You are on page 1of 17

‫ﻓﻠﺳطﯾن ـ ﻧﺎﺑﻠس‬

‫ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻧﺟﺎح اﻟوطﻧﯾﺔ ـ ﻛﻠﯾﺔ اﻵداب‬


‫ﻗﺳم ﻋﻠم اﻻﺟﺗﻣﺎع واﻟﺧدﻣﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‬
‫ﻣؤﺗﻣر ‪ :‬اﺑن ﺧﻠدون ‪ :‬ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺷرق واﻟﻐرب‬
‫ﻧوﻓﻣﺑر ‪2012‬‬

‫اﺑن ﺧﻠدون ‪:‬‬


‫ﻣﺻﻧﻔًﺎ ﻟﻠﻌﻠوم واﻟﻣﻌﺎرف‬

‫ﺑﻘﻠم‬
‫ﻣﺻطﻔﻰ ﯾﺳري ﻋﺑد اﻟﻐﻧﻲ‬
‫ﺑﺎﺣث أﻛﺎدﯾﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‬
‫‪ayusri_a@yahoo.com‬‬
‫‪mostafayusri@gmail.com‬‬

‫ﻋﻧوان اﻟﻣراﺳﻼت ‪:‬‬


‫‪ 14‬ﺷﺎرع ﻣﺣﻣد ﺷﺎﻛر ‪ /‬اﻟﺣﻠﻣﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة ‪ /‬ﺑرﯾد اﻟﻘﻠﻌﺔ )‪ / ( 11411‬اﻟﻘــﺎﻫرة ‪ /‬ﻣﺻــر ‪ .‬ﻫــﺎﺗف ‪:‬‬
‫‪ 23176705‬ﻣﺣﻣول ‪01006412725 :‬‬
‫أﻣﺎ ﺑﻌد ‪:‬‬
‫أﻣر راﺋﻊ أن ﺗﻬﺗم ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻧﺟﺎح اﻟوطﻧﯾﺔ ﺑﻌﻠﻣــﺎء اﻷﻣﺗــﯾن اﻟﻌرﺑﯾــﺔ واﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ‪،‬‬
‫وأن ﺗﻘف ﻋﻠﻰ ﺣﯾﺎﺗﻬم وﻣؤﻟﻔﺎﺗﻬم وﺗرﺻد آﺛﺎرﻫم ﻟﺗﻛون ﺧﯾر زاد ﻓﻛري وﺛﻘــﺎﻓﻲ ﻟﻸﺟﯾــﺎل‬
‫اﻟﻘﺎدﻣ ــﺔ ‪ ،‬آﻣﻠـ ــﯾن أن ﺗﺣ ــذو اﻟﺟﺎﻣﻌـ ــﺎت اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ واﻹﺳ ــﻼﻣﯾﺔ اﻷﺧ ــرى ﺣ ــذوﻫﺎ ﻓـ ــﻲ ﻫـ ــذا‬
‫اﻟﻣﺿﻣﺎر ‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻧﻘــﺎوم ﺑﺷــﻛل ﻋﻠﻣــﻲ ﻣــدروس اﻟﻣـؤاﻣرات اﻟﺗــﻲ ﺗﺣــﺎك ﻟﻧــﺎ واﻟﻬﺎدﻓــﺔ إﻟــﻰ‬
‫إﺿﺎﻋﺔ ﻫوﯾﺗﻧﺎ وأﺻﺎﻟﺗﻧﺎ ‪.‬‬
‫وﻫﺎ ﻫو اﻟﻌﻼﻣﺔ ‪ /‬اﺑن ﺧﻠدون )ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺷرق واﻟﻐرب ( ﯾــدﺧل داﺋـرة ﻫــذا اﻻﻫﺗﻣــﺎم‬
‫اﻟﻣﺷ ـﻛور ‪ ،‬ﻓﯾﻧﻌﻘــد ﻫــذا اﻟﻣﺣﻔــل اﻟﻌﻠﻣــﻲ اﻟﻣﯾﻣــون ﻟﻠوﻗــوف ﻋﻠــﻰ ﺣﯾــﺎة اﺑــن ﺧﻠــدون ﻓــﻲ‬
‫اﻟذﻛرى اﻟﻣﺋوﯾﺔ اﻟﺳﺎدﺳﺔ ﻟوﻓﺎﺗﻪ ‪.‬‬
‫وﻛـ ــذﻟك اﻟوﻗـ ــوف ﻋﻠـ ــﻰ أﻋﻣﺎﻟـ ــﻪ واﻟﺗﻌـ ــرف ﻋﻠـ ــﻰ ﺟﻬـ ــودﻩ ﻓـ ــﻲ اﻟﻔﻠﺳـ ــﻔﺔ واﻟﺗـ ــﺎرﯾﺦ‬
‫واﻻﺟﺗﻣــﺎع واﻟﺳﯾﺎﺳــﺔ واﻻﻗﺗﺻــﺎد واﻟﻌﻠــوم واﻟﻔﻧــون ‪ ،‬وﻋﻠــﻰ آ ارﺋــﻪ ﻓــﻲ اﻟﻔﻛــر اﻻﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ‬
‫واﻟﺗﻲ أﺻﺑﺣت ﺑﺷﻬﺎدة اﻟﻘﺎﺻﻲ واﻟداﻧﻲ رﻛﯾزة ﻓﻲ اﻟﻔﻛر اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻــر ‪ ،‬ﯾﺿــﺎف‬
‫إﻟﻰ ذﻟك إﺑداﻋﺎﺗﻪ واﺑﺗﻛﺎراﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﻌﻠوم اﻷﺧرى ‪...‬‬
‫ﻟﻘد ﻧﺑﻎ اﺑن ﺧﻠدون ﻛراﺋد ﻟﻌﻠم اﻻﺟﺗﻣﺎع اﻟﺗطﺑﯾﻘــﻲ واﻟﻌﻼﺟــﻲ ‪ ،‬وﻛﻣــؤرخ وﻣرﺑــﻲ‬
‫‪ ،‬وﻛﻠﻐوي وﻓﻘﯾﻪ ‪ ،‬وﻛﺄدﯾب وﻓﯾﻠﺳوف ‪ ،‬وﻛدﺑﻠوﻣﺎﺳﻲ وﺳــﻔﯾر ‪ ،‬ورﺟــل ﻋﻼﻗــﺎت ﻋﺎﻣــﺔ ‪،‬‬
‫ﺟﺎﻧﺑﺎ ﻟم ﺗﺳط اﻷﺿواء ﻋﻠﯾﻪ ﺑﺷﻛل ﻛﺎف ﻓــﻲ ﻓﻛــر اﺑــن ﺧﻠــدون اﻟﻣوﺳــوﻋﻲ‬‫وﻟﻛن ﻫﻧﺎك ً‬
‫‪ ،‬وﻧﻘﺻد ﺑﻪ )اﺑن ﺧﻠدون ﻛﻣﺻﻧف ﻟﻠﻌﻠوم واﻟﻣﻌﺎرف( ‪ ،‬وﻫــذا ﻣــﺎ ﺣﺎوﻟﻧــﺎ اﻟوﻗــوف ﻋﻠﯾــﻪ‬
‫ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺑﺣث اﻟﻣﺗواﺿﻊ ‪..‬‬
‫ﺣﯾــث ﻋرﻓﻧــﺎ ﺑﻌﻠــم ﺗﺻــﻧﯾف اﻟﻌﻠــوم )اﻟﺑﺑﻠوﺟراﻓﯾــﺎ( ﻛﺣﻠﻘــﺔ ﻣــن ﺣﻠﻘــﺎت إﺳــﻬﺎﻣﺎت‬
‫اﻟﻣﺳ ــﻠﻣﯾن ﻓ ــﻲ اﻟﺣﺿ ــﺎرة اﻹﻧﺳ ــﺎﻧﯾﺔ ‪ ،‬وذﻟ ــك ﻓ ــﻲ اﻟﻠﻐ ــﺔ واﻻﺻ ــطﻼح ‪ ،‬وﺑ ــﺄﻫم اﻟﻌﻠﻣ ــﺎء‬
‫واﻟﻣﻔﻛـرﯾن اﻟــذﯾن ﻛﺗﺑـوا ﻓﯾــﻪ ‪ ،‬ﺑﻌــد ذﻟـك ﺑﺣﺛﻧــﺎ ﻓــﻲ ﺗﻘﺳــﯾم اﻟﻌﻠــوم ﻋﻧــد اﺑــن ﺧﻠــدون ﺳـواء‬
‫ﻛﺎن ﺻﻧف اﻟﻌﻠوم اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ‪ ،‬أو ﺻﻧف اﻟﻌﻠوم اﻟﻣﺄﺧوذة ﻋن اﻟﺷﺎرع ‪....‬‬
‫ﺛم ﺗﻌرﯾف اﺑن ﺧﻠدون ﻟﻛل ﻋﻠم ﻣن ﻫذﻩ اﻟﻌﻠوم‪ ،‬وﺗﻘدﯾﻣﻪ ﻟﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻌﻠم‬
‫وﺗطورﻩ وﻓﺎﺋدﺗﻪ وأﻫم أﻋﻼﻣﻪ‪...‬‬
‫وﻗﻣﻧﺎ ﺑﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﯾن ﺗﺻﻧﯾف اﺑن ﺧﻠدون ﻟﻠﻌﻠوم واﻟﻣﻌﺎرف واﻟذي ﺟﺎء ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺗﻪ‬
‫اﻟﺷــﻬﯾرة ‪ ،‬و ﺗﺻــﻧﯾف اﻟﻌﻠﻣــﺎء اﻟــذﯾن ﻛــﺎﻧوا ﻣــن ﻗﺑﻠــﻪ أو اﻟــذﯾن ﺟــﺎءوا ﻣــن ﺑﻌــدﻩ ‪ ،‬ﻣــن‬

‫‪2‬‬
‫أﻣﺛــﺎل ‪ :‬اﻟﻛﻧــدي ‪ ،‬واﻟﻔــﺎراﺑﻲ ‪ ،‬واﻟﺧـوارزﻣﻲ ‪ٕ ،‬واﺧـوان اﻟﺻــﻔﺎ ‪ ،‬واﺑــن ﺳــﯾﻧﺎ ‪ ،‬واﻟﻐ ازﻟــﻲ ‪،‬‬
‫واﺑــن ﺳــﺎﻋد اﻷﻧﺻــﺎري ‪ ،‬واﻟﻘﻠﻘﺷــﻧدي ‪ ،‬واﻟﺗﻬــﺎﻧوي ‪ ،‬واﺑ ــن اﻟﻧــدﯾم ‪ ،‬وطﺎﺷــﻛﺑري زادة ‪،‬‬
‫وﺣﺎﺟﻲ ﺧﻠﯾﻔﺔ ‪ ...‬وﻏﯾرﻫم ‪...‬‬
‫ﻟﻘد وﺟدﻧﺎ أﻧﻪ ﻟم ﯾﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻠوم اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻓﻘــط ‪ٕ ،‬واﻧﻣــﺎ أﺛﺑــت ﻣﻌﻬــﺎ ﻣــﺎ ﻛــﺎن‬
‫ﻣﻘدﻣــﺔ ﻟﻬ ــﺎ وﺿ ــرورة ‪ ،‬ﺣﯾــث أن ﻋﻣﻠﯾ ــﺔ ﺗﺣﺻ ــﯾل اﻟﻌﻠــوم ﻻ ﯾﻣﻛــن أن ﺗ ــﺗم إﻻ ﺑﻣﻌرﻓ ــﺔ‬
‫ﻣﻘدﻣﺎﺗﻬﺎ ‪ ،‬ﻓﻬو ﯾدرج اﻟﻌﻠوم اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ ﻟﻠﻌﻠوم اﻷﺧرى ‪.‬‬
‫ﻧﺎﺗﺟــﺎ ﻣــن اﻟﺧطــﺔ اﻟﻌﺎﻣــﺔ ﻟﺗﻔﻛﯾــر اﺑــن‬
‫وﻗــد ﺧرﺟﻧــﺎ ﺑﻧﺗﯾﺟــﺔ ﻣؤداﻫــﺎ أن ﻫ ـذا ﻛــﺎن ً‬
‫ﺧﻠدون‪ ،‬ﻛﻌﺎﻟم وﻣﻔﻛر‪ ،‬ﺣﯾث أراد أن ﯾﻣﻬد ﻟﻛل ﻋﻠــم ﺑﻣﻘدﻣــﺔ ﺿــرورﯾﺔ ﻟــﻪ‪ ،‬وﻣﺛــﺎل ﻋﻠــﻰ‬
‫ذﻟك ﺗﻣﻬﯾدﻩ ﻟﻌﻠم اﻟﺗﺎرﯾﺦ‪..‬‬
‫إن ﻣﻘدﻣــﺔ اﺑــن ﺧﻠــدون ﻣــن ﺧﯾــر ﻣــﺎ ﻛﺗــب ﻓــﻲ ﻋﻠــوم اﻹﻧﺳــﺎن ﻓــﻲ اﻟﻌﺻــر اﻟــذي‬
‫ﻛﺗﺑت ﻓﯾﻪ ‪ ،‬ﻣﻣﺛﻠﺔ ﻷدق اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻌﻠﻣﯾــﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ واﻟﺗﺎرﯾﺧﯾــﺔ واﻟﻔﻛرﯾــﺔ ‪ ،‬وﺑﻣﻌﻧــﻰ‬
‫آﺧــر ﻫــﻲ ﺧﯾ ــر دﻟﯾــل ﻟﻣــن أراد اﻻطــﻼع ﻋﻠ ــﻰ أﺣ ـوال وﺻــﻧوف وأﻧ ـواع اﻟﻣﻌرﻓــﺔ ﻓــﻲ‬
‫ﻋﺻر اﺑن ﺧﻠدون ‪ ،‬وﻟﻌل ذﻟك ﺳر ﺑﻔﺎﺋﻬﺎ ﺑﻘﯾﻣﺗﻬﺎ اﻟﻔﻛرﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﻋﺻرﻧﺎ اﻟراﻫن ‪..‬‬
‫وﻓﻲ رأﯾﻧﺎ اﻟﻣﺗواﺿﻊ أﻧﻪ ﺑــﺎﻟرﻏم ﻣﻣــﺎ ﻛﺗــب ﻋــن ﻫــذا اﻟﻌــﺎﻟم اﻟﺟﻠﯾــل ﻓــﺈن دورﻩ ﻓــﻲ‬
‫ﻣﺟــﺎل ﺗﺻــﻧﯾف اﻟﻌﻠــوم واﻟﻣﻌــﺎرف ‪ ،‬ﻟــم ﯾﺄﺧــذ ﺣظــﻪ ﻣــن اﻟﺑﺣــث واﻟــدرس ‪ ،‬وﺑﺎﻟــذات إذا‬
‫أردﻧــﺎ أن ﻧــدرس ﺑﺣــق ﻛــل اﻟﻣﺟــﺎﻻت اﻟﺗــﻲ أﺑــدع ﻓﯾﻬــﺎ اﺑــن ﺧﻠــدون ‪ ،‬وأﺛــرى ﻣــن ﺧﻼﻟﻬــﺎ‬
‫أﺣوال اﻟﻣﻌرﻓــﺔ اﻹﻧﺳــﺎﻧﯾﺔ ﻓــﻲ ﻋﺻـرﻩ ‪ ،‬وﻓﯾﻣــﺎ أﺗــﻰ ﺑﻌــدﻩ ﻣــن ﻋﺻــور ‪ ،‬آﻣﻠــﯾن أن ﻧوﻓــق‬
‫ﻓﻲ اﻟوﻗوف ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﺟﺎﻧب اﻟﻣﻬم ‪...‬‬
‫اﺑن ﺧﻠدون ‪ :‬ﺗﻌرﯾف اﻟﻣﻌرف ﺑﻪ ‪:‬‬
‫ﻫــو ﻋﺑــد اﻟــرﺣﻣن أﺑــو زﯾــد وﻟــﻲ اﻟــدﯾن ‪ ،‬وﯾﻧﺗﻣــﻲ اﺑــن ﺧﻠــدون إﻟــﻰ أﺳـرة اﺳــﺗﻘرت‬
‫ﻓــﻲ ﻣدﯾﻧــﺔ اﺷــﺑﯾﻠﯾﺔ اﻷﻧدﻟﺳ ــﯾﺔ ‪ ،‬إذ ﻫــﺎﺟر ﺟــدﻩ ﻣــن اﻟــﯾﻣن إﻟ ــﻰ اﻷﻧــدﻟس ‪ ،‬ﺛ ــم اﻧﺗﻘﻠــت‬
‫اﻷﺳرة إﻟﻰ ﺗوﻧس ‪ ،‬وﺑﻬذﻩ اﻟﻣدﯾﻧﺔ وﻟد ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﺑن ﺧﻠدون ﺳﻧﺔ ‪ 732‬ﻫ ـ = ‪1332‬‬
‫م ‪ ،‬وﺑﻌد أن ﺗﻠﻘﻰ اﻟﻌﻠم ﻋﻠﻰ ﯾد طﺎﺋﻔﺔ ﻣن ﻋﻠﻣﺎء ﺗوﻧس واﻟﻣﻐرب ‪ ،‬ﺗﻘﻠد ﻋــدة وظــﺎﺋف‬
‫ﻓﻲ ﺑﻼط ﻣﻠك ﺗوﻧس ‪ ،‬وارﺗﺣل إﻟﻰ ﺑﺳﻛوة ﺑﻌد ﻧﺷوب اﻻﺿطراﺑﺎت ﻓﻲ ﺗوﻧس ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ﺛم ﺗﻧﻘل ﻓﻲ وظﺎﺋف ﻣﻬﻣﺔ ﻋﻧد اﻟﺳﻼطﯾن ﻓﻲ ﻓﺎس وﻏرﻧﺎطــﺔ وﺑﯾﺟﺎﯾــﺔ وﺗﻠﻣﺳــﺎن‬
‫‪ ،‬ﻏﯾر أﻧــﻪ اﺗﻬــم ﺑﺎﻻﺷــﺗراك ﻓــﻲ اﻟﻣـؤاﻣرات واﻟدﺳــﺎﺋس ‪ ،‬ﻣﻣــﺎ أدى آﺧــر اﻷﻣــر إﻟــﻰ ﻧﻔﯾــﻪ‬
‫إﻟﻰ ﺑﺳﻛوة ‪.‬‬
‫وارﺗﺣل اﺑن ﺧﻠدون ﺳﻧﺔ ‪ 784‬ﻫـ = ‪ 1383‬م ﻟﯾــؤدي ﻓرﯾﺿــﺔ اﻟﺣــﺞ ‪ ،‬ﻏﯾــر أﻧــﻪ‬
‫ﺗوﻗف ﻓﻲ ﻣﺻر ‪ ،‬ﻓﺗوﻟﻰ اﻟﺗــدرﯾس ﺑﺎﻟﺟــﺎﻣﻊ اﻷزﻫــر اﻟﺷـرﯾف ‪ ،‬واﻟﻣدرﺳــﺔ اﻟﻘﻣﺣﯾــﺔ ‪ ،‬ﺛــم‬
‫ﻋﯾﻧﻪ اﻟﺳﻠطﺎن ﺑرﻗــوق ﻗﺎﺿــﻲ ﻗﺿــﺎة اﻟﻣﺎﻟﻛﯾــﺔ ‪ ،‬وﻟــم ﯾﻐــﺎدر ﻣﺻــر إﻻ ﻟﻠﺣــﺞ ‪ ،‬وﺻــﺣﺑﻪ‬
‫اﻟﺳ ــﻠطﺎن إﻟ ــﻰ دﻣﺷ ــق ﺣﯾ ــث اﻟﺗﻘ ــﻰ ﺑﺗﯾﻣ ــور ﻻﻧ ــك ‪ ،‬وﺗ ــوﻓﻲ ﺑﺎﻟﻘ ــﺎﻫرة ﺳ ــﻧﺔ ‪ 808‬ﻫ ـ ـ =‬
‫‪ 1406‬م ‪ .‬وﻟﻌل ﻫذﻩ اﻟرﺣﻠﺔ اﻟﺣﯾﺎﺗﯾﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﺷرق واﻟﻣﻐرب ﻫﯾﺄت ﻻﺑن ﺧﻠدون ﻓرﺻـﺎً‬
‫ﻋدﯾدة ﻟﻠﻘراءة واﻻطﻼع ﻋﻠﻰ ﺻﻧوف وأﻧواع اﻟﻣﻌﺎرف واﻟﻌﻠوم ‪ ،‬وﻟذﻟك ﻧﺟــﺢ ﻓــﻲ ﺗﻘــدﯾم‬
‫ﺗﺻﻧﯾف ﻣﻔﯾد ﻟﻬﺎ‪.‬‬
‫وﻣن أﺷﻬر ﻣؤﻟﻔﺎت اﺑن ﺧﻠدون ﻛﺗﺎﺑﻪ ‪) :‬اﻟﻌﺑر ودﯾـوان اﻟﻣﺑﺗــدأ واﻟﺧﺑــر( ‪ ،‬اﻟــذي‬
‫طﺑﻊ ﻓﻲ ﻣطﺑﻌﺔ ﺑوﻻق اﻟﻣﺻرﯾﺔ ‪ ،‬وﻷول ﻣرة ‪ ،‬ﺳﻧﺔ ‪ 1284‬ﻫـ = ‪ 1868‬م ‪ ،‬ﻓﻲ ﺳــﺑﻊ‬
‫ﻣﺟﻠــدات ﻛﺎﻣﻠــﺔ ‪ ،‬وﯾﻌﺗﺑــر اﻟﻣﺟﻠــد اﻷول ﻣﻧــﻪ وﻫــو ﻣﻘدﻣــﺔ اﻟﻛﺗــﺎب ‪ ،‬أﻛﺛــر ﺷــﻬرة وذﯾوﻋـﺎً‬
‫ﻣــن اﻟﻛﺗــﺎب ﻧﻔﺳــﻪ )ﻣﻘدﻣــﺔ اﺑــن ﺧﻠــدون( ‪ ،‬ﺣﯾــث درس ﻓﯾــﻪ ظـواﻫر اﻻﺟﺗﻣــﺎع واﻟﻌﻣ ـران‬
‫اﻟﺑﺷ ــري ‪ ،‬وﻓﻠﺳـ ــﻔﺔ اﻟﺗـ ــﺎرﯾﺦ ‪ ،‬وﻓـ ــﻲ اﻟﻣﻘدﻣـ ــﺔ أﯾﺿ ـ ـﺎً ﻗ ــدم اﺑـ ــن ﺧﻠـ ــدون ﺗﺻ ــﻧﯾﻔﻪ ﻟﻠﻌﻠـ ــوم‬
‫واﻟﻣﻌﺎرف ‪.‬‬
‫دﻓﺎﻋﺎ ﻋن اﺑن ﺧﻠدون ‪:‬‬
‫ﻟﯾس ً‬
‫اﺑــن ﺧﻠــدون ﻫــو ﺻــﺎﺣب ﻧظرﯾــﺔ ‪ :‬ﺻــﻌود وﻫﺑــوط اﻟﺣﺿــﺎرات ‪ ،‬اﻟــذي ﺗــﺄﺛر ﺑــﻪ‬
‫اﻟﻣﻔﻛ ــر اﻷﻟﻣ ــﺎﻧﻲ ‪ /‬ﺷ ــﯾﺑﻧﺟﻠر ﻓ ــﻲ ﻛﺗﺎﺑ ــﻪ اﻟﻣﺷ ــﻬور ‪ُ :‬أﻓ ــول أُورﺑ ــﺎ ‪ ،‬اﺑ ــن ﺧﻠ ــدون اﻟ ــذي‬
‫أﻋﺟب ﺑــﻪ وﺑﻔﻛـرﻩ اﻟـرﺋﯾس اﻷﻣرﯾﻛــﻲ اﻷﺳــﺑق ‪ /‬روﻧﺎﻟــد رﯾﺟــﺎن ‪ ،‬ﻋﻧــدﻣﺎ درس اﻻﻗﺗﺻــﺎد‬
‫واﻻﺟﺗﻣﺎع ‪ ،‬واﻋﺗرف ﺑﺄﻧﻪ ﺗﺄﺛر ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﻌدﯾد ﻓﻲ ﻗ ارراﺗﻪ ‪ ،‬وﻟﯾس رﯾﺟﺎن ﻓﻘط اﻟذي أﻗر‬
‫ﺑذﻟك ‪ ،‬ﺑل اﻟﻌدﯾد ﻣن أﻫــل اﻟﻔﻛــر واﻟـرأي واﻟﺣــل واﻟﻌﻘــد ﻓــﻲ اﻟﺷــرق واﻟﻐــرب ‪ ،‬وﻓــﻲ ﻛــل‬
‫اﻟﻌﺻور ﻣﻧذ ﻋرﻓت اﻟدﻧﯾﺎ اﻟﻔﻛر اﻟﺧﻠدوﻧﻲ ‪.‬‬
‫اﺑن ﺧﻠدون ﺻﺎﺣب اﻟﻔﻛــر اﻻﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ واﻟﻣﻌرﻓــﻲ اﻟــذي ﻻ ﯾﻧﺗﻬــﻲ ﺑﺎﻟﺗﻘــﺎدم ‪ ،‬ﺑــل‬
‫ﻗــﺎدر ﻋﻠــﻰ اﻟﺗﺟــدد واﻟﺗﻌــﺎﯾش ﻣــﻊ ﻛــل اﻟﻣﺳــﺗﺟدات اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ واﻻﻗﺗﺻــﺎدﯾﺔ ‪ ،‬وﺑﻣﻌﻧــﻰ‬

‫‪4‬‬
‫آﺧر ﻣــﻊ ﻛــل ﻣــﺎ ﺗﻌﯾﺷــﻪ أوطﺎﻧﻧــﺎ ﻣــن أﺣــداث ووﻗــﺎﺋﻊ ‪ ،‬وﻫــذا ﻫــو اﻟﻔﻛــر اﻷﺻــﯾل اﻟﺧﺎﻟــد‬
‫‪.‬‬ ‫اﻟﺻﺎﻟﺢ ﻟﻛل ﻣﻛﺎن وزﻣﺎن دون إدﻋﺎءات أو أﻛﺎذﯾب أو ﺗﺄوﯾﻼت‬
‫اﺑــن ﺧﻠــدون ﻫــو ﺻــﺎﺣب اﻟﻔﻛــر اﻻﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ اﻷﺻــﯾل اﻟــذي ﻛــﺎن ﻧﺗﯾﺟــﺔ طﺑﯾﻌﯾــﺔ ﻟﻛــل‬
‫اﻟظــروف واﻟﻣﻼﺑﺳــﺎت واﻷﺣـوال اﻟﺗــﻲ ﻋﺎﺷــﻬﺎ اﻟرﺟــل ﻓــﻲ اﻟﻣﻌﻣــورة اﻟﻌرﺑﯾــﺔ اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ‪،‬‬
‫ـر‬
‫أﯾﺿــﺎ ﻟﻠﺛﻘﺎﻓــﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ اﻟﺗــﻲ اﺳــﺗوﻋﺑﻬﺎ وﻫﺿــﻣﻬﺎ وﺗﻣﺛﻠﻬــﺎ وأﺧرﺟﻬــﺎ ﻟﻧــﺎ ﻓﻛـ ًا‬
‫وﻧﺗﯾﺟــﺔ ً‬
‫اﻋﯾﺎ ‪.‬‬
‫أﺻﯾﻼً و ً‬
‫إذن ﻻ داﻋﻲ ﻷن ﯾﺄﺗﻲ ﻓﻲ أﯾﺎﻣﻧﺎ ﻫذﻩ ﻣن ﯾــدﻋﻲ وﯾــزﻋم دون أﺳــﺎﻧﯾد ﻋﻠﻣﯾــﺔ أو‬
‫أدﻟﺔ ﻣوﺛﻘﺔ أو ﺑـراﻫﯾن ﻣﻌﻣﻘــﺔ ‪ ،‬ﯾــدﻋﻲ أن اﺑــن ﺧﻠــدون ﻧﻘــل أو أﺧــذ ﻣﻘدﻣﺗــﻪ ﻣــن رﺳــﺎﺋل‬
‫إﺧ ـ ـوان اﻟﺻـ ــﻔﺎ وﺧ ـ ــﻼن اﻟوﻓـ ــﺎ ‪ ،‬وﺑـ ــﺎﻟطﺑﻊ ﻫـ ــذا ﻧـ ــوع ﻣـ ــن اﻟﺧﻠـ ــط اﻟﺷـ ــدﯾد ﻓـ ــﻲ اﻷوراق‬
‫واﻟﺑدﯾﻬﯾﺎت ‪ ،‬ﻓرﺳﺎﺋل إﺧوان اﻟﺻﻔﺎ اﻟﻔﻠﺳــﻔﯾﺔ واﻟﻌﻠﻣﯾــﺔ ﻟﻬــﺎ ﻣﻧطﻠﻘﺎﺗﻬــﺎ وﺗوﺟﻬﺎﺗﻬــﺎ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾــﺔ‬
‫ﺗﻣﺎﻣــﺎ ﻋــن رؤى وأطروﺣــﺎت وأطــر اﺑــن ﺧﻠــدون اﻟﻔﻛرﯾــﺔ ‪ ،‬واﻟﺗــﻲ‬
‫واﻟﻔﻛرﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗﺧﺗﻠــف ً‬
‫اﻋﺗرف ﺑﺄﻫﻣﯾﺗﻬﺎ وأﺻﺎﻟﺗﻬﺎ اﻟﻘﺎﺻﻲ واﻟداﻧﻲ ‪..‬‬
‫وﻧﺷﯾر إﻟﻰ أن ﻫذا اﻟزﻋم اﻟﻐرﯾب ﻟم ﯾﻘل ﺑﻪ أﺣد ﻣــن اﻟﻣﻔﻛـرﯾن أو اﻟﻣــؤرﺧﯾن أو‬
‫اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ﻣن ﻗﺑل ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﻘدﯾم أو اﻟﺣدﯾث ‪ ،‬ﺣﺗــﻰ أﻫــل اﻻﺳﺗﺷـراق اﻟــذﯾن ﻻ ﯾـوارون أو‬
‫ﯾﺟــﺎﻣﻠون ‪ ،‬وﺗــﺄﺗﻲ ﺗوﺟﻬــﺎﺗﻬم ﻓــﻲ ﺑﻌــض اﻷﺣــﺎﯾﯾن ﻣﺳــﺗﻔزة وﺻــﺎدﻣﺔ ‪ ،‬وﻟــﯾس ﻟــدﯾﻬم أي‬
‫ﻣﺎﻧﻊ ﻣن إﯾﺿﺎح أي ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣن ﻫذا اﻟﻘﺑﯾل ‪ ،‬ﺣﺗﻰ ﻫؤﻻء ﻟم ﯾﻘوﻟوا ﻟﻧﺎ أو ﯾﺷﯾروا ﻣﺟــرد‬
‫إﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﺑن ﺧﻠدون أﺧذ ﻣﻘدﻣﺗﻪ ﻣن إﺧوان اﻟﺻﻔﺎ ‪.‬‬
‫داﺋﻣﺎ وأﺑدا ﻫــو ﺻــﺎﺣب اﺟﺗﻣــﺎع اﻟﻌﻣـران ‪ ،‬وﺻــﺎﺣب ﻓﻠﺳــﻔﺔ‬
‫ﺳﯾظل اﺑن ﺧﻠدون ً‬
‫اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ‪ ،‬وﺻﺎﺣب ﺗﺻــﻧﯾف اﻟﻌﻠــوم واﻟﻣﻌــﺎرف ‪ ،‬ﯾﺿــﺎف إﻟــﻰ ذﻟــك ﻛوﻧــﻪ أول‬
‫واﺿﻊ ﻟﻌﻠم اﻻﺟﺗﻣﺎع اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ‪ ،‬وﻟﯾس أوﺟﺳت ﻛوﻧت أو إﻣﯾل دور ﻛﺎﯾم ‪ ،‬ﻛﻣــﺎ ﯾﺣﻠــو‬
‫ﻟﻠﺑﻌض أن ﯾﻘول وﯾدﻋﻲ ﻓﻲ ﻏﯾﺑﺔ أو ﻏﻔﻠﺔ ﻣﻧﺎ ‪.‬‬
‫أﻗول ﻟﻛم ‪:‬أن ﻣﺷﻛﻠﺗﻧﺎ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾــﺔ أﻧﻧــﺎ ﻟــم ﻧﻬــﺗم اﻻﻫﺗﻣــﺎم اﻟﻛــﺎﻓﻲ واﻟـواﻋﻲ ﺑﻣﺷــروع‬
‫اﺑن ﺧﻠدون اﻟﻔﻛري ‪ ،‬أو ﺑﺎﻟﻔﻛر اﻟﺧﻠــدوﻧﻲ ﺑوﺟــﻪ ﻋــﺎم ‪ ،‬ﻟــم ﻧطــورﻩ وﻧﺣدﺛــﻪ وﻧﺟﻌــل ﻟــﻪ‬
‫ﺑﻌﯾدا ﻋن‬
‫اﻵﻟﯾﺎت اﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻋﻠﻰ أرض اﻟواﻗﻊ ‪ ،‬ﻟو ﻓﻌﻠﻧﺎ ذﻟك ﻻرﺗﻘﯾﻧﺎ ﺑﻔﻛرﻧﺎ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ً‬
‫اﻻﻧﻐﻼﻗﯾﺔ واﻟﺟﻬل واﻟﺗﺧﻠف ‪..‬‬
‫اﻟﻌرب وأوﻟﯾﺎت اﻟﺗﺻﻧﯾف ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫ﻟﻘ ــد اﻫ ــﺗم اﻟﻌــرب ﺑﻣوﺿــوع ﺗﺻــﻧﯾف اﻟﻌﻠــوم ‪ ،‬وذﻟــك ﺑﻌ ــد ﻓﺗ ـرة ظﻬ ـور اﻹﺳ ــﻼم‬
‫وﻧﺷــوء اﻟدوﻟــﺔ اﻟﻌرﺑﯾــﺔ اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ‪ ،‬وذﻟــك ﺑﻬــدف اﻟﺗﻌــرف ﻋﻠــﻰ ﺻــﻠﺔ اﻟﻌﻠــوم وارﺗﺑﺎطﻬــﺎ‬
‫ﻓﯾﻣ ــﺎ ﺑﯾﻧﻬ ــﺎ ﺑﻣ ــﺎ ﯾﻧﺳ ــﺟم ﻣ ــﻊ ﻣ ــﻧﻬﺟﻬم ﻓ ــﻲ ﻛ ــل ﻓﺗـ ـرة زﻣﻧﯾ ــﺔ ‪ ،‬إﻻ أن اﻟﻣؤﺳ ــف ﺣﻘً ــﺎ أن‬
‫اﻟﺑﻌض ﯾﻌﺗﻘد أن اﻟﻌرب ﻗد أﺧذوا ﻋﻠم ﺗﺻﻧﯾف اﻟﻌﻠوم ﻋن اﻟﯾوﻧــﺎن اﻟﻘــدﻣﺎء ﺑﺷــﻛل ﻋــﺎم‬
‫‪ ،‬واﻟﻔﯾﻠﺳوف اﻟﯾوﻧﺎﻧﻲ ‪ /‬أرﺳطو ﺑﺷﻛل ﺧﺎص ‪.‬‬
‫ﺑﯾﻧﻣــﺎ ﻧﺟــد أن اﻟﻔﻛــر اﻟﻌرﺑــﻲ ﻗــد ﺑــدأ إﻧﺗﺎﺟــﻪ اﻟﻔﻛــري ﻓــﻲ ﻣﺟــﺎل ﺗﺻــﻧﯾف اﻟﻌﻠــوم‬
‫واﻟﻣﻌــﺎرف ﻗﺑــل أن ﺗﺻــل ﻣؤﻟﻔــﺎت أرﺳــطو إﻟــﻰ ﺑــﻼد اﻟﻌــرب وﺗﺗــرﺟم ﺑﻌــد ذﻟــك ‪ ،‬وﻋﻠﯾــﻪ‬
‫ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﺟد أن ﻫﻧﺎك اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﺣﻛﻣــﺎء اﻟﻌــرب ﻗــد وﺿــﻌوا ﺗﺻــﺎﻧﯾﻔًﺎ ﻟﻠﻌﻠــوم ﻣﻧــذ ﺑــداﯾﺎت‬
‫اﻟﻘرن اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟﻬﺟري ‪ /‬اﻟﺛﺎﻣن اﻟﻣﯾﻼدي ‪.‬‬
‫ﻛــﺎن )ﻋﻠــم ﺗﺻــﻧﯾف اﻟﻌﻠــوم( ﺣﻠﻘــﺔ ﻣــن إﺣــدى ﻣﺳــﺎﻫﻣﺎت اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﻓــﻲ ﺣﻠﻘــﺎت‬
‫اﻟﺣﺿﺎرة اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ‪.‬‬
‫إن اﻟﻧﻬﺿﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺑدأت ﺣدﯾﺛﺎً ﻓﻲ اﻟﺑﻼد اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﺗﺗطﻠب وﺟــود وﺳــﯾﻠﺔ‬
‫ﻋﻠﻣﯾ ــﺔ ﻟﺗﻧظــﯾم اﻟﻣﻌرﻓــﺔ ووﺳ ــﺎﺋﻠﻬﺎ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ ‪ ،‬وﻓ ــﻲ رأﯾﻧــﺎ اﻟﻣﺗواﺿ ــﻊ ‪ :‬إن ﻫــذﻩ اﻟوﺳ ــﯾﻠﺔ‬
‫ﺗﺗﺣﻘق ﺑﺄﺣد أﻣرﯾن ‪ :‬ـ‬
‫اﻷﻣــــر اﻷول ‪ :‬إﯾﺟـ ــﺎد ﺧطـ ــﺔ ﺗﺻـ ــﻧﯾف إﺳـ ــﻼﻣﯾﺔ ﺗﻧﺑـ ــﻊ ﻣـ ــن واﻗﻌﻧـ ــﺎ اﻟﻣﻌـ ــﺎش ‪ ،‬وﺗُﻠﺑـ ــﻲ‬
‫اﺣﺗﯾﺎﺟﺎﺗﻧﺎ ‪ ،‬وﺗﺗﻣﺛل ﻓﯾﻬﺎ ﻣﻘوﻣﺎت اﻟﺣﺿﺎرة اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻓﻲ ﺗراﺛﻬﺎ وآداﺑﻬﺎ وﻓﻛرﻫﺎ وﻟﻐﺗﻬــﺎ‬
‫ودﯾﻧﻬﺎ وﺗﺎرﯾﺧﻬﺎ ‪.‬‬
‫اﻷﻣـــر اﻟﺛـــﺎﻧﻲ ‪ :‬إدﺧ ــﺎل ﺗﻌ ــدﯾﻼت إﺳ ــﻼﻣﯾﺔ ﻋﻠ ــﻰ أﯾ ــﺔ ﺧط ــﺔ أﺟﻧﺑﯾ ــﺔ ﻟﺗ ــﺗﻼءم ﻣــﻊ ﺗﻠ ــك‬
‫اﻟﻣﻘوﻣﺎت ‪.‬‬
‫وﻣــن ﻫﻧــﺎ ﻧﻘــول ‪ :‬إن د ارﺳــﺔ ﺗــﺎرﯾﺦ ﻋﻠــم اﻟﺗﺻــﻧﯾف ﻋﻧــد اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ‪ ،‬وﻧظرﯾــﺎت‬
‫ﻣﻔﻛ ـرﯾﻬم ﺗــوﻓر أﻫــم ﻋﻧﺎﺻــر ﻫــذا اﻹﯾﺟــﺎد أو اﻟﺗﻌــدﯾل ﻣــﻊ اﻷﺧــذ ﻓــﻲ اﻻﻋﺗﺑــﺎر ﺑﺗطــور‬
‫اﻟزﻣن وﻣﺳﺗﺟداﺗﻪ ﺧﻼل ﺑﻧﺎء ﻫذﻩ اﻟﺧطﺔ ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ودراﺳﺔ ﻋﻠم اﻟﺗﺻﻧﯾف ﺗوﺿﺢ ﻟﻧﺎ أﯾﺿﺎً اﻟﻣﺳﺎر اﻟذي ﺳﺎرت ﻓﯾﻪ ﺣرﻛﺔ اﻟﻌﻠوم ‪،‬‬
‫وأوﻗــﺎت ظﻬورﻫــﺎ ‪ ،‬وﺗﺣﻛــﻲ ﻟﻧــﺎ ﺻــورة اﻟﺣﯾــﺎة اﻟﻌﻘﻠﯾــﺔ ‪ ،‬واﻟﻧظــﺎم اﻟﺗرﺑــوي واﻟﻌﻠﻣــﻲ ﻟــدى‬
‫‪1‬‬
‫اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ‪.‬‬
‫ﻣﺎ ﻫو اﻟﺗﺻﻧﯾف ؟‬
‫وﻗﺑ ــل أن ﻧﺗﺣ ــدث ﻋ ــن اﻟﻌﻼﻣ ــﺔ ‪ /‬اﺑ ــن ﺧﻠ ــدون ﻛﻧﻣ ــوذج ﻟﺗﺻ ــﻧﯾف اﻟﻌﻠ ــوم ﻋﻧ ــد‬
‫اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ‪ ،‬ﻧﺣب أن ﻧﻘدم ﺗﻌرﯾﻔﺎً ﻣوﺟ اًز ﻟﻠﺗﺻﻧﯾف ‪.‬‬
‫اﻟﺗﺻــﻧﯾف ﻟﻐــﺔ ‪ :‬ﯾﻘــﺎل ﺻــﻧف اﻟﺷــﻲء ‪ ،‬أي ﺟﻌﻠــﻪ أﺻــﻧﺎﻓﺎً ‪ ،‬وﻣﯾــز ﺑﻌﺿــﻪ ﻋــن‬
‫ﺑﻌــض ‪ ،‬و ِ‬
‫اﻟﺻــﻧف ﺑﻛﺳــر اﻟﺻــﺎد أو ﻓﺗﺣﻬــﺎ ‪ ،‬ﻫــو اﻟﻧــوع أو اﻟﺿــرب ‪ ،‬واﻟﺟﻣــﻊ أﺻــﻧﺎف‬
‫‪2‬‬
‫وﺻﻧوف ‪.‬‬
‫واﺻطﻼﺣﺎً ‪ :‬اﻟﺗدرج ﻣن أﻋم اﻟﻣوﺿوﻋﺎت إﻟﻰ أﺧﺻﻬﺎ ﻟﯾﺣﺻل ﺑذﻟك ﻣوﺿوع‬
‫اﻟﻌﻠوم اﻟﻣﺗدرﺟﺔ ﺗﺣت ذﻟك اﻷﻋم ‪.‬‬
‫وﻟﻣــﺎ ﻛ ــﺎن أﻋــم اﻟﻌﻠ ــوم ﻣوﺿــوﻋﺎً ﻫ ــو اﻟﻌﻠــم اﻹﻟﻬ ــﻲ ‪ُ ،‬ﺟﻌــل ﺗﻘﺳــﯾم اﻟﻌﻠــوم ﻣ ــن‬
‫ﻓروﻋــﻪ ‪ ،‬وﯾﻣﻛــن اﻟﺗــدرج ﻓﯾــﻪ ﻣــن اﻷﺧــص إﻟــﻰ اﻷﻋــم ‪ ،‬واﻟﻐــرض ﻣﻧــﻪ وﻣﻧﻔﻌﺗــﻪ ﻛﻠﻬــﺎ ﻻ‬
‫‪3‬‬
‫وﺻﻧف اﺑن ﺳﯾﻧﺎ رﺳﺎﻟﺔ ﻟطﯾﻔﺔ ﻓﯾﻪ ‪...‬‬ ‫أﺣد ‪ِ ،‬‬ ‫ﺗﺧﻔﻰ ﻋﻠﻰ ٍ‬
‫وﻟﻌﻠﻧﺎ ﻗد ﻻﺣظﻧﺎ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻔﻘرة اﻟﻘﺻﯾرة اﻟﺗﻲ ﻋرﻓﻧﺎ ﺑﻬﺎ اﻟﺗﺻﻧﯾف ‪ ،‬أﻧﻬﺎ ﺗﺣــدد‬
‫أو ﺗﻘﺗرب ﻣن ﻧﻔس اﻟﻣﺟﺎل اﻟذي ﻧطﻠق ﻋﻠﯾﻪ )ﺑﺑﻠﯾوﺟراﻓﯾﺎ( ‪ ،‬ﻓﻲ ﻋﻠــم اﻟﻣﻛﺗﺑــﺎت اﻵن ‪،‬‬
‫ﻛﻣﺎ أن ﻫذﻩ اﻟﻔﻘرة اﺷﺗﻣﻠت ﻋﻠﻰ ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ﺗﻌرﯾف ﻋﻠم اﻟﺗﺻﻧﯾف ‪ ،‬أي ﻋﻠم ﺗﻘﺳﯾم أو ﺗﻘﺎﺳﯾم اﻟﻌﻠوم ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ﺗﺑﻌﯾﺔ اﻟﺗﺻﻧﯾف ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ‪.‬‬

‫‪ -‬ﻣﺣﻣــد ﺣﺳــن ﻛــﺎظم اﻟﺧﻔــﺎﺟﻲ ‪ ،‬ﺗﺻــﻧﯾف اﻟﻌﻠــوم ﻋﻧــد اﻟﻌــرب ‪ ،‬د ارﺳــﺔ ﺑﻣﺟﻠــﺔ اﻟﻣــورد اﻟﻌراﻗﯾــﺔ ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫اﻟﺻﺎدرة ﻋن و ازرة اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻹﻋﻼم اﻟﻌراﻗﯾﺔ ‪ ،‬داﺋرة اﻟﺷﺋون اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ واﻟﻧﺷر ‪ ،‬اﻟﻣﺟﻠــد ‪ ، 12‬اﻟﻌــدد ‪3‬‬
‫‪ ،‬ﺳﻧﺔ ‪ 1403 :‬ﻫـ = ‪ 1983‬م ‪.‬‬

‫‪ - 2‬ﻣﺟﻣﻊ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ‪ ،‬اﻟﻣﻌﺟم اﻟوﺟﯾز ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة ‪ ، 1999 ،‬ﻣﺎدة ‪ :‬ﺻﻧف ‪ ،‬وﻛذﻟك ‪ :‬ﻣﻌﺎﺟم ‪،‬‬
‫اﻟﻣﺻﺑﺎح اﻟﻣﻧﯾر ‪ ،‬واﻟﻣﻌﺟم اﻟوﺳﯾط ‪ ،‬وﻟﺳﺎن اﻟﻌرب ‪.‬‬
‫‪ -‬طﺎﺷﻛﺑري زادة ‪ ،‬ﻣﻔﺗﺎح اﻟﺳﻌﺎدة ‪ ،‬دار اﻟﻛﺗب اﻟﺣدﯾﺛﺔ ‪ ،‬اﻟﻘﺎﻫرة ‪ ،‬ص ‪ ، 224‬ﺑﺗﺻرف ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ 3‬ـ طراﺋق اﻟﺗﺻﻧﯾف ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ﻣﺛﺎل ﻟﻠﻣؤﻟﻔﺎت ﻓﯾﻪ )رﺳﺎﻟﺔ اﺑن ﺳﯾﻧﺎ( ‪.‬‬
‫وﻣــن ﻫﻧــﺎ ﻧــدرك أن اﻟﺗﺻــﻧﯾف ﻫــو ﺗﻘﺳــﯾم اﻟﻣﻌرﻓــﺔ إﻟــﻰ أﺑ ـواب وﻓﺻــول وأﻧ ـواع‬
‫وأﺟﻧﺎس ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻟﺑﯾﺎن اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟﺗﻲ ﺗـرﺑط ﻛـﻼً ﻣﻧﻬﻣــﺎ ﺑــﺎﻵﺧر ‪ ،‬ﻣوﺿــﺣﺎً ﻣﻛــﺎن ﻛــل‬
‫ﻋﻠم ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻌﻠوم اﻷﺧرى ﻛﻠﺑﻧﺔ ﻓﻲ ﺑﻧــﺎء اﻟﻣﻌرﻓــﺔ ﻛﻛــل ‪ ،‬وﯾﻘﺻــد ﺑــذﻟك ﺗرﺗﯾــب اﻟﻌﻠـوم‬
‫ٍ‬
‫ﻟﻧظﺎم ﻣﻌﯾن ‪.‬‬ ‫ﻓﻲ ﻣﺟﻣوﻋﺎت ﻣﺗﻣﯾزة ‪ ،‬وﻓﻲ ﺗﺳﻠﺳل وﻓﻘﺎً‬
‫إن ﻋﻠم اﻟﺗﺻــﻧﯾف ﻓــﻲ اﻹﺟﻣــﺎل ﻫــو أداة ﺗﻧظﯾﻣﯾــﺔ ﻟﻠﻣﻌرﻓــﺔ ‪ ،‬ﺗﺳــﻌﻰ إﻟــﻰ ﺗرﺗﯾــب‬
‫اﻟﻌﻠوم ‪ ،‬وﺣﺻر ﻣوﺿوﻋﺎﺗﻬﺎ وﻣﻧﺎﻫﺟﻬﺎ وﻓق ﺗﺻور ﻓﻠﺳﻔﻲ ﻣﻌﯾن ‪.‬‬
‫ﻫذا ‪ ،‬وﻗد ﺟﺎء ﻓﻲ ﻛﺗﺎب ‪) :‬ﺗﻛﻣﻠﺔ اﻟﻣﻌﺎﺟم اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ( اﻟــذي وﺿــﻌﻪ اﻟﻣﺳﺗﺷــرق‬
‫اﻟﻬوﻟﻧــدي ‪ /‬دوزي )‪ 1820‬ـ ‪ 1883‬م( ‪ ،‬ﻣــﺎ ﻧﺻــﻪ ‪ :‬ﺻــﻧف ‪ ،‬رﺗــب اﻟﻛﺗــﺎب ﺣﺳــب‬
‫ﻣواردﻩ وﻣوﺿوﻋﺎﺗﻪ ‪ ،‬وﯾﻘﺎل ‪ :‬اﻟﻛﺗب اﻟﻣﺻﻧﻔﺔ ‪ ،‬وﻫﻲ اﻟﻛﺗب اﻟﺗﻲ ُرﺗﺑت ﺑﻬذﻩ اﻟطرﯾﻘــﺔ‬
‫‪.‬‬
‫وﻣن اﻟذﯾن ﻛﺗﺑوا ﻓﻲ ﻣﺟــﺎل ﻋﻠــم اﻟﺗﺻــﻧﯾف ‪ ،‬ﻧــذﻛر ‪ :‬اﻟﻛﻧــدي ‪ ،‬و اﻟﻔــﺎراﺑﻲ ‪ ،‬و‬
‫ﻣﺣﻣد ﺑن أﺣﻣــد اﻟﻛﺎﺗــب اﻟﺧـوارزﻣﻲ ‪ ،‬و إﺧـوان اﻟﺻــﻔﺎ ‪ ،‬و اﺑــن ﺳــﯾﻧﺎ ‪ ،‬و اﻟﻐ ازﻟــﻲ ‪ ،‬و‬
‫ﺷ ــﻣس اﻟ ــدﯾن ﺑ ــن ﺳ ــﺎﻋد اﻷﻧﺻ ــﺎري ‪ ،‬و اﻟﻘﻠﻘﺷ ــﻧدي ‪ ،‬واﻟﺗﻬ ــﺎﻧوي ‪ ،‬و اﺑ ــن اﻟﻧ ــدﯾم ‪ ،‬و‬
‫طﺎﺷﻛﺑري زادة ‪ ،‬وﺣﺎﺟﻲ ﺧﻠﯾﻔﺔ ‪ ...‬وﻏﯾرﻫم ‪.‬‬
‫وﯾﻣﻛن أن ﻧﺻﻧف اﻟﻌﻠوم ﻋﻧد اﻟﻌرب وﻓﻘًﺎ ﻟوﺟﻬﺗﯾن ‪:‬‬
‫اﻟوﺟﻬــﺔ اﻷوﻟــﻰ ‪ :‬ﺗﺑﻧﺎﻫــﺎ ﻣﺟﻣوﻋــﺔ ﻣــن اﻟﻌﻠﻣــﺎء اﻟــذﯾن ﺳــﺎﻫﻣوا ﻓــﻲ ﺗﺻــﻧﯾف اﻟﻌﻠــوم ‪،‬‬
‫وﯾﻣﻛــن أن ﻧطﻠ ــق ﻋﻠﯾﻬــﺎ اﻟوﺟﻬـــﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾـــﺔ ﻓـــﻲ ﺗﺻـــﻧﯾف اﻟﻌﻠـــوم واﻟﻣﻌـــﺎرف ‪ ،‬وﻣ ــن‬
‫أﺻﺣﺎﺑﻬﺎ ‪:‬‬
‫ـ ـ اﻟﻛﻧــدي ‪ ،‬ﯾﻌﻘــوب ﺑــن إﺳــﺣﺎق ‪ ،‬اﻟﻣﺗــوﻓﻰ ﺳــﻧﺔ ‪ 260‬ﻫـ ـ ‪ ،‬ﻣــن ﺧــﻼل ﻛﺗﺎﺑــﻪ ‪ :‬ﻣﺎﻫﯾــﺔ‬
‫اﻟﻌﻠم وأﻗﺳﺎﻣﻪ ‪.‬‬
‫ـ اﻟﻔﯾﻠﺳوف ‪ /‬اﻟﻔﺎراﺑﻲ ‪ ،‬ﻣﺣﻣد ﺑن ﻣﺣﻣد ‪ ،‬اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ‪ 339‬ﻫـ ‪ ،‬ﻣــن ﺧــﻼل ﻛﺗﺎﺑــﻪ ‪:‬‬
‫إﺣﺻﺎء اﻟﻌﻠوم ‪.‬‬
‫ـ اﻟﻌﺎﻣري ‪ ،‬أﺑو اﻟﺣﺳن ‪ ،‬اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ‪ 381‬ﻫـ ‪ ،‬ﻣــن ﺧــﻼل ﻛﺗﺎﺑــﻪ ‪ :‬اﻹﻋــﻼم ﺑﻣﻧﺎﻗــب‬
‫اﻹﺳﻼم ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ـ إﺧوان اﻟﺻﻔﺎ ‪ ،‬اﻟذﯾن ﻋﺎﺷوا ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟراﺑﻊ اﻟﻬﺟــري ‪ ،‬ﻣــن ﺧــﻼل ﻣﺟﻣوﻋــﺔ رﺳــﺎﺋﻠﻬم‬
‫اﻟﻣﺳﻣﺎة ‪ :‬رﺳﺎﺋل إﺧوان اﻟﺻﻔﺎ وﺧﻼن اﻟوﻓﺎ ‪.‬‬
‫ـ اﻟﺷﯾﺦ اﻟرﺋﯾس ‪ /‬اﺑن ﺳــﯾﻧﺎ اﻟﺣﺳــن ﺑــن ﻋﺑــد اﷲ ‪ ،‬اﻟﻣﺗــوﻓﻰ ﺳــﻧﺔ ‪ 428‬ﻫ ـ ‪ ،‬ﻣــن ﺧــﻼل‬
‫رﺳﺎﻟﺗﻪ ‪ :‬أﻗﺳﺎم اﻟﻌﻠوم اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ‪.‬‬
‫اﻟوﺟﻬﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ‪ :‬ﺗﺑﻧﺎﻫــﺎ ﻣﺟﻣوﻋــﺔ ﻣــن اﻟﻌﻠﻣــﺎء ﻓــﻲ ﺗﺻــﻧﯾف اﻟﻌﻠــوم ‪ ،‬وﯾﻣﻛــن أن ﻧطﻠــق‬
‫ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟوﺟﻬﺔ اﻟﺗﺄﺻﯾﻠﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﺻﻧﯾف اﻟﻌﻠوم واﻟﻣﻌﺎرف ‪ ،‬وﻣن ﻋﻠﻣﺎﺋﻬﺎ ‪:‬‬
‫ـ ـ ارﺋــد ﻋﻠــم اﻟﻛﯾﻣﯾــﺎء ‪ /‬ﺟــﺎﺑر ﺑــن ﺣﯾــﺎن ‪ ،‬اﻟﻣﺗــوﻓﻰ ﺳــﻧﺔ ‪ 160‬ﻫـ ـ ‪ ،‬ﻣــن ﺧــﻼل ﻛﺗﺎﺑــﻪ ‪:‬‬
‫رﺳﺎﺋل ﺟﺎﺑر ﺑن ﺣﯾﺎن ‪.‬‬
‫ـ اﻟﺗوﺣﯾدي ‪ ،‬أﺑو ﺣﯾﺎن ﻋﻠﻲ ﺑن ﻣﺣﻣد اﻟﻌﺑﺎﺳﻲ ‪ ،‬اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ‪ 410‬ﻫـ ‪ ،‬ﻣــن ﺧــﻼل‬
‫ﻛﺗﺎﺑﻪ ‪ :‬اﻟﻣﺟﺎﻟس ‪.‬‬
‫ـ راﺋد ﻋﻠم اﻟﺟﺑر ‪ /‬اﻟﺧوارزﻣﻲ ‪ ،‬أﺑو ﻋﺑد اﷲ ﻣﺣﻣد ﺑن أﺣﻣد ‪ ،‬اﻟﻣﺗوﻓﻰ ‪ 380‬ﻫـ ‪ ،‬ﻣن‬
‫ﺧﻼل ﻛﺗﺎﺑﻪ ‪ :‬ﻣﻔﺎﺗﯾﺢ اﻟﻌﻠوم ‪.‬‬
‫ـ اﺑن اﻟﻧدﯾم ‪ ،‬أﺑو اﻟﻔرج ﻣﺣﻣد ﺑن إﺳﺣق ‪ ،‬اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ‪ 385‬ﻫـ ‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﻛﺗﺎﺑــﻪ ‪:‬‬
‫اﻟﻔﻬرﺳت ‪.‬‬
‫ـ اﺑن ﺣزم اﻷﻧدﻟﺳﻲ ‪ ،‬ﻋﻠﻲ ﺑن أﺣﻣــد ‪ ،‬اﻟﻣﺗــوﻓﻰ ﺳــﻧﺔ ‪ 456‬ﻫ ـ ‪ ،‬ﻣــن ﺧــﻼل رﺳــﺎﻟﺗﯾﻪ ‪:‬‬
‫اﻟﺗوﻗﯾف ‪ ،‬وﻣراﺗب اﻟﻌﻠوم ‪.‬‬
‫ـ أﺑو ﺣﺎﻣد اﻟﻐزاﻟﻲ ‪ ،‬ﻣﺣﻣد ﺑــن ﻣﺣﻣــد ‪ ،‬اﻟﻣﺗــوﻓﻰ ‪ 505‬ﻫ ـ ‪ ،‬ﻣــن ﺧــﻼل ﻛﺗﺎﺑــﻪ ‪ :‬اﻟﻣﻧﻘــذ‬
‫ﻣن اﻟﺿﻼل ‪.‬‬
‫ـ اﻷﺑﯾوري ‪ ،‬أﺑو اﻟﻣظﻔر ﻣﺣﻣد ﺑن أﺣﻣد ‪ ،‬اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳﻧﺔ ‪ 507‬ﻫـ ‪ ،‬ﻣــن ﺧــﻼل ﻛﺗﺎﺑــﻪ ‪:‬‬
‫طﺑﻘﺎت اﻟﻌﻠوم ‪.‬‬
‫ـ اﺑــن ﺧﻠــدون ‪ ،‬ﻋﺑــد اﻟــرﺣﻣن ﺑــن ﻣﺣﻣــد ‪ ،‬اﻟﻣﺗــوﻓﻰ ﺳــﻧﺔ ‪ 808‬ﻫ ـ ‪ ،‬ﻣــن ﺧــﻼل ﻛﺗﺎﺑــﻪ ‪:‬‬
‫ﻣﻘدﻣ ـ ـ ــﺔ اﺑ ـ ـ ــن ﺧﻠ ـ ـ ــدون ‪ ،‬وﻫ ـ ـ ــو اﻟ ـ ـ ــذي ﻧﺣ ـ ـ ــﺎول أن ﻧ ـ ـ ــﺗﻌﻠم ﻋﻠ ـ ـ ــﻰ ﯾدﯾ ـ ـ ــﻪ ﻓ ـ ـ ــﻲ ورﻗﺗﻧ ـ ـ ــﺎ‬
‫اﻟﺑﺣﺛﯾﺔ ﻫذﻩ ‪.‬‬
‫ـ طﺎش ﻛﺑري زادﻩ ‪ ،‬أﺣﻣد ﺑن ﻣﺻطﻔﻰ ‪ ،‬اﻟﻣﺗــوﻓﻰ ﺳــﻧﺔ ‪ 968‬ﻫ ـ ‪ ،‬ﻣــن ﺧــﻼل ﻛﺗﺎﺑــﻪ ‪:‬‬
‫ﻣﻔﺗﺎح اﻟﺳﻌﺎدة وﻣﺻﺑﺎح اﻟﺳﯾﺎدة ﻓﻲ ﻣوﺿوﻋﺎت اﻟﻌﻠوم ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ـ اﻟﻣــﻼ ﺻــد ار ‪ ،‬ﺻــدر اﻟــدﯾن ﻣﺣﻣــد اﻟﺷــﯾرازي ‪ ،‬اﻟﻣﺗــوﻓﻰ ﺳــﻧﺔ ‪ 1050‬ﻫـ ـ ‪ ،‬ﻣــن ﺧ ـﻼل‬
‫ﻛﺗﺎﺑﻪ ‪ :‬أُﻛﺳﯾر اﻟﻌﺎرﻓﯾن ‪.‬‬
‫ـ ﺳﺎﺣﻘﻠﻲ زادﻩ ‪ ،‬ﻣﺣﻣد ﺑن أﺑﻲ ﺑﻛر اﻟﻣرﻋﺷﻠﻲ ‪ ،‬اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﺳــﻧﺔ ‪ 1158‬ﻫ ـ ‪ ،‬ﻣــن ﺧــﻼل‬
‫ﻛﺗﺎﺑﻪ ‪ :‬ﺗرﺗﯾب اﻟﻌﻠوم ‪.‬‬
‫ـ اﻟﺗﻬﺎﻧوي ‪ ،‬ﻣﺣﻣد اﻟﻔﺎروﻗﻲ ‪ ،‬اﻟﻣﺗوﻓﻰ ﻣﺎ ﺑﻌد ﺳﻧﺔ ‪ 1158‬ﻫـ ‪ ،‬ﻣن ﺧﻼل ﻛﺗﺎﺑﻪ‬
‫‪ :‬ﻛﺷﺎف اﺻطﻼﺣﺎت اﻟﻔﻧون ‪.‬‬
‫ـ اﻟﻘﻧــوﺟﻲ ‪ ،‬اﻟﺻــدﯾق ﺑــن ﺣﺳــن ‪ ،‬اﻟﻣﺗـوﻓﻰ ﺳــﻧﺔ ‪ 1307‬ﻫـ ـ ‪ ،‬ﻣــن ﺧــﻼل ﻛﺗﺎﺑــﻪ ‪ :‬أﺑﺟــد‬
‫اﻟﻌﻠوم ‪.‬‬
‫ﺗﻘﺳﯾم اﻟﻌﻠوم ﻋﻧد اﺑن ﺧﻠدون ‪:‬‬
‫ﻻﺑن ﺧﻠدون ﺗﻘﺳﯾﻣﺎن أو ﻧظرﯾﺗﺎن ﻓﻲ ﺗﻘﺳﯾم اﻟﻌﻠوم واﻟﻣﻌﺎرف ‪ ،‬وﻫﻣﺎ ‪:‬‬
‫اﻟﺗﻘﺳﯾم اﻷول ‪ :‬ﯾذﻫب ﻓﯾﻪ إﻟﻰ أن اﻟﻌﻠوم ﻋﻠﻰ ﺻﻧﻔﯾن ‪:‬‬
‫اﻟﺻﻧف اﻷول ‪ :‬ﺻــﻧف طﺑﯾﻌــﻲ ‪ ،‬ﯾﻬﺗــدي إﻟﯾــﻪ اﻹﻧﺳــﺎن ﺑﻔﻛـرﻩ ‪ ،‬وﻫــﻲ اﻟﻌﻠــوم اﻟﺣﻛﯾﻣﯾــﺔ‬
‫اﻟﻔﻠﺳ ــﻔﯾﺔ ‪ ،‬وﻫ ــﻲ اﻟﺗ ــﻲ ﯾﻣﻛــن أن ﯾﻘ ــف ﻋﻠﯾﻬ ــﺎ اﻹﻧﺳ ــﺎن ﺑطﺑﻌ ــﻪ وﻓﻛـ ـرﻩ ‪ ،‬وﯾﻬﺗ ــدي إﻟﯾﻬ ــﺎ‬
‫ﺑﻣدارﻛﻪ ‪ ،‬وﻟﻬذا اﻟﺻﻧف اﻷول ﻋﻠوم أﺧرى إﺿﺎﻓﯾﺔ ﻛﻌﻠم اﻟﻣﻧطق ‪.‬‬
‫اﻟﺻﻧف اﻟﺛﺎﻧﻲ ‪ :‬ﻣﺄﺧوذ ﻋن اﻟﺷــﺎرع ‪ ،‬ﻻ ﻣﺟــﺎل ﻓﯾﻬــﺎ ﻟﻠﻌﻘــل إﻻ ﻓــﻲ إﻟﺣــﺎق اﻟﻔــروع ﻣــن‬
‫ﻣﺳﺎﺋﻠﻬﺎ ﺑﺎﻷﺻول ‪ ،‬ﺛم ﻟﻬذﻩ اﻟﻌﻠوم ﻋﻠوم أﺧرى إﺿﺎﻓﯾﺔ ﻛﺎﻟﻠﻐﺔ وﻟﻧﺣو واﻷدب‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫وﺑﻬذا ﺗﻛون اﻟﻌﻠوم ﺣﺳب ﻫذا اﻟﺗﻘﺳﯾم أرﺑﻌﺔ ﻣﺟﻣوﻋﺎت ‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻟﺗﻘﺳﯾم اﻟﺛﺎﻧﻲ ‪:‬‬
‫ﯾﻘــول ﻓﯾــﻪ أن اﻟﻌﻠــوم ﻋﻠ ــﻰ ﺻــﻧﻔﯾن ‪ :‬ﻋﻠــوم ﻣﻘﺻــودة ﺑﺎﻟــذات ﻛﺎﻟﺷــرﻋﯾﺎت ﻣ ــن‬
‫اﻟﺗﻔﺳــﯾر اﻟﻘرآﻧــﻲ ‪ ،‬واﻟﻔﻘــﻪ ‪ ،‬و اﻟﺣــدﯾث اﻟﻧﺑــوي اﻟﺷ ـرﯾف ‪ ،‬وﻛﺎﻟطﺑﻌﯾــﺎت واﻷﻟﻬﯾــﺎت ﻣــن‬
‫اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ‪ ،‬وﻋﻠوم ﻫﻲ آﻟﺔ ووﺳﯾﻠﺔ ﻟﻬذﻩ اﻟﻌﻠوم ﻛﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ واﻟﺣﺳﺎب وﻏﯾرﻫﺎ ‪.‬‬
‫واﺑــن ﺧﻠــدون ﻓ ــﻲ ﺗﻘﺳــﯾﻣﻪ ﻫ ــذا ﯾﻛــون ﻗــد ﺗ ــﺎﺑﻊ اﻟﻛﻧ ــدي ‪ ،‬اﻟ ــذي ﯾﻌ ــد ﺑﺣ ــق أول‬
‫ﻣﺻﻧف ﻟﻠﻌﻠوم ﻋﻧد اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ‪ ،‬ﻓﻬو ﺻﺎﺣب ﻗﺳﻣﺔ اﻟﻌﻠوم إﻟﻰ ﻗﺳﻣﯾن ‪ :‬دﯾﻧﯾﺔ وﻓﻠﺳﻔﯾﺔ‬

‫‪ - 4‬ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﺑن ﺧﻠدون ‪ ،‬ﻣﻘدﻣﺔ اﺑن ﺧﻠدون ‪ ،‬ﺑﺗﺣﻘﯾق ‪ /‬ﻋﻠﻲ ﻋﺑد اﻟواﺣد واﻓﻲ ‪ ،‬طﺑﻌﺔ د ار‬
‫اﻟﺷﻌب اﻟﻣﺻرﯾﺔ ‪ ، 1970 ،‬ص ص ‪ 390‬ـ ‪491‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ ،‬أو دﯾﻧﯾــﺔ ودﻧﯾوﯾــﺔ ‪ ،‬أو ﻋﻠــوم إﻟﻬﯾــﺔ وﻋﻠــوم إﻧﺳــﺎﻧﯾﺔ ‪ ،‬وﻛــﺎن ذﻟــك اﺗﺟﺎﻫ ـﺎً ﺟدﯾــداً ﻋﻠــﻰ‬
‫ﻓﻠﺳﻔﺔ ﺗﻘﺳﯾم اﻟﻌﻠوم ‪ ،‬واﺑﺗﻛﺎ اًر إﺳﻼﻣﯾﺎً ﺻرﻓﺎً أﺑدﻋﻪ ﻓﯾﻠﺳــوف اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن اﻟﻛﻧــدي ‪ ،‬ﻓﻛــﺎن‬
‫اﻟ ارﺋــد اﻷول ﻟﻠﺧــروج ﻋــن اﻟﺗﻘﻠﯾــد اﻹﻏرﯾﻘ ــﻲ ﻓــﻲ اﻟﻌﻠ ــوم ‪ ،‬وأﺑ ــدع ﺑ ــذﻟك ﺗﻘﺳ ــﯾﻣﺎً ﯾﺻ ــﻠﺢ‬
‫أﺻﻼً أن ﯾﻌﺗﻣد ﻋﻠﯾﻪ ﻣن ﺟﺎء ﺑﻌدﻩ ﻣن اﻟﻣﻔﻛرﯾن ﻓﻲ اﻟﺷرق واﻟﻐرب‪.‬‬
‫واﺑــن ﺧﻠــدون ﻓــﻲ ﺣدﯾﺛــﻪ ﻋــن ﻫــذا اﻟﺗﺻــﻧﯾف ﯾﻌطــﻲ ﻟﻧــﺎ ﺗﻌرﯾﻔــﺎت ود ارﺳــﺔ ﺗﺎﻣــﺔ‬
‫ﻟﻛل ﻋﻠم ﻣن اﻟﻌﻠوم اﻟﺗﻲ أﺷﺎر إﻟﯾﻬﺎ ‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﻧﻪ ﯾﺳﺗﻌﻣل اﻹﺣﺎﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﺻﻧﯾف ‪ ،‬وﯾﺷﯾر‬
‫إﻟﻰ اﺷﺗراك اﻟﻌﻠم ﻓﻲ أﻛﺛر ﻣن ﻓرع ‪ ،‬وذﻟك ﻋﻠﻰ اﻟوﺟﻪ اﻟﺗﺎﻟﻲ ‪:‬‬
‫أوﻻ ً ‪ :‬اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺸﺮﻋﯿﺔ أو اﻟﻨﻘﻠﯿﺔ ‪:‬‬
‫ﯾﺑدأ اﺑن ﺧﻠدون ﺑﺎﻟﻌﻠوم اﻟﺷرﻋﯾﺔ ‪ ،‬وﯾﺳﻣﯾﻬﺎ اﻟﻌﻠوم اﻟﻧﻘﻠﯾﺔ أﺣﯾﺎﻧﺎً ‪:‬‬
‫أ ـ ﻋﻠوم ﻣﺄﺧوذة ﻣن اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻣﺟﯾد )اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم( واﻟﺳﻧﺔ اﻟﻧﺑوﯾﺔ اﻟﻣطﻬرة ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ﻋﻠم اﻟﺗﻔﺳﯾر ‪ :‬ﻋﻠم اﻟﻧﺎﺳﺦ واﻟﻣﻧﺳوخ ـ ﻋﻠم ﻣﻘﺎﺻد اﻵﯾﺎت اﻟﻘرآﻧﯾﺔ ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ﻋﻠم أﺳﺑﺎب اﻟﻧزول )ﻧزول اﻵﯾﺎت اﻟﻘرآﻧﯾﺔ( ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ﻋﻠم اﻟﻘراءات ‪ :‬ﻓن اﻟرﺳم ـ أوﺿﺎع ﺣروف اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم ﻓﻲ اﻟﻘراءات اﻟﺳﺑﻊ ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ﻋﻠم اﻟﺣدﯾث ‪ :‬ﻋﻠم اﻟﻧﺎﺳﺦ واﻟﻣﻧﺳوخ ﻓﻲ اﻟﺣدﯾث ـ ﻋﻠم اﻷﺳﺎﻧﯾد وﻣراﺗب اﻟﺣدﯾث‬
‫ـ ﻋﻠم ﻏرﯾب اﻟﺣدﯾث ـ ﻋﻠم اﻟﻣؤﺗﻠف واﻟﻣﺧﺗﻠف ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ أﺻــول اﻟﻔﻘــﻪ ‪ :‬اﻟﻘـرآن اﻟﻛـرﯾم ـ اﻟﺳــﻧﺔ اﻟﻧﺑوﯾــﺔ اﻟﻣﺷـرﻓﺔ ـ اﻹﺟﻣــﺎع ـ اﻟﻘﯾــﺎس ‪ ،‬اﻟــذي‬
‫ﯾﻧﻘﺳم إﻟﻰ ﻋدة ﻓﻧون ‪:‬‬
‫ـ ﻓن اﻟﻧظر ﻓﻲ ﺣﺟﯾﺔ ﻫذﻩ اﻷدﻟﺔ ‪.‬‬
‫ـ ﻣﻌرﻓﺔ طرق اﻟﻧﻘل ‪ ،‬وﻋداﻟﺔ اﻟﻧﺎﻗﻠﯾن ‪.‬‬
‫ـ ﻣﻌرﻓﺔ اﻷﺣﻛﺎم اﻟﺷرﻋﯾﺔ ‪.‬‬
‫ـ ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻧﺎﺳﺦ واﻟﻣﻧﺳوخ ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ اﻟﻔﻘﻪ ‪ ،‬وﯾﺷﻣل ‪ :‬ﻓﻘﻪ أﻫل اﻟرأي ـ وﻓﻘــﻪ أﻫــل اﻟﺣــدﯾث ـ ﻣـذﻫب اﻹﻣــﺎم ‪ /‬أﺑــﻲ ﺣﻧﯾﻔــﺔ‬
‫ـ ﻣــذﻫب اﻹﻣــﺎم ‪ /‬ﻣﺎﻟــك ﺑــن أﻧــس ـ ﻣــذﻫب اﻹﻣــﺎم ‪ /‬اﻟﺷــﺎﻓﻌﻲ ـ وﻣــذﻫب‬ ‫اﻟﻧﻌﻣــﺎن‬
‫اﻟظﺎﻫرﯾﺔ ـ ﻣذﻫب اﻟﺷﯾﻌﺔ ـ وﻣذﻫب اﻟﺧوارج ـ ﻣذﻫب اﻹﻣﺎم ‪ /‬أﺣﻣد ﺑن ﺣﻧﺑل ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ ﻋﻠم اﻟﻛﻼم ‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ ﻋﻠم اﻟﻔراﺋض )اﻟﻣﯾراث( ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ 9‬ـ ﻋﻠم اﻟﺧﻼﻓﯾﺎت ‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ ﻋﻠم آداب اﻟﻣﻧﺎظرة ‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ ﻋﻠم اﻟﺟدل ‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ ﻋﻠم اﻟﻣﺗﺷﺎﺑﻪ ﻣن اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻛرﯾم واﻟﺳﻧﺔ اﻟﻣطﻬرة ‪.‬‬
‫‪ 13‬ـ ﻋﻠم اﻟﺗﺻوف ‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ ﻋﻠم ﺗﻌﺑﯾر اﻟرؤﯾﺎ )ﺗﻔﺳﯾر اﻷﺣﻼم( ‪.‬‬
‫‪ 15‬ـ ﻋﻠم إﻋﺟﺎز اﻟﻘرآن اﻟﻣﺟﯾد ‪.‬‬
‫ب ـ ﻋﻠم اﻟﻠﺳﺎن اﻟﻌرﺑﻲ ‪ ،‬وﻓﯾﻪ ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ﻋﻠم اﻟﻠﻐﺔ اﻟذي ﯾﺿم ‪ :‬اﻟﻣﺟﺎز ـ وﻓﻘﻪ اﻟﻠﻐﺔ ـ اﻷﻟﻔﺎظ اﻟﻣﺷﺗرﻛﺔ ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ﻋﻠم اﻟﻧﺣو ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ﻋﻠم اﻟﺑﯾﺎن اﻟذي ﯾﺗﻧﺎول ‪ :‬ﻫﯾﺋﺎت اﻷﻟﻔﺎظ ـ دﻻﻟﺔ اﻷﻟﻔﺎظ ـ ﻋﻠم اﻟﺑدﯾﻊ ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ﻋﻠم اﻷدب اﻟذي ﯾﺿم ‪:‬‬
‫ـ اﻟﺷﻌر ﺑﺄﻏراﺿﻪ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻣﺛل ‪ :‬اﻟﻣدح ـ اﻟرﺛﺎء ـ اﻟﻬﺟﺎء ‪ ..‬إﻟﺦ ‪...‬‬
‫ـ اﻟﻧﺛر ﺑﻣﺎ ﻓﯾﻪ ﻣن ﻧﺛر ﻣﺳﺟوع ‪ ،‬وﻧﺛر ﻣرﺳل ‪.‬‬
‫ﺛﺎﻧ ًﯿﺎ ‪ :‬اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻔﻠﺴﻔﯿﺔ )اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ ( ‪:‬‬
‫ﯾﻌرض اﺑن ﺧﻠدون ﺑﻌد ذﻟك ﻟﻠﻌﻠوم اﻟﻔﻠﺳﻔﯾﺔ )اﻟﻌﻠوم اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ( ‪ ،‬ﺑﻣﺎ ﺗﺣﺗوﯾﻪ ﻣن‬
‫‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ﻋﻠم اﻟﻣﻧطق ‪ ،‬وﻓﯾﻪ ‪:‬‬
‫أ ـ اﻟﻘﯾﺎس ‪.‬‬
‫ب ـ اﻟﻣﻌﻘوﻻت ‪.‬‬
‫ج ـ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ ‪.‬‬
‫د ـ اﻟﺑرﻫﺎن ‪.‬‬
‫ﻫـ ـ اﻟﺳﻔﺳطﺔ ‪.‬‬
‫و ـ اﻟﺧطﺎﺑﺔ ‪.‬‬
‫ز ـ اﻟﺷﻌر ‪.‬‬
‫ح ـ اﻟﻛﻠﯾﺎت اﻟﺧﻣس ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ 2‬ـ اﻟﻌﻠم اﻟطﺑﯾﻌﻲ ‪ :‬ﯾﺗﻛﻠم ﻋن اﻟﻌﻠم اﻟطﺑﯾﻌﻲ اﻟذي ﯾﺷﻣل ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ﻋﻠم اﻟﺣﯾوان‬
‫‪ 2‬ـ ﻋﻠم اﻟﻧﺑﺎت ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ﻋﻠم اﻟﻣﻌﺎدن واﻟﻌﻧﺎﺻر ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اﻷﺟﺳﺎم اﻟﻔﻠﻛﯾﺔ ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ﻋﻠم اﻟﻧﻔس ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ ﻋﻠم اﻟﺳﻛون واﻟﺣرﻛﺔ ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ ﻋﻠم اﻟظواﻫر اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ ﻋﻠم اﻟطب اﻟذي ﯾﺗﻧﺎول ‪:‬‬
‫أ ـ ﻋﻠم اﻷدوﯾﺔ ‪.‬‬
‫ب ـ ﻋﻠم اﻷﻏذﯾﺔ ‪.‬‬
‫ج ـ ﻋﻠم أﺳﺑﺎب اﻟﻣرض ‪.‬‬
‫د ـ ﻋﻠم ﻋﻼﻣﺎت اﻟﻣرض ‪.‬‬
‫ﻫـ ـ ﻋﻠم وظﺎﺋف اﻷﻋﺿﺎء ‪.‬‬
‫و ـ ﻋﻠم اﻟﺣرﻛﺔ‬
‫‪ 9‬ـ ﻋﻠم اﻟﻛﯾﻣﯾﺎء‬
‫‪ 10‬ـ ﻋﻠم اﻟﻔﻼﺣﺔ )اﻟزراﻋﺔ ( ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ﻣﺎ وراء اﻟطﺑﯾﻌﺔ )أي اﻟﻌﻠم اﻹﻟﻬﻲ ( ‪ ،‬وﻓﯾﻪ ‪:‬‬
‫أ ـ اﻟوﺟود اﻟﻣطﻠق‬
‫ب ـ اﻟﻣﺎﻫﯾﺎت‬
‫ج ـ اﻟوﺣدة‬
‫د ـ اﻟﻛﺛرة‬
‫ﻫـ ـ اﻟوﺟوب‬
‫و ـ اﻹﻣﻛﺎن‬
‫ز ـ أﺣوال اﻟﻧﻔس ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ﺛم اﻟﻌﻠوم اﻟﻌددﯾﺔ أو اﻟﺗﻌﺎﻟﯾم ‪ ،‬وﺗﺷﻣل ‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ 1‬ـ ﻋﻠم اﻷرﺛﻣﺎطﯾﻘﻲ واﻟذي ﻓﯾﻪ ‪:‬‬
‫أ ـ ﻋﻠم ﻣﻌرﻓﺔ ﺧواص اﻷﻋداد‬
‫ب ـ ﺻﻧﺎﻋﺔ اﻟﺣﺳﺎب )ﻋﻠم اﻟﺣﺳﺎب(‬
‫ج ـ ﻋﻠم اﻟﺟﺑر واﻟﻣﻘﺎﺑﻠﺔ )اﻟﺗﻔﺎﺿل واﻟﺗﻛﺎﻣل(‬
‫د ـ ﻋﻠم اﻟﻣﻌﺎﻣﻼت اﻟﺣﺳﺎﺑﯾﺔ‬
‫ﻫـ ـ اﻟﻔراﺋض اﻟﺣﺳﺎﺑﯾﺔ‬
‫‪ 2‬ـ اﻟﻬﻧدﺳﺔ ‪ ،‬وﻣﻧﻬﺎ ‪:‬‬
‫أ ـ ﻋﻠم اﻟﺳطوح واﻷﻗدار اﻟﻣﺗﻧﺎﺳﺑﺔ‬
‫ب ـ ﻧﺳب اﻟﺳطوح‬
‫ج ـ ﻋﻠم اﻟﻣﻧطﻘﺎت واﻟﻘوى )اﻟﺟذور واﻟﻣﺟﺳﻣﺎت(‬
‫د ـ ﻋﻠم ﻫﻧدﺳﺔ اﻷﺷﻛﺎل اﻟﻛروﯾﺔ واﻟﻣﺧروطﺎت‬
‫ﻫـ ـ ﻋﻠم اﻟﺣﯾل‬
‫و ـ ﻋﻠم اﻟﻣﺳﺎﺣﺔ‬
‫ز ـ ﻋﻠم اﻟﻣﻧﺎظر ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ﻋﻠم اﻟﻬﯾﺋﺔ واﻟﻔﻠك ‪ ،‬وﻓﯾﻪ ‪:‬‬
‫أ ـ ﻋﻠم اﻷزﯾﺎج‬
‫ب ـ ﻋﻠم ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺷﻬور واﻷﯾﺎم واﻟﺗوارﯾﺦ‬
‫ج ـ ﻋﻠم اﺳﺗﺧراج ﻣواﺿﻊ اﻟﻛواﻛب‬
‫ﻋﻠم اﻟﺳﺣر‬ ‫دـ‬
‫ﻫـ ـ ﻋﻠم اﻟطﻠﺳﻣﺎت‬
‫و ـ ﻋﻠم أﺳرار اﻟﺣروف )ﻋﻠم اﻟﺳﯾﻣﯾﺎء(‬
‫‪5‬‬
‫ز ـ ﻋﻠم اﻟﻣوﺳﯾﻘﻰ ‪.‬‬
‫ﺳﻌﺔ إطﻼع ورؤﯾﺔ ﺛﺎﻗﺑﺔ ‪:‬‬

‫‪ -‬ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن ﺑن ﺧﻠدون ‪ ،‬ﻣﻘدﻣﺔ اﺑن ﺧﻠدون ‪ ،‬ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق‬ ‫‪5‬‬

‫‪14‬‬
‫إن ﻣــن ﯾﺗﺄﻣــل ﺗﺻــﻧﯾف اﺑــن ﺧﻠــدون ﻟﻠﻌﻠــوم واﻟﻣﻌــﺎرف واﻟــذي ﺟــﺎء ﻓــﻲ ﻣﻘدﻣﺗــﻪ‬
‫اﻟﺷﻬﯾرة ‪ ،‬ﯾﺟد أن اﻟرﺟل ﻟم ﯾﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ أن ﯾدرج اﻟﻌﻠــوم اﻷﺳﺎﺳــﯾﺔ ﻓﻘــط ‪ٕ ،‬واﻧﻣــﺎ أﺛﺑــت‬
‫ﻣﻌﻬﺎ ﻣــﺎ ﻛــﺎن ﻣﻘدﻣــﺔ ﻟﻬــﺎ وﺿــرورة ‪ ،‬ﺣﯾــث أن ﻋﻣﻠﯾــﺔ ﺗﺣﺻــﯾل اﻟﻌﻠــوم ﻻ ﯾﻣﻛــن أن ﺗــﺗم‬
‫إﻻ ﺑﻣﻌرﻓﺔ ﻣﻘدﻣﺎﺗﻬﺎ ‪ ،‬ﻓﻬو ﯾدرج اﻟﻌﻠوم اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ ﻛﺄﺳﺎس ﻟﻠﻌﻠوم اﻷﺧرى ‪.‬‬
‫ورﺑﻣﺎ ﯾﻛــون ﻫــذا ﻧﺎﺟﻣـﺎً ﻣــن اﻟﺧطــﺔ اﻟﻌﺎﻣــﺔ ﻟﺗﻔﻛﯾــر اﺑــن ﺧﻠــدون ﻛﻌــﺎﻟم و ﻛﻣﻔﻛــر‬
‫ﺣﯾــث أراد أن ﯾﻣﻬــد ﻟﻛــل ﻋﻠــم ﺑﻣﻘدﻣــﺔ ﺿــرورﯾﺔ ﻟــﻪ ‪ ،‬وﻣﺛــﺎل ﻋﻠــﻰ ذﻟــك ﺗﻣﻬﯾــدﻩ ﻟﻌﻠــم‬
‫اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﺑﻣﻘدﻣﺗﻪ ‪.‬‬
‫واﻟﺣ ـ ـ ــق ﻣﻌ ـ ـ ــﻪ ﻓ ـ ـ ــﻲ إﺿ ـ ـ ــﺎﻓﺔ ﺗﻠ ـ ـ ــك اﻟﻌﻠ ـ ـ ــوم ‪ ،‬وﻫ ـ ـ ــذﻩ اﻹﺿ ـ ـ ــﺎﻓﺔ ﺗﺑ ـ ـ ــرﻫن ﻋﻠ ـ ـ ــﻰ‬
‫ﺳ ـﻌﺔ إطﻼﻋــﻪ ‪ ،‬وﺗﺑﺣـ ـرﻩ ﻓ ــﻲ اﻟﻌﻠ ــم ‪ ،‬واﻣﺗﻼﻛــﻪ ﻷدواﺗــﻪ اﻟﺑﺣﺛﯾــﺔ ‪ ،‬ﻣﻣ ــﺎ ﻧ ــﺗﺞ ﻋﻧ ــﻪ ﻫ ــذﻩ‬
‫اﻟﻧظرة اﻟدﻗﯾﻘﺔ اﻟواﻋﯾﺔ ‪ ،‬ﺣﯾث ﺗﻌﺗﺑر اﻟﯾوم ﻣن أواﺋل اﻟﻌﻠوم وأﻫﻣﻬﺎ ‪ ،‬ﺑل ﻣن أﺳﺎﺳﯾﺎﺗﻬﺎ‬
‫‪،‬وﻧﻌﻧــﻲ ﺑﻬــذﻩ اﻟﻧظ ـرة ﻣــﺎ ﻛﺗﺑــﻪ اﺑــن ﺧﻠــدون ﻓــﻲ اﻟﺗرﺑﯾــﺔ واﻟﺗﻌﻠــﯾم ﻛﺄﺳــﺎس ﻣﺣــوري ﻟﺗﻠﻘــﻲ‬
‫اﻟﻌﻠـ ــوم واﻟﻣﻌـ ــﺎرف ‪ ،‬ﻓﻬـ ــو ﻋﻠـ ــﻰ ﺳـ ــﺑﯾل اﻟﻣﺛـ ــﺎل ‪ :‬ﯾـ ــﺗﻛﻠم ﻋـ ــن ﻋﻠـ ــم اﻟﻛﺗﺎﺑـ ــﺔ ‪ ،‬واﻷﻗـ ــﻼم‬
‫واﻟﺧطوط ‪ ،‬ﺑﺻﻔﺔ ﻫذا اﻟﻌﻠم أداة إﻟﻰ اﻟﻌﻠوم واﻷﺧذ ﺑﻬﺎ ‪.‬‬
‫وﻻ ﯾﻔوﺗﻧــﺎ أن ﻧﺷــﯾر إﻟــﻰ ﻣــﺎ ﻛﺗﺑــﻪ ﻋــن اﻟﻣﻘﺎﺻــد اﻟﺗــﻲ ﯾﻧﺑﻐــﻲ اﻋﺗﻣﺎدﻫــﺎ ﺑﺎﻟﺗــﺄﻟﯾف‬
‫‪6‬‬
‫ٕواﻟﻐﺎء ﻣﺎ ﺳواﻫﺎ ‪.‬‬
‫وﻛذﻟك ﻛﻼﻣﻪ ﻋن أن ﻛﺛرة اﻟﺗﺄﻟﯾف ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم ﻋﺎﺋﻘﺔ ﻋــن اﻟﺗﺣﺻــﯾل ‪ ،‬وأن ﻛﺛـرة‬
‫اﻻﺧﺗﺻﺎرات اﻟﻣؤﻟﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم ﻣﺧﻠﺔ ﺑﺎﻟﺗﻌﻠﯾم ‪ ،‬وﻧﺷﯾر إﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﺗﺑﻪ ﻋن وﺟﻪ اﻟﺻواب‬
‫‪7‬‬
‫ﻓﻲ ﺗﻌﻠﯾم اﻟﻌﻠوم وطرق اﻹﻓﺎدة ﻣﻧﻬﺎ ‪.‬‬
‫ﻛﻣـ ــﺎ ﻧﻠﻔـ ــت اﻻﻧﺗﺑـ ــﺎﻩ إﻟـ ــﻰ ﺣدﯾﺛـ ــﻪ ﻋـ ــن ط ارﺋـ ــق اﻟﺗرﺑﯾـ ــﺔ )طـ ــرق اﻟﺗرﺑﯾـ ــﺔ واﻟﺗﻌﻠـ ــﯾم‬
‫واﻟﻣﻧـ ــﺎﻫﺞ ﺑﻠﻐـ ــﺔ ﻋﺻ ـ ـرﻧﺎ( ‪ ،‬ﺣﯾـ ــث ﯾوﺿـ ــﺢ ﻣﺳـ ــﺄﻟﺔ ﺗﻌﻠـ ــﯾم اﻟوﻟـ ــدان واﺧـ ــﺗﻼف ﻣـ ــذاﻫب‬
‫اﻷﻣﺻــﺎر اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﻓﯾﻬــﺎ ‪ ،‬وﺗﺄﻛﯾــدﻩ ﻋﻠــﻰ أن اﻟﺷــدة ﻋﻠــﻰ اﻟﻣﺗﻌﻠﻣــﯾن ﻣﺿـرة ﺑﻬــم ‪ ،‬وأن‬
‫اﻟرﺣﻠــﺔ ﻓــﻲ طﻠــب اﻟﻌﻠــم وﻟﻘــﺎء اﻟﻣﺷــﯾﺧﺔ ﻣزﯾــد ﻛﻣــﺎل ﻓــﻲ اﻟــﺗﻌﻠم ‪ ،‬وأن اﻟﻌﻠﻣــﺎء ﻣــن ﺑــﯾن‬
‫اﻟﺑﺷر أﺑﻌد ﻋن اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ وﻣذاﻫﺑﻬﺎ ‪ ،‬وأن ﺣﻣﻠــﺔ اﻟﻌﻠــم ﻓــﻲ اﻹﺳــﻼم أﻛﺛــرﻫم ﻣــن اﻟﻌﺟــم ‪،‬‬
‫وﻗد ﻋﺎرﺿﻪ اﻟﻛﺛﯾر ﻣــن اﻟﻌﻠﻣــﺎء ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻟﺟزﺋﯾــﺔ ‪ ،‬وﻛﻧــﺎ ﻧﺄﻣــل ﻓــﻲ أن ﻧﺳــﺗﻔﯾض ﻓﯾﻬــﺎ‬

‫‪ - 6‬اﺑن ﺧﻠدون ‪ ،‬ﻣﻘدﻣﺔ اﺑن ﺧﻠدون ‪ ،‬اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ‪ ،‬ص ‪497‬‬


‫‪ - 7‬اﺑن ﺧﻠدون ‪ ،‬ﻣﻘدﻣﺔ اﺑن ﺧﻠدون ‪ ،‬اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق ‪ ،‬ص ص ‪ 500‬ـ ‪502‬‬

‫‪15‬‬
‫ﺑﺷﻛل ﻋﻠﻣﻲ ﺑﻌﯾـ ًـدا ﻋــن اﻟﻌﺻــﺑﯾﺔ واﻟﻘﺑﻠﯾــﺔ ‪ ،‬وﻟﻛــن اﻟﻣﻘــﺎم ﻻ ﯾﺳــﻣﺢ ‪ ،‬ﺣﯾــث ﻫــدﻓﻧﺎ ﻫــو‬
‫‪8‬‬
‫اﻟﻛﻼم ﻋن دور اﻟﻌﻼﻣﺔ ‪ /‬اﺑن ﺧﻠدون ﻓﻲ ﻣﺟﺎل ﺗﺻﻧﯾف اﻟﻌﻠوم واﻟﻣﻌﺎرف ‪.‬‬
‫ﺧﺎﺗﻣﺔ وﺗوﺻﯾﺔ ‪:‬‬
‫وأﺧﯾ اًر ﻓﺈن ﻣﻘدﻣــﺔ اﺑــن ﺧﻠــدون ﺗﻌﺗﺑــر ﻣــن ﺧﯾــر ﻣــﺎ ﻛﺗــب ﻓــﻲ ﻋﻠــوم اﻹﻧﺳــﺎن ﻓــﻲ‬
‫اﻟﻌﺻ ــر اﻟـــذي ﻛﺗﺑ ــت ﻓﯾ ــﻪ ‪ ،‬ﻣﻣﺛﻠـــﺔ ﻷدق اﻟﻧظرﯾ ــﺎت اﻟﻌﻠﻣﯾ ــﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾ ــﺔ واﻟﺗﺎرﯾﺧﯾـ ــﺔ‬
‫واﻟﻔﻛرﯾــﺔ ‪ ،‬وﺑﻣﻌﻧــﻰ آﺧــر ﻫــﻲ ﺧﯾــر دﻟﯾــل ﻟﻣــن أراد اﻹطــﻼع ﻋﻠــﻰ أﺣ ـوال اﻟﻣﻌرﻓــﺔ ﻓــﻲ‬
‫ﻋﺻر اﺑن ﺧﻠدون ‪ ،‬وﻟﻌل ذﻟك ﺳر ﺑﻘﺎﺋﻬﺎ ﺑﻘﯾﻣﺗﻬﺎ اﻟﻔﻛرﯾﺔ ﺣﺗﻰ ﻋﺻرﻧﺎ اﻟراﻫن ‪.‬‬
‫وﻋﻠﯾــﻪ ﻓﺈﻧــﻪ ﺑــﺎﻟرﻏم ﻣﻣــﺎ ﻛﺗــب ﻋــن ﻫــذا اﻟﻌــﺎﻟم اﻟﻛﺑﯾــر ﻓﺈﻧــﻪ ﻟــم ﯾﻧــل ﺣظــﻪ ﻣــن‬
‫اﻟﺑﺣث واﻟدرس وﺑﺎﻟذات ﻓﻲ ﻣﺟﺎل د ارﺳــﺗﻪ ﻷﺣـوال اﻟﻣﻌرﻓــﺔ ﻓــﻲ ﻋﺻـرﻩ ‪ ،‬واﺿــﻌﯾن ﻓــﻲ‬
‫اﻻﻋﺗﺑـ ـ ــﺎر أن ﻧﻘـ ـ ــوم ﺑد ارﺳـ ـ ــﺔ ﻟﻬـ ـ ــذا اﻟﺟﺎﻧـ ـ ــب ﻓـ ـ ــﻲ د ارﺳـ ـ ــﺔ ﻋﻠﻣﯾـ ـ ــﺔ ﻣوﺳـ ـ ــﻌﺔ ﺑـ ـ ــﺈذن اﷲ‬
‫ﺗﻌﺎﻟﻰ ‪.‬‬
‫ﺧﺗﺎﻣــﺎ ﻧؤﻛــد ﻋﻠــﻰ أﻧﻧــﺎ ﻧﺄﻣــل ﻓــﻲ اﻟﻣزﯾــد ﻣــن اﻟد ارﺳــﺎت واﻷﺑﺣــﺎث اﻟﻣﻣﻧﻬﺟــﺔ‬
‫و ً‬
‫اﻟﺗــﻲ ﺗﺗﻧــﺎول ﻣوﺿــوع ﺗﺻــﻧﯾف اﻟﻌﻠــوم واﻟﻣﻌــﺎرف ﻋﻧــد اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ‪ ،‬وﺑﯾــﺎن ﺧﺻــﺎﺋص و‬
‫ﺧطــط اﻟﻣﻔﻛـرﯾن اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﻓــﻲ ﻫــذا اﻟﻣﺟــﺎل ‪ ،‬إذ أن ﺣداﺛــﺔ ﻫــذا اﻟﻌﻠــم ﻧﺳــﺑﯾﺎً ﻓــﻲ اﻟــﺑﻼد‬
‫اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﯾﻌﻠــل ﻟﻧــﺎ ﻗﻠــﺔ اﻟﺗــﺄﻟﯾف ﻓــﻲ ﻣﯾداﻧــﻪ ‪ ،‬وﻣــن ﻫﻧــﺎ ﻧطﺎﻟــب أﻫــل اﻟﺑﺣــث واﻟــدرس‬
‫ﺑﺗﻧــﺎول ﻫــذا اﻟﻌﻠــم ﺑﺟواﻧﺑــﻪ وﻣﺳــﺎﺋﻠﻪ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ ﺑﺻــورة ﻋﻠﻣﯾــﺔ أﻋﻣــق وأدق ‪ ،‬ﺑﻠوﻏ ـﺎً إﻟــﻰ‬
‫اﻟﻬدف واﻟﻐﺎﯾﺔ ‪.‬‬

‫واﷲ ﺗﻌ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎﻟﻰ وﻟ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻲ اﻟﺗوﻓﯾ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق ‪،،‬‬


‫ﻣﺻطﻔﻰ ﯾﺳري ﻋﺑد اﻟﻐﻧﻲ‬
‫ﺑﺎﺣث أﻛﺎدﯾﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‬

‫اﻟﺳﺎدس ‪ ،‬اﻟﻔﺻل اﻟ ارﺑــﻊ [‬ ‫‪ -‬ﯾﻣﻛن ﻟﻠﻘﺎرئ اﻟﻛرﯾم أن ﯾراﺟﻊ ]اﺑن ﺧﻠدون ‪ ،‬اﻟﻣﻘدﻣﺔ ‪ ،‬اﻟﺑﺎب‬ ‫‪8‬‬

‫ﻟﺗﻌم اﻟﻔﺎﺋدة ﺑﺈذن اﷲ ‪.‬‬

‫‪16‬‬
17

You might also like