ ﺟﻴﺪًا ،وﻋ ﱠﺮﺿﻬﺎ ﻟﺒﺨﺎر اﻟﻴﻮد
اﻟﺬي أﻧﺘﺞ ﻃﺒﻘﺔ رﻓﻴﻌﺔ ﻣﻦ ﻳﻮدﻳﺪ اﻟﻔﻀﺔ ﻋﲆ اﻟﺴﻄﺢ .وﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻟﻜﺎﻣريا املﻈﻠﻤﺔ،
ض ﺗﻠﻚ اﻷﻟﻮاح ﻟﻠﻀﻮء؛ ﻣﻤﺎ أدﱠى إﱃ إﻧﺘﺎج ﺻﻮرة ﺑﺎﻫﺘﺔ .ﺟ ﱠﺮبَ داﺟري ﻋﺪة ﻃﺮق ﻋ ﱠﺮ َ
ﻟﺘﻜﺜﻴﻒ ﺷﺪة ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻮرة ﻟﻜﻦ دون ﺟﺪوى .وﰲ أﺣﺪ اﻷﻳﺎم ،وﺿﻊ ﻟﻮﺣً ﺎ ﺳﺒﻖ أن ﺗ ﱠﻢ
ﺗﻌﺮﻳﻀﻪ ﻟﻠﻀﻮء وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﻪ ﺳﻮى ﺻﻮرة ﺑﺎﻫﺘﺔ ﰲ ﺧﺰاﻧﺔ ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﻣﻮاد ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ
ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ،وﻛﺎن ﻳﻨﻮي ﺗﻨﻈﻴﻔﻪ ﻹﻋﺎدة اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ .وﺑﻌﺪ ﻋﺪة أﻳﺎم ،أﺧﺮج داﺟري
اﻟﻠﻮح واﻧﺪﻫﺶ ﺣني رأى ﺻﻮرة ﻗﻮﻳﺔ ﻋﲆ ﺳﻄﺤﻪ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ﻫﻲ املﺼﺎدﻓﺔ .واﻵن ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻬﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﺬي ﺟﺎء ﻧﺘﻴﺠﺔ »اﻟﻔﻄﻨﺔ« اﻟﺘﻲ
ﻛﺎن ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ داﺟري و»ﻋﻘﻠﻪ املﺴﺘﻌِ ﺪ« ،اﺳﺘﻨﺘﺞ داﺟري أﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ أن ﻣﺎدة ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ
واﺣﺪة أو أﻛﺜﺮ ﰲ اﻟﺨﺰاﻧﺔ ﻗﺪ ﻛﺜﱠﻔﺖ ﺷﺪة اﻟﺼﻮرة؛ ﻟﺬا ،ﻛﺎن ﻛ ﱠﻞ ﻳﻮم ﻳ ِ
ُﺨﺮج ﻣﺎدة ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ
ﻣﻦ اﻟﺨﺰاﻧﺔ وﻳﻀﻊ ﰲ اﻟﺨﺰاﻧﺔ ﻟﻮﺣً ﺎ ﻣﻦ ﻳﻮدﻳﺪ اﻟﻔﻀﺔ اﻟﺬي ﺳﺒﻖ أن ﺗ ﱠﻢ ﺗﻌﺮﻳﻀﻪ ﻟﻠﻀﻮء.
وﻋﻨﺪﻣﺎ أﺧﺮج ﻛﻞ املﻮاد اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ،ﻛﺎن ﺗﻜﺜﻴﻒ ﺷﺪة اﻟﺼﻮرة ﻻ ﻳﺰال ﻳﺤﺪث! وﺑﻔﺤﺺ
اﻟﺨﺰاﻧﺔ ،وﺟﺪ ﻗﻄﺮات ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﺋﺒﻖ ﻋﲆ أﺣﺪ أرﻓﻔﻬﺎ وﻗﺪ اﻧﺴﻜﺒﺖ ﻣﻦ ﺗﺮﻣﻮﻣﱰ ﻣﻜﺴﻮر؛
ﻓﺎﺳﺘﻨﺘﺞ أن ﺑﺨﺎر اﻟﺰﺋﺒﻖ ﻫﻮ املﺴﺌﻮل ﻋﻦ ﺗﻜﺜﻴﻒ ﺷﺪة اﻟﺼﻮرة ،وﴎﻋﺎن ﻣﺎ أﺛﺒﺖ ذﻟﻚ
ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻫﻲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ »اﻟﺪاﺟريﻳﺔ« ﰲ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ.
وﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤني ﻓﺼﺎﻋﺪًا ،أﻧﺘﺞ املﺼﻮرون اﻟﺼﻮرة اﻟﻜﺎﻣﻨﺔ ﺑﻮﺿﻊ ﻟﻮح ﻣﻌ ﱠﺮض ﻟﻠﻀﻮء
ﱠ
املﺴﺨﻦ إﱃ ٧٥درﺟﺔ ﻣﺌﻮﻳﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ. ﻋﲆ ﻛﻮب ﻣﻦ اﻟﺰﺋﺒﻖ
ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺻﻒ داﺟري اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺰﺋﺒﻖ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ،ﻗﺎل
إﻧﻪ ﻛﺎن ﻳُﺠﺮي ﺗﺠﺎرﺑﻪ ﻋﲆ ﻣﺮﻛﺒﺎت اﻟﺰﺋﺒﻖ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻌﺮف أﻧﻪ ﻛﺎن »ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ ﺧﻄﻮة
ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻣﻦ اﻛﺘﺸﺎف ﻓﺎﺋﺪة اﺳﺘﺨﺪام أﺑﺨﺮة اﻟﺰﺋﺒﻖ اﻟﻔﻠﺰي اﻟﺬي ﻗﺎدﻧﻲ ﺣﻈﻲ اﻟﺠﻴﺪ إﱃ
اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻪ) «.ﻟﺴﻮء اﻟﺤﻆ ،ﻋﺎﻧﻰ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﺨﺪ ِِﻣﻲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺪاﺟريﻳﺔ ﰲ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ
ﻣﻦ أﻣﺮاض ﺧﻄرية ،وﺑﻌﻀﻬﻢ ﺗﻌ ﱠﺮ َ
ض ﻟﻠﻮﻓﺎة املﺒﻜﺮة؛ وذﻟﻚ ﻟﻠﺴﻤﱢ ﻴﱠﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻟﺒﺨﺎر اﻟﺰﺋﺒﻖ
اﻟﺘﻲ ﺑﺎﺗﺖ ﻣﻌﺮوﻓﺔ اﻵن(.
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺪاﺟريﻳﺔ ﰲ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﺗﻨﺘﺞ ﺻﻮرة ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻣﻮﺟﺒﺔ ﻣﺒﺎﴍة .وﻛﺎن
اﻟﺰﺋﺒﻖ ﻳﺘﺤﺪ ﻣﻊ اﻟﻔﻀﺔ اﻟﻌﻨﴫﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻜﻮن ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺘﺤ ﱡﻠﻞ اﻟﻀﻮﺋﻲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﻟﻴﻮدﻳﺪ
ً
ﻣﻨﺘﺠﺔ ﻣﺰﻳﺠً ﺎ ﺳﺎﻃﻌً ﺎ .وﰲ اﻟﻔﻀﺔ ﰲ املﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﻲ ﺗﻌ ﱠﺮﺿﺖ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻋﺮﴈ ﻟﻠﻀﻮء،
املﻨﺎﻃﻖ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﻌ ﱠﺮض ﻟﻠﻀﻮء ،ﻛﺎن ﻳﻮدﻳﺪ اﻟﻔﻀﺔ ﻳُﺰال ﰲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻻﺣﻘﺔ ﻣﻦ اﻹﺟﺮاء.
ﺗﻜﻮﱢن ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻣﺰﻳﺞ اﻟﻔﻀﺔ واﻟﺰﺋﺒﻖ ﺻﻮر ًة ﺳﺎﻃﻌﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻣﻈﻠﻤﺔ ﰲ ﻣﺮآة
76
داﺟري واﺧﱰاع اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ
اﻟﻠﻮح اﻷﺻﲇ املﻄﲇ ﺑﺎﻟﻔﻀﺔ) .إذا ﺷﺎﻫﺪت ﺻﻮرة داﺟريﻳﺔ ذات ﺧﻠﻔﻴﺔ ﺳﺎﻃﻌﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ
اﻟﺤﺎل ﻋﻨﺪ اﻟﺘﻘﺎﻃﻬﺎ ﰲ وﺿﺢ اﻟﻨﻬﺎر أو ﰲ ﺿﻮء ﺳﺎﻃﻊ ،ﻓﺴﺘﻜﻮن اﻟﺼﻮرة ﻣﻌﻜﻮﺳﺔ(.
ﱢ
املﺘﻐري ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻏﺴﻞ اﻟﺼﻮرة أﻣﺎ ﻋﻤﻠﻴﺔ إزاﻟﺔ ﻳﻮدﻳﺪ اﻟﻔﻀﺔ ﻏري
ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﺑﻤﺤﻠﻮل ﻣﻠﺤﻲ )ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم اﻟﻌﺎدي( ،ﻟﻜﻦ ﺗﻄﻮﱠرت ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ
اﻛﺘُ ِﺸﻒ أن ﺛﻴﻮﻛﱪﻳﺘﺎت اﻟﺼﻮدﻳﻮم )ﻣﻠﺢ اﻟﻬﻴﺒﻮ( ﻋﺎﻣﻞ »ﺗﺜﺒﻴﺖ« أﻓﻀﻞ.
ﺷﻜﻞ :1-10ﺻﻮرة أوﻟﻴﺔ اﻟﺘُﻘِ ﻄﺖ ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺪاﺟريﻳﺔ ﻋﲆ ﻳﺪ داﺟري ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ﻋﺎم ،١٨٣٨
ﺑﺎﺳﻢ »ﻣﻨﻈﺮ ﻟﺠﺰﻳﺮة إﻳﻞ دو ﻻ ﺳﻴﺘﻲ ﻣﻊ ﻛﺎﺗﺪراﺋﻴﺔ ﻧﻮﺗﺮدام« ،وﻗﺪ أرﺳﻞ داﺟري ﺻﻮرة
ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ إﱃ إﻣﱪاﻃﻮر اﻟﻨﻤﺴﺎ.
ﱠ
ﺣﻘ َﻘ ِﺖ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺪاﺟريﻳﺔ ﰲ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ ﻧﺠﺎﺣً ﺎ ﴎﻳﻌً ﺎ وﻣﺪ ﱢوﻳًﺎ؛ وذﻟﻚ ﺑﺼﻔﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ
ﻷﻧﻬﺎ ﺟﺬﺑﺖ اﻧﺘﺒﺎه اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺒﺎرزﻳﻦ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ،وﻣﻨﻬﻢ ﻓﺮاﻧﺴﻮا ﺟﻮن أراﺟﻮ،
ﺳﻜﺮﺗري اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻠﻌﻠﻮم .أﻋﻠﻦ أراﺟﻮ ﻋﻦ ﻫﺬا اﻻﺧﱰاع ﰲ اﺟﺘﻤﺎع ﻟﻸﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ
ﺑﺎﻗﱰاح إﱃ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻨﻮﱠاب ﺑﻤﻨﺢ ﻣﻜﺎﻓﺄة ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻦ داﺟري
ٍ ﰲ ١٩أﻏﺴﻄﺲ ،١٨٣٩وﺗﻘ ﱠﺪ َم
وﻧﻴﺒﺲ .و ُﻣﻨِﺤﺖ املﻜﺎﻓﺄة ،رﺑﻤﺎ ﺑﺪاﻓﻊ اﻟﻜﱪﻳﺎء اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ واﻟﺨﻮف ﻣﻦ وﻗﻮع اﻻﺧﱰاع ﰲ أﻳ ٍﺪ
أﺟﻨﺒﻴﺔ .وﻗﺪ أﻋﻄﺖ ﻫﺬه اﻹﺟﺮاءات ﺷﻬﺮ ًة ﻛﱪى ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ اﻟﺠﺪﻳﺪة،
77
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ .وﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘُﻐﻠﺖ ً وﴎﻋﺎن ﻣﺎ اﻧﺘﴩت ﰲ إﻧﺠﻠﱰا وأﻣﺮﻳﻜﺎ
ﻃﻮﱢرت ﺑﺼﻔﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﰲ أﻣﺮﻳﻜﺎ ،وﻣﻦ ﺛ ﱠﻢ ﱠ
ﺗﺤﻘ َﻘ ْﺖ ﻣﺨﺎوف اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ. و ُ
ﴎﻋﺎن ﻣﺎ أُدﺧﻞ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺴﻴﻨﺎت ﻋﲆ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ ﺑﻌﺪ ﻋﻤﻞ
داﺟري اﻟﺮاﺋﺪ ،وﻛﺎن ﻣﻦ أﻫﻢ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺤﺴﻴﻨﺎت اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﺎﻟﺒﺔ/املﻮﺟﺒﺔ .وﻗﺪ أدى إﻋﺠﺎب
اﻟﻨﺎس اﻟﻜﺒري ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺪاﺟريﻳﺔ ﰲ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ إﱃ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﺘﺼﻮﻳﺮ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ
ﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ .وﻫﻜﺬا ،ﻛﺎن اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﺬي أدﱠى إﱃ ﻇﻬﻮر اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ
ً
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎ ﴎﻧﺪﻳﺒﻴٍّﺎ. ِ
ﻣﻜﺘﺸﻔﻬﺎ إﱃ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺸﻬﺮة َ
وأدﺧ َﻞ اﻟﺪاﺟريﻳﺔ ﰲ اﻟﺘﺼﻮﻳﺮ
78
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ
ﻄﻰﻛﺎﻧﺖ اﻷﺣﺬﻳﺔ ذات اﻟﺮﻗﺒﺔ واﻷﺣﺬﻳﺔ اﻟﻌﺎدﻳﺔ املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ املﻄﺎط أو اﻟﻘﻤﺎش املﻐ ﱠ
ﺑﻄﺒﻘﺔ ﻣﻦ املﻄﺎط ﺗُﺼﻨﱠﻊ ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ،وﺗُﺼﺪﱠر إﱃ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،ﺛﻢ ﺑﺪأ
ﺗﺼﻨﻴﻌﻬﺎ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﰲ اﻟﺜﻼﺛﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ .ﻟﻜﻦ ﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﻧﻔﺮ
اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﻮن ﻣﻦ اﻷﺣﺬﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻴﺒﱠﺲ ﰲ اﻟﺸﺘﺎء وﺗﺼﺒﺢ ﻣَ ِﺮﻧﺔ وﻗﺒﻴﺤﺔ اﻟﺸﻜﻞ ﰲ اﻟﺼﻴﻒ.
وﻫﻨﺎ دﺧﻞ ﺗﺸﺎرﻟﺰ ﺟﻮدﻳري املﺸﻬﺪ.
وﻣﺨﱰع ﻏري
ٍ ﺗﺎﺟﺮ
ٍ َ
ُوﻟِﺪ ﺟﻮدﻳري ﰲ ﻋﺎم ١٨٠٠ﰲ ﻧﻴﻮ ﻫﻴﻔﻦ ﺑﻜﻮﻧﻴﺘﻴﻜﺖ ،وﻛﺎن اﺑﻦ
ﻧﺎﺟﺢ .اﻧﺸﻐﻞ ﺟﻮدﻳري اﻟﺼﻐري ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺟﻌﻞ املﻄﺎط ﻻ ﻳﺘﺄﺛﺮ ﺑﺎﻟﺘﻐريات ﰲ درﺟﺔ اﻟﺤﺮارة
ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺼﺒﺢ ﻣﻔﻴﺪًا ﺑﻄﺮق ﻋﺪﻳﺪة ،وﻫﺬا اﻻﻧﺸﻐﺎل ﻣﻠﻚ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﺒﱠﻪ؛ ﻣﻤﺎ أدﱠى إﱃ ﺗﺪﻫﻮر
ﺻﺤﺘﻪ وﺿﻴﺎع اﻟﺜﺮوة اﻟﺼﻐرية اﻟﺘﻲ اﻣﺘﻠﻜﻬﺎ ﻫﻮ وأﴎﺗﻪ ﺑني ﻋﺎﻣَ ْﻲ ١٨٣٠و .١٨٣٩وﰲ
ﺗﻠﻚ اﻟﻔﱰة ،دﺧﻞ اﻟﺴﺠﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺮة ﺑﺴﺒﺐ اﻟ ﱠﺪﻳْﻦ ،وأﺻﺒﺢ ﻋﺎﻟﺔ ﻋﲆ أﻗﺎرﺑﻪ ﰲ اﻟﺤﺼﻮل
ﻳﺘﻮﻗﻒ ،وﻛﺎﻧﺖ إﺣﺪى املﺸﻜﻼت ﻋﲆ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺴﻜﻦ ،ﻟﻜﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﻤﻮﺿﻮع املﻄﺎط ﻟﻢ ﱠ
اﻟﻜﱪى اﻟﺘﻲ ﺗﻌ ﱠﺮض ﻟﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﻠﺒﻴﺔ اﻟﻜﺒرية اﻟﺘﻲ ﺑﺎﻋﻬﺎ إﱃ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﺣﻘﺎﺋﺐ اﻟﱪﻳﺪ
ا ُملﻌﺎﻟﺠﺔ ﺑﺎملﻄﺎط ﻟﺘﻜﻮن ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻟﻠﻤﻴﺎه ،واﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ َﻟ ِﺰﺟﺔ وﺗﻔ ﱠﻜﻜﺖ ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺤﺮارة
ﻗﺒﻞ أن ﺗﺨﺮج ﻣﻦ املﺼﻨﻊ.
ﺑﻌﺪ ﻋﺪة ﻣﺤﺎوﻻت ﻏري ﻧﺎﺟﺤﺔ وﻏري ﻋﻠﻤﻴﺔ ملﻌﺎﻟﺠﺔ املﻄﺎط ،اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻤﱠ ﻨﺖ إﺣﺪاﻫﺎ
ﻣﺰﺟﻪ ﺑﺎﻟﻜﱪﻳﺖ ،ﺣﺪث أن أراق ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ ﻣﺰﻳﺠً ﺎ ﻣﻦ املﻄﺎط واﻟﻜﱪﻳﺖ ﰲ ﻓﺮن ﺳﺎﺧﻦ.
ً
ﺧﻔﻴﻔﺎ ﻓﻘﻂ ،ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻛﻤﺎ ً
اﺣﱰاﻗﺎ وﻣﻤﺎ أﺛﺎر دﻫﺸﺘﻪ أن املﻄﺎط ﻟﻢ ﻳﻨﺼﻬﺮ وﻟﻜﻨﻪ اﺣﱰق
ﻳﺤﺪث ﻟﻘﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﺪ ،وﻋﲆ اﻟﻔﻮر أد َر َك ﺟﻮدﻳري أﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬه املﺼﺎدﻓﺔ .ﻗﺎﻟﺖ اﺑﻨﺘﻪ
ً
ﻻﺣﻘﺎ:
َ
ﻗﻄﻌﺔ اﻟﺼﻤﻎ ً
ﻣﺼﺎدﻓﺔ ُ
ﻻﺣﻈﺖ ﺑﻴﻨﻤﺎ ُ
ﻛﻨﺖ أﻣ ﱡﺮ إﱃ داﺧﻞ اﻟﻐﺮﻓﺔ أو ﺧﺎرﺟﻬﺎ،
اﻟﺼﻐرية اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻤﺴﻚ ﺑﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻨﺎر ،وﻻﺣﻈﺖ ً
أﻳﻀﺎ أﻧﻪ ﻛﺎن
ﺗﻮﺻ َﻞ إﻟﻴﻪ .ﺛﻢ رأﻳﺘﻪ ﻳﺜﺒﱢﺖ
ﱠ ﻧﺤﻮ ﻏري ﻋﺎدي ﺑﺴﺒﺐ اﻛﺘﺸﺎف ﻣﺎ ﺳﻌﻴﺪًا ﻋﲆ ٍ
ﺑﻤﺴﻤﺎر ﻗﻄﻌﺔ اﻟﺼﻤﻎ ﺧﺎرج ﺑﺎب املﻄﺒﺦ ﰲ اﻟﱪد اﻟﺸﺪﻳﺪ ،وﰲ اﻟﺼﺒﺎح أدﺧﻠﻬﺎ
وأﻣﺴﻚ ﺑﻬﺎ وﻫﻮ ﻳﻄري ﻓﺮﺣً ﺎ؛ إذ وﺟﺪ أﻧﻬﺎ ﻣَ ِﺮﻧﺔ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺗﺎم ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣني
ﻣﺨﱰع :ﻗﺼﺔ ﺣﻴﺎة ﺗﺸﺎرﻟﺰ ﺟﻮدﻳري ِ وﺿﻌﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﺎرج ً
)ﻧﻘﻼ ﻋﻦ ﻛﺘﺎب »ﺗﺠﺎرب
واﻛﺘﺸﺎﻓﺎﺗﻪ« ﻟﺒريس ،ﺻﻔﺤﺔ .(١٠٦
ﺑﻌﺪ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻻﺧﺘﺒﺎرات ،ﺣ ﱠﺪ َد ﺟﻮدﻳري درﺟﺔ اﻟﺤﺮارة املﻨﺎﺳﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻳ ﱠ
ُﺴﺨﻦ ﻓﻴﻬﺎ
املﻄﺎط ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ،واملﺪة املﻼﺋﻤﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﺘﺴﺨني ﺣﺘﻰ ﻳﺼﻠﺪ املﻄﺎط .وﺗﻘ ﱠﺪ َم ﺑﻄﻠﺐ
80
املﻄﺎط اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ واﻟﺼﻨﺎﻋﻲ
ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﻻﺧﱰاع ،ﻓﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻋﺎم ١٨٤٤ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺳﻤﱠ ﺎﻫﺎ ﺗﺼﻠﻴﺪ املﻄﺎط
،vulcanizationوذﻟﻚ ﻋﲆ اﺳﻢ إﻟﻪ اﻟﻨﺎر اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ،ﻓﻮﻟﻜﺎن .Vulcan
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ُﺴﺨﻦ املﻄﺎط ﻣﻊ اﻟﻜﱪﻳﺖ ،ﺗﺮﺗﺒﻂ ذرات اﻟﻜﱪﻳﺖ ﻣﻊ اﻟﺴﻼﺳﻞ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﻟﺠﺰﻳﺌﺎت ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳ ﱠ
َ
ﻣﺼﻔﻮﻓﺔ املﻄﺎط ﻛﻜ ﱟﻞ ﺑﻮﻟﻴﻤﺮات املﻄﺎط؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺆدي إﱃ ﺗﺼﻠﺪﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ
ﱡ
ﻟﻠﺘﻐريات ﰲ درﺟﺔ اﻟﺤﺮارة. ً
ﺣﺴﺎﺳﻴﺔ أﻗ ﱠﻞ
ﻻ ﻳُﻌَ ﱡﺪ اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌَ َﺮﴈ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺗﺼﻠﻴﺪ املﻄﺎط اﻟﺘﻲ ﱠ
ﺗﻮﺻﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﺟﻮدﻳري ﴎﻧﺪﻳﺒﻴٍّﺎ،
ً
ﻓﺒﺪﻻ ﻣﻦ اﻛﺘﺸﺎف ﳾء ﻣﺼﺎدَﻓﺔ ﻟﻢ ً ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﴩح اﻟﺪﻗﻴﻖ ﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ووﻟﺒُﻮل ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ. وذﻟﻚ ً
ﺣﻼ ﻛﺎن ﻳﺴﻌﻰ ﺑﺸﺪة إﱃ إﻳﺠﺎده. ﻳﻜﻦ اﻟﺸﺨﺺ ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻴﻪ ،وﺟﺪ ﺟﻮدﻳري ﺑﺎملﺼﺎدَﻓﺔ ٍّ
ﱠت إﱃ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻋﻨﺪﻣﺎ ذﻛﺮت ﰲ املﻘﺪﻣﺔ ،ﺗﻮﺟﺪ أﻣﺜﻠﺔ ﻋﺪﻳﺪة ملﺼﺎدﻓﺎت ﺳﻌﻴﺪة أد ْ ُ وﻛﻤﺎ
ﱠ
ﺣﺪﺛﺖ ﻷﺷﺨﺎص ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﻌﻮن وراء ﳾء ﻛﺎن ﻳﺘﻤﻠﺺ ﻣﻨﻬﻢ داﺋﻤً ﺎ ﺣﺘﻰ ﺣﺪﺛﺖ املﺼﺎدﻓﺔ.
وﻫﺬه اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﻣﺎ ﻛﺎن ووﻟﺒُﻮل ﻳﻘﺼﺪه ﺑﺎﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ
ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻷن ﻳُﻄ َﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ »اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﻮﻫﻤﻴﺔ«.
ً
ﻣﻨﺸﻐﻼ ﻟﻢ ﻳَﻌِ ﺶ ﺟﻮدﻳري ﺳﻌﻴﺪًا ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺼﻠﻴﺪ املﻄﺎط؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن
اﻵﺧﺮﻳﻦ ،وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ دواﻣﺔ اﻟ ﱠﺪﻳْﻦ ﺑﺎﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ ﺑﺮاءة اﺧﱰاﻋﻪ ﻣﻦ اﻋﺘﺪاءات َ
اﻟﻜﺒرية اﻟﺘﻲ ﻛﺎن واﻗﻌً ﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻮاﻓﻴﻪ املﻨﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم ،١٨٦٠ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻧﺠﺎح
داﻧﻴﺎل وﺑﺴﱰ ﰲ اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻨﻪ ﰲ إﺣﺪى ﻣﺤﺎوﻻت اﻟﺘﻌﺪﱢي ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﺧﱰاﻋﻪ .ﻟﻜﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ
ﱠت إﱃ ﺣﺮﻛﺔ ﻛﺒرية ﰲ ﻣﺠﺎل ﺗﺼﻨﻴﻊ واﺳﺘﺨﺪام املﻄﺎط ،وﺑﺤﻠﻮل ﻋﺎم ﺗﺼﻠﻴﺪ املﻄﺎط أد ْ
١٨٥٨ﺑﻠﻐﺖ ﻗﻴﻤﺔ املﻨﺘﺠﺎت املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ املﻄﺎط ٥ﻣﻼﻳني دوﻻر ،وﺗﺄﺳﺴﺖ ﻛﱪى ﴍﻛﺎت
ﺗﺼﻨﻴﻊ املﻄﺎط ،ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﴍﻛﺔ ﺟﻮدﻳري ،ﰲ آﻛﺮون ﺑﺄوﻫﺎﻳﻮ ﰲ ﻋﺎم ١٨٧٠واﻟﺴﻨﻮات
اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻫﺬا ﻗﺒﻞ ﻇﻬﻮر اﻟﺴﻴﺎرات واﻟﺸﺎﺣﻨﺎت واﻟﻄﺎﺋﺮات ،اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻮي
إﻃﺎراﺗﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻌﻈﻢ املﻄﺎط املﺴﺘﺨﺪَم اﻟﻴﻮم.
81
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻛﺘﺸﻒ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ ﻟﻠﻤﻄﺎط ﺑﺘﺴﺨﻴﻨﻪ ﰲ ﻇﺮوف ﻣُﺤ َﻜﻤﺔ وﺗﺤﺪﻳﺪ
ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻷﺟﺰاء اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷﺟﺰاء اﻷﻳﺰوﺑﺮﻳﻦ ،وﻫﻮ ﻣﺮﻛﺐ ﻣﻜﻮﱠن
ﻣﻦ ﺧﻤﺲ ذرات ﻛﺮﺑﻮن ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ راﺑﻄﺘني ﻣﺰدوﺟﺘني .ﰲ ﻋﺎم ،١٩٢٠ﻛﺘﺐ ﻫﺮﻣﺎن
وﺻﻔﺎ ﻟﱰﻛﻴﺐ ﻣﻨﺘﺠﺎت ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﻣﺜﻞ املﻄﺎط ً ﺷﺘﺎودﻧﺠﺮ ﺑﺤﺜًﺎ ﺷﻬريًا اﻗﱰح ﻓﻴﻪ
واﻟﺴﻠﻴﻠﻮز واﻟﱪوﺗﻴﻨﺎت وﺑﻌﺾ املﻨﺘﺠﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ .واﻓﱰض
أن ﻫﺬه املﻮاد ،اﻟﺘﻲ ﺗﺒﺪو ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻏﺎﻣﺾ ﻋﻦ املﺮﻛﺒﺎت اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ اﻷﺑﺴﻂ؛ ﻫﻲ
ﺑﻮﻟﻴﻤﺮات ) .polymersﻛﻠﻤﺔ polymerأﺻﻠﻬﺎ ﻛﻠﻤﺘﺎن إﻏﺮﻳﻘﻴﺘﺎن ﻫﻤﺎ polyوﺗﻌﻨﻲ
»ﻣﺘﻌﺪدة« ،و merosوﺗﻌﻨﻲ »أﺟﺰاء« (.وﺗﺘﻜﻮن اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮات ﻣﻦ ﺟﺰﻳﺌﺎت ﻛﺒرية ﺗﺤﺘﻮي
ﻋﲆ وﺣﺪات ﻣﺘﻜﺮرة ﺗﺮﺗﺒﻂ ﻣﻌً ﺎ ﺑﻨﻔﺲ أﻧﻮاع اﻟﺮواﺑﻂ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﰲ املﺮﻛﺒﺎت اﻷﺑﺴﻂ.
ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،اﻓﱰﺿﺖ ﺻﻴﻐﺔ ﺟﺰﻳﺌﻴﺔ ﻟﻠﻤﻄﺎط ﻣﻔﺎدﻫﺎ أن ﻋﺪدًا ﻛﺒريًا ﻣﻦ وﺣﺪات
»ﻣﻮﻧﻮﻣﺮ« اﻷﻳﺰوﺑﺮﻳﻦ )ﺗﻌﻨﻲ ﻛﻠﻤﺔ »ﻣﻮﻧﻮﻣﺮ« أﻧﻬﺎ وﺣﺪات ﻣﻜﻮﱠﻧﺔ ﻣﻦ »ﺟﺰء واﺣﺪ«( ﺗﺮﺗﺒﻂ
ﻣﻌً ﺎ ﺑﻔﻌﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﺤﻴﻮي اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻢ ﰲ ﺷﺠﺮة املﻄﺎط ﻹﻧﺘﺎج ﺟﺰيء ﺑﻮﻟﻴﻤﺮ ﻛﺒري
ﻣﻦ املﻄﺎط.
ﺑﻌﺪ اﻗﱰاح ﻫﺬه اﻟﺼﻴﻐﺔ ﻟﻠﻤﻄﺎط اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،ﺗﻤﺖ ﻣﺤﺎوﻻت ﻋﺪﻳﺪة ﻟﺼﻨﻊ ﻣﻄﺎط
ﺻﻨﺎﻋﻲ ﻟﻪ ﻧﻔﺲ اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ واملﺮوﻧﺔ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﻬﻤﺎ املﻄﺎط اﻟﺬي ﻳﺘﻢ اﻟﺤﺼﻮل
ﻣﺤﻔﺰة ﻣﺘﻌﺪدة ملﻌﺮﻓﺔ إن ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻷﺷﺠﺎر .وﺗﻤﺖ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ اﻷﻳﺰوﺑﺮﻳﻦ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻋﻮاﻣﻞ ﱢ
ﻛﺎن ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻠﻤﺮﺗﻬﺎ ﻹﻧﺘﺎج ﳾء ﻣﻤﺎﺛﻞ ﻟﻠﻤﻄﺎط أم ﻻ .وﻧﺠﺤﺖ ﺗﻠﻚ املﺤﺎوﻻت ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ ﺑﻤﺎ
ﻳﻜﻔﻲ ﻟﻠﱪﻫﻨﺔ ﻋﲆ ﺻﺤﺔ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺷﺘﺎودﻧﺠﺮ ،ﻟﻜﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻟﻠﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ ﻟﻢ
املﺤﻔﺰة ﻟﻼﻧﺘﻈﺎم اﻟﻔﺮاﻏﻲ ﰲ ﻋﺎم .١٩٥٣ ﱢ ﺗُﻌ َﺮف ﺣﺘﻰ اﻛﺘﺸﻒ ﻛﺎرل ﺗﺴﻴﺠﻠﺮ اﻟﻌﻮاﻣﻞ
)ﺳﻨﺘﻨﺎول ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻲ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس واﻟﻌﴩﻳﻦ (.اﺗﻀﺢ أن املﻄﺎط
اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻟﻪ ﺗﺮﺗﻴﺐ »ﻣﻘﺮون« ﻟﻮﺣﺪات املﻮﻧﻮﻣﺮ ﻟﻸﻳﺰوﺑﺮﻳﻦ؛ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻜﺮار ﻫﺬا اﻟﱰﺗﻴﺐ ﰲ
املﺤﻔﺰة اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ أد ْ
ﱠت ﱢ ﱢ
ﻣﺤﻔﺰة ﺟﺪﻳﺪة ،ﰲ ﺣني أن املﻮاد املﻄﺎط اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻣﻮاد
إﱃ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﻋﺸﻮاﺋﻲ ﻟﻠﻮﺣﺪات املﻘﺮوﻧﺔ واملﻔﺮوﻗﺔ .ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،أﺻﺒﺢ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ إﻧﺘﺎج ﻣﻄﺎط
ﺻﻨﺎﻋﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻔﺮﻗﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﺑﻴﻨﻪ وﺑني املﻄﺎط اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،وﻳﺘﺤﺪد اﻟﻴﻮ َم اﻻﺧﺘﻴﺎ ُر ﺑني
اﺳﺘﺨﺪام املﻄﺎط اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ واﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻹﻃﺎرات واﻷﺷﻴﺎء اﻷﺧﺮى ﺑﺼﻔﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ
ﻣﻦ ﺧﻼل ﺳﻌﺮ اﻟﺒﱰول ،اﻟﺬي ﻫﻮ املﺎدة اﻷوﻟﻴﺔ ﻹﻧﺘﺎج املﻄﺎط اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ.
اﻫﺘﻢ اﻟﺪﻛﺘﻮر دﺑﻠﻴﻮ إس ﻛﺎﻟﻜﻮت ﰲ ﻣﻌﻤﻞ ﺟﺎﻛﺴﻮن اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﴩﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ
ﺑﺎﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺘﻲ أﺟﺮاﻫﺎ اﻷب ﻧﻴﻮﻟﻮﻧﺪ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻧﻮﺗﺮدام .ﻛﺎن ﻧﻴﻮﻟﻮﻧﺪ َﻗ ٍّﺴﺎ ﻛﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴٍّﺎ
82
املﻄﺎط اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ واﻟﺼﻨﺎﻋﻲ
وأﺳﺘﺎذًا ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﻧﻮﺗﺮدام وﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ ،وﻗﺪ ﻧﴩ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺑﺤﺜﻪ اﻟﺘﻲ أﻇﻬﺮت أن اﻷﺳﻴﺘﻴﻠني،
وﻫﻮ ﻫﻴﺪروﻛﺮﺑﻮن ﺻﻴﻐﺘﻪ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ،C2 H2ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ ﺟﺰﻳﺌﺎﺗﻪ ﻣﺮة أو ﻣﺮﺗني
ﻹﻧﺘﺎج أﺳﻴﺘﻴﻠني اﻟﻔﻴﻨﻴﻞ ﺑﺼﻴﻐﺔ C4 H4وأﺳﻴﺘﻴﻠني ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﻔﻴﻨﻴﻞ ﺑﺼﻴﻐﺔ .C6 H6اﻋﺘﻘﺪ
ﻛﺎف ﻟﻠﻮﺣﺪة املﻜﻮﱠن ﻛﺎﻟﻜﻮت أن ﻫﺬه اﻟﺪﻳﻤﺮات واﻟﱰﻳﻤﺮات ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ٍ
ﻣﻨﻬﺎ املﻄﺎط اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ؛ اﻷﻳﺰوﺑﺮﻳﻦ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﻟﺘﺤﻀري ﻣﻄﺎط ﺻﻨﺎﻋﻲ،
وﻗﺪ أﺳﻨﺪ ﺗﻠﻚ املﻬﻤﺔ إﱃ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻲ ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ ،وﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻨﺠﺤﻮا ﰲ ذﻟﻚ،
ﻓﺬﻫﺐ إﱃ واﻻس ﻛﺎروﺛﺮز ،رﺋﻴﺲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺑﺎملﺤﻄﺔ اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻴﺔ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﴩﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ،
وﻫﻲ املﻌﻤﻞ اﻟﺬي أُﺟﺮﻳﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺑﺤﺎث املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮات.
ﻋﻴﻨﺔ ﻣﻦاﻫﺘﻢ ﻛﺎروﺛﺮز ﺑﺎﻷﻣﺮ ،وﻃﻠﺐ ﻣﻦ أﺣﺪ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني وﻫﻮ أرﻧﻮﻟﺪ ﻛﻮﻟﻴﻨﺰ ﺗﻨﻘﻴﺔ ٍ
املﺴﺘﻘﻰ ﻣﻦ اﻷﺳﻴﺘﻴﻠني ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻧﻴﻮﻟﻮﻧﺪ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﻫﺬا ،ﻓﺼﻞ َ املﺰﻳﺞ اﻟﺨﺎم
ﻛﻤﻴﺔ ﺻﻐرية ﻣﻦ اﻟﺴﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳَﺒْ ُﺪ أﻧﻬﺎ أﺳﻴﺘﻴﻠني اﻟﻔﻴﻨﻴﻞ أو أﺳﻴﺘﻴﻠني ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﻔﻴﻨﻴﻞ
ﻮﺻﻒ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻧﻴﻮﻟﻮﻧﺪ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﺨ ﱠﻠﺺ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻞ ﻧﺤﱠ ﺎﻫﺎ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻋﲆ ﻃﺎوﻟﺔ ﻣﻌﻤﻠﻪ وﻟﻢ ﺗُ َ
ﻆ أن اﻟﺴﺎﺋﻞ ﻗﺪ ﺗﺼ ﱠﻠﺐَ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ وﺗﺮﻛﻬﺎ ﺧﻼل ﻋﻄﻠﺔ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﺳﺒﻮع .وﰲ ﻳﻮم اﻹﺛﻨني ،ﻻﺣَ َ
ﻓﺤﺼﻪ ﺑﺪا ﻟﻪ أﻧﻪ ﻣﻄﺎط ،ﺑﻞ وارﺗﺪ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺳﻘﻂ ﻋﲆ اﻟﻄﺎوﻟﺔ.
رﺑﻤﺎ ﺗﻘﻮل إن ﻫﺬه ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺼﺎدﻓﺔ وﻟﻜﻨﻪ ﻓﻘﻂ أﻣ ٌﺮ ﻛﺎن ﻛﺎﻟﻜﻮت ﻳﺴﻌﻰ وراءه ،ﺑﻞ
ً
ﺷﻜﻼ ﻫﻴﺪروﻛﺮﺑﻮﻧﻴٍّﺎ أﻳﻀﺎ ﻳﺘﻮﻗﻌﻪ .ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣ ﱠﻠﻠﻮا اﻟﺴﺎﺋﻞ املﻄﺎﻃﻲ ،وﺟﺪوا أﻧﻪ ﻟﻴﺲﻛﺎن ً
ﻣﺘﻮﻗﻊ ﻋﲆﱠ ﺑﻮﻟﻴﻤﺮﻳٍّﺎ ﻣﻦ اﻷﺳﻴﺘﻴﻠني ،ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ »اﻟﻜﻠﻮر« ،وﻫﻮ أﻣﺮ ﻛﺎن ﻏري
اﻹﻃﻼق .ﻳﺒﺪو أن ﻣﺼﺪر اﻟﻜﻠﻮر ﻫﻮ ﺣﻤﺾ اﻟﻬﻴﺪروﻛﻠﻮرﻳﻚ HClاﻟﺬي ﻛﺎن ﻳُﺴﺘﺨﺪَم
ﰲ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻧﻴﻮﻟﻮﻧﺪ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ دﻳﻤﺮ وﺗﺮﻳﻤﺮ اﻷﺳﻴﺘﻴﻠني ،وﻗﺪ أُﺿﻴﻒ إﱃ أﺳﻴﺘﻴﻠني اﻟﻔﻴﻨﻴﻞ.
وﺳﻤﱢ َﻲ ﻧﺎﺗﺞ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻹﺿﺎﻓﺔ ﻫﺬه اﻟﻜﻠﻮروﺑﺮﻳﻦ؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﺘﺸﺎﺑﻬﻪ ﻣﻊ اﻷﻳﺰوﺑﺮﻳﻦ .واﻻﺧﺘﻼف ُ
اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻛﺎن ذرة اﻟﻜﻠﻮر ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ املﻴﺜﻴﻞ )وﻫﻲ وﺣﺪة ﺟﺰﻳﺌﻴﺔ ﻣﻜﻮﱠﻧﺔ ﻣﻦ ذرة
ﻛﺮﺑﻮن واﺣﺪة ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺜﻼث ذرات ﻣﻦ اﻟﻬﻴﺪروﺟني؛ أيْ (CH3ﰲ ﺟﺰيء املﻮﻧﻮﻣﺮ .وﻫﻜﺬا
أد ِﱠت اﻟﺒﻠﻤﺮة اﻟﻔﻮرﻳﺔ ملﺎدة اﻟﻜﻠﻮروﺑﺮﻳﻦ أﺛﻨﺎء وﺟﻮدﻫﺎ ﻋﲆ ﻃﺎوﻟﺔ ﺑﻤﻌﻤﻞ ﻛﻮﻟﻴﻨﺰ ﰲ ﻋﻄﻠﺔ
ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﺳﺒﻮع إﱃ إﻧﺘﺎج املﺎدة اﻟﺼﻠﺒﺔ اﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎملﻄﺎط اﻟﺘﻲ ﺳﻤﱠ ﺎﻫﺎ اﻟﻨﻴﻮﺑﺮﻳﻦ.
و ُِﺟﺪ أن ﻫﺬا املﻄﺎط اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻪ درﺟﺔ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻛﺒرية ﻟﻠﺒﱰول واﻟﺒﻨﺰﻳﻦ
ﻧﺔ ﺑﺎملﻄﺎط اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،وﻗﺪ أدت ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ إﱃ إﻧﺘﺎﺟﻪ وﺑﻴﻌﻪ ﺑﺎﻷﺳﻮاق واﻷوزون ﻣﻘﺎ َر ً
ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٣٠ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻮﻧﻪ أﻏﲆ ﺑﻜﺜري ﻣﻦ املﻄﺎط
اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ .وﻣﺎ زال ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻔﻴﺪًا وﻗﻴﱢﻤً ﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﺄ ﱠﻛﺪت ﻣﺘﺎﻧﺘﻪ وﻗﻮة ﺗﺤﻤﻠﻪ ﰲ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت
83
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﻣﺜﻞ :اﻟﺨﺮاﻃﻴﻢ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ،وأﻧﻌﺎل اﻷﺣﺬﻳﺔ ،وﺣﺸﻴﺎت اﻟﻨﻮاﻓﺬ ،وﺳﻴﻮر ﻧﻘﻞ اﻟﺤﺮﻛﺔ
اﻟﺸﺪﻳﺪة اﻻﺣﺘﻤﺎل ،وﺗﻐﻠﻴﻒ اﻟﻜﺒﻼت اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ .وﺛﻤﺔ اﺳﺘﺨﺪام ﺣﺪﻳﺚ وﻣﺜري ﻟﻬﺬا اﻟﻨﻮع،
وﻫﻮ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻛﻤﺎدة راﺑﻄﺔ ﻟﻸﺣﺰﻣﺔ اﻟﺠﻠﺪﻳﺔ ذات اﻟﻮﺟﻬني؛ ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺮﺑﻂ ﺑني
ﻗﻄﻌﺘني ﻣﻦ اﻟﺠﻠﺪ اﻷﺳﻮد واﻟﺒﻨﻲ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ داﺋﻢ دون ﺗﺨﻴﻴﻄﻬﻤﺎ ﻹﻧﺘﺎج ﺣﺰام ﻣﻦ ﻟﻮﻧني
ﻳُﻠﺒَﺲ ﻋﲆ اﻟﻮﺟﻬني.
ﰲ ﻋﺎم ،١٩٢٤ﺑﺪأ ﺟﻴﻪ ﳼ ﺑﺎﺗﺮﻳﻚ ﰲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ إﻋﺪاد ﳾء ﻣﻔﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﻜﻤﻴﺎت اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ
ﻣﻦ اﻹﺛﻴﻠني واﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﺜﺎﻧﻮي املﺘﻤﺜﻞ ﰲ ﻏﺎز اﻟﻜﻠﻮر املﺘﺎح ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ.
وﻛﺎن ﻣﻦ املﻌﺮوف أن ﻫﺬﻳﻦ املﺮﻛﺒني ﻳﺘﱠﺤﺪان ﻣﻌً ﺎ ﻹﻧﺘﺎج ﺛﺎﻧﻲ ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻹﺛﻴﻠني .ﻛﺎن
ﺑﺎﺗﺮﻳﻚ ﻳﺨﺘﱪ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻣﻮاد ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻊ ﺛﺎﻧﻲ ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻹﺛﻴﻠني ﻋﲆ أﻣﻞ إﻧﺘﺎج ﺟﻠﻴﻜﻮل
ﻗﺎﺑﻼ ﻟﻠﺘﺴﻮﻳﻖ .وﻛﺎن ﻣﻦ ﺑني املﻮاد اﻟﺘﻲ ﺟ ﱠﺮﺑﻬﺎاﻹﺛﻴﻠني ،اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺼﺒﺢ ﻣﻨﺘﺠً ﺎ ً
ﺗﻌﻄﻪ اﻟﺠﻠﻴﻜﻮل اﻟﺴﺎﺋﻞ املﻄﻠﻮب ،وإﻧﻤﺎ أﻋﻄﺘﻪ ً
ﺑﺪﻻ ﻣﺘﻌﺪد ﻛﱪﻳﺘﻴﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ِ
ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺎدة ﺷﺒﻪ ﺻﻠﺒﺔ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎملﻄﺎط .أدرك ﺑﺎﺗﺮﻳﻚ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر اﻟﻘﻴﻤﺔ املﺤﺘﻤَ ﻠﺔ ﻟﺘﻠﻚ
املﺘﻮﻗﻌﺔ اﻟﺸﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎملﻄﺎط ،واﺳﺘﻐﺮق ﰲ ﻣﴩوع ﺑﺤﺜﻲ ﻣﻜﺜﱠﻒ ﴎﻋﺎن ﻣﺎ أدﱠى ﱠ املﺎدة ﻏري
إﱃ ﺣﺼﻮﻟﻪ ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﺧﱰاع وﺗﺄﺳﻴﺲ ﴍﻛﺔ ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ املﻄﺎط اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ.
ﻃ ِﺮح ﻧﻮع املﻄﺎط اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ »ﺛﻴﻮﻛﻮل إﻳﻪ« ﰲ اﻷﺳﻮاق ﰲ ﻋﺎم ،١٩٢٩وﻛﺎن ذﻟﻚ ﻣﻦ ُ
ً
ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ﺧﻼل ﴍﻛﺔ »ﺛﻴﻮﻛﻮل« ﻟﻠﻜﻴﻤﺎوﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﺑﺎﺗﺮﻳﻚ رﺋﻴﺴﻬﺎ .وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻨﻮع
ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻋﻦ املﻄﺎط اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﺮﻛﻴﺒﻪ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻣَ ِﺮﻧًﺎ ،وﻳﻤﺘﺎز ﻋﻦ املﻄﺎط
ﻣﻘﺎوم ﻟﻠﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺒﱰوﻟﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ ﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﻇﻬﺮ أﻫﻢ ِ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺑﺄﻧﻪ ،ﻣﺜﻞ اﻟﻨريوﺑﺮﻳﻦ،
ﻋﻴﻮﺑﻪ وﻫﻮ راﺋﺤﺘﻪ اﻟﻜﺮﻳﻬﺔ ﺟﺪٍّا.
أﻧﺘﺠﺖ ﴍﻛﺔ ﺛﻴﻮﻛﻮل وﴍﻛﺎت أﺧﺮى أﻧﻮاﻋً ﺎ ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻦ املﻄﺎط املﺘﻌﺪد اﻟﻜﱪﻳﺘﻴﺪ.
واﺳﺘﻔﺎدت اﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت ﺗﻠﻚ املﺎدة ﻣﻦ ﻗﺪرﺗﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﻘﺎوﻣﺔ املﻨﺘﺠﺎت اﻟﺒﱰوﻟﻴﺔ وﺧﺼﺎﺋﺼﻬﺎ
ﻟﻠﺘﴪب وﺑﻄﺎﻧﺔ ﱡ اﻟﺠﻴﺪة ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﻨﻊ اﻟﺘﴪب ،ﻣﺜﻞ اﻟﺰﺟﺎج اﻷﻣﺎﻣﻲ ﻟﻠﺴﻴﺎرات املﺎﻧﻊ
ﺧﺰاﻧﺎت اﻟﻮﻗﻮد ﰲ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﻄﺎﺋﺮات .وﻧﻈ ًﺮا ﻷن أﻧﻮاع املﻄﺎط اﻟﺘﻲ أﻧﺘﺠﺘﻬﺎ ﴍﻛﺔ ﺛﻴﻮﻛﻮل
ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺼﻠﺪ ﰲ درﺟﺎت اﻟﺤﺮارة املﻨﺨﻔﻀﺔ ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ ﻛﻤﺎدة ﻻﺻﻘﺔ
وﻛﺄﺣﺪ ﻣﻜﻮﻧﺎت أﻧﻮاع وﻗﻮد اﻟﺼﻮارﻳﺦ اﻟﺼﻠﺒﺔ املﺴﺘﺨﺪَﻣﺔ ﻟﺪﻓﻊ اﻷﻗﻤﺎر اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ وﺳﻔﻦ
اﻟﻔﻀﺎء ﰲ ﻣﺪاراﺗﻬﺎ.
ﰲ ﻋﺎم ،١٩٨٢اﺷﱰت ﴍﻛﺔ ﻣﻮرﺗﻮن ﺳﻮﻟﺖ ﴍﻛﺔ ﺛﻴﻮﻛﻮل وأﺳﺴﺖ ﴍﻛﺔ ﺟﺪﻳﺪة
ﺑﺎﺳﻢ ﻣﻮرﺗﻮن ﺛﻴﻮﻛﻮل .وﻛﺎﻧﺖ ﻛﻞ ﴍﻛﺔ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺗﻨﺘﺞ ﻣﻮا ﱠد ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ ﻗﺒﻞ أن
84
املﻄﺎط اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ واﻟﺼﻨﺎﻋﻲ
ﺗﻨﺪﻣﺠَ ﺎ ،واﺳﺘﻤﺮﺗﺎ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﺣﺘﻰ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪُ .اﺷﺘﻬﺮت ﴍﻛﺔ ﺛﻴﻮﻛﻮل ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ
املﻘﺎول اﻟﺮﺋﻴﴘ ﻹﻧﺸﺎء ﻣﺮﻛﺒﺔ اﻟﻔﻀﺎء ﺗﺸﺎﻟﻨﺠﺮ املﻨﻜﻮﺑﺔ .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﺤﻠﻘﺎت املﻄﺎﻃﻴﺔ
ً
ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ املﻄﺎط اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﻌﺎزﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﻴﻞ إﻧﻬﺎ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ اﻧﻔﺠﺎر ﻣﺮﻛﺒﺔ اﻟﻔﻀﺎء
املﺘﻌﺪد اﻟﻜﱪﻳﺘﻴﺪ اﻟﺬي ﺗﻨﺘﺠﻪ ﴍﻛﺔ ﺛﻴﻮﻛﻮل ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻴﺘﻮن ،وﻫﻮ
ﻧﻮع ﻣﻦ املﻄﺎط اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻷﻗﺮب ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ إﱃ ﻣﺎدة اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن.
85
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ
ٌ
ﻣﻌﺮوف ﺑﺈﺳﻬﺎﻣﺎﺗﻪ ﰲ ﻣﺠﺎل املﻴﻜﺮوﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء. إن ﻟﻮي ﺑﺎﺳﺘري
ﻓﻤﻊ أﻧﻪ ﻗﺪ ﺑﺪأ ﻣﺸﻮاره املﻬﻨﻲ ﻛﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ،ﻓﻘﺪ اﺷﺘﻬﺮ ﺑﺼﻔﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﺑﺄﻧﻪ ﱠ َ
ﻓﴪ ﻛﻴﻔﻴﺔ
ﺣﺪوث ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺨﻤﱡ ﺮ ﰲ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ )ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ أﺑﺤﺎﺛﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﺟﺪٍّا ﰲ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻟﺨﻤﻮر
واﻟﺒرية( ،وﻛﻴﻔﻴﺔ ﻓﺴﺎد اﻟﻄﻌﺎم )ﻋﻤﻠﻴﺔ »ﺑﺴﱰة« اﻟﻠﺒﻦ اﻟﺘﻲ اﺑﺘﻜﺮﻫﺎ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻣﺴﺘﺨﺪ ً
َﻣﺔ(،
وﻛﻴﻔﻴﺔ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﻌﺪوى ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻠﻮث اﻟﺠﺮوح )أدﱠى ﻫﺬا إﱃ اﺧﱰاع اﻟﻠﻮرد ﻟﻴﺴﱰ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ
اﻟﺘﻌﻘﻴﻢ أﺛﻨﺎء اﻟﺠﺮاﺣﺔ ،اﻟﺘﻲ أﺣﺪﺛﺖ ﺛﻮرة ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻄﺐ( ،وﻛﻴﻔﻴﺔ ﻋﻼج ﺑﻌﺾ اﻷﻣﺮاض
)أﻧﻘﺬت دراﺳﺎﺗﻪ ﺣﻮل ﻣﺮض دودة اﻟﻘﺰ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﺮﻳﺮ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،ﰲ ﺣني أﻧﻘﺬ ﺗﻄﻮﻳﺮه
ِﻟﻠِﻘﺎح ﻣﻀﺎد ﻟﺪاء اﻟﻜ َﻠﺐ ﺣﻴﺎة آﻻف اﻷﺷﺨﺎص املﺼﺎﺑني ﺑﺪاء اﻟﻜ َﻠﺐ( .ﻟﻜﻦ أﺣﺪ اﻹﺳﻬﺎﻣﺎت
اﻟﺘﻲ ﻗﺪﱠﻣَ ﻬﺎ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ،ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ إﺳﻬﺎم أﻗﻞ ﺷﻬﺮ ًة وأﺻﻌﺐ ﰲ اﺳﺘﻴﻌﺎﺑﻪ،
ً
ﻛﻔﻴﻼ ﻟﺬﻳﻮع ﺻﻴﺘﻪ وﺗﺄﻛﻴﺪ ﺷﻬﺮﺗﻪ. ﻛﺎن
ﰲ ﻋﺎم ،١٨٤٨ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﺎﺳﺘري ﰲ ﺳﻦ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،وﻛﺎن ﻗﺪ
ﺣﺼﻞ ﺗﻮٍّا ﻋﲆ درﺟﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺴﻮرﺑﻮن ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ،ﴍع ﰲ دراﺳﺔ أﺣﺪ
أﻣﻼح اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺮاﺳﻤﻲ )اﻟﻌﻨﻘﻮدي( ،وﻫﻮ ﻣﺎدة ﺗﱰﺳﺐ ﰲ ﺑﺮاﻣﻴﻞ اﻟﺨﻤﺮ أﺛﻨﺎء ﻋﻤﻠﻴﺔ
اﻟﺘﺨﻤﱡ ﺮ) .ﻳﺮﺟﻊ أﺻﻞ ﻛﻠﻤﺔ »راﺳﻤﻲ« racemicإﱃ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ racemusاﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ
آﺧﺮ ﻳُﺪﻋَ ﻰ أﻳﻠﻬﺎرد ﻣﻴﺘﴩﻟﻴﺶ أن أﺣﺪ أﻣﻼح اﻟﺤﻤﺾ »ﻋﻨﺎﻗﻴﺪ اﻟﻌﻨﺐ« (.ذﻛﺮ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ َ
ُﺤﴬ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺮاﺳﻤﻲ اﻟﺮاﺳﻤﻲ )وﻫﻮ ﻣﻠﺢ أﻣﻮﻧﻴﻮم اﻟﺼﻮدﻳﻮم اﻟﺬي ﻳ ﱠ
ﺑﻤﺎء اﻟﺼﻮدا واﻟﻨﺸﺎدر( ﻳﻜﺎد ﻳﻄﺎﺑﻖ أﺣﺪ أﻣﻼح ﺣﻤﺾ اﻟﻄﺮﻃري اﻟﺬي ﻳﻈﻬﺮ ً
أﻳﻀﺎ ﰲ
ﻄﺎ ﺿﻮﺋﻴٍّﺎ« ،ﰲ ﺣني أن ﻣﻠﺢ اﻟﺤﻤﺾ ﺑﺮاﻣﻴﻞ اﻟﺨﻤﺮ ،ﻟﻜﻦ ﻣﻠﺢ ﺣﻤﺾ اﻟﻄﺮﻃري ﻛﺎن »ﻧ َ ِﺸ ً
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻟﺮاﺳﻤﻲ ﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ) .ﻳُﻌ َﺮف ﻣﻠﺢ ﺣﻤﺾ اﻟﺒﻮﺗﺎﺳﻴﻮم املﻮﺟﻮد ﰲ ﺣﻤﺾ اﻟﻄﺮﻃري ﺑ ُﺰﺑﺪ
اﻟﻄﺮﻃري(.
ﻄﺔ ﺿﻮﺋﻴٍّﺎ إذا ﻛﺎن ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﺎ إﺣﺪاث اﻧﺤﺮاف أو دوران ﻳُﻘﺎل ﻋﲆ أﻳﺔ ﻣﺎدة إﻧﻬﺎ ﻧ َ ِﺸ ً
ﰲ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ اﺳﺘﻘﻄﺎﺑًﺎ اﺳﺘﻮاﺋﻴٍّﺎ .ﻳﺘﺄﻟﻒ اﻟﻀﻮء اﻟﻌﺎديً ،
ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﻨﻈﺮﻳﺔ
املﻮﺟﻴﺔ ،ﻣﻦ ﻣﻮﺟﺎت ﺗﺘﺬﺑﺬب ﰲ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت ﰲ ﻛﻞ اﻻﺗﺠﺎﻫﺎت ،وﻳﻤﻜﻦ ﻟﺒﻠﻮرات ﻣﻌﻴﻨﺔ
ﻓﻠﱰة اﻟﻀﻮء ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﻮﺟﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺬﺑﺬب ﰲ ﻣﺴﺘﻮًى واﺣﺪ ﻓﻘﻂ املﺮور ﺧﻼﻟﻬﺎ،
ُﻮﺻﻒ اﻟﻀﻮء اﻟﻨﺎﺗﺞ ﺑﺄﻧﻪ ﻣُﺴﺘﻘ َ
ﻄﺐ. وﻳ َ
ﻣﻌﺮوﻓﺎ ﰲ ﻋﺎم ١٨٤٨أﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ملﻮاد ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ )ﻣﺜﻞ ﺑﻠﻮرات اﻟﻜﻮارﺗﺰ ً ﻟﻘﺪ ﻛﺎن
واﻟﱰﺑﻨﺘني واملﺤﺎﻟﻴﻞ اﻟﺴﻜﺮﻳﺔ( ﺗﺪوﻳﺮ اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﺘﺸﻒ أﺣ ٌﺪ اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ
اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻌﻞ ﺑﻬﺎ ﺗﻠﻚ املﻮاد ذﻟﻚ .وﻗﺪ ﻛﺎن إﺛﺒﺎت دوران اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ وﻗﻴﺎﺳﻪ ﻳﺘﻢ
ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﺟﻬﺎز ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﻣﻘﻴﺎس اﻻﺳﺘﻘﻄﺎب .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺆدي ﻣﺎدة إﱃ دوران ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻀﻮء
املﺴﺘﻘﻄﺐ ﰲ اﺗﺠﺎه ﻋﻘﺎرب اﻟﺴﺎﻋﺔ ،ﺗﻜﻮن ﻳﻤﻴﻨﻴﺔ اﻟﺘﺪوﻳﺮ؛ أيْ ﺗﻨﺘﺞ دوراﻧًﺎ ﻣﻮﺟﺒًﺎ ،ﻟﻜﻦ
88
ﺑﺎﺳﺘري :ﺟﺰﻳﺌﺎت اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﴪ واﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﻤﻦ ملﻠﺢ ﺣﻤﺾ اﻟﻄﺮﻃري
إذا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺆدي إﱃ دوراﻧﻪ ﰲ ﻋﻜﺲ اﺗﺠﺎه ﻋﻘﺎرب اﻟﺴﺎﻋﺔ ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻜﻮن ﻳﺴﺎرﻳﺔ اﻟﺘﺪوﻳﺮ؛
أيْ ﺗﻨﺘﺞ دوراﻧًﺎ ﺳﺎﻟﺒًﺎ.
أﺻﻴﺐ ﺑﺎﺳﺘري ﺑﺎﻟﺤرية؛ ﻓﻤﻠﺤﺎ ﺣﻤﺾ اﻟﻄﺮﻃري واﻟﺤﻤﺾ اﻟﺮاﺳﻤﻲ ﻛﺎن ﻳﻘﺎل إﻧﻬﻤﺎ
ﻣﺘﻤﺎﺛﻼن ﰲ اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ واﻟﺸﻜﻞ اﻟﺒﻠﻮري ،وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﻠﻬﻤﺎ ﺗﺄﺛريات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻋﲆ
اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ .ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ملﻠﺢ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺮاﺳﻤﻲ أيﱡ ﺗﺄﺛري ،ﰲ ﺣني أن ﻣﻠﺢ ﺣﻤﺾ
اﻟﻄﺮﻃري ﻛﺎن ﻳﻤﻴﻨﻲ اﻟﺘﺪوﻳﺮ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺤﺺ ﺑﺎﺳﺘري ﺑﻠﻮرات ﻣﻠﺢ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺮاﺳﻤﻲ املﻨﺘﺠﺔ
ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻮﺻﻒ ﻣﻴﺘﴩﻟﻴﺶ ،رأى ﺷﻴﺌًﺎ ﻟﻢ ﻳَ َﺮه ﻣﻴﺘﴩﻟﻴﺶ ﻧﻔﺴﻪ؛ إذ ﻛﺎن ﻳﻮﺟﺪ ﰲ واﻗﻊ ً
اﻷﻣﺮ ﻧﻮﻋﺎن ﻣﻦ اﻟﺒﻠﻮرات ،وﻛﺎﻧﺎ ﻣﻨﻄﺒﻘني ﻛﺎﻧﻄﺒﺎق اﻟﻴﺪ اﻟﻴﻤﻨﻰ واﻟﻴﺪ اﻟﻴﴪى.
ﺼﻞ اﻟﺒﻠﻮرات املﻮﺟﻮدة ﻋﲆ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﻤﻦ ﻋﻦ اﻟﺒﻠﻮرات ﻟﻔ ْﻃﺎ َ
اﺳﺘﺨﺪم ﺑﺎﺳﺘري ﻣﻠﻘﺎ ً
املﻮﺟﻮدة ﻋﲆ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﴪ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﺗﺤﺖ املﻴﻜﺮوﺳﻜﻮب ،وﻋﻨﺪﻣﺎ أﺻﺒﺢ ﻟﺪﻳﻪ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ
ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﻮع ،ﻗﺎم ﺑﴚء ﻳُﻌَ ﱡﺪ إﻟﻬﺎﻣً ﺎ أو ﻟﺤﻈﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﻘﺮﻳﺔ؛ إذ أﺧﺬ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻠﻮرات
ﻛﻼ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻨﻔﺼﻞ ،ﺛﻢ وﺿﻊ املﺤﻠﻮﻟني ﻋﲆ اﻟﺘﻮاﱄ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﻮع وأذاﺑﻬﺎ ﰲ املﺎءٍّ ،
ﰲ ﻣﺴﺎر اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ ﰲ ﻣﻘﻴﺎس اﺳﺘﻘﻄﺎب؛ ﻓﺎﻛﺘﺸﻒ أن ﻣﺤﻠﻮل ﺑﻠﻮرات اﻟﺠﺎﻧﺐ
اﻷﻳﴪ أدار اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ ﻟﻠﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﴪ ،ﰲ ﺣني أن ﻣﺤﻠﻮل ﺑﻠﻮرات اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﻤﻦ
أدار اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ ﻟﻠﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﻤﻦ .ذﻛﺮ رﻳﻨﻴﻪ ﻓﺎﻟﺮي-رادوت ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﻗﺼﺔ ﺣﻴﺎة
ﺑﺎﺳﺘري« ) (١٩٠٢أن اﻟﻌﺎﻟِﻢ اﻟﺼﻐري اﻧﻔﻌﻞ ﺑﺸﺪة ﺑﺴﺒﺐ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻪ ﺧﺮج »ﻣﺜﻞ
»ﻓﻌﻠﺘُﻬﺎ!« )ص.(٥١أرﺷﻤﻴﺪس« ﻣﴪﻋً ﺎ ﻣﻦ املﻌﻤﻞ وﻫﻮ ﻳﻬﺘﻒَ :
ُﺤﴬ ﻣﺤﻠﻮ َﻟﻴْﻬﻤﺎ،
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎس ﺑﺎﺳﺘري ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﻛﻤﻴﺔ ﻛﻞ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺒﻠﻮرات وﻫﻮ ﻳ ﱢ
اﻛﺘﺸﻒ أن درﺟﺔ اﻟﺪوران ﺗﻜﻮن ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻋﻨﺪ وﺟﻮد ﻛﻤﻴﺎت ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ
ﻧﻮع ،وﻟﻜﻦ ﺗﺆدي إﱃ ﺗﺪوﻳﺮ اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ ﰲ »اﺗﺠﺎﻫني ﻣﻌﺎﻛﺴني«؛ إذ وﺟﺪ أن ﻣﺪى
اﻟﺪوران اﻟﺬي أﺣﺪﺛﺘﻪ ﺑﻠﻮرات اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﻤﻦ ﻛﺎن ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي أﺣﺪﺛﻪ ﻣﺤﻠﻮل ﻣﻤﺎﺛﻞ ﻣﻦ
ﻣﻠﺢ ﺣﻤﺾ اﻟﻄﺮﻃري .وﻫﻜﺬا ،أﺛﺒﺖ ﺑﺎﺳﺘري أن ﻣﻠﺢ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺮاﺳﻤﻲ املﻮﺟﻮدة ﺑﻠﻮراﺗﻪ
ﻋﲆ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﻤﻦ ﻣﻄﺎ ِﺑ ٌﻖ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ملﻠﺢ ﺣﻤﺾ اﻟﻄﺮﻃري اﻟﻴﻤﻴﻨﻲ اﻟﺘﺪوﻳﺮ ،وأن ﻣﻠﺢ
اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺮاﺳﻤﻲ املﻮﺟﻮدة ﺑﻠﻮراﺗﻪ ﻋﲆ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﴪ ﺷ ﱠﻜ َﻞ ﺻﻮرة ﻣﺮآوﻳﺔ ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﻣﻦ
ﻄﺎ ﻳﺘﻜﻮﱠن ﻣﻦ ﻛﻤﻴﺎت ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ ﻣﻦ ﻣﻠﺢ ﺣﻤﺾ اﻟﻄﺮﻃري .وﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ﺻﻨﻊ ﺑﺎﺳﺘري ﺧﻠﻴ ً
ﺗﻮﻗ َﻊ وﺟﺪ أن ﻣﺤﻠﻮل ﻫﺬا اﻟﺨﻠﻴﻂ ﻏري ﻧ َ ِﺸﻂ ﺿﻮﺋﻴٍّﺎ .وﺑﺎﻟﻔﺼﻞ ﺑنيﻧﻮﻋَ ﻲ اﻟﺒﻠﻮرات ،وﻛﻤﺎ ﱠ
ﻧﻮﻋَ ﻲ اﻟﺒﻠﻮرات املﻮﺟﻮدﻳﻦ ﰲ ﻣﻠﺢ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺮاﺳﻤﻲ ،ﻗﺪﱠم ﺑﺎﺳﺘري أو َل وأﺷﻬ َﺮ ﻣﺜﺎل ملﺎ
ﻳﻄﻠِﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن اﻵن ﺗﺤﻠﻴﻞ اﻟﺨﻠﻴﻂ اﻟﺮاﺳﻤﻲ) .ﻳُﺴﺘﺨﺪَم اﻵن ﻣﺼﻄﻠﺢ »اﻟﺤﻤﺾ
89
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
τ τ
α
α
ρ ρ
β
β
)ب( ﻳﺴﺎرﻳﺔ اﻟﺘﺪوﻳﺮ )أ( ﻳﻤﻴﻨﻴﺔ اﻟﺘﺪوﻳﺮ
اﻟﺮاﺳﻤﻲ« اﻟﺨﺎص ﺑﻬﺬا املﺮﻛﺐ اﻟﺬي ﻋﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﺳﺘري ﻟﻮﺻﻒ أي ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻦ املﻮاد اﻟﺘﻲ
ﻫﻲ ﺻﻮرة ﻣﺮآوﻳﺔ ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻟﺒﻌﺾ(.
أﺻﺒﺤﺖ ﺗﺠﺎرب ﺑﺎﺳﺘري اﻟﺒﻠﻮرﻳﺔ ﻏري املﻌﺘﺎدة ﻣﺜﺎ َر ﻧﻘﺎش اﻟﻌﻠﻤﺎء ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ،
وﴎﻋﺎن ﻣﺎ وﺻﻠﺖ أﺧﺒﺎرﻫﺎ ﺟﻮن ﺑﺎﺗﻴﺴﺖ ﺑﻴﻮ ،ﻋﺎﻟِﻢ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء املﻌﺮوف اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻣﻬﻤﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺘﺪوﻳﺮ اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺒﻠﻮرات .ﻛﺎن ﺑﻴﻮ وﻗﺘﻬﺎ
ﻋﻀﻮًا ﰲ أﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ اﻟﻌﻠﻮم وﻛﺎن ﻋﻤﺮه ٧٤ﻋﺎﻣً ﺎ ،وﻣﻦ ﺛ ﱠﻢ ﻟﻢ ﻳﺄﺧﺬ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺘﻲ أﺟﺮاﻫﺎ
ﺑﺎﺳﺘري ﻛﺄﻣﺮ ﻣﺴ ﱠﻠﻢ ﺑﻪ وإﻧﻤﺎ ﻧﺰع إﱃ اﻟﺸﻚ ﰲ ﺗﻌﺎﻣﻠﻪ ﻣﻌﻬﺎ ،وﻗﺒﻞ أن ﻳُﺒﻠِﻎ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ
ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ،ﻃﻠﺐ ﻣﻦ ﺑﺎﺳﺘري ﺗﻜﺮار اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﰲ ﺣﻀﻮره .ﻗﺎم ﺑﺎﺳﺘري
ﺑﻬﺬا ،وﺗﻮﱃ ﺑﻴﻮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺗﺤﻀري املﺤﺎﻟﻴﻞ اﻟﺘﻲ أﻧﺘﺠﺖ اﻟﺒﻠﻮرات ،وﻋﻨﺪﻣﺎ رأى ﺑﻴﻮ دوران
ﻒ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ وأﻣﺴﻚ اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ ﻟﻠﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﴪ ﺑﻔﻌﻞ ﺑﻠﻮرات اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﴪ ،ﱠ
ﺗﻮﻗ َ
ُ
أﺣﺒﺒﺖ اﻟﻌﻠ َﻢ ﺟﺪٍّا ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻲ، ﺑﺬراع ﺑﺎﺳﺘري اﻟﺼﻐري وﻗﺎل ﻟﻪ ﺑﺤﺮارة» :ﻋﺰﻳﺰي اﻟﺸﺎب ،ﻟﻘﺪ
90
ﺑﺎﺳﺘري :ﺟﺰﻳﺌﺎت اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﴪ واﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﻤﻦ ملﻠﺢ ﺣﻤﺾ اﻟﻄﺮﻃري
إذا ﻧﻈﺮﻧﺎ إﱃ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮر ﻣﺤﺪود ،ﻓﺴﻨﺠﺪ أن اﻟﻔﺼﻞ ﺑني اﻟﺒﻠﻮرات ذات اﻷﺷﻜﺎل
وإﺛﺒﺎت أن ﻣﺤﺎﻟﻴﻠﻬﺎ ﺗﺪﻳﺮ ﺳﻄﺢ اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ ﰲ اﺗﺠﺎﻫﺎت ﻋﻜﺴﻴﺔ؛ ﻛﺎن َ املﺨﺘﻠﻔﺔ،
ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺑﺎرﻋﺔ وﻟﻜﻦ ﺑﺴﻴﻄﺔ .ﻓﻤﺎ اﻟﻔﺎرق اﻟﺬي ﺗﺤﺪﺛﻪ ﻓﺮﺿﻴﺔ أن ﻣﻮا ﱠد ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺗﺆدي إﱃ
دوران ﺳﻄﺢ اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ ﰲ اﺗﺠﺎه ﻣﻌني أو ﻏريه ﰲ ﻣﻘﻴﺎس اﺳﺘﻘﻄﺎب؟ ﻟﻜﻦ إذا
ﻧﻈﺮﻧﺎ إﱃ اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮر أوﺳﻊ ،ﻓﺴﻨﺠﺪ أن ﺗﺠﺎرب ﺑﺎﺳﺘري ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﺎ أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒرية؛
ﻓﻘﺪ ﻛﺎن أول ﻣَ ﻦ أﺛﺒﺖ أن املﺮﻛﺒﺎت اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﺗﻮﺟﺪ ﰲ أﺷﻜﺎل ﺻﻮرة ﻣﺮآوﻳﺔ ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ
ﻋﲆ املﺴﺘﻮى اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ؛ أيْ إن اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت ﻟﻬﺎ ﺧﺎﺻﻴﺔ اﻟﻴﺪواﻧﻴﺔ ،أو اﻟﻜرياﻟﻴﺔ .واﻟﻜرياﻟﻴﺔ
ﻣﺼﻄﻠﺢ ﻣﺄﺧﻮذ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ إﻏﺮﻳﻘﻴﺔ ﺗﻌﻨﻲ اﻟﻴﺪ ،وﻫﻮ ﻣﻌﻨًﻰ ﻣﻨﺎﺳﺐ ﻷن اﻟﻴﺪﻳﻦ ﻫﻤﺎ أﻛﺜﺮ
اﻷﻣﺜﻠﺔ ﺷﻴﻮﻋً ﺎ ﻟﻸﺷﻜﺎل اﻻﻧﻄﺒﺎﻗﻴﺔ ذات اﻟﺼﻮر املﺮآوﻳﺔ املﻄﺎﺑﻘﺔ .وﻟﻴﺴﺖ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت وﺣﺪﻫﺎ
ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ وﺻﻔﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻛرياﻟﻴﺔ أو ﻏري ﻛرياﻟﻴﺔ ،وﻟﻜﻦ اﻷﺟﺴﺎم اﻟﻌﺎدﻳﺔ ً
أﻳﻀﺎ .ﻋﲆ
ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،اﻟﻘﻔﺎزات ﻛرياﻟﻴﺔ ﻟﻜﻦ اﻟﺠﻮارب ﻏري ﻛرياﻟﻴﺔ؛ ﻷن ﻓﺮدة اﻟﺠﻮرب اﻟﻮاﺣﺪة
ﻳﻤﻜﻦ ارﺗﺪاؤﻫﺎ ﰲ اﻟﻘﺪم اﻟﻴﻤﻨﻰ أو اﻟﻴﴪى.
91
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺷﻜﻞ :4-12ﺷﻜﻼ ﺣﻤﺾ اﻟﻄﺮﻃري ﰲ اﻟﺠﺎﻧﺒني اﻷﻳﻤﻦ واﻷﻳﴪ )ﺻﻮرة ﻣﺮآوﻳﺔ ﻣﻄﺎﺑﻘﺔ(.
ﻗﺒﻞ ﻗﻴﺎم ﺑﺎﺳﺘري ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺘﺠﺎرب ،ﻛﺎن اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮن ﺷﻜﻞ ﺑﻠﻮرات اﻟﻜﻮارﺗﺰ
ﻟﺘﻔﺴري ﺗﺄﺛريﻫﺎ ﻋﲆ اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ؛ ﻷﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗُﺼﻬَ ﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻠﻮرات ﻳﺨﺘﻔﻲ ﻧﺸﺎﻃﻬﺎ
اﻟﻀﻮﺋﻲ .ﻟﻜﻦ اﻟﺘﺄﺛريات اﻟﻀﻮﺋﻴﺔ ﻟﺴﻮاﺋﻞ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﱰﺑﻨﺘني واملﺤﺎﻟﻴﻞ اﻟﺴﻜﺮﻳﺔ ﺧﺎﻟﻔﺖ
ﻫﺬا اﻟﺘﻔﺴري ،وأﺛﺒﺘﺖ ﺗﺠﺎربُ ﺑﺎﺳﺘري أن اﻻﺧﺘﻼف ﰲ ﺷﻜﻞ ﺑﻠﻮرات ﻣﻠﺢ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺮاﺳﻤﻲ
ً
اﺧﺘﻼﻓﺎ ﰲ ﺷﻜﻞ ﺟﺰﻳﺌﺎت املﻠﺢ؛ ﻷن إذاﺑﺔ اﻟﺒﻠﻮرات ﰲ املﺎء ﺗﺪﻣﱢ ﺮ اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺒﻠﻮري ﻳﻌﻜﺲ
َ
ﻛﻤﺎ أن اﻟﺼﻬﺮ ﻳﺪﻣﱢ ﺮ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺑﻠﻮرات اﻟﻜﻮارﺗﺰ ،ﻟﻜﻦ ﻣﺤﻠﻮﱄ ْ ﻧﻮﻋَ ﻲ اﻟﺒﻠﻮرات ﻣﻦ ﺣﻤﺾ
ﺑﺎﺳﺘري ﻛﺎﻧﺎ ﻻ ﻳﺰال ﻟﻬﻤﺎ ﻧﺸﺎط ﺿﻮﺋﻲ .وﺣ ﱠﻮ َل ﺑﺎﺳﺘري ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﻣﻼح اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺮاﺳﻤﻲ
املﻨﻔﺼﻠﺔ إﱃ أﺷﻜﺎل اﻟﺤﻤﺾ ،وأﺛﺒﺖ أن ﻫﻨﺎك ﺷﻜﻠني أﻳﺴﻮﻣﺮﻳني ،ﻫﻤﺎ ﺣﻤﺾ ﻃﺮﻃري
اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﴪ )اﻟﺴﺎﻟﺐ( وﺣﻤﺾ ﻃﺮﻃري اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﻤﻦ )املﻮﺟﺐ( )اﻧﻈﺮ ﺷﻜﻞ .(4-12
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ﻣﺒﺎﴍة ﺑني اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ اﻟﺠﺰﻳﺌﻴﺔ واﻟﻨﺸﺎط أدرك ﺑﺎﺳﺘري أن اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ﻛﺎن ﻳﻌﻨﻲ وﺟﻮد ﻋﻼﻗﺔ ِ
اﻟﻀﻮﺋﻲ ،واﻓﱰض أن اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻳﺮ ﺳﻄﺢ اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ ﰲ اﺗﺠﺎ ٍه ﻣﺎ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ
ﻔﴪ ﺑﺎﻟﺠﺰﻳﺌﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻳﺮه ﰲ اﻻﺗﺠﺎه َ
اﻵﺧﺮ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﺗﺒﻂ اﻟﴚء وﺻﻮرﺗﻪ ﰲ املﺮآة .ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺗُ ﱠ
اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺠﻤﻊ ﺑﻬﺎ اﻟﺬرات ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﱰاﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻴﺔ إﻻ ﺑﻌﺪ ٢٥ﻋﺎﻣً ﺎ ﻋﲆ ﻳﺪ ﻋﺎ َمل ْﻲ
ﻛﻴﻤﻴﺎء ﺷﺎﺑني ﻫﻤﺎ ﻳﺎﻛﻮﺑﺲ ﻓﺎﻧﺖ ﻫﻮف وﺟﻮزﻳﻒ ﻟﻮﺑﻴﻞ .ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ،ﺣ ﱠﻮ َل ﺑﺎﺳﺘري
ﻣﺤﻘ ًﻘﺎ ﻧﺠﺎﺣً ﺎ ﻛﺒريًا ﻓﻴﻬﺎ ،ﻟﻜﻦﱢ اﻧﺘﺒﺎﻫﻪ إﱃ ﺣﻞ املﺸﻜﻼت اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ذﻛﺮﻧﺎﻫﺎ ً
آﻧﻔﺎ
اﻟﻄﺮﻳﻖ أﻣﺎم ﻏريه ﻣﻦ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني ﻟﺘﻔﺴري َ ﻋﻤﻠﻪ اﻟﺮاﺋﺪ ﰲ ﺗﺤﻠﻴﻞ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺮاﺳﻤﻲ ﻓﺘﺢ
92
ﺑﺎﺳﺘري :ﺟﺰﻳﺌﺎت اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﴪ واﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﻤﻦ ملﻠﺢ ﺣﻤﺾ اﻟﻄﺮﻃري
ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻜرياﻟﻴﺔ ﰲ اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ ﺑﺎﻟﻨﺸﺎط اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ،وﻫﻨﺎ ﺗﻈﻬﺮ اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ
ﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﺳﺘري.
ﻣﻊ أن ﻓﻜﺮة ﻛﻮن اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت املﻮﺟﻮدة ﻋﲆ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﴪ ﻣﻦ ﺣﻤﺾ اﻟﺮاﺳﻤﻲ
)اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺴﺎﻟﺐ ﻣﻦ ﺣﻤﺾ اﻟﻄﺮﻃري( ﺗﺪﻳﺮ ﺳﻄﺢَ اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ ﰲ ﻋﻜﺲ اﺗﺠﺎه
ﻋﻘﺎرب اﻟﺴﺎﻋﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻬﻤﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ املﻬﻢ ﺟﺪٍّا ﻓﻬﻢ ﺳﺒﺐ ﻛﻮن اﻟﺠﺰيء املﻮﺟﻮد ﻋﲆ
اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﻤﻦ ﻣﻦ ﻓﻴﺘﺎﻣني ﳼ )اﻟﺸﻜﻞ املﻮﺟﺐ ﻣﻦ ﺣﻤﺾ اﻷﺳﻜﻮرﺑﻴﻚ( ﻓﻴﺘﺎﻣﻴﻨًﺎ ،ﰲ ﺣني
أن اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺴﺎﻟﺐ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﺤﻤﺾ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻧﺸﺎط ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ،أي ﻟﻴﺲ ﻓﻴﺘﺎﻣﻴﻨًﺎ؛ وﻛﻮن
اﻟﺸﻜﻞ املﻮﺟﺐ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﻮﻛﻮز )اﻟ ﱢﺪ ْﻛﺴﱰُوز( ﻣﺎد ًة ﻏﺬاﺋﻴﺔ ،ﰲ ﺣني أن اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺴﺎﻟﺐ ﻣﻨﻪ
ﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ؛ وﻛﻮن اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺴﺎﻟﺐ ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻮروﻣﺎﻳﺴﺘني ﻣﻀﺎدٍّا ﺣﻴﻮﻳٍّﺎ ﻓﻌﱠ ًﺎﻻ ،ﰲ ﺣني أن
ً
ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ ﻋﺪة اﻟﺸﻜﻞ املﻮﺟﺐ ﻣﻨﻪ ﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ؛ وﻛﻮن اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺴﺎﻟﺐ ﻣﻦ اﻷدرﻳﻨﺎﻟني أﻛﺜﺮ
ﻣﺮات ﻛﻬﺮﻣﻮن ﻣﻦ اﻟﺸﻜﻞ املﻮﺟﺐ ﻣﻨﻪ.
ﺛﻤﺔ ﻣﺜﺎل ﻣﺄﺳﻮيﱞ ﻷﻫﻤﻴﺔ ﻛرياﻟﻴﺔ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت ،وﻫﻮ اﺳﺘﺨﺪام ﱠ
ﻋﻘﺎر اﻟﺜﺎﻟﻴﺪوﻣﻴﺪ.
اﻟﻌﻘﺎر ﰲ اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻗﺒﻞ أن ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﺤﻮاﻣﻞ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻫﺬا ﱠ
ﻳﻜﺘﺸﻒ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن أﻧﻪ ﻣﻊ ﻛﻮن اﻟﺸﻜﻞ املﻮﺟﺐ ﻣﻦ ﺟﺰﻳﺌﺎﺗﻪ ِآﻣﻨًﺎ وﻓﻌﱠ ًﺎﻻ ﻟﻠﺘﻐﻠﺐ ﻋﲆ
ﻏﺜﻴﺎن اﻟﺼﺒﺎح ،ﻓﺈن اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺴﺎﻟﺐ ﻣﻨﻪ ﻋﺎﻣﻞ ﻣﺸﻮﱢه ﻧ َ ِﺸﻂ )أي ﻋﺎﻣﻞ ﻳﺴﺒﱢﺐ اﻟﺘﺸﻮﱡه
اﻟﻌﻘﺎر ﻛﺎن ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﻛﻼ اﻟﺸﻜﻠني ﻣﻦ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﺘﺴﺒﱠﺐ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ( .وﻷن ﱠ
ري ﻣﻦ اﻟﻌﻴﻮب اﻟﺨِ ﻠﻘﻴﺔ اﻟﺨﻄرية.
ﰲ ﻛﺜ ٍ
ﻣﻊ أن ﻣﺎ ﻗﺎم ﺑﻪ ﺑﺎﺳﺘري ﻣﻦ رﺻﺪ ﻟﻸﺷﻜﺎل املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﺒﻠﻮرات وﻓﺼﻠﻪ ﻟﻬﺎ
واﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎﺗﻪ ﺑﺸﺄن ﻣﻌﻨﻰ ﺗﺄﺛرياﺗﻬﺎ اﻟﻌﻜﺴﻴﺔ ﻋﲆ اﻟﻀﻮء املﺴﺘﻘﻄﺐ ﻛﺎن ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ملﺤﺎت
ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﻟﻌﺒﺖ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ دو ًرا ﻛﺒريًا ﰲ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎﺗﻪ .ﺛﻤﺔ ﻣﺼﺎدﻓﺘﺎن ﺑﺎرزﺗﺎن ﻛﺎن
أوﻻ :ﻳُﻌَ ﱡﺪ ﻣﻠﺢ أﻣﻮﻧﻴﻮم اﻟﺼﻮدﻳﻮم ﻟﻠﺤﻤﺾ اﻟﺮاﺳﻤﻲ، ﻟﻬﻤﺎ دور ﻣﻬﻢ ﰲ ﻫﺬه اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت؛ ً
وﻫﻮ املﻠﺢ اﻟﺬي أﺟﺮى ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﺳﺘري ﺗﺠﺎرﺑﻪ ،املﻠﺢَ اﻟﻮﺣﻴﺪ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻟﻬﺬا اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺬي
ﻳﺘﺒﻠﻮر ﰲ ﺷﻜﻠني اﻧﻌﻜﺎﺳﻴني ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻼﺣﻈﺔ اﺧﺘﻼﻓﻬﻤﺎ وﻓﺼﻠﻬﻤﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ آﱄ .ﺛﺎﻧﻴًﺎ :ﻻ
ﻳﺘﺒﻠﻮر اﻟﺤﻤﺾ ﰲ ﺷﻜﻠني إﻻ ﻋﻨﺪ درﺟﺎت اﻟﺤﺮارة اﻷﻗﻞ ﻣﻦ ٢٦درﺟﺔ ﻣﺌﻮﻳﺔ ) ٧٩درﺟﺔ
ﻓﻬﺮﻧﻬﺎﻳﺖ(؛ أﻣﺎ إذا زادت درﺟﺔ اﻟﺤﺮارة ﻋﻦ ٢٦درﺟﺔ ﻣﺌﻮﻳﺔ ،ﻓﺈن اﻟﺒﻠﻮرات املﺘﻜﻮﱢﻧﺔ
ﺗﻜﻮن ﻣﺘﺸﺎ ِﺑﻬﺔ وﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻧﺸﺎط ﺿﻮﺋﻲ .وﺿﻊ ﺑﺎﺳﺘري اﻟﺪورق املﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﻣﺤﻠﻮل املﻠﺢ
إﻓﺮﻳﺰ ﻧﺎﻓﺬ ٍة ﺑﺎرد ﰲ ﻣﻌﻤﻠﻪ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ،وﺗﺮﻛﻪ ﻫﻨﺎك ﻟﻠﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ﺣﺘﻰ ﺗﺤﺪث ﻋﻤﻠﻴﺔ ِ ﻋﲆ
املﻮﻓﻖ ملﻠﺢ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺮاﺳﻤﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ واﻟﺠﻮ اﻟﺒﺎرﻳﴘ اﻟﺒﺎرد ،ﻣﺎ اﻟﺒﻠﻮرة ،وﻟﻮﻻ اﻻﺧﺘﻴﺎر ﱠ
ﻛﺎن ﻟﺒﺎﺳﺘري أن ﻳﺘﻮﺻﻞ إﱃ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ املﺒﻬﺮ.
93
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
إن ﺑﺎﺳﺘري — ﺷﺄﻧﻪ ﺷﺄن ﻛﺒﺎر اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺬﻳﻦ أﻓﺎدوا ﻣﻦ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ — ﻛﺎن ﻳﺪرك ﱠ
اﻟﻔﺮق ﺑني املﺼﺎدﻓﺔ واﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌَ َﺮﴈ ،وأﻋﺮب ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺑﺒﻼﻏﺔ ﺷﺪﻳﺪة ً
ﻗﺎﺋﻼ» :ﰲ ﻣﺠﺎل
املﺸﺎﻫﺪات اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ ،ﻳﺤﻈﻰ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ اﻟﻌﻘ ُﻞ املﺴﺘﻌ ﱡﺪ ﻓﻘﻂ «.وﻛﺎن ﻟﺪى ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء
اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ اﻟﻌﻈﻴﻢ ﺟﻮزﻳﻒ ﻫﻨﺮي ﻧﻔﺲ اﻻﻋﺘﻘﺎد ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل» :إن ﺑﺬور اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ
ﺗﺤﻮم ﺣﻮﻟﻨﺎ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺴﺘﻘﺮ ﻓﻘﻂ ﰲ اﻟﻌﻘﻮل املﺴﺘﻌﺪﱠة ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻬﺎ«.
94
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﴩ
ﰲ ﻋﺎم ،١٨٥٦ﻗ ﱠﺮ َر وﻳﻠﻴﺎم ﺑريﻛﻦ — اﻟﺬي ﻛﺎن ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﺗﻮٍّا اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋﴩة ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،وﻛﺎن
ﻳﺪرس ﰲ اﻟﻜﻠﻴﺔ املﻠﻜﻴﺔ ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء — ﺗﻨﻔﻴﺬَ ﻣﴩوع ﻃﻤﻮح ﰲ ﻣﻌﻤﻠﻪ ﺑﻤﻨﺰﻟﻪ ﰲ أﺛﻨﺎء إﺟﺎزة
ﻋﻴﺪ اﻟﻔﺼﺢ ،وﻫﻮ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻣﺎدة اﻟﻜﻴﻨني ﻣﻌﻤﻠﻴٍّﺎ .ﰲ اﻟﻜﻠﻴﺔ ،ﻛﺎن وﻳﻠﻴﺎم ﻣﺴﺎﻋِ ﺪًا ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ
اﻷملﺎﻧﻲ اﻟﺸﻬري إﻳﻪ ﰲ ﻫﻮﻓﻤﺎن .ﺑﻌﺚ اﻷﻣري اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻲ أﻟﱪت إﱃ ﻫﻮﻓﻤﺎن ﻳﺴﺘﺤﺜﻪ ﻋﲆ
ﻟﻴﻜﻮن أو َل رﺋﻴﺲ ﻟﻠﻜﻠﻴﺔ املﻠﻜﻴﺔ ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء ،وﰲ إﺣﺪى ﻣﺤﺎﴐاﺗﻪ ﻗﺎل َ اﻟﻘﺪوم ﻣﻦ ﺑﻮن
ﻫﻮﻓﻤﺎن إﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮن ﻣﻦ املﻔﻴﺪ ﺟﺪٍّا ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻣﺎدة اﻟﻜﻴﻨني ﻣﻌﻤﻠﻴٍّﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻤﻜﻦ
اﻟﻌﻘﺎر اﻟﻮﺣﻴﺪ اﻟﻔﻌﱠ ﺎل ﰲ ﻋﻼج املﻼرﻳﺎ — إﻻ ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺎر — اﻟﺬي ﻛﺎن ﱠ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻫﺬا ﱠ
ﻟﺤﺎء ﺷﺠﺮة اﻟﺴﻴﻨﻜﻮﻧﺎ ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻤﻮ ﰲ ﺟﺰر اﻟﻬﻨﺪ اﻟﴩﻗﻴﺔ) .ملﺰﻳﺪ ﻣﻦ املﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻦ
اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌ َﺮﴈ ملﺎدة اﻟﻜﻴﻨني اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،اﻧﻈﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ(.
اﻗﱰح ﺑريﻛﻦ ﺗﺼﻨﻴ َﻊ اﻟﻜﻴﻨني ﻣﻦ ﻣﺎدة اﻟﻄﻮﻟﻮﻳﺪﻳﻦ ،املﺸﺘﻘﺔ ﻣﻦ ﻗﻄﺮان اﻟﻔﺤﻢ )اﻟﺬي
رﺧﻴﺼﺎ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺼﻠﺐ( ،ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻃﺮﻳﻘﺔ »اﻹﺿﺎﻓﺔ واﻟﻄﺮح« اﻟﺘﻲ ً ﻛﺎن ﻣﻨﺘﺠً ﺎ ﺛﺎﻧﻮﻳٍّﺎ
ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﺋﻌﺔ ﺣﻴﻨﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﺻﻴﻎ ﺟﺰﻳﺌﻴﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ملﺎدة ﺑﺎدﺋﺔ
وﻣﻨﺘﺞ ﻧﻬﺎﺋﻲ .وﺑﻔﺤﺺ اﻟﺼﻴﻎ املﻌﺮوﻓﺔ ﻟﻠﻄﻮﻟﻮﻳﺪﻳﻦ واﻟﻜﻴﻨني ،رأى ﺑريﻛﻦ أن ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ
ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻟﻜﻴﻨني ﺑﺈﺿﺎﻓﺔ ﻋﺪد ﻣﻌني ﻣﻦ ذرات اﻟﻜﺮﺑﻮن واﻟﻬﻴﺪروﺟني إﱃ اﻟﻄﻮﻟﻮﻳﺪﻳﻦ،
ﺛﻢ إﺿﺎﻓﺔ ذرات أﻛﺴﺠني ﻟﻠﻮﺻﻮل إﱃ ﻋﺪد وﻧﻮع اﻟﺬرات املﻨﺎﺳﺐ ﰲ اﻟﻜﻴﻨني ،وﻛﺎن ﻫﺬا
ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ أن ﺗﺘﺤﺪ اﻟﺬرات ً ﻗﺒﻞ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻗﱰاح أوﺟﺴﺖ ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ
ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ »ﺗﺮاﻛﻴﺐ« ﺛﻼﺛﻴﺔ اﻷﺑﻌﺎد ﻟﻠﺠﺰﻳﺌﺎت) .ملﺰﻳﺪ ﻣﻦ املﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻦ ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ واﻟﱰاﻛﻴﺐ
اﻟﺠﺰﻳﺌﻴﺔ ،اﻧﻈﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ (.ﻳﺘﻀﺢ ﻣﺪى ﺳﺬاﺟﺔ ﺧﻄﻂ ﺑريﻛﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻌﺮف أن
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻜﺘﺸﻒ ﺣﺘﻰ ﻋﺎم ،١٩٠٨وأن ﺗﺼﻨﻴﻌﻬﺎ ﻛﺎن ﺗﺤ ﱢﺪﻳًﺎ ملﻌﻈﻢ اﻟﺼﻴﻐﺔ اﻟﱰﻛﻴﺒﻴﺔ ﻟﻠﻜﻴﻨني ﻟﻢ ﺗُ َ
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني ﺣﺘﻰ ﻋﺎم .١٩٤٤
أوﻻ ﺑﺈﺿﺎﻓﺔ ﺛﻼث ذرات ﻛﺮﺑﻮن وأرﺑﻊ ذرات ﻧﻔﺬَ ﺑريﻛﻦ اﻟﺨﻄﻮات اﻟﺘﻲ اﻗﱰﺣﻬﺎً ، ﱠ
ِ
املﺆﻛﺴﺪ اﻟﻔﻌﱠ ﺎل ﻫﻴﺪروﺟني ﰲ ﺷﻜﻞ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ »أﻟﻴﻞ« ﻟﻠﻄﻮﻟﻮﻳﺪﻳﻦ ،ﺛﻢ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻟﻌﺎﻣﻞ
وﺑﺪﻻ ﻣﻦً املﺘﻤﺜِﻞ ﰲ ﺛﺎﻧﻲ ﻛﺮوﻣﺎت اﻟﺒﻮﺗﺎﺳﻴﻮم .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ راﺳﺒًﺎ ﻛﺴﺘﻨﺎﺋﻲ اﻟﻠﻮن،
أن ﻳﺴﺘﺴﻠﻢ ،ﻗ ﱠﺮ َر ﺑريﻛﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻣﺎدة ﺑﺎدﺋﺔ أﺑﺴﻂ ﺗﺮﻛﻴﺒًﺎ ،وﻫﻲ اﻷﻧﻴﻠني) .ﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ،
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎدة اﻷﻧﻴﻠني اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﺑريﻛﻦ ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﻛﻤﻴﺎت ﺻﻐرية ﻣﻦ اﻟﻄﻮﻟﻮﻳﺪﻳﻦ،
اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن أﺳﺎﺳﻴٍّﺎ ﰲ ﺗﻜﻮﱡن اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻷرﺟﻮاﻧﻴﺔ (.ﻛﺎن اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻫﺬه املﺮة أﺳﻮأ؛ ﺣﻴﺚ
ﻆ أن املﺎء أو ﻛﺎن ﻣﺎد ًة ﺻﻠﺒﺔ ﺳﻮداء ،ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺤﺼﻬﺎ ﺑريﻛﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺨ ﱡﻠﺺ ﻣﻨﻬﺎ ،ﻻﺣَ َ
اﻟﻜﺤﻮل اﻟﺬي اﺳﺘﺨﺪﻣﻪ ﰲ إزاﻟﺔ ﺗﻠﻚ املﺎدة ﻣﻦ اﻟﺪورق ﻗﺪ ﺗﺤ ﱠﻮ َل إﱃ اﻟﻠﻮن اﻷرﺟﻮاﻧﻲ!
املﺘﻮﻗﻌﺔ ،ﻓﺎﺧﺘﱪ املﺤﺎﻟﻴ َﻞ اﻷرﺟﻮاﻧﻴﺔ ووﺟﺪ ﱠ اﻧﺒﻬﺮ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ اﻟﺸﺎب ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻏري
أﻧﻬﺎ ﺗﺼﺒﻎ اﻟﻘﻤﺎش .وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﻮﺻﻞ ﺑريﻛﻦ إﱃ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻻﺳﺘﺨﻼص اﻟﺼﺒﻐﺔ
ﺼﺒَﻐﺔ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻋﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺻﺒﻐﺘﻪ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ إﱃ ﻣَ ًْ اﻷرﺟﻮاﻧﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﻂ اﻷﺳﻮد ،وأرﺳﻞ
ﺷﻬرية ﻟﺘﺠﺮﺑﺘﻬﺎ ﻋﲆ اﻷﻗﻤﺸﺔ اﻟﺤﺮﻳﺮﻳﺔ واﻟﻘﻄﻨﻴﺔ ،ﻓﻜﺎن اﻟﺘﻘﻴﻴﻢ أﻧﻬﺎ ﺑﺪت واﻋﺪة ﺟﺪٍّا
ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻷﻗﻤﺸﺔ اﻟﺤﺮﻳﺮﻳﺔ ،ﻋﲆ ﻋﻜﺲ اﻷﻗﻤﺸﺔ اﻟﻘﻄﻨﻴﺔ .ﻟﻜﻦ ﴎﻋﺎن ﻣﺎ اﻛﺘﺸﻒ
اﻟﺼﺒﱠﺎﻏﻮن أﻧﻪ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ زﻳﺎدة ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ ﻫﺬه اﻟﺼﺒﻐﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻘﻤﺎش اﻟﻘﻄﻨﻲ ﺑﺈﺟﺮاء
ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻟﻪ.
ﱠت ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﺳﺎذﺟﺔ ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﻜﻴﻨني إﱃ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻌَ َﺮﴈ ﻷول ﺻﺒﻐﺔ وﻫﻜﺬا ،ﻓﻘﺪ أد ْ
ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ .وﺑﺤﻤﺎس اﻟﺸﺒﺎب ،ﻗ ﱠﺮ َر ﺑريﻛﻦ أن ﻳﺘﻘﺪﱠم ﺑﺄوراﻗﻪ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﺧﱰاع
ﻟﺼﺒﻐﺘﻪ ،وأن ﻳﺒﻨﻲ ﻣﺼﻨﻌً ﺎ وﻳﺪﺧﻞ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺼﺒﺎﻏﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﲆ أيﱢ ﺗﺸﺠﻴﻊ
ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ أﺳﺘﺎذه ﻫﻮﻓﻤﺎن ،اﻟﺬي ﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ اﻻﺳﺘﻤﺮار ﰲ اﻟﺪراﺳﺎت واﻷﺑﺤﺎث اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ،
ﻣﺆ ﱢﻛﺪًا ﻟﻪ أن ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﺪﺧﻮل ﰲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺼﺒﺎﻏﺔ ﴐبٌ ﻣﻦ اﻟﻐﺒﺎء.
ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ إﻋﺮاﴈ اﻟﺸﺪﻳﺪ )ﺑﺎﻋﺘﺒﺎري أﺳﺘﺎذًا ﺟﺎﻣﻌﻴٍّﺎ( ﻋﻦ اﻻﻋﱰاف ﺑﻬﺬا ،ﻛﺎن
ﻫﻮﻓﻤﺎن ﻣﺨﻄﺌًﺎ؛ ﻓﻠِﺤُ ْﺴﻦ ﺣﻆ اﻟﺸﺎب ﺑريﻛﻦ ،ﻛﺎن واﻟﺪه ﻏﻨﻴٍّﺎ وﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻪ ﺛﻘﺔ ﻛﺒرية
ﰲ اﺑﻨﻪ اﻟﻨﺎﺑﻪ ،وﺑﺪﻋﻢ ﻣﻦ واﻟﺪه وأﺧﻴﻪ ،ﺣﺼﻞ ﺑريﻛﻦ ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﺧﱰاع ﻟﺼﺒﻐﺘﻪ وﺑﻨﻰ
ﻣﺼﻨﻌﻪ وﺣ ﱠﻞ املﺸﻜﻼت اﻟﻜﺒرية املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺘﺤﺪﻳﺚ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻋﻤﻠﻪ ﻟﺘﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻹﻧﺘﺎج
اﻟﺘﺠﺎري .وﺣﺪﺛﺖ اﻧﻔﺠﺎرات ﻛﺜرية ﰲ املﺮاﺣﻞ اﻷوﱃ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﺤﺪﻳﺚ ﻫﺬه؛ وﻟﻠﺴﻴﻄﺮة ﻋﲆ
ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ،ﻛﺎن اﻟﻌﻤﱠ ﺎل ﻳﻘﻔﻮن ﺑﺨﺮاﻃﻴﻢ ﻣﺎء ﻟﺮش املﺎء ﻋﲆ وﻋﺎء ﺗﻔﺎﻋُ ِﻞ ﺣﺪﻳﺪ اﻟﺰﻫﺮ
إذا ﻏ َﻠ ِﺖ املﺤﺘﻮﻳﺎت ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺧﺎرج ﻋﻦ اﻟﺴﻴﻄﺮة!
96
اﻟﺼﺒﻐﺎت وﻣﻮاد اﻟﺘﻠﻮﻳﻦ
ﺣﻘ َﻖ ﻣﺼﻨﻌﻪ ﻧﺠﺎﺣً ﺎ ﻛﺒريًا ،وذاع ﺻﻴﺖ ﺻﺒﻐﺘﻪ ،اﻟﺘﻲ ُﺳﻤﱢ ﻴﺖ أرﺟﻮان ﻣﻊ ذﻟﻚ ،ﱠ
اﻷﻧﻴﻠني أو اﻷرﺟﻮان املﻠﻜﻲ أو املﻮف )أو املﻮﻓني( .أُﻃﻠِﻖ اﻻﺳﻢ اﻷﺧري ﻋﲆ اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة
ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وأﺻﺒﺢ اﻻﺳﻢ اﻷﻛﺜﺮ اﺳﺘﺨﺪاﻣً ﺎ ﻟﻬﺎ.
ﻗﺒﻞ اﻛﺘﺸﺎف ﺑريﻛﻦ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻷرﺟﻮاﻧﻴﺔ اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة ،أو اﻟﺼﺒﻐﺎت
املﺴﺘﺨﺮﺟﺔ ﻣﻦ ﻧﺒﺎت اﻟﺨﺰاﻣﻲ ،ﺑﺎﻫﻈﺔ اﻟﺜﻤﻦ ﺟﺪٍّا .ﻓﻜﺎﻧﺖ اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻣﻨﺬ ﻋﺎم ١٦٠٠ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ اﻷرﺟﻮان املﻠﻜﻲ ،ﺗُﺴﺘﺨ َﺮج
ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺣﻴﻮاﻧﺎت رﺧﻮﻳﺔ ﺻﻐرية ﰲ اﻟﺒﺤﺮ املﺘﻮﺳﻂ ،ﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺮﺧﻮﻳﺎت ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ
ﺟﻤﻌﻬﺎ ،وﻛﺎن ﻳﺘﻄ ﱠﻠﺐ إﻧﺘﺎجُ ﺟﺮام واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﻐﺔ ٩آﻻف ﺣﻴﻮان رﺧﻮي .وﻣﻦ ﺛﻢﱠ،
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ املﻠﻜﻴﺔ ﻫﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻫﺬه اﻟﺼﺒﻐﺔ؛ وﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﺟﺎء
ٍ
ﻟﺼﺒﻐﺔ أرﺟﻮاﻧﻴﺔ اﻻرﺗﺒﺎط ﺑني اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻷرﺟﻮاﻧﻴﺔ واﻟﻌﺎﺋﻠﺔ املﻠﻜﻴﺔ .وﺑﻌﺪ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﺑريﻛﻦ
ﻃﺮﺣﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺒﻐﺔ ﰲ اﻷﺳﻮاق ﺑﺴﻌﺮ ﻳﻤﻜﻦ ﻷي داﺋﻤﺔ وراﺋﻌﺔ ﻣﻦ ﻗﻄﺮان اﻟﻔﺤﻢُ ،
ﻓﻀﻼ ﻋﻦ أن اﻟﺼﺒﻐﺎت اﻷرﺟﻮاﻧﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ »ﻛﺎﻧﺖ ﴎﻳﻌﺔ ً ﺷﺨﺺ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﺗﺤﻤﱡ ﻠﻪ ،ﻫﺬا
ﻄﺎ ﺑﻨﻔﺴﺠﻴٍّﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ﻋﲆ ﻗﺒﻌﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﺼﺒﺎح، اﻟﺘﻐري ﺟﺪٍّا ،ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻪ ﻟﻮ وﺿﻌﺖ ﺳﻴﺪ ٌة ﴍﻳ ً
ﻓﻤﻦ املﺤﺘﻤَ ﻞ أن ﻳﺘﺤﻮﱠل ﻟﻮﻧﻪ إﱃ اﻟ ﱠﻠﻮْن اﻷﺣﻤﺮ ﰲ املﺴﺎء!«
ﻛﺎن ﻧﺠﺎح ﺻﺒﻐﺔ ﺑريﻛﻦ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﻣﻴﻼدٍ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺼﺒﻐﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ،ﻟﻜﻦ اﻷملﺎن —
وﻟﻴﺲ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴني — ﻫﻢ ﻣَ ﻦ رأوا اﺣﺘﻤﺎﻻت ﻧﺠﺎﺣﻬﺎ وﻃﻮﱠروﻫﺎ ﻋﲆ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ .وﻣﻊ
ذﻟﻚ ،ﻓﺈن ﺗﻄ ﱡﻮ َر ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﺗﺤﺖ ﻗﻴﺎدة ﺑريﻛﻦ ﻛﺎن ﴎﻳﻌً ﺎ ﺟﺪٍّا،
ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻪ ﺑﻌﺪ ﺳﺖ ﺳﻨﻮات ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺑﺪء اﻟﻌﻤﻞ ﰲ أول ﻣﺼﻨﻊ ﻟﻪ ،ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻪ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ
ُﺤﺎﴐ ﻋﻦ اﻟﺼﺒﻐﺎت املﺴﺘﺨ َﻠﺼﺔ ﻣﻦ ﻗﻄﺮان اﻟﻔﺤﻢ. اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ أن ﻳ ِ
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﰲ ﺣﻴﺎة ﺑريﻛﻦ ﻣﻠﻴﺌﺔ ﺑﺎﻟﺘﻜﺮﻳﻤﺎت؛ ﻓﻘﺪ اﻧﺘُﺨِ ﺐ ﻟﻌﻀﻮﻳﺔ
اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ املﻠﻜﻴﺔ ،وﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﻟﻘﺐ ﺳري ،وﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﻣﻴﺪاﻟﻴﺔ دﻳﻔﻲ وﻣﻴﺪاﻟﻴﺔ ﻫﻮﻓﻤﺎن
اﺣﺘﻔﺎﻻ ﻛﺒريًا ﺑﺎﻟﺬﻛﺮى اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﴩة ﻟﺒﺪء ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺼﺒﻐﺎت ً وﻣﻴﺪاﻟﻴﺔ ﻻﻓﻮازﻳﻴﻪ ،وﺣﴬ
ﺑﻌﺾ ﻣﻦ أﺑﺮز اﻟﻌﻠﻤﺎء ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٠٦وﻗﺪ ﺗﻢ ٌ ﻣﻦ ﻗﻄﺮان اﻟﻔﺤﻢ ،ﺣﴬه
ﺗﺨﺼﻴﺺ ﻣﻴﺪاﻟﻴﺔ ﺑريﻛﻦ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻘﺴﻢ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﰲ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺔ
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﻛﺘﻌﺒري ﻋﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮﻫﺎ اﻟﻜﺒري ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني اﻷﻣﺮﻳﻜﻴني.
ﻳُﻌَ ﱡﺪ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻷرﺟﻮاﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺑريﻛﻦ ً
ﻣﺜﺎﻻ ﺟﻴﺪًا ﻋﲆ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ؛ ﻓﻘﺪ
ﻛﺎن ﻳﺴﻌﻰ وراء ﳾء ﻣﻌني ﻟﻜﻦ اﻷﻣﺮ اﻧﺘﻬﻰ ﺑﻪ ،ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﺳﻌﻴﺪة ،إﱃ ﻋﻤﻞ
أﻫﻤﻴﺔ ﺑﻜﺜري .ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻮﺟﺪ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺗﺼﻨﻴﻊ ً ﳾء ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻟﻜﻨﻪ أﻛﺜﺮ
97
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ً
اﺣﺘﻔﺎﻻ ﺷﻜﻞ :1-13وﻳﻠﻴﺎم إﺗﺶ ﺑريﻛﻦ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﰲ ﻋﺎم ١٩٠٦أﺛﻨﺎء ﺣﻀﻮره
ﺑﺎﻟﺬﻛﺮى اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﴩة ﻻﻛﺘﺸﺎﻓﻪ اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻷرﺟﻮاﻧﻴﺔ.
اﻟﻜﻴﻨني ﰲ ﻋﺎم ،١٨٥٦وﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻓﻌﻞ ،ﻓﺘﺤﻘﻴﻘﻪ ﻟﻬﺬا اﻟﻬﺪف رﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻴﺤﻈﻰ ﺑﻨﻔﺲ
أﻫﻤﻴﺔ ﺗﺄﺳﻴﺴﻪ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺼﺒﻐﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ .إن ﺗﺼﻨﻴ َﻊ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ آر ﺑﻲ وودورد ووﻳﻠﻴﺎم
ﻓﻮن إي دورﻳﻨﺞ ﻟﻠﻜﻴﻨني ﰲ ﻋﺎم ١٩٤٤ﻛﺎن ً
ﻋﻤﻼ ﻋﺒﻘﺮﻳٍّﺎ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻤﻠﻴٍّﺎ .ﻓﻤﻊ أن
اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﻮض ﺣﺮﺑًﺎ ﻣﻊ اﻟﻴﺎﺑﺎن ﰲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ املﺤﻴﻂ اﻟﻬﺎدئ
ﻂ ﻣﺎدة وودورد ﺗﺠﺘﺎﺣﻬﺎ املﻼرﻳﺎ ُ
وﻗ ِﻄﻌﺖ ﻋﻨﻬﺎ إﻣﺪادات اﻟﻜﻴﻨني ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻗ ﱡ
ودورﻳﻨﺞ ﰲ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻌﻤﲇ ﻟﻠﻜﻴﻨني اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ.
98
اﻟﺼﺒﻐﺎت وﻣﻮاد اﻟﺘﻠﻮﻳﻦ
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ﺗﻮﺟﺪ ﺻﺒﻐﺔ ﻣﻬﻤﺔ أﺧﺮى ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻗﻄﺮان اﻟﻔﺤﻢ ﻛﺎن ﺑريﻛﻦ ﻫﻮ ﻣَ ْﻦ ﻃ ﱠﻮ َرﻫﺎ وﺻﻨﻌﻬﺎ
اﻟﻔﻮﱠة ﻣﻨﺬ ﻗﺮون.وﻫﻲ اﻷﻟﻴﺰارﻳﻦ ،وﻫﻲ ﺻﺒﻐﺔ ﺣﻤﺮاء ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺴﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺟﺬور ﻧﺒﺎﺗﺎت ُ
وﰲ ﻋﺎم ،١٨٦٨أﻋﻠﻦ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ ﻛﺎرل ﺟﺮﻳﺒﺎ وﻛﺎرل ﻟﻴﱪﻣﺎن ﻋﻦ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻷﻟﻴﺰارﻳﻦ ﻣﻦ
اﻷﻧﺜﺮاﺳني ،وﻫﻮ أﺣﺪ ﻣﺮﻛﺒﺎت ﻗﻄﺮان اﻟﻔﺤﻢ .وﻛﺎن اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻷﺻﲇ اﻟﺬي أﺟﺮاه ﺟﺮﻳﺒﺎ
وﻟﻴﱪﻣﺎن ﻏري ﻋﻤﲇ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺘﺠﺎري ،ﻟﻜﻦ اﻹﻋﻼن ﻋﻨﻪ أﺛﺎ َر اﻫﺘﻤﺎم ﺑريﻛﻦ؛
ﻧﻈ ًﺮا ملﻌﺮﻓﺘﻪ اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺑﻤﺮﻛﺐ اﻷﻧﺜﺮاﺳني أﺛﻨﺎء دراﺳﺘﻪ ﻣﻊ ﻫﻮﻓﻤﺎن .وﰲ أﻗﻞ ﻣﻦ ﻋﺎم،
اﻟﺘﻮﺻﻞ إﱃ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻷﻟﻴﺰارﻳﻦ ﺑﺸﻜﻞ ﺗﺠﺎري ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻣﺮﻛﺐ ﱡ اﺳﺘﻄﺎع
اﻷﻧﺜﺮاﺳني املﺄﺧﻮذ ﻣﻦ ﻗﻄﺮان اﻟﻔﺤﻢ .وﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻋﺎم ،١٨٦٩ﻛﺎن ﻣﺼﻨﻊ ﺑريﻛﻦ ﻗﺪ أﻧﺘﺞ
ﻃﻨٍّﺎ ﻣﻦ ﺻﺒﻐﺔ اﻷﻟﻴﺰارﻳﻦ ،وﺑﻨﻬﺎﻳﺔ ﻋﺎم ١٨٧١ﻛﺎن ﻳﻨﺘﺞ ٢٢٠ﻃﻨٍّﺎ ﻛﻞ ﻋﺎم.
ﰲ ﻋﺎم ١٨٧٤ﺑﺎع ﺑريﻛﻦ ﻣﺼﻨﻌﻪ ،وﰲ ﺳﻦ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻟﺜﻼﺛني ﻛﺎن ﻏﻨﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ
ً
ﻣﻨﺰﻻ ﺟﺪﻳﺪًا ﻟﻜﻨﻪ اﺳﺘﻤ ﱠﺮ ﰲ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺒﻴﺖ ﻛﺎف ﺑﺤﻴﺚ ﻳَﻬَ ﺐُ ﺑﻘﻴﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻟﻠﺒﺤﺚ .اﺷﱰى ٍ
ﻛﻤﻌﻤﻞ ﻟﻪ ،وﰲ ﻫﺬا املﻌﻤﻞ ﺻﻨﱠﻊ ﻣﺎدة اﻟﻜﻮﻣﺎرﻳﻦ،
ٍ اﻟﺬي اﻛﺘﺸﻒ ﻓﻴﻪ اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻷرﺟﻮاﻧﻴﺔ
وﺣﴬ ﺣﻤﺾ اﻟﺴﻴﻨﺎﻣﻴﻚ )املﺮﺗﺒﻂ ﱠ َ وﻫﻲ أول ﻣﺎدة ﻋﻄﺮﻳﺔ ﺗُﺴﺘﺨ َﻠﺺ ﻣﻦ ﻗﻄﺮان اﻟﻔﺤﻢ،
ﺑﺎﻟﻘِ ﺮﻓﺔ( ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋُ ِﺮﻓﺖ ﻋﻤﻮﻣً ﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣﻔﻴﺪة ﺟﺪٍّا أُﻃﻠِﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﺑريﻛﻦ .اﺳﺘﺨﺪم
ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﰲ ﻋﺎم ١٨٨٢ﻟﺘﺤﻀري ﻣﺎدة ﺑﺎدﺋﺔ ً ً
ﺷﻜﻼ أدوﻟﻒ ﻓﻮن ﺑﺎﻳﺮ
ﻟﻠﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﺸﻬري ﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﻨﻴﻠﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﻮات املﻬﻤﺔ اﻷﺧﺮى ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ ﺻﻨﺎﻋﺔ
اﻟﺼﺒﻐﺎت.
إن اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺼﺒﻐﺎت املﺴﺘﺨﻠﺼﺔ ﻣﻦ ﻗﻄﺮان اﻟﻔﺤﻢ ﻟﻴﺲ ﻣﻘﺼﻮ ًرا ﻋﲆ ﺻﺒﻎ
اﻷﻗﻤﺸﺔ؛ ﺣﻴﺚ إﻧﻬﺎ ﺗُﺴﺘﺨﺪَم ﻛﻌﻮاﻣﻞ ﺗﻠﻮﻳﻦ ﰲ اﻷﺑﺤﺎث املﻴﻜﺮوﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ؛ ﻓﻘﺪ اﻛﺘﺸﻒ
اﻟﺴﻞ اﻟﺮﺋﻮي واﻟﻜﻮﻟريا ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺒﻐﺎت ﰲ ﺗﻘﻨﻴﺎت اﻟﺘﻠﻮﻳﻦ. ﺼﻴﱠﺎت ﱡ اﻟﺒﺎﺣﺜﻮن ﻋُ َ
ُﻨﺴﺐ اﻟﻔﻀﻞ ﰲ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻷرﺟﻮاﻧﻴﺔ ﻋﲆ ﻳﺪ ﺑريﻛﻦ إﱃ اﻟﺘﻄﻮﱡر اﻟﻬﺎﺋﻞ اﻟﺬي ﻳ َ
ً
ﺧﺎﺻﺔ ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ. ﺣﺪث ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﰲ اﻟﻨﺼﻒ اﻷﺧري ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ،
ﱠت إﱃ ﺣﺪوث ﺗﻄﻮﱡر ﻛﺒري ﰲ ﻫﺬا املﺠﺎل ،ﻟﻜﻦ ﺻﺤﻴﺢٌ أن ﻋﻮدة ﻫﻮﻓﻤﺎن إﱃ أملﺎﻧﻴﺎ ﻗﺪ أد ْ
اﻷﻫﻢ ﻫﻮ ازدﻫﺎر »اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻄﺮﻳﺔ« ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ ،ﺑﻔﻀﻞ ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ واﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ اﻟﺬي
ﻣﺮﻛﺒﺎت ﻋﻄﺮﻳﺔ ﻣﺄﺧﻮذة ﻣﻦ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ. ٌ اﻛﺘﺸﻔﻪ .ﻓﺎﻟﻜﺜريُ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﻐﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة
99
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
100
اﻟﺼﺒﻐﺎت وﻣﻮاد اﻟﺘﻠﻮﻳﻦ
ً
وﺳﻴﻄﺔ اﻷوﱃ ،ﻟﻜﻦ ﻛﺎرو اﻛﺘﺸﻒ ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ﰲ ﺗﺠﺮﺑﺔ »ﻏري ﻣﻘﺼﻮدة« ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ،ﻣﺎد ًة
ﻏري ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ إﱃ أﻟﻴﺰارﻳﻦ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﺧﻞ ﺿﻤﻦ ﻧﻄﺎق
اﻛﺘﺸ َﻔﻬﺎ ﺑريﻛﻦ ﺑﻤﻔﺮده وﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺘﺰاﻣﻦ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ
َ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﻮﻫﻤﻴﺔ ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ اﻟﺘﻲ
ﻃ ِﺮح اﻷﻟﻴﺰارﻳﻦ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ﰲ اﻷﺳﻮاق ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ وﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﰲ ﻋﺎم ،١٨٧١ ﰲ إﻧﺠﻠﱰاُ .
وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺣ ﱠﻞ ﻣﺤﻞ اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ.
101
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﱠت إﱃ ﻧﺠﺎح ﺗﺼﻨﻴﻊ ﺻﺒﻐﺔ اﻟﻨﻴﻠﺔ ﺗﺠﺎرﻳٍّﺎ؟ ﻛﺎن اﻟﺴﺆال اﻵن :ﻣﺎ املﺼﺎدﻓﺔ اﻟﺘﻲ أد ْ
ﻳﺴﺨﻦ ﻣﺎدة اﻟﻨﻔﺜﺎﻟني ﻣﻊ ﺣﻤﺾ اﻟﻜﱪﻳﺘﻴﻚ ا ُملﺪﺧﻦ ﱢ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﻣﻦ ﴍﻛﺔ ﺑﺎﺳﻒ ﻳُﺪﻋﻰ ﺳﺎﺑﺮ
ﱞ
َ
وﻛﴪ ﺗﺮﻣﻮﻣﱰًا دون ﻗﺼﺪٍ؛ ﻓﻮﻗﻊ اﻟﺰﺋﺒﻖ املﻮﺟﻮد ﺑﺎﻟﱰﻣﻮﻣﱰ ﰲ وﻋﺎء اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ .ﻻﺣَ ﻆ ﺳﺎﺑﺮ
أن اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﻋﲆ اﻟﻨﺤﻮ املﻌﺘﺎد ،ووﺟﺪ أن ﻣﺎدة اﻟﻨﻔﺜﺎﻟني ﺗﺤﻮﱠﻟﺖ إﱃ أﻧﺪرﻳﺪ اﻟﻔﺜﺎﻟﻴﻚ،
وﺑﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻔﺤﺺ اﻛﺘﺸﻒ أن ﺣﻤﺾ اﻟﻜﱪﻳﺘﻴﻚ ﺣ ﱠﻮ َل اﻟﺰﺋﺒﻖ إﱃ ﺳﻠﻔﺎت اﻟﺰﺋﺒﻖ ،وﻳﻌﻤﻞ
ﻣﺤﻔﺰ ﻟﺘﺄﻛﺴﺪ اﻟﻨﻔﺜﺎﻟني وﺗﺤﻮﻳﻠﻪ إﱃ أﻧﺪرﻳﺪ اﻟﻔﺜﺎﻟﻴﻚ ،اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ ﱢ ﻫﺬا املﺮ ﱠﻛﺐ ﻛﻌﺎﻣﻞ
ﺗﺤﻮﻳﻠﻪ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ إﱃ ﺻﺒﻐﺔ اﻟﻨﻴﻠﺔ.
ﺑﺪأت ﴍﻛﺔ ﺑﺎﺳﻒ ﰲ ﺑﻴﻊ ﺻﺒﻐﺔ اﻟﻨﻴﻠﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم ١٨٩٧ﺑﺴﻌﺮ أﻗﻞ ﻣﻦ ﺳﻌﺮ
ﺗﻐري َْت ﻋﻤﻠﻴﺔ إﻧﺘﺎج ﺻﺒﻐﺔ اﻟﻨﻴﻠﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ وﺗﻄ ﱠﻮ َر ْت ﻣﻨﺬ
ﺻﺒﻐﺔ اﻟﻨﻴﻠﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ .وﻗﺪ ﱠ
ﻋﺎم ،١٨٩٧وﻟﻢ ﻳَﻌُ ْﺪ ﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﻨﻴﻠﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﻜﺎﻧﺘﻬﺎ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﺎ ﰲ ﺳﻮق اﻟﺼﺒﻐﺎت.
102
اﻟﺼﺒﻐﺎت وﻣﻮاد اﻟﺘﻠﻮﻳﻦ
103
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﴩ
ﰲ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻀﺎء املﺴﺎرح وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ املﺒﺎﻧﻲ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑﻮﻗﻮد
ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ زﻳﺖ اﻟﺤﻮت .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻢ ﺿﻐﻂ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﻮد ﻟﻮﺿﻌﻪ ﰲ ﺑﺮاﻣﻴﻞ ،اﻧﻔﺼﻞ ﻋﻨﻪ
ﺳﺎﺋ ٌﻞ ﻋﻄﺮي ﻣﺘﻄﺎﻳﺮ .وﰲ ﻋﺎم ١٨٢٥ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،ﻓﺤﺺ اﻟﻌﺎﻟِﻢ اﻟﺸﻬري ﻣﺎﻳﻜﻞ ﻓﺎراداي ﻫﺬا
اﻟﺴﺎﺋﻞ ووﺟﺪ أﻧﻪ ﻳﺤﺘﻮي ﻓﻘﻂ ﻋﲆ اﻟﻜﺮﺑﻮن واﻟﻬﻴﺪروﺟني ،ﺑﻨﺴﺐ ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ .واﺗﻀﺢ
ﻄﺮ ﻻﺣﻘﺎ أن ﻫﺬا اﻟﺴﺎﺋﻞ ،اﻟﺬي أُﻃﻠِﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻢ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ ،ﻫﻮ أﺣﺪ ﻣﻜﻮﻧﺎت اﻟﻘﻄﺮان ا ُملﻘ ﱠ ً
ﻣﻦ اﻟﻔﺤﻢ ﻋﻨﺪ إﻧﺘﺎج ﻓﺤﻢ اﻟﻜﻮك ،واﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ ﻣﺮﻛﺒﺎت ﻋﻄﺮﻳﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻪ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ ﻣﻦ
ﻣﺼﺎدر ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻋﺪﻳﺪة.
ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻛﺒرية ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني ﺑﺴﺒﺐ ﺧﺼﺎﺋﺼﻪ ﻏري ً ﻣﺜ ﱠ َﻞ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ
املﻌﺘﺎدة؛ ﻓﺄﻏﻠﺐ املﺮﻛﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ اﻟﻜﺮﺑﻮن واﻟﻬﻴﺪروﺟني ﻓﻘﻂ ،واﻟﺘﻲ
ً
ﻣﺨﺘﻠﻔﺎ ﺗﻜﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻧﺴﺒﺔ ذرات اﻟﻬﻴﺪروﺟني إﱃ ذرات اﻟﻜﺮﺑﻮن ﻣﻨﺨﻔﻀﺔ؛ ﻛﺎن ﺳﻠﻮﻛﻬﺎ
ﻋﻦ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ) .ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺴﺒﺔ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ١ : ١ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ املﻌﺮوف أن اﻟﺼﻴﻐﺔ اﻟﺠﺰﻳﺌﻴﺔ
ﻟﻠﺒﻨﺰﻳﻦ ﻫﻲ (.C6 H6وﻛﺎن ﻳﻘﺎل ﻋﻨﻬﺎ إﻧﻬﺎ ﻏري ﻣُﺸﺒَﻌﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ اﻟﻬﻴﺪروﺟني؛ أي إﻧﻬﺎ
ﺗﻀﻴﻒ ﺟﺰﻳﺌﺎت ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﻬﻴﺪروﺟني ،ﻟﻜﻦ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ ﻻ ﻳﻔﻌﻞ ذﻟﻚ .وﺛﻤﺔ أﻣﻮر أﺧﺮى
ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺎﻟﺒﻨﺰﻳﻦ؛ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺈﻣﻜﺎن أﺣﺪ اﻗﱰاح اﻟﺼﻴﻐﺔ اﻟﱰﻛﻴﺒﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ
ﻗﺒﻞ ﻋﺎم ،١٨٦٥واﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻗﺎم ﺑﻬﺬا ﻫﻮ ﻓﺮﻳﺪرﻳﺶ أوﺟﺴﺖ ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ.
ُوﻟِﺪ ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ دارﻣﺸﺘﺎت ﺑﺄملﺎﻧﻴﺎ ﰲ ﻋﺎم ،١٨٢٩واﻟﺘﺤﻖ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﺟﻴﺴﻦ
ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ املﻌﻤﺎرﻳﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺗﺄﺛ ﱠ َﺮ ﺑﻴﻮﺳﺘﻮس ﻓﻮن ﻟﻴﺒﻴﺞ ،اﻟﺬي
ﺷﺠﱠ ﻌﺘﻪ ﻣﺤﺎﴐاﺗﻪ اﻟﺤﻤﺎﺳﻴﺔ ﻋﲆ أن ﻳَﻬَ ﺐ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء .واﻧﺘﻘﻞ ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ
ﺟﻴﺴﻦ إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻣﻊ ﺟﻮن ﺑﺎﺗﻴﺴﺖ أﻧﺪرﻳﻪ دوﻣﺎ وﺷﺎرل أدوﻟﻒ ﻓﻮرﺗﺰ ،ﺛﻢ إﱃ
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
إﻧﺠﻠﱰا ﺣﻴﺚ ﻋﻤﻞ ﻣﻊ أﻓﻀﻞ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴني .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎد إﱃ أملﺎﻧﻴﺎ ،درس ً
أوﻻ
ﻫﺎﻳﺪﻟﱪج ،ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻞ ﰲ ﻋﺎم ١٨٥٨إﱃ ِﺟﻨﺖ ﺑﺒﻠﺠﻴﻜﺎ ﺣﻴﺚ ﻋﻤﻞ ﻫﻨﺎك أﺳﺘﺎذًا ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء. ِ ﰲ
وﺑﻘﻲ ﰲ ِﺟﻨﺖ ﺣﺘﻰ ﻋﺎم ١٨٦٥ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﺪﻋﻲ إﱃ ﺑﻮن ﻟﺸﻐﻞ ﻣﻨﺼﺐ اﻷﺳﺘﺎذﻳﺔ اﻟﺬي
ﺗﺮﻛﻪ إﻳﻪ دﺑﻠﻴﻮ ﻫﻮﻓﻤﺎن ،ﻓﺘﻘ ﱠﻠ َﺪ ﻫﺬا املﻨﺼﺐ ﰲ ﺑﻮن ﺣﺘﻰ ﻣﻮﺗﻪ ﰲ ﻋﺎم ،١٨٩٦وﻫﻮ
ﻧﻔﺲ اﻟﻌﺎم اﻟﺬي ﺗُﻮﰲ ﻓﻴﻪ أﻟﻔﺮﻳﺪ ﻧﻮﺑﻞ .وﺗﻌ ﱠﻠﻢ ﻋﲆ ﻳﺪ ﺗﻼﻣﺬة ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ أواﺋﻞ
ﺧﻤﺴﺔ ﻓﺎﺋﺰﻳﻦ ﺑﺠﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ،وﻫﻢ :ﻳﺎﻛﻮﺑﺶ ﻓﺎﻧﺖ ﻫﻮف ) ،(١٩٠١وإﻳﻤﻴﻞ
ﻓﻴﴩ ) ،(١٩٠٢وأدوﻟﻒ ﻓﻮن ﺑﺎﻳﺮ ) .(١٩٠٥وﻛﺎن ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ ﻳُﻌَ ﱡﺪ واﺣﺪًا ﻣﻦ أﻋﻈﻢ أﺳﺎﺗﺬة
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ.
ً
ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺷﻬﺮﺗﻪ ﺑﻮﺻﻔﻪ أﺳﺘﺎذا ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء ،ﻋُ ﺮف وﺳﻂ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني ﺑﻨﻈﺮﻳﺎﺗﻪ
ﻋﻦ اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ ﻟﻠﻤﺮﻛﺒﺎت اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ .ﻓﻘﺒﻞ ﻋﺎم ،١٨٥٨ﻛﺎن ﻋﻠﻤﺎء اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ
ﺣﻘﻘﻮا ﺑﻌﺾ اﻹﻧﺠﺎزات املﻬﻤﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻋﲆ ﻏري ﻫﺪًى ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ،وﺻﺤﻴﺢٌ أﻧﻬﻢ ﱠ
ﻳﻜﻦ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺗﺼﻮر ذﻫﻨﻲ ﻋﻦ ﺷﻜﻞ املﻮاد اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻣﻌﻬﺎ ﻋﲆ املﺴﺘﻮى اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ.
ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،اﻛﺘﺸﻒ ﻓﺮﻳﺪرﻳﺶ ﻓﻮﻟﺮ ﰲ ﻋﺎم ١٨٢٨أن اﻟﻴﻮرﻳﺎ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ
ﻋﻦ ﺳﻴﺎﻧﺎت اﻷﻣﻮﻧﻴﻮم )اﻧﻈﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ( ،ﻣﻊ أن ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ اﻟﻜﺮﺑﻮن
واﻟﻬﻴﺪروﺟني واﻷﻛﺴﺠني واﻟﻨﻴﱰوﺟني ﺑﻨﺴﺒﺔ .٢ : ١ : ٤ : ١ :ووﺟﺪوا أﻧﻬﻤﺎ ﻳﻨﺪرﺟﺎن ﺗﺤﺖ
َ
اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻬﺎ ﻧﻔﺲ اﻟﻌﺪد ﻣﻦ ﻧﻔﺲ »اﻷﻳﺰوﻣريات« ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻔﻬﻢ أﺣ ٌﺪ
اﻟﺬرات.
ُﺮﺿﻴﺔ ﻟﻠﺒﻨﺰﻳﻦ ﰲ ﻋﺎم ١٨٦٥ﻣﻬﻤٍّ ﺎ إﱃ ﺣﺪ ﻛﺎن اﻗﱰاح ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ ﻟﺼﻴﻐﺔ ﺗﺮﻛﻴﺒﻴﺔ ﻣ ِ
ﻛﺒري ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ املﺠﺘﻤﻊ اﻟﻌﻠﻤﻲ ،ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻪ ﺗ ﱠﻢ ﻋﻘﺪ اﺣﺘﻔﺎل ﻛﺒري ﰲ ﻣﺠﻠﺲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﺮﻟني
ﰲ ﻋﺎم ١٨٩٠ﻟﻼﺣﺘﻔﺎل ﺑﺎﻟﺬﻛﺮى اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻟﻺﻋﻼن ﻋﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻴﻐﺔ .إذ ﻳ َ
ُﻨﺴﺐ
اﻟﻔﻀﻞ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري ﰲ ﺗﻄﻮر ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺼﺒﻐﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ ،وﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﰲ ازدﻫﺎر
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﻫﻨﺎك ﰲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ؛ إﱃ اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﱰﻛﻴﺒﻴﺔ ﻟﻜﻴﻜﻮﻟﻴﻪ
وﺗﻼﻣﻴﺬه وزﻣﻼﺋﻪ .وﰲ ﻫﺬا اﻻﺣﺘﻔﺎل ،أﻟﻘﻰ ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ ﺧﻄﺎﺑًﺎ ﻧ ُ ِﴩ ﰲ ﻛﱪى ﻣﺠﻼت اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء
اﻷملﺎﻧﻴﺔ .وﻓﻴﻤﺎ ﻳﲇ اﻗﺘﺒﺎﺳﺎن أﺧﺬﺗﻬﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﱰﺟﻤﺔ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ ﻟﻠﺨﻄﺎب املﻨﺸﻮر ﰲ ﻋﺎم
،١٩٥٨اﻟﺬي ﻳﻮاﻓﻖ اﻟﺬﻛﺮى املﺌﻮﻳﺔ ﻟﻠﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﱰﻛﻴﺒﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ وﺻﻔﻬﺎ ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ ﰲ
ﺧﻄﺎﺑﻪ:
إﻧﻨﺎ ﻧﺤﺘﻔﻞ اﻟﻴﻮم ﺑﺎﻟﻴﻮﺑﻴﻞ اﻟﻔﴤ ﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ .ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ،ﻳﺠﺐ أن أﺧﱪﻛﻢ
أن ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱄ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻓﻘﻂ ،ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺑﺎرزة ﺟﺪٍّا ﻟﻸﻓﻜﺎر
106
ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ :اﻷﺣﻼم واﻛﺘﺸﺎف اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ ﻟﻠﺒﻨﺰﻳﻦ
ﺗﻜﺎﻓﺆ اﻟﺬرات وﻃﺒﻴﻌﺔ ارﺗﺒﺎﻃﻬﺎ؛ وﻫﻲ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﻧﺴﻤﱢ ﻴﻬﺎ ُ اﻟﺘﻲ ﻛﻮﱠﻧﺘُﻬﺎ ﻋﻦ
َ
ﻣﻜﺘﻮف اﻟﻴﺪﻳﻦ أﻣﺎم َ
ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ واﻟﺘﻜﺎﻓﺆ؛ ﻓﻠﻢ أﻛﻦ ﻷﻗﻒ اﻵن
ﻛﻨﺖ أﻗﻴﻢ ﰲ ﻃﺮﻳﻖ ﻛﻼ ِﺑﻢ ﺗﻜﺎﻓﺆ اﻟﺬرات ﻏري املﺴﺘﺨﺪَم .وأﺛﻨﺎء إﻗﺎﻣﺘﻲ ﰲ ﻟﻨﺪنُ ،
ﻛﻨﺖ ﻛﺜريًا ﻣﺎ أﻗﴤ أﻣﺴﻴﺎﺗﻲ ﻣﻊ ﺻﺪﻳﻘﻲ ﻫﻮﺟﻮ ﻣﻮﻟﺮ … ﻛﻨﱠﺎ ﻧﺘﺤﺪث … ﻟﻜﻨﻨﻲ ُ
ﻋﻦ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻷﻣﻮر ،ﻟﻜﻦ ﰲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻴﺎن ﻛﺎن ﺣﺪﻳﺜﻨﺎ ﻋﻦ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎت ﻣﺘﻌ ﱢﻠﻘﺔ
ﻛﻨﺖ ﻋﺎﺋﺪًا ﰲ آﺧِ ﺮ ﺣﺎﻓﻠﺔﺻﻴﻒ ﺟﻤﻴﻞ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ُ ٍ ﺑﻤﺤﺒﻮﺑﺘﻲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء .وﰲ ﻣﺴﺎء
راﻛﺒًﺎ ﻋﲆ اﻟﺴﻄﺢ اﻟﻌﻠﻮي ﰲ اﻟﻬﻮاء اﻟﻄﻠﻖ ﻛﺎملﻌﺘﺎد ،وﻣﺎ ٍّرا ﺑﺎﻟﺸﻮارع اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ
ﻳﻘﻈﺔ وﻓﺠﺄ ًة رأﻳﺖ اﻟﺬرات ﺗﱰاﻗﺺ وﺗﺜﺐ أﻣﺎم ٍ ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ … اﺳﺘﻐﺮﻗﺖ ﰲ ﺣﻠﻢ
ﻛﻨﺖ أﺟﺪﻫﺎ ﻋﻴﻨﻲ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺼﻐرية ﺗﻈﻬﺮ أﻣﺎﻣﻲ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚُ ،
ُ
رأﻳﺖ داﺋﻤً ﺎ ﺗﺘﺤﺮك؛ ﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ أﻛﻦ ﻗﺎد ًرا ﻋﲆ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺣﺮﻛﺘﻬﺎ ،ﻟﻜﻦ اﻵن
ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺘﻜﺮر ﻛﻴﻒ أن ذرﺗني ﺻﻐريﺗني ﺗﺘﱠﺤِ ﺪان ﻟﺘﻜ ﱢﻮﻧَﺎ زوﺟً ﺎ ،وﻛﻴﻒ أن
ذرة أﻛﱪ ﺗﻀﻢ اﻟﺬرﺗني اﻟﺼﻐﺮﻳني ،وﻛﻴﻒ أن ذرات أﻛﱪ ﺗﻀﻢ ﺛﻼﺛًﺎ أو أرﺑﻌً ﺎ
ﻣﻦ اﻟﺬرات اﻷﺻﻐﺮ ،ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻒ ﰲ ﺣﺮﻛﺔ راﻗﺼﺔ
ً
ﺳﺎﺣﺒﺔ وراءﻫﺎ اﻟﺬرات ﴎﻳﻌﺔ ﺟﺪٍّا .رأﻳﺖ ﻛﻴﻒ أن اﻟﺬرات اﻷﻛﱪ ﻛﻮﱠﻧﺖ ﺳﻠﺴﻠﺔ،
اﻷﺻﻐﺮ ،ﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻳﺤﺪث ﻓﻘﻂ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺘَﻲ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ … أﻳﻘﻈﻨﻲ ﻣﻦ ﺣﻠﻤﻲ ﺻﻴﺎحُ
املﺤﺼﻞ» :ﻃﺮﻳﻖ ﻛﻼ ِﺑﻢ «.ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻗﻀﻴﺖ ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ ﰲ رﺳﻢ ﻣﺨﻄﻄﺎت ﱢ
أوﻟﻴﺔ ﻟﻸﺷﻜﺎل اﻟﺘﻲ رأﻳﺘُﻬﺎ ﰲ ﺣﻠﻤﻲ .وﻛﺎن ﻫﺬا ﻫﻮ أﺻﻞ »ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﱰﻛﻴﺐ
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ«.
ﻛﻨﺖ أﻗﻴﻢﺣﺪث ﳾء ﻣﺸﺎﺑﻪ ﻣﻊ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ .أﺛﻨﺎء إﻗﺎﻣﺘﻲ ﰲ ِﺟﻨﺖُ ،
ﺣﻲ ﻓﺨﻢ ﻟﻠﻌُ ﱠﺰاب ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﺮﺋﻴﴘ ،ﻟﻜﻦ ﺑﺤﺜﻲ ﻗﺎدﻧﻲ إﱃ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﺴﺪود ﰲ ﱟ
ﺟﺎﻟﺴﺎ أﻛﺘﺐ ﰲ دﻓﱰي ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ً وﻟﻢ ﺗﻈﻬﺮ أﻳﺔ ﺑﺎدرة أﻣﻞ ﰲ اﻷﻓﻖ … ُ
ﻛﻨﺖ
ﻛﻨﺖ أﻗﻮم ﺑﻪ؛ ﻛﺎﻧﺖ أﻓﻜﺎري ﺷﺎرد ًة ﰲ ﻣﻜﺎن ﺛﻤﺔ أي ﺗﻘ ﱡﺪ ٍم ﰲ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﺬي ُ
ﻛﻨﺖ أﺟﻠﺲ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﻧﺎر املﺪﻓﺄة وﻏﻔﻠﺖ .أﺧﺬت آﺧﺮ .وﺟﱠ ﻬْ ُﺖ اﻟﻜﺮﳼ اﻟﺬي َُ
اﻟﺬرات ﺗﱰاﻗﺺ ﻣﺮة أﺧﺮى أﻣﺎم ﻋﻴﻨﻲ ،ﻟﻜﻦ ﻫﺬه املﺮة ﻟﻢ ﺗﻈﻬﺮ ﱄ املﺠﻤﻮﻋﺎت
اﻟﺼﻐﺮى ﻣﻦ اﻟﺬرات ،وﻛﺎﻧﺖ ﻋني ﻋﻘﲇ — اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ أﻛﺜﺮ ﺣﺪة ﺑﺴﺒﺐ
َ
رؤﻳﺔ اﻟﱰاﻛﻴﺐ اﻷﻛﱪ ﰲ اﻟﺮؤى املﺘﻜﺮرة اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع — ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اﻵن
أﺷﻜﺎل ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ؛ ﺻﻔﻮف ﻛﺒرية ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﻣﻌً ﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ أﻛﺜﺮ
ﺗﻘﺎرﺑًﺎ ،وﻛﻠﻬﺎ ﺗﺘﺰاوج وﺗﻠﻒ ﰲ ﺣﺮﻛﺔ ﺗﺸﺒﻪ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺜﻌﺒﺎن .اﻧﻈﺮ! ﻣﺎ ﻫﺬا؟
107
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ُ
واﺳﺘﻴﻘﻈﺖ ﺺ ﺳﺎﺧ ًﺮا أﻣﺎم ﻋﻴﻨﻲ. أﻣﺴ َﻚ ﺑﺬﻳﻠﻪ ،واﻟﺸﻜﻞ َ
ﺗﺮاﻗ َ أﺣﺪ اﻟﺜﻌﺎﺑني ﻗﺪ َ
ُ
ﻗﻀﻴﺖ ﺑﺎﻗﻲ ﻟﻴﻠﺘﻲ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ أن ذﻟﻚ ﺗ ﱠﻢ ﺑﻔﻌﻞ وﻣﻀﺔ ﻣﻦ اﻟﱪق؛ ﻫﺬه املﺮة ً
أﻳﻀﺎ
ﰲ اﻟﺘﻔﻜري ﰲ ﺗﺒﻌﺎت ﻫﺬا اﻻﻓﱰاض )ﺑﻴﻨﻔﻲ ،ﻣﺠﻠﺔ »ﺟﻮرﻧﺎل أوف ﻛﻴﻤﻴﻜﺎل
إدﻳﻮﻛﻴﺸﻦ« ،املﺠﻠﺪ ،٣٥ﺻﻔﺤﺔ .(١٩٥٨ ،٢١
ﱡ
ﻳﻌﺾ ذﻳﻠﻪ ،وﻳﺴﺘﻴﻘﻆ ﻟﻴﻘﱰح ﺗﺮﻛﻴﺒًﺎ ﺣﻠﻘﻴٍّﺎ ﻟﺠﺰيء اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ. ﺷﻜﻞ :1-14ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ ﻳﺤﻠﻢ ﺑﺜﻌﺒﺎن
أدﱠى ﺣﻠﻤَ ﺎ ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ ﻋﲆ اﻟﺴﻄﺢ اﻟﻌﻠﻮي ﻟﻠﺤﺎﻓﻠﺔ ﰲ ﻟﻨﺪن وﺑﺠﺎﻧﺐ ﻧﺎر املﺪﻓﺄة ﰲ
ِﺟﻨﺖ؛ إﱃ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻧﻈﺮﻳﺎت ﻋﻤﻴﻘﺔ ﻟﻠﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ اﻟﻌﻀﻮي أﺳﻬﻤﺖ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻛﺒري ﰲ
ﺗﻄﻮﱡر اﻟﻌﻠﻢ .ﺑﻌﺪ اﻟﺤﻠﻢ اﻷول اﻟﺬي ﻛﻮﱠﻧﺖ ﻓﻴﻪ اﻟﺬرات »ﺳﻠﺴﻠﺔ« و»ذرة أﻛﱪ ﺗﻀﻢ اﻟﺬرﺗني
اﻟﺼﻐﺮﻳني« و»ذرات أﻛﱪ ﺗﻀﻢ ﺛﻼث — أو ﺣﺘﻰ أرﺑﻊ — ذرات أﺻﻐﺮ« ،اﻓﱰض ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ
أﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﺬرات ﻛﺮﺑﻮن ﻣﻌﻴﻨﺔ اﻻرﺗﺒﺎط ﻣﻌً ﺎ ﰲ ﺳﻼﺳﻞ ،ﻣﻊ ارﺗﺒﺎﻃﻬﺎ ﺑﺬرات ﻫﻴﺪروﺟني
وذرات أﺧﺮى ﻏريﻫﺎ .ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻤﺜﻴﻞ اﻟﻜﺤﻮل املﻴﺜﻴﲇ واﻟﻜﺤﻮل اﻹﺛﻴﲇ،
اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻛﺎن ﻣﻦ املﻌﺮوف أن ﺻﻴﻐﺘﻴﻬﻤﺎ اﻟﺒﺴﻴﻄﺘني ﻫﻤﺎ CH4 Oو ،C2 H6 Oﺑﺎﻟﺼﻴﻐﺘني
اﻟﱰﻛﻴﺒﻴﺘني املﻌﺮوﺿﺘني ﰲ ﺷﻜﲇ 2-14و .3-14وﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻤﺎﺛﻞ ،ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻤﺜﻴﻞ اﻟﺼﻴﻐﺔ
اﻟﱰﻛﻴﺒﻴﺔ ﻟﻠﻴﻮرﻳﺎ ﻛﻤﺎ ﰲ ﺷﻜﻞ ،4-14وﻟﺴﻴﺎﻧﺎت اﻷﻣﻮﻧﻴﻮم ﻛﻤﺎ ﰲ ﺷﻜﻞ .5-14
108
ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ :اﻷﺣﻼم واﻛﺘﺸﺎف اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ ﻟﻠﺒﻨﺰﻳﻦ
H
H H
H
H H
109
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
O
N N
H H
H
+ −
H N H N C O
H
110
ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ :اﻷﺣﻼم واﻛﺘﺸﺎف اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ ﻟﻠﺒﻨﺰﻳﻦ
H
C C
H C H
H
X X
H H
)ب( )أ(
ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﺗﺮﻛﻴﺐ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ وآﻻف املﺮﻛﺒﺎت اﻟﻌﻄﺮﻳﺔ املﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻬﺎ اﻟﺘﺼﻮر
اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﺬي ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﻣﻔﻬﻮم ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﺎ اﻟ َﻜﻢ ﻟﻼرﺗﺒﺎط اﻹﻟﻜﱰوﻧﻲ ﻟﻠﺬرات ،ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ
ﻣﻦ أن اﻹﻟﻜﱰوﻧﺎت ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ،ﺣﺘﻰ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺎﻟﺬﻛﺮى اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ
واﻟﻌﴩﻳﻦ ﻟﺼﻴﻐﺔ ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ.
111
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻧﺘﻘﺪ ﺑﻌﺾ اﻟ ُﻜﺘﱠﺎب )ﻣﺠﻠﺔ »ﻛﻴﻤﻴﻜﺎل آﻧﺪ إﻧﺠﻨريﻳﻨﺞ ﻧﻴﻮز« ،ﻋﺪد ٤ﻧﻮﻓﻤﱪ ،١٩٨٥
ﺻﻔﺤﺔ ٢٢؛ وﻋﺪد ٢٠ﻳﻨﺎﻳﺮ ،١٩٨٦ﺻﻔﺤﺔ (٣ﺑﻞ ﺷ ﱠﻜﻜﻮا ﰲ ﻣﺼﺪاﻗﻴﺔ أﺣﻼم ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ
ُﴩ ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﻼم ﰲ ودورﻫﺎ ﰲ ﻧﻈﺮﻳﺎﺗﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺎﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ؛ إذ ﻟﻢ ﻳ ِ ْ
أﻋﻤﺎﻟﻪ املﻨﺸﻮرة ﰲ ﺳﺘﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ .وﻟﻜﻦ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻟﻢ ﻳﺸريوا ﰲ
ً
ﻣﻌﺎﻛﺴﺎ ﻟﻠﺘﺴﻠﺴﻞ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﻳﻜﺎد ﻳﻜﻮن
ٍ أﻋﻤﺎﻟﻬﻢ إﱃ ﻣﺼﺪر أﻓﻜﺎرﻫﻢ ،ﺑﻞ ﻗﺪﱠﻣﻮا ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﰲ
اﻟﻔﻌﲇ ﻟﻸﺣﺪاث.
ﻋﺎد ًة ﻣﺎ ﺗﻜﻮن املﺼﺎدﻓﺔ واﻟﺨﻴﺎل واﻷﺣﻼم ﻋﻨﺎﴏ ﻣﻬﻤﺔ ﰲ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ،
ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺤﺪث ﻓﻘﻂ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ ﺗﻠﻚ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت .ﻓﺈذا ﻟﻢ ﻳﺮﻏﺐ ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ ﰲ ذﻛﺮ أﻧﻪ ﺣﻠﻢ
ﺑﻨﻈﺮﻳﺎﺗﻪ ﻋﻦ اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ ﰲ أﻋﻤﺎﻟﻪ املﻨﺸﻮرة ،واﺣﺘﻔﻆ ﺑﻬﺬا ﻟﻠﺨﻄﺎب اﻟﺬي أﻟﻘﺎه ﰲ
ً
اﻗﺘﺒﺎﺳﺎ اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﺬﻛﺮى اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ،ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻧﻨﺪﻫﺶ أو ﻧﺸ ﱢﻜﻚ ﰲ اﻷﻣﺮ .ﺗﺄﻣﱠ ْﻞ ﻣﻌﻲ
أﻳﻀﺎ: َ
آﺧﺮ ﻣﻦ ﺧﻄﺎﺑﻪ اﻟﺬي ﻳﻌﻜﺲ ﻛﻮﻧﻪ ﻋﺎﻟِﻤً ﺎ ﻋﻈﻴﻤً ﺎ وﺣﺎ ًملﺎ ً
دﻋﻮﻧﺎ أﻳﻬﺎ اﻟﺴﺎدة ﻧﺘﻌ ﱠﻠﻢ ﻛﻴﻒ ﻧﺤﻠﻢ! رﺑﻤﺎ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺳﻨﺼﻞ إﱃ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ .دﻋﻮﻧﺎ
ﻻ ﻧﻌﻠﻦ ﻋﻦ أﺣﻼﻣﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻧﺨﺘﱪﻫﺎ ﺑﻔﻬﻤﻨﺎ اﻟﻮاﻋﻲ )ﺑﻴﻨﻔﻲ ،ﺻﻔﺤﺔ .(٢١
ﻣﻊ أن ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺑﺪأت ﺗُﻤﻨَﺢ ﺑﻌﺪ
ﺺ اﻟﺠﺎﺋﺰة. وﻓﺎﺗﻪ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻴﺔ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎن ﻧﻮﺑﻞ ﻳﻘﺼﺪﻫﻢ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﱠ
ﺧﺼ َ
ﱢ ُ
»أردت ﻣﺴﺎﻋﺪة اﻟﺤﺎملني ،اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺤﻘﻘﻮن وﻗﺒﻞ ﺑﻀﻌﺔ أﺷﻬﺮ ﻣﻦ وﻓﺎﺗﻪ ،ﻗﺎل ﻧﻮﺑﻞ:
اﻟﺜﺮاء ﰲ اﻟﺤﻴﺎة«.
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﺼﺒﻐﺎت ﻓﻘﻂ ﻫﻮ ﻧﺘﺎج اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻄﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ وﺿﻊ أﺳﺎﺳﻬﺎ
أﻳﻀﺎ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻋﻘﺎﻗري ﻣﺜﻞ اﻷﺳﱪﻳﻦ ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ ﺑﺎﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ﻟﺼﻴﻐﺔ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ ،وإﻧﻤﺎ ﻛﺎن ﻧﺘﺎﺟﻬﺎ ً
واﻟﺴﻠﻔﺎﻧﻴﻼﻣﻴﺪ واﻟﺒﻨﺰﻳﻦ اﻟﻌﺎﱄ اﻷوﻛﺘني واملﻨﻈﻔﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ واﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ واﻷﻗﻤﺸﺔ ﻣﺜﻞ
اﻟﺪاﻛﺮون.
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ﰲ ﻋﺎم ،١٩٢١اﻛﺘﺸﻒ ﻋﺎﻟِﻢ وﻇﺎﺋﻒ اﻷﻋﻀﺎء أوﺗﻮ ﻟﻮﰲ اﻻﻧﺘﻘﺎ َل اﻟﺨ ْﻠ ِﻄﻲ ﻟﻠﻨﺒﻀﺎت
ً
وﻃﺒﻘﺎ ملﺎ ذﻛﺮه ﻳﻮ ﻓﺎﻳﺲ وآر إﻳﻪ ﺑﺮاون )ﻣﺠﻠﺔ »ﺟﻮرﻧﺎل اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ﻋﱪ املﻮاد اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ.
أوف ﻛﻴﻤﻴﻜﺎل إدﻳﻮﻛﻴﺸﻦ« ،ﺳﺒﺘﻤﱪ ،١٩٨٧ﺻﻔﺤﺔ ،(٧٧٠ﺟﺎءت ﻓﻜﺮة ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف
ِﻟﻠُﻮﰲ ﰲ ﺣﻠﻢ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ذﻟﻚ ملﺮة واﺣﺪة ﺑﻞ ﻣﺮﺗني .ﻓﺒﻌﺪ اﻻﺳﺘﻴﻘﺎظ ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻢ اﻷول ،ﻧﺎم
112
ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ :اﻷﺣﻼم واﻛﺘﺸﺎف اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ ﻟﻠﺒﻨﺰﻳﻦ
ﻣﺠ ﱠﺪدًا وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺗﺬ ﱡﻛﺮ اﻟﺤﻠﻢ ﺟﻴﺪًا ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﻴﻘﻆ ،ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ اﻻﺳﺘﻴﻘﺎظ ﻣﻦ اﻟﺤﻠﻢ
ﻣﺒﺎﴍ ًة إﱃ ﻣﻌﻤﻠﻪ وأﺟﺮى اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻠﻬﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﻛﻼ اﻟﺤﻠﻤني، َ اﻟﺜﺎﻧﻲ ،ﺗﻮﺟﱠ َﻪ ﻟﻮﰲ
وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺎرب ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﻬﻤﺔ .وﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ ،ﻟﻢ ﻳﻨﴩ ﻟﻮﰲ
َ
ﻣﺒﺎﴍ ًة ﻋﲆ اﻟﻔﻮر أﺻ َﻞ اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ،ﻟﻜﻨﻪ ﺑﺨﻼف ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ ،ذﻛﺮﻫﺎ
ﻷﺻﺪﻗﺎﺋﻪ وأﴎﺗﻪ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن اﻷﺣﺪاث ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻮﺛﻘﺔ ﺟﻴﺪًا .وﺗﺘﺬ ﱠﻛﺮ اﺑﻨﺔ ﻟﻮﰲ )اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﰲ
ﺳﺎﺑﻘﺎ اﻟﺬي ﻇﻬﺮ ﰲ ﻋﺎم (١٩٨٧ ً اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ زوﺟﺔ ﻓﺎﻳﺲ ،أﺣﺪ ﻛﺎﺗﺒَﻲ املﻘﺎل املﺸﺎر إﻟﻴﻪ
وﺻﻒ أﺑﻴﻬﺎ ﻟﺤﻠﻤَ ﻴْﻪ واﻵﺛﺎ َر اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﱠﺒ َْﺖ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ،ﻛﻤﺎ ﺗﺘﺬ ﱠﻛﺮ ﻛﻴﻒ أن ﻣﺴﺎﻋِ ﺪي أﺑﻴﻬﺎ َ
ﺗﻨﺒﱠﺌﻮا ﺑﺄن اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ اﻟﺬي ﻛﺎن اﻟﺤﻠ ُﻢ ﻫﻮ ﴍار َة اﻟﺒﺪء ﻓﻴﻪ ،ﺳﻴﺠﻌﻠﻪ ﻳﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة
ﺗﻮﻗﻌﻬﻢ؛ ﻓﻘﺪ ﺣﺼﻞ ﰲ ﻋﺎم ١٩٣٦ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ اﻟﻄﺐ ﻣﺤﻘني ﰲ ﱡ ﱢ ﻧﻮﺑﻞ .وﻛﺎﻧﻮا
ﻔﺔ ﻣﻊ إﺗﺶ إﺗﺶ دﻳﻞ ،ﻣﻊ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺬﻛﺮ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻷﺣﻼم ﰲ ﻣﻨﺎﺻ ً
َ أو ﻋﻠﻢ وﻇﺎﺋﻒ اﻷﻋﻀﺎء
ﻣﺤﺎﴐﺗﻪ ﻋﻨﺪ ﺗﺴ ﱡﻠﻤﻪ ﻟﻠﺠﺎﺋﺰة.
ً
ﻣﺠﺎﻻ ﻟﻠﺸﻚ ِ
اﻛﺘﺸﺎف ﻟﻮﰲ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳَﺪَع ُ
ﻗﺼﺔ ﺧﻠﻔﻴ ِﺔ ﻗﺎل ﻓﺎﻳﺲ وﺑﺮاون ً
ﻻﺣﻘﺎ» :ﺗﺜﺒﺖ
أن أﻓﻜﺎر اﻷﺑﺤﺎث اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ املﻬﻤﺔ ﺟﺪٍّا ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻈﻬﺮ ٍّ
ﺣﻘﺎ أﺛﻨﺎء اﻟﻨﻮم ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ«.
أﻳﻀﺎ أﻧﻬﻤﺎ وﺟﺪَا ﻣﻘﻮﻟﺔ ﻟﻬريﻣﺎن ﻓﻮن ﻫﻴﻠﻤﻬﻮﻟﺘﺲ — اﺧﺘﺼﺎﴆ ﻋﻠﻢ وﻇﺎﺋﻒ وذ َﻛ َﺮا ً
اﻷﻋﻀﺎء وﻓﻴﻠﺴﻮف اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ اﻟﻌﻈﻴﻢ — ﺗﺆ ﱢﻛﺪ ﻋﲆ أن اﻷﻓﻜﺎر املﺜﻤﺮة »ﻋﺎد ًة …
ﻣﺎ ﺗﺄﺗﻲ ﰲ اﻟﺼﺒﺎح ﻋﻨﺪ اﻻﺳﺘﻴﻘﺎظ«.
ﻣﻦ ﺧﻼل ﺧﱪﺗﻲ ،ﻳﻜﻮن اﻟﺨﻴﺎل واﻟﺬاﻛﺮة ﰲ ﻗﻤﺔ ﻧﺸﺎﻃﻬﻤﺎ أﺛﻨﺎء اﻷﺣﻼم أو أﺣﻼم
ﻣﻄﻠﻘﺎ — ﻓﻜﺮة ﻋﺒﻘﺮﻳﺔ أﺛﻨﺎء ﺟﻠﻮﳼ ﰲ ً اﻟﻴﻘﻈﺔ؛ ﻓﻨﺎد ًرا ﻣﺎ ﺧﻄﺮت — أو ﻟﻢ ﺗﺨﻄﺮ ﱄ
ﻣﻜﺘﺒﻲ ﰲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،ﻓﻤﺜﻞ ﻫﺬه اﻷﻓﻜﺎر ﺗﺄﺗﻲ ﻋﲆ اﻷرﺟﺢ ﰲ اﻟﺴﺎﻋﺎت اﻷوﱃ ﻣﻦ اﻟﺼﺒﺎح
)ﻛﻤﺎ ﻗﺎل ﻫﻴﻠﻤﻬﻮﻟﺘﺲ( ،أو ﰲ اﻟﻄﺎﺋﺮة أو اﻟﺤﺎﻓﻠﺔ أو أﺛﻨﺎء ﺟﻮﻟﺔ ﻣﴚ ﻣﻤﺘﻌﺔ أو ﺣﺘﻰ
ﻣﻤﻠﺔ ،أو أﺛﻨﺎء اﻻﺳﺘﺤﻤﺎم أو أﺛﻨﺎء اﻻﺳﺘﻤﺘﺎع ﺑﺤﻔﻞ ﻣﻮﺳﻴﻘﻲ.
َ
ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻳﺬﻛﺮ ﻣﻠﻔني ﻛﺎﻟﻔﻦ )اﻟﺤﺎﺋﺰ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﰲ ﻋﺎم ١٩٦١ﻟﴩﺣﻪ
اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ اﻟﻀﻮﺋﻲ ﰲ اﻟﻨﺒﺎت( ﻛﻴﻒ ﺟﺎء ﻟﻪ ﻣﻔﺘﺎح اﻟ ﱡﻠﻐﺰ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔً ،
ﻗﺎﺋﻼ:
أرﻳﺪ أن أﺻﻒ اﻟﻠﺤﻈﺔ )واملﺜري أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺤﻈﺔ( اﻟﺘﻲ اﺗﻀﺢ ﱄ ﻓﻴﻬﺎ أﺣﺪ
اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﰲ دورة ﺛﺎﻧﻲ أﻛﺴﻴﺪ اﻟﻜﺮﺑﻮن ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻤﺜﻴﻞ اﻟﻀﻮﺋﻲ.
ً
ﻣﻬﻤﺔ ﻣﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ ذات ﻳﻮمُ ،
ﻛﻨﺖ ﻣﻨﺘﻈ ًﺮا ﰲ ﺳﻴﺎرﺗﻲ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ زوﺟﺘﻲ ﺗﻘﴤ
ُ
ﺑﻌﺾ املﻌﻠﻮﻣﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ املﻌﻤﻞ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻗﺪ وﺻﻠﺘﻨﻲ ﻣﻨﺬ ﺑﻀﻌﺔ أﺷﻬﺮ
113
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ً
ﺟﺎﻟﺴﺎ أﻣﺎم ﻣﺘﻮاﻓﻘﺔ ﻣﻊ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ أﻋﺮﻓﻪ ،وﺣﺘﻰ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ .ﻛﻨﺖ ﻣﻨﺘﻈ ًﺮا،
ﻮﻗﻔﺎ ﺑﺴﻴﺎرﺗﻲ ﰲ املﻨﻄﻘﺔ اﻟﺤﻤﺮاء ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺧﻄﺮ ﻋﲆﻛﻨﺖ ُﻣﺘَ ً
ﻋﺠﻠﺔ اﻟﻘﻴﺎدة ،رﺑﻤﺎ ُ
ﺑﺎﱄ املﺮ ﱠﻛﺐ اﻟﻨﺎﻗﺺ .ﻟﻘﺪ ﺧﻄﺮ ﱄ ،ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻔﺎﺟﺊ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،وﰲ ﻏﻀﻮن ٍ
ﺛﻮان
ﻣﻌﺪودة ،اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺪوري ملﺴﺎر اﻟﻜﺮﺑﻮن … ﰲ ﻏﻀﻮن ٣٠ﺛﺎﻧﻴﺔ؛ ﻟﺬا ،ﻓﺈﻧﻨﻲ
ﺣﻘﺎ ﰲ وﺟﻮد ﳾء ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ اﻹﻟﻬﺎم ،ﻟﻜﻦ اﻟﺸﺨﺺ ﻻ ﺑﺪ أن ﻳﻜﻮن ﻣﺴﺘﻌﺪٍّا أﻋﺘﻘﺪ ٍّ
ﻟﻪ )ﻣﺠﻠﺔ »ﺟﻮرﻧﺎل أوف ﻛﻴﻤﻴﻜﺎل إدﻳﻮﻛﻴﺸﻦ« ،ﺳﺒﺘﻤﱪ ،١٩٥٨ﺻﻔﺤﺔ .(٤٢٨
ﻗﺎل ﺗﺸﺎرﻟﺰ إﺗﺶ ﺗﺎوﻧﺰ )اﻟﺤﺎﺋﺰ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء ﰲ ﻋﺎم (١٩٦٤إن »اﻟﻠﻴﺰر
ﻛﻨﺖ أﺟﻠﺲ ﰲُوﻟِﺪ ﰲ ﺻﺒﺎح ﻳﻮم رﺑﻴﻌﻲ راﺋﻊ ﻋﲆ ﻣﻘﻌﺪ ﰲ ﺣﺪﻳﻘﺔ ﰲ واﺷﻨﻄﻦ؛ ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ُ
ٍ
ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﺑﺈﻋﺠﺎب ﺷﺠريات اﻷزاﻟﻴﺎ ،ﺧﻄﺮت ﱄ ﻓﻜﺮ ُة ٍ ﻣﻴﺪان ﻓﺮاﻧﻜﻠني أﺗﺄﻣﱠ ُﻞ
ﻋﲆ ﺷﻜﻞ ﻧﻘﻲ ﺟﺪٍّا ﻣﻦ املﻮﺟﺎت اﻟﻜﻬﺮوﻣﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت« )ﻣﺠﻠﺔ »ﺳﺎﻳﻨﺲ ،«٨٤
ﻣﺠﻠﺪ ،٥ﺻﻔﺤﺔ .(١٥٣
درس اﺧﺘﺼﺎﴆ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ روﺟﺮ ﺳﺒريي )اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﻤﻌﻬﺪ ﻛﺎﻟﻴﻔﻮرﻧﻴﺎ
ﻟﻠﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ واﻟﺤﺎﺋﺰ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ اﻟﻄﺐ أو ﻋﻠﻢ وﻇﺎﺋﻒ اﻷﻋﻀﺎء ﻟﻌﺎم (١٩٨١
ﻧﺼﻔﻲ اﻟﺪﻣﺎغ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺟﺮاﺣﻴٍّﺎ .وأﺷﺎرت أﺑﺤﺎﺛﻪ إﱃ أن َ املﺼﺎﺑني ﺑﺎﻟﴫع اﻟﺬﻳﻦ ﺗ ﱠﻢ ﻓﺼﻞ
ﻇﺮوف ﻛﺎملﻌﺮوﺿﺔ ﻫﻨﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﺤﻠﻬﺎ اﻟﻨﺼﻒ اﻷﻳﻤﻦ ﻣﻦ ٍ اﻷﻓﻜﺎر واﻹﻟﻬﺎم اﻟﺬي ﻳﺤﺪث ﰲ
واع ﺗﺤﻔﻴ ُﺰ اﻟﺘﻔﻜري ﰲ اﻟﻨﺼﻒ اﻷﻳﻤﻦ اﻟﺪﻣﺎغ ،وﻳﺮى ﺑﻌﺾ اﻷﺷﺨﺎص أﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ٍ
أﻳﻀﺎ )إﻳﻨﺠﻠﺒﺎردت ،ﻣﺠﻠﺔ »رﻳﺪرز داﻳﺠﻴﺴﺖ« ،ﻓﱪاﻳﺮ ،١٩٨٨ ﻣﻦ اﻟﺪﻣﺎغ ،ﺑﻞ ﺗﻮﺟﻴﻬﻪ ً
ﺻﻔﺤﺔ .(٤١
ﻟﻜﻦ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻫﻤﻴﺔ اﻷﺣﻼم وأﺣﻼم اﻟﻴﻘﻈﺔ ،ﻓﺈﻧﻨﻲ ُ
أﺗﻔﻖ ﻣﻊ املﻘﻮﻟﺔ اﻷﺧرية
ﺳﺎﺑﻘﺎ؛ ﻓﻴﺠﺐ ﻣﺮاﺟﻌﺔ اﻷﺣﻼم واﺧﺘﺒﺎرﻫﺎ ﰲ ﺿﻮء اﻟﻨﻬﺎر .ﻓﻘﺪ ً ﻟﻜﻴﻜﻮﻟﻴﻪ اﻟﺘﻲ ذﻛﺮﻧﺎﻫﺎ
ﺗﺤﺘﺎج اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻲ ﻛﻮﻣﻀﺔ ﰲ اﻟﻠﻴﻞ )أو اﻟﻨﻬﺎر( إﱃ أﻳﺎم أو ﺣﺘﻰ ﺳﻨني ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ
ٍ
اﻛﺘﺸﺎف ﻣﻬﻢ. اﻟﺠﺎد واﻟﺒﺎرع ﺣﺘﻰ ﺗﺴﻔﺮ ﻋﻦ
أوردت ﻫﺬه اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت املﺴﺘﻘﺎة ﻣﻦ اﻷﺣﻼم ﻛﻤﺜﺎل ﻋﲆ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ؛ ُ ﻟﻘﺪ
ﻷﻧﻬﺎ ﻋﺎد ًة ﻣﺎ ﺗُﺼﻨﱠﻒ ﻫﻜﺬا .ورﺑﻤﺎ ﺗﻜﻮن ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻛﻮن اﻷﺣﻼم أو اﻹﻟﻬﺎم ﻋَ َﺮ ً
ﺿﻴﺔ أو ﻻ
ٍ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻗﻴﱢﻤﺔ ﻛﺘﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ اﻷﻣﻮر املﺜرية ﻟﻠﺠﺪل ،ﻟﻜﻦ إذا اﺗﺨﺬﻫﺎ املﺮء رﻛﻴﺰ ًة ﻟﻌﻤﻞ
ﺻﻨﻌﻬﺎ ﻛﻴﻜﻮﻟﻴﻪ وﻟﻮﰲ وﻛﺎﻟﻔﻦ وﺗﺎوﻧﺰ ،ﻓﻼ ﺑﺪ ﺣﺘﻤً ﺎ ﻣﻦ أن ﺗُﻌَ ﱠﺪ ﻋَ َﺮ ً
ﺿﻴﺔ.
114
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ
ﰲ ﺳﺘﻮﻛﻬﻮﻟﻢ ،ﺗﺮك زوﺟﺘﻪ وأوﻻده اﻟﺜﻼﺛﺔ واﻧﺘﻘﻞ إﱃ ﻓﻨﻠﻨﺪا ،ﺛﻢ إﱃ ﺳﺎﻧﺖ ﺑﻄﺮﺳﱪج ﰲ
ٍ
ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ﺧﺴﺎﺋﺮه املﺎﻟﻴﺔ. روﺳﻴﺎ؛ ﻫﺮﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻦ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺪﻳﻮن ،وﰲ
ﺑﻌﺪ ﻋﺪة أﻋﻮام ،ﻧﻘﻞ إﻳﻤﺎﻧﻮﻳﻞ أﴎﺗﻪ إﱃ ﺳﺎﻧﺖ ﺑﻄﺮﺳﱪج ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻋﻤﻠﻪ ﰲ
ازدﻫﺎر ،ﺣﺘﻰ إﻧﻪٍ ﻣﺠﺎل ﺗﺼﻨﻴﻊ املﻮاد املﺘﻔﺠﱢ ﺮة اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻟﺤﺴﺎب اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ﰲ
ﺼﻨَﻊ وﻣَ ْﺴﺒَﻚ .ﺗﻠﻘﻰ أﻟﻔﺮﻳﺪ ﺗﻌﻠﻴﻤً ﺎ رﺳﻤﻴٍّﺎ ملﺪة ﻋﺎﻣني ﻓﻘﻂ ﰲأﺻﺒﺢ ﴍﻳ ًﻜﺎ ﰲ ِﻣﻠﻜﻴﺔ ﻣَ ْ
ﺳﺘﻮﻛﻬﻮﻟﻢ ،وﻛﺎن ﻳﺤﺼﻞ ﻋﲆ أﻋﲆ اﻟﺪرﺟﺎت ﰲ ﻓﺼﻠﻪ .وﰲ روﺳﻴﺎ ،ﻧﻈ ًﺮا ﻟﺜﺮاء أﺑﻴﻪ ،ﺗﻌ ﱠﻠ َﻢ
ﻃﻮﻳﻼ؛ ﻓﺒﻨﻬﺎﻳﺔ ﺣﺮب اﻟﻘﺮم ً أﻟﻔﺮﻳﺪ وإﺧﻮﺗﻪ اﻟﻜﺒﺎر ﻋﲆ ﻳﺪ ﻣﻌﻠﻤني ،ﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻤﺮ
ﰲ ﻋﺎم ،١٨٥٦اﻧﺘﻬﻰ دﻋﻢ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﺮوﺳﻴﺔ ملﺼﻨﻊ إﻳﻤﺎﻧﻮﻳﻞ اﻟﺮاﺋﺪ ﰲ ﻣﺠﺎل ﺗﺼﻨﻴﻊ
وأﻓﻠﺲ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ .وﰲ ﻫﺬه املﺮة ،ﻋﺎد إﱃ اﻟﺴﻮﻳﺪ ﻣﻊَ اﻷﻟﻐﺎم املﺘﻔﺠﱢ ﺮة ﻟﺴﻼح اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ،
َ
زوﺟﺘﻪ وأﺻﻐﺮ أوﻻده إﻳﻤﻴﻞ ،ﺗﺎر ًﻛﺎ أﻟﻔﺮﻳﺪ وأﺧ َﻮﻳْﻪ اﻵﺧﺮﻳْﻦ ،روﺑﺮت وﻟﻮدﻓﻴﺞ ،ﰲ روﺳﻴﺎ.
درس أﻟﻔﺮﻳﺪ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﻋﲆ ﻳﺪ أﺳﺘﺎذ روﳼ ،وﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﺧﱪة ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ وﻫﻨﺪﺳﻴﺔ ﻛﺒرية
116
ﻧﻮﺑﻞ :اﻹﻧﺴﺎن واﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت واﻟﺠﻮاﺋﺰ
ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺼﻨﻊ أﺑﻴﻪ ،واﻧﺘﻘﻞ إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ﻛﻲ ﻳﺤﺎول اﻗﱰاض ﺑﻌﺾ املﺎل ﻹﻧﻘﺎذ املﺼﻨﻊ
ﰲ ﺳﺎﻧﺖ ﺑﻄﺮﺳﱪج ،ﻟﻜﻨﻪ ﻋﺎد ﺧﺎﱄ اﻟﻮﻓﺎض.
ﰲ ﻋﺎم ،١٨٦١ﻋﺎد أﻟﻔﺮﻳﺪ إﱃ اﻟﺴﻮﻳﺪ ملﺴﺎﻋﺪة أﺑﻴﻪ ﰲ إﻧﺘﺎج اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ،
ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ إﻳﻄﺎﱄ ﻳُﺪﻋَ ﻰ أﺳﻜﺎﻧﻴﻮ
ﱞ وﻫﻲ ﻣﺎدة ﻣﺘﻔﺠﱢ ﺮة ﺳﺎﺋﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻛﺎن أول ﻣَ ﻦ ﱠ َ
ﺣﴬﻫﺎ
ﺳﻮﺑﺮﻳﺮو ،ﻗﺒﻞ ﺑﻀﻌﺔ أﻋﻮام .وﰲ رﺣﻠﺘﻪ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ،ﻧﺠﺢ ﰲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻗﺮض
ﺳﻤﺢ ﻟﻪ ﺑﺈﻧﺘﺎج املﺎدة ﻋﲆ ﻧﻄﺎق ﻣﺤﺪود ﰲ اﻟﺴﻮﻳﺪ .وﺑﻌﺪ ﻋﺎﻣني ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن أﻟﻔﺮﻳﺪ ﰲ
اﻟﺜﻼﺛني ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،ﺻﻨﻊ أول اﺧﱰاﻋﺎﺗﻪ املﻬﻤﺔ ،وﻫﻮ ﻛﺒﺴﻮﻟﺔ ﺗﻔﺠري ﻣﻦ ﻓﻠﻤﻴﻨﺎت اﻟﺰﺋﺒﻖ
ملﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ ،وﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﺧﱰاﻋﻪ .ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﺧﱰاﻋﻪ ﻋ َﺮﺿﻴٍّﺎ؛ إذ ﺗﺸري
اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ إﱃ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻧﺘﺎجَ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻤﺴني ﻋﺎﻣً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺸﺎﻗﺔ ﰲ ﻣﻌﻤﻞ وﻣﺼﻨﻊ
أﺑﻴﻪ املﺘﺪاﻋﻲ املﻮﺟﻮد ﰲ ﻫﻴﻠﻴﻨﺒﻮرج ،ﻋﲆ أﻃﺮاف ﺳﺘﻮﻛﻬﻮﻟﻢ.
وﻗﻌﺖ ﻛﺎرﺛﺔ ﰲ ﺳﺒﺘﻤﱪ ١٨٦٤؛ إذ ﺣﺪث اﻧﻔﺠﺎر ﰲ املﺼﻨﻊ اﻟﺼﻐري أﺳﻔ َﺮ ﻋﻦ
ﻣﻘﺘﻞ ﺧﻤﺴﺔ أﺷﺨﺎص ،ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ إﻳﻤﻴﻞ ﻧﻮﺑﻞ ،أﺧﻮ أﻟﻔﺮﻳﺪ اﻷﺻﻐﺮ .وﻳﺒﺪو أن ذﻟﻚ
اﻟﺤﺎدث املﺄﺳﻮيﱠ ﻗﺪ أدﱠى إﱃ إﺻﺎﺑﺔ إﻳﻤﺎﻧﻮﻳﻞ ﺑﺼﺪﻣﺔ ﺷﺪﻳﺪة أﺿﻌﻔﺖ ﻣﻦ ﺻﺤﺘﻪ ﰲ
ٍ
ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﺠﻌﻞ اﻷﻋﻮام اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﺔ اﻷﺧرية ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ ،وﻗﺪ أﻋﻄﺖ ً
أﻳﻀﺎ أﻟﻔﺮﻳﺪ داﻓﻌً ﺎ ﻻﻛﺘﺸﺎف
ﻨﺔ ﰲ ﺗﺼﻨﻴﻌﻬﺎ وﻧﻘﻠﻬﺎ واﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ .وأُﻟﻘِ ﻴﺖ ﺣﻴﻨﺌ ٍﺬ ﻣﺴﺌﻮﻟﻴﺔ ﻣﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ ِآﻣ ً
ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ اﻟﺴﻮﻳﺪﻳﺔ ﺑﺄن َ ﻣﺼﻨﻊ اﻷﴎة ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻋﲆ ﻛﺎﻫﻞ أﻟﻔﺮﻳﺪ .وأﻗﻨﻊ
ﻣﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ أﻓﻀﻞ ﺑﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﺒﺎرود ﰲ ﺗﻔﺠري أﻧﻔﺎق ﻋﱪ اﻟﺠﺒﺎل ﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ﻧﻈﺎم
اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ.
ﺑﺴﺒﺐ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﺬي ﺣﺪث ﰲ املﺼﻨﻊ واﻟﺬي أدﱠى إﱃ ﻣﻮت أﺧﻴﻪ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺣ ٌﺪ
ﻳﺮﻏﺐ ﰲ وﺟﻮد ﻣﺼﻨﻊ ﻹﻧﺘﺎج ﻣﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻨﻪ .وﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ
ﺳﺘﻮﻛﻬﻮﻟﻢ ﻟﺘﺴﻤﺢ ﺑﻮﺟﻮد ﻣﺼﻨﻊ ﻛﻬﺬا داﺧﻞ ﺣﺪودﻫﺎ .ودون أن ﻳﺜﺒﻂ ﻫﺬا ﻣﻦ ﻋﺰﻳﻤﺘﻪ
ﺷﻴﺌًﺎ ،ﻧﻘﻞ ﻣﺼﻨﻌﻪ إﱃ ﺻﻨﺪل ﺗﻢ إرﺳﺎؤه ﰲ اﻟﺒﺤرية املﺠﺎورة ﻟﻠﻤﺪﻳﻨﺔ ،وﺑﻌﺪ ﻓﱰة ﻗﺼرية،
وﺑﺪﻋ ٍﻢ ﻣﻦ ﺗﺎﺟﺮ ﻏﻨﻲ ﻣﻦ ﺳﺘﻮﻛﻬﻮﻟﻢ ﻳُﺪﻋَ ﻰ ﺟﻴﻪ ﰲ ﺳﻤﻴﺖُ ،ﺷﻴﱢﺪ ﻣﺼﻨﻊ ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﻨﻌﺰﻟﺔ
ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺳﺘﻮﻛﻬﻮﻟﻢ ،واﺳﺘﻤﺮ إﻧﺘﺎج ﻣﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ ﻫﻨﺎك ملﺪ ٍة ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ﺧﻤﺴني
ﻋﺎﻣً ﺎ .ﻛﻤﺎ ُﺷﻴﱢﺪ ﻣﺼﻨﻊ َ
آﺧﺮ ﰲ ﻛﺮوﻣﻴﻞ ،ﺑﺄملﺎﻧﻴﺎ ﻗﺮب ﻫﺎﻣﺒﻮرج.
ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬه ﻫﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺘﻮﺳﻊ اﻟﻜﺒري ﰲ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ ،ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ
أﻳﻀﺎ ﰲ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ .ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،اﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖ ﺗﻠﻚ املﺎدة ﰲ اﻟﺴﻮﻳﺪ ،وإﻧﻤﺎ ً
املﻄ ﱠﻠﺔ ﻋﲆ املﺤﻴﻂ اﻟﻬﺎدئ ﻋﱪ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﰲ ﺑﻨﺎء ﺧﻂ اﻟﺴﻜﻚ اﻟﺤﺪﻳﺪﻳﺔ ﻟﻠﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻮﺳﻄﻰ ِ
117
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺟﺒﺎل ﺳﻴريا ﻧﻴﻔﺎدا ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ وﻗﻮع ﺣﻮادث ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن،
ﻓﻘﺪ أدﱠى اﻟﺘﻮﻓري اﻟﻬﺎﺋﻞ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ واملﺎل ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻌﺪﻳﻦ وﺣﻔﺮ اﻷﻧﻔﺎق إﱃ ﻗﺒﻮل ﺗﻠﻚ
املﺎدة املﺘﻔﺠﱢ ﺮة اﻟﺴﺎﺋﻠﺔ اﻟﺸﺪﻳﺪة اﻟﺘﺄﺛري ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ.
ﻃﻮﻳﻼ؛ ﻓﻘﺪ ﺑﺪأت ﺗﺼﻞ ﺗﻘﺎرﻳﺮ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء ً ﻟﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﱰة ﻣﻦ اﻟﻨﺠﺎح ﻟﻢ ﺗَ ُﺪ ْم
اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺤﺪوث اﻧﻔﺠﺎرات ﻫﺎﺋﻠﺔ ﺟﺮاء اﺳﺘﺨﺪام ﺗﻠﻚ املﺎدة ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺮﺟﻊ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ إﱃ
ﻋﺪم املﻌﺮﻓﺔ اﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ﺑﺎملﺎدة وﺗﺠﺎﻫﻞ اﻟﺘﻌﻠﻴﻤﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ،ﻟﻜﻨﻪ ﰲ اﻷﻏﻠﺐ ً
أﻳﻀﺎ
ﻛﺎن ﺑﺴﺒﺐ ﻋﺪم اﺳﺘﻘﺮار ﻣﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ .وﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺤﺴﺎﺳﻴﺔ املﺎدة ﻟﻼﻧﻔﺠﺎر،
ﻓﺈﻧﻪ وﺻﻒ ﺗﻠﻚ املﺎدة ﺑﺄﻧﻬﺎ »ﻣﺘﻘ ﱢﻠﺒﺔ« ،ﻓﻔﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﺗﻨﻔﺠﺮ ﻋﻨﺪ ملﺴﻬﺎ ﺑﺮﻳﺸﺔ ،وﰲ
أﺣﻴﺎن أﺧﺮى ﻳﻤﻜﻦ إﺳﺎءة اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ أو اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﺑﻄﺮق ﻏري ﻣﻼﺋﻤﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ دون أﻳﺔ ٍ
ُ
ﺻﻌﻮﺑﺔ .ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﺛﻤﺔ ﺗﻘﺎرﻳﺮ ﺑﺄﻧﻬﺎ اﺳﺘﺨﺪِﻣﺖ ﰲ ﺗﺸﺤﻴﻢ وﺗﻠﻤﻴﻊ اﻷﺣﺬﻳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ
اﻟﺮﻗﺒﺔ املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﺪ ،وﺗﺸﺤﻴﻢ ﻣﺤﺎور ﻋﺠﻼت اﻟﻌﺮﺑﺎت.
اﻧﻔﺠﺎر وﻗﻊ ﰲ ﻋﺎم ،١٨٦٦ٍ ﺛﻢ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﴬﺑﺔ اﻟﻘﺎﺿﻴﺔ ﺑﺘﺪﻣري ﻣﺼﻨﻊ ﻛﺮوﻣﻴﻞ ﺟﺮاء
ﻣﻤﺎ ﺣﺪَا ﺑﺄﻟﻔﺮﻳﺪ ﻧﻮﺑﻞ إﱃ أن ﻳﺤﺎول ﺑﻬﻤﺔ أﻛﱪ إﻳﺠﺎد ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﺠﻌﻞ ﻣﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ
اﻟﺘﻮﺻﻞ إﱃ اﻟﺤﻞ اﻟﻨﺎﺟﺢ ﻟﺘﻠﻚ ﱡ أﻛﺜﺮ اﺳﺘﻘﺮا ًرا .ﻟﻜﻨﻨﺎ أﻣﺎم رواﻳﺘني ﻣﺨﺘﻠﻔﺘني ﻟﻜﻴﻔﻴﺔ
املﺸﻜﻠﺔ اﻟﺬي أدﱠى إﱃ اﺧﱰاع ﻣﺎدة اﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺖ.
ﻃﺮﻗﺎ ﻋﺪة ملﺤﺎوﻟﺔ ﺗﻄﻮﻳﻊ ﻣﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ؛ ﻓﻘﺪ ً ﻻ ﺧﻼف ﰲ أن ﻧﻮﺑﻞ ﺟ ﱠﺮب
اﺑﺘﻜﺮ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻳﻀﺎف ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻜﺤﻮل املﻴﺜﻴﲇ إﱃ ﻣﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ ،اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ إزاﻟﺘﻪ ﻋﻦ
ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻐﺴﻞ ﺑﺎملﺎء ﻋﻨﺪ اﺳﺘﺨﺪام املﺎدة املﺘﻔﺠﱢ ﺮة ،وﻟﻜﻦ ﺛﺒ ََﺖ أن ﻫﺬا ﺣ ﱞﻞ ﻏري ﻋﻤﲇ .ﺟ ﱠﺮبَ
ﻧﻮﺑﻞ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺎدة ﺻﻠﺒﺔ ﻟﻴﻔﻴﺔ أو ﻋﲆ ﺷﻜﻞ ﻣﺴﺤﻮق ،ﻣﺜﻞ ﻧﺸﺎرة اﻟﺨﺸﺐ
ُﺮﺿﻴﺔ .ﻓﻘﺪ ﺗﻌﻂ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻣ ِ واﻟﻔﺤﻢ اﻟﻨﺒﺎﺗﻲ واﻟﻮرق وﺣﺘﻰ اﻟﻐﺒﺎر اﻷﺣﻤﺮ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ِ
ﻛﺎﻧﺖ املﻮاد اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻼﺷﺘﻌﺎل ﺗﺸﺘﻌﻞ ﻋﲆ اﻷرﺟﺢ ﺑﺈﺿﺎﻓﺘﻬﺎ إﱃ ﻣﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ،
وﻗ ﱠﻠﻠﺖ املﻮاد اﻟﺨﺎﻣﻠﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻐﺒﺎر اﻷﺣﻤﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﻮة اﻟﺘﻔﺠريﻳﺔ ﻟﻠﻤﺎدة.
ﺗﴪب ﰲ إﺣﺪى اﻟﺤﺎوﻳﺎت املﻌﺪﻧﻴﺔ ملﺎدة ﺗﺒني وﺟﻮد ﱡ ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﺮواﻳﺔ اﻷوﱃ ﻟﻼﺧﱰاع ،ﱠ ً
ﻣﺘﺨﻠﻼ اﻟﻐﻼف ﺑني اﻟﺼﻔﺎﺋﺢ املﻌﺪﻧﻴﺔ .ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎدة ً ﺗﴪبَ اﻟﺴﺎﺋﻞ
اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ ،وﻗﺪ ﱠ
اﻟﺘﻐﻠﻴﻒ ﻫﺬه ﻫﻲ اﻟﱰاب اﻟﺪﻳﺎﺗﻮﻣﻲ ،وﻫﻲ ﻣﺎدة ﻣﻌﺪﻧﻴﺔ رﺧﻴﺼﺔ وﺧﻔﻴﻔﺔ وﻣﺴﺎﻣﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ
اﻟﺘﴪب ﻣﻦ ﱡ ً
ﻣﺼﺎدﻓﺔ اﻟﺨﻠﻴﻂ اﻟ ﱠﻠ ِﺰج اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻋﻦ ﻆ ﻧﻮﺑﻞ ﻣﻨﺘﴩة ﰲ ﺷﻤﺎل أملﺎﻧﻴﺎ .ﻻﺣَ َ
اﻟﺤﺎوﻳﺔ ا ُملﺪَﻣﺮة .وﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ،ﺧﻄﺮ ﻟﻪ أن ﻳﺨﺘﱪ ﺗﻠﻚ املﺎدة ووﺟﺪ أﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ
ﰲ ﻣﺎدة ﺻﻠﺒﺔ ﻣﻀﻐﻮﻃﺔ ﻟﻬﺎ ﻧﻔﺲ اﻟﻘﻮة اﻟﺘﻔﺠريﻳﺔ ﻟﻠﻤﺎدة اﻟﺴﺎﺋﻠﺔ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻜﻮن ِآﻣﻨﺔ
118
ﻧﻮﺑﻞ :اﻹﻧﺴﺎن واﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت واﻟﺠﻮاﺋﺰ
ً
ﺻﺤﻴﺤﺔ، وﻣﺴﺘﻘﺮة ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﺗﻔﺠريﻫﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻛﺒﺴﻮﻟﺔ ﺗﻔﺠري .وإذا ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺮواﻳﺔ
ﺣﻼ ً
ﻣﺼﺎدﻓﺔ ٍّ ﻣﺜﺎﻻ ﻛﻼﺳﻴﻜﻴٍّﺎ ﻋﲆ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﻮﻫﻤﻴﺔ؛ ﻓﻘﺪ اﻛﺘﺸﻒ ﻧﻮﺑﻞ ﻓﻴﻤﻜﻦ أن ﺗُﻌَ ﱠﺪ ً
ﻛﺎن ﻳﺴﻌﻰ ﺳﻌﻴًﺎ ﺣﺜﻴﺜًﺎ ﺧﻠﻔﻪ.
دﻟﻴﻼ ﻣﻘﻨﻌً ﺎ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﻫﺬه اﻟﺮواﻳﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻛﺘﺸﺎف اﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺖ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ؛ ﻟﻜﻦ ﺛﻤﺔ ً ﱠ
ﺗﻮﺻ َﻞ إﱃ أن ﻣﺎدة اﻟﱰاب اﻟﺪﻳﺎﺗﻮﻣﻲ ﻫﻲ املﺎدة ﱠ ﻓﻨﻮﺑﻞ ﻧﻔﺴﻪ أﻧﻜﺮﻫﺎ ﺑﺸﺪة وذﻛﺮ أﻧﻪ
املﺎﺻﺔ املﻨﺎﺳﺒﺔ ﺑﻌﺪ ﺗﺠﺎرب ﻋﻠﻤﻴﺔ دﻗﻴﻘﺔ .وﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺳﺒﺐ ﻟﻌﺪم ﺗﺼﺪﻳﻖ ﻧﻮﺑﻞ ﰲ إﻧﻜﺎره
ﻟﻠﺮواﻳﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ؛ ﻓﻨﻮﺑﻞ ﻛﺎن ﺑﻜﻞ املﻘﺎﻳﻴﺲ ﺻﺎدِ ًﻗﺎ ﺟﺪٍّا ،ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻧﻪ ﻛﺎن
ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺪﺧﻮل ﰲ ﴏاﻋﺎت ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻊ ﺧﺼﻮم ﺟَ ِﺸﻌني وﻋﺪﻳﻤﻲ اﻟﻀﻤري ﰲ ﻣﺠﺎل ﻋﻤﻠﻪ.
آﺧﺮ ﺑﻌﺪ ﻋﺪة أﻋﻮام ﻣﻦ اﺧﱰاع اﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺖ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻮﺻﻞ إﱃ اﻛﺘﺸﺎف َ ﱠ ﻟﻜﻦ ﻧﻮﺑﻞ
آن واﺣﺪ .ووﺻﻒ ﻧﻮﺑﻞ اﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ وﻗﻌﺖ اﻛﺘﺸﻒ اﻟﺠﻠﺠﻨﻴﺖ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ وﺑﺎﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﰲ ٍ
ﰲ ﻋﺎم ١٨٧٥وأدت إﱃ اﻛﺘﺸﺎف ﺗﻠﻚ املﺎدة؛ ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﰲ املﻌﻤﻞ ﰲ أﺣﺪ اﻷﻳﺎم،
ﺣﺪث ﻗﻄ ٌﻊ ﰲ أﺣﺪ أﺻﺎﺑﻊ ﻳﺪﻳﻪ ﺑﺴﺒﺐ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﺟﺎج ،وﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﺷﺎﺋﻌً ﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ،
وﺿﻊ اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن ﻋﲆ اﻹﺻﺒﻊ املﺼﺎب .واﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن ﻣﺤﻠﻮ ٌل َﻟ ِﺰج ﻣﻦ ﻧﱰات اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز ﰲ
ﱠ
ﺗﺘﺒﺨﺮ املﺬﻳﺒﺎت. ﻣﺆﻗﺘﺔ ﻋﲆ اﻟﺠﺮوح ﻋﻨﺪﻣﺎإﺛري أو ﻛﺤﻮل ،ﻛﺎن ﻳُﺴﺘﺨﺪَم ﰲ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻃﺒﻘﺔ ﱠ
ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻼﺷﺘﻌﺎل ﺑﺸﺪة؛ إذ ﻛﺎن اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز املﻌﺎ َﻟﺞ ﺑﺤﻤﺾ اﻟﻨﻴﱰﻳﻚ ً وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺒﻘﺎت
ﻣﺎد ًة ﻣﺘﻔﺠﱢ ﺮة ﻗﻮﻳﺔ ،وﻛﺎن ﻳُﻄ َﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﺳﻢ ﻗﻄﻦ اﻟﺒﺎرود.
ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﻧﻮﺑﻞ اﻟﻨﻮم ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺷﺪة اﻷﻟﻢ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ ﰲ إﺻﺒﻌﻪ،
ُﺮض ،وﻫﻮ وﻗﺖ ﺳﺎﺑﻖ دون أن ﻳﺼﻞ إﱃ ﺣ ﱟﻞ ﻣ ٍ ﻓﺒﺪأ ﰲ اﻟﺘﻔﻜري ﰲ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻛﺎن ﻳﻔ ﱢﻜﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﰲ ٍ
ﻛﻴﻔﻴﺔ اﻟﺠﻤﻊ ﺑني ﻣﺎدﺗَ ْﻲ ﻧﱰات اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز واﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ ﻹﻧﺘﺎج ﻣﺎدة ﻣﺘﻔﺠﱢ ﺮة أﻗﻮى
ﻣﻤﺎ ﻟﻮ اﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖ أيﱞ ﻣﻦ املﺎدﺗني املﺘﻔﺠﱢ ﺮﺗني ﻣﻨﻔﺮد ًة ،وﻟﻜﻦ ﺗﻜﻮن ِآﻣﻨﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺖ.
وﻛﺎن ﻗﺪ ﺟ ﱠﺮبَ ﻗﻄﻦ اﻟﺒﺎرود وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ اﻟﺠﻤﻊ ﺑﻴﻨﻬﺎ وﺑني ﻣﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ،
وﻟﻜﻦ ﻣﻊ وﺟﻮد اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن ﻋﲆ إﺻﺒﻌﻪ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺆملﻪ ،ﺧﻄ َﺮ ﻟﻪ أﻧﻪ رﺑﻤﺎ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺑﺈﺟﺮاء
ﻣﺴﺘﻮًى أﻗﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﻴﱰة ،ﻛﺎملﻮﺟﻮد ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن ،أن ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺘﻀﻤني ﻗﻄﻦ اﻟﺒﺎرود
ﺧﻠﻴﻂ ﻣﻊ ﻣﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ. ٍ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ أﻓﻀﻞ ﰲ
ُﻫﺮ َع ﻧﻮﺑﻞ إﱃ ﻣﻌﻤﻠﻪ ﰲ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﺻﺒﺎﺣً ﺎ وﺑﺪأ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻧ َِﺴ ٍﺐ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن
ﺗﻮﺻ َﻞ إﱃ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ،ﱠ وﻣﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ وﺻﻞ ﻣﺴﺎﻋﺪه ﰲ اﻟﺼﺒﺎح ﻛﺎن ﻗﺪ
اﻟﺠﲇ ﻣﻦ أﻗﻮى املﻮاد املﺘﻔﺠﱢ ﺮة املﻌﺮوﻓﺔ ﺣﻴﻨﺬاك.ﻓﻌﺮض ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻋﺪه ﻣﺰﻳﺠً ﺎ ﺻﺎﻓﻴًﺎ ﻳﺸﺒﻪ ِ َ
وأﺛﺒﺘﺖ اﻻﺧﺘﺒﺎرات أن املﺰﻳﺞ ﻛﺎن أﻗﻮى ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻘﺪرة اﻟﺘﻔﺠريﻳﺔ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﻮن
119
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻓﻴﻪ ﻋﲆ ﺣﺪة .وﺑﻌﺪ ﻋﺪة ﺗﺠﺎرب ﺗﻢ اﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ﻟﻬﺎ وﺗﻨﻔﻴﺬﻫﺎ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﻟﺘﺤﺪﻳﺪ اﻟﺼﻴﻐﺔ املﺜﲆ
ﻟﻠﻘﻮة اﻟﺘﻔﺠريﻳﺔ واﻷﻣﺎن ،ﺣﺼﻞ ﻧﻮﺑﻞ ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﺧﱰاع ملﺎدة اﻟﺠﻠﺠﻨﻴﺖ — أو اﻟﺠﻴﻼﺗني
املﺘﻔﺠﱢ ﺮ — ﰲ ﻋﺎم ١٨٧٥ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ،وﰲ ﻋﺎم ١٨٧٦ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة.
اﻟﻘﻄﻊ اﻟﻌَ َﺮﴈ ﱠت ﺑﻨﻮﺑﻞ إﱃ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺠﻠﺠﻨﻴﺖ ﻫﻲ َ ﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ ﰲ اﻟﻔﻜﺮة اﻟﺘﻲ أد ْ
وﻗﺖ ﻛﺎن ﻋﻘﻠﻪ ٍ اﻟﺬي ﺣﺪث ﺑﺈﺻﺒﻌﻪ ،واﻟﺬي ﺟﻠﺐ اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن إﱃ داﺋﺮة اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﰲ
ﻣﺴﺘﻌﺪٍّا ﻟﺮؤﻳﺔ ارﺗﺒﺎط ﺑني اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن واملﺸﻜﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺤﺎول اﻟﻮﺻﻮل إﱃ ﺣ ﱟﻞ ﻟﻬﺎ.
اﻵﺧﺮ ﻟﻠﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ِ
املﺘﻀﺢ ﻫﻨﺎ ،ﻓﻬﻮ إدراك اﻷﻫﻤﻴﺔ املﻤﻜﻨﺔ ﻟﻠﻔﻜﺮة واﻟﺘﺤ ﱡﺮك أﻣﺎ ﻋﻦ اﻟﺠﺎﻧﺐ َ
اﻟﻔﻮري ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﻧﻮﺑﻞ ﻻﺧﺘﺒﺎرﻫﺎ.
ﺑﻌﺪ ﺗﻄﻮﻳﺮ أﺷﻜﺎل ِآﻣﻨﺔ ﻣﻦ ﻣﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ ﺗﻤﺜﱠﻠﺖ ﰲ اﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺖ واﻟﺠﻠﺠﻨﻴﺖ
َ
ازدﻫ َﺮ وإدﺧﺎل اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺪﻳﻼت اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻞ ﻧﻮﺑﻞ ﻋﲆ ﺑﺮاءات اﺧﱰاع ﻟﻬﺎ،
ﻋﻤﻞ ﻧﻮﺑﻞ ﰲ ﻣﺠﺎل املﺘﻔﺠﺮات ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻛﺒري ،وذﻟﻚ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺎﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ
وﻏري اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ .ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن إﻧﺸﺎء اﻷﻧﻔﺎق اﻟﻜﺒرية ﻋﱪ ﺳﻼﺳﻞ ﺟﺒﺎل اﻷﻟﺐ
وأرﻟﱪك — دون اﻟﻘﻮة اﻟﺘﻔﺠريﻳﺔ املﺬﻫﻠﺔ ِ اﻟﺴﻮﻳﴪﻳﺔ — ﺳﺎﻧﺖ ﺟﻮﺗﻬﺎرد وﺳﻴﻤﺒﻠﻮن
ﻟﻠﻤﻮاد املﺘﻔﺠﱢ ﺮة اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ اﺧﱰﻋﻬﺎ ﻧﻮﺑﻞ.
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ً
ﻓﺎﺣﺸﺎ ،ﻓﺈﻧﻪ ﺑﻘﻲ وﺣﻴﺪًا وﻣﺘﺸﺎﺋﻤً ﺎ .واﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة ﻣﻊ أن ﻧﻮﺑﻞ ﻗﺪ أﺻﺒﺢ ﺛﺮﻳٍّﺎ ﺛﺮاءً
اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻨﺎس ﻋﻨﻪ ﻫﻲ أﻧﻪ ﺗﺮك ﺛﺮوة ﻫﺎﺋﻠﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﺼﺪ َر اﻟﺠﻮاﺋﺰ اﻟﺘﻲ
ﺗُﻤﻨَﺢ ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ ﻛﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﻜﺮﻳﻢ ﻟﻸﻧﺸﻄﺔ اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻢ ﰲ ﺷﺘﻰ املﺠﺎﻻت .ورﺑﻤﺎ
ﻳﺘﺴﺎءل املﺮء ﻋﻦ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺜﺮوة ﰲ ﻫﺬا اﻻﺗﺠﺎه ً
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﺗﻨﺘﻘﻞ إﱃ َو َرﺛﺘﻪ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺻﺤﺔ ﻧﻮﺑﻞ ﺿﻌﻴﻔﺔ ﻃﻮال ﻋﻤﺮه؛ ﻛﻤﺎ أن اﻻﻛﺘﺌﺎب ﻛﺎن ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻣﺘﻜﺮرة ،إن
ﻂ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ واﻓﺘﻪ املﻨﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم ،١٨٩٦ﻟﻢ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ داﺋﻤﺔ ،ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻨﻬﺎ .ﻟﻢ ﻳﺘﺰوﱠج ﻧﻮﺑﻞ ﻗ ﱡ
ﻳﻜﻦ ﻳُﻌ َﺮف اﻟﻜﺜريُ ﻋﻦ ﻋﻼﻗﺘﻪ ﺑﺄي اﻣﺮأة ﻏري أﻣﻪ؛ ﻣﻤﺎ أدﱠى إﱃ ﻇﻬﻮر ﺷﺎﺋﻌﺎت ﺑﺄﻧﻪ ﺷﺎذ
ﺟﻨﺴﻴٍّﺎ .وﺟﺎء اﻟﺪﻟﻴﻞ املﻨﺎﻗِ ﺾ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺸﺎﺋﻌﺎت ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻛﺘُ ِﺸﻒ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺨﻤﺴني ﻋﺎﻣً ﺎ أن
ً
ﺧﺎﺻﺔ ﻛﻦ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ .وﻗﺪ ﻇﻠﺖ ﻫﺬه املﻌﻠﻮﻣﺎت ﰲ ﻃﻲ اﻟﻜﺘﻤﺎن،ﺛﻤﺔ ﺛﻼث ﺳﻴﺪات أﺧﺮﻳﺎت ﱠ
ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺈﺣﺪاﻫﻦ ،ﰲ املﻠﻔﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﺆﺳﺴﺔ ﻧﻮﺑﻞ ﺣﺘﻰ ﻋﺎم ١٩٥٠؛ وذﻟﻚ اﺣﱰاﻣً ﺎ
ﻷﺷﺨﺎص ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺪ ﻣﺎﺗﻮا ﺑﺤﻠﻮل ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ.
120
ﻧﻮﺑﻞ :اﻹﻧﺴﺎن واﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت واﻟﺠﻮاﺋﺰ
ﻳﺒﺪو أن أول اﻣﺮأة ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺘﺎة ﻗﺎﺑَ َﻠﻬﺎ ﻧﻮﺑﻞ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﰲ اﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋﴩة ﻣﻦ
ﻋﻤﺮه؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﰲ ﻣﻘﺘﺒﻞ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻳﻜﺘﺐ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﺷﻌﺮﻳﺔ ،وإﺣﺪاﻫﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻦ ﻓﺘﺎة
»ﻃﻴﺒﺔ وﺟﻤﻴﻠﺔ« ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺒﺎدِ ﻟﻪ اﻟﺤﺐ وﻣﻨﺤﺘﻪ — ﺣني ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻣﺜﻞ »ﺻﺤﺮاء ﻣﻘﻔﺮة«
ﻟﻜﻦ ﻣﻮﺗﻬﺎ املﻔﺎﺟﺊ رﺑﻤﺎ أﺻﺎﺑَﻪ ﻟﻶﺧﺮ« .ﱠﺟﻨﺔ َ— ﺳﻌﺎد ًة ﻏﺎﻣﺮة ﺣﺘﻰ أﺻﺒﺢ »ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ً
ﺑﺄول ﺧﻴﺒﺔ أﻣﻞ ﻣﺮﻳﺮة ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ .وﻳﺒﺪو أن ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺤﺐ املﺄﺳﺎوﻳﺔ املﺒﻜﺮة ﻫﺬه ﻟﻠﺸﺎب
اﻟﺤﺴﺎس ﻧﻮﺑﻞ ﻗﺪ ﺷ ﱠﻜﻠﺖ ﺣﻴﺎﺗﻪ.ﱠ
أﻳﻀﺎ ،ﻛﺎن ﺑﺤﺎﺟﺔ إﱃ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻧﻮﺑﻞ ﰲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻷرﺑﻌني ﻣﻦ ﻋﻤﺮه وﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ً
ﱠت ﻋﲆ إﻋﻼﻧﻪ اﻟﻜﻮﻧﺘﻴﺴﺔ ﺑريﺗﺎ ﻛﻴﻨﺴﻜﺎي ،وﻫﻲ اﻣﺮأة ﺷﺎﺑﺔ ﺳﻜﺮﺗرية وﻣﺪﻳﺮة ﻣﻨﺰل .رد ْ
راﺋﻌﺔ اﻟﺠﻤﺎل وﺣﺼﻴﻔﺔ ﺗﻨﺤﺪر ﻣﻦ أﴎة ﻧﻤﺴﺎوﻳﺔ ﻧﺒﻴﻠﺔ ﻟﻜﻨﻬﺎ اﻓﺘﻘﺮت .وﻗﺪ أﺗﺖ إﱃ
رﺟﻼ ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺔ أ َ ِر ْﺳﺘُﻘﺮاﻃﻴﺔ ﰲ ﻓﻴﻴﻨﺎ ﻳُﺪﻋَ ﻰ
ً ﺑﺎرﻳﺲ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻋﻨﺪ ﻧﻮﺑﻞ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺐ
آرﺛﺮ ﻓﻮن ﺳﻮﺗﻨﺮ ،وﻟﻜﻦ أﴎﺗﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺎرض ﺑﺸﺪة ﻫﺬا اﻟﺰواج .ﺑريﺗﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺟﻤﻴﻠﺔ وذﻛﻴﺔ
ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺘﻠﻚ ﻛ ﱠﻞ اﻟﺼﻔﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ ٍ وﻣﺎﻫﺮة ﰲ املﻮﺳﻴﻘﻰ واﻟﻠﻐﺎت؛
أﻟﻔﺮﻳﺪ ﻧﻮﺑﻞ اﻟﺨﺠﻮل اﻟﻘﻠﻴﻞ اﻟﻜﻼم .وﻣﻊ أﻧﻪ ﻣﻦ املﺆ ﱠﻛﺪ أن ﻧﻮﺑﻞ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻪ ﺗﻄ ﱡﻠﻌﺎت
روﻣﺎﻧﺴﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﻌﻴﻴﻨﻪ ﻟﺴﻜﺮﺗرية ،ﻓﻘﺪ وﻗﻊ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر ﰲ ﺣﺒﻬﺎ ،وذﻛﺮ أﻧﻪ ﺳﺄﻟﻬﺎ »إن ﻛﺎن
ﻗﻠﺒﻬﺎ ﺧﺎﻟﻴًﺎ« ،ﻓﺄﺧﱪﺗﻪ ﺑﺄن ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻟﻴﺲ ﺧﺎﻟﻴًﺎ ،وﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ أ ُ ِﺻﻴﺐ ﻧﻮﺑﻞ ﺑﺨﻴﺒﺔ أﻣﻞ ﺛﺎﻧﻴﺔ.
ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﻠﻘﺎء اﻟﻘﺼري أدﱠى إﱃ ﺻﺪاﻗﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ.
َ
ﺑﻌﺪ ﻓﱰة ﻗﺼرية ﺟﺪٍّا ،رﺟﻌﺖ ﺑريﺗﺎ إﱃ اﻟﻨﻤﺴﺎ وﺗﺰوﱠﺟﺖ آرﺛﺮ ،ﺑﻌﺪ أن واﻓﻘ ْﺖ أﴎﺗﻪ
ً
داﻋﻴﺔ ﻗﻮﻳﺔ ﻟﻠﺴﻼم زوﺟﺔ ﻻﺑﻨﻬﻢ .أﺻﺒﺤﺖ ﺑريﺗﺎ ﻓﻮن ﺳﻮﺗﻨﺮ ً أﺧريًا ﻋﲆ اﻟﺰواج وﻗﺒﻠﺘﻬﺎ
اﻟﻌﺎملﻲ ،وﻗﺪ ﺷﺎرﻛﻬﺎ ﻧﻮﺑﻞ ﻧﻔﺲ اﻻﻫﺘﻤﺎم ،ﻣﻊ أﻧﻪ اﺧﺘﻠﻒ ﻣﻌﻬﺎ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺬا
اﻟﻬﺪف .ﻛﺎن ﻧﻮﺑﻞ وﺑريﺗﺎ ﻳﺘﺒﺎدَﻻن اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎم ،وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﺑﻼ ﺷﻚ ﺗﺄﺛري ﻛﺒري
ﻋﻠﻴﻪ ،اﻧﻌﻜﺲ ﰲ اﻟﺘﻮﺻﻴﺔ ﺑﺈﻃﻼق ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﻟﻠﺴﻼم .وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺮﻳﺘﺎ ﻓﻮن ﺳﻮﺗﻨﺮ
ﺧﺎﻣﺲ اﻟﺤﺎﺻﻠني ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺎﺋﺰة ﰲ ﻋﺎم .١٩٠٥ َ
ﺑﻌﺪ ﻓﱰة ﻗﺼرية ﻣﻦ ﺗﺮك ﺑريﺗﺎ ﻟﺒﺎرﻳﺲ ،دﺧﻠﺖ املﺮأة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺣﻴﺎة ﻧﻮﺑﻞ؛ اﻟﺘﻲ رﺑﻤﺎ
ﺗﻤﺜﱢﻞ ﺣﺒﻪ اﻷﻛﱪ وﺧﻴﺒﺔ أﻣﻠﻪ اﻷﻋﻈﻢ .ﻓﻔﻲ ﺧﺮﻳﻒ ﻋﺎ ١٨٧٦ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻧﻮﺑﻞ ﰲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ
واﻷرﺑﻌني ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،ذﻫﺐ إﱃ ﻣﺤﻞ زﻫﻮر ﰲ ﻣﻨﺘﺠﻊ ﺻﺤﻲ ﰲ اﻟﻨﻤﺴﺎ ﻟﴩاء ﻃﺎﻗﺔ زﻫﻮر
ﻟﺰوﺟﺔ أﺣﺪ ﻣﻌﺎرﻓﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺘﻲ ﺳﺘﻜﻮن ﻣﻀﻴﻔﺘﻪ ،ﻓﺎﻟﺘﻘﻰ ﻫﻨﺎك ﺻﻮﰲ ﻫﻴﺲ ،وﻫﻲ
ﻓﺘﺎة ﺟﻤﻴﻠﺔ ورﺷﻴﻘﺔ ﰲ اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﺎ وﻣﻦ أﴎة ﻳﻬﻮدﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﰲ
ﻜﺸﻒ إﻻ ﰲ ﻋﺎم ﻓﻴﻴﻨﺎ .ﺗﻜﺸﻒ املﺮاﺳﻼت اﻟﻌﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ واﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗُ َ
121
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
١٩٥٠؛ ﻋﻦ ﻗﺼﺔ ﺣﺐ ﻏري ﻋﺎدﻳﺔ ﺑني رﺟﻞ ﻏﻨﻲ وذﻛﻲ وﻣﺜﻘﻒ وﻣﻨﻀﺒﻂ ﻳﺴﻌﻰ إﱃ
اﻟﺼﺤْ ﺒَﺔ واﻟﺮاﺣﺔ ﰲ ﺑﻴﺖ ﻣﺮﻳﺢ ،وﻓﺘﺎة ﺻﻐرية وﺟﻤﻴﻠﺔ ﻏري ﻣﺘﻌ ﱢﻠﻤﺔ وﻏري ﻣﻨﻀﺒﻄﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﱡ
ﺗﺮﻳﺪ ﻓﻘﻂ أن ﺗﺴﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎة ﻷﻗﴡ ﺣﺪ.
وﻻﺣﻘﺎ ﰲ ﻓﻴﻼ ﰲ إﺷﻴﻞ ﻗﺮب ﻓﻴﻴﻨﺎ، ً ﺷﻘﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ﺑﻬﺎ ﺧﺪم، ً أﺳﻜﻨﻬﺎ ﻧﻮﺑﻞ
ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻳﱰﻛﻬﺎ ﺑﻤﻔﺮدﻫﺎ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺬﻫﺐ ﻫﻮ ﰲ رﺣﻼت ﻋﻤﻞ ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ.
وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻴُﻜﺘَﺐ اﻟﻨﺠﺎح ﻟﻬﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ ،اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻤﺮت ١٨ﻋﺎﻣً ﺎ ﺗﺨﻠﻠﺘﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﻟﺤﻈﺎت
املﺘﻮﻗﻊ ﻟﻬﺎ .ﻓﻘﺪ أﻗﺎﻣﺖ اﻟﺴﻴﺪة ﺻﻮﰲ ﻧﻮﺑﻞ — ﻛﻤﺎ ﱠ اﻟﺴﻌﺎدة ﻗﺒﻞ أن ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻋﲆ اﻟﻨﺤﻮ
ﻛﺎن ﻳﻨﺎدﻳﻬﺎ ﻧﻮﺑﻞ ﰲ ﻣﺌﺎت اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ )ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻋﺪم ﻋﻘﺪ زواج رﺳﻤﻲ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ( —
ﻋﻼﻗﺎت ﻣﻊ ﺷﺒﺎب ﰲ املﻨﺘﺠﻌﺎت اﻟﺸﻬرية ﺣﻮل أوروﺑﺎ .ﺣﺎول ﻧﻮﺑﻞ أن ﻳﺨﻠﻖ ﺷﺎﺑﺔ ذﻛﻴﺔ
وﻣﺜﻘﻔﺔ ﻣﻦ ﻓﺘﺎة ﻟﻌﻮب ﻣﺪ ﱠﻟﻠﺔ ﺗﺴﻌﻰ وراء ﻣﻠﺬاﺗﻬﺎ ،ﻟﻜﻦ دون ﺟﺪوى.
ﺗﺨﲆﻃﻔﻼ ﻣﻦ ﺿﺎﺑﻂ ﻣﺠﺮي ﺷﺎب ،ﺣﻴﻨﻬﺎ ﱠ ً ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،أﺧﱪﺗﻪ ﺻﻮﰲ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﻨﺘﻈﺮ
ً
ﻧﻮﺑﻞ ﻋﻦ ﻣﺤﺎوﻻﺗﻪ ﺗﻐﻴري ﺻﻮﰲ وﻗ ﱠﺮ َر ﱠأﻻ ﻳﺮاﻫﺎ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻳﻌﻄﻴﻬﺎ ﻣﺒﻠﻐﺎ ﻛﺒريًا
ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ .ﺗﺰوﱠﺟﺖ ﺻﻮﰲ ﻣﻦ اﻟﻀﺎﺑﻂ املﺠﺮي وﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻢ ﺗَﻌِ ْﺶ ﻣﻌﻪ ،وﻛﻼﻫﻤﺎ ﺣﺎ َو َل أن ﻳﺒﺘ ﱠﺰ
ﺗﻜﺘﻒ ﺑﺬﻟﻚ؛ ﻓﻬﺪﱠدت ﺑﺒﻴﻊ ِ أﻣﻮاﻻ ﻣﻦ ﻧﻮﺑﻞ ﺣﺘﻰ وﻓﺎﺗﻪ ﰲ ﻋﺎم .١٨٩٦وﺣﺘﻰ ﺣﻴﻨﻬﺎ ،ﻟﻢ ً
ﻂ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ املﺎل املﻨﺼﻮص ﺣﻘﻮق ﻧﴩ رﺳﺎﺋﻞ ﻧﻮﺑﻞ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺒﺎﻟﻎ ﻋﺪدﻫﺎ ،٢١٦إذا ﻟﻢ ﺗُﻌْ َ
اﺗﻔﺎق ﺗﻌﻴﺪ ﺻﻮﰲ ﺑﻤﻘﺘﻀﺎه ٍ ﱡ
اﻟﺘﻮﺻﻞ إﱃ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻬﺎ ﰲ اﻟﻮﺻﻴﺔ .وﺑﻌﺪ ﻣﻔﺎوﺿﺎت ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﺗﻢ
ﻛ ﱠﻞ اﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﺳﺘﻤﺮار ﺣﺼﻮﻟﻬﺎ ﻋﲆ املﺒﻠﻎ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ ﻣﻦ
ﻧﻮﺑﻞ أﺛﻨﺎء ﺣﻴﺎﺗﻪ.
َ
ﻣﺎت أﻟﻔﺮﻳﺪ ﻧﻮﺑﻞ ﰲ ﻓﻴﻠﺘﻪ ﰲ ﺳﺎن رﻳﻤﻮ ﺑﺈﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﻋﺎم ١٨٩٦؛ إذ ﺗﻌ ﱠﺮض ﻟﻨﻮﺑﺎت
ﻓﱰات ﻣﺘﻜﺮرة .وﻗﺒﻞ ٍ ﻗﻠﺐ ﻋﺪﻳﺪة ﰲ أواﺧﺮ أﻳﺎﻣﻪ وﻛﺎن ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ذﺑﺤﺎت ﺻﺪرﻳﺔ ﻋﲆ
ﻣﻮﺗﻪ ﺑﻔﱰة ﻗﺼرية ،ﻛﺘﺐ ﰲ رﺳﺎﻟﺔ ﻳﻘﻮل» :ﻳﺒﺪو أن ﺳﺨﺮﻳﺔ اﻟﻘﺪر ﺗﻔﺮض ﻋﲇ ﱠ أن أﺗﻨﺎول
ﺑﻨﻔﴘ ﻣﺎدة اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ ،اﻟﺘﻲ ﻳﻄﻠﻘﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺳﻢ اﻟﱰﻳﻨﻴﱰﻳﻦ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺨﻴﻔﻮن
ﺗﺤﺴﻨ َ ْﺖ ﺣﺎﻟﺔ اﻻﻛﺘﺌﺎب اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻪ، ﱠ اﻟﺼﻴﺎدﻟﺔ واﻟﻨﺎس ﻣﻨﻬﺎ!« وﰲ ﻋﺎﻣَ ﻴْﻪ اﻷﺧريَﻳْﻦ،
ﻷﺳﺒﺎب ﻋﺪﻳﺪة .واﺳﺘﻄﺎع اﻻﻧﻔﺼﺎل ﻋﻦ ﺻﻮﰲ ﻟﻜﻨﻪ أﻣﱠ َﻦ ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ﻣﺎدﻳٍّﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ٍ رﺑﻤﺎ
ﺧﺎﺻﺎٍّ ﺳﻌﻴﺪًا ﺑﻤﻨﺰﻟﻪ ﰲ ﺳﺎن رﻳﻤﻮ وﺑﴩاﺋﻪ ﴍﻛﺔ ﺑﻮﻓﻮرز ﰲ اﻟﺴﻮﻳﺪ ،ﺣﻴﺚ أﻗﺎم ﻣﻜﺎﻧًﺎ
وﻣﻌﻤﻼ ﻟﺘﺠﺎرﺑﻪ ،ﻛﻤﺎ وﺟﺪ ﻣﺴﺎﻋﺪًا ﺷﺎﺑٍّﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ﻳﻤﻜﻦ اﻻﻋﺘﻤﺎد ً ﻟﻪ ﰲ ﺑﻴﺖ ﺿﻴﻌﺔ ﻣﺠﺎور
ﻋﻠﻴﻪ ،وﻫﻮ راﺟﻨﺮ ﺳﻮملﺎن )اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻘﺎﺋ َﻢ ﻋﲆ ﺗﻨﻔﻴﺬ وﺻﻴﺘﻪ(.
ﰲ ﺧﺮﻳﻒ ﻋﺎم ،١٨٩٥ﻗﴣ ﻧﻮﺑﻞ ﺷﻬﺮﻳﻦ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ﺣﻴﺚ اﻧﺘﻬﻰ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ
اﻷﺳﺎس ملﺆﺳﺴﺔ ﻧﻮﺑﻞ واﻟﺠﻮاﺋﺰ .وﻛﺘﺐ اﻟﻮﺻﻴﺔ ﺑﺨﻂ ﻳﺪه ﺑﺎﻟﺴﻮﻳﺪﻳﺔ َ اﻟﻮﺻﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻜﻮن
122
ﻧﻮﺑﻞ :اﻹﻧﺴﺎن واﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت واﻟﺠﻮاﺋﺰ
ﺻﻮﱢﺑﺖ ﻧﺤﻮﻫﺎ أﺳﻬ ُﻢ اﻟﻨﻘﺪ،ودون ﻣﺴﺎﻋﺪ ٍة ﻣﻦ املﺤﺎﻣني؛ وﺑﺴﺒﺐ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ وﺣﺠﻢ ﺗﺮﻛﺘﻪُ ،
واﺣﺘﺎج اﻷﻣﺮ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﻮن ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن ﺗﻨﻔﻴﺬ وﺻﻴﺘﻪ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣﺎت ﻧﻮﺑﻞ ،ﻟﻢ
اﻟﺘﻮﺻﻞ إﱃ ﺗﺴﻮﻳﺎتﱡ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ زوﺟﺔ أو أوﻻد ،وﻛﺎﻧﺖ أﻣﻪ ﻗﺪ ﻣﺎﺗﺖ وﻛﺬﻟﻚ إﺧﻮﺗﻪ ،ﻓﺘ ﱠﻢ
ﱡ
وﺗﻨﺺ اﻟﻮﺻﻴﺔ ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﲇ: ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ ﻣﻊ أﻗﺎرﺑﻪ وأﴎﻫﻢ.
123
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻣﻦ ﻧﻮﺑﻞ أن ﻳﻨﻀ ﱠﻢ إﻟﻴﻬﺎ ﰲ أﺣﺪ ﻣﺆﺗﻤﺮات اﻟﺴﻼم ﰲ ﺳﻮﻳﴪا ،ﻟﻜﻨﻪ رﻓﺾ وﻗﺎل ﻟﻬﺎ:
»ﻣﺼﺎﻧﻌﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗُ ِﻨﻬﻲ اﻟﺤﺮب أﴎ َع ﻣﻦ ﻣﺆﺗﻤﺮاﺗﻚ .ﻓﻔﻲ اﻟﻴﻮم اﻟﺬي ﺳﻴﻤﻜﻦ ﻓﻴﻪ
اﻵﺧﺮ ﰲ ﺛﺎﻧﻴﺔ واﺣﺪة ،ﺳﺘﻌﺰف ﻛﻞ اﻷﻣﻢ ﻟﺠﻴﺸني ﻣﺘﺤﺎرﺑني أن ﻳﻘﴤ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﲆ َ
وﺗﴪح ﺟﻴﻮﺷﻬﺎ«.
ﱢ املﺘﺤﴬة ﻋﻦ اﻟﺤﺮب ً
ﺧﻮﻓﺎ ﻣﻦ وﻳﻼﺗﻬﺎ، ﱢ
ﻣﻮاز أﺣﺪث ملﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﻧﻮﺑﻞ ،وﻫﻮ ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺬرﻳﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﱠﻧﺖ
ٍ ﺛﻤﺔ ﻧﻤﻮذج
ﺑﻌﺪ ﺻﻨﻊ اﻟﻘﻨﺒﻠﺔ اﻟﺬرﻳﺔ )واﻟﺘﻲ ﻓﺎﻗﺖ ﰲ ﻗﻮﺗﻬﺎ اﻟﺘﻔﺠريﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺖ واﻟﺠﻠﺠﻨﻴﺖ اﻟﻠﺬﻳﻦ
اﺧﱰﻋﻬﻤﺎ ﻧﻮﺑﻞ ،ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻟﻢ ﻳﺘﺨﻴﱠﻠﻪ ﻧﻮﺑﻞ ﻧﻔﺴﻪ( ﻋﲆ ﻳﺪ ﺑﻌﺾ ﻣَ ﻦ اﺷﱰﻛﻮا ﰲ ﺗﺼﻨﻴﻊ
ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻨﺒﻠﺔ ،وﺗﺤ ﱠﻮ َﻟ ْﺖ إﱃ ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﺑﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻷﻣﺮﻳﻜﻴني ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻫﺪﻓﻬﺎ اﻷﺳﺎﳼ
ﻫﻮ ﻣﺮاﻗﺒﺔ اﻷﺳﻠﺤﺔ ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎﻟﻢ.
124
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس ﻋﴩ
) (1اﻟﺴﻴﻠﻮﻟﻮﻳﺪ
ﻛﺎن أول ﻧﻮع ﻧﺎﺟﺢ ﻇﻬﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ﻫﻮ اﻟﺴﻴﻠﻮﻟﻮﻳﺪ ،اﻟﺬي ﺗﻢ ﺗﻄﻮﻳﺮه
ﻛﺒﺪﻳﻞ ﻟﻠﻌﺎج املﺴﺘﺨﺪَم ﰲ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻛﺮات اﻟﺒﻠﻴﺎردو .وﰲ ﻋﺎم ،١٨٦٣ﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﻧﻘﺺ ﰲ
اﻟﻌﺎج — وﻫﻮ املﺎدة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺴﺘﺨﺪَم ﰲ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻛﺮات اﻟﺒﻠﻴﺎردو — ﺑﺴﺒﺐ ﻗﻠﺔ ﻗﻄﻌﺎن
ً
ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻣﻬﻤﺔ اﻟﻴﻮم اﻟﻔﻴﻠﺔ اﻟﱪﻳﺔ ﰲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ) .أﻟﻴﺲ ﻣﻦ املﺪﻫﺶ أن ﻧﻌﺮف أن ﻣﺎ ﻳﻤﺜﱢﻞ
ﻛﺎن ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﺤﻞ اﻫﺘﻤﺎم ﻣﻨﺬ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم؟!( وﻣﻦ ﺛﻢﱠ ،ﻋﺮض أﺣﺪ ﻛﺒﺎر ﻣﺼﻨﱢﻌﻲ ﻛﺮات
ﺑﺪﻳﻼ ﻟﻠﻌﺎج ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﰲ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺮات. اﻟﺒﻠﻴﺎردو ﺟﺎﺋﺰ ًة ملﻦ ﻳﻘﺪﱢم ً
ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻧﻴﻮ ﺟريﳼ ﻳُﺪﻋَ ﻰ ﺟﻮن وﻳﺴﲇ ﻫﺎﻳﺖ وأﺧﻮه آﻳﺰاﻳﺎ ﰲ إﺟﺮاء ٍ ﻋﺎﻣ ُﻞ
ﺑﺪأ ِ
ﺗﺠﺎرب ﻋﲆ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ املﻮاد ﺣﺘﻰ ﻳﺠﺪ املﺎدة اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﰲ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻛﺮات
اﻟﺒﻠﻴﺎردو ،وﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﻮاد ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎرة واﻟﻮرق اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺘﻢ إﻟﺼﺎﻗﻬﻤﺎ ﻣﻌً ﺎ ﺑﺎﻟﻐﺮاء.
وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺪث ﻗﻄﻊ ﰲ إﺻﺒﻊ ﻫﺎﻳﺖ وﻫﻮ ﻣﻨﻬﻤﻚ ﰲ اﻟﻌﻤﻞ ،ﺗﻮﺟﱠ ﻪ إﱃ اﻟﺨﺰاﻧﺔ ﻹﺣﻀﺎر
ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن ﻹﻳﻘﺎف اﻟﻨﺰﻳﻒ) .ﻛﺎن اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن ،اﻟﺬي ﻫﻮ ﺷﻜﻞ ﻣﻦ أﺷﻜﺎل ﻧﱰات
اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز املﺬاب ﰲ إﺛري أو ﻛﺤﻮل ،ﺷﺎﺋ َﻊ اﻻﺳﺘﺨﺪام ﻟﻬﺬا اﻟﻐﺮض ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ .وﺛﻤﺔ
ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻷﻟﻔﺮﻳﺪ ﻧﻮﺑﻞ ،ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻳﺨﱰع ﻣﺎدة اﻟﺠﻠﺠﻨﻴﺖ املﺘﻔﺠﱢ ﺮة ،وﻫﺬه اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ
ً
ﻣﻘﻠﻮﺑﺔ ﺿ ْﺖ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ (.اﻧﺪﻫﺶ ﻫﺎﻳﺖ ﺣني وﺟﺪ زﺟﺎﺟﺔ اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن ﻋُ ِﺮ َ
ﺗﺎرﻛﺔ ﻃﺒﻘﺔ ﺻﻠﺒﺔ ﻣﻦ ﻧﱰات ً ﱠ
وﺗﺒﺨﺮت املﺎدة املﺬﻳﺒﺔ، وﻗﺪ اﻧﺴﻜﺒﺖ ﻛ ﱡﻞ ﻣﺤﺘﻮﻳﺎﺗﻬﺎ
اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز ﻋﲆ اﻟ ﱠﺮف؛ ﻓﺄدرك ﺣﻴﻨﻬﺎ أن ﺗﻠﻚ املﺎدة ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻣﺎدة ﻻﺻﻘﺔ أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﻐﺮاء
اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻪ ملﺰﻳﺠﻪ املﻜﻮﱠن ﻣﻦ اﻟﻨﺸﺎرة واﻟﻮرق.
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺑﻌﺪ ﻋﺪة ﺗﺠﺎرب ،وﺟﺪ ﻫﺎﻳﺖ وأﺧﻮه أن ﻧﱰات اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز واﻟﻜﺎﻓﻮر ﻋﻨﺪ ﻣﺰﺟﻬﻤﺎ
ﺑﺎﻟﻜﺤﻮل وﺗﺴﺨني املﺰﻳﺞ ﺑﺎﻟﻀﻐﻂ ﻧﺘﺠﺖ ﻣﺎدة ﺑﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ ﺑَﺪَا أﻧﻬﺎ ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻛﺮات
اﻟﺒﻠﻴﺎردو .وﻟﻘﺪ ﺻﻨﻊ أﻟﻔﺮﻳﺪ ﻧﻮﺑﻞ ﻣﺎدة اﻟﺠﻠﺠﻨﻴﺖ املﺘﻔﺠﱢ ﺮة ﻣﻦ ﻧﱰات اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز ﺑﻌﺪ
ﻏريت إﱃ ﺣﺪ ﻛﺒري ﻣﻦ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﺰﺟﻬﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ ،ﻓﻼ ﺑﺪ أن ﻣﺎدة اﻟﻜﺎﻓﻮر ﻗﺪ ﱠ
اﻟﺘﻔﺠريﻳﺔ ﻟﻨﱰات اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز ،وذﻟﻚ ﻣﻊ أن ﻛﺮات اﻟﺒﻠﻴﺎردو املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﻠﻮﻟﻮﻳﺪ ﻛﺎﻧﺖ
ﺗﻨﻔﺠﺮ أﺣﻴﺎﻧًﺎ.
ﺷﻜﻞ :1-16إﻋﻼن ﻋﻦ ﻳﺎﻗﺎت ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﻠﻮﻟﻮﻳﺪ ،ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻪ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ إﱃ ﻋﺎم .١٨٧٥
ﻟﻢ ﻳﺮﺑﺢ ﻫﺎﻳﺖ وأﺧﻮه اﻟﺠﺎﺋﺰ َة اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻜﺮات اﻟﺒﻠﻴﺎردو اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ؛ رﺑﻤﺎ ﻷن اﻟﻜﺮات
ﺣﺼ َﻼ ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﺧﱰاع ﻟﻜﺮﺗﻬﻤﺎ املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ
اﻟﺘﻲ ﺻﻨﻌﺎﻫﺎ ﻛﺎن ﺗﻨﻔﺠﺮ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ،ﻟﻜﻨﻬﻤﺎ َ
ﻧﱰات اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز واﻟﻜﺎﻓﻮر ﰲ ﻋﺎم ١٨٧٠ﺗﺤﺖ اﺳﻢ »اﻟﺴﻴﻠﻮﻟﻮﻳﺪ« ،وﻗﺪ ﺷﺎع اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ
ﰲ أﻏﺮاض أﺧﺮى .وﰲ أواﺧﺮ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ،اﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖ ﰲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻴﺎﻗﺎت واﻷﻛﻤﺎم
126
اﻟﺴﻴﻠﻮﻟﻮﻳﺪ واﻟﺮاﻳﻮن :اﻟﻌﺎج اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ واﻟﺤﺮﻳﺮ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ
ﻟﻠﻘﻤﺼﺎن اﻟﺮﺟﺎﱄ ،وﰲ ﺻﻨﺎﻋﺔ أﻃﻘﻢ اﻷﺳﻨﺎن وﻣﻘﺎﺑﺾ اﻟﺴﻜﺎﻛني واﻟﻨﺮد واﻷزرار وأﻗﻼم
اﻟﺤﱪ .وﻗﺪ ﺣ ﱠﻞ ﻣﺤ ﱠﻞ اﻟﺴﻴﻠﻮﻟﻮﻳﺪ ﻋﲆ ﻧﻄﺎق ﻛﺒري أﻧﻮا ُع اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﻟﻜﻨﻲ أذﻛﺮ
أﻧﻨﻲ ﺗﻌ ﱠﺮﻓﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ وأﻧﺎ ﻓﺘًﻰ ﺻﻐري ﻋﲆ أﻧﻬﺎ املﺎدة املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻄﺎﻗﺎت اﻟﺘﻘﻮﻳﻢ
اﻟﺼﻐرية؛ وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل راﺋﺤﺔ اﻟﻜﺎﻓﻮر.
) (2اﻟﺮاﻳﻮن
أﻳﻀﺎ ﻣﺼﺪ َر اﻹﻟﻬﺎم اﻟﺬي أدى إﱃ إﻧﺘﺎج أول إن اﻧﺴﻜﺎب زﺟﺎﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن ﻛﺎن ً
ﺑﺪﻳﻞ ﻧﺎﺟﺢ ﻟﻠﺤﺮﻳﺮ؛ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﺑﺎﺳﺘري ﻳﺤﺎول إﻧﻘﺎذ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺤﺮﻳﺮ ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﺴﺒﺐ
ﺑﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﺷﺎب اﺳﻤﻪ إﻳﻠري دو ﺷﺎردوﻧﻴﻪ، ﱟ ﺣﺪوث وﺑﺎء ﻣﺪﻣﱢ ﺮ ﻟﺪﻳﺪان اﻟﻘﺰ ،اﺳﺘﻌﺎن
وﻧﻈ ًﺮا ﻟﺨﱪﺗﻪ ﺑﻤﺸﻜﻠﺔ دﻳﺪان اﻟﻘﺰ ،اﻗﺘﻨﻊ ﺷﺎردوﻧﻴﻪ ﺑﺄن إﻳﺠﺎد ﺑﺪﻳﻞ ﺻﻨﺎﻋﻲ ﻟﻠﺤﺮﻳﺮ
أﺻﺒﺢ ﴐورة ﻣُﻠﺤﺔ .وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﰲ ﻏﺮﻓﺘﻪ املﻈﻠﻤﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺘﻈﻬري أﻓﻼم اﻟﺼﻮر
ﻣﻊ اﻷﻟﻮاح اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم ،١٨٧٨ﺳﻜﺐ زﺟﺎﺟﺔ ﻛﻮﻟﻮدﻳﻮن .وﻟﻢ ﻳ ُِﺰل ﻋﲆ اﻟﻔﻮر
ﱡ
اﻟﺘﺒﺨﺮ ﺳﺎﺋﻼ َﻟ ِﺰﺟً ﺎ ً
دﺑﻘﺎ ﺗﻜﻮ َﱠن ﺑﻔﻌﻞ ً آﺛﺎ َر اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن املﺴﻜﻮب ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﻌﻞ وﺟَ َﺪ
ﻃﺎ ﻃﻮﻳﻠﺔ ورﻓﻴﻌﺔ ﻣﻦ اﻷﻟﻴﺎف أﺛﻨﺎء إزاﻟﺘﻪ .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺰﺋﻲ ﻟﻠﻤﺎدة املﺬﻳﺒﺔ ،وأﻧﺘﺞ ﺧﻴﻮ ً
اﻷﻟﻴﺎف ﺗﺸﺒﻪ اﻟﺤﺮﻳ َﺮ ﺑﺪرﺟﺔ ﻛﺒرية ﺷﺠﱠ ﻌﺖ ﺷﺎردوﻧﻴﻪ ﻋﲆ إﺟﺮاء ﻣﺰﻳ ٍﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرب ﻋﲆ ُ
اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن.
اﻟﺴ ْﻜﺐ اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ ،ﻛﺎن ﺷﺎردوﻧﻴﻪ ﻗﺪ أﻧﺘﺞ اﻟﺤﺮﻳﺮ ﰲ ﻏﻀﻮن ﺳﺖ ﺳﻨﻮات ﻣﻦ ﺣﺎدﺛﺔ ﱠ
اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ،وﻗﺪ اﺳﺘﺨﻠﺺ اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن ﻣﻦ ﻟﺐ أوراق اﻟﺘﻮت )وﻫﻮ اﻟﻐﺬاء اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻟﺪﻳﺪان
اﻟﻘﺰ!( ﺑﻌﺪ إذاﺑﺘﻪ ﰲ إﺛري أو ﻛﺤﻮل ،واﺳﺘﺨﺮج ﺧﻴﻮط اﻷﻟﻴﺎف وﻋﻘﺪﻫﺎ ﻣﻌً ﺎ ﰲ ﻫﻮاء
اﻟﻘﻤﺎش املﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺮ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻧﺠﺎﺣً ﺎ ﻛﺒريًا ﺣني ﻋُ ِﺮض ُ ﺳﺎﺧﻦَ .
وﻻﻗﻰ
ﰲ ﻣﻌﺮض ﺑﺎرﻳﺲ ﰲ ﻋﺎم ،١٨٩١ﻟﺪرﺟﺔ أن ﺗﻤﻮﻳ َﻞ ﺗﺼﻨﻴﻌﻪ ﻗﺪ ﺗ ﱠﻢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﻋﲆ
اﻟﻔﻮر .وﻗﺪ أُﻃﻠِﻖ ﻋﲆ اﻟﻨﺴﻴﺞ اﻟﺠﺪﻳﺪ اﺳﻢ »اﻟﺤﺮﻳﺮ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ« ﺣﺘﻰ ﻋﺎم ١٩٢٤ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ُﻏ ﱢ َ
ري اﺳﻤﻪ إﱃ »اﻟﺮاﻳﻮن«.
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ً
ﻻﺣﻘﺎ واﺧﱰﻋﺖ
ِ ﻛﺎن ﻧﺴﻴﺞ اﻟﺮاﻳﻮن اﻟﺬي اﺧﱰﻋﻪ ﺷﺎردوﻧﻴﻪ ذا ﻗﺎﺑﻠﻴﺔ ﻛﺒرية ﻟﻼﺷﺘﻌﺎل.
ً
ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻼﺷﺘﻌﺎل .وﻟﻢ ﺗَﻌُ ْﺪ ﻋﻤﻠﻴﺎت أﺧﺮى ﻟﺘﺤﻮﻳﻞ اﻟﻘﻄﻦ إﱃ أﻟﻴﺎف ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺮ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ
127
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻧﱰات اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز ،اﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﺻﻞ اﻟﺮاﻳﻮن ،ﺗُﺴﺘﺨﺪَم ﻛﺄﻟﻴﺎف ﻧﺴﻴﺠﻴﺔ .وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﱰات
أﻳﻀﺎ ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ أﻓﻼم اﻟﺼﻮر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ،ﺳﻮاء اﻟﻔﻴﻠﻢ اﻟﺜﺎﺑﺖ اﻟﻌﺎدي اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز ﺗُﺴﺘﺨﺪَم ً
أو اﻟﻔﻴﻠﻢ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻲ اﻟﺘﺠﺎري ،ﻟﻜﻦ ﻗﺎﺑﻠﻴﺘﻬﺎ ﻟﻼﺷﺘﻌﺎل ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺒﺒًﺎ ﰲ ﺣﺪوث اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ
اﻟﺤﺮاﺋﻖ املﺪﻣﱢ ﺮة ﰲ دُور اﻟﺴﻴﻨﻤﺎ؛ ﻓﺈذا ﺣﺪث ﻋﻄﻞ ﰲ ﺟﻬﺎز اﻟﻌﺮض ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺒﻘﻰ اﻟﻔﻴﻠﻢ
ﻣﺘﻮﻗ ًﻔﺎ ﰲ ﻣﺴﺎر اﻟﻀﻮء املﻜﺜﱠﻒ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺑﻀﻊ دﻗﺎﺋﻖ ،ﻓﺈن اﻟﻨريان ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﴬَ م ﻓﻴﻪ ﱢ
وﻳﺸﺘﻌﻞ .وﻛﺎن »اﻟﻔﻴﻠﻢ ﻏري اﻟﻘﺎﺑﻞ ﻟﻼﺷﺘﻌﺎل« اﻟﺬي ﺣ ﱠﻞ ﻣﺤ ﱠﻞ ﻫﺬا اﻟﻔﻴﻠﻢ ﺑﻌﺪ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات
ﻣﺼﻨﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ أﺳﻴﺘﺎت اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز.
ﻳﻜﻤﻦ اﻻﺧﺘﻼف اﻷﺳﺎﳼ ﰲ ﺷﻜﻞ اﻷﻧﺴﺠﺔ اﻟﻘﻄﻨﻴﺔ واﻟﺤﺮﻳﺮﻳﺔ ﰲ اﻟﺨﻴﻮط املﻨﺴﻮج
ﻣﻨﻬﺎ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ؛ ﻓﺨﻴﻮط اﻟﻘﻄﻦ ﻣﺠﻌﱠ ﺪة ،ﰲ ﺣني أن ﺧﻴﻮط اﻟﺤﺮﻳﺮ ﻧﺎﻋﻤﺔ ،ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻣﺜﻞ ﺗﻠﻚ
اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺠﻬﺎ دﻳﺪان اﻟﻘﺰ ،وﺗﻠﻚ اﻟﺨﻴﻮط اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻄﻲ املﻠﻤﺲ اﻷﻣﻠﺲ ﻟﻠﺤﺮﻳﺮ.
وﻛﺎن ﻧﺴﻴﺞ اﻟﺮاﻳﻮن اﻟﺬي اﺑﺘﻜﺮه ﺷﺎردوﻧﻴﻪ ﻳﺤﺎﻛﻲ اﻟﺤﺮﻳﺮ؛ ﻷﻧﻪ ﺗﻢ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز
)اﻷﻟﻴﺎف اﻟﻘﻄﻨﻴﺔ أو اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ( إﱃ ﺷﻜﻞ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ )ﻧﱰات اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز( ،ﻳﻤﻜﻦ
إذاﺑﺘﻪ ﰲ إﺛري أو ﻛﺤﻮل ،ﺛﻢ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺳﺤﺐ اﻟﺨﻴﻮط اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ وإﺧﺮاﺟﻬﺎ ﻣﻦ املﺤﻠﻮل
اﻟﻠﺰج.
إن أﻛﺜﺮ أﻧﻮاع اﻟﺮاﻳﻮن اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻧﺠﺎﺣً ﺎ ﻫﻤﺎ راﻳﻮن اﻟﺰﻧﺘﺎت وراﻳﻮن اﻷﺳﻴﺘﺎت .وﻳﺮﺟﻊ
اﺳﻢ راﻳﻮن اﻟﺰﻧﺘﺎت إﱃ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز إﱃ ﺷﻜﻞ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ
وﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺬوﺑﺎن )وﻫﻮ زﻧﺘﺎت اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز( ،وﻳﺘﻢ إﺧﺮاج املﺤﻠﻮل اﻟ ﱠﻠ ِﺰج ﻟﺰﻧﺘﺎت اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز
ﻋﱪ ﺛﻘﻮب دﻗﻴﻘﺔ ﻋﲆ ﻫﻴﺌﺔ ﺧﻴﻮط ﻧﺎﻋﻤﺔ ﰲ ﺣﻤﺎم ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﻳﺤﻮﱢل زﻧﺘﺎت اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز ﻣﺮة
ﺛﺎﻧﻴﺔ إﱃ اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز .واﻟﻬﺪف ﻣﻦ ﻫﺬا ﻫﻮ ﺗﻐﻴري ﺷﻜﻞ أﻟﻴﺎف اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز املﺠﻌﱠ ﺪة إﱃ أﻟﻴﺎف
ﻧﺎﻋﻤﺔ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺮ ،وﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺮاﻳﻮن ﻫﻮ ﺷﻜﻞ ﻣﻌﺪﱠل ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز.
اﻟﺮاﻳﻮن اﻷﺻﲇ اﻟﺬي اﺑﺘﻜﺮه ﺷﺎردوﻧﻴﻪ .ﻓﻴﺘﻢ ﺗﺤﻮﻳﻞ َ ﻳﺸﺒﻪ راﻳﻮن اﻷﺳﻴﺘﺎت ﻛﺜريًا
اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز إﱃ إﺳﱰ اﻷﺳﻴﺘﺎت وﻫﻮ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺬوﺑﺎن ﻣﺜﻞ إﺳﱰ اﻟﻨﱰات ،وﻳﻤﻜﻦ ﺗﺤﻮﻳﻠﻪ إﱃ
ﺧﻴﻮط ﻧﺎﻋﻤﺔ ،وﻟﻜﻦ أﺳﻴﺘﺎت اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز ،ﻋﲆ ﻋﻜﺲ ﻧﱰات اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز ،ﻏري ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻼﺷﺘﻌﺎل.
وﺗﺴﺘﺨﺪم ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻨﺴﻴﺞ اﻵن اﻻﺳﻢ اﻟﻌﺎم »اﻷﺳﻴﺘﺎت« ﻟﻺﺷﺎرة إﱃ راﻳﻮن اﻷﺳﻴﺘﺎت ملﻨﻊ
اﻵﺧﺮ وﻫﻮ راﻳﻮن اﻟﺰﻧﺘﺎت ،ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻻﺳﻢ ﺣﺪوث اﻟﺘﺒﺎس ﺑﻴﻨﻪ وﺑني ﻧﻮع اﻟﺮاﻳﻮن اﻟﺮﺋﻴﴘ َ
ﻣﺠﺮد »راﻳﻮن« ﻓﻘﻂ ،ﻓﻘﺪ ﺗﻜﻮن املﺎدة راﻳﻮن اﻟﺰﻧﺘﺎت .ورﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﻦ املﻼﺋﻢ ﻫﻨﺎ أن
أوﺟﻪ ﺗﺤﺬﻳ ًﺮا ﺑﻬﺬا اﻟﺸﺄن إﱃ أي ﺷﺨﺺ ﻳﻌﻤﻞ ﰲ ﻣﻌﻤﻞ ﺗُﺴﺘﺨﺪَم ﻓﻴﻪ ﻣﻮاد ﻣﺬﻳﺒﺔ ﻋﻀﻮﻳﺔ
ﻣﺜﻞ اﻷﺳﻴﺘﻮن ،ﻓﻤﺎدة »اﻷﺳﻴﺘﺎت« ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺬوﺑﺎن إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ املﻮاد املﺬﻳﺒﺔ؛ وﻟﺬﻟﻚ
128
اﻟﺴﻴﻠﻮﻟﻮﻳﺪ واﻟﺮاﻳﻮن :اﻟﻌﺎج اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ واﻟﺤﺮﻳﺮ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ
ﻳﺠﺐ ﻋﺪم ارﺗﺪاء املﻼﺑﺲ املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻨﻪ ﰲ اﻟﺒﻴﺌﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﺪث ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻼﻣﺲ ﻣﻊ
ﺗﻠﻚ املﻮاد .أﻣﺎ »اﻟﺮاﻳﻮن« اﻟﻌﺎدي )راﻳﻮن اﻟﺰﻧﺘﺎت( ،ﻓﻬﻮ ﻣﻄﺎﺑﻖ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ ﻟﻠﻘﻄﻦ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ
ﻏري ﻣُﻨﻔِ ﺬ ﻟﻠﻤﻮاد املﺬﻳﺒﺔ اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ.
ﻃﻮﱢرت اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﻟﻴﺎف اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻪ اﻟﺤﺮﻳﺮ أﻛﺜﺮ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤنيُ ،
أﻳﻀﺎ ،وﻣﻦ ﻫﺬهﻣﻦ اﻟﺮاﻳﻮن ،ﺑﻞ رﺑﻤﺎ ﺗﻜﻮن أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺮ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻮاﻧﺐ ً
اﻷﻟﻴﺎف اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن اﻟﺬي اﺑﺘﻜﺮه واﻻس ﻛﺮوﺛﺮز وﻣﺠﻤﻮﻋﺘﻪ ﰲ ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ ﰲ ﺛﻼﺛﻴﻨﻴﺎت
ﻃﻮﱢرت أﺟﻴﺎل ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن واﻷﻟﻴﺎف اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻷﺧﺮى ﻣﺜﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،وﻗﺪ ُ
أﻧﻮاع اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ اﻟﺘﻲ ﺣﻠﺖ ﻣﺤﻞ اﻟﺮاﻳﻮن ﰲ ﻛﺜري ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت املﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺼﻨﺎﻋﺔ
اﻟﻨﺴﻴﺞ) .ﻳﻌﺮض اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﻌﴩون ﻗﺼﺔ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن ،وﻳﺬﻛﺮ ً
أﻳﻀﺎ ﻧﻮﻋَ ﻲ
اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ املﺘﻤﺜﻠني ﰲ اﻟﱰﻳﻠني واﻟﺪاﻛﺮون (.أﻣﺎ اﻟﺤﺮﻳﺮ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﺬي اﺧﱰﻋﻪ ﺷﺎردوﻧﻴﻪ،
ٍ
ﻣﺤﺎوﻻت ملﻀﺎﻫﺎة اﻟﻨﺴﻴﺞ املﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺮ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ أو ﺗﺤﺴﻴﻨﻪ. ﻓﺪﺧ َﻞ ﰲ
129
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﴩ
ُﺳﻤﱢ ﻲ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻓﺮﻳﺪل-ﻛﺮاﻓﺘﺲ ﻋﲆ اﺳﻢ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴ ْﱠني ﺷﺎرل ﻓﺮﻳﺪل وﺟﻴﻤﺲ إم ﻛﺮاﻓﺘﺲ،
ﻣﺘﻮﻗﻌﺔ ﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﰲ ﻣﻌﻤﻞ ﻓﺮﻳﺪل ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ﰲ ﻋﺎم .١٨٧٧ ﱠ ً
ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻏري اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻻﺣَ َ
ﻈﺎ
وﺣﺼ َﻼ ﻋﲆ ﺑﺮاءات
َ َ
اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ املﺤﺘﻤَ ﻠﺔ ﻻﻛﺘﺸﺎﻓﻬﻤﺎ اﻟﻌَ َﺮﴈ، أدرك ﻓﺮﻳﺪل وﻛﺮاﻓﺘﺲ
اﺧﱰاع ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ وإﻧﺠﻠﱰا ﻟﻠﻄﺮق اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺘﺤﻀري اﻟﻬﻴﺪروﻛﺮﺑﻮﻧﺎت واﻟﻜﻴﺘﻮﻧﺎت .ﻛﺎن
آﺧﺮ ﻟﻪ أﻫﻤﻴﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﺗﻔﺎﻋﻠﻬﻤﺎ.دﻗﻴﻘﺎ ،ورﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺛﻤﺔ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻋﻀﻮي َ ً ﺗﻘﺪﻳﺮﻫﻤﺎ
وﺗُﻌَ ﱡﺪ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻹﻧﺘﺎج اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ اﻟﻌﺎﱄ اﻷوﻛﺘني واملﻄﺎط اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ واﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ
ﻈﻔﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﺗﻄﺒﻴﻘﺎت ملﺎ ﻳُﻄ َﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ »ﻛﻴﻤﻴﺎء ﻓﺮﻳﺪل-ﻛﺮاﻓﺘﺲ«. واملﻨ ﱢ
ُو ِﻟﺪ ﺟﻴﻤﺲ ﻣﺎﺳﻦ ﻛﺮاﻓﺘﺲ ﰲ ﻋﺎم ١٨٣٩ﰲ ﺑﻮﺳﻄﻦ ،وﺑﻌﺪ ﺗﺨ ﱡﺮﺟﻪ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ
ﻫﺎرﻓﺮد وﻫﻮ ﰲ اﻟﺘﺎﺳﻌﺔ ﻋﴩة ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ،ﻗﴣ ﻛﺮاﻓﺘﺲ ﻋﺎﻣً ﺎ ﰲ دراﺳﺔ ﻫﻨﺪﺳﺔ اﻟﺘﻌﺪﻳﻦ،
ً
ﻣﻬﻮوﺳﺎ ﺑﺎﻟﻜﻴﻤﻴﺎء؛ ﻓﻌﻤﻞ ﰲ وأﺛﻨﺎء دراﺳﺘﻪ ﻟﻌﻠﻢ املﻌﺎدن ﰲ ﻓﺮﻳﺒﻮرج ﺑﺄملﺎﻧﻴﺎ أﺻﺒﺢ
ﻫﺎﻳﺪﻟﱪج وﺷﺎرل أدوﻟﻒ ﻓﻮرﺗﺰ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ .وﰲ ﻣﻌﻤﻞ ِ ﻣﻌﺎﻣﻞ روﺑﺮت ﻓﻴﻠﻬﻠﻢ ﺑُﻨﺴﻦ ﰲ
ﻓﻮرﺗﺰ ،ﻗﺎﺑَ َﻞ ﺷﺎرل ﻓﺮﻳﺪل وﺑﺪأ اﻻﺛﻨﺎن اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻌً ﺎ ﰲ ﻋﺎم .١٨٦١
ﰲ ﻋﺎم ،١٨٦٥ﻋﺎد ﻛﺮاﻓﺘﺲ إﱃ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،وﺑﻌﺪ اﻟﻌﻤﻞ ﻟﻔﱰة ﻗﺼرية ﻛﻤﻔﺘﺶ
ﺗﻌﺪﻳﻦ ﰲ املﻜﺴﻴﻚ وﻛﺎﻟﻴﻔﻮرﻧﻴﺎ ،أﺻﺒﺢ أﺳﺘﺎذًا ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﻮرﻧﻴﻞ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ﻗﺪ اﻓﺘُﺘِﺤﺖ ﻟﺘﻮﱢﻫﺎ .وﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﻋﻮام ،اﻧﺘﻘﻞ إﱃ ﻣﻌﻬﺪ ﻣﺎﺳﺎﺗﺸﻮﺳﺘﺲ ﻟﻠﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺣﻴﺚ
أدﺧﻞ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺴﻴﻨﺎت ﻋﲆ املﻌﺎﻣﻞ وﻃﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﺪرﻳﺲ .وﰲ ﻋﺎم ،١٨٧٤وﻧﻈ ًﺮا
ﻟﺼﺤﺘﻪ اﻟﻬﺰﻳﻠﺔ ،ﻋﺎد إﱃ ﺑﺎرﻳﺲ ﺣﻴﺚ اﺳﺘﺄﻧﻒ ﺗﻌﺎ ُوﻧَﻪ ﻣﻊ ﻓﺮﻳﺪل ﰲ ﻣﻌﻤﻞ ﻓﻮرﺗﺰ.
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺗﻮﻗ َﻊ أن ﻳﻌﻮد ﺑﴪﻋﺔ ،وﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮك ﻛﺮاﻓﺘﺲ ﻣﻌﻬﺪ ﻣﺎﺳﺎﺗﺸﻮﺳﺘﺲ ﻟﻠﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ،ﱠ
ﺗﻮﺻ َﻞ إﻟﻴﻪ ﻣﻊ ﻓﺮﻳﺪل،ﱠ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻠﻤﻨﺎخ املﺨﺘﻠﻒ أو رﺑﻤﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺤﻤﺴﻪ ﻟﻼﻛﺘﺸﺎف اﻟﺬي
ﺗﺤﺴﻨ َ ْﺖ ﺣﺎﻟﺘﻪ اﻟﺼﺤﻴﺔ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري وﺑﻘﻲ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ملﺪة ١٧ﻋﺎﻣً ﺎ .وﺑني ﻋﺎﻣَ ْﻲ ١٨٧٧ ﱠ
و ،١٨٨٨أﻧﺘﺞ ﻫﻮ وﻓﺮﻳﺪل أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٥٠ورﻗﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ وﺑﺮاءة اﺧﱰاع ﻣﺘﻌ ﱢﻠﻘﺔ ﺑﺘﻔﺎﻋﻼت
ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم ﻣﻊ املﺮﻛﺒﺎت اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ.
ً َ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗُﻮﰲ ﻓﻮرﺗﺰ ﰲ ﻋﺎم ،١٨٨٤ﺧ َﻠﻔﻪ ﻓﺮﻳﺪل أﺳﺘﺎذا ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ،وأﺻﺒﺢ
وأﺳﺲ اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء ،وﻇ ﱠﻞ ﻷرﺑﻊ ﻣﺪﻳ ًﺮا ﻟﻠﺒﺤﺚ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺴﻮرﺑﻮن ،ﱠ
ً
رﺋﻴﺴﺎ ﻟﻬﺎ. دورات
ُ
ﰲ ﻋﺎم ،١٨٩١ﻋﺎد ﻛﺮاﻓﺘﺲ إﱃ ﻣﻌﻬﺪ ﻣﺎﺳﺎﺗﺸﻮﺳﺘﺲ ﻟﻠﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺣﻴﺚ أﻋِ ﻴﺪ
رﺋﻴﺴﺎ ﻟﻪ .وﺳﻌﻰ إﱃ أن ﻳﺠﻌﻞ ﻣﻦ املﻌﻬﺪ ﻣﻨﺎﻓِ ًﺴﺎ ً ﺗﻨﺼﻴﺒﻪ أﺳﺘﺎذًا ،وﰲ ﻋﺎم ١٨٩٧اﻧﺘﺨِ ﺐ
ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ اﻷوروﺑﻴﺔ؛ وذﻟﻚ ﺑﺘﻄﻮﻳﺮ ﻃﺮق اﻟﺘﺪرﻳﺲ ووﺿﻊ ﻣﻌﺎﻳري ﻟﻠﺒﺤﺚ.
وﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﻋﻮام ﺗﺮك ﻣﻨﺼﺒﻪ اﻹداري ﻟﻴﺘﻔ ﱠﺮ َغ ﻟﻌﻤﻠﻪ اﻟﺒﺤﺜﻲ اﻟﺬي داوم ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻣﻮﺗﻪ
ﰲ ﻋﺎم ١٩١٧ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﻳﻨﺎﻫﺰ ٧٨ﻋﺎﻣً ﺎ.
دَﻋْ ﻨﺎ ﻧَﻌُ ْﺪ إﱃ اﻟﺤﺪث اﻟﺒﺤﺜﻲ اﻟﻌَ َﺮﴈ اﻟﺬي ﺑﺴﺒﺒﻪ ﺣُ ﻔِ َﺮ اﺳﻤﺎ ﻓﺮﻳﺪل وﻛﺮاﻓﺘﺲ
ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻓﺎق ﻣﺎ ﻛﺎن ﰲ املﻨﺎﺻﺐ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ واﻹدارﻳﺔ
اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺘﻘ ﱠﻠﺪاﻧﻬﺎ .ﻛﺎن ﻓﺮﻳﺪل وﻛﺮاﻓﺘﺲ ﻳﺤﺎوﻻن ﺗﺤﻀري ﻳﻮدﻳﺪ اﻷﻣﻴﻞ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ
ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻷﻣﻴﻞ ﺑﺎﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم واﻟﻨﺸﺎدر؛ ﻓﺄﻧﺘﺞ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻛﻤﻴﺎت ﻛﺒرية ﻣﻦ ﻛﻠﻮرﻳﺪ
ﻣﺘﻮﻗﻊ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟ ﱠﺮﺑﺎ ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم ً
ﺑﺪﻻ ﱠ اﻟﻬﻴﺪروﺟني ،واﻟﻬﻴﺪروﻛﺮﺑﻮﻧﺎت ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻏري
املﺘﻮﻗﻌﺔ .وﻛﺎن ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن ﺳﺎﺑﻘﻮن ﱠ ﻣﻦ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم ،وﺟَ ﺪَا أﻧﻪ ﻳﻌﻄﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻏري
ﻗﺪ أﺷﺎروا إﱃ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﴚء ﻣﻦ ﺗﻔﺎﻋﻼت اﻟﻜﻠﻮرﻳﺪات اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﻣﻊ ﻓﻠﺰات
ﻣﻌﻴﻨﺔ )اﻟﺰﻧﻚ ،ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل( ،ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﴩﺣﻮا ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻔﺎﻋﻼت أو ﻳﺸريوا إﱃ أن
املﺤﻔﺰة أو ا ُملﺘﻔﺎﻋِ ﻠﺔ .وﻛﺎن ﻓﺮﻳﺪل وﻛﺮاﻓﺘﺲ أول ﻣَ ﻦ أﺛﺒَﺘَﺎ أن ﱢ ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﻔﻠﺰ ﻫﻮ املﺎدة
وﺟﻮد ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﻔﻠﺰ ﻛﺎن ﴐورﻳٍّﺎ.
ﻗﺎﻻ» :ﻋﻨﺪ ﻣﺰج اﻟﻜﻠﻮرﻳﺪ ﰲ وﺻﻔﻬﻤﺎ ﻻﻛﺘﺸﺎﻓﻬﻤﺎ ﻟﺪى اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎءَ ،
ﻧﺘﺎج ﺟﻴﺪ ﻣﻦ ﻣﺘﺨﻠﻔﺎت اﻟﻬﻴﺪروﻛﺮﺑﻮن ﻣﻊ واﻟﻬﻴﺪروﻛﺮﺑﻮن ،ﺗﺘﻜﻮﱠن اﻟﻬﻴﺪروﻛﺮﺑﻮﻧﺎت ﰲ ٍ
ﻧﺰع ذرة اﻟﻬﻴﺪروﺟني ،Hوﻣﻦ ﻣﺘﺨﻠﻔﺎت اﻟﻜﻠﻮرﻳﺪ ﻣﻊ ﻧﺰع ذرة اﻟﻜﻠﻮر .Clوﻫﻜﺬا ﺗﻢ
اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ إﺛﻴﻞ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ وأﻣﻴﻞ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ واﻟﺒﻨﺰوﻓﻴﻨﻮن وﻏريﻫﺎ«.
ﺗﺒﴩﺗﻮﺻ َﻼ إﻟﻴﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﱢ ﱠ ﱠ
املﺘﻮﻗﻌﺔ اﻟﺘﻲ وﺟﺪ ﻓﺮﻳﺪل وﻛﺮاﻓﺘﺲ أن اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻏري
ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻬﻴﺪروﻛﺮﺑﻮﻧﺎت واﻟﻜﻴﺘﻮﻧﺎت )اﻟﺒﻨﺰوﻓﻴﻨﻮن ﻣﻦ
132
ﻓﺮﻳﺪل وﻛﺮاﻓﺘﺲ :ﻇﻬﻮر ﻛﻴﻤﻴﺎء ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة
أﻣﺜﻠﺔ اﻟﻜﻴﺘﻮﻧﺎت اﻟﺘﻲ ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﺛﺎﻧﻲ أﻫﻢ ﻓﺌﺔ ﻣﻦ املﺮﻛﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻨﻴﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل
ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻓﺮﻳﺪل وﻛﺮاﻓﺘﺲ اﻟﺠﺪﻳﺪ( ،وأﺛﺒَﺘَﺎ ذﻟﻚ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ .وﰲ اﻷﻋﻮام اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻟﺬﻟﻚ ،ﻓﺘﺤﺖ
اﻷوراق اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ اﻟﻀﺨﻤﺔ اﻟﺘﻲ أﻋﺪﱠﻫﺎ ﻓﺮﻳﺪل وﻛﺮاﻓﺘﺲ وﺑﺮاءات اﻻﺧﱰاع املﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻬﺎ ُ
أﺳﺎﺳﺎ ﻟﺒﻌﺾ أﻫﻢ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت ً ً
ﻣﺠﺎﻻ ﻧﻈﺮﻳٍّﺎ وﻋﻤﻠﻴٍّﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ.
وﻣﻌﻘﺪَة ،وﻟﻜﻨﻬﺎ أﺛﺮت ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﱠ رﺑﻤﺎ ﺗﺒﺪو ﻛﻴﻤﻴﺎء ﻓﺮﻳﺪل-ﻛﺮاﻓﺘﺲ ﻣﺘﺨﺼﺼﺔ
ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻄﺮق املﻬﻤﺔ .ﻗﺎل وﻧﺴﺘﻦ ﺗﴩﺷﻞ ،ﻣﺸريًا إﱃ اﻧﺘﺼﺎر ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﰲ اﻟﺤﺮب
ﺑﻔﻀﻞ ﻃﻴ ِﱠﺎرﻳﻬﺎ املﻘﺎﺗﻠني» :ﻟﻢ ﻳﺤﺪث ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﴫاع اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ أن َ
دان ﻋﺪ ٌد ﻛﺒريٌ ﻣﻦ
ً
اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻜﺜري ﺟﺪٍّا ﻟﻌﺪد ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻨﻬﻢ «.ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ اﻻﻧﺘﺼﺎر ﰲ املﻌﺮﻛﺔ اﻟﺠﻮﻳﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ ملﻬﺎرة
أﻳﻀﺎ ﻟﻠﺠﻮدة اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﺒﻨﺰﻳﻦ املﺴﺘﺨﺪَم اﻟﻄﻴﺎرﻳﻦ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴني وﺷﺠﺎﻋﺘﻬﻢ ﻓﺤﺴﺐ ،وإﻧﻤﺎ ً
ﰲ اﻟﻄﺎﺋﺮات املﻘﺎﺗِﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻧﻬﺎ .وﺻﺤﻴﺢٌ أن اﻟﻄﺎﺋﺮات املﻘﺎﺗِﻠﺔ اﻷملﺎﻧﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ
ﻟﻜﻦ وﻗﻮدَﻫﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﺎﻟﻮﻗﻮد اﻟﺬي أﻛﺜﺮ ﺗﻄﻮ ًرا ﻣﻦ ﻧﻈرياﺗﻬﺎ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ واﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،ﱠ
ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻪ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﻮن واﻷﻣﺮﻳﻜﻴﻮن ﰲ ﻃﺎﺋﺮاﺗﻬﻢ أﻋﻄﺎﻫﻢ ﻣﻴﺰ ًة ﻛﺒرية ﻋﲆ اﻷملﺎن ﻣﻤﺎ
ﻣﺒﺎﴍ ًة ﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﻓﺮﻳﺪل-ﻛﺮاﻓﺘﺲ؛ إذ ﻛﺎن ِ ً
ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺟﻌﻞ أداءَﻫﻢ أﻓﻀﻞ .وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻮﻗﻮد
ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ اﻟﺘﻮﻟﻮﻳﻦ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ﻫﻴﺪروﻛﺮﺑﻮﻧﺎت أروﻣﺎﺗﻴﺔ ﻗﻠﻮﻳﺔ أﺧﺮى.
ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻤﺎﺛﻞ ،ﻛﺎن املﻄﺎط اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﻟﻠﻤﻌﺎرك واﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﱪﻳﺔ ﰲ اﻟﺤﺮب
اﻟﻄﺮﻳﻖ إﱃ ﻣﺼﺎدر املﻄﺎط اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ .وﻛﺎﻧﺖ ُ اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﻌﺪ أن ُﻗ ِﻄﻌﺖ ﻋﲆ اﻟﺤﻠﻔﺎء
اﻹﻃﺎرات ﴐورﻳﺔ ﻟﻠﺴﻴﺎرات واﻟﺸﺎﺣﻨﺎت واﻟﻄﺎﺋﺮات ،وﻧﻈ ًﺮا ﻟﻠﺘﻌﺎون ﺑني املﺴﺌﻮﻟني ُ
اﻟﺤﻜﻮﻣﻴني واﻟﻌﻠﻤﺎء اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴني واﻟﺼﻨﺎﻋﻴني واﻟﻔﻨﻴني ،ﺗﻢ إﻧﺘﺎج املﻄﺎط اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ﺑﴪﻋﺔ
ﻛﺒرية ،وﻗﺪ ﺗﻢ ﺗﺼﻨﻴﻌﻪ ﻣﻦ ﻣﺎدة اﻟﺴﺘريﻳﻦ ،وأُﻃﻠِﻖ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ املﻄﺎط اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ
»ﺟﻲ آر إس« ) GRSاﻟﺬي ﻫﻮ اﺧﺘﺼﺎر ﻟ Government Rubber Styrene؛ أيْ ﻣﻄﺎط
اﻟﺴﺘريﻳﻦ املﻨﺘَﺞ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ( .وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺳﻮى ﺑﻮﻟﻴﻤﺮ ﻣﺸﱰك ﻣﻦ اﻟﺴﺘريﻳﻦ
واﻟﺒﻴﻮﺗﺎداﻳﻦ ،C4 H6واﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ املﺸﱰك ﻫﻮ ﺟﺰيء ﺿﺨﻢ ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻦ ﺑﻠﻤﺮة ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﺛﻨني
ﻣﻦ املﻮﻧﻮﻣﺮات؛ واﻟﺴﺘريﻳﻦ واﻟﺒﻴﻮﺗﺎداﻳﻦ ﻫﻤﺎ املﻮﻧﻮﻣﺮان ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ.
ﺛﻤﺔ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت ﻟﻠﺒﻮﻟﻴﻤﺮ املﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﻛﺮﻳﻠﻮﻧﱰﻳﻞ C3 H3 N
واﻟﺒﻴﻮﺗﺎداﻳﻦ واﻟﺴﺘريﻳﻦ؛ ﻓﻬﻮ ﻳﺘﻤﻴﺰ ﺑﻤﺘﺎﻧﺔ اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ املﺸﱰك املﻜﻮﱠن ﻣﻦ اﻟﺴﺘريﻳﻦ
واﻷﻛﺮﻳﻠﻮﻧﱰﻳﻞ ،وﺑﴚء ﻣﻦ ﻣﺮوﻧﺔ اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ املﺸﱰك املﻜﻮﱠن ﻣﻦ اﻟﺴﺘريﻳﻦ واﻟﺒﻴﻮﺗﺎداﻳﻦ.
وﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ اﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ املﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﻛﺮﻳﻠﻮﻧﱰﻳﻞ واﻟﺒﻴﻮﺗﺎداﻳﻦ واﻟﺴﺘريﻳﻦ:
إﻧﺘﺎجُ اﻷﻣﺘﻌﺔ اﻟﺨﻔﻴﻔﺔ وﻗﻄﻊ ﻏﻴﺎر اﻟﺴﻴﺎرات.
133
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
134
ﻓﺮﻳﺪل وﻛﺮاﻓﺘﺲ :ﻇﻬﻮر ﻛﻴﻤﻴﺎء ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ﻗﻀﻴﺖ اﻟﺼﻴﻒ ُ ﺑﻌﺪ ﺑﻀﻌﺔ أﻋﻮام ﻣﻦ ا ْﻟﺘِﺤﺎﻗﻲ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺗﻜﺴﺎس ﰲ أوﺳﺘﻦ،
ﰲ ﻣﻌﻤﻞ أوك رﻳﺪج اﻟﻘﻮﻣﻲ أﺗﻌ ﱠﻠﻢ ﻛﻴﻔﻴﺔ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻜﺮﺑﻮن املﺸﻊ 14 Cﻛﺄداة ﺑﺤﺜﻴﺔ ﰲ
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ .وﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻜﺮﺑﻮن ﻫﻮ ﻣﻨﺘﺞ ﻓﺮﻋﻲ ﻟﱪﻧﺎﻣﺞ اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﺬرﻳﺔ،
وﻳﻤﻜﻦ إدﺧﺎل ذراﺗﻪ ﰲ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ،وﻳﻤﻜﻦ ﻷدوات ﺧﺎﺻﺔ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ وﺟﻮد
ً
وأﻳﻀﺎ ﻋﻦ ﻣﻮاﻗﻌﻬﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﻧﺸﺎﻃﻬﺎ اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ. ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت
اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﰲ ﺑﺤﺜﻲ.ُ ُ
ﻋﺪت إﱃ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﰲ أوﺳﺘﻦ، ﻋﻨﺪﻣﺎ
وﻛﺎن املﻮﺿﻮع اﻟﺬي اﺧﱰﺗﻪ ﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﻜﺮﺑﻮن املﺸﻊ ﻛﻤﺎدة ﻛﺎﺷﻔﺔ ﻫﻮ أﺣﺪ ﺗﻔﺎﻋﻼت
ﻓﺮﻳﺪل-ﻛﺮاﻓﺘﺲ اﻟﺘﻲ ذﻛﺮﻫﺎ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن اﻷملﺎن ﰲ ﻋﺎم ١٨٩٢؛ ﻓﺒﻨﺎءً ﻋﲆ اﻟﺘﻔﺴريات
َت ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﻢ ﻣﺤﻞ ﻧﻈﺮ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺪﻟﻴﻞ اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻲ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻟﺘﻔﺎﻋﻼت ﻓﺮﻳﺪل-ﻛﺮاﻓﺘﺲ ،ﺑَﺪ ْ
اﻟﺬي ﻗﺪﱠﻣﻮه ﻣُﻘﻨِﻌً ﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻛﺒري .وأﺗﻴﺤﺖ ﱄ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻠﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﲆ ﺻﺤﺔ ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﻢ
اﻟﻄﺮق اﻟﺘﺤﻠﻴ ُﻞ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام
ِ أو دﺣﻀﻬﺎ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻟﻄﺮق اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻴﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،وﻣﻦ ﺗﻠﻚ
ً
ﺷﺎﻓﻴﺔ ً
إﺟﺎﺑﺔ اﻷﺷﻌﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺤﻤﺮاء واﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻜﺮوﻣﺎﺗﺠﺮاﰲ اﻟﻐﺎزي؛ ﻓﻜﻼﻫﻤﺎ ﻛﺎن ﺳﻴﻘﺪﱢم
ﻟﺘﻠﻚ املﺴﺄﻟﺔ ،وﻛﻼﻫﻤﺎ أﺑﺴﻂ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻟﻜﺮﺑﻮن املﺸﻊ.
رتاملﺸ ﱢﻊ اﻟﺠﺪﻳﺪة )ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱄ ﱠ( ،ﻗ ﱠﺮ ُ
ﻟﻜﻦ ،ﻧﻈ ًﺮا ﻹﻋﺠﺎﺑﻲ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺑﺎﻟﻜﺮﺑﻮن ِ
اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻣﺪى ﺻﺤﺔ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻷملﺎن .وواﻓﻖ ﺳﺘﺎﻧﲇ ﺑﺮاﻧﺪﻧﺒريﺟﺮ ،أﺣﺪ
ﻃﻠﺒﺔ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻌﻠﻴﺎ ،ﻋﲆ إﺟﺮاء اﻟﺘﺠﺎرب.
إذا ﻛﻨﱠﺎ ﻗﺪ اﺳﺘﺨﺪﻣﻨﺎ اﻟﻄﺮﻳﻘﺘني اﻷﺧﺮﻳني ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،املﺘﻤﺜﻠﺘني ﰲ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ
ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻷﺷﻌﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺤﻤﺮاء واﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻜﺮوﻣﺎﺗﺠﺮاﰲ اﻟﻐﺎزي ،ﻓﻜﻨﺎ ﺳﻨﺠﺪ أن ﻧﺘﺎﺋﺞ
اﻟﻌﻤﻞ اﻷﺻﲇ ﺻﺤﻴﺤﺔ .ﻟﻜﻦ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻟﻜﺮﺑﻮن املﺸﻊ ،اﻛﺘﺸﻔﻨﺎ إﻋﺎد َة ﺗﻨﻈﻴﻢ
ﺟﺰﻳﺌﻲ ﻏري واﺿﺢ .وﻣﻊ ﻛﻮن ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف ﻣﺜريًا ،ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ أﻫﻤﻴﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ؛ ﻷن ﱟ
اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت املﻮﺳﻮﻣﺔ ﺑﺎﻟﻜﺮﺑﻮن املﺸﻊ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪﻣﻨﺎﻫﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻮﺟﻮدة ﰲ اﻟﻬﻴﺪروﻛﺮﺑﻮﻧﺎت
اﻷروﻣﺎﺗﻴﺔ اﻟﻌﺎدﻳﺔ .وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﺗﻨﺒ ِﱡﻬﻨﺎ إﱃ اﻛﺘﺸﺎﻓﻨﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت املﻮﺳﻮﻣﺔ ﺑﺎﻟﻜﺮﺑﻮن
املﺸﻊ ،ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻋﻦ ﺣﺎﻻت إﻋﺎدة ﺗﻨﻈﻴﻢ ﺟﺰﻳﺌﻲ ﻣﻤﺎﺛِﻠﺔ ﰲ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت اﻟﻬﻴﺪروﻛﺮﺑﻮﻧﻴﺔ
اﻷروﻣﺎﺗﻴﺔ اﻟﻌﺎدﻳﺔ ووﺟﺪﻧﺎﻫﺎ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ﺑﻌﺾ اﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻟﺬﻟﻚ.
135
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
136
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﴩ
ﻗﺎﻟﺖ ﻣﺎري ﻟﻴﻜﻲ — وﻫﻲ ﻋﺎﻟِﻤﺔ آﺛﺎر وزوﺟﺔ ﻋﺎﻟِﻢ آﺛﺎر وأم ﻋﺎﻟِﻢ آﺛﺎر — ذات ﻣﺮة» :إﻧﻚ
ﰲ ﻣﺠﺎل اﻵﺛﺎر ﻻ ﺗﺠﺪ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻣﺎ ﺗﺴﻌﻰ ﰲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻨﻪ «.ﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ،إن اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ
اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷﺛﺮﻳﺔ اﻟﺸﻬرية ﻗﺎم ﺑﻬﺎ أﺷﺨﺎص ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﺪﻳﻬﻢ أﻳﺔ ﻧﻴﺔ ﻻﻛﺘﺸﺎف أﺷﻴﺎء ذات
أﻫﻤﻴﺔ ﺗﺎرﻳﺨﻴﺔ؛ أي اﻛﺘﺸﻔﻮﻫﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﴎﻧﺪﻳﺒﻲ .ﻟﻘﺪ زوﱠدﺗﻨﺎ ﺗﻠﻚ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﺑﻤﻌﻠﻮﻣﺎت
ﻛﺜرية ﻋﻦ اﻟﺤﻀﺎرات اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻣﺜﻞ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ )ﰲ ﻫﺮﻛﻮﻻﻧﻴﻮم وﺑﻮﻣﺒﻲ(،
واﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ اﻷوﱃ )ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺷﻴﺎن ﰲ وﺳﻂ اﻟﺼني( ،وﺛﻘﺎﻓﺎت ﻋﺼﻮر ﻣﺎ
ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ املﺘﻤﺜﻠﺔ ﰲ رﺳﻮﻣﺎت اﻟﻜﻬﻮف ﰲ ﻻﺳﻜﻮ وأورﻳﻨﻴﺎك ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ ،وﺳﻔﻦ اﻟﻌﴫ
اﻟﱪوﻧﺰي اﻟﺘﻲ ﻋُ ﺜِﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻗﺎع اﻟﺒﺤﺮ املﺘﻮﺳﻂ ،واﻹﻧﺴﺎن اﻟﻘﺪﻳﻢ املﻨﺘﻤﻲ إﱃ ﻓﱰات ﻣﺎ
ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﺜﻞ إﻧﺴﺎن ﺗﻮﻟﻮﻧﺪ اﻟﺬي ﻋُ ﺜِﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ اﻟﺪﻧﻤﺎرك ،وإﻧﺴﺎن ﻧﻴﺎﻧﺪرﺗﺎل اﻟﺬي ﻋُ ﺜِﺮ
ﻋﻠﻴﻪ ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ ،واﻟﺘﺎرﻳﺦ واﻟﺘﻮﺛﻴﻖ اﻟﺪﻳﻨﻲ ﻣﺜﻞ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺒﺤﺮ املﻴﺖ.
ﱠ
ﻣﺘﻮﻗﻌﺔ ﺣﻔﺮ ﺗﻘﻮد إﱃ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻏري
ٍ ) (1ﻋﻤﻠﻴﺎت
ﻫﺮﻛﻮﻻﻧﻴﻮم وﺑﻮﻣﺒﻲ :ﰲ ﻋﺎم ٧٩ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ ﺛﺎر ﺑﺮﻛﺎن ﻓﻴﺰوف؛ ﻣﻤﺎ أدﱠى إﱃ دﻓﻦ ﻣﺪﻳﻨﺘَ ْﻲ
ﻫﺮﻛﻮﻻﻧﻴﻮم وﺑﻮﻣﺒﻲ وﻃﻤﺲ ﻣﻌﺎملﻬﻤﺎ .وﻗﺪ ﺳﻘﻄﺖ اﻟﺤﻤﻢ اﻟﱪﻛﺎﻧﻴﺔ واﻟﺮﻣﺎد اﻟﱪﻛﺎﻧﻲ
َ
ﺳﻜﺎن ﻫﺎﺗني املﺪﻳﻨﺘني ﺑﴪﻋﺔ ﻛﺒرية وﺑﻜﻤﻴﺎت ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻬﺎ دﻓﻨﺖ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر
املﺘﺠﺎورﺗني وﻣﺒﺎﻧﻴﻬﻤﺎ.
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﰲ ﻋﺎم ،١٧٠٩أﺛﻨﺎء ﺣﻔﺮ ﺑﱤ ﰲ ﻣﺰرﻋﺔ أُﻗﻴﻤﺖ ﻓﻮق ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻫﺮﻛﻮﻻﻧﻴﻮم ،أﺧﺮج أﺣﺪ
اﻟﻔﻼﺣني أﺟﺰاءً ﻣﻦ اﻟﺮﺧﺎم ﻷﻋﻤﺎل ﻧﺤﺘﻴﺔ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﻠﻢ أﻣري إﻳﻄﺎﱄ ﺑﻬﺬا اﻷﻣﺮ ،اﺷﱰى
اﻷرض وأﺣﴬ ﻋﻤﱠ ًﺎﻻ ﻟﺘﻮﺳﻴﻊ اﻟﺤﻔﺮ اﻟﺮأﳼ ﺛﻢ اﻟﺤﻔﺮ أﻓﻘﻴٍّﺎ .ووﺟﺪ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﺪﻳ َﺪ ﻣﻦ َ
اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻨﺤﺘﻴﺔ اﻟﺴﻠﻴﻤﺔ ﻟﺴﻴﺪات؛ إذ ﻳﺒﺪو أن اﻟﺤﻔﺮ اﻟﺮأﳼ ﻫﻨﺎ ﻗﺪ ﺗﻐﻠﻐﻞ ﰲ ﻣﴪح
ً
ﻣﻬﻨﺪﺳﺎ ﻫﺮﻛﻮﻻﻧﻴﻮم .واﻧﺘﴩت أﺧﺒﺎر املﺪن املﺪﻓﻮﻧﺔ ،واﺳﺘﺄﺟﺮ املﻠﻚ اﻹﻳﻄﺎﱄ ﺗﺸﺎرﻟﺰ اﻟﺜﺎﻟﺚ
إﺳﺒﺎﻧﻴٍّﺎ ﻟﻠﺘﻨﻘﻴﺐ وﻧﻘﻞ ﻛﻞ أﺛﺮ ﻳﻤﻜﻦ ﻧﻘﻠﻪ إﱃ ﻣﺘﺤﻔﻪ اﻟﺨﺎص .وﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮوب اﻟﻨﺎﺑﻠﻴﻮﻧﻴﺔ
ُ
اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﰲ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ اﻟﻌﺸﻮاﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻬﺎ
ُ
اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ﻗﺒﻠﻬﺎ؛ ﻓﻘﺪ ً
ﺳﻴﺌﺔ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﺜﻞ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻬﺎ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ
أُﺧِ ﺬت اﻟﺮﺳﻮﻣﺎت اﻟﺠﺪارﻳﺔ املﺎﺋﻴﺔ اﻟﺠﺼﻴﺔ واﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﻣﻦ املﻌﺎﺑﺪ وﺗُ ِﺮﻛﺖ املﺒﺎﻧﻲ املﻜﺸﻮﻓﺔ
ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺘﻌﺮﻳﺔ.ً
ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻋﺘﲆ املﻠﻚ ﻓﻴﻜﺘﻮر إﻳﻤﺎﻧﻮﻳﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺮش إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﰲ ﻋﺎم ،١٨٦٠ﺗﻤ ﱠﻠﻜﺘﻪ
رﻏﺒﺔ ﻋﺎرﻣﺔ ﰲ اﻟﺘﻌ ﱡﺮف ﻋﲆ ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ اﻟﺮوﻣﺎﻧﻴﺔ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ،ﻓﺸﺠﱠ َﻊ ﻋﲆ اﻟﻘﻴﺎم
ﺗﻨﻘﻴﺐ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻮﻣﺒﻲ ﺗﺤﺖ إﴍاف ﺟﻮزﻳﺒﻲ ﻓﻴﻮرﻳﻠﲇ اﻟﺬي ﻛﺎن أﺳﺘﺎذًا ٍ ﺑﻌﻤﻠﻴﺎت
ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻹﻧﺘﺎج ﻗﻮاﻟﺐ ﺟﺼﻴﺔ ً ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻮﻣﺒﻲ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ .اﺑﺘﻜﺮ ﻓﻴﻮرﻳﻠﲇ َ ﻳﻌﺮف
ﻄ ِﺖ اﻟﺤﻤ ُﻢ اﻟﱪﻛﺎﻧﻴﺔ أﺟﺴﺎﻣَ ﻬﻢ ،واﻟﺬﻳﻦ ﺗﺤﻠﻠﺖ أﺟﺴﺎﻣﻬﻢ ﻋﱪ ﻟﻀﺤﺎﻳﺎ اﻟﺒﴩ اﻟﺬﻳﻦ ﻏ ﱠ
ﺗﺎرﻛﺔ ﺗﺠﺎوﻳﻒ ﻓﺎرﻏﺔ .وﺑﻌﺪ ﻣﻞء اﻟﺘﺠﺎوﻳﻒ ﺑﺎﻟﺠﺺ وﺗﺮﻛﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺼ ﱠﻠﺐ ،ﺑﺪأ ً اﻟﻘﺮون
ﱠ َ
ﻋﻤﱠ ﺎل اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻳ ُِﺰﻳﻠﻮن ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ »ﻗﻮاﻟﺐَ « اﻟﺮﻣﺎد وﺣﺠﺮ اﻟﺨﻔﺎف ،ﺗﺎرﻛني أﺷﻜﺎل اﻟﻀﺤﺎﻳﺎ
ﺑﺎﻟﺤﺠﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﰲ اﻷوﺿﺎع اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﻣﻮﺗﻬﻢ.
ﺗﻢ اﻵن اﺳﺘﺨﺮاج وإﺧﻼء ﺛﻼﺛﺔ أرﺑﺎع ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺑﻮﻣﺒﻲ ،ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻣﴪﺣﺎن وﺳﻮق،
وﻣﺎ زال ﺑﺎﻗﻲ املﺪﻳﻨﺔ ﻣﺪﻓﻮﻧًﺎ ﺗﺤﺖ ﻣﻨﺎزل املﺪﻳﻨﺔ اﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ اﻟﺤﺎﻟﻴﺔ وﺣﺪاﺋﻘﻬﺎ .وﻣﺎ زال
ﻵﺧﺮ؛ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﺖ آﺧِ ﺮ ﺛﻮرة ﻛﺒرية ﻟﻪ ﰲ ﻋﺎم آن َاﻟﱪﻛﺎن اﻟﻘﺮﻳﺐ ﻳﺨﺮج ﻣﻨﻪ دﺧﺎن ﻣﻦ ٍ
.١٩٤٤
ﻣﻘﱪة ﺗﺸني :ﰲ ﻋﺎم ،١٩٧٤اﻛﺘﺸﻒ أﺷﺨﺎص ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﻔﺮون آﺑﺎ ًرا ﰲ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ
اﻟﺼني اﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺣﻀﺎرة ﻗﺪﻳﻤﺔ أﺧﺮى .ﻓﻘﺪ ﻋﺜﺮ اﻟﻔﻼﺣﻮن ﻋﲆ أﺟﺰاءٍ ﻣﻦ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ ﻟﺠﻨﻮد
ﺗرياﻛﻮﺗﺎ ﺑﺎﻟﺤﺠﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻣﻘﱪة ﺗﺸني ﳾ ﻫﻮاﻧﺞ ،اﻟﺬي أﻋﻠﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﰲ ﻋﺎم
٢٢١ﻗﺒﻞ املﻴﻼد أو َل إﻣﱪاﻃﻮر ﻋﲆ اﻟﺼني املﻮﺣﱠ ﺪَة .وﺑﻨﺎءً ﻋﲆ أواﻣﺮه ،ﺗﻢ ﺑﻨﺎء ﺳﻮر
اﻟﺼني اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻟﺤﺪود اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺘﻪ ﻣﻦ ﻫﺠﻤﺎت املﻐﻮل.
138
أﻫﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷَﺛﺮﻳﺔ اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ
ﻛﺸﻒ املﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﰲ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺒﱤ ﻋﻦ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺤﻔﺮ املﻮﺟﻮدة ﺗﺤﺖ
اﻷرض ،واﻟﺘﻲ ﺗُﻌَ ﱡﺪ واﺣﺪة ﻣﻦ أﻋﺠﺐ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷَﺛﺮﻳﺔ .ﺗﻀﻢ اﻟﺤﻔﺮة اﻷوﱃ — وﻫﻲ
ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ أرﺑﻌﺔ أﻓﺪﻧﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ — ﺗﻤﺎﺛﻴ َﻞ ﻟﺴﺘﺔ آﻻف ﺟﻨﺪي ﻣﻦ ﺟﻨﻮد اﻟﺘرياﻛﻮﺗﺎ
ﺻﻔﺎ .وﺑﻌﺪ ﻋﺎﻣني ،اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ ﺑﺎﻟﺤﺠﻢ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،وﺳﺖ ﻋﺮﺑﺎت ﺗﺠ ﱡﺮﻫﺎ أرﺑﻌﺔ ﺧﻴﻮل ﰲ ٍّ ١١
ﺣﻔﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻋﲆ ﻣﺴﺎﺣﺔ ٢٫٥ﻓﺪان ،وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ ١٤٠٠ﺗﻤﺜﺎل ﻟﺨﻴﻮل وأﺷﺨﺎص.
ً
ﺗﻤﺜﺎﻻ وﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ ﺣﻔﺮة ﺛﺎﻟﺜﺔ ﺻﻐﺮى وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ ٧٣
ﻟﻠﺠﻨﻮد اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺮس اﻟﻘﺎدة اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻘﻮدون اﻟﻌﺮﺑﺎت اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ .وﻓﻴﻤﺎ ﻳﺒﺪو ،ﻓﺈن
ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻔﺨﺎرﻳﺔ ﻟﻢ ﺗُﻨﺘَﺞ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺧﻂ ﺗﺠﻤﻴﻊ؛ ﻓﻜ ﱞﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺎن ﻟﻪ وﺟﻪ ﻣﺨﺘﻠﻒ؛
ﻣﻤﺎ ﻳُﻮﺣِ ﻲ ﺑﺄن أﺻﺤﺎﺑﻬﺎ أﺷﺨﺎص ﺣﻘﻴﻘﻴﻮن .ﻛﻤﺎ ﺗﻌﻜﺲ املﻼﻣﺢ اﻟﺠﺴﺪﻳﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ
ﻟﻠﺠﻨﻮد اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻤﺜﱢﻠﻮن اﻟﺠﻨﺴﻴﺎت املﺨﺘﻠﻔﺔ املﻮﺟﻮدة ﰲ ﺷﺘﻰ أرﺟﺎء اﻹﻣﱪاﻃﻮرﻳﺔ؛
ﱠﻣﺖ ﻣﻼﺑﺲ اﻟﺠﻨﻮد ﻋﺪد اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻬﺎﺋﻞ اﻟﺬﻳﻦ ﺷ ﱠﻜﻠﻮا ﺟﻴﺶ اﻹﻣﱪاﻃﻮر اﻷول .ﻛﻤﺎ ﻗﺪ ْ
وأﺳﻠﺤﺘﻬﻢ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت أﻛﺜﺮ ﻋﻦ اﻟﺤﺮب ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺼﻮر.
ﻄﻰ ﻓﻮق اﻟﺤﻔﺮة اﻟﻜﱪى ،ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻴﻪ اﻟﺰاﺋﺮون ﻋﱪ اﻟﺤﻮاﺟﺰ إﱃ ُﺷﻴﱢﺪ ﻣﺘﺤﻒ ﻣﻐ ً
ﻣﺼﻄﻔﻮن ﰲ ﻋﺮض ﻋﺴﻜﺮي ﱡ اﻟﺠﻨﻮد اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻬﻢ إﱃ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ٢٢٠٠ﻋﺎم وﻫﻢ
ض اﻟﻌﺪﻳﺪ ﰲ أرﺿﻴﺔ اﻟﺤﻔﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺟﺪ ﺗﺤﺖ ﺳﻄﺢ اﻷرض ﺑﻤﻘﺪار ٢٠ﻗﺪﻣً ﺎ .وﻗﺪ ﺗﻌ ﱠﺮ َ
وﻗﺖ ﻣﺎ ﻣﻨﺬ أن ﺗﻢ ﻧﴩ ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮد واﻟﺨﻴﻮل ﻟﻠﺘﺪﻣري ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻂ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺴﻘﻒ ﰲ ٍ
اﻟﺠﻨﻮد واﻟﺨﻴﻮل ﻷول ﻣﺮة ،ﻟﻜﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻹﺻﻼح واﻟﱰﻣﻴﻢ ﻣﺴﺘﻤﺮة ﺣﺘﻰ اﻟﻴﻮم.
ﻳﻨﻘﺒﻮن ﻋﻦ اﻟﺠري ﰲ ﻛﻬﻒ ﻃﻔﻞ ﺗﻮﻧﺞ :ﰲ ﻋﺎم ،١٩٢٤ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻤﺎل ﱢ
ﺗﻮﻧﺞ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺟﻮﻫﺎﻧﺴﱪج ﺑﺠﻨﻮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،رأى أﺣﺪﻫﻢ ﺿﻤﻦ اﻟﺼﺨﻮر اﻟﺠريﻳﺔ
ﺷﻴﺌًﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﻗﺎﻟﺐ ﻣ ﱟُﺦ ﺻﻐري ،ﻓﺄﺧﺬه إﱃ ﻫﻴﺌﺔ اﻟﺘﻌﺪﻳﻦ اﻟﺘﻲ أرﺳﻠﺖ ﺑﺪورﻫﺎ رﺳﺎﻟﺔ إﱃ
اﻟﱪوﻓﺴري راﻳﻤﻮﻧﺪ دارت ،رﺋﻴﺲ ﻗﺴﻢ اﻟﺘﴩﻳﺢ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻓﻴﺘﻔﺎﺗﺮزراﻧﺪ .وﴎﻋﺎن ﻣﺎ أﻋﻠﻦ
دارت ﰲ ﻣﺠﻠﺔ »ﻧﻴﺘﴩ« اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻋﻦ اﻛﺘﺸﺎف أول ﺟﻤﺠﻤﺔ ﺷﺒﻪ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻟﻄﻔﻞ ،ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ
أَﺧﺮﺟَ ﻬﺎ ﻣﻦ املﺼﻔﻮﻓﺔ اﻟﺠريﻳﺔ ﰲ ﻛﻬﻒ ﺗﻮﻧﺞ .وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﻄﻔﻞ ﻳﻤﺜﱢﻞ أﻛﱪ ﺟ ﱟﺪ ﻟﻺﻧﺴﺎن
ﺿ ْﺖ ﺻﻮرة ﻣﻦ ً
ﻣﻌﺮوﻓﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ؛ إذ ﻛﺎن ﻋﻤﺮه أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﻮن ﻋﺎم) .ﻋُ ِﺮ َ ﻛﺎن
اﻟﻬﻮﻟﻮﺟﺮام املﺪﻫِ ﺶ ﻟﺠﻤﺠﻤﺔ ﻃﻔﻞ اﻟﺘﻮﻧﺞ ﰲ ﻏﻼف ﻋﺪد ﻧﻮﻓﻤﱪ ﻟﻌﺎم ١٩٨٥ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺔ
»ﻧﺎﺷﻮﻧﺎل ﺟﻴﻮﺟﺮاﻓﻴﻚ«(.
ﻇﻦ اﻟﺒﻌﺾ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ أن ﻳُﻌﻬَ ﺪ ﺑﻤﻬﻤﺔ اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻋﻦ ﺟﻤﺠﻤﺔ ﻃﻔﻞ رﺑﻤﺎ ﱠ
ﻟﺸﺨﺺ ﻣﺜﻞ دارت؛ ﻓﻌﲆ ﻛﻞ ﺣﺎل ،ﻛﺎن ﻻ ﻳﺰال ﺷﺎﺑٍّﺎ ) ٣١ﻋﺎﻣً ﺎ( وﻗﻠﻴﻞ اﻟﺨﱪة ٍ اﻟﺘﻮﻧﺞ
139
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻗﻠﻴﻼ إﱃ ﺗﺼﺪﻳﻖ اﻟ ِﺒﺪع اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ .ﻟﻜﻦ ﻛﻤﺎ اﺗﻀﺢ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪُ ،ﻛﺎن ﻫﻮ اﻟﺮﺟﻞ املﻨﺎﺳﺐ وﻳﻤﻴﻞ ً
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎ ﻋَ َﺮﺿﻴٍّﺎ إﱃ اﻛﺘﺸﺎف ﻋﻠﻤﻲ ﻛﺒري؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﺪﻳﻪً ﺗﻤﺎﻣً ﺎ اﻟﺬي ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ أن ﻳﺤﻮﱢل
ﻣﻦ اﻟﺬﻛﺎء واﻟﺒﺼرية ﻣﺎ ﻣ ﱠﻜﻨَﻪ ﻣﻦ إدراك أن ﻫﺬا اﻟﻄﻔﻞ اﻟﻘﺪﻳﻢ املﺮاﻫﻖ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﱢ ﻴﻪ
»اﻟﺤﻠﻘﺔ املﻔﻘﻮدة« ﺑني اﻷﺳﻼف اﻟﺒﴩﻳني وﻏري اﻟﺒﴩﻳني .وﻣﻦ ﺧﻼل زاوﻳﺔ ﺣَ ﻤْ ﻞ َ ُ
اﻟﺒﻌﺾ
اﻟﺮأس ،ﻛﻤﺎ اﺳﺘﻨﺘﺞ ﻣﻦ ﺷﻜﻞ اﻟﺠﻤﺠﻤﺔ ﰲ ﻗﺎﻋﺪة اﻟﻘِ ﺤْ ﻒ ،ادﱠﻋَ ﻰ دارت أن ﻃﻔﻞ اﻟﺘﻮﻧﺞ
ﻣﻮﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺪل؛ ﺣﺘﻰ ً ﻣﻨﺘﺼﺐ اﻟﻘﺎﻣﺔ .أﺛﺎرت ﺗﻠﻚ اﻷﻓﻜﺎر وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ أﻓﻜﺎره ِ ﻛﺎن ﻳﻤﴚ
ُﻌﺘﻘﺪﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ املﺘﻌ ﱢﻠﻘﺔ ﺑﺎﻛﺘﺸﺎف ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻔﺮﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﰲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ،واﻟﺘﻲ ﻻ ﻳ َ
ﻟﻜﻦ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﻼﺣﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻬﺎ أﻧﻬﺎ املﻜﺎن اﻟﺬي ﻋﺎش ﻓﻴﻪ أﻗﺪم أﺳﻼف اﻹﻧﺴﺎن .ﱠ
ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺘﻤﻴﺰة ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺛﺎر )آل ﻟﻴﻜﻲ ودوﻧﺎﻟﺪ ﻳﻮﻫﺎﻧﺴﻦ وﻏريﻫﻢ( أ ﱠﻛﺪت ﻣﻌﻈﻢ
ﻣﺰاﻋﻢ دارت.
ﻛﻬﻒٍ إﻧﺴﺎن ﻧﻴﺎﻧﺪرﺗﺎل :ﰲ ﻋﺎم ،١٨٥٧ﻋﺜﺮ ﻋﺎﻣﻞ ﻣَ ﺤْ ﺠَ ﺮ — ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺤﻔﺮ ﰲ
ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻧﻴﺎﻧﺪرﺗﺎل ﺑﺄملﺎﻧﻴﺎ — ﻋﲆ »إﻧﺴﺎن« ﻣﺜري ﻟﻠﺠﺪل .وﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻔﺮﻳﺔ
»إﻧﺴﺎن ﻧﻴﺎﻧﺪرﺗﺎل« ﺗﺘﻜﻮن ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻈﺎم اﻟﺒُﻨﻴﺔ ،ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺟﻤﺠﻤﺔ .وﰲ ﺗﻠﻚ
اﻷﺛﻨﺎء ،ﻧﴩ داروﻳﻦ ﻛﺘﺎﺑﻪ »أﺻﻞ اﻷﻧﻮاع« ) (١٨٥٩وادﱠﻋَ ﻰ ﺗﻮﻣﺎس ﻫﺎﻛﺴﲇ أن اﻟﺘﻄ ﱡﻮ َر
ﻳﻮﻓﺮ إﻃﺎ ًرا ﻧﻈﺮﻳٍّﺎ ﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻘﺪﻳﻢ .رﻓﺾ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء أن ﺑﺎﻻﻧﺘﺨﺎب اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﱢ
ﺧﺼﺎﺋﺺ َ ﺟﻤﺠﻤﺔ ﻗﺮد ،ﻟﻜﻦ أﺷﺎر ﻫﺎﻛﺴﲇ إﱃ ﱠ
أن ﻟﻬﺎ َ ﺗﻜﻮن ﺟﻤﺠﻤﺔ إﻧﺴﺎن ﻧﻴﺎﻧﺪرﺗﺎل
ﺣﻠﻘﺔ اﻟﻮﺻﻞ ﺑني اﻟﺒﴩ واﻟﻘﺮود .وﻗﺪ ﺗﺄ ﱠﻛﺪت وﺟﻬﺔ َ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺠﻤﺠﻤﺔ اﻟﻘﺮود ،وأﻧﻬﺎ ﺗُﻌَ ﱡﺪ
اﻟﻨﻈﺮ اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﺑﺄن ﺟﻤﺠﻤﺔ ﻧﻴﺎﻧﺪرﺗﺎل ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺈﻧﺴﺎن ﺑﺪاﺋﻲ ﻣﻊ اﻛﺘﺸﺎف ﻫﻴﺎﻛﻞ ﻋﻈﻤﻴﺔ
ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﰲ ﻛﻬﻒ ﰲ ﺳﺒﺎي ﺑﺒﻠﺠﻴﻜﺎ ﰲ ﻋﺎم ،١٨٨٦إﱃ ﺟﺎﻧﺐ أﺟﺰاء ﻣﻦ أدوات ﺣَ ﺠﺮﻳﺔ
ﺣﻴﻮاﻧﺎت ﻷﻧﻮاع ﻣﻨﻘﺮﺿﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻴﺶ ﰲ املﻨﻄﻘﺔ املﺠﺎورة ﻟﻠﻘﻄﺐ اﻟﺸﻤﺎﱄ .وﻣﻦ ٍ وﻋﻈﺎم
اﻟﺜﺎﺑﺖ ﻋﻠﻤﻴٍّﺎ اﻵن أن ﻋﻤﺮ إﻧﺴﺎن ﻧﻴﺎﻧﺪرﺗﺎل ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ١٠٠أﻟﻒ ﻋﺎم.
إﻧﺴﺎن ﺗﻮﻟﻮﻧﺪ :ﰲ ﻋﺎم ١٩٥٠ﰲ ﻗﺮﻳﺔ ﺗﻮﻟﻮﻧﺪ اﻟﺪﻧﻤﺎرﻛﻴﺔ ،اﻛﺘﺸﻒ ﺷﺨﺼﺎن ﻛﺎﻧَﺎ
رﺟﻞ ﻋﲆ ﻗﺪر ﻛﺒري ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺎﺳﻚ ،ﻛﺎن ٍ ﻳﺴﺘﺨﺮﺟﺎن اﻟﺨﺚ ﻣﻦ أﺣﺪ املﺴﺘﻨﻘﻌﺎت؛ َ
ﺟﺜﺔ
ﺻﺎف ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ وﺟﻮد ٍ ﻳﺮﺗﺪي ﻓﻘﻂ ﻗﺒﻌﺔ وﺣﺰاﻣً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺠﻠﺪ ،وﺑﺪا ﻋﲆ وﺟﻬﻪ ﺗﻌﺒري
ﺣﺒﻞ ﺟﻠﺪي ﻣﻠﻔﻮف ﺑﺈﺣﻜﺎم ﺣﻮل رﻗﺒﺘﻪ .اﺳﺘﻨﺘﺞ ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺛﺎر أن ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ،اﻟﺬي أُﻃﻠِﻖ
ﻛﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺑﺎن اﻟﺪﻳﻨﻲ .وﺣ ﱠﻠ َﻞ ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺛﺎر
ٍ ﻋﻠﻴﻪ »إﻧﺴﺎن ﺗﻮﻟﻮﻧﺪ« ُﻗﺘِﻞ ،رﺑﻤﺎ ﻟﺘﻘﺪﻳﻤﻪ
واﻟﺘﴩﻳﺢ واﻟﻨﺒﺎت ﻛ ﱠﻞ ﳾء ﻓﻴﻪ ،ﺑﺪءًا ﻣﻦ اﻟﻘﺒﻌﺔ وﺣﺘﻰ آﺧِ ﺮ وﺟﺒ ٍﺔ ﺗﻨﺎ َو َﻟﻬﺎ .وﻇﻠﺖ ﺟﺜﺔ
ﻧﺤﻮ ﺟﻴﺪ ﺟﺪٍّا ،ﻟﺪرﺟﺔ أن ﺷﻌﺮ رأﺳﻪ ﺑﺘﻤﺎﺳﻜﻬﺎ ﰲ اﻟﺨﺚ ﻋﲆ ٍ ُ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺤﺘﻔﻈﺔ
140
أﻫﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷَﺛﺮﻳﺔ اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ
ﻛﺎن ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺟﻴﺪة ،وﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻪ آﺛﺎر ﻟﺤﻴﺔ ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻻ ﻳﺰال ﻣﻦ املﻤﻜﻦ رؤﻳﺘﻬﺎ) .ﺗﺤﺘﻮي
ﻣﺴﺘﻨﻘﻌﺎت اﻟﺨﺚ ﻋﲆ ﺣﻤﺾ اﻟﺘﺎﻧﻴﻚ ،اﻟﺬي ﻳﻌﻤﻞ ﻛﻤﺎدة ﺣﺎﻓﻈﺔ ،وﻳﻐﻄﻲ اﻟﺨﺚ اﻷﺷﻴﺎء
ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻨﻊ وﺻﻮل اﻷﻛﺴﺠني إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﺴﺒﱠﺐ ﰲ ﺗﺤ ﱡﻠﻠﻬﺎ (.وﻛﺎن ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ
ﺣني ُﻗﺘِﻞ ﰲ اﻟﺜﻼﺛني ﻣﻦ ﻋﻤﺮه ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،وذﻟﻚ ﻣﻨﺬ ﺣﻮاﱄ ٢٢٠٠ﻋﺎم.
إﻧﺴﺎن ﻟﻴﻨﺪو :ﰲ أﻏﺴﻄﺲ ،١٩٨٤ﻛﺎن أﺣﺪ ﻗﺎﻃﻌﻲ اﻟﺨﺚ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻘﺮب
ﻣﻦ املﻄﺎر ﰲ ﻣﺎﻧﺸﺴﱰ ﺑﺈﻧﺠﻠﱰا ،ﻋﲆ وﺷﻚ إﻟﻘﺎء ﻛﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﺚ ﰲ آﻟﺔ ﻗﻄﻊ ،ﱠ
ﻟﻜﻦ
ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ اﻷﺷﻨﺎت املﻮﺟﻮدة ﰲ اﻟﻜﻮﻣﺔ وﻗﻊ ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ اﻟﺨﺚ ،وﺑﺮزت ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺪ ٌم ﺑﴩﻳﺔ. ً
واﺳﺘﺨﺮج ﻋﻠﻤﺎءُ اﻵﺛﺎر اﻟﺬﻳﻦ ﺗﻢ اﺳﺘﺪﻋﺎؤﻫﻢ إﱃ املﻮﻗﻊ واﺣﺪًا ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻷﺟﺴﺎم اﻟﺒﴩﻳﺔ
اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻢ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺣﺘﻔﺎ ً
ﻇﺎ ﺑﺤﺎﻟﺘﻬﺎ.
أﻇﻬﺮت اﻟﺪراﺳﺎت أن ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ،اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﻳُﻄ َﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ »إﻧﺴﺎن ﻟﻴﻨﺪو« ،ﻛﺎن ﻣﻦ
اﻟﺴﻠﺘﻴني ،وﻳﻨﺘﻤﻲ إﱃ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﻟﺪروﻳﺪﻳﻦ .وﻳﺒﺪو أن ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ،ﺷﺄﻧﻪ
ﺷﺄن »إﻧﺴﺎن ﺗﻮﻟﻮﻧﺪ« ،ﻗﺪ ﺗﻢ ﺗﻘﺪﻳﻤﻪ ﻛﻘﺮﺑﺎن ﰲ اﺣﺘﻔﺎل دﻳﻨﻲ ،وﻗﺪ اﺧﺘري ﺑﺎﻟﻘﺮﻋﺔ وذﻟﻚ
ﺻﺎف ﻣﻤﺎ ﻳﺪل ﻋﲆ أﻧﻪ ﺳﻴﻖ إﱃ املﻮت ٍ ﻣﻨﺬ ٢٢٠٠ﻋﺎم .وﻛﺎن ﻳﺮﺗﺴﻢ ﻋﲆ وﺟﻬﻪ ﺗﻌﺒري
ﺑﺮﻏﺒﺘﻪ ،وذﻟﻚ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻗﺘﻞ ﺑ َِﺸﻌﺔ ﺗﻢ ﻓﻴﻬﺎ إﻏﺮاﻗﻪ وﻗﻄﻊ ﻋﻨﻘﻪ وﺗﺤﻄﻴﻢ ﻗﺼﺒﺘﻪ اﻟﻬﻮاﺋﻴﺔ
ﺑﺴري ﺟﻠﺪي وﴐب رأﺳﻪ ﺑﻬﺮاوة.
ﻛﺸﻒ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ملﺤﺘﻮﻳﺎت ﻣﻌﺪﺗﻪ وأﻣﻌﺎﺋﻪ ﻋﻦ وﺟﻮد ﻗﻄﻌﺔ ﻛﻌﻚ ﻣﺤﺮوﻗﺔ
ﻣﺘﺨﺼﺼﺔﱢ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ وﻣﻬﻀﻮﻣﺔ ﻫﻀﻤً ﺎ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ .واﺳﺘﻨﺘﺠﺖ اﻟﺪﻛﺘﻮرة آن روس ،وﻫﻲ ﻋﺎﻟِﻤﺔ آﺛﺎر
ِ
اﻟﺨﺎﴎة ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺴﻠﺘﻲ ،أن ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻄﻌﺔ املﺤﺮوﻗﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻌﻚ ﻫﻲ »ورﻗﺔ اﻟﻴﺎﻧﺼﻴﺐ«
ﺳﺎﻗ ْﺖ إﻧﺴﺎن ﻟﻴﻨﺪو إﱃ ﻣﺼريه ﻛﻘﺮﺑﺎن ﻵﻟﻬﺔ اﻟﺪروﻳﺪﻳﻦ .واﻗﱰﺣﺖ روس أن ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ َ
اﻟﻘﻄﻌﺔ ﻫﻲ ﺟﺰءٌ ﻣﻦ ﻛﻌﻜﺔ رﻓﻴﻌﺔ وﻣﺴﺘﻮﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻌري املﻄﺤﻮن ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺴﺘﺨﺪَم ﰲ
اﺣﺘﻔﺎﻻت اﻟﺪروﻳﺪﻳﻦ ،وﻛﺎن ﻳُﱰَك ﺟﺰءٌ ﻣﻨﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﱰق ،ﺛﻢ ﻳﻘﻮم اﻟﻜﻬﻨﺔ ﺑﺘﻘﻄﻴﻊ اﻟﻜﻌﻜﺔ
إﱃ أﺟﺰاء ووﺿﻌﻬﺎ ﰲ ﺣﻘﻴﺒﺔ ﺟﻠﺪﻳﺔ ،وﺗﻤﺮﻳﺮ اﻟﺤﻘﻴﺒﺔ ﻋﲆ اﻟﺤﺸﺪ املﻮﺟﻮد ﻣﻦ اﻟﺒﴩ.
وﻛﺎن ﻋﲆ ﻛﻞ ﺷﺨﺺ أن ﻳﺄﺧﺬ ﻗﻄﻌﺔ ،واﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﺄﺧﺬ اﻟﻘﻄﻌﺔ املﺤﺮوﻗﺔ ﻛﺎن ﻳُﻘﺪﱠم
ﻛﻘﺮﺑﺎن ﻟﻶﻟﻬﺔ.
ﻳﺮى ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺛﺎر أن اﻛﺘﺸﺎف ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻟﺴﻠﺘﻲ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا ﻟﻪ أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒرية ﻓﻴﻤﺎ
ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻷوروﺑﺎ؛ ﻓﻬﻢ ﻳﻌﺘﻘﺪون أن اﻟﺴﻠﺘﻴني رﺑﻤﺎ ﻗﺪ ﺳﻴﻄﺮوا ﻋﲆ ﻣﻨﺎﻃﻖ
ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻦ أوروﺑﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻧﻌﺘﻘﺪ ،وأﻧﻬﻢ — وﻟﻴﺲ اﻷملﺎن — ﻣَ ْﻦ ﺣﻜﻤﻮا إﺳﻜﻨﺪﻧﺎﻓﻴﺎ ﰲ
اﻟﻘﺮﻧني اﻟﺜﺎﻧﻲ واﻟﺜﺎﻟﺚ ﻗﺒﻞ املﻴﻼد.
141
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻟﻘﺮص اﻷزﺗﻴﻜﻲ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﻣﻜﺴﻴﻜﻮ ﺳﻴﺘﻲ :ﰲ ﻋﺎم ،١٩٧٨ﻛﺎن ﻋﻤﱠ ﺎل ﺗﺎﺑﻌﻮن
ﺧﻨﺪﻗﺎ ﻟﱰﻛﻴﺐ ﻛﺒﻞ ﻛﻬﺮﺑﺎءً ﻹﺣﺪى ﴍﻛﺎت املﺮاﻓﻖ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﰲ ﻣﻜﺴﻴﻜﻮ ﺳﻴﺘﻲ ﻳﺤﻔﺮون
ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﻋﲆ ﻗﺮص ﺣﺠﺮي ﻛﺒري .ﺗﻌ ﱠﺮﻓﻮا ﻋﲆ اﻷﺷﻜﺎل املﻨﺤﻮﺗﺔ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺘﻲ ً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺜﺮوا
ً
ﻃﺒﻘﺎ ﻗﺎﻟﻮا إﻧﻬﺎ ﺻﻮر ﻷﺟﺰاءٍ ﻣﺒﺘﻮرة ﻣﻦ ﺟﺴﻢ إﻟﻬﺔ اﻟﻘﻤﺮ ﻋﻨﺪ اﻷزﺗﻴﻚ ،واﻟﺘﻲ —
ﻟﻸﺳﻄﻮرة — ُﻗﺘِﻠﺖ ﻋﲆ ﻳﺪ أﺧﻴﻬﺎ ،إﻟﻪ اﻟﺤﺮب ﻋﻨﺪ اﻷزﺗﻴﻚ .وﻟﻢ ﻳ َ
ُﻠﺘﻔﺖ إﱃ ﻛﺒﻞ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎء
ً
ﻣﺪﻓﻮﻧﺔ ﺗﺤﺖ ﻣﻜﺴﻴﻜﻮ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﻧﺘﻘﻞ ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺛﺎر ﻟﻠﺘﻨﻘﻴﺐ ﰲ املﻜﺎن .وﻇﻠﺖ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻷزﺗﻴﻚ
ﺳﻴﺘﻲ ملﺪة أرﺑﻌﺔ ﻗﺮون ،واﻵن ﺗﻢ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ أﻃﻼل ﻣﻌﺒﺪ وﻳﺘﺴﻴﻠﻮﺑﻮﺗﺸﺘﲇ اﻟﺬي ﻳﺤﺘﻮي
ﻋﲆ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﻨﴫ ﻣﻦ املﻌﺪﱠات واﻷدوات اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﻘﺪﱠم ﻛﻘﺮاﺑني ﻟﻶﻟﻬﺔ ،ﺑﻤﺎ ﰲ
ذﻟﻚ اﻟﺴﻜﺎﻛني واﻟﻬﺪاﻳﺎ املﻘﺪﱠﻣﺔ ﻟﻶﻟﻬﺔ ،وﰲ إﺣﺪى اﻟﺤﻔﺮ املﺒﻄﻨﺔ ﺟﺪراﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺠﺮ ،و ُِﺟﺪت
٣٤ﺟﻤﺠﻤﺔ ﻷﻃﻔﺎل ﻣﻦ ﺳﻦ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻬﺮ ﺣﺘﻰ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﻋﻮامُ ،ﻗﺪﱢﻣﻮا ﻛﻘﺮاﺑني ﻹﻟﻪ املﻄﺮ
ﺗﻼﻟﻮك.
ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺣﻴﻮاﻧﺎت املﺎﻣﻮث ﰲ ﺑﻼك ﻫﻴﻠﺰ :ﰲ ﻋﺎم ،١٩٧٤أﺛﻨﺎء أﻋﻤﺎل اﻟﺤﻔﺮ ﰲ ﻣﴩوع
ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻋﻤﺮاﻧﻲ ﺟﺪﻳﺪ ﻋﲆ أﻃﺮاف ﻫﻮت ﺳﱪﻳﻨﺠﺰ ،وﻫﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺟﺒﺎل
ُﺸﻐﻞ إﺣﺪى اﻟﺠ ﱠﺮاﻓﺎت وﻳُﺪﻋَ ﻰ ﺟﻮرج ﻫﺎﻧﺴﻦ ﺑﻼك ﻫﻴﻠﺰ ﰲ ﺳﺎوث داﻛﻮﺗﺎ؛ اﻛﺘﺸﻒ ﻣ ﱢ
ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻈﺎم ﻣﺪﻓﻮﻧﺔ ﻋﲆ ﺑُﻌﺪ ٢٠ﻗﺪﻣً ﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﺗﺤﺖ ﺳﻄﺢ اﻷرض .وذﻛﺮ اﺑﻦ ً
ﻫﺎﻧﺴﻦ ﻣﺎ اﻛﺘﺸﻔﻪ أﺑﻮه ﻷﺳﺘﺎذه اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻻري أﺟﻴﻨﱪود ،اﻟﺬي ذﻛﺮ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻈﺎم ﺧﺎﺻﺔ
ﺑﺤﻴﻮاﻧﺎت ﻣﺎﻣﻮث ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻴﺔ ،وﻗﺪ أُوﻗِﻊ ﺑﻬﺎ ﰲ ﻣﺠ ًﺮى ﻣﺎﺋﻲ ﻣﻨﺬ ٢٦أﻟﻒ ﻋﺎم .وﻗﺪ أُﻗﻴﻢ
اﻵن ﻣﺒﻨًﻰ ﻓﻮق املﻮﻗﻊ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺰاﺋﺮﻳﻦ رؤﻳﺔ اﻟﻌﻈﺎم املﺘﺤﺠﺮة ﰲ اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﺘﻲ
ﻣﺎﺗﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻀﺨﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻴﺶ ﰲ ﻓﱰات ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ .وﻣﺎ زال
اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻣﺴﺘﻤ ٍّﺮا ﰲ املﻮﻗﻊ ﺑﻤﻌﺪل ﺷﻬﺮ واﺣﺪ ﻛﻞ ﻋﺎم.
املﺎﺳﺘُﻮدُون ﰲ أوﺳﺘﻦ :ﰲ ﻳﻨﺎﻳﺮ ،١٩٨٥ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺘﻢ اﻟﺤﻔﺮ ﻹﻗﺎﻣﺔ ْ ﺣﻴﻮاﻧﺎت
ﻣﺒﻨًﻰ إداري ﻣﻜﻮﱠن ﻣﻦ ٢٢ﻃﺎ ِﺑ ًﻘﺎ ﰲ أوﺳﺘﻦ ﺑﺘﻜﺴﺎس ،ﻋﺜﺮ ﻣ ﱢ
ُﺸﻐﻞ ﺟ ﱠﺮاﻓﺔ ﻋﲆ ﻧﺎب ﻓﻴﻞ
ﻋﺎﺟﻲ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﺘﻤﺎﺳﻜﺔ ﺟﺪٍّا .وﺣ ﱠﺪ َد أﻟﺘﻮن ﺑﺮﻳﺠﺰ ،ﻋﺎﻟِﻢ اﻵﺛﺎر اﻟﺬي ﻋﻴﱠﻨَﻪ املﻘﺎول ﰲ
ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺒﻨﺎء أﺛﻨﺎء ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺤﻔﺮ )وﻫﻮ إﺟﺮاء ﺷﺎﺋﻊ ﻷﻧﻪ ﻛﺜريًا ﻣﺎ ﺗﺤﺪث اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت أَﺛﺮﻳﺔ
املﺎﺳﺘُﻮدُون ،وﻫﻮ ﻧﻮع ﻣﻦ
ْ أﺛﻨﺎء ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺤﻔﺮ( أن ﻫﺬا اﻟﻨﺎب ﺧﺎص ﺑﺄﺣﺪ ﺣﻴﻮاﻧﺎت
اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ ﰲ ﻓﱰات ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻣﺜﻞ املﺎﻣﻮث ،وﻫﻮ ﻣﻦ ﻋﺎﺋﻠﺔ اﻟﻔﻴﻠﺔ.
إن ﺣﻔﺮﻳﺎت ﻫﺬا اﻟﺤﻴﻮان أﻧﺪ ُر ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺤﻴﻮان املﺎﻣﻮث؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻢ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ
ﺑﻀﻌﺔ ﻣﺌﺎت ﻣﻨﻪ ﻓﻘﻂ ،ﰲ ﺣني ﻋُ ﺜِﺮ ﻋﲆ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٣آﻻف ﻣﻦ ﺣﻔﺮﻳﺎت املﺎﻣﻮث .وﺗﻢ
142
أﻫﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷَﺛﺮﻳﺔ اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ
ﻣﺎﺳﺘُﻮدُون ،إﱃ ﺟﺎﻧﺐ ﺿﻠﻊ وﺟﺰء ﻣﻦ ﻋﻈﻤﺔ ﻓﻚ ﰲ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ أﻧﻴﺎب ﻟﺜﻼﺛﺔ ﺣﻴﻮاﻧﺎت ْ
ﺳﺎق وﻋﻈﻤﺔ ٍ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﴪ اﻟﻌﻠﻮي ﺑﻪ ِﺳﻨﱠﺎن ﻛﺒريﺗﺎن ﺳﻠﻴﻤﺘﺎن وﻋﻈﺎم ﻓﻘﺮﻳﺔ وﻋﻈﻤﺔ
ﴐﺳﺎ ،ﻣﺤﺘﻔﻈﺔ ﺑﺤﺎﻟﺘﻬﺎ ﺟﻴﺪًا ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻬﺎ ً اﻟﺴﻨﱠني ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ﻗﺪم .وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ إﺣﺪى ﱢ
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻤﻊ ﺑﻌﺪ أن ﺗﻢ ﻏﺴﻠﻬﺎ.
ﻗﺎل إرﻧﺴﺖ ﻟﻨﺪاﻳﻠﻴﺲ ،ﻋﺎﻟِﻢ اﻟﺤﻔﺮﻳﺎت ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﺗﻜﺴﺎس ،اﻟﺬي ﻋﻤﻞ ﻣﻊ ﺑﺮﻳﺠﺰ ﺑﻌﺪ
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌﻈﺎم؛ إن ﻫﺬا اﻟﻜﺸﻒ ﻛﺎن ﻏري ﻋﺎدي ،وأﺿﺎف» :ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺸﺎﺋﻊ اﻟﻌﺜﻮ ُر ﻋﲆ
وﺿﻊ ﻛﻬﺬا ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻨﻚ أن ﺗﻨﻈﺮ إﱃ ﻣﻜﺎن وﺟﻮدﻫﺎ .وﻋﺎد ًة ٍ ﺣﻴﻮان ﰲ
ٍ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻷﺟﺰاء ﻣﻦ
املﺎﺳﺘُﻮدُون ﻣﻦ ﻗﻴﻌﺎن ﺧﻠﺠﺎن ،إذ رﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮن اﻧﺘﻬﻰ ﻣﺎ ﻳﺘﻢ اﺳﺘﺨﺮاج ﻋﻈﺎم ﺣﻴﻮاﻧﺎت ْ
ﺑﻬﺎ املﻄﺎف إﱃ ﻫﻨﺎك ﺑﻌﺪ أن ﺟﺮﻓﻬﺎ اﻟﺘﻴﺎر «.وﻳ َ
ُﻌﺘﻘﺪ أن ﻫﺬا املﻮﻗﻊ ﻛﺎن ﻗﺎﻋً ﺎ ﻟﱪﻛﺔ ﺑﻄﻮل
ﻳﺘﺪﻓﻖ ﻋﱪ أوﺳﺘﻦ .وﺣﺪﱠدت ﺗﻘﻨﻴﺔ اﻟﺘﺄرﻳﺦ ﱠ اﻟﺴﻬﻞ اﻟﻔﻴﴤ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻟﻨﻬﺮ ﻛﻮﻟﻮرادو اﻟﺬي
ﺑﺎﻟﻜﺮﺑﻮن املﺸﻊ ،اﻟﺘﻲ أُﺟﺮﻳﺖ ﻟﻠﻄﺒﻘﺎت املﻮﺟﻮدة ﻓﻮق املﻜﺎن اﻟﺬي ﻋُ ﺜِﺮ ﻓﻴﻪ ﻋﲆ اﻟﻌﻈﺎم
وﺗﺤﺘﻪ ،أن ﻋﻤﺮ اﻟﻌﻈﺎم ١٥أﻟﻒ ﻋﺎم ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ.
143
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻛﻨﺖ ﰲ ﺟﻮﻟﺔ ﱡ
ﺗﻔﻘﺪﻳﺔ، ُ ﺗﻤﺜﺎل ﻣﻠﻜﺔ ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺔ ﰲ أﺧﻤﻴﻢ :ﰲ ﻋﺎم ،١٩٨٢ﺑﻴﻨﻤﺎ
ﺟﻤﻴﻼ ﻹﺣﺪى اﻟﺰوﺟﺎت املﺤﺒﻮﺑﺎت ﻟﻠﻤﻠﻚ اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻲ رﻣﺴﻴﺲ اﻟﺜﺎﻧﻲ )اﻟﺬي ً ً
ﺗﻤﺜﺎﻻ ُ
ﺷﺎﻫﺪت
ﺣﻜﻢ ﻣﴫ ﻣﻦ ﻋﺎم ١٣٠٤إﱃ ١٢٣٧ﻗﺒﻞ املﻴﻼد( ﰲ أﺧﻤﻴﻢ ،وﻫﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻄﻠﺔ ﻋﲆ اﻟﻨﻴﻞ
ﰲ ﺻﻌﻴﺪ ﻣﴫ .وﻛﺎن اﻟﻌﻤﺎل ﻗﺪ اﻛﺘﺸﻔﻮﻫﺎ ﻟﺘﻮﱢﻫﻢ أﺛﻨﺎء ﺣﻔﺮﻫﻢ ﻟﺒﻨﺎء ﻣﺒﻨًﻰ ﺟﺪﻳﺪ .وﻛﺎن
اﻟﺘﻤﺜﺎل ﻣﺪﻓﻮﻧًﺎ ﰲ ﺣﻄﺎم ﻣﻌﺒﺪ ﻏري ﻣﻌﺮوف ﻣﻨﺬ ٣٢ﻗﺮﻧًﺎ ،ﻏري أن اﻟﻠﻮن اﻷﺣﻤﺮ ﻟﺸﻔﺘَﻲ
املﻠﻜﺔ اﻟﻔﺮﻋﻮﻧﻴﺔ وﻟﻮن ﻇﻼل ﻋﻴﻮﻧﻬﺎ اﻷزرق ﻛﺎﻧﺎ ﻻ ﻳﺰاﻻن ﻣﺮﺋﻴني ﻋﲆ اﻟﺮﺧﺎم اﻟﻨﺎﻋﻢ.
ﺷﻜﻞ :2-18ﺗﻤﺜﺎل ملﻠﻜﺔ ﻓﺮﻋﻮﻧﻴﺔ ﻋُ ﺜِﺮ ﻋﻠﻴﻪ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﻔﺮ ﻟﺒﻨﺎء ﻣﺒﻨًﻰ ﺟﺪﻳﺪ ﰲ أﺧﻤﻴﻢ.
144
أﻫﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷَﺛﺮﻳﺔ اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ
ﻟﺘﺪﻧﻲ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺰراﻋﺔ ﻫﻨﺎك وﺗﻌ ﱡﺮﺿﻬﺎ ﻟﻠﻐﺰوات اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ،وﺑﺪأت ﺗﺨﺘﻔﻲ ﺗﺪرﻳﺠﻴٍّﺎ ﻣﻊ
ارﺗﻔﺎع ﻣﻨﺴﻮب املﺎء ﰲ اﻟﺒﺤرية .وﻋﻨﺪﻣﺎ أدﱠى ﺗﺠﺮﻳﻒ اﻷﻧﻬﺎر ﰲ املﻨﻄﻘﺔ إﱃ اﻧﺨﻔﺎض
ﻣﻨﺴﻮب املﺎء ﰲ اﻟﺒﺤرية ﰲ ﺛﻼﺛﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ﻇﻬﺮت اﻟﺠﺰﻳﺮة واﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ
املﻘﺎﻣﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ.
أزاﻟﺖ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺤﻔﺮ اﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﰲ ﻋﺎم ١٩٣٤اﻟ ﱢﻠﺜﺎ َم ﻋﻦ ﻗﺮﻳﺔ ﺟﻴﺪة اﻟﺘﺨﻄﻴﻂ،
َ
ﺿﻤﻦ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ ﺣﻮاﱄ ٦أﻓﺪﻧﺔ ،ﻣﺤﺎﻃﺔ ﺑﺂﺑﺎر وﺳ ﱟﺪ ﻣﻦ ﺟﺬوع اﻷﺷﺠﺎر .وﻛﺎﻧﺖ
أﺳﻠﺤﺔ وأدوات وآﻧﻴﺔ ﻓﺨﺎرﻳﺔ .اﺳﺘﻄﺎع ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺛﺎر إﻋﺎدة ٌ اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻇﻠﺖ ﻋﲆ ﺣﺎﻟﻬﺎ
ﺑﻨﺎء ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻘﺮﻳﺔ ،ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﺻﻒ ﻣﻦ املﻨﺎزل اﻟﺘﻲ ﺗﺸﱰك ﻛ ﱡﻠﻬﺎ ﰲ ﺳﻘﻒ واﺣﺪ.
ﻇﻬﻮر ﻣﺮﻛﺰِ ُ
ﻣﻼﺣﻈﺔ ا ُملﻌ ﱢﻠﻢ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻟﺒﻘﺎﻳﺎ اﻟﻘﺮﻳﺔ اﻟﺒﺎرزة ﻣﻦ اﻟﺒﺤرية إﱃ وﻫﻜﺬا ،ﻓﻘﺪ أد ْ
ﱠت
دراﺳﺎت ﻣﻬﻢ ﻟﺤﻀﺎرة ﻻ ﻧﻌﺮف ﻋﻨﻬﺎ اﻟﻜﺜري. ٍ
ﺟﻤﺎﺟﻢ ﺗﺎﻳﺘﺴﻔﻴﻞ :ﰲ ﻋﺎم ،١٩٨٥أدﱠى اﻟﺘﺠﻔﻴﻒ اﻟﻌَ ﻤْ ﺪي ﻹﺣﺪى اﻟﱪك ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ
اﻟﺨﺚ املﻮﺟﻮد ﰲ ﻗﺎع اﻟﱪﻛﺔ، ﱠ
املﺘﻮﻗﻌﺔ؛ ﻓﻔﻲ ُ ﺗﺎﻳﺘﺴﻔﻴﻞ ﰲ ﻓﻠﻮرﻳﺪا إﱃ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻏري
ﻋُ ﺜِﺮ ﻋﲆ ﻋﺪد ﻛﺒري ﻣﻦ اﻟﺠﻤﺎﺟﻢ اﻟﺒﴩﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻮد ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ إﱃ ﺳﺒﻌﺔ آﻻف ﻋﺎم ،واﻟﺘﻲ
اﺣﺘﻮت اﺛﻨﺘﺎن ﻣﻨﻬﺎ ﻋﲆ ﻣﺨني ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺟﻴﺪة .واﺳﺘﺨﻠﺺ اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي ﻣﻦ
ﱡ
اﻟﺘﻐريات اﻟﺘﻄﻮﱡرﻳﺔ ﰲ اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﻴﻨﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎن. أﺣﺪ ﻫﺬﻳﻦ املﺨني ﺑﻬﺪف ﻣﻌﺮﻓﺔ املﺰﻳﺪ ﻋﻦ
ﺑﻌﺾ اﻷدوات اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ أو ﺑﺄﺧﺮى ،اﻛﺘُ ِﺸﻒ ﻋﲆ ﺳﻄﺢ اﻷرض ﺑﻤﺤﺾ املﺼﺎدﻓﺔ ُ
اﻟﺘﻲ ﻻﺣَ َ
ﻈﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺮاﺻﺪﻳﻦ اﻟﻴَﻘِﻈني املﺘﺄﻫﺒني.
ﻋﻈﻤﺔ ﺑﴩﻳﺔ ﻣﻦً ﻛﻬﻒ أورﻳﻨﻴﺎك :ﰲ ﻋﺎم ،١٨٥٢أﺧﺮج أﺣﺪ ﻋﻤﺎل إﺻﻼح اﻟﻄﺮق
ﺟُ ﺤﺮ أرﻧﺐ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺔ أورﻳﻨﻴﺎك ﰲ اﻟﺘﻼل اﻟﺴﻔﺤﻴﺔ ﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﺟﺒﺎل اﻟﺒريﻳﻨﻴﻪ ﰲ
ﻛﻬﻔﺎ ﻳﻀﻢ ﻫﻴﺎﻛﻞ ﻋﻈﻤﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﻞ إﱃ ﺗﻮﺳﻴﻊ ﻓﺘﺤﺔ اﻟﺠُ ﺤﺮ ،ﻓﻮﺟﺪ ً ِ ﻓﺮﻧﺴﺎ .دﻓﻊ اﻟﻔﻀﻮل
ﴩف ﻋﲆ اﻟﻄﺮﻳﻖ وأﺳﻨﺎن ﺛﺪﻳﻴﺎت .ﺟﻤﻊ ا ُمل ِ
َ ً
وأﻗﺮاﺻﺎ ﺻﺪﻓﻴﺔ ﻣﺜﻘﻮﺑﺔ ً
ﺷﺨﺼﺎ، ﻟﺴﺒﻌﺔ ﻋﴩ
ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت اﻟﻜﻬﻒ ﻟﻴﺪرﺳﻬﺎ ﻋﻠﻤﺎءُ اﻟﺤﻔﺮﻳﺎت ،وﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻟﻔﺘﺖ اﻧﺘﺒﺎه إدوار ﻻرﺗﻴﻪ، ً
وﻫﻮ ﻣﺤﺎ ٍم ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻮاﻳﺘﻪ ﺟﻤﻊ ﻋﻈﺎم اﻟﺤﻔﺮﻳﺎت .وﺑﻌﺪ ﺑﻀﻌﺔ أﻋﻮام ،زار ﻻرﺗﻴﻪ أورﻳﻨﻴﺎك،
اﻟﺼﻮﱠان وﻗﺮون وَﻋْ ﻞ إﱃوﺑﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺤﻔﺮ ﺣﻮل اﻟﻜﻬﻒ وﺟَ َﺪ أدوات ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺣﺠﺮ ﱠ
ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻈﺎ ٍم ﻟﺜﺪﻳﻴﺎت ﻣﻨﻘﺮﺿﺔ .وﻗﺪ أدت ﺗﻠﻚ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺸﻔﻬﺎ واﻟﺘﻲ ﻏﺎﺑﺖ ﻋﻨﻬﺎ
145
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻷدوات املﻌﺪﻧﻴﺔ إﱃ اﻗﺘﻨﺎﻋﻪ ﺑﺄن اﻟﺸﻌﺐ اﻷورﻳﻨﻴﺎﻛﻲ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻛﺎن ﻳﻌﻴﺶ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﻌﴫ
اﻟﺤﺠﺮي.
أدوات ﺑﺎن ﺗﺸﺎﻧﺞ :ﰲ ﻋﺎم ،١٩٦٦ﻛﺎن ﺳﺘﻴﻔﻦ ﻳﻮﻧﺞ ﻳﺠﺮي ﺑﺤﺜًﺎ اﺟﺘﻤﺎﻋﻴٍّﺎ ﰲ
ﺗﺎﻳﻼﻧﺪ .وﰲ أﺣﺪ اﻷﻳﺎم ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺴري ﰲ ﻃﺮﻳﻖ ﺗ ﱠﻢ ﺷﻘﻬﺎ ﻋﱪ إﺣﺪى اﻟﻬﻀﺎب اﻟﺼﻐرية
ﰲ ﻗﺮﻳﺔ ﺑﺎن ﺗﺸﺎﻧﺞ ،ﺗﻌﺜ ﱠ َﺮ ﰲ ﺟﺬر ﺷﺠﺮة ووﻗﻊ ﻋﲆ اﻷرض ،وإذا ﺑﻪ ﻳﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ وﺟﻬً ﺎ
ﻟﻮﺟﻪ أﻣﺎم آﻧﻴﺔ ﻓﺨﺎرﻳﺔ ﺑﺎرزة ﻣﻦ اﻷرض ،ورأى اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷواﻧﻲ ﻋﲆ ﺟﺎﻧﺒَﻲ
ﻣﺼﻘﻮﻟﺔ .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﺳﻜﺎن اﻟﻘﺮﻳﺔ ً اﻟﻄﺮﻳﻖ .وﺧﻤﱠ َﻦ أﻧﻬﺎ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺟﺪٍّا ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ
ﻗﺪ ﻧﻬﺒﻮا ﺗﻠﻚ املﻨﻄﻘﺔ ﺑﺸﺪة ،ﻓﺈﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ زارﻫﺎ ﺗﺸﺴﱰ ﺟﻮرﻣﺎن ،وﻫﻮ ﻋﺎﻟِﻢ آﺛﺎر ﻣﻦ
ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﻨﺴﻠﻔﺎﻧﻴﺎ ،ﺑﻌﺪ ﺑﻀﻌﺔ أﻋﻮام وﺣﻔﺮ ﺗﺤﺖ اﻟﺠﺰء اﻷوﺳﻂ ﻣﻦ ﺷﺎرع ﻗﺮﻳﺐ ﺑﺎﻟﻘﺮﻳﺔ،
وﺗﻮﺻ َﻞ إﱃ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻋﻦ دراﺳﺔ ﻓﱰة ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﱠ أﺧﺮجَ ١٨ﻃﻨٍّﺎ ﻣﻦ املﻮاد ﻟﺪراﺳﺘﻬﺎ،
اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻟﻬﺬا اﻟﺠﺰء ﻣﻦ ﺟﻨﻮب ﴍق آﺳﻴﺎ؛ ﻷﻧﻪ وﺟﺪ أن ﺗﺎرﻳﺦ أﻧﺼﺎل اﻟﺮﻣﺎح واﻟﺤُ ِﲇ ﱢ
وﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ،ﻓﺈن اﻷدواتً اﻟﱪوﻧﺰﻳﺔ ﻳﻌﻮد إﱃ ﻋﺎم ٢٠٠٠ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ.
أوﻻ ﰲ اﻟﴩق اﻷدﻧﻰ ،ﺛﻢ اﻧﺘﻘﻠﺖ إﱃ ﺟﻨﻮب ﴍق آﺳﻴﺎ ﰲ ﻋﺎم ٥٠٠ﻗﺒﻞ املﻌﺪﻧﻴﺔ ﻇﻬﺮت ً
املﻴﻼد.
آﺛﺎر ﺣﻀﺎرة ﻓﻮﻟﺴﻮم :ﰲ ﺧﺮﻳﻒ ﻋﺎم ،١٩٠٨ﻛﺎن أﺣﺪ رﻋﺎة اﻟﺒﻘﺮ — وﻳُﺪﻋَ ﻰ
ﺟﻮرج ﻣﺎﻛﺠﺎﻧﻜني — ﻳﺴري ﺑﻄﻮل وادٍ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺑﻠﺪة ﻓﻮﻟﺴﻮم ﰲ ﻧﻴﻮ ﻣﻜﺴﻴﻜﻮ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﻋﻈﻤﺔ ﺗﱪز ﻣﻦ ﺟﺪار اﻟﻮادي .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺷﺪﱠﻫﺎ ،ﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ اﻟﺠﺪار وﻛﺎﻧﺖ ﻋﻈﻤﺔ ً رأى
ﻛﺒرية ﻟﻜﻨﻪ أدرك أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺸﺒﻪ أﻳٍّﺎ ﻣﻦ ﻋﻈﺎم اﻟﺒﻘﺮ أو اﻟﺠﺎﻣﻮس املﺄﻟﻮﻓﺔ ﻟﺪﻳﻪ .وﺑﻌﺪ ﻋﺪة
أﻋﻮام ،زار ﺟﻴﴘ ﻓﻴﺠﻴﻨﺲ ﻣﻦ ﻣﺘﺤﻒ ﻛﻮﻟﻮرادو ﻟﻠﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ املﻮﻗﻊ وﻗ ﱠﺮ َر أن ﺗﻠﻚ
ُﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ اﻧﻘﺮض ﻣﻨﺬ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻌﴫ اﻟﻌِ ﻈﺎم ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻟﻨﻮع ﻣﻦ ﺣﻴﻮان اﻟﺒﻴﺴﻮن اﻟﺬي ﻳ َ
اﻟﺠﻠﻴﺪي .واملﺪﻫﺶ أﻛﺜﺮ أﻧﻪ ﻋﺜﺮ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻈﺎم ﻋﲆ رءوس رﻣﺎح ﻣﻌﺪﻧﻴﺔ ،ﻛﺎن
اﻷدوات ﻓﺮاﻧﻚ روﺑﺮﺗﺲ اﻻﺑﻦ ِ ﻣﻐﺮوﺳﺎ ﰲ اﻟﻬﻴﺎﻛﻞ اﻟﻌﻈﻤﻴﺔ ﻟﻠﺤﻴﻮاﻧﺎت .ﻓﺤﺺ ﺗﻠﻚ ً ﺑﻌﻀﻬﺎ
ﻣﻦ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺳﻤﻴﺜﺴﻮﻧﻴﺎن ،وأﻳﱠ َﺪ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻓﻴﺠﻴﻨﺲ ﺑﺄن ﺟﻤﺎﻋﺎت ﻣﻦ اﻟﺒﴩ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻴﺸﻮن
ﰲ ﻫﺬا اﻟﺠﺰء ﻣﻦ أﻣﺮﻳﻜﺎ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻌﴫ اﻟﺠﻠﻴﺪي؛ أيْ ﻣﻨﺬ ﺣﻮاﱄ ١٠آﻻف ﻋﺎم .وﻛﺎن
ُﻌﺘﻘﺪ ،وذﻟﻚ ﻗﺒﻞ اﻛﺘﺸﺎف ﻋﻈﺎم ﺣﻴﻮان اﻟﺒﻴﺴﻮن ﻫﺬا أﺳﺒﻖ ﺑﺤﻮاﱄ ٥آﻻف ﻋﺎم ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﻳ َ
املﻨﻘﺮض.
َ
ﺣﺠﺮ رﺷﻴﺪ :رﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﺣﺠﺮ رﺷﻴﺪ ﻣﻦ أﻫﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷﺛﺮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺘﺠﺖ ﻋﻦ
اﻟﻌﺜﻮر ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ ﻋﲆ أﺷﻴﺎءَ ﻣﻦ ﺻﻨﻊ اﻟﺒﴩ ،وﻫﻮ املﻔﺘﺎح اﻟﺬي ﻓﻚ ﻃﻼﺳﻢ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﴫ
146
أﻫﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷَﺛﺮﻳﺔ اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ
اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ .ﻓﻘﺪ ﻋﺜﺮ ﺟﻨﺪي ﻓﺮﻧﴘ ﻣﻦ ﺟﻴﺶ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﻋﲆ اﻟﺤﺠﺮ ﰲ أﺛﻨﺎء ﺗﺮﻣﻴﻢ ﺣﺼﻦ
ﺳﺎﻧﺖ ﺟﻮﻟﻴﺎن ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺑﻠﺪة رﺷﻴﺪ ،ﻋﲆ ﺿﻔﺔ أﺣﺪ اﻟﻔﺮوع اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻟﻨﻬﺮ اﻟﻨﻴﻞ ﰲ
ﻣﻨﻄﻘﺔ اﻟﺪﻟﺘﺎ ،ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ ﺑﻀﻌﺔ أﻣﻴﺎل ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ وً ٣٠
ﻣﻴﻼ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻏﺮب اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ .وﻓﻴﻤﺎ
وﺻﻒ ﻟﻬﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف ﻳﴪده ﻛﺎرول آﻧﺪروز ﻣﻦ املﺘﺤﻒ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻲ اﻟﺬي ﻳﻮﺟﺪ ﺑﻪ ٌ ﻳﲇ
اﻵن ﺣﺠﺮ رﺷﻴﺪ:
ﺛﻤﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻚ اﻟﺬي ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻈﺮوف اﻛﺘﺸﺎف ﺣﺠﺮ رﺷﻴﺪ ﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺷﻬﺮ
ﻓﻄﺒﻘﺎ ﻹﺣﺪى اﻟﺮواﻳﺎت ،ﻛﺎن اﻟﺤﺠﺮ ﻣﻮﺟﻮدًا ﻋﲆ اﻷرض، ً ﻳﻮﻟﻴﻮ ﻣﻦ ﻋﺎم .١٧٩٩
ﻟﻜﻦ اﻟﺮواﻳﺔ اﻷرﺟﺢ ﻫﻲ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻮﺟﻮدًا ﰲ ﺟﺪار ﻗﺪﻳﻢ ﺟﺪٍّا أ ُ ِﻣ َﺮ ْت ﻓﺮﻗﺔ ﻣﻦ
اﻟﺠﻨﻮد اﻟﻔﺮﻧﺴﻴني ﺑﻬﺪﻣﻪ ،ﻹﺧﻼء اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻔﺮ أﺳﺎس ﻣﺒﻨًﻰ ﻣﻠﺤﻖ
ﺑﺎﻟﺤﺼﻦ اﻟﺬي ﻋُ ِﺮف ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺤﺼﻦ ﺳﺎﻧﺖ ﺟﻮﻟﻴﺎن …
ُﺤﺴﺐ ﻟﻠﻀﺎﺑﻂ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻘﻮد ﻓﺮﻗﺔ اﻟﺠﻨﻮد املﺴﺌﻮﻟني ﻋﻦ ﻫﺪم اﻟﺠﺪار، ﻳ َ
وﻫﻮ ﻣﻼزم ﻣﻦ ﺳﻼح املﻬﻨﺪﺳني ﻳُﺪﻋَ ﻰ ﺑﻴري ﻓﺮاﻧﺴﻮا ﻛﺰاﻓﻴﻴﻪ ﺑﻮﺷﺎر ،وﻟﺰﻣﻼﺋﻪ
ﻣﻦ اﻟﻀﺒﺎط ،إدرا ُﻛﻬﻢ ﺷﺒﻪ اﻟﻔﻮري ﻷﻫﻤﻴﺔ اﻟﻨﻘﻮش اﻟﺜﻼﺛﺔ املﺨﺘﻠﻔﺔ املﺤﻔﻮرة
ﻧﺴﺨﺎ ﻣﻦ ﻧﺺ واﺣﺪ ﺑﺜﻼﺛﺔ ﻧﻈﻢ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ً ﻋﲆ اﻟﺤﺠﺮ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻛ ﱡﻠﻬﺎ
اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ .وﻧﻈ ًﺮا ﻷن آﺧِ ﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻘﻮش ﻛﺎن ﻣﻜﺘﻮﺑًﺎ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻹﻏﺮﻳﻘﻴﺔ وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ
147
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻧﺠﺤﻮا ﰲ ﻗﺮاءﺗﻪ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻫﺬا اﻟﻨﻘﺶ اﻷﺧري ﻳﻤﻜﻦ أن
ﺗﻜﻮن ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﻣﻔﺘﺎح ﻟﻔﻚ ﺷﻔﺮة اﻟﺮﻣﻮز اﻟﻬريوﻏﻠﻴﻔﻴﺔ املﻮﺟﻮدة ﰲ اﻟﻘﺴﻢ اﻷول
ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺮ … وﻋﻨﺪ وﺻﻮل اﻟﺤﺠﺮ إﱃ اﻟﻘﺎﻫﺮة ﰲ ﻣﻨﺘﺼﻒ أﻏﺴﻄﺲ ،أﺻﺒﺢ
ﻋﲆ اﻟﻔﻮر ﻣﺜﺎ َر اﻫﺘﻤﺎم ﺑﺎﻟﻎ ﻟﺪى اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺬﻳﻦ أﺧﺬﻫﻢ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﻣﻌﻪ ﰲ ﺣﻤﻠﺘﻪ
ﻋﲆ ﻣﴫ.
ﰲ ٢٤أﻏﺴﻄﺲ ﻣﻦ ﻋﺎم ٣٩٤ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ ﰲ ﺟﺰﻳﺮة ﻓﻴﻠﺔ ﻋﲆ اﻟﺤﺪ اﻟﺠﻨﻮﺑﻲ
ملﴫ ،ﻳﺒﺪو أن اﻟﺮﻣﻮز اﻟﻬريوﻏﻠﻴﻔﻴﺔ ﻗﺪ اﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖ ﻟﻠﻤﺮة اﻷﺧرية ﻟﻠﻨﻘﺶ
ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ املﴫﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ .وﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻨﻘﺶ اﻷﺧري ﻋﲆ اﻟﺤﺠﺮ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ
ﻈﻢ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ اﻟﺪﻳﻤﻮﻃﻴﻘﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗُﻌَ ﱡﺪ أﺣﺪث ﻧ ُ ُ
املﴫﻳﻮن اﻟﻘﺪﻣﺎء وأﻛﺜﺮﻫﺎ اﺳﺘﺨﺪاﻣً ﺎ ﻟﻠﺤﺮوف املﺘﺼﻠﺔ ،إﱃ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺄﻗﻞ ﻣﻦ
٦٠ﻋﺎﻣً ﺎ؛ أي ٤٥٢ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ … وﻋﲆ ﻣﺪار ١٣٧٠ﻋﺎﻣً ﺎ ﺗﺎﻟﻴﺔ ،ﻟﻢ ﺗﺮد أﻧﺒﺎءٌ ﻋﻦ
ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﴫ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻷن ﻓﻦ ﻗﺮاءة ﻧﻈﻢ ﻛﺘﺎﺑﺘﻬﺎ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻗﺪ اﺧﺘﻔﻰ .ﻓﻠﻢ
اﻟﻨﻘﻮش اﻟﻬريوﻏﻠﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺣﴫَ ﻟﻬﺎ واﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﴩ ﻋﲆِ ﻳﻜﻦ أﺣﺪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ َﻓﻬْ َﻢ
اﻟﻨﺼﻮص املﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ اﻟﺪﻳﻤﻮﻃﻴﻘﻴﺔ واﻟﻬرياﻃﻴﻘﻴﺔ املﻨﺘﴩة ِ ﻛﻞ اﻵﺛﺎر ،أو
ﻋﲆ ورق اﻟﱪدي واﻷﻟﻮاح اﻟﺼﺨﺮﻳﺔ واﻷواﻧﻲ اﻟﻔﺨﺎرﻳﺔ )آﻧﺪروز ،ﻛﺘﺎب املﺘﺤﻒ
اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻲ ﻋﻦ ﺣﺠﺮ رﺷﻴﺪ(.
148
أﻫﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷَﺛﺮﻳﺔ اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ
ﺣﻔﺮﻳﺔ ﻣﺜﻠﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﺗﻢ ﺑﻤﺴﺎﻋﺪة اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ) .إن اﻛﺘﺸﺎف ﺟﻤﺠﻤﺔ ﻃﻔﻞ اﻟﺘﻮﻧﺞ ﰲ
ﺟﻨﻮب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻳُﻌَ ﱡﺪ ﴐﺑًﺎ ﻣﻦ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ؛ ﻷن اﻟﻌﻤﺎل اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻨﻘﺒﻮن ﻋﻦ
اﻟﺠري ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﺪﻳﻬﻢ أﻳﺔ ﻧﻴﺔ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺤﻔﺮﻳﺎت(.
اﻟﺤﻔﺮﻳﺔ ﻟﻮﳼ :ﰲ ﻧﻮﻓﻤﱪ ،١٩٧٤ﻛﺎن أﺣ ُﺪ ﻋﻠﻤﺎء اﻷﻧﺜﺮوﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺬي ﻳُﺪﻋَ ﻰ دوﻧﺎﻟﺪ
ﺟﻮﻧﺴﻮن وأﺣ ُﺪ ﻃﻼب اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻌﻠﻴﺎ اﻟﺬي ﻳُﺪﻋَ ﻰ ﺗﻮم ﺟﺮاي ﻳﺒﺤﺜﺎن ﻋﻦ ﺣﻔﺮﻳﺎت ﺑﴩﻳﺔ
ﻗﺪﻳﻤﺔ ﰲ ﺷﻤﺎل وﺳﻂ أﺛﻴﻮﺑﻴﺎ ،ﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ﻋﺜﺮا ﻓﻘﻂ ﻋﲆ ﻋﻈﺎم ﺣﻴﻮاﻧﺎت .وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺴريان
ﻈﺎ ﻋﻈﻤﺔ ﺗﱪز ﻣﻦ ﻣﻨﺤﺪر ﻣﺘﺂﻛﻞ ﻓﻮﻗﻬﻤﺎ ،وﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪﻓﻮﻧﺔ ﻋﱪ أﺣﺪ اﻷودﻳﺔ ،ﻻﺣَ َ
ﺗﺤﺖ ﻃﺒﻘﺎت ﻣﻦ اﻟ ﱠﺮﻣﺎد اﻟﱪﻛﺎﻧﻲ واﻟﺮواﺳﺐ ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ،ﻓﻘﺪ أﻇﻬﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻈﻤﺔ ﻓﻴﻀﺎ ٌن
ﻣﻔﺎﺟﺊ ﺣﺪﻳﺚ أدﱠى إﱃ ﺷﻖ اﻟﻮادي .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻈﻤﺔ )اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺬراع( ِ
ﻓﻘﻂ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻋُ ﺜِﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ،وإﻧﻤﺎ ﻋُ ﺜِﺮ ﻋﲆ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻌﻈﺎم اﻷﺧﺮى؛ ﻓﺒﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﺳﺎﺑﻴﻊ
ﻄﻊ اﻟﻌﻈﻤﻴﺔ ،وﺛﺒﺖ أن ﻣﻦ اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ املﻜﺜﱠﻒ ،ﻋﺜﺮ ﺟﻮﻧﺴﻮن وزﻣﻼؤه ﻋﲆ ﻋﺪة ﻣﺌﺎت ﻣﻦ اﻟﻘِ َ
ﺗﻠﻚ اﻟﻘﻄﻊ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺸﺨﺺ واﺣﺪ؛ ﻓﻬﻲ ﻷﻧﺜﻰ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﻃﻮﻟﻬﺎ ﺛﻼث أﻗﺪام وﺛﻤﺎﻧﻲ ﺑﻮﺻﺎت
ﻓﻘﻂ ،أﻃﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ اﺳﻢ »ﻟﻮﳼ« ،وﻫﻮ اﺳﻢ ﻣﺄﺧﻮذ ﻣﻦ أﻏﻨﻴﺔ ﻣﺸﻬﻮرة ﻹﺣﺪى ﻓﺮق اﻟﺒﻴﺘﻠﺰ
ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ.
ً
ﻣﻌﺮوﻓﺔ أﺛﺎرت ﻟﻮﳼ اﻫﺘﻤﺎﻣً ﺎ ﻛﺒريًا؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﺜﱢﻞ أﻗﺪ َم أﺳﻼف اﻹﻧﺴﺎن اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
اﻛﺘﻤﺎﻻ ،وﻗﺪ ُﻗﺪﱢر ﻋﻤﺮﻫﺎ ﺑﺘﻘﻨﻴﺔ اﻟﺘﺄرﻳﺦ اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ ﺑﺤﻮاﱄ ٣ﻣﻼﻳني ً ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ وأﻛﺜﺮﻫﺎ
ً
ﻣﻨﺘﺼﺒﺔ ﻋﲆ ﻗﺪﻣني ،وذﻟﻚ ﺳﻨﺔ ،وﺛﺒﺖ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻋﻈﺎم اﻟﺤﻮض أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻤﴚ
ﻗﺒﻞ أن ﻳﻌﻴﺶ ﻃﻔﻞ اﻟﺘﻮﻧﺞ ﺑﻤﻠﻴﻮن أو ﻣﻠﻴﻮﻧ َ ْﻲ ﺳﻨﺔ.
آﺧﺮ ﻟﻠﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺎﻋﺪت ﻣﺜﺎﻻ َ
آﺛﺎر ﻫﻨﻮد املﺎﻛﺎه ﰲ ﻗﺮﻳﺔ أوزﻳﺖ :ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﻗﺮﻳﺔ أوزﻳﺖ ً
ﺑﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﻮﻫﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ آﺛﺎر ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺪﻓﻮﻧﺔ ﻣﻨﺬ زﻣﻦ
وﺻﻒ ﻟﻬﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف ﻳﴪده ﺑﺮﻳﺎن ﻓﺎﺟﺎن ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﻣﻐﺎﻣﺮة ﻋﻠﻢ اﻵﺛﺎر« ٌ ﺑﻌﻴﺪ .وﻓﻴﻤﺎ ﻳﲇ
):(١٩٨٥
ﻛﺎن ﻟﺪى رﻳﺘﺸﺎرد دورﺗﻲ ،وﻫﻮ ﻋﺎﻟِﻢ أﻧﺜﺮوﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ وﻻﻳﺔ واﺷﻨﻄﻦ،
ﻋﺪد ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺴﺠﻼت املﻜﺘﻮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻨﻪ اﻟﺮﺟﻮع إﻟﻴﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺜﺮ ﻋﲆ اﻵﺛﺎر
املﺪﻓﻮﻧﺔ ﰲ ﻗﺮﻳﺔ أوزﻳﺖ ،وﻫﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﺳﺎﺣﻠﻴﺔ ﻣﻬﺠﻮرة ﰲ اﻟﺮﻛﻦ اﻟﺸﻤﺎﱄ اﻟﻐﺮﺑﻲ
ﻣﻦ واﺷﻨﻄﻦ ،ﻟﻜﻦ ﰲ ﻣﺤﺎوﻟﺘﻪ ﺗﺠﻤﻴﻊ املﻌﻠﻮﻣﺎت املﺘﺎﺣﺔ ﻟﺪﻳﻪ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﻫﻨﻮد
املﺎﻛﺎه ﻣﻌً ﺎ ،اﺳﺘﻌﺎن ﺑﺄﺣﻔﺎدﻫﻢ اﻟﺤﺎﻟﻴني … ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﺠﺎﺋ ُﺰ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻳﺤﺘﻔﻈﻮن
149
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
150
أﻫﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷَﺛﺮﻳﺔ اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ
ﻛﻬﻒ ﻻﺳﻜﻮ :ﰲ ﻋﺎم ،١٩٤٠ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن أرﺑﻌﺔ أوﻻد ﻳﺴﺘﻜﺸﻔﻮن اﻟﻐﺎﺑﺎت اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ
ﻣﻦ ﺑﻠﺪة ﻣﻮﻧﺘﻴﻨﺎك ﰲ ﺟﻨﻮب ﻏﺮب ﻓﺮﻧﺴﺎ ،اﻛﺘﺸﻔﻮا ﺣﻔﺮ ًة ﺻﻐرية ﰲ اﻷرض .ودﻓﻌﻬﻢ
اﻟﻔﻀﻮل إﱃ ﺗﻮﺳﻴﻊ اﻟﺤﻔﺮة ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ اﻟﺰﺣﻒ داﺧﻠﻬﺎ ،ﻓﻮﺟﺪوا ﻣﻤ ٍّﺮا ﺿﻴ ًﱢﻘﺎ ﻳﺆدﱢي
إﱃ ﻛﻬﻒ ﻛﺒري ﺗﺤﺖ اﻷرض .وﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﺿﻮء ﻣﺼﺒﺎﺣﻬﻢ اﻟﺰﻳﺘﻲ ،اﻧﺪﻫﺸﻮا ﻋﻨﺪﻣﺎ رأوا
رﺳﻮﻣﺎت ذات أﻟﻮان زاﻫﻴﺔ ﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﻋﲆ ﺳﻘﻒ اﻟﻜﻬﻒ وﺟﺪراﻧﻪ اﻟﺒﻴﻀﺎء املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ
اﻟﺤﺠﺮ اﻟﺠريي ،وذﻛﺮوا اﻛﺘﺸﺎﻓﻬﻢ ُملﻌ ﱢﻠﻢ ﺳﺎﺑﻖ ﻟﻬﻢ اﺗﺼﻞ ﻫﺎﺗﻔﻴٍّﺎ ﺑﺂﺑﻲ ﻫﻨﺮي ﺑﺮوي ،أﺣﺪ
املﺘﺨﺼﺼني ﰲ ﻓﻦ ﻋﺼﻮر ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻟﺘﺎرﻳﺦ .وﺟﺎء ﺑﺮوي ﻟﺮؤﻳﺔ رﺳﻮﻣﺎت اﻟﻜﻬﻒ وأﻋﻠﻦ
أﻧﻬﺎ ﻗﺪﻳﻤﺔ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﻠﻐﺖ أﺧﺒﺎر اﻻﻛﺘﺸﺎف ﻣﺴﺎﻣﻊ اﻟﻨﺎس وﻋﻠﻤﺎء اﻵﺛﺎر واﻟﺼﺤﻔﻴني
واﻟﺴﺎﺋﺤني ،ﺟﺎءوا ﻟﺰﻳﺎرة اﻟﻜﻬﻒ؛ وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺪﺧﻠﻮن ﰲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﺻﻐرية وﺗﺤﺖ رﻗﺎﺑﺔ
ﻣﺪﺧﻼ أﻛﺜﺮ أﻣﺎﻧًﺎ
ً وﻓ َﺮ ِت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ وﺻﺎﺣﺐ اﻷرض ﺷﺪﻳﺪة .ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب ،ﱠ
وﺗﺄﻣﻴﻨًﺎ أﻓﻀﻞ ﻟﻠﺮﺳﻮﻣﺎت ،وﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤني أﺻﺒﺢ آﻻف اﻟﺴﺎﺋﺤني ﻳﺄﺗﻮن ﻟﺰﻳﺎرة اﻟﻜﻬﻒ،
ﻧﺴﺨﺔ ﻃﺒﻖ اﻷﺻﻞ ﻣﻦ اﻟﻜﻬﻒ ُﺷﻴﱢﺪت ﺑﺠﻮار اﻟﻜﻬﻒ اﻷﺻﲇ ﻟﻠﺤﻴﻠﻮﻟﺔ ٍ وﻳﻤﻜﻨﻬﻢ اﻵن رؤﻳﺔ
دون اﻹﴐار ﺑﺎﻷﻋﻤﺎل اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻷﺻﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻌﻮﻳﻀﻬﺎ.
ﺻﺒﻲ ﻣﻦ اﻟﺒﺪو ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻧﻌﺠﺔ ﱞ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﺒﺤﺮ املﻴﺖ :ﰲ ﻋﺎم ،١٩٤٧ﻛﺎن
ﻆﺿ ﱠﻠ ْﺖ ﻃﺮﻳﻘﻬﺎ وﺳﻂ أﺟﺮاف ﻗﺎﺣﻠﺔ ﻣﺘﺎﺧﻤﺔ ﻟﻠﺴﺎﺣﻞ اﻟﺸﻤﺎﱄ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻟﻠﺒﺤﺮ املﻴﺖ ،ﻓﻼﺣَ َ
ﺻﻮت اﻧﻜﺴﺎر إﻧﺎءٍ ﻓﺨﺎريﱟ ﰲ َ ﻓﺘﺤﺔ ﺻﻐري ًة ﰲ أﺣﺪ اﻷﺟﺮاف ،وﻗﺬف ﺣﺠ ًﺮا ﻓﻴﻬﺎ ﻓﺴﻤﻊ ً
اﻟﺪاﺧﻞ .ﻓﺰع اﻟﺼﺒﻲ ﻣﻦ اﻟﺼﻮت ،وﻟﻜﻨﻪ ﻋﺎد ﻣﻊ ﺻﺪﻳﻖ ﻟﻪ واﺳﺘﻄﺎﻋَ ﺎ اﻟﺰﺣﻒ إﱃ داﺧﻞ
اﻟﻜﻬﻒ ﺣﻴﺚ وﺟَ ﺪَا اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷواﻧﻲ اﻟﻔﺨﺎرﻳﺔ اﻟﻜﺒرية .وﰲ ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ اﻷواﻧﻲ ،وﺟَ ﺪَا
ﻓﺄﺧﺬَا اﻟﻠﻔﺎﺋﻒ إﱃ ﻟﻔﺎﺋﻒ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻫﻲ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت ﻣﻦ اﻟﺮق ﻣﻠﻔﻮﻓﺔ ﰲ ﻗﻤﺎش ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎنَ ، َ
ﻄﺮان اﻟﺴﻮري ﰲ اﻟﻘﺪس ،وذﻟﻚ ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻓﺔ ً ١٣
ﻣﻴﻼ ﻣﻌﺴﻜﺮﻫﻢ ،وﺗﻢ ﺑﻴﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻟﻠﻤ ْ
ﺑﺎﺗﺠﺎه اﻟﻐﺮب.
ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺒرية ﻣﻦ اﻟﺨﱪاء اﻟﺬﻳﻦ ﻓﺤﺼﻮا ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻠﻔﺎﺋﻒ
ﻄﺮان إﱃ املﺪرﺳﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻟﻠﺒﺤﺚ اﻟﴩﻗﻲ ﰲ َ
ﻗﻴﻤﺔ ﻟﻬﺎ ،ﻓﻘﺪ أرﺳﻠﻬﺎ امل ْ أﻋﻠﻨﻮا أﻧﻬﺎ ﻻ
اﻟﺤﺴﺎﺳﺔﱠ اﻟﻘﺪس .واﻗﺘﻨﻊ ﻫﻨﺎك اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺟﻮن ﳼ ﺗﺮﻳﻔﺮ ووﻳﻠﻴﺎم ﺑﺮاوﻧﲇ ﺑﺎﻟﻄﺒﻴﻌﺔ
ﺷﺎﻫﺪَا اﻷﺷﻜﺎ َل اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻟﻠﺤﺮوف اﻟﻌﱪﻳﺔ ،ﻓﺼ ﱠﻮ َرا أﻗﺴﺎﻣً ﺎ ﻣﻦ إﺣﺪى ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ ﻋﻨﺪﻣﺎ َ
اﻟﺴ ْﻔﺮ اﻹﻧﺠﻴﲇ أﺷﻌﻴﺎء( وأرﺳﻼﻫﺎ إﱃ اﻟﺪﻛﺘﻮر وﻳﻠﻴﺎم إف املﺨﻄﻮﻃﺎت )ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻦ ﱢ
أوﻟﱪاﻳﺖ ،وﻫﻮ ﺣُ ﺠﱠ ﺔ ﰲ ﻋﻠﻢ اﻟﻜﺘﺎﺑﺎت اﻟﻌﱪﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺟﻮﻧﺰ ﻫﻮﺑﻜﻴﻨﺰ .وﻋﲆ
اﻟﻔﻮر ،ﻗﺎل اﻟﺪﻛﺘﻮر أوﻟﱪاﻳﺖ إن ﻫﺬه املﺨﻄﻮﻃﺔ ﺗﺮﺟﻊ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ إﱃ ﻋﺎم ١٠٠ﻗﺒﻞ املﻴﻼد،
151
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ُﺒﻬﺮ ﺟﺪٍّا «.وﺗﺄ ﱠﻛﺪ ﻫﺬا اﻟﺘﺎرﻳﺦ ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖووﺻﻒ املﺨﻄﻮﻃﺎت ﺑﺄﻧﻬﺎ »اﻛﺘﺸﺎف ﻣ ِ
ﺗﻘﻨﻴﺔ اﻟﺘﺄرﻳﺦ ﺑﺎﻟﻜﺮﺑﻮن املﺸﻊ .ﺗﺴﺒﻖ ﺗﻠﻚ املﺨﻄﻮﻃﺎت ﻛ ﱠﻞ ﻣﺨﻄﻮﻃﺎت اﻟﻜﺘﺎب املﻘﺪﱠس
ﺑﺄﻟﻒ ﻋﺎم ،وذﻟﻚ ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ أﺟﺰاء املﺨﻄﻮﻃﺎت اﻹﻧﺠﻴﻠﻴﺔ.
أﺧ َﺮ اﻟﴫا ُع املﺴ ﱠﻠﺢ ﺑني اﻟﻌﺮب واﻟﻴﻬﻮد إﺟﺮاءَ املﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺒﺤﺚ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﱠ
ﻋﻠﻤﺎء اﻵﺛﺎر ﺣﺘﻰ ﻋﺎم ،١٩٤٩وﺣﻴﻨﻬﺎ ﻓﺸﻠﺖ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺒﺤﺚ اﻷوﻟﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ ﻣﺰﻳ ٍﺪ
ﻣﻦ املﺨﻄﻮﻃﺎت وﰲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻦ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺘﺒﻮا ﺗﻠﻚ املﺨﻄﻮﻃﺎت
ﱠﺧﻞ )ﻓﻬﻢ ﻟﻜﻦ ﺑَ ْﺪ َو املﻨﻄﻘﺔ اﻟﻔﻘﺮاء وﺟﺪوا ﰲ ﺗﻠﻚ املﺨﻄﻮﻃﺎت ﻣﺼﺪ ًرا ﺟﺪﻳﺪًا ﻟﻠﺪ ْ
وأﺧﻔﻮﻫﺎ .ﱠ
اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺎﻋﻮا املﺨﻄﻮﻃﺎت اﻷﺻﻠﻴﺔ ﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﻘﺪس اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺎورﺗﻬﻢ رﻏﺒﺔ ﺷﺪﻳﺪة ﰲ ﴍاﺋﻬﺎ(،
اﻟﺒﺤﺚ ﰲ اﻟﺼﺪوع واﻟﺸﻘﻮق ﰲ ﺻﺤﺮاء أرﻳﺤﺎ املﻘﻔﺮة ،ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ َ ﺣﻤﺎسٍ ﻓﺒﺪءوا ﰲ
اﻟﺒﺤﺮ املﻴﺖ .وﰲ ﻋﺎم ،١٩٥٢اﻛﺘﺸﻔﻮا ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺣﻄﺎم ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻗﻤﺮان ،ﻋﲆ
ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻣﻴﻞ ﻣﻦ اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻷﺻﲇ اﻟﺬي ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﺒﻲ اﻟﺒﺪوي ﰲ اﻟﻜﻬﻒ اﻷول .وﻗﺪ
أدﱠى ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺒﺤﺚ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﺒﺪو وﻋﻠﻤﺎء اﻵﺛﺎر إﱃ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻣﻨﻄﻘﺔ
ٌ
ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻳﻬﻮدﻳﺔ ﻣﻨﻌﺰﻟﺔ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ اﻷﺳﻴﻨﻴني ،وﻛﺎﻧﻮا ﻫﻢ ﻣَ ﻦ ﻛﺘﺒﻮا ﺗﻠﻚ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻜﻨﻬﺎ
املﺨﻄﻮﻃﺎت وأﺧﻔﻮﻫﺎ ،رﺑﻤﺎ ﻛﻲ ﻳﻌﻮدوا إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﺨ ﱡﻠﺺ ﻣﻦ اﻻﺿﻄﻬﺎد اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ.
152
أﻫﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷَﺛﺮﻳﺔ اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ
ﻋُ ِﺜ َﺮ ﻋﲆ آﻻف اﻷﺟﺰاء ﻣﻦ ﺣﻮاﱄ ٤٠٠ﻣﺨﻄﻮﻃﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ أﺟﺰاء ﻣﻦ
ﻛﻞ ِﺳ ْﻔﺮ ﻣﻦ أﺳﻔﺎر اﻟﻜﺘﺎب املﻘﺪس ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪا ِﺳ ْﻔﺮ إﺳﺘري .ورﺑﻤﺎ ﺗﻤﺮ ﻋﻘﻮد ﻗﺒﻞ ﺗﻘﻴﻴﻢ
املﺪﻟﻮل اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﺘﻠﻚ املﺨﻄﻮﻃﺎت ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻗﺪ أدت ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ إﱃ ﺳ ﱢﺪ ﺛﻐﺮات ﻣﻬﻤﺔ ﰲ ﻣﻌﺮﻓﺘﻨﺎ
ﺑﺎﻟﻜﺘﺎب املﻘﺪس؛ ﻓﻘﺪ أﻋﻄﺘﻨﺎ ﻓﻬﻤً ﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ﻟﻠﻤﻨﺎخ اﻟﺪﻳﻨﻲ اﻟﺬي ُوﻟِﺪ ﻓﻴﻪ املﺴﻴﺢ ،وﻷول ﻣﺮة
ﺗﺘﻜﺸﻒ ﻟﻨﺎ ﻃﺎﺋﻔﺔ اﻷﺳﻴﻨﻴني اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ.
إن اﻟﺴﻔﻦ اﻟﺘﻲ ﻏﺮﻗﺖ ﻣﻨﺬ ﻋﺪة ﻗﺮون ﺗﻌﺪ ﺳﺠﻼت ﻟﻠﻌﺼﻮر اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺤﺮ ﻓﻴﻬﺎ .وﺣﺘﻰ ﱠ
وﻗﺖ ﻗﺮﻳﺐ ﺟﺪٍّا ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻇﻬﺮت أﺟﻬﺰة ﻣﺘﻄﻮﱢرة ﻣﺜﻞ ﺟﻬﺎز ﻗﻴﺎس املﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻴﺔ واﻟﺴﻮﻧﺎر
وﻛﺎﻣريات اﻟﻔﻴﺪﻳﻮ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ اﻟﺘﺤ ﱡﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻦ ﺑُﻌْ ﺪ؛ ﻛﺎن املﺼﺪر اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﺴﻔﻦ
153
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻟﻐﺎرﻗﺔ ﰲ اﻟﺒﺤﺎر ﻫﻮ اﻟﻐﻮﱠاﺻني اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺒﺤﺜﻮن ﻋﻦ اﻹﺳﻔﻨﺞ ﰲ اﻟﺒﺤﺮ املﺘﻮﺳﻂ .ﻓﻜﺜريًا ﻣﺎ
ﻛﺎن ﻳﻌﺜﺮ ﻫﺆﻻء اﻟﺮﺟﺎل ﻋﲆ ﺳﻔﻦ ﻏﺎرﻗﺔ أو آﺛﺎر ﻣﻨﻬﺎ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﺒﺤﺜﻮن ﻋﻦ اﻹﺳﻔﻨﺞ ﰲ ﻗﺎع
أﻋﻤﺎق ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻦ ١٠٠ﻗﺪم.
ٍ اﻟﺒﺤﺮ ﻋﲆ
ﻣﺴﺘﻜﺸﻔﻲ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﻐﺎرﻗﺔ وﻳُﺪﻋَ ﻰ ﺟﻮرج ﺑﺎس ﰲ ﻋﺪد دﻳﺴﻤﱪ ١٩٨٧ ِ ﻛﺘﺐ أﺣﺪ
ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺔ »ﻧﺎﺷﻮﻧﺎل ﺟﻴﻮﺟﺮاﻓﻴﻚ« ﻳﻘﻮل:
ﻋ ﱠﻠﻤﺘﻨﺎ ﺧﱪﺗﻨﺎ اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ أن أﻓﻀﻞ ﻣﺼﺎدر املﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻦ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﻐﺎرﻗﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ
ﻫﻲ اﻟﻐﻮﱠاﺻﻮن ﰲ ﻗﻮارب اﻹﺳﻔﻨﺞ ﺑﱰﻛﻴﺎ … إﻧﻬﻢ أﻫﻢ ﺑﻜﺜري ﻣﻦ أﺟﻬﺰة ﻗﻴﺎس
املﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻴﺔ واﻟﺴﻮﻧﺎر املﺘﻄﻮرة … ﻓﻔﻲ ﻣﻮﺳﻢ ﺻﻴﻔﻲ واﺣﺪ ،ﻳﻘﴤ اﻟﻐﻮﱠاﺻﻮن
ﰲ ٢٥ﻗﺎرﺑًﺎ ﺣﻮاﱄ ٢٠أﻟﻒ ﺳﺎﻋﺔ ﻳﻐﻮﺻﻮن ﰲ ﻗﺎع املﺎء ﺑﺤﺜًﺎ ﻋﻦ اﻹﺳﻔﻨﺞ.
ﱠاﺻﻮ اﻹﺳﻔﻨﺞ ﻛﺄﺳﺎس ﻟﻼﺳﺘﻜﺸﺎﻓﺎت اﻷَﺛﺮﻳﺔ إن اﺳﺘﺨﺪام املﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﻮﱢﻓﺮﻫﺎ ﻏﻮ ُ
ﻳﺠﻌﻞ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﻳﺼﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﻫﺆﻻء ﻏري ﴎﻧﺪﻳﺒﻴﺔ .ﻟﻜﻦ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷوﱃ اﻟﺘﻲ
اﻋﺘﻤﺪت ﻋﲆ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻏﻮﱠاﴆ اﻹﺳﻔﻨﺞ ﺑﻼ ﺷ ﱟﻚ ﴎﻧﺪﻳﺒﻴﺔ؛ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﺪى ﻫﺆﻻء أﻳﺔ ﻧﻴﺔ
ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺳﻔﻦ ﻏﺎرﻗﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻫﻤﱡ ﻬﻢ ﻓﻘﻂ ﻫﻮ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ اﻹﺳﻔﻨﺞ.
اﻛﺘﺸﺎف ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺗﻨﺘﻤﻲ ﻟﻠﻌﴫ اﻟﱪوﻧﺰي ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻴﺎ :ﻗﺎﺑَﻞ ﺑﻴﱰ
املﺴﺘﻜﺸﻔني ،رﺑﱠﺎﻧًﺎ ﺗﺮﻛﻴٍّﺎ ﺿﺨﻢ اﻟﺒﻨﻴﺔ ﻷﺣﺪ ﻗﻮارب اﻟﺒﺤﺚ
ِ ﺛﺮوﻛﻤﻮرﺗﻮن ،أﺣﺪ اﻟﻐﻮﱠاﺻني
ﻋﻦ اﻹﺳﻔﻨﺞ ،وﻗﺪ ﻋﺜ َ َﺮ ﻋﲆ أﺣﺪ اﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ اﻟﱪوﻧﺰﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وﺟَ ﱠﺮة ﻓﺨﺎرﻳﺔ ﰲ ﻗﺎع اﻟﺒﺤﺮ
املﺘﻮﺳﻂ .وأﻋﺮب اﻟﺮﺑﱠﺎن ﻋﻦ ﻋﺪم رﺿﺎﺋﻪ ﻋﻦ ﻣﻌﺪات اﻟﻐﻮص اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ املﺘﻤﺜﻠﺔ ﰲ أﺟﻬﺰة
ِ
املﺴﺘﻜﺸﻔني؛ اﻟﺘﻨﻔﺲ ﺗﺤﺖ املﺎء ،اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ املﺠﻤﻮﻋﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﻮﱠاﺻني ﱡ
ﻛﺎن ﻳﺮى أﻧﻬﺎ ﻟﻠﺴﺎﺋﺤني ﻓﻘﻂ وﻟﻴﺴﺖ ﻟﻠﻐﻮاﺻني اﻟﺤﻘﻴﻘﻴني .ﻟﻜﻦ ﴎﻋﺎن ﻣﺎ اﻛﺘﺴﺐ
اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﻮن وﻣﻌﺪاﺗﻬﻢ اﺣﱰا َم اﻟﻐﻮﱠاﺻني اﻟﱰﻛﻴﱢني .وﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ،ﻓﻘﺪ اﻋﺘﺎد ﻏﻮﱠاﺻﻮ
اﻹﺳﻔﻨﺞ اﻷﺻﻐﺮ ﺳﻨٍّﺎ ﻋﲆ اﺳﺘﺨﺪام ﺗﻠﻚ املﻌﺪات وﺗﺨ ﱠﻠﻮا ﻋﻦ ﺧﻮذات اﻟﻐﻮص املﻌﺪﻧﻴﺔ
اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻧﻬﺎ.
ﻣ ﱠﺮ ﺻﻴﻒ ﻋﺎم ١٩٥٨دون أي اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻣﺤﺪدة ،ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻋﻠﻦ أﺣ ُﺪ ﻏﻮﱠاﴆ
اﻹﺳﻔﻨﺞ دون اﻛﱰاث ﻋﻦ وﺟﻮد ﺳﺒﺎﺋﻚ ﺑﺮوﻧﺰﻳﺔ ﻣﺘﺂﻛﻠﺔ ﻋﲆ ﺷﻜﻞ ﺟﻠﻮد ﺣﻴﻮاﻧﺎت،
ﻗ ﱠﺮ َر ﺛﺮوﻛﻤﻮرﺗﻮن وﻓﺮﻳﻘﻪ اﻟﻌﻮد َة ﻣﺮة أﺧﺮى ﰲ ﺻﻴﻒ اﻟﻌﺎم اﻟﺘﺎﱄ ﺣﻴﺚ ﺗﻤ ﱠﻜﻨﻮا ﻣﻦ
ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻮﻗﻊ ﻏﺮق إﺣﺪى اﻟﺴﻔﻦ اﻟﺘﻲ ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ إﱃ اﻟﻌﴫ اﻟﱪوﻧﺰي .وﻣﻊ أﻧﻬﻢ
ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮا اﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻋﺜﺮوا ﻋﲆ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ رءوس اﻷﺳﻬﻢ واﻟﻔﺌﻮس
154
أﻫﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷَﺛﺮﻳﺔ اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ
واﻟﺴﺒﺎﺋﻚ اﻟﱪوﻧﺰﻳﺔ واﻷواﻧﻲ اﻟﻔﺨﺎرﻳﺔ اﻟﺒﺪاﺋﻴﺔ .ﻟﻜﻦ اﻟﻄﻘﺲ اﻟﺴﻴﺊ ﺣﺎ َل دون إﺟﺮاء
املﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺣﺘﻰ ﺻﻴﻒ اﻟﻌﺎم اﻟﺘﺎﱄ؛ أي ﻋﺎم .١٩٦٠وﰲ ذﻟﻚ اﻟﺼﻴﻒ،
ﻋﺜﺮوا أﺧريًا ﻋﲆ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ أو ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﻋﲆ أﺟﺰاء ﻣﻦ ﻫﻴﻜﻠﻬﺎ وﺑﻌﺾ اﻷدوات املﻮﺟﻮدة
ُ
ﺗﺎرﻳﺦ آﺧِ ﺮ رﺣﻠﺔ ﻟﻠﺴﻔﻴﻨﺔ ﻫﻮ ﻋﺎم ١٢٠٠ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ﺿﻤﻦ ﺣﻤﻮﻟﺘﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳُﺮﺟﺢ أن ﻳﻜﻮن
ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ .وﻗﺪ وﺿﻌﻮا أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻃﻦ ﻣﻦ اﻷﻏﺮاض املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﱪوﻧﺰ واﻟﻨﺤﺎس املﻮﺟﻮدة
ﺿﻤﻦ ﺣﻤﻮﻟﺔ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﰲ ﻣﺘﺤﻒ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻮدروم ﺑﱰﻛﻴﺎ.
اﻛﺘﺸﺎف ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻳﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻗﱪص :ﺗﻢ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻳﻮﻧﺎﻧﻴﺔ ﻏﺮﻗﺖ
ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺳﺎﺣﻞ ﻗﱪص ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻗﺒﻞ املﻴﻼد .ﻛﺎن ﻣﻔﺘﺎح اﻻﻛﺘﺸﺎف ﻫﻨﺎ ً
أﻳﻀﺎ
اﻟﺠﺮار واﻷواﻧﻲ اﻟﻔﺨﺎرﻳﺔ وأواﻧﻲ اﻟﺨﻤﺮ ً
ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ِ رﺻ َﺪ اﻟﻐﻮﱠاص ﻏﻮ ُ
ﱠاص إﺳﻔﻨﺞ؛ ﻓﻘﺪ َ
ً ً
اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﺨﺪَﻣﺔ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ ﻋﺎدة ﰲ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ ﺑﺎﻟﺒﺤﺮ
املﺘﻮﺳﻂ .وﰲ ﻋﺪد ﺷﻬﺮ ﻳﻮﻧﻴﻮ ﻟﻌﺎم ١٩٧٠ﻣﻦ ﻣﺠﻠﺔ »ﻧﺎﺷﻮﻧﺎل ﺟﻴﻮﺟﺮاﻓﻴﻚ« ،اﻗﺘﺒﺲ
ﻣﺎﻳﻜﻞ ﻛﺎﺗﺰﻳﻒ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ اﻟﻐﻮﱠاص اﻟﻘﱪﴆ ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻋﺜﻮره ﻋﲆ اﻷواﻧﻲ ،ﺛﻢ ﻋﻦ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ
اﻟﺘﻲ واﺟﻬﺘﻪ ﰲ اﻟﻌﺜﻮر ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ:
ﻻﺣﻈﺖ ﻓﺠﺄ ًة ﻣﺮﺳﺎة ﻗﺎرﺑﻲ ﺗُﺴﺤَ ﺐ،
ُ ﻛﻨﺖ أﻏﻮص ﺑﺤﺜًﺎ ﻋﻦ اﻹﺳﻔﻨﺞ، ُ ﺑﻴﻨﻤﺎ
ﺻﻌﺪت إﱃ اﻟﺴﻄﺢ،ُ ﻓﺘﺘﺒﻌﺘﻬﺎ ووﺟﺪﺗﻬﺎ ﺗﻨﺰﻟﻖ ﺧﻠﻒ ﻫﺬا اﻟﺘﻞ ،ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﻫﺒﱠﺖ ﻋﺎﺻﻔﺔ ﺷﺪﻳﺪة؛ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺪع وﻗﺘًﺎ أﻣﺎﻣﻲ ﻟﻜﻲ أﺣﺪﱢد اﺗﺠﺎﻫﻲ.
وﻛﻨﺖ أﺣﺎول ﻋﲆ ﻣﺪى ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻜﺎن اﻷواﻧﻲ ﻣﺮ ًة ﺛﺎﻧﻴﺔ .وإﻧﻜﻢ
اﺳﺘﻄﻌﺖ ﻣﻨﺬ ﺑﻀﻌﺔ أﺳﺎﺑﻴﻊ ﻓﻘﻂ رؤﻳﺔ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻣﺮ ًة أﺧﺮى،ُ ملﺤﻈﻮﻇﻮن ،ﻓﻘﺪ
ُ
اﺣﺘﻔﻈﺖ ﱠ
ﻳﺘﻌني ﻋﻠﻴﻬﻢ ملﺴﻬﺎ .وﻟﻘﺪ وﻫﻲ ﻣﻠﻜﻜﻢ اﻵن .ﻓﻌﻠﻤﺎء اﻵﺛﺎر ﻓﻘﻂ ﻣَ ْﻦ
ُﻨﺴﺐ ﻫﺬا اﻟﴩف إﱃ ﺑﻠﺪﺗﻲ .وﻳﺠﺐ ﱠأﻻ ﺗﻨﺴﻮا ﺑﺎﻟﴪ ﻣﻦ أﺟﻠﻜﻢ وﻟﻀﻤﺎن أن ﻳ َ
أﻧﻬﺎ ﺟﺰءٌ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﻛﺎﻳﺮﻳﻨﻴﺎ.
ﻛﺎن ﻫﻴﻜﻞ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ اﻟﺨﺸﺒﻲ ﺳﻠﻴﻤً ﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺮﻣﺎل اﻟﺘﻲ ﻏﻄﺘﻪ ملﺪة ٢٢ﻗﺮﻧًﺎ،
وﺑﺴﺒﺐ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻔﻴﺢ ﻛﺎن اﻟﻐﺮض ﻣﻨﻬﺎ ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺨﺸﺐ ﻣﻦ دﻳﺪان اﻟﺴﻔﻦ .وﻳﺒﺪو
أن ﻃﺎﻗﻢ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺆﻣﻨﻮن ﺑﺸﺪة ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ اﻟﻐﻄﺎء اﻟﺼﻔﻴﺤﻲ؛ ﻓﻘﺪ وﺟﺪ ﻋﻠﻤﺎءُ اﻵﺛﺎر
أن اﻟﺪﻳﺪان ﻗﺪ أﺣﺪﺛﺖ دﻣﺎ ًرا ﺷﺪﻳﺪًا ﰲ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﺗﺤﺖ اﻟﺼﻔﻴﺢ ،وﺧﻤﱠ ﻨﻮا أن اﻟﺤَ ْﻔ َﺮ اﻟﺬي
ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺪﻳﺪان رﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮن اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﻏﺮق اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ.
أﺳ َﺲاﻛﺘﺸﺎف ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﴫ اﻟﱪوﻧﺰي ﰲ أوﻟﻮ ﺑﻮرون :ﰲ ﻋﺎم ،١٩٧٣ﱠ
ﺟﻮرج إف ﺑﺎس ﻣﻌﻬ َﺪ ﻋﻠﻢ اﻵﺛﺎر اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺗﻜﺴﺎس ﻟﻠﻌﻠﻮم اﻟﺰراﻋﻴﺔ واملﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ،
155
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺣﻴﺚ ﺷﻐﻞ ﻣﻨﺼﺐ أﺳﺘﺎذ ﰲ ﻋﻠﻢ اﻵﺛﺎر اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ .ﻳﺘﻮﱃ ﻫﺬا املﻌﻬ ُﺪ ﻣﻊ ﺟﻤﻌﻴﺔ ﻧﺎﺷﻮﻧﺎل
ﺟﻴﻮﺟﺮاﻓﻴﻚ وﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ وﻫﻴﺌﺔ اﻟﻮﻗﻒ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﻌﻠﻮم اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ وﻣﻌﻬﺪ
ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻹﻳﺠﻴﺔ ﺗﻤﻮﻳﻞ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻋﻦ ﺣﻄﺎم اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ اﻟﻐﺎرﻗﺔ ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺔ
أوﻟﻮ ﺑﻮرون ،اﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﰲ ﻋﺎم ١٩٨٤واﺳﺘﻤﺮت ﰲ ﻋﺎم .١٩٨٨
ﺷﻜﻞ :6-18ﺣﻄﺎم ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻏﺎرﻗﺔ ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎرﻳﺨﻬﺎ إﱃ اﻟﻌﴫ اﻟﱪوﻧﺰي ﰲ أوﻟﻮ ﺑﻮرون ﺑﱰﻛﻴﺎ.
ً
ﺻﻔﻮﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﺒﺎﺋﻚ اﻟﻨﺤﺎﺳﻴﺔ رﺑﺎﻋﻴﺔ اﻷﻳﺪي ﻋﲆ اﻛﺘﺸﻒ اﻟﻘﺎﺋﻤﻮن ﻋﲆ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻨﻘﻴﺐ
ﻋﻤﻖ ١٦٠ﻗﺪﻣً ﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ.
ﻇﻬﺮت أول إﺷﺎرة إﱃ ﺣﻄﺎم اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ اﻟﻐﺎرﻗﺔ ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺔ أوﻟﻮ ﺑﻮرون ﰲ ﺻﻴﻒ
ﻋﺎم .١٩٨٢إذ ذﻛﺮ ﻏﻮﱠاص إﺳﻔﻨﺞ ﺷﺎب ﻟﺮﺋﻴﺴﻪ أﻧﻪ رأى »ﻗﻄﻊ ﺑﺴﻜﻮﻳﺖ ﻣﻌﺪﻧﻲ ذات
آذان« ﻏﺮﻳﺒﺔ ﰲ ﻗﺎع اﻟﺒﺤﺮ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﻋﻤﻖ ١٥٠ﻗﺪﻣً ﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ
ﺗﻨﻘﻴﺐ ﺗﺤﺖ ﺳﻄﺢ املﺎء .وأدرك رﺋﻴﺲ اﻟﺸﺎب أن وﺻﻒ اﻟﺸﺎب ﻳﻨﻄﺒﻖ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻋﲆ ﺳﺒﺎﺋﻚ
اﻟﻨﺤﺎس املﻨﺘﻤﻴﺔ ﻟﻠﻌﴫ اﻟﱪوﻧﺰي اﻟﺘﻲ رآﻫﺎ ﰲ رﺳ ٍﻢ ﻛﺎن ﻣﻌﻬ ُﺪ ﻋﻠﻢ اﻵﺛﺎر اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﻗﺪ
و ﱠزﻋَ ﻪ ﻋﲆ أﺻﺤﺎب ﻗﻮارب ﺗﺠﻤﻴﻊ اﻹﺳﻔﻨﺞ ،وﻧﻘﻞ ذﻟﻚ املﻌﻬﺪ .ﺗﻢ ﻋﻤﻞ ﻣﺴﺢ ﻣﺒﺪﺋﻲ
156
أﻫﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷَﺛﺮﻳﺔ اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ﻟﻘﺪ أُﺟﺮيَ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻷَﺛﺮﻳﺔ اﻷﺧﺮى ،ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺧﻼل »املﺤﺎوﻟﺔ اﻟﺪءوﺑﺔ«
وﻟﻜﻦ ً
أﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻨﻈﻴﻢ اﻟﺠﻴﺪ ،أو اﻟﺘﺨﻄﻴﻂ ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎل اﻟﺴري دﻳﺮﻳﻚ ﺑﺎرﺗﻮن )اﻧﻈﺮ
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﺜﻼﺛني( .وﻣﻦ ﺑني اﻷﻣﺜﻠﺔ اﻟﻌﺪﻳﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ذﻛﺮﻫﺎ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن
اﻛﺘﺸﺎف ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺗﺎﻳﺘﺎﻧﻴﻚ .ﻓﻘﺪ أوﺿﺢ ﻫﺬا اﻹﻧﺠﺎز اﻟﺬي أﴎ اﻧﺘﺒﺎه اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻐﺮﺑﻲ
157
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻂ اﻟﺠﻴﺪ ﻟﻠﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص واﺳﺘﺨﺪام املﻌﺪات اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،اﻟﺘﻲ ﺻﻤﱢ ﻢ اﻟﺘﺨﻄﻴ َ
وﺻﻒ ﻟﻬﺬا املﴩوع ﻣﻮﺿﺢ ﺑﺎﻟﺼﻮر ﰲ ﻣﻘﺎﻟني ﰲ ٌ ﺧﺼﻴﴡ ﻟﻬﺬا اﻟﻬﺪفُ .
وﻗﺪﱢم َ ﺑﻌﻀﻬﺎ
ﻣﺠﻠﺔ »ﻧﺎﺷﻮﻧﺎل ﺟﻴﻮﺟﺮاﻓﻴﻚ« ﰲ دﻳﺴﻤﱪ ١٩٨٥و ،١٩٨٦وﰲ ﻛﺘﺎب روﺑﺮت دي ﺑﺎﻟﺮد
»اﻛﺘﺸﺎف ﺗﺎﻳﺘﺎﻧﻴﻚ« ).(١٩٨٧
158
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ
ﰲ ﻋﺎم ،١٩٦٤ﻛﺎن ﻛﻞ ﻣﻦ آرﻧﻮ ﺑﻴﻨﺰﻳﺲ وروﺑﺮت وﻳﻠﺴﻦ ،ﻣﻦ ﴍﻛﺔ ﺑﻴﻞ ﻻﺑﻮرﺗﻮرﻳﺰ ﰲ
ﻫﻮملﺪﻳﻞ ﺑﻨﻴﻮ ﺟريﳼ ،ﻳﻌﺪﱢﻟﻮن ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﻫﻮاﺋﻲ ﻻﺳﻠﻜﻲ ﻛﺎن ﻳُﺴﺘﺨﺪَم ﻻﺳﺘﻘﺒﺎل إﺷﺎرات
ﻣﻦ أﻗﻤﺎر ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻻﺗﺼﺎﻻت؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺤﺎوﻻن اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻹﺟﺮاء ﺑﻌﺾ
اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻌﺎدﻳﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﴚء ﻋﲆ إﺷﺎرات اﻟﺮادﻳﻮ ﻣﻦ اﻟﻔﻀﺎء اﻟﺨﺎرﺟﻲ .وﻣﻦ أﺟﻞ
اﻹﻋﺪاد ﻟﺬﻟﻚ ،ﺣﺎو ََﻻ اﻟﺤ ﱠﺪ ﻣﻦ ﻛ ﱢﻞ ﻣﺼﺎدر إﺷﺎرات اﻟﺮادﻳﻮ اﻷرﺿﻴﺔ .وﻃﺮدا زوﺟني ﻣﻦ
وأزاﻻ ﻣﺎ ﻳُﻄ َﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻠﻤﻴٍّﺎ »ﻣﺎدة
َ ﻳﻌﺸﺸﺎن ﰲ اﻟﻬﻮاﺋﻲ اﻟﺒﻮﻗﻲ اﻟﺸﻜﻞ، اﻟﺤﻤﺎم ﻛﺎﻧﺎ ﱢ
ﻋﺰل ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻲ ﺑﻴﻀﺎء« .وﺑﻌﺪ أﺧﺬ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻻﺣﺘﻴﺎﻃﺎت ،وﺟَ ﺪَا أﻧﻪ ﻣﺎ زال ﻳﻮﺟﺪ ﺑﻌﺾ
ﻧﺔ ﺑﺎﻟﺘﺸﻮﻳﺶ اﻹذاﻋﻲ. »اﻟﺘﺸﻮﻳﺶ« اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ ،ﻣﻘﺎ َر ً
ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺗﻘﻮل ﺑﺄن ﻧﺸﺄة اﻟﻜﻮن ﺑﺪأت ﻣﻨﺬ ١٥ﻣﻠﻴﺎر ﻋﺎم ﻣﻊ ﺣﺪوث ٌ ﻛﺎن ﻟﻠﻔﻠﻜﻴني
ﻄﺎ اﺳﻢ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﻌﻈﻴﻢ. اﻧﻔﺠﺎر ﻫﺎﺋﻞ ملﺎدة ﻣﻜﺜﱠﻔﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ؛ وأﻃﻠﻘﻮا ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﺒﺴﻴ ً
أدﱠى ﻫﺬا اﻻﻧﻔﺠﺎر إﱃ ﺣﺪوث إﺷﻌﺎع ﻫﺎﺋﻞ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻗﺔ أﺧﺬ ﻳﺘﻨﺎﻗﺺ ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤني،
وﻛﺎن ﺟﻴﻤﺲ ﺑﻴﺒﻠﺰ ﻗﺪ ﻗﺪﱠم ورﻗﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ ﺣﻮل ﻫﺬه اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﰲ ﻟﻘﺎء ﻋﻠﻤﻲ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ
ﺟﻮن ﻫﻮﺑﻜﻴﻨﺰ ﰲ أواﺋﻞ ﻋﺎم .١٩٦٥وﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ )ﺣﻴﺚ ﺗﻮﺟﺪ رواﻳﺎت ﻣﺘﻌﺪﱢدة ﺣﻮل
ﻫﺬا املﻮﺿﻮع( ،ﺳﻤﻊ ﺑﻴﻨﺰﻳﺲ ووﻳﻠﺴﻦ ﻣﻦ ﴍﻛﺔ ﺑﻴﻞ ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻮرﻗﺔ وﺑﻨﻈﺮﻳﺎت ﺑﻴﺒﻠﺰ
ِ
املﻌﻠﻮﻣﺎت، وﴍﻛﺔ ﺑﻴﻞ ﺗﻠﻚ ُ ﻋﻦ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﻌﻈﻴﻢ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺒﺎ َد َﻟ ْﺖ ﻓِ َﺮ ُق ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﺮﻳﻨﺴﺘﻦ
ﱠ
ﻣﺘﻮﻗﻌﺔ املﻜﺘﺸﻒ ﻣﻦ اﻟﻬﻮاﺋﻲ اﻟﻼﺳﻠﻜﻲ ﻟﴩﻛﺔ ﺑﻴﻞ ﻫﻮ ﻃﺎﻗﺔ َ وﺻﻠﻮا إﱃ أن »اﻟﺘﺸﻮﻳﺶ«
املﺘﺒﻘﻲ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﻧﻔﺠﺎر اﻟﻌﻈﻴﻢ ،وﻗﺎﻟﻮا» :إﻣﺎ أﻧﻨﺎ رأﻳﻨﺎ ﻣﻴﻼ َد اﻟﻜﻮن ،وإﻣﺎ ﱢ ﻣﻦ اﻹﺷﻌﺎع
)ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻘﻮل اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴﻮن اﻟﻔﻠﻜﻴﻮن( أﻧﻨﺎ رأﻳﻨﺎ ﻛﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺤَ ﻤَ ﺎم!«
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ً
ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻻﺳﺘﻨﺘﺎج، َ
اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻷﻛﺜﺮ ﻳﺒﺪو أن املﺴﺌﻮﻟني ﻋﻦ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﻗﺪ ﻗ ِﺒ َﻼ
ﺣﻴﺚ ﻣﻨﺤﻮا ﺑﻴﻨﺰﻳﺲ ووﻳﻠﺴﻦ ﺟﺎﺋﺰ َة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء ﻟﻌﺎم .١٩٧٨
160
ٌ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻓﻠﻜﻴﺔ وﻟﻴﺪة املﺼﺎدﻓﺔ
اﺳﺘﻄﺎﻟﺔ ﻟﺼﻮرة اﻟﻜﻮﻛﺐ .ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ،اﻓﱰ ََض أن ً ﻣﺴﺢ اﻟﻨﺠﻮم ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﻌﻞ ﻫﺬا ،ﻻﺣَ َ
ﻆ
ﺗﻠﻚ اﻻﺳﺘﻄﺎﻟﺔ ﳾءٌ ﻣﺼﻄﻨﻊ ،وﻛﺎن ﻋﲆ وﺷﻚ اﻟﺘﺨ ﱡﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﺼﻮرة ،ﻟﻜﻦ ﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﻆ
ﻓﻨﻲ إﻟﻜﱰوﻧﻴﺎت ﻄﻞ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ .اﺳﺘﺪﻋﻰ ﻛﺮﻳﺴﺘﻲ ﱠ ﻻﺣﻘﺎ( ،ﺑﺪأ اﻟﺠﻬﺎز ﻳﺘﻌ ﱠ)ﻛﻤﺎ اﺗﻀﺢ ً
اﻟﻔﻨﻲ ﻣﻦ ﻛﺮﻳﺴﺘﻲ أن ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻌﻪ وﻫﻮ ﻳﺒﺎﴍ إﺻﻼح اﻟﺠﻬﺎز؛ ﻷﻧﻪ ﱡ ﻹﺻﻼح اﻟﺠﻬﺎز ،ﻓﻄﻠﺐ
ﻛﺎن ﻳﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ رﺑﻤﺎ ﻳﺤﺘﺎج إﱃ ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻛﺮﻳﺴﺘﻲ.
َ
أﺛﻨﺎء اﻟﺴﺎﻋﺔ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻐﺮﻗﺘﻬﺎ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻹﺻﻼح ،درس ﻛﺮﻳﺴﺘﻲ اﻟﺼﻮرة ﺑﻌﻨﺎﻳ ٍﺔ أﻛﱪ؛
ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻟﻠﻜﻮﻛﺐ .وأول ﺻﻮرة ٍ ﺻﻮر
ٍ اﻟﺒﺤﺚ ﰲ أرﺷﻴﻒ اﻟﺼﻮر ﻋﻦ َ ً
وﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺬﻟﻚ ﻗ ﱠﺮ َر
وﺟﺪﻫﺎ ﻛﺎن ﻣﻜﺘﻮﺑًﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ» :ﺻﻮرة ﺑﻠﻮﺗﻮ .ﺑﻪ اﺳﺘﻄﺎﻟﺔ .اﻟﻠﻮح ﻟﻴﺲ ﺟﻴﺪًا .ﻣُﺴﺘﺒﻌَ ﺪة «.أﺛَﺎ َر
ذﻟﻚ اﻫﺘﻤﺎﻣَ ﻪ وﺑﺤﺚ ﻋﱪ اﻷرﺷﻴﻒ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ ،ﻓﻮﺟﺪ ﺳﺖ ﺻﻮر أﺧﺮى ﻣﺆ ﱠرﺧﺔ ﺑني ﻋﺎﻣَ ْﻲ
دراﺳﺎت أﺧﺮى أﺟﺮاﻫﺎ أن اﻻﺳﺘﻄﺎﻟﺔ ٌ ١٩٦٥و ١٩٧٠أﻇﻬﺮت ﻧﻔﺲ اﻻﺳﺘﻄﺎﻟﺔ .وأﺛﺒﺘَ ْﺖ
ﻄﻞ ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻜﺮﻳﺴﺘﻲ أن ﻫﻲ ﻗﻤﺮ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﻠﻜﻮﻛﺐ .وﻫﻜﺬا ،ﻓﻠﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺠﻬﺎز ﻗﺪ ﺗﻌ ﱠ
ﻳﻜﺘﺸﻒ اﻟﻘﻤﺮ اﻟﺠﺪﻳﺪ.
161
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﴩون
) (1اﻷﻧﺴﻮﻟني
ﰲ ﻋﺎم ١٨٨٩ﰲ ﺳﱰاﺳﺒﻮرج ﺑﺄملﺎﻧﻴﺎ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﺟﻮزﻳﻒ ﻓﻮن ﻣريﻳﻨﺞ وأوﺳﻜﺎر
ﻣﻴﻨﻜﻮﻓﺴﻜﻲ ﻳﺪرﺳﺎن وﻇﻴﻔﺔ اﻟﺒﻨﻜﺮﻳﺎس ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﻬﻀﻢ ،اﺳﺘﺄﺻﻼ ﺑﻨﻜﺮﻳﺎس أﺣﺪ
ﻈ َﺮا إﱃ اﻟﺬﺑﺎب اﻟﺬي ﻳﻘﻒ ﻋﲆ اﻟﻜﻼب .وﰲ ﻳﻮم ﻻﺣﻖ ،ﻃ َﻠﺐَ ﻣﺴﺎﻋِ ﺪ ﻟﻬﻤﺎ ﰲ املﻌﻤﻞ أن ﻳﻨ َ
ﺑﻮل ﻫﺬا اﻟﻜﻠﺐ؛ ﻓﺄﺧﺬﻫﻤﺎ اﻟﻔﻀﻮل ﺑﺸﺄن اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي ﺟﺬب اﻟﺬﺑﺎب إﱃ ﻫﺬا اﻟﺒﻮل ،ﻓﺤ ﱠﻠ َﻼه
ﻓﻮﺟَ ﺪَا أﻧﻪ ﻣﲇء ﺑﺎﻟﺴﻜﺮ .ووﺟﻮد ﺳﻜﺮ ﰲ اﻟﺒﻮل ﻳﻤﺜﻞ إﺣﺪى اﻟﻌﻼﻣﺎت اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ ﻟﻺﺻﺎﺑﺔ
ﺑﻤﺮض اﻟﺴﻜﺮ.
دﻟﻴﻼ ﻋﲆ اﻹﻧﺘﺎج املﻌﻤﲇ ملﺮض اﻟﺴﻜﺮ ﰲ أﺣﺪ أدرك اﻟﻌﺎملﺎن أﻧﻬﻤﺎ ﻳﺮﻳﺎن ﻷول ﻣﺮة ً
اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت .وأدت ﺣﻘﻴﻘﺔ اﺳﺘﺌﺼﺎل اﻟﺒﻨﻜﺮﻳﺎس ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺤﻴﻮان إﱃ اﻗﱰاح وﺟﻮد ﻋﻼﻗﺔ
أﺛﺒﺖ ﻫﺬان اﻟﻌﺎملﺎن أن اﻟﺒﻨﻜﺮﻳﺎس ﻳﻨﺘﺞ إﻓﺮا ًزا ﻳﺘﺤ ﱠﻜﻢ
ﺑني اﻟﺒﻨﻜﺮﻳﺎس وﻣﺮض اﻟﺴﻜﺮ .ﺛﻢ َ
ﰲ اﺳﺘﻬﻼك اﻟﺴﻜﺮ ،وأن وﺟﻮد ﻧﻘﺺ ﰲ ﻫﺬا اﻹﻓﺮاز ﻳﺴﺒﱢﺐ ﻣﺸﻜﻼت ﰲ أﻳﺾ اﻟﺴﻜﺮ
ﺗﻈﻬﺮ ﻋﲆ ﻫﻴﺌﺔ أﻋﺮاض ملﺮض اﻟﺴﻜﺮ.
ﻧﺠﺎح ﻛﺒري ،وذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻋﺎم ٍ أُﺟﺮﻳﺖ ﻣﺤﺎوﻻت ﻋﺪﻳﺪة ﻟﻌﺰل ﻫﺬا اﻹﻓﺮاز ،ﻟﻜﻦ دون
١٩٢١ﺣني اﺳﺘﻄﺎع ﺑﺎﺣﺜﺎن ،ﻫﻤﺎ :ﻓﺮﻳﺪرﻳﻚ ﺟﻲ ﺑﺎﻧﺘﻴﻨﺞ وﻫﻮ ﻃﺒﻴﺐ ﻛﻨﺪي ﺷﺎب،
وﺗﺸﺎرﻟﺰ إﺗﺶ ﺑﻴﺴﺖ وﻫﻮ ﻃﺎﻟﺐ ﰲ ﻛﻠﻴﺔ اﻟﻄﺐ ،ﻛﺎﻧﺎ ﻳﺤﺎوﻻن اﻟﻘﻴﺎ َم ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﻌﺰل ﰲ
ﻣﻌﻤﻞ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﺟﻮن ﺟﻴﻪ آر ﻣﺎﻛﻠﻴﻮد ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺗﻮروﻧﺘﻮ؛ ﻋﺰ َل اﻹﻓﺮاز ﻣﻦ ﺑﻨﻜﺮﻳﺎس
ﺣﻘﻨَﺎ اﻟﻜﻼبَ اﻟﺘﻲ أ ُ ِﺻﻴﺒﺖ ﺑﻤﺮض اﻟﺴﻜﺮ ﺑﺴﺒﺐ اﺳﺘﺌﺼﺎل اﻟﺒﻨﻜﺮﻳﺎس اﻟﻜﻼب .وﻋﻨﺪﻣﺎ َ
َت ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﺴﻜﺮ ﰲ اﻟﺪم إﱃ ﻣﻌﺪﻻﺗﻬﺎ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ أو أﻗﻞ، ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎملﺎدة املﺴﺘﺨ َﻠﺼﺔ ،ﻋﺎد ْ
ُ
اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻜﻼب. وﺗﺤﺴﻨ َ ْﺖ ً
أﻳﻀﺎ ﱠ وأﺻﺒﺢ ﺑﻮﻟﻬﺎ ﺧﺎﻟﻴًﺎ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺮ،
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
164
ٌ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻃﺒﻴﺔ وﻟﻴﺪة املﺼﺎدﻓﺔ
املﺴﺘﺨﺪَم ﰲ ﻋﻼج ﻣﺮض اﻟﺴﻜﺮ ﻟﺪى اﻟﺒﴩ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﺑﻨﻜﺮﻳﺎس اﻟﺨﻴﻮل واﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ ،وﻟﻜﻦ
ً
ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻬﻨﺪﺳﺔ اﻟﻮراﺛﻴﺔ واﻋﺘﻤﺎدًا ﻋﲆ املﻌﺮﻓﺔ املﺘﻮاﻓﺮة ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺤ ﱡﻜﻢ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي
ﰲ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻟﱪوﺗﻴﻨﺎت ،ﺑﺪأت ﴍﻛﺔ ﻛﱪى ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺪواﺋﻴﺔ ﺗﻨﺘﺞ اﻷﻧﺴﻮﻟني
ٍ
إﻣﺪادات ُ
اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺑﺈﺗﺎﺣﺔ ﱢ
وﺗﺒﴩ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﴩي ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﺑﻜﺘريﻳﺎ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ إﻳﴩﻳﺸﻴﺎ ﻛﻮﻻي.
ﻛﺒري ٍة ﻣﻦ اﻷﻧﺴﻮﻟني ﻻ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﻣﺼﺎدر ﺣﻴﻮاﻧﻴﺔ ﻻ ﻳُﻌﻮﱠل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن.
إﻧﻨﺎ ﻧﺬﻛﺮ ﻓﻮن ﻣريﻳﻨﺞ وﻣﻴﻨﻜﻮﻓﺴﻜﻲ اﻵن ﻟﻴﺲ ﻟﺠﻬﻮدﻫﻤﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ
اﻟﻬﻀﻢ ،وﻟﻜﻦ ﻟﻌﻤﻠﻬﻤﺎ اﻟﺮاﺋﺪ ﰲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺳﺒﺐ ﻣﺮض اﻟﺴﻜﺮ وﻣﻮاﺟﻬﺘﻪ ﺑﺼﻔﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ.
ُﻨﺴﺐ إﱃ ﺑﺎﻧﺘﻴﻨﺞ وﺑﻴﺴﺖ اﻟﻔﻀ ُﻞ اﻷﻛﱪ ﻹﺳﻬﺎﻣﺎﺗﻬﻤﺎ ﰲ ﻋﻼج ﻫﺬا املﺮض اﻟﺨﻄري ،ﱠ
ﻟﻜﻦ وﻳ َ
َ
ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ اﻟﻴَﻘِﻈﺔ ملريﻳﻨﺞ وﻣﻴﻨﻜﻮﻓﺴﻜﻲ املﻌﺮﻓﺔ املﺒﺪﺋﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺴﺒﺒﻪ ﻛﺎﻧﺖ
اﺳﺘﺆﺻﻞ ﺑﻨﻜﺮﻳﺎﺳﻪ ،وﻫﻮ أﻣﺮ ﺣﺪث ﺑﻤﺤﺾ ِ ملﻨﻈﺮ اﻟﺬﺑﺎب وﻫﻮ ﻳﺤﻮم ﺣﻮل ﺑﻮل ﻛﻠﺐ
املﺼﺎدﻓﺔ وﻛﺎن ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﺠﺎﻫﻼه وﻳﻨﻈﺮا إﻟﻴﻪ ﻛﴚء ﻣﺰﻋﺞ وﺗﺎﻓﻪ.
165
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
وﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻏري ﻣﻘﺼﻮدة؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﱄ ﻓﻀﻞ ﻓﻴﻬﺎ إﻻ أﻧﻨﻲ ﻟﻢ أرﻓﺾ
َ
ﻋﺮﺿ ْﺖ َ
ﻧﻔﺴﻬﺎ أﻣﺎﻣﻲ ﰲ وﺿﻮح ﺗﺎم. َ
رؤﻳﺔ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻟﺘﻲ
أﺧﺬ رﻳﺸﻴﻪ ﰲ وﺻﻒ رﺣﻠﺔ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﻋﲆ ﻳﺨﺖ أﻟﱪت أﻣري ﻣﻮﻧﺎﻛﻮ ،وﻛﻴﻒ أن اﻷﻣري
اﻟﺴﻢ اﻟﺬي ﻳﻔﺮزه ﺣﻴﻮان ﺑﺤﺮي ﻳﺸﺒﻪ ﻗﻨﺪﻳﻞ اﻟﺒﺤﺮ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ رﺟﻞ ﺷﺠﱠ ﻌﻪ ﻋﲆ دراﺳﺔ ﱡ
اﻟﺤﺮب اﻟﱪﺗﻐﺎﱄ) .ﻳﻮاﺟﻪ اﻟﻜﺜريون أﴎاﺑًﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﻏري املﺮﺣﱠ ﺐ ﺑﻬﺎ
ﰲ اﻟﺸﻮاﻃﺊ ،وﻳﻌﺎﻧﻮن ﻣﻦ آﻻم رﻫﻴﺒﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﻋﻀﺎﺗﻬﺎ (.وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎد رﻳﺸﻴﻪ إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ
ﺣﻴﺚ ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ أﺳﺘﺎذًا ﻟﻌﻠﻢ وﻇﺎﺋﻒ اﻷﻋﻀﺎء ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﺎرﻳﺲ ،ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟﺤﺼﻮ َل
دراﺳﺔ ُﺳﻢ ﻟﻮاﻣﺲ ﺷﻘﺎﺋﻖ اﻟﻨﻌﻤﺎن املﻮﺟﻮدة ﺑﻜﺜﺮة َ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﺤﻴﻮان ﻟﺪراﺳﺔ ﺳﻤﻪ ،وﻗ ﱠﺮ َر
اﻟﺴﻢ ووﺿﻌﻪ ﰲ اﻟﺠﻠﻴﴪﻳﻦ، ﰲ اﻟﺼﺨﻮر ﻋﲆ ﻃﻮل اﻟﺴﻮاﺣﻞ اﻷوروﺑﻴﺔ .واﺳﺘﺨﻠﺺ ﱡ
ٍ
ﻛﺤﻴﻮاﻧﺎت ﻟﻠﺘﺠﺮﺑﺔ .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻠﻚ ﻳﺤﺎول ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺠﺮﻋﺔ اﻟﺴﺎﻣﺔ ﻣﺴﺘﺨﺪِﻣً ﺎ اﻟﻜﻼبِ وأﺧﺬ
اﻟﺴﻢ ﻛﺎن ﻳﺒﺪأ ﺑﺒﻂء ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻳﺘﻄ ﱠﻠﺐ ﻋﺪة أﻳﺎم ﺣﺘﻰ ً
اﻻﺧﺘﺒﺎرات ﺑﺴﻴﻄﺔ؛ ﻷن ﻣﻔﻌﻮل ﱡ
ﻳﺼﻞ إﱃ أﻗﴡ ﺗﺄﺛري ﻟﻪ.
اﺳﺘﻄﺎع ﺑﻌﺾ اﻟﻜﻼب اﻟﻨﺠﺎة ﻣﻦ املﻮت؛ رﺑﻤﺎ ﺑﺴﺒﺐ أﻧﻬﺎ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﲆ ﺟﺮﻋﺔ ﻏري
آﺧﺮ ﻏري ﻣﻌﻠﻮم .وﺑﻌﺪ ﻋﺪة أﺳﺎﺑﻴﻊ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑَﺪَا ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻼب أﻧﻬﺎ ﻣﻤﻴﺘﺔ أو ﻷي ﺳﺒﺐ َ
اﺳﺘﻌﺎدت ﻋﺎﻓﻴﺘﻬﺎ ،ﺗﻢ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﻣﺮ ًة ﺛﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﺗﺠﺎرب ﺟﺪﻳﺪة .ﺛﻢ ﺣﺪث ﳾء ﻏﺮﻳﺐ وﻏري
ُﺖ ،ﻇﻬﺮت ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر اﻟﺴﻢ وﻟﻢ ﺗَﻤ ْ
ﻣﺘﻮﻗﻊ؛ ﻓﺎﻟﻜﻼب اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﲆ ﺟﺮﻋﺔ أوﱃ ﻣﻦ ﱡ ﱠ
ٌ
أﻋﺮاض رﻫﻴﺒﺔ: — ﺑﻌﺪ ﺣﺼﻮﻟﻬﺎ ﻋﲆ ﺟﺮﻋﺔ »أﺧﻒ ﺑﻜﺜري« ﻣﻦ ﱡ
اﻟﺴﻢ ﰲ املﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ —
ﻗﻲء وﻓﻘﺪان وﻋﻲ وﻓﺮط ﺣﺴﺎﺳﻴﺔ ﺛﻢ ﻣﺎﺗﺖ .اﺳﺘﻤ ﱠﺮ رﻳﺸﻴﻪ ﰲ ﴎده ﻟﻘﺼﺔ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ
ً
ﻗﺎﺋﻼ:
ﻣﻊ ﺗﻜﺮار ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﰲ ﻣﺮات ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،اﺳﺘﻄﻌﻨﺎ ﰲ ﻋﺎم ١٩٠٢
أﺳﺎس ﻗﺼﺔ ﻓﺮط اﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ؛ ً
أوﻻ: َ اﻟﻮﺻﻮ َل إﱃ ﺛﻼث ﺣﻘﺎﺋﻖ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﺗﻤﺜﱢﻞ
ً
ﺣﺴﺎﺳﻴﺔ إﱃ ﺣﺪ ﻛﺒري ﻣﻦ ﱡ
ﺑﺎﻟﺴﻢ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﻛﺎن أﻛﺜﺮ اﻟﺤﻴﻮان اﻟﺬي ﺣُ ﻘِ ﻦ
ُﺤﻘﻦ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق .ﺛﺎﻧﻴًﺎ :اﻷﻋﺮاض اﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺤﻴﻮان اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳ َ
وﻛﲇ ﰲ اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻌﺼﺒﻲ ،وﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻟﺤﻘﻦ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺆدﱢي إﱃ اﻧﻬﻴﺎر ﴎﻳﻊ ﱢ
ﺗﺸﺒﻪ اﻷﻋﺮاض اﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮت ﰲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺤﻘﻦ اﻷوﱃ .ﺛﺎﻟﺜًﺎ :ﺗﻄ ﱠﻠﺒﺖ ﺣﺎﻟﺔ ﻓﺮط
اﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ ﻫﺬه ﻓﱰ ًة ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ إﱃ أرﺑﻌﺔ أﺳﺎﺑﻴﻊ ﺣﺘﻰ ﺗﺤﺪث .وﻫﺬه ﻣﺎ ﻳُﻄ َﻠﻖ
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﱰة اﻟﺤﻀﺎﻧﺔ.
166
ٌ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻃﺒﻴﺔ وﻟﻴﺪة املﺼﺎدﻓﺔ
وآﺧﺮون أﺑﺤﺎﺛﻬﻢ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﻌﻤﻴﻢ ﻇﺎﻫﺮة ﻓﺮط اﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة واﺻ َﻞ رﻳﺸﻴﻪ َ
ﻟﻠﺠﺴﻢ ﻋﲆ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺤﻘﻦ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻢ ﺑﻜﻤﻴﺎت ﺻﻐرية ﻣﻦ اﻟﱪوﺗﻴﻨﺎت .وﻗﺪ أﺛﺒﺖ رﻳﺸﻴﻪ
اﻧﺘﻘﺎ َل اﻟﺘﺄﺛري ﺑﺄﺧﺬ دم اﻟﺤﻴﻮان اﻟﺬي ﻟﺪﻳﻪ ﻓﺮط ﺣﺴﺎﺳﻴﺔ وﺣﻘﻦ ﺣﻴﻮان ﻃﺒﻴﻌﻲ ﺑﻪ ﻹﻧﺘﺎج
اﻟﻌﺎﻣﻞ املﺴﺒﱢﺐ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺎدة ِ ﺣﺎﻟﺔ ﻓﺮط ﺣﺴﺎﺳﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﻴﻮان اﻟﺜﺎﻧﻲ .وﻫﻜﺬا ﺗﺤﺪﱠدت ﻫﻮﻳﺔ
ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﰲ اﻟﺪم.
وﻗﺪ اﺑﺘﻜ َﺮ رﻳﺸﻴﻪ ﻣﺼﻄﻠﺢ »ﻓﺮط اﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ« )اﻟﺬي ﻳﻌﻨﻲ ﰲ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ
anaphylaxisأي ﺿﺪ اﻟﻮﻗﺎﻳﺔ( ﻟﻮﺻﻒ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث ﻛﺮد ﻓﻌﻞ ﻣﻨﺎﻋﻲ
أﻳﻀﺎ رﻳﺸﻴﻪ. ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺤﻘﻦ ﺑﺎﻟﺴﻤﻮم اﻟﺒﻜﺘريﻳﺔ ،ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،وﻫﻮ ﻣﻮﺿﻮ ٌع د َر َﺳﻪ ً
وأﺻﺒﺢ اﻵن ﻣُﺴﻤﱠ ﻰ »اﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ« املﺮادف ﻫﻮ اﻷﻛﺜﺮ ﺷﻴﻮﻋً ﺎ ﻟﻮﺻﻒ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ املﺮﺿﻴﺔ.
ﺗﻤﺜﱢﻞ اﻵن أﻣﺮاض اﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ ﻗﺴﻤً ﺎ ﻛﺒريًا ﻣﻦ اﻟﻄﺐ اﻟﺒﺎﻃﻨﻲ ،وﻳﻮﺟﺪ ﺷﻜﻼن
أﺳﺎﺳﻴﺎن ﻣﻦ اﻟﻌﻼج ﻟﺘﻠﻚ اﻷﻣﺮاض .ﻳﺘﻤﺜﱠﻞ اﻷول ﰲ إزاﻟﺔ اﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺗﺤﺪﻳﺪ ا ُمل ْﺴﺘَ َﻀ ﱢﺪ
أو ا ُمل ْﺴﺘَ َﻀﺪﱠات .وﻳﺘﻢ ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل إدﺧﺎل ﻛﻤﻴﺎت ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ املﺴﺒﱢﺒﺔ املﺤﺘﻤَ ﻠﺔ؛ ﻣﻤﺎ
ﻳﺴﺒﱢﺐ اﻟﺘﻔﺎﻋﻼت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ ﻋﲆ ﻓﱰات ،ﻣﻊ زﻳﺎدة اﻟﺠﺮﻋﺎت ﺗﺪرﻳﺠﻴٍّﺎ ﺣﺘﻰ ﺗُﺒﻨﻰ
املﻘﺎوﻣﺔ ﰲ ﺟﺴﻢ املﺮﻳﺾ .ﰲ ﺣني ﻳﺘﻤﺜﱠﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﰲ اﺳﺘﺨﺪام دواء ﻣﻀﺎد ﻟﻠﻬﻴﺴﺘﺎﻣني؛ أي
دواء ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺗﺄﺛري اﻟﻬﻴﺴﺘﺎﻣني املﻔ َﺮز ﰲ ﺟﺴﻢ املﺮﻳﺾ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻌﻮاﻣﻞ املﺴﺒﱢﺒﺔ ﻟﻠﺤﺴﺎﺳﻴﺔ،
وﺗﻠﻚ اﻷدوﻳﺔ ﺷﺎﺋﻌﺔ ﺟﺪٍّا .وﺗﻤﺜﱢﻞ ﺗﻠﻚ اﻷدوﻳﺔ ،ﺳﻮاء اﻟﺘﻲ ﺗُﴫَف ﺑﻮﺻﻔﺎت ﻃﺒﻴﺔ أم ﻻ،
ﴍﻳﺤﺔ ﻛﺒري ًة ﻣﻦ ﺳﻮق اﻷدوﻳﺔ .وﻫﻜﺬا ،ﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﻇﻬﻮر ﻫﺬا املﺠﺎل اﻟﻄﺒﻲ اﻷﺑﺤﺎث ً
اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﺷﺎرل رﻳﺸﻴﻪ.
ﻣﺘﻮﻗﻊ ﻟﻜﻠﺐ ﺗﺠﺎه ﺟﺮﻋﺔ ﺻﻐرية ﻣﻦ ُﺳ ﱟﻢ ﱠ ﻛﻞ ﻫﺬا ﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐُ ﻓﻴﻪ ر ﱠد ٍ
ﻓﻌﻞ ﻏري
ﻣﺴﺘﺨ َﻠﺺ ﻣﻦ ﺣﻴﻮاﻧﺎت ﺑﺤﺮﻳﺔ ﺻﻐرية ،وﻫﻲ ﺷﻘﺎﺋﻖ اﻟﻨﻌﻤﺎن ،ﻟﻜﻦ رﻳﺸﻴﻪ أدرك اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ
اﻟﻐﺮﻳﺒﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﺘﻔﺎﻋُ ﻞ ووﺟﺪ ﺗﻔﺴريًا ﻟﻬﺎ.
167
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻷﻧﻪ إذا اﺳﺘُﺨ ِﺪ َم ﺗﻨﴩه اﻟﻘﺬاﺋﻒ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺤﻮﱢﻟﻪ إﱃ ﺑﺨﺎر ﻳﻨﺘﴩ ﰲ املﻨﺎﻃﻖ املﺤﻴﻄﺔ وﻳﺆﺛﱢﺮ
ﻋﲆ اﻹﻧﺴﺎن.
ﺗﻢ ﺗﻔﺠري ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻟﻘﻮات اﻟﺤﻠﻔﺎء ﺗﺤﻤﻞ ﺳﺎﺋﻞ اﻟﺨﺮدل ﰲ ﻣﻴﻨﺎء إﻳﻄﺎﱄ ،وﺑﻌﺪ اﻧﺘﺸﺎر
املﺎدة اﻟﺴﺎﻣﺔ ﰲ املﺎء ،أُﻟﻘﻲ ﺑﻌﺾ ﻣﻘﺎﺗﲇ اﻟﺤﻠﻔﺎء ﰲ املﺎء ،وﺑﻌﺪ إﻧﻘﺎذ ﻫﺆﻻء اﻟﺠﻨﻮد ،ﺗﻤﺖ
ﻣﻌﺎﻟﺠﺘﻬﻢ ﻣﻦ ﺗﺄﺛريات ﻫﺬا اﻟﻐﺎز ،واﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء أ ُ ِﺻﻴﺐ ﺑﺎﺿﻄﺮاب ﰲ اﻟﺪم ﻳﺘﻤﺜﱠﻞ ﰲ
ﻧﻘﺺ ﺧﻄري ﰲ ﻋﺪد ﻛﺮات اﻟﺪم اﻟﺒﻴﻀﺎء .وﻷن ﻧﻘﺺ ﻋﺪد ﻛﺮات اﻟﺪم اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻳﺸري إﱃ
ﺗﺤﺴﻦ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﺑﻌﺾ أﻧﻮاع ﴎﻃﺎن اﻟﺪم اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺪث ﻓﻴﻬﺎ إﻓﺮاط ﰲ إﻧﺘﺎج ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺮات ﱡ
ﰲ اﻟﻨﺨﺎع اﻟﻌﻈﻤﻲ اﻟﻮرﻣﻲ ،ﻓﻘﺪ ﺗ ﱠﻢ اﺧﺘﺒﺎر ﻏﺎز اﻟﺨﺮدل ﰲ املﺮﴇ املﺼﺎﺑني ﺑﴪﻃﺎن
ﻟﻠﻌﺎﻣﻞ املﺴﺒﱢﺐ زاﺟ ًﺮا ﻻﺳﺘﺨﺪام ﻏﺎز اﻟﺨﺮدل ،ﻟﻜﻦ ﻧﻈ ًﺮا ِ اﻟﺪم .وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺴﻤﻴﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ
ﻟﻮﺟﻮد ﺗﺸﺎﺑﻪ ﰲ اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ ﺑني أﻧﻮاع ﻏﺎز اﻟﺨﺮدل اﻟﻨﻴﱰوﺟﻴﻨﻲ واﻟﻜﱪﻳﺘﻲ ،ﻓﻘﺪ
ﺗﻢ اﺧﺘﺒﺎر ﺗﺄﺛريﻫﺎ ﻋﲆ أﻧﻮاع ﴎﻃﺎن اﻟﺪم .إن اﻟﺨﺮد َل اﻟﻨﻴﱰوﺟﻴﻨﻲ ﻣﺮﻛﺐٌ ﻣﻤﺎﺛِﻞ ﻟﻐﺎز
اﻟﺨﺮدل )اﻟﻜﱪﻳﺘﻲ( اﻟﺸﺎﺋﻊ ،ﻟﻜﻦ ﰲ اﻟﺨﺮدل اﻟﻨﻴﱰوﺟﻴﻨﻲ ﺗﺤﻞ ذرة ﻧﻴﱰوﺟني ﻣﺤﻞ ذرة
ﻛﱪﻳﺖ ﰲ ﺟﺰيء اﻟﺨﺮدل اﻟﻜﱪﻳﺘﻲ.
ﺗﻢ ﺗﺤﻀري أﻧﻮاع ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﺨﺮدل اﻟﻨﻴﱰوﺟﻴﻨﻲ واﻟﻜﱪﻳﺘﻲ ﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﻛﻐﺎزات
اﺧﺘﱪتﺳﺎﻣﺔ ﰲ اﻟﺤﺮب ،ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻔﺠري اﻟﺬي أدﱠى إﱃ اﻟﺘﺴﻤﱡ ﻢ اﻟﻌﺮﴈ ﻟﻘﻮات اﻟﺤﻠﻔﺎءِ ،
ﻣﺌﺎت اﻷﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﺨﺮدل اﻟﻨﻴﱰوﺟﻴﻨﻲ املﻘﺎﺑﻠﺔ وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ املﺮﻛﺒﺎت املﺮﺗﺒﻄﺔ ﺗﺮﻛﻴﺒﻴٍّﺎ ﺑﻬﺎ
ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﴪﻃﺎﻧﺎت ﻳﻘﺾ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻋﲆ أي ٍ ﻛﻌﻮاﻣﻞ ﻣﻀﺎدة ﻟﻠﴪﻃﺎن .وﻣﻊ أن ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﻟﻢ ِ
املﺆﺧﺮة ﻻﻧﺘﺸﺎر اﻷورام اﻟﴪﻃﺎﻧﻴﺔ زادت ﻣﻦ اﻷﻣﻞ ﰲ ﱢ اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻴﺐ اﻹﻧﺴﺎن ،ﻓﺈن ﺗﺄﺛرياﺗﻬﺎ
اﺣﺘﻤﺎل اﻛﺘﺸﺎف ﻣﺮﻛﺒﺎت ﻋﻼﺟﻴﺔ ﻋﲆ املﺪى اﻟﻄﻮﻳﻞ.
ﻇﻬﺮت ﺣﺒﻮب ﻣﻨﻊ اﻟﺤَ ﻤْ ﻞ ﰲ ﺳﺘﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،وﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﺗﺄﺛري ﻫﺎﺋﻞ ﻋﲆ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ؛
ﻓﻘﻴﻞ إﻧﻬﺎ ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ ﻋﻦ اﻟﺜﻮرة اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ وﺗﺤﺮﻳﺮ املﺮأة وﻋﻠﻤﻨﺔ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮﻟﻴﻜﻴﺔ
ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻐﺮﺑﻲ .ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ،أﺻﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺒﻮب ﻟﻴﺲ ﺣﺪﺛًﺎ ﴎﻧﺪﻳﺒﻴٍّﺎ واﺣﺪًا؛ ﻓﺎﻷﻣﺮ أﻛﺜﺮ
ﺗﻌﻘﻴﺪًا ﻣﻦ ﻫﺬا ،ﻟﻜﻦ ﻟﻠﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ دو ٌر ﰲ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺔ.
ﺗﺒﺪأ اﻟﻘﺼﺔ ﺑﺮاﺋﺪ أﻋﻤﺎل ﻧﻤﻮذﺟﻲ ،ﻳُﺪﻋَ ﻰ راﺳﻞ إي ﻣﺎرﻛﺮ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﺎرﻛﺮ ﻋﻀﻮًا
ﰲ ﻛﻠﻴﺔ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ وﻻﻳﺔ ﺑﻨﺴﻠﻔﺎﻧﻴﺎ ﰲ أواﺧﺮ ﺛﻼﺛﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،اﻛﺘﺸﻒ
168
ٌ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻃﺒﻴﺔ وﻟﻴﺪة املﺼﺎدﻓﺔ
ﻋﺮف ﻣﺎرﻛﺮ أن اﻟﺴﺎﺑﻮﺟﻨﻴﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻨﻮع اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺮﻳﺪه ﻣﻮﺟﻮدة ﺑﻜﺜﺮ ٍة ﰲ ﺑﻌﺾ
أﻧﻮاع اﻟﺒﻄﺎﻃﺎ اﻟﺤﻠﻮة اﻟﱪﻳﺔ ﰲ املﻜﺴﻴﻚ .وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ دﻋﻢ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺘﻪ
ٍ
رﺣﻠﺔ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺒﻄﺎﻃﺎ وإﺟﺮاء أو أﻳﺔ ﴍﻛﺔ أدوﻳﺔ أﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻟﺘﻤﻮﻳﻞ
ﺗﺠﺎرب ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻫﺮﻣﻮن اﻟﱪوﺟﺴﺘريون ﻣﻨﻪ؛ ﻟﺬا ،اﺳﺘﻘﺎل راﺳﻞ ﻣﻦ ﻣﻨﺼﺒﻪ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ
وﻻﻳﺔ ﺑﻨﺴﻠﻔﺎﻧﻴﺎ ،وذﻫﺐ إﱃ املﻜﺴﻴﻚ واﺳﺘﺄﺟﺮ ً
ﻛﻮﺧﺎ ورﻛﺐ ً
ﺑﻐﻼ إﱃ ﺗﻼل ﺟﻨﻮب املﻜﺴﻴﻚ
ﻄﺎة ﺑﺎﻟﻐﺎﺑﺎت .ﺟﻤﻊ ﻋﴩة أﻃﻨﺎن ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻄﺎﻃﺎ وﻋﺰل اﻟﺴﺎﺑﻮﺟﻨني اﻟﺬي ﻛﺎن املﻐ ﱠ
ﻳﺮﻳﺪه ،وﻫﻮ اﻟﺪﻳﻮﺳﺠﻨني ،وذﻟﻚ ﰲ ﻣﻌﻤﻞ ﻣﺴﺘﺄﺟﺮ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﻜﺴﻴﻜﻮ ﺳﻴﺘﻲ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎد
169
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
170
ٌ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻃﺒﻴﺔ وﻟﻴﺪة املﺼﺎدﻓﺔ
ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﺑﺴﻴﻂ ،ﻣﺴﺘﻌﻴﻨني ﱟ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﺤﻘﻦ .واﺳﺘﻄﺎﻋﻮا اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﻌﺪﻳﻞ ً
ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ أملﺎﻧﻲ ﻳُﺪﻋَ ﻰ ﻫﺎﻧﺲ إﻧﻬﻮﻓﻦ ،ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﺎﺛﻨﻲ ﻋﴩ ﻋﺎﻣً ﺎ. ﱞ ﰲ ذﻟﻚ ﺑﺒﺤﺚ أﺟﺮاه
وﻛﺎن ﻟﻠﻤﺮﻛﺐ املﻌﺪﱠل )اﻟﻨﻮرﻳﺜﻴﻨﺪرون( اﻟﺘﺄﺛريُ املﻄﻠﻮب املﺎﻧﻊ ﻟﻠﺤَ ﻤْ ﻞ اﻟﺬي ﻟﻬﺮﻣﻮن
أﻳﻀﺎ ﻣﺴﺘﻘ ٍّﺮا ﰲ املﻌﺪة ،وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻳﻤﻜﻦ أﺧﺬه ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻔﻢ. اﻟﱪوﺟﺴﺘريون ،وﻛﺎن ً
وﻫﻜﺬا أُﻧﺘِﺞ أول دواءٍ ملﻨﻊ اﻟﺤَ ﻤْ ﻞ؛ ﺣﻴﺚ ﺑﺪأ اﻷﻣﺮ ﺑﺎﻛﺘﺸﺎف راﺳﻞ ﻣﺎرﻛﺮ ﻟﻄﺮﻳﻘﺔ
ﺟﺪﻳﺪة ﰲ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﺴﺎﺑﻮﺟﻨﻴﻨﺎت إﱃ ﻫﺮﻣﻮﻧﺎت ﺟﻨﺴﻴﺔ ،وﻣﻐﺎﻣﺮﺗﻪ اﻟﺠﺮﻳﺌﺔ ﰲ اﻟﻐﺎﺑﺎت
املﻜﺴﻴﻜﻴﺔ اﻻﺳﺘﻮاﺋﻴﺔ ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﺴﺎﺑﻮﺟﻨﻴﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﺒﻄﺎﻃﺎ اﻟﺤﻠﻮة املﻜﺴﻴﻜﻴﺔ اﻟﱪﻳﺔ،
وﻣﺨﺎﻃﺮة إﻧﺸﺎء ﻣﻌﻤﻞ ﺻﻐري ﺟﺪﻳﺪ ﻟﺘﺤﺪﱢي اﻻﺣﺘﻜﺎر اﻷوروﺑﻲ .واﺳﺘﻤﺮت اﻟﻘﺼﺔ ﻣﻊ
ﻫﺮﻣﻮن اﻟﱪوﺟﺴﺘريون اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ َ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻌَ َﺮﴈ ﻟﺪﺟرياﳼ ملﺎﻧﻊ ﺣَ ﻤْ ﻞ ﺻﻨﺎﻋﻲ ﻳﺸﺒﻪ ﻛﺜريًا
وﺗﻌﺪﻳﻠﻪ املﻘﺼﻮد ﻟﻪ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ أﺧﺬه ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻔﻢ.
ﻣﻊ ﺗﺄ ﱡﻛﺪ إﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺼﻨﻴﻊ أدوﻳﺔ ﻣﻨﻊ اﻟﺤَ ﻤْ ﻞ ،ﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﴍع آﺧﺮون ﰲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ
إﻳﺠﺎد ﻃﺮق أﺧﺮى ﻟﻠﺘﺼﻨﻴﻊ ،وﻳﻮﺟﺪ اﻵن اﻟﻌﺪﻳ ُﺪ ﻣﻦ اﻟﺒﺪاﺋﻞ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻷدوﻳﺔ.
وﻟﻜﻦ ،ﻻ ﻳﺰال املﺮﻛﺐ اﻷول اﻟﺬي ﺗﻢ ﺗﺼﻨﻴﻌﻪ ﰲ املﻌﻤﻞ اﻟﺪواﺋﻲ املﻜﺴﻴﻜﻲ اﻟﺼﻐري ،وﻫﻮ
اﻟﻨﻮرﻳﺜﻴﻨﺪرون ،املﻜﻮن اﻟﻨ ﱠ ِﺸﻂ ﰲ ﻧﺼﻒ أدوﻳﺔ ﻣﻨﻊ اﻟﺤَ ﻤْ ﻞ املﻮﺟﻮدة ﺣﺎﻟﻴٍّﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ.
ﺗﻌﻘﻴﺐ
أﻳﻀﺎ ﻣﺠﺎل اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء .ﻓﺒﻌﺪ ﻋﺎم ﴍﻛﺔ ﺳﻴﻨﺘﻴﻜﺲ ﻓﻘﻂ ،وإﻧﻤﺎ ً َ ﻟﻢ ﻳﱰك راﺳﻞ ﻣﺎرﻛﺮ
ﻒ ﻋﻦ اﻟﺒﺤﺚ واﻹﻧﺘﺎج اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ،ﻓﻬﻮ ﻛﺎن ،١٩٤٩ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ﻋﻤﺮه ٤٧ﻋﺎﻣً ﺎ ،ﱠ
ﺗﻮﻗ َ
ﻣﺴﺘﻘﻼ ﻣﻨﺬ أن ﻛﺎن ﰲ ﺳﻦ ﺻﻐرية؛ ﻓﻘﺪ رﻓﺾ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ درﺟﺔ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ٍّ
ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺎرﻳﻼﻧﺪ؛ ﻷﻧﻪ رﻓﺾ دراﺳﺔ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺔ ،وﻫﻲ ﻣﺎدة ﻣﻦ املﻮاد اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ
ﰲ اﻟﺪراﺳﺔ .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﻣﻨﺼﺐ ﺑﺤﺜﻲ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﱪى وﺻﻨﻊ ﻟﻪ
ً
ﻣﴩﱢﻓﺎ ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﰲ ﻓﱰة ﻗﺼرية ﺟﺪٍّا ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ. ً
ﺗﺎرﻳﺨﺎ
ﺑﻌﺪ ﺛﻼﺛﺔ أﻋﻮام ﰲ املﻜﺴﻴﻚ ،ﻋُ ﱢني ﻛﺎرل دﺟرياﳼ ﰲ ﻣﻨﺼﺐ أﻛﺎدﻳﻤﻲ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ وﻳﻦ
ﺳﺘﻴﺖ ،ﺣﻴﺚ ُر ﱢﻗ َﻲ ﻣﻦ درﺟﺔ أﺳﺘﺎذ ﻣﺴﺎﻋِ ﺪ إﱃ درﺟﺔ أﺳﺘﺎذ ﺑﺤﻠﻮل ﻋﺎم .١٩٥٩واﺣﺘﻔﻆ
ﻻﺣﻘﺎ .وﰲ ﻋﺎم ،١٩٥٩ ﺑﻌﻤﻠﻪ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺒﺤﺚ ﻣﻊ ﴍﻛﺔ ﺳﻴﻨﺘﻴﻜﺲ ﺛﻢ ﻣﻊ ﴍﻛﺔ زوﻛﻮن ً
اﻧﺘﻘﻞ إﱃ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺳﺘﺎﻧﻔﻮرد وﻋﻤﻞ ﻫﻨﺎك أﺳﺘﺎذًا ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء ،وﺣﺼﻞ ﻋﲆ درﺟﺎت ﻓﺨﺮﻳﺔ
وﺟﻮاﺋﺰ ﻋﺪﻳﺪة ﻟﺒﺤﺜﻪ اﻟﺮاﺋﺪ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻷدوﻳﺔ املﻀﺎدة ﻟﻠﻬﻴﺴﺘﺎﻣني وأدوﻳﺔ ﻣﻨﻊ اﻟﺤَ ﻤْ ﻞ.
171
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻋﻘﺎر اﻟﻬﻠﻮﺳﺔ ،ﺛﻨﺎﺋﻲ إﺛﻴﻼﻣﻴﺪ ﺣﻤﺾ اﻟﻠﻴﴪﺟﻴﻚ ،ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﻘﺼﺺ إن ﻗﺼﺔ اﻛﺘﺸﺎف ﱠ ﱠ
رﻋﺒًﺎ ﰲ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻄﺒﻲ املﻌﺮوف .ﻓﺘﻠﻚ املﺎدة ﻣﺄﺧﻮذة ﻣﻦ ﺣﻤﺾ اﻟﻠﻴﴪﺟﻴﻚ ،وﻫﻮ ﰲ ﺣﺪ
ري ﻣﻦ أﺷﺒﺎه اﻟﻘﻠﻮﻳﺎت اﻟﺴﺎﻣﺔ ﰲ ذاﺗﻪ ﻻ ﻳﺴﺒﱢﺐ اﻟﻬﻠﻮﺳﺔ ،ﻓﻬﻮ ﻳﻮﺟﺪ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﺪدٍ ﻛﺒ ٍ
ﻓﻄﺮ اﻷرﺟﻮت اﻟﺬي ﻳﺘﻜﻮﱠن أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻋﲆ ﻧﺒﺎﺗﺎت اﻟﺠﺎودار ﰲ اﻟﺤﻘﻞ ﺧﻼل املﻮﺳﻢ املﻄري ﻋﲆ
اﻟﻨﺎس ﻣﻦ إﺳﺒﺎﻧﻴﺎ وﺣﺘﻰ روﺳﻴﺎ، َ وﺟﻪ اﻟﺨﺼﻮص .وﻟﻌﺪة ﻗﺮون ،ﻛﺎن ﻳﺼﻴﺐ ﻫﺬا اﻟﻔﻄﺮ
ﺟﻬﻞ أو ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺠﻮع — ﺧﺒ ًﺰا ﻣﺼﻨﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ دﻗﻴﻖ اﻟﺠﺎودار املﻠﻮﱠث.
ٍ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺄﻛﻠﻮن — ﻋﻦ
وﺳﻤﱢ ﻲ ﻫﺬا املﺮض ﺑﺘﺴﻤﱡ ﻢوﻛﺎﻧﺖ ﻏﺮﻏﺮﻳﻨﺎ اﻷﻃﺮاف ﺗﻨﺘﺞ ﻋﻦ ﺿﻴﻖ اﻷوﻋﻴﺔ اﻟﺪﻣﻮﻳﺔُ ،
إﺣﺴﺎﺳﺎ ﻣُﻮﺟﻌً ﺎ ﺑﺄن
ً اﻷرﺟﻮت أو ﻧﺎر ﺳﺎﻧﺖ أﻧﺘﻮﻧﻲ؛ وذﻟﻚ ﻷن ﺿﺤﺎﻳﺎه ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺎﻧﻮن
ﺟﻠﺪﻫﻢ ﻳﺤﱰق وأﺻﺎﺑﻊ أﻳﺪﻳﻬﻢ وأرﺟﻠﻬﻢ ا ُملﺴﻮدﱠة ﻣﺴﻔﻮﻋﺔ ،وﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﻨﺠﺪون ﺑﺮﻫﺒﺎن
أﺧﻮﻳﺔ ﺳﺎﻧﺖ أﻧﺘﻮﻧﻲ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﺑﺎرﻋني ﰲ ﻋﻼج ﻫﺬا املﺮض .وﺧﻼل اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻮﺳﻄﻰ،
ﻛﺎن أﻛﻞ دﻗﻴﻖ اﻟﺠﺎودار اﻟﻔﺎﺳﺪ ﻳﺘﺴﺒﱠﺐ ﰲ ﺣﺎﻻت إﺟﻬﺎض وﻣﺸﻜﻼت ﺑﴫﻳﺔ واﺿﻄﺮاﺑﺎت
ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺗﺆدﱢي إﱃ ﺣﺪوث ﺣﺎﻻت ﺟﻨﻮن ،ورﺑﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻋﺮاض ﺗﻨﺎوُل ﺟﺮﻋﺎت
زاﺋﺪة ﻣﻦ املﻮاد ﺷﺒﻪ اﻟﻘﻠﻮﻳﺔ املﻮﺟﻮدة ﰲ ﻧﺒﺎﺗﺎت اﻷرﺟﻮت اﻟﺴﺎﻣﺔ ،إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻬﻴﺴﺘريﻳﺎ
اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ املﺮض املﺸﻮﱢه ،وﻟﻴﺲ ﺑﺴﺒﺐ ﺣﻤﺾ اﻟﻠﻴﴪﺟﻴﻚ .وﻟﻢ ﺗﺜﺒﺖ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﺣﻤﺾ
اﻟﻠﻴﴪﺟﻴﻚ املﻬﻠﻮﺳﺔ إﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ رﺑﻄﻪ ﺻﻨﺎﻋﻴٍّﺎ ﻣﻊ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻹﺛﻴﻼﻣﻴﺪ أﻟﱪت ﻫﻮﻓﻤﺎن،
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ اﻟﺴﻮﻳﴪي ﻣﻦ ﴍﻛﺔ ﺳﺎﻧﺪوز ﻻﺑﻮرﺗﻮرﻳﺰ ﰲ ﺑﺎزل .وﻛﺎن ﻫﻮﻓﻤﺎن ﻳﺪرس ﱡ
ﺣﻤﺾ اﻟﻠﻴﴪﺟﻴﻚ واملﺮﻛﺒﺎت املﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻪ ﻋﲆ أﻣﻞ ﺗﻄﻮﻳﺮ دواءٍ ﻟﻌﻼج اﻟﺼﺪاع اﻟﻨﺼﻔﻲ
ِ
ﻧﺰﻳﻒ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻮﻻدة. أو ﻟﻠﺘﺤ ﱡﻜﻢ ﰲ
إن اﻟﴪد اﻟﺘﺎﱄ ﻟﺘﺠﺮﺑﺘﻪ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ ﻣﺄﺧﻮذٌ ﻣﻦ ﻣﺬﻛﺮة ﻫﻮﻓﻤﺎن اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻛﻤﺎ
»اﻟﴪ اﻟﺨﻔﻲ :ﻗﺼﺔ ﺛﻨﺎﺋﻲ إﺛﻴﻼﻣﻴﺪ ﺣﻤﺾ اﻟﻠﻴﴪﺟﻴﻚ« ) (١٩٧٠اﻟﺬي أ ﱠﻟ َﻔﻪ ﱡ ﻧُﻘِ ﻞ ﰲ ﻛﺘﺎب
اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﻴﺪﻧﻲ ﻛﻮﻫني:
ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ املﺎﴈ ١٦ ،أﺑﺮﻳﻞ ،١٩٣٨ﻛﺎن ﻋﲇ ﱠ ﺗﺮ ُك اﻟﻌﻤﻞ ﰲ املﻌﻤﻞ واﻟﺬﻫﺎب
ﻧﺤﻮ ﻏﺮﻳﺐ .وﺑﻤﺠﺮد اﻟﻮﺻﻮل ﺑﺎﺿﻄﺮاب ودوار ﻋﲆ ٍ
ٍ إﱃ اﻟﺒﻴﺖ؛ ﻷﻧﻨﻲ ﺷﻌﺮت
ودﺧﻠﺖ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻫﺬﻳﺎن ﻟﻴﺴﺖ ﺳﻴﺌﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻤﻴﱠﺰُ رﻗﺪت ﻋﲆ اﻷرض ُ إﱃ اﻟﺒﻴﺖ،
اﻟﺘﻮﻫﻢ .وﰲ ﻇﻞ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻐﻴﺒﻮﺑﺔ وأﻧﺎ ﻣﻐﻤﺾﱡ ﺑﺪرﺟﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺟﺪٍّا ﻣﻦ
اﻟﻌﻴﻨني )وﺟﺪت ﺿﻮءَ اﻟﻨﻬﺎر ﻳﺴﻄﻊ ﰲ ﻋﻴﻨﻲ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺰﻋﺞ( ،ﻛﻨﺖ أرى ﺣﻮﱄ
172
ٌ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻃﺒﻴﺔ وﻟﻴﺪة املﺼﺎدﻓﺔ
173
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻷﻋﺮاض وأﺻﺒﺤﺖ ﺷﺪﺗﻬﺎ ُ وﺳﻴﻠﺔ ﻧﻘﻞ أﺧﺮى ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺤﺮب( ،ﺗﻔﺎﻗﻤﺖ
ً
ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ أﻋﺎﻧﻲ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺷﺪﻳﺪة ﰲ ُ أﻛﱪ ﻛﺜريًا ﻣﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﰲ املﺮة اﻷوﱃ.
ﻣﺘﻤﺎﺳﻚ ،وﺣﺪث ﺗﺬﺑﺬُب ﰲ ﻣﺠﺎل رؤﻳﺘﻲ وﺗﺸﻮﱡه وأﺻﺒﺢ ِ اﻟﺘﺤﺪﱡث ﻋﲆ ﻧﺤﻮ
ﻛﻨﺖ أﺗﺤﺮك أﻳﻀﺎ اﻧﻄﺒﺎ ٌع ﺑﺄﻧﻨﻲ ُ اﻧﻌﻜﺎﺳﺎت ﰲ ﻣﺮآة ﻣﻼهٍ .وﻛﺎن ﻟﺪيﱠ ً
ٍ ﻋﲆ ﻫﻴﺌﺔ
ﻛﻨﺖ أﻗﻮد اﻟﺪراﺟﺔ ﺑﴪﻋﺔ ﻛﺒرية. ً
ﺑﺎﻟﻜﺎد ،ﻟﻜﻦ ﻣﺴﺎﻋﺪي ﻻﺣﻘﺎ ﻗﺎل ﱄ إﻧﻨﻲ ُ
ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ اﻟﺘﺬ ﱡﻛﺮ ،ﻫﺪأَت اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺸﺪﻳﺪة ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺻﻞ اﻟﻄﺒﻴﺐ،
وﻛﺎﻧﺖ أﻋﺮاض اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﲇ :دوار ،واﺿﻄﺮاﺑﺎت ﺑﴫﻳﺔ ،ووﺟﻮه ﻣﻦ ﺣﻮﱄ
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺪو ﱄ ﻛﺄﻗﻨﻌﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻣﻠﻮﱠﻧﺔ ،وﻫﻴﺎج ﺷﺪﻳﺪ ﺗﺘﻨﺎوب ﻣﻌﻪ ﺣﺎﻟﺔ َﺧﺪَر
ً
وﻣﻨﻤﻼ، )ﺷﻠﻞ ﺟﺰﺋﻲ( ،وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ اﻟﺮأس واﻟﺠﺴﻢ واﻷﻃﺮاف ﺑﺎردًا
وأﺷﻌﺮ ﺑﻄﻌﻢ ﻣﺮ ﰲ اﻟﻠﺴﺎن وﺑﺠﻔﺎف اﻟﺤﻠﻖ وذﺑﻮﻟﻪ ،وﻳﺮاودﻧﻲ ﺷﻌﻮ ٌر ﺑﺎﻻﺧﺘﻨﺎق
وارﺗﺒﺎ ٌك ﻳﺘﻨﺎوب ﻣﻌﻪ ﺗﻘﺪﻳﺮ واﺿﺢ ﻟﻠﻤﻮﻗﻒ ،وﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن أﺷﻌﺮ ﺑﺨﺮوﺟﻲ
ﻣﻦ ﺟﺴﺪي ﻛﺄﻧﻨﻲ ﻣﺮاﻗِ ﺐ ﻣﺤﺎﻳﺪ ،ﻓﺄﺳﻤﻊ ﻧﻔﴘ وﻫﻲ ﺗﺘﻤﺘﻢ ﺑﺄﻟﻔﺎظ ﻓﻨﻴﺔ أو
ﺗﴫخ ﻛﺸﺨﺺ ﻧﺼﻒ ﻣﺠﻨﻮن.
وﺟﺪ اﻟﻄﺒﻴﺐ أن ﻧﺒﴤ ﺿﻌﻴﻒ ﺑﻌﺾ اﻟﴚء ،ﻟﻜﻦ ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻛﺎﻧﺖ
ﺗﺤﺴﻨ َ ْﺖ
ﱠ اﻟﺪورة اﻟﺪﻣﻮﻳﺔ ﻟﺪيﱠ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ .وﺑﻌﺪ ٦ﺳﺎﻋﺎت ﻣﻦ ﺗﻨﺎوﱄ اﻟﺪواء،
ﺣﺎﻟﺘﻲ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري.
ﻟﻜﻦ اﻻﺿﻄﺮاﺑﺎت اﻹدراﻛﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﺰال ﻣﻮﺟﻮدة .ﻓﻘﺪ ﺑَﺪَا ﻛﻞ ﳾء
َت ﻛﺄﻧﻬﺎ اﻧﻌﻜﺎﺳﺎت ﻋﲆ ﻛﺄﻧﻪ ﻳﺘﻤﻮﱠج ،وﻛﺎن ﻫﻨﺎك ﺗﺸﻮﱡه ﰲ ﻧﺴﺐ اﻟﺮؤﻳﺔ ،وﺑَﺪ ْ
ﻳﺘﻐري ﻟﺪرﺟﺎت أﻟﻮان ﺧﴬاء وزرﻗﺎء ﻣﺆذﻳﺔ ﺳﻄﺢ ﻣﻴﺎه ﻣﺘﻘﻠﺒﺔ .وﻛﺎن ﻛﻞ ﳾء ﱠ
ﻋﻴﻨﻲ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺠﺘﺎﺣﻨﻲ ﺻﻮر ﱠ ُ
أﻏﻤﺾ ﺑﺸﻜﻞ رﺋﻴﴘ وﻏري ﻣﺒﻬﺠﺔ .وﻋﻨﺪﻣﺎ
ﻇﺎ ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﺨﺼﻮص ﻫﻮ ﺧﻴﺎﻟﻴﺔ ﻣﺘﻌﺪدة اﻷﻟﻮان وﻣﺘﺤﻮﱢﻟﺔ .وﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻠﺤﻮ ً
أن اﻷﺻﻮات ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﱰﺟَ ﻢ إﱃ أﺣﺎﺳﻴﺲ ﺑﴫﻳﺔ ،ﺑﺤﻴﺚ ﺗُﺴﺘﺪَﻋﻰ ﺻﻮرة ﻣﻠﻮﻧﺔ
ﺗﺘﻐري ﰲ اﻟﺸﻜﻞ واﻟﻠﻮن ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﱠ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ درﺟﺔ ﻟﻮن أو ﺻﻮت ،واﻟﺘﻲ
ﺗﺒﺎدﱄ.
ﻟﻴﻼ ،ﺷﻌﺮ ﻫﻮﻓﻤﺎن ﺑﺄﻧﻪ »ﺳﻠﻴﻢ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،ﻟﻜﻨﻪﺑﻌﺪ اﻟﺨﻠﻮد إﱃ ﻗﺴﻂ ﺟﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﺮاﺣﺔ ً
ﻛﺎن ﻣﺘﻌﺒًﺎ «.إن ﻫﺬا اﻟﺘﻌ ﱡﺮض ﻏري املﻘﺼﻮد ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﻫﺬا اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ اﻟﺸﺪﻳﺪ اﻟﺬﻛﺎء ملﺎدة
ﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت ﻋﻦ ﺣﺎﻻت ٍ ﺛﻨﺎﺋﻲ إﺛﻴﻼﻣﻴﺪ ﺣﻤﺾ اﻟﻠﻴﴪﺟﻴﻚ ﻛﺎن ﴍار َة اﻟﺒﺪء
ﺗﻐري اﻟﻮﻋﻲ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺘﻌ ﱡﺮض ملﻮاد ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ،واﻣﺘﺪت ﺗﻠﻚ اﻟﺪراﺳﺎت ﰲ ﻛﻞ ﻣﺮﻛﺰ ﻟﻸﺑﺤﺎث ﱡ
174
ٌ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻃﺒﻴﺔ وﻟﻴﺪة املﺼﺎدﻓﺔ
اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ .وﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻻ ﺗﻜﻤﻦ أﻫﻤﻴﺔ اﻛﺘﺸﺎف ﻫﻮﻓﻤﺎن ﰲ وﺟﻮد أﻳﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ
ﺗﻮﻗﻊ ﺗﺼﻨﻴﻌِ ﻪ ﻣﻦوﻣﺮض ﻣﺜﻞ اﻟﻔﺼﺎم؛ ﻓﱰﻛﻴﺒﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﱡٍ ِ
ﻣﺒﺎﴍة ﺑني ﺗﻠﻚ املﺎدة
ﻗِ ﺒﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻷﻳﺾ اﻟﺒﴩﻳﺔ.
ﻛﺎن ﻻﻛﺘﺸﺎف ﺛﻨﺎﺋﻲ إﺛﻴﻼﻣﻴﺪ ﺣﻤﺾ اﻟﻠﻴﴪﺟﻴﻚ ﺗﺪاﻋﻴﺎت أﺧﺮى ﻣﻬﻤﺔ؛ ﻓﻬﻮ ﻳﺜﺒﺖ
ٍ
اﺿﻄﺮاﺑﺎت ﻋﻘﻠﻴﺔ ﺗﺸﺒﻪ أﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻜﻤﻴﺎت ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﻣﻮاد ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ أن ﺗُﺤﺪِث
ﺣﺎﻻت اﻟﺬﱡﻫﺎن اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻃﺒﻴﻌﻲ .وﻫﺬا ﻣﺎ أدﱠى إﱃ زﻳﺎدة اﻻﻫﺘﻤﺎم ﺑﻜﻴﻤﻴﺎء
وﺧﺎﺻﺔ اﻟﻨﻮاﻗﻞ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﻋﱪ ﺗﺸﺎﺑﻜﺎت اﻟﺨﻼﻳﺎ اﻟﻌﺼﺒﻴﺔ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ً اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻌﺼﺒﻲ،
ﺳﻤﺢ ﺑﺎﻟﺪراﺳﺔ املﻌﻤﻠﻴﺔ ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ وﻏري اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ.
رﻏﻢ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻋﺪد ﻛﺒري ﻣﻦ ﻣﺸﺘﻘﺎت ﺣﻤﺾ اﻟﻠﻴﴪﺟﻴﻚ اﻟﺘﻲ ﺗﺆدﱢي إﱃ اﻹﺻﺎﺑﺔ
ﺑﺎﻟﻬﻠﻮﺳﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ أﻗﻮى ﺗﺄﺛريًا ﻣﻦ ﺛﻨﺎﺋﻲ إﺛﻴﻼﻣﻴﺪ ﺣﻤﺾ اﻟﻠﻴﴪﺟﻴﻚ.
أﻳﻀﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة وﻏري ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻟﻬﺎ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻧﻔﺴﻴﺔ وﻗﺪ اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ ً
ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ .وﰲ ﻳﻮ ٍم ﻣﺎ ،رﺑﻤﺎ ﺳﺘﺘﻀﺢ ﻛﻴﻤﻴﺎء املﺮض اﻟﻌﻘﲇ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ ،ﺑﻔﻀﻞ ﺗﺠﺮﺑﺔ أﻟﱪت
ﻫﻮﻓﻤﺎن اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﺮﻫﻴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ وﻟﻴﺪة املﺼﺎدﻓﺔ.
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ﻧﻈ ًﺮا ﻷن دواء ﺛﻨﺎﺋﻲ إﺛﻴﻼﻣﻴﺪ ﺣﻤﺾ اﻟﻠﻴﴪﺟﻴﻚ ﻛﺎن ﻳ َُﺴﺎء اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ وﺗﻨﺘﺞ ﻋﻦ ﻫﺬا ﺗﻠﻚ
اﻟﻌﻮاﻗﺐ اﻟﻮﺧﻴﻤﺔ؛ ﻓﻘﺪ أوﻗﻔﺖ ﴍﻛﺔ ﺳﺎﻧﺪوز ﻻﺑﻮرﺗﻮرﻳﺰ إﻧﺘﺎﺟﻪ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٦٦وﺣ ﱠﻮ َﻟ ْﺖ
ﻛ ﱠﻞ إﻧﺘﺎﺟﻬﺎ إﱃ املﻌﻬﺪ اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﺼﺤﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ.
ﻓﺼﻞ ﻻﺣﻖ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ،ﻋﻨﻮاﻧﻪ» :اﻷﺳﻮأ املﺤﺘﻤَ ﻞ ﺣﺪوﺛﻪ« ،ﻳﻌ ﱢﻠﻖ اﻟﺪﻛﺘﻮرٍ ﰲ
ً
ﻛﻮﻫني ﻋﲆ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت املﻤﻜﻨﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﺪواء وﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ إﺳﺎءة اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻗﺎﺋﻼ» :إن
ﻋﻨﻮان ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ ﻣﺄﺧﻮذ ﻣﻦ اﻷﻏﻨﻴﺔ اﻟﺘﺤﺬﻳﺮﻳﺔ ﻟﻠﻤﺘﺤﺪﱢﺛني ﺑﺎﺳﻢ »راﺑﻄﺔ اﻻﻛﺘﺸﺎف
اﻟﺮوﺣﻲ« ،اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺆ ﱢﻛﺪون أن »أﺳﻮأ ﳾء ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﺪث ﻟﻚ ﺑﻌﺪ ﺗﻨﺎوُل ﻫﺬا اﻟﺪواء ﻫﻮ
ﻛﻨﺖ «.وﻫﺬه ﻋﺒﺎرة ﻏري ﺻﺤﻴﺤﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻌﻮد أﺳﻮأ ﻛﺜريًا ﻣﻤﺎ َ
ﻛﻨﺖ أﻧﻚ ﺳﺘﻌﻮد ﺳﻴﱢﺌًﺎ ﻛﻤﺎ َ
ﻋﻠﻴﻪ ،وﻗﺪ ﻻ ﺗﻌﻮد ﻋﲆ اﻹﻃﻼق«.
175
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ِز ْﻟﻦ ﻋﲆ ﻗﻴﺪ اﻟﺤﻴﺎة وﺑﺼﺤﺔ ﺟﻴﺪة« ﺑﻌﺪ ٥ﺳﻨﻮات ﻣﻦ اﻟﻌﻼج ،واﻟﻔﻀﻞ ﻳﺮﺟﻊ ﺑﺼﻔﺔ
ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻋﻦ وﻓﺎة اﻟﺪﻛﺘﻮر ٍ أﺳﺎﺳﻴﺔ إﱃ اﺧﺘﺒﺎر ﻣﺴﺤﺔ ﺑَﺎب «.إن ﻫﺬا اﻻﻗﺘﺒﺎس ﻣﺄﺧﻮذ ﻣﻦ
ﺟﻮرج ﻧﻴﻜﻮﻻس ﺑﺎﺑﺎﻧﻴﻜﻼو ﰲ ﻋﺎم ١٩٦٢ﰲ ﻣﺠﻠﺔ »ﻣﻴﺪﻳﻜﺎل وورﻟﺪ ﻧﻴﻮز«.
ﻣﻼﺣﻈﺔ ﴎﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﰲ ٍ ﻃ ﱠﻮ َر اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺑﺎﺑﺎﻧﻴﻜﻼو اﺧﺘﺒﺎ َر ﻣﺴﺤﺔ ﺑَﺎب ﺑﻌﺪ
ﻋﺎم .١٩٢٣وذﻛﺮ ﺗﻠﻚ املﻼﺣﻈﺔ ﻷول ﻣﺮة ﰲ ﻋﺎم ١٩٢٨ﰲ ورﻗﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ ﻗﺼرية ﺑﻌﻨﻮان
»ﺗﺸﺨﻴﺺ ﺟﺪﻳﺪ ملﺮض اﻟﴪﻃﺎن« ﻗﺪﱠﻣَ ﻬﺎ ﰲ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﺎﺗﻞ ﻛﺮﻳﻚ ﺑﻮﻻﻳﺔ ﻣﻴﺸﻴﺠﺎن.
ﻣﺠﻠﺔ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ »ﺟﺮوث« ،ﻟﻜﻦ اﻟﻮﺳﻂ اﻟﻄﺒﻲ ﻟﻢ ﻳﻬﺘﻢ ﻛﺜريًا ﺑﻬﺎ ٍ وﻧ ُ ِﴩت اﻟﻮرﻗﺔ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﰲ
ﻈﻬﺎ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺟﻮزﻳﻒ ﳼ ﻫﻴﻨﴘ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﰲ ﻋﺎم ١٩٤٠ﻋﻤﻴﺪًا ﻟﻠﻜﻠﻴﺔ اﻟﻄﺒﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻻﺣَ َ
ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﻛﻮرﻧﻴﻞ .ﺷﺠﱠ َﻊ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻫﻴﻨﴘ »اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺑَﺎب« ﻋﲆ اﺳﺘﺌﻨﺎف ﺑﺤﺜﻪ ﻋﻦ ﴎﻃﺎن
ﻣﻌﻤﻞ و ُِﺿﻊ ﺗﺤﺖ ﺗﴫﱡ ﻓِﻪ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﻮرﻧﻴﻞ .وﰲ ﻋﺎم ،١٩٤٣ﻧﴩ اﻟﺪﻛﺘﻮر ٍ اﻟ ﱠﺮﺣِ ﻢ ﰲ
ﺑَﺎب ورﻗﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ ﻣﻊ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻫﺮﺑﺮت إف ﺗﺮوت ﺑﻌﻨﻮان »ﺗﺸﺨﻴﺺ ﴎﻃﺎن اﻟ ﱠﺮﺣِ ﻢ ﻣﻦ ً ً
ﺧﻼل أﺧﺬ ﻣﺴﺤﺔ ﻣﻦ املﻬﺒﻞ« ،وﻗﺪ ﺟﺬﺑﺖ أﺧريًا اﻫﺘﻤﺎم اﻟﻮﺳﻂ اﻟﻄﺒﻲ .وﰲ ﻋﺎم ،١٩٤٨
ﻃﻠﺐ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺗﺸﺎرﻟﺰ إس ﻛﺎﻣريون ،املﺪﻳﺮ اﻟﻄﺒﻲ واﻟﻌﻠﻤﻲ ﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﴪﻃﺎن اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ،
ﻣﺆﺗﻤﺮ ﰲ ﺑﻮﺳﻄﻦ .وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﺑﺪأ اﺧﺘﺒﺎر ﻣﺴﺤﺔ ﺑَﺎب ﻳﻨﺘﴩ ﺗﺪرﻳﺠﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى ٍ ﻋﻘ َﺪ
اﻟﻌﺎﻟﻢ.
ﺑﺪأت ﺣﻴﺎة ﺟﻮرج ﺑَﺎب اﻟﻼﻓﺘﺔ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﰲ ﻋﺎم ١٨٨٣ﰲ ﺑﻠﺪة ﻛﻮﻣﻲ اﻟﺼﻐرية ﺑﺎﻟﻴﻮﻧﺎن.
ﻛﺎن اﺑﻨًﺎ ﻟﻄﺒﻴﺐ ،وﺣﺼﻞ ﻋﲆ درﺟﺘﻪ اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﻄﺐ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ أﺛﻴﻨﺎ .وﻗ ﱠﺮ َر أن ﻳَﻬَ ﺐَ
ﻣﻤﺎر ًﺳﺎ ﻋﺎﻣٍّ ﺎ؛ ﻟﺬﻟﻚ اﻧﺘﻘﻞ إﱃ أملﺎﻧﻴﺎ ودرس ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺎت ِ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻟﻠﺒﺤﺚ ً
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﻳﺼﺒﺢ
ﻳﻨَﺎ وﻓﺮاﻳﺒﻮرج وﻣﻴﻮﻧﺦ ،وﺣﺼﻞ ﻋﲆ درﺟﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻴﻮﻧﺦ ﰲ ﻋﺎم .١٩١٠
ﺗﻮﻗ َﻔ ْﺖ ﺣﻴﺎﺗﻪ املﻬﻨﻴﺔ ﺑﺨﺪﻣﺘﻪ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﰲ اﻟﺠﻴﺶ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ ﰲ ﺣﺮب اﻟﺒﻠﻘﺎن ،ﺣﻴﺚ ﻗﺎﺑَ َﻞ ﱠ
أﻣﺮﻳﻜﻴﱢني ﻣﻦ أﺻﻞ ﻳﻮﻧﺎﻧﻲ أﻏﺮاه وﺻﻔﻬﻢ ﻷﻣﺮﻳﻜﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ أرض اﻟﻔﺮص ﺑﺎﻻﻧﺘﻘﺎل إﻟﻴﻬﺎ
ﻟﻠﺴﻌﻲ وراء ﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻪ ﻫﻨﺎك .وذﻫﺐ إﱃ أﻣﺮﻳﻜﺎ ﻣﻊ زوﺟﺘﻪ اﻟﺘﻲ ﺗﺰوﱠﺟﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﻋﻮدﺗﻪ إﱃ
اﻟﻴﻮﻧﺎن ﺑﻌﺪ اﺳﺘﻜﻤﺎل دراﺳﺘﻪ ﰲ ﻣﻴﻮﻧﺦ ،دون أﻳﺔ ﺧﻄﺔ ﻣﺤﺪﱠدة ﺑﺸﺄن ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ
ﻃﻤﻮﺣﺎﺗﻪ اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ ﰲ ﻋﻠﻢ اﻷﺣﻴﺎء واﻟﻄﺐ.
ﻋﻤﻞ ﻟﻴﻮم واﺣﺪ ﺑﺎﺋ َﻊ ﺳﺠﺎﺟﻴﺪ ﰲ ﻣﺮﻛﺰ ﺗﺠﺎري ﺑﻨﻴﻮﻳﻮرك .وﺑﺘﻮﺻﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺪﻛﺘﻮر
ﺗﻮﻣﺎس ﻣﻮرﺟﺎن ،أﺳﺘﺎذ ﻋﻠﻢ اﻟﺤﻴﻮان ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻴﺎ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻋﲆ ﻋﻠﻢ ﺑﺒﺤﺜﻪ ﰲ
ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﺑﻨﻴﻮﻳﻮرك ﻛﺎن ً ﻣﻴﻮﻧﺦ ،ﺣﺼﻞ ﻋﲆ وﻇﻴﻔﺔ ﺑﺪوام ﺟﺰﺋﻲ ﰲ ﻗﺴﻢ اﻟﺒﺎﺛﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﰲ
ﺗﺎﺑﻌً ﺎ ﻟﻜﻠﻴﺔ اﻟﻄﺐ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﻛﻮرﻧﻴﻞ .وﴎﻋﺎن ﻣﺎ اﻧﺘﻘﻞ إﱃ ﻗﺴﻢ اﻟﺘﴩﻳﺢ ﰲ ﻛﻠﻴﺔ اﻟﻄﺐ
176
ٌ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻃﺒﻴﺔ وﻟﻴﺪة املﺼﺎدﻓﺔ
وﺗﺮﻗﻰ إﱃ درﺟﺔ أﺳﺘﺎذ ﻣﺴﺎﻋﺪ ،ﺛﻢ أﺳﺘﺎذ ،ﺛﻢ أﺳﺘﺎذ ﻓﺨﺮي ،ﺛﻢ ﻣﺪﻳﺮ ملﻌﻤﻞ ﺑﺎﺑﺎﻧﻴﻜﻼو ﱠ
اﻟﺒﺤﺜﻲ ،ﺛﻢ ﻣﺴﺘﺸﺎر ملﻌﻤﻞ ﺑﺎﺑﺎﻧﻴﻜﻼو ﻟﻌﻠﻢ اﻟﺨﻼﻳﺎ.
اﺳﺘﻤ ﱠﺮ ارﺗﺒﺎﻃﻪ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﻛﻮرﻧﻴﻞ ﻟﺤﻮاﱄ ﻧﺼﻒ ﻗﺮن .وﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ملﺪة ١٤ﺳﺎﻋﺔ ﰲ
اﻟﻴﻮم و ٦أﻳﺎم وﻧﺼﻒ ﰲ اﻷﺳﺒﻮع ﰲ ﻣَ ﻌﺎﻣﻠﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ وﰲ ﺑﻴﺘﻪ ،وﻛﺎﻧﺖ زوﺟﺘﻪ
ﻗﺎﺋﻼ:ﻫﻲ ﻣَ ْﻦ ﺗﺴﺎﻋﺪه ﺑﺼﻔﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ .وأﺧﺬ إﺟﺎزة واﺣﺪة ﺧﻼل ٤١ﻋﺎﻣً ﺎ ،وﻋ ﱠﻠﻞ ذﻟﻚ ً
»اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻤﺘﻊ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ،وﻳﻮﺟﺪ اﻟﻜﺜري اﻟﺬي ﻳﺠﺐ إﻧﺠﺎزه!«
ﻣﻼﺣﻈﺔ أﻋ َﻠ َﻦ ﺑﻨﻔﺴﻪ
ٍ َ
ﻧﺘﻴﺠﺔ إن اﻟﺸﻬﺮة واﻟﻨﺠﺎح اﻟ ﱠﻠﺬﻳﻦ ﱠ
ﺣﻘﻘﻬﻤﺎ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺑَﺎب ﻛﺎﻧَﺎ
ﻆ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري «.ﻃﻠﺐ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﺗﺸﺎرﻟﺰ آر ﺳﺘﻮﻛﺎرد ،رﺋﻴﺲ ﻋﻦ أﻧﻬﺎ »ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺣ ﱟ
ﻗﺴﻢ اﻟﺘﴩﻳﺢ ﺑﻜﻠﻴﺔ اﻟﻄﺐ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﻛﻮرﻧﻴﻞ ،ﻣﻦ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺑَﺎب أن ﻳﻌﻤﻞ ﻣﻌﻪ ﰲ اﻟﺪراﺳﺎت
اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻘﻮم ﺑﻬﺎ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻮراﺛﺔ املﻌﻤﻠﻴﺔ ،وﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻛﺎن ﺛﻤﺔ اﻫﺘﻤﺎم ﻛﺒري ﺑﺪور
اﻟﻜﺮوﻣﻮﺳﻮﻣﺎت ﰲ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺠﻨﺲ .وﺑﺪأ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺑَﺎب ﰲ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﲆ اﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ اﻟﻐﻴﻨﻴﺔ؛
ُ
ﺗﺼﻒ ﻓﻘﺎده ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ إﱃ ﻧﴩ ورﻗﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ ﻣﻊ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﺘﻮﻛﺎرد ﰲ ﻋﺎم ١٩١٧
اﻟﺘﻐريات اﻟﺨﻠﻮﻳﺔ املﻠﺤﻮﻇﺔ ﰲ اﻟﻨﺴﻴﺞ املﻬﺒﲇ أﺛﻨﺎء املﺮاﺣﻞ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﺪورة اﻟﻨﺰوﻳﺔ
ﺗﻐريات ﺧﻠﻮﻳﺔ ﻣﻬﺒﻠﻴﺔ ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﰲ ﻋﻨﺪ اﻟﺨﻨﺰﻳﺮ اﻟﻐﻴﻨﻲ .وﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻢ إن ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺪث ﱡ
اﻟﺪورة اﻟﺸﻬﺮﻳﺔ ﻟﻠﺴﻴﺪات أم ﻻ ،ﻗﺎم اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺑَﺎب ﰲ ﻋﺎم ١٩٢٣ﺑﺪراﺳﺔ ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ ﻟﻌﻠﻢ
ﻣﺮﻳﻀﺎت ﰲ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ٍ ﺧﻼﻳﺎ اﻟﺴﺎﺋﻞ املﻬﺒﲇ اﻟﺒﴩي ،وأُﺟﺮﻳﺖ ﻫﺬه اﻟﺪراﺳﺔ ﻋﲆ
ﻟﻠﻨﺴﺎء.
أُﺧِ ﺬت ﻋﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺳﻴﺪة ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﴎﻃﺎن اﻟ ﱠﺮﺣِ ﻢ ،وﺑﻔﻀﻞ ﻗﺪرة اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺑَﺎب ﻋﲆ
املﻼﺣﻈﺔ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ واﻟﺘﻘﺪﻳﺮ اﻟﺠﻴﺪ ،أد َر َك وﺟﻮ َد ﺷﺬوذ ﺗﺮﻛﻴﺒﻲ ﰲ اﻟﺨﻼﻳﺎ اﻟﴪﻃﺎﻧﻴﺔ ﰲ
ﻻﺣﻘﺎ» :إن املﻼﺣﻈﺔ اﻷوﱃ ﻟﻠﺨﻼﻳﺎ اﻟﴪﻃﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﻣﺴﺤﺔ ً ﻣﺴﺤﺎت اﻟﺴﺎﺋﻞ املﻬﺒﲇ .وﻗﺎل
ﻋﻨﻖ اﻟ ﱠﺮﺣِ ﻢ أﺛﺎرت دﻫﺸﺘﻲ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺑﺎﻟﻎ ﻟﻢ أﺻﺎدﻓﻪ ﻗﻂ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻲ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ «.وﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ
اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪﱠﻣﻬﺎ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٢٨وﺑﻌﺪ وﺻﻒ اﻻﺧﺘﺒﺎر اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﴪﻃﺎن اﻟ ﱠﺮﺣِ ﻢ
دﻗﺔ ملﺸﻜﻠﺔ ﻗﺎﺋﻼ» :إن اﻟﻔﻬﻢ اﻷﻓﻀﻞ واﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻷﻛﺜﺮ ً ﰲ املﺮﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻻﻧﺘﺸﺎرﻳﺔ ،ﱠ
ﺗﻮﻗ َﻊ ً
ﻃﺮقٍ اﻟﴪﻃﺎن ﻣﺮﻫﻮ ٌن ﺑﻨﺘﻴﺠﺔ اﺳﺘﺨﺪام ﻫﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ،وﻣﻦ املﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﻢ ﺗﻄﻮﻳ ُﺮ
ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﴪﻃﺎن ﰲ أﻋﻀﺎءٍ أﺧﺮى .وإﻧﻨﻲ ﻷﺷﻌﺮ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺮق ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻄﻮﻳﺮﻫﺎ ٍ
ﺗﻮﻗ ُﻊ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺑَﺎب ،وﺗﻢ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻃﺮﻳﻘﺘﻪ ﻋﲆ ﺗﺤﻘ َﻖ ﱡ
وﺳﻴﺤﺪث ﻫﺬا ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ «.ﱠ
اﻟﻘﻮﻟﻮن واﻟ ُﻜﲆ واملﺜﺎﻧﺔ واﻟﱪوﺳﺘﺎﺗﺎ واﻟ ﱢﺮﺋﺔ واملﻌﺪة واﻟﺜﺪي واﻟﺠﻴﻮب وﺣﺘﻰ اﻟﺪﻣﺎغ.
177
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ﺣﺼﻞ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺑَﺎب ﻋﲆ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﺘﻜﺮﻳﻢ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺘﺴﻊ املﺠﺎل ﻟﺬﻛﺮه ﻫﻨﺎ .وﻣﻦ اﻷﻣﺜﻠﺔ
ﻋﲆ ذﻟﻚ ﺗﺴﻤﻴﺔ ﻣﻌﻬ ٍﺪ ﻟﺒﺤﻮث اﻟﴪﻃﺎن ﺑﺎﺳﻤﻪ ،وﺣﺼﻮﻟﻪ ﻋﲆ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻮاﺋﺰ ﻣﻦ
ﺟﻤﻌﻴﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﴪﻃﺎن وﺑﺎﻟﺴﻴﺪات ،وﺛﻼث درﺟﺎت ﺟﺎﻣﻌﻴﺔ ﻓﺨﺮﻳﺔ ،وﺟﺎﺋﺰﺗﺎن ﻣﻦ
اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ.
ﻳُﻌَ ﱡﺪ اﺧﺘﺒﺎر ﻣﺴﺤﺔ ﺑَﺎب ﻻﻛﺘﺸﺎف ﴎﻃﺎن ﻋﻨﻖ اﻟ ﱠﺮﺣِ ﻢ ﰲ املﺮﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ اﻻﻧﺘﺸﺎرﻳﺔ
ﱠت إﱃ إﻧﻘﺎذ ﺣﻴﺎة ﻋﺪد ﻛﺒري ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺪات .وﰲ ﻣﻦ أﻋﻈﻢ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻄﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ أد ْ
ﻋﺎم ،١٩٥٩ذﻛﺮ ﻣﺪﻳﺮ ﻣﻌﻬﺪ اﻷورام ﰲ ﻣﻮﺳﻜﻮ أن ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﻼﻳني ﺳﻴﺪة ﺧﻀﻌﻦ ﻻﺧﺘﺒﺎر
ً
اﻛﺘﻤﺎﻻ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻣﺴﺤﺔ ﺑَﺎب ﰲ روﺳﻴﺎ .وﰲ اﻟﺴﻮﻳﺪ ،ﺣﻴﺚ ﻳ َ
ُﺤﺘﻔﻆ ﺑﺄﻛﺜﺮ اﻟﺴﺠﻼت اﻟﻄﺒﻴﺔ
ﺧﻀﻌَ ْﺖ ٢٠٧٤٥٥ﺳﻴﺪة ﻟﻬﺬا اﻻﺧﺘﺒﺎر ﻋﲆ ﻣﺪى ﻋﴩ ﺳﻨﻮات ،وﺗﻢ ﺣﻔﻆ اﻟﺴﺠﻼت ﻋﲆ
ﻧﻘﺼﺎ ﰲ ﻣﻌﺪل اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﴪﻃﺎن ﻋﻨﻖ اﻟ ﱠﺮﺣِ ﻢ ﺑني ً اﻟﻜﻤﺒﻴﻮﺗﺮ .وأوﺿﺤﺖ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ أن ﺛﻤﺔ
اﻟﺴﻴﺪات اﻟﻼﺗﻲ ﺧﻀﻌﻦ ﻻﺧﺘﺒﺎر ﻣﺴﺤﺔ ﺑَﺎب ﺑﻤﻌﺪل ﺣﺎﻟﺔ واﺣﺪة ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ملﺪة ﻋﴩ
ﺳﻨﻮات؛ أي ﻣﺎ ﻳُﻘﺪﱠر ﺑﻨﺴﺒﺔ .٪٧٥وﻳﻘﺪﱢر اﻷﻃﺒﺎء ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ أوﺑﺴﺎﻻ أن اﺗﱢﺒَﺎع ﻧﻈﺎ ٍم ﺗﺨﻀﻊ
ﻓﻴﻪ اﻟﺴﻴﺪة ﻟﻬﺬا اﻻﺧﺘﺒﺎر ﻛﻞ ﺛﻼث ﺳﻨﻮات ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻘ ﱢﻠﻞ ﻣﻦ ﻣﻌﺪل ﺣﺪوث ﴎﻃﺎن ﻋﻨﻖ
اﻟ ﱠﺮﺣِ ﻢ اﻻﻧﺘﺸﺎري ملﺴﺘﻮًى ﻳﱰاوح ﺑني ﺣﺎﻟﺔ واﺣﺪة و ٥ﺣﺎﻻت ﻟﻜﻞ ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ ﺳﻴﺪة ﻛﻞ
ﻋﺎم.
178
ٌ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻃﺒﻴﺔ وﻟﻴﺪة املﺼﺎدﻓﺔ
أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﻳﻈﻬﺮ اﺻﻔﺮار ﻋﲆ ﺟﻠﺪ اﻷﻃﻔﺎل اﻟﺤﺪﻳﺜﻲ اﻟﻮﻻدة ،وﻫﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺗُﻌ َﺮف ﺑﺼﻔﺮة
ﺣﺪﻳﺜﻲ اﻟﻮﻻدة .واﻟﺴﺒﺐ واﺣﺪ ﰲ ﻫﺬا اﻻﺻﻔﺮار وﻏريه ﻣﻦ أﺷﻜﺎل اﻟﺼﻔﺮة اﻷﺧﺮى؛ إذ
ﺗﺼﻞ اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﺼﻔﺮاوﻳﺔ املﺘﻤﺜﻠﺔ ﰲ اﻟﺒﻴﻠريوﺑني إﱃ ﺗﺮﻛﻴﺰ ﻏري ﻃﺒﻴﻌﻲ وﺗﻈﻬﺮ ﰲ اﻟﺠﻠﺪ
ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻻﻧﺤﻼل اﻟﻬﻴﻤﻮﺟﻠﻮﺑني؛ ﺣﻴﺚ ﻳﺸري ً وﺑﻴﺎض اﻟﻌﻴﻨني .وﺗُﻔ َﺮز ﺻﺒﻐﺔ اﻟﺒﻴﻠريوﺑني
ﻣﺸﻜﻠﺔ ﰲ اﻟﻜﺒﺪ أو اﻟﻄﺤﺎل أو املﺮارة .وﰲ ٍ ﺗﺮﻛﻴﺰﻫﺎ اﻟﻌﺎﱄ ﻏري اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﰲ اﻟﺪم إﱃ وﺟﻮد
املﻜﺘﻤﻞ اﻟﻨﻤﻮ ﻟﺪى اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺘﺨ ﱡﻠﺺ ﻣﻦ ِ ﺣﺎﻟﺔ ﺻﻔﺮة ﺣﺪﻳﺜﻲ اﻟﻮﻻدة ،ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ اﻟﻜﺒﺪ ﻏري
اﻟﺒﻴﻠريوﺑني ﺑﺎﻟﴪﻋﺔ اﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ملﻨﻊ ﺣﺪوث ﺗﻠﻒ ﺑﺎﻟﺪﻣﺎغ واﻟﻮﻓﺎة.
ً
ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﰲ ﻈ ْﺖ ﻣﻤﺮﺿﺔ ذﻛﻴﺔ ﰲ ﰲ أواﺧﺮ اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ﻻﺣ َ
ُﻮﺿﻊ ﺣﺪﻳﺜﻮ اﻟﻮﻻدة املﺼﺎﺑﻮن ﺑﺎﻟﺼﻔﺮة ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻧﻮاﻓﺬ اﻟﺤﻀﺎﻧﺔ إﻧﺠﻠﱰا أﻧﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳ َ
ﺟﺮﻳﺖ ﺑﻌﺪ ﻣﻼﺣﻈﺔ املﻤﺮﺿﺔ أن ﰲ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ ،ﻳﺨﺘﻔﻲ املﺮض .وأﺛﺒﺘﺖ اﻷﺑﺤﺎث اﻟﺘﻲ أ ُ ِ
ﻳﻨﻘﻲ ﺟﻠﺪ اﻷﻃﻔﺎل ﻣﺤﻮ ًﱢﻻ اﻟﺒﻴﻠريوﺑني ﻣﻜﻮﱢن اﻷﺷﻌﺔ ﻓﻮق اﻟﺒﻨﻔﺴﺠﻴﺔ ﻣﻦ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ ﱢ
ﺗﻌﺮﻳﺾ اﻷﻃﻔﺎل اﻟﺤﺪﻳﺜﻲ اﻟﻮﻻدة ﻟﻠﻀﻮء ُ ﺷﻜﻞ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﺨ ﱡﻠﺺ ﻣﻨﻪ .وﻗﺪ أﺻﺒﺢ اﻵن ٍ إﱃ
ﻗﻴﺎﺳﻴﺔ ﰲ املﺴﺘﺸﻔﻴﺎت ﻟﻠﻮﻗﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺻﻔﺮة اﻷﻃﻔﺎل اﻟﺤﺪﻳﺜﻲ ً ً
ﻣﻤﺎرﺳﺔ ﻓﻮق اﻟﺒﻨﻔﺴﺠﻲ
اﻟﻮﻻدة أو ﻋﻼﺟﻬﺎ.
ﺗﺮﺳﺐ اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول ﰲ اﻷوﻋﻴﺔ اﻟﺪﻣﻮﻳﺔ املﺆدﱢي إﱃ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﺎﻷزﻣﺎت اﻟﻘﻠﺒﻴﺔ ﻣﻦ أﻫﻢ ﻳُﻌَ ﱡﺪ ﱡ
املﺸﻜﻼت اﻟﺼﺤﻴﺔ ﰲ ﻋﴫﻧﺎ اﻟﺤﺎﱄ .ﺣﺼﻞ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺎﻳﻜﻞ إس ﺑﺮاون واﻟﺪﻛﺘﻮر ﺟﻮزﻳﻒ
إل ﺟﻮﻟﺪﺷﺘﺎﻳﻦ ،ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺼﺤﻴﺔ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﺗﻜﺴﺎس ﺑﺪاﻻس ،ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ
ﰲ ﻋﻠﻢ وﻇﺎﺋﻒ اﻷﻋﻀﺎء أو اﻟﻄﺐ ﰲ ﻋﺎم ١٩٨٥؛ ﻻﻛﺘﺸﺎﻓﻬﻤﺎ ملﺴﺘﻘﺒﻼت اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول
اﻟﴬورﻳﺔ ﻟﺘﻘﻠﻴﻞ ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول ﰲ ﻣﺠﺮى اﻟﺪم .وﻛﺎن اﻟﻌﻤﻞ ﰲ ﻫﺬا املﺠﺎل ﻳﺴري ﰲ
ﻄﻂ ﻟﻬﺎ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ ﺑﺎﺣﺜني ﺑﺎرﻋني وﻣﺪ ﱠرﺑني ﺗﺪرﻳﺒًﺎ ﻋﺎﻟﻴًﺎﺷﻜﻞ دراﺳﺎت ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻣﺨ ﱠ
أﻳﻀﺎ ﻣﻦ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ. وﺷﺪﻳﺪي اﻹﺧﻼص ﻟﻠﻌﻠﻢ ،وﻟﻜﻨﻪ اﺳﺘﻔﺎد ً
ﺑﺎﻓﱰاض ﻛﺎن ﻏري ﺻﺤﻴﺢ … ﻓﻘﺪ ﻛﻨﱠﺎ ٍ ﻳﺘﺬﻛﺮ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺑﺮاون ً
ﻗﺎﺋﻼ» :ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ،ﺑﺪأﻧﺎ
ﻧﺪرس ﻓﺮط ﻛﻮﻟﻴﺴﱰول اﻟﺪم اﻟﻌﺎﺋﲇ ،وﻫﻮ ﻣﺮض ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻓﻴﻪ اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻦ ارﺗﻔﺎع ﻫﺎﺋﻞ
ﺧﻠﻼ ﰲ أﺣﺪ اﻹﻧﺰﻳﻤﺎت ﰲ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول ﰲ اﻟﺪم .ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ،ﻛﻨﱠﺎ ﻧﻈﻦ أن ﺛﻤﺔ ً
ﻛﻮﻟﻴﺴﱰوﻻ زاﺋﺪًا ،ﻟﻜﻦ اﺗﻀﺢ ﻟﻨﺎ أن ﻫﺬا اﻹﻧﺰﻳﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻮ املﺸﻜﻠﺔ، ً اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻨﺘﺞ
179
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻟﻜﻦ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ أن ﺧﻼﻳﺎ اﻟﺠﺴﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﰲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول ﻣﻦ
أﺣﺪ اﻟﱪوﺗﻴﻨﺎت اﻟﺪﻫﻨﻴﺔ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﰲ اﻟﺘﺨ ﱡﻠﺺ ﻣﻨﻪ .ﻟﻢ ﻳﱰاءَ ﻟﻨﺎ ﻳﻮﻣً ﺎ وﺟﻮد ﳾءٍ ﻣﺜﻞ
املﺴﺘﻘﺒﻼت ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻴﻄﺮأ ﻋﲆ ذﻫﻦ أي ﻋﺎﻟِﻢ ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎﻟﻢ أن ﻫﻨﺎك ﺷﻴﺌًﺎ ﻛﻬﺬا«.
ﺑﺪأ ﺑﺮاون وﺟﻮﻟﺪﺷﺘﺎﻳﻦ دراﺳﺎﺗﻬﻤﺎ ﺑﺨﻼﻳﺎ ﺟﻠﺪﻳﺔ ﻣﺰروﻋﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﴇ ﻳﻌﺎﻧﻮن ﻣﻦ
ﻓﺮط ﻛﻮﻟﻴﺴﱰول اﻟﺪم اﻟﻌﺎﺋﲇ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ أو املﺴﺘﺤﻴﻞ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ أﻛﺒﺎد
ً
اﺗﺼﺎﻻ ﻫﺎﺗﻔﻴٍّﺎ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء املﺮﴇ .وﻟﻌﺒﺖ املﺼﺎدﻓﺔ دو ًرا ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﱠ
ﺗﻠﻘﻰ ﺑﺮاون
ﻃﺒﻴﺐ ﻣﻦ دﻳﻨﻔﺮ اﺳﺘﻄﺎع اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻛﺒﺪ ﻣﻦ ﻣﺮﻳﺾ ﻣﺼﺎب ﺑﻬﺬا املﺮض )وذﻟﻚ ﻋﱪ ٍ
ﺑﺪراﺳﺎت ﻋﲆ اﻟﺨﻼﻳﺎ ٍ ﻋﻤﻠﻴﺔ زرع ﻛﺒﺪ( .وﺣﻴﺚ إن ﺑﺮاون وزﻣﻴﻠﻪ ﻛﺎﻧَﺎ ﻳﻘﻮﻣﺎن ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ اﻟﻜﺒﺪ ،وﺣﺼﻞ اﻟﺠﻠﺪﻳﺔ ،ﻃﻠﺐ ﺑﺮاون اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﺑﻌﺾ اﻟﺠﻠﺪ ﻣﻦ ﻫﺬا املﺮﻳﺾ ً
ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ.
ﻋﺮف ﺑﺮاون وﺟﻮﻟﺪﺷﺘﺎﻳﻦ ﻣﻦ ﺧﻼل دراﺳﺎﺗﻬﻤﺎ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺨﻼﻳﺎ اﻟﺠﻠﺪﻳﺔ أن ﻣﺮﴇ
ُ
اﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول اﻟﻀﺎ ﱢر
ِ ُ
ﻣﺴﺘﻘﺒﻼت ﻓﺮط ﻛﻮﻟﻴﺴﱰول اﻟﺪم اﻟﻌﺎﺋﲇ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﺪﻳﻬﻢ
اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول اﻟﺪم اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻘﻠﻪَ املﻮﺟﻮدة ﻋﲆ أﻏﺸﻴﺔ اﻟﺨﻼﻳﺎ ،واﻟﺘﻲ ﺗُﻌَ ﱡﺪ اﻟﺤﻮاﻣ َﻞ
إﱃ ﺧﻼﻳﺎ اﻟﺠﺴﻢ.
ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،ﰲ ﻋﺎم ١٩٧٣اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺤﺎول ﻓﻴﻪ ﻋﺎﻟِﻤَ ﺎ داﻻس ﻓﻬ َﻢ اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ
اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻬﺎ أن ﻳﺆدي ﻧﻘﺺ ﻣﺴﺘﻘﺒﻼت اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول اﻟﻀﺎر وﻓﺮط اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول اﻟﻀﺎر
ﰲ اﻟﺪم اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻋﻦ ذﻟﻚ إﱃ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﺎﻷزﻣﺎت اﻟﻘﻠﺒﻴﺔ؛ ﺗﻮﺻ َﻞ ﻃﺒﻴﺐ ﺑﻴﻄﺮي ﰲ اﻟﻴﺎﺑﺎن إﱃ
اﻛﺘﺸﺎف ﴎﻧﺪﻳﺒﻲ ﺳﺎﻋَ َﺪ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻛﺒري ﰲ اﻷﺑﺤﺎث اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﺴﺘﻘﺒﻼت اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول
ﻓﺤﺺ ﻳﻮﺷﻴﻮ أﺗﺎﻧﺎﺑﻲ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﻮﺑﻲ أرﻧﺒًﺎ ﰲ ﴎﺑﻪ ،ﻓﻮﺟﺪ أن ﺗﺮﻛﻴﺰ َ اﻟﻀﺎر.
اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول ﰲ دم اﻷرﻧﺐ ﻛﺎن أﻋﲆ ﻋﴩ ﻣﺮات ﻣﻦ اﻟﱰﻛﻴﺰ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻟﻠﻜﻮﻟﻴﺴﱰول.
وﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﱰﺑﻴﺔ املﻨﺎﺳﺒﺔ ،ﺣﺼﻞ أﺗﺎﻧﺎﺑﻲ ﻋﲆ ﺳﻼﻟﺔ ﻣﻦ اﻷراﻧﺐ ﻛﻠﻬﺎ ﻟﺪﻳﻬﺎ
ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول ﰲ دﻣﻬﺎ ،وﻛﻠﻬﺎ أ ُ ِﺻﻴﺒﺖ ﺑﺄﻣﺮاض اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺘﺎﺟﻴﺔ اﻟﺘﻲ
ُﺼﺎب ﺑﻬﺎ اﻟﺒﴩ ،ووﺟﺪ أن ﺗﻠﻚ اﻷراﻧﺐ ﺗﻌﺎﻧﻲ أﻣﺮاض اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺘﻲ ﻳ َ َ ري
ﻧﺤﻮ ﻛﺒ ٍ
ﺗﺸﺒﻪ ﻋﲆ ٍ
ﻣﻦ ﻏﻴﺎب املﺴﺘﻘﺒﻼت اﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ ﻟﻠﻜﻮﻟﻴﺴﱰول اﻟﻀﺎر ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﻣﻊ اﻟﺒﴩ املﺼﺎﺑني
ﺑﻔﺮط ﻛﻮﻟﻴﺴﱰول اﻟﺪم اﻟﻌﺎﺋﲇ.
إن ﻣﺮض ﻓﺮط ﻛﻮﻟﻴﺴﱰول اﻟﺪم اﻟﻌﺎﺋﲇ ﻫﻮ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﻋﺪد ﺻﻐري ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺣﺎﻻت ﱠ
اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﺄﻣﺮاض اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺘﺎﺟﻲ .واﻟﴚء اﻟﺬي ﻣﺎ زال ﻏري ﻣﻔﻬﻮم ﻫﻮ اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ارﺗﻔﺎع
ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﴩ ﻣﻊ أﻧﻬﻢ ﻏري ﻣﺼﺎﺑني ﺑﻤﺮض ﻓﺮط ﻛﻮﻟﻴﺴﱰول
180
ٌ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻃﺒﻴﺔ وﻟﻴﺪة املﺼﺎدﻓﺔ
اﻟﺪم اﻟﻌﺎﺋﲇ ،وﻻ ﻳﺤﺼﻠﻮن ﻋﲆ ﻛﻤﻴﺎت ﻛﺒرية ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول .ﻫﻨﺎك ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﺎﻣﻞ
ﻋﺮﺿﺔ ﻟﻠﻤﻌﺎﻧﺎة ﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﺸﻜﻠﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏريﻫﻢ، ً وراﺛﻲ وراء ﻛﻮن ﺑﻌﺾ اﻷﻓﺮاد أﻛﺜﺮ
ﺑﻌﺾَ ﻄ ِﺖ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﺴﺘﻘﺒﻼت اﻟﺨﻼﻳﺎ ﰲ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﴩ واﻷراﻧﺐ وﻗﺪ أﻋ َ
ﻈﺮ أن ﺗﻘﺪﱢم املﺰﻳﺪ .وﺑﺼﻔﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ،ﻳﺮﺟﻊ اﻟﱰﻛﻴ ُﺰ اﻹﺟﺎﺑﺎت ﻋﻦ ﻫﺬا اﻟﺴﺆال ،وﻣﻦ املﻨﺘ َ
اﻟﻌﺎﱄ ﻟﻠﻜﻮﻟﻴﺴﱰول ﰲ ﻣﺠﺮى اﻟﺪم إﱃ ﻋﺎﻣ َﻠ ْني؛ اﻷول :ﻫﻮ اﻹﻧﺘﺎج املﻔﺮط ﻟﻠﻜﻮﻟﻴﺴﱰول ﻣﻦ
ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻜﺒﺪ ،واﻟﺜﺎﻧﻲ :ﻫﻮ ﻧﻘﺺ اﺳﺘﻘﺒﺎل اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻜﺒﺪ واﻟﻐﺪد اﻟﻜﻈﺮﻳﺔ
املﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ إﻧﺘﺎج اﻟﻬﺮﻣﻮﻧﺎت اﻟﺴﱰوﻳﺪﻳﺔ اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول.
ﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﻆ ،ﻳﺒﺪو اﻵن أن ﺗﺼﺤﻴﺢ ﻫﺬا اﻟﺨﻠﻞ أﺻﺒﺢ ﻣﻤﻜﻨًﺎ؛ ﻓﻘﺪ اﻛﺘُ ِﺸﻒ دواء
آﺧﺮ ﺗﻢ ﻋﺰﻟﻪﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﻛﻮﻟﺴﱰاﻣني ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻘﺒﻼت اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول اﻟﻀﺎر ،وﻫﻨﺎك دواء َ
ﻣﻦ ﻋَ ﻔﻦ ﻳﺜﺒﻂ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول ﰲ اﻟﻜﺒﺪ ،ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﻣﻴﻔﻴﻨﻮﻟني )أو ﻟﻮﻓﺴﺘﺎﺗني( اﻛﺘُ ِﺸﻒ
ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻋﲆ ﻳﺪ أﻛريو إﻧﺪو ﻣﻦ ﴍﻛﺔ ﺳﺎﻧﻜﻴﻮ ﻟﻸدوﻳﺔ وﻋﺎﻟِﻤني ﻣﻦ ﴍﻛﺔ ﻣريك؛
ﴍﻛﺔ ﻣريك ﻟﻬﺬا اﻟﺪواء ﺑﺎﻻﺳﻢ اﻟﺘﺠﺎري ﻣﻴﻔﺎﻛﻮر .وﻳﺮى ُ ﻫﻤﺎ ﺷﺎرب ودوم .وﺳﺘﺴﻮﱢق
ﺑﺮاون وﺟﻮﻟﺪﺷﺘﺎﻳﻦ أن ﻃﺮﻳﻘﺔ اﺳﺘﺨﺪام ﻛﻼ اﻟﺪواءﻳﻦ ﻟﺘﻘﻠﻴﻞ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول ﻣﻦ
اﻷﻓﻀﻞ ﺗﺠﺮﺑﺘﻬﺎ ﻋﲆ اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺎﻧﻮن ﻣﻦ ارﺗﻔﺎع ﻣﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﻜﻮﻟﻴﺴﱰول ﻋﲆ
ﻧﺤﻮ ﻛﺒري ﺟﺪٍّا.
181
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎدي واﻟﻌﴩون
ﰲ ﻋﺎم ،١٨٩٥اﻛﺘﺸﻒ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻲ اﻷملﺎﻧﻲ ﻓﻴﻠﻬﻠﻢ ﻛﻮﻧﺮاد روﻧﺘﺠﻦ أﺷﻌﺔ إﻛﺲ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ.
ﻋﺎل ﻋﱪ ُ
ﺗﻔﺮﻳﻎ ﻛﻬﺮﺑﺎء ﺑﺠﻬ ٍﺪ ٍ ﻛﺎن روﻧﺘﺠﻦ ﻳﻜ ﱢﺮر ﺗﺠﺎرب ﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴني َ
آﺧﺮﻳﻦ ﺗ ﱠﻢ ﻓﻴﻬﺎ
اﻟﻬﻮاء أو ﺑﻌﺾ اﻟﻐﺎزات اﻷﺧﺮى ﰲ أﻧﺒﻮب زﺟﺎﺟﻲ ﻣﻔ ﱠﺮغ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ .وﰲ ﻋﺎم ،١٨٥٨و ُِﺟﺪ
أن ﺟﺪران اﻷﻧﺒﻮب اﻟﺰﺟﺎﺟﻲ ﺗﺼﺒﺢ ذات وﻣﻴﺾ ﻓﺴﻔﻮري أﺛﻨﺎء اﻟﺘﻔﺮﻳﻎ .ﰲ ﻋﺎم ،١٨٧٨
وﺻﻒ اﻟﺴري وﻳﻠﻴﺎم ﻛﺮوﻛﺲ »أﺷﻌﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮد« اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﱢﺐ اﻟﻮﻣﻴﺾ اﻟﻔﺴﻔﻮري ﺑﺄﻧﻬﺎ »ﺗﻴﺎر
ﻣﻦ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت اﻟﻄﺎﺋﺮة« ،ﻟﻜﻨﻨﺎ ﻧﻌﺮف اﻵن أن ﺗﻠﻚ اﻷﺷﻌﺔ ﻫﻲ ﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ﺗﻴﺎرات ﻣﻦ
اﻹﻟﻜﱰوﻧﺎت املﻨﺒﻌﺜﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺎﺛﻮد ،وﻳﻨﺘﺞ اﻟﻮﻣﻴﺾ اﻟﻔﻮﺳﻔﻮري ﻋﻦ ﺗﺄﺛري ﺗﻠﻚ اﻹﻟﻜﱰوﻧﺎت
ﻋﲆ ﺟﺪران اﻷﻧﺎﺑﻴﺐ اﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ.
إن اﻟﻼﻓﺘﺎت اﻟﻨﻴﻮن واﻟﺼﻤﺎﻣﺎت اﻟﺘﻠﻴﻔﺰﻳﻮﻧﻴﺔ واملﺼﺎﺑﻴﺢ اﻟﻔﻠﻮرﻳﺔ ﻫﻲ ﺗﻄﺒﻴﻘﺎت
ﺣﺪﻳﺜﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺘﺠﺎرب .وﺗﻜﻮن املﺼﺎﺑﻴﺢ اﻟﻔﻠﻮرﻳﺔ ﻣﻄﻠﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ﺑﻤﻮاد ﻋﺎﻟﻴﺔ اﻟﻔﻠﻮرﻳﺔ
ﻹﻧﺘﺎج أﻟﻮان وﻇﻼل ﺿﻮءٍ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ.
ﰲ ﻋﺎم ،١٨٩٢أﺛﺒﺖ ﻫﺎﻳﻨﺮﻳﺶ ﻫريﺗﺲ أن أﺷﻌﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮد ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺨﱰق ورق
اﻟﻔﻮﻳﻞ اﻟﺮﻓﻴﻊ .وﺑﻌﺪ ﻋﺎﻣني ،ﺻﻨﻊ ﻓﻴﻠﻴﺐ ﻟﻴﻨﺎرد اﻷﻧﺎﺑﻴﺐَ املﻔ ﱠﺮﻏﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﺟﺪران رﻓﻴﻌﺔ
ﻣﻦ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم .وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺪران ﺗﺴﻤﺢ ﻷﺷﻌﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮد ﺑﺎﻟﺨﺮوج ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻮب املﻔ ﱠﺮغ
ﺣﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻜﺸﻒ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻀﻮء اﻟﺬي ﺗﻨﺘﺠﻪ ﻋﲆ ﺷﺎﺷﺔ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻣﺎدة
أﻳﻀﺎ ﻟﻠﻜﺸﻒ ﻋﻦ اﻟﻀﻮء ﻓﻮق اﻟﺒﻨﻔﺴﺠﻲ(؛ ﻓﺴﻔﻮرﻳﺔ )ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺴﺘﺨﺪَم ﺗﻠﻚ اﻟﺸﺎﺷﺎت ً
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻟﻜﻦ و ُِﺟﺪ أﻧﻬﺎ ﺗﺘﺤﺮك ﻓﻘﻂ ﻟﺴﻨﺘﻴﻤﱰﻳﻦ أو ﺛﻼﺛﺔ ﺳﻨﺘﻴﻤﱰات ﻓﻘﻂ ﰲ اﻟﻬﻮاء ﺗﺤﺖ اﻟﻀﻐﻂ
اﻟﻌﺎدي ﺧﺎرج اﻷﻧﺒﻮب املﻔ ﱠﺮغ.
ﻛ ﱠﺮ َر روﻧﺘﺠﻦ ﺑﻌﺾ ﻫﺬه اﻟﺘﺠﺎرب ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻌ ﱠﺮف ﻋﲆ اﻷﺳﺎﻟﻴﺐ املﺴﺘﺨﺪَﻣﺔ ﻓﻴﻬﺎ ،ﺛﻢ
اﻛﺘﺸﺎف أﺷﻌﺔ اﻟﻜﺎﺛﻮد اﻟﺼﺎدرة ﻋﻦ أﻧﺒﻮب ﻣﻔ ﱠﺮغ زﺟﺎﺟﻲ ُ ﻗ ﱠﺮ َر أن ﻳﺮى إن ﻛﺎن ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ
ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ،ﻛﺎﻟﺬي اﺳﺘﺨﺪﻣﻪ ﻛﺮوﻛﺲ؛ أيْ أﻧﺒﻮب ﺑﺪون ﺟﺪار رﻓﻴﻊ ﻣﻦ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم .وﻟﻢ
ﻳﻼﺣﻆ أﺣ ٌﺪ إﺻﺪا َر أﺷﻌﺔ ﻛﺎﺛﻮد ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻈﺮوف؛ ﻓﺎﻋﺘﻘﺪ روﻧﺘﺠﻦ أن ﺳﺒﺐ اﻟﻔﺸﻞ ﰲ
اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻬﺬا رﺑﻤﺎ ﻳﺮﺟﻊ إﱃ أن اﻟﻮﻣﻴﺾ اﻟﻔﻮﺳﻔﻮري اﻟﻘﻮي ﻷﻧﺒﻮب اﻟﻜﺎﺛﻮد ﻳﻐﻄﻲ ﻋﲆ
اﻟﻜﺎﺷﻔﺔ .وﻻﺧﺘﺒﺎر ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ،ﺻﻨﻊ ﻏﻄﺎءً ﻛﺮﺗﻮﻧﻴٍّﺎ أﺳﻮد ِ اﻟﻔﻠﻮرﻳﺔ اﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻟﻠﺸﺎﺷﺔ
ﱠ ً
ﻷﻧﺒﻮب اﻟﻜﺎﺛﻮد ،وﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻣﺪى ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ اﻟﻐﻄﺎء ،ﺟﻌﻞ اﻟﻐﺮﻓﺔ ﻣﻈﻠﻤﺔ وﺷﻐ َﻞ ﻣﻠﻒ اﻟﺠﻬﺪ
اﻟﻌﺎﱄ ﻹﻣﺪاد اﻷﻧﺒﻮب ﺑﺎﻟﻄﺎﻗﺔ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺄﻛﺪ ﻣﻦ أن اﻟﻐﻄﺎء اﻷﺳﻮد اﻟﺬي اﺳﺘﺨﺪﻣﻪ ﻛﺎن
ﻄﻲ اﻷﻧﺒﻮب ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ وﻻ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﻬﺮوب أي ﺿﻮء إﺷﻌﺎﻋﻲ ﻓﻮﺳﻔﻮري ،ﻫ ﱠﻢ ﺑﺈﻏﻼق املﻠﻒ ﻳﻐ ﱢ
وﺗﺸﻐﻴﻞ أﺿﻮاء اﻟﻐﺮﻓﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﻜﻨﻪ وﺿﻊ اﻟﺸﺎﺷﺔ اﻟﻔﻮﺳﻔﻮرﻳﺔ ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻓﺎت ﺻﻐرية
ﻆ ﺷﻴﺌًﺎ ﻏﺮﻳﺒًﺎ. ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻮب املﻔ ﱠﺮغ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻻﺣ َ
ﺿﻌﻴﻔﺎ ﻳُﻮﻣِﺾ ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ ﰲ اﻟﻐﺮﻓﺔً ﻆ ﻫريﺗﺲ ﺿﻮءًا ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪًا ،ﻻﺣَ َ
املﻈﻠﻤﺔ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻳﺎردة ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻮب املﻔ ﱠﺮغ .ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔَ ،
اﻋﺘﻘ َﺪ أﻧﻪ ﻻ ﺑﺪ أن ﻫﻨﺎك ﱡ
ﺗﴪﺑًﺎ
ﺿﻮﺋﻴٍّﺎ ﻣﻦ اﻟﻐﻄﺎء اﻷﺳﻮد املﻮﺟﻮد ﺣﻮل اﻷﻧﺒﻮب ،واﻟﺬي اﻧﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﻣﺮآة ﰲ اﻟﻐﺮﻓﺔ.
ﺳﻠﺴﻠﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺸﺤﻨﺎت ﻋﱪ أﻧﺒﻮب اﻟﻜﺎﺛﻮد، ً ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻮﺟﺪ ﻣﺮآة ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣ ﱠﺮ َر
ً
رأى اﻟﻀﻮء ﻳﻈﻬﺮ ﰲ ﻧﻔﺲ املﻜﺎن أﻳﻀﺎ ،وﻛﺎن ﻳﺒﺪو ﻣﺜﻞ ﺳﺤﺐ ﺧﴬاء ﺑﺎﻫﺘﺔ ﺗﺘﺤﺮك
ﺗﻨﺎﻏ ٍﻢ ﻣﻊ اﻟﺸﺤﻨﺎت املﺘﺬﺑﺬﺑﺔ ﻷﻧﺒﻮب اﻟﻜﺎﺛﻮد .أﴎع روﻧﺘﺠﻦ ﻹﺷﻌﺎل ﻋﻘﺐ ﺛﻘﺎب، ُ ﰲ
ﻄ َ
ﻂ َ
اﻟﺸﺎﺷﺔ اﻟﻔﻠﻮرﻳﺔ اﻟﺼﻐرية اﻟﺘﻲ ﺧ ﱠ وﻣﺎ أﺛﺎر دﻫﺸﺘﻪ أن ﻣﺼﺪر اﻟﻀﻮء اﻟﻐﺎﻣﺾ ﻛﺎن
ﻄﻰ ،إﻻ أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻠﻘﺎة ﻋﲆ ﻛﺎﺷﻔﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ أﻧﺒﻮب اﻟﻜﺎﺛﻮد املﻐ ﱠ ﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﻛﺄداة ِ
املﻘﻌﺪ املﻮﺟﻮد ﻋﲆ ﺑُﻌْ ﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻳﺎردة ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻮب.
َف ﻇﺎﻫﺮة ﺟﺪﻳﺪة ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ ﻫﺬه ﻫﻲ أﺷﻌﺔ أدرك روﻧﺘﺠﻦ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر أﻧﻪ ﺻﺎد َ
اﻟﻜﺎﺛﻮد اﻟﺘﻲ أﺿﺎءت اﻟﺸﺎﺷﺔ اﻟﻔﻠﻮرﻳﺔ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻳﺎردة ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻮب! ﰲ اﻷﺳﺎﺑﻴﻊ اﻟﻌﺪﻳﺪة
ﺺ روﻧﺘﺠﻦ ﻛ ﱠﻞ وﻗﺘﻪ وﺟﻬﺪه وﺗﻔﻜريه ﻻﺳﺘﻜﺸﺎف ﻫﺬا اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ،ﱠ
ﺧﺼ َ
ﺗﻮﺻ َﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﰲ ورﻗﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ ﻧﴩﻫﺎ ﰲ ﻓﻮرﺗﺴﺒﻮرغ ،ﺑﺘﺎرﻳﺦ اﻹﺷﻌﺎع ،وذﻛﺮ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﻲ ﱠ
٢٨دﻳﺴﻤﱪ ﻣﻦ ﻋﺎم ١٨٩٥ﺑﻌﻨﻮان »ﻧﻮع ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﺷﻌﺔ ،ﻧﺘﺎﺋﺞ أوﻟﻴﺔ« .وﻣﻊ أﻧﻪ
ﺑﺪﻗﺔ ﻣﻌﻈ َﻢ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻸﺷﻌﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻮرﻗﺔ ،ﻓﺈن ٍ وﺻ َ
ﻒ َ
184
أﺷﻌﺔ إﻛﺲ واﻟﻨﺸﺎط اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ واﻻﻧﺸﻄﺎر اﻟﻨﻮوي
اﻋﱰاﻓﻪ ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻔﻬﻤﻬﺎ ﺑﻌ ُﺪ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻇﻬَ َﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻻﺳﻢ اﻟﺬي أﻋﻄﺎه ﻟﻬﺎ ،أﺷﻌﺔ إﻛﺲ
)أيْ ﻣﺠﻬﻮﻟﺔ() .وﻛﺜريًا ﻣﺎ ﻳُﻄ َﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ أﺷﻌﺔ روﻧﺘﺠﻦ(.
ِ
ﻣﻜﺘﺸﻒ أﺷﻌﺔ إﻛﺲ. ﺷﻜﻞ :1-21وﻳﻠﻴﺎم روﻧﺘﺠﻦ،
ﻛﻞ اﻷﺟﺴﺎم ﺷﻔﺎﻓﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﻌﺎﻣﻞ ،ﻟﻜﻦ ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﺔ ﺟﺪٍّا … اﻟﻮرق ﺷﻔﺎف
َ
اﻟﺸﺎﺷﺔ اﻟﻔﻠﻮرﻳﺔ ُ
رأﻳﺖ ﺟﺪٍّا؛ ﻓﺨﻠﻒ ﻛﺘﺎب ﻣﺠﻠﺪ ﺗﺘﺠﺎوز ﻋﺪد ﺻﻔﺤﺎﺗﻪ اﻷﻟﻒ،
ﺗﴤء ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺳﺎﻃﻊ … ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،ﺗﻈﻬﺮ اﻟﻔﻠﻮرﻳﺔ ﺧﻠﻒ ﻣﺠﻤﻮﻋﺘني
ﻣﻦ ورق اﻟﻠﻌﺐ … ﻛﻤﺎ أن اﻟﻜﺘﻞ اﻟﺨﺸﺒﻴﺔ اﻟﺴﻤﻴﻜﺔ ﺷﻔﺎﻓﺔ ،ﻓﺄﻟﻮاح اﻟﺼﻨﻮﺑﺮ
185
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
أﻳﻀﺎ أن ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻪ ﺗﺴﺠﻴﻞ ﻫﺬه اﻟﺼﻮر اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻬﻴﻜﻞ اﻟﻌﻈﻤﻲ ﻋﲆ ﻓﻴﻠﻢ ﻛﻤﺎ وﺟﺪ ً
ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ .وﻗﺪ ﺟﺬﺑ َْﺖ ﺧﺎﺻﻴﺔ أﺷﻌﺔ إﻛﺲ ﻫﺬه اﻧﺘﺒﺎ َه ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻄﺐ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر؛ ﻓﻔﻲ وﻗﺖ
ﻗﺼري ﺟﺪٍّا ،أﺻﺒﺤﺖ ﺗﻠﻚ اﻷﺷﻌﺔ ﺗُﺴﺘﺨﺪَم ﻋﲆ ﻧﺤﻮ روﺗﻴﻨﻲ ﰲ اﻟﺘﺸﺨﻴﺺ ﰲ املﺴﺘﺸﻔﻴﺎت
ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎﻟﻢ.
ِ
ﻛﻔﺎﺻﻞ ﻛﺘﺎب ،ﺗﻢ إﻧﺘﺎﺟﻪ ﺑﺄﺷﻌﺔ ﺷﻜﻞ :2-21رﺳﻢ ﻣﺠﺎزي ﻟﻬﻴﻜﻞ ﻣﻔﺘﺎح اﺳﺘﺨﺪﻣﻪ روﻧﺘﺠﻦ
إﻛﺲ ﻋﲆ ﻓﻴﻠﻢ ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ ﻛﺎن ﻳﻮﺟﺪ ﺗﺤﺖ اﻟﻜﺘﺎب.
ﺛﻤﺔ أﺣﺪاث ﻗﻠﻴﻠﺔ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﻠﻢ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﺗﺄﺛري ﻗﻮي ﺟﺪٍّا ﻣﺜﻞ اﻛﺘﺸﺎف روﻧﺘﺠﻦ.
ً
وﻣﻄﻮﻳﺔ وأﻛﺜ ُﺮ ﻣﻦ ﻓﻔﻲ ﺧﻼل ﻋﺎ ٍم ﺑﻌﺪ إﻋﻼﻧﻪ ﻋﻦ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ﻷول ﻣﺮة ،ﻇﻬﺮ ٤٩ﻛﺘﺎﺑًﺎ
186
أﺷﻌﺔ إﻛﺲ واﻟﻨﺸﺎط اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ واﻻﻧﺸﻄﺎر اﻟﻨﻮوي
أﻟﻒ ﻣﻘﺎل ﻋﻦ أﺷﻌﺔ إﻛﺲ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺤﺪث أيﱡ ﺗﻘ ﱡﺪ ٍم ﻣﻠﺤﻮظ ﰲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺧﺼﺎﺋﺺ أﺷﻌﺔ
إﻛﺲ ﻋﻤﺎ ﺗﻮﺻﻞ إﻟﻴﻪ روﻧﺘﺠﻦ إﻻ ﺑﻌﺪ ﻣﴤ ٢٠ﻋﺎﻣً ﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺪأت اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ اﻟﺴﻮﻳﺪﻳﺔ ﻟﻠﻌﻠﻮم ﰲ ﺗﻮزﻳﻊ ﺟﻮاﺋﺰ ﻧﻮﺑﻞ ﻷول ﻣﺮة ﰲ ﻋﺎم
،١٩٠١وﻗﻊ اﺧﺘﻴﺎرﻫﺎ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء ﻋﲆ روﻧﺘﺠﻦ .وﻻ ﺷﻚ أن اﻷﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻌﻴﺪة
ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ْ
ﺑﺄن ﺗﻮاﻓﺮ ﻟﺪﻳﻬﺎ إﻧﺠﺎز ﻛﺒري ﻛﻬﺬا ﻛﻲ ﺗﻜ ﱢﺮﻣﻪ ﺑﺄول ﺟﺎﺋﺰة ﻣﻦ ﺟﻮاﺋﺰ ﻧﻮﺑﻞ.
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ُوﻟِﺪ ﻓﻴﻠﻬﻠﻢ ﻛﻮﻧﺮاد روﻧﺘﺠﻦ ﰲ ﻟﻴﻨﻴﺐ ﺑﱪوﺳﻴﺎ ﰲ ﻋﺎم .١٨٤٥ﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ اﻷوﱄ
ﰲ ﻫﻮﻟﻨﺪا ﺑﻌﺪ أن اﻧﺘﻘﻠﺖ أﴎﺗﻪ إﱃ ﻫﻨﺎك ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن روﻧﺘﺠﻦ ﰲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه،
وﺑﻌﺪ اﻟﺪراﺳﺔ ﻟﻔﱰة ﻗﺼرية ﰲ أوﺗﺮﺧﺖ ﰲ املﺪرﺳﺔ اﻟﻔﻨﻴﺔ ﺛﻢ ﰲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ،اﻟﺘﺤَ َﻖ ﺑﺎملﻌﻬﺪ
اﻟﺴﻮﻳﴪي ﻟﻠﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﰲ زﻳﻮرخ ،اﻟﺬي ﺣﺼﻞ ﻣﻨﻪ ﻋﲆ دﺑﻠﻮﻣﺔ ﰲ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ املﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ.
ﻟﻜﻨﻪ أﺻﺒﺢ ﻣﻬﺘﻤٍّ ﺎ ﺑﺎﻟﻌﻠﻮم املﺠﺮدة أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ ،وﺑﺪأ ﰲ دراﺳﺔ اﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺎت
واﻟﻔﻴﺰﻳﺎء ،وﺑﻌﺪ اﻟﺘﺘﻠ ُﻤ ِﺬ ﻋﲆ ﻳﺪ أوﺟﺴﺖ ﻛﻮﻧﺖ ،ﺣﺼﻞ ﻋﲆ درﺟﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ
زﻳﻮرخ ﺑﺮﺳﺎﻟﺔ ﻋﻨﻮاﻧﻬﺎ »دراﺳﺎت ﻋﻦ اﻟﻐﺎزات« .وﻟﺤِ ﻖ ﺑﻜﻮﻧﺖ ﰲ ﻓريﺗﺴﺒﻮرج ﺑﻌﺪ ﻋﺎم
واﺣﺪ ،ﺛﻢ ﰲ ﺷﱰاﺗﺴﺒﻮرج ،ﺣﻴﺚ ﺣﺼﻞ ﻋﲆ أول وﻇﻴﻔﺔ ﻟﻪ ﻛﻤُﻌﻴﺪ .وﰲ ﻋﺎم ،١٨٨٨
َﻗ ِﺒﻞ ﻣﻨﺼﺐ أﺳﺘﺎذ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء وﻣﺪﻳﺮ املﻌﻬﺪ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻲ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻓريﺗﺴﺒﻮرج ،وﻇ ﱠﻞ ﰲ ﻫﺬا
املﻨﺼﺐ ملﺪة ١٢ﻋﺎﻣً ﺎ اﻛﺘﺸﻒ أﺛﻨﺎءﻫﺎ أﺷﻌﺔ إﻛﺲ .وﰲ ﻋﺎم ،١٩٠٠ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻪ ﺣﻜﻮﻣﺔ
ﺑﺎﻓﺎرﻳﺎ رﺋﺎﺳﺔ املﻌﻬﺪ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻲ ﰲ ﻣﻴﻮﻧﺦ ،اﻟﺬي ﻇ ﱠﻞ ﻓﻴﻪ ﻟﺒﻘﻴﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ املﻬﻨﻴﺔ .وﻣﺎت ﰲ
ﻋﺎم ١٩٢٣ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﻳﻨﺎﻫﺰ ٧٨ﻋﺎﻣً ﺎ.
ﻛﺎن ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أن ﻳﻤﻮت ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﻜﺜري ﺑﺴﺒﺐ اﻹﺷﻌﺎع اﻟﺬي اﻛﺘﺸﻔﻪ ،وذﻟﻚ ﻣﺎ ﻟﻢ
ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ أﺷﻌﺔ إﻛﺲ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺠﺮي ﻓﻴﻪ ﺗﺠﺎرﺑﻪ .ﻓﻘﺪ ﺑﻨﻰ ﻛﺸ ًﻜﺎ ﻳَﺤْ ِﻢ َ
داﺧﻞ املﻌﻤﻞ ،ﻟﻴﺲ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻧﻔﺴﻪ وﻟﻜﻦ ﻣﻦ أﺟﻞ دﻗﺔ اﻟﺘﺤﻤﻴﺾ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﰲ أﺛﻨﺎء
اﻟﻨﻬﺎر؛ ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ اﻵﺛﺎ ُر املﻤﻴﺘﺔ ﻟﻠﺘﻌ ﱡﺮض املﻔﺮط ﻷﺷﻌﺔ إﻛﺲ ﻗﺪ ﻋُ ِﺮﻓﺖ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ أﺛﻨﺎء ﺣﻴﺎة
روﻧﺘﺠﻦ.
187
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
وﻣﻴﻀﺎ ﻓﻮﺳﻔﻮرﻳٍّﺎ ً املﺨﱰﻗﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﻧﺘﺎج أﺷﻌﺔ ﻛﺎﺛﻮد ﺗﻨﺘﺞ َِ روﻧﺘﺠﻦ أﺷﻌﺘﻪ
وﻣﻴﻀﺎ ﻓﻮﺳﻔﻮرﻳٍّﺎ ً أﻳﻀﺎ ﰲ زﺟﺎج اﻷﻧﺎﺑﻴﺐ املﻔ ﱠﺮﻏﺔ؛ ﻓﻔ ﱠﻜ َﺮ ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ ﰲ أن املﻮاد اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺞ ً
ﻣﻤﺎﺛﻼ ﻷﺷﻌﺔ إﻛﺲ؛ وﻫﻲ ﻧﻈﺮﻳﺔ ً ً
ﻣﺨﱰﻗﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻀﻮء املﺮﺋﻲ رﺑﻤﺎ ﺗﻨﺘﺞ إﺷﻌﺎﻋً ﺎ
ﺧﺎﻃﺌﺔ أدﱠت — ﻋﲆ أﻳﺔ ﺣﺎل — إﱃ اﻛﺘﺸﺎف ﻣﻬﻢ.
اﺧﺘﺎر ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ ﻣﺮﻛﺐ اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم ذا اﻟﻮﻣﻴﺾ اﻟﻔﻮﺳﻔﻮري .وﻻﺧﺘﺒﺎر ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ،ﻟﻒﱠ
ﺻﻔﻴﺤﺔ ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﰲ ورق أﺳﻮد ،ووﺿﻊ ﺑﻠﻮرة ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺐ اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم ﻋﲆ اﻟﺼﻔﻴﺤﺔ
املﻠﻔﻮﻓﺔ ﰲ اﻟﻮرق ،ﺛﻢ وﺿﻊ اﻟﻜﻞ ﰲ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ اﻟﺴﺎﻃﻊ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻢ ﺗﺤﻤﻴﺾ اﻟﺼﻔﻴﺤﺔ
اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ،وﺟﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺻﻮر ًة ﻟﺒﻠﻮرة اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم ،وﻷن ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ ﻛﺎن ﻋﺎ ًملﺎ ﺗﺠﺮﻳﺒﻴٍّﺎ ﺣَ ِﺬ ًرا،
ﻣﺴﺒﻘﺎ أن اﻟﻮرق اﻷﺳﻮد ﺳﻴﺤﻤﻲ اﻟﺼﻔﻴﺤﺔ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻣﻦ ﺿﻮء ً ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﻌﺮف
اﻟﺸﻤﺲ ،وﻣﻦ ﺛ َ ﱠﻢ ﻛﺎن ﻣﺘﺄ ﱢﻛﺪًا ﻣﻦ أن ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ وﺣﺪه ﻫﻮ اﻟﺬي أدﱠى إﱃ
اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺗﺄﻛﻴﺪًا ﻋﲆ ﺻﺤﺔ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ.َ ﺗﻌ ﱡﺮض اﻟﺼﻔﻴﺤﺔ ﻟﻠﻀﻮء ،وﻗﺪ اﻋﺘﱪ
ﺣﺪث ﻃﺒﻴﻌﻲ ،ﻟﻢ ﻳﺆ ﱢد إﱃ ﺑﺪء ﺣﻘﺒﺔ ٍ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﺛﻢ ﺣﺪﺛﺖ ﻣﺼﺎدﻓﺔ أو ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﱡ
أﻳﻀﺎ ﺣﻘﺒﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﰲ ﺣﻴﺎة ﻛﻞ ﻣَ ﻦ ﻋﲆ ﻛﻮﻛﺐ ﺟﺪﻳﺪة ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء واﻟﻔﻴﺰﻳﺎء ﻓﻘﻂ ،وﻟﻜﻦ ً
اﻷرض :اﻟﻌﴫ اﻟﺬري واﻟﻨﻮوي .ﻟﻢ ﺗﺴﻄﻊ اﻟﺸﻤﺲ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ﻟﻌﺪة أﻳﺎم )وﻫﻮ أﻣﺮ ﻣﺘﻜ ﱢﺮر
ﻫﻨﺎك( .وﻷن ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ ﻛﺎن ﻳﻌﺘﱪ ﺿﻮءَ اﻟﺸﻤﺲ ﴐورﻳٍّﺎ ﻟﺘﻨﺸﻴﻂ اﻟﻮﻣﻴﺾ اﻟﻔﻮﺳﻔﻮري
ﻟﺒﻠﻮرة اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم ،أﺟﱠ َﻞ ﺗﺠﺎ َرﺑَﻪ ووﺿﻊ اﻟﺒﻠﻮرة ﺑﻌﻴﺪًا ﰲ أﺣﺪ اﻷدراج ﺑﺄﻋﲆ ﺻﻔﻴﺤﺔ
ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻣﻠﻔﻮﻓﺔ ﺑﺈﺣﻜﺎم.
ﺑﻌﺪ ﻋﺪة أﻳﺎم ،ﻗﺎم ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ ﺑﺘﺤﻤﻴﺾ اﻟﺼﻔﻴﺤﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ اﻟﺪرج ﻣﻊ ﺑﻠﻮرة
ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻜﻤﻴﺔ اﻟﻮﻣﻴﺾ اﻟﻔﻮﺳﻔﻮري ً وﺗﻮﻗ َﻊ أن ﻳﺠﺪ ﻓﻘﻂ ﺻﻮر ًة ﺿﻌﻴﻔﺔ ﻟﻠﺒﻠﻮرة اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم .ﱠ
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ذﻟﻚ — وﻳﺎ ﻟﺪﻫﺸﺘﻪ ﺣﻴﻨﻬﺎ! — ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ املﺘﺒﻘﻴﺔ ﰲ ﺑﻠﻮرة اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم ،ﻟﻜﻦ ً
اﻟﺼﻮرة املﻮﺟﻮدة ﻋﲆ اﻟﻔﻴﻠﻢ ﻗﻮﻳﺔ ﻛﺤﺎﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻢ ﺗﻌﺮﻳﺾ اﻟﺒﻠﻮرة واﻟﻔﻴﻠﻢ املﻠﻔﻮف
ﺗﻮﺻ َﻞ ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ إﱃ اﻻﺳﺘﻨﺘﺎج اﻟﺼﺤﻴﺢ :ﻟﻴﺲ ﻟﺘﺄﺛري ﺿﻮء ﱠ ﻟﻀﻮء اﻟﺸﻤﺲ! وﻋﻨﺪﺋﺬٍ،
اﻟﺸﻤﺲ ﰲ إﻧﺘﺎج اﻟﻮﻣﻴﺾ اﻟﻔﻮﺳﻔﻮري ﻟﺒﻠﻮرة اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم أﻳﱠﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺘﻌﺮﻳﺾ اﻟﺼﻔﻴﺤﺔ
ﻄﺎة ﻟﻠﻀﻮء ﺗﺤﺘﻬﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻟﺘﻌ ﱡﺮض ﻧﺘﺞ ﻋﻦ ﺑﻠﻮرة اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم ﻧﻔﺴﻬﺎ، اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ املﻐ ﱠ
ﺣﺘﻰ ﰲ اﻟﻈﻼم.
ﺑﺪأ ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ ﰲ اﺧﺘﺒﺎر ﻛﻞ اﻟﻌﻴﻨﺎت املﺤﺘﻮﻳﺔ ﻋﲆ اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ
إﻳﺠﺎدﻫﺎ ﻟﻸﺷﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻋ ﱠﺮﺿﺖ اﻟﺼﻔﻴﺤﺔ اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ ﻟﻠﻀﻮء ﻋﲆ اﻟﻮرق اﻷﺳﻮد؛ اﻷﺷﻌﺔ
ﻣﺮﻛﺐ ﻳﻮراﻧﻴﻮم ﻧﻘﻲ ِ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ أﺷﻌﺔ ﺿﻮﺋﻴﺔ ﻋﺎدﻳﺔ .ووﺟﺪ ﱠ
أن ﻛ ﱠﻞ
188
أﺷﻌﺔ إﻛﺲ واﻟﻨﺸﺎط اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ واﻻﻧﺸﻄﺎر اﻟﻨﻮوي
أو ﺣﺘﻰ ﺧﺎم اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم ﻏري اﻟﻨﻘﻲ ﻟﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺎﺻﻴﺔ .واﺳﺘﻄﺎع ﻗﻴﺎس اﻹﺷﻌﺎﻋﺎت اﻟﺘﻲ
ﺗﺼﺪر ﻋﻦ ﺗﻠﻚ املﻮاد ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻣﻜﺸﺎف ﻛﻬﺮﺑﺎﺋﻲ؛ ﻷن اﻹﺷﻌﺎﻋﺎت أدت إﱃ ﺗﺄﻳني اﻟﻬﻮاء
اﻟﺬي ﻣﺮت ﻋﱪه .وﺗﻘﻮم ﻓﻜﺮة ﻋﻤﻞ ﻫﺬا املﻜﺸﺎف ﻋﲆ ﺣﻘﻴﻘﺔ أن اﻟﺸﺤﻨﺎت املﺘﺸﺎﺑﻬﺔ
ﺗﺘﻨﺎﻓﺮ .وﺗُﻼﺣَ ﻆ ﻗﻮة اﻟﺘﻨﺎﻓﺮ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻧﺤﺮاف ﻣﻮﺻﻞ ﻣَ ِﺮن ﻳﻌﻤﻞ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻗﻮة إرﺟﺎع
ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ.
ِ
ﻣﺘﻨﺎﺳﺒﺔ ﻋﲆ ﺣ ﱠﺪ َد ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ أن درﺟﺔ اﻹﺷﻌﺎع ﰲ ﻛﻞ اﻟﻌﻴﻨﺎت ﻣﺎ ﻋﺪا ﻋﻴﻨﺔ واﺣﺪة
ﻣﺒﺎﴍ ﻣﻊ ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم املﻮﺟﻮدة ﰲ املﺮﻛﺐ أو اﻟﺨﺎم .واﻻﺳﺘﺜﻨﺎء اﻟﻮﺣﻴﺪ ﻛﺎن ﰲ ِ ﻧﺤﻮ
ﺧﺎم ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ اﻟﺒﻴﺘﺸﺒﻠﻴﻨﺪ ،اﻟﺬي أﻇﻬﺮ إﺷﻌﺎﻋً ﺎ أﻛﱪ ﻋﺪة ﻣﺮات ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم
اﻟﻨﻘﻲ .وأدﱠى ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف إﱃ اﺳﺘﻨﺘﺎج ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ أن ﻫﺬا اﻟﺨﺎم ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﳾء إﱃ ﺟﺎﻧﺐ
اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم ،ﳾء ﻟﻪ ﻧﺸﺎط إﺷﻌﺎﻋﻲ أﻋﲆ ﺑﻜﺜري ﻣﻦ اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم.
ﻋﻨﺪ ﻫﺬه اﻟﻨﻘﻄﺔ ،دﺧﻞ آل ﻛﻮري ﻗﺼﺔ اﻟﻨﺸﺎط اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ )وﻫﻮ اﻻﺳﻢ اﻟﺬي
اﺧﺘﺎرﺗﻪ ﻣﺎري ﻛﻮري ﻟﻬﺬه اﻟﻈﺎﻫﺮة( .اﻗﱰح ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ ﻋﲆ ﻣﺎري ﺳﻜﻠﻮدوﻓﺴﻜﺎ ﻛﻮري أن
ﻳﻜﻮن ﻣﻮﺿﻮ ُع رﺳﺎﻟﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮراه اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ ﻫﻮ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﺸﻮاﺋﺐ ﻏري املﻌﺮوﻓﺔ ﻟﻠﻨﺸﺎط
اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ ﰲ ﺧﺎم اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم املﺘﻤﺜﻞ ﰲ اﻟﺒﻴﺘﺸﺒﻠﻴﻨﺪ .وﺑﺪأت ﻛﻮري ،ﺑﻤﺴﺎﻋﺪة زوﺟﻬﺎ
اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻲ ﺑﻴري ،ﺑﺤﻮاﱄ ٥٠ﻗﺪﻣً ﺎ ﻣﻜﻌﺒًﺎ ﻣﻦ ﺧﺎم اﻟﺒﻴﺘﺸﺒﻠﻴﻨﺪ ،وﻋﻤﻠﺖ ﻋﲆ ﻛﻤﻴﺎت ﺣﺠﻤﻬﺎ
رﻃﻼ ﰲ املﺮة اﻟﻮاﺣﺪة ،وﻗﺎﻣﺖ ﺑﺘﻘﻠﻴﺐ املﺰﻳﺞ املﻐﲇ ﰲ أﺣﻮاض ﻣﻦ اﻟﺤﺪﻳﺪ ً ﻳﺼﻞ إﱃ ٤٠
اﻟﺰﻫﺮ ذات ﻗﻀﺒﺎن ﺣﺪﻳﺪﻳﺔ .وﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬا اﻟﺠﻬﺪ اﻟﺠﺒﱠﺎر ،ﻧﺠﺤﺖ ﰲ ﻋﺰل ﻋﻨﴫﻳﻦ
َ
وأﻃﻠﻘﺎ ﻋﲆ ﺟﺪﻳﺪﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﺒﻴﺘﺸﺒﻠﻴﻨﺪ ،ﻛﺎﻧَﺎ ذَوَيْ ﻧﺸﺎط إﺷﻌﺎﻋﻲ أﻛﱪ ﻣﻦ اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم.
ﻣﻘﺘﺒﺲ ﻣﻦ اﺳﻢ ﺑﻠﺪ ﻣﺎري اﻷﺻﲇ وﻫﻮ ﺑﻮﻟﻨﺪا، ٌ اﻟﻌﻨﴫ اﻷول اﺳﻢ اﻟﺒﻮﻟﻮﻧﻴﻮم ،وﻫﻮ
أﻃﻠﻘﺎ ﻋﲆ اﻟﻌﻨﴫ اﻟﺜﺎﻧﻲ اﺳﻢ اﻟﺮادﻳﻮم ﻷﺳﺒﺎب واﺿﺤﺔ .ﻛﺎن اﻟﺒﻮﻟﻮﻧﻴﻮم واﻟﺮادﻳﻮم َ ﺑﻴﻨﻤﺎ
ذَوَيْ ﻧﺸﺎط إﺷﻌﺎﻋﻲ أﻛﱪ ﻣﻦ اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم ﺑﺴﺘني وأرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ ﻣﺮة ﻋﲆ اﻟﺘﻮاﱄ .وﻛﺎن اﻟﻨﺘﺎج
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﺣﻮاﱄ ﺟﺰء واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺮادﻳﻮم ﻣﻦ ﻋﴩة ﻣﻼﻳني ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﺨﺎم .وأﻋﻠﻦ آل
ﻛﻮري ﻋﻦ اﻛﺘﺸﺎﻓﻬﻤﺎ ﻟﻌﻨﴫَ ي اﻟﺮادﻳﻮم واﻟﺒﻮﻟﻮﻧﻴﻮم ﰲ ﻋﺎم ،١٨٩٨ﺑﻌﺪ ﻋﺎﻣني ﻓﻘﻂ ﻣﻦ
اﻛﺘﺸﺎف ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ ﻟﻠﻨﺸﺎط اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ.
ﺗﻘﺎﺳﻢ ﻣﺎري وﺑﻴري ﻛﻮري ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء ﻣﻊ ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ ﰲ ﻋﺎم ١٩٠٣؛ إذ ُﻣﻨِﺢ َ
ﻧﺼﻒ اﻟﺠﺎﺋﺰة ﻧﺘﻴﺠﺔ »اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ اﻟﻨﺸﺎط اﻹﺷﻌﺎع اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ« ،وآل ﻛﻮري اﻟﻨﺼﻒَ َ ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ
املﻜﺘﺸﻔﺔ ﻋﲆ ﻳﺪ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮرَ اﻵﺧﺮ ﻧﺘﻴﺠﺔ »أﺑﺤﺎﺛﻬﻤﺎ املﺸﱰﻛﺔ ﺣﻮل اﻟﻈﻮاﻫﺮ اﻹﺷﻌﺎﻋﻴﺔ َ
ﻫﻨﺮي ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ«.
189
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ﻛﺎن أﻧﺘﻮﻧﻲ ﻫﻨﺮي ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ ﻧﺘﺎﺟً ﺎ ﺷﻬريًا ﻟﻨﺴﻞ ﺷﻬري .ﻛﺎن أﺑﻮه وﺟﺪﱡه ﻋﺎملني ﺑﺎرزﻳﻦ؛
ﻛﻼﻫﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﻣﻨﺼﺐ أﺳﺘﺎذ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء ﰲ ﻣﺘﺤﻒ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ .واﻟﺘﺤﻖ
ﻫﻨﺮي اﻟﺬي ُوﻟِﺪ ﰲ ﻋﺎم ١٨٥٢ﺑﺎملﻌﻬﺪ اﻟﺴﻮﻳﴪي ﻟﻠﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺑﻌﺪ إﺗﻤﺎم ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ اﻷﺳﺎﳼ
ً
ﻣﻬﻨﺪﺳﺎ ﰲ إدارة اﻟﻄﺮق وﺣﺼﻞ ﻋﲆ درﺟﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ﰲ اﻟﻌﻠﻮم ﻣﻦ ﻫﺬا املﻌﻬﺪ ،وﻋﻤﻞ
واﻟﻜﺒﺎري اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻳﺪ ﱢرس اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء ﰲ املﺘﺤﻒ
اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺪ ﱢرس ﻓﻴﻪ واﻟﺪه وﺟﺪﱡه .وﺑﻌﺪ وﻓﺎة واﻟﺪه ﰲ ﻋﺎم ،١٨٩٢ﺣﺼﻞ ﻋﲆ ﻣﻨﺼﺐ
ني أﺳﺘﺎذًا
أﺳﺘﺎذ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺸﻐﻠﻪ أﺑﻮه وﺟﺪه ﻗﺒﻠﻪ ﰲ املﺘﺤﻒ .ﰲ ﻋﺎم ،١٨٩٥ﻋُ ﱢ َ
ﻟﻠﻔﻴﺰﻳﺎء ﰲ املﻌﻬﺪ اﻟﺴﻮﻳﴪي ﻟﻠﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻌﺎم واﺣﺪ ﺗﻮﺻﻞ إﱃ اﻻﻛﺘﺸﺎف
اﻟﺬي ﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ ﰲ ﺷﻬﺮﺗﻪ ،واﺳﺘﻤﺮ ﰲ إﺟﺮاء دراﺳﺎت ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻨﺸﺎط اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ
اﻟﺠﺪﻳﺪ واملﻬﻢ ،ﺣﺘﻰ وﻓﺎﺗﻪ ﰲ ﻋﺎم .١٩٠٨
190
أﺷﻌﺔ إﻛﺲ واﻟﻨﺸﺎط اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ واﻻﻧﺸﻄﺎر اﻟﻨﻮوي
ﺷﻜﻞ :4-21ﻣﺎري ﻛﻮري ﰲ ﻣﻌﻤﻠﻬﺎ ﰲ ﻋﺎم ١٩١٢؛ اﻟﻌﺎم اﻟﺬي ﺗﻼ ﺣﺼﻮﻟﻬﺎ ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة
ﻧﻮﺑﻞ ﻟﻠﻤﺮة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ.
191
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
أدﱠى اﻛﺘﺸﺎف ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ ﻟﻠﻨﺸﺎط اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ إﱃ ﺑﺪء ﺣﻘﺒﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺗُﻌ َﺮف ﺑﺎﻟﻌﴫ
اﻟﺬري واﻟﻨﻮوي ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺤﺪث ذﻟﻚ َ
ﻣﺒﺎﴍ ًة.
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻨﺸﺎط اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻣﻔﻬﻮﻣً ﺎ ﻟﻌﺪة ﺳﻨﻮات؛ ﻓﻘﺪ اﺣﺘﺎج اﻷﻣ ُﺮ إﱃ
وآﺧﺮﻳﻦ ورؤﻳﺘﻬﻢ ﻻﺳﺘﻨﺘﺎج ﻃﺒﻴﻌﺔ وﻣﺼﺪر اﻹﺷﻌﺎع اﻟﺬي أﺑﺤﺎث راذرﻓﻮرد وﺳﻮدي َ ِ
اﻛﺘﺸﻔﻪ ﺑﻴﻜﺮﻳﻞ وآل ﻛﻮري ،وﻻﻗﱰاح أﻧﻪ ﻳﺘﻜﻮﱠن ﻣﻦ ﺟﺴﻴﻤﺎت )أﻟﻔﺎ وﺑﻴﺘﺎ( ﺗﻨﺒﻌﺚ ﻋﻦ
ﻧﻮى اﻟﺬرات واﻹﺷﻌﺎع اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻲ املﻐﻨﺎﻃﻴﴘ اﻟﻌﺎﱄ اﻟﻄﺎﻗﺔ املﺮﺗﺒﻂ ﺑﺘﻠﻚ اﻻﻧﺒﻌﺎﺛﺎت .وﻛﺎن
ﻣﺴﺌﻮﻻ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري ﻋﻦ إﺛﺒﺎت أن ﻛﺘﻠﺔ اﻟﺬرات ﺗﱰﻛﺰ ﺑﺼﻮرة أﺳﺎﺳﻴﺔ ً اﻟﻠﻮرد راذرﻓﻮرد
ُ
)أﻛﺜﺮ ﻣﻦ (٪٩٩٫٩ﰲ ﻣﺮاﻛﺰﻫﺎ ،وﺗﺘﻜﻮﱠن ﻣﻦ ﺟﺴﻴﻤﺎت ﻣﻮﺟﺒﺔ وﺳﺎﻟﺒﺔ ﺗﺴﻤﱠ ﻰ اﻟﱪوﺗﻮﻧﺎت
واﻟﻨﻴﻮﺗﺮوﻧﺎت .وﺑﺪأت أﴎار اﻟﻘﻮة اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﻨﻮوﻳﺔ ﺗﺘﻜﺸﻒ ﰲ ﻋﺎم ١٩٣٤ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ.
اﻛﺘﺸﻔ ْﺖ إﻳﺮﻳﻦ ﻛﻮري اﺑﻨﺔ ﻣﺎري وﺑﻴري ،وزوﺟﻬﺎ ﻓﺮﻳﺪرﻳﻚ ﺟﻮﻟﻴﻮ، َ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٣٤
وأوﺿﺤَ ﺎ أن ﺟﺴﻴﻤﺎت اﻷﻟﻔﺎ ،اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺸﻔﻬﺎ راذرﻓﻮرد َ ط اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ، اﻟﻨﺸﺎ َ
ﻛﺄﺟﺰاء ﻣﻦ اﻟﻨﻮى اﻟﺬرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺠﻬﺎ اﻟﻌﻨﺎﴏ املﺸﻌﱠ ﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴٍّﺎ ،ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﻟﻘﺬف
ﻣﺸﻌﺔ .ووﺻﻒ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر آﻻن ﻻﻳﺘﻤﺎن ﰲ ﻣﺠﻠﺔ »ﺳﺎﻳﻨﺲ ً اﻟﻌﻨﺎﴏ ﻏري املﺸﻌﺔ وﺟﻌﻠﻬﺎ
ﻗﺎﺋﻼ» :ﻳﺒﺪو أن ﻧﻮًى ذرﻳﺔ ﻣﺴﺘﻘﺮة ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻛﺎن ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺼﺒﺢ «٨٤اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ دون اﻟﺬرﻳﺔ ً
ﺟﱪت ﻋﲆ أﺧﺬ ﺟﺴﻴﻤﺎت دون ذرﻳﺔ إﺿﺎﻓﻴﺔ .وﺑﺪأت ﻫﺬه اﻟﻨﻮى اﻟﺬرﻳﺔ ﻏري ﻣﺴﺘﻘﺮة إذا أ ُ ِ
ﺗﻀﻄﺮب ،ﻓﺄﻃﻠﻘﺖ أﺟﺰاءً ﺻﻐرية ﻣﻨﻬﺎ ،ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﰲ اﻟﻨﺸﺎط اﻹﺷﻌﺎع اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ«.
ﺑﺪﻻ ﻣﻦﻗ ﱠﺮ َر إﻧﺮﻳﻜﻮ ﻓريﻣﻲ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﺣﻴﻨﻬﺎ ﰲ روﻣﺎ ،اﺳﺘﺨﺪا َم اﻟﻨﻴﻮﺗﺮوﻧﺎت ً
ﺟﺴﻴﻤﺎت اﻷﻟﻔﺎ ،ﻟﻘﺬف اﻟﻌﻨﺎﴏ املﺴﺘﻘﺮة ،ﻓﻘﺬف ﻧﻮا َة ذرة ﻳﻮراﻧﻴﻮم ﻛﺒرية )وﻫﻲ اﻟﺸﻜﻞ
اﻟﻨﻈﺎﺋﺮي املﺴﺘﻘﺮ ﻟﻠﻌﻨﴫ( ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ .واﻓﱰض أن اﻟﻘﺬف ﺑﺎﻟﻨﻴﻮﺗﺮوﻧﺎت ﺳﻴﻨﺸﺊ
ﻧﻮًى ﻟﻌﻨﺎﴏ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﰲ اﻟﻮزن ﻟﻠﻴﻮراﻧﻴﻮم .وﻟﻜﻦ أوﺗﻮ ﻫﺎن وﻓﺮﻳﺘﺲ ﺷﱰاﺳﻤﺎن ،ﻣﻦ ﻣﻌﻬﺪ
ﻛﺎﻳﺰر ﻓﻴﻠﻬﻠﻢ ﰲ ﺑﺮﻟني ،وﺟَ ﺪَا أﻧﻪ ﻣﻦ ﺑني ﻧﻮاﺗﺞ ﻗﺬف اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم ﺑﻌﺾ اﻟﺒﺎرﻳﻮم ،وﻫﻮ
ﻧﺼﻒ ﺣﺠﻢ ذرات اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم .وﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﺎرﻳﻮم ﰲ َ ﻋﻨﴫٌ ﻳﺒﻠﻎ ﺣﺠﻢ ذراﺗﻪ
اﻟﻌﻴﻨﺔ املﻘﺬوﻓﺔ ،ﻓﻤﻦ اﻟﻮاﺿﺢ أن ﺑﻌﺾ ﻧﻮى اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم ﻗﺪ اﻧﺸﻄﺮ ﻧﺼﻔني!
ﱠ
ﰲ دﻳﺴﻤﱪ ﻣﻦ ﻋﺎم ،١٩٣٨ﻛﺘﺐ ﻫﺎن إﱃ ﻟﻴﺰا ﻣﺎﻳﺘﻨﺮ ﻳﺼﻒ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻏري املﺘﻮﻗﻌﺔ
ﺗﻮﺻ َﻞ إﻟﻴﻬﺎ .وﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎﻳﺘﻨﺮ إﺣﺪى اﻟﺰﻣﻴﻼت املﻘﺪرات ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﻫﺎن اﻟﺘﻲ ﻋﻤﻠﺖ ﱠ اﻟﺘﻲ
ﻣﻌﻪ ملﺪة ٣٠ﻋﺎﻣً ﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻧﻈ ًﺮا ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻳﻬﻮدﻳﺔ ،ﻓﻘﺪ ﻫﺮﺑﺖ ﻣﻦ أملﺎﻧﻴﺎ إﺑﱠﺎن ﻋﴫ ﻫﺘﻠﺮ،
إﱃ اﻟﺴﻮﻳﺪ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﺨﻤﺴﺔ أﺷﻬﺮ .وﰲ اﻟﻜﺮﻳﺴﻤﺎس ،زارﻫﺎ اﺑﻦ ﻋﻤﻬﺎ أوﺗﻮ آر ﻓﺮﻳﺶ،
192
أﺷﻌﺔ إﻛﺲ واﻟﻨﺸﺎط اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ واﻻﻧﺸﻄﺎر اﻟﻨﻮوي
وزﻣﻴﻼ ﻟﻠﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻲ اﻟﺪﻧﻤﺎرﻛﻲ اﻟﺸﻬري ﻧﻴﻠﺲ ﺑﻮر ﰲ ﻛﻮﺑﻨﻬﺎﺟﻦ، ً اﻟﺬي ﻛﺎن ً
أﻳﻀﺎ ﻓﻴﺰﻳﺎﺋﻴٍّﺎ
وﻧﺎﻗﺶ ﻣﻌﻬﺎ ﺧﻄﺎبَ ﻫﺎن .وﺑﻌﺪ ﺑﻌﺾ اﻟﺤرية اﻟﺘﻲ أﺻﺎﺑَﺘْﻬﻤﺎ أﺛﻨﺎء ﺳريﻫﻤﺎ ﰲ اﻟﺠﻠﻴﺪ، َ
ﺟﺴﻴﻤﺎت أﻳ ِﺔ ﻧﻮاة ذرﻳﺔ ﻗﺪ ﺗﺘﴫﱠف
ِ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺑﻮر؛ ﻓﻔﻲ ﻋﺎم ،١٩٣٦أﺷﺎر ﺑﻮر إﱃ أن َ ﺗﺬ ﱠﻛ َﺮا
ﺟﻤﺎﻋﻲ ﺑﺤﻴﺚ ﻗﺪ ﺗﺘﺸﻮﱠه اﻟﻨﻮاة وﻻ ﺗﺼﺒﺢ ذات ﺷﻜﻞ ﻛﺮوي ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺼﺎدم ﱟ ﻧﺤﻮ
ﻋﲆ ٍ
ﻣﻦ ﺟﺴﻴﻢ ﻣﺎ ،وﻟﻮ ﻛﺎن ﺻﻐريًا ﻣﺜﻞ اﻟﻨﻴﻮﺗﺮون .وﻗﺪ ﺗﺘﻐ ﱠﻠﺐ ﻗﻮى اﻟﺘﻨﺎﻓﺮ ﰲ اﻟﻨﻮاة ﻋﲆ
ُﺮﺳﻠﺔ اﻟﺸﻄﺮﻳﻦ وﻫﻤﺎ ﻳﺘﺤﺮﻛﺎن ﺑﴪﻋﺔ ﻛﺒرية ﻗﻮى اﻟﺘﺠﺎذب وﺗﻨﻘﺴﻢ اﻟﻨﻮاة ﺷﻄﺮﻳﻦ ،ﻣ ِ
ﻣﻊ إﺻﺪار ﻗﺪر ﻫﺎﺋﻞ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻗﺔ .وﻗﺪ ﺷﺒﱠﻪ اﻟﻨﻮاة اﻟﺬرﻳﺔ اﻟﺜﻘﻴﻠﺔ ﻏري املﺴﺘﻘﺮة ﺑﻘﻄﺮة املﺎء
املﻨﻬﻤﺮة.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎد ﻓﺮﻳﺶ إﱃ ﻛﻮﺑﻨﻬﺎﺟﻦ ﺑﻌﺪ ﻋﺪة أﻳﺎم ،اﺳﺘﻄﺎع اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻊ ﺑﻮر ﺑﻴﻨﻤﺎ
ﻛﺎن ﻳﺴﺘﻘﻞ إﺣﺪى ﺳﻔﻦ اﻟﺨﻂ املﻼﺣﻲ اﻟﺴﻮﻳﺪي اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ واﻟﺘﻲ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ »إم إس
193
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
َ
أﻫﻤﻴﺔ »اﻻﻧﺸﻄﺎر« اﻟﻨﻮوي، دروﺗﻨﻴﻨﺠﻬﻮﻟﻢ« ،ﻣﺘﻮﺟﱢ ﻬً ﺎ إﱃ ﻧﻴﻮﻳﻮرك .وأدرك ﺑﻮر ﻋﲆ اﻟﻔﻮر
ﻗﻴﺎﺳﺎ ﻋﲆ اﻧﻘﺴﺎم اﻟﺨﻠﻴﺔ ﰲ ﻋﻠﻢ اﻷﺣﻴﺎء ،واﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﺘﻲ ً وﻫﻮ ﻣﺼﻄﻠﺢ اﺑﺘ َﻜ َﺮه ﻓﺮﻳﺶ
ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﻫﺎن وﺗﻔﺴري ﻣﺎﻳﺘﻨﺮ/ﻓﺮﻳﺶ ﻟﻬﺎ ،ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ اﻟﺨﺎص ﺑﻘﻄﺮة املﺎء .وﻛﺎن
ﺑﻮر ﰲ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻟﺤﻀﻮر ﻣﺆﺗﻤﺮ ﰲ واﺷﻨﻄﻦ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ وﺣﻤﻞ إﱃ
ﻫﺬا املﺆﺗﻤﺮ ﺗﻔﺴريَ ﻣﺎﻳﺘﻨﺮ وﻓﺮﻳﺶ .وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﻛﺘﺐ ﺑﻮر ﺧﻄﺎﺑًﺎ ﻗﺼريًا إﱃ ﻣﺤ ﱢﺮر ﻣﺠﻠﺔ
»ﻓﻴﺰﻳﻜﺎل رﻳﻔﻴﻮ« ،أﺷﺎر ﻓﻴﻪ إﱃ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﻘﻄﺮة اﻟﺴﺎﺋﻠﺔ ﻟﻼﻧﺸﻄﺎر اﻟﻨﻮوي.
ﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺗ ﱠﻢ إدراك اﻻﻧﺸﻄﺎر اﻟﻨﻮوي ﰲ اﻟﺘﻔﺎﻋﻼت املﺘﺴﻠﺴﻠﺔ ﻋﲆ ﻳﺪ ﻟﻴﻮ ﺳﻴﻼرد
ً
ﺷﻜﻼ ﻧﺎد ًرا واﺣﺪًا ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﰲ ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻴﺎ .ﻗ ﱠﺪ َر ﺑﻮر ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﺣﻴﻨﻬﺎ ﰲ ﺑﺮﻳﻨﺴﺘﻦ ،أن ﺛﻤﺔ
اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم — وﻫﻮ اﻟﻨﻈري اﻟﺬي ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﻳﻮ ،٢٣٥-اﻟﺬي ﻳﻮﺟﺪ ﰲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﻨﺴﺒﺔ ٪١ﻓﻘﻂ
ﻣﻦ اﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ — ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻘﻮم ﺑﺎﻟﺘﻔﺎﻋﻞ املﺘﺴﻠﺴﻞ .وﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﺗﺮﻛﻴﺰ
ﻫﺬا اﻟﻨﻈري ﻟﺒﻨﺎء ﻣﻔﺎﻋِ ﻞ ﻣﺘﺴﻠﺴﻞ ،وﻛﺎن ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن ﻓﻌﻞ ﻫﺬا وﻗﺪ ﺗﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ) .ﺳﻨﻌﺮض
اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن ﰲ إﺣﺪى اﻟﻌﻤﻠﻴﺘني املﺴﺘﺨﺪﻣﺘني ﻣﻦ ﻗِ ﺒﻞ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻟﱰﻛﻴﺰ
ﻫﺬا اﻟﻨﻈري ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﺮﺿﻨﺎ ﻟﻘﺼﺔ اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ واﻟﻌﴩﻳﻦ (.وﻟﺤﺴﻦ
اﻟﺤﻆ ،ﺗﻤﱠ ْﺖ ﻫﺬه اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻗﺒﻞ أن ﺗﺘﻢ ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ.
ﺗﻌﻘﻴﺐ
194
أﺷﻌﺔ إﻛﺲ واﻟﻨﺸﺎط اﻹﺷﻌﺎﻋﻲ واﻻﻧﺸﻄﺎر اﻟﻨﻮوي
195
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ واﻟﻌﴩون
ً
ﻣﺼﺎدﻓﺔ .ﻓﻘﺪ اﻛﺘُ ِﺸﻒ اﻟﺴﻜﺎرﻳﻦ ،أول ﻣُﺤ ﱟﻞ اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ اﻟﺒﺪاﺋﻞ اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻷﻛﺜﺮ ﺷﻬﺮ ًة ﻟﻠﺴﻜﺮ
ﺻﻨﺎﻋﻲ ،ﻣﻨﺬ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﻋﺎم ،وذﻟﻚ ﻗﺒﻞ ﻓﱰة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻛﺒﺪﻳﻞ ﻟﺴﻜﺮ
املﺎﺋﺪة اﻟﻌﺎدي ،اﻟﺴﻜﺮوز .وﺣﺪث ﻫﺬا ﰲ ﻣﻌﻤﻞ أﻳﺮا رﻳﻤﺴﻦ ،أﺷﻬﺮ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ أﻣﺮﻳﻜﻲ ﰲ
اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ.
ُوﻟِﺪ رﻳﻤﺴﻦ ﰲ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﰲ ﻋﺎم ،١٨٤٦واﻧﺘﻘﻞ إﱃ أملﺎﻧﻴﺎ ﻟﻌﻤﻞ دراﺳﺎت ﻋﻠﻴﺎ ﰲ
ﺟﺎﻣﻌﺎت ﻣﻴﻮﻧﺦ وﺟﻮﺗﻴﻨﺠﻦ وﺗﻮﺑﻴﻨﺠﻦ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎد إﱃ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،أﺻﺒﺢ أﺳﺘﺎذًا
ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء ﰲ ﻛﻠﻴﺔ وﻳﻠﻴﺎﻣﺰ ،ﺛﻢ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺟﻮن ﻫﻮﺑﻜﻴﻨﺰ .وأﻧﺸﺄ أول ﻗﺴﻢ ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء ﰲ
اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻳﻀﺎﻫﻲ ﻣﺴﺘﻮاه ﻣﺴﺘﻮى أﻗﺴﺎم اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﰲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻷوروﺑﻴﺔ ،وﻛﺎن
ﻣﻦ ﺑني ﺗﻼﻣﺬﺗﻪ ﻫﻨﺎك اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻤﱠ ْﻦ أﺻﺒﺤﻮا ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌ ُﺪ روﱠادًا ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت
رﺋﻴﺲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺟﻮن ﻫﻮﺑﻜﻴﻨﺰ ،وﻣﻦ أﺷﻬﺮ ﺗﻼﻣﺬة رﻳﻤﺴﻦ ﺟﺪي َ املﺘﺤﺪة .ﺛﻢ أﺻﺒﺢ ً
ﻻﺣﻘﺎ
اﻟﻜﺒري اﻟﻌﺎﻟِﻢ إي ﺑﻲ ﻛﻮﻫﻠﺮ ،وﻣﻦ ﺗﻼﻣﺬﺗﻪ ﺟﻴﻤﺲ ﺑﻲ ﻛﻮﻧﺎﻧﺖ اﻟﺬي ﺗﺘﻠﻤﺬ ﻋﲆ ﻳﺪه ﻟﻮﻳﺲ
إف ﻓﻴﺰر ،اﻟﺬي ﺗﺘﻠﻤﺬ ﻋﲆ ﻳﺪه ﺗﺸﺎرﻟﺰ ﳼ ﺑﺮاﻳﺲ ،اﻟﺬي ﺗﺘﻠﻤﺬ ﻋﲆ ﻳﺪه روﻳﺴﺘﻦ إم
أوﺿﺢ أﻧﻨﻲ أﺳﺘﻄﻴﻊ أن أرﺟﻊ ﻧﺴﺒﻲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ إﱃ ﻓﺮﻳﺪرﻳﺶ روﺑﺮﺗﺲ .أﺣﺐﱡ أﺣﻴﺎﻧًﺎ أن ﱢ
ﻓﻮﻟﺮ ،أﺑﻲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ )اﻧﻈﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ( ﻷن رﻳﻤﺴﻦ ﻛﺎن ﺗﻠﻤﻴﺬًا ﻟﺮودوﻟﻒ
ﻓﻴﺘﻴﺞ ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﺗﻠﻤﻴﺬًا ﻟﻔﻮﻟﺮ.
ﺑﻤﻬﻤﺔ أُﺳﻨِﺪت إﻟﻴﻪ ﻛﺠﺰء ﻣﻦ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ
ٍ ﰲ ﻋﺎم ،١٨٧٩ﻛﺎن أﺣﺪ زﻣﻼء رﻳﻤﺴﻦ ﻳﻘﻮم
َ
ﺑﺤﺜﻲ ﻧﻈﺮي ﻛﺎن ﻗﺎﺋﻤً ﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ .وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻳﻘﻮم ﺑﺬﻟﻚ ،ﻻﺣَ ﻆ ﻫﺬا اﻟﺸﺨﺺ —
ﺣﴬﻫﺎ واﻧﺴﻜﺒﺖ دون ﻗﺼ ٍﺪ ﻋﲆ ﻳﺪه ﻣﺬاﻗﻬﺎ ﻓﻬﻠﱪج — أن إﺣﺪى املﻮاد اﻟﺘﻲ ﱠ وﻳُﺪﻋَ ﻰ ِ
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺣﻠﻮ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻏري ﻋﺎدي) .ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن ﻳﺘﻮﺧﻮن ﻛﺜريًا ﻣﻦ اﻟﺤﺬر ﺗﺠﺎه ﺗﺸﻤﱡ ﻢ
ﻓﻬﻠﱪج اﺳﺘﺸﻌﺮ اﻷﻫﻤﻴﺔ املﻮاد اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻣﻌﻬﺎ وﺗﺬوﱡﻗﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻢ اﻵن (.وﻳﺒﺪو أن ِ
ﺷﻜﻼ ﺻﻨﺎﻋﻴٍّﺎ ﺗﺠﺎرﻳٍّﺎ ﻣﻨﻬﺎ ،وﺣﺼﻞ ً ﺣﴬ املﻤﻜﻨﺔ ﻟﻠﻤﺎدة اﻟﺠﺪﻳﺪة ذات املﺬاق اﻟﺤﻠﻮ ﺣﻴﺚ ﱠ
ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﺧﱰاع ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻋﺎم .١٨٨٥وﻛﺎن اﻻﺳﻢ اﻟﺬي اﺧﺘﺎره ﻟﻬﺎ ﻫﻮ اﻟﺴﻜﺎرﻳﻦ ،ﻣﻦ
املﻘﺎﺑﻞ اﻟﻼﺗﻴﻨﻲ ﻟﻠﺴﻜﺮ ،وﻫﻮ اﻟﺴﻜﺎروم.
ﻣﺘﺨﺼﺺ ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ،ﻳﻌﻤﻞ ﻣﻊ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﱢ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٣٧ﻛﺎن ﻃﺎﻟﺐ دراﺳﺎت ﻋﻠﻴﺎ
ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ املﺮﻛﺒﺎت ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ أﻣﻼح ﺣﻤﺾ ً ﻳﺤﴬﱢ إل إف أودرﻳﺚ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ إﻟﻴﻨﻮي،
املﺘﻮﻗﻊ أن ﺗﻜﻮن ﻟﻬﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺪواﺋﻴﺔ )وﻟﻴﺴﺖ ﱠ اﻟﺴﻠﻔﺎﻣﻴﻚ؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ
ﻣﺬاﻗﺎ ﺣﻠﻮًا ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻠﺤﻮظ ً ﻆ اﻟﻄﺎﻟﺐ ،وﻳُﺪﻋﻰ ﻣﺎﻳﻜﻞ ﺳﻔﻴﺪا، ا ُملﺤ ﱢﻠﻴﺔ( املﻬﻤﺔ .ﻻﺣَ َ
ﻳﺤﴬﻫﺎ،ﱢ ﻳﺪﺧﻨﻬﺎ ﰲ املﻌﻤﻞ وأرﺟﻊ املﺼﺪر إﱃ إﺣﺪى املﻮاد اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻟﺴﻴﺠﺎرة ﻛﺎن ﱢ
وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻠﺢ ﺻﻮدﻳﻮم ﺣﻤﺾ اﻟﺴﺎﻳﻜﻠﻤﻚ .ﻛﻤﺎ وﺟﺪ أن ﻣﻠﺢ اﻟﻜﺎﻟﺴﻴﻮم املﻘﺎﺑﻞ ﻟﻨﻔﺲ
اﻟﺤﻤﺾ ذو ﻣﺬاق ﺣﻠﻮ .واﺳﺘُﺨﺪِم ِﻣﻠﺤَ ﺎ اﻟﺼﻮدﻳﻮم واﻟﻜﺎﻟﺴﻴﻮم ﻣﻦ ﺣﻤﺾ اﻟﺴﺎﻳﻜﻠﻤﻚ
ﻛﺒﺪﻳﻞ ﻟﻠﺴﻜﺮ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻤﻴﱠﺰ ﻣﻠﺢ اﻟﻜﺎﻟﺴﻴﻮم ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻔﻴﺪ ﰲ اﻟﻨﻈﻢ اﻟﻐﺬاﺋﻴﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﲆ ﻧﺴﺐ
ﻣﻨﺨﻔﻀﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻮدﻳﻮم .وﻗﺪ اﺳﺘُﺨﺪِم ﻫﺬان املﻠﺤﺎن ﻋﲆ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ﻛﺒﺪﻳﻞ ﻟﻠﺴﻜﺮ
ﺣﺘﻰ ﻋﺎم ،١٩٧٠ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﻈﺮت إدارة اﻟﻐﺬاء واﻟﺪواء اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﻤﺎ اﻋﺘﻤﺎدًا
ﺟﺮﻳﺖ ﻋﲆ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت املﻌﻤﻠﻴﺔ .وﺑﻌﺪ اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻷوﱄ ﻟﻠﻤﺬاق اﻟﺤﻠﻮ ملﻠﺢ ﻋﲆ ﺗﺠﺎرب أ ُ ِ
ﺻﻮدﻳﻮم ﺣﻤﺾ اﻟﺴﺎﻳﻜﻠﻤﻚ ،ﺗﻢ ﺗﺤﻀري ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ أﻣﻼح ﺣﻤﺾ اﻟﺴﻠﻔﺎﻣﻴﻚ املﺮﺗﺒﻄﺔ
ﻣﺬاق ﺣﻠﻮ ﻣﺜﻞ املﺎدة اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺸﻔﻬﺎ ﺳﻔﻴﺪا ٌ ﻣﻌﻪ ﺑﺸﺪة وﻓﺤﺼﻬﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻷيﱟ ﻣﻨﻬﺎ
اﻟﺪﻗﻴﻖ املﻼﺣﻈﺔ .وﻗﺪ ﺗﻢ ﻣﺰج اﻟﺴﺎﻳﻜﻼﻣﺎت ﻣﻊ اﻟﺴﻜﺎرﻳﻦ؛ ﻷن اﻻﺛﻨني ﻣﻌً ﺎ ﻛﺎن ﻣﺬاﻗﻬﻤﺎ
أﺣﲆ ،وأﻗﻞ ﻣﺮار ًة ﺑﻌﺪ ﺗﻨﺎوﻟﻬﻤﺎ.
أﻣﺎ ﻋﻦ ﺑﺪﻳﻞ اﻟﺴﻜﺮ اﻟﺜﺎﻟﺚ املﻬﻢ ،وﻫﻮ اﻷﺳﱪاﺗﺎم )اﻟﺬي ِﺑﻴ َﻊ ﺑﺎﻻﺳﻢ اﻟﺘﺠﺎري
ﻧﻴﻮﺗﺮاﺳﻮﻳﺖ( ،ﻓﻘﺪ اﻛﺘُ ِﺸﻒ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ اﻟﺒﺤﺘﺔ .إن اﻻﺳﻢ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﺘﻠﻚ املﺎدة
ﻫﻮ إﺳﱰ ﻣﻴﺜﻴﻞ ﻓﻴﻨﻴﻞ اﻵﻻﻧني-ﺣﻤﺾ اﻷﺳﱪﺗﻴﻚ .ﺣﺴﺒﻤﺎ ﻳﺘﻀﺢ ﻣﻦ اﻻﺳﻢ ،ﻓﺈن ﺟﺰء
»إﺳﱰ املﻴﺜﻴﻞ« ﻳﻌﻨﻲ أﻧﻬﺎ ﻣﺎدة ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﻗﺮﻳﺒﺔ ﺟﺪٍّا ﻣﻦ ﺛﻨﺎﺋﻲ ﺑﺒﺘﻴﺪ ﻓﻴﻨﻴﻞ اﻵﻻﻧني-ﺣﻤﺾ
اﻷﺳﱪﺗﻴﻚ .وﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﺒﺒﺘﻴﺪ ﻫﻮ ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﺛﻨني ﻣﻦ اﻷﺣﻤﺎض اﻷﻣﻴﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻌَ ﱡﺪ اﻟﻌﻨﺎﴏَ
املﻜﻮﱢﻧﺔ ﻟﻠﱪوﺗﻴﻨﺎت؛ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﻧﻬﻀﻢ أيﱠ ﺑﺮوﺗني ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺘﺤ ﱠﻠﻞ إﱃ ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻪ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ
ﺣﴬﻫﺎ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮ ً
وﺳﻴﻄﺔ ﱠ َ اﻷﺣﻤﺎض اﻷﻣﻴﻨﻴﺔ .وﻛﺎن إﺳﱰ ﻣﻴﺜﻴﻞ ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﺒﺒﺘﻴﺪ ﻫﺬا ﻣﺎد ًة
ﴍﻛﺔ ﺳريل أﺛﻨﺎء ﺗﺼﻨﻴﻊ رﺑﺎﻋﻲ اﻟﺒﺒﺘﻴﺪ )أيْ ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ أرﺑﻌﺔ أﺣﻤﺎض أﻣﻴﻨﻴﺔ( .وﻛﺎن
198
ﺑﺪاﺋﻞ اﻟﺴﻜﺮ :ﻣﺬاق اﻟﺴﻜﺮ اﻟﺤﻠﻮ وﻟﻜﻦ ﺑﺴﻌﺮات ﺣﺮارﻳﺔ أﻗﻞ
ﻣﻦ املﻔﱰض أن ﻳﻜﻮن رﺑﺎﻋﻲ اﻟﺒﺒﺘﻴﺪ ﻣﻌﻴﺎ ًرا ﺣﻴﻮﻳٍّﺎ ﰲ ﻣﴩوع ﻳﻬﺪف إﱃ ﺗﺤﻀري دواءٍ
ﻣﻀﺎد ﻟﻠﻘﺮﺣﺔ.
َ
واﻛﺘﺸﻒ أﻧﻬﺎ ذات ﻣﺬاق ذاق أﺣﺪ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني دون ﻗﺼ ٍﺪ ً
ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ املﺎدة اﻟﻮﺳﻴﻄﺔ
ﺗﻮﻗﻊ اﻟﻄﻌﻢ اﻟﺤﻠﻮ ﻟﻸﺳﺒﺎرﺗﺎم ﻣﻊ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻧﺤﻮ اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻲ .وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ ﱡ ﺣﻠﻮ ﻋﲆ ٍ
َ
واﻵﺧﺮ ﻛﺎن ﻃﻌﻤﻪ ﻣ ٍّﺮا. ﺧﻮاص اﻟﺤﻤﻀني اﻷﻣﻴﻨﻴني املﻜﻮﱢﻧني ﻟﻪ؛ ﻓﺄﺣﺪﻫﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﻃﻌﻢ ﱢ
وﻛﺎن اﻟﻄﻌ ُﻢ اﻟﺤﻠﻮ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻋﻦ ﻣﺰﻳﺞ اﻟﺤﻤﻀني وﺗﺤﻮﱡﻟﻬﻤﺎ إﱃ إﺳﱰ املﻴﺜﻴﻞ ﺷﻴﺌﺎً
ﻣﻔﺎﺟﺌًﺎ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ.
وﺻﻒ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﺟﻴﻤﺲ إم ﺷﻼﺗﺮ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻷﺳﺒﺎرﺗﺎم :ﻋﻠﻢ وﻇﺎﺋﻒ اﻷﻋﻀﺎء
واﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ« ) ،(١٩٨٤ﻗﺼﺔ اﻛﺘﺸﺎف اﻷﺳﺒﺎرﺗﺎم ً
ﻗﺎﺋﻼ:
ﺑﺨﻼف اﻟﺴﻜﺎرﻳﻦ واﻟﺴﺎﻳﻜﻼﻣﺎت ،اﻟ ﱠﻠﺬﻳﻦ ﻳﺘﻢ إﻧﺘﺎﺟﻬﻤﺎ دون ﺗﻐﻴري ،ﻳﺤﺪث اﺳﺘﻘﻼب
ﻟﻸﺳﺒﺎرﺗﺎم إﱃ ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻪ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﻤﺎض اﻷﻣﻴﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺪث اﺳﺘﻘﻼب ﻟﻬﺎ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ
ﺧﻼل ﻣﺴﺎرات اﻟﺠﺴﻢ املﻌﺘﺎدة .وﻷن ﺷﻼﺗﺮ ﻛﺎن ﻳﻌﺮف ﻫﺬا ﻋﻦ اﺳﺘﻘﻼب اﻟﺒﺒﺘﻴﺪات ،ﻛﺎن
199
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻟﺪﻳﻪ ﻣﻦ اﻟﺠﺮأة ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﻺﻗﺪام ﻋﲆ ﺗﺬوﱡق املﺎدة اﻟﺘﻲ اﻧﺴﻜﺐ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺧﺎرج اﻟﻘﺎرورة
اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ.
C C
H C H
H
اﻷﺳﺒﺎرﺗﺎم
200
ﺑﺪاﺋﻞ اﻟﺴﻜﺮ :ﻣﺬاق اﻟﺴﻜﺮ اﻟﺤﻠﻮ وﻟﻜﻦ ﺑﺴﻌﺮات ﺣﺮارﻳﺔ أﻗﻞ
201
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ واﻟﻌﴩون
زﺟﺎج اﻷﻣﺎن
ﺣﺪث اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌَ َﺮﴈ ﻟﺰﺟﺎج اﻷﻣﺎن ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻴﻪ ﺷﺪﻳﺪة؛ ﺑﻌﺪ ﻓﱰة ﻗﺼرية
ﺟﺪٍّا ﻣﻦ اﺧﱰاع اﻟﺴﻴﺎرة واﺳﺘﺨﺪام اﻟﺰﺟﺎج ﰲ ﺻﻨﺎﻋﺔ زﺟﺎﺟﻬﺎ اﻷﻣﺎﻣﻲ .وﻛﺎن اﺣﺘﻤﺎل
ﻄﻤﻬﺎ أﻛﱪ ﻣﻦ اﻟﻌﺮﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮﻫﺎ اﻟﺨﻴﻮل؛ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ﺗﻌ ﱡﺮض اﻟﺴﻴﺎرات ﻟﺤﻮادث وﺗﺤ ﱡ
ﻳﺆدﱢي إﱃ ﺗﻌ ﱡﺮض راﻛﺒﻴﻬﺎ ﻹﺻﺎﺑﺎت ﺑﺎﻟﻐﺔ ﺑﺴﺒﺐ اﻧﻜﺴﺎر اﻟﺰﺟﺎج اﻷﻣﺎﻣﻲ.
اﻟﺴﺒَﺞ ،ﻣﻮﺟﻮدًا ﰲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﻨﺬ ﻧﺸﺄة اﻷرض .وﺗﺸ ﱠﻜ َﻞﻛﺎن اﻟﺰﺟﺎج اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،ﻣﺜﻞ ﱠ
اﻟﺴﺒَﺞ وﻏريه ﻣﻦ اﻷﺷﻜﺎل اﻷﺧﺮى ﻟﻠﺰﺟﺎج اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﴏ ﺷﺎﺋﻌﺔ ﰲ ﻗﴩة اﻷرض ﱠ
ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺤﺮارة اﻟﱪﻛﺎﻧﻴﺔ اﻟﺸﺪﻳﺪة املﺘﺒﻮﻋﺔ ﺑﺘﱪﻳﺪ ﴎﻳﻊ ،وذﻟﻚ ﻗﺒﻞ ﻓﱰة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ﺗﻔﻜري
أيﱢ أﺣ ٍﺪ ﰲ ﺗﻐﻴري ﺗﺮﻛﻴﺒﻪ أو ﻟﻮﻧﻪ أو ﺷﻜﻠﻪ.
ﺿﺎ َع ﺧﱪُ أول ﻣَ ﻦ ﻗﺎم ﺑﻌﻤﻞ اﻟﺰﺟﺎج اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ وﺳ َ
ﻂ اﻵﺛﺎر اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ واﻷﺳﺎﻃري ،وﻣﻦ َ
أﺷﻬﺮ اﻷﺳﺎﻃري ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ وﺛ ﱠ َﻘﻬﺎ اﻟﻜﺎﺗﺐ واملﺆ ﱢرخ ﺑﻠﻴﻨﻲ اﻷﻛﱪ اﻟﺬي ﻋﺎش ﰲ
اﻟﻘﺮن اﻷول املﻴﻼدي .وﻛﺘﺐ ﺑﻠﻴﻨﻲ ٣٧ﻣﺠ ﱠﻠﺪًا ﻋﻦ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ،وﻣﺎت وﺳﻂ رﻣﺎد
ﺑﻌﺾ ﻣﻦ اﻷﺳﻄﻮل إﺣﺪى ﺛﻮرات ﺑﺮﻛﺎن ﻓﻴﺰوف ﰲ ﻋﺎم ٧٩ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ ،ﺑﻌﺪ أن أﺑﺤ َﺮ ﻣﻊ ٍ
اﻟﺮوﻣﺎﻧﻲ ﺑﻘﻴﺎدﺗﻪ إﱃ اﻟﺴﺎﺣﻞ ﻗﺮب ﺑﻮﻣﺒﻲ ملﺴﺎﻋﺪة ﺳﻜﺎن ﺗﻠﻚ املﻨﻄﻘﺔ املﻬﺪﱠدة.
أرﺟﻊ ﺑﻠﻴﻨﻲ اﻟﻔﻀﻞ إﱃ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﺠﺎر اﻟﻔﻴﻨﻴﻘﻴني ﰲ إﻧﺘﺎج اﻟﺰﺟﺎج ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻋَ َﺮﴈ
ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺷﻌﻠﻮا ﻧﺎ ًرا ﻋﲆ ﺷﺎﻃﺊ رﻣﲇ .وﻗﻴﻞ إﻧﻬﻢ وﺿﻌﻮا ﻗﺪو َر اﻟﻄﻬﻲ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﻢ ﻋﲆ
ﻛﺘﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﻄﺮون ،وﻫﻲ ﻣﺎدة ﻣﻌﺪﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﻛﺮﺑﻮﻧﺎت اﻟﺼﻮدﻳﻮم رﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻧﻮن ﻗﺪ ﺟﻠﺒﻮﻫﺎ
ﻣﻦ ﻣﴫ ،وﺗﺮﻛﻮﻫﺎ ﺗﺸﺘﻌﻞ ﻃﻮال اﻟﻠﻴﻞ ﻛﻲ ﻳﺪﻓﺌﻮا أﻧﻔﺴﻬﻢ .وﰲ اﻟﺼﺒﺎح اﻧﺪﻫﺸﻮا ﺣﻴﻨﻤﺎ
وﺟﺪوا زﺟﺎﺟً ﺎ ﻣﻨﺼﻬ ًﺮا ﻳﻠﻤﻊ ﻋﱪ اﻟﺮﻣﺎد ،ﺣﻴﺚ دﻣﺠﺖ اﻟﺤﺮارة ﻛﺘﻞ اﻟﻨﻄﺮون ﻣﻊ ﺳﻴﻠﻴﻜﺎ
اﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌَ َﺮﴈ وﺗﺎرﻳﺨﻪ ُ
)ﻗﺪﱢر ﺑﺄﻧﻪ ﺣﺪث ﱡ اﻟﺮﻣﺎل .وﻣﻊ أﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﰲ ﻋﺎم ٤٠٠٠ﻗﺒﻞ املﻴﻼد( ،ﻓﺈن اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺰﺟﺎﺟﺎت ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ املﴫﻳني اﻟﻘﺪﻣﺎء ﻣﻨﺬ ﻋﺎم
١٥٠٠ﻗﺒﻞ املﻴﻼد ﻣﻮﺛﱠﻖ ﻋﲆ ٍ
ﻧﺤﻮ ﺗﺎمﱟ.
أﻳﻀﺎ أن اﻟﺮوﻣﺎن اﺳﺘﺨﺪﻣﻮه ﰲ ﺻﻨﻊ اﻟﻨﻮاﻓﺬ. ﻇﻬﺮ اﻟﺰﺟﺎج ﻣﻨﺬ ﻓﱰة ﻃﻮﻳﻠﺔ ،وﻧﻌﺮف ً
وﰲ املﺮاﻓﻖ اﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﰲ اﻷﺑﻨﻴﺔ ،ﻛﺎن ﻳُﺴﺘﺨﺪَم ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻋﲆ ﻫﻴﺌﺔ أﻟﻮاح ﺻﻐرية ﻋﺪﻳﺪة
ﻣﻊ وﺿﻊ إﻃﺎر ﺑﺮوﻧﺰي ﻟﻬﺎ ،وﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﰲ اﻟﻨﻮاﻓﺬ اﻟﺼﻐرية ﻟﻠﻌﺮﺑﺎت اﻟﺼﻐرية
ﻛﴪه ﻛﺒريًا ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻫﺸﺎﺷﺘﻪ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ. واﻟﻜﺒرية اﻟﺘﻲ ﺗﺠ ﱡﺮﻫﺎ اﻟﺨﻴﻮل ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺧﻄ ُﺮ ِ
وﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﻇﻬﻮر اﻟﻌﺮﺑﺎت اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺠﺮﻫﺎ اﻟﺨﻴﻮل ،أﺻﺒﺢ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﰲ اﻟﺰﺟﺎج اﻷﻣﺎﻣﻲ
واﻟﻨﻮاﻓﺬ ﻣﺼﺪ ًرا ﻣﺤﺘﻤَ ًﻼ ﻟﻺﺻﺎﺑﺔ.
زﺟﺎﺟﻴﺔ ﻋﲆً ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﻓﺮﻧﴘ ﻳُﺪﻋَ ﻰ إدوار ﺑﻴﻨﻴﺪﻳﻜﺘﺲ ﻗﺎرور ًةﱞ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٠٣أوﻗﻊ
ً
ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻨﺪﻫﺸﺎ أﻧﻬﺎ ﺑﻘﻴﺖ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ً ﻄﻤﺖ اﻟﻘﺎرورة ،ﻟﻜﻦ ﺑﻴﻨﻴﺪﻳﻜﺘﺲ ﻻﺣَ َ
ﻆ أرض ﺻﻠﺒﺔ؛ ﺗﺤ ﱠ
ﻆ وﺟﻮد واﺣﺪ ًة ﻋﲆ ﺻﻮرﺗﻬﺎ اﻷﺻﻠﻴﺔ وﻟﻢ ﺗﺘﻔﺘﺖ .ﻓﺤﺺ ﺑﻴﻨﻴﺪﻳﻜﺘﺲ اﻟﻘﺎرورة وﻻﺣ َ
أﺑﻘﺖ اﻟﺰﺟﺎجَ املﻜﺴﻮر ﻣﻠﺘﺤﻤً ﺎ ﺑﻌﻀﻪ ﺑﺒﻌﺾ؛ ﻓﺄدرك أن ﺗﻠﻚ ﻗﴩة رﻗﻴﻘﺔ ﰲ اﻟﺪاﺧﻞ َ
ﺗﺒﺨﺮ ﻣﺤﻠﻮل اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن )أو ﻧﱰات اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﺗﺤﻀريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﻘﴩة ﻣﺼﺪرﻫﺎ ﱡ
اﻟﻘﻄﻦ وﺣﻤﺾ اﻟﻨﻴﱰﻳﻚ( ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻮﺟﻮدًا ﰲ اﻟﻘﺎرورة) .ﻋﺮﺿﻨﺎ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻋَ َﺮﺿﻴﺔ
أﺧﺮى ﺗﺘﻀﻤﻦ ﻣﺤﻠﻮل اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن ﰲ اﻟﻔﺼﻠني اﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﴩ واﻟﺴﺎدس ﻋﴩ (.وﻋﻨﺪ
ً
ﺗﺎرﻛﺔ ﺗﺒﺨ َﺮ ِت املﺎد ُة اﻟﺴﺎﺋﻠﺔ
وﺟﻮد ﻣﺤﻠﻮل اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن ﰲ اﻟﻘﺎرورة اﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ املﻔﺘﻮﺣﺔ ،ﱠ
ٍ
ﺑﻄﺎﻗﺔ ﻗﴩ ًة رﻗﻴﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن داﺧﻞ اﻟﻘﺎرورة .ودو َﱠن ﺑﻴﻨﻴﺪﻳﻜﺘﺲ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎدﺛﺔ ﻋﲆ
ﺗﺠﺎﻫ َﻞ اﻷﻣﺮ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ.
َ ووﺿﻌﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﻘﺎرورة املﻜﺴﻮرة ،ﻟﻜﻨﻪ
ض ﻟﻬﺎ ﰲ املﻌﻤﻞ ،ﻗﺮأ ﺑﻴﻨﻴﺪﻳﻜﺘﺲ ﺧﱪًا ﻋﻦ ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﺣﺪوث ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺎدﺛﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌ ﱠﺮ َ
ﺿ ْﺖ ﻹﺻﺎﺑﺎت ﺷﺪﻳﺪة ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺰﺟﺎج ﰲ ﺣﺎدﺛﺔ ﺳﻴﺎرة ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ .وﺑﻌﺪ ﻓﺘﺎة ﺻﻐرية ﺗﻌ ﱠﺮ َ
ذﻟﻚ ﺑﺒﻀﻌﺔ أﺳﺎﺑﻴﻊ ،ﻗﺮأ ﻋﻦ ﺣﺎدﺛﺔ ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ذات ﺗﺒﻌﺎت ﺧﻄرية ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺰﺟﺎج املﺘﻄﺎﻳﺮ،
ﺣﻼ ﺗﻜﴪت وﻟﻢ ﺗﺘﻔﺘﱠﺖ ﺗُﻌَ ﱡﺪ ٍّ وﻓﺠﺄ ًة ﺧﻄﺮ ﻋﲆ ﺑﺎﻟﻪ أن ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ﻣﻊ ﻗﺎرورة اﻟﺰﺟﺎج اﻟﺘﻲ ﱠ
ﻣﺤﺘﻤَ ًﻼ ملﺜﻞ ﺗﻠﻚ املﺸﻜﻼت .اﻧﺪﻓﻊ إﱃ املﻌﻤﻞ ووﺟﺪ اﻟﻘﺎرورة املﻮﺿﻮع ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺒﻄﺎﻗﺔ
وﻗﴣ اﻟﻠﻴﻞ ﻛﻠﻪ ﻳﻔ ﱢﻜﺮ ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ وﺿﻊ ﻃﺒﻘﺔ ﻣﻦ ﻧﻮع ﻣﻌني ﻋﲆ اﻟﺰﺟﺎج ﻟﺠﻌﻠﻪ ِآﻣﻨًﺎ.
ﻟﻮح ﻣﻦ زﺟﺎج وﻗﻴﻞ إﻧﻪ ﺑﺤﻠﻮل ﻣﺴﺎء اﻟﻴﻮم ﻧﻔﺴﻪ ،وﺑﻤﺴﺎﻋﺪة ﻣﻜﺒﺲ اﻟﻨﺴﺦ أﻧﺘَﺞَ أو َل ٍ
اﻷﻣﺎن.
ﻛﺎن اﻻﺳﻢ اﻟﺬي اﺧﺘري ﻟﺰﺟﺎج اﻷﻣﺎن اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وﻫﻮ »اﻟﱰﺑﻠﻜﺲ« )اﻟﺬي ﻳﻌﻨﻲ اﻟﺜﻼﺛﻲ(،
ﻳﺸري إﱃ ﺗﺼﻤﻴﻢ املﺎدة؛ ﻓﻬﻲ ﺗﺘﻜﻮﱠن ﻣﻦ ﻟﻮﺣني ﻣﻦ اﻟﺰﺟﺎج ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻟﻮح ﻣﻦ ﻧﱰات
204
زﺟﺎج اﻷﻣﺎن
اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز ،ﻣﻊ دﻣﺞ اﻷﻟﻮاح اﻟﺜﻼﺛﺔ املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻣﺎدة ﺷﻔﺎﻓﺔ ﻣﻌً ﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺤﺮارة.
وﺗﻄ ﱠﻠﺐَ اﻟﺘﺤﻮﱡل ﻣﻦ ﺗﺼﻨﻴﻊ املﺎدة ﰲ املﻌﻤﻞ إﱃ ﺗﺼﻨﻴﻌﻬﺎ ﰲ املﺼﺎﻧﻊ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ،وﻟﻢ
ﻳﺤﺼﻞ ﺑﻴﻨﻴﺪﻳﻜﺘﺲ ﻋﲆ أول ﺑﺮاءة اﺧﱰاع ﻟﻪ ﻋﲆ زﺟﺎج اﻷﻣﺎن اﻟﺠﺪﻳﺪ إﻻ ﰲ ﻋﺎم .١٩٠٩
ﻣﻊ أن ﺑﻴﻨﻴﺪﻳﻜﺘﺲ اﺧﱰَ َع زﺟﺎجَ اﻷﻣﺎن ملﻨﻊ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺰﺟﺎج املﺘﻄﺎﻳﺮ ﻣﻦ
اﻟﺰﺟﺎج اﻷﻣﺎﻣﻲ ﻟﻠﺴﻴﺎرات وﻧﻮاﻓﺬﻫﺎ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﺬا ﻫﻮ اﻻﺳﺘﺨﺪام اﻟﻌﻤﲇ اﻷول ﻟﻠﺰﺟﺎج
اﻟﺮﻗﺎﺋﻘﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن أول اﺳﺘﺨﺪام ﻟﻪ ﰲ ﻋﺪﺳﺎت أﻗﻨﻌﺔ اﻟﻐﺎز ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ
اﻷوﱃ .وﻟﻜﻦ ﻣﻊ ازدﻳﺎد أﻋﺪاد اﻟﺴﻴﺎرات وﴎﻋﺘﻬﺎ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري ﰲ ﻋﴩﻳﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن
ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻄﺎﻳ ُِﺮ اﻟﺰﺟﺎج ﰲ ﺣﻮادث اﻟﺴﻴﺎرات ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻛﺒرية،
ِ اﻟﻌﴩﻳﻦ ،أﺻﺒﺤﺖ اﻹﺻﺎﺑﺎت
وأﺻﺒﺢ اﻟﺰﺟﺎج اﻟﺮﻗﺎﺋﻘﻲ ﻫﻮ اﻟﺰﺟﺎج اﻟﻘﻴﺎﳼ املﺴﺘﺨﺪَم ﰲ اﻟﺴﻴﺎرات اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ.
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ﺑﻌﺾ اﻟﻘ ﱠﺮاء أن اﻟﺰﺟﺎج اﻷﻣﺎﻣﻲ ﰲ اﻟﺴﻴﺎرات اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻛﺎن ﻳﺘﺤﻮﱠل ﻟﻮﻧﻪ إﱃ ُ رﺑﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮ
اﻟ ﱠﻠﻮن اﻷﺻﻔﺮ ﺑﻤﺮور اﻟﻮﻗﺖ .وﻳﺮﺟﻊ ﻫﺬا إﱃ أن املﺎدة اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ اﻷﺻﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻧﱰات اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز )أيً ﺗُﺴﺘﺨﺪَم ﺑني ﻃﺒﻘﺘَﻲ اﻟﺰﺟﺎج ﰲ زﺟﺎج اﻷﻣﺎن ﻛﺎﻧﺖ
اﻟﻜﻮﻟﻮدﻳﻮن( ،اﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﻮﱠل ﻟﻮﻧﻬﺎ ﺑﻤﺮور اﻟﻮﻗﺖ وﺑﺎﻟﺘﻌﺮض ﻟﻀﻮء اﻟﺸﻤﺲ إﱃ اﻟ ﱠﻠﻮن
اﻷﺻﻔﺮ.
ﰲ ﻋﺎم ،١٩٣٣ﺣ ﱠﻠﺖ ﻣﺤﻞ املﺎدة اﻟﺮاﺑﻄﺔ املﺘﻤﺜﻠﺔ ﰲ ﻧﱰات اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز ﻣﺎد ُة أﺳﻴﺘﺎت
ﻣﺔ أﻛﺜﺮ ﻟﻠﺘﻠﻮﱡن ﺑﻔﻌﻞ ﺿﻮء اﻟﺸﻤﺲ ،ﻟﻜﻦ ﻣﻔﻌﻮﻟﻬﺎ ﻛﺎن ﻣﻘﺎو ً
ِ اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز ،اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ﻳﻀﻌﻒ ﻋﻨﺪ اﻟﺘﻌ ﱡﺮض ﻟﻨﻄﺎق ﻣﻦ درﺟﺎت اﻟﺤﺮارة املﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﺗﺘﺴﺒﺐ ﰲ ﺑﻌﺾ اﻟﻐﺸﺎوة.
واملﺎدﺗﺎن اﻟﺴﺎﺑﻘﺘﺎن ﻛﻠﺘﺎﻫﻤﺎ ﻣﺸﺘﻘﺘﺎن ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز ،وﻫﻲ ﻣﺎدة ﻣﺄﺧﻮذة ﻣﻦ اﻟﺨﺸﺐ
اﻷﺑﺤﺎث اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺤﺚ ﰲ املﻮاد اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ ُ وﻏريه ﻣﻦ املﺼﺎدر اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ،وأدﱠت
املﻤﻜﻨﺔ اﻟﺒﺪﻳﻠﺔ ﻟﻠﺴﻠﻴﻮﻟﻮز إﱃ اﻛﺘﺸﺎف وﺟﻮد ﺑﻮﻟﻴﻤﺮ ﺻﻨﺎﻋﻲ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ — وﻫﻮ ﺻﻤﻎ ﺑﻮﱄ
ﻓﻴﻨﻴﻞ اﻟﺒﻮﺗريال — ﻳُﻌَ ﱡﺪ أﻓﻀ َﻞ ﻣﻦ أﺳﻴﺘﺎت اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز .وﻣﻨﺬ ﻋﺎم ،١٩٣٩أﺻﺒﺤَ ْﺖ ﺗﻠﻚ
املﺎد ُة ﻫﻲ املﺎدة اﻟﻘﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺰﺟﺎج اﻟﺮﻗﺎﺋﻘﻲ املﺴﺘﺨﺪَم ﰲ اﻟﺴﻴﺎرات واﻟﻄﺎﺋﺮات وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ
اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻄ ﱠﻠﺐ ﻣﺎدة ﺷﻔﺎﻓﺔ ﻗﻮﻳﺔ.
آﺧﺮ ﻣﻦ زﺟﺎج اﻷﻣﺎن وﻫﻮ اﻟﺰﺟﺎج ا ُمل َﻘ ﱠﴗ ﻏري اﻟﺮﻗﺎﺋﻘﻲ؛ أيْ ﻻ ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﺛﻤﺔ ﺷﻜﻞ َ
ﻄﻢ إﱃ أﺟﺰاءٍ ﺻﻐرية ﻋﺪﻳﺪة ﻗ ﱠﻠﻤﺎ ﺗﺆدﱢي إﱃ إﻳﺬاء أﺣﺪ، ﻃﺒﻘﺔ داﺧﻠﻴﺔ ﺑﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ ،وﻫﻮ ﻳﺘﺤ ﱠ
205
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
وﻫﻮ ﻳُﺴﺘﺨﺪَم ﰲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻨﻮاﻓﺬ اﻟﺠﺎﻧﺒﻴﺔ واﻟﺨﻠﻔﻴﺔ ﻟﻠﺴﻴﺎرات .ﻟﻜﻦ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة
وﺑﻌﺾ اﻟﺪول اﻷﺧﺮى ﻳُﺴﺘﺨﺪَم اﻟﺰﺟﺎج اﻟﺮﻗﺎﺋﻘﻲ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ اﻟﺰﺟﺎج اﻷﻣﺎﻣﻲ ﻟﻠﺴﻴﺎرات.
ﺗﺤﺘﺎج اﻟﻄﺎﺋﺮات إﱃ ﻧﻮاﻓﺬ ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻣﺎدة ﻗﻮﻳﺔ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺤﺘﺎج إﱃ ﻣﻘﺎوَﻣﺔ أﻗﴡ
درﺟﺎت اﻟﺤﺮارة واﻟﻀﻐﻂ ،وﻳﺠﺐ أن ﺗﻜﻮن ﻣَ ِﺮﻧﺔ ملﻮاﺟﻬﺔ اﺻﻄﺪام اﻟﻄﻴﻮر اﻟﺬي ﻳﺘﻢ
ﱠ
وﻣﻌﻘﺪَة ﺟﺪٍّا ﻣﻦ ﺑﴪﻋﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ .وﻳﺘﻢ اﻟﻮﻓﺎء ﺑﺘﻠﻚ املﺘﻄﻠﺒﺎت ﻣﻦ ﺧﻼل ﻧﻮﻋﻴ ٍﺔ ﺧﺎﺻﺔ
اﻟﺰﺟﺎج اﻷﻣﺎﻣﻲ ،ﺗﺘﻜﻮن ﻣﻦ ﻃﺒﻘﺎت ﻣﺘﻌﺪدة ﻣﻦ اﻟﺰﺟﺎج واﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ.
وﺣﺪﻳﺜًﺎ ،اﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖ ﻃﺒﻘﺔ ﺑﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ داﺧﻞ اﻟﺰﺟﺎج اﻷﻣﺎﻣﻲ ﻟﻠﺴﻴﺎرات ملﻨﻊ
ﺣﺪوث ﺗﻬﺘﱡﻚ ﰲ اﻟﺠﻠﺪ ﻋﻨﺪ اﻻﺣﺘﻜﺎك ﻣﻊ اﻟﺰﺟﺎج املﺤ ﱠ
ﻄﻢ اﻟﺬي ﻳﻠﺘﺤﻢ ﺑﺎﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ
اﻟﻮﺳﻄﻰ ﰲ زﺟﺎج اﻟﱰﺑﻠﻜﺲ اﻟﺮﻗﺎﺋﻘﻲ اﻟﻌﺎدي .وﰲ ﻋﺎم ،١٩٨٧ﺗﻢ إدﺧﺎل ﻫﺬا ﰲ ﺑﻌﺾ
ُﺒﴩة؛ ﻓﻌﻨﺪ اﺻﻄﺪام رأس اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺴﻴﺎرات ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻷوﻟﻴﺔ ﻣ ﱢ
ﰲ إﺣﺪى اﻟﺤﻮادث ﺑﺎﻟﺰﺟﺎج اﻷﻣﺎﻣﻲ ﻟﻠﺴﻴﺎرة اﻟﺬي ﻟﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ اﻟﺪاﺧﻠﻴﺔ
املﻀﺎدة ﻟﻠﺘﻬﺘﱡﻚ ،ﻓﺈﻧﻪ ﺳﻴﺼﺎب ﺑﻜﺪﻣﺔ ﺷﺪﻳﺪة وﺻﺪﻣﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻦ ﻳﺤﺪث ﻗﻄﻊ ﰲ اﻟﺮأس أو
اﻟﻮﺟﻪ.
206
زﺟﺎج اﻷﻣﺎن
ﰲ ﻛﻞ ﻫﺬه اﻷﻧﻮاع ﻣﻦ زﺟﺎج اﻷﻣﺎن ﻣﺎ ﻋﺪا اﻟﺰﺟﺎج ا ُمل َﻘ ﱠﴗ ،ﻳﻜﻮن اﻷﺳﺎس — اﻟﺬي
ﻈﻪ ﺑﻴﻨﻴﺪﻳﻜﺘﺲ ﺑﺸﻜﻞ ﻋَ َﺮﴈ ﰲ ﻋﺎم — ١٩٠٣واﺣﺪًا ،وﻫﻮ ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺬي ﻻﺣَ َ
اﺣﺘﻮاؤه ﺟﺴﻴﻤﺎت اﻟﺰﺟﺎج ﻣﻦ ﺧﻼل ﻃﺒﻘﺔ رﻗﻴﻘﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ.
207
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ واﻟﻌﴩون
اﻟﺴ ْﻠﻔﺎ
اﳌﻀﺎدات اﳊﻴﻮﻳﺔ :اﻟ ِﺒﻨﺴﻠﲔ وأدوﻳﺔ ﱠ
واﳌﺎﺟﺎﻧﻴﻨﺎت
وﻇﻴﻔﺔ ﰲ ﴍﻛﺔ ﺷﺤﻦ ،ﻟﻜﻦ ﻛﺎن ٍ ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ — اﻟﺬي ﻛﺎن ﺣﻴﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﺴﺎدﺳﺔ ﻋﴩة — ﻋﲆ
ﻟﺪﻳﻪ وﻗﺖ ﻟﻼﻧﻀﻤﺎم إﱃ ﻣﺘﻄ ﱢﻮﻋِﻲ اﻟﻔِ ﺮﻗﺔ اﻻﺳﻜﺘﻠﻨﺪﻳﺔ ﰲ ﻟﻨﺪن .وﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻠﻚ اﻟﻔِ ﺮﻗﺔ،
ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﺳﺎﻧﺖ ﻣﺎري، ٍ ﻓﺮﻳﻖ ﻟﻜﺮة املﺎء ،وﰲ إﺣﺪى املﺮات ﻟﻌﺐ ﺿﺪ ٍ ﻟﻌﺐ ﺿﻤﻦ
اﻟﺬي ﻛﺎن ﺗﺎﺑﻌً ﺎ ﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻟﻨﺪن.
وﺑﻌﺪ ﺑﻀﻌﺔ أﻋﻮام ،ورث ﻣرياﺛًﺎ ﺻﻐريًا وﺷﺠﱠ ﻌﻪ أﺧﻮه ﻋﲆ اﻻﻟﺘﺤﺎق ﺑﺈﺣﺪى اﻟﻜﻠﻴﺎت
اﻟﻄﺒﻴﺔ .ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك ١٢ﻛﻠﻴﺔ ﻃﺒﻴﺔ ﰲ ﻟﻨﺪن ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ ﻳﻌﺮف أيﱠ ﳾء ﻋﻦ
َ
ﻓﺮﻳﻖ أيﱟ ﻣﻨﻬﺎ؛ ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪا ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻬﺎ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﺳﺎﻧﺖ ﻣﺎري ،واﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻌﺮف أن ﻟﻬﺎ
ﻛﺮة ﻣﺎء ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﺟﻌﻠﻪ ﻳﻠﺘﺤﻖ ﺑﻬﺎ .وﰲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ،اﻧﻀﻢ أملﺮوث راﻳﺖ إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻠﻴﺔ
ﻄﻂ ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻛﻲ ﻳﺼﺒﺢ ﺟ ﱠﺮاﺣً ﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻋُ ِﺮﺿﺖ ﻣﺪرﺳﺎ ﻟﻠﺒﻜﺘريﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ .وﻛﺎن ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ ﻳﺨ ﱢ ً
وﻇﻴﻔﺔ ﺑﻤﻌﻤﻞ أملﺮوث راﻳﺖ )اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳ ﱠُﻠﻘﺐ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺑﺎﻟﺴري أملﺮوث ٌ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻌﺪ ﺗﺨﺮﺟﻪ
راﻳﺖ( ،وﻗﺪ ﻋﻤﻞ ﰲ ﻫﺬا املﻌﻤﻞ ﺑﻘﻴﺔ ﺣﻴﺎﺗﻪ وأﺻﺒﺢ أﺳﺘﺎذًا ﻟﻠﺒﻜﺘريﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﰲ ﻋﺎم .١٩٢٩
ﻋﻤﻼ ﻋﲆ رﺳ َﻞ ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ وراﻳﺖ إﱃ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺣﻴﺚ َ ﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻷوﱃ ،أ ُ ِ
ﺗﻀﻤﻴﺪ ﺟﺮاح اﻟﺠﻨﻮد املﺼﺎﺑني ،وﻛﺎن اﻷﻃﺒﺎء ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﻳﻌﺘﻤﺪون ﻋﲆ املﻄﻬﺮات
ﻆ أن اﻟﻔﻴﻨﻮل )أو ﺣﻤﺾ اﻟﻜﺮﺑﻮﻟﻴﻚ ،اﻟﺬي ﻟﻜﻦ ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ ﻻﺣَ َ ﻟﻌﻼج اﻟﺠﺮوح ﰲ املﻌﺎرك .ﱠ
ﻳُﻌَ ﱡﺪ أﺷﻬ َﺮ ﻣﻄﻬﱢ ٍﺮ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ( ﻛﺎن ﴐره ﻳﻔﻮق ﻧﻔﻌﻪ؛ ﺣﻴﺚ إﻧﻪ ﻳﻘﺘﻞ ﻛﺮات اﻟﺪم
اﻟﺒﻴﻀﺎء أﴎع ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ ،وﻛﺎن ﻳﻌﺮف أن ﻫﺬا أﻣﺮ ﺳﻴﺊ؛ ﻷن ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺮات ﻫﻲ وﺳﺎﺋﻞ
اﻟﺪﻓﺎع اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻠﺠﺴﻢ ﺿﺪ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ.
ﰲ ﻋﺎم ،١٩٢٢اﻛﺘﺸﻒ ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ ﻣﻀﺎدٍّا ﺣﻴﻮﻳٍّﺎ ﻳﻘﺘﻞ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ دون أن
ً
ﻣﺰرﻋﺔ ﻣﻦ ﻳﻘﺘﻞ ﻛﺮات اﻟﺪم اﻟﺒﻴﻀﺎء .ﻓﺒﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ ﻳﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻧﺰﻟﺔ ﺑﺮد ،ﺻﻨ َﻊ
ﺑﻌﺾ إﻓﺮازاﺗﻪ اﻷﻧﻔﻴﺔ ،وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻔﺤﺺ ﻃﺒﻖ املﺰرﻋﺔ املﻠﻴﺌﺔ ﺑﺒﻜﺘريﻳﺎ ﺻﻔﺮاء ،ﺳﻘﻄﺖ
دﻣﻌﺔ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻪ ﰲ اﻟﻄﺒﻖ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺤﺺ املﺰرﻋﺔ ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ ،وﺟﺪ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﺣﻴﺚ
ﻳﺘﻮﺻﻞ إﱃ اﻻﺳﺘﻨﺘﺎج ﱠ ﺳﻘﻄﺖ اﻟﺪﻣﻌﺔ؛ ﻓﺠﻌﻠﺘﻪ ﻣﻼﺣﻈﺘﻪ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ وﺣﺒﻪ اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻟﻠﺒﺤﺚ
اﻟﺼﺤﻴﺢ :ﺗﺤﺘﻮي اﻟﺪﻣﻌﺔ ﻋﲆ ﻣﺎد ٍة ﺗﺴﺒﱢﺐ اﻟﺘﺪﻣري اﻟﴪﻳﻊ )اﻻﻧﺤﻼل( ﻟﻠﺒﻜﺘريﻳﺎ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻻ
وﺳﻤﱠ ﻰ إﻧﺰﻳﻢ املﻀﺎد اﻟﺤﻴﻮي املﻮﺟﻮد ﰲ اﻟﺪﻣﻌﺔ »اﻟﻼﻳﺴﻮزﻳﻢ«، ﺗﴬ ﺑﺎﻟﻨﺴﻴﺞ اﻟﺒﴩيَ .
ﻟﻴﺴ ْﺖ ﻟﻬﺎ أﻫﻤﻴﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻛﺒرية؛ ﻷن اﻟﺠﺮاﺛﻴﻢ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺘﻠﻬﺎ ﻟﻜﻦ اﺗﻀﺢ أن ﺗﻠﻚ املﺎدة َ
ﻛﺎﻧﺖ ﻏري ﺿﺎرة ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف ﻛﺎن ﻣﻘﺪﻣﺔ ﴐورﻳﺔ ﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني،
وذﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﺳﻨﺮى.
ﰲ ﺻﻴﻒ ﻋﺎم ،١٩٢٨ﻛﺎن ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ ﻣُﻨﺸﻐِ ًﻼ ﺑﺈﺟﺮاء أﺑﺤﺎث ﻋﻦ اﻹﻧﻔﻠﻮﻧﺰا ،وﺑﻴﻨﻤﺎ
ﻓﺤﺼﺎ ﻣﻴﻜﺮوﺳﻜﻮﺑﻴٍّﺎ ملﺰارعً ﻛﺎن ﻳﻘﻮم ﺑﺒﻌﺾ اﻹﺟﺮاءات املﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺮوﺗﻴﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻀﻤﻦ
210
اﻟﺴ ْﻠﻔﺎ واملﺎﺟﺎﻧﻴﻨﺎت
املﻀﺎدات اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ :اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني وأدوﻳﺔ ﱠ
اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ إﻧﻤﺎؤﻫﺎ ﰲ أﻃﺒﺎق ِﺑﱰي )وﻫﻲ أﻃﺒﺎق زﺟﺎﺟﻴﺔ ﻣﺴﻄﺤﺔ ﻟﻬﺎ أﻏﻄﻴﺔ(،
ﻻﺣﻆ ﰲ أﺣﺪ اﻷﻃﺒﺎق ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺧﺎﻟﻴﺔ ﻏري ﻣﻌﺘﺎدة ،وأﻇﻬﺮ اﻟﻔﺤﺺ أن املﺴﺎﺣﺔ اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ وﻗﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻔﻦ ،ﻋﲆ ﻣﺎ ﻳﺒﺪو ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ املﺰرﻋﺔ ﻏري
ﻣﻐﻄﺎة .ﻣﺘﺬ ﱢﻛ ًﺮا ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ﻣﻊ اﻟﻼﻳﺴﻮزﻳﻢ ،اﺳﺘﻨﺘﺞ ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ أن اﻟﻌَ ﻔﻦ ﻳُﻨﺘِﺞ ﺷﻴﺌًﺎ ﻳﻘﺘﻞ
اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ اﻟﻌﻨﻘﻮدﻳﺔ ﰲ ﻃﺒﻖ املﺰرﻋﺔ .ﻗﺎل ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ ﻋﻦ ذﻟﻚ:
ﻋﺰل ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ اﻟﻌَ ﻔﻦ وﺣﺪﱠد أﻧﻪ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﻟﻨﻮع اﻟﺒﻨﺴﻠﻴﻮم ،وﺳﻤﱠ ﻰ املﺎدة املﻀﺎدة ﻟﻠﺠﺮاﺛﻴﻢ
وﻻﺣﻘﺎ ﻗﺎل» :ﺗﻮﺟﺪ آﻻف اﻷﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻔﻦ ،وﺗﻮﺟﺪ آﻻف ً اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﻨﺘﺠﻬﺎ اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني.
اﻟﻌﻔﻦ ﰲ املﻜﺎن اﻟﺼﺤﻴﺢ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺼﺤﻴﺢ َ اﻷﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ ،واملﺼﺎدﻓﺔ اﻟﺘﻲ وﺿﻌﺖ
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺸﺒﻪ اﻟﻔﻮز ﰲ ﺳﺒﺎق اﻟﺨﻴﻞ اﻟﺨﺎص ﺑﺎملﺴﺘﺸﻔﻴﺎت اﻷﻳﺮﻟﻨﺪﻳﺔ «.إن ﺗﻌﻠﻴﻘﻪ اﻟﺬي
ﻳﻘﻮل ﻓﻴﻪ» :ﺗﻮﺟﺪ آﻻف اﻷﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ« ﻛﺎن ﺻﺎﺋﺒًﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني
ﻳﻘﴤ ﻋﲆ أﻧﻮاع ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ ،ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ اﻟﻌﻨﻘﻮدﻳﺔ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ أي
ﺗﺄﺛري ﻋﲆ ﺑﻌﺾ اﻷﻧﻮاع اﻷﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ .وﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﻆ أن أﻧﻮاع اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ اﻟﺘﻲ
ﺑﻌﻀﺎ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﻌﺪوى اﻟﺒﴩﻳﺔ ﻳﻘﴤ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني ﺗُﻌَ ﱡﺪ ً
اﻟﺨﻄرية واﻟﺸﺎﺋﻌﺔ.
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪام أﻧﻮاع اﻟﻌَ ﻔﻦ ﻟﻌﻼج أﻧﻮاع اﻟﻌﺪوى ﺷﻴﺌًﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﰲ ﻋﺎم ١٩٢٨؛
ﻓﻘﺪ أﺷﺎر ﻟﻮي ﺑﺎﺳﺘري وزﻣﻴﻠﻪ ﺟﻴﻪ إف ﺟﻴﺒري ﰲ ﻋﺎم ١٨٧٧أن أﺣﺪ املﻴﻜﺮوﺑﺎت ﻳﻤﻜﻨﻪ
آﺧﺮ .وﺗﻮﺟﺪ ﺳﺠﻼت ﺗﻘﻮل إن ﺑﻌﺾ أﻧﻮاع ﻋَ ﻔﻦ اﻟﺨﺒﺰ ﻗﺪ اﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖ ﻣﻨﻊ ﻧﻤﻮ ﻣﻴﻜﺮوب َ
ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ املﴫﻳني اﻟﻘﺪﻣﺎء واﻟﺮوﻣﺎن ،ﻟﻜﻦ ﺗﻮﺟﺪ اﻵﻻف ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﻌَ ﻔﻦ املﺨﺘﻠﻔﺔ اﻟﺘﻲ
ﺗﻨﻤﻮ ﻋﲆ اﻟﺨﺒﺰ ،واﻟﺘﻲ ﻳﻜﻮن ﻟﻠﻘﻠﻴﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻘﻂ أﺛ ٌﺮ ﻧﺎﻓﻊ ﻣﻀﺎد ﻟﻠﻌﺪوى .وﻻ ﺑﺪ أن ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ
ﻛﺎن ﻳﻌﺮف ذﻟﻚ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺪرك ﺳﺒﺐ دﻫﺸﺘﻪ.
211
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺷﻜﻞ :1-24اﻟﺴري أﻟﻜﺴﻨﺪر ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ وﻫﻮ ﻳﻌﻴﺪ ﺗﻤﺜﻴ َﻞ ﻓﺤﺼﻪ ﻟﻄﺒﻖ ِﺑﱰي »ﻣﻠﻮﱠث« ﺑﻌَ ﻔﻦ
اﻟﺒﻨﺴﻠﻴﻮم.
أﺛﺒﺖ ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أن اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني ﻏري ﺳﺎم ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت وﻏري ﺿﺎر ﻟﺨﻼﻳﺎ
اﻟﺠﺴﻢ .وﻗﺪ ﻗﺎل ﻋﻦ ذﻟﻚ:
إن ﻛﻮﻧﻪ ﻏري ﺳﺎم ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻛﺮات اﻟﺪم اﻟﺒﻴﻀﺎء ﻫﻮ ﻣﺎ أﻗﻨﻌﻨﻲ أﻧﻪ ﺳﻴﺼﺒﺢ
ﻳﻮﻣً ﺎ ﻣﺎ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﻣﺎدة ﻋﻼﺟﻴﺔ … إن اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني اﻟﺨﺎم ﻳُﻮﻗﻒ ﻧﻤﻮ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ
ﻣﺨﻔﻒ ﺑﻨﺴﺒﺔ واﺣﺪ ﰲ اﻷﻟﻒ ﻋﻨﺪ اﺧﺘﺒﺎره ﰲ اﻟﺪم ﱠ اﻟﻌﻨﻘﻮدﻳﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﰲ ﻣﺤﻠﻮل
اﻟﺒﴩي ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺗﺄﺛري ﺳﺎم ﻋﲆ ﻛﺮات اﻟﺪم اﻟﺒﻴﻀﺎء أﻛﺜﺮ ﻣﻦ وﺳﻂ
أﻳﻀﺎ ﰲ ﺣﻴﻮاﻧﺎت ،وﺛﺒﺖ ﺑﻮﺿﻮح أﻧﻪ ﻏري ﺳﺎم املﺰرﻋﺔ اﻷﺻﲇ … وﻗﺪ ﺣﻘﻨﺘﻪ ً
… ﻋﻨﺪ إﺟﺮاء ﺑﻌﺾ اﻻﺧﺘﺒﺎرات اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻴﺔ ﻋﲆ ﺑﻌﺾ املﺮﴇ ﺑﺎملﺴﺘﺸﻔﻴﺎت،
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻃﻴﺒﺔ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺬﻫﻠﺔ ،وﻫﺬا ﻣﺎ ﺟﻌﻠﻨﻲ ﻣﻘﺘﻨﻌً ﺎ … ﺑﴬورة
212
اﻟﺴ ْﻠﻔﺎ واملﺎﺟﺎﻧﻴﻨﺎت
املﻀﺎدات اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ :اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني وأدوﻳﺔ ﱠ
أن ﻳﻜﻮن ﻣﺮﻛ ًﺰا … ﺟ ﱠﺮﺑﻨﺎ ﺗﺮﻛﻴﺰ اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني ،ﻟﻜﻦ اﻛﺘﺸﻔﻨﺎ … أن اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني ﻳﺘﻠﻒ
ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ … وأن إﺟﺮاءاﺗﻨﺎ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ ﻏري ﻣﺠﺪﻳﺔ.
ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﺛﻨﺎء ،ﺳ ﱠﻠﻂ اﻟﻨﺠﺎح املﻠﺤﻮظ ﻟﻠﺴﻠﻔﺎﻧﻴﻼﻣﻴﺪ اﻷﺿﻮاءَ ﻋﲆ اﻟﻌﻼج اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ
اﻟﺴ ْﻠﻔﺎ( ،وﻓﺸﻠﺖ املﺤﺎوﻻت اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ )اﻧﻈﺮ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺘﺎﱄ ﻟﻠﺘﻌ ﱡﺮف ﻋﲆ ﻗﺼﺔ أدوﻳﺔ ﱠ
ﻫﺎروﻟﺪ رﻳﺰﺗﺮﻳﻚ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ ،ﻟﻌﺰل اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني وﺗﺮﻛﻴﺰه ،وﻟﻢ ﻳﺤﺪث أي ﺗﻘﺪﱡم
ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺎﻟ ِﺒﻨﺴﻠني ﻟﻌﺪة أﻋﻮام .وﰲ أواﺧﺮ اﻟﺜﻼﺛﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ﺑﺪأ ﻫﻮارد
ﺑﺤﺜﻴﺔ ﻣﻊ إرﻧﺴﺖ ﺑﻮرﻳﺲ ً ً
دراﺳﺔ دﺑﻠﻴﻮ ﻓﻠﻮري ،أﺳﺘﺎذ اﻟﺒﺎﺛﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ أﻛﺴﻔﻮرد،
ﺗﺸني اﺧﺘﺼﺎﴆ ﻛﻴﻤﻴﺎء ﺣﻴﻮﻳﺔ ﻳﻬﻮدي ﻻﺟﺊ ،ﻫﺮب ﻣﻦ أملﺎﻧﻴﺎ إﺑﱠﺎن ﺣﻜﻢ ﻫﺘﻠﺮ ،وأﺣﴬه
ﻓﻠﻮري إﱃ ﺟﺎﻣﻌﺔ أﻛﺴﻔﻮرد .ﴍع اﻻﺛﻨﺎن ﰲ دراﺳﺔ اﻟﻼﻳﺴﻮزﻳﻢ ،اﻹﻧﺰﻳﻢ املﻀﺎد ﻟﻠﺠﺮاﺛﻴﻢ
ريه ﻣﻦ املﻮاد اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ املﻀﺎدة ﻟﻠﺠﺮاﺛﻴﻢ ،وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ر ﱠﻛ َﺰا اﻛﺘﺸ َﻔﻪ ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ ،وﻏ ِ
َ اﻟﺬي
ﻋﻤﻠﻬﻤﺎ ﻋﲆ اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻜﻮﻧﻪ ﱢ
ﻣﺒﴩًا أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺗﻠﻚ املﻮاد.
ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﺗﻘﻨﻴﺎت ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﻣﺘﻘﺪﱢﻣﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺨﺺ ﻋﻤﻠﻴﺘﻲ اﻟﻌﺰل واﻟﱰﻛﻴﺰ ﻛﺎﻧﺖ
ﻣﺘﺎﺣﺔ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ أﻛﺴﻔﻮرد ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﺟﻴﺪًا ﻟﻔﻠﻮري وﺗﺸني وﻏري ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻟﻔﻠﻴﻤﻨﺞ
ﰲ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﺳﺎﻧﺖ ﻣﺎري؛ ﻧﺠﺢ ﻓﺮﻳﻖ ﺟﺎﻣﻌﺔ أﻛﺴﻔﻮرد ﰲ ﺗﺮﻛﻴﺰ اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني وﺗﻨﻘﻴﺘﻪ،
أوﻻ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺄﻧﻮاع اﻟﻌﺪوى املﻌﻤﻠﻴﺔ
ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻬﻤﺎ اﺳﺘﻄﺎﻋﺎ إﺛﺒﺎت ﺧﺼﺎﺋﺼﻪ اﻟﻌﻼﺟﻴﺔً ،
ﰲ اﻟﻔﱤان ،ﺛﻢ ﻋﲆ املﺮﴇ ﻣﻦ اﻟﺒﴩ اﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺎﻧﻮن ﻣﻦ اﻟﻌﺪوى ﺑﺎﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ اﻟﻌﻨﻘﻮدﻳﺔ
وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ أﻧﻮاع اﻟﻌﺪوى اﻟﺨﻄرية) .أُﺟﺮﻳﺖ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻻﺳﺘﻨﺒﺎت اﻷوﱃ ﻟﻠ ِﺒﻨﺴﻠني اﻟﺬي ﺗﻤﺖ
ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ﻋﲆ اﻟﺒﴩ ﰲ أوﻋﻴﺔ اﻟﺘﺒﻮل ﰲ اﻟﻔﺮاش ﺑﺎملﺴﺘﺸﻔﻴﺎت؛ ﺗﻢ اﻻﻧﺘﻬﺎء ﻣﻦ ﺑﻌﺾ
اﻻﺧﺘﺒﺎرات اﻹﻛﻠﻴﻨﻴﻜﻴﺔ ﻣﺒﻜ ًﺮا ﺑﺴﺒﺐ ﻧﺪرة اﻟﺪواء ،ﻣﻊ أﻧﻪ ﻳﺘﻢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﻮل
املﺮﴇ وﻳﻌﺎد اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ(.
وﻧﻈ ًﺮا ﻷﻫﻤﻴﺔ اﻻﺳﺘﺨﺪام املﺤﺘﻤَ ﻞ ﻟﻠ ِﺒﻨﺴﻠني ﻟﻌﻼج اﻷﻣﺮاض وﻣﺪاواة اﻟﺠﺮوح
ﻟﻠﻌﺴﻜﺮﻳني ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،أﺻﺒﺢ إﻧﺘﺎﺟﻪ ﻋﲆ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ﻣﺤﻞ اﻫﺘﻤﺎم
ﻛﺒري ﰲ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة .وﺟﺎء ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ إﱃ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻟﻮﺻﻒ
اﻟﻄﺮق املﺴﺘﺨﺪَﻣﺔ ﰲ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻻﺳﺘﺨﻼص اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني وإﻧﺘﺎﺟﻪ ،وﻋﻤﻞ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن ﰲ
اﻟﺒﻠﺪﻳﻦ ﺑﺤﻤﺎس ﺷﺪﻳﺪ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺤﺪﻳﺪ اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﻟﻠ ِﺒﻨﺴﻠني وإﻧﺘﺎﺟﻪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ
واملﻌﻘﺪ ﻷول ﻣﺮة ﺑﻌﺪ ﻓﱰة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ﱠ ﺻﻨِﻊ ذﻟﻚ اﻟﺠﺰيء املﻬﻢاﻟﺘﺼﻨﻴﻊ أو اﻟﺘﺨﻤﱡ ﺮ ،وﻗﺪ ُ
اﻧﺘﻬﺎء اﻟﺤﺮب ،ﻟﻜﻦ ﻛﺎن اﻟﺘﻘﺪﱡم اﻟﺬي ﻳﺘﻢ إﺣﺮازه ﰲ إﻧﺘﺎﺟﻪ ﺑﺎﻟﺘﺨﻤﱡ ﺮ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب ﴎﻳﻌً ﺎ
ﻧﺤﻮ ﻏري ﻋﺎدي.
ﻋﲆ ٍ
213
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺒﺖ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ دورﻫﺎ ﰲ ﺗﻠﻚ املﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ إﻧﺘﺎج اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ
ﻟﻠﺘﻮﺻﻞ إﱃ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻹﻧﺘﺎج ﱡ ٍ
ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ؛ ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ أﺗﻰ ﻓﻠﻮري إﱃ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﰲ
اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني ﻋﲆ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ،زار املﻌﻤﻞ اﻟﺸﻤﺎﱄ ﻟﻸﺑﺤﺎث اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ اﻟﺘﺎﺑﻊ ﻟﻮزارة اﻟﺰراﻋﺔ
اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﰲ ﺑﻴﻮرﻳﺎ ﺑﺈﻟﻴﻨﻮي .وﻛﺎن ﻫﺬا املﻌﻤﻞ ﻳﺴﻌﻰ ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ إﱃ اﻟﻮﺻﻮل ﻻﺳﺘﺨﺪا ٍم
ﺻﻨﺎﻋﻲ ﻟﻔﺎﺋﺾ ﻣﺤﺎﺻﻴﻞ اﻟﺤﺒﻮب ،وﻛﺬﻟﻚ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ ﺣ ﱟﻞ ملﺸﻜﻠﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻬﺬا اﻷﻣﺮ
ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺘﺨ ﱡﻠﺺ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﺨ َﻠﺺ ﺿﺎر ﻛﺎن ﻧﺘﺎﺟً ﺎ ﻓﺮﻋﻴٍّﺎ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻃﺤﻦ اﻟﺬرة .وﻋﻨﺪﻣﺎ و ُِﺿﻊ
ﻫﺬا املﺴﺘﺨﻠﺺ ﰲ وﺳﻂ املﺰرﻋﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟ ِﺒﻨﺴﻠني ،زاد ﻧﺎﺗﺞ اﻟﻌَ ﻔﻦ املﻄﻠﻮب ﻋﲆ ٍ
ﻧﺤﻮ
ﻣﺘﻮﻗﻊ ﺑﻌﴩة أﺿﻌﺎف. ﱠ ﻏري
ﻣﺤﺴﻨﺔ ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻔﻦ ا ُملﻨﺘِﺞ ﻟﻠ ِﺒﻨﺴﻠني؛ﱠ ﺛﺎن ﻟﻬﺬا املﻌﻤﻞ ،وﻫﻮ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺳﻼﻟﺔ
ﺛﻤﺔ إﺳﻬﺎم ٍ
ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﺘﻢ ﺗﺠﻤﻴﻊ ﻣﺌﺎت أﻧﻮاع اﻟﻌَ ﻔﻦ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ وإﺣﻀﺎرﻫﺎ إﱃ ﺑﻴﻮرﻳﺎ
ﻧﺤﻮ ﻻ ﻳُﺼﺪﱠق ،ﺟﺎء اﻹﺳﻬﺎم اﻟﻔﺎﺋﺰ ﻋﲆ ﻳﺪ ﺳﻴﺪة ﻣﺤﻠﻴﺔ ﺗُﺪﻋَ ﻰ ﻣﺎري ﻻﺧﺘﺒﺎرﻫﺎ .وﻋﲆ ٍ
ﻫﺎﻧﺖ اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺢ ﻳُﻄ َﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ »ﻣﺎري ﺻﺎﺣﺒﺔ اﻟﻌَ ﻔﻦ«؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﺤﻤﺎﺳﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ
ﺳﻮق ﻟﻠﻔﺎﻛﻬﺔٍ ﻣﺼﺎدر ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻠﻌَ ﻔﻦ املﻄﻠﻮب .أﺣﴬت ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻴﺪة ﺛﻤﺮة ﻛﺎﻧﺘﺎﻟﻮب ﻣﻦ
ﱠت ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻼﻟﺔ ﻔﻦ »ﻟﻪ ﺷﻜﻞ ذﻫﺒﻲ ﺟﻤﻴﻞ« .أد ْ ﰲ ﺑﻴﻮرﻳﺎ ،وﻛﺎﻧﺖ اﻟﺜﻤﺮة ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﻋَ ٍ
اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﻌَ ﻔﻦ إﱃ ﻣﻀﺎﻋﻔﺔ إﻧﺘﺎج اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني ،وﻫﻜﺬا أدﱠى اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎن اﻟﻠﺬان ﺗﻤﱠ ﺎ ﰲ
ﺿﻌﻔﺎ .ﻣَ ﻦ ﻛﺎن ﺑﻤﻘﺪوره أن ﻳﺘﻮﻗﻊ أن ﻳﻜﻮن ً ﺑﻴﻮرﻳﺎ إﱃ زﻳﺎدة ﻧﺎﺗﺞ اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني ﻋﴩﻳﻦ
ً ُ
ﻟﺒﻴﻮرﻳﺎ ﻫﺬا اﻹﺳﻬﺎم اﻟﻜﺒري ﰲ إﻧﺘﺎج اﻟﺪواء املﻌﺠﺰة اﻟﺬي اﻛﺘ ِﺸﻒ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﰲ ﻟﻨﺪن؟!
ﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﻓﻘﻂ إﻧﻘﺎذ ﺣﻴﺎة اﻵﻻف ﺑﺴﺒﺐ اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب ،وﻟﻜﻦ ً
أﻳﻀﺎ ﺗﻢ
ﺗﺤﻔﻴﺰ إﺟﺮاء اﻷﺑﺤﺎث ﻻﻛﺘﺸﺎف ﻣﻀﺎدات ﺣﻴﻮﻳﺔ أﺧﺮى ،ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﻣﻦ املﺮﻛﺒﺎت
املﺮﺗﺒﻄﺔ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ ﺑﺎﻟ ِﺒﻨﺴﻠني ،وﻫﻲ اﻟﺴﻴﻔﺎﻟﻮﺳﺒﻮرﻳﻨﺎت .وﺑﻌﺾ ﻫﺬه املﻀﺎدات اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ
اﻷﺣﺪث ﻣﻀﺎدة ﻟﻠﺒﻜﺘريﻳﺎ املﻘﺎوﻣﺔ ﻟﻠ ِﺒﻨﺴﻠني) .ﺳﻨﻌﺮض ﻟﻘﺼﺔ اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌﺮﴈ
ﻟﻠﺴﻴﻔﺎﻟﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ ﳼ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﻼﺛني(.
ﺗﻘﺎﺳﻢ ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ وﻓﻠﻮري وﺗﺸني ﺟﺎﺋﺰ َة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ ﻋﻠﻢ وﻇﺎﺋﻒ اﻷﻋﻀﺎء أو اﻟﻄﺐ ﰲ
ﻻﺣﻘﺎ ﻋﲆ ﻟﻘﺐ ﺳري ﺗﻜﺮﻳﻤً ﺎ ﻟﻬﻢ ﻋﲆ ﻋﻤﻠﻬﻢ ،اﻟﺬي أدﱠى ﻋﺎم .١٩٤٥وﻗﺪ ﺣﺼﻞ ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ ً
إﱃ ﺗﺨﻔﻴﻒ ﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﻜﺜريﻳﻦ وإﻧﻘﺎذ ﺣﻴﺎة ﻋﺪدٍ ﻻ ﻳ َ
ُﺤﴡ ﻣﻦ اﻟﺒﴩ.
ﻛﺎن اﻟﺴري أﻟﻜﺴﻨﺪر ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ ﻋﲆ وﻋﻲ ﺑﺪور اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ﰲ ﺣﻴﺎﺗﻪ املﻬﻨﻴﺔ واﻛﺘﺸﺎﻓﻪ
ﺑﻌﺾ اﻹﺛﺎرة واﻟﻐﻤﻮض ﰲ ﻗﺼﺔ اﻛﺘﺸﺎف اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني، ُ ﻟﻠ ِﺒﻨﺴﻠني؛ ﻓﻘﺪ ﻗﺎل ذات ﻣﺮة» :ﺛﻤﺔ
وﻫﻲ ﺗﺴﺎﻋﺪ ﰲ إﺛﺒﺎت دور املﺼﺎدﻓﺔ أو اﻟﺤﻆ أو اﻟﻘﺪر أو اﻟﻨﺼﻴﺐ — ﺳﻤﱢ ﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﺗﺸﺎء —
214
اﻟﺴ ْﻠﻔﺎ واملﺎﺟﺎﻧﻴﻨﺎت
املﻀﺎدات اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ :اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني وأدوﻳﺔ ﱠ
ﰲ اﻟﺤﻴﺎة املﻬﻨﻴﺔ ﻷيﱟ ﻣﻨﱠﺎ «.وأﺿﻴﻒ ﻫﻨﺎ أﻧﻪ ﻟﻮﻻ ذﻛﺎء ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ — أو دﻋﻮﻧﺎ ﻧﻘﻮل »ﻓﻄﻨﺘﻪ«
ﻆ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻜﻮﻧًﺎ أﺳﺎﺳﻴٍّﺎ ﰲ ﺗﻌﺮﻳﻒ ووﻟﺒُﻮل ﻟﻠﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ — ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺘﻰ ﻧﺴﺘﺨ ِﺪ َم اﻟﻠﻔ َ
املﺼﺎدﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛ َ ْﺖ ﻟﻔﻠﻴﻤﻨﺞ ﻟﺘُﺴﻔِ ﺮ ﻋﻦ ﳾء.
215
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺑﺎﻷﻗﻤﺸﺔ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺸري إﱃ أن ﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺠﺰﻳﺌﺎت اﻟﱪوﺗني .وﻛﺎن اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن
ﻛﻮن اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ ﺑﺮوﺗﻴﻨًﺎ ،ﻓﻘﺪ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﻬﺎ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺒﻐﺎت وﺗُﻘﻴﱢﺪ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻳﻌﺘﻘﺪون أﻧﻪ ﺑﺴﺒﺐ ِ
ﺻﺤﻴﺤﺔ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ ﻓﻘﻂ؛ ً ﺑﻬﺎ ﻟﺘُﻮﻗِﻒ ﻧﻤﻮﻫﺎ أو ﺗﻘﺘﻠﻬﺎ .وﻛﻤﺎ ﺳﻨﺮى ،ﻓﺈن ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ
ﻟﻜﻦ ﺟﺰءَ اﻟﺠﺰيء اﻟﺬي ﻳﺤﻮﱢﻟﻬﺎ إﱃ ﺻﺒﻐﺔ ﻟﻢ إذ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺴﻠﻔﻮﻧﺎﻣﻴﺪ ﴐورﻳﺔ ،ﱠ
ﻳﻜﻦ ﴐورﻳٍّﺎ ﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﻣﻀﺎدات اﻟﺠﺮاﺛﻴﻢ.
ﻣﻦ اﻟﺼﺒﻐﺎت اﻟﺘﻲ ﺻﻨﱠﻌﻬﺎ ﻣﻴﺘﺰش وﻛﻼرر واﻟﺘﻲ اﺧﺘﱪﻫﺎ دوﻣﺎك ﻋﲆ اﻟﻔﱤان
ﺻﺒﻐﺔ اﻟﱪوﻧﺘﻮﺳﻴﻞ .وﻗﺪ ﺛﺒﺖ أﻧﻬﺎ ﻣﻀﺎد ُ واﻷراﻧﺐ املﻌﻤﻠﻴﺔ املﺼﺎﺑﺔ ﺑﺎﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ اﻟﻌِ ْﻘ ِﺪﻳﱠﺔ؛
ﻗﻮي ﺿﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ ،وأﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺤﻴﻮاﻧﺎت ﺗﺤﻤﱡ ﻠﻬﺎ ،وذﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﺗﻨﺎوﻟﻬﺎ ﺑﺠﺮﻋﺎت ﻛﺒرية
دون ﺣﺪوث أي آﺛﺎر ﺿﺎرة .ورﺑﻤﺎ ﻳﻌﻮد اﻛﺘﺸﺎف أﺛﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺒﻐﺎت املﻀﺎد ﻟﻠﺒﻜﺘريﻳﺎ
ﺑﻄﻠﺐ
ٍ ﰲ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت إﱃ ﻋﺎم ١٩٣٢؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻘ ﱠﺪ َم اﺗﺤﺎد ﴍﻛﺎت إﻧﺘﺎج اﻟﺼﺒﻐﺎت اﻷملﺎﻧﻴﺔ
ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﺧﱰاع ﰲ دﻳﺴﻤﱪ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻌﺎم ﻧﻈري ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف .وﻳﺒﺪو أن
اﻻﺧﺘﺒﺎرات املﻌﻤﻠﻴﺔ )ﻋﲆ املﺮﴇ ﻣﻦ اﻟﺒﴩ( ﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺑﺪأت ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﻟﻜﻦ اﻟﺮواﻳﺎت
ﻣﺘﻀﺎرﺑﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺸﺄن .ﻓﺘﻘﻮل ﺑﻌﺾ اﻟﺮواﻳﺎت إﻧﻪ ﻗﺒﻞ أن ﺗُﺠﺮى أي اﺧﺘﺒﺎرات أﺧﺮى ِ
ﻳﺎﺋﺴﺎ ﻣﻦ ً ً
ﻋﲆ اﻟﺒﴩ ،أﻋﻄﻰ دوﻣﺎك ﺟﺮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﱪوﻧﺘﻮﺳﻴﻞ ﻻﺑﻨﺘﻪ اﻟﺼﻐرية اﻟﺘﻲ ﻛﺎن
ﺷﻔﺎﺋﻬﺎ وﻛﺎﻧﺖ ﺗﺼﺎرع املﻮت ﺟﺮاء اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﻌﺪوى ﺧﻄرية ﻣﻦ ﺑﻜﺘريﻳﺎ ﻋِ ْﻘ ِﺪﻳﱠﺔ ﺑﺴﺒﺐ
وﺷﻔﻴﺖ اﻟﺒﻨﺖ ﺑﴪﻋﺔ .وﺗﻘﻮل رواﻳﺎت أﺧﺮى إن أول اﺧﺘﺒﺎر إﻛﻠﻴﻨﻴﻜﻲ ﺗ ﱠﻢ ﺟﺮح ﺑﺈﺑﺮةُ ،
ﻋﲆ وﻟ ٍﺪ ﻋﻤﺮه ١٠أﺷﻬﺮ ﻛﺎن ﻣﻮﺗﻪ ﻣﺤﺘﻤً ﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺴﻤﱡ ﻢ ﻟﻠﺪم أﺣﺪﺛﺘﻪ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ اﻟﻌﻨﻘﻮدﻳﺔ،
زﻣﻴﻼ ً َ
ﺻﺒﻐﺔ اﻟﱪوﻧﺘﻮﺳﻴﻞ .ﻛﺎن ﻓﻮرﺳﺘري ﻓﺄﻋﻄﺎه ﻃﺒﻴﺒﻪ اﻟﺬي ﻳُﺪﻋَ ﻰ رﻳﺘﺸﺎرد ﻓﻮرﺳﺘري
وﺻﺪﻳﻘﺎ ﻟﻬﺎﻳﻨﺮﻳﺶ ﻫريﻻﻳﻦ ً ﻟﻠﺪﻛﺘﻮر ﻫﺎﻧﺲ ﴍﻳﻮس اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﻜﻠﻴﺔ اﻟﻄﺐ ﰲ دوﺳﻠﺪورف
رﺋﻴﺴﺎ ﻋﲆ دوﻣﺎك ﰲ اﺗﺤﺎد ﴍﻛﺎت إﻧﺘﺎج اﻟﺼﺒﻐﺎت اﻷملﺎﻧﻴﺔ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘﺸﺎر ً اﻟﺬي ﻛﺎن
ﻓﻮرﺳﺘري ﴍﻳﻮس ﺑﺸﺄن ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻄﻔﻞ اﻟﺼﻐري املﺮﻳﺾ ،ﺗﺬ ﱠﻛ َﺮ أن ﻫريﻻﻳﻦ ذ َﻛ َﺮ ﻟﻪ أن
ﻫﻨﺎك ﺻﺒﻐﺔ ﺣﻤﺮاء )اﻟﱪوﻧﺘﻮﺳﻴﻞ( ذات ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ ﻣﺪﻫﺸﺔ ﰲ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ اﻟﻌِ ْﻘ ِﺪﻳﱠﺔ ﰲ
اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت .وﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻦ ﻳﺨﴪ ﺷﻴﺌًﺎ إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﺒﻐﺔ ﻏري ﻓﻌﱠ ﺎﻟﺔ ﰲ ﻣﻘﺎوﻣﺔ
اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ اﻟﻌﻨﻘﻮدﻳﺔ؛ ﻷن اﻟﻄﻔﻞ ﻛﺎن ﻋﲆ ﻣﺸﺎرف املﻮت ﻋﲆ أﻳﺔ ﺣﺎل؛ أﻋﻄﻰ ﻓﻮرﺳﺘري
ﺑﴪﻋﺔ ﻣﻤﺎ ﻛﺎن ٍ اﻟﻄﻔ َﻞ ﺟﺮﻋﺘني ﻣﻦ اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻟﺤﻤﺮاء ،وﻛﺎﻧﺖ املﻔﺎﺟﺄة أن اﻟﻄﻔﻞ ُﺷﻔﻲ
ُﻌﺘﻘﺪ أﻧﻪ ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺴﻤﱡ ﻢ دم ﻣ ُِﻤﻴﺘﺔ .وﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺻﺤﺔ أيﱟ ﻣﻦ اﻟﺮواﻳﺘني أو ﻛﻠﺘﻴﻬﻤﺎ، ﻳ َ
ﻓﻤﻦ املﺆ ﱠﻛﺪ أﻧﻪ ﺑﺤﻠﻮل ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﺜﻼﺛﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،اﻛﺘُ ِﺸﻒ ﻋﻼج ﺳﺤﺮي
ﻋُ ِﺮف ﻋﲆ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ،وﻫﻮ ﻣﺎ ﺟﻌﻞ دوﻣﺎك ﻳﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ ﻋﺎم .١٩٣٩
216
اﻟﺴ ْﻠﻔﺎ واملﺎﺟﺎﻧﻴﻨﺎت
املﻀﺎدات اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ :اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني وأدوﻳﺔ ﱠ
ﻟﻜﻦ ﺣﺪﺛﺖ ﺗﻄﻮﱡرات أﺧﺮى ﻣﻬﻤﺔ ﰲ اﻟﻔﱰة ﻣﺎ ﺑني ١٩٣٣و .١٩٣٩ﻟﻢ ﻳﻨﴩ دوﻣﺎك
ﻧﺘﺎﺋﺞ اﺧﺘﺒﺎراﺗﻪ اﻟﺘﻲ أﺟﺮاﻫﺎ ﻋﲆ ﺻﺒﻐﺔ اﻟﱪوﻧﺘﻮﺳﻴﻞ ﻋﲆ اﻟﻌﺪوى ﰲ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﺣﺘﻰ
ﻓﱪاﻳﺮ ﻋﺎم ،١٩٣٥أيْ ﺑﻌﺪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺎﻣني ﻣﻦ اﻧﺘﻬﺎء ﺗﺠﺎرﺑﻪ وﺑﻌﺪ ﺷﻬﺮ ﻣﻦ ﺣﺼﻮل
اﺗﺤﺎد ﴍﻛﺎت إﻧﺘﺎج اﻟﺼﺒﻐﺎت اﻷملﺎﻧﻴﺔ ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﺧﱰاع ﻧﻈري اﻟﱪوﻧﺘﻮﺳﻴﻞ .ﻋ ِﻠ َﻢ ﻓﺮﻳﻖ
ﻣﻦ زوج وزوﺟﺔ ﰲ ﻣﻌﻬﺪ ﺑﺎﺳﺘري ﰲ ﺑﺎرﻳﺲ ،وﻫﻤﺎ ﺟﻴﻪ وﺟﻴﻪ ﺗﺮﻳﻔﻮﻳﻞ ﺗﺤﺖ إﴍاف
ﻓﺤﺼﺎ ﻣﺮﻛﺒﺎت ﻋﺪﻳﺪة َ ً
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ؛ ﺣﻴﺚ إم ﻓﻮرﻧﻮ ﺑﺄﻣﺮ اﻟﺪراﺳﺎت اﻷملﺎﻧﻴﺔ وﺻﻨَﻌَ ﺎ
ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺸﺪة ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﺮﻛﻴﺒﻬﺎ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﺑﺎﻟﱪوﻧﺘﻮﺳﻴﻞ ،وﻫﻲ ﺻﺒﻐﺎت »اﻵزو« .ﻳﺄﺗﻲ
azoاملﺮادف اﻟﻔﺮﻧﴘ ﻟﻜﻠﻤﺔ آزو ﻣﻦ املﻘﺎﺑﻞ اﻟﻔﺮﻧﴘ ﻟﻜﻠﻤﺔ ﻧﻴﱰوﺟني ،azoteوﻳُﺴﺘﺨﺪَم
ﻟﻮﺟﻮد ذرﺗَ ْﻲ ﻧﻴﱰوﺟني ﻣﺮﺗﺒﻄﺘني ﻣﻌً ﺎ ﺑﺮاﺑﻄﺔ ﻣﺰدوﺟﺔ ﰲ وﺳﻂ اﻟﺠﺰيء .وﺗﺨﺘﻠﻒ ﺗﻠﻚ
اﻟﺼﺒﻐﺎت ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻠﺤﻮظ ﰲ ﺟﺰء ﻣﻦ اﻟﺠﺰيء ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛ ﱡﻠﻬﺎ ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﻧﻔﺲ ﺟﺰء
اﻟﺴﻠﻔﻮﻧﺎﻣﻴﺪ .ووﺟﺪ آل ﺗﺮﻳﻔﻮﻳﻞ أن ﺗﻠﻚ اﻟﺼﺒﻐﺎت ﻟﻬﺎ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻣﻀﺎدة ﻟﻠﺒﻜﺘريﻳﺎ ﺗﻜﺎد
ﺗﻜﻮن ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﱪوﻧﺘﻮﺳﻴﻞ.
ً
آﺧﺮ ﻋﻦ اﻟﱪوﻧﺘﻮﺳﻴﻞ؛ ﻓﻬﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻌﱠ ﺎﻻ ﰲ ﻣﻘﺎوﻣﺔ أﻳﻀﺎ ﻟﻐ ًﺰا َ ُ
اﻻﻛﺘﺸﺎف ً ﱠ َ
ﻓﴪ ﻫﺬا
اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ ﰲ اﻻﺧﺘﺒﺎرات املﻌﻤﻠﻴﺔ ،ﻣﻊ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻓﻌﱠ ًﺎﻻ ﺟﺪٍّا ﻋﻨﺪ ﺗﺠﺮﺑﺘﻪ ﻋﲆ اﻹﻧﺴﺎن ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ
ﺣﻘﻨﻪ ﰲ اﻟﺠﺴﻢ .ﻓﺒﻌﺾ وﻇﺎﺋﻒ اﻟﺠﺴﻢ ﺗﺠﻌﻞ ﺻﺒﻐﺎت اﻟﺴﻠﻔﻮﻧﺎﻣﻴﺪ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻟﻠﺒﻜﺘريﻳﺎ.
وﻗﺪ أرﺟﻊ اﻟﻌﺎﻟِﻤﺎن اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺎن ذﻟﻚ إﱃ أن اﻟﺼﺒﻐﺔ ﰲ ﺟﺴﻢ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت ﺗﺘﺤ ﱠﻠﻞ إﱃ ﺟﺰأﻳﻦ،
وﻳﻜﻮن ﺟﺰء اﻟﺴﻠﻔﻮﻧﺎﻣﻴﺪ ﻓﻘﻂ ﻫﻮ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﻔﻌﱠ ﺎل املﻀﺎد ﻟﻠﺒﻜﺘريﻳﺎ .وﻹﺛﺒﺎت ذﻟﻚ ،ﺻﻨﱠﻌﺎ
ﺟﺰء اﻟﺴﻠﻔﻮﻧﺎﻣﻴﺪ اﻷﺑﺴﻂ ﻣﻦ اﻟﱪوﻧﺘﺴﻴﻞ ،وﻫﻮ ﻣﺮﻛﺐ -٤أﻣﻴﻨﻮ ﺑﻨﺰﻳﻦ ﺳﻠﻔﻮﻧﺎﻣﻴﺪ اﻟﺸﻬري،
واملﻌﺮوف ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﺑﺎﺳﻢ »اﻟﺴﻠﻔﺎﻧﻴﻼﻣﻴﺪ« ،ووﺟَ ﺪَا أﻧﻪ ﻓﻌﱠ ﺎل ﻣﺜﻞ اﻟﱪوﻧﺘﻮﺳﻴﻞ ﰲ ﻣﻘﺎوﻣﺔ
اﻟﻌﺪوى اﻟﺒﻜﺘريﻳﺔ .ﺗﻈﻬﺮ اﻟﺼﻴﻐﺔ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﱪوﻧﺘﻮﺳﻴﻞ واﻟﺴﻠﻔﺎﻧﻴﻼﻣﻴﺪ ﰲ ﺷﻜﻞ .2-24
إذا ﺗﻢ ﻓﻠﻖ ﺟﺰيء اﻟﱪوﻧﺘﻮﺳﻴﻞ ﻋﻨﺪ اﻟﺮاﺑﻄﺔ املﺰدوﺟﺔ ﺑني ذرﺗَﻲ اﻟﻨﻴﱰوﺟني اﻟﻮُﺳﻄﻴ َْني
)املﻮﺿﻊ املﺸﺎر إﻟﻴﻪ ﺑﺎﻟﺴﻬﻢ( ،وأُﺿﻴﻔﺖ ذرﺗَﺎ ﻫﻴﺪروﺟني إﱃ اﻟﺠﺰء اﻷﻳﻤﻦ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻨﺘﺞ
ُﺤﻘﻦ ﺑﺎﻟﱪوﻧﺘﻮﺳﻴﻞ ﻣﺮﻛﺐ اﻟﺴﻠﻔﺎﻧﻴﻼﻣﻴﺪ .وﻳﺤﺪث ﻫﺬا اﻻﻧﻔﻼق ﰲ ﺟﺴﻢ اﻟﺤﻴﻮان ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳ َ
أو ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻨﺎوﻟﻪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻔﻢ ،واﻟﺴﻠﻔﺎﻧﻴﻼﻣﻴﺪ ا ُملﻨﺘَﺞ ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻜﻞ ﻫﻮ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﻔﻌﲇ
املﻀﺎد ﻟﻠﺒﻜﺘريﻳﺎ .واﻟﺴﻠﻔﺎﻧﻴﻼﻣﻴﺪ ﻻ ﻟﻮن ﻟﻪ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ اﻟﻨﺼﻒ َ
اﻵﺧﺮ
ﻣﻦ ﺟﺰيء اﻟﱪوﻧﺘﻮﺳﻴﻞ ،وﻣﺎ ﻳﻌﻄﻲ ﺻﺒﻐﺎت اﻵزو ﻟﻮﻧَﻬﺎ ﻫﻮ اﻻرﺗﺒﺎط ﺑني اﻟﺠﺰأﻳﻦ
ﻋﱪ اﻟﺮاﺑﻄﺔ املﺰدوﺟﺔ ﺑني ذرﺗَﻲ اﻟﻨﻴﱰوﺟني اﻟﻮُﺳﻄﻴ َْني .وﻫﻜﺬا ،ﻓﺈن اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ
ﺑﺄن ﺻﺒﻐﺎت اﻟﺴﻠﻔﻮﻧﺎﻣﻴﺪ ﻣﻦ املﻔﱰض أن ﺗﻜﻮن ﻣﻀﺎدة ﻟﻠﺒﻜﺘريﻳﺎ ﴐب ﻣﻦ اﻻﻋﺘﻘﺎد
217
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
H
اﻟﱪوﻧﺘﻮﺳﻴﻞ
H H
H N
اﻟﺴﻠﻔﺎﻧﻴﻼﻣﻴﺪ
218
اﻟﺴ ْﻠﻔﺎ واملﺎﺟﺎﻧﻴﻨﺎت
املﻀﺎدات اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ :اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني وأدوﻳﺔ ﱠ
ﺗﻌﻘﻴﺐ
إن اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ ملﺮﻛﺒﺎت اﻟﺴﻠﻔﻮﻧﺎﻣﻴﺪ اﻟﻔﻌﱠ ﺎﻟﺔ ﻣﺘﻤﺎﺛِﻞ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻠﺤﻮظ .ﻓﻤﻦ ﺑني آﻻف
املﺮﻛﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﺗ ﱠﻢ ﺗﺤﻀريﻫﺎ واﺧﺘﺒﺎرﻫﺎ ،ﻛﺎن اﻻﺧﺘﻼف اﻟﻮﺣﻴﺪ ﰲ اﻟﱰﻛﻴﺐ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻛﻞ
املﺮﻛﺒﺎت اﻟﻔﻌﺎﻟﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻫﻮ ﺗﻐﻴري ﰲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺬرات املﻮﺟﻮدة إﱃ ﻳﻤني ذرة اﻟﻨﻴﱰوﺟني
ﻂ ﻋﺮﻳﺾ ﰲ ﺗﺮﻛﻴﺒﻲ ﻣﺎدﺗﻲ اﻟﺴﻠﻔﺎﺑريﻳﺪﻳﻦ واﻟﺴﻠﻔﺎﺛﻴﺎزول املﻌﺮوﺿني ﰲ املﻮﺿﺤﺔ ﺑﺨ ﱟ
ﺷﻜﻞ .3-24
ْ
اﻟﺴﻠﻔﺎ ﺑﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﻛﺒرية ﰲ أرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،وﻻ ﺳﻴﱠﻤﺎ ﻣﻦ اﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖ أدوﻳﺔ ﱠ
ﻗِ ﺒَﻞ اﻟﻘﻮات املﺴﻠﺤﺔ ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺣ ﱠﻞ ﻣﺤﻠﻬﺎ ﻋﲆ ٍ
ﻧﺤﻮ ﻛﺒري اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني
وﻏريُه ﻣﻦ املﻀﺎدات اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻣﻔﻴﺪة ﰲ ﻋﻼج ﺑﻌﺾ اﻷﻣﺮاض.
وﻣﻦ ﻋﻴﻮب ﺗﻠﻚ اﻷدوﻳﺔ ﻗﺎﺑﻠﻴﺘُﻬﺎ ﻟﻼﻧﺤﻼل ،اﻟﺘﻲ ﺗﺆدي إﱃ اﻧﺤﻼﻟﻬﺎ ﰲ اﻟ ُﻜ ْﻠﻴﺘني ﻣﻤﺎ ﻳﴬ
ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ أدوﻳﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔٍ ﺑﻬﻤﺎ .وﻗﺪ و ُِﺟﺪ أﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻐ ﱡﻠﺐ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﺑﺘﻨﺎول
اﻟﺴ ْﻠﻔﺎ؛ ﻓﺎﻟﺠﺮﻋﺔ املﺠﻤﱠ ﻌﺔ ﻟﻬﺎ ﻧﻔﺲ ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ ﻛﻤﻴﺔ ﻣﺘﺴﺎوﻳﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ دواء ﻣﻨﻬﺎﻣﻦ أدوﻳﺔ ﱠ
219
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻋﲆ ﺣﺪة ،ﻋﲆ أن ﻳﻜﻮن ﺗﺮﻛﻴﺰ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﺜﱡﻠﺚ ،ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺘﻤﻜﻦ اﻟﺠﺴﻢ ﻣﻦ إﺧﺮاﺟﻬﺎ ﻋﲆ
ﻣﺮض.
ﻧﺤﻮ ٍ
ٍ
H H
H H
اﻟﺴﻠﻔﺎﺑريﻳﺪﻳﻦ
H H
اﻟﺴﻠﻔﺎﺛﻴﺎزول
220
اﻟﺴ ْﻠﻔﺎ واملﺎﺟﺎﻧﻴﻨﺎت
املﻀﺎدات اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ :اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني وأدوﻳﺔ ﱠ
اﻟﻨﺎزي؛ ﻛﺎن دوﻣﺎك ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ ﰲ ﻗﺒﻀﺔ ﺟﻬﺎز اﻟﴩﻃﺔ اﻟﴪﻳﺔ اﻷملﺎﻧﻲ )اﻟﺠﻴﺴﺘﺎﺑﻮ(.
وﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب ،اﺳﺘﻄﺎع دوﻣﺎك ﰲ ﻋﺎم ١٩٤٧زﻳﺎر َة ﺳﺘﻮﻛﻬﻮﻟﻢ وإﻟﻘﺎء ﻣﺤﺎﴐة ﻧﻮﺑﻞ
واﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ اﻟﺠﺎﺋﺰة واﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺔ؛ وﻟﻜﻨﻪ رﻓﺾ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻣﺒﻠﻎ اﻟﺠﺎﺋﺰة وأﻋﺎده إﱃ
ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻧﻮﺑﻞ.
221
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
222
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﻌﴩون
وﻃﺒﻘﺎ ملﻠﺤﻤﺔ ﻧﻮردﻳﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ ،ﻛﺎن ً ﺛﻤﺔ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﺗﻘﻮل» :ﻗرياط ﺣﻆ وﻻ ﻓﺪان ﺷﻄﺎرة«.
اﻟﻔﺎﻳﻜﻨﺞ ﻳﺮﻏﺒﻮن ﰲ املﺨﺎﻃﺮة ﺑﺤﻴﺎﺗﻬﻢ ﺑﺎﻟﺴري ﰲ أﻋﻘﺎب ﻟﻴﻒ إرﻳﻜﺴﻮن ﻋﱪ ﻣﻨﻄﻘﺔ
ﺷﻤﺎل اﻷﻃﻠﻨﻄﻲ املﻀﻄﺮﺑﺔ ﰲ ﻗﻮارب ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ ،ﻟﻴﺲ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻗﻮﻳٍّﺎ أو ﺷﺠﺎﻋً ﺎ أو ذﻛﻴٍّﺎ
ﻇﺎ .وﰲ )ﻣﻊ أﻧﻪ رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﺘﱠ ِﺼ ُ
ﻒ ﺑﻬﺬا ﻛﻠﻪ(؛ وإﻧﻤﺎ ﻷﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺘﻘﺪون أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﺤﻈﻮ ً
واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ،ﻓﺈن املﻘﺎﺑﻞ اﻹﻧﺠﻠﻴﺰي ﻻﺳﻤﻪ اﻷول ﻳﻌﻨﻲ املﺤﻈﻮظ؛ أﻣﺎ اﺳﻤﻪ اﻟﻜﺎﻣﻞ »ﻟﻴﻒ
إرﻳﻜﺴﻮن« ﻓﻬﻮ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﰲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻨﻮردﻳﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻳﻌﻨﻲ »املﺤﻈﻮظ اﺑﻦ إرﻳﻚ« .وﻛﺎن اﺑﻦ
ﻣﺆﺳ َﺲ أوﱃ املﺴﺘﻮﻃﻨﺎت اﻹﺳﻜﻨﺪﻧﺎﻓﻴﺔ ﰲ ﺟﺮﻳﻨﻼﻧﺪ .وﻳُﻌَ ﱡﺪ اﻛﺘﺸﺎف ﻟﻴﻒ إرﻳﻚ اﻷﺣﻤﺮ ﻫﻮ ﱢ
آﺧﺮ ﻋﲆ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ .ﻓﻘﺪ ﻣﺜﺎﻻ َ
إرﻳﻜﺴﻮن ﻷﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم ١٠٠٠ﻣﻴﻼدﻳٍّﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ً
ﱠﺿﻪ ﻣﻠﻚ اﻟﻨﺮوﻳﺞ ﻟﻨﴩ املﺴﻴﺤﻴﺔ ﰲ ﺟﺮﻳﻨﻼﻧﺪ ،ﻟﻜﻨﻪ اﻧﺤﺮف ﻋﻦ ﻣﺴﺎره ﻣﻦ آﻳﺴﻠﻨﺪا إﱃ ﻓﻮ َ
ﺟﺮﻳﻨﻼﻧﺪ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻄﻘﺲ اﻟﺴﻴﺊ وﻧﺰل ﰲ ﻧﻴﻮﻓﻨﻠﻨﺪ ً
ﺑﺪﻻ ﻣﻨﻬﺎ.
إن ﻣﻘﻮﻟﺔ اﻟﺤﻆ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺒﺪو ﻋﲆ ﻗﺼﺔ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن؛ ﻓﻘﺪ اﻧﺘﻘﻞ ﱠ
واﻻس ﻫﻴﻮم ﻛﺮوﺛﺮز إﱃ ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ ﻟﻺﴍاف ﻋﲆ ﺑﺮﻧﺎﻣﺠﻬﺎ اﻟﺮﺋﻴﴘ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﰲ
ﻣﺠﺎل اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ؛ ﻷن زﻣﻼءه ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ إﻟﻴﻨﻮي وﺟﺎﻣﻌﺔ ﻫﺎرﻓﺮد ﻗﺎﻟﻮا ﻋﻨﻪ إﻧﻪ
أذﻛﻰ ﻋﺎﻟ ِﻢ ﻛﻴﻤﻴﺎء ﺣﻴﻮﻳﺔ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻪ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق .وأﻃﻠﻖ ﻛﺮوﺛﺮز ﺑﺮﻧﺎﻣﺠً ﺎ ﺑﺤﺜﻴٍّﺎ
ﻫﺪﻓﻪ ﻓﻬ ُﻢ ﺗﺮﻛﻴﺐ اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮات اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺴﻠﻴﻮﻟﻮز واﻟﺤﺮﻳﺮ واملﻄﺎط ،وإﻧﺘﺎجُ ﻣﻮاد
ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﻟﻬﺎ .وﻣﻊ أن ﻓﺮﻳﻘﻪ ﺑﺤﻠﻮل ﻋﺎم ١٩٣٤ﻗﺪﱠم ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت أﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﰲ
ﺗﻠﻚ املﺠﺎﻻت ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﲆ وﺷﻚ أن ﻳﻘ ﱠﺮ ﺑﻔﺸﻞ ﺟﻬﻮده ﻹﻧﺘﺎج أﻟﻴﺎف ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ
ٌ
ﻣﺼﺎدﻓﺔ أﺛﻨﺎء ﺑﻌﺾ املﺰاح اﻟﺜﻘﻴﻞ ﺑني زﻣﻼﺋﻪ ﰲ املﻌﻤﻞ؛ ﻓﺤ ﱠﻮ َﻟ ْﺖ ﻟﻠﺤﺮﻳﺮ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺪﺛ َ ْﺖ
ﺗﻠﻚ املﺼﺎدﻓﺔ اﻟﻔﺸ َﻞ املﺰﻣﻊ إﱃ ذﻟﻚ اﻟﻨﺠﺎح اﻟﻜﺒري اﻟﺬي ُر ﱢوج ﻟﻪ ﰲ ﻋﺎم ١٩٣٩ﰲ ﻣﻌﺮض
ﻧﻴﻮﻳﻮرك اﻟﻌﺎملﻲ ﻋﲆ أﻧﻪ »اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن ،اﻟﺤﺮﻳﺮ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ املﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻔﺤﻢ واﻟﻬﻮاء واملﺎء!«
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺷﻜﻞ :1-25واﻻس إﺗﺶ ﻛﺮوﺛﺮز ﰲ ﻣﻌﻤﻠﻪ ﰲ املﺤﻄﺔ اﻟﺘﺠﺮﻳﺒﻴﺔ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﴩﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ
ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ وﻳﻠﻤﻴﻨﺠﺘﻦ ﺑﺪﻳﻼوﻳﺮ.
224
ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن وﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﺤﺐ ﻋﲆ اﻟﺒﺎرد
ﺷﻜﻞ :2-25ﺟﻮﻟﻴﺎن ﻫﻴﻞ ،أﺣﺪ زﻣﻼء ﻛﺮوﺛﺮز ،ﻳﻌﻴﺪ ﺗﻤﺜﻴ َﻞ اﻛﺘﺸﺎف ﺗﺄﺛري ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﺤﺐ
ﻋﲆ اﻟﺒﺎرد ﻹﻧﺘﺎج اﻷﻟﻴﺎف اﻟﻘﻮﻳﺔ ﻟﻠﻨﺎﻳﻠﻮن.
ﻟﻘﺪ ﺗﻢ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن )وﻫﻮ ﺑﻮﱄ أﻣﻴﺪ ،ﻟﻪ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﻣﻤﺎﺛِﻞ ﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺤﺮﻳﺮ(،
وﻟﻢ ﻳَﺒْ ُﺪ أن ﻟﻪ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻣﻔﻴﺪة ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺧﺎص ،وو ُِﺿﻊ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻋﲆ اﻟ ﱠﺮف دون
اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﺧﱰاع ﻟﻪ .واﺳﺘﻤ ﱠﺮ اﻟﻌﻤ ُﻞ ﻋﲆ ﺳﻠﺴﻠﺔ اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰات ،اﻟﺘﻲ
ﻗﺪﱠﻣﺖ ﻣﻨﺘﺠﺎت ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺬوﺑﺎن أﻛﺜﺮ وأﻧﻌﻢ ﰲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻬﺎ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ أﺑﺴﻂ ﰲ
اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﰲ املﻌﻤﻞ .وﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﺟﻮﻟﻴﺎن ﻫﻴﻞ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ املﻮاد اﻷﻛﺜﺮ
ﻆ أﻧﻪ إذا ﺟﻤﻊ ﻛﺮة ﺻﻐرية ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ ﻋﲆ ﻃﺮف ﻗﻀﻴﺐ ً
ﻧﻌﻮﻣﺔ ،ﻻﺣَ َ
ﺗﻘﻠﻴﺐ )زﺟﺎﺟﻲ( وﺳﺤﺒﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﻠﺔ ،ﻓﺴﻮف ﺗﺘﻤﺪﱠد ﺗﻠﻚ اﻟﻜﺮة وﺳﺘﺼﺒﺢ ﻣﺜﻞ
اﻟﺤﺮﻳﺮ ﰲ اﻟﺸﻜﻞ .وﺟﺬب ﻫﺬا اﻧﺘﺒﺎﻫﻪ واﻧﺘﺒﺎه ﻣَ ﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻣﻌﻪ ،وﻗﻴﻞ
إﻧﻪ ذات ﻳﻮ ٍم ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻛﺮوﺛﺮز ﰲ وﺳﻂ املﺪﻳﻨﺔ ،ﺣﺎ َو َل ﻫﻴﻞ وزﻣﻼؤه أن
ﻂ إﺣﺪى ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻴﻨﺎت ،ﻓﺄﺧﺬوا ﻛﺮ ًة ﺻﻐرية ﻋﲆ ﻳﺮوا إﱃ أي ﻣﺪًى ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﻣ ﱡ
ﻄﻮﻫﺎ ﻋﱪ اﻟﺮدﻫﺔ ﻋﲆ ﺷﻜﻞ ﺧﻴﻂ ،وﺑﻘﻴﺎﻣﻬﻢ ﺑﻬﺬا ﻻﺣﻈﻮا ﻗﻀﻴﺐ ﺗﻘﻠﻴﺐ ،ﺛﻢ ﻣ ﱡ
225
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻘﺮﻳﺐ ﺟﺪٍّا ﻣﻦ ﺷﻜﻞ اﻟﺤﺮﻳﺮ »ﻟﻠﺨﻴﻮط« املﻤﻄﻮﻃﺔ ،وأدرﻛﻮا أﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا
ﻳﻮﺟﻬﻮن ﺟﺰﻳﺌﺎت اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮات وﻳﺰﻳﺪون ﻣﻦ ﻗﻮة املﻨﺘﺞ.
اﻧﺼﻬﺎر ﻣﻨﺨﻔﻀﺔ
ٍ ﻧﻈ ًﺮا ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻷﻧﻮاع اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻤﻠﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧﻘﺎ ُ
ط
ﺟﺪٍّا ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﰲ املﻨﺘﺠﺎت اﻟﻨﺴﻴﺠﻴﺔ ،رﺟﻌﻮا إﱃ اﻟﺒﻮﱄ أﻣﻴﺪات اﻟﺘﻲ
أﻳﻀﺎ ﻳﻤﻜﻦ »ﺳﺤﺒﻬﺎ ﻋﲆ اﻟﺒﺎرد« ﻟﺰﻳﺎدة ﻗﻮة اﻟﺸﺪ ﻧﺤﱠ ﻮْﻫﺎ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ووﺟﺪوا أن ﺗﻠﻚ اﻷﻟﻴﺎف ً
أﻳﻀﺎ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻟﺨﻴﻮط واﻵﻻت وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ ﺑﺪرﺟﺔ ﻛﺒري ٍة ﻟﺘﺘﺤﻮﱠل إﱃ أﻧﺴﺠﺔ راﺋﻌﺔ ،وﻳﻤﻜﻦ ً ٍ
اﻷﺷﻴﺎء اﻷﺧﺮى املﺸ ﱠﻜ َﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ ذي ﻗﻮة اﻟﺸﺪ اﻟﻜﺒرية ،وذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﺤﺐ
ﻋﲆ اﻟﺒﺎرد .ﻗﺎل ﱄ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺎرﻓﻞ :إن ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ ﻟﻢ ﺗﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﺧﱰاع
ﻋﲆ »ﺗﺮﻛﻴﺐ ﻣﺎدة« اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن ،وﻟﻜﻨﻬﺎ ﺣﺼﻠﺖ ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﺧﱰاع ﻓﻘﻂ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﺤﺐ ﻋﲆ
ﱠت ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ ،إﱃ أﻫﻢ ﻣﻨﺘﺞ ﺗﻄﺮﺣﻪ اﻟﴩﻛﺔ اﻟﺒﺎرد .وﻗﺪ أد ْ
اﻛﺘﺸﺎف ذي أﻫﻤﻴﺔ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ٍ ﰲ اﻟﺴﻮق .ﻟﻜﻦ ﺣﺎدﺛﺔ املﺰاح اﻟﺜﻘﻴﻞ أد ْ
ﱠت إﱃ
ﻋﺎملﻴﺔ ،ﻓﻘﻂ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺘﺒﴫ اﻟﺬي أَﺑْﺪَاه ﺟﻮﻟﻴﺎن ﻫﻴﻞ وزﻣﻼؤه ﰲ إدراك اﻟﺘﺒﻌﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ
ﻟﻠﺸﻜﻞ واﻟﺨﺼﺎﺋﺺ املﺎدﻳﺔ ﻟﻠﺨﻴﻮط املﻤﻄﻮﻃﺔ ﻟﻠﺒﻮﻟﻴﺴﱰ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺒﺜﻮن ﺑﻬﺎ.
ﻳﻮﺿﺢ ﺷﻜﻞ 3-25آﻟﻴﺔ ﻋﻤﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﺤﺐ ﻋﲆ اﻟﺒﺎرد .إن أﺷﻬﺮ أﻧﻮاع اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن ﱢ
ﻫﻮ اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن .٦-٦وﻳﺸري رﻗﻤﺎ ٦ﻫﻨﺎ إﱃ ﻋﺪد ذرات اﻟﻜﺮﺑﻮن ﰲ وﺣﺪﺗَﻲ املﻮﻧﻮﻣﺮ،
)ﻣﺤﺘﻮ ﻋﲆ
ٍ وﺗﺘﻜﻮن إﺣﺪاﻫﻤﺎ وﻫﻲ وﺣﺪة ﺣﻤﺾ ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﻘﺎﻋﺪة ﻣﻦ ﺳﺖ ذرات ﻛﺮﺑﻮن
)ﻣﺤﺘﻮ ﻋﲆ ذرات ٍ ذرات أﻛﺴﺠني( ،واﻷﺧﺮى ﺛﻨﺎﺋﻲ أﻣني ﻣﻜﻮﱠن ﻣﻦ ﺳﺖ ذرات ﻛﺮﺑﻮن
ﻧﻴﱰوﺟني( .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮﺗﺒﻂ وﺣﺪﺗَﺎ املﻮﻧﻮﻣﺮ ﻣﻌً ﺎ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ ﻹﻧﺘﺎج اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ ،ﻓﺈﻧﻬﻤﺎ ﺗﻘﻮﻣﺎن
ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ إزاﻟﺔ ﺟﺰيء ﻣﺎء H2 Oﺑني ﻛﻞ ﻃﺮف ﻣﻦ ﻛﻞ وﺣﺪة ﻣﻮﻧﻮﻣﺮ ،ﺛﻢ ﻳﺤﺪث
ﺗﺒﺪﻳ ٌﻞ ﰲ اﻷﻣﺎﻛﻦ ﺑني اﻟﻮﺣﺪﺗني ﰲ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ،وذﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺘﻀﺢ ﻣﻦ اﻟﺠﺰء اﻟﻌﻠﻮي
ﰲ اﻟﺸﻜﻞ .وﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﺤﺐ ﻋﲆ اﻟﺒﺎرد ،ﺗﺘﺤﺎذَى ﺟﺰﻳﺌﺎت اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮات اﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ﺑﻌﻀﻬﺎ
َ
راﺑﻄﺔ ﻣﻊ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮﱢن ﻛ ﱡﻞ ذرة أﻛﺴﺠني ﰲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺑﻮﻟﻴﻤﺮات واﺣﺪة
ﻫﻴﺪروﺟني ﻣﻊ ذرة ﻧﻴﱰوﺟني ﰲ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﺠﺎورة .وﻳﺆدﱢي ﻫﺬا إﱃ رﺑﻂ ﺟﺰﻳﺌﺎت اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮات
اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻣﻌً ﺎ ﺑﻨﻔﺲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﻔﺼﻞ ﺑﻬﺎ اﻟﺨﻴﻮط ﰲ ﺣﺒﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻠﺘﻒ ﻣﻌً ﺎ
ﻛﺒﻼ ،وﻫﺬا اﻻرﺗﺒﺎط ﻟﺠﺰﻳﺌﺎت اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮات اﻟﺨﻄﻴﺔ ﻋﱪ اﻟﺮﺑﻂ اﻟﻬﻴﺪروﺟﻴﻨﻲ ﻣﺴﺌﻮ ٌل ﻟﺘﻜﻮﱢن ً
ﻋﻦ اﻟﻘﻮة اﻟﻜﺒرية ﻷﻟﻴﺎف اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن .أﻋﺘﻘﺪ أن ﻧﻔﺲ املﺒﺪأ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﲆ ﻗﻮة أﻟﻴﺎف اﻟﺤﺮﻳﺮ؛
إذ ﻳﺘﻢ ﺗﻮﺟﻴﻪ ﺟﺰﻳﺌﺎت اﻟﺒﻮﱄ أﻣﻴﺪ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻟﻠﺤﺮﻳﺮ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺗﺠﻌﻞ رواﺑﻂ اﻟﻬﻴﺪروﺟني
226
H O H O
N C N C
N C N C
H O H O
ﺟﺰء ﻣﻦ ﺟﺰيء ﺑﻮﻟﻴﻤﺮ اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن
H O H O
N C N C
N C N C
H O H O
O H O H O
C N C N C
N C N C
H O H O
ﺟﺰﻳﺌﺎت ﺑﻮﻟﻴﻤﺮات ﻧﺎﻳﻠﻮن ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺮواﺑﻂ ﻫﻴﺪروﺟني ﺑﻌﺪ إﺟﺮاء ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﺤﺐ ﻋﲆ اﻟﺒﺎرد
ﺷﻜﻞ :3-25ﺑﻮﻟﻴﻤﺮ اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن ﻗﺒﻞ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﺤﺐ ﻋﲆ اﻟﺒﺎرد وﺑﻌﺪﻫﺎ .ﻳﻤﺜﱢﻞ ﻛﻞ رﻛﻦ ﰲ اﻟﺨﻂ املﺘﻌﺮج ذر َة ﻛﺮﺑﻮن ﺗﺮﺗﺒﻂ ﻣﻌﻬﺎ ذرﺗﺎ
ﻫﻴﺪروﺟني ) .(CH2إن اﻟﺬرات املﺘﻀﻤﱠ ﻨﺔ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺮﺑﻂ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث ﺑني اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت ﻓﻘﻂ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻬﺮ ﺑﺮﻣﻮزﻫﺎ.
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺗﺮﺑﻂ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت اﻟﻔﺮدﻳﺔ ﻣﻌً ﺎ ،وﺗﻘﻮم دﻳﺪان اﻟﻘﺰ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﺤﺐ ﻋﲆ اﻟﺒﺎرد وﻫﻲ ﺗﺒﺜﻖ
ﺧﻴﻮط اﻟﺤﺮﻳﺮ اﻟ ﱠﻠ ِﺰﺟﺔ.
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﺤﺐ ﻋﲆ اﻟﺒﺎرد — اﻟﺘﻲ ﺟﻌ َﻠ ْﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن إﺣﺪى اﻷﻟﻴﺎف
اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﻨﺎﺟﺤﺔ — اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ ﻣﻊ أﻧﻮاع اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ ،ﻓﺈن أﻧﻮاع اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ اﻟﺘﻲ ﺻﻨﱠﻌﻬﺎ
ري ﻣﻦ ﻇﻬﻮر اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن ﻛﻨﺴﻴﺞ ﺻﻨﺎﻋﻲ، ﻛﺮوﺛﺮز ﻛﺎﻧﺖ ً
أﻟﻴﺎﻓﺎ ﻧﺴﻴﺠﻴﺔ ردﻳﺌﺔ .ﻓﺒﻌﺪ وﻗﺖ ﻗﺼ ٍ
ﻛﺎف ﻟﺼﻨﻊ ٍ اﻛﺘﺸﻒ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﻮن ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ ﻛﺎن »ﻗﻮﻳٍّﺎ« ﻋﲆ ﻧﺤﻮ
ﻧﻮع ﻣﻦ اﻷﻟﻴﺎف املﻤﺘﺎزة ،وﻃﺮﺣﻮه ﺑﺎﻷﺳﻮاق ﺗﺤﺖ اﻻﺳﻢ اﻟﺘﺠﺎري »اﻟﱰﻳﻠني« .وﻣﻊ أن ٍ
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني اﻟﺘﺎﺑﻌني ﻟﻜﺮوﺛﺮز ﺻﻨﻌﻮا أﻧﻮاﻋً ﺎ ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ ﻣﻦ اﻷﺣﻤﺎض اﻟﺜﻨﺎﺋﻴﺔ
اﻟﻘﺎﻋﺪة وأﻧﻮاع اﻟﻜﺤﻮل ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﻬﻴﺪروﻛﺴﻴﻞ ،ﻓﺜﻤﺔ ﺣﻤﺾ ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﻘﺎﻋﺪة ﻟﻢ ﻳﺨﺘﱪوه
وﻫﻮ ﺣﻤﺾ اﻟﺘريﻳﻔﺜﺎﻟﻴﻚ؛ وﻫﻮ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺜﻨﺎﺋﻲ اﻟﻘﺎﻋﺪة اﻟﺬي ﻳُﻨﺘِﺞ أﻓﻀﻞ أﻧﻮاع اﻷﻟﻴﺎف.
ﻣﻊ ذﻟﻚ ،اﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ اﻻﺳﺘﻔﺎد َة ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺄﻧﻮاع
اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ؛ ﻷن ﻗﺴﻢ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻷﻓﻼم ﺑﻬﺎ وﺟَ َﺪ أن ﻧﻮع اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ اﻟﺬي اﺳﺘﺨﺪﻣﻪ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن
اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﻮن ﰲ إﻧﺘﺎج اﻟﱰﻳﻠني ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻓﻴﻠﻢ ﻗﻮي إذا ﺗ ﱠﻢ ﺷﺪه ﻋﲆ ﻧﺤﻮ
ﺛﻨﺎﺋﻲ املﺤﻮر )رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻧﻔﺲ املﺒﺪأ ﻣﺘﻀﻤﻨًﺎ ﻛﻤﺎ ﰲ اﻟﺴﺤﺐ ﻋﲆ اﻟﺒﺎرد ﻟﻠﺨﻴﻮط( .وﺗﻢ
ﺗﺴﻮﻳﻖ اﻟﻔﻴﻠﻢ ﺑﺎﺳﻢ ﻣﺎﻳﻼر ،وأﻧﺘﺠﺖ ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ ﻧﺴﺨﺘَﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﱰﻳﻠني ﺑﺎﺳﻢ داﻛﺮون
ً
ﻣﻤﺘﻌﺔ ﻋﻦ ﺗﺴﻤﻴﺔ ً
ﻗﺼﺔ ُ
ﺳﻤﻌﺖ ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﻮﻗﺖ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ .وﰲ زﻳﺎرة ﻟﻠﴩﻛﺔ ﻣﻨﺬ ﻋﺪة أﻋﻮام،
ً
ﻣﺴﺎﺑﻘﺔ ﻻﺧﺘﻴﺎر اﻻﺳﻢ ،وﰲ اﻟﻠﻴﻠﺔ ﻧﻮع أﻟﻴﺎف اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﻋﻘﺪ املﺴﺌﻮﻟﻮن
اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻋﲆ إﻋﻼن اﻻﺳﻢ وﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺠﺎﺋﺰة ،ﺷﻌﺮ اﻟﺸﺨﺺ املﺴﺌﻮل ﻋﻦ املﺴﺎﺑﻘﺔ ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ
ﻳﺘﺤﻘ َﻖ ﻣﺮة ﺛﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ أن اﻻﺳﻢ املﺨﺘﺎر ﻏري ﻣﺴﺠﱠ ﻞ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ،واﺗﻀﺢ ﱠ وﻗ ﱠﺮ َر أن
ﻣﺴﺠﻼ .وﺑﺴﺒﺐ اﻻرﺗﺒﺎك اﻟﺬي أﺣﺪﺛﻪ ﻫﺬا ،اﺧﺘري ٍّ ﱡ
اﻟﺘﺤﻘﻖ اﻟﻨﻬﺎﺋﻲ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺧﻼل ﻫﺬا
اﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻨﻪ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻛﺎﻣﻞ .وﻣﻊ أﻧﻪﱡ اﻻﺳﻢ اﻟﺘﺎﱄ ﰲ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ وﻫﻮ اﻟﺪاﻛﺮون ،دون أن ﻳﺘﻢ
ﺧﺮﻗﺎ ﻹﺣﺪى اﻟﻘﻮاﻋﺪ املﻬﻤﺔ املﺘﺒَﻌﺔ ﰲ اﻟﴩﻛﺔ،ُﻌﺘﱪ ً ﻏري ﻣﺴﺘﺨﺪَم ﻟﺘﺴﻤﻴﺔ ﳾء َ
آﺧﺮ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻳ َ
وﻫﻲ ﴐورة اﻧﺘﻔﺎء أي اﺣﺘﻤﺎل ﻟﻨﻄﻖ اﻻﺳﻢ اﻟﺘﺠﺎري ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺧﺎﻃﺊ .ﺗﺄﻣﱠ ْﻞ ﻣﻌﻲ ،ﻋﲆ
ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻣﻨﺘﺠَ ﻲ اﻟﴩﻛﺔ :اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن واﻷورﻟﻮن؛ ﻓﻤﻦ اﻟﺼﻌﺐ أن ﺗﻔ ﱢﻜﺮ ﰲ وﺟﻮد ﻧﻄﻖ
ﺛﺎن ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻜﻠﻤﺘني ،ﻟﻜﻦ داﻛﺮون ﻳﻤﻜﻦ ﻧﻄﻘﻬﺎ ﻫﻜﺬا أو دﻛﺮون! وﻗﺪ ﺣُ ﻜِﻴﺖ ﱄ ﺗﻠﻚ اﻟﻘﺼﺔ ٍ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺄﻟﺖ أﺣ َﺪ اﻷﺷﺨﺎص ﰲ اﻟﴩﻛﺔ» :ﻣﺎ اﻟﻨﻄﻖ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻟﻜﻠﻤﺔ داﻛﺮون؟« ُ
228
ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن وﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺴﺤﺐ ﻋﲆ اﻟﺒﺎرد
أﺻﺒﺢ اﻟﺪاﻛﺮون ﻣﻜ ﱠﻮﻧًﺎ ﺷﺎﺋﻌً ﺎ ﰲ أﻗﻤﺸﺔ ﻣﻼﺑﺲ اﻟﺮﺟﺎل ،ﺳﻮاء ﺑﻤﻔﺮده أو ﻣﻊ
اﻟﺼﻮف .وﻗﺪ اﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖ أﻓﻼم ﻣﺎﻳﻼر ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺴﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ﰲ املﻴﻜﺮوﻓﻴﻠﻢ
املﻔﻀﻠﺔ ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻷﻗﺮاص املﻀﻐﻮﻃﺔ. ﱠ وأﻓﻼم اﻟﺼﻮت املﻐﻨﺎﻃﻴﺴﻴﺔ ،وﻣﺆﺧ ًﺮا أﺻﺒﺤﺖ املﺎدة
آﺧﺮ ﻟﻠﺪاﻛﺮون ،وﻫﻮ اﻟﻘﻤﺎش اﻟﻘﻮي واﻟﺨﻔﻴﻒ واﻟﺮﻓﻴﻊ ﺟﺪٍّا اﻟﺬي وﺛﻤﺔ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺜري َ
ﻳﻐﻄﻲ أﺟﻨﺤﺔ اﻟﺪراﺟﺔ اﻟﻄﺎﺋﺮة داﻳﺪاﻟﻮس ،اﻟﺘﻲ ﱠ
ﺣﻘ َﻘ ْﺖ رﻗﻤً ﺎ ﻗﻴﺎﺳﻴٍّﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ﰲ ﻗﻄﻊ
املﺴﺎﻓﺎت ،ﺣﻴﺚ ﻃﺎرت ﻣﻦ ﺟﺰﻳﺮ ٍة ﻷﺧﺮى ﻋﱪ ﺑﺤﺮ إﻳﺠﻪ ﰲ أﺑﺮﻳﻞ ﻣﻦ ﻋﺎم .١٩٨٨
ﺷﻜﻞ :4-25ﺑﺎﻋﺖ اﻟﻨﺠﻤﺔ اﻟﺴﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ ﺑﻴﺘﻲ ﺟﺮاﺑﻞ ﺟﻮرﺑﻬﺎ اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن ﰲ املﺰاد ﺑﻤﺒﻠﻎ ٤٠
أﻟﻒ دوﻻر ﰲ ﺗﺠﻤﱡ ﻊ ﻟﺴﻨﺪات اﻟﺤﺮب .وﻗﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻨﺎك إﻋﻼﻧﺎت ﺗﺸﺠﱢ ﻊ اﻟﻨﺴﺎء ﻋﲆ اﻟﺘﱪﱡع
ﺑﺠﻮارﺑﻬﻦ اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﺻﻬﺮﻫﺎ ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻗﻤﺎش املﻈﻼت.
إن ﻇﻬﻮر اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن ﰲ املﻌﺮض اﻟﻌﺎملﻲ ﺑﻨﻴﻮﻳﻮرك ﻋﺎم ١٩٣٩ﻛﺎن ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻷﺣﺪاث
ﻋﺮﺿﺎ رﺳﻮﻣﻴٍّﺎ ﻳﴩح ً إﺑﻬﺎ ًرا ﻟﻠﺠﻤﻬﻮر ﰲ ﻛﻞ اﻷوﻗﺎت؛ ﻓﻘﺪ ﻗﺪﱠم ﺟﻨﺎحُ ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ
ﱠ
ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﻟﻠﻨﺎﻳﻠﻮن ﻣﻦ »اﻟﻔﺤﻢ واﻟﻬﻮاء واملﺎء« ،وﻗﺪﱠﻣﻮا ﻧﻤﻮذﺟً ﺎ ﺟﺬاﺑًﺎ
ﰲ »أﻧﺒﻮب اﺧﺘﺒﺎر« زﺟﺎﺟﻲ ﻛﺒري ﻳﻌﺮض اﻟﺠﻮرب اﻟﺠﺪﻳﺪ املﺼﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ
ُ
وﻛﻨﺖ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ ﺷﺎﺑٍّﺎ ،وﻗﺪ ﺟﺬب اﻟﻌﺮض اﻧﺘﺒﺎﻫﻲ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ. ﺑﺎرزة ﺟﺪٍّا.
229
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻃﺮﺣﺖ »اﻟﺠﻮارب اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن« ﻷول ﻣﺮة ﻟﻠﺒﻴﻊ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻧﻴﻮﻳﻮرك ﰲ ١٥ﻣﺎﻳﻮ ﻋﻨﺪﻣﺎ ُ
ﻣﻦ ﻋﺎم ِ ،١٩٤٠ﺑﻴﻌَ ﺖ أرﺑﻌﺔ ﻣﻼﻳني زوج ﻣﻨﻬﺎ ﰲ اﻟﺴﺎﻋﺎت اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻷوﱃ ﻣﻦ ﻃﺮﺣﻬﺎ ،ﻟﻜﻦ
ﺗﻠﻚ املﺒﻴﻌﺎت ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﺘﺘﻜ ﱠﺮر ﻟﻔﱰة ﻃﻮﻳﻠﺔ ﺟﺪٍّا؛ ﻷن ُﺳﺤُ ﺐَ اﻟﺤﺮب ﻗﺪ ﺑﺪأت ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺗﻠﻮح
ﰲ اﻷﻓﻖ ،وﻟﻢ ﺗَ َﻜ ِﺪ اﻟﻨﺴﺎءُ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺎت ﺗﻮﻟﻊ ﺑﺎﻟﻨﺴﻴﺞ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺣﺘﻰ ﺗﻢ أﺧﺬه واﺳﺘﻐﻼﻟﻪ ﰲ
وﺧﺎﺻﺔ ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ املﻈﻼت .وﻟﻢ ﻳﻘﺘﴫ اﻷﻣﺮ ﻓﻘﻂ ﻋﲆ ﻋﺪم وﺟﻮد ﺟﻮارب ﻧﺎﻳﻠﻮن ً اﻟﺤﺮب،
ﺟﺪﻳﺪة ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻬﻦ ﴍاؤﻫﺎ ،وﻟﻜﻦ اﻟﺴﻴﺪات اﻟﻼﺗﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻬﻦ ﺟﻮارب ﻧﺎﻳﻠﻮن ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ
ُﻀﻄﺮات ﻟﻠﺘﺨﲇ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ إﱃ ﻣﻈﻼت. ٍ ﱠ
ﻛﻦ ﻣ
230
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس واﻟﻌﴩون
ﺗﴪ ٍب أو
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠﲔ ﺑﺴﺒﺐ ﱡ
ﺗﻠﻮث ﰲ أدوات اﻟﺒﺤﺚ
ﻃﻮرت إﺑﺎن اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ ﻣﺎدة اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن )اﻟﺒﻮﱄ ﺗﱰاﻓﻠﻮروإﺛﻴﻠني( و ُ
أﻳﻀﺎ ﰲ آﺧﺮ ،اﻛﺘُ ِﺸﻒ ًﻣﺒﺎﴍ ًة؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﻔﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﰲ إﻧﺘﺎج اﻟﻘﻨﺎﺑﻞ اﻟﺬرﻳﺔ .وﺛﻤﺔ ﺑﻮﻟﻴﻤﺮ ََ
ﺛﻼﺛﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،وﻛﺎن ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ ﻟﻘﻮات اﻟﺤﻠﻔﺎء ﰲ ﺟﻬﻮدﻫﺎ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ ،أ َ َﻻ
وﻫﻮ اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳُﺴﺘﺨﺪَم ﰲ ﻋﺰل ﻛﺒﻼت أﺟﻬﺰة اﻟﺮادار ،وﻛﺎن ﻋﻨﴫًا
ذﻛﺮت ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎص ُ ﻓﺎﻋﻼ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري ﰲ ﻛﻔﺎءة ﺗﻠﻚ املﻌﺪات اﻹﻟﻜﱰوﻧﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة.ً
ﺑﺘﻔﺎﻋﻞ ﻓﺮﻳﺪل وﻛﺮاﻓﺘﺲ أﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ ﺑني اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻟﻼﻛﺘﺸﺎف اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻋﻦ
ﻃﺎﺋﺮات ﻋﺎﱄ اﻷوﻛﺘني ﺳﺎﻋﺪ ﰲ ﺗﻔﻮق اﻟﻄﻴﺎرﻳﻦ ٍ اﻟﺘﻌﺎون اﻟﻔﺮﻧﴘ-اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ إﻧﺘﺎجُ وﻗﻮ ِد
اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴني ﻋﲆ اﻟﻄﺎﺋﺮات اﻷملﺎﻧﻴﺔ .وﻋﻨﺪ اﻟﻨﻈﺮ إﱃ اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن واﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني واﻟﻮﻗﻮد اﻟﻌﺎﱄ
اﻷوﻛﺘني — وﻫﻲ ﺛﻼﺛﺔ اﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت ﻓﻘﻂ ﻟﻼﻛﺘﺸﺎﻓﺎت وﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻄﻮﻳﺮ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ —
ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﻔﻬﻢ ﺳﺒﺐ اﻟﻔﺨﺮ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن ﰲ دول اﻟﺤﻠﻔﺎء ﺑﺪورﻫﻢ
وإﺳﻬﺎﻣﺎﺗﻬﻢ ﰲ اﻻﻧﺘﺼﺎر ﰲ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ.
ُﻨﺴﺐ ﻋﺎد ًة اﻟﻔﻀ ُﻞ ﰲ اﻛﺘﺸﺎف ﻣﺎدة اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ،أو اﻟﺒﻮﻟﻴﺜني ﻛﻤﺎ ﻳُﻄﻠِﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻳ َ
اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﻮن ،إﱃ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴني ﻣﻦ ﴍﻛﺔ إﻣﱪﻳﺎل ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ
ﻻﺣﻘﺎ ﺑﻌﺪ ﻓﱰة ﻗﺼرية ﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﰲ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻣﻬﻢ ﰲ وﻗﺖ ﻃﻮرت ً ً
ﻣﺼﺎدﻓﺔ و ُ ﺗﻢ إﻧﺘﺎﺟﻬﺎ
اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌَ َﺮﴈ ﺟﻴﻪ ﳼ ﺳﻮاﻟﻮ ،وﻫﻮ أﺣﺪ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني ﰲ ﺗﻠﻚ َ اﻟﺤﺮب .وﻳﺼﻒ ﻫﺬا
ً
اﻟﴩﻛﺔ ،ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ﻣﻦ ﻛﺘﺎب »ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺒﻮﻟﻴﺜني« ) (١٩٦٠ﻗﺎﺋﻼ:
ﻣﻊ ﻣﺮور اﻟﻮﻗﺖ ،أﺻﺒﺢ ﻫﻨﺎك ﻣﻴﻞ ﻹﺿﻔﺎء ﻃﺎﺑﻊ ﻣﻦ املﺜﺎﻟﻴﺔ ﻋﲆ ﻗﺼﺔ أي
اﻛﺘﺸﺎف ،وﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻳﻮﺣﻲ ﺑﻮﺟﻮد ﺗﻘﺪﱡم ﻣﻨﻄﻘﻲ وﻣﻨ ﱠ
ﻈﻢ ﻣﻨﺬ ﺑﺪاﻳﺔ ٍ
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ذﻛﺮ ﺳﻮاﻟﻮ أﻧﻬﻢ ﺗﻮﻗﻔﻮا ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻨﺪ درﺟﺎت اﻟﻀﻐﻂ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻤ ﱠﻜﻨﻮا ﻣﻦ
ﺗﺼﻤﻴﻢ وإﻧﺸﺎء ﻣﻌﺪﱠات أﻓﻀﻞ .وﰲ دﻳﺴﻤﱪ ﻣﻦ ﻋﺎم ،١٩٣٥أُﺟﺮﻳﺖ ﺗﺠﺎرب أﺧﺮى
ﻣﺤﺴﻦ ،وﻋﻨﺪ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ درﺟﺔ ﺣﺮارة ١٨٠ ﱠ ﻋﲆ اﻹﺛﻴﻠني ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﺟﻬﺎز ﺗﺠﺮﺑﺔ
ﺿﺦ ﻛﻤﻴﺔ أﻛﱪ ﻣﻦ اﻹﺛﻴﻠني .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﺘﺢﱡ درﺟﺔ ﻣﺌﻮﻳﺔ ،اﻧﺨﻔﺾ اﻟﻀﻐﻂ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﺗﻢ
ً ً
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن وﻋﺎء اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﺼﻐري ،وﺟﺪوا ﻣﺎدة ﺻﻠﺒﺔ ﻋﲆ ﻫﻴﺌﺔ ﺑﻮدرة ﺑﻴﻀﺎء إﺟﻤﺎﱄ
وزﻧﻬﺎ ٨ﺟﺮاﻣﺎت .ووﺟﺪوا أن ﺑﻠﻤﺮة اﻹﺛﻴﻠني وﺗﺤﻮﱡﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﻜﻞ اﻟﻐﺎزي إﱃ اﻟﺸﻜﻞ
اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮي اﻟﺼﻠﺐ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن اﻟﺴﺒﺐ ﻟﻜ ﱢﻞ ﻫﺬا اﻻﻧﺨﻔﺎض املﻠﺤﻮظ ﰲ اﻟﻀﻐﻂ،
ﱢ
ﻣﻔﺼﻼت ﺟﻬﺎز اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ. وﺷ ﱡﻜﻮا ﰲ وﺟﻮد ﱡ
ﺗﴪب ﰲ
232
ﺗﴪ ٍب أو ﺗﻠﻮث ﰲ أدوات اﻟﺒﺤﺚ
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﺑﺴﺒﺐ ﱡ
أﻳﻀﺎ ﻟﻌﺒﺖ املﺼﺎدﻓﺔ دو ًرا ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ،واﺳﺘﻐﺮق اﻷﻣﺮ ﻋﺪة ﺷﻬﻮر ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻫﻨﺎ ً
املﻜﺜﱠﻒ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ ﻛﻞ أﻋﻀﺎء اﻟﻔﺮﻳﻖ اﻟﺒﺤﺜﻲ ﻟﺘﺤﺪﻳﺪ اﻷﺳﺒﺎب اﻟﻜﺎﻣﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ﺳﺘﺆدي إﱃ أن ﺗﻜﻮن اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ أﻗﻞ ﻧﺠﺎﺣً ﺎ ﻋﻤﱠ ﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ،ورﺑﻤﺎ ﺗﻜﻮن ﺗﻜﺮا ًرا
اﻟﺘﴪب.
ﱡ ﻟﻠﺘﺠﺎرب اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻏري اﻟﻨﺎﺟﺤﺔ ،ﻟﻮﻻ ﺣﺪوث ﻫﺬا
ﻛﺎن ﻧﺠﺎح اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﰲ دﻳﺴﻤﱪ ﻳﺮﺟﻊ ﰲ ﺣﻘﻴﻘﺔ اﻷﻣﺮ إﱃ إﺿﺎﻓﺔ اﻹﺛﻴﻠني
ﺗﴪبَ .وﻛﺎن اﻹﺛﻴﻠني اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻳﺤﺘﻮي اﻟﺠﺪﻳﺪ إﱃ وﻋﺎء اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻟﻴﺤﻞ ﻣﺤﻞ ﻣﺎ ﱠ
ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ ﻋﲆ اﻟﻜﻤﻴﺔ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ﻣﻦ اﻷﻛﺴﺠني اﻟﻼزم ﻟﺘﺤﻔﻴﺰ ﺗﻜﻮﱡن ﻛﻤﻴﺎت
ﻣﺘﺘﺎﺑﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ.
أﻳﻀﺎ أﻧﻬﻢ وﺟﺪوا أن اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﻳﻤﺜﱢﻞ ﻇﺎﻫﺮة »اﻟﺴﺤﺐ ﻋﲆ اﻟﺒﺎرد«ﻛﺘﺐ ﺳﻮاﻟﻮ ً
ﻈﻬﺎ دﺑﻠﻴﻮ إﺗﺶ ﻛﺎروﺛﺮز ﻣﻦ ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ ﻛﺨﺎﺻﻴﺔ ﻷﻧﻮاع اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ واﻟﺒﻮﱄ اﻟﺘﻲ ﻻﺣَ َ
أﻣﻴﺪ )املﻌﺮوﺿﺔ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﻌﴩﻳﻦ( ،اﻟﺘﻲ ﺗﺸري إﱃ أن ﻫﺬا اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ ﻣﻦ
اﻹﺛﻴﻠني ﻛﺎن ﺑﻮﻟﻴﻤﺮ ﻣﺴﺘﻘﻴ َﻢ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ذا وزن ﺟﺰﻳﺌﻲ ﻛﺒري ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ .ﱠ
ﻟﻜﻦ املﺴﺌﻮﻟني ﰲ
ﴍﻛﺔ إﻣﱪﻳﺎل ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ وﺟﺪوا أﻧﻪ ﻻ ﻓﺎﺋﺪة ﻣﻦ اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وﻛﺎن
ﺳﻴﻈﻞ ﺣﺒﻴﺲ اﻷدراج ﻟﻮﻻ اﻟﺪور اﻟﺬي ﻟﻌﺒﺘﻪ املﺼﺎدﻓﺔ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ.
ﺳﻤﻊ ﺟﻴﻪ إن دﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﴩﻛﺔ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﺔ ﻹﻧﺸﺎء وﺻﻴﺎﻧﺔ اﻟﺘﻠﻐﺮاف — اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ﻣﻌﻨﻴﱠﺔ ﺑﺈﻧﺘﺎج ﻛﺒﻼت ﻣﺎﺋﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺘﻠﻐﺮاف واﻟﺘﻠﻴﻔﻮن — ﻋﻦ اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ اﻟﺠﺪﻳﺪ ،وﺷﻌﺮ
اﻟﻘﺎﺋﻤﻮن ﻋﻠﻴﻬﺎ أﻧﻪ رﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻣﺎدة ﻋﺎزﻟﺔ ﺟﻴﺪة ﻟﻠﻜﺒﻼت املﺎﺋﻴﺔ) .ﺛﻤﺔ ﺗﺸﺎﺑُﻪ ﻣﺬﻫﻞ
ﺑني اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻃﻮﱠر ﺑﻬﺎ اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﻮن اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﰲ أﺟﻬﺰة اﻟﺮادار ﻋﱪ
اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻏري املﻘﺼﻮد ﺑني اﻟﺪﻛﺘﻮر دﻳﻦ وﴍﻛﺔ إﻣﱪﻳﺎل ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ؛ واﻟﻄﺮﻳﻘﺔ
اﻟﺘﻲ ﻃﻮﱠرت ﺑﻬﺎ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن ﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﰲ أﺑﺤﺎث اﻟﻘﻨﺒﻠﺔ اﻟﺬرﻳﺔ ﻋﱪ
اﻟﺘﻮاﺻﻞ ﻏري املﻘﺼﻮد ﺑني ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ واﻟﺠﻨﺮال ﺟﺮوﻓﺰ .اﻧﻈﺮ ﻗﺼﺔ اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن ﰲ
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ واﻟﻌﴩﻳﻦ (.أﻋ َﺮبَ دﻳﻦ ﻋﻦ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ اﻟﻜﺒري ﺑﻔﺤﺺ املﺎدة ،ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ
ﻣﺘﻮاﻓﺮة ﺑﻜﻤﻴﺎت ﺻﻐرية ﺟﺪٍّا .وﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ذﻟﻚ ،اﻛﺘﺸﻒ أﺣﺪ ﻣﻮﻇﻔﻲ ﴍﻛﺔ إﻣﱪﻳﺎل
ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ وﺟﻮد ﺗﺸﺎﺑﻪ ﺑني اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ املﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ ﻟﻠﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني وﺗﻠﻚ اﻟﺨﺎﺻﺔ
ﺑﻤﺎدة اﻟﺠﻮﺗﺎﺑﺮﺷﺎ )وﻫﻲ ﻣﺎدة ﺑﻮﻟﻴﻤﺮﻳﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﺎملﻄﺎط ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻏري ﻟﺪﻧﺔ( ،اﻟﺘﻲ
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﺨﺪَﻣﺔ ﰲ ﻋﺰل ﻛﺒﻼت اﻟﺘﻠﻐﺮاف.
233
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ً
ﻛﻤﻴﺔ ﰲ ﺷﻬﺮ ﻳﻮﻟﻴﻮ ﻣﻦ ﻋﺎم ،١٩٣٩ﺻﻨﱠﻌﺖ ﴍﻛﺔ إﻣﱪﻳﺎل ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ
ﻣﻦ اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﺗﻜﻔﻲ ﻟﻜﺒﻞ ﺗﺤﺖ ﻣﺎﺋﻲ ﻃﻮﻟﻪ ﻣﻴﻞ ﺑﺤﺮي ،وو ُِﺟﺪ أﻧﻬﺎ ﺗﻔﻲ ﺑﺎﻟﻐﺮض
املﻄﻠﻮب ،إﻻ أن اﻧﺪﻻع اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺣﺎل دون إﺟﺮاء ﺗﺠﺎرب ﻛﺎﻣﻠﺔ .واﺗﻀﺢ أن
َ
املﻜﺘﺴﺒَﺔ ﰲ إﻧﺘﺎج ﻫﺬا اﻟﻜﺒﻞ ﻣﻬﻤﺔ ﺟﺪٍّا ﻟﻠﺘﻄﻮرات اﻟﴪﻳﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻄﻠﻮﺑﺔ ﺑﻌﺪ اﻟﺨﱪة
املﺘﻮﻗﻌﺔ ﻟﻜﺒﻼت اﻟﺘﻠﻴﻔﻮن اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻐﻮاﺻﺎت، ﱠ ﺑﻀﻊ ﺳﻨﻮات؛ ﻓﻌﲆ أﺳﺎس اﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎت
أُﻧﺸﺊ ﻣﺼﻨﻊ ﺻﻐري ﺑﺪأ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻴﻪ ﰲ ﺳﺒﺘﻤﱪ ﻣﻦ ﻋﺎم ١٩٣٩ﰲ اﻟﻴﻮم اﻟﺬي ﻏﺰا ﻓﻴﻪ
اﻷملﺎن ﺑﻮﻟﻨﺪا .وﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ،و ُِﺿﻌﺖ اﻟﻜﺒﻼت اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ املﻌﺰوﻟﺔ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني
ﻗﺮبَ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺤﺮب ،ﺣﻴﺚ ﺷ ﱠﻜﻠﺖ ﺣﻠﻘﺔ وﺻﻞ ﻣﻬﻤﺔ ﺑني إﻧﺠﻠﱰا وﻓﺮﻧﺴﺎ.
ﻟﻜﻦ ﰲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺤﺮب ،ﻇﻬﺮت ﺣﺎﺟﺔ ﻓﻮرﻳﺔ إﱃ وﺟﻮد ﻛﺒﻞ ﻣﻌﺰول ﻣَ ِﺮن ذي ﺗﺮدﱡد
ﱠ
املﺨﺼﺺ ﻟﻬﺬا ﻋﺎل ﻷﺟﻬﺰة اﻟﺮادار اﻷرﺿﻴﺔ واملﺤﻤﻮﻟﺔ ﺟﻮٍّا .وﻗﺪ ﺗﻢ إﻧﺘﺎج اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني
ٍ
اﻟﻐﺮض ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﴍﻛﺔ إﻣﱪﻳﺎل ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﰲ إﻧﺠﻠﱰا وﴍﻛﺘَ ْﻲ دو ﺑﻮﻧﺖ
وﻳﻮﻧﻴﻮن ﻛﺎرﺑﺎﻳﺪ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة.
ﺗﺘﻀﺢ أﻫﻤﻴﺔ ﻣﺎدة اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﻷﺟﻬﺰة اﻟﺮادار ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻛﺒري ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ
ُﻜﺘﺸﻒ اﻟﺮادار ،وذﻟﻚ ﰲ أﻏﺴﻄﺲ ﻣﻦ ﻋﺎم ) ١٩٤٦ذﻛﺮ اﻟﺴري روﺑﺮت واﺗﺴﻮن وات ،ﻣ ِ
ﺳﻮاﻟﻮ ﻫﺬا اﻻﻗﺘﺒﺎس ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺒﻮﻟﻴﺜني«(:
ﻣﺸﻜﻼت اﻟﺘﺼﻤﻴﻢ واﻹﻧﺘﺎج واﻟﻌﺰل ِ أدﱠى ﺗﻮاﻓﺮ ﻣﺎدة اﻟﺒﻮﻟﻴﺜني إﱃ ﺗﺤﻮﻳﻞ
ﻣﺸﻜﻼت ﻏري ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺤ ﱢﻞ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ
ٍ واﻟﺼﻴﺎﻧﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺄﺟﻬﺰة اﻟﺮادار اﻟﺠﻮﻳﺔ ﻣﻦ
ﻣﺸﻜﻼت ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻌﺎﻣُﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ؛ وﻳﺮﺟﻊ ﻫﺬا إﱃ ﺧﺼﺎﺋﺼﻬﺎ ﺷﺒﻪ ٍ إﱃ
ٍ
ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ُ املﺜﺎﻟﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﺰل واملﺘﺎﻧﺔ اﻟﻬﻴﻜﻠﻴﺔ … أﺻﺒﺢ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ ﺗﻨﻔﻴﺬ
ً
ﻣﻤﻜﻨﺔ ﻗﺒﻞ ﻣﻦ اﻟﺘﺼﻤﻴﻤﺎت اﻟﺠﻮﻳﺔ واﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺨﻄﻮط اﻟﺘﻐﺬﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ
ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻼت اﻟﺼﻴﺎﻧﺔ اﻟﺠﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻏري ٍ ذﻟﻚ ،واﺳﺘﺒﻌﺎ ُد
ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺤﻞ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ .وﻫﻜﺬا ﻟﻌﺒﺖ ﻣﺎدة اﻟﺒﻮﻟﻴﺜني دو ًرا ﻻ ﻏﻨﻰ ﻋﻨﻪ ﰲ ﺳﻠﺴﻠﺔ
اﻻﻧﺘﺼﺎرات اﻟﻜﺒرية اﻟﺘﻲ ﱠ
ﺗﺤﻘ َﻘ ْﺖ ﺟﻮٍّا وﺑﺤ ًﺮا وﺑ ٍّﺮا ،واﻟﺘﻲ ﻳُﻌﺰى اﻟﻔﻀ ُﻞ ﻓﻴﻬﺎ
إﱃ أﺟﻬﺰة اﻟﺮادار.
ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺎدة اﻟﺒﻮﻟﻴﺜني ﻋﻨﴫًا ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﰲ ﻫﺬا »اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻔﻨﻲ اﻟﻔﺮﻳﺪ« اﻟﺬي
ﻻﺣﻘﺎ( ﻟﻠﻐﻮاﺻﺎت ً »املﺆﻗﺖ« )واﻟﺪاﺋﻢ ،ﻛﻤﺎ اﺗﻀﺢ ﱠ ﻧَﺴﺐَ إﻟﻴﻪ ﻫﺘﻠﺮ اﻟﱰاﺟُ َﻊ
اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ اﻷملﺎﻧﻴﺔ.
234
ﺗﴪ ٍب أو ﺗﻠﻮث ﰲ أدوات اﻟﺒﺤﺚ
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﺑﺴﺒﺐ ﱡ
وﻗﺪ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ إﺳﻬﺎﻣُﻬﺎ املﻬﻢ ﰲ املﻌﺎرك اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ اﻟﻜﺒرية؛ ﺣﻴﺚ ﻣ ﱠﻜﻨﺖ أﺟﻬﺰة
اﻟﺮادار — ﻛﻤﺎ ذﻛﺮ اﻟﻘﺎﺋﺪ اﻷﻋﲆ — أﺳﻄﻮﻟﻨﺎ ﻣﻦ »اﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ اﻟﺒﺎرﺟﺔ اﻷملﺎﻧﻴﺔ
ﺷﺎرﻧﻬﻮرﺳﺖ ،وﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻮﻗﻌﻬﺎ ،وﻣﺤﺎرﺑﺘﻬﺎ واﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻴﻬﺎ «.وﻛﺎن ﻟﻬﺎ دورﻫﺎ
ﰲ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺧﻼﻟﻬﺎ اﻟﻘﻀﺎء ﻋﲆ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ اﻟﺼﻐرية.
وﻛﺎن ﻟﻬﺎ دورﻫﺎ اﻟﺤﻴﻮي ﰲ املﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺼﻐرية ﻣﻦ ﻣﻌﺪﱠات اﻟﺮادار اﻟﺠﻮﻳﺔ
املﻀﺎدة ﻟﻠﻐﻮاﺻﺎت اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ اﻷملﺎﻧﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻄﺎﻋَ ْﺖ — ﺑﻤﺴﺎﻋﺪة ﻣﺜﻴﻼﺗﻬﺎ
أﻳﻀﺎ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺒﻮﻟﻴﺜني —املﻮﺟﻮدة ﰲ اﻟﺴﻔﻦ اﻟﺤﺮﺑﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺳﺎﻋﺪﻫﺎ ﻛﺜريًا ً
إﻏﺮاق ﻣﺎﺋﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻐﻮاﺻﺎت ﰲ ﻏﻀﻮن ﺑﻀﻌﺔ أﺳﺎﺑﻴﻊ. َ
ﻈﻢ اﻟﺮادار اﻟﺠﻮﻳﺔ اﻟﺴﻨﺘﻴﻤﱰﻳﺔ املﺴﺘﺨﺪَﻣﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎدة ﻛﻤﺎ ﺿﺎﻋﻔﺖ ﻧ ُ ُ
ﺳﻼح اﻟﻄﺎﺋﺮات املﻘﺎﺗﻠﺔ اﻟﻘﺎذﻓﺔ ﺑﺪرﺟﺔ ﻛﺒرية ﺟﺪٍّا ﰲ واﻗﻊ
ِ اﻟﺒﻮﻟﻴﺜني ﻣﻦ ﻓﺎﻋﻠﻴ ِﺔ
اﻷﻣﺮ …
ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﻋﲆ ﻧﻄﺎق واﺳﻊ ﻣﻦ ً ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺎدة اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ،ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺷﺄن اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن،
ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻨﺎس إﻻ ﺑﻌﺪ اﻧﺘﻬﺎء اﻟﺤﺮب ،ﻋﻨﺪﻣﺎ اﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖ ﰲ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻟﺮﻗﺎﺋﻖ اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ
ٍ
ﺑﴪﻋﺔ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة واﻷﺷﻴﺎء املﺸ ﱠﻜﻠﺔ ﻣﻨﻬﺎ .وﻗﺪ ﺗﻄ ﱠﻮ َر إﻧﺘﺎج اﻟﺮﻗﺎﺋﻖ اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺪأت ﻣﺎدة اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﺗﺤﻞ ﻣﺤﻞ اﻟﺴﻠﻮﻓﺎن ﰲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﺎت .وﺗُﺴﺘﺨﺪَم
ﺗﻠﻚ اﻟﺮﻗﺎﺋﻖ اﻵن ﰲ ﺗﻐﻠﻴﻒ املﻨﺘﺠﺎت اﻟﺰراﻋﻴﺔ واﻷﻃﻌﻤﺔ املﺠﻤﱠ ﺪة اﻟﴪﻳﻌﺔ اﻟﺘﻠﻒ وﺟﻤﻴﻊ
ً
واﺳﻌﺔ ٍ
ﺗﻄﺒﻴﻘﺎت أﻧﻮاع اﻟﺴﻠﻊ واملﻨﺴﻮﺟﺎت .وﺗﺘﻀﻤﻦ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻷﺧﺮى ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺮﻗﺎﺋﻖ
ﻄﻨﺔ ﻟﻠﻘﻨﻮات واﻟﱪك)اﻟﺼﻮﺑﺎت اﻟﺰﺟﺎﺟﻴﺔ ،وأﻏﻄﻴﺔ اﻟﱰﺑﺔ ،واﻷﻏﺸﻴﺔ اﻟﻌﺎزﻟﺔ ا ُملﺒ ﱢ ﱡ ﰲ اﻟﺰراﻋﺔ
واﻟﺨﺰاﻧﺎت( ،وﰲ اﻟﺒﻨﺎء )ﺣﻮاﺟﺰ اﻟﺮﻃﻮﺑﺔ ،واملﻮاد املﻐﻄﻴﺔ ﻟﻠﻤﺮاﻓﻖ ،واﻷﻏﻄﻴﺔ اﻟﻮاﻗﻴﺔ(،
ﻧﺎﻫﻴﻚ ﻋﻦ أﻛﻴﺎس اﻟﻘﻤﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻏﻨﻰ ﻋﻨﻬﺎ .وﻣﺎ زال ﻋﺰل اﻟﻜﺒﻼت اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ أﺣﺪ
أﻳﻀﺎ ﻟﻠﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني .وﻗﺪ ﻛﺎن اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني أول ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت املﻬﻤﺔ ً
ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻌﺪل إﻧﺘﺎﺟﻪ ﻋﻦ ﻣﻠﻴﺎر رﻃﻞ ﰲ اﻟﻌﺎم )ﰲ ﻋﺎم .(١٩٥٩
إن ﻧﻮع اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني املﺴﺘﺨﺪَم ﰲ اﻟﺘﻄﺒﻴﻘﺎت اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ ،وا ُملﻨﺘَﺞ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ
ﺑﺘﺤﻔﻴﺰ اﻷﻛﺴﺠني ،ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﻛﻤﺎ اﻛﺘﺸﻔﻪ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮ ﴍﻛﺔ إﻣﱪﻳﺎل ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ،
ﻫﻮ اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني املﻨﺨﻔﺾ اﻟﻜﺜﺎﻓﺔ املﺘﻔ ﱢﺮع .وﺗﺸري ﻛﻠﻤﺔ »ﻣﺘﻔ ﱢﺮع« إﱃ ﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ
اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮﻳﺔ املﻜﻮﱠﻧﺔ ﻣﻦ وﺣﺪات ﻣﻮﻧﻮﻣﺮ اﻹﺛﻴﻠني املﺤﺘﻮﻳﺔ ﻋﲆ ذرﺗﻲ ﻛﺮﺑﻮن .وﻳﻜﻮن ﺟﺰيء
اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ »ﻏري ﻣﺘﻔ ﱢﺮع« إذا ارﺗﺒﻄﺖ ﺟﺰﻳﺌﺎت اﻹﺛﻴﻠني ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻣﻦ ﻃﺮف
اﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﻟﻠﻄﺮف اﻵﺧﺮ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺘﻀﺢ ﻣﻦ ﺷﻜﻞ .1-26ﻟﻜﻦ اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ ا ُملﻨﺘَﺞ ﺣﺘﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ
235
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻔﺮﻋﺎت ،ﻣﺜﻞ ﻓﺮع اﻟﺸﺠﺮة ،وﻫﺬا
اﻟﺘﻔ ﱡﺮع ﻛﺎن ﻳﺠﻌﻞ درﺟﺔ اﻧﺼﻬﺎره وﻛﺜﺎﻓﺘﻪ أﻗﻞ )أيْ أﺧﻒ( ﻣﻦ اﻟﻨﻮع اﻟﻌﺎﱄ اﻟﻜﺜﺎﻓﺔ
ﻄﻲ )أي ﻏري املﺘﻔ ﱢﺮع( اﻟﺬي ﺗﻢ إﻧﺘﺎﺟﻪ ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﰲ ﺧﻤﺴﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ﺑﻄﺮق اﻟﺨ ﱢ
ﺟﺪﻳﺪة.
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻹﻧﺘﺎج ﻏري املﻘﺼﻮد ﻟﻠﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻲ ﴍﻛﺔ إﻣﱪﻳﺎل ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم ١٩٣٣املﺮ َة اﻷوﱃ اﻟﺘﻲ ﺣﺪث ﻓﻴﻬﺎ ﻫﺬا؛ ﻓﻘﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﺜﻼﺛﺔ أﻋﻮام ،أُﻧﺘِﺠﺖ
ﺗﻮﻗﻊ ﻛﻤﻨﺘﺞ ﻓﺮﻋﻲ ﰲ ﺗﺠﺮﺑ ٍﺔ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ إم إي ﺑﻲ ﻓﺮﻳﺪرﻳﺶ، ﺗﻠﻚ املﺎدة دون ﺳﺎﺑﻖ إﻧﺬار أو ﱡ
ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ﻻ ﻳﺰال ﻃﺎﻟﺐَ دراﺳﺎت ﻋﻠﻴﺎ ﺗﺤﺖ إﴍاف اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﻛﺎرل إس ﻣﺎرﻓﻞ ﰲ
اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﺳﺘﺨﺪا َم اﻹﺛﻴﻠني ﰲ وﺟﻮد ﻣﺮ ﱠﻛﺐ أﻟﻜﻴﻞ اﻟﻠﻴﺜﻴﻮم ﰲ ُ ﺟﺎﻣﻌﺔ إﻟﻴﻨﻮي .ﺗﻀﻤﱠ ﻨ َ ِﺖ
اﻟﻀﻐﻂ اﻟﺠﻮي اﻟﻌﺎدي.
ﰲ ﴍﻳﻂ ﻓﻴﺪﻳﻮ ﺗ ﱠﻢ ﺗﺼﻮﻳﺮه ﰲ ﻋﺎم ١٩٨٠ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ ﻗﺴﻢ ﺗﻌﻠﻴﻢ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﺑﺎﻟﺠﻤﻌﻴﺔ
ﻗﺼﺔ ﺗﻠﻚ املﺼﺎدﻓﺔ اﻟﺘﻲ وﻗﻌﺖ ﰲ ﻋﺎم َ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء ،وﺻﻒ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﻣﺎرﻓﻞ
ُﻌﺘﱪًا إﻳﺎﻫﺎ »ﺗﻤﻬﻴﺪًا ﻟﻠﺒﺤﺚ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮات« ،اﻟﺬي ﻗ ﱠﺪ َم ﻓﻴﻪ إﺳﻬﺎﻣﺎت ﻛﺒرية ١٩٣٠ﻣ ِ
ﻗﺎﺋﻼ إﻧﻪ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﻓﻠﻢ ﻳﻌﻘﺐ ﺗﻠﻚ املﻼﺣﻈﺔ ﺑﻤﺘﺎﺑﻌﺔ ﻋﲆ ﻣﺪى ٥٠ﻋﺎﻣً ﺎ .ﺛﻢ ﻋ ﱠﻠ َﻖ ً
ﻋﲆ اﻟﻔﻮر؛ ﻷﻧﻪ »ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺣﺪ ﻳﻌﺘﻘﺪ أن ﻣﺎدة اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﻣﻔﻴﺪة ﻋﲆ اﻹﻃﻼق«.
آﺧﺮ ﻹﺳﺎءة اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ أو رﺑﻤﺎ ﻋﺪم اﻟﻘﺪرة ﻋﲆ اﻟﺘﻨﺒﺆ ﻳﺬ ﱢﻛﺮﻧﻲ ﻫﺬا ﺑﻤﺜﺎل ﻛﻼﺳﻴﻜﻲ َ
ﺑﺎملﺴﺘﻘﺒﻞ .ﻓﻤﻨﺬ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ،ﺣﺪث أﻧﻨﻲ ﺗﺤ ﱠﺪﺛ ْ ُﺖ إﱃ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر إﻳﻤﻴﺖ رﻳﺪ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ
ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﺤﻀري إﺛﻴﻞ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ ﰲ َ اﻛﺘﺸ َ
ﻒ َ ﺟﻮن ﻫﻮﺑﻜﻴﻨﺰ ،اﻟﺬي ﻗﺎل ﱄ إﻧﻪ ﻛﺎن أول ﻣَ ﻦ
ﻧﺘﺎج ﺟﻴﺪ ﻣﻦ اﻹﺛﻴﻠني واﻟﺒﻨﺰﻳﻦ ﻣﻦ ﺧﻼل ﺗﻔﺎﻋﻞ ﻓﺮﻳﺪل-ﻛﺮاﻓﺘﺲ) .اﻧﻈﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ
ﻋﴩ (.ﻟﻢ ﻳﻔ ﱢﻜﺮ رﻳﺪ ﰲ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﺑﺮاءة اﺧﱰاع ﻟﺘﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ؛ ﻷﻧﻪ ﻓ ﱠﻜ َﺮ ﺣﻴﻨﻬﺎ أن
ﺣﻘﺎ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٢٨ﻟﻜﻦ ﻫﺬا املﺮﻛﺐ »إﺛﻴﻞ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ ﻻ ﻓﺎﺋﺪة ﻣﻨﻪ« .وﻛﺎن ﻫﺬا ﺻﺤﻴﺤً ﺎ ٍّ
ﻫﻮ اﻟﺬي ﺗﺸ ﱠﻜ َﻞ ﻣﻨﻪ ﻣﺮﻛﺐ اﻟﺴﺘﺎﻳﺮﻳﻦ .وﰲ اﻟﺜﻼﺛﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ اﻛﺘُ ِﺸﻒ أن
اﻟﺴﺘﺎﻳﺮﻳﻦ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺤﻮﻳﻠﻪ إﱃ اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﺘﺎﻳﺮﻳﻦ ،واﻟﺒﻮﻟﻴﺴﺘﺎﻳﺮﻳﻦ ﻣﺎدة ﻣﻔﻴﺪة ﺟﺪٍّا وﻣﺘﻌﺪدة
اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت؛ ﻓﻔﻲ ﻋﺎم ١٩٨٧ﺗﻢ ﺗﺴﻮﻳﻖ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻠﻴﺎرات رﻃﻞ ﻣﻦ املﻨﺘﺠﺎت
املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﺎدة ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة.
ﺗﺸري اﻟﻘﺼﺘﺎن اﻟﺴﺎﺑﻘﺘﺎن إﱃ اﻟﻌﺪد اﻟﻼﻧﻬﺎﺋﻲ ﻣﻦ املﺼﺎدﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺆ ﱢد — ﻋﲆ
ٍ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻣﻬﻤﺔ؛ أيْ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﴎﻧﺪﻳﺒﻴﺔ. اﻷﻗﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺪﺛﺖ — إﱃ
236
ﺗﴪ ٍب أو ﺗﻠﻮث ﰲ أدوات اﻟﺒﺤﺚ
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﺑﺴﺒﺐ ﱡ
H H
H H H H H H
H H
H H H H H H
n −2
إﺛﻴﻠني ﺑﻮﱄ إﺛﻴﻠني
)ﺣﻴﺚ nرﻗﻢ ﻛﺒري(
ﺷﻜﻞ :1-26ارﺗﺒﺎط ﺟﺰﻳﺌﺎت اﻹﺛﻴﻠني ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ﺑﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﻏري ﻣﺘﻔ ﱢﺮع.
ﺗﴪ ٍب ﰲ وﻋﺎء ﺿﻐﻂ وﻣﻦ ﻧﺘﺞ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني املﻨﺨﻔﺾ اﻟﻜﺜﺎﻓﺔ املﺘﻔ ﱢﺮع ﻣﻦ ﱡ
ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺒﺤﺚ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺖ ﺗﻠﻚ املﻼﺣﻈﺔ .أﻣﺎ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني اﻟﻌﺎﱄ اﻟﻜﺜﺎﻓﺔ اﻟﺨﻄﻲ،
ﻓﻨﺘﺞَ ﻋﻦ اﺳﺘﺨﺪام أداة ﻏري ﻧﻈﻴﻔﺔ ،أو ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﻟﻢ ﺗُﻨ ﱠ
ﻈﻒ ﺟﻴﺪًا ﻣﻨﺬ آﺧِ ﺮ اﺳﺘﺨﺪام ﻟﻬﺎ.
ﰲ ﻋﺎم ،١٩٥٣ﻛﺎن ﻛﺎرل ﺗﺴﻴﺠﻠﺮ ﻣﺪﻳ َﺮ ﻣﻌﻬﺪ ﻣﺎﻛﺲ ﺑﻼﻧﻚ ﻷﺑﺤﺎث اﻟﻔﺤﻢ ﰲ
ﺑﻤﺰج أﻟﻜﺎﻳﻼت اﻟﻠﻴﺜﻴﻮم
ِ ووﺳ َﻊ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ﻋﻤ َﻞ ﻣﺎرﻓﻞ وﻓﺮﻳﺪرﻳﺶ
ﻣﻮﻟﻬﺎﻳﻢ ﺑﺄملﺎﻧﻴﺎ ،وﻗﺪ ﺗﺎﺑَ َﻊ ﱠ
وﺑﻌﺾ اﻟﻜﻮاﺷﻒ اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ اﻟﻔﻠﺰﻳﺔ اﻷﺧﺮى )ﻣﺮﻛﺒﺎت ﻣﺤﺘﻮﻳﺔ ﻋﲆ ذرة ﻓﻠﺰ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ
ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻋﻀﻮﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﺬرات( ﻣﻊ اﻹﺛﻴﻠني ،ﰲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺒﻠﻤﺮﺗﻪ ﻋﻨﺪ درﺟﺎت ﺿﻐﻂ أﻗﻞ
ﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﺴﺘﺨﺪَﻣﺔ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﱢﻲ ﴍﻛﺔ إﻣﱪﻳﺎل ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ .وﻧﺘﺞ ﻋﻦ
ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺠﺎرب ﺑﻮﻟﻴﻤﺮات إﺛﻴﻠني ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻛﺒري ًة ﺑﺎﻟﻘﺪر اﻟﻜﺎﰲ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﻣﻔﻴﺪة .وﰲ أﺣﺪ
اﻷﻳﺎم ،أُﺟﺮﻳﺖ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻓﻠﻢ ﻳﻨﺘﺞ ﻋﻨﻬﺎ أي ﺑﻮﻟﻴﻤﺮ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ،وﻟﻜﻦ ﻧﺘﺞ ﻋﻨﻬﺎ دﻳﻤﺮ إﺛﻴﻠني؛
ﻄﺎ ﻣﻌً ﺎ .وأﺛﺎرت ﻫﺬه اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ دﻫﺸﺔ ﺗﺴﻴﺠﻠﺮ وزﻣﻴﻠﻪ إي أي ﺟﺰﻳﺌﺎن ﻓﻘﻂ ﻣﻦ اﻹﺛﻴﻠني ارﺗﺒَ َ
ﻛﺎف؛ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻬﻤﺎ ﻳﺒﺤﺜﺎن ﻋﻦ اﻟﺴﺒﺐ وراء ذﻟﻚ .وأﺧﺬ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻫﻮﻟﺘﺴﻜﺎﻣﺐ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ٍ
ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻋﺪة أﺳﺎﺑﻴﻊ ،ﻟﻜﻨﻬﻤﺎ ﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ وﺟَ ﺪَا أن اﻟﻮﻋﺎء اﻟﺬي ﺣﺪث ﻓﻴﻪ ﻫﺬا اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﺣﺘﻮى
237
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻋﲆ ﻛﻤﻴﺔ ﺻﻐرية ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺐ اﻟﻨﻴﻜﻞ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺘﻢ اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻨﻪ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﺑﻌﺪ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﰲ
ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ.
ﺟﻌﻞ ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف ﺗﺴﻴﺠﻠﺮ وﻓﺮﻳﻘﻪ ﻣﻦ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني ﻳﺠﺮون ﺗﺠﺎرب ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ ﻋﲆ
ﺗﺄﺛريات اﻟﻨﻴﻜﻞ وﻓﻠﺰات ﻋﺪﻳﺪة أﺧﺮى وﻣﺮﻛﺒﺎﺗﻬﺎ ﻋﲆ ﺗﻔﺎﻋﻼت اﻹﺛﻴﻠني؛ ﻓﻮﺟﺪوا أن ﺑﻌﺾ
اﻟﻔﻠﺰات اﻷﺧﺮى ﻟﻬﺎ ﻧﻔﺲ ﺗﺄﺛري اﻟﻨﻴﻜﻞ وﺗﻤﻨﻊ ﺑﻠﻤﺮة اﻹﺛﻴﻠني ،ﻟﻜﻦ اﻻﻛﺘﺸﺎف املﺪﻫﺶ
أﻧﻪ ﻛﺎﻧﺖ ﺛﻤﺔ ﻛﻠﻮرﻳﺪات ﻟﻔﻠﺰات أﺧﺮى ﻳﻤﻜﻦ ﻋﻨﺪ ﻣﺰﺟﻬﺎ ﺑﻤﺮﻛﺒﺎت أﻟﻮﻣﻨﻴﻮم ﻋﻀﻮﻳﺔ
أن ﺗﻜﻮن ﻋﻮاﻣﻞ ﺗﺤﻔﻴﺰ ﻓﻌﱠ ﺎﻟﺔ ﺟﺪٍّا ﻹﻧﺘﺎج ﺑﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﻟﻪ وزن ﺟﺰﻳﺌﻲ ٍ
ﻋﺎل ﺟﺪٍّا ،ودرﺟﺔ
اﻧﺼﻬﺎر ﻋﺎﻟﻴﺔ وﺗﺮﻛﻴﺐ ﺟﺰﻳﺌﻲ ﺧﻄﻲ؛ أي ﻏري ﻣﺘﻔ ﱢﺮع ﻋﲆ اﻹﻃﻼق ،وذﻟﻚ ﻛﻤﺎ أوﺿﺤﻨﺎ
ﻣﻦ ﺧﻼل ﺷﻜﻞ .1-26
ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻟﻨﻘﻄﺔ اﻻﻧﺼﻬﺎر اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ﻟﻨﻮع اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني اﻟﺨﻄﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ
أﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﰲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻷﻗﺪاح وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ أدوات املﻄﺒﺦ ،اﻟﺘﻲ ﻟﻦ ﺗﻨﺼﻬﺮ ﰲ
238
ﺗﴪ ٍب أو ﺗﻠﻮث ﰲ أدوات اﻟﺒﺤﺚ
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﺑﺴﺒﺐ ﱡ
ﻏﺴﺎﻟﺔ اﻷﻃﺒﺎق .وﻗﺪ ﺗﻢ إﻧﺘﺎج ﺣﻮاﱄ ٨ﻣﻠﻴﺎرات رﻃﻞ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﰲ
اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﰲ ﻋﺎم .١٩٨٧
ُ
ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء املﻬﻤﺔ ﺟﺪٍّا ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ املﺼﻨﱢﻌني ﺣﻘﻴﻘﺔ أن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺒﻠﻤﺮة ﻳﻤﻜﻦ إﺟﺮاؤﻫﺎ
ﺗﺤﺖ اﻟﻀﻐﻂ اﻟﻌﺎدي ودرﺟﺔ اﻟﺤﺮارة املﻨﺨﻔﻀﺔ ،ﻋﲆ ﻋﻜﺲ درﺟﺎت اﻟﻀﻐﻂ واﻟﺤﺮارة
ﻣﻄﻠﻮﺑﺔ ﻟﻠﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﴩﻛﺔ إﻣﱪﻳﺎل ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ. ً اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ﻳﺤﺘﻮي ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺘﺤﻔﻴﺰ اﻷﻣﺜﻞ ﻋﲆ راﺑﻊ ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﺘﻴﺘﺎﻧﻴﻮم وﺛﺎﻟﺚ إﺛﻴﻞ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم ،وﻷن
ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺘﺤﻔﻴﺰ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳ َ
ُﺴﺘﻨﻔﺪ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺒﻠﻤﺮة وﻳﻤﻜﻦ إﻋﺎدة اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ؛ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ارﺗﻔﺎع
ﺳﻌﺮ اﻟﺘﻴﺘﺎﻧﻴﻮم ﻳﻤﺜﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ .وأﺻﺒﺢ ﻳُﻄ َﻠﻖ ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣﻮﻟﻬﺎﻳﻢ ﻟﺘﺤﻀري
اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﺗﺤﺖ اﻟﻀﻐﻂ اﻟﻌﺎدي ،وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺟﺬﺑﺖ إﻟﻴﻬﺎ اﻷﻧﻈﺎ َر ﻣﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ أﻧﺤﺎء
اﻟﻌﺎﻟﻢ.
239
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻋﺎﻣ َﻞ ﺗﺤﻔﻴﺰ
ﺑﻔﻀﻞ اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ اﻟﱰﺧﻴﺺ املﱪَﻣﺔ ﺑني ﻣﻌﻬﺪ ﺗﺴﻴﺠﻠﺮ وﺗﻠﻚ اﻟﴩﻛﺔ .ﻓﺎﺳﺘﺨﺪم ِ
ﺗﺴﻴﺠﻠﺮ ﻟﺒﻠﻤﺮة اﻟﱪوﺑﻠني وﻏريه ﻣﻦ املﺮﻛﺒﺎت اﻟﻬﻴﺪروﻛﺮﺑﻮﻧﻴﺔ اﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻹﺛﻴﻠني ،وأﺛﺒﺖ
أﻳﻀﺎ ﻣﻌﻬﺎ .وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ،أﺻﺒﺢ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ إﻧﺘﺎج اﻟﺒﻮﱄ ﺑﺮوﺑﻠني ﰲ أﺷﻜﺎل ﺧﻄﻴﺔ أﻧﻪ ﻓﻌﱠ ﺎل ً
وﻋﺎﻟﻴﺔ اﻟﻜﺜﺎﻓﺔ وذات درﺟﺔ اﻧﺼﻬﺎر ﻋﺎﻟﻴﺔ ،وﻛﺎﻧﺖ ﻣﻔﻴﺪة أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي أﺷﻜﺎل ﺳﺎﺑﻘﺔ
ﻋﻠﻴﻬﺎ .وﻗﺪ أﺻﺒﺢ اﻟﺒﻮﱄ ﺑﺮوﺑﻠني أﺣﺪ أﻧﻮاع اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻢ إﻧﺘﺎج
ﺣﻮاﱄ ٧ﻣﻠﻴﺎرات رﻃﻞ ﻣﻨﻪ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﰲ ﻋﺎم ،١٩٨٧وﻗﺪ اﺳﺘُﺨﺪِم ﰲ ﺗﺼﻨﻴﻊ
اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء املﻘﻮﻟﺒﺔ واملﺼﺒﻮﺑﺔ ،ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ أﺟﺰاء اﻟﺴﻴﺎرات وﺻﻨﺎدﻳﻖ اﻟﺜﻠﺞ
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ أدوات ﻋﺪﻳﺪة أﺧﺮى ،ﻫﺬا إﱃ ﺟﺎﻧﺐ أﻟﻴﺎف اﻟﻨﺴﻴﺞ ﰲ اﻟﺴﺠﺎﺟﻴﺪ واﻟﺤِ ﺒﺎل
واﻟﻜﺒﻼت .وﺗﺘﻤﻴﺰ اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮات املﺸﱰﻛﺔ املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻹﺛﻴﻠني واﻟﱪوﺑﻠني ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻣَ ِﺮﻧﺔ وﻳﻤﻜﻦ
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ املﻄﺎط ﰲ ﺑﻌﺾ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت. اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ً
ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻋﻮاﻣﻞ اﻟﺘﺤﻔﻴﺰ اﻟﺠﺪﻳﺪة ،أﺻﺒﺢ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ ﻷول ﻣﺮة ﺻﻨﻊ ﻣﻄﺎط ﺻﻨﺎﻋﻲ
ﻣﻄﺎ ِﺑﻖ ﻟﻠﻤﻄﺎط اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ .وﻗﺪ ﺳﻤﺢ ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺘﺤﻔﻴﺰ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﺑﺎﻟﺘﺤ ﱡﻜﻢ ﰲ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻲ
ﻳﺘﻢ ﺑﻬﺎ اﻟﺮﺑﻂ ﺑني وﺣﺪات املﻮﻧﻮﻣﺮ )اﻷﻳﺰوﺑﺮﻳﻦ( ﻣﻌً ﺎ ﻹﻋﻄﺎء ﺷﻜﻞ ﻟﻮﻟﺒﻲ ﻟﺠﺰيء املﻄﺎط
اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮي؛ أي اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ املﺴﺌﻮل ﻋﻦ ﻣﺮوﻧﺔ املﻄﺎط) .اﻧﻈﺮ اﻟﻘﺴﻢ اﻟﺨﺎص
ﺑﺎملﻄﺎط اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ اﻟﺬي ﻋﺮﺿﻨﺎه ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎدي ﻋﴩ(.
ﺗﻌﺘﻤﺪ املﺎدة املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻨﻬﺎ إﻃﺎرات اﻟﺴﻴﺎرات اﻵن إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻛﺒري ﻋﲆ اﻟﺴﻌﺮ اﻟﻨﺴﺒﻲ
ﻟﻠﻤﻄﺎط اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ واﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ،وﻋﺎد ًة ﻣﺎ ﻳُﺴﺘﺨﺪَم ﻣﺰﻳﺞ ﻣﻦ اﻟﻨﻮﻋني .واﻟﺪﻟﻴﻞ ﻋﲆ ﺗﺄﺛري
اﻛﺘﺸﺎف ﺗﺴﻴﺠﻠﺮ ﻋﲆ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮات ﻫﻮ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻗﻴﻤﺔ ﻛﻞ املﻮاد ا ُملﻨﺘﺠَ ﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت
ِ
املﻌﺘﻤﺪة ﻋﻠﻴﻪ ،اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻞ إﱃ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﻠﻴﺎر دوﻻر ﻛﻞ ﻋﺎم.
وﻗﺪ ﺗﻘﺎﺳﻢ ﺗﺴﻴﺠﻠﺮ وﻧﺎﺗﺎ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﰲ ﻋﺎم .١٩٦٣وﰲ ﻧﺪوة دوﻟﻴﺔ
ﻋُ ﻘِ ﺪت ﺗﻜﺮﻳﻤً ﺎ ﻟﺘﺴﻴﺠﻠﺮ ﺑﻌﺪ وﻗﺖ ﻗﺼري ﻣﻦ وﻓﺎﺗﻪ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٧٣ﻗﺎل ﺟﻴﻪ ﻓﻴﻠﻜﻪ ،ﺧﻠﻴﻔﺘﻪ
ﰲ ﻣﻌﻬﺪ ﻣﺎﻛﺲ ﺑﻼﻧﻚ» :ﻳﺘﻤﺜﻞ املﺒﺪأ اﻷﺳﺎﳼ ﻟﻜﺎرل ﺗﺴﻴﺠﻠﺮ ﰲ أﻧﻪ ﻣﻦ ﻏري املﻤﻜﻦ ﱡ
ﺗﻮﻗﻊ
ﳾء ﺟﺪﻳﺪ ﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ؛ ﻷﻧﻪ ﰲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ إﻻ ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻓﻘﻂ … وﻛﺎن
وأﻻ ﻳﺘﺠﺎﻫﻞ ﱠ
ﻣﺘﻮﻗﻌﺔ ،ﱠ أﻳﻀﺎ ﴐورة أن ﱠ
ﻳﱰﻗﺐ املﺮء أيﱠ ﺗﻄﻮرات ﻏري ﻣﻦ ﻣﺒﺎدئ ﺗﺴﻴﺠﻠﺮ ً
أﻳﺔ ﻇﺎﻫﺮة ﺟﺪﻳﺪة ﺗﻜﻮن ﻏري ذات ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎملﴩوع اﻷﺳﺎﳼ اﻟﺬي ﻳﻌﻤﻞ ﺑﻪ«.
240
ﺗﴪ ٍب أو ﺗﻠﻮث ﰲ أدوات اﻟﺒﺤﺚ
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﺑﺴﺒﺐ ﱡ
ﺗﻌﻘﻴﺐ
ﺑﻮﱄ )ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﻔﻴﻨﻴﻞ( :ﻫﻮ ﻣﺮﻛﺐ ﻗﺮﻳﺐ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ ﻣﻦ اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني .ﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻣﻮﻧﻮﻣﺮ
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ إﺣﺪى ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﻔﻴﻨﻴﻞ CH2 = CHClﻋﻦ اﻹﺛﻴﻠني إﻻ ﰲ اﺣﺘﻮاﺋﻪ ﻋﲆ ذرة ﻛﻠﻮر ً
ذرات اﻟﻬﻴﺪروﺟني املﻮﺟﻮدة ﰲ اﻹﺛﻴﻠني .ورﺑﻤﺎ ﻳُﻌَ ﱡﺪ ﻫﺬا اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ املﺎدة اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ اﻷﻛﺜﺮ
اﺳﺘﺨﺪاﻣً ﺎ واﻷﻫﻢ ﺻﻨﺎﻋﻴٍّﺎ؛ ﻓﻘﺪ وﺻﻠﺖ ﻣﺒﻴﻌﺎﺗﻪ ﰲ ﻋﺎم ١٩٨٧إﱃ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٦٠٠ﻣﻠﻴﻮن
دوﻻر .ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻳُﻌَ ﱡﺪ أرﺧﺺ أﻧﻮاع اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ ،ورﺑﻤﺎ أﻛﺜﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت؛ ﺣﻴﺚ
ﻧﻄﺎﻗﺎ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق(،ً إﻧﻪ ﻳُﺴﺘﺨﺪَم ﰲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻷﻧﺎﺑﻴﺐ ووﺻﻼﺗﻬﺎ )وﻫﻲ أوﺳﻊ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت
وأﻗﺮاص اﻟﻜﻤﺒﻴﻮﺗﺮ ا َمل ِﺮﻧﺔ ،وﺧﺮاﻃﻴﻢ اﻟﺤﺪاﺋﻖ ،وورق اﻟﺤﺎﺋﻂ ،وﻋﺰل اﻷﺳﻼك واﻟﻜﺒﻼت،
وﺗﻐﻠﻴﻒ اﻷﻃﻌﻤﺔ ،وأﻏﻄﻴﺔ ﻣﻘﺎﻋﺪ اﻟﺴﻴﺎرات ،وﺳﺘﺎﺋﺮ اﻟﺤﻤﺎم ،واﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت
املﻨﺰﻟﻴﺔ اﻷﺧﺮى .وﻛﺎن ﻣﻦ أواﺋﻞ أﻧﻮاع اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ ﺗﺼﻨﻴﻌﻬﺎ ﺗﺠﺎرﻳٍّﺎ ﰲ أواﺋﻞ
اﻟﺜﻼﺛﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ورﺑﻤﺎ ﻳُﻌَ ﱡﺪ أول ﺑﻮﻟﻴﻤﺮ ﺻﻨﺎﻋﻲ.
ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ
ﱞ َ
وﺻﻒ ﻛﺎن ﺣﺪث إﻧﺘﺎﺟﻪ ﻷول ﻣﺮة وﻟﻴﺪ املﺼﺎدﻓﺔ اﻟﺒﺤﺘﺔ .ﻓﻔﻲ ﻋﺎم ،١٨٣٨
ﻓﺮﻧﴘ ﻳُﺪﻋَ ﻰ ﻓﻴﻜﺘﻮر رﻳﻨﻴﻮ ﺗﻜﻮ َﱡن ﻣﺴﺤﻮق أﺑﻴﺾ ﻋﻨﺪ ﺗﻌ ﱡﺮض أﻧﺎﺑﻴﺐَ زﺟﺎﺟﻴ ٍﺔ ﻣﺤ َﻜﻤﺔ
اﻟﻐﻠﻖ ﻣﻦ ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﻔﻴﻨﻴﻞ اﻟﺴﺎﺋﻞ ﻟﻀﻮء اﻟﺸﻤﺲ .وﺑﻌﺪ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ،وﺗﺤﺪﻳﺪًا ﰲ ﻋﺎم
،١٨٧٢أﻋﻠﻦ إي ﺑﺎوﻣﺎن ﻋﻦ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﻔﻴﻨﻴﻞ إﱃ ﻛﺘﻠﺔ ﺻﻠﺒﺔ ﺑﻴﻀﺎء »ﻻ ﺗﺘﺄﺛﱠﺮ
ﺑﺎملﺬﻳﺒﺎت أو اﻷﺣﻤﺎض« ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺘﻢ إدراك أﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬه املﻼﺣﻈﺔ إﻻ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻔﱰة ﻃﻮﻳﻠﺔ،
وﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﻔﻴﻨﻴﻞ ﺗﺠﺎرﻳٍّﺎ إﻻ ﺑﻌﺪ ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻟﻄﺮق اﻟﺘﺤﻔﻴﺰﻳﺔ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻟﺒﻠﻤﺮﺗﻪ.
ﺑﻮﱄ )أﻛﺴﻴﺪ اﻹﺛﻴﻠني( وﺑﻮﱄ )أﻛﺴﻴﺪ اﻟﱪوﺑﻠني( :ﰲ ﺻﻴﻒ ﻋﺎم ،١٩٥١ﻓﺘﺢ
ﺟﻮرج ﻓﺎوﻟﺮ وواﻟﺖ دﻳﻨﻴﺴﻦ ،وﻫﻤﺎ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺎن ﰲ ﴍﻛﺔ ﻳﻮﻧﻴﻮن ﻛﺎرﺑﺎﻳﺪ ﰲ ﺳﺎوث
ﺗﺸﺎرﻟﺴﺘﻮن ﺑﻮﻻﻳﺔ وﻳﺴﺖ ﻓريﺟﻴﻨﻴﺎ ،ﺻﻤﺎ َم أﺳﻄﻮاﻧﺔ ﺑﻬﺎ أﻛﺴﻴﺪ اﻹﺛﻴﻠني ،CH2 CH2 O
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﺧﺮج ﺳﺎﺋﻞ أﺳﻮد َﻟ ِﺰج؛ ﻓﺎﻋﺘﻘﺪ ﻣﺘﻮﻗﻌَ ْني ﺧﺮوجَ ﻏﺎز ﻋﺪﻳﻢ اﻟﻠﻮن ،ﻟﻜﻦ ً
وأرﺳ َﻼ ﰲ ﴍاء واﺣﺪة َ ﻓﻮﺿﻌَ ﺎﻫﺎ ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻟﻔﱰة ﱠ
ﻣﺆﻗﺘﺔ ً
ﺗﺎﻟﻔﺔَ ، اﻟﻌﺎﻟِﻤﺎن أن اﻷﺳﻄﻮاﻧﺔ ﻛﺎﻧﺖ
ﱠ
ﺟﺪﻳﺪة ،واﺳﺘﻤ ﱠﺮا ﰲ ﺗﺠﺮﺑﺘﻬﻤﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺨﻄﻂ ﻟﻬﺎ.
ﻟﻜﻦ ﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﻆ ،ﻛﺎن ﻟﺪى اﻟﻌﺎﻟِﻤَ ني ﻣﻦ اﻟﻔﻀﻮل ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﺪﻓﻌﻬﻤﺎ إﱃ ﻓﺤﺺ
اﻷﺳﻄﻮاﻧﺔ اﻟﺘﺎﻟﻔﺔ وﻣﺤﺘﻮﻳﺎﺗﻬﺎ) .ﻳﺬ ﱢﻛﺮﻧﻲ ﻫﺬا ﺑﻘﺼﺔ روي ﺑﻼﻧﻜﻴﺖ اﻟﺬي اﻛﺘﺸﻒ اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن
ﰲ ﻇﺮوف ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ؛ اﻧﻈﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ واﻟﻌﴩﻳﻦ (.ﻓﱰ َﻛﺎ اﻟﺴﺎﺋﻞ اﻷﺳﻮد ﻳﺨﺮج ﻣﻦ
241
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻷﺳﻄﻮاﻧﺔ ووﺟَ ﺪَا أﻧﻪ ﺗﺤ ﱠﻮ َل إﱃ ﻣﺎدة ﺻﻠﺒﺔ ﺳﻮداء ﺟﺎﻣﺪة ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ
اﻧﻔﺼ َﻞ إﱃ ﻣﺴﺤﻮق أﺳﻮد َ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺬوﺑﺎن ﰲ املﺎء .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎﻣَ ﺎ ﺑﱰﺷﻴﺢ اﻟﺴﺎﺋﻞ اﻷﺳﻮد، ً ذﻟﻚ
ﺗﺮﺳﺒ َْﺖ ﻣﺎدة ﺻﻠﺒﺔ ﺑﻴﻀﺎء )ﻋﲆ املﺮﺷﺢ( وﻣﺤﻠﻮل ﻋﺪﻳﻢ اﻟﻠﻮن ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﱠ
ﺗﺒﺨ َﺮ املﺤﻠﻮل ،ﱠ
ﺗﺒني أﻧﻬﺎ ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﻋﻨﴫ اﻟﺤﺪﻳﺪ ،ﻓﺄﻋﻄﺎﻫﻤﺎ ﺟﺎﻣﺪة .وﺑﺘﺤﻠﻴﻞ املﺎدة اﻟﺼﻠﺒﺔ اﻟﺴﻮداء ،ﱠ َ
ذﻟﻚ ﻣﺆﴍًا ﻋﲆ ﺳﺒﺐ ﺗﻜﻮ ِﱡن املﺎدة اﻟﺼﻠﺒﺔ اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺬوﺑﺎن ﰲ املﺎء .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺴﺒﺐ ﻫﻮ
ﻣﺤﻔﺰ أﻛﺴﻴﺪ اﻟﺤﺪﻳﺪ )اﻟﺼﺪأ( اﻟﺬي ﻛﺎن داﺧﻞ ﱢ ﺑﻮﻟﻴﻤﺮ ﻣﻦ أﻛﺴﻴﺪ اﻹﺛﻴﻠني ﺗﻜﻮ َﱠن ﺑﻔﻌﻞ
ُ
اﻷﺳﻄﻮاﻧﺔ اﻟﺘﺎﻟﻔﺔ ،وأﺳﻔﺮت اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺘﻲ أﺟﺮﻳﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻋﻦ اﻛﺘﺸﺎف إﺟﺮاءات إﻧﺸﺎء
ﺑﺄوزان ﺟﺰﻳﺌﻴﺔ ﺗﱰاوح ﺑني ﻣﺎﺋﺔ أﻟﻒ وﺧﻤﺴﺔ ﻣﻼﻳني .وﺑﻌﺪ ٍ ﺑﻮﻟﻴﻤﺮات أﻛﺴﻴﺪ اﻹﺛﻴﻠني
ﺑﻀﻌﺔ أﻋﻮام ﻻﺣﻘﺔ ،اﺳﺘﻄﺎع ﺗﺸﺎرﻟﺰ ﳼ ﺑﺮاﻳﺲ ﺑﻠﻤﺮ َة أﻛﺴﻴﺪ اﻟﱪوﺑﻠني اﻟﻨ ﱠ ِﺸﻂ ﺿﻮﺋﻴٍّﺎ
وإﻧﺘﺎجَ ﺑﻮﻟﻴﻤﺮ ﻧ َ ِﺸﻂ ﺿﻮﺋﻴٍّﺎ.
ﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ،ﻛﺎن اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن اﻷملﺎن ﻗﺪ ﻗﺎﻣﻮا ﺑﺒﻠﻤﺮة أﻛﺴﻴﺪ اﻹﺛﻴﻠني ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ
ﺑﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻋﴩ ﻋﺎﻣً ﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻬﺘﻢ أﺣﺪ ﺑﻤﺎ ﻧﴩوه ﻋﻦ ذﻟﻚ .وﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻓﺈن ﻟﺒﻮﱄ )أﻛﺴﻴﺪ
اﻹﺛﻴﻠني( اﻟﺬي أُﻋﻴ َﺪ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻋﺪﻳﺪة ﺟﻌﻠﺘﻪ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني اﻟﺼﻨﺎﻋﻴني ،ﻣﻦ
ﻧﺤﻮ ﻛﺒري ،وﻳﺠﻌﻞ املﺤﺎﻟﻴﻞ ﻣﺘﺠﺎﻧﺴﺔ اﻟﻘﻮام ،وذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﺑﻴﻨﻬﺎ أﻧﻪ ﻳﺰﻳﺪ ﻟﺰوﺟﺔ املﺎء ﻋﲆ ٍ
ﻋﻨﺪ اﺳﺘﺨﺪام ﻛﻤﻴﺎت ﺻﻐرية ﺟﺪٍّا ﻣﻨﻪ .وﺗﻤﺖ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺨﺎﺻﻴﺔ ﰲ ﺗﻐﻠﻴﻆ
املﻌﺘﻤﺪة ﻋﲆ املﺎء ،وﺗﺼﻨﻴﻊ أدوات اﻟﺘﺠﻤﻴﻞ وﻣﻨﺘﺠﺎت اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺑﺎﻟﺒﴩة ِ ﻗﻮام أﻧﻮاع اﻟﻄﻼء
ﻈﻔﺎت اﻟﺴﺎﺋﻠﺔ املﺴﺘﺨﺪَﻣﺔ ﰲ ﻏﺴﻞ اﻷﻃﺒﺎق. واملﻨ ﱢ
آﺧﺮ ﻟﻠﺒﻮﻟﻴﻤﺮ اﻟﻘﺎﺑﻞ ﻟﻠﺬوﺑﺎن ﰲ املﺎء ،وﻫﻮ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺰراﻋﺔ؛ إذ ﺛﻤﺔ اﺳﺘﺨﺪام َ
ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﰲ ﺻﻨﻊ أﴍﻃﺔ أﻧﺒﻮﺑﻴﺔ اﻟﺸﻜﻞ وﻣﻠﺌﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﺬور ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻓﺎت ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ
واﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺰراﻋﺔ .وﻳﻤﻜﻦ وﺿﻊ »ﴍﻳﻂ اﻟﺒﺬور« ﰲ أﺧﺪود ﺿﺤﻞ وﺗﻐﻄﻴﺘﻪ
ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻏري ﻣﺤ َﻜﻢ ﺑﺎﻟﱰﺑﺔ ،وﻋﻨﺪ ﺳﻘﻴﻪ ﺑﻤﺎء املﻄﺮ أو اﻟﺮي ،ﺳﻴﺬوب اﻟﴩﻳﻂ وﺗُﻨﺘِﺞ
ﻧﺒﺎﺗﺎت ﻋﲆ ﻣﺴﺎﻓﺎت ﻣﻨﺘﻈﻤﺔ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﻬﱢ ﻞ ﻣﻦ اﻟﺰراﻋﺔ واﻟﺤﺼﺎد. ٍ اﻟﺒﺬو ُر ﻋﻨﺪ اﻹﻧﺒﺎت
وﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ املﺜرية ﻟﻬﺬا اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ أن إﺿﺎﻓﺔ ﻛﻤﻴﺎت ﺻﻐرية ﺟﺪٍّا ﻣﻨﻪ إﱃ
ﻃﺒﱢﻘﺖ ﺗﻠﻚ ﺗﺪﻓﻘﻪ ﻋﱪ اﻷﻧﺎﺑﻴﺐ أو اﻟﺨﺮاﻃﻴﻢ .وﻗﺪ ُ املﺎء ﻳﻘ ﱢﻠﻞ ﺑﺸﺪة اﺣﺘﻜﺎك املﺎء ﻋﻨﺪ ﱡ
أﻳﻀﺎ ﰲاﻟﻔﻜﺮة ﻋﻨﺪ ﺿﺦ اﻟﺨﻠﻄﺔ اﻟﺨﺮﺳﺎﻧﻴﺔ ﻋﱪ اﻷﻧﺎﺑﻴﺐ ﰲ ﻣﻮاﻗﻊ اﻟﺒﻨﺎء .واﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖ ً
ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻟﺤﺮﻳﻖ؛ ﻣﻤﺎ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻠﻤﺎء ﺣﺘﻰ ﻋﻨﺪ ﺿﺨﻪ ﻋﱪ ﺧﺮاﻃﻴﻢ أﺻﻐﺮ أن ﺗﺼﻞ إﱃ
ﻣﺴﺎﻓﺔ أﻛﱪ ﻣﻊ اﺳﺘﺨﺪام ﻧﻔﺲ ﻗﻮة اﻟﻀﺦ.
242
ﺗﴪ ٍب أو ﺗﻠﻮث ﰲ أدوات اﻟﺒﺤﺚ
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺒﻮﱄ إﺛﻴﻠني ﺑﺴﺒﺐ ﱡ
ﻳﻮﺟﺪ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻻﻓﱰاﺿﺎت املﻬﻤﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف .ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻣﺎذا ﻟﻮ
ﺣﺪﺛﺖ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺒﻠﻤﺮة داﺧﻞ اﻷﺳﻄﻮاﻧﺔ اﻟﺘﺎﻟﻔﺔ؟ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﴚء أن ﻳﻨﺘﺞ ،ورﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﻳ َُﻘ ِﻢ
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺎن ﺑﺄﻳﺔ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﺘﺤﺪﻳﺪ اﻟﺴﺒﺐ وراء ﻣﺎ ﺣﺪث .ﻟﻜﻦ ﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﻆ ،ﺣﺪﺛ َ ْﺖ ﻋﻤﻠﻴﺔ
اﻟﺒﻠﻤﺮة ﺧﺎرجَ اﻷﺳﻄﻮاﻧﺔ ﻟﺘﺴﻤﺢ ﺑﻈﻬﻮر ﻣﺎدة َﻟ ِﺰﺟﺔ ﻣﺜرية ﺗﺠﺬب اﻫﺘﻤﺎم اﻟﻌﺎﻟِﻤَ ني ﻓﺎوﻟﺮ
ودﻳﻨﻴﺴﻦ وﺗﺜري ﻓﻀﻮﻟﻬﻤﺎ.
243
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎﺑﻊ واﻟﻌﴩون
إن اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن ﻫﻮ اﻻﺳﻢ اﻟﺘﺠﺎري ملﺎدة اﻟﺒﻮﱄ ﺗﱰاﻓﻠﻮروإﺛﻴﻠني ،وﻫﻮ املﻨﺘﺞ اﻟﺬي د ﱠر ﻣﻠﻴﺎر ﱠ
دوﻻر ﻋﲆ ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ ،واملﺴﺘﺨﺪم ﰲ ﺻﻨﺎﻋﺔ أﻏﺮاض ﻛﺜرية ،ﺑﺪءًا ﻣﻦ ﱠ
اﻟﻘﻼﻳﺎت اﻟﺘﻲ ﻻ
ﻳﻠﺘﺼﻖ ﺑﻬﺎ اﻟﻄﻌﺎم ،إﱃ ِﺑﺪَل روﱠاد اﻟﻔﻀﺎء ،وﺣﺘﻰ ﺻﻤﺎﻣﺎت اﻟﻘﻠﺐ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ .واﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ
ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﺷﺎب ﺑﴩﻛﺔ دوﱞ ﻈﻬﺎ روي ﺟﻴﻪ ﺑﻼﻧﻜﻴﺖ ،وﻫﻮ ً
ﻣﺼﺎدﻓﺔ ،ﺣني ﻻﺣَ َ ﺗﻠﻚ املﺎدة
ﺑﻮﻧﺖ ﻛﺎن ﻗﺪ ﺣﺼﻞ ﻋﲆ درﺟﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ وﻻﻳﺔ أوﻫﺎﻳﻮ ،وذﻟﻚ ﻗﺒﻞ ﻋﺎﻣني ﻣﻦ
اﻟﻴﻮم املﺤﺘﻮم ٦أﺑﺮﻳﻞ ﻣﻦ ﻋﺎم ١٩٣٨اﻟﺬي ﺣﺪث ﻓﻴﻪ ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف .ﰲ ﻫﺬا اﻟﻴﻮم ،ﻓﺘﺢ
اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺑﻼﻧﻜﻴﺖ أﺳﻄﻮاﻧﺔ ﺑﻬﺎ ﻣﺎدة اﻟﺘﱰاﻓﻠﻮروإﺛﻴﻠني اﻟﻐﺎزﻳﺔ ﻋﲆ أﻣﻞ ﺗﺤﻀري ﻏﺎز ﺗﱪﻳﺪ
ﻏري ﺳﺎم ﻣﻨﻬﺎ ،ﻟﻜﻦ ﺑﻼﻧﻜﻴﺖ وﻣﺴﺎﻋﺪه ﺟﺎك رﻳﺒﻮك اﻧﺪﻫﺸﺎ ﺣني ﻟﻢ ﻳﺨﺮج ﻏﺎز ﻣﻨﻬﺎ.
وﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺑﻼﻧﻜﻴﺖ ﻓﻬﻢ اﻟﺴﺒﺐ وراء ﻫﺬا؛ ﻷن وزن اﻷﺳﻄﻮاﻧﺔ ﻛﺎن ﻳﺸري إﱃ أﻧﻬﺎ ﻳﺠﺐ
ً
ﻣﻤﺘﻠﺌﺔ ﺑﻤﺎدة اﻟﻔﻠﻮروﻛﺮﺑﻮن اﻟﻐﺎزﻳﺔ. أن ﺗﻜﻮن
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﻳﺘﺨ ﱠﻠﺺ ﺑﻼﻧﻜﻴﺖ ﻣﻦ ﻫﺬه اﻷﺳﻄﻮاﻧﺔ وﻳﺤﺼﻞ ﻋﲆ أﺳﻄﻮاﻧﺔ أﺧﺮى ً
ﻻﺳﺘﻜﻤﺎل ﺑﺤﺜﻪ اﻟﺨﺎص ﺑﻐﺎز اﻟﺘﱪﻳﺪ ،ﻗ ﱠﺮ َر أن ﻳُﺸ ِﺒﻊ ﻓﻀﻮ َﻟﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺎﻷﺳﻄﻮاﻧﺔ
»اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ« ،ﻓﺒﻌﺪ اﻟﺘﺄ ﱡﻛﺪ ﻣﻦ أن اﻟﺼﻤﺎم ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺑﻪ ﻣﺸﻜﻠﺔ؛ وذﻟﻚ ﺑﺘﻤﺮﻳﺮ ﺳﻠﻚ ﻋﱪ ﻓﺘﺤﺘﻪ،
ﻗﺺ اﻷﺳﻄﻮاﻧﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﻒ ﻣﺴﺘﺨﺪِﻣً ﺎ ِﻣﻨﺸﺎ ًرا وأﻟﻘﻰ ﻧﻈﺮ ًة ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺪاﺧﻞ ،ﻓﻮﺟﺪ ﱠ
ً
ﻣﺴﺤﻮﻗﺎ أﺑﻴﺾ ﺷﻤﻌﻴٍّﺎ ،وﺑﻮﺻﻔﻪ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ أدرك ﻣﺎ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻌﻨﻴﻪ ﻫﺬا.
ارﺗﺒﻄﺖ ﺟﺰﻳﺌﺎت اﻟﺘﱰاﻓﻠﻮروإﺛﻴﻠني اﻟﻐﺎزي ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺒﻌﺾ )أي ﺣﺪﺛﺖ »ﺑﻠﻤﺮة« ﻟﻬﺎ(،
ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻬﺎ ﻛ ﱠﻮﻧ َ ْﺖ ﻣﺎدة ﺻﻠﺒﺔ .وﻟﻢ ﻳﻼﺣﻆ أﺣ ٌﺪ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ﺑﻠﻤﺮ َة ﻫﺬا املﺮﻛﺐ ﻋﲆ وﺟﻪ
اﻟﺨﺼﻮص ،ﻟﻜﻦ ﺣﺪﺛ َ ْﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ ﰲ ﻫﺬه اﻷﺳﻄﻮاﻧﺔ »اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ« اﻟﻐﺎﻣﻀﺔ.
اﻵﺧﺮون ﰲ ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ ﺑﺎﻛﺘﺸﺎف ﺑﻼﻧﻜﻴﺖ اﻟﻮﻟﻴﺪ وﺗﺸﺠﱠ َﻊ ﺑﻼﻧﻜﻴﺖ واﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن َ
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
246
اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن :ﻣﻦ اﻟﻘﻨﺒﻠﺔ اﻟﺬرﻳﺔ إﱃ املِ ﻘﻼة
247
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺷﻜﻞ ُ :2-27روي ﺑﻼﻧﻜﻴﺖ وﻣﻌﻪ ﻛﺒﻞ ﻣﻌﺰول ﺑﻤﺎدة اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن ،وﺻﻴﻨﻴﺔ ﻟﺨﺒﺰ املﺎﻓﻦ ﻣﺒ ﱠ
ﻄﻨﺔ
ﺑﺎﻟﺘﻴﻔﻠﻮن.
248
اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن :ﻣﻦ اﻟﻘﻨﺒﻠﺔ اﻟﺬرﻳﺔ إﱃ املِ ﻘﻼة
ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ واملﻌﻬﺪ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني .وﰲ ﻋﺎم ،١٩٧٣دﺧﻞ ﻗﺎﻋﺔ املﺸﺎﻫري
اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ ،وﰲ ﻋﺎم ١٩٨٥دﺧﻞ ﻗﺎﻋﺔ ﻣﺸﺎﻫري املﺨﱰﻋني اﻟﻘﻮﻣﻴني.
أﻳﻀﺎ ﺑﺎﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻌﺪﻳﺪةوﻋﻼو ًة ﻋﲆ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻜﺮﻳﻤﺎت واﻟﺠﻮاﺋﺰ ،ﻳﻔﺘﺨﺮ ﺑﻼﻧﻜﻴﺖ ً
ملﺎدة اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن اﻟﺘﻲ ﺗﺪﺧﻞ ﰲ ﺣﻴﺎة ﻣﻼﻳني اﻷﺷﺨﺎص ﻋﲆ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎﻟﻢ .وﻳﻘﻮل إﻧﻪ »ﻻ
ُ
ﺗﺠﺎﻫ َﻞ« اﻟﺨﻄﺎﺑﺎت واملﻜﺎملﺎت اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺰال ﻳﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻨﺎس اﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺰاﻟﻮن ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ
ﻈﻢ ﻧﺒﺾ ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ ﻣﺎدة ﻋﲆ ﻗﻴﺪ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﻴﻮم؛ ﻷﻧﻪ ﺗﻢ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﴍﻳﺎن أورﻃﻲ أو ﻣﻨ ﱢ
اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن ﰲ أﺟﺴﺎﻣﻬﻢ .وﻧﻈ ًﺮا ﻷن اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن ﻣﻦ املﻮاد اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﺮﻓﻀﻬﺎ اﻟﺠﺴﻢ؛ ﻓﺈﻧﻪ
ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﰲ ﺻﻨﻊ ﻗﺮﻧﻴﺎت ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ،وﻋﻈﺎم ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺬﻗﻦ واﻷﻧﻒ واﻟﺠﻤﺠﻤﺔ
واﻟﻮرك ،وﻣﻔﺎﺻﻞ اﻟﺮﻛﺒﺔ ،وأﺟﺰاء اﻷذن واﻟﻘﺼﺒﺔ اﻟﻬﻮاﺋﻴﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ،وﺻﻤﺎﻣﺎت اﻟﻘﻠﺐ
واﻷوﺗﺎر واﻟﺨﻴﻮط اﻟﺠﺮاﺣﻴﺔ ،وأﻃﻘﻢ اﻷﺳﻨﺎن واﻟﻘﻨﻮات اﻟﺼﻔﺮاوﻳﺔ.
ﺗُﺴﺘﺨﺪَم ﻣﺎدة اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن ﰲ ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ملﻼﺑﺲ روﱠاد اﻟﻔﻀﺎء ،وﻫﻲ
ﺗﻘﺎوم اﻹﺷﻌﺎع اﻟﻌﻨﻴﻒ ﻟﻠﺸﻤﺲ ﻋﲆ اﻟﻘﻤﺮ. ﻣﺎدة ﻋﺎزﻟﺔ ﻟﻠﻜﺒﻼت واﻷﺳﻼك اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ِ
ﻛﻤﺎ ﺗُﺴﺘﺨﺪَم ﰲ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻷﺟﺰاء اﻷﻣﺎﻣﻴﺔ املﺨﺮوﻃﻴﺔ اﻟﺸﻜﻞ وﻏريﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺪروع اﻟﺤﺮارﻳﺔ
وﺧﺰاﻧﺎت اﻟﻮﻗﻮد اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺴﻔﻦ اﻟﻔﻀﺎء.
ﱠ
ﺗﻮﺻﻞ إن ﻛﻞ ﺗﻠﻚ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻟﻘﻴﱢﻤَ ﺔ واملﺪﻫﺸﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﺘﺎج ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﺬي ﱠ
إﻟﻴﻪ روي ﺑﻼﻧﻜﻴﺖ ﺑﻤﺤﺾ املﺼﺎدﻓﺔ .ﺻﺤﻴﺢٌ أن اﻻﻛﺘﺸﺎف ﺗ ﱠﻢ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻋَ َﺮﴈ ﻏري
ً
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎ إﻻ ﺑﻔﻀﻞ ذﻛﺎء ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ وﻓﻀﻮﻟﻪ. ﻣﻘﺼﻮد ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺼﺒﺢ
ﺗﻌﻘﻴﺐ
أُﺳﻨِﺪت إﱃ روي ﺑﻼﻧﻜﻴﺖ ﻣﻬﻤﺔ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻣﺎدة ﺗﱪﻳﺪ ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺐ اﻟﻔﻠﻮرﻳﻦ ﻋﲆ إﺛﺮ ﺣﺎدث
ﴎﻧﺪﻳﺒﻲ آﺧﺮ .ﻓﻔﻲ ﻋﺎم ،١٩٢٨ﺑﺪأ ﺗﺸﺎرﻟﺰ إف ﻛﻴﱰﻳﻨﺞ ﻣﻦ ﻗﺴﻢ اﻟﺜﻼﺟﺎت ﺑﴩﻛﺔ
ﺟﻨﺮال ﻣﻮﺗﻮرز ﺑﺤﺜًﺎ ﻋﻦ ﻣﺎدة ﺗﱪﻳﺪ ِآﻣﻨﺔ ،ﺗﻜﻮن ﻋﺪﻳﻤﺔ اﻟﻠﻮن واﻟ ﱠ
ﻄﻌْ ﻢ واﻟﺮاﺋﺤﺔ وﻏري
ﺳﺎﻣﺔ وﻏري ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻼﺷﺘﻌﺎل ،ﻟﺘﺤ ﱠﻞ ﻣﺤ ﱠﻞ املﻮاد اﻟﺴﺎﻣﺔ واﻟﻀﺎرة ﻣﺜﻞ اﻟﻨﺸﺎدر وﺛﺎﻧﻲ أﻛﺴﻴﺪ
اﻟﻜﱪﻳﺖ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣُﺴﺘﺨﺪَﻣﺔ ﰲ اﻟﺜﻼﺟﺎت ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ .وﺑﻌﺪ ﺑﺤﺚ دﻗﻴﻖ ﰲ اﻟﻜﺘﺐ
ٍ
ﻣﺮﻛﺒﺎت ﻛﺮﺑﻮﻧﻴﺔ ﻣﻌﻴﱠﻨﺔ واملﺼﺎدر اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ،ﻗ ﱠﺮ َر ﺗﻮﻣﺎس ﻣﻴﺪﺟﲇ اﻻﺑﻦ وأﻟﱪت ﻫﻴﻨﻲ أن
ﻣﺤﺘﻮﻳﺔ ﻋﲆ اﻟﻔﻠﻮرﻳﻦ واﻟﻜﻠﻮر ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﻣﻨﺎﺳﺒﺔ ،ﻣﻊ أن ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻘﺎرﻳﺮ ذﻛﺮت أﺣﻴﺎﻧًﺎ أن
ﻣﺮﻛﺒﺎت اﻟﻔﻠﻮرﻳﻦ ﺳﺎﻣﺔ.
249
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻻﺧﺘﺒﺎر ﻣﺪى ﺻﺤﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻘﺎرﻳﺮ ﻋﻦ ُﺳﻤﻴﱠﺔ ﺗﻠﻚ املﺮﻛﺒﺎت ،اﺣﺘﺎج ﻣﻴﺪﺟﲇ
ﺑﺴﻴﻂ واﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﰲ اﺧﺘﺒﺎرات ٍ وﻫﻴﻨﻲ إﱃ ﺗﺤﻀري ﻋﻴﻨﺎت ﻣﻦ ﻛﻠﻮروﻓﻠﻮروﻛﺮﺑﻮن
ﺗﺠﺮى ﻋﲆ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت .وأرﺳﻼ ﰲ ﴍاء ﺧﻤﺲ زﺟﺎﺟﺎت ﺑﻜ ﱟﻞ ﻣﻨﻬﺎ أوﻗﻴﺔ واﺣﺪة ﻣﻦ
ﺛﺎﻟﺚ ﻓﻠﻮرﻳﺪ اﻷﻧﺘﻴﻤﻮن )اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻮﺟﻮدًا ﻓﻘﻂ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ!( ﻣﻦ
ﴍﻛﺔ ﻛﻴﻤﺎوﻳﺎت .واﺧﺘﺎ َرا واﺣﺪة ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﺰﺟﺎﺟﺎت ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻋﺸﻮاﺋﻲ واﺳﺘﺨﺪﻣﺎﻫﺎ
ووﺿﻌَ ﺎ ﺧﻨﺰﻳ ًﺮا ﻏﻴﻨﻴٍّﺎ ﺗﺤﺖ ﻧﺎﻗﻮس زﺟﺎﺟﻲ ﺑﻪ ﻣﺮﻛﺐ َ ﻟﺘﺤﻀري اﻟﻜﻠﻮروﻓﻠﻮروﻛﺮﺑﻮن،
اﻟﻜﻠﻮروﻓﻠﻮروﻛﺮﺑﻮن اﻟﻐﺎزي ،ﻓﻮﺟَ ﺪَا أن اﻟﺤﻴﻮان ﻟﻢ ﻳﺘﺄﺛﱠﺮ ﻧﻬﺎﺋﻴٍّﺎ ﺑﺎﻟﻐﺎز ،وﻫﺬا ﻳﺆ ﱢﻛﺪ
اﻋﺘﻘﺎدﻫﻤﺎ ﺑﺄن املﺮﻛﺒﺎت اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ املﺤﺘﻮﻳﺔ ﻋﲆ اﻟﻔﻠﻮرﻳﻦ ﻏري ﺳﺎﻣﺔ.
ﺣﴬ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺎن ﻋﻴﻨﺎت أﺧﺮى ﻣﻦ ﻏﺎز اﻟﺘﺤﻘﻖ ﻣﻦ ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ،ﱠ َ ﱡ ملﺰﻳﺪ ﻣﻦ
اﻟﻜﻠﻮروﻓﻠﻮروﻛﺮﺑﻮن ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻟﺰﺟﺎﺟﺎت اﻷﺧﺮى ﻣﻦ ﺛﺎﻟﺚ ﻓﻠﻮرﻳﺪ اﻷﻧﺘﻴﻤﻮن ،ﺛﻢ ﻛ ﱠﺮ َرا
اﻟﺘﺠﺎرب ﻋﲆ اﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ اﻟﻐﻴﻨﻴﺔ .وﰲ ﻛﻞ اﺧﺘﺒﺎر ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻻﺧﺘﺒﺎرات اﻟﻼﺣﻘﺔ ،ﻛﺎن اﻟﺨﻨﺰﻳﺮ
اﻟﻐﻴﻨﻲ ﻳﻤﻮت! وأﻇﻬﺮ اﻟﻔﺤﺺ اﻟﺪﻗﻴﻖ أن ﻛ ﱠﻞ اﻟﺰﺟﺎﺟﺎت اﻟﺨﻤﺲ املﺤﺘﻮﻳﺔ ﻋﲆ ﺛﺎﻟﺚ
ﻓﻠﻮرﻳﺪ اﻷﻧﺘﻴﻤﻮن ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﻣﺎء ﻓﻴﻤﺎ ﻋﺪا زﺟﺎﺟﺔ واﺣﺪة ،وﻗﺪ أدﱠى وﺟﻮد املﺎء ﰲ
اﻟﻌﻴﻨﺎت اﻷرﺑﻊ إﱃ إﻧﺘﺎج ﻏﺎز اﻟﻔﻮﺳﺠني ،وﻫﻮ ﻏﺎز ﻣﻤﻴﺖ) .ﻧﺘﺞَ اﻟﻜﻠﻮر املﻮﺟﻮد ﰲ ﻫﺬا
اﻟﻐﺎز ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻮر اﻟﻌﻀﻮي املﺴﺘﺨﺪَم ﻣﻊ ﺛﺎﻟﺚ ﻓﻠﻮرﻳﺪ اﻷﻧﺘﻴﻤﻮن ﻛﻤﺎدة ﺑﺎدﺋﺔ ﻟﺘﺤﻀري
وﺗﺒني أن ﻏﺎز اﻟﻔﻮﺳﺠني — وﻟﻴﺲ ﻏﺎز اﻟﻜﻠﻮروﻓﻠﻮروﻛﺮﺑﻮن — اﻟﻜﻠﻮروﻓﻠﻮروﻛﺮﺑﻮن (.ﱠ
ﻫﻮ اﻟﺬي أدﱠى إﱃ ﻣﻮت اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت.
ً
ﻳﺨﱰ ﻣﻴﺪﺟﲇ وﻫﻴﻨﻲ ﻣﺼﺎدﻓﺔ اﺳﺘﺨﺪا َم اﻟﺰﺟﺎﺟﺔ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﺑﻬﺎ ﺛﺎﻟﺚ إذا ﻟﻢ َ ْ
ﻓﻠﻮرﻳﺪ أﻧﺘﻴﻤﻮن ﺟﺎف ﻻﺧﺘﺒﺎرﻫﻤﺎ اﻷول ﻋﲆ اﻟﺨﻨﺎزﻳﺮ اﻟﻐﻴﻨﻴﺔَ ،ﻟﻜﺎﻧَﺎ ﻗﺪ ﺗﺨ ﱠﻠﻴَﺎ ﻋﻦ ﻓﻜﺮة
اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻜﻠﻮروﻓﻠﻮروﻛﺮﺑﻮﻧﺎت ﻛﻤﻮاد ﻟﻠﺘﱪﻳﺪ ،و َﻟﻜﺎﻧَﺎ ﻗﺪ ﻗ ِﺒ َﻼ ﺑﺎﻟﺘﻘﺎرﻳﺮ )ﻏري اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ(
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،أدﱠى اﻟﺘﻌﺎون املﺸﱰَك ﺑني ﻗﺴﻢ اﻟﺘﻲ ذﻛ َﺮ ْت أن ﺗﻠﻚ املﺮﻛﺒﺎت ﺳﺎﻣﺔ .ﻟﻜﻦ ً
اﻟﺜﻼﺟﺎت ﺑﴩﻛﺔ ﺟﻨﺮال ﻣﻮﺗﻮرز وﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ ،إﱃ إﻧﺸﺎء ﻗﺴﻢ اﻟﻔﺮﻳﻮن ﺑﴩﻛﺔ دو
ﺑﻮﻧﺖ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻜﻠﻮروﻓﻠﻮروﻛﺮﺑﻮﻧﺎت وﺗﻄﻮﻳﺮﻫﺎ ،وﰲ ﻫﺬا اﻟﻘﺴﻢ
ﻒ روي ﺑﻼﻧﻜﻴﺖ ﻣﺎد َة اﻟﺘﻴﻔﻠﻮن. َ
اﻛﺘﺸ َ
250
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻣﻦ واﻟﻌﴩون
ﺳﻨﻌﺮض ﰲ ﻫﺬا اﻟﻔﺼﻞ اﻛﺘﺸﺎﻓني ﻋَ َﺮﺿﻴني ﰲ ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ ،أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻳﺮﺟﻊ إﱃ
َ
واﻵﺧﺮ ﺗﻄ ﱡﻮ ٌر ﺣﺪﻳﺚ. ﺑﺪاﻳﺔ ﻇﻬﻮر اﻟﺴﻴﺎرات
ﻄ ْﺮق ﺑﻌﺾ اﻟﴚء .ﻟﻜﻦ اﻟﻴﻮد ﻛﺎن ﻏﺎﻟﻴًﺎ اﻟﺒﺎﺣﺜﻮن اﻵن أن ﺛﻤﺔ ﻣﺎدة ﻳﻤﻜﻦ إﺿﺎﻓﺘﻬﺎ ملﻨﻊ اﻟ ﱠ
ﺣﻼ ﻳُﻌﺘﺪ ﺑﻪ .ﻟﺬا اﺳﺘﻤﺮ اﻟﺒﺤﺚ ،وﺑﻌﺪ ﻋﺪة ﺗﺠﺎرب، وﻣﺴﺒﱢﺒًﺎ ﻟﻠﺘﺂ ُﻛﻞ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ؛ ﻣﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺠﻌﻠﻪ ٍّ
اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ ﻣﺎدة راﺑﻊ إﺛﻴﻞ اﻟﺮﺻﺎص ﰲ ﻋﺎم ١٩٢١ﻧﺘﻴﺠﺔ اﻋﺘﻘﺎدٍ ﻳﻤﻴﻞ أن ﻳﻜﻮن ﻋﻠﻤﻴٍّﺎ
ﻄ َﻠﺐ ،وﻛﺎن ﻫﺬا اﻻﻋﺘﻘﺎد ﻳﻘﻮم ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ ﻋﲆ ﺑﻴﺎﻧﺎت أﻛﺜﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﻴﺎس اﻟﺘﺸﺒﻴﻬﻲ اﻟﺨﺎص َ
ﺑﺎﻟﻘ ْ
ﺗﺠﺮﻳﺒﻴﺔ ﺗﻢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ »ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻹدﻳﺴﻮﻧﻴﺔ« )أي ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ واﻟﺨﻄﺄ،
واﺳﺘﺨﺪام ﻛﻞ اﻟﺰﺟﺎﺟﺎت املﻮﺟﻮدة ﻋﲆ اﻟ ﱠﺮف واﺧﺘﺒﺎر ﻣﺤﺘﻮﻳﺎﺗﻬﺎ( ،ﻟﻜﻨﻪ ﻳﺴﺘﻨﺪ ﺟﺰﺋﻴٍّﺎ
أﻳﻀﺎ ،وﻋﲆ ﻧﺤﻮ أﻛﺜﺮ ﻋﻠﻤﻴﺔ ،إﱃ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻣﺎﻧﺪﻟﻴﻒ ﻟﻠﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺪورﻳﺔ ﻟﻠﻌﻨﺎﴏ. ً
ﻄ ْﺮق ﰲ ﻣﺤﺮﻛﺎت ﺑﺪأ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ املﺎدة اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ إﺿﺎﻓﺘﻬﺎ إﱃ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ ملﻨﻊ اﻟ ﱠ
ﻄ ٍﻂ ﻟﻪ وﻫﻮﺑﺎﻛﺘﺸﺎف ﻣﺨ ﱠ
ٍ اﻟﺴﻴﺎرات ﺑﺒﻌﺾ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ ﻏري املﻘﺼﻮدة ،واﻧﺘﻬﺖ
اﻛﺘﺸﺎف ﻣﺎدة راﺑﻊ إﺛﻴﻞ اﻟﺮﺻﺎص ،اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﱢن ﺳﺎﺋﻞ اﻹﺛﻴﻞ ﻋﻨﺪ ذوﺑﺎﻧﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ.
ﻄ ْﺮق ،ﻓﻜﺎن أﺣﺪ املﻜﻮﻧﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻋﺎﻣ ٌﻞ راﺋﻊ ﻣﻀﺎد ﻟﻠ ﱠ
وو ُِﺟﺪ أن ﺳﺎﺋﻞ اﻹﺛﻴﻞ ﻫﺬا ِ
ﺗﻀﺎف إﱃ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٦٠ﻋﺎﻣً ﺎ ،أﻣﺎ اﻵن ﻓﻘﺪ أﺻﺒﺢ ﻣﺼﺪ ًرا ﻟﻠﻘﻠﻖ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺨﻄﺮ
اﻟﺬي ﻳﻤﺜﱢﻠﻪ اﻟﺮﺻﺎص ﻋﲆ اﻟﺒﻴﺌﺔ.
252
ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ :ﻧﻈﺮﻳﺎت ﻓﻼوري ،وإﻧﺘﺎج اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ ﻣﻦ اﻟﻐﺎز اﻟﻄﺒﻴﻌﻲ
ﻛﺎن ﻋﻘﻞ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻻﻧﺞ ﻣﺴﺘﻌﺪٍّا ﻣﻦ ﺧﻼل اﻷﺑﺤﺎث اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﺘﻲ أﺟﺮاﻫﺎ ﰲ ﻣﺠﺎل
ﻛﻴﻤﻴﺎء اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ اﺳﺘﻄﺎع اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ املﻼﺣﻈﺔ اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ.
253
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺘﺎﺳﻊ واﻟﻌﴩون
) (1اﻷﺳﱪﻳﻦ
ﻳُﻌ ُﺪ اﻷﺳﱪﻳﻦ واﺣﺪًا ﻣﻦ أﻛﺜﺮ اﻷدوﻳﺔ اﺳﺘﺨﺪاﻣً ﺎ ﻋﲆ ﻣﺪار ﺳﻨﻮات ﻋﺪﻳﺪة ،وﻗﺪ ﻧﺎل ﻣﺆﺧ ًﺮا
اﻫﺘﻤﺎﻣً ﺎ أﻛﱪ .ﺗﻢ ﺗﺤﻀريه ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻛﻤﻄﻬﱢ ﺮ داﺧﲇ ،ﻟﻜﻦ ﱠ
ﺗﺒني أﻧﻪ ﻏري ﻓﻌﱠ ﺎل.
ُﻮﴅ اﻵن ﺑﺘﻨﺎوﻟﻪ ﻟﻠﻮﻗﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻮﺑﺎتﻣﺴ ﱢﻜﻦ وﻣﻀﺎد ﻟﻠﺤﻤﻰ ﺟﻴﺪ ،وﻳ َ
وﻣﻊ ذﻟﻚ ،و ُِﺟ َﺪ أﻧﻪ َ
اﻟﻘﻠﺒﻴﺔ.
ﺑﻌﺪ ﻓﱰة ﻗﺼرية ﺟﺪٍّا ﻣﻦ اﺳﺘﺨﺪام ﺟﻮزﻳﻒ ﻟﻴﺴﱰ ﻟﻠﻔﻴﻨﻮل ﻛﻤﺎدة ﻣﻄﻬﱢ ﺮة ﰲ
اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺠﺮاﺣﻴﺔ ،ﻓ ﱠﻜ َﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﰲ إﻳﺠﺎد دواء ﻳﻤﻜﻦ إﻋﻄﺎؤه داﺧﻠﻴٍّﺎ ﻟﻠﻤﺮﴇ اﻟﺬﻳﻦ
ﻳﻌﺎﻧﻮن ﻣﻦ اﻷﻣﺮاض اﻟﺒﻜﺘريﻳﺔ .وﰲ ﺳﺒﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ﺗﻢ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﺣﻤﺾ
اﻟﺴﺎﻟﻴﺴﻴﻠﻴﻚ واﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻟﻬﺬا اﻟﻐﺮض؛ ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻣﻦ املﻌﺮوف أﻧﻪ ﻳﺆدي إﱃ إﻧﺘﺎج اﻟﻔﻴﻨﻮل
ﱢ
املﺨﻔﻒ ﻟﻠﺤﻤﻰ ،ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺆﺛﱢﺮ ﰲ اﻟﻌﺪوى املﺴﺒﱢﺒﺔ ﻟﻬﺎ، ﰲ اﻟﺠﺴﻢ ،ﻟﻜﻦ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﺄﺛريه
ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﰲ ﴍﻛﺔ ﺑﺎﻳﺮ —ﱞ ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻳﺆدي إﱃ اﻟﻐﺜﻴﺎن .ﺣﴬ ﻓﻴﻠﻴﻜﺲ ﻫﻮﻓﻤﺎن — وﻫﻮ
ﺷﻜﻼ ﻣﻌﺪ ًﱠﻻ ﻣﻦ ﺣﻤﺾ اﻟﺴﺎﻟﻴﺴﻴﻠﻴﻚ ،أﺣﺪ ﻣﺸﺘﻘﺎت اﻷﺳﻴﺘﻴﻞ ،اﻟﺬي و ُِﺟﺪ أﻧﻪ ﻣﻀﺎد ً ً
ﻻﺣﻘﺎ
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
وﻣﺨﻔﻒ ﻵﻻم اﻟﺘﻬﺎب املﻔﺎﺻﻞ وﻟﻪ آﺛﺎر ﺟﺎﻧﺒﻴﺔ أﻗﻞ .وﻗﺪ ﺟﺎء اﺳﻢ »اﻷﺳﱪﻳﻦ« ﱢ ﻟﻠﺤﻤﻰ
aspirinﻣﻦ ﺣﻘﻴﻘﺔ أن ﺣﻤﺾ اﻟﺴﺎﻟﻴﺴﻴﻠﻴﻚ ﻛﺎن ﻳﺘﻢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ اﻷﺳﺎس ﻣﻦ
ﻧﺒﺎﺗﺎت »اﻟﺴﻴﱪﻳﺎ« ،spiraeaوﻗﺪ أُﺿﻴﻒ ﺣﺮف aﻟﻺﺷﺎرة إﱃ ﻣﺎدة اﻷﺳﻴﺘﻴﻞ.
ﻣﻨﺬ ﻇﻬﻮر اﻷﺳﱪﻳﻦ ﰲ ﺳﻮق اﻷدوﻳﺔ ﰲ ﺗﺴﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﴩ ،أﻗﺒﻞ اﻟﻨﺎس
ﻋﲆ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ أي دواء َ
آﺧﺮ .وﺗُﻌَ ﱡﺪ ﻓﺎﺋﺪﺗﻪ املﺤﺘﻤَ ﻠﺔ ﰲ اﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﻮﺑﺎت اﻟﻘﻠﺒﻴﺔ
ﺗﻄ ﱡﻮ ًرا ﻟﻢ ﻳﺘﻢ اﺧﺘﺒﺎره ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﺑﻌﺪُ ،إﻻ أﻧﻪ ﻳﺘﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ إﻧﺘﺎجُ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ٤٠ﻣﻠﻴﻮن رﻃﻞ
ﻣﻨﻪ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ؛ أيْ ﺣﻮاﱄ ٣٠٠ﻗﺮص ﻟﻠﻔﺮد ﺳﻨﻮﻳٍّﺎ.
256
أﻣﺮاض أﺧﺮى
ٍ أدوﻳﺔ اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ ﻓﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﰲ ﻋﻼج
اﻵﺧﺮﻳﻦ ﰲ اﻟﻔﱰة ﻣﺎ ﺑني ﻋﺎﻣَ ْﻲ ١٩٥٢و ،١٩٥٥ووﺟﺪوا أﻧﻪ ﻓﻌﱠ ﺎل ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺧﺎص ﰲ َ
ﻋﻼج ﻣﺮض ُ
اﻟﻔﺼﺎم.
ﰲ أواﺧﺮ ﺧﻤﺴﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ﺑﺪأ اﺳﺘﺨﺪام دواء اﻟﻜﻠﻮرﺑﺮوﻣﺎزﻳﻦ ﻋﲆ ﻧﻄﺎق
واﺳﻊ ﰲ أوروﺑﺎ واﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،وﰲ ﺧﻼل ﻋﻘﺪ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﻛﺎن ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن ﺧﺮوج
اﻟﻔﺼﺎم ﻣﻦ املﺼﺤﺎت اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ،ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻧﻮا ﻳُﺤﺘَﺠَ ﺰون ﰲ املﺼﺎﺑني ﺑﺤﺎﻻت ﺷﺪﻳﺪة ﻣﻦ ُ
ﻄﻨﺔ وﻳﺮﺗﺪون ﺳﱰات اﻟﺤَ ﺠْ ﺮ ،وأﺻﺒﺢ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﻢ اﻟﻌﻮدة إﱃ ﻣﺰاوﻟﺔ اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﻏﺮف ﻣﺒ ﱠ
اﻹﻧﺘﺎﺟﻴﺔ وﻣﻤﺎرﺳﺔ اﻷﻧﺸﻄﺔ اﻟﺤﻴﺎﺗﻴﺔ ﰲ املﺠﺘﻤﻊ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺷﺒﻪ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ .وﰲ
اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،ﻗ ﱠﻠﺖ أﻋﺪاد املﺮﴇ اﻟﻨﻔﺴﻴني ﺑﺎملﺼﺤﺎت اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺑﻤﺌﺎت اﻵﻻف؛ إذ
أﺻﺒﺢ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ ﺗﻮﻓري ﺧﺪﻣﺎت اﻟﺼﺤﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ املﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ﺗﻬﺪف إﱃ ﻋﻼج املﺮﴇ
اﻟﻨﻔﺴﻴني ﰲ ﻣﻨﺰل ﻣﻊ اﻷﴎة واﻷﺻﺪﻗﺎء ،ﺑﻔﻀﻞ ﻗﺪرة دواء اﻟﻜﻠﻮرﺑﺮوﻣﺎزﻳﻦ ﻋﲆ ﺗﺨﻔﻴﻒ
أﻋﺮاض اﻟﺬﱡﻫﺎن ﺣﺘﻰ ﻟﺪى املﺮﴇ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺎﻧﻮن ﻣﻦ أﺷ ﱢﺪ درﺟﺎت اﻻﺿﻄﺮاب.
أدﱠى اﺳﺘﺨﺪام دواء اﻟﻜﻠﻮرﺑﺮوﻣﺎزﻳﻦ إﱃ ﺣﺪوث ﺛﻮرة ﺛﺎﻧﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﻼج اﻟﻄﺒﻲ ﻟﻠﻤﺮﴇ
اﻟﻨﻔﺴﻴني ،وﻗﺪ وﺟﺪت اﻻﺧﺘﺒﺎرات اﻹﻛﻠﻴﻨﻴﻜﻴﺔ أن اﻟﺠﺮﻋﺎت اﻟﺰاﺋﺪة ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺪواء ﺗﺴﺒﱢﺐ
أﻋﺮاﺿﺎ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﺮض ﺑﺎرﻛﻨﺴﻮن .وﻗﺪ أدﱠى ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف إﱃ إﺟﺮاء ً
دراﺳﺎت ﻋﲆ آﺛﺎر اﻷدوﻳﺔ ﰲ املﻨﺎﻃﻖ املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﺪﻣﺎغ وﺣﺎﻻت اﻟﺨﻠﻞ اﻟﺠﺰﻳﺌﻴﺔ ﰲ اﻟﺪﻣﺎغ
املﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎملﺮض اﻟﻨﻔﴘ.
ﻋﺎل ﰲ أﺟﺰاء اﻟﺪﻣﺎغ و ُِﺟﺪ أن اﻟﺪوﺑﺎﻣني — وﻫﻮ ﻧﺎﻗﻞ ﻋﺼﺒﻲ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﱰﻛﻴﺰ ٍ
املﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ ﺗﻨﻈﻴﻢ اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺤﺮﻛﻲ — ﻳﻜﺎد ﻳﻜﻮن ﻏﺎﺋﺒًﺎ ﰲ أدﻣﻐﺔ املﺮﴇ اﻟﺬﻳﻦ ﻣﺎﺗﻮا
ﺑﻤﺮض ﺑﺎرﻛﻨﺴﻮن .وﻗﺪ أدﱠى ﺣﻘﻦ إل-دوﺑﺎ ،وﻫﻲ ﻣﺎدة ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﺗﺘﺤﻮل ﺑﻔﻌﻞ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت
ﺗﺤﺴﻦ ﻛﺒري ﰲ ﺣﺎﻟﺔ املﺮﴇ املﺼﺎﺑني ﺑﻤﺮض اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﰲ اﻟﺪﻣﺎغ إﱃ اﻟﺪوﺑﺎﻣني ،إﱃ ﺣﺪوث ﱡ
ﺑﺎرﻛﻨﺴﻮن.
ﺧﻤﱠ َﻦ آرﻓﻴﺪ ﻛﺎرﻟﺴﻮن ،اﺧﺘﺼﺎﴆ ﻋﻠﻢ اﻷدوﻳﺔ اﻟﺴﻮﻳﺪي ،أﻧﻪ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن
اﻟﻔﺼﺎم ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻗﺪ ﺗُﺤﺪِث ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻧﻔﺲ آﺛﺎر أدوﻳﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻜﻠﻮرﺑﺮوﻣﺎزﻳﻦ ﺗﻌﺎﻟﺞ ﻣﺮض ُ
ﻧﻘﺺ اﻟﺪوﺑﺎﻣني ﰲ اﻟﺪﻣﺎغ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺜﺒﻴﻂ ﻣﺴﺘﻘﺒﻼت اﻟﺪوﺑﺎﻣني .وﰲ ﻋﺎم ،١٩٧٥ﻋﻨﺪﻣﺎ
أﺻﺒﺢ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ ﻗﻴﺎس ﻣﺴﺘﻘﺒﻼت اﻟﺪوﺑﺎﻣني ﰲ اﻟﺪﻣﺎغ ﰲ ﻣﻌﺎﻣﻞ ﺟﻮن ﻫﻮﺑﻜﻴﻨﺰ اﻟﺨﺎﺻﺔ
ﺑﺎﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﻮﻟﻮﻣﻮن إﺗﺶ ﺳﻨﺎﻳﺪر ،ﺗﺄ ﱠﻛﺪت ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ اﻵﺛﺎر اﻟﻌﻼﺟﻴﺔ ﻟﻸدوﻳﺔ املﻀﺎدة ُ
ﻟﻠﻔﺼﺎم
ﻣﺜﻞ اﻟﻜﻠﻮرﺑﺮوﻣﺎزﻳﻦ؛ ﻧﻈ ًﺮا ﻟﺪورﻫﺎ ﰲ ﺗﺜﺒﻴﻂ ﻣﺴﺘﻘﺒﻼت اﻟﺪوﺑﺎﻣني .وﺗﺸري ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ إﱃ
أن املﺸﻜﻠﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﰲ أدﻣﻐﺔ املﺼﺎﺑني ُ
ﺑﺎﻟﻔﺼﺎم إﻣﺎ اﻟﺰﻳﺎدة املﻔﺮﻃﺔ ﰲ إﻓﺮاز اﻟﺪوﺑﺎﻣني
وإﻣﺎ ﻓﺮط اﻟﺤﺴﺎﺳﻴﺔ ملﺴﺘﻘﺒﻼت اﻟﺪوﺑﺎﻣني.
257
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
258
أﻣﺮاض أﺧﺮى
ٍ أدوﻳﺔ اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ ﻓﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﰲ ﻋﻼج
اﻟﻠﻴﱪﻳﻮم واﻟﻔﺎﻟﻴﻮم :ﻛﺎن ﻋﺎم ١٩٦٠ﻋﺎﻣً ﺎ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﰲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻌﻼج اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ؛ ﻓﻘﺪ
ﻛﺎن ﻟﺪواءﻳﻦ ﺗﻢ إﻧﺘﺎﺟﻬﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻌﺎم ﺗﺄﺛريٌ ﻛﺒريٌ ﻋﲆ املﺠﺘﻤﻊ ﺑﻄﺮق ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ؛ أﺣﺪﻫﻤﺎ:
َ
واﻵﺧﺮ :ﻣﺎﻧﻊ ﻟﻠﺤَ ﻤْ ﻞ ﻳﺘﻢ ﺗﻨﺎوﻟﻪ اﻟﻠﻴﱪﻳﻮم اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﻤﺜﻞ أول ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ املﻬﺪﺋﺎت،
ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻔﻢ وﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﻫﺮﻣﻮن اﻹﺳﱰوﺟني) .ﻟﻘﺪ ﻋﺮﺿﻨﺎ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻗﺼﺔ
ﺣﺒﻮب ﻣﻨﻊ اﻟﺤَ ﻤْ ﻞ (.ﺗﺼﺪﱠر دواء اﻟﻠﻴﱪﻳﻮم ﻗﺎﺋﻤﺔ اﻷدوﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ وﺻﻔﻬﺎ ﰲ ﺳﺘﻴﻨﻴﺎت
اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،إﻻ أن دواء اﻟﻔﺎﻟﻴﻮم اﻟﻘﺮﻳﺐ ﻣﻨﻪ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ ﺣ ﱠﻞ ﻣﺤﻠﻪ ﰲ ﺳﺒﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن
اﻟﻌﴩﻳﻦ .وﺗﻘﻮم ﻗﺼﺔ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻫﺬﻳﻦ املﻬﺪﺋني ﻋﲆ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﻮﻫﻤﻴﺔ ،ﺣني ﻗﺎم ﻟﻴﻮ
ﺑﺄﺑﺤﺎث ﻟﺘﻄﻮﻳﺮ دواء ﻣﻀﺎد ﻟﻠﻘﻠﻖ.ٍ ﺳﺘريﻧﺒﺎخ ﻣﻦ ﴍﻛﺔ ﻫﻮﻓﻤﺎن-ﻻ روش
ُوﻟِﺪ ﻟﻴﻮ ﺳﺘريﻧﺒﺎخ ﰲ ﻋﺎم ١٩٠٨ﰲ ﺑﻠﺪة ﰲ ﺷﺒﻪ ﺟﺰﻳﺮة ﺑﻮﻻ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﰲ ذﻟﻚ
اﻟﻮﻗﺖ ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻟﻨﻤﺴﺎ-املﺠﺮ ،وﻟﻜﻨﻬﺎ اﻵن ﺟﺰء ﻣﻦ ﻳﻮﻏﻮﺳﻼﻓﻴﺎ .وﺣﺼﻞ ﻋﲆ درﺟﺘَﻲ
املﺎﺟﺴﺘري واﻟﺪﻛﺘﻮراه ﰲ اﻟﺼﻴﺪﻟﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﺮاﻛﻮ املﻮﺟﻮدة اﻵن ﰲ ﺑﻮﻟﻨﺪا .وﰲ ﻋﺎم
،١٩٤٠ﻛﺎن ﻳﻌﻤﻞ ﰲ ﴍﻛﺔ ﻫﻮﻓﻤﺎن-ﻻ روش ﰲ ﺑﺎزل ﺑﺴﻮﻳﴪا؛ وﰲ اﻟﻌﺎم اﻟﺘﺎﱄ ،اﻧﺘﻘﻞ
إﱃ ﻣﻌﻤﻞ اﻟﴩﻛﺔ ﰲ ﻧﻮﺗﲇ ﺑﻨﻴﻮ ﺟريﳼ .وﰲ ﻋﺎم ،١٩٤٦ﺣﺼﻞ ﻋﲆ اﻟﺠﻨﺴﻴﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ،
وﰲ ﻋﺎم ١٩٧٣ﺗﻘﺎﻋﺪ وﻫﻮ ﰲ ﻣﻨﺼﺐ ﻣﺪﻳﺮ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﺪواﺋﻴﺔ ﰲ ﴍﻛﺔ ﻫﻮﻓﻤﺎن-ﻻروش.
ﰲ ﻋﺎم ُ ،١٩٥٣ﻛ ﱢﻠﻒ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﺘريﻧﺒﺎخ ﺑﻤﻬﻤﺔ إﻳﺠﺎد ﻓﺌﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻷدوﻳﺔ
ﺑﻌﺾ اﻟﺘﺤﺪﻳﺎتُ املﻀﺎدة ﻟﻠﻘﻠﻖ )أو املﻬﺪﺋﺔ( ،ﻣﻊ ﻣﺮاﻋﺎة أن ﺗﻜﻮن ﰲ املﺮﻛﺒﺎت املﻄﻠﻮﺑﺔ
ﻣﺴﺘﻜﺸ َﻔﺔ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ؛ وذﻟﻚ ﻟﺘﻘﻠﻴﻞ اﺣﺘﻤﺎل ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻧﻔﺲ اﻷدوﻳﺔ َ اﻟﺘﺼﻨﻴﻌﻴﺔ ،وﺗﻜﻮن ﻏري
ﻣﻦ ﻗِ ﺒﻞ املﻨﺎﻓﺴني .ﻟﻜﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎرات اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ اﻗﺘﻀﺖ أن ﻳﺘﻢ ﺗﺤﻀري ﺗﻠﻚ املﺮﻛﺒﺎت ﻣﻦ
املﻔﻀﻞ أن ﺗﺴﻤﺢ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﺠﺰﻳﺌﻴﺔ ﱠ ﻣﻮاد ﺑﺎدﺋﺔ ﰲ املﺘﻨﺎول .ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ ذﻟﻚ ،ﻛﺎن ﻣﻦ
اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻤﺮﻛﺒﺎت ﺑﺎﻟﺘﺤﻮﱡل إﱃ ﻋﺪد ﻛﺒري ﻣﻦ املﺸﺘﻘﺎت ﻟﺰﻳﺎدة ﻓﺮﺻﺔ اﻟﻮﺻﻮل إﱃ دواء
ﻓﻌﱠ ﺎل .وﺗﺬ ﱠﻛ َﺮ ﺳﺘريﻧﺒﺎخ أﺑﺤﺎﺛﻪ اﻟﺘﻲ أﺟﺮاﻫﺎ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﺮاﻛﻮ ﻋﲆ املﺮﻛﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ
ﻣﻮا ﱠد ﺑﺎدﺋﺔ ﻣﺤﺘﻤَ ﻠﺔ ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﺼﺒﻐﺎت.
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻮاﻓﺮ ﰲ ﺗﻠﻚ املﺮﻛﺒﺎت ﻣﻌﻈﻢ ﻣﻌﺎﻳري اﻷدوﻳﺔ املﻀﺎدة ﻟﻠﻘﻠﻖ املﻄﻠﻮﺑﺔ .وﻛﺎن
ﺣﴬﻫﺎ ﺳﺘريﻧﺒﺎخ ﻣﻨﺬ ١٨ اﻟﻐﻤﻮض ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ )ﻓﻠﻢ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ أي ﺷﺨﺺ ﻣﻨﺬ أن ﱠ َ
ﻋﺎﻣً ﺎ( ،وﻛﺎن ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺤﻀريﻫﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ ،ﻛﻤﺎ أن ﻟﻬﺎ ذرة ﻧﻴﱰوﺟني ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ
ﺑﺤﻠﻘﺔ أروﻣﺎﺗﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ املﺮﻛﺒﺎت ذات اﻟﻨﺸﺎط اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ املﻌﺮوف .ﻟﻜﻦ ﻇﻬﺮت
ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻛﺒرية ،وﻫﻲ أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻬﺎ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ املﻄﻠﻮﺑﺔ املﻀﺎدة ﻟﻠﻘﻠﻖ.
ﻒ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻊ ﺗﻠﻚ ﰲ أﺑﺮﻳﻞ ﻣﻦ ﻋﺎم ،١٩٥٧ﻃﻠﺐ ﺳﺘريﻧﺒﺎخ ﻣﻦ ﻓﺮﻳﻘﻪ اﻟﺒﺤﺜﻲ ْ
وﻗ َ
املﺮﻛﺒﺎت ،واﻟﺘﻮﺟﱡ ﻪ إﱃ أﻧﻮاع ﻣﺮﻛﺒﺎت أﺧﺮى .وﰲ ﻏﻀﻮن ذﻟﻚ ،ﻗ ﱠﺪ َم ﻟﻪ أﺣ ُﺪ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني
259
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺣﴬه ﻣﻨﺬ ﻋﺎﻣني ،ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺨﺘﱪه دواﺋﻴٍّﺎ ،ﻓﺎﺧﺘﱪوا ﺗﻠﻚ املﺎدة ﻣﻌﺘﻘﺪﻳﻦ ﻣﺮﻛﺒًﺎ ﻛﺎن ﻗﺪ ﱠ َ
أن اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ ﻟﻬﺬا املﺮﻛﺐ ﺳﺘﺆ ﱢﻛﺪ أن ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ املﻮاد اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﻻ أﻣ َﻞ ﻓﻴﻪ،
وأن ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺘﺤﻮل إﱃ أﻧﻮاع أﺧﺮى ﻣﻦ املﺮﻛﺒﺎت.
اﻧﺪﻫﺶ ﺳﺘريﻧﺒﺎخ ﺣني اﺗﻀﺢ ﻟﻪ أن ﻟﻬﺬا املﺮﻛﺐ املﻬﻤَ ﻞ آﺛﺎ ًرا ﻣﻬﺪﺋﺔ ﻗﻮﻳﺔ .وﻋﻨﺪﻣﺎ
ﺳﻌﻰ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن ﻟﻠﻮﺻﻮل إﱃ ﺗﻔﺴري ﻟﻠﺨﺼﺎﺋﺺ املﻀﺎدة ﻟﻠﻘﻠﻖ ﻟﻬﺬا املﺮﻛﺐ )اﻟﺬي
ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺘﻘﺪون أﻧﻪ ﻣﻤﺎﺛِﻞ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ ﻟﻠﻤﺮﻛﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻬﺎ آﺛﺎر ﻣﻬﺪﺋﺔ( ،اﻛﺘﺸﻔﻮا أن
ﱠ
ﻣﺘﻮﻗﻌﺔ ﻫﺬا املﺮﻛﺐ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻛﻤﺎ اﻋﺘﻘﺪوا؛ ﻓﻔﻲ أﺛﻨﺎء ﺗﺼﻨﻴﻌﻪ ،ﺣﺪﺛﺖ إﻋﺎدة ﺗﺮﺗﻴﺐ ﻏري
داﺧﻞ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت ،وﻧﺘﺞ ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ .وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﺻﻨﻌﻮا ﻣﺮﻛﺒﺎت أﺧﺮى
ﻟﻬﺎ ﻧﻔﺲ اﻟﱰﻛﻴﺐ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻟﻠﻤﺮﻛﺐ املﻬﻤَ ﻞ ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أيﱞ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻨﻔﺲ ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ املﺮﻛﺐ
اﻷﺻﲇ.
ﻃ ِﺮح »املﺮﻛﺐ املﻬﻤَ ﻞ« ﰲ ﺑﻌﺪ إﺟﺮاء املﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻻﺧﺘﺒﺎرات اﻹﻛﻠﻴﻨﻴﻜﻴﺔ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔُ ،
ﺣﻘﻖ ﻧﺠﺎﺣً ﺎ ﻣﺪوﻳٍّﺎ .ﻟﻜﻦ ﺣﺘﻰ ﻗﺒﻞ اﻷﺳﻮاق ﰲ ﻋﺎم ١٩٦٠ﺗﺤﺖ اﺳﻢ اﻟﻠﻴﱪﻳﻮم ،وﻗﺪ ﱠ
ﻇﻬﻮر دواء اﻟﻠﻴﱪﻳﻮم ،اﻛﺘﺸﻒ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮ ﴍﻛﺔ ﻫﻮﻓﻤﺎن-ﻻ روش أن أﺣﺪ ﻣﻨﺘﺠﺎت اﻟﺘﺤ ﱡﻠﻞ
املﺎﺋﻲ ﻟﻠﻠﻴﱪﻳﻮم اﻟﺬي ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﺘﻘﺪون أن اﻟﺪواء ﻳﻨﺘﺠﻪ ﰲ اﻟﺠﺴﻢ ،ﻟﻪ ﻧﻔﺲ ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ اﻟﺪواء.
ﻟﺬا ،ﺻﻨﻌﻮا ﻣﺸﺘﻘﺎت ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻦ ﻫﺬا املﻨﺘﺞ ،ووﺟﺪوا أن أﺣﺪﻫﺎ ﻛﺎن أﻓﻀﻞ ﰲ ﺟﻮاﻧﺐ
ﻛﺜرية ﻣﻦ اﻟﻠﻴﱪﻳﻮم ،وأُﻃﻠِﻖ ﻋﲆ اﻟﺪواء اﻟﺠﺪﻳﺪ اﺳﻢ اﻟﻔﺎﻟﻴﻮم .وﺑﻌﺪ ﻃﺮﺣﻪ ﰲ اﻷﺳﻮاق ﰲ
ﻋﺎم ،١٩٦٣ﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺣ ﱠﻞ ﻣﺤ ﱠﻞ اﻟﻠﻴﱪﻳﻮم ﰲ اﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﻛﻤﻬﺪئ.
املﺜري ﻟﻠﺪﻫﺸﺔ أن اﻟﻜﻠﻮرﺑﺮوﻣﺎزﻳﻦ وﻫﻮ ﻣﻬﺪئ ﻗﻮي وﻣﻀﺎد ﻓﻌﱠ ﺎل ﻟﻠﻔﺼﺎم،
واﻹﻳﻤﻴﱪاﻣني وﻫﻮ دواء ﻣﻀﺎد ﻟﻼﻛﺘﺌﺎب ،ﻟﻬﻤﺎ ﺻﻴﻎ ﺟﺰﻳﺌﻴﺔ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ
آﺛﺎرﻫﻤﺎ اﻟﺪواﺋﻴﺔ املﺘﻀﺎدة ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ .إن اﻟﺼﻴﻐﺔ اﻟﺠﺰﻳﺌﻴﺔ ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻟﻠﻴﱪﻳﻮم واﻟﻔﺎﻟﻴﻮم
ﻣﺘﺸﺎﺑﻬﺔ وﻟﻜﻦ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺘﻄﺎﺑﻘﺔ .ﻟﻘﺪ ﻋﺮﺿﻨﺎ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﻌﴩﻳﻦ اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌَ َﺮﴈ ملﺎدة
ﺛﺎﻧﻲ إﺛﻴﻼﻣﻴﺪ ﺣﻤﺾ اﻟﻠﻴﴪﺟﻴﻚ اﻟﺘﻲ ﻟﻬﺎ ﺗﺄﺛري ﻧﻔﴘ ﻗﻮي ﻣﻊ أﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻣﻔﻴﺪة ﻛﻤﻬﺪئ.
آﺧﺮ ﻟﻬﺎ ﺗﺮاﻛﻴﺐ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻣﻨﺬ ﻇﻬﻮر دواء اﻟﻔﺎﻟﻴﻮم ،ﺗﻢ ﺗﻄﻮﻳﺮ ١٢دواءً َ
آﺧﺮ ﻣﻤﺎﺛ ًِﻼ ﰲ دولﻟﻠﻔﺎﻟﻴﻮم ،وﺑﻴﻌﺖ ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،ﻫﺬا إﱃ ﺟﺎﻧﺐ ﺗﻄﻮﻳﺮ ٢١دواءً َ
أﺧﺮى ﻋﱪ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﻀﻮاﺑﻂ اﻷﻗﻞ ﺗﺸ ﱡﺪدًا ،ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺤﺪث ﺗﻄﻮﱡر دواﺋﻲ ﻣﻬﻢ
ﰲ ﻣﺠﺎل املﻬﺪﺋﺎت ﻣﻨﺬ اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌَ َﺮﴈ ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻟﻠﻴﱪﻳﻮم واﻟﻔﺎﻟﻴﻮم.
260
أﻣﺮاض أﺧﺮى
ٍ أدوﻳﺔ اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ ﻓﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﰲ ﻋﻼج
261
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻷﻣﺮاض اﻟﺠﻠﺪﻳﺔ؛ وﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﺑني اﻟﺮﺟﺎل ﺑﻤﺠﺮد أن وﺻﻠﺖ إﻟﻴﻬﻢ ﺗﻠﻚ اﻷﺧﺒﺎر .ﻓﱪﻏﻢ ﻛﻞ
ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻟﺪى اﻟﻜﺜريﻳﻦ ،وﻗﺪ ﺗﻢ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦً ﺗﺴﺎﻗﻂ اﻟﺸﻌﺮ — وﻣﺎ زال — ﻳﻤﺜﱢﻞُ ﳾء ،ﻛﺎن
ﻋﻼج ﻟﻬﺎ ﻣﻨﺬ أﻳﺎم ﻗﺪﻣﺎء املﴫﻳني.
ﻣﻦ أﻃﺒﺎء اﻷﻣﺮاض اﻟﺠﻠﺪﻳﺔ ﻫﺆﻻء اﻟﺪﻛﺘﻮرة ﻓريﺟﻴﻨﻴﺎ ﻓﻴﻠﺪر-ﻓﺎﻳﺲ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﺮﻛﺰ
إﻟﻴﻨﻮي اﻟﻄﺒﻲ ﰲ ﺷﻴﻜﺎﺟﻮ .ﺗﺴﺎء َﻟ ْﺖ ﰲ ﻧﻔﺴﻬﺎ إن ﻛﺎن اﻟﺪواء ﺳﻴﺴﺎﻋﺪ ﻋﲆ ﻧﻤﻮ اﻟﺸﻌﺮ
ﺑﺪون اﻷﺛﺮ اﻟﻘﻮي اﻟﺨﺎص ﺑﺨﻔﺾ ﺿﻐﻂ اﻟﺪم املﺮﺗﻔﻊ ،وﺑﺪون اﻵﺛﺎر اﻟﺠﺎﻧﺒﻴﺔ ﻏري
ﻓﺤﴬت ﻣﺴﺘﺤﴬً ا ﻣﻦ ﻣﺴﺤﻮق ﱠ املﺮﻏﻮب ﻓﻴﻬﺎ ،إذا ﺗﻢ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻮﺿﻌﻲ.
أﻗﺮاص املﻴﻨﻮﻛﺴﻴﺪﻳﻞ ،ودﻫﻨﺖ ﺑﻪ ﻓﺮوة رأس ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ املﺮﴇ ﺑﻤﻌﺪل ﻣﺮﺗني ﻳﻮﻣﻴٍّﺎ،
وﰲ ﺧﻼل أﺳﺎﺑﻴﻊ وﺟﺪت أن اﺛﻨني ﻣﻦ املﺮﴇ ﻗﺪ ﻧﻤﺎ اﻟﺸﻌﺮ ﻋﻨﺪﻫﻤﺎ! وﻋﻨﺪﻣﺎ اﺗﺼﻠﺖ
ﻓﻴﻠﺪر-ﻓﺎﻳﺲ ﺑﴩﻛﺔ أﺑﺠﻮن املﺼﻨﱢﻌﺔ ﻟﻬﺬا اﻟﺪواء ،ﻋﻠﻤﺖ أن اﻟﴩﻛﺔ ﻗﺪ ﺑﺪأت ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ
دراﺳﺎت أوﻟﻴﺔ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻣﺤﻠﻮل ﻣﻦ اﻟﺪواء .ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﺗﻌﺎ َوﻧ َ ْﺖ ﻓﻴﻠﺪر-ﻓﺎﻳﺲ ﻣﻊ اﻟﴩﻛﺔ
ﻣﺮﻳﻀﺎ ﻣﻦ واﻗﻊً ﰲ دراﺳﺔ ﻛﱪى ،وﻗﺪ ﻧ ُ ِﴩت ورﻗﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ ﰲ ﻋﺎم ١٩٨٤ذﻛﺮت أن ٢٥
ﻣﺮﻳﻀﺎ ﻓﻘﻂ ﻋﲆ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻣﻘﺒﻮﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ً ٤٨ﻧﻤﺎ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺷﻌﺮ ﺟﺪﻳﺪ ،ﻟﻜﻦ ﺣﺼﻞ ١١
اﻟﺘﺠﻤﻴﻠﻴﺔ.
ُ
ﺑﺤﻠﻮل ﻋﺎم ،١٩٨٧ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ أﺟﺮﻳﺖ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺎت اﻷﺧﺮى ،وﻓﻴﻤﺎ ﻳﲇ
اﻟﺘﻮﺻﻞ إﻟﻴﻬﺎ :ﻣﻦ ﻏري املﺤﺘﻤَ ﻞ أن ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻣﺤﻠﻮل املﻴﻨﻮﻛﺴﻴﺪﻳﻞ ﻣﻌﻈﻢ ﱡ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﻲ ﺗ ﱠﻢ
اﻷﺷﺨﺎص اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺎﻧﻮن ﻣﻦ ﺗﺴﺎﻗﻂ اﻟﺸﻌﺮ ﺑﻤﻌﺪل ﻛﺒري ،وأﻓﻀﻞ اﺳﺘﺨﺪام ﻟﻠﺪواء ﻫﻮ
ﻣﺴﺎﻋﺪة املﺮﴇ ﻋﲆ اﻹﺑﻘﺎء ﻋﲆ اﻟﺸﻌﺮ اﻟﺬي ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ وﻣﻨﻊ ﺣﺪوث اﻟﺼﻠﻊ املﺒﻜﺮ،
وﻳﺒﺪو أن ﻫﺬا اﻟﺪواء ﻳﺠﺪي ﻓﻘﻂ إذا ﺗﻢ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻟﻌﺪد ﻏري ﻣﺤﺪﱠد ﻣﻦ املﺮات ،ﻛﻤﺎ أن
أﻣﺎن اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﻋﲆ اﻟﺠﻠﺪ ﻋﲆ املﺪى اﻟﻄﻮﻳﻞ ﻏري ﻣﺆ ﱠﻛﺪ .وﰲ أواﺧﺮ ﻋﺎم ،١٩٨٧ﻟﻢ ﺗﺘﻢ
املﻮاﻓﻘﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪام اﻟﻌﺎم ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ إدارة اﻟﻐﺬاء واﻟﺪواء اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ .وﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺗﻤﱠ ْﺖ
ﺗﻠﻚ املﻮاﻓﻘﺔ ،ﻓﺴﻴﺤﺘﺎج املﺮﻳﺾ إﱃ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻮﺻﻔﺔ ﻃﺒﻴﺔ.
ﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،ﺛَﺒَﺖ ﺑﺎﻟﺘﺠﺎرب اﻹﻛﻠﻴﻨﻴﻜﻴﺔ أن ﻫﺬا اﻟﺪواء اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳُﺴﺘﺨﺪَم ﰲ
ﺷﻌﺮ ﺟﺪﻳﺪ .وﻗﺪ ﺧﻠﺼﺖ ورﻗﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ ٍ اﻷﺳﺎس ﻟﻌﻼج ﺿﻐﻂ اﻟﺪم املﺮﺗﻔﻊ ﻳﺆدﱢي إﱃ ﻧﻤﻮ
ﺗﺒﴩ ﻧ ُ ِﴩت ﰲ ﻣﺠﻠﺔ »ﻛﻠﻴﻨﻴﻜﺎل ﻓﺎرﻣﺎﳼ« )ﻣﺎﻳﻮ (١٩٨٧إﱃ ﻣﺎ ﻳﲇ» :إن املﺆﴍات اﻟﺘﻲ ﱢ
ﺑﺄن املﺮﴇ ﺳﻴﺴﺘﺠﻴﺒﻮن ﻟﻠﻌﻼج ﻟﻢ ﺗُﺤﺪﱠد ﻋﲆ ﻧﺤﻮ دﻗﻴﻖ ،ورﺑﻤﺎ ﺳﻴﺰﻳﺪ اﺧﺘﻴﺎر ﻃﺮﻳﻘﺔ
ﻣﺜﲆ ﻟﻠﻌﻼج ﻣﻦ ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ اﻟﺪواء ،ﻟﻜﻦ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻀﻊ ﰲ اﻻﻋﺘﺒﺎر اﺣﺘﻤﺎل ﺣﺪوث آﺛﺎر ﻋﻜﺴﻴﺔ
ﺷﺪﻳﺪة .وﻧﺤﺘﺎج إﱃ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت أﻛﺜﺮ ﻗﺒﻞ أن ﻧﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ املﻴﻨﻮﻛﺴﻴﺪﻳﻞ ﻋﲆ أﻧﻪ أﺣﺪ اﻷدوﻳﺔ
ُ
ﻟﺘﺴﺎﻗﻂ اﻟﺸﻌﺮ«. املﻌﺎﻟِﺠَ ﺔ
262
أﻣﺮاض أﺧﺮى
ٍ أدوﻳﺔ اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ ﻓﺎﺋﺪﺗﻬﺎ ﰲ ﻋﻼج
263
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﻼﺛﻮن
اﻛﺘُ ِﺸﻒ اﺛﻨﺎن ﻣﻦ أﻫﻢ اﻷدوﻳﺔ اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﰲ ﻣﺎء اﻟﴫف اﻟﺼﺤﻲ واﻟﱰﺑﺔ! ﻓﻘﺪ اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ
املﻀﺎدات اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﻟﺴﻴﻔﺎﻟﻮﺳﺒﻮرﻳﻨﺎت ،اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﱢﻞ ﻧﻮﻋً ﺎ ﺟﺪﻳﺪًا ﻣﻦ اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني،
ﻂ ﻣﺎء اﻟﴫف اﻟﺼﺤﻲ ﰲ ﻛﺎﻟﻴﺎري ﺑﴪدﻳﻨﻴﺎ .وﻋُ ﺜِﺮ ﻋﲆ اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ ،وﻫﻮ املﻀﺎد وﺳ َ
اﻟﺤﻴﻮي اﻟﺬي ﻳﺴﺎﻋﺪ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺎت زرع اﻷﻋﻀﺎء اﻟﺒﴩﻳﺔ ،ﰲ ﺗﺮﺑﺔ أﺣﴬﻫﺎ ﻣﻮﻇﻔﻮ إﺣﺪى
اﻟﴩﻛﺎت اﻟﺪواﺋﻴﺔ ﻣﻦ وﻳﺴﻜﻮﻧﺴني واﻟﻨﺮوﻳﺞ إﱃ ﺳﻮﻳﴪا .وﰲ ﻛﻠﺘﺎ اﻟﺤﺎﻟﺘني ،ﻛﺎﻧﺖ
اﻟﻔﻄﺮﻳﺎت ﻫﻲ املﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ إﻧﺘﺎج املﻀﺎدﻳﻦ اﻟﺤﻴﻮﻳني.
ﺗﺴﺘﺤﴬ ﰲ اﻟﺬﻫﻦ أﺷﻴﺎءَ ﻏري ﺟﻴﺪة، ِ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻨﺎس ،ﻓﺈن ﻛﻠﻤﺔ »ﻓِ ْ
ﻄﺮ«
ﻣﺜﻞ ﻣﺮض ﺗﻴﻨﻴﺎ اﻟﻘﺪم أو ﻋَ َﻔﻦ اﻟﺨﺒﺰ أو ﻣﺎ ﻳﺘﻜﻮﱠن ﻋﲆ ﺳﺘﺎﺋﺮ اﻟﺤﻤﺎم .وﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ إﱃ
املﺰارﻋني ،ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﺤﴬ ﻧﻔﻮ ًرا أﻛﱪ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أن ﺗﺪﻣﱢ ﺮ املﺤﺎﺻﻴﻞ .ﻟﻜﻦ ﻟﻠﻔﻄﺮﻳﺎت
ﺟﻮاﻧﺐ ﺟﻴﺪة؛ ﻓﺈﻧﺘﺎج اﻟﺠﻌﺔ واﻟﺨﻤﺮ وﺻﻨﻊ اﻟﺨﺒﺰ وﻛﻞ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻀﻤﻦ
اﻟﺘﺨﻤﱡ ﺮ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ اﻟﺨﻤﺎﺋﺮ ،اﻟﺘﻲ ﺗُﻌَ ﱡﺪ ﻧﻮﻋً ﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻄﺮﻳﺎت.
وﻣﻦ أﻫﻢ وﻇﺎﺋﻒ اﻟﻔﻄﺮﻳﺎت إﻧﺘﺎجُ ﻣﺮﻛﺒﺎت ﻣﻦ املﻀﺎدات اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ذات أﺛﺮ ﺳﺎم ﻋﲆ
اﻟﻜﺎﺋﻨﺎت اﻟﺤﻴﺔ اﻟﻀﺎرة ،وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ.
) (1اﻟﺴﻴﻔﺎﻟﻮﺳﺒﻮرﻳﻨﺎت
ﰲ أواﺋﻞ اﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ﻛﺎن اﻷﻃﺒﺎء املﻌﺎﻟِﺠﻮن ﺑﺎﻟ ِﺒﻨﺴﻠني ﻳﺼﺎدﻓﻮن
ً
ﺧﺎﺻﺔ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ اﻟﻌﻨﻘﻮدﻳﺔ ،ﻻ ﺗﺘﺄﺛﺮ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺧﻄرية ،وﻫﻲ وﺟﻮد أﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ،
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺑﺎﻟ ِﺒﻨﺴﻠني .وﻛﺎن ﻗﺪ اﻛﺘُ ِﺸﻒ ﺳﺒﻴ ٌﻞ إﱃ ﺣﻞ ﺗﻠﻚ املﺸﻜﻠﺔ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﻌﺪة ﺳﻨﻮات ،ﻟﻜﻨﻪ ﻇ ﱠﻞ
ﻏري ﻣﻌﺮوف ﻟﺒﻌﺾ اﻟﻮﻗﺖ.
ﰲ ﻋﺎم ،١٩٤٨ﻋﺰل ﺟﻮزﻳﺒﻲ ﺑﺮوﺗﺴﻮ أﺳﺘﺎذ اﻟﺒﻜﺘريﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﰲ ﴎدﻳﻨﻴﺎ — وﻫﻲ
ﺟﺰﻳﺮة إﻳﻄﺎﻟﻴﺔ ﻛﺒرية ﰲ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺑﻴﺾ املﺘﻮﺳﻂ — ﻣﺎد ًة ﻣﻦ اﻟﺒﺤﺮ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﻣﺨﺮج
ﻟﺘﴫﻳﻒ اﻟﴫف اﻟﺼﺤﻲ ﺑﻤﺪﻳﻨﺔ ﻛﺎﻟﻴﺎري .وﻫﺬه املﺎدة ﻫﻲ ﻣﻀﺎد ﺣﻴﻮي ﻳﻨﺘﺠﻬﺎ أﺣﺪ
اﻟﻔﻄﺮﻳﺎت ،اﻟﺬي ﻫﻮ ﺳﻼﻟﺔ ﻣﻦ ﻓﻄﺮ »ﺳﻴﻔﺎﻟﻮﺳﺒﻮرﻳﺎم أﻛﺮﻳﻤﻮﻧﻴﻢ« .أراد ﺑﺮوﺗﺴﻮ دراﺳﺔ
اﻟﻮﻇﻴﻔﺔ املﺤﺘﻤَ ﻠﺔ ﻟﻠﻤﻀﺎد اﻟﺤﻴﻮي ﰲ اﻟﺘﻨﻘﻴﺔ اﻟﺬاﺗﻴﺔ ملﻴﺎه اﻟﴫف اﻟﺼﺤﻲ ،ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ
ﻄﺮ ﻫﻮ ﻣﻀﺎد ﺣﻴﻮي ﻓﻌﱠ ﺎل ،ﺗﺠﺎ َو َز اﻻﺧﺘﺒﺎرات وﺟﺪ أن ﺳﺎﺋﻞ املﺰرﻋﺔ املﺮ ﱠﻛﺰ ﻣﻦ اﻟﻔِ ْ
املﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﺠﺮى ﻋﲆ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت وأﻋﻄﻰ املﺎدة ﻟﻠﻤﺮﴇ ﻣﻦ اﻟﺒﴩ املﺼﺎﺑني ﺑﺒﻌﺾ
ﱡ
اﻟﺘﺤﺴﻦ أﻧﻮاع اﻟﻌﺪوى ،ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻻﺳﺘﺨﺪام اﻟﻈﺎﻫﺮي واﻟﺤﻘﻦ .وﻻﺣﻆ ﻇﻬﻮر ﺑﻌﺾ
ﺧﺎﺻﺔ أوﻟﺌﻚ املﺼﺎﺑني ﺑﺎﻟﺤﻤﻰ اﻟﺘﻴﻔﻮدﻳﺔ. ً ﻋﲆ ﻣﺮﺿﺎه،
ﰲ ﻋﺎم ،١٩٤٨ﺑﻌﺪ ﻓﺸﻞ ﺑﺮوﺗﺴﻮ ﰲ ﺟﺬب اﻧﺘﺒﺎه أي ﻣﻦ ﴍﻛﺎت اﻷدوﻳﺔ اﻹﻳﻄﺎﻟﻴﺔ
ﺗﻮﺻ َﻞ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻧﴩ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﰲ ﻣﺠﻠﺔ اﺳﻤﻬﺎ )ﺑﺎﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻳﺔ( »وورﻛﺲ ﱠ إﱃ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺘﻲ
أوف ذا إﻧﺴﺘﻴﺘﻴﻮت أوف ﻫﺎﻳﺠني أوف ﻛﺎﻟﻴﺎري« ،ذاﻛ ًﺮا أﻧﻪ ﻳﺄﻣﻞ أن ﻳﻠﻘﻰ اﻫﺘﻤﺎﻣً ﺎ ﻣﻦ
اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﻌﻤﻠﻪ؛ ﻷن ﻟﺪﻳﻪ ﺗﺠﻬﻴﺰات وﻣﻌﺪات ﻣﺤﺪودة ﰲ ﴎدﻳﻨﻴﺎ .ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻧﻘﻞ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ
ﺗﻮﺻ َﻞ إﻟﻴﻬﺎ إﱃ ﻣﺴﺌﻮل ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﺳﺎﺑﻖ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺼﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﰲ ﴎدﻳﻨﻴﺎ ،وﻫﻮ ﱠ اﻟﺘﻲ
اﻟﺴري إدوارد أﺑﺮاﻫﺎم ﰲ ﻛﻠﻴﺔ اﻟﺒﺎﺛﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ أﻛﺴﻔﻮرد ﰲ إﻧﺠﻠﱰا .وﺑﻌﺪ ﻋﺪة
ﺳﻨﻮات ،ﻛﺘﺐ أﺑﺮاﻫﺎم ﻳﻘﻮل» :ﻟﻮﻻ ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺪاث ،ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أن ﻧﺴﻤﻊ ﻋﻦ ﻋﻤﻞ
ﺑﺮوﺗﺴﻮ .ﻛﻨﱠﺎ ﻧﻌﺘﻘﺪ ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ أن ﺑﺤﺜﻪ ﻧ ُ ِﴩ ﰲ ﻋﺪد ﻣﻦ إﺣﺪى املﺠﻼت املﺤﻠﻴﺔ ،ﻟﻜﻦ
ﻗﺎﺋﻼ إﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﻳﺼﺪر ﻣﻨﻬﺎ ﻻﺣﻘﺎ ﻋﻦ ﻣﻌﺪل ﺻﺪور ﻫﺬه املﺠﻠﺔ ،ر ﱠد ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ً ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﺄﻟﻨﺎه ً
ﺗﻮﺻﻞ إﱃ ﱠ أي أﻋﺪاد ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ وﻻ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ،ﻟﻜﻦ رﺑﻤﺎ ﺳﻴﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﻋﺪد َ
آﺧﺮ ﻣﻨﻬﺎ إذا
اﻛﺘﺸﺎف ﻟﻪ أﻫﻤﻴﺔ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ!«
ﻗﺎم أﺑﺮاﻫﺎم ﺑﺪراﺳﺔ ﻣﺮ ﱠﻛﺰة ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ أﻛﺴﻔﻮرد ﻟﻠﻤﻀﺎدات اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﺠﻬﺎ
ﻄﺮ أﻧﺘَﺞَ ﻋﺪة ﻣﻀﺎدات ﺣﻴﻮﻳﺔ ﻄﺮ اﻟﺴﻴﻔﺎﻟﻮﺳﺒﻮرﻳﺎم ،وﻗﺪ وﺟﺪ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ أن اﻟﻔِ ْ ﻓِ ْ
ﻄﺎ ﺑﺼﻔﺔ أﺳﺎﺳﻴﺔ ﺿﺪ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ املﻮﺟﺒﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وأول ﻣﻀﺎد ﺣﻴﻮي ﺗﻢ ﻋﺰﻟﻪ ﻛﺎن ﻧ َ ِﺸ ً
ﺣﴬه ﻟﺼﺒﻐﺔ ﺟﺮام؛ ﻟﺬا أُﻃﻠِﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻴﻔﺎﻟﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ ﺑﻲ .ﻟﻜﻦ ﺑﺮوﺗﺴﻮ أﺷﺎر إﱃ أن ﻣﺎ ﱠ
ﻄﺎ ﺿﺪ ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺎ املﻮﺟﺒﺔ واﻟﺴﺎﻟﺒﺔ ﻟﺼﺒﻐﺔ ﺟﺮام؛ ﻟﺬا ﺣﺎ َو َل ﻄﺮ ﻛﺎن ﻧ َ ِﺸ ً ﻣﻦ اﻟﻔِ ْ
اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ أﻛﺴﻔﻮرد ﻋﺰل ﻣﻀﺎدات ﺣﻴﻮﻳﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ ا ُملﺴﺘﻨﺒَﺖ ،وﺑﺤﻠﻮل ﻋﺎم ١٩٥٤
266
اﻛﺘﺸﺎف أدوﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﴫف اﻟﺼﺤﻲ واﻟﱰﺑﺔ
267
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
H R2
S CH3 S
C6H5CH2CONH R1
N N
CH3
O R3
CO2H O
H
CO2H
ِﺑﻨﺴﻠني-ﺟﻲ اﻟﺴﻴﻔﺎﻟﻮﺳﺒﻮرﻳﻨﺎت
ﺷﻜﻞ :1-30ﺻﻴﻐﺔ ﺟﺰﻳﺌﻴﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻷﺣﺪ أﻧﻮاع اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني ،وﺻﻴﻐﺔ ﺟﺰﻳﺌﻴﺔ ﻋﺎﻣﺔ
ﻟﻠﺴﻴﻔﺎﻟﻮﺳﺒﻮرﻳﻨﺎت.
َ
اﻟﺒﺤﺚ اﻷوﱄ ﻋﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻨﻘﻴﺔ ﻣﻴﺎه اﻟﴫف اﻟﺼﺤﻲ ﺗَ َﻠ ْﺖ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ اﻷﺣﺪاث
ﺿﺨﻬﺎ ﰲ اﻟﺒﺤﺮ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺳﺎﺣﻠﻴﺔ ﻣﻄﻠﺔ ﻋﲆ اﻟﺒﺤﺮ اﻷﺑﻴﺾ املﺘﻮﺳﻂ ﰲ ﻣﻴﺎه ﱡ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻢ
اﻟﺒﺤﺮ .وأد ْ
ﱠت ﺗﻠﻚ اﻷﺣﺪاث إﱃ اﻛﺘﺸﺎف ﺗﺮﺳﺎﻧﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻣﻦ املﻀﺎدات اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ!
) (2اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ
ﻣﻨﺬ ﻋﺎم ،١٩٨١أﺣﺪث اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ ﺛﻮرة ﻫﺎﺋﻠﺔ ﰲ ﻣﺠﺎل زرع اﻷﻋﻀﺎء اﻟﺒﴩﻳﺔ؛
ﻓﻬﺬا اﻟﺪواء ﻳﻤﻨﻊ رﻓﺾ اﻟﺠﺴﻢ ﻟﻠﻌﻀﻮ املﺰروع ،وﻫﻮ اﻹﺟﺮاء اﻟﺬي ﻳﺘﺨﺬه اﻟﻨﻈﺎم املﻨﺎﻋﻲ
ﻋﺎﻃﻼ ﻋﻦ اﻟﻌﻤﻞ،ً ﻟﻠﺠﺴﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻌ ﱠﺮف ﻋﲆ ﻧﺴﻴﺞ ﻏﺮﻳﺐ واﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻌﻀﻮ املﺰروع
أﻳﻀﺎ أن ﻟﻪ آﺛﺎ ًرا ﺟﺎﻧﺒﻴﺔ َ
ﻣﺒﺎﴍ ًة .وﻣﻦ املﺪﻫﺶ ً ﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﺑﻌﺪ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺰرع
ﻗﻠﻴﻠﺔ .ﰲ ﻋﺎم ،١٩٨٣ذﻛﺮ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺗﻮﻣﺎس ﺳﺘﺎرزل ،وﻫﻮ ﺟ ﱠﺮاح ﰲ ﻛﻠﻴﺔ اﻟﻄﺐ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ
ﺑﻴﺘﺴﱪج ،أﻧﻪ أﺛﻨﺎء ﺟﻠﺴﺎت اﻻﺳﺘﻤﺎع ﺑﺎﻟﻜﻮﻧﺠﺮس اﻟﺘﻲ دﻋﺎ إﻟﻴﻬﺎ أﻟﱪت ﺟﻮر ،رﺋﻴﺲ ﻟﺠﻨﺔ
ِ
اﻟﻌﻠﻮم واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺑﺎﻟﻜﻮﻧﺠﺮس ،ﻗﺒﻞ ﺗﻮاﻓﺮ ﻫﺬا اﻟﺪواء ﰲ ﻋﺎم ،١٩٧٩ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻤﻠﻴﺎت
زرع اﻟﻜﺒﺪ ﻣﻬﺪﱠدة ﺑﻔﺸﻞ ذرﻳﻊ .وﻗﺎل» :ﻋﲆ ﻣﺪار ٢٠ﻋﺎﻣً ﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ،ﻛﺎن ﻻ ﻳﺒﺪو أن ﺛﻤﺔ
ً
ﻣﺠﺪﻳﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺟﺎﻧﺐ ،ﻟﻢ ﺗﻜﻦ اﻷدوﻳﺔ املﺴﺘﺨﺪَﻣﺔ
ٍ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﻠﺨﺮوج ﻣﻦ ﻫﺬا املﺄزق؛ ﻓﻤﻦ
ﻳﺘﻌ ﱠﻠﻖ ﺑﺮﻓﺾ اﻟﺠﺴﻢ ﻟﻠﻌﻀﻮ املﺰروع ،وﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ آﺧﺮ ،ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺪﻳﺪة اﻟﺨﻄﻮرة «.أﻣﺎ ﻣﻊ
دواء اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ ،ﻓﺈن ﻧﺴﺒﺔ املﺮﴇ اﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﻤﺮت ﻋﻤﻠﻴﺎت زرع اﻟﻜﺒﺪ ﻟﺪﻳﻬﻢ أﺛﻨﺎء
268
اﻛﺘﺸﺎف أدوﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﴫف اﻟﺼﺤﻲ واﻟﱰﺑﺔ
اﻟﻔﺎرق ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺮاﺣﺎت — ﻗﺪ زادت ﻣﻦ ﺣﻮاﱄ ٪٣٥إﱃ ٦٥ ِ اﻟﻌﺎم اﻷول — وﻫﻮ اﻟﻌﺎم
أو .٪٧٠
ﻗﺪﱠم اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺟﻲ ﻣﻴﻠﻔﻴﻞ وﻳﻠﻴﺎﻣﺰ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺟﻮن ﻫﻮﺑﻜﻴﻨﺰ ﺷﻬﺎدﺗﻪ ﻋﻦ ﻋﻤﻠﻴﺎت
ﺑﺖ أرﺑﻌﺔ ﻣﺮاﻛﺰ ﰲ ﻫﺬا اﻟﺒﻠﺪ دواء اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﺬي زرع اﻟ ُﻜﲆ ً
ﻗﺎﺋﻼ» :ﺟ ﱠﺮ ْ
ﻳُﻮﻗِﻒ ر ﱠد اﻟﻔﻌﻞ املﻨﺎﻋﻲ ﻟﻠﺠﺴﻢ ﺿﺪ اﻟﻌﻀﻮ املﺰروع ،واﺗﻔﻖ ﻛ ﱡﻞ اﻟﺒﺎﺣﺜني ﻓﻴﻬﺎ ﻋﲆ أن
اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ املﻤﺎرﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﻨﱠﺎ ﻧﻄﺒﱢﻘﻬﺎ ﻟﺒﻘﺎء اﻟﻌﻀﻮ املﺰروع ﻗﺪ ﺗﺒﻄﻞ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﻫﺬا
اﻟﺪواء ﻣﺘﺎﺣً ﺎ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪام اﻟﻌﺎم «.ﻓﻤﻊ اﺳﺘﺨﺪام اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ ،ﺗﺒﻠﻎ ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻨﺠﺎح ﰲ
ﻋﻤﻠﻴﺎت زرع اﻟﻜﲆ املﻨﻘﻮﻟﺔ ﻣﻦ املﻮﺗﻰ ﻣﻦ ٨٠إﱃ ،٪٩٠ﰲ ﺣني ﺗﺒﻠﻎ ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻨﺠﺎح ٪٥٠
ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻋﻨﺪ ﻋﺪم اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ.
ﻛﻤﺎ أن دواء اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ ﻳﺴﺎﻋﺪ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻛﺒري ﰲ ﻧﺠﺎح ﻋﻤﻠﻴﺎت زرع اﻟﻘﻠﺐ أو
اﻟﻘﻠﺐ واﻟﺮﺋﺘني .وﻳﻌﻠﻖ ﺟ ﱠﺮاح ﺳﺘﺎﻧﻔﻮرد اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻧﻮرﻣﺎن ﺷﺎﻣﻮاي ﻋﲆ ﻫﺬا ً
ﻗﺎﺋﻼ» :ﻣﻨﺬ
أن ﺑﺪأﻧﺎ اﺳﺘﺨﺪا َم دواء اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ ﰲ دﻳﺴﻤﱪ ﻣﻦ ﻋﺎم ،١٩٨٠ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺣﺎﻟﺔ واﺣﺪة
املﺸﺨﺼﺔ إﻛﻠﻴﻨﻴﻜﻴٍّﺎ ﻟﻌﻤﻠﻴﺎت زرع اﻟﻘﻠﺐ املﻨﻘﻮﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﺘﱪع«.ﱠ ﻣﻦ ﺣﺎﻻت رﻓﺾ اﻟﺠﺴﻢ
ﻟﻔﻬﻢ اﻛﺘﺸﺎف دواء اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ ،ﻳﺠﺐ أن ﺗﻌﺮف أن ﺑﻌﺾ ﴍﻛﺎت اﻷدوﻳﺔ
ﻇﻔِ ﻴﻬﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﻨﻘﻠﻮن ﺑني أرﺟﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ إﺣﻀﺎ َر ﻋﻴﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﱰﺑﺔ ﻻﺧﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ ﻣﻮ ﱠ
ملﺤﺎوﻟﺔ إﻳﺠﺎد ﻛﺎﺋﻨﺎت دﻗﻴﻘﺔ رﺑﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ إﻧﺘﺎج ﻣﻀﺎدات ﺣﻴﻮﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ .وﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﴩﻛﺎت
ﴍﻛﺔ ﺳﺎﻧﺪوز ﰲ ﺑﺎزل ﺑﺴﻮﻳﴪا ،وﰲ ﻋﺎم ،١٩٧٠ﻓﺤﺺ ﻋﺎﻟِﻢ املﻴﻜﺮوﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺟﻮن
ﺑﻮرﻳﻞ ﺑﻌﺾ ﻋﻴﻨﺎت اﻟﱰﺑﺔ اﻟﺘﻲ أﺣﴬﻫﺎ ﻣﻮﻇﻔﻮ اﻟﴩﻛﺔ ﻣﻦ وﻳﺴﻜﻮﻧﺴني ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت
املﺘﺤﺪة ،وﻣﻦ اﻟﻨﺮوﻳﺞ؛ ﻓﺄﻇﻬﺮ ﺑﺤﺜﻪ أن ﻋﻴﻨﺎت اﻟﱰﺑﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻢ إﺣﻀﺎرﻫﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﻳﻦ املﻜﺎﻧني
ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﺳﻼﻟﺘني ﺟﺪﻳﺪﺗني ﻣﻦ اﻟﻔﻄﺮﻳﺎت اﻟﺘﻲ أﻧﺘﺠﺖ ﻣﺎدة ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺬوﺑﺎن ﰲ
املﺎء .وﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﺘﻠﻚ املﺎدة ،اﻟﺘﻲ ُﺳﻤﱢ ﻴ َْﺖ اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ إﻳﻪ ،أيﱡ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻗﻮﻳﺔ ﻛﻤﻀﺎد
ﱠ
وﺗﻮﺻﻞ ﺣﻴﻮي ،ﻟﻜﻦ اﻧﺨﻔﺎض ُﺳﻤﻴﱠﺘﻬﺎ ﻏري املﻌﺘﺎد أدﱠى إﱃ إﺟﺮاء ﻣﺰﻳ ٍﺪ ﻣﻦ اﻻﺧﺘﺒﺎرات،
ﺑﻮرﻳﻞ إﱃ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ املﺪﻫﺶ ﰲ ﻳﻨﺎﻳﺮ ﻣﻦ ﻋﺎم ،١٩٧٢اﻟﺬي ﻳﺘﻤﺜﱠﻞ ﰲ ﺗﺄﺛريﻫﺎ املﻠﺤﻮظ املﺜﺒﻂ
ﻟﺮد اﻟﻔﻌﻞ املﻨﺎﻋﻲ .ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﻓﱰة ﻗﺼرية ،ﻗ ﱠﺮرت إدارة ﴍﻛﺔ ﺳﺎﻧﺪوز ﺗﻘﻠﻴ َﻞ ﻧﺸﺎﻃﻬﺎ ﰲ
ﻣﺠﺎل املﻨﺎﻋﺔ ،وﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ ﺑﻮرﻳﻞ وﻗﻒ أﺑﺤﺎﺛﻪ ﻋﲆ ﻣﺎدة اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ إﻳﻪ.
اﻋﱰض ﺑﻮرﻳﻞ ﻋﲆ اﻟﻘﺮار ﺑﺸﺪة ،وﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﻆ ُﺳ ِﻤﺢ ﻟﻪ ﺑﻤﻮاﺻﻠﺔ ﺑﺤﺜﻪ ﻋﲆ
اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ إﻳﻪ ،ﻓﻮﺟﺪ أن اﻟﺘﺄﺛري املﺜﺒﻂ ﻟﺮد اﻟﻔﻌﻞ املﻨﺎﻋﻲ ﻇﻬﺮ ﰲ ﻛﻞ أﻧﻮاع اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت
ﺧﻀﻌﺖ ﻟﻼﺧﺘﺒﺎر ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺤﻮﱠل إﱃ اﺧﺘﺒﺎر املﺎدة ﻋﲆ اﻹﻧﺴﺎن ،واﺟﻬَ ﺘْﻪ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺘﻲ أ ُ ِ
269
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻻﻣﺘﺼﺎص ﺑﺴﺒﺐ ﻋﺪم ﻗﺎﺑﻠﻴﺔ املﺎدة ﻟﻠﺬوﺑﺎن ﰲ املﺎء .وﺗﻨﺎ َو َﻟﻬﺎ اﻷﺷﺨﺎص املﺘﻄﻮﱢﻋﻮن
ﻟﻠﺪراﺳﺔ ﻋﲆ ﻫﻴﺌﺔ ﻛﺒﺴﻮﻻت ﺟﻴﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ،ﻟﻜﻦ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻫﻲ ﻇﻬﻮر أﺛﺮ ﺿﻌﻴﻒ ﻟﻪ
ﰲ ﻣﺠﺮى دﻣﻬﻢ أو ﻋﺪم ﻇﻬﻮر أي أﺛﺮ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق .وﰲ ﺗﻠﻚ املﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﺪراﺳﺔ ،ﻛﺎن
ﻃ َﺮﺑﻮرﻳﻞ ﻣﻘﺘﻨﻌً ﺎ أن املﺸﻜﻠﺔ ﺗﻜﻤﻦ ﰲ ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﻨﺎول ،وأﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺣﻞ ﺗﻠﻚ املﺸﻜﻠﺔ؛ ﻓﺨﺎ َ
ﺻﺎف ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ املﺎء وﻋﺎﻣﻞ ٍ ﺑﺘﻨﺎول ﻛﻮﻛﺘﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﺪواء املﺬاب ﰲ ﻛﺤﻮل ﺷﺒﻪ
ﻗﻠﻴﻼ« ،ﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ ﺳﺎﻋﺘني أﺻﺒﺢ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن اﻛﺘﺸﺎف اﺳﺘﺤﻼب .وذﻛﺮ أﻧﻪ ﺷﻌﺮ ﺑﺄﻧﻪ »ﺛﻤﻞ ً
ﺗﺮﻛﻴﺰ ﻧ َ ِﺸﻂ دواﺋﻴٍّﺎ ﻣﻦ دواء اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ ﰲ دﻣﻪ! ﺛﻢ اﻛﺘُ ِﺸﻒ أن زﻳﺖ اﻟﺰﻳﺘﻮن ﻳُﻌَ ﱡﺪ
ﻄﺎ أﻓﻀﻞ ﻟﺘﻨﺎول اﻟﺪواء ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻔﻢ. وﺳ ً
ﰲ ﻳﻮﻧﻴﻮ ﻣﻦ ﻋﺎم ،١٩٧٨ﻓﺤﺺ اﻟﺠ ﱠﺮاﺣﻮن ﰲ إﻧﺠﻠﱰا أو َل ﻣﺮﴇ ﻣﻦ اﻟﺒﴩ اﺳﺘُﺨﺪِم
ﻫﺬا اﻟﺪواء ﻣﻌﻬﻢ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺎت زرع اﻟﻨﺨﺎع اﻟﻌﻈﻤﻲ واﻟ ُﻜ َﲆ املﻨﻘﻮﻟﺔ ﻣﻦ ﺷﺨﺺ ﻣﻴﺖ اﻟﺘﻲ ﻻ
ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻮاﻓﻖ ﺑني اﻟﺠﺴﻢ واﻟﻌﻀﻮ املﺰروع .واﻵن ﺑﻌﺪ ﺳﻨﻮات ﻋﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﺠﻬﻮد ﻣﻦ
ﻓﺎق ﻧﺠﺎحُ اﻟﺪواء ﻛ ﱠﻞ اﻟﺘﻮﻗﻌﺎت ،وﻗﺪ اﻋﺘﻤﺪﺗﻪ إدار ُة اﻟﻐﺬاء واﻟﺪواءﻗِ ﺒَﻞ ﻋﴩات اﻟﻌﻠﻤﺎءَ ،
اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،وأﺻﺒﺢ ﻣﺘﺎﺣً ﺎ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪام اﻟﻌﺎم ﰲ املﺮاﻛﺰ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻴﻬﺎ إﺟﺮاء ﻋﻤﻠﻴﺎت زرع
أﻋﻀﺎء .ﻟﻜﻦ ﻳﺠﺐ ﻧﻘﻞ اﻟﻌﻀﻮ ﻣﻦ ﺟﺴﻢ املﺘﱪع إﱃ اﻟﺠﺴﻢ اﻟﺬي ﺳﻴُﺰ َرع ﻓﻴﻪ ﰲ ﻏﻀﻮن
٢٤ﺳﺎﻋﺔ .وﻋﺎد ًة ﻣﺎ ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻫﺬا اﻟﻘﻴﺪ ﴎﻋﺔ ﻛﺒرية ﰲ إﺧﺮاج اﻟﻌﻀﻮ ﻣﻦ ﺟﺴﻢ املﺘﱪع ﰲ
آﺧﺮ ،ﺛﻢ زرﻋﻪ ﰲ ﺟﺴﻢ املﺮﻳﺾ ﺑﻌﺪ ﻣﻜﺎن ﻣﺎ وﻧﻘﻠﻪ )ﻋﺎد ًة ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺠﻮ( إﱃ ﻣﻜﺎن َ ٍ
ﺗﺤﻀريه ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﺰرع ﺑﺪواء اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ إﻳﻪ .وﻗﺪ ﺗﻢ اﻵن ﺗﻐﻴري اﻻﺳﻢ املﻌﺘﻤَ ﺪ ﻟﺪواء
اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ إﻳﻪ إﱃ اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ ﻓﻘﻂ.
آﺧﺮ ﻟﺪواء اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ ،وﻫﻮ ﻋﻼج اﻷﻣﺮاض اﻟﻄﻔﻴﻠﻴﺔ؛ ﺛﻤﺔ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺪﻫﺶ َ
ﻓﺎﻟﺪواء ﻳﻘﺘﻞ اﻟﺪﻳﺪان اﻟﻄﻔﻴﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺒﱢﺐ املﺮض اﻻﺳﺘﻮاﺋﻲ املﻌﺮوف ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺒﻠﻬﺎرﺳﻴﺎ.
اﻋﺘﻘﺪ اﻟﺪﻛﺘﻮر إرﻧﺴﺖ ﺑﻮدﻳﻨﺞ ﻣﻦ ﻛﻠﻴﺔ اﻟﻄﺐ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﺟﻮن ﻫﻮﺑﻜﻴﻨﺰ أن ﻫﺬا اﻟﺪواء رﺑﻤﺎ
ﺑﻌﺾ اﻟﴚء ﻣﻦ أﻋﺮاض ﻣﺮض اﻟﺒﻠﻬﺎرﺳﻴﺎ .ﻟﻜﻦ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ أدﻫﺸﺘﻪ ،وﻛﻤﺎ ﻗﺎل: َ ﻳﺤﺴﻦﱢ
ِ ً
ﻣﺒﺎﴍا ﻋﲆ دﻳﺪان اﻟﺒﻠﻬﺎرﺳﻴﺎ!« ﻛﻤﺎ أﻧﻪ ﻳﺜﺒﻂ ﺗﺄﺛري »وﺟﺪﻧﺎ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ اﻟﺒﺤﺘﺔ أن ﻟﻪ ﺗﺄﺛريًا
ﺟﺮﻳﺖ ﻋﲆ اﻟﻔﱤان، ُ
أﻳﻀﺎ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ ﰲ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺘﻲ أ ِ ﻃﻔﻴﻞ املﻼرﻳﺎ ،وﻗﺪ اﻛﺘُ ِﺸﻒ ﻫﺬا ً
أﻳﻀﺎ أﻧﻪ ﻓﻌﱠ ﺎل ﰲ ﻣﻘﺎوﻣﺔ وﻫﻲ أﺣﺪ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ املﺴﺒﱢﺒﺔ ملﺮض املﻼرﻳﺎ .ﺑﻞ ﺛﺒﺖ ً
ﺳﻼﻻت املﻼرﻳﺎ املﻀﺎدة ﻟﻠﻜﻠﻮروﻛﻮﻳﻦ) .ﻛﺎن دواء اﻟﻜﻠﻮروﻛﻮﻳﻦ ﻓﻌﱠ ًﺎﻻ ﺿﺪ املﻼرﻳﺎ ﰲ
ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻟﻪ ﰲ أﺛﻨﺎء ﺣﺮب ﻓﻴﺘﻨﺎم(.
ِ أرﺑﻌﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ﻟﻜﻦ ﻇﻬﺮت ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻼﻻت
ﻻ ﻳﻌﺮف أﺣﺪ ﺣﺘﻰ اﻵن ﻛﻴﻒ ﻳﻌﻤﻞ دواء اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ ،ﺳﻮاءٌ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ
ﺑﺎﻟﺤﻴﻠﻮﻟﺔ دون رﻓﺾ اﻟﺠﺴﻢ ﻟﻠﻌﻀﻮ املﺰروع أو ﺑﻘﺘﻞ اﻟﻄﻔﻴﻠﻴﺎت ،ﻓﱰﻛﻴﺒﻪ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ
270
اﻛﺘﺸﺎف أدوﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﴫف اﻟﺼﺤﻲ واﻟﱰﺑﺔ
ﺟﺪﻳﺪ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء؛ ﻓﻬﻮ ﺟﺰيء ﺣﻠﻘﻲ ﻳﺘﻜﻮﱠن ﻣﻦ ١١ﻣُﻜﻮﻧًﺎ ﻣﻦ اﻷﺣﻤﺎض اﻷﻣﻴﻨﻴﺔ.
وﻣﻦ ﺗﻠﻚ املﻜﻮﻧﺎت ﻣﺮﻛﺐ ﻣﻌﺮوف ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ ﻟﻜﻦ ﰲ ﺻﻮرة اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﻤﻦ D-formﻏري
املﻌﺘﺎدة؛ ﻓﺄﻏﻠﺐ اﻷﺣﻤﺎض اﻷﻣﻴﻨﻴﺔ ﺗﻜﻮن ﰲ ﺻﻮرة اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﴪ ) .L-formاﻧﻈﺮ ﻗﺼﺔ
آﺧﺮاﻟﺠﺰﻳﺌﺎت ﰲ اﻟﺠﺎﻧﺒني اﻷﻳﻤﻦ واﻷﻳﴪ ﰲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ (.وﺛﻤﺔ ﺣﻤﺾ أﻣﻴﻨﻲ َ
ﺟﺪﻳﺪ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﰲ ﻃﺒﻴﻌﺘﻪ؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻢ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻟﺠﺰيء واﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن ﻣﺸﻐﻮﻟﻮن ﰲ ﺗﺤﻀري
ﻣﺸﺘﻘﺎت وﻧﻈﺎﺋﺮ ﻟﺘﺤﺪﻳﺪ أي أﺟﺰاء ﻫﺬا اﻟﱰﻛﻴﺐ ﴐورﻳﺔ ﻹﺣﺪاث ﺗﺄﺛرياﺗﻪ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ.
وﺣﺘﻰ اﻵن ،ﻻ ﻳﻮﺟﺪ دواء أﻓﻀﻞ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ.
آﺧﺮ ﻋﲆ دور اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ﰲ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ .ﻓﻤﻊ أن إن ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف ﻣﺜﺎل َ ﱠ
ﴍﻛﺔ ﺳﺎﻧﺪوز ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﻀﺎدات ﺣﻴﻮﻳﺔ ﰲ ﻋﻴﻨﺎت اﻟﱰﺑﺔ املﺄﺧﻮذة ﻣﻦ ﻣﻨﺎﻃﻖ
َث ﺛﻮر ًة ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺰرع اﻟﺠﺮاﺣﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،اﻛﺘﺸﻒ ﻋﻠﻤﺎؤﻫﺎ دواءً ﺟﺪﻳﺪًا أﺣﺪ َ
ً
أﻫﻤﻴﺔ ﻷﻋﻀﺎء ﻣﻬﻤﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻘﻠﺐ واﻟﺮﺋﺘني واﻟﻜﺒﺪ واﻟﻜﲆ؛ وﻫﻮ اﻛﺘﺸﺎف إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﻛﺜﺮ
ﻣﻦ اﻛﺘﺸﺎف ﻣﻀﺎد ﺣﻴﻮي ﺟﺪﻳﺪ ،ﻓﻬﻮ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﳾء ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺟﺪٍّا ﻋﻤﱠ ﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺘﻮﻗﻌﻮﻧﻪ.
271
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺤﺎدي واﻟﺜﻼﺛﻮن
ً
ﻣﻨﺎﺻﻔﺔ ﻧﺺ اﻹﻋﻼن ﻋﻦ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﻟﻌﺎم ١٩٧٩ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء» :ﺗُﻘﺪﱠم اﻟﺠﺎﺋﺰ ُة
ﻓﻴﻤﺎ ﻳﲇ ﱡ
إﱃ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﻫﺮﺑﺮت ﳼ ﺑﺮاون ﻣﻦ وﻳﺴﺖ ﻻﻓﻴﺖ ﺑﺈﻧﺪﻳﺎﻧﺎ ،واﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﺟﻮرج ﻓﻴﺘﻴﺞ
ﻫﺎﻳﺪﻟﱪج؛ ﻟﺘﺤﻮﻳﻠﻬﻤﺎ ﻣﺮﻛﺒﺎت ﻣﺤﺘﻮﻳﺔ ﻋﲆ اﻟﺒﻮرون واﻟﻔﺴﻔﻮر ،ﻋﲆ اﻟﺘﻮاﱄ ،إﱃ ﻣﻮا ﱠدِ ﻣﻦ
ﻛﺎﺷﻔﺔ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﻌﻀﻮي «.ﻟﻘﺪ دُﻋﻲ ﻫﺬان اﻟﻌﺎﻟِﻤﺎن ،ﻣﻦ ﻗﺎرﺗني ﻣﺨﺘﻠﻔﺘني ٍ
وﺧﻠﻔﻴﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻟﻠﺤﻀﻮر ﻛﻲ ﻳﺘﻘﺎﺳﻤﺎ ﻣﻌً ﺎ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﻧﻈري إﺳﻬﺎﻣﺎﺗﻬﻤﺎ املﺘﺸﺎﺑﻬﺔ
أﻳﻀﺎ ﰲ ﻫﺒﺔ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻌﺒﺖ دو ًرا ﰲ ﺣﺼﻮﻟﻬﻤﺎ ﻋﲆ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻌﻠﻤﻲ .وﻗﺪ اﺷﱰﻛﺎ ً
ﻫﺬا اﻟﺘﻜﺮﻳﻢ.
ﻛﺘﺒ َْﺖ إﻫﺪاءً ﻋﲆ اﻟﻜﺘﺎب ﺗﻘﻮل ﻓﻴﻪ» :إﱃ اﻟﻔﺎﺋﺰ املﺴﺘﻘﺒﲇ ﺑﺠﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ «.وﻳ ِ
ُﺮﺟﻊ ﺑﺮاون
ﻟﺘﺒﴫﻫﻤﺎ املﺪﻫﺶ ﺑﺈﻋﻄﺎﺋﻪ اﺳﻤً ﺎ ﺑﺎﻟﺤﺮوف اﻷوﱃ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ :إﺗﺶ ﳼ ﺑﻲ اﻟﻔﻀﻞ إﱃ واﻟﺪﻳﻪ ﱡ ِ
)وﻫﻲ اﻟﺮﻣﻮز اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﻟﻠﻬﻴﺪروﺟني Hواﻟﻜﺮﺑﻮن Cواﻟﺒﻮرون .(B
أﻳٍّﺎ ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ،اﻫﺘﻢ ﺑﺮاون ﺑﺸﺪة ﺑﻜﻴﻤﻴﺎء ﻋﻨﴫ اﻟﺒﻮرون ،وﻗ ﱠﺮ َر ﺗﺤﻀري رﺳﺎﻟﺔ
دﻛﺘﻮراه ﻣﻊ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر إﺗﺶ آي ﺷﻠﻴﺴﻴﻨﺠﺮ ﰲ ﻫﺬا املﺠﺎل ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺷﻴﻜﺎﺟﻮ ،وﻗﺪ
ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﰲ ﻋﺎم .١٩٣٨وﻛﺒﺎﺣﺚ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ،اﺳﺘﻤﺮ ﺑﺮاون ﰲ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻊ
ﺷﻠﻴﺴﻴﻨﺠﺮ ﻋﲆ ﻣﺮﻛﺒﺎت ﻣﻦ اﻟﺒﻮرون واﻟﻴﻮراﻧﻴﻮم ﺗﺤﺖ رﻋﺎﻳﺔ وزارة اﻟﺪﻓﺎع ﰲ أﺛﻨﺎء
ﻃﺮﻗﺎ ﺟﺪﻳﺪة وﻋﻤﻠﻴﺔ ﻹﻋﺪادً اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ .وﰲ أﺛﻨﺎء ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ ،ﻃ ﱠﻮ َرا ﻣﻌً ﺎ
ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪات اﻟﺼﻮدﻳﻮم واﻟﻠﻴﺜﻴﻮم.
ﺑﻌﺪ أرﺑﻊ ﺳﻨﻮات ﰲ اﻟﻜﻠﻴﺔ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ وﻳﻦ ﺳﺘﻴﺖ ﰲ دﻳﱰوﻳﺖ ،اﻧﺘﻘﻞ ﺑﺮاون إﱃ ﺟﺎﻣﻌﺔ
ﺑريدﻳﻮ أﺳﺘﺎذًا ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء ﻏري اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﺣﻴﺚ اﺳﺘﻤﺮ ﰲ اﻫﺘﻤﺎﻣﻪ ﺑﻤﺮﻛﺒﺎت اﻟﺒﻮرون .وﺗ ﱠﻢ
اﻟﺒﺤﺚ اﻟﺬي أ ُ ِ
ﺟﺮيَ ﻋﲆ ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم ﺑﻤﻮﺟﺐ ﻋﻘﻮ ٍد ﺣﻜﻮﻣﻴ ٍﺔ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب،
274
ﺑﺮاون وﻓﻴﺘﻴﺞ …
وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎن ﻧﴩ ﻧﺘﺎﺋﺠﻪ ﻟﻌﺪة ﺳﻨﻮات ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﴎﻳﺔ .أﻣﺎ اﻟﺒﺤﺚ
اﻟﺨﺎص ﺑﻬﻴﺪرﻳﺪ أملﻮﻧﻴﻮم اﻟﻠﻴﺜﻴﻮم ،ﻓﻘﺪ أُﺟﺮي ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب ،وﻟﻢ ﺗﺼﺎدﻓﻪ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻌﻮﺑﺔ،
ﻓﻨ ُ ِﴩ ﻗﺒﻞ اﻟﺒﺤﺚ َ
اﻵﺧﺮ وﺟﺬب إﻟﻴﻪ ﻗﺪ ًرا ﻛﺒريًا ﻣﻦ اﻻﻧﺘﺒﺎه ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ املﺠﺘﻤﻊ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ.
ً
ﺷﺎﻣﻼ ﻟﺪراﺳﺔ ﰲ ﺧﻤﺴﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑريدﻳﻮ ،ﺑﺪأ ﺑﺮاون ﺑﺮﻧﺎﻣﺠً ﺎ
ﺗﺄﺛريات املﺬﻳﺒﺎت واملﻮاد اﻟﺒﺪﻳﻠﺔ وأﻳﻮﻧﺎت اﻟﻔﻠﺰات ﻋﲆ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ املﺨﺘﺰﻟﺔ ﻟﺒﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ
اﻟﺼﻮدﻳﻮم ،املﺮﻛﺐ اﻟﺬي ﺷﻌﺮ ﺑﺮاون أﻧﻪ ﺗﺠﺎﻫﻠﻪ ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺸﻬﺮة اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻟﻬﻴﺪرﻳﺪ
أﻟﻮﻣﻨﻴﻮم اﻟﻠﻴﺜﻴﻮم .وﻛﺎن ﻣﻦ املﻌﺮوف أن ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم ﻳﺨﺘﺰل )أي ﻳﻀﻴﻒ
ذرة ﻫﻴﺪروﺟني إﱃ( رواﺑﻂ اﻟﻜﺮﺑﻮن-اﻷﻛﺴﺠني املﺰدوﺟﺔ ﻟﻠﻤﺮﻛﺒﺎت املﻌﺮوﻓﺔ ﺑﺎﻹﺳﱰات
ﻣﺜﻞ ﺑﻨﺰوات اﻹﺛﻴﻞ وﺳﺘﻴﺎرات اﻹﺛﻴﻞ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻢ ﺗﺤﻔﻴﺰ )ﺗﴪﻳﻊ( اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺑﻮﺟﻮد ﻛﻠﻮرﻳﺪ
اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم إﱃ ﺟﺎﻧﺐ ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم .وﻛﺎن ﻛﻞ إﺳﱰ ﻣﻦ اﻹﺳﱰَﻳ ِْﻦ ﻳﺄﺧﺬ ذرﺗَ ْﻲ
ﻫﻴﺪروﺟني ﻣﻦ ﻛﻤﻴﺔ ﻣﻜﺎﻓﺌﺔ ﻣﻦ ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم ،ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ أُﺟﺮﻳﺖ ﺗﺠﺮﺑﺔ
ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام أوﻟﻴﺎت اﻹﺛﻴﻞ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻤﻴﺔ ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم املﺴﺘﺨﺪَﻣﺔ ﻣﻦ ﻗِ ﺒﻞ
اﻹﺛﻴﻞ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذرﺗَ ْﻲ ﻫﻴﺪروﺟني ﺑﻜﺜري.
ﻛﺎن اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ اﻟﺬي ﻳﻌﻤﻞ ﻣﻊ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﺑﺮاون ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻫﻮ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺑﻲ
ﳼ ﺳﻮﺑﺎ راو ،اﻟﺬي ﺣﺼﻞ ﻋﲆ درﺟﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑريدﻳﻮ ﰲ ﻋﺎم ١٩٥٥ﻋﻦ
ﺑﺤﺚ ﻗﺎم ﺑﻪ ﺗﺤﺖ إﴍاف اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﺑﺮاون ،اﻟﺬي ﻛﺎن ﻻ ﻳﺰال ﻳﻌﻤﻞ ﻣﻌﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﱰة. ٍ
وﻋﻨﺪﻣﺎ ذﻛﺮ ﻟﱪاون اﻟﺴﻠﻮك ﻏري املﺄﻟﻮف ﻷوﻟﻴﺌﺎت اﻹﺛﻴﻞ ،أرﺟﻌﻪ ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ إﱃ اﻟﺸﻮاﺋﺐ
املﻮﺟﻮدة ﰲ ﻋﻴﻨﺔ أوﻟﻴﺌﺎت اﻹﺛﻴﻞ .واﻗﱰح ﺑﺮاون أن ﻳ َ
ُﺨﺘﱪ ﻫﺬا اﻟﺘﻔﺴري ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﺘﻨﻘﻴﺔ
اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻟﻠﻌﻴﻨﺔ ،ﻣﻊ ﺗﻜﺮار اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻣﻊ املﺎدة ا ُمل ﱠ
ﻨﻘﺎة .وﻳﺸري ﺑﺮاون ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻟﺒﻮراﻧﺎت
ُﺤﺴﺪ ﻋﻠﻴﻪ ﺟﻌﻠﻪ ٍ
ﻣﻮﻗﻒ ﻻ ﻳ َ ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ« ) (١٩٧٢إﱃ أن »ﻣﺪﻳﺮ اﻟﺒﺤﺚ ﻛﺎن ﰲ
ﻳﴫﱡ ﻋﲆ اﻻﻟﺘﺰام ﺑﺎملﻌﺎﻳري اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ؛ إذ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ! وأﻗﻨﻌﺖ
اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺳﻮﺑﺎ راو ﺑﺎﻟﺮﺟﻮع إﱃ املﻌﻤﻞ وﺗﻜﺮار اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام أوﻟﻴﺌﺎت اﻹﺛﻴﻞ اﻟﻨﻘﻲ«.
ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺪ ﺗﻜﺮار اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ واﺣﺪة؛ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ أن اﻟﺸﻮاﺋﺐ ﰲ ﻋﻴﻨﺔ
أوﻟﻴﺌﺎت اﻹﺛﻴﻞ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻹﺿﺎﰲ ﻣﻊ ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم .وﰲ
واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ،أﻇﻬﺮ اﻟﺘﻜﺮار اﻟﺪﻗﻴﻖ ﻟﻠﺘﺠﺮﺑﺔ أن أوﻟﻴﺌﺎت اﻹﺛﻴﻞ ﻛﺎن ﻳﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ »ﺛﻼث«
ﻛﻤﻴﺎت ﻣﻜﺎﻓﺌﺔ ﻣﻦ ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم ،ﰲ ﺣني أن ﺳﺘﻴﺎرات اﻹﺛﻴﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﺘﺎج إﱃ
ﻛﻤﻴﺘني ﻣﻜﺎﻓﺌﺘني ﻓﻘﻂ؛ ﺣﻴﻨﻬﺎ أدرك ﺑﺮاون أن ﻫﺬا دﻟﻴﻞ ﻋﲆ أن ﺟﺰءًا ﻣﻦ ﺟﺰيء أوﻟﻴﺌﺎت
اﻹﺛﻴﻞ ﺧﻼف ﺟﺰء اﻟﻜﺮﺑﻮن-اﻷﻛﺴﺠني اﻟﺬي ﺗﺸﺎرﻛﻪ ﻣﻊ ﺳﺘﻴﺎرات اﻹﺛﻴﻞ ،ﻛﺎن ﻳﺘﻔﺎﻋﻞ
275
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻣﻊ )ﻳﺴﺘﻬﻠﻚ( ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم .وﻋﻠﻴﻪ ،ﻓﺎﻻﺧﺘﻼف ﺑني أوﻟﻴﺌﺎت اﻹﺛﻴﻞ وﺳﺘﻴﺎرات
اﻹﺛﻴﻞ ﻳﺘﻤﺜﻞ ﰲ وﺟﻮد راﺑﻄﺔ ﻛﺮﺑﻮن-ﻛﺮﺑﻮن ﻣﺰدوﺟﺔ ﰲ ﺟﺰيء أوﻟﻴﺌﺎت اﻹﺛﻴﻞ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ
ﰲ ﺳﺘﻴﺎرات اﻹﺛﻴﻞ .وأدرك ﺑﺮاون أن ﺗﻠﻚ اﻟﺮاﺑﻄﺔ ﻫﻲ املﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻹﺿﺎﰲ ﰲ
ﱠ
ﻣﺘﻮﻗﻊ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق. ﺣﺎﻟﺔ ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم ،وﻛﺎن ﻫﺬا ﻏري
ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺨﻄﻮة اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺗﺘﻤﺜﱠﻞ ﰲ اﺧﺘﺒﺎر ﺟﺰيء ﻟﻪ راﺑﻄﺔ ﻛﺮﺑﻮن-ﻛﺮﺑﻮن ﻣﺰدوﺟﺔ،
وﻟﻴﺲ راﺑﻄﺔ ﻛﺮﺑﻮن-أﻛﺴﺠني ﻣﺰدوﺟﺔ )أﻟﻜني ﺑﺴﻴﻂ( ،ملﻌﺮﻓﺔ إن ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺘﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ
ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم وﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم أم ﻻ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺪث اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ،ﻛﺎن ﻋﲆ اﻟﺒﺎﺣﺜني
أن ﻳﻘﺮروا ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻣﺎ ﻛﺎن ﻳﺤﺪث؛ ﻷن ﻫﺬا اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻟﻢ ﺗﺘﻢ ﻣﻼﺣﻈﺘﻪ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ.
ﻗ ﱠﺮ َر ﺑﺮاون أن اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻳﺠﺐ أن ﻳﺘﻀﻤﱠ ﻦ اﻟﺘﻜﻮﱡن اﻟﻮﺳﻴﻂ ﻟﺜﻨﺎﺋﻲ اﻟﺒﻮران ،اﻟﺬي
ﻳﻨﺘﺞ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم وﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم ،وﻛﺎن ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﺒﻮران ﻫﻮ
ﻣﺎ ﻳُﻀﺎف إﱃ اﻟﺮاﺑﻄﺔ املﺰدوﺟﺔ ﻣﻨﺘِﺠً ﺎ ﻣﺎ ﻳُﺴﻤﱠ ﻰ ﺑﺎﻟﺒﻮران اﻟﻌﻀﻮي .أُﺟﺮﻳﺖ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻣﻦ
ﻗﺒﻞ ملﻼﺣﻈﺔ أﺛﺮ إﺿﺎﻓﺔ ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﺒﻮران إﱃ أﻟﻜني .وﻗﺪ ُﺳﻤﱢ ﻲ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺑﺎﻟﻬﻴﺪروﺑﻮروﻧﻴﺔ؛
آﺧﺮ .وﰲ دراﺳﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ،ﺣﺪث ﻫﺬا ﻷﻧﻪ ﺗﻀﻤﱠ َﻦ إﺿﺎﻓﺔ ﻫﻴﺪروﺟني وﺑﻮرون إﱃ ﺟﺰيء َ
اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻓﻘﻂ ﺗﺤﺖ ﻇﺮوف ﺗﺠﺮﻳﺒﻴﺔ ﻣﺸﺪﱠدة وﺑﻨﺘﺎج ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﻏري ﻋﻤﲇ .وﺧﻤﱠ َﻦ ﺑﺮاون
أن اﻟﻨﺠﺎح ﰲ إﻧﺘﺎج ﻫﺬا اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺑﻨﺘﺎج ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﺟﻴﺪ وﰲ ﻇﺮوف ﻋﺎدﻳﺔ ﻳﺮﺟﻊ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ
إﱃ اﻟﺘﺄﺛري اﻟﺘﺤﻔﻴﺰي ﻟﻜﻠﻮرﻳﺪ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم .وأﺛﺒﺖ ﻫﻮ وﺳﻮﺑﺎ راو أن ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﻤﺎ ﰲ واﻗﻊ
اﻷﻣﺮ إﻧﺘﺎج ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﺒﻮران ﻣﻦ ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم وﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم ﰲ ﻣﺤﻠﻮل إﺛري
)إن اﻹﺛري اﻟﺬي ﻛﺎﻧَﺎ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﺎﻧﻪ ﻫﻮ ﻣﺬﻳﺐ ﻣﺘﺎح ﺗﺠﺎرﻳٍّﺎ وﻏري ﻣﺘﻄﺎﻳﺮ ،وﻟﻴﺲ إﺛري ﺛﻨﺎﺋﻲ
اﻹﻳﺜﻴﻞ املﺴﺘﺨﺪَم ﻛﻤﺎدة ﺗﺨﺪﻳﺮ( ﰲ ﻇﺮوف ﻋﺎدﻳﺔ ،وأن ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﺒﻮران ﺳﻴﻀﻴﻒ ﻣﺰﻳﺪًا
ﻣﻦ اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ إﱃ اﻷﻟﻜﻴﻨﺎت اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ.
ﻗﺒﻞ أن ﻳﻨﴩ ﺑﺮاون وراو ﺗﻘﺮﻳ ًﺮا ﻋﻦ ﻫﺬا اﻹﺟﺮاء اﻟﻌﻤﲇ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﺘﻔﺎﻋﻞ
اﻟﻬﻴﺪروﺑﻮروﻧﻴﺔ ،اﻟﺬي أرﺟَ ﻌَ ﺎ ﻧﺠﺎﺣﻪ إﱃ اﻟﺘﺄﺛري اﻟﺘﺤﻔﻴﺰي ﻟﻜﻠﻮرﻳﺪ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم ،ﻗ ﱠﺮ َرا
ﺗﻜﺮار اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻟﻠﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﲆ ﻧﻈﺮﻳﺘﻬﻤﺎ ،وذﻟﻚ ﰲ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺗﺴﺘﺨﺪم ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﺒﻮران ﻣﻊ اﻷﻟﻜني
ﰲ ﻣﺤﻠﻮل اﻹﺛري ﻣﻊ اﺳﺘﺒﻌﺎد ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم .واﻧﺪﻫﺸﺎ ﺣني ﺣﺪث اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ
اﻟﴪ وراء ﺟﻴﺪ دون ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻷﻟﻮﻣﻨﻴﻮم .وﺑﻌﺪ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﻜري واﻟﺘﺠﺮﻳﺐ ،اﺳﺘﻨﺘﺠﺎ أن ﱠ
ﻧﺠﺎح اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻛﺎن ﻳﻜﻤﻦ ﰲ اﻻﺳﺘﺨﺪام ﻏري املﻘﺼﻮد ﻷﺣﺪ املﺬﻳﺒﺎت اﻹﺛريﻳﺔ.
ﻃ ﱠﻮ َر اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﺑﺮاون وزﻣﻼؤه ﻫﺬا اﻹﺟﺮاء إﱃ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻋﺎﻣﺔ وﻣﻔﻴﺪة وﴎﻳﻌﺔ
ﻟﺘﺤﻀري ﻣﺮﻛﺒﺎت اﻟﺒﻮرون اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ،وﺑﻤﺠﺮد أن أﺻﺒﺤﺖ ﺗﻠﻚ املﺮﻛﺒﺎت ﻣﺘﺎﺣﺔ ،اﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖ
276
ﺑﺮاون وﻓﻴﺘﻴﺞ …
ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻔﻴﺪ ﺟﺪٍّا ﻛﻤﻮاد وﺳﻴﻄﺔ ﰲ ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ املﺮﻛﺒﺎت اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ اﻟﻘﻴﱢﻤﺔ ،اﻟﺘﻲ
ﺗﻮﺻ َﻞ إﻟﻴﻪ ﺑﺮاون
أﻏﻠﺒﻬﺎ ﻻ ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ اﻟﻜﺮﺑﻮن .إن اﻟﺸﺎﻫِ ﺪ ﻋﲆ ﻗﻴﻤﺔ ﻫﺬا اﻹﺟﺮاء اﻟﺬي ﱠ
وﻣﻌﺎوﻧﻮه ﻻ ﻳﻘﺘﴫ ﻓﻘﻂ ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺮاون ،وﻟﻜﻦ ً
أﻳﻀﺎ اﻟﻜﺘﺐ
واملﺠﻼت واملﻨﺸﻮرات اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ اﺳﺘﻔﺎدوا
َ
ﺴﺘﻜﺸﻔﺔ« )ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻤﱢ ﻴﻬﺎ ﺑﺮاون( ﻣﻦ اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌَ َﺮﴈ ﻟﺘﻠﻚ »اﻟﻘﺎرة اﻟﻌﺮﻳﻀﺔ ﻏري ا ُمل
ﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﻬﻴﺪروﺑﻮروﻧﻴﺔ.
ﻟﻢ ﻳﻔﺘﺢ اﻛﺘﺸﺎف ﺑﺮاون املﺠﺎل ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﺟﺰﻳﺌﺎت ﻋﻀﻮﻳﺔ ﻣﻌﻘﺪة ﻓﻘﻂ ،وﻟﻜﻦ
أﻳﻀﺎ ،اﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺻﻨﻌﻬﺎ ﺟﻴﺪًا ﻋﲆ أي ﻧﺤﻮ ﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ اﻟﺒﺴﻴﻄﺔ ً
آﺧﺮ .ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،إن ﻛﺤﻮل اﻷﻳﺰوﺑﺮوﺑﻴﻞ — اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺠﺪه ﰲ أﻳﺔ ﺻﻴﺪﻟﻴﺔ َ
ﺑﻮﺻﻔﻪ املﻜﻮﱢن اﻟﺮﺋﻴﴘ ﻟﻜﺤﻮل اﻟﺘﻄﻬري — ﻳﺘﻢ ﺗﺤﻀريه ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺳﻬﻞ ورﺧﻴﺺ ﻣﻦ
ﻣﻌﺘﻤﺪة ﻋﲆ اﻟﺒﻨﺰﻳﻦ .ﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺻﻨﻊ اﻷﻳﺰوﻣري اﻟﺨﺎص ِ اﻟﱪوﺑﻴﻠني ،وﻫﻲ ﻣﺎدة ﺑﺎدﺋﺔ
ﺑﻪ ،وﻫﻮ اﻟﻜﺤﻮل اﻟﱪوﺑﻴﲇ )ﻛﺤﻮل إن-ﺑﺮوﺑﻴﲇ( ،ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺟﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﱪوﺑﻴﻠني ﺑﺴﺒﺐ
املﺒﺪأ املﺤﺪد ﰲ ﻗﺎﻋﺪة ﻣﺎرﻛﻮﻓﻨﻴﻜﻮف .ﻓﻌﻦ ﻃﺮﻳﻖ إﺟﺮاء اﻟﻬﻴﺪروﺑﻮروﻧﻴﺔ اﻟﺨﺎص ﺑﱪاون،
ﻳﻤﻜﻦ ﺻﻨﻊ اﻟﻜﺤﻮل اﻟﱪوﺑﻴﲇ ﻣﻦ اﻟﱪوﺑﻴﻠني ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام إﺟﺮاء ﻳﺘﻀﻤﱠ ﻦ »إﺿﺎﻓﺔ ﻋﻜﺲ
ﻗﺎﻋﺪة ﻣﺎرﻛﻮﻓﻨﻴﻜﻮف« ﻛﺨﻄﻮة ،وﻫﻮ إﺟﺮاء ﻣﻮﺻﻮف ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﰲ ﻛﻞ ﻣﺮﺟﻊ أﺳﺎﳼ ﻋﻦ
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ.
ﺗﻌﻘﻴﺐ
آﺧﺮ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺨﺼﺎﺋﺺ ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم .ﻓﻔﻲ أﺛﻨﺎء ً
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎ ﻋَ َﺮﺿﻴٍّﺎ َ وﺻﻒ ﺑﺮاون
اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎملﻴﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ،أراد ﺳﻼح اﻹﺷﺎرة ﺑﺎﻟﺠﻴﺶ اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻣﺼﺪ ًرا ﻋﻤﻠﻴٍّﺎ ﻹﻋﺪاد ﻏﺎز
اﻛﺘﺸ َﻔﺎ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻹﻧﺘﺎج
َ اﻟﻬﻴﺪروﺟني ﻣﻴﺪاﻧﻴٍّﺎ ،وﻛﺎن ﻗﺪ ﺳﻤﻊ أن ﺷﻠﻴﺴﻴﻨﺠﺮ وﺑﺮاون ﻗﺪ
اﻟﻐﺎز ﻣﻦ ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم ،ﻓﻄﻠﺐ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺟﻴﺪة ﻹﻋﺪاد ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ
ً
ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺻﻮدﻳﻮم ﻧﻘﻲ .وﰲ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻬﺪﻓﺖ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ،اﺧﺘﱪ ﺑﺮاون
ﻟﻠﺘﻨﻘﻴﺔ ﻳُﺴﺘﺨ َﻠﺺ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام اﻷﺳﻴﺘﻮن وﻫﻮ أﺣﺪ املﺬﻳﺒﺎت
اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ؛ ﻓﻮﺟﺪ أن اﻟﺒﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ ﻳﺬوب ﰲ اﻷﺳﻴﺘﻮن ﻣﻊ إﻧﺘﺎج ﺣﺮارة ،وﻋﻨﺪ ﻓﺤﺺ
املﺤﻠﻮل وﺟﺪ أن اﻷﺳﻴﺘﻮن ﻳﺘﺤﻮﱠل إﱃ ﻛﺤﻮل اﻷﻳﺰوﺑﺮوﺑﻴﻞ .وﺑﻬﺬه اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ،اﻛﺘُ ِﺸﻒ
اﻹﺟﺮاء اﻟﻌﺎم واملﻔﻴﺪ ﺟﺪٍّا ﻟﺘﺤﻮﻳﻞ اﻷﻟﺪﻳﻬﻴﺪات واﻟﻜﻴﺘﻮﻧﺎت )اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ اﻷﺳﻴﺘﻮن( إﱃ
ﻣﻮاد ﻛﺤﻮﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم.
277
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻣﻊ أن ﻗﺮب اﻧﺘﻬﺎء اﻟﺤﺮب أﻋﺎق ﺗﻄﻮﻳﺮ اﻻﺳﺘﺨﺪام املﻴﺪاﻧﻲ ﻟﺒﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم
ﰲ إﻧﺘﺎج اﻟﻬﻴﺪروﺟني ،ﻓﺈن اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺨﺼﺎﺋﺺ املﺨﺘﺰﻟﺔ ﻟﻠﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ ﻟﻸﻟﺪﻳﻬﻴﺪات
واﻟﻜﻴﺘﻮﻧﺎت ﺑﺎﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻣﻊ ﺑﻮروﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم أﺣﺪث ﺛﻮر ًة ﰲ اﻟﻄﺮق املﺴﺘﺨﺪَﻣﺔ ﻣﻦ
ﻗِ ﺒَﻞ اﺧﺘﺼﺎﺻﻴﻲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺘﻔﺎﻋﻼت ،وﻟﻬﺬا املﺮﻛﺐ »اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣﻨﺘﺠً ﺎ ﺗﻢ
ﻻﺣﻘﺎ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ اﻷﺳﺎﳼ ﰲ ً ﺗﻄﻮﻳﺮه ﻟﻠﻮﻓﺎء ﺑﻤﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﺒﺤﺚ ﰲ أﺛﻨﺎء اﻟﺤﺮب ،ووﺟﺪ
ﺻﻨﺎﻋﺔ اﻟﺪواء«.
278
ﺑﺮاون وﻓﻴﺘﻴﺞ …
ﱠت إﱃ أﺛﻨﺎء ﻋﻤﻠﻪ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺗﻴﻮﺑﻨﺠﻦ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٥٣ﺻﺎدف اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﺘﻲ أد ْ
ﺣﺼﻮل ﻓﻴﺘﻴﺞ ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ .ﻛﺎن ﻓﻴﺘﻴﺞ وﺗﻠﻤﻴﺬه ﺟﻮرج ﺟﺎﻳﺴﻠﺮ ﻳﺪرﺳﺎن املﺮﻛﺒﺎت
اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﻓﻴﻬﺎ ذرة ﻓﻮﺳﻔﻮر ﻣﻊ ﺧﻤﺲ ذرات أﺧﺮى؛ أي ﻣﺮﻛﺒﺎت اﻟﻔﻮﺳﻔﻮر اﻟﺨﻤﺎﺳﻴﺔ
اﻟﺘﻜﺎﻓﺆ .وﰲ إﺣﺪى اﻟﺘﺠﺎرب ،وﺟَ ﺪَا أن ﻣﺮﻛﺐ اﻟﻔﻮﺳﻔﻮر اﻟﻌﻀﻮي ﺗﻔﺎﻋَ َﻞ ﻣﻊ ﻣﺮﻛﺐ
ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ راﺑﻄﺔ ﻛﺮﺑﻮن-أﻛﺴﺠني ﻣﺰدوﺟﺔ )وﻫﻲ ﺗُﻌَ ﱡﺪ اﻟﻮﺣﺪة اﻟﱰﻛﻴﺒﻴﺔ املﻤﻴﺰة ﰲ
اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻔﺌﺎت املﻬﻤﺔ ﻟﻠﻤﺮﻛﺒﺎت اﻟﺘﻲ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ اﻷﻟﺪﻳﻬﻴﺪات واﻟﻜﻴﺘﻮﻧﺎت( ،ﺑﺤﻴﺚ
ﺗﺤﻞ راﺑﻄﺔ ﻛﺮﺑﻮن-ﻛﺮﺑﻮن ﻣﺰدوﺟﺔ ﻣﺤﻞ راﺑﻄﺔ ﻛﺮﺑﻮن-أﻛﺴﺠني ﻣﺰدوﺟﺔ .وﰲ اﻟﻮرﻗﺔ
اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ اﻷﺻﻠﻴﺔ اﻟﺘﻲ وﺿﻌﻬﺎ ﻣﻊ ﺟﺎﻳﺴﻠﺮ ،ﻛﺘﺐ ﻓﻴﺘﻴﺞ ﻳﻘﻮل» :إن ﺳﻠﻮك املﺮﻛﺐ ) Vﻣﺮﻛﺐ
اﻟﻔﻮﺳﻔﻮر اﻟﻌﻀﻮي( ﻣﻊ اﻟﺒﻨﺰوﻓﻴﻨﻮن )اﻟﻜﻴﺘﻮن املﺤﺘﻮي ﻋﲆ راﺑﻄﺔ ﻛﺮﺑﻮن-أﻛﺴﺠني
ً
ﻣﺪﻫﺸﺎ!« ﻣﺰدوﺟﺔ( ﻛﺎن
ﻣﺘﻮﻗﻊ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﱠ ﻣﻊ أن ﻫﺬا ﻛﺎن ﺟﺰءًا ﺻﻐريًا ﻣﻦ ﻫﺬه اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ ،وﻛﺎن ﻏري
واﺿﺢ ،ﻓﻤﻤﺎ ﻳﺪل ﻋﲆ إدراك ﻓﻴﺘﻴﺞ ﻷﻫﻤﻴﺘﻪ ﻫﻮ ﻇﻬﻮر ورﻗﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﰲ وﻗﺖ
آﺧﺮ ﻣﻦ أﺣﺪ ﺗﻼﻣﺬﺗﻪ وﻫﻮ أوﻟﺮﻳﺶ ﺷﻮﻟﻜﻮﺑﻒ ،ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮان: ﻣﺘﺰاﻣﻦ ﻟﻔﻴﺘﻴﺞ ﻣﻊ ﺑﺎﺣﺚ َ
»ﺛﻼﺛﻲ ﻓﻴﻨﻴﻞ ﻓﻮﺳﻔني اﻹﺛﻴﻠني ﻛﻤﺎدة ﻛﺎﺷﻔﺔ ﻣﻜﻮﱢﻧﺔ ﻟﻸوﻟﻔني «.ﰲ ﻫﺬه اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ،
املﻜﺘﺸﻒ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ ﺗ ﱠﻢ ﰲ ﻇﺮوف ﻣﻌﻤﻠﻴﺔ ﻋﺎدﻳﺔ ،وﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ ﰲ َ ﺛﺒﺖ أن اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ
ﺗﺤﻀري اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷوﻟﻔﻴﻨﺎت )ﻫﻨﺎك ﻣﺼﻄﻠﺢ أﺣﺪث ﻟﻸوﻟﻔﻴﻨﺎت وﻫﻮ »اﻷﻟﻜﻴﻨﺎت«( ،اﻟﺘﻲ
ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻃﺮﻳﻘﺔ أﺧﺮى ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ .وﺗﻜﻤﻦ أﻫﻤﻴﺔ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻓﻴﺘﻴﺞ
ﰲ أﻧﻬﺎ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﺘﻜﻮﻳﻦ أوﻟﻔﻴﻨﺎت ﺑﺮاﺑﻄﺔ ﻛﺮﺑﻮن-ﻛﺮﺑﻮن ﻣﺰدوﺟﺔ ﰲ ﻣﻮﺿﻊ ﻣﺤﺪﱠد ﰲ
اﻟﺠﺰيء ،وﻫﻮ اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻤﻜﻨًﺎ ﺑﺄﻳﺔ ﻃﺮﻳﻘﺔ أﺧﺮى ﻣﻌﺮوﻓﺔ ﰲ ﻋﺎم ) ١٩٥٣أو
اﻟﻴﻮم( ﻟﻬﺬا اﻟﻐﺮض .وﺛﻤﺔ ﻣﻴﺰة أﺧﺮى ﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻓﻴﺘﻴﺞ ،وﻫﻲ أن اﻟﻈﺮوف املﻌﻤﻠﻴﺔ اﻟﻌﺎدﻳﺔ
اﻟﺘﻲ اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﺈﻧﺘﺎج ﻣﻮاد ﺣﺴﺎﺳﺔ ﻟﻈﺮوف أﺻﻌﺐ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ درﺟﺔ اﻟﺤﺮارة
ِ
اﻟﻜﺎﺷﻔﺔ اﻷﻗﻮى. واملﻮاد
وأﻳﻀﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻣﻞ ً وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺻﺪرت أوراق ﺑﺤﺜﻴﺔ أﺧﺮى ﻣﻦ ﻣﻌﻤﻞ ﻓﻴﺘﻴﺞ،
ﻣﺮﺟﻌً ﺎ ﺣﺪﻳﺜًﺎ
ﻟﻜﻦ ِ ُﺤﴡ ،ﱠآﺧﺮﻳﻦ ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ .وﻋﺪد اﻷوراق اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ ﻫﺬه ﻻ ﻳ َ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴني َ
آﺧﺮﻣﻘﺎﻻ ﻧﻘﺪﻳٍّﺎ ﺻﺪرت ﺣﻮل ﻫﺬا املﻮﺿﻮع .وﻫﻨﺎك ﻣﻌﻴﺎر َ ً ذ َﻛ َﺮ أن ﺛﻤﺔ ﻛﺘﺎﺑني و٢٥
ﻟﻘﻴﺎس أﻫﻤﻴﺔ اﻻﻛﺘﺸﺎف ،إﱃ ﺟﺎﻧﺐ ﺣﺼﻮل ﺻﺎﺣﺒﻪ ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ،وﻫﻮ ﺣﻘﻴﻘﺔ
اﺳﺘﺨﺪام ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﺘﻲ اﻛﺘﺸﻔﻬﺎ ﻓﻴﺘﻴﺞ ﰲ ﺗﺤﻀري ﻓﻴﺘﺎﻣني إﻳﻪ ﺑﻜﻤﻴﺎت ﻛﺒرية.
ورﻗﺔ ﺑﺤﺜﻴ ٍﺔ ﻗﺪﱠﻣَ ﻬﺎ ﰲ ﻣﺆﺗﻤﺮ دوﱄ ﰲ ﻃﻮﻛﻴﻮ ﰲ ٍ ﻳﻈﻬﺮ ﺣﺐ ﻓﻴﺘﻴﺞ ﻟﻠﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﰲ
ﻋﺎم .١٩٦٤وﻫﻮ ﻳﺼﻒ ﻗﺼﺔ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ﰲ ﻋﺎم ١٩٥٣ﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﺘﻲ ﺣﻤﻠﺖ
279
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﺳﻤﻪ ﰲ ورﻗﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ ذ َﻛ َﺮ ﻓﻴﻬﺎ أن اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﺬي ﺻﺎدﻓﻪ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻋَ َﺮﴈ ﻛﺎن ﻣﻤﺎﺛ ًِﻼ
ﻟﻠﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﺬي اﻛﺘﺸﻔﻪ ﻫريﻣﺎن ﺷﺘﺎودﻧﺠﺮ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﺜﻼﺛني ﻋﺎﻣً ﺎ .وﻋﻘﺪ ﻣﻮازﻧﺔ ﺑني اﻟﺸﻜﻞ
ِ
املﻌﺘﻤﺪة ﻋﲆ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ املﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺗﻔﺎﻋﻞ ﺷﺘﺎودﻧﺠﺮ وﻣﺆ ﱠﻟﻔﺎت املﻮﺳﻴﻘﻴني اﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴني
ِ
املﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﻟﺤﻦ املﺆ ﱠﻟﻔﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺴﺎﺑﻘني ﻋﻠﻴﻬﻢ؛ ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻟﺤْ ُﻦ ﺑﺮاﻣﺲ
ﺑﺎﺟﺎﻧﻴﻨﻲ .ﻟﻜﻦ اﻛﺘﺸﺎف ﻓﻴﺘﻴﺞ ﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻻﺳﺘﺨﺪام املﺮﻛﺒﺎت اﻟﻔﻮﺳﻔﻮرﻳﺔ اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ
ﰲ اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺒﺘﻜﺮة وﻏري ﻣﻌﺪﱠﻟﺔ ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻗﺪﻳﻤﺔ .وﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ ،أﻗ ﱠﺮ ﻓﻴﺘﻴﺞ
ﴏاﺣﺔ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﲆ ﻋِ ْﻠﻢ ﺑﻌﻤﻞ ﺷﺘﺎودﻧﺠﺮ ﺣﺘﻰ اﺳﺘﻌﺮض املﺮاﺟﻊ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﺑﻌﺪ ً
اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻲ.
إن اﻹﺳﻬﺎﻣﺎت املﺘﻤﺎﺛﻠﺔ ﻟﻜ ﱟﻞ ﻣﻦ ﺑﺮاون وﻓﻴﺘﻴﺞ اﻟﺘﻲ أﻗ ﱠﺮﻫﺎ املﺴﺌﻮﻟﻮن ﻋﻦ ﺟﺎﺋﺰة ﱠ
ﻧﻮﺑﻞ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﰲ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﻤﺎ ﻋﻨﴫﻳﻦ ﻏري ﻛﺮﺑﻮﻧﻴني ﰲ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻣﺮﻛﺒﺎت ﻋﻀﻮﻳﺔ ذات
ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺟﺰﻳﺌﻲ ﻣﺤﺪﱠد ﺑﻄﺮق ﻋﻤﻠﻴﺔ .وﻛﻼ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓني ﻛﺎﻧﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﺼﺎدﻓﺘني ﺗﺒﻌﺘﻬﻤﺎ
اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ اﻟﺬﻛﻴﺔ ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ ﺑﺮاون وﻓﻴﺘﻴﺞ ،ﺣﻴﺚ إن ﻋﻘﻠﻴﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺎ ﻣﺴﺘﻌﺪﻳﻦ ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ
ﻫﺎﺗني اﻟﺤﺎدﺛﺘني اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺘني.
280
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ واﻟﺜﻼﺛﻮن
ﻓﺮﺻﺎ ﻟﻼﻛﺘﺸﺎﻓﺎت .وﻫﻲ ً ﺗﺪﺧﻞ املﺼﺎدﻓﺔ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﺑﻄﺮق ﺷﺘﻰ ﱢ
ﻟﺘﻮﻓﺮ
ﺗﺘﻤﺜﱠﻞ أﺣﻴﺎﻧًﺎ ﰲ اﻟﻮﺟﻮد ﻏري املﻌﺮوف ملﻠﻮﱢث ﰲ ﻣﺎدة ﺑﺎدﺋﺔ ،ﻛﻤﺎ ﰲ اﻛﺘﺸﺎف اﻹﺛريات اﻟﺘﺎﺟﻴﺔ
اﻟﺬي أدﱠى إﱃ ﺣﺼﻮل ﻛ ﱟﻞ ﻣﻦ ﺗﺸﺎرﻟﺰ ﺟﻴﻪ ﺑﻴﺪرﺳني ودوﻧﺎﻟﺪ ﺟﻴﻪ ﻛﺮام وﺟﻮن-ﻣﺎري
ﻟني ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ ﻋﺎم ) ١٩٨٧اﻧﻈﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس واﻟﺜﻼﺛني( .وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ،ﺗﺘﻤﺜﻞ ﰲ
اﻟﻮﺟﻮد اﻟﻌَ َﺮﴈ ﻟﻌﺎﻣﻞ ﱢ
ﻣﺤﻔﺰ ﻛﻤﺎ ﰲ ﺑﻠﻤﺮة اﻹﺛﻴﻠني اﻟﺘﻲ أﺟﺮاﻫﺎ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن اﻟﱪﻳﻄﺎﻧﻴﻮن
ً
اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻠﴬورة ا ُملﻠﺤﺔ ﻹﻧﺘﺎج اﻟﻌﺎزل املﺜﺎﱄ املﻄﻠﻮب ﻷﺟﻬﺰة اﻟﺮادار )اﻧﻈﺮ اﻟﻔﺼﻞ
ِ
اﻟﻜﺎﺷﻔﺔ املﻄﻠﻮﺑﺔ ﰲ اﻟﺴﺎدس واﻟﻌﴩﻳﻦ( .وأﺣﻴﺎﻧًﺎ ،ﺗﻜﻮن ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻣﺜﻞ ﻋﺪم وﺟﻮد املﺎدة
املﺨﺰن واﺳﺘﺒﺪال ﻣﺎدة أﺧﺮى ﺑﻬﺎ.
إن ﻋﺎﻣﻞ املﺼﺎدﻓﺔ اﻷﺧري ﻫﻮ ﻣﺎ أدﱠى إﱃ اﻛﺘﺸﺎف ﻓﺌﺔ ﻣﻔﻴﺪة ﻣﻦ اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰات ﰲ
املﻜﺘﺸﻒ ﻟﻴﺲ اﻟﻨﻮع اﻟﺬي ﻧﺼﻨﱢﻊ َ ﻣﻌﻤﻞ ﺑﺤﺜﻲ ﺗﺎﺑﻊ ﻟﴩﻛﺔ ﺟﻨﺮال إﻟﻴﻜﱰﻳﻚ .واﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ
ﻣﻨﻪ ﻣﻼﺑﺴﻨﺎ ،ﻟﻜﻨﻨﺎ رﻏﻢ ذﻟﻚ ﻧﺼﺎدﻓﻪ ﻛﻞ ﻳﻮم ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ .ورﺑﻤﺎ ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻪ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺒﻮﱄ
ﺻﺪﻣﺎت ،أو ﻣﺼﺒﺎح ﺧﻠﻔﻲ ﰲ ﺳﻴﺎرﺗﻚ ﻣﺼﻨﻮع ٍ ﻛﺮﺑﻮﻧﺎت ،ﻟﻜﻦ رﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻟﺪﻳﻚ ﻣﻤﺘﺺ
ﻧﻔﺎﺛﺔ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﻧﺎﻓﺬة ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻨﻪ ،أو ﻗﺪ ﺗﺸﺎﻫﺪ اﻟﺮؤﺳﺎء ﻣﻨﻪ ،أو رﺑﻤﺎ ﺗﺠﻠﺲ ﰲ ﻃﺎﺋﺮة ﱠ
أو اﻟﺰﻋﺎﻣﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ وﻫﻢ ﻳﺴﺘﻘﻠﻮن ﺳﻴﺎرة ﻣﺤﻤﻴﱠﺔ ﺑﻐﻄﺎء ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻨﻪ .ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺼﺎدف
ﻫﺬا املﺮﻛﺐ ﰲ أﻳﺔ ﺻﻮرة ﻣﻦ اﻟﺼﻮر اﻟﺴﺎﺑﻘﺔُ ،ﻛ ْﻦ ﻣﻤﺘﻨٍّﺎ ﻟﺪاﻧﻴﺎل ﻓﻮﻛﺲ اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﻌﺜﺮ
ﻋﲆ املﺎدة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺮﻳﺪﻫﺎ ﰲ املﺨﺰن ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻴﻮم ﰲ ﻋﺎم .١٩٥٣
ﻋُ ِﻬﺪ إﱃ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻓﻮﻛﺲ — اﻟﺬي أﺗ ﱠﻢ رﺳﺎﻟﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮراه اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻪ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ
أوﻛﻼﻫﻮﻣﺎ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺑﻌﺎﻣني — ﰲ املﻌﻤﻞ اﻟﺒﺤﺜﻲ ﻟﴩﻛﺔ ﺟﻨﺮال إﻟﻴﻜﱰﻳﻚ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺔ
ﺳﻜﻨﻴﻜﺘﺪي؛ ﺑﻤﻬﻤﺔ إﻧﺘﺎج ﻣﺎدة ﻋﺎزﻟﺔ ﻟﻸﺳﻼك املﻤﻐﻨﻄﺔ اﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺋﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺘﺤ ﱠﻠﻞ ﰲ
درﺟﺎت اﻟﺤﺮارة واﻟﺮﻃﻮﺑﺔ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ .وﰲ إﺣﺪى اﻟﺠﻠﺴﺎت اﻟﺘﺨﻄﻴﻄﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺔ
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻗﺎﺋﻼ» :ﻟﻴﺘﻨﺎ ﻧﻜﺘﺸﻒ ﺑﻮﻟﻴﺴﱰ ﻣﺴﺘﻘ ٍّﺮا ﻋﺎل ﻋﻦ أﻣﻨﻴﺔ ﻟﻪ ً ﺑﺼﻮت ٍٍ اﻟﻌﻤﻞ ،أﻋﺮب أﺣﺪﻫﻢ
ﻣﻘﺎوﻣً ﺎ ﻟﻠﺘﺤ ﱡﻠﻞ املﺎﺋﻲ )أيْ ﻻ ﻳﺘﺤﻠﻞ ﺑﺎﻟﺤﺮارة واﻟﺮﻃﻮﺑﺔ(!« وﻻﻣَ َﺲ ﻫﺬا وﺗ ًﺮا ﰲ ذاﻛﺮة
ﻓﻮﻛﺲ :ﻓﻔﻲ ﻣﴩوع ﺑﺤﺜﻲ ﻟﻪ ﺑﻌﺪ ﺣﺼﻮﻟﻪ ﻋﲆ درﺟﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ﰲ اﻟﻌﺎم اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻋﲆ
ُﻘﺎوﻣً ﺎ ﻋﲆ
ذﻟﻚ ،اﻧﺪﻫﺶ ﺣني وﺟﺪ أن إﺳﱰ ﻛﺮﺑﻮﻧﺎت ملﺮﻛﺐ ﻓﻴﻨﻮﱄ اﺳﻤﻪ اﻟﺠﺎﻳﺎﻛﻮل ﻛﺎن ﻣ ِ
ﻣﺘﻮﻗﻊ ﻟﻠﺘﺤ ﱡﻠﻞ املﺎﺋﻲ )اﻧﺪﻫﺶ ﻷن ﻣﻌﻈﻢ املﺮﻛﺒﺎت ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﺗﺘﺤ ﱠﻠﻞ ﺑﻔﻌﻞ ﱠ ﻧﺤﻮ ﻏري
ٍ
املﺎء(؛ ﻟﺬا ،ذﻫﺐ إﱃ املﺨﺰن ﻟﻠﺤﺼﻮل ﻋﲆ ﻣﺮﻛﺐ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﻗﺮﻳﺐ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ إﱃ اﻟﺠﺎﻳﺎﻛﻮل،
َ
ﻃﺮﰲ ْ ﺟﺰﻳﺌﺎﺗﻪ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ وﻫﻮ ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﺠﺎﻳﺎﻛﻮل ،وﻫﻮ ﻣﺮﻛﺐ اﻋﺘﻘ َﺪ أﻧﻪ ﺳﻴﻜﻮﱢن رواﺑﻂ ﻋﻨﺪ
ﻳُﻨﺘِﺞ اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ املﻄﻠﻮب.
ﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﻆ — ﻛﻤﺎ اﺗﻀﺢ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌ ُﺪ — أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻮﺟﺪ ﺛﻨﺎﺋﻲ ﺟﺎﻳﺎﻛﻮل ﰲ املﺨﺰن،
وﻫﺬا ﻣﺎ ﺟﻌﻞ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻓﻮﻛﺲ ﻳﺴﺘﻘﺮ ﻋﲆ ﻣُﺮ ﱠﻛﺐ ﻗﺮﻳﺐ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ اﺳﻤﻪ ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﻔﻴﻨﻮل-إﻳﻪ.
رﺧﻴﺼﺎ وﻣﺘﺎﺣً ﺎ؛ ﻷﻧﻪ أﺣﺪ املﻜﻮﱢﻧﺎت ﰲ اﻟﺮاﺗﻨﺠﺎت اﻹﻳﺒﻮﻛﺴﻴﺔ ،اﻟﺘﻲ ً وﻛﺎن ﻫﺬا املﺮﻛﺐ
ﻇﻬﺮت ﺗﻮٍّا ﺑﺎﻷﺳﻮاق ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺤني .وﺑﻌﺪ ﻋﺪة ﺗﺠﺎرب ﺗﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺴﺨني أﻟﻜﻴﻼت اﻟﻜﺮﺑﻮﻧﺎت
ﻣﺒﴩ ،ﱠ
ﺳﺨ َﻦ ﻓﻮﻛﺲ ﻣﺮﻛﺒًﺎ أروﻣﺎﺗﻴٍّﺎ ﻫﻮ ﻣﻊ ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﻔﻴﻨﻮل-إﻳﻪ وﻓﺸﻠﺖ ﰲ ﺗﻘﺪﻳﻢ أي ﳾء ﱢ
ﱠ
املﺘﻮﻗﻊ ﻟﻠﺘﻔﺎﻋﻞ، ﺛﺎﻧﻲ ﻓﻴﻨﻮل اﻟﻜﺮﺑﻮﻧﺎت ﻣﻊ ﺛﻨﺎﺋﻲ اﻟﻔﻴﻨﻮل-إﻳﻪ ،وﻣﻊ ﺗﻘﻄري املﻨﺘﺞ اﻟﻔﺮﻋﻲ
درﺟﺔ ﻏﻠﻴﺎﻧﻪ ﻋﺎﻟﻴﺔ( ﻣﻦ إﻧﺎء اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ،أﺻﺒﺤﺖ ﻣﺤﺘﻮﻳﺎت ُ وﻫﻮ اﻟﻔﻴﻨﻮل )اﻟﺬي ﻫﻮ ﺳﺎﺋ ٌﻞ
ﻟﺰوﺟﺔ .وﺗﻢ رﻓﻊ درﺟﺔ اﻟﺤﺮارة وﺗﺨﻔﻴﺾ اﻟﻀﻐﻂ ﺗﺪرﻳﺠﻴٍّﺎ ﻹزاﻟﺔ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ ً اﻹﻧﺎء أﻛﺜﺮ
اﻟﻘﻼﺑﺔ املﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻴﺔ ﻋﻦ اﻟ ﱠﻠﻒ
ﺗﻮﻗﻔﺖ ﱠ اﻟﻔﻴﻨﻮل ذي درﺟﺔ اﻟﻐﻠﻴﺎن اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ ،واﺳﺘﻤﺮ ﻫﺬا ﺣﺘﻰ ﱠ
ﻄﻞ املﺤﺮك اﻟﺬي ﻳﺸﻐﻠﻬﺎ. ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻌ ﱡ
ﻧﻈ ًﺮا ﻷن املﻨﺘﺞ ﻛﺎن ﺳﻤﻴ ًﻜﺎ ﺟﺪٍّا ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺻﺒﱡﻪ ﻣﻦ اﻹﻧﺎء ،ﺗﺮﻛﻪ ﻓﻮﻛﺲ ﺣﺘﻰ
ﺺ داﺧﻞ اﻹﻧﺎء اﻟﺰﺟﺎﺟﻲ .وﻛﴪ ﻓﻮﻛﺲ اﻹﻧﺎءَ ﺑﻌﺪ ﻳﱪد .وﺑﻌﺪ أن ﺑﺮدَ ،ﺗﺼ ﱠﻠﺐَ املﻨﺘﺞ وﺗﻘ ﱠﻠ َ
ﻗﻼﺑﺔ ﻣﻦ ﻛﺘﻠﺔ ﻧﺼﻒ ﻛﺮوﻳﺔ ﺻﻠﺒﺔ ﰲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﱠ ﺗﺎر ًﻛﺎ ًذﻟﻚ ﺑﻌﻴﺪًا ﻋﻦ املﺤﺘﻮﻳﺎت املﺘﺼﻠﺒﺔِ ،
اﻟﺼﻠﺐ ﻣﻊ وﺟﻮد ﺑﻌﺾ اﻷﺟﺰاء املﻠﺘﺼﻘﺔ ﻣﻦ اﻹﻧﺎء اﻟﺰﺟﺎﺟﻲ داﺧﻠﻬﺎ .وﺻﻒ ﻓﻮﻛﺲ ﰲ ﱡ
ﺧﻄﺎب ﻟﻪ ﻋﺎم ١٩٨٧اﻟﺨﻄﻮات اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ:
ُﺳﺤِ ﻘﺖ ﺗﻠﻚ املﻄﺮﻗﺔ )ﻛﺘﻠﺔ املﻨﺘﺞ( وأُﻟﻘﻴﺖ ﻋﲆ اﻷرض اﻷﺳﻤﻨﺘﻴﺔ دون أن ﻳﻈﻬﺮ
ﻄ ْﺮق ﺑﻌﺾ املﺴﺎﻣري ﻋﲆ ﻟﻮح ﻣﻦ ﺧﺸﺐ ﻟﻬﺎ ﺗﺄﺛري ،ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ اﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖ ﻟ َ
وﺿﻐِ ﻂ اﻟﺒﻌﺾ َ
اﻵﺧﺮ ﰲ ﺻﻮرة ﻓﻴﻠﻢ اﻟﺼﻨﻮﺑﺮ .وﰲ اﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ،ﻧ ُ ِﴩت أﺟﺰاء ﻣﻨﻬﺎ ُ
ﺧﺎم ﻋﻨﺪ درﺟﺎت ﺣﺮارة ﺗﻘﱰب ﻣﻦ ٣٠٠درﺟﺔ ﻣﺌﻮﻳﺔ … وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ وﺟﻮد
282
ﻣﺮﻛﺒﺎت اﻟﺒﻮﱄ ﻛﺮﺑﻮﻧﺎت :ﻣﺎدة ﻣﺘﻴﻨﺔ
283
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻄﺎ ،ﻟﻜﻦ ﻧﺠﺤﺖ ﴍﻛﺔ إن ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻧﻮع اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﴎﻳﻌً ﺎ أو ﺑﺴﻴ ً ﱠ
ﺟﻨﺮال إﻟﻴﻜﱰﻳﻚ ﰲ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ووﺟﺪت اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت املﺒﺘﻜﺮة ﻟﻪ .وﻟﻢ
ﺗﻜﻦ اﻟﴩﻛﺔ ﻫﻲ اﻟﻮﺣﻴﺪة اﻟﺘﻲ ﺗﻄﻮﱢر ﻣﺮﻛﺒﺎت ﺑﻮﱄ ﻛﺮﺑﻮﻧﺎت أروﻣﺎﺗﻴﺔ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﴩﻛﺔ
أﻳﻀﺎ ﰲ اﻟﺼﻮرة ،ﻣﻊ أن ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﺑﻌﺾ اﻷملﺎﻧﻴﺔ ﺑﺎﻳﺮ إﻳﻪ ﺟﻲ ً
ٍ
اﻛﺘﺸﺎف؛ ﻷﻧﻪ ﻋﺎدﻻ ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن اﻛﺘﺸﺎف ﻓﻮﻛﺲ ﰲ واﻗﻊ اﻷﻣﺮ إﻋﺎد َة ً اﻟﴚء .وﺣﺘﻰ أﻛﻮن
ﺗﻢ ﺗﺤﻀري ﺑﻮﻟﻴﻤﺮات ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٠٢ﻣﻊ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎك اﺳﺘﺨﺪام ﻟﻬﺎ،
وﻟﻢ ﻳﻜﻦ أﺣﺪ ﻳﻌﺮف ﻋﲆ وﺟﻪ اﻟﺪﻗﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻷﻳﺎم.
أ ﱠﻛﺪت ﴍﻛﺔ ﺟﻨﺮال إﻟﻴﻜﱰﻳﻚ ﻋﲆ ﺷﻔﺎﻓﻴﺔ ﻣﺮﻛﺒﺎت اﻟﺒﻮﱄ ﻛﺮﺑﻮﻧﺎت وﻣﺘﺎﻧﺘﻬﺎ ،وﴎﻋﺎن
ﻧﻔﺲ ﻣﺘﺎﻧﺔ ﻣﺮﻛﺒﺎت اﻟﺒﻮﱄ أن »ﻟﻬﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ َ ﻣﺎ ﺗﻢ اﻟﱰوﻳﺞ ﻷﻧﻮاع اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ اﻷﺧﺮى ﻋﲆ ﱠ
ﻛﺮﺑﻮﻧﺎت« أو أﻧﻬﺎ »ذات ﻣﺘﺎﻧﺔ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ملﺮﻛﺒﺎت اﻟﺒﻮﱄ ﻛﺮﺑﻮﻧﺎت«.
ﺗﺘﻤﻴﺰ ﻣﺮﻛﺒﺎت اﻟﺒﻮﱄ ﻛﺮﺑﻮﻧﺎت ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺷﻔﺎﻓﺔ وذات ﻣﺘﺎﻧﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ وﻗﺎدرة ﻋﲆ اﻟﻌﻤﻞ
ﰲ ﻧﻄﺎﻗﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ درﺟﺎت اﻟﺤﺮارة .وأﺻﺒﺤﺖ اﻟﻬﻴﺎﻛﻞ اﻟﺸﻔﺎﻓﺔ املﻀﺎدة ﻟﻠﺮﺻﺎص
ﻣﻤﻜﻨﺔ ،ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﺪروع اﻟﻮاﻗﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﻲ اﻟﺮؤﺳﺎء أو اﻟﺰﻋﺎﻣﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ أو أﺑﻨﻴﺔ
اﻟﺴﻔﺎرات اﻷﺟﻨﺒﻴﺔ وأﻗﺴﺎم اﻟﴫاﻓﺔ ﺑﺎﻟﺒﻨﻮك ،واﻟﻨﻮاﻓﺬ اﻟﺘﻲ ﺑﻼ ﻗﻀﺒﺎن ﰲ اﻟﺴﺠﻮن،
واﻷﻏﻄﻴﺔ اﻟﻮاﻗﻴﺔ ﻟﻠﻨﻮاﻓﺬ اﻟﺜﻤﻴﻨﺔ املﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺰﺟﺎج املﻠﻮﱠن ،وﺣﻮاﺟﺰ ﺣﻤﺎﻳﺔ املﺸﺎﻫﺪﻳﻦ
ﰲ ﻣﻼﻋﺐ اﻟﻬﻮﻛﻲ ،واﻷﻏﻄﻴﺔ اﻟﺸﻔﺎﻓﺔ ملﻘﺼﻮرات اﻟﻄﻴﱠﺎرﻳﻦ ﺑﺎﻟﻄﺎﺋﺮات اﻟﺘﻲ ﺗﻔﻮق ﰲ
ﱡ
اﻟﺘﺪﺧﻞ اﻟﴪﻳﻊ. ﴎﻋﺘﻬﺎ ﴎﻋﺔ اﻟﺼﻮت ،وأﻗﻨﻌﺔ اﻟﻐﻮص واﻟﺪروع اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑ ِﻔ َﺮق
إن ﺧﺼﺎﺋﺺ اﻟﻘﻮة واﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ واﻟﻘﺎﺑﻠﻴﺔ ﻟﻠﺘﻌﻘﻴﻢ ﺑﺎﻟﺒﺨﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ ﻫﺬه اﻷﻧﻮاع ﱠ
ﻣﻦ اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ ﺗﺠﻌﻞ ﻟﻬﺎ اﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت ﻋﺪﻳﺪة ،ﺑﺪءًا ﻣﻦ زﺟﺎﺟﺎت اﻟﺮﺿﺎﻋﺔ إﱃ زﺟﺎﺟﺎت
املﻴﺎه اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻞ ﺳﻌﺘﻬﺎ إﱃ ﺧﻤﺴﺔ ﺟﺎﻟﻮﻧﺎت ،وﻣﻦ املﻌﺪات اﻟﻄﺒﻴﺔ إﱃ اﻟﻨﻈﺎرات اﻟﻮاﻗﻴﺔ
واﻟﺨﻮذات.
ﺻﻤﱢ ﻤﺖ أﻟﻮاح رﻗﺎﺋﻘﻴﺔ ﻟﻠﺰﺟﺎج اﻷﻣﺎﻣﻲ ﻟﻘﻄﺎرات ﴍﻛﺔ أﻣﱰاك ﻗﺎدرة ﻋﲆ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻟﻘﺪ ُ
اﻻﺻﻄﺪام ﺑﺎﻟﻘﻮاﻟﺐ اﻟﺨﺮﺳﺎﻧﻴﺔ ،وﻟﻸﻏﻄﻴﺔ اﻟﺸﻔﺎﻓﺔ ملﻘﺼﻮرات اﻟﻄﻴﱠﺎرﻳﻦ ﺑﺎﻟﻄﺎﺋﺮات
اﻟﻘﺎدرة ﻋﲆ ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻻﺻﻄﺪام ﺑﺎﻟﻄﻴﻮر ﰲ اﻟﻄﺎﺋﺮات اﻟﺘﻲ ﻫﻲ أﴎع ﻣﻦ اﻟﺼﻮت.
وﺗﺘﻀﻤﻦ اﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت اﻷﻗﻞ إﻟﺤﺎﺣً ﺎ ﻧﻮاﻓﺬَ اﻟﺴﻴﺎرات واﻟﺤﺎﻓﻼت واﻟﻘﻄﺎرات واﻟﻄﺎﺋﺮات،
ورﻓﻮف اﻷﻣﺘﻌﺔ ﰲ اﻟﻄﺎﺋﺮات ،واملﺼﺎﺑﻴﺢَ اﻟﺨﻠﻔﻴﺔ واﻷﻣﺎﻣﻴﺔ ذات اﻟﺘﺼﻤﻴﻤﺎت اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ َ
ﺑﺎﻟﺴﻴﺎرات.
284
ﻣﺮﻛﺒﺎت اﻟﺒﻮﱄ ﻛﺮﺑﻮﻧﺎت :ﻣﺎدة ﻣﺘﻴﻨﺔ
285
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ واﻟﺜﻼﺛﻮن
ﻄﺎف واﻟﺤﻠﺰون ،املﻌﺮوﻓﺔ ﺗﺠﺎرﻳٍّﺎرﺑﻤﺎ ﺗُﻌَ ﱡﺪ أﴍﻃﺔ اﻟﺘﺜﺒﻴﺖ اﻟﻼﺻﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﻧﻮع اﻟﺨ ﱠ
ﺑﺎﺳﻢ اﻟﻔﻴﻠﻜﺮو؛ أﻛﺜ َﺮ ﻃﺮق اﻟﺘﺜﺒﻴﺖ اﺑﺘﻜﺎ ًرا ﰲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ،وأﻛﺜﺮﻫﺎ ﺗﻌﺪدًا ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻻﺳﺘﺨﺪام.
وﻣﺜﻞ اﻟﻜﺜري ﻣﻦ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت املﻬﻤﺔ ،ﺟﺎءت ﻓﻜﺮة اﻛﺘﺸﺎف اﻟﻔﻴﻠﻜﺮو ﻣﻦ ﻣﻼﺣﻈﺔ ﻋَ َﺮﺿﻴﺔ.
ﻓﻔﻲ أواﺋﻞ ﺧﻤﺴﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ﺧﺮج ﺟﻮرج دي ﻣﻴﺴﱰال ﻟﻠﺘﻤﺸﻴﺔ ﰲ ﻣﻨﻄﻘﺔ
ﻄﺎة ﺑﻨﺒﺎﺗﺎت اﻷرﻗﻄﻴﻮن. ﻆ أن ﺳﱰﺗﻪ ﻣﻐ ﱠ رﻳﻔﻴﺔ ﺑﺒﻠﺪه ﺳﻮﻳﴪا ،وﻋﻨﺪ اﻟﻌﻮدة إﱃ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﻻﺣَ َ
وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺪأ ﰲ ﻧﺰع ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت ،ﻗﺎل ﰲ ﻧﻔﺴﻪ» :ﻣﺎ اﻟﴚء اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت
ﺗﻠﺘﺼﻖ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ اﻟﺸﺪﻳﺪ؟« وﻗﺎده ﻓﻀﻮﻟﻪ إﱃ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﻴﻜﺮوﺳﻜﻮب ﻻﺳﺘﻘﺼﺎء
ﻄﺎﻓﺎت ﺗﻨﻐﺮس ﰲ ﺧﻴﻮط ﻧﺴﻴﺞ ﻄﺎة ﺑﺨ ﱠ
اﻷﻣﺮ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ أﻛﱪ ،ﻓﺎﻛﺘﺸﻒ أن ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت ﻣﻐ ﱠ
ﻗﻤﺎش اﻟﺴﱰة؛ إذ إن اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ ﻻﻧﺘﺸﺎر ﻫﺬه اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت وﺗﻜﺎﺛﺮﻫﺎ ﺗﺘﻤﺜﱠﻞ ﰲ اﻟﺘﺼﺎق
ﻄﺎﻓﺎت اﻟﺒﺬور ﺑﺎﻟﻄﻴﻮر واﻟﺤﻴﻮاﻧﺎت املﺎرة ﺑﻬﺎ .وﺗﺴﺎءَ َل اﻟﺪﻛﺘﻮر ﺟﻮرج دي ﻣﻴﺴﱰال ﺧ ﱠ
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ إن ﻛﺎن ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻤﻴﻢ ﻧﻈﺎم ﻋﲆ ﻏﺮار ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﻧﺒﺎت اﻷرﻗﻄﻴﻮن ،ﻳﻜﻮن ﻣﻔﻴﺪًا ً
أن ﻳﻜﻮن ﻣﺼﺪ َر إزﻋﺎج.
أﻣﺎ اﻟﺒﺎﻗﻲ ،ﻓﻴﺘﻤﺜﱠﻞ ﰲ ﻗﺼﺔ أﴍﻃﺔ اﻟﺘﺜﺒﻴﺖ .ﺗُﺴﺘﺨﺪَم أﴍﻃﺔ اﻟﺘﺜﺒﻴﺖ اﻟﻴﻮم ﻟﺘﺜﺒﻴﺖ
ﻃﻮﱢرت ﺗﻠﻚ أي ﳾء ﺑﺪءًا ﻣﻦ أﺣﺬﻳﺔ اﻷﻃﻔﺎل وﺣﺘﻰ املﻴﻜﺮوﻓﻮﻧﺎت ﰲ ﺳﻔﻦ اﻟﻔﻀﺎء؛ إذ ُ
اﻷﴍﻃﺔ ﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﰲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ املﻨﺘﺠﺎت املﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻣﺜﻞ اﻟﺴﻴﺎرات واملﻔﺮوﺷﺎت املﻨﺰﻟﻴﺔ
واملﺴﺘﻠﺰﻣﺎت اﻟﻄﺒﻴﺔ واملﻌﺪات اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ وﻏريﻫﺎ ﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﺘﺴﻊ املﺠﺎل ﻟﺤﴫه.
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺗﻢ ﺗﺼﻨﻴﻊ أول ﴍﻳﻂ ﺗﺜﺒﻴﺖ ﻣﻦ اﻟﻔﻴﻠﻜﺮو ﰲ ﻓﺮﻧﺴﺎ؛ وﻛﺎن اﻹﻧﺘﺎج ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻳﺪوﻳٍّﺎ
ﺳﻬﻼ إﱃ ً وﺑﻄﻴﺌًﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻛﺒري .وﻋﲆ اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻵﱄ ﻟﺘﻠﻚ اﻷﴍﻃﺔ ﻛﺎن
ﻄﺎف ﻛﺎن ﻳﻤﺜﱢﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻛﺒرية ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ .وﺗﻤﺜ ﱠ َﻞ اﻟﺤﻞ اﻟﺬي ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ ،ﻓﺈن ﺻﻨﻊ ﺟﺰء اﻟﺨ ﱠ
ﻄﺎف ﺟﻌﻞ اﻟﻨﻈﺎم ﻋﻤﻠﻴٍّﺎ ﰲ إﻧﺘﺎج ﺣﻠﺰوﻧﺎت ﻳﻤﻜﻦ ﻗﻄﻌﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﻨﻬﺎﻳﺎت ﻟﺼﻨﻊ ﺧ ﱠ
ﻣﻦ ﻛﻞ ﺣﻠﺰون! وﻗﺪ أُدﺧِ ﻠﺖ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﺤﺴﻴﻨﺎت ﻋﲆ أﴍﻃﺔ اﻟﺘﺜﺒﻴﺖ اﻷﺻﻠﻴﺔ ﻣﻨﺬ
ﻄﺎف واﻟﺤﻠﺰون ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام املﻮاد اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ. ﻇﻬﻮرﻫﺎ ﰲ اﻷﺳﻮاق؛ ﻓﻘﺪ ﺗﻢ ﺗﺼﻨﻴﻊ ُﻣ َﻜﻮﻧﻲ اﻟﺨ ﱠ
ﻄﺎﻓﺎت واﻟﺤﻠﺰوﻧﺎت ،ﺛﻢ وﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔِ ،زﻳ َﺪ ُﺳﻤﻚ ﺧﻴﻮط اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن املﺴﺘﺨﺪَﻣﺔ ﰲ ﺻﻨﻊ اﻟﺨ ﱠ
ﻂ ﻣﻦ اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ ﺗﻤﺖ ﺗﻘﻮﻳﺔ اﻟﺨﻄﻮط ﺑﺎملﺰج ﺑني اﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ واﻟﻨﺎﻳﻠﻮن ،ﺛﻢ اﺳﺘُﺨ ِﺪ َم ﴍﻳ ٌ
اﻟﺨﺎﻟِﺺ ﻟﺠﻌﻠﻪ ﻣﻘﺎوﻣً ﺎ ﻟﻠﻀﻮء ﻓﻮق اﻟﺒﻨﻔﺴﺠﻲ واملﻮاد اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ واﻟﺮﻃﻮﺑﺔ .واﻵن،
اﻟﺼﻠﺐ واﻷﻗﻤﺸﺔ اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻔﻀﺎء ﻟﺼﻨﻊ أﴍﻃﺔ اﻟﺘﺜﺒﻴﺖ ﻳُﺴﺘﺨﺪم ً
أﻳﻀﺎ ﱡ
اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻬﺎ ﰲ اﻟﻄﺎﺋﺮات وﺳﻔﻦ اﻟﻔﻀﺎء ﻟﺘﺤﻤﱡ ﻞ درﺟﺎت ﺣﺮارة ﺣﺘﻰ ٨٠٠
درﺟﺔ ﻓﻬﺮﻧﻬﺎﻳﺖ .وﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ اﻷﴍﻃﺔ املﺼﻤﱠ ﻤﺔ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪام ﰲ اﻟﻔﻀﺎء ﺗﻜﻮن ﻏري ﻗﺎﺑﻠﺔ
ﻟﻼﺷﺘﻌﺎل ﺣﺘﻰ ﰲ ﻇﻞ اﻷﻛﺴﺠني اﻟﻨﻘﻲ.
ﻳﻨﺰﻋﺞ اﻟﻜﺜريون ﺑﺴﺒﺐ ﻧﺒﺎﺗﺎت اﻷرﻗﻄﻴﻮن اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺘﺼﻖ ﺑﻤﻼﺑﺴﻨﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺴري ﻋﱪ
اﻟﻐﺎﺑﺎت؛ وﻟﺬﻟﻚ ﻳﺠﺐ أن ﻧﻜﻮن ﺟﻤﻴﻌً ﺎ ﻣﻤﺘﻨني ﻟﺠﻮرج دي ﻣﻴﺴﱰال ﻷﻧﻪ ﻛﺎن ﻟﺪﻳﻪ
288
اﻟﻔﻴﻠﻜﺮو وﻣﻨﺢ أﺧﺮى أﻫﺪﺗﻬﺎ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ إﱃ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ
ﻈﻬﺮ اﻟﺨ ﱠ
ﻄﺎﻓﺎت واﻟﺤﻠﺰوﻧﺎت ،وﻫﻤﺎ املﻜﻮﱢﻧﺎن اﻷﺳﺎﺳﻴﺎن ﻣﻜﱪة ﺗُ ِ
ﺷﻜﻞ :2-33ﺻﻮرة ﻣﺠﻬﺮﻳﺔ ﱠ
ﻷﴍﻃﺔ ﺗﺜﺒﻴﺖ اﻟﻔﻴﻠﻜﺮو.
ﻛﺎف ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺼﻞ اﻟﻔﻀﻮل ﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺪث ﺑﻬﺎ ﻫﺬا ،وﻛﺎن ﻣﺒﺪﻋً ﺎ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ٍ
إﱃ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻳﺤﺎﻛﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﰲ اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻳﺠﻌﻞ ﺣﻴﺎة املﻼﻳني ﻣﻦ
ً
ﺳﻬﻮﻟﺔ. اﻟﺒﴩ أﻛﺜﺮ
ﻣﻦ ﺑني ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻷﻧﻮاع املﺨﺘﻠﻔﺔ ﻟﻠﺼﺎﺑﻮن اﻟﻴﺪوي ،ﻳُﻌَ ﱡﺪ ﺻﺎﺑﻮن أﻳﻔﻮري ﻫﻮ اﻟﻮﺣﻴﺪ
ﺗﻘﻠﻴﺐ وﺗﺮﻛﻬﺎ
ٍ اﻟﻔﺮﻳﺪ ﻷﻧﻪ »ﻳﻄﻔﻮ ﻋﲆ ﺳﻄﺢ املﺎء« .ﰲ ﻋﺎم ،١٨٧٩ﻏﻔ َﻞ ﻋﺎﻣﻞ ﻋﻦ َ
آﻟﺔ
ﺗﻌﻤﻞ أﺛﻨﺎء ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻐﺪاء ،ﻓﺄدﱠى ﻫﺬا إﱃ إدﺧﺎل ﻗﺪر ﻛﺒري ﻣﻦ اﻟﻬﻮاء إﱃ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﺼﺎﺑﻮن
اﻟﺬي ﻛﺎن ﻳﺘﻢ ﺗﺼﻨﻴﻌﻪ ،ﻟﺪرﺟﺔ أن اﻟﴩﻛﺔ املﺼﻨﱢﻌﺔ وﻫﻲ ﴍﻛﺔ ﺑﺮوﻛﱰ آﻧﺪ ﺟﺎﻣﺒﻞ ﻓ ﱠﻜﺮت
ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﰲ اﻟﺘﺨ ﱡﻠﺺ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻜﻤﻴﺔ اﻟﻜﺒرية ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺮﻫﺖ أن ﺗﺘﺨ ﱠﻠﺺ ﻣﻦ ﻛ ﱢﻞ ﻫﺬا
اﻹﻧﺘﺎج؛ ﻟﺬا ﻋﺎﻟﺠﺘﻪ ﺛﻢ ﺑﺎﻋﺘﻪ .وﻳﺎ ﻟﺪﻫﺸﺘﻬﺎ اﻟﻜﺒرية ﺣني ﺑﺪأت ﱠ
ﺗﺘﻠﻘﻰ رﺳﺎﺋﻞ ﻣﻦ ﻋﺪد ﻣﻦ
املﺸﱰﻳﻦ ﻳﻄﻠﺒﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺰﻳﺪًا ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﺼﺎﺑﻮن اﻟﺮاﺋﻊ اﻟﺬي ﻳﻄﻔﻮ ﻋﲆ ﺳﻄﺢ املﺎء.
ﺑﺪأ ﻫﺎرﱄ ﺑﺮوﻛﱰ اﻟﺪﻋﺎﻳﺔ ﻟﻨﻮع اﻟﺼﺎﺑﻮن اﻟﺠﺪﻳﺪ اﻟﻄﺎﰲ ،وﻗﺎل إﻧﻪ ﻳﻤﻜﻦ اﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ
ﻄﻊ اﻟﺼﺎﺑﻮن ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﺴﻴﻤﻬﺎ إﱃ ﺟﺰأﻳﻦ .وﺣ ﱠﻠﻞ ﰲ اﻟﺤﻤﺎم واﻟﻐﺴﻴﻞ ،وﻗﺪ ﺻﻤﱠ َﻢ ﻗِ َ
289
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻫﺎرﱄ ﻫﺬا اﻟﺼﺎﺑﻮن ﻟﻴﻘﺎرﻧﻪ ﺑﺜﻼﺛﺔ أﻧﻮاع ﻣﺴﺘﻮردة أﺧﺮى ﺷﻬرية وﻏﺎﻟﻴﺔ ،وﻋﻨﺪﻣﺎ أﻇﻬﺮ
اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ أن ﺻﺎﺑﻮن ﴍﻛﺔ ﺑﺮوﻛﱰ آﻧﺪ ﺟﺎﻣﺒﻞ ﻛﺎن ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ أﻗﻞ ﻧ َِﺴﺐ اﻟﺸﻮاﺋﺐ ،روﱠج
ً
ﻣﻌﺮوﻓﺎ ﻋﻨﻪ ﻫﺬا ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤني! ﻟﻪ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻧﻘﻲ ﺑﻨﺴﺒﺔ .٪٩٩٫٤٤وأﺻﺒﺢ
أﻣﺎ ﻋﻦ اﻻﺳﻢ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻗﺪ ﺧﻄﺮ ﻋﲆ ﺑﺎل ﻫﺎرﱄ أﺛﻨﺎء وﺟﻮده ﰲ اﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﰲ أﺣﺪ أﻳﺎم
اﻵﺣﺎد ﺑﻌﺪ أن ﻗﺮأ ﰲ ﻣﺰﻣﻮر ٤٥ﻋﻦ »ﻗﺼﻮر اﻟﻌﺎج )اﻟﱰﺟﻤﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻜﻠﻤﺔ أﻳﻔﻮري(«.
ﻟﻌﺒﺖ املﺼﺎدﻓﺔ دو ًرا ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﺑﻌﺾ اﻟﴚء ﰲ اﻛﺘﺸﺎف ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺻﻨﻊ ﻫﺬﻳﻦ اﻟﻨﻮﻋني ﻣﻦ ﺣﺒﻮب
اﻹﻓﻄﺎر؛ ﻋﲆ اﻷﻗﻞ ﺑﻤﺎ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻨﺎ أن ﻧﺼﻔﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﴐبٌ ﻣﻦ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﻮﻫﻤﻴﺔ .ﻇﻬﺮت
رﻗﺎﺋﻖ اﻟﺬرة أو اﻟﻜﻮرن ﻓﻠﻴﻜﺲ ً
أوﻻ ﰲ ﻋﺎم .١٨٩٨ﺗﺮك اﻷﺧﻮان ﻛﻴﻠﻮج )دﺑﻠﻴﻮ ﻛﻴﻪ وﺟﻴﻪ
إﺗﺶ( ﺑﻌﺾ اﻟﻘﻤﺢ املﻄﻬﻮ ﻷﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻳﻮم ،وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻢ إدﺧﺎﻟﻪ ﻋﱪ آﻻت اﻟﻄﺤﻦ اﻟﺨﺎﺻﺔ
290
اﻟﻔﻴﻠﻜﺮو وﻣﻨﺢ أﺧﺮى أﻫﺪﺗﻬﺎ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ إﱃ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﻗﻄﻊ ﻣﺴﻄﺤﺔ. ﺑﻬﻤﺎ ،دُﻫِ َﺸﺎ وﺳﻌِ ﺪَا ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺟَ ﺪَا أﻧﻪ ﺧﺮج ﻋﲆ ﺷﻜﻞ رﻗﺎﺋﻖ ً
وﻟﺴﺒﺐ ﻣﺎ،
ٍ وﺗﻜﺮرت ﻧﻔﺲ اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻣﻊ اﻟﺬرة ﻹﻧﺘﺎج رﻗﺎﺋﻖ اﻟﺬرة اﻟﺘﻲ اﺷﺘﻬﺮت ﻋﲆ اﻟﻔﻮر.
ﻟﻢ ﻳﻈﻬﺮ ﻣﻨﺘﺞ وﻳﺘﻴﺲ اﻟﺬي ﻳﻘﺪﱢم ﻧﻔﺲ اﻟﻨﻮع ﻣﻦ رﻗﺎﺋﻖ اﻟﻘﻤﺢ إﻻ ﺑﻌﺪ ٢٦ﻋﺎﻣً ﺎ أﺧﺮى.
291
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ٌ
ﺗﺸﻜﻴﻠﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ املﻼﺣﻈﺎت اﻟﻼﺻﻘﺔ. ﺷﻜﻞ :4-33
ﻣﻨﻬﺠﻲ ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ املﻼﺣﻈﺎت؛ ﻷن املﻼﺣﻈﺎت وﺳﻴﻠﺔ ﻳﻤﻜﻦ إﻟﺤﺎﻗﻬﺎ وإزاﻟﺘﻬﺎ .ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺗﺤﻘﻖ
ﻗﻠﻴﻼ ﻟﺠﻌﻠﻬﺎ ﻣﺆﻗﺘﺔ وداﺋﻤﺔ ﰲ اﻟﻔﻜﺮة ﻧﺠﺎﺣً ﺎ ﻓﻮرﻳٍّﺎ؛ ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻳﺠﺐ ﺗﻌﺪﻳﻞ املﺎدة اﻟﻼﺻﻘﺔ ً
آن واﺣﺪ ،وﻗﺪ أﺧﺬ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ ﻗﺪ ًرا ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺮﻳﺐ.
ﺑﻌﺪ ﺣﻮاﱄ ﻋﺎم وﻧﺼﻒ ،ﻗ ﱠﺮ َر ﻓﺮاي أﻧﻪ ﺗﺨ ﱠﻠﺺ ﻣﻦ ﻛﻢ ﻛﺒري ﻣﻦ اﻷﺧﻄﺎء املﻮﺟﻮدة
ﰲ املﻼﺣﻈﺎت وﻳﻤﻜﻨﻪ اﻵن ﺗﻘﺪﻳﻤﻬﺎ إﱃ ﻓﺮﻳﻖ اﻟﺘﺴﻮﻳﻖ .ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ،ﻟﻢ ﻳُﻌﺠَ ﺒﻮا ﺑﻬﺎ إﱃ ﺣ ﱟﺪ
ﻣﻼﺣﻈﺎت ﻻﺻﻘﺔ ﻛﻬﺬه ،ﺗﻠﻚ ٍ ﻛﺒري؛ ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻣﺘﺄﻛﺪﻳﻦ ﻣﻦ أن اﻟﻨﺎس ﺑﺤﺎﺟﺔ إﱃ ورﻗﺔ
اﺧﺘﱪت ﺗﻠﻚ ﻧﺔ ﺑﻮرق اﻟﺘﺴﻮﻳﺪ .وﰲ ﻋﺎم ِ ،١٩٧٧ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺒﺎع ﺣﺘﻤً ﺎ ﺑﺴﻌﺮ ﻣﻨﺎﻓﺲ ﻣﻘﺎ َر ً
املﻼﺣﻈﺎت ﺗﺴﻮﻳﻘﻴٍّﺎ ﰲ أرﺑﻊ ﻣﺪن أﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ،وﺟﺎءت اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻏري ﻣﺸﺠﱢ ﻌﺔ ﰲ ﻣﺪﻳﻨﺘني ﻣﻦ
املﺪن اﻷرﺑﻊ ،ﻟﻜﻦ ﰲ املﺪﻳﻨﺘني اﻷﺧﺮﻳني ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻣﺬﻫﻠﺔ .وﻋﻨﺪ دراﺳﺔ ﻫﺬا اﻻﺧﺘﻼف
ﰲ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ،اﻛﺘﺸﻔﻮا أن اﻟﺘﺠﺎر ﰲ املﺪﻳﻨﺘني اﻟﻠﺘني ﻛﺎن اﺳﺘﻘﺒﺎل املﻨﺘﺞ ﻓﻴﻬﻤﺎ ﻣﺸﺠﱢ ﻌً ﺎ ﻗﺪ
ﻗﺪﱠﻣﻮا ﻋﻴﻨﺎت ﻣﺠﺎﻧﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮر .وﻛﺎن ﻫﺬا ﻫﻮ ﻛﻞ ﻣﺎ ﰲ اﻷﻣﺮ؛ أن ﺗﺼﻞ املﻼﺣﻈﺎت إﱃ
ﻳﺪ املﺴﺘﻬﻠﻜني ،واﻟﺒﺎﻗﻲ ﻣﻌﺮوف .ﻓﻔﻲ ﻋﺎم ،١٩٨٠اﺳﺘُﺨﺪِﻣﺖ ﺗﻠﻚ املﻼﺣﻈﺎت ﻋﲆ ﻧﻄﺎق
ُ
املﺒﻴﻌﺎت ﰲ أوروﺑﺎ ﻣﻊ واﺳﻊ ﻋﱪ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ،وﺑﺤﻠﻮل أواﺋﻞ ﻋﺎم ١٩٨١ﺗﺴﺎوت
ِ
املﺒﻴﻌﺎت ﰲ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة.
292
اﻟﻔﻴﻠﻜﺮو وﻣﻨﺢ أﺧﺮى أﻫﺪﺗﻬﺎ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ إﱃ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ
وﻓﻘﺎ ﻟﺪﻋﺎﻳﺔ ﴍﻛﺔ ﺛﺮي إم ،ﻛﺎن اﻛﺘﺸﺎف ﻣﻨﺘﺠﻬﺎ ﺳﻜﻮﺗﺶ ﺟﺎرد املﻘﺎوم ﻟﻠﺒﻘﻊ اﻟﻘﺎﺋﻢ ً
ً
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎ ﻋَ َﺮﺿﻴٍّﺎ .ﻓﻘﺪ ﺳﻜﺐ أﺣﺪ اﻷﺷﺨﺎص ﺟﺰءًا ﻣﻦ املﻨﺘﺞ املﻄﻮر ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻋﲆ اﻟﻔﻠﻮرﻳﻦ
ﻋﲆ ﺣﺬاء ﺗﻨﺲ ،وﻻﺣﻆ أن املﻨﻄﻘﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﺴﻜﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﻻ ﺗﺼﻴﺒﻬﺎ اﻟﺒﻘﻊ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ،ﻓﻔ ﱠﻜ َﺮ
ً
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎ. ﻓﻴﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻌﻨﻴﻪ ﻫﺬا .وﻫﺬه ﻣﺼﺎدﻓﺔ أﺧﺮى ﺻﺎرت
293
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺮاﺑﻊ واﻟﺜﻼﺛﻮن
ﻛﺎن ﻓﻴﺰﻳﺎﺋﻴٍّﺎ ﺑﺎرﻋً ﺎ وﻏري ﺗﻘﻠﻴﺪي ﺑﻌﺾ اﻟﴚء .وﻗ ﱠﺮ َر اﻻﺛﻨﺎن ﺗﻮﺣﻴ َﺪ ﺟﻬﺪﻳﻬﻤﺎ اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﺎ
ﰲ ﻣﺠﺎﻟني ﻣﺨﺘﻠﻔني ﺑﻬﺪف اﻟﻔﻮز ﺑﺠﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺣﻞ ﻟﻐﺰ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي.
واﺳﱰﺷﺪا ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻟﻴﻨﻮس ﺑﻮﻟﻴﻨﺞ ﰲ اﻛﺘﺸﺎف ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺣﻠﺰون اﻷﻟﻔﺎ ﻟﻠﱪوﺗﻴﻨﺎت
)وﻫﻮ ﺻﻒ ﺧﻄﻲ ﺣﻠﺰوﻧﻲ أو ﻟﻮﻟﺒﻲ ﰲ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷﻳﻤﻦ ﻣﻦ اﻟﺬرات ﰲ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت اﻟﻜﺒرية(.
ﺣﺼﻞ ﺑﻮﻟﻴﻨﺞ ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ ﻋﺎم ١٩٥٤ﻋﲆ ﻋﻤﻠﻪ ،وﻛﺎن واﺗﺴﻮن وﻛﺮﻳﻚ ﱠ
ﻳﺘﻮﻗﻌﺎن
ذﻟﻚ ﺣﺘﻰ ﻣﻨﺬ ﻋﺎم .١٩٥٢وﻛﺎﻧﺖ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺑﻮﻟﻴﻨﺞ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﲆ ﻗﻮاﻧني اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ
اﻟﺘﻲ ﻃ ﱠﻮ َر اﻟﻜﺜريَ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻨﻔﺴﻪ وﻃﺒ َﱠﻘﻬﺎ ﻋﲆ ﻧﻤﺎذج اﻟﱪوﺗﻴﻨﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺸﺒﻪ ﻇﺎﻫﺮﻳٍّﺎ اﻷﻟﻌﺎب
ﻟﺘﻨﺎﺳﺐ أﺣﺠﺎم وأﺷﻜﺎل ِ ﻟﻜﻦ ﻧﻤﺎذج ﺑﻮﻟﻴﻨﺞ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﻤﱠ ً
ﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﺗُﻘﺪﱠم ﻷﻃﻔﺎل اﻟﺤﻀﺎﻧﺔ .ﱠ
اﻟﱪوﺗﻴﻨﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﺗﺤﺪﻳﺪﻫﺎ اﻋﺘﻤﺎدًا ﻋﲆ ﺻﻮر اﻟﺒﻠﻮرات ﺑﺄﺷﻌﺔ إﻛﺲ.
ﻛﺎن ﻣﻦ املﻌﺮوف ﻋﻦ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي أﻧﻪ ﺟﺰيء ﺿﺨﻢ ﻣﺜﻞ أي ﺑﺮوﺗني ،واﻟﺒﻴﺎﻧﺎت
ﻘﺔ ﻣﻊ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﻋﲆ ﻫﻴﺌﺔ ﺣﻠﺰون أو ﻣﻠﻒ. املﺘﺎﺣﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ أﺷﻌﺔ إﻛﺲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﻮاﻓِ ً
وﻗﺪ ﺣﺼﻞ واﺗﺴﻮن وﻛﺮﻳﻚ ﻋﲆ أﻓﻀﻞ ﺑﻴﺎﻧﺎت ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام أﺷﻌﺔ إﻛﺲ ﻣﻦ ﻣﻌﻤﻞ
ﻣﻮرﻳﺲ وﻳﻠﻜﻴﻨﺰ ﰲ ﻛﻠﻴﺔ ﻛﻴﻨﺠﺰ اﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺟﺰء ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﻨﺪن ،وﺗﻢ اﻟﺘﻮﺻﻞ إﱃ ﺗﻠﻚ
اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﺑني روزاﻟﻴﻨﺪ ﻓﺮاﻧﻜﻠني ووﻳﻠﻜﻴﻨﺰ .وﺟﺰﻳﺌﺎت اﻟﱪوﺗﻴﻨﺎت ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ
وﺣﺪات أﺣﻤﺎض أﻣﻴﻨﻴﺔ ﻣﺘﻌﺪدة )ﻣﻮﻧﻮﻣﺮات( ﺗﺮﺗﺒﻂ ﻣﻌً ﺎ ﻟﺘﺼﻨﻊ ﺟﺰﻳﺌًﺎ ﻛﺒريًا أو ﺑﻮﻟﻴﻤﺮ،
وﻗﺪ أﻇﻬﺮت ﺗﺤﻠﻴﻼت اﻟﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي ﺑﺤﻠﻮل ﻋﺎم ١٩٥٢أن اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮ ﻣﺼﻨﻮع ﻣﻦ أﻛﺜﺮ
ﻣﻦ ﻧﻮع ﻣﻦ املﻮﻧﻮﻣﺮات .وﻛﺎﻧﺖ وﺣﺪات املﻮﻧﻮﻣﺮات املﺘﻜﺮرة ﻫﻲ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺮﻳﺒﻲ اﻟﻨﻮوي
املﻨﻘﻮص اﻷﻛﺴﺠني )وﻫﻮ ﻧﻮع ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺮ( وﺣﻤﺾ اﻟﻔﺴﻔﻮرﻳﻚ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﱃ أرﺑﻊ ﻗﻮاﻋﺪ
ﻋﻀﻮﻳﺔ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻫﻲ :اﻷدﻳﻨني واﻟﺜﻴﻤني واﻟﺠﻮاﻧني واﻟﺴﻴﺘﻮزﻳﻦ.
ﻣﻦ اﻷدﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺎﻋﺪت واﺗﺴﻮن وﻛﺮﻳﻚ ﰲ ﺣﻞ ﻟﻐﺰ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي ﻣﺎ ﻗﺪﱠﻣَ ﻪ
ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ ﻧﻤﺴﺎوي املﻮﻟﺪ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﻮﻟﻮﻣﺒﻴﺎ ﻳُﺪﻋَ ﻰ إروﻳﻦ ﺷﺎرﺟﺎف .ذﻛﺮ ﺷﺎرﺟﺎف أﻧﻪ ﱞ
ﻣﻦ ﺧﻼل دراﺳﺎﺗﻪ ﻟﻠﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر ﺣﻴﺔ ﻣﺘﻌﺪدة ﻛﺎن ﻳﺠﺪ ﻋﻼﻗﺔ واﺣ ٍﺪ ﻟﻮاﺣ ٍﺪ
ﺑني اﻷدﻳﻨني ﻣﻊ اﻟﺜﻴﻤني ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،واﻟﺠﻮاﻧني ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺘﻮزﻳﻦ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى .وﺑﻌﺒﺎرة
أﺧﺮى ،ﻓﺈن اﻷدﻳﻨني ﻳﺮﺗﺒﻂ داﺋﻤً ﺎ ﻣﻊ اﻟﺜﻴﻤني ،واﻟﺠﻮاﻧني ﻳﺮﺗﺒﻂ داﺋﻤً ﺎ ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺘﻮزﻳﻦ.
ﻃ ﱠﻮ َر واﺗﺴﻮن وﻛﺮﻳﻚ ﻧﻤﻮذﺟً ﺎ ﻟﻠﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي ﺑﻪ ﺷﻜﻼن ﺣﻠﺰوﻧﻴﺎن أو ﻣﻠﻔﺎن،
ﻣﺼﻨﻮﻋﺎن ﻣﻦ وﺣﺪات ﺣﻤﺾ اﻟﻔﻮﺳﻔﻮرﻳﻚ واﻟﺤﻤﺾ اﻟﺮﻳﺒﻲ اﻟﻨﻮوي املﻨﻘﻮص اﻷﻛﺴﺠني
ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ املﻮﺟﻮدة ٍ ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج ،اﻟﻠﺬﻳﻦ ﻳﺮﺗﺒﻄﺎن ﻣﻌً ﺎ
ﻄﺎ ﻻﺳﺘﺨﺪام ﻧﻤﺎذج اﻟﻮﺣﺪات املﻜﻮﱠﻧﺔ املﺼﻨﻮﻋﺔ ﰲ املﺸﻐﻞ داﺧﻞ اﻟﺤﻠﺰون املﺰدوج .وﺧ ﱠ
ﻄ َ
296
اﻟﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي :ﻣﻠﻒ اﻟﺤﻴﺎة
اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ملﻌﻤﻞ ﻛﺎﻓﻨﺪﻳﺶ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﻛﺎﻣﱪﻳﺪج ،وﻟﺘﺠﻤﻴﻊ أﺟﺰاء اﻟﻨﻤﻮذج ﻣﻌً ﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ
ﺗﺘﻮاﻓﻖ ﻣﻊ املﻘﺎﻳﻴﺲ املﺤﺪدة ﻣﻦ ﺧﻼل ﺻﻮر أﺷﻌﺔ إﻛﺲ ﻟﺒﻠﻮرات اﻟﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي.
وأﺛﻨﺎء اﻧﺘﻈﺎره اﻟﻌﻤﺎل ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺘﻬﻮا ﻣﻦ ﺻﻨﻊ وﺣﺪات اﻟﻨﻤﻮذج املﻌﺪﻧﻴﺔ ،ﺷﻐﻞ واﺗﺴﻮن
ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺮﺳﻮﻣﺎت اﻟﻘﻮاﻋﺪ وﺻﻨ َ َﻊ ﻧﻤﺎذجَ ﻣﻦ اﻟﻜﺮﺗﻮن ،ﻓﻮﺻﻞ إﱃ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﻔﺎدﻫﺎ أن اﻟﻘﻮاﻋﺪ َ
— اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻣﻦ املﻌﺮوف أﻧﻬﺎ ﻣﻜﻮﻧﺎت ﻣﺘﻜﺮرة ﺑﺎﻧﺘﻈﺎم ﻣﻦ املﻠﻔﺎت اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺠﺰيء
اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮي — ﺗﺮﺑﻂ املﻠﻔﺎت ﻣﻌً ﺎ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل رواﺑﻂ اﻟﻬﻴﺪروﺟني ﺑني أزواج
اﻟﻘﻮاﻋﺪ ﰲ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﺮﺑﻂ املﺘﺸﺎﺑﻪ ﻣﻌً ﺎ؛ اﻟﺠﻮاﻧني ﻣﻊ اﻟﺠﻮاﻧني ،واﻟﺴﻴﺘﻮزﻳﻦ ﻣﻊ اﻟﺴﻴﺘﻮزﻳﻦ
وﻫﻜﺬا.
إن رواﺑﻂ اﻟﻬﻴﺪروﺟني ﻧﻮ ٌع ﻣﻦ اﻟﺮواﺑﻂ — أو اﻟﺼﻼت — اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﺑني اﻟﺬرات، ﱠ
اﻟﺘﻲ ﻣﻦ املﻌﺮوف أﻧﻬﺎ ﻗﺎدرة ﻋﲆ اﻟﺮﺑﻂ ﺑني اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت ﻋﲆ ﻏﺮار اﻟﻘﻮاﻋﺪ املﻮﺟﻮدة
أﻳﻀﺎ ﺟﺰﻳﺌﺎت املﺎء ﻣﻌً ﺎ ﰲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﻣﻦ ﺧﻼل اﻻرﺗﺒﺎط ﰲ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي .وﺗﺮﺗﺒﻂ ً
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻲ؛ ﻟﺬا ﻓﺈن اﻟﺤﺠﻢ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ اﻟﻔﻌﲇ ﻟﻠﻤﺎء أﻛﱪ ﺑﻜﺜري وﻗﺪر ﺗﻄﺎﻳُﺮﻫﺎ أﻗﻞ ﺑﻜﺜري
ﻣﻤﺎ ﻟﻮ و ُِﺟﺪ املﺎء ﻋﲆ ﻫﻴﺌﺔ ﺟﺰﻳﺌﺎت ﻣﻔﺮدة ﻣﻦ .H2 Oوﻟﻮﻻ ذﻟﻚَ ،ﻟ ُﻜﻨﱠﺎ ﺳﻨﻌﻴﺶ ﰲ ﻋﺎﻟﻢ
ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ؛ إذ ﻟﻦ ﻳﻜﻮن ﻫﻨﺎك ﻣﺎء ﺳﺎﺋﻞ ﻋﲆ ﻛﻮﻛﺒﻨﺎ!
ﻟﻜﻦ واﺗﺴﻮن ﻋﺮف أن ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻮﺟﺪ ﰲ ﺻﻮر ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ؛
وﻫﺬا ﻳﻌﻨﻲ أن ذرة اﻟﻬﻴﺪروﺟني املﺴﺌﻮﻟﺔ ﻋﻦ ﺻﻨﻊ راﺑﻄﺔ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﰲ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ
ِ
ﻣﻌﺎﴏ ادﱠﻋﻰ أﻧﻪ ﻣﻮﺿﻊ ﰲ ﺟﺰيء اﻟﻘﺎﻋﺪة .واﺳﺘﺨﺪم واﺗﺴﻮن ِﺻﻴ ًَﻐﺎ ﻣﺄﺧﻮذة ﻣﻦ ﻛﺘﺎب
وﺿﻊ ذرات اﻟﻬﻴﺪروﺟني اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻘﻮاﻋﺪ ﰲ املﻮاﺿﻊ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ،ورﺑﻂ أﺟﺰاء املﻠﻔﺎت
وراق اﻟﻨﻤﻮذج املﻨﺘَﺞ
َ ﻣﻌً ﺎ ﺑﺮواﺑﻂ ﻫﻴﺪروﺟﻴﻨﻴﺔ ﺑني اﻟﻘﻮاﻋﺪ ﰲ ﻋﻼﻗﺔ ﺗﺠﻤﻊ اﻷﺷﺒﺎه ﻣﻌً ﺎ.
ﺗﻨﺎﺳﺦ اﻟﺠﻴﻨﺎت املﻌﺮوﻓﺔ ،ﻟﻜﻨﻪُ ً
ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻟﺘﻔﺴري ﻋﻤﻠﻴ ِﺔ ﻋﲆ ﻫﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﻟﻮاﺗﺴﻮن؛ ﻷﻧﻪ رآه
ﻓﺸﻞ ﰲ اﻟﺘﻮاﻓﻖ ﻣﻊ اﻷﺑﻌﺎد اﻟﺠﺰﻳﺌﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺪﱠدﺗﻬﺎ اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت املﺄﺧﻮذة ﻣﻦ أﺷﻌﺔ إﻛﺲ
أو ﻗﺎﻋﺪة ﺷﺎرﺟﺎف اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺤﺪوث رﺑﻂ ﺑني اﻷدﻳﻨني واﻟﺜﻴﻤني ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ،واﻟﺠﻮاﻧني
ﺑﻌﺾ اﻟﴚء ﻋﻦ اﻟﱰﻛﻴﺐ املﻘﱰَح ،وﺑﺴﺒﺐ واﻟﺴﻴﺘﻮزﻳﻦ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮى .وﻣﻊ ﻋﺪم رﺿﺎﺋﻪ َ
آﺧﺮﻳﻦ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﱃ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ؛ اﻟﻌﺠﻠﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﻔﻮﱡق ﻋﲆ ﻟﻴﻨﻮس ﺑﻮﻟﻴﻨﺞ ورﺑﻤﺎ ﻋﲆ َ
أرﺳ َﻞ ﺧﻄﺎﺑًﺎ إﱃ زﻣﻴﻞ ادﱠﻋَ ﻰ ﻓﻴﻪ أﻧﻪ »ﺻﻤﱠ َﻢ ﻟﺘﻮﱢه ﺗﺮﻛﻴﺒًﺎ راﺋﻌً ﺎ ﻟﻠﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي«.
ﻓﺈﻧﻪ َ
أﻣﺮﻳﻜﻲ
ﱞ ﺑﻌﺪ أﻗﻞ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ إرﺳﺎﻟﻪ اﻟﺨﻄﺎب ،ﻗﺎﺑَ َﻞ واﺗﺴﻮن ﺟريي دوﻧﻮﻫﻴﻮ ،وﻫﻮ
ﻣﺘﺨﺼﺺ ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺔ وﺗﺼﻮﻳﺮ اﻟﺒﻠﻮرات ،ﰲ ﻣﻜﺘﺒﻪ وﺑﺪأ ﻳﴩح اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﻟﻪ. ﱢ
َف أن دوﻧﻮﻫﻴﻮ ﻛﺎن ﻳﺸﺎرك واﺗﺴﻮن وﻛﺮﻳﻚ ﻧﻔﺲ املﻜﺘﺐ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ .ﻫﺎﺟَ َﻢ وﺗﺼﺎد َ
297
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻓﻮﺳﻔﺎت
ﺳﻜﺮ
ﺛﻴﻤني
H
H أدﻳﻨني
ﺳ ﻜﺮ
ﻓ
ﻮﺳ
ﻔﺎت
ﺷﻜﻞ :1-34ﻣﻨﻈﺮ ﻋﻠﻮي ﻟﻨﻤﻮذج ﺟﺰيء ﺣﻤﺾ ﻧﻮوي .ﻗﺎرﻧﻪ ﺑﺸﻜﻞ .3-34
دوﻧﻮﻫﻴﻮ ﻋﲆ اﻟﻔﻮر ﺗﺮﻛﻴﺐَ واﺗﺴﻮن ،وﻗﺎل إن واﺗﺴﻮن ﻗﺪ اﺳﺘﺨﺪم اﻟﺼﻮر ﻏري اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ
ﰲ ﺗﺸ ﱡﻜﻞ اﻟﻘﻮاﻋﺪ ﻟﻠﺮﺑﻂ اﻟﻬﻴﺪروﺟﻴﻨﻲ اﻟﺬي ﻳﺮﺑﻂ اﻟﺴﻼﺳﻞ اﻟﺤﻠﺰوﻧﻴﺔ ﻣﻌً ﺎ ،ﻓﺮ ﱠد واﺗﺴﻮن
أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ اﻟﻜﺘﺎب اﻟﺬي رﺟﻊ إﻟﻴﻪ ﻫﻮ ﻣﺎ ﺻﻮﱠر اﻟﻘﻮاﻋ َﺪ ﰲ ﺻﻮر اﻟﺘﺸ ﱡﻜﻞ اﻟﺘﻲ
أﻳﻀﺎ ﻛﺘﺐ أﺧﺮى ﺻﻮﱠرﺗﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ،ﻓﻘﺎل دوﻧﻮﻫﻴﻮ إﻧﻪ ﺗﻢ ﻧﴩ اﺳﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ،وﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎك ً
ﺻﻮر ﺗﺸ ﱡﻜﻞ ﻏري ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻟﻠﻘﻮاﻋﺪ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮات دون وﺟﻮد دﻟﻴﻞ ﻣﺆ ﱠﻛﺪ ﻟﺪﻋﻢ ﺻﺪﻗﻬﺎ.
ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﲆ ﺗﺼﻮﻳﺮ اﻟﺒﻠﻮرات ﺑﺄﺷﻌﺔ إﻛﺲ ﻋﲆ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت ٍ ٍ
ﺑﺪراﺳﺎت وﻷن دوﻧﻮﻫﻴﻮ ﻗﺪ ﻗﺎم
ﻣﺜﻞ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي ﰲ ﻣﻌﻬﺪ ﻛﺎﻟﻴﻔﻮرﻧﻴﺎ ﻟﻠﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ )ﻣﻘﺮ ﻋﻤﻞ ﺑﻮﻟﻴﻨﺞ( ،ﻓﻘﺪ
ﺑﺜﻘﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل ﻟﻮاﺗﺴﻮن إﻧﻪ اﺳﺘﺨ َﺪ َم ﺻﻮ َر اﻟﺘﺸ ﱡﻜ ِﻞ ﻏري اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ.
ﻛﺎن ﻳﺘﻜﻠﻢ ٍ
ﻋﺎد واﺗﺴﻮن إﱃ ﻣﻜﺘﺒﻪ وﺻﻨﻊ ﻧﻤﺎذجَ ﻛﺮﺗﻮﻧﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪة اﻋﺘﻤﺎدًا ﻋﲆ ﺻﻮر اﻟﺘﺸ ﱡﻜﻞ
اﻷﺧﺮى )اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ،ﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ دوﻧﻮﻫﻴﻮ( ،ﻓﻮﺟﺪ أﻧﻬﺎ ﻏري ﻣﻤﻜﻨﺔ ﻋﲆ اﻹﻃﻼق.
وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺮض ﻋﲆ ﻛﺮﻳﻚ اﻟﱰﻛﻴﺐَ ﺑﻌﺪ ﺗﻌﺪﻳﻠﻪ ﺣﺴﺐ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ دوﻧﻮﻫﻴﻮ ،أدرك ﻛﺮﻳﻚ
298
اﻟﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي :ﻣﻠﻒ اﻟﺤﻴﺎة
اﻟﺤﻠﺰون اﻷﻳﻤﻦ
أزواج اﻟﻘﻮاﻋﺪ
اﻟﺤﻠﺰون اﻷﻳﴪ
ﺳﻜﺮ
ﻓﻮﺳﻔﺎت
ﻣﺮض؛ ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ أﺑﻌﺎد اﻟﺼﻮر املﺄﺧﻮذة ﺑﺄﺷﻌﺔ إﻛﺲ وﻳﺘﻌﺎ َرض ً
أﻳﻀﺎ أﻧﻪ ﻏري ٍ
ﻣﻊ ﻗﺎﻋﺪة ﺷﺎرﺟﺎف.
299
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ذﻫﺐ واﺗﺴﻮن إﱃ ﻣﻨﺰﻟﻪ ﰲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ وﻫﻮ ﰲ ﻗﻤﺔ اﻹﺣﺒﺎط ،ﻟﻜﻨﻪ ﻋﺎد إﱃ ﻣﻜﺘﺒﻪ ﰲ
وﻗﺖ ﻣﺒﻜﺮ ﻣﻦ ﺻﺒﺎح اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ .ﻳﺼﻒ واﺗﺴﻮن ﻣﺎ ﺣﺪث ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﰲ ﻛﺘﺎﺑﻪ »اﻟﺤﻠﺰون
املﺰدوج« ً
ﻗﺎﺋﻼ:
ٍ
ﺑﴪﻋﺔ ُ
أﻓﺮﻏﺖ وﺻﻠﺖ إﱃ ﻣﻜﺘﺒﻲ اﻟﻬﺎدئ اﻟﺨﺎﱄ ﰲ ﺻﺒﺎح اﻟﻴﻮم اﻟﺘﺎﱄ، ُ ﻋﻨﺪﻣﺎ
اﻷوراق املﻮﺟﻮدة ﻋﲆ ﺳﻄﺢ ﻣﻜﺘﺒﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻮاﻓﺮ ﱄ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻛﺒرية ﻣﺴﻄﺤﺔ َ
ﻟﺘﻜﻮﻳﻦ أزواج ﻗﻮاﻋﺪ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﻣﻌً ﺎ ﺑﺮواﺑﻂ ﻫﻴﺪروﺟﻴﻨﻴﺔ .وﻣﻊ أﻧﻨﻲ اﻧﺤ ْﺰ ُت ﰲ
ُ
أدرﻛﺖ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ أﻧﻬﺎ ﻟﻦ اﻟﺒﺪاﻳﺔ إﱃ آراﺋﻲ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺮﺑﻂ ﺑني اﻷﺷﺒﺎه ،ﻓﺈﻧﻲ
ﻧﻈﺮت إﻟﻴﻪ ورأﻳﺖ أﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﺮاﻧﺴﻴﺲ، ُ ﺗﺆدي إﱃ ﳾء .وﻋﻨﺪﻣﺎ دﺧﻞ ﺟريي،
وأدرﻛﺖ ﻓﺠﺄ ًة أن
ُ وﺑﺪأت أﺣ ﱢﺮك اﻟﻘﻮاﻋﺪ وأﺟ ﱢﺮب اﺣﺘﻤﺎﻻت اﻟﱰاﺑﻂ املﺨﺘﻠﻔﺔ.
ً
زوج اﻷدﻳﻨني واﻟﺜﻴﻤني املﺮﺗﺒﻄني ﻣﻌً ﺎ ﺑﺮاﺑﻄﺘَ ْﻲ ﻫﻴﺪروﺟني ﻛﺎن ﻣﺘﻄﺎﺑﻘﺎ ﰲ
اﻟﺸﻜﻞ ﻣﻊ زوج اﻟﺠﻮاﻧني واﻟﺴﻴﺘﻮزﻳﻦ املﺮﺗﺒﻄني ﻣﻌً ﺎ ِﺑﺬَ ﱠرﺗَ ْﻲ ﻫﻴﺪروﺟني ﻋﲆ
اﻷﻗﻞ .وﺑَﺪَا اﻵن أن ﻛﻞ ذرات اﻟﻬﻴﺪروﺟني ﺗﺘﻜﻮﱠن ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻃﺒﻴﻌﻲ؛ ﻓﻠﻢ ﺗﻜﻦ
ﻫﻨﺎك ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﺘﻼﻋﺐ ﻟﺠﻌﻞ ﻧﻮﻋَ ْﻲ أزواج اﻟﻘﻮاﻋﺪ ﻣﺘﻄﺎﺑﻘني ﰲ اﻟﺸﻜﻞ .وﴎﻋﺎن
ﻣﺎ اﺳﺘﺪﻋﻴﺖ ﺟريي ﻛﻲ أﺳﺎﻟﻪ إن ﻛﺎن ﻟﺪﻳﻪ ﻫﺬه املﺮة أي اﻋﱰاض ﻋﲆ أزواج
اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺠﺪﻳﺪة اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻲ أم ﻻ .وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﱰض ،ارﺗﻔﻌَ ْﺖ ﻣﻌﻨﻮﻳﺎﺗﻲ إﱃ
ﺗﻮﺻ ْﻠﻨﺎ اﻵن إﱃ ﺣﻞ اﻟ ﱡﻠﻐﺰ. ُ
اﻋﺘﻘﺪت أﻧﻨﺎ ﱠ ﻋَ ﻨﺎن اﻟﺴﻤﺎء؛ ﻷﻧﻨﻲ
وأﺿﺎف ً
ﻻﺣﻘﺎ» :ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻜﺮﺗﻨﺎ راﺋﻌﺔ ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ … ﻟﺪرﺟﺔ أﻧﻨﺎ أﻳﻘﻨﺎ أن ﺗﺮﻛﻴﺒًﺎ ﻛﻬﺬا ﻻ ﺑﺪ
أن ﻳﻜﻮن ﻣﻮﺟﻮدًا «.ﻳﻌﺮض ﺷﻜﻞ 3-34أزواج اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻲ ﻛﺎن واﺗﺴﻮن ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ.
ورﻗﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ ﻗﺼرية إﱃ ﻣﺠﻠﺔ »ﻧﻴﺘﴩ« ،ﺑﺪأت ﺑﻌﺒﺎرة ً ٍ
ﺑﴪﻋﺔ ﻗ ﱠﺪ َم واﺗﺴﻮن وﻛﺮﻳﻚ
ﺑﺴﻴﻄﺔ َ
ﻗﺎﻻ ﻓﻴﻬﺎ» :ﻧﻮ ﱡد أن ﻧﻘﱰح ﺗﺮﻛﻴﺒًﺎ ملﻠﺢ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﺮﻳﺒﻲ اﻟﻨﻮوي املﻨﻘﻮص اﻷﻛﺴﺠني.
وﻟﻬﺬا اﻟﱰﻛﻴﺐ ﺳﻤﺎت ﺟﺪﻳﺪة ﺳﺘﻜﻮن ﻟﻬﺎ أﻫﻤﻴﺔ ﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻛﺒرية «.وﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ،ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﻤﻠﺔ
اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺒﺎرة ﺧﺠﻮﻟﺔ ﻻ ﺗﻔﻲ ﻫﺬا اﻹﻧﺠﺎز ﺣﻘﻪ.
ﻗﺎﺋﻼ» :إن املﺼﺎدﻓﺔ اﻟﺘﻲ أدت إﱃ ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﺟريي ﻗﺮب ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﻜﺘﺎب ،ﻛﺘﺐ واﺗﺴﻮن ً
املﻜﺘﺐ ﻣﻊ ﻓﺮاﻧﺴﻴﺲ وﺑﻴﱰ )ﺑﻮﻟﻴﻨﺞ( وإﻳﱠﺎي أﻣ ٌﺮ ﻣﺴﻜﻮت ﻋﻨﻪ ،ﻣﻊ أﻧﻪ واﺿﺢ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ.
زﻟﺖ ﻣﺘﻤﺴ ًﻜﺎ ﺑﻮﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮي ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﱰﻛﻴﺐ ﻜﻨﺖ ﻣﺎ ُوﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻌﻨﺎ ﰲ ﻛﺎﻣﱪﻳﺪجَ ،ﻟ ُ
اﻷﺷﺒﺎه«.
300
اﻟﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي :ﻣﻠﻒ اﻟﺤﻴﺎة
H
N
H
O
N N
ﺳﻜﺮ H
N
N
O
H
ﺳﻴﺘﻮزﻳﻦ N
N N
ﺳﻜﺮ
H
ﺟﻮاﻧني
H
H H
C
O
H H
N
N N
ﺳﻜﺮ H
N
N
O
ﺛﻴﻤني N
N
ﺳﻜﺮ
أدﻳﻨني
ﺷﻜﻞ :3-34أزواج ﻗﻮاﻋﺪ اﻷدﻳﻨني واﻟﺜﻴﻤني واﻟﺠﻮاﻧني واﻟﺴﻴﺘﻮزﻳﻦ ﰲ ﺻﻮر اﻟﺘﺸ ﱡﻜﻞ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ.
وﻫﻜﺬا ﻓﺈن اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ﰲ ﻗﺼﺔ اﻟﺤﻤﺾ اﻟﻨﻮوي ﺗﺘﻤﺜﱠﻞ ﰲ »ﻣﺸﺎرﻛﺔ ﺟريي املﻜﺘﺐ
ٍ
اﻛﺘﺸﺎف ﺣﺼﻞ ﻣﻊ ﻓﺮاﻧﺴﻴﺲ … وإﻳﱠﺎي «.وﻫﺬا ﻣﺜﺎ ٌل َ
آﺧﺮ ﻋﲆ أﻫﻤﻴﺔ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ﰲ
أﺻﺤﺎﺑﻪ ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ.
301
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺨﺎﻣﺲ واﻟﺜﻼﺛﻮن
ﺗﻘﺎﺳﻢ اﻟﺴري دﻳﺮﻳﻚ إﺗﺶ آر ﺑﺎرﺗﻮن ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﻣﻊ أود ﻫﺎﺳﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺮوﻳﺞ
ﰲ ﻋﺎم .١٩٦٩ﺗ ﱠﻢ ﻣﻨﺢ اﻟﺠﺎﺋﺰة ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﺑﺎرﺗﻮن أﺳﺘﺎذ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﰲ ﻛﻠﻴﺔ إﻣﱪﻳﺎل
ﻛﻮﻟﻴﺪج ﺑﻠﻨﺪن ،وﻫﺎﺳﻞ أﺳﺘﺎذ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺔ اﻟﺬي ﺗﺮك اﻟﺘﺪرﻳﺲ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ أوﺳﻠﻮ،
ﻟﻌﻤﻠﻬﻤﺎ ﰲ ﻣﺠﺎل ﺗﺤﻠﻴﻞ »اﻟﺘﺸ ﱡﻜﻞ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ« ،وﻫﻮ دراﺳﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺜﻼﺛﻴﺔ اﻷﺑﻌﺎد
ﻟﻠﺠﺰﻳﺌﺎت .ﻳﺸﺎر إﱃ اﻟﺘﺸ ﱡﻜﻞ conformationﰲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﻴﺎن ﺑﺄﻧﻪ راﺑﻊ اﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺘﻲ
ﺗﺒﺪأ ﺑﺤﺮف اﻟﴘ ،واﻟﺘﻲ ﺗﺼﻒ ﻫﻴﻜﻞ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ،واﻟﻜﻠﻤﺎت اﻟﺜﻼث اﻷﺧﺮى ﻫﻲ:
اﻟﱰﻛﻴﺐ ،compositionواﻟﺘﻜﻮﻳﻦ ،constitutionواﻟﺘﺸﻜﻴﻞ .configurationﻳﺼﻒ
آﺧِ ﺮ ﻣﺼﻄﻠﺤني اﻟﺠﻮاﻧﺐ اﻟﺜﻼﺛﻴﺔ اﻷﺑﻌﺎد ﻣﻦ اﻟﻬﻴﻜﻞ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ) .ملﺰﻳﺪ ﻣﻦ املﻌﻠﻮﻣﺎت ﻋﻦ
ِ
ﺑﺎﻛﺘﺸﺎف ﺑﺎﺳﺘري ﺗﺸﻜﻴﻞ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ،اﻧﻈﺮ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﴩ ﰲ اﻟﺠﺰء املﺘﻌ ﱢﻠﻖ
ﻟﻠﺠﺰﻳﺌﺎت املﻮﺟﻮدة ﻋﲆ اﻟﺠﺎﻧﺒني اﻷﻳﻤﻦ واﻷﻳﴪ(.
ُو ِﻟﺪ أود ﻫﺎﺳﻞ ﰲ أوﺳﻠﻮ ﰲ ﻋﺎم .١٨٩٧وﺗﻠﻘﻰ ﺗﻌﻠﻴﻤﻪ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ أوﺳﻠﻮ ﻓﻴﻤﺎ ﺑني
ﻋﺎﻣَ ْﻲ ١٩١٥و ،١٩٢٠ﺛﻢ ﻋﻤﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﺑني ﻋﺎﻣَ ْﻲ ١٩٢٢و ١٩٢٤ﻣﻊ اﻟﱪوﻓﻴﺴﻮر ﻫريﻣﺎن
ﻣﺎرك ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﺮﻟني ،ﺣﻴﺚ ﺣﺼﻞ ﻋﲆ درﺟﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ﺛﻢ ﻋﺎد إﱃ ﺟﺎﻣﻌﺔ أوﺳﻠﻮ .وﻣﻊ
أﻧﻪ أراد اﺳﺘﻜﻤﺎل اﻟﺒﺤﺚ ﰲ ﻣﺠﺎل ﺗﺼﻮﻳﺮ اﻟﺒﻠﻮرات ﺑﺄﺷﻌﺔ إﻛﺲ اﻟﺬي ﺗﻌﻠﻤﻪ ﻋﲆ ﻳﺪ
ﻣﺎرك ،ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻋﻠﻴﻪ اﻻﻛﺘﻔﺎء ﺑﻘﻴﺎس اﻟﻌَ ْﺰم ذي اﻟﻘﻄﺒني ﰲ أوﺳﻠﻮ؛ ﻷن ﻣﻌﺪﱠات أﺷﻌﺔ
إﻛﺲ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺘﻮاﻓﺮة ﰲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ .وﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺎﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻌَ ْﺰم ذي اﻟﻘﻄﺒني
ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻣﻌﺪات أﺑﺴﻂ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺟﺪ ﰲ ﻣﺘﻨﺎول ﻫﺎﺳﻞ .رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻫﺬا أﻣ ًﺮا ﻋَ َﺮﺿﻴٍّﺎ؛ ﻷن
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺗﻠﻚ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﺑﻘﻴﺎﺳﺎت ﻟﻠﻤﺮﻛﺒﺎت اﻟﺤﻠﻘﻴﺔ ذات ذرات اﻟﻜﺮﺑﻮن اﻟﺴﺪاﺳﻴﺔ أد ْ
ﱠت
ﻣﺒﺎﴍ ًة إﱃ اﻟﺪراﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻞ ﺑﻤﻮﺟﺒﻬﺎ ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ.
ﻣﻨﺬ ﻋﴫ أدوﻟﻒ ﻓﻮن ﺑﺎﻳﺮ ﰲ ﻋﺎم ١٨٨٥وﺣﺘﻰ ﻋﴩﻳﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ،
ﻛﺎن ﻣﻌﻈﻢ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني ﻳﻌﺘﻘﺪون أن ﺣﻠﻘﺔ ذرات اﻟﻜﺮﺑﻮن اﻟﺴﺪاﺳﻴﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻬﻜﺴﺎن
ﻣﻮﺿﺢ ﰲ اﻟﺸﻜﻞ 2-35أ .ﻟﻜﻦ ﺑني ﻋﺎﻣَ ْﻲ ١٩١٨و،١٩٢٥ ﱠ ٌ
ﻣﺴﺘﻮﻳﺔ ،ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﻠﻘﻲ
ﺗﻢ إﻗﺮار ﺻﺤﺔ ﺷﻜﻠني ﻏري ﻣﺴﺘﻮﻳني ،وأُﻃﻠِﻖ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﻘﺎرب اﻟﺸﻜﻞ 2-35ب واﻟﻜﺮﳼ
اﻟﺸﻜﻞ 2-35ﺟ ،ﻣﻊ ﺗﻔﻀﻴﻞ اﻷﺧري ﺑﺴﺒﺐ ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻨﺎﻓﺮات ﺑني اﻟﺬرات ﰲ ﺷﻜﻞ اﻟﻘﺎرب.
ٍ
ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﻔﺎدﻫﺎ أن املﺮﻛﺒﺎت ﺗﻮﺻ َﻞ ﻫﺎﺳﻞ ﻣﻦ ﺧﻼل دراﺳﺎﺗﻪ إﱃﱠ وﺑﺤﻠﻮل ﻋﺎم ،١٩٤٣
املﺤﺘﻮﻳﺔ ﻋﲆ ﺣﻠﻘﺔ ﻣﻦ ذرات اﻟﻜﺮﺑﻮن اﻟﺴﺪاﺳﻴﺔ ﻟﻠﻬﻜﺴﺎن اﻟﺤﻠﻘﻲ ﻛ ﱡﻠﻬﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻟﻬﺎ ﺷﻜﻞ
اﻟﻜﺮﳼ ،ﻟﻜﻨﻪ ﻧﴩ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻨﺮوﻳﺠﻴﺔ ﰲ ﻣﺠﻠﺔ ﺑﺤﺜﻴﺔ ﻧﺮوﻳﺠﻴﺔ ﻏري ﻣﻌﺮوﻓﺔ
ُ
ﺗﺠﺎﻫﻠﻬﺎ ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ. ﺗﻢ
304
ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﺤﻴﻮي …
ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻔﱰة ﻗﺼرية ،ﻏﺰا اﻷملﺎن اﻟﻨﺮوﻳﺞ ،وﺣُ ِﺒﺲ ﻫﺎﺳﻞ ﻋﲆ ﻳﺪ اﻟﻨﺎزﻳني ملﺪة
ﻋﺎﻣني ﰲ ﻣﻌﺴﻜﺮ اﻋﺘﻘﺎل .وﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب ،ﻋﺎد إﱃ ﺟﺎﻣﻌﺔ أوﺳﻠﻮ أﺳﺘﺎذًا ،واﺳﺘﻤﺮ ﻫﻨﺎك
اﻟﺘﺪرﻳﺲ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٦٤ﻟﻜﻨﻪ اﺣﺘﻔﻆ ﺑﺼﻠﺘﻪ ﺑﺎﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺣﺘﻰ وﻓﺎﺗﻪ ﰲ ﻋﺎم َ ﺣﺘﻰ اﻋﺘﺰاﻟِﻪ
َ
.١٩٨١وﰲ ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﻣﺜرية ،راﻓ َﻖ ﻫﺎﺳﻞ ﰲ اﻟﺴﺠﻦ ﰲ ﻧﻔﺲ اﻟﺰﻧﺰاﻧﺔ راﺟﻨﺎر ﻓﺮﻳﺶ ،اﻟﺬي
أﻳﻀﺎ ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ )ﰲ ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد( ﰲ ﻋﺎم ،١٩٦٩وﻫﻮ ﻧﻔﺲ اﻟﻌﺎم اﻟﺬي ﺣﺼﻞ ً
ﺣﺼﻞ ﻫﺎﺳﻞ ﻓﻴﻪ ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﺑﺎملﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻊ ﺑﺎرﺗﻮن.
ﰲ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﰲ أملﺎﻧﻴﺎ ،ﻋﺮض ﺑﺎرﺗﻮن اﻟﻘﺼﺔ املﺜرية اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻹﺳﻬﺎﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﻗﺪﱠﻣﻬﺎ
ﻫﻮ وﻫﺎﺳﻞ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ،وﻛﺎن ﻋﻨﻮان اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ واﺿﺤً ﺎ» :ﻛﻴﻒ ﺗﻔﻮز ﺑﺠﺎﺋﺰة
ﻋﺮض ﻟﻘﺼﺔ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺘﺤﻠﻴﻞ اﻟﺘﺸ ﱡﻜﲇ« .ﻳﻌﻮد ﻣﺼﺪر ﺑﻌﺾ املﺎدة اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ٌ ﻧﻮﺑﻞ:
واﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﻋﻦ ﻫﺎﺳﻞ وﺑﺎرﺗﻮن إﱃ ﻫﺬه اﻟﻮرﻗﺔ.
ُوﻟِﺪ دﻳﺮﻳﻚ ﻫﺎروﻟﺪ رﻳﺘﺸﺎرد ﺑﺎرﺗﻮن ﰲ ﻋﺎم ١٩١٨ﰲ ﺟﺮﻳﻔﺰﻳﻨﺪ ﺑﺈﻧﺠﻠﱰا .ﻛﺎن أﺑﻮه
وأﺳ َﺲ أﺑﻮه ﴍﻛﺔ ﻟﺘﺠﺎرة اﻷﺧﺸﺎب ﺣﻘﻘﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺠﺎح ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﻠﺴﻤﺎح وﺟﺪه ﻧﺠﱠ ﺎرﻳﻦ ،ﱠ
ﺟﱪ ﻋﲆ ﺗﺮﻛﻬﺎ )دون أن ﻳﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﻻﺑﻨﻪ ﺑﺎﻻﻟﺘﺤﺎق ﺑﻤﺪرﺳﺔ ﺟﻴﺪة )ﺗﻮﻧﱪﻳﺪج( ،ﻟﻜﻨﻪ أ ُ ِ َ
أيﱢ ﻣﺆﻫﻞ( ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗُﻮﰲ أﺑﻮه ﻓﺠﺄ ًة ﰲ ﻋﺎم .١٩٣٥وﺑﻌﺪ أن ﻋﻤﻞ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻷﺧﺸﺎب ملﺪة
ً
أﻫﻤﻴﺔ وإﺛﺎر ًة ﰲ اﻟﺤﻴﺎة ،وﰲ ﻏﻀﻮن أﻋﻮام ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺣﺼﻞ ﻋﺎﻣني ،اﻗﺘﻨﻊ أن ﻫﻨﺎك أﺷﻴﺎء أﻛﺜﺮ
ﻋﲆ درﺟﺘَﻲ املﺎﺟﺴﺘري واﻟﺪﻛﺘﻮراه ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﻣﻦ ﻛﻠﻴﺔ إﻣﱪﻳﺎل ﻛﻮﻟﻴﺪج ﺑﻠﻨﺪن،
وﻫﻲ ﺟﺰءٌ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﻨﺪن .وﺑﻌﺪ ﻗﻀﺎء ﻋﺎﻣني ﰲ اﻟﺨﺪﻣﺔ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ أﺛﻨﺎء ﻓﱰة اﻟﺤﺮب،
ﺛﻢ ﻋﺎم ﰲ ﴍﻛﺔ أﺑﻴﻪ ،اﺳﺘﻐ ﱠﻞ اﻟﻔﺮﺻﺔ اﻟﺘﻲ أُﺗﻴﺤﺖ ﻟﻪ ﻟﻠﺘﺪرﻳﺲ ﰲ ﻛﻠﻴﺔ إﻣﱪﻳﺎل ﻛﻮﻟﻴﺪج.
305
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
306
ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﺤﻴﻮي …
HO HO
)ب( )أ(
ﺛﻤﺔ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﺗﻀﺢ أﻧﻬﺎ ﻣﻔﻴﺪة ﰲ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻣﻮاد أﺧﺮى ﻣﻮﺟﻮدة ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻃﺒﻴﻌﻲ،
وﻛﺎن اﻛﺘﺸﺎﻓﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻋﺘﻘﺎد ﺧﺎﻃﺊ .ﺗﻢ ﺗﺼﻤﻴﻢ اﻹﺟﺮاء اﻷﺻﲇ ﻹﻧﺘﺎج وﺣﺪ ٍة ﺣﻠﻘﻴﺔ
ﰲ ﺟﺰيء ﻣﺮﻛﺐ ﺗُﺴﻤﱠ ﻰ ﺟﺎﻣﺎ-ﻻﻛﺘﻮن ،ﻟﻜﻦ اﻹﺟﺮاء ﻟﻢ ﻳﻨﺘﺞ اﻟﺠﺎﻣﺎ-ﻻﻛﺘﻮن وإﻧﻤﺎ أﻋﻄﻰ
ﻣﺘﻮﻗﻊ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ .وﺑﻌﺪ ﺗﺤﻠﻴﻞ دﻗﻴﻖ ﻟﻠﻤﺴﺎر اﻟﻔﻌﲇ ﻟﻠﺘﻔﺎﻋﻞ ،اﺳﺘﻄﺎع ﺑﺎرﺗﻮن ﱠ ﻧﺎﺗﺠً ﺎ ﻏري
وزﻣﻼؤه اﺳﺘﺨﺪا َم ﻫﺬا اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ اﻟﺠﺪﻳﺪ ﻟﻠﻘﻴﺎم ﺑﻌﻤﻠﻴﺎت ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻣﻬﻤﺔ أﺧﺮى .ﻟﻜﻦ ﻧﻈ ًﺮا
ﻟﻺﺣﺒﺎط اﻟﺬي ﺷﻌﺮ ﺑﻪ ﻟﻌﺪم ﻗﺪرﺗﻪ ﻋﲆ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻫﺪﻓﻪ اﻷﺻﲇ ،ﻗ ﱠﺮ َر ﺑﺎرﺗﻮن أن ﻳُﻌِ ﻴﺪ
املﺤﺎوﻟﺔ وﻳﺤﺎول إﻧﺘﺎج اﻟﺠﺎﻣﺎ-ﻻﻛﺘﻮن ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﻌﺪﻳﻞ املﻮاد اﻟﺒﺎدﺋﺔ واملﻮاد اﻟﺪاﺧِ ﻠﺔ ﰲ
اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ .وﻧﺠﺢ ﻫﺬه املﺮة ،وﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﺄﻋﻮام ﻗﻠﻴﻠﺔ وﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﺟﺎك ﺑﺎﻟﺪوﻳﻦ )وﻫﻮ
اﻵن أﺳﺘﺎذ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ أﻛﺴﻔﻮرد( ،اﺳﺘﺨ َﺪ َم اﻹﺟﺮاءَ املﻌﺪﱠل ﰲ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻹﻳﺴﱰون )اﻟﺸﻜﻞ
3-35أ( إﱃ -١٨ﻫﻴﺪروﻛﴘ إﻳﺴﱰون )اﻟﺸﻜﻞ 3-35ب( ،وﻫﻮ »ﻣﺮﻛﺐ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﻜﻤﻴﺎت
ﺻﻐرية ﺟﺪٍّا ﰲ اﻟﺒﻮل ﻟﺪى اﻹﻧﺎث ،وﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻘﻴﻴﻢ ﻧﺸﺎﻃﻪ اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ )ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ اﻟﺨﺎص
ﺑﺎﻷﻟﺪوﺳﺘريون( ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺻﺤﻴﺢ إﻻ ﺑﻌﺪ إﺗﺎﺣﺘﻪ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ «.وﻫﻜﺬا ،ﻓﻘﺪ أدﱠى
إﺟﺮاء اﻟﺴري دﻳﺮﻳﻚ اﻷﺻﲇ اﻟﺨﺎﻃﺊ إﱃ ﻧﺎﺗﺠني ﺟﺪﻳﺪﻳﻦ وﻣﻬﻤني ﻛﺎن ﻟﻬﻤﺎ ﺷﺄن ﰲ
اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ.
ً
ذﻛﺮت ﻫﺬه اﻟﻮرﻗﺔ اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ أﻣﺜﻠﺔ ﻋﺪﻳﺪة ﻋﲆ اﻷﺣﺪاث اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ ،ووﺻﻒ دﻳﺮﻳﻚ
أﺣﺪﻫﺎ ﰲ ﺣﻠﻘﺔ ﻧﻘﺎﺷﻴﺔ ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺗﻜﺴﺎس ﰲ أوﺳﺘﻦ ﰲ ﺧﺮﻳﻒ ﻋﺎم ) .١٩٨٤ﺑﺪأ دﻳﺮﻳﻚ
ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻖ اﻟﺘﺎﱄ» :ﻫﻞ ﺗﻌﺮﻓﻮن أن ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺘﻔﺎﻋﻼت املﻬﻤﺔ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء
307
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
O
CH3
CH3
CH3
O
CH3
CH3 CH3
CHCl2
)ب( ﻋﺎﻣﻞ اﻻﺧﺘﺰال
ﱠ
املﺘﻮﻗﻊ اﻟﻨﺎﺗﺞ Bu3SnH
O
CH3
CH3 CH3
)أ(
املﺮﻛﺐ اﻟﺒﺎدئ
CH3
)ﺟ(
اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﻔﻌﲇ
ً
أﻣﺜﻠﺔ ﻋﺪﻳﺪ ًة ﻗﺒﻞ وﺻﻒ أﺣﺪث ﻟﻘﺎء ﻟﻪ ﻣﻊ اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ؟« ﺛﻢ أﺧﺬ ﻳﻌﻄﻲ
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ .ﰲ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖُ ،
ﻛﻨﺖ ﻣﻬﺘﻤٍّ ﺎ ﻣﻨﺬ ﻋﺪة أﻋﻮام ﺑﻤﻮﺿﻮع اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ وإﺳﻬﺎﻣﺎﺗﻬﺎ
ﺑﺪأت اﻟﺘﻔﻜري ﺟﺪﻳٍّﺎ ﰲ ﺗﺄﻟﻴﻒ ﻛﺘﺎب ﻋﻦ ﻫﺬا املﻮﺿﻮع(.ُ ﰲ اﻟﻌﻠﻢ ،وﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﻠﻘﺔ
وﰲ اﻟﻌﺎم اﻟﺴﺎﺑﻖ ،ﻗ ﱠﺮ َر ﻫﻮ وزﻣﻼؤه ﰲ ﻣﻌﻬﺪ ﻛﻴﻤﻴﺎء املﻨﺘﺠﺎت اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ إﻋﺪا َد ﻣﻜﻮﻧﺎت
ﻣﻌﻘﺪ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺪرﺳﻮﻧﻪ .وﻛﺎن ﻟﻠﻤﺮﻛﺒﺎت اﻟﻨﻤﻮذﺟﻴﺔﻧﻤﻮذﺟﻴﺔ ملﻘﺎرﻧﺘﻬﺎ ﻣﻊ ﻣﻨﺘﺞ ﻃﺒﻴﻌﻲ ﱠ
ﱠ
املﺘﻮﻗﻊ أن ﻳﻜﻮن ﻫﺬا املﻄﻠﻮﺑﺔ اﻟﺼﻴﻐﺔ املﻮﺿﺤﺔ ﰲ اﻟﻨﻘﻄﺔ )ب( ﰲ ﺷﻜﻞ ،4-35وﻛﺎن ﻣﻦ
308
ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﺤﻴﻮي …
املﻮﺿﺢ ﰲ ﺷﻜﻞ 4-35ﻣﻊ ﻋﺎﻣﻞ اﻻﺧﺘﺰال املﺘﻤﺜﻞ ﰲ ﱠ املﻨﺘﺞ ﻫﻮ ﻧﺘﺎج ﺗﻔﺎﻋﻞ املﺮﻛﺐ )أ(
ﻫﻴﺪرﻳﺪ اﻟﱰﻳﺒﻮﺗﻴﻠﺘني؛ إذ ﺳﺘﺤﻞ ذرﺗﺎ ﻫﻴﺪروﺟني ﻣﺤﻞ ذرﺗﻲ اﻟﻜﻠﻮر ﰲ املﺮﻛﺐ )أ( ﻣﺤﻮﱢﻟﺔ
ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ CHCl2إﱃ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ .CH3واﻧﺪﻫﺶ ﺑﺎرﺗﻮن ﻛﺜريًا ﺣني ﻟﻢ ﻳﺘﻢ اﻟﺤﺼﻮل ﻋﲆ
ﻣﺮﻛﺐ ٍ املﻨﺘﺞ املﻨﺘﻈﺮ وﻟﻮ ﺑﻜﻤﻴﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ )اﻟﺸﻜﻞ 4-35ب( ،ﺣﻴﺚ ﻧﺘﺠﺖ ﻛﻤﻴﺔ ﻛﺒرية ﻣﻦ
ﻳﺤﺘﻮي ﻋﲆ ﺣﻠﻘﺔ اﻟﻜﺮﺑﻮن ارﺗﻔﻊ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺪد ذرات اﻟﻜﺮﺑﻮن ﻣﻦ ﺳﺖ ذرات إﱃ ﺳﺒﻊ ذرات
)اﻟﺸﻜﻞ 4-35ﺟ(.
ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺗُﻌ َﺮف ﺑﺎﻟﱰوﺑﻮﻧﺎت ،وﻫﻲ ٍ ﺗﻌ ﱠﺮﻓﻮا ﻋﲆ اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﺬي ﻇﻬﺮ ﻋﲆ أﻧﻪ ﻋﻀﻮ ﰲ
ﻣﻬﻤﺔ ﺟﺪٍّا ﻻﺧﺘﺼﺎﺻﻴﻲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ واﻟﺤﻴﻮﻳﺔ .إن اﻟﱰوﺑﻮﻧﺎت واﻟﱰوﺑﻮﻟﻮﻧﺎت )وﻫﻲ
ٍ
ﺣﻠﻘﺎت ﻣﺮﻛﺒﺎت ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ ﺑﻬﺎ( ﻣﺜرية ﻟﻼﻫﺘﻤﺎم؛ ﻓﻬﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﻴﺔ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ذات
ﻏري اﻋﺘﻴﺎدﻳﺔ ﺗﺤﺘﻮي ﻋﲆ ذرات ﻛﺮﺑﻮن ﺳﺒﺎﻋﻴﺔ ﻛﺠﺰء ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻴﺒﻬﺎ اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ ،ﻛﻤﺎ أﻧﻬﺎ
ﻣﻮاد ﻣﻮﺟﻮدة ﺑﺸﻜﻞ ﻃﺒﻴﻌﻲ وﻟﻬﺎ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻓﺴﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ .ﻓﺎﻟﻜﻮﻟﺸﻴﺴني ،ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ
املﺜﺎل ،ﻳُﺴﺘﺨﺪَم ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻓﻌﱠ ﺎل ﰲ ﻋﻼج اﻟﻨﻘﺮس .وﻧﻈ ًﺮا ﻷﻧﻪ ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﻋﺪد اﻟﻜﺮوﻣﻮﺳﻮﻣﺎت
أﺛﻨﺎء اﻧﻘﺴﺎم اﻟﺨﻠﻴﺔ ﰲ اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت؛ ﻓﺈﻧﻪ ﻳُﺴﺘﺨﺪَم ﺗﺠﺎرﻳٍّﺎ ﰲ إﻧﺘﺎج أﻧﻮاع ﺟﺪﻳﺪة ﻣﻦ اﻟﻨﺒﺎﺗﺎت.
وﻗﺪ ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﺗﻠﻚ املﺮﻛﺒﺎت ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ،وﻟﻜﻦ ﻧﻈ ًﺮا ﻷن املﺮﻛﺐ اﻟﺒﺎدئ )أ(
ﰲ ﺷﻜﻞ 4-35واملﺮﻛﺒﺎت املﻤﺎﺛﻠﺔ ﻳﺘﻢ ﺗﺤﻀريﻫﺎ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻣﻦ ﻣﻮاد ﺑﺎدﺋﺔ ﺑﺴﻴﻄﺔ ،ﻓﺈن
ﺑﺎرﺗﻮن وزﻣﻼءه أدرﻛﻮا ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌَ َﺮﴈ ﻛﺈﺟﺮاء ﺗﺼﻨﻴﻌﻲ ﻣﻔﻴﺪ ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ.
ﻣﺘﻮﻗﻊ ﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻛﺎن اﻟﻬﺪف ﻣﻨﻪ ﺷﻴﺌًﺎ آﺧﺮ ﱠ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻛﺘﺸﺎف اﻟﱰوﺑﻮن ﻛﻨﺎﺗﺞ ﻏري
ﻋﻤﻼ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ .ورﺑﻤﺎ إﻧﺠﺎ ًزا ﻏري ﻣﻬﻢ .وﻛﺎن ﺗﻔﺴري آﻟﻴﺔ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ً
أﻫﻤﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﺬي ﻛﺎن ﻣُﺴﺘﻬﺪ ًَﻓﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺎﻋُ ﻞ؛ وﻣﻦ ﺛ ﱠﻢ
ً ﱠ
املﺘﻮﻗﻊ أﻛﺜﺮ ﻳُﻌَ ﱡﺪ اﻟﻨﺎﺗﺞ ﻏري
ﻓﻬﻮ ﻣﺜﺎل واﺿﺢ ﻋﲆ دور اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ﰲ اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﻌﻠﻤﻲ.
309
اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺴﺎدس واﻟﺜﻼﺛﻮن
ُ
ﺛﻼﺛﺔ ﻋﻠﻤﺎء؛ اﺛﻨﺎن ﻣﻦ أﻣﺮﻳﻜﺎ واﻟﺜﺎﻟﺚ ﺗﻘﺎﺳﻢ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﻟﻌﺎم ١٩٨٧
ﻣﻦ ﻓﺮﻧﺴﺎ .وﻳﻤﺜﱢﻞ ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺛﻼﺛﺔ أﺟﻴﺎل ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴني ،وﻫﺆﻻء اﻟﻌﻠﻤﺎء
ﻫﻢ :ﺗﺸﺎرﻟﺰ ﺟﻴﻪ ﺑﻴﺪرﺳني اﻟﺬي ﺣﺼﻞ ﻋﲆ درﺟﺔ املﺎﺟﺴﺘري ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﻣﻦ ﻣﻌﻬﺪ
ﻣﺎﺳﺎﺗﺸﻮﺳﺘﺲ ﻟﻠﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﰲ ﻋﺎم ،١٩٢٧ودوﻧﺎﻟﺪ ﺟﻴﻪ ﻛﺮام اﻟﺬي ﺣﺼﻞ ﻋﲆ درﺟﺔ
اﻟﺪﻛﺘﻮراه ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻫﺎرﻓﺮد ﰲ ﻋﺎم ،١٩٤٧وﺟﻮن-ﻣﺎري ﻟني اﻟﺬي ﺣﺼﻞ
ﺗﻮﺻﻞ ﺑﻴﺪرﺳنيﻋﲆ درﺟﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺳﱰاﺳﺒﻮرج ﰲ ﻋﺎم .١٩٦٣ﱠ
اﻵﺧﺮان ﻻﺣﻘﺎً
ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﰲ ﺳﺘﻴﻨﻴﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻗﺎم اﻟﻌﺎملﺎن َ ً إﱃ اﻻﻛﺘﺸﺎف
ﺑﺘﻮﺳﻌﺔ ﻋﻤﻠﻪ ﻻﺳﺘﺨﺪاﻣﺎت ﻋﻀﻮﻳﺔ ﺣﻴﻮﻳﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺨﻴﱡﻠﻬﺎ .وﻳﻔﺘﺨﺮ ﺑﻴﺪرﺳني ﺑﺄﻧﻪ ﻗﺪ
أﺟﺮى ﺑﺤﺜﻪ اﻟﺬي ﺣﺎز ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﺟﺎﺋﺰ َة ﻧﻮﺑﻞ ﰲ ﻓﱰة ﻻﺣﻘﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ املﻬﻨﻴﺔ ﰲ ﴍﻛﺔ
دو ﺑﻮﻧﺖ ،وﺑﻌﺪ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﺤﺼﻮﻟﻪ ﻋﲆ اﻟﺠﺎﺋﺰة ،ﻗﺎل» :ﻳﺒﺪو أن أﻓﻀﻞ اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮم
ﺑﻬﺎ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﺗﺘﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﻠﻮن إﱃ ﻋﻤﺮ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ واﻟﺜﻼﺛني .ﻟﻘﺪ ﺗﻢ إﻧﺠﺎز ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ ﰲ
اﻷﻋﻮام اﻟﺘﺴﻌﺔ اﻷﺧرية ﱄ ﰲ ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ «.ﻛﺎن ﺑﻴﺪرﺳني ﻳﺒﻠﻎ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﺮ ٦٣ﻋﺎﻣً ﺎ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧ ُ ِﴩ ﺑﺤﺜﻪ ،وﺗﻘﺎﻋَ َﺪ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﺑﻌﺎﻣني.
ﺣﺪث اﻛﺘﺸﺎف ﺑﻴﺪرﺳني ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻠﻮﱢث ﺗﺼﺎدف وﺟﻮده ﰲ إﺣﺪى املﻮاد اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ
ٍ
اﻛﺘﺸﺎف اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﰲ إﺣﺪى اﻟﺘﺠﺎرب .وﻗﺪ ﺣ ﱠﻮ َل ﺑﻴﺪرﺳني ﺗﻠﻚ املﺼﺎدﻓﺔ إﱃ
املﺘﻮﻗﻊ ﻟ »ﻣﻨﺘﺞ ﻓﺮﻋﻲ ﺑﻠﻮري أﺑﻴﺾﱠ ﻆ اﻟﻈﻬﻮر ﻏري ﻟﻪ أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒرية ،وذﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻻﺣ َ
ﻟﻴﻔﻲ« ،وﻋﺰﻟﻪ وﻓﺤﺼﻪ وﺣﺪد ﺧﺼﺎﺋﺼﻪ املﻤﻴﺰة .ووﺟﺪ أن ﺗﻠﻚ املﺎدة ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺮﺗﺒﻂ ﻣﻊ
أﻣﻼح ﻏري ﻓﻠﺰﻳﺔ ﻣﺜﻞ ﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﺼﻮدﻳﻮم وﻛﻠﻮرﻳﺪ اﻟﺒﻮﺗﺎﺳﻴﻮم ،وﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺬوﺑﺎن ﰲ
ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﻤﻜﻨﺔ ﻣﻦ ﻗﺒ ُﻞ.
ٍ اﻟﺴﻮاﺋﻞ اﻟﻔﻠﺰﻳﺔ
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
312
اﻹﺛريات اﻟﺘﺎﺟﻴﺔ واﻟﻜﺮﻳﺒﺘﺎﻧﺪات
O
O O
M+ )أ(
O O
O
O
O O
M+
)ب(
O O
O
ﻧﻄﺎق ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﺑﻴﺪرﺳني ﻟﺜﻼﺛﺔ أﺑﻌﺎد ،وأدﺧﻞ ﻋﻨﺎﴏ ﰲ اﻟﺤﻠﻘﺎت إﱃ ﺟﺎﻧﺐ اﻷﻛﺴﺠني
)ﻣﺜﻞ اﻟﻨﻴﱰوﺟني( .وﻗﺪ أدﱠى اﻟﺸﻜﻞ اﻟﺜﻼﺛﻲ اﻷﺑﻌﺎد ﻟﺠﺰﻳﺌﺎت ﻟني إﱃ ﺟﻌﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت
ﺻﻼﺑﺔ وزاد ﻣﻦ ﻧﻄﺎق اﻟﺮﻛﺎﺋﺰ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﻬﺎ .وﻗﺪ اﺑﺘﻜﺮ أﺳﻤﺎءً ً أﻛﺜﺮ
ﺟﺪﻳﺪة ملﺠﻤﻮﻋﺎﺗﻪ ﺳﻤﱠ ﺎﻫﺎ املﺠﻤﻮﻋﺎت اﻟﺜﻼﺛﻴﺔ اﻷﺑﻌﺎد »اﻟﻜﺮﻳﺒﺘﺎت« واملﻜﻮﱢﻧﺎت املﻀﻴﻔﺔ
»اﻟﻜﺮﻳﺒﺘﺎﻧﺪات«؛ اﺷﺘﻖ ﺑﻴﺪرﺳني ﻫﺬﻳﻦ اﻻﺳﻤني ﻣﻦ اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ »ﻛﺮﻳﺒﺘﻮس« اﻟﺘﻲ
ﺗﻌﻨﻲ »املﺨﻔﻲ«.
وﺳﻊ دوﻧﺎﻟﺪ ﺟﻴﻪ ﻛﺮام ﰲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻛﺎﻟﻴﻔﻮرﻧﻴﺎ ﺑﻠﻮس أﻧﺠﻠﻮس ﻣﻦ ﻧﻄﺎق ﻋﻤﻞ ﺑﻴﺪرﺳني ﱠ
ﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ﻣﺠﺎل ﺟﺪﻳﺪ ﺳﻤﱠ ﺎه ﻛﻴﻤﻴﺎء »املﻀﻴﻒ-اﻟﻀﻴﻒ« ،اﻟﺬي ﻳﻜﻮن ﻓﻴﻪ املﻀﻴﻒ ﻫﻮ
ً
ﻃﺮﻗﺎ اﻟﺠﺰيء املﺴﺘﻘ ِﺒﻞ ،واﻟﻀﻴﻒ ﻫﻮ اﻟﺮﻛﻴﺰة املﺴﺘﻠﻤﺔ .وﻣﻊ أن ﻟني وﻛﺮام اﺳﺘﺨﺪَﻣَ ﺎ
313
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،ﻓﺈن ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ ﻃﺒ َﱠﻖ ﻣﻔﻬﻮﻣً ﺎ ﻳﻘﻮم ﻋﲆ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﺟﺰﻳﺌﺎت ﻋﻀﻮﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺻﻠﺒﺔ ﻋﲆ
ﻛﺎف ،وﻣﺤﺘﻮﻳﺔ ﻋﲆ ﺗﺠﺎوﻳﻒ ﺑﺤﺠﻢ وﺷﻜﻞ ﻣﻨﺎﺳﺒني ﻷن ﺗﺘﻀﻤﻦ رﻛﺎﺋ َﺰ ﻣﻄﻠﻮﺑﺔ ﻧﺤﻮ ٍ
ٍ
ﻣﺤﻔﺰة ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻧﺴﺒﻴٍّﺎ )ﻋﲆ ﻋﻜﺲ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت ﻣﻌﻴﻨﺔ .ﻓﻌﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﺗﺼ ﱠﻮ َرا إﻋﺪا َد ﻋﻮاﻣﻞ ﱢ
اﻟﻜﺒرية ﻟﻺﻧﺰﻳﻤﺎت اﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ( ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ أن ﺗﺤﺎﻛﻲ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﺑﻬﺎ اﻹﻧﺰﻳﻤﺎت
ﰲ اﻟﺨﻼﻳﺎ واﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﻣﺜﻞ ﺗﺤ ﱡﻠﻞ ﺟﺰﻳﺌﺎت اﻟﱪوﺗﻴﻨﺎت إﱃ اﻷﺣﻤﺎض اﻷﻣﻴﻨﻴﺔ املﻜﻮﱢﻧﺔ ﻟﻬﺎ.
وﻧﻈ ًﺮا ﻷن ﻛﻴﻤﻴﺎء املﻀﻴﻒ-اﻟﻀﻴﻒ ﺗﻘﻮم ﻋﲆ ﺷﻜﻞ وﻣﺮوﻧﺔ أو ﺻﻼﺑﺔ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت
اﻟﺜﻼﺛﻴﺔ اﻷﺑﻌﺎد ،ﻓﻘﺪ اﺳﺘﺨﺪم ﻛﺮام ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻛﺒري ﻧﻤﺎذجَ ﺟﺰﻳﺌﺎت ﻛﺘﻠﻚ املﻌﺮوﺿﺔ ﰲ
اﻟﺼﻮر اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ .وﻳﻤﻜﻦ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﺼﻮر ﺑﺎﻟﺼﻴﻎ املﻌﺮوﺿﺔ ﰲ ﺷﻜﻞ .1-36
إن ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻤﺎذج ﻣﺼﻨﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻛﺮات ﺑﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ ﻣﺘﺪاﺧﻠﺔ؛ ﺗﻤﺜﱢﻞ اﻷﺣﺠﺎ ُم اﻟﻨﺴﺒﻴﺔ ﻟﺘﻠﻚ ﱠ
ﺑﺪﻗﺔ إﱃ ﺣ ﱟﺪ ﻣﺎ اﻷﺑﻌﺎ َد اﻟﺬرﻳﺔ وزواﻳﺎ اﻻرﺗﺒﺎط املﻌﺮوﻓﺔ ٍ اﻟﻜﺮات واﻟﺰواﻳﺎ املﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﻬﺎ
اﻟﻔﻌﻠﻴﺔ .وﺑﻌﺪ إﻋﺪاد ﺣﻮاﱄ ٩٠ﻣﺮﻛﺒًﺎ ﻣﻦ ﻣﺮﻛﺒﺎت املﻀﻴﻒ-اﻟﻀﻴﻒ ،وﺟ َﺪ ﻛﺮام وزﻣﻼؤه
ﱠ
ﻣﺘﻮﻗﻊ ﻣﻦ أن ﺗﺮاﻛﻴﺒﻬﺎ ،املﺤﺪدة ﻣﻦ ﺧﻼل ﺣﻴﻮد أﺷﻌﺔ إﻛﺲ ،ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ملﺎ ﻫﻮ
اﻟﻨﻤﺎذج ﰲ ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺤﺎﻻت.
ﻳﺸﻬﺪ ﻫﺬا املﺠﺎل اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﺘﻌ ﱡﺮف اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ ﰲ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﻧﻤﻮٍّا ﰲ املﺠﺎﻻت
اﻟﺒﺤﺜﻴﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ واﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻴﺔ ،وﻗﺪ ﺳﺎﻋﺪ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻛﺒري ﰲ ﻓﻬﻤﻨﺎ ﻟﻠﺘﻔﺎﻋﻼت اﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ
ملﺠﺎل ﰲ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻄﺒﻲ اﻟﺤﻴﻮي ﺷﻬ َﺪ ٍ ً
أﺳﺎﺳﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪث داﺧﻞ اﻟﺨﻼﻳﺎ اﻟﺒﴩﻳﺔ ،ووﺿﻊ
ﻧﻤﻮٍّا ﴎﻳﻌً ﺎ .وﻛﺎن ﻫﺬا ﻫﻮ ﻣﻮﺿﻮع اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺪراﺳﻴﺔ ﰲ اﻻﺟﺘﻤﺎع اﻟﻘﻮﻣﻲ ﻟﻠﺠﻤﻌﻴﺔ
اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻟﻠﻜﻴﻤﻴﺎء ﰲ دﻳﻨﻔﺮ ﺑﻜﻮﻟﻮرادو ﰲ رﺑﻴﻊ ﻋﺎم ،١٩٨٧ﺣﻴﺚ وﺻﻒ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴﻮن
وﴍﻛﺎت دواءٍ ﻣﺘﻌﺪدة أﻋﻤﺎ َﻟﻬﻢ اﻷﺧرية اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ إرﺟﺎﻋﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌً ﺎ إﱃ ﻋﻤﻞ ِ ٍ
ﺟﺎﻣﻌﺎت ﻣﻦ
ﻛﺮام وﻟني ﺛﻢ إﱃ اﻛﺘﺸﺎف ﺑﻴﺪرﺳني.
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺼﻞ ﺑﻴﺪرﺳني ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ اﻟﺘﻲ ﺷﺎرﻛﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻛ ﱞﻞ ﻣﻦ ﻛﺮام وﻟني ﰲ
ﻣﺮﻳﻀﺎ ،وﺑﻌﺪ اﻟﻌﻮدة ﻣﻦ ﺳﺘﻮﻛﻬﻮﻟﻢ ً ﻧﻮﻓﻤﱪ ﻣﻦ ﻋﺎم ،١٩٨٧ﻛﺎن ﻋﻤﺮه ٨٣ﻋﺎﻣً ﺎ وﻛﺎن
ﺣﻴﺚ ﺷﺎ َر َك ﰲ اﺣﺘﻔﺎﻻت ﻧﻮﺑﻞ ،أﺟﺮى ﺷﻴﺨﺎر ﻫﺎﺗﺎﻧﺠﺎدي ﺣﻮا ًرا ﻣﻌﻪ ﰲ ﻣﻨﺰﻟﻪ ملﺠﻠﺔ
ٌ
ﻣﻘﺘﻄﻔﺎت ﻣﻨﻪ: »إﻧﺪﺳﱰﻳﺎل ﻛﻴﻤﻴﺴﺖ« ،وﻓﻴﻤﺎ ﻳﲇ
ﺗﺨﻴﱠ ْﻞ ﺗﺴﻠﺴ َﻞ اﻷﺣﺪاث ﻫﺬا ،ﰲ ﺣﻮاﱄ ﻋﺎم :١٩٠٠ﻳﻘﺮر ﻣﻬﻨﺪس ﻣﻦ اﻟﻨﺮوﻳﺞ
اﻟﺴﻔ َﺮ ﺣﻮل اﻟﻌﺎﻟﻢ إﱃ ﻛﻮرﻳﺎ ﺣﻴﺚ ﻳﻌﻤﻞ ﰲ ﻣﻨﺠﻢ ﻟﻠﺬﻫﺐ .وﺗﻘ ﱢﺮر أﴎة
ﻳﺎﺑﺎﻧﻴﺔ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻧﻘﺺ ﰲ املﺪﺧﺮات اﻟﺬﻫﺎبَ إﱃ ﻛﻮرﻳﺎ ﺣﻴﺚ اﻟﺴﻮق ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ
ﻫﻨﺎك .وﻳﴩع أﺣﺪ أﺑﻨﺎء اﻷﴎة اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ ﰲ ﻓﺘﺢ ﴍﻛﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ املﻨﺠﻢ،
314
اﻹﺛريات اﻟﺘﺎﺟﻴﺔ واﻟﻜﺮﻳﺒﺘﺎﻧﺪات
ﺷﻜﻞ 2-36
وﺗﻘﺎﺑﻞ أﺧﺘﻪ اﻟﺸﺎب اﻟﻨﺮوﻳﺠﻲ وﻳﺘﺰوﱠﺟﺎن .وﺑﻌﺪ ﻋﺪة ﺳﻨﻮات ،ﻳﺴﺎﻓِ ﺮ اﺑﻨﻬﻤﺎ
إﱃ اﻟﻮﻻﻳﺎت املﺘﺤﺪة ﻟﻠﺪراﺳﺔ ،وﻳﺼﺒﺢ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴٍّﺎ وﻳﺤﺼﻞ ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ.
ﻳﻘﻮل ﺑﻴﺪرﺳني ﻣﺘﻌﺠﱢ ﺒًﺎ وﻫﻮ ﻳﴪد ﺗﺎرﻳﺦ أﴎﺗﻪ» :ﻳﻌ ﱡﺪ ﻫﺬا أﻛﺜﺮ
ﱠﺛﺖ ﻋﻦاﻟﺴﻴﻨﺎرﻳﻮﻫﺎت ﻏري املﺤﺘﻤَ ﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ أن أﺗﺼﻮﱠرﻫﺎ … ﻟﻘﺪ ﺗﺤﺪ ُ
ﻫﺬا ﰲ ﺳﺘﻮﻛﻬﻮﻟﻢ«.
إﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﺬ ﱠﻛﺮ … اﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ اﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻟﻠﻤﻨﻬﺞ اﻟﺬي أدﱠى إﱃ اﻛﺘﺸﺎﻓﻪ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻲ
ﻟﻺﺛريات اﻟﺘﺎﺟﻴﺔ ،وﻳﻘﻮل» :ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻠﺨﻴﺺ ﻗﺼﺔ ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﰲ:
ﻓﻌﻞ اﻟﴚء اﻟﺼﺤﻴﺢ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺼﺤﻴﺢ .ﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ اﻵن إﺧﺒﺎرك ملﺎذا
ُ
ﻓﻌﻠﺖ«. ُ
ﻓﻌﻠﺖ ﻣﺎ
315
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻋﲆ ﻣﺪى اﻟﺴﻨني ،ﻛﺎن ﺑﻴﺪرﺳني ﻣﺆﻣﻨًﺎ … ﺑﺤﻘﻴﻘﺘني؛ اﻷوﱃ :أﻧﻪ ﻟﻴﺲ
ﺣﺎﺻﻼ ﻋﲆ درﺟﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ﺣﺘﻰ ﺗﺠﺮي أﺑﺤﺎﺛًﺎ ﺟﻴﺪة، ً ﺑﺎﻟﴬورة أن ﺗﻜﻮن
واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :أﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﴬورة أن ﺗﻜﻮن ﺷﺎﺑٍّﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﻮم ﺑﺄﻓﻀﻞ أﺑﺤﺎﺛﻚ.
وﻳﻘﻮل ،ﻣﺘﺬ ﱢﻛ ًﺮا أﻧﻪ ﺑﺪأ اﻟﺒﺤﺚ اﻟﺨﺎص ﺑﺎملﺮﻛﺒﺎت اﻟﺘﺎﺟﻴﺔ وﻫﻮ ﰲ اﻟﺴﺘﻴﻨﻴﺎت
رﺟﻞ ﻋﺠﻮز أﻓﻜﺎ ٌر ،ﻓﻴﺠﺐ أن ﺗﺪﻋﻪ ﻳﺠ ﱢﺮﺑﻬﺎ.
ٍ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه :إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪى
ﻗﺎﺑﻞ ﻫريﻣﺎن ﴍوﻳﺪر ﺗﺸﺎرﻟﺰ ﺑﻴﺪرﺳني ﻷول ﻣﺮة ﻣﻨﺬ ٤٨ﻋﺎﻣً ﺎ ،وﻛﺎن
زﻣﻴﻼ ﻟﻪ ﰲ ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ ،وأﺻﺒَﺤَ ﺎ ﺻﺪﻳﻘني ﻣﻨﺬ ذﻟﻚ اﻟﺤني .وﰲ اﺣﺘﻔﺎل ً
ﺑﺎﻟﻴﺎﺑﺎن ﻟﺘﻜﺮﻳﻢ ﺑﻴﺪرﺳني ﰲ اﻟﺬﻛﺮى اﻟﻌﴩﻳﻦ ﻻﻛﺘﺸﺎﻓﻪ ملﺮﻛﺒﺎت اﻹﺛري اﻟﺘﺎﺟﻴﺔ،
ﺣ ﱠﻞ ﴍوﻳﺪر ﻣﺤﻞ اﻟﻌﺎﻟِﻢ املﺮﻳﺾ ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺘﻜﺮﻳﻢ ﰲ ﻛﻞ ﳾء ،وأﻟﻘﻰ ﺧﻄﺒﺔ
َ
اﻛﺘﺸﺎف اﻹﺛريات ﻣﺆﺛﱢﺮة ﻣﻌ ﱢﺪدًا ﻓﻴﻬﺎ إﻧﺠﺎزات ﺻﺪﻳﻘﻪ … ﻗﺎل» :ﻳﺠﺐ أن ﺗﻔﻬﻤﻮا
اﻟﺘﺎﺟﻴﺔ .ﻛﺎن ﺗﺸﺎرﱄ ﺧﺒريًا ﻛﺒريًا ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﺘﻨﺎﺳﻘﻴﺔ … ﻋﺮف ﻣﺎ
316
اﻹﺛريات اﻟﺘﺎﺟﻴﺔ واﻟﻜﺮﻳﺒﺘﺎﻧﺪات
317
ﺧﺎﲤﺔ
ﻛﻴﻒ ﺗﺘﺤﻮﱠل املﺼﺎدﻓﺔ إﱃ اﻛﺘﺸﺎف؟
إن ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ﻳﺘﺤﺪﱠث ﻋﻦ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ ﰲ اﻟﻌﻠﻢ .ورﺑﻤﺎ أدرﻛﺖ أﻧﻪ ﰲ ﻛ ﱢﻞ ﻣﺜﺎل
ٍ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﺑﺴﺒﺐ ﻣﻦ أﻣﺜﻠﺔ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ ﰲ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب ،ﺗﺘﺤﻮﱠل املﺼﺎدﻓﺎت إﱃ
ﻓﻄﻨﺔ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﺣﺪﺛﺖ ﻟﻪ املﺼﺎدﻓﺔ )ﺑﻌﺒﺎرة ووﻟﺒُﻮل( .وﰲ ﻫﺬه اﻟﺨﺎﺗﻤﺔ ،ﺳﺄﴍح
املﻘﺼﻮ َد ﺑﺎﻟﻔﻄﻨﺔ املﻄﻠﻮﺑﺔ ﻟﺤﺪوث اﻻﻛﺘﺸﺎف ،وﺳﺄﻗﱰح ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻨﻤﻴﺘﻬﺎ واﻟﺘﺸﺠﻴﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ.
ﻗﺎل ﺑﺎﺳﺘري» :ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻠﻮم ،املﺼﺎدﻓﺔ ﻻ ﺗﻮاﺗﻲ إﻻ اﻟﻌﻘﻮل املﺴﺘﻌِ ﺪة «.ﻓﻤﺎ املﻘﺼﻮد
ﺑﺎﻟﻌﻘﻞ املﺴﺘﻌِ ﺪ؟ وﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ اﻛﺘﺴﺎﺑﻪ؟ إﻧﻨﻲ ﻣﺘﺄ ﱢﻛﺪ أن ﺛﻤﺔ ﻗﺪرة أو ﻣﻬﺎرة ﻓﻄﺮﻳﺔ ﻟﺼﻨﻊ
اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﺗﻜﻤﻦ داﺧﻞ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪون ﻣﻦ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ﻣﻦ أﻣﺜﺎل
ﺑﺮﻳﺴﺘﲇ وﺑﺎﺳﺘري وﺑريﻛﻦ .واﻟﻔﻀﻮل ﻫﻮ اﻟﺴﻤﺔ اﻟﻐﺎﻟﺒﺔ ﻟﺪى ﻫﺆﻻء اﻟﻌﻠﻤﺎء اﻟﺜﻼﺛﺔ وﻟﺪى
اﻟﻜﺜري ﻣﻤﻦ ﺣﻮﱠﻟﻮا املﺼﺎدﻓﺎت إﱃ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت .ﻓﻘﺪ ﻛﺎن ﻟﺪﻳﻬﻢ اﻟﻔﻀﻮل ﻟﻔﻬﻢ املﺼﺎدﻓﺔ
اﻟﺘﻲ ﻻﺣﻈﻮﻫﺎ.
ﻣﺘﻮﻗﻌﺔﱠ ﱡ
اﻟﺘﺒﴫ؛ ﻓﻘﺪ ﻻﺣﻈﻮا ﻇﺎﻫﺮة ﻏري ﻣﻦ اﻟﺴﻤﺎت اﻷﺧﺮى اﻟﺘﻲ اﺷﱰﻛﻮا ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻤﺔ
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ أن ﻳﺘﺠﺎﻫﻠﻮﻫﺎ ﻣﻌﺘﱪﻳﻦ إﻳﺎﻫﺎ ﺷﻴﺌًﺎ ﺗﺎﻓﻬً ﺎ أو ﻣﺰﻋﺠً ﺎ .ﻓﻼ ﺷﻚ أن وﺗﻨﺒﱠﻬﻮا إﻟﻴﻬﺎ ً
ﻣﺘﻮﻗﻊ أو ﺑﻠﻮرات ﻟﻬﺎ ﺷﻜﻞ ﱠ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻷﺷﺨﺎص ﻗﺪ ﻻﺣَ ﻆ ﻏﺎ ًزا ﺻﺪر ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻏري
ﻏﺮﻳﺐ أو ﻟﻮن ﻏﺎﻣﺾ ﰲ ﻓﻀﻼت ﻳﺘﻢ ﻃﺮﺣﻬﺎ؛ ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻜﺘﺸﻔﻮا اﻷﻛﺴﺠني اﻟﺬي ﻳُﻌَ ﱡﺪ
ً
أﻫﻤﻴﺔ ،أو ﻳﺴﺘﻨﺒﻄﻮا ﺗﺮﻛﻴﺒًﺎ ﺟﺰﻳﺌﻴٍّﺎ ﻣﻬﻤٍّ ﺎ ﺟﺪٍّا ﻟﻠﺤﻴﺎة ﻧﻔﺴﻬﺎ ،أو ﻳﻄﻮﱢروا اﻟﻌﻨﴫ اﻷﻛﺜﺮ
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﻧﺤﻮ
وﻳﻌﱪ أﻟﱪت ﺳﻴﻨﺖ ﺟﻴﻮرﺟﻲ ﻋﻦ ﻫﺬا ﻋﲆ ٍ ﱢ ﺻﺒﻐﺔ ﺟﻤﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﻗﻄﺮان اﻟﻔﺤﻢ اﻷﺳﻮد.
ﻗﺎﺋﻼ» :ﻳﺘﻤﺜﱠﻞ اﻻﻛﺘﺸﺎف ﰲ رؤﻳ ِﺔ ﻣﺎ ﻳﺮاه اﻟﺠﻤﻴﻊ ،واﻟﺘﻔﻜ ِ
ري ﻓﻴﻤﺎ ﻻ ﻳﻔ ﱢﻜﺮ ﻓﻴﻪ أﺣﺪ«. ﺑﻠﻴﻎ ً
ٍ
واﻟﺘﺒﴫ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏريﻫﻢ ،ﻓﺈﻧﻪ ﱡ ﻣﻊ أن ﺑﻌﺾ اﻷﺷﺨﺎص ﻗﺪ ﻳﺘﻤﺘﻌﻮن ﺑﺎﻟﻔﻄﻨﺔ
ﻳﻤﻜﻦ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﻫﺎﺗني اﻟﺨﺼﻠﺘني واﻟﺘﺸﺠﻴﻊ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ،ﻛﻤﺎ ﻳﺮى روﻧﺎﻟﺪ إس ﻟﻴﻨﻮﻛﺲ .ﻓﻔﻲ
ﻣﻘﺎل ﻋﻨﻮاﻧﻪ »اﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻻﻛﺘﺸﺎف اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻲ« )ﻣﺠﻠﺔ »ﺟﻮرﻧﺎل أوف ﻛﻴﻤﻴﻜﺎل
إدﻳﻮﻛﻴﺸني« ،ﻣﺠﻠﺪ ،٦٢ﻟﻌﺎم ،١٩٨٥ﺻﻔﺤﺔ ،(٢٨٢ﻋﺮض ﻟﻴﻨﻮﻛﺲ ﻋﺪة ﻃﺮق ﻳﻤﻜﻦ
ُ
اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ اﻷوﱃ ﰲ ﻟﻠﻄﻼب ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ اﻻﺳﺘﻌﺪاد ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﺤﻮادث اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ .ﺗﺘﻤﺜﱠﻞ
ﱠ
املﺘﻮﻗﻌﺔ. ﱠ
املﺘﻮﻗﻌﺔ وﻏري ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺗﺪرﻳﺐ ﻋﲆ إﺑﺪاء املﻼﺣﻈﺎت وﺗﺴﺠﻴﻠﻬﺎ ،ﺑﻤﺎ ﰲ ذﻟﻚ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ
وﻳﻘﱰح ﻟﻴﻨﻮﻛﺲ أن ﻫﺬا اﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻳﺘﻄ ﱠﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻟِﺐ اﻻﺣﺘﻔﺎظ ﺑﻤﺬﻛﺮة ﺑﺎملﻌﻤﻞ ،ﺳﻴﺘﺎﺑﻌﻬﺎ
أﻳﻀﺎ ﻋﲆ أﺳﺎس املﺪرب ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻋﲆ أﺳﺎس اﻟﻨﻘﺎط اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ وﻏري اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ،وﻟﻜﻦ ً
املﻬﺎرات اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺈﺑﺪاء املﻼﺣﻈﺎت وﺗﺴﺠﻴﻠﻬﺎ.
ﻳﺠﺐ ﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﻄﻼب ﻋﲆ املﺮوﻧﺔ ﰲ اﻟﺘﻔﻜري واﻟﺘﺄوﻳﻞ؛ ﻓﺎﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﻳﺮى ﻓﻘﻂ
املﺘﻮﻗﻌﺔ وﻳﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ ﺧﺎﻃﺌﺔ ،ﻟﻦ ﻳﺼﻞ إﱃ ﱠ ﻣﺘﻮﻗﻊ وﻳﺘﺠﺎﻫﻞ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻏري ﱠ ﻣﺎ ﻫﻮ
أي اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت .وﻣﻦ واﻗﻊ ﺧﱪﺗﻲ ،ﻟﺪيﱠ ﻣﺜﺎﻻن ﺟﻴﺪان ﻳﺪﻋﻤﺎن ﻫﺬا املﺒﺪأ :ﻗﺎم أﺣﺪ ﻃﻼب
ﻳﺴﺘﻄﻊ ﻃﺎﻟﺐ ِ ً
ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﺗﻮﻗﻌﺘُﻬﺎ .وﺑﻌﺪ ﻓﱰةٍ ،ﻟﻢ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻌﻠﻴﺎ ﺑﺘﺠﺮﺑ ٍﺔ وذ َﻛ َﺮ
آﺧﺮ اﻟﻮﺻﻮ َل إﱃ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ،وﺑﺎﻟﺘﺎﱄ ﻧﻈﺮ إﱃ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ ﻋﲆ أﻧﻬﺎ أُﺟﺮﻳﺖ ﻋﲆ ٍ
ﻧﺤﻮ ﻏري َ
ﺿﻴﻘﺎ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ وأﻧﻪ ذ َﻛ َﺮ ﺑﺎﻟﺨﻄﺄ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ً واﻛﺘﺸﻔﺖ أن اﻟﻄﺎﻟﺐ اﻷول ﻛﺎن ﻳﻌﺎﻧﻲُ ﺻﺤﻴﺢ.
اﻟﺘﻲ ﻗﺎل ﻟﻪ أﺳﺘﺎذه إﻧﻪ ﻳﺘﻮﻗﻌﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ) .ﻟﺤﺴﻦ اﻟﺤﻆ ،أﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻨﴩ اﻟﺒﻴﺎﻧﺎت ﻏري
ﻃﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻟﺐ اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ واﻧﺘﻈﺮﻧﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻢ ﺣﻞ املﺸﻜﻠﺔ ً
ﻻﺣﻘﺎ (.ﻟﻜﻦ ﰲ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔُ ،
ﻆ ﺷﻴﺌًﺎ رأى أﻧﻪ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ وذﻛﺮ ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻟﻜﻨﻪ ﻻﺣَ َ ً أن ﱠ
ﻳﺘﻮﻗﻊ
املﺘﻮﻗﻌﺔ إﱃ ﻣﻔﻬﻮم ﺟﺪﻳﺪ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ﺧﺎرج ﻧﻄﺎق اﻟﱪﻧﺎﻣﺞ اﻟﺒﺤﺜﻲ ﱠ ُ
اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻏري ﻻﺣﻈﻪ ،ﻓﺄد ِﱠت
املﻮﺿﻮع؛ أي إﱃ اﻛﺘﺸﺎف ﺟﺪﻳﺪ.
ﺛﻤﺔ ﻃﺮﻳﻘﺔ أﺧﺮى ﻳﻤﻜﻦ إﻋﺪاد اﻟﻄﺎﻟِﺐ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ،وﻫﻲ
ﻋﱪ ﻋﺎﻟِﻢ اﻟﻔﻴﺰﻳﺎء اﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﺟﻮزﻳﻒ اﻟﺪراﺳﺔ املﺘﺄﻧﻴﺔ واﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺒﺤﺚ املﺨﺘﺎر .ﱠ
ﻫﻨﺮي ﻋﻦ ﻧﻔﺲ ﻓﻜﺮة ﺑﺎﺳﺘري ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻗﺎل» :إن ﺑﺬور اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺗﺤﻮم ﺣﻮﻟﻨﺎ
ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار ،ﻟﻜﻨﱠﻬﺎ ﺗﺴﺘﻘﺮ ﻓﻘﻂ ﰲ اﻟﻌﻘﻮل املﺴﺘﻌِ ﺪة ﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻟﻬﺎ «.ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،ﻣﻊ
ﻃﻔﺎ ﻓﻴﻪ ﻋﻔ ٌﻦ ﰲ أن ﻓﻠﻴﻤﻨﺞ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻋﺎﻣﻞ ﻣﻘﺎوم ﻟﻠﺒﻜﺘريﻳﺎ ﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي َ
ﻃﺒﻖ ﺑﱰي اﻟﺨﺎص ﺑﻪ ،ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎن ﻗﺎرﺋًﺎ وﻣﺪرﺑًﺎ ﺟﻴﺪًا ﰲ ﻣﺠﺎل املﻴﻜﺮوﺑﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ،واﺳﺘﻄﺎع
320
ﺧﺎﺗﻤﺔ
ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻓﻬﻢ ﻣﻌﻨﻰ املﺴﺎﺣﺔ اﻟﺨﺎﻟﻴﺔ ﰲ املﺰرﻋﺔ اﻟﺒﻜﺘريﻳﺔ اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ اﻟﻮﺟﻮد اﻟﻌَ َﺮﴈ
ﻟﻠﻌَ َﻔﻦ.
إن ﺑﻌﺾ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﺘﻲ وﺻﻔﺘُﻬﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﻘﻊ ﺿﻤﻦ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﻮﻫﻤﻴﺔ ،رﺑﻤﺎ ﻟﻢ ﱠ
ﺗﻜﻦ ﻟﺘﺼﺒﺢ اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت إن ﻟﻢ ﻳﻜﻦ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﺣﺪﺛﺖ ﻟﻪ املﺼﺎدﻓﺔ ﻳﺮى أﻧﻬﺎ ﺳﺒﻴﻞ
ﻣﺘﻮﻗﻊ ﻋﲆﱠ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﱃ اﻟﻨﺘﻴﺠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻴﻬﺎ ،ﻣﻊ أن ﻫﺬا اﻟﺴﺒﻴﻞ ﻋَ َﺮﴈ وﻏري
اﻹﻃﻼق .ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ املﺜﺎل ،أدرك ﺟﻮدﻳري ﺑﴪﻋﺔ أن ﻣﺼﺎدﻓﺔ ﺗﺴﺨني املﻄﺎط ﻣﻊ اﻟﻜﱪﻳﺖ
ﺗﺠﻌﻞ ﺗﻄﻮﻳﻊ املﻄﺎط ﻏري ﻣﺘﺄﺛﱢﺮ ﺑﺎﻟﺤﺮارة أو اﻟﱪودة ،وﻫﻮ أﻣﺮ ﻛﺎن ﻳﺴﻌﻰ وراءه ﻟﻌﺪة
اﻟﺴ ْﻜﺐ
ﺗﻮﺻﻞ إﱃ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻻﺧﺘﺒﺎره .وﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻣﻤﺎﺛﻞ ،رأى ﻧﻮﺑﻞ ﰲ ﱠ ﺳﻨﻮات ،وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﱠ
ﺣﻼ ﻣﺤﺘﻤَ ًﻼ اﻟﻌَ َﺮﴈ ﻟﻠﻨﻴﱰوﺟﻠﻴﴪﻳﻦ ﰲ اﻟﻐﻼف ﺑني اﻟﺼﻔﺎﺋﺢ املﻌﺪﻧﻴﺔ ﻟﺤﺎوﻳﺔ ﻣﻌﺪﻧﻴﺔ ٍّ
ﻟﻠﻄﺒﻴﻌﺔ اﻟﺨﻄﺮة ﻟﻠﻤﺎدة املﺘﻔﺠﱢ ﺮة اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻳﺴﻌﻰ ﺳﻌﻴًﺎ ﺣﺜﻴﺜًﺎ وراءﻫﺎ .وﴎﻋﺎن ﻣﺎ ﺗﺮاءى
ﻟﻪ ﻫﺬا اﻻﻛﺘﺸﺎف ﻷﻧﻪ ﺟ ﱠﺮبَ أن ﻳﻤﺰج اﻟﺴﺎﺋﻞ املﺘﻘ ﱢﻠﺐ ﻣﻊ ﻣﻮاد أﺧﺮى ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ،وﻋﺮف
اﻟﻜﻴﻔﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺨﺘﱪ ﺑﻬﺎ ﻫﺬا املﺰﻳﺞ اﻟﺬي ﺗﻜﻮﱠن ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ.
ﻋﲆ اﻟﻨﻘﻴﺾ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ ﺿﻤﻦ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﻮﻫﻤﻴﺔ ،ﺗﻮﺟﺪ
ﱠت إﱃ أﺷﻴﺎءَ ﺟﺪﻳﺪة اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ اﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ؛ أي املﺼﺎدﻓﺎت اﻟﺘﻲ أد ْ
ٍ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﺳﻌﻲ ﴏﻳﺢ ﻟﻠﺘﻮﺻﻞ إﻟﻴﻬﺎ ،واﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ٌ ﱠ
ﻣﺘﻮﻗﻌﺔ ﺗﻤﺎﻣً ﺎ ،وﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻮﺟﺪ ﻏري
َ
أﻫﻤﻴﺔ »وﺟﻮد ﺑﺴﺒﺐ ﻓﻄﻨﺔ اﻟﺸﺨﺺ اﻟﺬي ﺣﺪﺛﺖ ﻟﻪ املﺼﺎدﻓﺔ .ﻻ أﺣﺪ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻨﻜﺮ
اﻟﺸﺨﺺ ﰲ املﻜﺎن اﻟﺼﺤﻴﺢ وﰲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺼﺤﻴﺢ« ،ﻟﻜﻦ ﻳﺠﺐ أن ﺗﻼﺣﻆ ﺟﻴﺪًا أن ووﻟﺒُﻮل
ﻧﻔﺲ املﻜﺎﻧﺔ .ﻓﻘﺪ ﻗﺎل ﻛﻼ ﻣﻦ »املﺼﺎدﻓﺔ« و»اﻟﻔﻄﻨﺔ« َ ﰲ ﺗﻌﺮﻳﻔﻪ ﻟﻠﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ أﻋﻄﻰ ٍّ
ﻟﺼﺪﻳﻘﻪ اﻟﺴري ﻫﻮراس ﻣﺎن إن اﻷﻣﺮاء اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻣﻦ ﴎﻧﺪﻳﺐ »ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻜﺘﺸﻔﻮن ،ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ
واﻟﻔﻄﻨﺔ ،أﺷﻴﺎء ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﺴﻌﻮن وراء اﻛﺘﺸﺎﻓﻬﺎ«.
ﺗﺄﻣﱠ ْﻞ ﻣﻌﻲ ﺑﻌﺾ املﺼﺎدﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﻋﺮﺿﺘﻬﺎ ﰲ اﻟﻜﺘﺎب واﻟﺘﻲ ﻣﻨﻬﺎ :اﻟﺘﻔﺎﺣﺔ اﻟﺘﻲ
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﺳﻴﺎﻧﺎت اﻷﻣﻮﻧﻴﻮم، وﻗﻌﺖ ﻋﲆ اﻷرض ﻋﻨﺪ ﻗﺪم ﻧﻴﻮﺗﻦ ،وإﻧﺘﺎج اﻟﻴﻮرﻳﺎ ﻋﲆ ﻳﺪ ﻓﻮﻟﺮ ً
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ املﺎء ﻋﲆ َ
واﻛﺘﺸﺎف اﻟﺼﺒﻐﺔ اﻷرﺟﻮاﻧﻴﺔ ﻋﲆ ﻳﺪ ﺑريﻛﻦ ،واﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ أﺛﺮﻳﺔ ً
ﻳﺪ ﺷﺨﺺ إﻳﻄﺎﱄ أﺛﻨﺎء ﺣﻔﺮه ﺑﱤًا ،واﻟﻌﺜﻮر ﻋﲆ ﺣﺠﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﻘﻮش ﻏﺮﻳﺒﺔ أﺛﻨﺎء ﺗﺮﻣﻴﻢ
ﺣﺼﻦ ﰲ ﻣﴫ ﻋﲆ ﻳﺪ ﺿﺎﺑﻂ ﻓﺮﻧﴘ ،وإﻟﻘﺎء ﺻﺒﻲ ﻓﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ﺻﺨﺮ ًة ﰲ ﻛﻬﻒ ﻣﻈﻠﻢ
ﻣﺘﻮﻗﻊ ،وﺣﺼﻮل ﺑﺎﺳﺘري ﻋﲆ ﺑﻠﻮرات ذات ﺷﻜﻞ ﻓﺮﻳﺪ ﺑﺴﺒﺐ أن ﱠ وﺳﻤﺎﻋﻪ ﺻﻮﺗًﺎ ﻏري
درﺟﺔ اﻟﺤﺮارة ﻋﲆ إﻓﺮﻳﺰ اﻟﻨﺎﻓﺬة ﻛﺎﻧﺖ أﻗﻞ ﻣﻦ ٧٩درﺟﺔ ﻣﺌﻮﻳﺔ ،واﻟﺸﺎﺷﺔ اﻟﻔﻠﻮرﻳﺔ
ﻣﺘﻮﻗﻊ ،واﻟﺒﻠﻮرات اﻟﻔﻮﺳﻔﻮرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻤﱢ ﺾ ﱠ وﻣﻴﻀﺎ ﰲ اﻟﻈﻼم ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻏريً اﻟﺘﻲ ﺗﺼﺪر
321
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
َﻣﺔ اﻟﺴﻴﺪة اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﰲ ﺣﻠﺐ اﻷﻟﺒﺎن ﻃﺎ ﺑﻐﻄﺎءٍ أﺳﻮد ،وﻣﻼﺣﻈﺔ ﻣﻘﺎو ِ ﻓﻴﻠﻤً ﺎ ﻓﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴٍّﺎ ﻣﺤﺎ ً
ملﺮض ﺧﻄري ﻣﻦ ﻗِ ﺒَﻞ ﻃﺒﻴﺐ رﻳﻔﻲ ،ووﻗﻮع ﻋَ َﻔﻦ ﰲ ﻃﺒﻖ ﺑﱰي ﻣﻔﺘﻮح ﺧﺎص ﺑﻔﻠﻴﻤﻨﺞ،
واﻛﺘﺸﺎف إﺣﺪى اﻷﻟﻴﺎف املﻤﻄﻮﻃﺔ اﻟﻘﻮﻳﺔ ﺑﺼﻮرة ﻏري ﻣﻌﺘﺎدة ﻋﲆ ﻳﺪ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻴني ﰲ ﴍﻛﺔ
ﺛﻘﻴﻼ ﰲ املﻌﻤﻞ ،واﻛﺘﺸﺎف ﻋﺪم ﺧﺮوج ﻏﺎز ﻣﻦ ً دو ﺑﻮﻧﺖ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻤﺰﺣﻮن ﻣﺰاﺣً ﺎ
آﺧﺮ ﰲ ﴍﻛﺔ دو ﺑﻮﻧﺖ ،وﺗﻜﻮﱡن أﺳﻄﻮاﻧﺔ )ﺣﺘﻰ ﰲ ﺣﺎﻟﺔ ﻋﺪم ﺧﻠﻮﻫﺎ( ﻋﲆ ﻳﺪ ﻛﻴﻤﻴﺎﺋﻲ َ
ﻣﺘﻮﻗﻊ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﴪب أو ﺗﻠﻮث ﰲ أداة اﻟﺒﺤﺚ ،واﻟﻮﺟﻮد اﻟﻌَ َﺮﴈ ﱠ اﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮات ﻋﲆ ﻧﺤﻮ ﻏري
ملﻠﻮﱢث ﰲ ﻣﺎدة ﺑﺎدﺋﺔ ﻷﺣﺪ اﻹﺛريات »اﻟﺘﺎﺟﻴﺔ« اﻟﺠﺰﻳﺌﻴﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة.
ﻛﺎن ﻣﻦ املﻤﻜﻦ أن ﺗﻤﺮ ﺗﻠﻚ املﺼﺎدﻓﺎت ﻣﺮو ًرا ﻋﺎﺑ ًﺮا دون أن ﻳﻨﺘﺒﻪ إﻟﻴﻬﺎ أﺣﺪ ،وأن
ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ذﻟﻚ ،وﺑﻔﻀﻞ ﻓﻄﻨﺔ اﻷﺷﺨﺎص أﺣﺪاث ﻋَ َﺮﺿﻴﺔ ﻻ أﻫﻤﻴﺔ ﻟﻬﺎ .ﻟﻜﻦ ًٍ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﺠﺮد
اﻟﺬﻳﻦ ﺻﺎدﻓﻮﻫﺎ ،ﺗﻮاﻓﺮ ﻟﺪﻳﻨﺎ اﻵن ﺗﻔﺴريٌ ﻟﻠﻘﻮاﻧني اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤ ﱠﻜﻢ ﰲ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﻜﻮاﻛﺐ ،ورﻛﻴﺰة
َ
اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑني اﻟﱰﻛﻴﺐ أﺳﺎس ﻋﻘﻼﻧﻲ ،وﺑﺪأﻧﺎ ﻧﻔﻬﻢ ٍ ﻟﻌﻠﻢ اﻟﻜﻴﻤﻴﺎء اﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﺗﺴﺘﻨﺪ إﱃ
اﻟﺠﺰﻳﺌﻲ واﻟﻨﺸﺎط اﻟﻔﺴﻴﻮﻟﻮﺟﻲ .ﻛﻤﺎ أﺻﺒﺤﺖ ﻟﺪﻳﻨﺎ اﻵن ﺻﺒﻐﺎت ﺟﻤﻴﻠﺔ ﰲ ﻣﺘﻨﺎول
اﻟﺠﻤﻴﻊ وﻟﻴﺲ ﻃﺒﻘﺔ اﻷﺛﺮﻳﺎء ﻓﻘﻂ ،وﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺣﻮل ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﺤﻀﺎرات اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ وﻟﻐﺘﻬﺎ،
وأﺷﻌﺔ إﻛﺲ ودورﻫﺎ ﰲ اﻟﺘﺸﺨﻴﺺ واﻟﻌﻼج اﻟﻄﺒﻲ ،وﻃﺎﻗﺔ ﻧﻮوﻳﺔ وﻧﺸﺎط إﺷﻌﺎﻋﻲ،
وﺗﻄﻌﻴﻤﺎت ﺿﺪ اﻟﺠُ ﺪري وأﻣﺮاض أﺧﺮى ،ودواءٌ ﺳﺤﺮي ﻳﺘﻤﺜﻞ ﰲ اﻟ ِﺒﻨﺴﻠني وﻣﺎ ﺗﻼه ﻣﻦ
أدوﻳﺔ ،وأﺻﺒﺤﻨﺎ ﻧﺴﺘﺨﺪم اﻟﻨﺎﻳﻠﻮن واﻟﺒﻮﻟﻴﺴﱰ ﰲ ﺻﻨﺎﻋﺔ املﻼﺑﺲ ،واﻟﺘﻴﻔﻠﻮن ﰲ ﺻﻨﺎﻋﺔ
اﻟﻘﻼﻳﺎت وﺻﻤﺎﻣﺎت اﻟﻘﻠﺐ ،واﻟﺒﻮﻟﻴﻤﺮات اﻷﺧﺮى ﰲ ﺗﺼﻨﻴﻊ أﻛﻴﺎس اﻟﻘﻤﺎﻣﺔ اﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ ﱠ
وﺻﻨﺎدﻳﻖ اﻟﺜﻠﺞ وﻋﺰل اﻟﺮادار وﺣﺒﺎل اﻟﺘﺰ ﱡﻟﺞ ﻋﲆ املﺎء واﻟﺪروع اﻟﻮاﻗﻴﺔ ﻣﻦ اﻟ ﱠﺮﺻﺎص
ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻟﺠﺰﻳﺌﺎت املﺼﻨﱠﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ املﻔﱰَض أن ﺗﺤﺎﻛﻲ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت ً وﻧﻮاﻓﺬ اﻟﻄﺎﺋﺮات.
اﻟﺤﻴﻮﻳﺔ ﻟﻺﻧﺰﻳﻤﺎت اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ.
ﺗﻮﺻﻞ إﻟﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﻫﺬه ﻣﺠﺮد ﻓﻮاﺋﺪ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻟﻠﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ ،ودورﻫﺎ ﰲ اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﱠ
اﻷﺷﺨﺎص املﻮﻫﻮﺑني ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ واﻟﻔﻄﻨﺔ اﻟﺒﺤﺘﺔ وﻛﺎﻧﻮا ﻻ ﻳﺴﻌﻮن ﰲ اﻷﺳﺎس وراء
اﻵﺧﺮ ﺗ ﱠﻢ ﻣﺆﺧ ًﺮا .وﻟﻘﺪ ﺷﻬﺪتاﻛﺘﺸﺎﻓﻬﺎ .ﺗ ﱠﻢ ﺑﻌﺾ ﻫﺬه اﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻣﻨﺬ ﻗﺮون ،واﻟﺒﻌﺾ َ
ﻣﺬﻫﻼ ﰲ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﴩﻳﻦ ،وﻻ ً ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻨﺎ ﰲ ﻣﺠﺎﻻت اﻟﻌﻠﻢ واﻟﻄﺐ واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻧﻤﻮٍّا
ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﺗﺼ ﱡﻮ ُر اﻟﺘﻘﺪﱡم اﻟﺬي ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺤﺪث ﰲ املﺴﺘﻘﺒﻞ؛ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺤﺎل — ﻋﲆ ﺳﺒﻴﻞ
واﻟﺘﻮﺻﻞ إﱃ ﻋﻼج ﻟﻠﴪﻃﺎن .ﻟﻜﻦ ﱡ املﺜﺎل — ﰲ ﻣﺠﺎل اﻟﺴﻔﺮ ﻋﱪ اﻟﻔﻀﺎء ﺑني اﻟﻜﻮاﻛﺐ
اﻟﴚء املﺆ ﱠﻛﺪ أن وﻗﻮع اﻷﺣﺪاث اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ ﺳﻮف ﻳﺘﻮاﱃ ،وﻣﻊ وﺟﻮد اﻟﻌﻘﻮل اﻟﺒﴩﻳﺔ اﻷﻛﺜﺮ
ﻧﺘﻮﻗﻊ أن ﺗﺘﺤﻮﱠل ﺗﻠﻚ »اﻷﺣﺪاث اﻟﻌَ َﺮﺿﻴﺔ« إﱃ »اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت« ﻣﺬﻫﻠﺔ اﺳﺘﻌﺪادًا ﻣﻦ ذي ﻗﺒﻞ ﱠ
ﺗﻔﻮق ﺗﺨﻴﱡﻼﺗﻨﺎ ،واﻟﺒﻄﻞ ﰲ ﻫﺬه اﻟﻘﺼﺺ ﻛ ﱢﻠﻬﺎ ﻫﻮ اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ.
322
ﻣﺮاﺟﻊ وﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ:ﻣﻠﺤﻖ
ٌ
ﻣﺮﻳﺾ ﻫﻨﺪي ﻳﻜﺘﺸﻒ اﻟﻜﻴﻨني (3)
324
ﻣﺮاﺟﻊ وﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ:ﻣﻠﺤﻖ
Shapiro, Gilbert. A Skeleton in the Darkroom. San Francisco: Harper & Row,
1986. Chapter 2.
اﻷﻛﺴﺠني
Farber, E., ed. Great Chemists. New York: Interscience, 1961. This book
offers articles on Joseph Priestley, Carl Wilhelm Scheele, Joseph Louis
GayLussac, and Humphry Davy.
Moore, F. J. A History of Chemistry. 1st ed. New York: McGraw-Hill Co.,
1918.
Priestley, Joseph. Experiments and Observations on Different Kinds of Air.
Reprint No. 7. London: Alembic Club. This reprint gives the portions
directly related to the discovery of oxygen.
Rhees, David J. “A Catalogue to an Exhibit Celebrating the 250th Birthday
of Joseph Priestley and the Inauguration of the Center for History
325
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
326
ﻣﺮاﺟﻊ وﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ:ﻣﻠﺤﻖ
املﻄﺎط اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ
Berenbaum, M. B. Encyclopedia of Polymer Science and Technology. Vol. 11.
New York: Wiley-lnterscience, 1969. Pp. 425–447.
Gaylord, N. G., ed. Polyethers. New York: Wiley-Interscience, 1962. Chap-
ter 13.
Marvel, C. S. “The Development of Polymer Chemistry in America—The
Early Days.” Journal of Chemical Education 58 (July 1981): 535.
327
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
328
ﻣﺮاﺟﻊ وﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ:ﻣﻠﺤﻖ
Bergengren, Erik. Alfred Nobel, The Man and His Work. 1st English ed.
London: Thos. Nelson and Sons, Ltd., 1962.
Henriksson, F. The Nobel Prizes and Their Founder, Alfred Nobel. Stock-
holm: Alb. Bonniers, 1938.
Nobel Foundation, ed. Nobel, The Man and His Prizes. Amsterdam: Elsevier
Publishing Co., 1962.
Halasz, N. Nobel: A Biography of Alfred Nobel. New York: Orion Press,
1959.
Sohlman, R. and H. Schuck. Nobel, Dynamite and Peace. New York: Cos-
mopolitan Book Corp., 1929.
Pauli, H. E. Alfred Nobel, Dynamite King—Architect of Peace. New York:
L. B. Fischer, 1942.
329
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﱠ
ﻣﺘﻮﻗﻌﺔ ﺣﻔﺮ ﺗﻘﻮد إﱃ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻏري
ٍ ﻋﻤﻠﻴﺎت
Hao, Q., C. Heyi, and R. Suichu. Out of China’s Earth. New York: Harry
N. Abrams, Inc., and Beijing: China Pictorial, 1981. P. 65.
“Neanderthal Man.” Encyclopaedia Britannica. 1962. Vol. 16.
Weaver, Kenneth F. “The Search for Our Ancestors.” National Geographic
(November 1985).
Austin American-Statesman (8, 9, 11 January 1985; 14 August 1987; 31
January 1988).
Washington Post (January 13, 1985).
اﻷوﻻد واﻟﻜﻬﻮف
Tushingham, A. Douglas. “The Men Who Hid the Dead Sea Scrolls.”
National Geographic (December 1958).
330
ﻣﺮاﺟﻊ وﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ:ﻣﻠﺤﻖ
ﻏﻮﱠاﺻﻮ اﻹﺳﻔﻨﺞ
Bass, George F. “Oldest Known Shipwreck Reveals Splendors of the Bronze
Age.” National Geographic (December 1987).
Katzev, Michael L. “Resurrecting the Oldest Known Greek Ship.” National
Geographic (June 1970).
Throckmorton, Peter. “Oldest Known Shipwreck Yields Bronze Age Car-
go.” National Geographic (May 1962).
. “Thirty-three Centuries Under the Sea.” National Geographic (May
1960).
Weaver, Kenneth F. “The Search for Our Ancestors.” National Geographic
(November 1985).
ٌ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻓﻠﻜﻴﺔ وﻟﻴﺪة املﺼﺎدﻓﺔ (19)
Hannan, Patrick J., Rustum Roy, and John F. Christman. “Serendipity in
Chemistry, Astronomy, Defense, and Other Useless Fields.” Chemtech
(July 1988): 402. Several other serendipitous discoveries, including
others in astronomy, are described.
Shipman, Harry L. Black Holes, Quasars, and the Universe. 2d ed., Boston:
Houghton Mifflin Co., 1980. P. 51ff.
Trefil, James S. The Moment of Creation. New York: Collier Books, Mac-
millan Publishing Co., 1983. Chapter 1.
ٌ
اﻛﺘﺸﺎﻓﺎت ﻃﺒﻴﺔ وﻟﻴﺪة املﺼﺎدﻓﺔ (20)
اﻷﻧﺴﻮﻟني
331
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
Cohen, Sidney. The Beyond Within: The LSD Story. New York: Atheneum,
1970. Chapters 1 and 9.
332
ﻣﺮاﺟﻊ وﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ:ﻣﻠﺤﻖ
333
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
334
ﻣﺮاﺟﻊ وﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ:ﻣﻠﺤﻖ
( زﺟﺎج اﻷﻣﺎن23)
“Glass.” Encyclopaedia Britannica. IX Edition. 1878. Vol. 10.
“Glass.” Encyclopaedia Britannica. 1962. Vol. 10.
Boyd, David C., and David A. Thompson. “Glass.” Encyclopedia of Chemical
Technology. Vol. 11. 3d ed. New York: John Wiley and Sons, 1982.
Lavin, Edward, and James A, Snelgrove. “Vinyl Polymers.” Encyclopedia of
Chemical Technology. Vol. 23. 3d ed. New York: John Wiley and Sons,
1982.
Sowers, Robert M. “Laminated Materials, Glass.” Encyclopedia of Chemical
Technology. Vol. 13. 3d ed. New York: John Wiley and Sons, 1982.
Wilson, J. “Safety Glass: Its History, Manufacture, Testing, and Develop-
ment. Journal of the Society of Glass Technology 16 (1932): 67.
335
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
336
ﻣﺮاﺟﻊ وﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ:ﻣﻠﺤﻖ
337
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
أﻣﺮاض أﺧﺮى
ٍ ( أدوﻳﺔ اﻛﺘُ ِﺸﻔﺖ ﺑﺎملﺼﺎدﻓﺔ ﻓﺎﺋﺪﺗُﻬﺎ ﰲ ﻋﻼج29)
اﻷﺳﱪﻳﻦ
Badger, G. M. In Proceedings of the Royal Australian Chemical Institute.
October 1973. P. 273.
Van, Jon (Chicago Tribune Service). Austin American-Statesman (February
16, 1988): C9.
338
ﻣﺮاﺟﻊ وﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ:ﻣﻠﺤﻖ
339
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
اﻟﺴﻴﻜﻠﻮﺳﺒﻮرﻳﻦ
Borel, J. F. In Cyclosporin A: Proceedings of an International Conference on
Cyclosporin A, Cambridge, England, edited by D. J. G. White. Amster-
dam: Elsevier Biomedical Press, 1982.
Kolata, Gina. “Drug Transforms Transplant Medicine.” Science (July 1983):
40.
340
ﻣﺮاﺟﻊ وﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ:ﻣﻠﺤﻖ
ﺗﺼﻨﻴﻊ اﻷﻟﻜﻴﻨﺎت
March, J. Advanced Organic Chemistry. 2d ed. New York: Wiley-
Interscience, 1985. P. 845.
Wittig, G., and G. Geissler. “The Course of Reactions of Pentaphenylphos-
phorus and Certain Derivatives.” Annalen der Chemie 580 (1953): 44.
Wittig, G., and U. Schoellkopf. “Triphenylphosphinemethylene as an Ole-
finforming Reagent.” Chemische Berichte 97 (1954): 1318.
Wittig, G. “Variationen zu einem Thema von Staudinger; ein Beitrag zur
Geschichte der Phosphororganischen Carbonylolefinierung.” Pure
and Applied Chemistry 9 (1964): 245. Contains a summary in English.
“Nobel Prizes.” Encyclopaedia Britannica, Yearbook for 1980. P. 101.
341
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
املﻼﺣﻈﺎت اﻟﻼﺻﻘﺔ
ٍ
وأﺣﺪاث ٍ
واﻋﺘﻘﺎدات ﺧﺎﻃﺌﺔ ٍ
ﺗﺼﻮرات ( ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺘﺼﻨﻴﻊ اﻟﺤﻴﻮي اﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ35)
ﻋﺎرﺿﺔ
342
ﻣﺮاﺟﻊ وﻗﺮاءات إﺿﺎﻓﻴﺔ:ﻣﻠﺤﻖ
343
اﻟﴪﻧﺪﻳﺒﻴﺔ
ﺧﺎﺗﻤﺔ
344