Professional Documents
Culture Documents
Adha Hira Al Qur A Aniya
Adha Hira Al Qur A Aniya
كأنك معه
صفة حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم كأنك معه
َّ
كأنك معه
صفة حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم كأنك معه
عبد الوهاب بن نارص الطريري
بريدة: الرياض:
هاتف0163826466 : هاتــف0112081920 :
فاكس0163830053 : فاكــس0112081902 :
َّ
كأنك معه
صفة حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم كأنك معه
تأليف
عبد الوهاب بن نارص الطريري
الطبعة الرابعة
مزيدة ومنقحة
مع عرض مصور ملعامل حجته صىل اهلل عليه وآله وسلم
تكرم بإفاديت
ملعايل شيخي الشيخ عبد اهلل بن سليامن بن منيع ،والذي َّ
بمالحظات مهمة وإضافات ق ِّيمة أحلقتها كلها يف هذا الكتاب.
وللشيخ عبد امللك بن عبد اهلل بن دهيش رمحه اهلل ،والذي حتامل عىل
مرضه؛ وصحبني يف جولة عىل معامل مكة ،فهو الذي عرفها قبل أن يوضع
حجر عن حجر.
وألخي الشيخ محد بن حممد الغامس ،والذي كان األهل والدار يف البلد
احلرام ،حفاوة وضيافة وكر ًما وقيا ًما بكل ما نحتاج.
وألخي د .معراج بن نواب مرزا ،والذي بذل يل بسخاء مقتنياته من
الصور النادرة واخلرائط القديمة عن معامل مكة املكرمة.
وألخي طارق بن عبد اهلل املسفر ،والذي صحبته يف رحلة احلج ،كام
صحبته يف رحلة العمر.
وألخي د .عبد اهلل بن محد السكاكر ،وأخي د .إبراهيم بن عبد العزيز
الزيد ،وأخي د .عبد اهلل بن نارص الصبيح ،وخايل نارص بن عبد اهلل املحمود،
وأخي د .سامي بن عبد العزيز املاجد ،وأخي د .خالد بن فهد البهالل؛ فقد
كأنك 5
معه
شكر وتقدير كأنك معه
تكرموا بإفاديت بمالحظاهتم عىل الكتاب قبل طبعه ،وألخي مجعان بن عبد َّ
اهلل العسريي يف املدينة املنورة ،وأخي عبد العزيز بن عيل القريش ،وأخي
مشكورا يف التنقل
ً عيل بن عليان الفهمي يف مكة املكرمة؛ فقد بذلوا جهدً ا
بني املعامل وتصوير املشاهد.
املؤرخ
املؤرخ أمحد النعامين ،وأخي األستاذ ِّ كام أشكر أخي الشيخ ِّ
وحتمال عناء الطريق
مشكورا َّ
ً عبد احلافظ القريقري ،فقد بذال معي جهدً ا
رست بصحبتهام يف طريق األنبياء عليهم السالم بنيُ وو ْعثاء السفر؛ حيث َ
وأفدت من علمهام
ُ مكة واملدينة ،متت ِّبعني منازله ومسالكه ومطالعه وثناياه،
وخربهتام.
فلهم مجي ًعا من اهلل األجر املضاعف والثواب اجلزيل ،وهلم مني صادق
الشكر ،وخالص الدعاء.
6كأنك
معه
رحلة مع الرسول
صلى اهلل عليه وآله وسلم
السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته..
حتية من عند اهلل مباركة طيبة ،وبعد:
فهذه رحلة بالقلب والوجدان ،نخرق فيها حجب الزمن ،ونطوي
حقب التاريخ ،نرشف فيها عىل أعظم سفر وأكرم مسافر ،مع رسول اهلل
صىل اهلل عليه وآله وسلم يف سفره ذاك ،وقد تتام عمره ،وب َّلغ دعوته ،وأدى
وقرت عينه صىل اهلل عليه وآله وسلم بظهور
رسالته ،وأنجز اهلل له وعدهَّ ،
الدين وهداية الناس.
هذه رحلة مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ،تعيش فيها معه
كأنك تراه ال يغيب عنك خياله ،وال خيفى عليك يشء من حاله ،فليس َث َّم
يشء من أمره إال وقد ُحفظ عنه ونُقل إلينا ،فكأنَّا نراه رأي عني.
هذه رحلة أفضل خلق اهلل إىل أفضل البقاع وأحبها إىل اهلل ،حيث ولد
صىل اهلل عليه وآله وسلم ونشأ ،وشب وحتنَّث ،ونزل الوحي عليه أول ما
نزل ،وب َّلغ الرسالة وصدع بام ُأ ِمر ،فكانت فِجاج مكة و َع َر َصاهتا مرشق
كأنك 7
معه
املقدمة كأنك معه
النبوة ومنطلق الدعوة ،فكم شهدت ِشعاهبا ِ
وو َها ُدها جهده وجهاده،
وصربه وبالءه ،ففي كل ِش ْعب تاريخ ،وعند كل جبل قصة.
ثم ها هو صىل اهلل عليه وآله وسلم يعود بعد أن متت النعمة ،وعظمت
املنة ،وكمل الدين ،واجتمعت إليه أطراف اجلزيرة ،ها هو يعود وهو يرى
أمته مؤمنة به ،متبعة لهُ ،م ِص ْي َخ ًة إليه ،ليقيم هلم آخر أركان اإلسالم ،وليقول
هلم« :خذوا عني مناسككم»( ،)1كام قال هلم من قبل« :صلوا كام رأيتموين
ُأ يِّ
صل»(.)2
هذه رحلة نرحل فيها بأرواحنا ومشاعرنا يف أعظم مسري وأقدس سفر،
فذاك رسول اهلل ،وتلك بلد اهلل ،وهذا احلج إىل بيت اهلل .
فيا كل مؤمن برسالة رسول اهلل ،ويا كل حمب ملحمد بن عبد اهلل ،ويا
متوجها إىل بيت اهلل ،
ً ملب هلل ،ضارب يف األرض أو سابح يف السامء
كل ٍّ
أحرض قلبك وشعورك ومشاعرك لتصحب بوجدانك ركبه صىل اهلل عليه
وآله وسلم ،فرتى مشاهد تأخذ بمجامع القلوب ،وسرية عطرة تستجيش
املشاعر والشعور ،وال تزال تتأمل يف مشاهد هذه الرحلة حتى تتداعى
إليك رائعات املعاين بأمجل الدروس وأعظم العرب.
إنه احلديث احلبيب عن رحلة احلبيب وهو يقود املسلمني لريهيم
مناسكهم ،ويعلمهم كيف حيجون بيت رهبم.
وإن زادنا يف رحلتنا هذه مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم إيامننا
املوقن به ،وحبنا الشاغف له ،وشوقنا الالهف إليه ،واستشعارنا عظيم منة
اهلل علينا ببعثته فينا :ﱹ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
8كأنك
معه
املقدمة كأنك معه
ﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯴﯵ
ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﱸ [آل عمران.]164:
فصلوات اهلل وسالمه وبركاته عىل سيدنا ونبينا حممد النبي الصادق
األمني ،وعىل آل بيته الطيبني الطاهرين ،وسائر الصحابة أمجعني ،و َمن
تبعهم بإحسان إىل يوم الدين .واحلمد هلل رب العاملني.
/Altriri
Altriri@gmail.com
www.youtube.com/altririTV
www.altriri.net
كأنك 9
معه
�صورة قدمية للكعبة
10كأنك
معه
�صورة قدمية للم�سجد النبوي وخلفه ب�ساتني النخيل
12كأنك
معه
أفواجا ،وسرَ َ َب ْت قبائل
ً الناس يف دين اهلل
نرص اهلل والفتح ،ودخل ُ جاء ُ
العرب من أنحاء اجلزيرة ت َُؤ ُّم َط ْيبة ال َّط ِّيبة ،وافد ًة إىل رسول اهلل صىل اهلل
وبره ،ويغشاهم نوره وهداه ،فانشغل عليه وآله وسلم ،فيسعهم خلقه ُّ
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم هبم ،وحبس نفسه هلم.
ُ
ورسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يتل َّقى هذه و َت َق َّصفت سنة تسع
ِ
الوفود ت َبا ًعا ،حتى ُس ِّميت سن ُة تسعٍ :عا َم ُ
الوفود.
وتنزلت يف هذه السنة -التاسعة للهجرة -آي ُة فرض احلج عىل أمة حممد َّ
صىل اهلل عليه وآله وسلم( :ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ)([ )3آل عمران ،]97:فلم يستطع صىل اهلل
ص للحج؛ النشغاله بتل ِّقي وفود اإلسالم ،فأرسل
الش ُخ ْو َ
عليه وآله وسلم ُّ
أبا بكر ريض اهلل عنه ليحج بالناس ،وأتبعه عل ًّيا ريض اهلل عنه بسورة
براءة يقرؤها يف مشاهد الناس :ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
كأنك 13
معه
�صورة تقريبية تخيلية للم�سجد النبوي
14كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺﭻ ...ﮊ [التوبة.]3-1:
حيج و ُأ ِ
تطهري البيت من أرجاس اجلاهلية ،فـ «ال ُّ
ُ علن يف هذا املوسم
يطوف بالبيت ُعريان»(.)4
ُ ٌ
مرشك ،وال بعد هذا العام
واستدار الزمان كهيئته يوم خلق اهلل السموات واألرض ،وعادت مكة
طاهرة مطهرة كام تركها إبراهيم وإسامعيل عليهام السالم ،وكأنام كانت
حجة أيب بكر وعيل ريض اهلل عنهام بالناس هتيئة وإعدا ًدا حلجة رسول اهلل
صىل اهلل عليه وآله وسلم ،حجة الوداع.
الناس
َ ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم فلام دخلت سنة عرش َ
آذن
حاج سنتَه هذه ،فلم يبق أحدٌ يقدر أن يأيت راك ًبا أو
باحلج ،وأعلمهم أنه ٌّ
راجلاً إال قدم؛ فقدم املدينة برش كثري كلهم يريد أن يأتم برسول اهلل صىل
اهلل عليه وآله وسلم ،ويصحبه يف حجته تلك(.)5
فلام كان يوم اجلمعة الرابع والعرشين من شهر ذي ال َقعدة ،خطب
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم خطبة اجلمعة ،وحوله تلك اجلموع التي
ُّ
وافت املدينة لتحج معه ،فكان من أوىل ما يذكِّرهم به ما جاؤوا من أجله،
احلج،
إن اهلل عز وجل قد فرض عليكم َّ
الناسَّ ،
ُ وهو احلج ،فقال« :أهيا
فحجوا» .فقال األقرع بن حابس ريض اهلل عنه :أيف كل عام يا رسول اهلل؟
ُّ
فسكت عنه صىل اهلل عليه وآله وسلم حتى أعادها ثال ًثا ،فقال« :ال ،ولو
قلت :نعم؛ لوجبت ،ومل تستطيعوا أن تعملوا هباَ ،ذ ُروين ما تركتكم؛ فإنام
ُ
كأنك 15
معه
�صورة قدمية الجتماع احلجاج يف املدينة
ميا
املدينة املنورة -املناخة قد ً
16كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
هلك َمن كان قبلكم بكثرة سؤاهلم واختالفهم عىل أنبيائهم ،فإذا أمرتكم
باليشء فخذوا منه ما استطعتم ،وإذا هنيتكم عن يشء فاجتنبوه ،احلج مرةً،
تطو ٌع»(.)6
فام زاد فهو ُّ
وجعلوا يسألونه وهو عىل املنرب ،فسألوه عن مواقيت اإلهالل باحلج،
اجل ْح َفة ،ويهُ ِ ُّل احل َليفة ،ويهُ ِ ُّل ُ
أهل الشام من ُ فقال« :يهُ ِ ُّل ُ
أهل املدينة من ذي ُ
أهل ن َْجد من َق ْرن ،ويهُ ِ ُّل َأ ُ
هل اليمن من َي َل ْم َل َم»(.)7 ُ
نلبس من وناداه رجل وهو خيطب ،فقال :يا رسول اهلل ،ما تأمرنا أن َ
الرساويل ،وال ِ
العامم َة، َ القميص ،وال الثياب إذا أحرمنا؟ فقال« :ال تلبسوا
َ
وال البنُس ،وال ثوبا مسه ورس وال زعفران ،وال ِ
اخلفاف ،إال أحدٌ ال ً َّ َ ْ رُ ْ َ
جيد نعلني ،فليلبس خفني ،وليقطعهام أسفل من الكعبني ،وال تنتقب املرأة
املحرمة ،وال تلبس القفازين»(.)8
وجعل صىل اهلل عليه وآله وسلم جييبهم ويع ِّلمهم أحكام نسكهم وهو
عىل املنرب.
فلام كان يوم السبت اخلامس والعرشين من شهر ذي ال َقعدة ،صلىَّ
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم الظهر باملدينة أرب ًعا ،ثم خرج صىل اهلل
متوج ًها إىل مكة ،سالكًا
ِّ ترجل وا َّدهن،
عليه وآله وسلم من املدينة بعدما َّ
طريق الشجرة( ،)9وهي الطريق التي متر اليوم بمحاذاة حمطة العنربية ،وثنية
ا ُملدَ َّرج ،حتى تفيض إىل ذي ا ُ
حلليفة.
وان َْج َف َل ْت معه اجلموع املؤمنةِ ،ر َجالاً وركبانًاِ ،خفا ًفا وثِقالاً ،معهم
كأنك 17
معه
حمطة العنربية على الطريق �إىل ذي احلليفة
18كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
النساء والولدان( ،)10حتى خرجت معه أسامء بنت ُع َم ْيس زوجة أيب
بكر الصديق ريض اهلل عنهام ،وهي يف طلق الوالدة ،وعمته ُض َباعة بنت
الزبري بن عبد املطلب ريض اهلل عنها ،وكانت امرأة ثقيلة وجعة ،فخشيت
ُّ
أن تنقطع ،فال تستطيع إكامل احلج إذا بدأت فيه ،فقالت :يا رسول اهلل،
إين أريد احلج وأنا شاكية؟ فقال هلا رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم:
اللهم ِحم يِّل حيث َح َب ْستني .فإن لك عىل ربك ما
َّ «ح ِّجي واشرتطي ،وقويل:
ُ
استثنيت»(.)11
سار صىل اهلل عليه وآله وسلم من َط ْيبة ال َّط ِّيبة ،واستعمل عليها أبا
ُدجانة الساعدي ريض اهلل عنه( ،)12وخرج منها وهي هادئة وادعة ،وكأهنا
مل تكن املدينة التي كانت حتارصها أحزاب القبائل قبل مخس سنوات؛
حتى بلغ الكرب باملؤمنني كل مبلغ ،وابتُيل املؤمنون فيها وزلزلوا زلزالاً
شديدً ا (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [األحزاب.]10:
مرت كلمح بالبرص ،فإذا املدينة ما أقرص مخس سنوات يف عمر الزمنَّ ،
املكروبة اخلائفة تصبح القرية اآلمنة املطمئنة التي تؤ ُّمها القبائل ،وت َِفدُ إليها
الوفود ،ويلتقي فيها احلجيج من كل أطراف اجلزيرة؛ ليسريوا يف إثر هذا
الرسول الكريم صىل اهلل عليه وآله وسلم.
أال ما أعظم كرامة هذا النبي عىل ربه يوم أقر عينه بصدق موعوده
(ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
ﭬ ﭭ ﭮ) [التوبة.]33:
كأنك 19
معه
م�سجد الفتح
م�ساجد الفتح التي �أقيمت على تخوم اخلندق غربي جبل �سلع،
حيث كان مع�سكر امل�سلمني يف معركة الأحزاب
20كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
كاب الرشيف خيطو خطواته األوىل من َط ْيبة ال َّط ِّيبة إىل مكة
الر ُ
ف ِّ
َد َّ
املكرمة يف واسطة النهار؛ لتبدأ رحلة املصطفى صىل اهلل عليه وآله وسلم
حلجة الوداع.
َو َص َل صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل ذي ا ُ
حلليفة ،وتسمى اليوم( :أبيار
عيل)( ،)13وهي بطحاء يف وادي ال َع ِقيق بني بطن الوادي وبني الطريق
السالك إىل مكة ،وهي ميقات أهل املدينة ،وصلها قبل صالة العرص ،فنزل
هناك ،وكان نزوله صىل اهلل عليه وآله وسلم بني املسجد الذي ببطن الوادي
وبني الطريق ،وس ًطا من ذلك(.)14
ويظهر أن منزله ومسجده صىل اهلل عليه وآله وسلم مما شملته توسعة
مسجد امليقات اليوم.
وانترش الناس معه يف وادي ال َع ِقيق ،فصلىَّ به العرص ركعتني()15؛ إذ هو
قد أرشع يف السفر ،وأقام به يومه ذلك ،وبات ليلته تلك ،وكأنام أراد صىل
اهلل عليه وآله وسلم باإلقامة يو ًما كاملاً يف وادي ال َع ِقيق انتظار الناس حتى
واسع يناسب نزول
ٌ يتتابعوا إليه ،ويدركه َمن َب ُعد عنه ،وألنه مكان َأ ْف َي ُح
الناس وانتشارهم فيه ،فهو أرفق هبم من ازدحامهم يف املدينة.
ويف ليلته تلك طاف صىل اهلل عليه وآله وسلم عىل نسائه( ،)16وكن
كلهن معه يف سفره هذا ،ويف طوافه عليهن يف هذه الليلة إيناس لقلوهبن
وتطييب ألنفسهن؛ حيث سينشغل عنهن بعدُ بأعباء السفر ،والقيام بأمر
الناس ،قيادة ورعاية وتعليماً .
وتتنزل عليه
بات صىل اهلل عليه وآله وسلم ليلته تلك تكلؤه رعاية اهللَّ ،
كأنك 21
معه
وادي العقيق الوادي املبارك
22كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
مالئكته ،ويتتابع عليه الوحي من ربهُ ،فأري يف املنام مكانه الذي نزل فيه،
آت ِم ْن َر يِّب،
«أتَانيِ ال َّلي َل َة ٍ
ْ وقيل له« :إنك ببطحاء مباركة» .فلام أصبح قالَ :
ٍ ِ ِ
«من َف َق َالَ :ص ِّل يِف َه َذا ا ْل َوادي ا ُمل َب َاركَ ،و ُق ْلُ :ع ْم َر ٌة يِف َح َّجة» .وقال للناسَ :
ومن أراد أن يهُ ِ َّل بحج فل ُي ِه َّلَ ،
ومن َّ
فليهلَ ، أراد منكم أن يهُ َّل بحج وعمرة
أراد أن يهُ ل بعمرة فل ُي ِهل»(.)17
ويف ليلته هذه ولدت أسامء بنت ُع َم ْيس ولدها حممد بن أيب بكر،
َ
رسول اهلل صىل اهلل عليه فأرسلت زوجها أبا بكر ريض اهلل عنه يسأل هلا
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم
َّ وآله وسلم كيف تصنع؟ فأتى أبو بكر
فأخربه ،فأمره صىل اهلل عليه وآله وسلم أن يأمرها أن تغتسل ،وتتح َّفظ
بخرقة متنع سيالن الدم عليها ،ثم تهُ ِل باحلج ،وتصنع ما يصنع الناس ،إال
أهنا ال تطوف بالبيت(.)18
ثم هت َّيأ صىل اهلل عليه وآله وسلم إلحرامه غاية التهيؤ ،حتى لتستشعر من
هت ُّيئه ِع َظم العبادة التي سيدخلها ،فيحتفل هلا هذا االحتفال ،ويستقبلها هذا
االستقبال ،فساق اهلَدي ،ودعا بناقة من َهديهَ ،فأ ْش َع َرها يف صفحة َسنَامها
للهدي وتعظيماًإشهارا َ
ً وس َل َت عنها الدم وق َّلدها( )19نعلني()20؛
األيمنَ ،
لشعائر اهلل (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [احلج.]36:
وأرسل ب ُبدْ نِه مع ناجية اخلزاعي ريض اهلل عنه( )21يسوقها إىل مكة،
ب منها؟ أيُ :أصيب يف الطريق ِ َ
أصنع بام َعط َ
ُ رسول اهلل ،كيف فقال :يا
ثم ا ْغ ِمس
بكرس أو نحوه ،فقال له صىل اهلل عليه وآله وسلم« :انحرهاَّ ، ٍ
كأنك 23
معه
�صورة قدمية مل�سجد ال�شجرة بذي احلليفة
24كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
خل بينها وبني الناس ،فليأك ُلوها،نع َلها يف دمها ،ثم ارضب به صفحتَها ،ثم ِّ
أنت ،وال أحدٌ ِم ْن رفقتك»(.)22
وال تأكل منها َ
وجترد صىل اهلل عليه وآله وسلم إلحرامه واغتسل ،فغسل رأسه َّ
بخ ْط ِمي وأشنان( ،)23ودهنه بيشء من زيت غري كثري ،ثم َل َّبد رأسه بالعسل،
ِ
حتى جيتمع شعره وال يتشعث وينترش ،وتط َّيب من ك َّفي عائشة ريض اهلل
وتضمخ بال ِّطيب ،فكان صىل اهلل عليه وآله َّ عنها بأطيب ال ِّطيب عندها،
ِ
يب يف مفارق رأسه وسلم وهو الط ِّيب املط َّيب َينْ َف ُح طي ًبا ،و ُيرى َوبِ ُ
يص ال ِّط ِ
وحليته بعد ذلك(.)24
لبس صىل اهلل عليه وآله وسلم إحرامه ،وصلىَّ الظهر ،ثم ركب ناقته
ال َق ْصواء ،عىل غاية من اخلشوع واخلضوع والتعظيم لرب العاملني ،متواض ًعا
هلل ،مع ِّظماً لشعائره(.)25
فإن سألت عن رحله ووطائه ،فإن نبيك صىل اهلل عليه وآله وسلم قد
ث وقطيفة ال تساوي أربعة دراهم ،فلام انبعثت ركب راحلته وعليها َر ْح ٌل َر ٌّ
ياء فِيها وال ُس ْمع َة ،لبيك
هم َح َّج ًة ال ِر َ
به راحلته استقبل القبلة ،وقال« :ال َّل َّ
حجة وعمرة»(.)26
وإن سألت عن متاعه وزاده ،فإنه ما حتمله زاملة( )27أيب بكر ريض اهلل
عنه ،فكانت زاملته وزاملة أيب بكر واحدة(.)28
ولك أن تتفكَّر :ما الذي صحبه صىل اهلل عليه وآله وسلم من متاع
الدنيا وزينتها ،إذا كان كل ما محله هو ما قاسمه ظهر زاملة أيب بكر ريض
اهلل عنه؟!
كأنك 25
معه
الراحلة وعليها الرحل
26كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
كأنك 27
معه
ميا
�آبار علي بذي احلليفة قد ً
28كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
كأنك 29
معه
�شرف البيداء
فج الروحاء
30كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
والعمل ،لبيك ذا النعامء والفضل احلسن ،لبيك مرهو ًبا منك ومرغو ًبا
ُ
رسول اهلل صىل اهلل إليك ،لبيك ح ًّقا ح ًّقا ،تع ُّبدً ا ِ
ور ًّقا»( .)38فلم َي ُرد عليهم
عليه وآله وسلم منه شي ًئا ،ولزم صىل اهلل عليه وآله وسلم تلبيته(.)39
زحفت تلك اجلموع عىل هذه احلال؛ هتاف بالتلبية ،و َع ِج ٌ
يج بالذكر،
الروحاء حتى ُب َّح ْت أصواهتم من
وإعالن بشعار احلج ،فلم يبلغوا َّ
التلبية(.)40
أطياف األنبياء:
ِ ُ
اح، رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم فهو يقطع هذه ال َف َي َ
ايف الف َس َ أما
مر
بمن َّ تروي له خربها ،وحتدِّ ثه َووهادها وآكامها وأوديتها ِ وكأنام جباهلا ِ
هبا ،فرتاءت لرسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم أطياف األنبياء عليهم
السالم الذين ساروا َيؤ ُّمون هذا البيت قبله ،كأنام يراهم أمامه ،ويرافقهم
يف مسريه.
ك َفج الرو ِ
اجا، سبعون نب ًّياُ ،ح َّج ً
َ حاء الر ْو َحاء قال« :لقد َس َل َ َّ َّ ْ بفج َّ فلام مر ِّ
وف»(.)41 عليهم ثياب الص ِ
ُ ُّ
«أي َثن ِ َّي ٍة هذه؟» .قالواَ :ثن َّية َه ْر َشى .قال« :كأين َأن ُظ ُر ِ ٍ
وملا مر ب َثن َّية قالُّ :
راء َج ْعدَ ٍة( ،)42عليه ُج َّب ٌة ِمن ح َ
ٍ
بن َمتَّى عليه السال ُم عىل ناقة مَ ْ يونس ِ
َ إىل
وهو ُي َل ِّبي»(.)44 ِِ ٍ ِ
ُصوف ،خطا ُم نَا َقته ُخ ْل َب ٌة(ُ ،)43
واد هذا؟» .قالوا :وادي األزرق .قال: وملا مر بوادي األَ ْزر ِق قال« :أي ٍ
ُّ َ
م ُطوم بخُ ْل َبة ،واض ًعا إص َب َع ْي ِه يف ُأ ُذ َن ْي ِه وسى عىل مجل أمحر خَ ْ «كأن َأن ُظ ُر إىل ُم َ
يِّ
كأنك 31
معه
ثنية هر�شى
ثنية هر�شى
32كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
له ُج َؤ ٌار( )45إىل اهلل بال َّت ْلبِ َي ِةَ ،م ًّارا هبذا الوادي»(.)46
بكر ،أي ٍ
واد هذا؟» .قال :وادي ان قال« :يا أبا ٍ ُّ وملا مر بوادي ُع ْس َف َ
ح ٍر(ُ )47خ ُط ُمها ال ِّل ُ ٍ ُع ْسفان .قالَ « :ل َقدْ َم َّر بِ ِه هو ٌد
يف، وصالح علىَ َبكَرات مُ ْ ٌ
البيت ال َعتِ َيق»(.)49
َ ون
ون حَي ُّج َ ِّامر(ُ ،)48ي َل ُّب َ
وأرد َيتُهم الن ُ
ُأزُرهم العباءِ َ ،
ََ ُ ُ ُ
إهنا شعرية ضاربة يف عمق الزمن ،تتابع فيها أنبياء اهلل ورسله عليهم
السالم ،فهل تتذكر أهيا املؤمن وأنت حتج بيت اهلل أنك تسري يف إثر هذه
القافلة العظيمة من أنبياء اهلل ورسله؟ يف طريق سار فيه هود وصالح
وإبراهيم وموسى ويونس وحممد صىل اهلل عليهم وسلم ،وسيتبعهم فيه
عيسى ابن مريم عليه السالم ،كام قال صىل اهلل عليه وآله وسلمَ « :ل ُي ِه َّل َّن
اجاَ ،أ ْو ُم ْعت َِم ًراَ ،أ ْو َل َي ْثن ِ َين َُّهم»(.)50 ِ
الر ْو َحاءَ ،ح ًّ ا ْب ُن َم ْر َي َم بِ َف ِّج َّ
إنك وأنت تسري هذا املسري تستشعر أنك ذو نسب يف اهلداية عريق.
إنه مسري سار فيه أنبياء اهلل ورسله عليهم السالم ،فادع ربك الذي
سيرَّ ك يف طريقهم الذي سلكوه أن جيمعك هبم يف نزهلم غدً ا يف اآلخرة:
ﱹﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ
ﮊ ﮋﱸ [النساء.]69:
ويف الطريق ِّ
معل ًما:
الناس
َ سار صىل اهلل عليه وآله وسلم يف طريقه مع ِّلماً وهاد ًياُ ،يع ِّلم
مناسكهم ،ويبصرِّ هم بأمور حجهم ،وجييبهم عىل أسئلتهم.
سمع رجلاً يل ِّبي ويقول :لبيك عن ُشبرْ مة .فأرسل إليه فدعاه ،فقال:
«ومن ُش رْبمة؟» .قال :أخ يل ،أو قريب يل .قال« :هل حججت عن نفسك؟».
َ
كأنك 33
معه
وادي الأزرق
وادي الأزرق
34كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
كأنك 35
معه
وادي ع�سفان
وادي ع�سفان
36كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
كأنك 37
معه
جبل جمدان
جبل جمدان
38كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
وعثاء السفر:
مسافرا
ً سار صىل اهلل عليه وآله وسلم يف الطريق بني املدينة ومكة،
يتل َّقى ما يتلقاه املسافر من َو ْع َثاء السفر ون ََصب الطريق ،فقد مرض صىل
الش ِقيقة ،فاحتجم يف
اهلل عليه وآله وسلم يف مسريه هذا واشتد به صداع َّ
وسط رأسه ،يف مكان يسمى لحَ ْ ُي جمَ َ ٍل( ،)58واحتجم عىل ظهر قدمه من
وجع كان برجله(.)59
وكان مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم نساؤه كلهن ريض اهلل
عنهن ،فلام كان ببعض الطريق نزل غال ٌم للنبي صىل اهلل عليه وآله وسلم
يقال لهَ :أن َْج َشة ،وكان حسن الصوت ،فجعل يحَ ْ دُ و اإلبل ويسوقها،
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم« :وحيك يا
بحدائه ،فقال له ُّ فأرسعت اإلبل ُ
ك ،رف ًقا بال َقوارير»( .)60يعني النساء ،أي :ارفق هبن،
أنجشة! رويدك َس ْو َق َ
فقد أرسعت باإلبل.
فبينا هم يسريون مرسعني ،برك مجل أمنا صفية بنت ُح َي ٍّي ريض اهلل
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه الركب ،فجعلت تبكي ،ورجع إليها
عنها ،فتقدَّ مها َّ
وآله وسلم حني ُأخرب بذلك ،فجعل يمسح دموعها بيده الرشيفة ويسكِّنها،
الناس بالنزول،
وجعلت تزداد بكا ًء وهو ينهاها؛ فلام أكثرت انتهرها ،وأمر َ
ومل يكن يريد أن ينزل ،وكان اليوم يوم صفية ،فلام نزلوا رُضب خباء النبي
صىل اهلل عليه وآله وسلم ودخل فيه.
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم إذا دخلت ومل تدر صفية ما يلقاها به
عليه ،وخشيت أن يكون قد وجد يف نفسه عليها ،فانطلقت إىل عائشة ريض
كأنك 39
معه
حَ ْ
لي جمل ،من منازل الطريق بني املدينة ومكة ،وفيها احتجم النبي
�صلى اهلل عليه و�آله و�سلم يف طريقه �إىل مكة
40كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
اهلل عنها ،فقالت هلا :تعلمني أين مل أكن أبيع يومي من رسول اهلل صىل اهلل
َ
رسول عليه وآله وسلم بيشء أبدً ا ،وإين قد وهبت يومي لك ،عىل أن ترضيِّ
اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم عني .قالت عائشة :نعم .فلبست ثياهبا ،ثم
انطلقت إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ،فرفعت طرف اخلباء ،فقال
هلا« :ما لك يا عائشة؟ إن هذا ليس بيومك» .قالت :ذلك فضل اهلل يؤتيه َمن
يشاء .فنام صىل اهلل عليه وآله وسلم القيلولة مع أهله.
فلام كان عند الرواح قال لزوجته زينب بنت جحش ريض اهلل عنها« :يا
زينب ،أعريي أختك صفية مجل» .وكانت زينب من أكثر أزواجه مجالاً ،
ولكن أخذهتا ال َغرية ،فقالت :أنا أعري مجيل هيوديتك؟! -أي :زوجتك
ُ
رسول اليهودية ،باعتبار ما كانت عليه قبل أن يصطفيها املصطفى -فغضب
اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم حني سمع ذلك منها ،فهجرها ،فلم يكلمها
ومل يأهتا ومل يقسم هلا حتى رجع إىل املدينة(.)61
يسمى:
ويف أحد منازله صىل اهلل عليه وآله وسلم يف الطريق يف مكان َّ
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وبجانبه زوجه عائشة، ال َع ْر َج ،جلس
وجلس صاحبه أبو بكر وبجانبه ابنته أسامء ريض اهلل عنهم ،وكان أبو بكر
ينتظر أن يطلع عليه غالمه بزاملته التي كانت حتمل متاعه ومتاع النبي صىل
اهلل عليه وآله وسلم ،فطلع الغالم وليس معه بعريه ،فقال أبو بكر :أين
بعريك؟ قال :أضللته البارحة .فطفق أبو بكر يرضبه ،ويقول :بعري واحد
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ينظر إليه ويبتسم ،ويقول: تضله! وجعل ُّ
«ان ُظ ُروا إىل هذا ا ُمل ْح ِر ِم ما َيصن َُع!»( .)62يف مشهد زاخر بالرمحة والرأفة
كأنك 41
معه
ميا
قوافل احلج قد ً
ميا
قوافل احلج قد ً
42كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
بالغالم ،واالستشعار هليبة النُّسك وعظمة الشعرية ،وإحياء لطيف أليب بكر
ريض اهلل عنه لريفق بغالمه.
وملا بلغ آل ن َْضلة األسلمي أن زاملة رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله
وسلم ضلت ،محلوا إليه َج ْفنَ ًة من َح ْي ٍ
س( ،)63فأقبلوا هبا حتى وضعوها بني
النبي صىل اهلل عليه وآله
يدي رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ،فجعل ُّ
وسلم يقول« :هلم يا أبا بكر؛ فقد جاء اهلل بغداء طيب» .وجعل أبو بكر
«هون عليك يا
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلمِّ :
يغتاظ عىل الغالم! فقال له ُّ
حريصا عىل
ً أبا بكر؛ فإن األمر ليس إليك وال إلينا معك ،وقد كان الغالم
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه ألاَّ يضل بعريه ،وهذا خلف مما كان معه» .فأكل
وآله وسلم وأهله وأبو بكر وكل َمن كان مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله
وسلم حتى شبعوا(.)64
ثم أقبل صفوان بن املع َّطل ريض اهلل عنه ،وكان عىل ساقة الناس،
والبعري معه وعليه الزاملة ،فجاء حتى أناخ عىل باب منزل النبي صىل اهلل
عليه وآله وسلم ،فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم أليب بكر« :انظر هل تفقد
شيئًا من متاعك؟» .فقام فنظر ،فقال :ما فقدت إال َقع ًبا كنا نرشب فيه.
فقال الغالم :هذا القعب معي .فقال أبو بكر لصفوان ريض اهلل عنهام :أدى
اهلل عنك األمانة(.)65
وجاء سعد بن عبادة وابنه قيس ريض اهلل عنهام ومعهام زاملة حتمل زا ًدا
َ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ،فوجدا رسول اهلل صىل اهلل عليه يؤمان
كأنك 43
معه
الأبواء
44كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
وآله وسلم واق ًفا بباب منزله قد رد اهلل عليه زاملته ،فقال سعد :يا رسول
اهلل ،بلغنا أن زاملتك ضلت الغداة ،وهذه زاملة مكاهنا .فقال رسول اهلل
صىل اهلل عليه وآله وسلم« :قد جاء اهلل بزاملتنا ،فارجعا بزاملتكام ،بارك
اهلل عليكام» .ثم قال« :أما يكفيك يا أبا ثابت ما ُيصنع بنا يف ضيافتك مذ
نزلنا املدينة؟» .فقال سعد :املنة هلل ولرسوله ،واهلل يا رسول اهلل ،الذي تأخذ
من أموالنا أحب إلينا من الذي تدع .فقال« :صدقتم يا أبا ثابت ،أبرش!
فمن أراد أن يمنحه منها خل ًقا
فقد أفلحت ،إن األخالق بيد اهلل عز وجلَ ،
ً
صاحلا» .فقال :احلمد هلل ،هو فعل ً
صاحلا منحه ،ولقد منحك اهلل خل ًقا
ذلك(.)66
ب بن َج َّثامة وملا نزل صىل اهلل عليه وآله وسلم األَ ْب َوا َء أهدى له َّ
الص ْع ُ
عجز محار وحش يقطر د ًما ،فر َّده صىل اهلل
ريض اهلل عنه حلم صيد ،وكان ُ
مؤانسا:
ً معتذرا
ً عليه وآله وسلم ،فلام رأى يف وجهه كراهية رد هديته قال له
«إنا مل نرده كراهية له ،ولكنا ُحر ٌم ال نأكل الصيد ،ولوال أنا حمرمون لقبلناه
منك»(.)67
إنه مشهد غاية يف التل ُّطف؛ حيث قرأ صىل اهلل عليه وآله وسلم مشاعره
النفسية ،وسارع إىل بيان السبب الذي جعله يرد هديته ،ومل يرتك مشاعره
هن ًبا الحتامالت مؤملة ،ثم ط َّيب قلبه فأخربه بأنه سيقبل هذه اهلدية لو كان
غري محُ رم ،فصلوات اهلل عىل َمن وصفه ربه فقال( :ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة.]128:
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم من مكة نزل مكانًا يقال له:
وملا قرب ُّ
كأنك 45
معه
�سرف
�سرف
46كأنك
معه
إىل مكة كأنك معه
سرَ ِ ف ،وعرض عىل أصحابه َمن مل يكن ساق اهلَدْ ي أن جيعلها عمرة،
ومن كان
حب أن جيعلها عمرة فليفعلَ ،«من مل يكن معه َهدْ يَ ،فأ َّ
فقالَ :
معه َهدي فال» .ومل يعزم عليهم ،فاآلخذ هبا والتارك هلا من أصحابه ريض
اهلل عنهم ،ثم دخل عىل عائشة ريض اهلل عنها فإذا هي تبكي ،فقال هلا:
«ما يبكِ ِ
يك؟» .قالت :واهلل لوددت ْ
خرجت العام .قال« :فماَ
ُ أن مل أكن ُ
عت العمرةَ .فقالَ « :لع َّلكِ ِ
ك؟» .قالت :سمعت قولك ألصحابك ،و ُمن ُ َل ِ
َ
ت!» .أي حضت ،قالت :نعم .فجعل صىل اهلل عليه وآله وسلم ُيسرَ ِّ ي ن ُِفس ِ
ْ
يشء كتَبه اهللُ عىلٌ «إن هذا
عنها ويواسيها ويتلطف بمشاعرها ،ويقولَّ :
عليهن، عليك ما َكتَب ِ أنت امرأ ٌة ِمن ِ
بنات آد َمَ ،كتَب اهللُ بنات آدم ،وإنَّام ِ ِ
َّ َ
ِ ض ِك ،اف َعيل ما يف َع ُل
َطه ِري ،وكوين غري َألاَّ َت ُطويف بالبيت حتى ت ُ احلاجَ ،
ُّ فال َي رُ ُّ
أن َير ُز َقكِيها»( .)68أي :العمرة.
ك ،ف َع َسى اهللُ ْ يف حج ِ
ِّ
وهكذا كان صىل اهلل عليه وآله وسلم خري الناس ألهله؛ بِ ًّرا هبم ورعاي ًة
ملشاعرهم ،واحتفالاً واهتام ًما بام هيمهم ،وهكذا كانت أمنا عائشة ريض
ظاهرا
ً اهلل عنها مباركة يف شأهنا كله ،فكان ما أصاهبا يف هذا املكان ترشي ًعا
لنساء املسلامت إذا أصاهبن ما أصاهبا .فصلوات اهلل وبركاته عليكم أهل
البيت.
لقد سار صىل اهلل عليه وآله وسلم فكان مسريه هداية وترشي ًعا ،وتعليماً
للمناسك ،وداللة عىل اخلري.
كأنك 47
معه
خريطة حجة الوداع
48كأنك
معه
�صورة قدمية ملخيم احلجاج بذي طوى
ويف الطرف الأمين يظهر �سطح البناء القائم على بئر طوى
50كأنك
معه
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم الطريق بني مكة واملدينة يف َق َط َع
الس َفر ،ولذلك ملا قرب
وو ْع َثاء َّ
تعرض فيها لن ََصب الطريق َ ثامنية أيامَّ ،
هنارا ،بنظافة وقوة
من مكة بات قري ًبا منها يسرتيح هناك ،ويتهيأ لدخوهلا ً
لمن معه ،وإلتاحة الفرصة للناس ملتابعته يف عمله ونشاط ،وحسن ترتيب َ
العظيم ،فبات عند بئر «ذي ُطوى»( )69يف املكان املعروف اليوم بـ َ
«ج ْر َول»،
أو «آبار الزاهر».
فلام أصبح صلىَّ الفجر عىل َأك ََم ٍة غليظة عند البئر ،ثم عرض عىل أصحابه
«من أراد منكم أن جيعلها عمرة فليجعلها عمرة»(.)70
التمتع ،فقالَ :
ثم اغتسل صىل اهلل عليه وآله وسلم لدخول مكة ،فألقى عنه َو ْع َثا َء
السفر ،وهت َّيأ لدخوهلا َجا ًّما نش ًطا.
ثم دفع صىل اهلل عليه وآله وسلم مستقبِلاً اجلبل الطويل الذي بينه وبني
اخ َر؛ لينصب إىل مكة من ثنية َكدَ اء ،وهي التي الكعبة ،ويسمى :جبل َأ َذ ِ
ُ َّ
تنزل اليوم عىل جرس الحْ َ ُج ْون( ،)71ثم أخذ ذات اليمني منهبطا يف َم ِسيل
كأنك 51
معه
ميا
بئر طوى قد ً
52كأنك
معه
يف مكة كأنك معه
متوجها إىل املسجد احلرام ،وكان يف مسريه ذلك لهَ ِ ًجا بالتلبية ،ومل
ً الوادي
ينقطع صوته بالتلبية حتى دخل بني بيوت مكة ،فاستقبله صبية من بني عبد
املطلب ،فحمل واحدً ا بني يديه وآخر خلفه(.)72
وكان دخوله صىل اهلل عليه وآله وسلم يوم األحد الرابع من ذي ِ
احل َّجة،
هنارا؛ لرياه الناس فيقتدوا به ،فأناخ
جهارا ً
ً وقد دخلها عند ارتفاع الضحى
راحلته عند باب املسجد ،ثم توضأ وضوءه للصالة ،ثم دخل من الباب
الذي كان يدخل منه يوم كان بمكة؛ باب بني شيبة(.)73
يف فناء الكعبة:
دخل صىل اهلل عليه وآله وسلم احلر َم ،فإذا هو عىل ملة أبيه إبراهيم،
ليس حول الكعبة صنم ،وال يطوف هبا ُعريان ،ومل حيج إليها مرشك ،دخل
النبي احلرم.
فياهلل ما الذي كان يتداعى يف خاطره تلك الساعة ،وساحة احلرم
تنفسح أمام عينيه؛ هذه الساحة التي شهدت دعوته وبالغه وبالءه ،وصربه
عىل أذى قومه وجراءهتم عليه..
جل ُز ِ
ور عىل أما دخل احلرم ليصليِّ فيه قبل نحو عرش سنني ،فألقوا َسلىَ ا َ
ظهره وهو ساجد(!)74
أما دخل احلرم فقام إليه مأل من قريش ،فأخذوا بمجامع ردائه فخنقوه
به ،حتى جاء أبو بكر فخ َّلصه منهم ،وهو يقولَ :أتقتُلون رجلاً أن َ
يقول
ريب اهللُ()75؟!
كأنك 53
معه
ميا
ثنية كداء قد ً
54كأنك
معه
يف مكة كأنك معه
هل تذكَّر صىل اهلل عليه وآله وسلم يف تلك الساعة أحواله تلك يف مكة،
وهو يدخل احلرم وليس فيه وال معه إال مؤمن به متَّبع لدينه ،وقد صدقه
ربه وعده ،وأظهره عىل الدين كله.
إننا ال نستطيع اجلزم بالذي كان يتداعى يف خاطره ،وجيول يف خلده
صىل اهلل عليه وآله وسلم ،ولكننا نستشعر من حاله أن تلك الذكريات
املرشفة، كانت ترتاءى له ،وأنه كان عىل حال من التأثر وهو َي ِد ُّ
ف إىل الكعبة َّ
حل َجر استلمه وكبرَّ ،ثم فاضت عيناه بالبكاء ،ثم وضع شفتيه فإنه ملا وصل ا َ
عليه ،فق َّبله وسجد عليه( ،)76وكان به حف ًّيا ،وكان موق ًفا تسكب فيه
العربات(.)77
ثم طاف صىل اهلل عليه وآله وسلم بالبيت سبعة أشواطُ ،م ْض َطبِ ًعا
ور َمل يف األشواط الثالثة األُ َول،
بردائه ،وكان رداؤه بر ًدا حرضم ًّيا أخرضَ ،
ومشى يف األشواط األربعة بعدها عىل هينته ،وكان من دعائه بني الركنني:
«( ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)
[البقرة.)78(»]201 :
ورأى يف طوافه رجلاً قد ربط يده إىل رجل آخر بسري أو بخيط يقوده
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم بيده ،ثم قالُ « :قدْ ُه بيده» .قال :يا
به ،فقطعه ُّ
رسول اهلل ،إنه ن َْذ ٌر ،إنا نذرنا لنقرتنن حتى نأيت الكعبة -وكان من عادات
اجلاهلية االقرتان يف احلج -فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم« :أطلقا أنفسكام
نذرا ،إنام النذر ما يبتغى به وجه اهلل ،إن هذا من عمل
وح َّجا ،إن هذا ليس ً
ُ
الشيطان»(.)79
كأنك 55
معه
باب بني �شيبة
56كأنك
معه
يف مكة كأنك معه
فكان صىل اهلل عليه وآله وسلم وهو يف طوافه ين ِّقي شعائر احلج من كل
ما أحلقه هبا أهل اجلاهلية ،ويعيدها إىل نقائها ونصاعة املحجة البيضاء التي
أتى هبا ،وتركنا عليها.
فلام فرغ من طوافه مشى إىل مقام أبيه إبراهيم عليه السالم ،وهو يقرأ:
(ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [البقرة .]125 :يرفع هبا صوته ي ِ
سمع ُ
الناس ،فجعل املقام بينه وبني البيت ،وكان املقام ملص ًقا بحائط الكعبة
الرشقي( ،)80فصلىَّ ركعتني ،قرأ يف األوىل بفاحتة الكتاب ،و(ﭑ ﭒ
ﭓ) ويف الثانية( :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) ( .)81فلماَّ س َّلم ذهب إىل
زمزم ،فرشب منها ،وصب عىل رأسه ،ثم عاد صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل
حل َجر فق َّبله ،ومسحه بيديه ،ثم مسح هبام وجهه(.)82
ا َ
بني الصفا واملروة:
ثم خرج صىل اهلل عليه وآله وسلم من باب الصفا ،فلام دنا من الصفا
قرأ(« :ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة،]158 :
َأبدَ ُأ بام َبدَ أ اهللُ بِ ِه» .فبدأ بالصفا ،فرقي عليه ،حتى نظر إىل البيت ،فاستقبله،
بحان اهلل،
وس َ ورفع يديه الرشيفتني ،وهو هيتف« :ال إله إال اهلل ،واهلل أكربُ ،
ك ،وله َ
احل ْمدُ ،حييى رشيك له ،له ا ُمل ْل ُ
َ واحلمدُ هلل ،ال إل َه إلاَّ اهللُ َو ْحدَ ُه ال
ٍ
ونص قدير ،ال إل َه إلاَّ اهللُ َو ْحدَ ُهَ ،أ َ
نجز َو ْعدَ ُه ،رَ وهو علىَ ك ُِّل يشء ٌ ويميتُ ،
ُ
َع ْبدَ ه ،وهزَم األَحز َ
َاب َو ْحدَ ُه»( .)83قال ذلك ثالث مرات ،ودعا يف مقامه
كأنك 57
معه
ميا
احلجر الأ�سود قد ً
كأنك 59
معه
مقام �إبراهيم
60كأنك
معه
يف مكة كأنك معه
كأنك 61
معه
ميا
ال�صفا قد ً
ميا
ال�صفا قد ً
62كأنك
معه
يف مكة كأنك معه
حجاجا ،ال نريد إال احلج ،حتى إذا مل يكن بيننا وبني عرفة إال أربع ليال،
ً
أمرنا أن نفيض إىل نسائنا ،فنأيت عرفة تقطر مذاكرينا املني من النساء()91؟
َ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وأما أنه شق عليهم؛ فإهنم يرون
أمامهم مل حيل ،وإنام لزم إحرامه ،وهم الذين ُأرشبت قلوبهُ م حب رسول
اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وحب متابعته فيام يأيت ويذر ،ولذا تباطؤوا يف
إجابته ،طم ًعا يف أن يرشكوه يف حاله التي هو عليها من عدم احلل.
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم تبا ُط َؤهم وتر ُّد َدهم ،فغضب من
ورأى ُّ
ذلك ،ودخل عىل عائشة ريض اهلل عنها ،تعرف من حاله الغضب ،حتى
ظنت أن أحدً ا آذاه وأغضبه ،فقالتَ :من أغضبك يا رسول اهلل ،أدخله اهلل
َّاس َبأ ْم ٍر ،فإذا ُهم َيترَ َّد ُدون؟!». «أوما َشعر ِ
ت َأ يِّن َأم ُ
رت الن َ النار؟! قالْ َ َ َ َ :
الناس ،فام يدرون ،أيشء النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ما يقوله ُ وبلغ َّ
بلغه من السامء ،أم يشء بلغه من ِق َبل الناس ،فقام صىل اهلل عليه وآله وسلم
فيهم خطي ًبا ،فحمد اهلل وأثنى عليه ،ثم قال« :أباهلل تع ِّلموين أهيا الناس!
وأ َب ُّركُم ،افعلوا ما آمركم به؛ فإنه قد َعلِمتُم َأ يِّن َأتْقاك ُْم هللَ ،
وأ ْصدَ ُقكُم َ
تدبرت لمَ َأ ُس ِق
ُ لت ِمن َأ ْم ِري َما ْاس ت ك حَ ِ
ت ُّلون ،ولو ْاستَق َب ُ لوال َهدْ يِي لحََ َل ْل ُ ماَ
فح ُّلوا»(.)92َاهلدْ ى؛ ِ
َ
وقرت أعينهم بمقال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله
فطابت قلوهبمَّ ،
وح ُّلوا ،ولبسوا ثياهبم ،وتطيبوا بطيبهم ،وأفضوا إىل
وسلم ذلك ،وقصرَّ وا َ
نسائهم ،وسمعوا وأطاعوا ،كام هو شأهنم أبدً ا مع رسول اهلل صىل اهلل عليه
كأنك 63
معه
ميا
املروة قد ً
ميا
املروة قد ً
64كأنك
معه
يف مكة كأنك معه
كأنك 65
معه
الطريق من املدينة
مقربة املعالة
ا َ
حل
ُجون
68كأنك
معه
بمن معه حتى نزل باألَ ْب َطح رشق مكة،
سار صىل اهلل عليه وآله وسلم َ
وهو مكان فسيح واسع به آبار مياه لسقيا الناس ،فهو األرفق لنزول هذا
اجلمع العظيم ،ويشمل األبطح اليوم ما يسمى «املعابدة» و«اجلميزة» إىل
«الحْ َ ُج ْون» ،وكان منزل النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم فيام يعرف اليوم
حل ُجون.
باجلعفرية ،وهي أدنى األبطح إىل ا َ
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم بأصحابه ،وكانوا عىل احلال نزل
التي وصفتها أسامء بنت أيب بكر ريض اهلل عنهام ،قالت وهي تشري إىل
منزهلم :نزلنا مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ها هنا ،ونحن خفاف
احلقائب ،قليل ظهرنا ،قليلة أزوادنا(.)96
وأقام صىل اهلل عليه وآله وسلم بالناس يف األبطح أربعة أيام؛ يوم
األحد واالثنني والثالثاء واألربعاء ،وكان رفي ًقا بالناس ،ومن رفقه هبم
أنه مل يذهب إىل املسجد احلرام والكعبة املرشفة خالل تلك املدة()97؛ ألنه
لو ذهب لسارت معه هذه اجلموع العظيمة ،ولشق ذلك عليهم ،ولكن
كأنك 69
معه
الأبطح حدي ًثا
70كأنك
معه
يف األبطح كأنك معه
صلىَّ هبم هناك يف األبطح ،وهذا دليل من أدلة كثرية عىل أن احلرم كله ُّ
حمل
خاصا بمسجد الكعبة.
مضاعفة الصالة ،وليس ذلك ًّ
وكان صىل اهلل عليه وآله وسلم قري ًبا من الناس ،والناس قريبون منه،
هيابه كل أحد ويدنو منه كل أحد؛ يسعهم باخللق العظيم الذي جبله عليه
ربه ،فحدَّ ث أبو ُج َحيفة ريض اهلل عنه عن مشهد من مشاهده مع النبي
صىل اهلل عليه وآله وسلم أيامه تلك ،وكان يومها غال ًما يف نحو العارشة من
عمره ،فقال :خرج رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم باهلاجرة ،وعليه حلة
شم ًرا ،كأين أنظر إىل َب ِريق ساقيه ،فصلىَّ بالناس ركعتني ،فلام قىض
محراء ُم ِّ
صالته قام الناس إليه ،فجعلوا يأخذون بيديه فيمسحون هبا وجوههم،
فأخذت بيده فوضعتها عىل وجهي ،فإذا هي أبرد من الثلج ،وأطيب رائح ًة
ُ
من املسك.
وكان صىل اهلل عليه وآله وسلم يف قبة محراء يف األبطح ،فإذا توضأ
فمنلصالته خرج بالل ريض اهلل عنه ببقية َوضوئه فيفيضها عىل الناسَ ،
متسح به ،و َمن مل ُي ِصب منها أصاب من بلل صاحبه،أصاب منها شي ًئا َّ
يبغون بركة رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ،ثم خيرج ٌ
بالل ريض اهلل
عنه ومعه حربة قصرية ،فيغرزها لتكون سرتة للنبي صىل اهلل عليه وآله
وسلم إذا صلىَّ ،ثم خيرج صىل اهلل عليه وآله وسلم فيصليِّ هبم(.)98
وتتابع إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يف األبطح َمن مل يدركه
عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه قاد ًما من
يف الطريق ،وكان ممن أتاه هناك ُّ
اليمن ،وكان صىل اهلل عليه وآله وسلم قد بعثه قبل حجة الوداع ليقبض
كأنك 71
معه
اجلعفرية حيث نزل النبي �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم من الأبطح
اجلعفرية
72كأنك
معه
يف األبطح كأنك معه
اخلمس ،فقدم من سعايته حمر ًما بإحرا ٍم كإحرام رسول اهلل صىل اهلل عليه
وآله وسلم ،فلام دخل ريض اهلل عنه عىل زوجه فاطمة بنت رسول اهلل-
وكانت قد حلت من عمرهتا -وجدها قد لبست ثيا ًبا مصبوغة ،واكتحلت،
وطيبت بيتها ،فعجب من حاهلاِ ،
وح ِّلها من إحرامها ،وسأهلا عن ذلك، َّ
حمر ًشا أباها عليها ،كام يصنع َّ
الش َب َبة عيل ِّ
فقالت :أيب أمرين بذلك .فذهب ٌّ
من األزواج ،فأخرب رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم أن فاطمة قد ح َّلت
واكتحلت ولبست ثيا ًبا صبي ًغا ،وزعمت أنك أمرهتا بذلك يا رسول اهلل.
رتا قت ،أنا َأم هُ
قت ،صدَ ْ قت ،صدَ ْ «صدَ ْ فقال صىل اهلل عليه وآله وسلمَ :
قلت :اللهم إين ُأ ِه ُّل
ت؟» .قالُ : بِ ِه» .ثم قال لعيل ريض اهلل عنه« :بم َأه َل ْل َ
بام َأه َّل به رسو ُلك .وكان معه اهلدي ،فقال له« :فال حَ ِ
ت َّل»(.)99 َ
وجاء أبو موسى األشعري ريض اهلل عنه إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه
بإهالل كإهالل النبي صىل اهلل ٍ أهللت؟» .قال: َ وآله وسلم ،فقال له« :بم
فت َهدْ ًيا؟» .قال :ال .قال« :فانْطلِ ْق َف ُط ْ عليه وآله وسلم .قال« :هل ُس ْق َ
وةُ ،ث َّم ِح َّل»(.)100
ت وبني الص َفا وا َملر ِ
ْ َ َّ
بالبي ِ
َْ
ومع انشغاله صىل اهلل عليه وآله وسلم بأمر الناس ،واستغراقه يف القيام
بشؤوهنم ،فإنه مل يغفل تفقد أصحابه ورعايتهم؛ فها هو يذهب إىل سعد بن
أيب وقاص ريض اهلل عنه يعوده من مرض اشتد به ،فلام دخل عليه وجده
وج ًعا قد َأ ْش َفى عىل املوت ،فلام رأى َّ
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم بكى،
فقال له رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم« :ما يبكيك؟» .قال :خشيت
أن أموت باألرض التي هاجرت منها ،كام مات سعد بن َخ ْولة .فقال صىل
كأنك 73
معه
�صورة قدمية للأبطح يف املنطقة املعروفة اليوم باملعابدة
74كأنك
معه
يف األبطح كأنك معه
اهلل عليه وآله وسلم« :ال إن شاء اهلل» .قال :يا رسول اهلل ،إنه قد بلغ يب من
الوجع ما ترى ،وأنا ذو مال ،وال يرثني إال ابنة يل ،أفأتصدق باميل كله؟
قال« :ال» .قال :أفأتصدق بثلثي مايل؟ قال« :ال» .قال :فالشطر .قال« :ال».
قال :فالثلث .قال« :الثلث ،والثلث كثري؛ إنك أن تدع ورثتك أغنياء خري
من أن تذرهم عالة يتك َّففون َ
الناس ،وإنك لن تنفق نفقة تبتغي هبا وجه اهلل
إال ُأجرت عليها ،حتى اللقمة ترفعها إىل يِف امرأتك» .قال :يا رسول اهلل،
ُأ َخ َّل ُ
ف بعد أصحايب؟ قال« :عسى اهلل أن يرفعك ،وإنك لن خُ َت َّلف فتعمل
ً
صاحلا ،إال ازددت به درجة ورفعة ،ثم لعلك أن خت َّلف حتى َ
ينتفع بك عملاً
أقوا ٌم ،و ُي رَ َّ
ض بك آخرون» .قال :يا رسول اهلل ،فادع اهلل أن يشفيني .فوضع
صىل اهلل عليه وآله وسلم يده عىل جبهته ،ثم مسح وجهه وصدره وبطنه،
ثم قال« :اللهم اشف سعدً ا ،اللهم اشف سعدً ا ،اللهم اشف سعدً ا وأمتم له
هجرته» .قال سعد :فامزلت أجد برد يده صىل اهلل عليه وآله وسلم.
ثم قال« :اللهم أمض ألصحايب هجرهتم ،وال تردهم عىل أعقاهبم،
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم البائس سعدُ بن َخ ْولة»؛ َي ْرثِي له
ُ ِ
لكن
َأ ْن مات بمكة .ثم قال« :اللهم ارحم ابن َخ ْولة ،اللهم ارحم ابن َخ ْولة،
اللهم ارحم ابن َخ ْولة»(.)101
فصلوات اهلل وسالمه وبركاته عىل هذا النبي الكريم الرؤوف الرحيم،
كيف يرعى أصحابه هذه الرعاية ،فيمسح بيده الكريمة آالمهم ،ويدعو
ويرتحم عىل موتاهم ،ويسكب من سكينة نفسه يف نفوسهم،
َّ ملرضاهم،
فتهدأ وهتنأ.
كأنك 75
معه
مكان ا
ع جل ن
زول فر
النيب ية
م
بن األ ألباألبطح ا إىل منى
َكداء طح طح
طريق ا قصر السقاف
ألب
طح
مق
ربة
ا َ
حل
املع
ُجون
الة
إ
ىل ا
حلرم
خريطة الأبطح
76كأنك
معه
يف األبطح كأنك معه
ثم أعجب أن الصادق املصدوق قال لسعد ريض اهلل عنه« :لعلك أن
خُ َت َّلف» .فعاش سعد بعدها نصف قرن ،وتويف هو صىل اهلل عليه وآله وسلم
بعدها بثالثة أشهر! وأن سعدً ا الذي كان يقول للنبي صىل اهلل عليه وآله
وسلم :وال يرثني إال ابنة يل .قد ُولد له بعدها أربعة وثالثون ابنًا وبنتًا(،)102
(ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [األنعام.]96:
وهكذا بقي صىل اهلل عليه وآله وسلم يف األبطح قري ًبا من الناس ،دان ًيا
الناس
َ خطب
َ إليهم ،مع ِّلماً ومب ِّينًا ما يعرض هلم ،فلام كان يف اليوم السابع
بعد صالة الظهر ،فأخربهم بمناسكهم ،وع َّلمهم أحكام حجهم(.)103
حتى إذا كان يوم الرتوية ركب صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل منى ضحى،
وأحرم الذين كانوا قد حلوا معه من األبطح مه ِّلني باحلج حني انبعثت
هبم رواحلهم ،وجعلوا ظهورهم إىل مكة ،متوجهني إىل منى ،فصلىَّ بمنى
الظهر والعرص واملغرب والعشاء والفجر؛ يقرص الرباعية ركعتني ،ويصليِّ
كل صالة يف وقتها(.)104
وكأنام كان هذا النفري إىل منى يوم الرتوية هتيئة وإعدا ًدا للنفري إىل عرفات
يف يوم عرفة ،ليستتم أعامل احلج ومناسكه قائدً ا أمته إىل إرث أبيهم إبراهيم
عليه السالم ،قائلاً « :خذوا عني مناسككم»( ،)105وله يف كل موقف عربة،
ويف كل مشهد آية ،فصلوات اهلل عىل عبده ونبيه حممد خري مع ِّلم للناس
اخلري.
كأنك 77
معه
ميا
عرفة قد ً
78كأنك
معه
خريطة الطريق �إىل عرفة
80كأنك
معه
أرشقت الشمس عىل خري يوم طلعت عليه الشمس ،يوم اجلمعة يوم
عرفة ،التاسع من ذي احلجة ،والسابع من شهر مارس آذار ،سنة عرش من
اهلجرة ،وسار الركاب الرشيف من منى إىل عرفات ،ومجوع احلجيج تسري
معه ،سار صىل اهلل عليه وآله وسلم ،وال يظن قومه إال أنه سيقف معهم يف
مزدلفة -كام كان شأهنم يف اجلاهلية ،حيث جعلوا ألنفسهم موق ًفا ًّ
خاصا
ومتيزا
يقفون فيه ،وال يقفون مع الناس يف عرفة؛ إذ يرون ألنفسهم مكانة ً
جلوارهم بيت اهلل ،وأهنم بذلك ال يشاركون الناس يف الوقوف يف عرفات-
ولكن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم الذي جاء بدينه للعاملني ،ومل
جيئ به لفئة من الناس يميزهم ،ولو كانوا قومه وعشريته ،جتاوزهم وسار
ليقف مع الناس()106؛ عملاً بقول ربه( :ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ﮕ)([ )107البقرة.]199:
ب(،)108
فأفاض صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل عرفات من طريق َض ٍّ
ومعه أصحابه ،هلم َض ِج ْي ٌج بالذكر ،فمنهم املل ِّبي ،ومنهم ا ُمل ِه ُّل ،ومنهم
كأنك 81
معه
طريق �ضب
طريق �ضب
82كأنك
معه
على صعيد عرفات كأنك معه
املكبرِّ ،ال ينكر أحد منهم عىل صاحبه( ،)109حتى وصل إىل «ن َِم َرةَ» ،فإذا قبة
من شعر قد رُضبت لـه هناك ،فجلس فيها ،حتى إذا زالت الشمس ،ركب
راحلته القصواء بعد الزوال مبارشة ،يف قرابة الساعة الثانية عرشة والنصف
بتوقيت مكة يف شهر مارس آذار ،ثم نزل هبا إىل بطن «وادي ُع َرنَة» ،وهو
أرض َد ِم َث ٌة فسيحة ،يسهل اجتامع الناس عليها وجلوسهم فيها ،فاجتمع
الناس حوله يف بطن الوادي ،فأرشف صىل اهلل عليه وآله وسلم عىل
الر ْحل، الناس ،وقد أمكن قدميه يف الغرز ،واعتمد بإحدى يديه عىل مقدَّ م َّ
وباألخرى عىل ُم َؤ َّخره؛ يتطاول بذلك ،ونادى« :يا أهيا الناس ،أنصتوا؛
فإنكم لعلكم ال تروين بعد عامكم هذا»َ .فأ َص َ
اخ ْت له املسامع ،واشرْ َ َأ َّب ْت
له األعناق ،وخفقت بحبه القلوب ،وشخصت إليه العيون تنظر إىل حمياه،
وتتل َّقف قوله؛ ليخطبهم خطبة عظيمة ،مجع فيها معاقد الدين ،وعصم
امللة ،وتعظيم احلرمات ،فدوى صوته صىل اهلل عليه وآله وسلم بني أهل
ِ
املوقف ،حامدً ا اهلل مثن ًيا عليه.
«إن دماءكم وأموا َلكم وأعراضكم ،حرام عليكم ،كح ِ
رمة ثم قالَّ :
ُ ٌ َ
مر ٍ
يشء من َأ ِ شهركم هذا ،يف ِ
بلدكم هذا ،أال وإن َّ
كل يومكم هذا ،يف ِ ِ
وإن َّأو َل ِ
اجلاهلية موضوع ٌةَّ ، ودماء حتت َقدَ َم َّي هاتني،اجلاهلية موضوع َ ِ
ُ
ِ
اجلاهلية وربا ِ
احلارث بن عبداملطلبِ ، ابن ربيع َة ِ
بن أض ُع ِمن دمائنا د ُم ِ َد ٍم َ
موضوع
ٌ عباس ِ
بن عبد املطلب ،فإنه ِ وأول ر ًبا َأض ُعه ِربانَاِ ،ربا
موضوعُ ،
ٌ
ُك ُّله ،وإن كل ربا موضوع ،لكم رؤوس أموالكم ،ال تَظلمون وال تُظلمون،
قىض اهلل أن ال ربا.
كأنك 83
معه
ميا
م�سجد منرة قد ً
84كأنك
معه
على صعيد عرفات كأنك معه
واست َْح َل ْلت ُْم وه َّن بأمانة اهللْ ، أهيا الناس ،ا َّت ُقوا اهللَ يف النساء؛ فإنكم َأ َخ ْذتمُ ُ ُ
هن َع ٍ َ
وان( )101عندكم، خريا؛ فإنام َّ وج ُه َّن بكلمة اهلل ،ألاَ واستوصوا بالنساء ً ُف ُر َ
منهن شيئًا غري ذلك ،إال أن يأتني َّ ألنفسهن شيئًا ،وليس متلكون َّ ال َي ْملِك َْن
بفاحشة مب ِّينة ،وإن لكم عىل نسائكم ح ًّقا ،ولنسائكم عليكم ح ًّقا ،فأما
حقكم عىل نسائكم :فال ُيوطِئ َْن ُف ُر َشك ُْم أحدً ا تكرهون ،وال يأ َذ َّن يف بيوتكم
إليهن يف كسوهتن وطعامهن، َّ وحقه َّن عليكم أن حتسنوا ُ َملن تكرهونَ ،ألاَ
ِ ْ ِ
وارضبوهن رض ًباَّ وه َّن يف املضاجع، واه ُج ُر ُ
وه َّنْ ،فإن خ ْفت ُْم ن ُُشوز َُه َّن فع ُظ ُ
كت فيكم َما عليهن سبيلاً ،وإين قد َتر ُ َّ بحٍ ،فإن أطعنكم ،فال تبغوا غري ُم رَِّ
َ
كتاب اهللِ ،أال وإين َف َرطكم عىل احلوض، َ إن اعت ََص ْمتُم به؛ َل ْن ت َِض ُّلوا بعدَ ه ِ
وم ْس َتنْ َق ٌذ ِ
تسودوا وجهي ،أال وإين ُم ْس َتنْق ٌذ ً
أناساُ ، األمم ،فال ِّ َ وأكاثر بكمُ
أناس ،فأقول :يا ربُ ،أ َص ْيحايب؟! فيقول :إنَّك ال تَدْ ري ما أحدثوا مني ٌ
فإن قد ب َّلغت»(.)111 بعدَ ك ،فاعقلوا أهيا الناس واسمعوا قويل ،يِّ
ثم أقبل صىل اهلل عليه وآله وسلم عىل هذه اجلموع يستشهدهم شهادة
ويقررهم بجواب السؤال إذا ُسئلوا يوم
عظيمة ،شهادة البالغ واألداءِّ ،
القيامة؛ (ﮉﮊﮋﮌﮍﮎ) [األعراف]6:
ون َعنِّيَ ،فماَ َأنتُم َقائِ َ
لون؟». «وأنت ُْم ت َ
ُسأ ُل َ قائلَ :
أال ما أعظم السؤال! وما أعظم املقام! ثالث وعرشون سنة قضاها
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يف بالغ ودعوة ،وصرب ومصابرة،
وجهد وجهادُ ،أ ْخ ِر َج يف سبيل بالغ رساالت اهلل من بلده ،وهي أحب
البالد إليه ،وقوتل يف بدر ،وأصيب يف أحد ،وحورص يف اخلندقَ ،
وشدَّ عىل
كأنك 85
معه
ميا
عرفة قد ً
86كأنك
معه
على صعيد عرفات كأنك معه
كأنك 87
معه
وادي عرنة
وادي عرنة
88كأنك
معه
على صعيد عرفات كأنك معه
احلقد ،وتستعر فيها حرارة الثأر ،فتبدَّ لت وعادت خل ًقا آخر ،ملا هطلت
عليها فيوض النبوة ،فـ (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ)
[احلج ،]5 :فإذا رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم أحب إليهم من آبائهم
وأمهاهتم وقلوهبم التي بني جوانحهم؛ (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ)
[األنعام.]88 :
فرغ رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم من خطبتهَ ،فأ َّذ َن ٌ
بالل ريض
اهلل عنه بنداء واحد ،ثم أقام فصلىَّ الظهر ،ثم أقام فصلىَّ العرص ،ومل ِّ
يصل
بينهام شي ًئا ،فصلىَّ رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم الظهر والعرص ً
قرصا
ومج ًعا مجع تقديم(.)114
وكأنام بكَّر صىل اهلل عليه وآله وسلم بالرواح ،وقرص اخلطبة ومجع
الصالة؛ ليفرغ هو والناس عشية يومهم العظيم املبارك للذكر والدعاء
واملسألة.
عند جبل الرمحة:
ويسمى
َّ ثم ركب راحلته ،ودفع إىل عمق عرفة عند جبل إِلاَ ٍل،
اليوم :جبل الرمحة ،فوقف عىل راحلته عند ذيل اجلبل ،وجعل بطن ناقته
القصواء إىل الصخرات واجلبل بني يديه ،واستقبل القبلة راف ًعا يديه داع ًيا
وملب ًيا(.)115
وكان صىل اهلل عليه وآله وسلم مع وقوفه يف مقامه ذلك قائماً بأمر
وتوجيها وداللة ،يأتيه ناس من أهل نجد يسألونه
ً الناس ،تعليماً ورعاية
كأنك 89
معه
ميا
جبل عرفة قد ً
90كأنك
معه
على صعيد عرفات كأنك معه
كأنك 91
معه
ميا
جبل عرفة قد ً
92كأنك
معه
على صعيد عرفات كأنك معه
كأنك 93
معه
جبل �إالل املعروف بجبل الرحمة ،وموقف النبي �صلى اهلل
عليه و�آله و�سلم عنده بني اللوحتني تقري ًبا
موقف النبي �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم بني اللوحتني تقري ًبا
94كأنك
معه
على صعيد عرفات كأنك معه
العباس ريض اهلل عنهم بقدح لبن ،وهو واقف عىل بعريه ،فرشب منه
والناس ينظرون إليه( ،)124وكان يف دعائه راف ًعا يديه إىل صدره ،حتى
منكرسا لربه عز
ً رؤي بياض إبطيه ،باس ًطا كفيه كاستطعام املسكني(،)125
وجل ،خاض ًعا خاش ًعا متذلِّلاً له ،مستغر ًقا يف مناجاته ،كأنام يسارع حلظات
هذا اليوم أن تفلت حلظة ال َي ْل َه ُج فيها بذكر أو ُي ِل ُّظ فيها بدعوة ،حتى إنه
عندما اضطربت به راحلته ،فسقط خطامها تناوله بيد ،وأبقى يده األخرى
مبسوطة يدعو هبا(.)126
هلجا بالثناء عىل اهلل هتليلاً وحتميدً ا وتلبية:
وكان صىل اهلل عليه وآله وسلم ً
امللك ،وله احلمدُ ،وهو عىل كل ٍ
يشء رشيك له ،له َُ «ال إل َه إال اهللُ وحدَ ه ال
قدير ،لبيك اللهم لبيك ،لبيك ال رشيك لك لبيك ،إن احلمدَ لك والنعم َة ٌ
احل ِّق لبيك» .وكأنام جاشت أشواق لبيك إل َه َ
رشيك لكَ ،
َ لك وامللك ،ال
فسمع عشية الرسول صىل اهلل عليه وآله وسلم ،واسترشف قرب األجلُ ،
«لبيك ،لاَ َع ْي َش إِلاَّ َع ْي َش آْال ِخ َر ْه»(.)127
َ ذلك اليوم وهو يزيد يف تلبيته:
ُ
ورسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم عىل وتقضت ساعات النهار،
َّ
حاله تلك ،خشوع وخضوع ،وهلج بالدعاء والذكر ،حتى إذا تناهى النهار
دعا بأسامة بن زيد ريض اهلل عنهام ،ليكون ردفه ،فتنادى الناس يدعون
وارشأ َّبت أعناق األعراب ينتظرون هذا الذي حظي برشف ردفَ أسامة،
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ،وظنوه رجلاً من كبار أصحاب النبي صىل
اهلل عليه وآله وسلم ،فام فجأهم إال وشاب أسود يتو َّثب ناقة النبي صىل اهلل
كأنك 95
معه
خريطة الطريق �إىل مزدلفة
96كأنك
معه
على صعيد عرفات كأنك معه
عليه وآله وسلم ،ثم يلتزمه من خلفه ،ليكون له من بني أهل املوقف كلهم
رشف االرتداف مع النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ،فقال حدثاء العهد
باإلسالم متعجبني :أهذا الذي َح َب َسنا ابتغاؤه( !)128وكأنام كان رسول اهلل
صىل اهلل عليه وآله وسلم هبذا االنتخاب واالختيار يعلن حتطيم الفوارق
بني البرش ،ويدفن حتت مواطئ راحلته النعرات اجلاهلية ،والفوارق
الطبقية ،والنزعات العنرصية؛ ليعلن بطريقة عملية أنه« :ال فضل لعريب
عىل َع َجمي ،وال ألبيض عىل أسود ،إال بالتقوى».
ثم نظر صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل الشمس ،وقد تد َّلت للغروب مثل
الرتس ،فقال« :أهيا الناس ،إنه مل يبق من دنياكم فيام مىض منها ،إال كام بقي
من يومكم هذا فيام مىض منه»(.)129
فلام آذنت الشمس بالغروب ،أقبل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله
اللَ ،أن ِ
وسلم عىل بالل ريض اهلل عنه ،فقال« :يا بِ ُ
َّاس» .فأنصتت ليِ َ الن َ
ْص ْ
الناس لرسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم؛ ليفيض عىل قلوهبم البرشى ُ
ُ ِ شرِ
جربيل الناس ،أتاين «معا َ بالفيض الغامر من رمحة اهلل وعفوه ،قائلاً َ :
ِ ٍ ِ فأقرأين ِمن َريب السال َم ،وقالَّ :
إن اهللَ قد غ َفر
وأهل عرفات ألهل آن ًفاَ ،
عات» .فقام عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه فقال: وضمن عنهم ال َّتبِ ِ
ِ ا َملش َع ِر،
«هذا َلك ُْم،
يا رسول اهلل ،هذا لنا خاصة؟ فقال صىل اهلل عليه وآله وسلمَ :
و َلمِن َأتَى بعدَ كم إىل يو ِم ِ
الق ِ
يامة» .فقال عمر ريض اهلل عنه :كثر خري اهلل َ ْ
وطاب.
كأنك 97
معه
طريق امل�أزمني
طريق امل�أزمني
98كأنك
معه
على صعيد عرفات كأنك معه
كأنك 99
معه
�شعب الإذخر
�شعب الإذخر
100كأنك
معه
على صعيد عرفات كأنك معه
إليه فأناخ راحلته ،ثم ذهب إىل منخفض منه فبال ،فلام رجع صب عليه
أسامة الوضوء ،فتوضأ صىل اهلل عليه وآله وسلم وضو ًءا خفي ًفا غري سابغ،
فقال له أسامة ريض اهلل عنه :الصالة يا رسول اهلل؟ قال« :الصالة أمامك».
ثم ركب إىل مزدلفة(.)135
أال فريض اهلل عن أصحاب حممد صىل اهلل عليه وآله وسلم وأرضاهم،
والذين رمقوا فعله ،وحفظوا قوله ،ثم وعوه وأ َّدوه إىل َمن بعدهم ،حتى
كأنام عشنا معهم ،نرى ما رأوا ،ونسمع ما سمعوا ،حتى هذا الفعل الفطري،
وهو حاجة اإلنسان إىل البول ،حفظوه لنا ،متى كان ،وأين كان ،فام ظنك
بعد بأمره وهنيه وهديه؟! فهل يقول ُم َت َق ِّو ٌل بعد ذلك :إن شي ًئا من عهد
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم الذي عهده ،ووصاته التي أوىص هبا،
يمكن أن ختفى عىل أمته أو تكتم عنها ،وهؤالء هم أصحابه والرواة عنه
واحلفظة لسنته واألمناء عىل مرياثه؟!
أما نبيك صىل اهلل عليه وآله وسلم فقد سار حتى واىف املزدلفة ،فنزل يف
مكان املسجد اليوم ،قرب جبل ُق َزح( ،)136وكان أول يشء فعله هو املبادرة
للصالة قبل أن تناخ اإلبل ،فتوضأ حني نزل وضو ًءا ساب ًغا ،ثم َأ َّذن بالل
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم املغرب ريض اهلل عنه وأقام ،فصلىَّ
ثالث ركعات ،فلام انرصف منها أناخ كل إنسان بعريه يف منزله ،ومل حيلوا
أمتعتهم ،ثم أقيمت صالة العشاء ،فصلىَّ العشاء ركعتني ً
قرصا ،فجمع بني
املغرب والعشاء مجع تأخري بأذان وإقامتني ،ومل يتنفل بينهام( ،)137فلام فرغ
منهام قاموا إىل أمتعتهم فحلوها.
كأنك 101
معه
ميا ،ويظهر جبل قزح بجانب امل�سجد
امل�شعر احلرام قد ً
102كأنك
معه
على صعيد عرفات كأنك معه
واستأذنت أم املؤمنني َس ْو َدة بنت َز ْم َعة ريض اهلل عنها رسول اهلل
صىل اهلل عليه وآله وسلم ليلة املزدلفة أن تنفر إىل منى قبل نفرة الناس
وازدحامهم ،وكانت امرأة ثقيلة بطيئة ،فأذن هلا ،فكانت عائشة ريض اهلل
َ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم كام عنها تقول :فألن أكون استأذنت
استأذنت َس ْو َدة ،أحب إيل من مفروح به(.)138
ثم َه َج َع صىل اهلل عليه وآله وسلم ليلته تلك ،بعد يوم طويل َح ِف ٍ
يل
بجالئل األعامل ،وهنار عامر بالعبادة والدعاء والذكر والتعليم واإلرشاد
والداللة عىل اخلري.
الس َحر،
وترك صىل اهلل عليه وآله وسلم قيام الليل تلك الليلة ،ونام حتى َّ
وهو الذي ما ترك قيام الليل قط؛ فقد كان البدن الرشيف بحاجة للراحة
بعد جهد يوم عرفة ،وبحاجة للنشاط ملا يستقبله من أعامل يوم النحر.
الس َحر استيقظ صىل اهلل عليه وآله وسلم ،فقدَّ م ضعفة أهله إىل فلام كان َّ
ِمنى؛ أم حبيبة وأم س َلمة و ُأ َغ ْي ِل َم َة بني عبد املطلب ،فيهم ابن عباس ريض
اهلل عنهام( ،)139وقال لعمه العباس ريض اهلل عنه« :اذهب بضعفائنا ونسائنا؛
الصبح بمنى ،ولريموا مجرة العقبة قبل أن تصيبهم َد ْف َع ُة الناس».
َ فليص ُّلوا
الصبح بمنى(.)140
َ بس َحر ،وصلوا
فدفعوا َ
الصبح وأضاءت خيوط الفجر األوىل قام صىل اهلل عليه وآله
ُ وملا تن َّفس
وسلم مسار ًعا إىل صالة الفجر ،فصلاَّ ها يف غاية البكور يف أول الوقت،
حتى يقول قائل :قد طلع الفجر .ويقول قائل :مل يطلع الفجر؛ لشدة بكوره
هبا ،وذلك ليتسع الوقت بعدها للذكر ،وما يستقبل من املناسك ،فلام قىض
كأنك 103
معه
�صورة حديثة ملزدلفة ليلة مزدلفة
104كأنك
معه
على صعيد عرفات كأنك معه
صالته ركب راحلته ،فرقى جبل ُق َزح ،وهو َأك ََم ٌة مرشفة عىل املسجد،
ولعله صنع ذلك ليكون مرش ًفا للناس يرونه كلهم ،فاستقبل القبلة ،ورفع
يديه الرشيفتني ،فحمد اهلل وكبرَّ ه وه َّلله َّ
ووحده ول َّباه ،عملاً بقول مواله:
(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [البقرة ،]198:وكان يقول:
الله َّم ل َّبيك» .ويدعو ربه ويذكره عىل حال من الرضاعة واخلضوع،
«ل َّبيك ُ
الناس ويبينِّ هلم ،فقال« :وقفت ها هنا ،ومزدلفة كلها
َ وهو مع ذلك يع ِّلم
موقف ،وارفعوا عن بطن محُ َس»(.)141 ِ
وجاءه عروة بن ُمضرَ ِّ س الطائي ريض اهلل عنه ،فقال :يا رسول اهلل،
جئتك من جبيل ط ِّيئ( ،)142أتعبت نفيس ،وأنصبت راحلتي ،واهلل ما تركت
من جبل إال وقفت عليه ،فهل يل من حج؟ فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم:
بج ْمعٍ ،وو َقف م َعنا حتى «من َش ِهد م َعنا هذه الصالةَ -يعني صالة الفجرَ - َ
ٍ ِ
قبل ذلك من َع َرفات ليلاً أو ً
هنارا ،ف َقدْ ت ََّم َح ُّجه، ُفيض منه ،و َقد أفاض َ ن َ
و َقضىَ َت َف َث ُه»(.)143
كأنك 105
معه
�صورة قدمية للم�سجد احلرام التقطت يف 1297/12/2هـ
106كأنك
معه
�صورة قدمية للمزدلفة �صباح يوم النحر
108كأنك
معه
بقي صىل اهلل عليه وآله وسلم يف املشعر احلرام حتى َأ ْس َف َر جدًّ ا ،وقاربت
الشمس أن تطلع ،فأمر ابن عمه الفضل بن العباس بن عبد املطلب ريض
اهلل عنهام أن يلقط له حىص اجلامر ،وقال« :هات اِ ْل ُق ْط يل» .فالتقط له سبع
حصيات صغار بحجم حبة احلمص أو أكرب قليلاً ،فوضعهن يف يده ،وجعل
َينْ ُف ُض ُه َّن يف ك ِّفه ،ثم رفع يده ،وقال للناس ،وهو يشري بيدهَ ،
كمن يريد أن
ين؛ فإِنام ْ
أه َلك َمن كان «بأ ِ
مثال هؤالء فارموا ،وإياكم وال ُغ ُل َّو يف الدِّ ِ يرميَ :
قب َلكم ال ُغ ُل ُّو يف الدِّ ِ
ين»(.)144
ثم أردف الفضل ريض اهلل عنه عىل راحلته ،ودفع ركابه امليمون من
مزدلفة قبل طلوع الشمس؛ خمال ًفا َهدْ ي املرشكني؛ فإهنم كانوا ال يدفعون
من مزدلفة إال عند طلوع الشمس عىل رؤوس اجلبال مثل عامئم الرجال،
ويقولونَ :أشرْ ِ ْق َثبِ ُري َك ْيام ن ُِغ ُري( ،)145أي :أرشقي أيتها الشمس عىل جبل
َثبِري ،حتى ندفع ِمن مزدلفة ،و َثبِري جبل عظيم مقابل جلبل ُق َزح(،)146
فخالفهم صىل اهلل عليه وآله وسلم ،ودفع قبل أن تطلع الشمس.
كأنك 109
معه
م�سجد امل�شعر احلرام ويف �أدنى ال�صورة جبل قزح ،ويف �أق�صاها جبل ثبري
110كأنك
معه
يوم احلج األكرب كأنك معه
وانطلق فتية من ُس َّباق قريش عَدْ ًوا عىل أرجلهم إىل منى ،فسبقوا
الركاب ،منهم أسامة بن زيد ريض اهلل عنهام(.)147
ِّ
دفع صىل اهلل عليه وآله وسلم من مزدلفة ،وهو عىل حال من السكينة
والوقار ،ونداؤه للناس حني دفعوا معهَ « :ع َل ْيك ُُم َّ
السكين َة»( ،)148وهو ٌّ
كاف
ناقته ،كحاله يف شأنه كله صىل اهلل عليه وآله وسلم؛ رفي ًقا حيب الرفق ،وكان
رديفه الفضل بن العباس ريض اهلل عنهام ،شا ًّبا أبيض وسيماً حسن الشعر،
فمرت به نساء عىل ركائبهن جيرين ،فطفق الفضل ينظر إليهن ،فوضع
ُ
الفضل فحول
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يده عىل وجه الفضلَّ ،ُ
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يده من فحول
وجهه إىل الشق اآلخرَّ ،
الشق اآلخر عىل وجه الفضل ،فرصف وجهه من الشق اآلخر ينظر ،فقال
له صىل اهلل عليه وآله وسلم« :يا ابن أخي ،إن هذا يوم َمن ملك فيه سمعه
وبرصه ولسانه ُغ ِف َر له»( .)149حتى إذا وصل «وادي محُسرِّ ٍ » بني «مزدلفة»
بح َجر(.)150
و«منى» حرك ناقته وأرسع قدر رمية َ
وسلك الطريق الوسطى التي خترج عىل اجلمرة الكربى( ،)151وكان
هلجا بالتلبية والتكبري ،حتى إذا وصل إىل مجرة العقبة ،استقبلها يف طريقه ً
جاعلاً «منى» عن يمينه ،و«مكة» عن يساره ،ومعه بالل وأسامة ريض اهلل
بخطام ناقته ،واآلخر رافع ثو ًبا يظلله به ،وهو يرمي عنهام ،أحدمها ممسك ِ
مجرة العقبة بسبع حصيات ،يكبرِّ مع كل حصاة ،ومل يقطع التلبية حتى رمى
اجلمرة( ،)152وكان يف شأنه كله متواض ًعا هلل مع ِّظماً لشعائره ،قال قدامة بن
َ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم عبد اهلل ِ
الكلاَ يب ريض اهلل عنهُ :
رأيت
كأنك 111
معه
يف مكان هذا الطريق كان وادي حم�سر
112كأنك
معه
يوم احلج األكرب كأنك معه
ناقة َص ْهبا َء ،بال َز ْج ٍر ،وال َط ْر ٍد ،وال :إِ َل ْي َك
رمى مجرة العقبة يوم النحر عىل ٍ
َ
إِ َل ْي َك(.)153
َّاس ،ال وازدحم الناس حوله ،فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم« :يا َأيهُّ ا الن ُ
فار ُموا رميتم َ
اجل ْم َر َة ْ بعضا ،وإذا َ
بعضكم ً يصيب ُُ بعضا ،وال
بعضكم ً َيقت ُُل ُ
مناسكَكم؛ فإين ال أدري َل َع يِّل ال َأ ُح ُّج بعدَ َأخذوا ِ اخل ْذ ِ
ف ،و ْلت ُ بمثل َح ىَص َ
ِ
َح َّجتي هذه»(.)154
وكان الناس حوله ،يصله َمن شاء منهم ،الرجل واملرأة ،والكبري
والصغري ،ال ُيدفع عنه أحد وال ُيبعد ،فجاءت امرأة شابة حسناء تسأله،
والفضل ِر ْد َفه ،وكان الفضل شا ًّبا يف العرشين من عمره وسيماً وضي ًئا،
ِ
فجعلت تَن ُظ ُر إليه وطفق َين ُظ ُر إليها ،وأعجبه حسنها ،فالتفت ُّ
النبي صىل ْ
اهلل عليه وآله وسلم ،فإذا الفضل ينظر إليها ،فأخلف بيده فأخذ بذقن
الفضل ،فدفع وجهه عن النظر إليها ،فنظر من الشق اآلخر ،فرصف وجهه
مر ًة أخرى ،حتى قال أبوه العباس ريض اهلل عنه :يا رسول اهلل ،لويت عنق
«رأيت شا ًّبا وشا َّب ًةَ ،ف َل ْم َآم ِن
ُ ابن عمك .فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم:
ان َع َل ْي ِهام» .فقالت املرأة :يا رسول اهلل ،إن فريضة اهلل عىل عباده يف الش ْي َط َ
َّ
كبريا ،ال يستطيع أن يثبت عىل الراحلةَ ،أ َف َأ ُح ُّج ً
شيخا ً احلج أدركت أيب
عنه؟ قالَ « :ن َع ْم»(.)155
مم ت ْع َجب يف هذا املشهد ،أمن تواضع النبي صىل اهلل عليه
وال تدري َّ
وآله وسلم وقربه من الناس ودنوه منهم ،حتى جترتئ عليه فتاة -يف هذا
تفهم النبي صىل اهلل عليه ِ
املشهد احلافل -هبذا السؤال وهذه احلال ،أم من ُّ
كأنك 113
معه
ميا ،ويالحظ ل�صوقها باجلبل ،ولذا �سميت جمرة العقبة
جمرة العقبة قد ً
114كأنك
معه
يوم احلج األكرب كأنك معه
وآله وسلم لنوازع الشباب ،وما ُجبِلت عليه النفوس الفتية ،فيسارع
تكرر املشهد إىل
بالتأديب اللطيف الذي جيمع الرفق واملودة ،وال يستثريه ُّ
العنف أو الغلظة! أم من جرأة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم عىل ابن عمه
وقريبه دون املرأة؛ ألن الفضل حيتمل من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله
وسلم ما ال حتتمله فتاة غريبة ،وال تزال تتأمل هذا املشهد حتى تتداعى
إليك روائع املعاين من أدب الرتبية ،وحسن التعليم ،ولطف التوجيه ،من
خري مع ِّلم للناس اخلري ،صلوات اهلل وسالمه وبركاته عليه.
وودَّع الناس:
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم للناس عىل ناقته العضب ِ
اء ُ ثم وقف
َ ْ َ
بني اجلمرات عند ارتفاع الضحى ،وأطاف به أصحابه ،ما بني قاعد وقائم،
فقال جلرير بن عبد اهلل البجيل ريض اهلل عنه -وكان رجلاً طوالاً جهري
الصوت« :-استنصت يل الناس» .فأنصتوا له ،حتى َّ
كأن عىل رؤوسهم
الطري ،فخطبهم خطبة عظيمة ،فتح اهلل هلا أسامعهم ،حتى سمعوه يف
قد ْاستدَ َارالزمان ِ
َ إن
منازهلم ،فحمد اهلل وأثنى عليه ،ثم قال« :أهيا الناسَّ ،
هرا ،منها أربع ٌة ِ كه ْيئتِه يو َم خ َلق اهللُ
واألرض ،السن ُة اثنا عشرَ َش ًَ الساموات َ
ِ ِ ِ ُح ُر ٌم؛ ثالث ٌة ُمتوالِ ٌ
ض الذي ب ُم رَ ُ ور َج ُ يات :ذو ال َق ْعدة ،وذو احل َّجة ،وا ُمل َّ
حر ُمَ ،
عبان» .ثم قرأ« :ﱹ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ وش َ بني جمُ َ ا َدى َ
ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ
وإن الن يَِّس َء زياد ٌة يف الكفرُ ،ي َض ُّل به
ﯝ ﯞ ﯟﱸ [التوبةَّ ،]36:
عاما؛ ليواطئوا عدة ما حرم اهلل ،فيح ُّلوا عاما وحيرمونه ً
الذين كفروا حيلونه ً
كأنك 115
معه
ميا
منى قد ً
116كأنك
معه
يوم احلج األكرب كأنك معه
كأنك 117
معه
ميا
م�سجد اخليف قد ً
118كأنك
معه
يوم احلج األكرب كأنك معه
()156
يقودكم بكتاب اهلل تعاىل ،فاسمعوا له وأطيعوا ،ثالث ال َي ِغ ُّل عليهن
قلب امرئ مسلم :إخالص العمل هلل ،ومناصحة أويل األمر ،ولزوم مجاعة
املسلمني ،فإن دعوهتم حتيط ِمن ورائهم».
ثم ذكر املسيح الدجالَ ،فأ ْطن َ
َب يف ذكره ،وقال« :ما بعث اهللُ من نبي إال
أنذر أمته ،أنذره نوح والنبيون من بعده ،وإنه خيرج فيكم ،فام خفي عليكم
من شأنه ،فليس خيفى عليكم أن ربكم ليس بأعور ،وإنه أعور عني اليمنى،
كأن عينه عنبة طافية.
أهيا الناس ،إين واهلل ال أدري لعيل ال ألقاكم بعد يومي هذا ،فرحم اهلل
َمن سمع مقالتي فوعاها وب َّلغهاُ ،فر َّب حامل فقه غري فقيهُ ،
ور َّب حامل فقه
إىل َمن هو أفقه منه.
الغائب ،فلعل بعض َمن يب ُلغُه أن يكون أوعى
َ أهيا الناس ،ليب ِّلغ الشاهدُ
من بعض َمن سمعه».
ثم رفع رأسه إىل السامء ،فقال« :اللهم هل بلغت ،اللهم هل بلغت؟».
ُ
رسول اهلل .فرفع يديه إىل السامء ،ثم قال« :اللهم اشهد، قالوا :نعم ب َّلغ
اللهم اشهد ،اللهم اشهد»(.)157
طول يف ون»ُ .ي ِّ الناس ،ويقولَ :
«أالَ ت َْس َم ُع َ َ وجعل يتطاول ل ُي ْس ِم َع
املوقف ألمه: وينادي« :يا ُأمتَاه ،هل بلغتكم؟» .حتى قال صبي يف ِ صوته(ِ .)158
ٌّ َّ ُ
يا ُأ َّم ْه ،ما له يدعو أمه؟ فقالت له :يا بني ،إنه ال يدعو أمه ،إنام يعني ُأ َّم َت ُه(.)159
فس ِّميت :حجة الوداع(.)160
وو َّدع صىل اهلل عليه وآله وسلم الناسُ ،
رجل من طوائف الناس :ياالناس أهنا موعظة مو ِّدع ،فقال ٌ
ُ واستشعر
كأنك 119
معه
ميا
�شرقي منى قد ً
ميا
غربي منى قد ً
120كأنك
معه
يوم احلج األكرب كأنك معه
كأنك 121
معه
ﱹﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﱸ
البدن
122كأنك
معه
يوم احلج األكرب كأنك معه
يم ِّيزه يف هذا املشعر عن سائر الناس ،وقال« :لاَ ِ ،منًى َمناخُ َمن َس َب َق»(.)165
يف املنحر:
ثم انرصف إىل املنحر ،وهو ما بني املسجد واجلمرة الصغرى ،لينحر
هديه ،وقال« :اد ُعوا يل َأبا َح َس ٍن» .فدعي له عيل ريض اهلل عنه ،فقال:
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم بأعالها. احل ْر ِبة» .وأخذ
«خ ْذ َبأ ْس َف ِل َ
ُ
ثم ُق ِّربت إليه ال ُبدْ ُن َأ ْرسالاً ،معقول ًة يدها اليرسى ،قيا ًما عىل ما بقي من
قوائمها ،فجعل يطعنها باحلربة يف َل َّباتهِ ا أسفل العنق( ،)166فإذا العجب
ُقرب إىل رسول اهلل
كل العجب يقع من هذه اإلبل العجاموات ،وهي ت َّ
صىل اهلل عليه وآله وسلم لينحرها قربانًا لربه عز وجل؛ لقد جعلت اإلبل
َي ْز َدلِ ْف َن( )167لرسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ،أهيا يبدأ به أول(!!)168
إهنا البهائم التي سيقال هلا يوم القيامة :كوين ترا ًبا .فتكون ترا ًبا .ومع هذا
ف إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم؛ أهيا يبدأ به أولاً لينحرها! ت َْز َدلِ ُ
فامذا يقول املؤمن برسول اهلل املتَّبع لدينه؟ أما كانت أعيننا عم ًيا وآذاننا صماًّ
وقلوبنا غل ًفا ،حتى فتحها اهلل وأحياها بمحمد صىل اهلل عليه وآله وسلم،
فكيف ينبغي حلبها له أن يكون؟!
القلوب يف َأ ْحن َِائها ،وتفتَّتت األكبا ُد يف أجوافها؛ ح ًّبا
ُ أما واهلل ،لو ذابت
له وشو ًقا إليه؛ لمََا كانت وريب ملوم ًة ،فصلوات اهلل وسالمه وبركاته عليه.
نحر صىل اهلل عليه وآله وسلم هديه ،فنحر بيده الرشيفة ثال ًثا وستني
َبدَ َن ًة ،بعدد سني عمره املبارك ،ثم أمر عل ًّيا بنحر ما بقي منها ،وأرشكه معه
كأنك 123
معه
البدنة قائمة معقولة يدها الي�سرى ،وعلى ظهرها جِ ال ُلها ،ويف عنقها قالدتها
124كأنك
معه
يوم احلج األكرب كأنك معه
«من شاء ا ْق َت َط َع»( .)169وأمر عل ًّيا ريض اهلل عنه أن يف هديه ،وقال للناسَ :
بني الن ِ ومها ِ ِ
َّاس ،ولاَ وجاللهَ ا( )170وجلو َدها َ يقوم عليها ،وقال له« :ا ْقس ْم لحُُ َ
عري ِح ْذ َي ًة
وخ ْذ ِمن ك ُِّل َب ٍ
َّارا ِمنها شيئًا؛ نحن نعطيه من عندناُ ، ِ
تُعطينَ َّ َجز ً
واحدة؛ حتى نَأك َُل ِمن لحَ ِمها ون َْح ُس َو ِمن
ٍ اج َع ْلها يف ِقدْ ٍر
من لحَ ٍم( ،)171ثم ْ
ِ
ومنًى ُك ُّلها َمن َْح ٌر ،وكل فجاج مكة مر ِقها»( .)172وقال« :نَحر ُت هاهناِ ،
َ ْ ََ
طريق ومنحر ،فانحروا يف رحالكم»(.)173
عمن اعتمر من نسائه بقرة بينهن ،قالت عائشةُ :د ِخل عليناوأهدى َّ
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه يوم النحر بلحم بقر ،فقلت :ما هذا؟! قالوا :نحر
وآله وسلم عن أزواجه( ،)174ونحر الصحابة ريض اهلل عنهم ،يشرتك يف
اجلزور منهم سبعة ،ويف البقرة سبعة(.)175
وقسم صىل اهلل عليه وآله وسلم وهو يف املنحر غنماً عىل أصحابه َهد ًيا
َّ
تيسالمن مل يكن معه َهدْ ي ،فأصاب سعد بن أيب وقاص ريض اهلل عنه منها ً َ
فذبحه عن نفسه(.)176
وسأله أصحابه عن ادخار حلوم اهلدي ،وكان قد هناهم يف السنة التي قبلها
عن ادخار حلوم األضاحي فوق ثالث؛ لكثرة الوفود التي َد َّف ْت إىل املدينة،
كنت هنيتُكم
فقالوا :يا رسول اهلل ،نفعل كام فعلنا العام املايض؟ قال« :إين ُ
ت عليكم ،وإناألضاحي فوق ثالث ،من أجل الدَّ ا َّفة( )177التي َد َّف ْ
َّ أن تأكلوا
فأردت أن تعينوا فيها ،وإين أح ُّله لكم ،فكلوا
ُ ذلك العام كان بالناس جهد،
ما شئتم ،وأطعموا ،وتزودوا» .فأكلوا ،وتزودوا حتى بلغوا به املدينة(.)178
وقال ملواله ثوبان ريض اهلل عنه« :يا ثوبان ،أصلح هذا اللحم» .أي:
كأنك 125
معه
ميا
احللق يف منى قد ً
126كأنك
معه
يوم احلج األكرب كأنك معه
ج ِّففه وم ِّلحه حتى يكون َق ِديدً ا ،ال يرسع إليه الفساد .قال ثوبان :فأصلحتُه،
فلم يزل يأكل منه حتى قدم املدينة(.)179
وبذلك مجع صىل اهلل عليه وآله وسلم بني الداللة القولية والقدوة
اجلواب عىل سؤاهلم ِمن فعله كام سمعوه من قوله.
َ العملية ،ورأى الصحاب ُة
وملا فرغ صىل اهلل عليه وآله وسلم من املنحر دعا باحللاَّ ق؛ ليحلق رأسه
املوسى،
املقدَّ س ،فجاء معمر بن عبد اهلل العدوي ريض اهلل عنه ،ومعه َ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يف وجهه ،ثم قال له مالط ًفا: ُ فنظر
رسول اهللِ صىل اهلل عليه وآله وسلم من َش ْح َم ِة ُأذنِه ،ويف
ُ «يا َم ْع َم ُرَ ،أ ْم َكنَك
ِ
وسى» .فقال معمر :واهلل يا رسول اهلل ،إن ذلك ملن نعمة اهلل َّ
عيل يد َك ا ُمل َ
«أ َج ْل إ ًذا َأ ِق ُّر لك» .أي :أثبت واستقر
و َمنِّه .فقال صىل اهلل عليه وآله وسلمَ :
سوى شعره بيده ،وقبض عىل شعر شقه األيمن ،وقال للحالق:
لك .ثم َّ
«احلق» ،فأطاف به أصحابه ،ما يريدون أن تقع شعرة إال يف يد رجل،
فجعل يقسم بني َمن يليه الشعرة والشعرتني ،ثم قبض يف بيده عىل شعر شقه
األيرس ،وقال للحلاَّ ق« :احلق» .وأشار إىل جانبه األيرس ،ثم قال« :أين أبو
َط ْل َح َة؟» .فجاء أبو طلحة ،فدفع إليه شعر رأسه األيرس كله(.)180
وكأنام استعاد صىل اهلل عليه وآله وسلم عرش سنني قضاها يف املدينة،
وبيت أيب طلحة وزوجه أم سليم وربيبه أنس بن مالك ريض اهلل عنهم ،كأنام
هو من بيوت النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ،خدم ًة لرسول اهلل ،وعناية
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم خيتاره بشأنه ،وقر ًبا وحفاوة به ،فإذا
هذا اليوم عىل أهل هذا املوقف كلهم ،فيعطيه شعر شق رأسه كله ،ويناوله
كأنك 127
معه
املحجن
128كأنك
معه
يوم احلج األكرب كأنك معه
الع ِ
ما مل يناول أحدً ا مثله ،وينطلق أبو طلحة حيوز الشعر املقدَّ س ،وكأنام ط ُ
األرض ذه ًبا وفضة بني يديه ،ريض اهلل عنه.
ورحم اهلل اب َن سريين الذي كان حيدِّ ث هبذا احلديث ،ثم يقول :ألن
يكون عندي منه شعرة ،أحب إ َّيل من الدنيا وما فيها.
الس ْلامين الذي سمع هذا احلديث ،فقال :ألن تكون ورحم اهلل َعبِيدة َّ
عندي منه شعرة ،أحب إ َّيل من كل أصفر وأبيض أصبح عىل وجه األرض
ويف بطنها(.)181
«اللهم
َّ رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم للمح ِّلقني ،فقال: ُ ودعا
«اللهم ْار َح ِم
َّ ْار َح ِم ا ُمل َح ِّل ِقني» .قالوا :واملقرصين يا رسول اهلل .قال:
صين» .قال مالك ا ُمل َح ِّل ِقني» .قالوا :واملقرصين يا رسول اهلل .قال« :وا ُمل َق رِّ ِ
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم يقول ذلك، سمعت َّ
ُ بن ربيعة ريض اهلل عنه:
وأنا يومئذ حملوق الرأس ،فام يرسين بحلق رأيس حمُ ْ ُر النَّ َع ِم(.)182
وق َّلم صىل اهلل عليه وآله وسلم أظفاره َّ
وقسمها بني الناس(.)183
وبعد أن رمى صىل اهلل عليه وآله وسلم يوم العيد ونحر وحلق نزع
إحرامه ،ويغلب عىل الظن أنه اغتسل ليزيل عنه ال َّت َف َث( )184وآثار اجلهد
والنصب ،ثم لبس ثيابه ،وط َّيبته عائشة ريض اهلل عنها بأطيب ما جتد من
الطيب ،وضمخت بيدهيا رأسه الكريم ِمسكًا(.)185
إىل احلرم:
ثم ركب صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل البيت ،مرد ًفا أسامة بن زيد ريض اهلل
عنهام ،فلام وصل الكعبة طاف راك ًبا؛ لرياه الناس ،ول ُيشرْ ِ َ
ف هلم وليسألوه؛ فإن
كأنك 129
معه
ميا
بئر زمزم قد ً
130كأنك
معه
يوم احلج األكرب كأنك معه
الناس َغ ُشوه وكثروا حوله ،وكان يستلم الركن ِ
بم ْح َج ٍن( )186يف يده ،ويكبرِّ ، ُ
ويق ِّبل طرف املِ ْح َج َن( ،)187فلام فرغ من طوافه أناخ راحلتَه ،فصلىَّ ركعتني(،)188
وسعى الذين متتعوا من أصحابه بني الصفا واملروة حلجهم ،كام سعوا قبل ذلك
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم و َمن مل حيل ممن ساق اهلدي لعمرهتم ،وأما
من أصحابه ،فلم يسعوا بني الصفا واملروة بعد طوافهم هذا (.)189
ثم ذهب صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل سقاية عمه العباس ريض اهلل
َ
النبيذ( ،)190فاستسقى من أوعيتهم التي عنه؛ حيث كان يسقي الناس
جيعلون فيها سقاية الناس ،فقال عمه العباس :يا فضل ،اذهب إىل أمك،
فأت رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم برشاب من عندها .فأبى صىل
اهلل عليه وآله وسلم ذلك ،وقال« :ال حاج َة يل فيه ،اس ُقوين مما َي َ
رش ُب منه
َّاس» .قال :يا رسول اهلل ،إهنم جيعلون أيدهيم فيه ،وإن هذا النبيذ قد الن ُ
ث( ،)191أفال نسقيك لبنًا أو عسلاً ؟ أي :إن أيدي الناس قد ُم ِغ َث و ُم ِر َ
َ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وقعت فيه وخالطته ،وأراد أن يسقي
برشاب خيصه به ،ولكن النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم أبى أن يكون له متيز
يف أمر السقاية ،وأن خيتص نفسه بام ال يرشكه فيه غريه ،حتى وإن كان رشا ًبا
يؤثره به عمه؛ لذا أعاد عليه أخرى« :اسقونا مما تسقون منه الناس»ُ .فأيت
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ومعه أصحابه املهاجرون واألنصار بأقداح
كبار فيها النبيذ ،فلام رشب صىل اهلل عليه وآله وسلم َع ِجل قبل أن يروى،
اصنَ ُعوا» .ثم سقى فضله أسامة حسنت ُْم َ
وأجمْ َ ْلت ُْم ،ك ََذا َف ْ فرفع رأسه ،فقالَ :
«أ َ
بن زيد ،قال ابن عباس ريض اهلل عنهامِ :
فر َضا رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله
كأنك 131
معه
نبع بئر زمزم
132كأنك
معه
يوم احلج األكرب كأنك معه
وسلم ذلك أعجب إ َّيل من أن تسيل شعاب مكة علينا لبنًا وعسل(.)192
ثم أتى صىل اهلل عليه وآله وسلم زمز َم ،وبنو عبد املطلب يسقون
عمل صالحٍ » .فنزعوا له ً
دلوا، ٍ ويعملون فيها ،فقال« :ا ْع َم ُلوا؛ فإنَّكم علىَ
فرشب منها وهو قائم ،ثم َم َّج فيها من فمه الطيب جم ًة ،فأخذوها وأفرغوها
يف زمزم؛ حتى تعم بركة بقية رشابه وجمته َمن بعده .وقال هلمَ « :ل ْولاَ ْ
أن
احل ْب َل عىل هذه» .وأشار إىل عاتقه( .)193وذلك أنه ت حتَّى َأ َض َع َ
تُغ َل ُبوا َلنَ َز ْل ُ
ِ
ب بنو العباس عىل سقايتهم لو نزع لصارت ُسنَّ ًة يتبعه فيها الناس ،ول ُغل َ
التي كانت من مآثرهم قبل اإلسالم ،ولذا رشب من الدلو مع الناس ،ومل
ينزع مع بني عمه ،حتى ال يغلبوا عليها.
ثم عاد صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل «منى» ،فصلىَّ بالناس صالة الظهر(.)194
ولك أن تتساءل :كيف اتسع وقته صىل اهلل عليه وآله وسلم لكل هذه
األعامل من الرمي ،واخلطبة ،وإفتاء الناس ،وإنزاهلم منازهلم ،ثم النحر
لثالث وستني بدنة ،ثم احللق ،والتهيؤ للطواف باللباس والطيب ،ثم
القدوم للبيت والطواف ،ثم الرجوع بعد ذلك؟!
فكيف اتسع لذلك كله ضحوة من هنار؟! إهنا الربكة التي جعلها اهلل
يف وقته وعمله ،ولذا أنجز يف هذا الوقت كل هذه األعامل الكثرية ،فإن
أبيت إال التساؤل ،فانظر كيف اتسعت ثالث وعرشون سنة من عمره
املبارك ألعظم إنجاز يف تاريخ البرشية ،وهو بالغ رساالت اهلل إىل اخللق،
واستنقاذهم من النار ،وإخراجهم من الظلامت إىل النور!
كأنك 133
معه
�صورة قدمية للحرم التقطت يف عام 1300هـ
134كأنك
معه
ميا
م�سجد اخليف قد ً
كأنك 137
معه
ميا
منى قد ً
ميا
منى قد ً
138كأنك
معه
أيام منى كأنك معه
يل يا رسول اهلل .فاستغفر له .قال يزيد بن األسود ريض اهلل عنه :وهنض
وهنضت معهم ،وأنا يومئذ
ُ الناس إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم،
ُ
زلت َأ ْز َحم الناس حتى وصلت إىل رسول
أشب الرجال وأجلده .قال :فام ُ
فأخذت بيده ،فوضعتُها إما عىل وجهي أو
ُ اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم،
أطيب وال أبر َد من يد رسول اهلل صىل اهلل
َ وجدت شي ًئا
ُ صدري .قال :فام
عليه وآله وسلم(.)198
معمورا بالذكر؛ عملاً بقول اهلل عز
ً وكان وقته صىل اهلل عليه وآله وسلم
وجل( :ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [البقرة.]203:
واملسترشف ألخبار النبي وحاله ُيرى أنه صىل اهلل عليه وآله وسلم
كان يكبرِّ يف قبته بمنى ،ويكبرِّ أهل املسجد وأهل السوق بتكبريه؛ حتى
تكبريا ،فقد ثبت هذا عن عمر ريض اهلل عنه من فعله( ،)199وما
ً ترتج «منى»
نحسبه فعله إال تأس ًيا به صىل اهلل عليه وآله وسلم.
عيل بن أيب
وأرسل صىل اهلل عليه وآله وسلم مجاعة من أصحابه ،منهم ُّ
وأوس
ُ وكعب بن مالك،
ُ وبرش بن ُسحيم،
طالب ،وأبو هريرة ،واب ُن عمرُ ،
ابن احلدثان ،وعبدُ اهلل بن حذافة ،وسعدُ بن أيب وقاص؛ يطوفون يف شعاب
منى ،ينادون« :ال يدخل اجلنة إال نفس مؤمنة ،وأيام منى أيام أكل ورشب
وذكر هلل ،فال صوم فيها»(.)200
يوم َ
القر:
-ويسمى :يوم الرؤوس ،ويوم ال َق ِّر(-)201
َّ ويف اليوم احلادي عرش
الناس عىل بغلة َش ْه َبا َء ،وعليه برد أمحر ،وعيل ريض اهلل عنه يب ِّلغ عنه
خطب َ
كأنك 139
معه
منى حدي ًثا
140كأنك
معه
أيام منى كأنك معه
الناس ،فحمد اهلل وأثنى عليه ،ثم قال« :أي بلد هذا؟» .قالوا :اهلل ورسوله
أعلم .قال« :أليس املشعر احلرام؟» .قالوا :بىل .قال« :فأي يوم هذا؟».
قالوا :اهلل ورسوله أعلم .قال« :أليس أوسط أيام الترشيق؟» .قالوا :بىل.
قال« :فإن دماءكم ،وأعراضكم ،وأموالكم عليكم حرام ،كحرمة يومكم
هذا ،يف شهركم هذا ،يف بلدكم هذا ،فليبلغ أدناكم أقصاكم .أهيا الناس،
إنام املؤمنون إخوة ،فال حيل المرئ مسلم مال أخيه إال عن طيب نفس
فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إىل َمن ائتمنه عليها .أال هل بلغت،
منهَ ،
اللهم فاشهد .أهيا الناس ،إن ربكم واحد ،وإن أباكم واحد ،كلكم آلدم،
وآدم من تراب ،ليس لعريب فضل عىل عجمي ،وال لعجمي فضل عىل
عريب ،وال ألسود عىل أبيض ،وال ألبيض عىل أسود ،إال بالتقوى ،إن اهلل
يقول( :ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ
ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [احلجرات .]13:أهيا الناس ،أر َّق َ
اءكم أر َّق َ
اءكم،
أطعموهم مما تأكلون ،واكسوهم مما تلبسون ،وإن جاؤوا بذنب ال تريدون
أن تغفروه فبيعوا عباد اهلل وال تعذبوهم .أال وإن الولد للفراش ،وللعاهر
ومن ا َّدعى إىل غري أبيه ،أو تولىَّ غري مواليه، َ
احل َجر ،وحساهبم عىل اهلل تعاىلَ ،
رغبة عنهم؛ فعليه لعنة اهلل البالغة إىل يوم القيامة ،ال يقبل اهلل منه صرَ ْ ًفا وال
عدل» .ثم قال« :اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟».
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم. ُ قالوا :ب َّلغ
قال رافع بن عمرو املزين ريض اهلل عنه يصف هذا املشهد :أقبلت مع
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم أيب وأنا غالم يف حجة الوداع ،فإذا
كأنك 141
معه
ميا
اجلمرة ال�صغرى قد ً
ميا
رمي اجلمرة الو�سطى قد ً
142كأنك
معه
أيام منى كأنك معه
الناس عىل بغلة شهباء ،وعيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه يعبرِّ عنه،
خيطب َ
أتيت البغلة،
الركاب ،حتى ُ والناس بني جالس وقائم ،فجلس أيب وختللت ِّ
بلغت هبا
فمسحت الساق حتى ُ ُ ووضعت يدي عىل ركبته،
ُ فأخذت بركابه،
ُ
أدخلت كفي بني النعل والقدم ،فيخيل إ َّيل الساع َة أين أجد برد
ُ القدم ،ثم
قدمه عىل كفي(.)202
ولئن عجب رافع بن عمرو من برد قدم النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم،
فإننا نعجب من برد خلقه ،وطيب نفسه ،إهنا النفس الرضية واخللق العظيم،
أن يميض صىل اهلل عليه وآله وسلم يف خطبته ،ويدع الغالم يمسح قدمه،
ٍ
ماض يف شأنه ،مع ِّلم بحاله ومقاله. ويدخل يده حتت رشاك نعله ،وهو
ثم أال يستوقفك هذا ِ
اإل ْل َظ ُ
اظ منه صىل اهلل عليه وآله وسلم يف ثالثة
أيام تبا ًعا ،هي أعظم األيام حرمة ،يف أعظم الشهور حرمة ،يف أعظم البالد
حرمة« :إن دماءكم ،وأموالكم ،وأعراضكم عليكم حرام ،كحرمة يومكم
هذا ،يف شهركم هذا ،يف بلدكم هذا».
لقد كان صىل اهلل عليه وآله وسلم حييط حرمة الدماء هبذا السياج املنيع
أن تُتسور أو تخُ رتق ،ثم بعد هذا املوقف بخمس وعرشين سنة ،وقبل أن
ينقطع صدى صيحات رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم تلك ،سفك
ناس من املسلمني دم اخلليفة الراشد ،ثم تقابل بالسيوف بعض َمن كانوا
يف هذا املشهد مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ،وكأنام كان صىل اهلل
فيكرر النداء ،و ُي ْل ِح ُ
عليه وآله وسلم ينظر إىل الغيب من سرت رقيق ،وهو ِّ
يف املناشدة.
كأنك 143
معه
ميا
اجلمرة الو�سطى قد ً
ميا
اجلمرة الو�سطى قد ً
144كأنك
معه
أيام منى كأنك معه
وأي بال ٍغ ُ
أبلغ حلرمة هذه احلقوق من بيان رسول اهلل أبنيُّ ،
فأي بيان ُ
صىل اهلل عليه وآله وسلم وبالغه ذلك! وما أعظم املصيبة أن تُنتهك حرماهتا
لطمع من الدنيا عارض ،وما أفجع الفاجعة إذا سفك الدم املسلم بحجة
الدين واجلهاد ،وهذا بيان رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وبالغه
واستشهاده« :اللهم هل بلغت ،اللهم فاشهد» .فاللهم عصمتك وهداك.
رمي اجلمرات:
توجه صىل اهلل عليه وآله وسلم
النهار وزالت الشمس َّ
ُ ثم ملا انتصف
إىل اجلمرات ماش ًيا ،فبدأ باجلمرة الصغرى ،فرماها مستقبل القبلة بسبع
حصيات ،يكبرِّ اهلل مع كل حصاة ،ثم تقدَّ م حتى َأ ْس َه َل؛ ليبعد عن زحام
وترضع
َّ الناس ،فرفع يديه واستقبل القبلة ،يكبرِّ اهلل ويس ِّبحه وحيمده ،ودعا
طويلاً ،ثم قصد اجلمرة الوسطى ،فرماها مستقبل القبلة بسبع حصيات،
يكبرِّ مع كل حصاة ،كام صنع عند الصغرى ،ثم أخذ ذات الشامل ،واستقبل
ومترض ًعا ،وأطال الوقوف ،وكان وقوفه
ِّ ذاكرا وداع ًيا
القبلة ،ورفع يديه ً
عند اجلمرتني قري ًبا من قراءة سورة البقرة ،وكان وقوفه عند اجلمرة الثانية
أطول من اجلمرة األوىل ،ثم مىض إىل مجرة العقبة فاستقبلها ،وجعل منى
عن يمينه ،والقبلة عن يساره ،ورماها بسبع حصيات ،يكبرِّ مع كل حصاة،
ومل يقف عندها(.)203
وهكذا صنع يف اليوم الثاين عرشَّ ،
وتأخر صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل
يتعجل ،وكان يميش إىل اجلمرات ذاه ًبا وراج ًعا،
َّ اليوم الثالث عرش ،ومل
كأنك 145
معه
م�سجد البيعة يف �شعب الأن�صار مبنى
146كأنك
معه
أيام منى كأنك معه
كأنك 147
معه
�شعب بني ها�شم
148كأنك
معه
أيام منى كأنك معه
معها ،يوم رسى يف ظلمة الليل مواعدً ا عصبة األنصار ،يتس َّللون إليه تس ُّلل
ال َقطا( ،)209ليبايعهم عىل اهلجرة ،مستخف ًيا من قومه أن َين ُْذروا به ،هل
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم هذا وغريه ،ليقول ملا َ ذكَّرت «منى»
َقاس ُموا
ثت َ ف َبني كِنَان َةَ ،ح ْي ُ
سئل :أين تنزل غدً ا يا رسول اهلل؟ قال« :بِخَ ي ِ
ْ ُ
علىَ ال ُك ْف ِر»(.)210
«خ ْيف بني كنانة» مكانًا ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم َ لقد اختار
لنزوله إذا خرج من «منى»؛ ليظهر مجيل صنع اهلل وصدق موعوده؛ فهذا
املكان هو الذي تعاقدت فيه قريش وحلفاؤها بنو كنانة عىل مقاطعة بني
هاشم وبني املطلب ،وحصارهم يف شعب بني هاشم ،فال يبايعوهنم وال
يناكحوهنم ،حتى ُي ْس ِل ُموا إليهم حممدً ا( ،)211جهدً ا منهم أن يطفئوا نور اهلل،
واهلل متم نوره ولو كره الكافرون ،واهلل غالب عىل أمره ،ولكن أكثر الناس
ال يعلمون ،ثم ها هو ذا حممد صىل اهلل عليه وآله وسلم ينزل يف ذات املكان،
فتحا مبينًا ،وأكمل
وأعزه ،وفتح له ً
وقد أظهره اهلل عىل الدين كله ،ونرصه َّ
أفواجا ،وحج بالناس
ً الناس يف دينه
ُ وأتم عليه النعمة ،ودخل
له الدينَّ ،
وبينَّ هلم رشائع الدين ،وأقام هلم مناسكهم ،وقد نفر بعد إكامل املناسك،
فنزل يف املوضع الذي تقاسمت فيه قريش عىل الظلم والعدوان والقطيعة؛
مراغم ًة للرشك ،وإعالنًا بالشكر هلل عىل مجيل صنعه ولطيف تدبريه.
()212 املحصب َ
«خ ْيف بني كنانة» َّ فلام رمى يف اليوم الثالث عرش نفر إىل
ينفرن
َّ قبل صالة الظهر ،وجعل الناس ينرصفون يف كل وجه ،فقال« :ال
آخر عهده بالبيت»(.)213
يكون ُ
َ أحدٌ حتى
كأنك 149
معه
جانب من املح�صب( ،خيف بني كنانة)ة
كأنك 151
معه
ميا
م�سجد التنعيم قد ً
152كأنك
معه
أيام منى كأنك معه
قدمت عىل رسول اهلل صىل اهلل عليه ُ جزاء بعمرة الناس التي اعتمروا ،ثم
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم حل ْصبة مل يربح ،وأما
وآله وسلم وهو با َ
ب َه ِو ٌّي من الليل ،فاستيقظ يف َه ِزي ٍع
املحصب ،حتى َذ َه َ
َّ فه َج َع َه ْج َع ًة يف
َ
بمن معه إىل الكعبة؛ فيطوف طواف الوداع ،فجاءته الليل اآلخر؛ ليسري َ
«ه ْل فرغتام؟».
عائشة ريض اهلل عنها وهو يف منزله من آخر الليل ،فقالَ :
قالت :نعم .قال« :هذه مكان عمرتك» (.)217
وصارت عمرة عائشة ريض اهلل عنها هذه دليلاً لألمة عىل مرشوعية
العمرة للمكي ،وأن َمن أ َّدى العمرة وأراد أن يأيت بعمرة أخرى من احلل؛
فإن له ذلك ،وما هي بأول بركات أمنا املباركة ريض اهلل عنها.
بالرحيل يف أصحابه ،فلام أراد أن
ثم نادى صىل اهلل عليه وآله وسلم َّ
ينفر إذا زوجه صفية ريض اهلل عنها عىل باب خبائها كئيبة حزينة ،وكانت
قد حاضت ،فقالت :ما أراين إال حابستكم .قال« :أو ما كنت طفت يوم
النحر؟» .قالت :بىل .قال« :ال بأس ،فانفري»( .)218فكانت سنة للمرأة إذا
طافت طواف اإلفاضة ،ثم حاضت ،سقط عنها طواف الوداع.
وشكت إليه أم سلمة ريض اهلل عنها أهنا مريضة ،وال تستطيع الطواف
مع الناس ،فقال هلا« :إذا أقيمت صالة الصبح ،فطويف عىل بعريك من وراء
الناس وهم يصلون»(.)219
نظرات الوداع:
ثم هبط صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل احلرم ليطوف طواف الوداع،
دخل صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل املسجد احلرام ،فطاف بالكعبة طواف
كأنك 153
معه
ريع الر�سام (طريق ُكدى)ا
154كأنك
معه
أيام منى كأنك معه
سحرا ،فلام قىض طوافه إذا نور الفجر قد َصدَ َع األفقُ ،فأ ِّذن لصالة
ً الوداع
الفجر ،ثم صلىَّ بالناس صالة الصبح يرتسل يف قراءته بسورة الطور(،)220
وكانت هذه آخر صالة صالها والكعبة وجاهه ،وآخر نظرات متلتها عيناه
من بيت اهلل املعظم الذي طاملا متلته ونظرت إليه.
ثم خرج صىل اهلل عليه وآله وسلم من «مكة» من أسفلها من املكان
املعروف بـ «الشبيكة» ،وسلك طريق كُدى( ،)221ويعرف اليوم بريع
الرسام ،حتى نزل بذي ُطوى( ،)222وهو املكان الذي نزل به عند دخوله
مكة ،حتى يتتابع إليه أصحابه ،ويلحق به َمن تأخر عنه.
رسب صىل اهلل عليه وآله وسلم من مكة ،ورسبت معه القبائل إىل
وتفرقت مجوعها يف فجاج األرض ،بعد ليال عرش عظيمة مشهودة،
بالدهاَّ ،
كانوا فيها مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ،وما كانت هذه اجلموع
تدري أنه وهو يو ِّدعها كان يو ِّدع الدنيا ،وأن أيامهم معه هي أيامه األخرية
مع احلياة ،وأنه قد أهنى مهمته عىل األرض ،وقىض ما عليه ،وإنام مها شهران
وأيام ،ثم يلحق بالرفيق األعىل واملحل األسنى.
كأنك 155
معه
إىل املدينة
طريق ُ
كدى
بيكة
الش
أرى يف خروج النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم هذا من مكة َح ْشدً ا من
املشاعر واالنفعاالت تتع َّثر العبارات عندما حتاول وصفها.
يكفي أن تتخ َّيل املشهد فيخفق القلب وهتيج املشاعر ،أحاول أن أخت َّيل
جيا من املشاعر
مشاعره صىل اهلل عليه وآله وسلم ذاك الصباح ،فأخت َّيلها مز ً
متور يف ذلك القلب الكبري املنري ،هي مزيج من مشاعر الفرح باإلمتام
ومشاعر ال َّل ْوعة بالوداع.
مشاعر الفرح بتامم النعمة ،وكامل الدين ،وبالغ الرسالة ،وإمتام النُّسك،
والفرح بفضل اهلل ورمحته ،واالمتنان له عىل صدق موعوده ،ولذا لهَ ِ َج هبذا
ونرص عبدَ ه،
َ االمتنان عىل ِذروة الصفا واملروة« :ال إله إِلاَّ اهللُ ،أنج َز وعدَ ه،
األحزاب وحدَ ه»(.)223
َ وهز َم
كانت مشاهد حجة الوداع مشاهد ِصدْ ِق ِ
وعد اهلل لن ِّبيه صىل اهلل عليه وآله
وسلمَ ،أ َما َوعَدَ ه( :ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)
متحضت لدينه ،وها هي وفود القبائل قد
[التوبة]33 :؟ فها هي مكة قد َّ
نرص اهلل
جاءت معه من كل أنحاء اجلزيرة مؤمنة به متَّبعة هلُداه ،بعد أن جاء ُ
كأنك 157
معه
�سَ رِف على الطريق من مكة �إىل املدينة ،وفيه تزوج النبي �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم
�أم امل�ؤمنني ميمونة بنت احلارث �سنة �سبع ،وفيه توفيت �سنة �إحدى وخم�سني
َح َّرة �ضَ ْجنان على الطريق من مكة �إىل املدينة ،وقيل :عندها نزلت «�سورة الفتح»
من�صرف النبي �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم من ا ُ
حل َد ْي ِب َية
158كأنك
معه
مشاعر الوداع كأنك معه
أفواجا.
ً الناس يف دين اهلل
والفتح ،ودخل ُ
كأنام أشعر بفرحه صىل اهلل عليه وآله وسلم بأمته وألمته يمأل قلبه
و َي ْط ِفر عىل حم َّياه ،واالمتنان لربه بصدق الوعد ومتام النعمة يغمر مشاعره
ورضا عىل نفسه ،فهو يسري عىل األرض ومشاعره وأشواقهويفيض سكين ًة ً
هناك يف املأل األعىل!
َ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وأتذوق لوعة الوداع حينام أخت َّيل
وهو خيرج من طريق كُدى وجبال مكة حتجب بيوهتا شي ًئا فشي ًئا ،وخطوات
راحلته تباعده عنها شي ًئا فشي ًئا ،خيرج من مكة بلده الذي نشأ فيه و ُبعث،
مكة أحب بالد اهلل إليه ،وها هو اليوم يو ِّدعها ،هل التفت إليها كام التفت
قبل ثالث سنني يوم خرج منها يف عمرة القضية فنظر إليها نظرة الوداع وهو
خلري أرض
حل ْز َورة ؟ هل قال اليوم ما قاله تلك املرة« :واهللِ ،إنك ُ
(*)
عىل ا َ
خرجت»()224؟
ُ خرجت منك ما
ُ وأحب أرض اهلل إىل اهلل ،ولوال أين ُأ
ُّ اهلل،
لكن وداعه هذه املرة ليس ككل وداع ،ها هو خيرج فيو ِّدع مكة ،ويو ِّدع
أهلها ،ويوشك أن يو ِّدع احلياة عن قريب!
ر َّباه! كيف كان شعوره ومشاعره حني خرج من مكة وهو يعلم أن هذا
الوداع هو الوداع األخري؟
كيف نظر إليها وهو يعلم أهنا النظرة األخرية؟
كيف تداعت ذكريات مكة وهي خزانة حياته وبيت عمره ،ففيها طفولته
)*( َ
احل ْز َورة :مرتفع يقابل املسعى ،كان وال يزال سو ًقا من أسواق مكة ،وتُعرف اليوم بالقشاشية.
ينظر« :معجم البلدان» ( ،)255/2و«معجم املعامل اجلغرافية يف السرية النبوية» (ص.)98
كأنك 159
معه
ُكراع ال َغمِ يم على الطريق من مكة �إىل املدينة ،وي�سمى اليوم� :أبرق ال َغمِ يم
160كأنك
معه
مشاعر الوداع كأنك معه
كأنك 161
معه
َثنِية ِل ْفت
َثنِية ِل ْفت من م�سارات احلج وقد انحرف عنها الطريق وغمرتها الرمال
162كأنك
معه
مشاعر الوداع كأنك معه
يعدل سنة من سنوات غيابه العرش عنهم ،أهكذا بعد أن آمنوا به واتَّبعوه
وز َه ْوا به وافتخروا ،و َع ِلقت قلوهبم به ح ًّبا وتعظيماً ،يرونه خيرج وأحبوهَ ،
من بلدهم إىل حيث هاجر؟
ماذا لو علموا أنه يو ِّدع مكة ويوشك أن يو ِّدع احلياة ،وأن نظراهتم إليه
يف إرشاقة هذا اليوم هي النظرات األخرية ،وأن هذا الوداع هو الوداع الذي
ال لقاء بعده!
اجلموع التي أتت من أنحاء ُ وكام و َّدعته مك ُة وأه ُلها ،فقد و َّدعته
وتفرقت الوفو ُد التي صحبته من املدينة ،فإهنم قدموا عليه فيها اجلزيرةَّ ،
كل منهم نفر ٌّ
حجهم معه ،فلام فرغوا من نُسكهم َ ليتأسوا به يف ِّ وساروا معه َّ
يف وجهه ،وقصد تلقاء بلده ،وسار مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم
املهاجرون واألنصار و َمن كانت ديارهم يف وجهته تلك.
ركب النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم من مكة إىل املدينة تتل َّقاه ُ دفع
الطريق التي أتى منها ،تسيل هبم أباطحها ،وحتفهم جباهلا ،وهلم مع رسول
اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم َد ِو ٌّي بالذكر كام كان هلم يف مقدمهم َض ِجيج
بالتلبية.
فكلام صعدوا شرَ َ ًفا كبرَّ وا اهللَ ،وكلام هبطوا واد ًيا س َّبحوا اهللَ(،)227
فيستشهدون جبال األرض ووهادها عىل تعظيم اهلل وتنزهيه ،ويعمرون فيافيها
وقفارها بعبادة اهلل وذكره ،فكأنام جبال األرض وأحجارها وأشجارها تتجاوب
مع تكبريهم وتسبيحهم( :ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ) [اإلرساء.]44 :
كأنك 163
معه
رابغ
غدير خم
ميقات اجلحفة
164كأنك
معه
على ال َغ ِدير
)*( بنصب «الصالة» عىل اإلغراء ،و«جامعة» عىل احلال .ينظر« :رشح صحيح مسلم» للنووي
(.)80/18
كأنك 165
معه
�صورة قديمة لغدير خم
166كأنك
معه
على الغدير كأنك معه
كأنك 167
معه
�صورة قدمية ملكان الغدير بعد �أن دفنه ال�سيل
168كأنك
معه
على الغدير كأنك معه
عليك سال ُم اهلل يا أبا احلسن ،فقد كان فضل اهلل عليك عظيماً ،وحق
لك أن تفرح بذلك وترس( :ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ) [يونس.]58 :
عيل عليه السالم وتعظيم
وكان سبب هذه اخلطبة والتأكيد عىل فضل ٍّ
ح ِّقه ووجوب مواالته :أن بعض الصحابة كان يف نفوسهم يشء عىل ٍّ
عيل،
َ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله فتك َّلموا عنه يف موسم احلج و َب َل ُغوا بحديثهم
وسلم ،و َن َق ُموا عليه بعض ما عمله يف واليته عىل اجليش الذي أرسله
عيل
فترصف ٌّ
َّ ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل اليمن قبل احلج،
ريض اهلل عنه يف املغانم بام استنكره منه بعضهم وتك َّلموا فيه ،وقد كان ٌّ
عيل
النبي
متحر ًيا احلق والن ََّصف ،فزكَّى ُّ
ِّ عليه السالم جمتهدً ا مصي ًبا يف اجتهاده،
صىل اهلل عليه وآله وسلم عم َله ،وبينَّ فض َله ،و َأكَّد ح َّقه ،وكأنام أراد يف هذا
املقام أن يغسل تلك الشوائب من النفوس ويص ِّفيها ويؤ ِّلف بينها قبل أن
يصل املدينة.
قدره ومنزلتَه ،حتى قال ُبريد ُة ب ُن
ولقد صفت له النفوس و َعرفت له َ
حلصيب ريض اهلل عنه« :فام كان أحدٌ من الناس بعد قول رسول اهلل صىل ا ُ
عيل»(.)229
أحب إ َّيل من ٍّ
اهلل عليه وآله وسلم َّ
أصبحت
َ عمر ريض اهلل عنه« :هني ًئا يا اب َن أيب طالب ،فقد
وقال له ُ
كل مؤمن ومؤمنة»(.)230وأمسيت مولىَ ِّ
َ
عيل
إنه موقف وفاء من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم لسابقة ٍّ
أناس ،وأقدم وقد أدبر
ريض اهلل عنه إىل اإلسالم يوم أسلم وقد تر َّدد ٌ
كأنك 169
معه
مكان الغدير على حافة ج�سر قطار احلرمني
ال�شيخ الم�ؤرخ د� .أحمد النعماني يقف في المكان الذي يقال �إنه
م�صلى النبي �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم عند غدير خم
170كأنك
معه
على الغدير كأنك معه
َ
آخرون ،ثم كان إسالمه إيامنًا يزداد يقينًا ،وإقدا ًما يزداد َم َضا ًء ،وعطاؤه
للدين ورسوله أعظم العطاء وأكرمه وأسخاه.
لعيل عليه
إنه ُح ْسن العهد من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ٍّ
السالم ،وهو القائل« :إن ُح ْس َن العهد من اإليامن»(.)231
وللشيعة اإلمامية رواية أخرى حلديث ال َغ ِدير ،وسياقهم هلا خيتلف بني
اختصارا وطولاً ،وإمجالاً وتفصيلاً ،ولكن هذه الروايات تتواطأ
ً مروياهتم
لعيل ريض اهلل عنه باإلمامة ،واستخالفه بعد رسول
عىل قضية الوصية ٍّ
اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ،وأن اهلل أوحى إىل نب ِّيه صىل اهلل عليه وآله
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم خطب يف
وسلم بذلك ،وأمره بالبالغ ،وأن َّ
ِ
بن أيب طالب أخي
عيل َ َغدير ُخ ٍّم ،وأخذ بيد ٍّ
عيل ريض اهلل عنه ،وقال« :إن َّ
ووصيي وخليفتي واإلمام بعدي ...اسمعوا له وأطيعوا.)232(»...
وأن الصحابة ريض اهلل عنهم الذين معه قد بايعوه كلهم عىل ذلك،
بمن فيهم أبو بكر وعمر وعثامن واملهاجرون واألنصار وغريهم.
َ
وأن مآل هذا العهد والوصاة أن نُكث العهد و ُأخلفت الوصاة يوم
عيل ريض اهلل عنه ،و ُأخلف حق ٍّ
وفاته صىل اهلل عليه وآله وسلم ،فاغتُصب ُّ
عهدُ النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ،ونُقض ميثا ُقه ،وتولىَّ اخلالفة قبل
عيل ريض اهلل عنه ثالث ٌة من أصحاب النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم الذين
ٍّ
ِ
بايعوا عل ًّيا عليه السالم يف ال َغدير ،حسب روايتهم هذه!
يتصور أن كل هذه احلشود املجتمعة مع النبي صىل
َّ وهنا نتسائل :هل
ٍ
ونواح شتَّى يتفقون عىل كتامن اهلل عليه وآله وسلم ،وهم من قبائل شتَّى
كأنك 171
معه
�شجرات ال�سمر يف الوادي حول غدير خم ،وقد خطب النبي
�صلى اهلل عليه و�آله و�سلم حتت �شجرتي �سمر
172كأنك
معه
على الغدير كأنك معه
كأنك 173
معه
ناحية من الطريق تعرب وادي ُقديد
َح َّرة ال ُم�ش َّلل ،وعلى هذا الطريق كانت خيمة �أم َم ْع َبد
174كأنك
معه
بقايا الطريق
الركْب النبوي من َغ ِدير ُخ ٍّم ،يتل َّقاه الطريق إىل املدينة ،وأبو بكر
ويسري َّ
الصدِّ يق ريض اهلل عنه أقرب أصحابه إليه وأدناهم منه.
ِّ
الصدِّ يق ريض اهلل عنه مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله
وكأنام أرى ِّ
وسلم يف مسريه ذلك ،وأتساءل:
هل تداعت الذكريات يف خاطر أيب بكر وهو يسري مع النبي صىل اهلل
عليه وآله وسلم وهذه اجلموع حوله؟
هل تذكَّر يوم سلك هذا الطريق ذاته مع النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم
الر َصد أمامهام ِ ِ
قبل عرش سنني مهاج َر ْين إىل املدينة وحدمها مستخف َيينْ من َّ
ومن ال َّط َلب خلفهام()233؟
هل تذكَّر حني مر ب ُقدَ يد سرُ اق َة بن مالك وهو يعدو بفرسه خلفهام يريد
أن يظفر هبام()234؟
هل تذكَّر وهو يمر با ُملش َّلل أ َّم َم ْع َبد وخيمتها وشاهتا()235؟
هل تذكَّر الصخرة التي أظلتهام ،والغار الذي آوامها()236؟
وهل تر َّدد يف سمعه صدى قول النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم له« :ال حتزن
كأنك 175
معه
�إحدى حمطات الطريق بني مكة واملدينة ،وت�سمى الآن :عني ابن بزيع
176كأنك
معه
بقايا الطريق كأنك معه
إن اهللَ معنا ،يا أبا بكر ،ما ظنُّك باثنني اهللُ ثال ُث ُهام»()237؟
كأن كل عالمات الطريق ومعامله ختاطبه وتقول :من هنا مررتم ،وها
هنا جلستم ،وهذا الظل مقيلكم ،وذاك السهل مبيتكم ،هنا قال لك ،وهناك
قلت له!
َ
الصدِّ يق مسريه ذاك يف مسريه هذا؟
هل تذكَّر ِّ
أين هذا املسري من ذاك املسري؟
ما أقرص عرش سنني يف عمر الزمن ،وما أعظم األحداث التي تدافعت
فيها!
ها هو يسري اليوم مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وقد صدق اهللُ
أفواجا.
ً الناس يف دين اهلل
نرص اهلل والفتح ودخل ُ
وعده ونرص عبده ،وجاء ُ
هل تداعت الذكريات يف وجدان شيخ اإلسالم واملسلمني أيب بكر
الصدِّ يق ريض اهلل عنه فتذكَّر وهو يسري مع النبي ظاهرين يف األرض يوم
ِّ
سار معه يستخفيان يف مسريمها يف هذا الطريق.
هل تذكَّر وهو يسري مع النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ومعه هذه
األلوف الزاحفة ،يوم سار مع النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم يف هذا الطريق
ذاته والوجهة ذاهتا وحدمها ليس معهام غريمها( :ﮫ ﮬ ﮭ
ﮮ ﮯ) [األعراف.]86 :
الصدِّ يق
أحسب أن مشاعر االغتباط واالمتنان كانت تغمر قلب ِّ
ونفسه ،وأن نعيم االمتنان هلل كان يمأل وجدانه بام يتقارص عنه كل نعيم
تذوقه أهل الدنيا.
َّ
كأنك 177
معه
بئر امل�صنوع ب ُقديد على طريق احلاج
178كأنك
معه
بقايا الطريق كأنك معه
للصدِّ يق وهو يسري مع النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ويرى
قرة عني ِّ
يف مسريه ذلك بشائر حسن العاقبة وطيب املنقلب!
ثم ما هي أحاسيس املهاجرين ومشاعرهم ،أما جاشت الذكريات يف
نفوسهم وهم يسريون مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ظاهرين يف
األرض؟
أما تذكَّروا يف طريقهم هذا يوم خرجوا مستخفني من مكة يرسبون
منها َأ ْرسالاً يسريون يف هذا الطريق مهاجرين بدينهم وإىل رسوهلم ،تاركني
بلدَ هم وأموالهَ م وقراباهتم إىل بلد ال مال هلم فيها وال أهل؟
ما شعورهم وهم يعودون مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم اليوم
من مكة إىل املدينة ،وكأنام يستعيدون مسريهم األول وهجرهتم األوىل؟
ولكن أين ذاك املسري من هذا املسري! ها هم يرون صدق موعود اهلل هلم،
وكأين هبم ير ِّددون يف وجداهنم ومع خفقات قلوهبم( :ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ
ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [األحزاب.]22 :
كيف هي أحاسيسهم وهم يتذوقون إكرام اهلل هلم ،حيث ذكرهم يف املأل
األعىل فسماَّ هم وزكَّاهم فقال( :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ)
[التوبة]100 :؟
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم حيفظ
كيف شعورهم اليوم وهم يرون َّ
هلم سابقتهم هذه فيقول َملن حاول اللحاق هبم من بعدهم « :ال هجر َة بعد
الفتح ،مضت اهلجر ُة ألهلها»(.)238
وهاهم اليوم يسريون يف طريق هجرهتم الذي سلكوه أول مرة ،وكأن
كأنك 179
معه
امل ُ َح َّ
يطة �إحدى منازل طريق احلاج ،ويقال� :إنها من م�صليات الر�سول
�صلى اهلل عليه و�آله و�سلم يف طريق حجه
كل واحد منهم وهو يسريكل شواخص الطريق وشواهده ومعامله ختاطب َّ
فتقول له :أنت أنت من أهلها ،ولن يلحق بكم غريكم« ،مضت اهلجر ُة
ألهلها».
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم أكثر الطريق تقاربت املدينة وقطع
بالر ْوحاء -وهي منزل يبعد عن املدينة مرحلتني(*)- إليها ،حتى إذا كان َّ
لقي َر ْك ًبا يف الطريق ،فس َّلم عليه ،وقالَ « :من القو ُم؟» .قالوا :املسلمون.
«رسول اهلل»َ .ف َف ِزعت امرأ ٌة منهم فأخذت ب َع ُض ِد
ُ قالواَ :من أنت؟ قال:
حج؟ قال: َ
رسول اهلل ،أهلذا ٌّ صبي هلا فأخرجته من حم َّفتها(**) فقالت :يا ٍّ
أجر»(.)239
«نعم ،ولك ٌ
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم،الركْب الذين سأهلم ُّ وأعجب هلؤالء َّ
فلم ينتسبوا إىل يشء مما ينتسب إليه الناس ،ال إىل قبيلة وال إىل وطن ،عىل
شدة عصبية العرب لقبائلهم وديارهم ،وإنام انتسبوا إىل دينهم الذي آمنوا
به واتَّبعوه.
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلمَ :من أنت؟ َ وأعجب من سؤاهلم
فلم يكن لرسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم شارة مت ِّيزه ،وال هيئة ورسوم
شأن إخوانه من ختصه ،ولكنه مع الناس بينهم ،منغمر فيهم ،قريب منهمَ ، ُّ
أنبياء اهلل ورسله عليهم السالم ( :ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ
ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الفرقان.]20 :
)*( تبعد عن املدينة ( )70كيلاً .
)**( املح َّفة -بفتح وكرس امليم :-شبه اهلودج ،إِلاَّ أهنا ال قبة عليها .ينظر« :مطالع األنوار ع ىل
صحاح اآلثار» ( ،)337/2و«عون املعبود» (.)110/5
كأنك 181
معه
َثنِية َه ْر�شى يف منت�صف الطريق ،ويقال� :إن مكان امل�سجد هو
م�صلى النبي �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم عندها
182كأنك
معه
بقايا الطريق كأنك معه
كأنك 183
معه
طريق احلج ال�سالك يف منطقة الأَ ْبواء
بقايا علم المنت�صف الذي يحدد منت�صف الطريق بين المدينة ومكة
184كأنك
معه
بقايا الطريق كأنك معه
هل تذكَّروا قوله صىل اهلل عليه وآله وسلم هلم يوم َق َسم غنائم ُحنني،
الناس
ُ «ألاَ ترضون أن يذهب فأعطى املئات من اإلبل ومل يعطهم منهاَ :
بالدُّ نيا وتذهبون برسول اهلل حتوزونه إىل بيوتكم»()241؟
أين اإلبل التي ُأعطيت؟ أين الغنائم التي ُقسمت؟ ذهبت كلها وبقي
ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ،قرة عني لألنصار َق ْسمهم ونَصي ُبهم
هلم يوم قالوا« :رضينا برسول اهلل قس ونصيبا» .واهلل ِ
لش ْس ِع نعل رسول ً ماً
غريهم و َغنِم. اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يكون عندهم خري مما ُأ َ
عطي ُ
وتفرق الناس من حوهلم
وها قد أوشك األنصار أن يدخلوا املدينة َّ
وحلقوا بديارهم وبقي معهم رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يزفونه
حتى أدخلوه بني بيوهتم وأوجلوه دورهم.
يا هلل ملشاعر األنصار ليلتهم هذه ،كيف كانت تشع عيوهنم وهم
ينظرون إىل املدينة أمامهم ،ثم ينظرون إىل رسول اهلل بينهم؟
الغبطة والفرح َت ْط ِفر يف قلوهبم وهم يتذكَّرون وعد رسول
كيف كانت ِ
فوفىَ هلم ،وقال هلم فصدقهم:
اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وقد وعدهم َ
واملامت مماتكم»()242؟
ُ «املحيا حمياكم،
كأنك 185
معه
مكان م�سجد ال ُم َع َّر�س قدي ًما ،وتبدوا �أنقا�ضه تحت ال�شجرة
)*( ويف حكمة خمالفة الطريق أقوال كثرية ،أوصلها احلافظ يف «فتح الباري» ( )473 -472/2إىل
عرشين قولاً ،وينظر« :رشح صحيح مسلم» للنووي (.)190/8
كأنك 187
معه
مكان م�سجد املعر�س يف �أ�سفل ال�صورة ،ويبدو يف �أعالها منارة
م�سجد ذي ا ُ
حلليفة (امليقات)
188كأنك
معه
صباح القدوم كأنك معه
وانفرط عقد اجلمع الذين كانوا مع النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم،
وأرسع ٌّ
كل منهم راحلته تلقاء وجهة داره ،وكان مشهد الرواحل وهي تعدوا
تفرقت وجهاهتا وأرسع هبا ُركَّاهبا مشهدً ا يضج بالفرح ويعلن
مرسعة وقد َّ
املفرحات؛ ملا
البهجة ،وال يزال أهل املدينة إىل اليوم يسمون هذا املطلعِّ :
َي ْط ِفر عىل املسافرين من الفرح إذا وصلوها فأرشفوا عىل املدينة واسترشفت
هلم.
كل تخَ ُب به راحلته إىل بيته،
تفرق اجلمع الذين كان الطريق جيمعهمٌّ ،
َّ
فقد سبقهم خرب قدومهم إىل بيوهتم ،وهناك يف كل بيت طعا ٌم ُصنع ،وامرأ ٌة
ت ََزينتِ ،
وصبي ٌة يرقبون الطريق بلهفة وفرح. َّ
ضحى،
أما رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم فقد قصد املسجد فدخله ً
وكان إذا دخل املدينة بدأ باملسجد فصلىَّ فيه ركعتني ،ثم جيلس للناس،
فيس ِّلم عليه َمن كانوا ينتظرونه فيه ،ثم يدخل عىل أهله ،فيبدأ ببيت فاطمة
ريض اهلل عنها فيس ِّلم عليها ،ثم يأيت بيوت نسائه فيطوف عليهن( ،)245وأما
أهل املدينة فقد كانوا يتتابعون بعد إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم
يسلمون عليه بقية اليوم وما بعده.
وكان ممن جاء للسالم عليه :أ ُّم َم ْع ِقل ريض اهلل عنها( ،)246فلام س َّلمت
َ حتجي معنا؟» .قالت :يا ِ
رسول اهلل ،لقد عليه قال هلا« :يا أ َّم َم ْعقل ،ما لك مل ِّ
هت َّيأنا فهلك أبو َم ْع ِقل ،وكان لنا مجل هو الذي نحج عليه ،فأوىص به أبو
ِ ِ
َم ْعقل يف سبيل اهلل .فقال« :فهلاَّ خرجت عليه؛ فإن َّ
احلج يف سبيل اهلل ،فأما
كحجة»(.)247
َّ إذ فاتتك هذه احلجة معنا ،فاعتمري يف رمضان؛ فإهنا
كأنك 189
معه
ن�صب من �أعالم الطريق في وادي القاحة
ولك أن تتخ َّيل َو ْقع سؤال النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم عىل أم َم ْع ِقل:
حتجي معنا؟» .كيف فقدها ومعه كل هذه األلوف الزاحفة؟ كيف
«ما لك مل ِّ
فقدها وهو املشغول بشأن الناس كلهم؟ كيف فقدها ثم ها هو اآلن يسأهلا؟
ال أستطيع أن أخت َّيل فرحها وزهوها هبذا السؤال ،وشعورها باهتامم
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم هبا.
إهنا الرباعة النبوية يف إشعار كل أحد بأمهيته ،حتى جتد امرأة من عامة
املسلمني مكاهنا من اهتامم النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم وتفقده وسؤاله،
مهمش!
فليس أحد يف حياة النبي مغمور أو َّ
ويغلب عىل الظن أن وصول النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل املدينة
كان يف يوم اخلميس الثاين والعرشين من ذي احلجة ،وكان بني خروجه من
مكة ،وخروجه من الدنيا ثامنون ليلة ،فكانت حجته صىل اهلل عليه وآله
وسلم هي الوداع املبارك ألمته ،واخلتام احلسن حلياته.
فصلوات اهلل وسالمه وبركاته عىل هذا النبي العظيم ،فام أكرمه عىل
ربه ،وما أعظم بركته عىل أمته.
وقرة عني للمهاجرين الذين خت َّل ْوا عن الدنيا؛ ليكونوا مع رسول اهلل
صىل اهلل عليه وآله وسلم فهاجروا معه ،وها هم اليوم يرتكون مكة كام
تركوها ويعودون معه.
وقرة عني لألنصار الذين وقفوا يف وجه الدنيا؛ ليكون رسول اهلل صىل
واؤه عندهم وح ُّبه ودعاؤه هلم. اهلل عليه وآله وسلم عندهم ،هني ًئا هلم ثِ ُ
واهللِ ،ما مجعهم اهللُ حوله يف الدنيا عىل اإليامن إِلاَّ ليجمعهم به يف اجلنة
كأنك 191
معه
�إحدى الثنايا ال�ضيقة الوعرة في الطريق
192كأنك
معه
صباح القدوم كأنك معه
كأنك 193
معه
ميا
قوافل الإبل قد ً
ميا
قوافل الإبل قد ً
194كأنك
معه
ما قبل الكتابة
مادة هذا الكتاب حصيلة تطواف عىل موارد عديدة ومتنوعة ،هي
جممع األخبار النبوية ،ومل أشأ أن أعرضها بالطريقة التفصيلية املعتادة يف
رسد أسامء الكتب ،ولكن باإلشارة اإلمجالية إىل أنواع جامعة هلذه املوارد:
كأنك 195
معه
ما قبل الكتابة كأنك معه
ولعظمة حديث جابر ريض اهلل عنه ،اعتنى به األئمة ،فقد رشحه احلافظ
أبو بكر ابن املنذر يف جزء له ،وأخرج فيه من الفقه مائة وني ًفا ومخسني ً
نوعا،
ولو تقىص لزيد عىل هذا القدر قريب منه(.)250
وقد رجعت يف حديث جابر ريض اهلل عنه إىل:
« -1حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم كام رواها جابر ريض اهلل
عنه» للشيخ حممد نارص الدين األلباين رمحه اهلل.
« -2صفة حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ،رشح حديث جابر
الطويل» للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي.
« -3رشح حديث جابر بن عبد اهلل ريض اهلل عنهام يف صفة حجة النبي
صىل اهلل عليه وآله وسلم» للشيخ حممد بن صالح بن عثيمني رمحه اهلل.
كام رجعت للكتب اجلامعة يف مجع صفة حجة النبي صىل اهلل عليه وآله
وسلم ،ومنها:
« -1حجة الوداع» لإلمام أيب حممد عيل بن حزم الظاهري ،واستفدت
من مقدمته التي مجع فيها روايات األحاديث يف سياق واحد ،فسلكت
الطريقة نفسها يف هذا الكتاب.
« -2صفوة ِ
القرى يف صفة حجة املصطفى ،وطوفه بأم القرى» ملحب
الدين أمحد بن عبداهلل الطربي وقد طبع باسم «حجة املصطفى».
« -3حجة الوداع» ملحمد زكريا الكاندهلوي ،وهو رشح لصفة حجة
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم كام أوردها ابن القيم يف «زاد املعاد».
196كأنك
معه
ما قبل الكتابة كأنك معه
« -4صفة حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم» لعصام موسى هادي،
وهو مجع مستقص ألحاديث حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم مع ترتيب
سياقها.
« -5الوصية النبوية» د .فاروق محادة ،وهو مجع ورشح أللفاظ خطبة
حجة الوداع.
كأنك 197
معه
ما قبل الكتابة كأنك معه
عبد امللك بن عبد اهلل بن دهيش ،ومعايل الشيخ د .عبد الوهاب بن إبراهيم أبو
سليامن ،وأخي الشيخ العالمة عبد العزيز بن مرزوق الطريفي ،وغريهم.
وكذلك ما استفدته ممن أدركتهم من كبار السن يف نجد واحلجاز،
والذين أدركوا البيئة احلياتية القريبة حلال الناس يف عهد النبي صىل اهلل عليه
وآله وسلم ،كاالرحتال عىل اإلبل ،وورود املياه واآلبار ،ومعرفة األدوات
املستخدمة لتقارب البيئة ونمط احلياة.
عزمت عىل إعادة طبع الكتاب سنة (1437هـ)، ُ سادسا :وعندما
ً
حتر ًيا عىل طريق األنبياء عليهم
قمت برحلة أخرى أكثر ِّ مع الزيادة عليهُ ،
فسلكت
ُ السالم بني املدينة ومكة ،متت ِّب ًعا منازل الطريق منزلاً منزلاً ،
ووقفت
ُ لعت من ثناياه، وهبطت ِوهادهَّ ،
واط ُ ُ وصعدت شرَ َ فه،
ُ ِفجاجه،
عىل معامل الطريق التي ُنصبت يف هذا املسار يف أول خالفة بني العباس،
وهي ُن ُصب من حجارة ضخمة متساوية األبعاد فيام بينها ،بني كل ُن ُصب
منها والذي يليه ألف وسبعامئة مرت ،وال تزال شواهد منها قائمة يف أماكنها،
تعرض كثري منها للتجريف واإلزالة.
كام َّ
كنت يف هذه الرحلة مع أخوين كريمني من أهل هذه األماكن،
وقد ُ
املؤرخ
خبريين هبذا الطريق ،أماكنه ومعامله ومسالكه ،مها األخ الشيخ ِّ
اجلغرايف أمحد النعامين ،من أهل َ
األ ْبواء ،واألخ الباحث اجلغرايف األستاذ
عبد احلافظ القريقري ،من أهل ُقديد ،وقد أفاداين يف هذه الرحلةَّ ،
وحتمال
ممهدة ،فشكر
َو ْعثاء السفر ونصب الطريق ،وكان السري يف طرق وعرة غري َّ
كأنك 199
معه
ما قبل الكتابة كأنك معه
كأنك 201
معه
ما بعد الكتابة
بني يدي توثيق مادة هذا الكتاب وعزوها إىل مصادرها األصلية ،حيسن
التنبيه إىل خطة االختيار للنصوص ،ومنهج الصياغة ،والذي راعيت فيه ما
ييل:
-1إن الصياغة لسياقة أحداث حجته صىل اهلل عليه وآله وسلم هي
ضميمة روايات أو أخبار متعدِّ دة ُدجمت يف مساق واحد ،من غري تفصيل
متأس ًيا يف ذلك بسياقة اإلمام
لرواياهتا أو التزام بنص بعينه من نصوصهاِّ ،
الزهري رمحه اهلل عندما َروى حديث اإلفك عن عدد من شيوخه ،فقال:
وأثبت له
ُ وبعضهم أوعى من بعض
ُ «وك ُّلهم حدَّ ثني طائف ًة من حديثها،
َ
احلديث الذي حدَّ ثني عن اقتصاصا ،وقد َو َع ْي ُت عن كل واحد منهم
ً
بعضا»( .)251ثم ساقه سيا ًقا واحدً ا.
وبعض حديثهم يصدِّ ق ًُ عائشة،
واإلمام ابن ُجريج رمحه اهلل ،وقد روى حديث مجل جابر ريض اهلل
بعضهم عىل بعض ،ومل
عنه ،عن عطاء بن أيب رباح وغريه ،فقال« :يزيد ُ
كأنك 203
معه
ما بعد الكتابة كأنك معه
كأنك 205
معه
ما بعد الكتابة كأنك معه
وبعدُ ؛ فإين أشكر وأدعو لكل َمن ا َّطلع عىل هذا الكتاب ،ثم َّ
تكرم
يصحح خطأ ،فالعلم رحم ِّ نقصا ،أو َي ُسدُّ خللاً ،أو
يكمل ً
تنبيها ِّ
فأرسل يل ً
كثري بإخوانه ،وال يزال كل علم يجَ ِدُّ لنا يذك ُِّرنا بني أهله ،واملرء ٌ
قليل بنفسه ٌ
بقول خالقنا( :ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ).
برصه يف هذا الكتاب حتى بلغ هذه السطور، وأسأل اهلل لكل َمن سرَ َ ى ُ
أن هيب له من حمبة نبيه صىل اهلل عليه وآله وسلم ما ينال به كريم برشاه يوم
قال« :املرء مع َمن أحب»(.)256
كام أدعو ريب لكل َمن ذكرين بدعوة صاحلة أن يستجيب له ما دعى
ويؤتيه أفضل مما سأل ،وجيمعني وإياه مع املتحابني بجالله حتت ظل عرشه،
يوم ال ظل إال ظله( ،ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙ).
والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته.
206كأنك
معه
موكب البشائر
تفض َل ُ
شيخنا العالمة املحقق معايل الشيخ عبد اهلل بن الشيخ املحفوظ بن ب ّيه َّ
بعد قراءة الكتاب بكتابة هذه األبيات ،وهي من حفاوة الوالد بولده ،وتشجيع العامل
لتلميذه ،ومشهد من تواضع الكبار وفضل أويل الفضل:
ِ
سائـر ُـو ٍر عىل األرض
صحـبــت ومـن ن ْ
َ ِ
مسـافــر ِ
أكــر ْم بــــــه مــن ٍ
نارص، أبا
ِ
الزواهـر َ
فــوق النــجـو ِم ومـن ُر ْف َق ٍة الدهــر مث َلها
ُ
ِ
ـشـهـد ٍ
رحـــلــة مل َي ومن
ِ
بالـبـشـائـــر مـواك ُبــه حمــفـــوفـ ٌة ِ
البــــــريــة كــ ِّلها خــيـــر تـقــدَّ مها
ُ
ِ
وجـابـر ــمــا ٍ فمن ِ ِ
ألس َ
عبـاس ْ نجل جرى
األصحاب يف وصف ما َ
ُ أسه َب
وقد َ
ِ ٍ ف ِقـص ٍ ب ال َقـــ ْل ِ
بذ ْو ِ
باملـحــاجــــر هتون ُم ْش َـر ًعــا ودم ٍع ـة ـب َأ ْح ُ
ــر َ َّ كتبت َ
َ
ِ
َّــواضــر ِ
الوجــوه الن بتبييض ٍ
وجه يف ِ عمـا صــنـعـتَــه ِ َ
العـرش َّ رب
فجازاك ُّ
كأنك 207
معه
اهلوامش
كأنك 209
معه
اهلوامش كأنك معه
210كأنك
معه
اهلوامش كأنك معه
أو نحوهُ ،ي َل َّطخ بالدم الذي سال عند اإلشعار؛ ل ُيعلم أهنا َهدْ ي؛ وهلذا ت َّ
ُسمى اإلبل التي تهُ دى
للبيت :القالئد.
( )20ينظر« :صحيح البخاري» ( ،)1545و«صحيح مسلم» (.)1243
( )21وورد يف «صحيح مسلم» ( )1326أن صاحب ُبدن النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم
هو ُذؤيب أبو َقبِيصة ريض اهلل عنه ،ويف «املسند» ( )17974 ،16609أنه رجل من األنصار ،وأنه
صىل اهلل عليه وآله وسلم قال لكل واحد منهم كام قال لناجية ريض اهلل عنه ،ولعلهم كلهم كانوا
عىل ُبدن النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم؛ ألهنا عدد كثري ،ال يقوم به واحد.
( )22ينظر« :مسند أمحد» ( ،)23198 ،18943 ،17974 ،17667 ،16609و«صحيح
مسلم» ( ،)1326و«مسند الدارمي» ( ،)1950و«سنن أيب داود» ( ،)1762و«جامع الرتمذي»
( ،)910و«سنن ابن ماجه» ( ،)3106 ،3105و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)2577و«صحيح
ابن حبان» ( ،)4025 ،4023و«سنن البيهقي» ( ،)284/9( ،)243/5و«التلخيص احلبري»
(.)610/2
اخل ْطمي -بكرس اخلاء وفتحهاُ -
واألشنان :نبات يستعمل لتنظيف الشعر والبدن عند (ّ ِ )23
االغتسال .ينظر« :خمتار الصحاح» (ص ،)93و«لسان العرب» ( ،)186/12و«تاج العروس»
(« )116/32خ ط م» ،و«عون املعبود» (.)300/1
( )24ينظر« :مسند أمحد» ( ،)14490 ،4829 ،4783و«صحيح البخاري» (،1538
،)5923 ،1754 ،1566 ،1553و«صحيح مسلم» ( ،)1229 ،1190 ،1189و«سنن أيب
داود» ( ،)1748و«جامع الرتمذي» ( ،)830و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)2652 ،2595و«سنن
الدارقطني» ( ،)226/2و«املستدرك» ( ،)450/1و«سنن البيهقي» (.)32/5
كأنك 211
معه
اهلوامش كأنك معه
212كأنك
معه
اهلوامش كأنك معه
كأنك 213
معه
اهلوامش كأنك معه
214كأنك
معه
اهلوامش كأنك معه
كأنك 215
معه
اهلوامش كأنك معه
216كأنك
معه
اهلوامش كأنك معه
كأنك 217
معه
اهلوامش كأنك معه
218كأنك
معه
اهلوامش كأنك معه
كأنك 219
معه
اهلوامش كأنك معه
( )108هو طريق خمترص من مزدلفة إىل عرفة ،يمر بحذاء جبل مأزم عرفة اجلنويب ،وترى
عن يسارك يف هذا الطريق بناء جمرى عني زبيدة الص ًقا باجلبل ،وبمر فيه اليوم طريق رقم ()3
و( )4املتجه إىل عرفة .ينظر« :أخبار مكة» لألزرقي ( ،)802/2بتعليق د .الدهيش.
( )109ينظر« :صحيح البخاري» ( ،)970و«صحيح مسلم» (.)1284
( )110مجع عانية ،وهي األسرية.
( )111ينظر« :مسند أمحد» ( ،)23497 ،22260 ،20695 ،18966و«صحيح البخاري»
( ،)4403و«صحيح مسلم» ( ،)1218و«سنن أيب داود» ( ،)1905و«جامع الرتمذي»
( ،)1163و«سنن ابن ماجه» ( ،)3074 ،3057 ،1851و«السنة» للمروزي ( ،)68و«مسند
أيب يعىل» ( ،)1569و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)2810 - 2808و«مسند أيب عوانة» (،)3461
و«صحيح ابن حبان» ( ،)1457و«سرية ابن هشام» ( ،)603/2و«تاريخ الطربي» (،)206/2
و«املعجم الكبري» للطرباين ( ،)7676و«تاريخ ابن خلدون» (.)59/2
( )112أي :ير ِّددها إىل الناس مش ً
ريا إليهم.
( )113هو جزء من الذي قبله.
( )114ينظر« :صحيح مسلم» ( ،)1218و«سنن أيب داود» ( ،)1904و«رشح معاين
اآلثار» ( ،)213/2و«صحيح ابن حبان» (.)3944
( )115ينظر احلديث السابق.
( )116ينظر« :مسند أمحد» ( ،)18774و«مسند الدارمي» ( ،)1887و«جامع الرتمذي»
( ،)2975و«سنن ابن ماجه» ( ،)3015و«سنن النسائي» (.)3016
( )117ينظر« :صحيح مسلم» (.)1218
( )118ينظر« :مسند أمحد» ( ،)17233و«سنن أيب داود» ( ،)1919و«جامع الرتمذي»
( ،)881و«سنن ابن ماجه» ( ،)301و«سنن النسائي» (.)3014
( )119ينظر« :صحيح البخاري» ( ،)1843و«صحيح مسلم» (.)1178
220كأنك
معه
اهلوامش كأنك معه
كأنك 221
معه
اهلوامش كأنك معه
222كأنك
معه
اهلوامش كأنك معه
( )136جبل قزح :أكمة مرتفعة بجوار مسجد املشعر احلرام ،ويسمى( :جبل قزح باملشعر
احلرام) ،وكل مزدلفة مشعر حرام.
( )137ينظر« :مسند أمحد» ( ،)21814و«صحيح البخاري» ( ،)139و«صحيح مسلم»
( ،)1280و«سنن أيب داود» ( ،)1925و«صحيح ابن خزيمة» (.)2851
( )138ينظر« :صحيح البخاري» ( ،)1681و«صحيح مسلم» (.)1290
( )139ينظر« :صحيح البخاري» ( ،)1856 ،1678 ،1677و«صحيح مسلم» (،1293
،)1294و«جامع الرتمذي» (.)892
( )140ينظر« :رشح معاين اآلثار» ( ،)215/2و«أحكام القرآن» للطحاوي (،)162/2
و«فتح الباري» ( ،)528/3و«السلسلة الضعيفة» (.)5078
( )141ينظر« :مسند أمحد» ( ،)3549 ،1896و«صحيح البخاري» ( ،)1544و«صحيح
مسلم» ( ،)1283 ،1218و«سنن أيب داود» ( ،)1907و«سنن ابن ماجه» ( ،)3012و«سنن
النسائي» (.)3046
( )142جبيل طيء :مها جبال :أجا وسلمى يف منطقة حائل شامل اململكة العربية السعودية،
وهي منازل قبيلة طيء.
( )143ينظر« :مسند أمحد» ( ،)16208و«سنن أيب داود» ( ،)1950و«جامع الرتمذي»
( ،)891و«سنن النسائي» ( ،)3041و«سنن ابن ماجه» ( ،)3016و«صحيح ابن خزيمة»
( ،)2820و«صحيح ابن حبان» (.)3850
( )144ينظر« :مسند أمحد» ( ،)3248 ،1851 ،1821 ،1794و«أخبار مكة» للفاكهي
( ،)2639و«سنن ابن ماجه» ( ،)3029و«سنن النسائي» ( ،)268 ،267/5و«املنتقى» البن
اجلارود ( ،)473و«مسند أيب يعىل» ( ،)2427و«صحيح ابن خزيمة» (،)2873 ،2868 ،2867
و«صحيح ابن حبان» ( ،)3871و«املستدرك» (.)466/1
( )145ينظر« :صحيح البخاري» ( ،)1684و«جامع الرتمذي» ( ،)896و«سنن ابن
ماجه» (.)3022
كأنك 223
معه
اهلوامش كأنك معه
( )146وهو أعىل جبل باملزدلفة ،ويسمى اليوم :جبل مزدلفة .ينظر تعليق د .عبد امللك بن
دهيش عىل «أخبار مكة» لألزرقي (.)929/2
( )147ينظر« :مسند أمحد» ( ،)11742و«صحيح مسلم» ( ،)1280و«سنن أيب داود»
( ،)1921و«سنن النسائي» (.)3031
( )148ينظر« :مسند أمحد» ( ،)1821 ،1796 ،1794و«صحيح مسلم» (،)1282
و«مسند الدارمي» ( ،)1933و«سنن النسائي» ( ،)269 ،258/5و«صحيح ابن حبان»
( ،)3872وما تقدم يف دفعه صىل اهلل عليه وآله وسلم من عرفة.
( )149ينظر« :مسند أمحد» ( ،)3041و«صحيح البخاري» (،)6228 ،1855 ،1513
و«صحيح مسلم» ( ،)1334 ،1218و«مسند أيب يعىل» (.)2441
( )150ينظر« :صحيح مسلم» ( ،)1218و«سنن البيهقي» (.)126/5
( )151ينظر« :صحيح مسلم» (.)1218
( )152ينظر« :صحيح البخاري» ( ،)1683 ،1544و«صحيح مسلم» (،)1298 ،1281
و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)2887و«فتح الباري» (.)533/3
( )153ينظر« :مسند أمحد» ( ،)15410و«جامع الرتمذي» (.)903
( )154ينظر« :مسند أمحد» ( ،)16088 ،16087و«صحيح مسلم» ( ،)1297و«سنن
أيب داود» ( ،)1966و«سنن ابن ماجه» ( ،)3028و«سنن البيهقي» ( ،)220/8و«السلسلة
الصحيحة» (.)2445
( )155ينظر« :مسند أمحد» ( ،)3375 ،2266 ،562و«صحيح البخاري» (،1513
،)6228 ،4399 ،1855 ،1853و«صحيح مسلم» ( ،)1334و«سنن أيب داود» (،)1809
و«جامع الرتمذي» ( ،)928 ،885و«مسند أيب يعىل» ( ،)544 ،312و«سنن البيهقي» (.)89/7
(ُ )156ي ِغ ُّل عليهن قلب مؤمن :هو من اإلغالل :اخليانة يف كل يشء .و ُيروىَ « :ي ِغ ُّل»
ورويَ « :ي ِغ ُل»والشحناء :أي ال َيدْ ُخله ح ْقد ُي ِزي ُله عن احلقِّ ُ . الغل ،وهو ِ
احل ْقد َّ بفتح الياء من ِ
القلوب
ُ الوغول :الدُّ خول يف الرش .واملعنى :أن هذه اخلالل الثالث ت ُْست َْص َلح هبا
بال َّتخفيف .من ُ
فمن تمَ َّسك هبا َط ُهر َق ْل ُبه من اخليانة والدَّ َغل والرش.
224كأنك
معه
اهلوامش كأنك معه
( )157ينظر« :مسند ابن املبارك» ( ،)239و«مسند أمحد» (،16649 ،14553 ،2036
،)23234 ،20695 ،19754و«صحيح البخاري» (،4406 ،4405 ،4403 ،1741 ،121
،)5550و«صحيح مسلم» ( ،)1838 ،1679 ،1298 ،1297 ،65و«مسند الدارمي» (،)229
و«سنن أيب داود» ( ،)1970و«جامع الرتمذي» ( ،)3087 ،2159 ،1706 ،886و«سنن ابن
ماجه» ( ،)3023و«سنن النسائي» ( ،)270/5و«مسند الروياين» ( ،)2416و«صحيح ابن
خزيمة» ( ،)2877و«تاريخ الطربي» ( ،)205/2و«سرية ابن هشام» (.)422/1
( )158ينظر« :مسند أمحد» ( ،)22258 ،22161و«جامع الرتمذي» ( ،)616و«صحيح
ابن حبان» ( ،)4563و«املعجم الكبري» للطرباين ( ،)7664و«شعب اإليامن» (.)6967
( )159ينظر« :أحكام القرآن» للطحاوي ( ،)1371و«املعجم الكبري» للطرباين ()210/24
( ،)538و«معرفة الصحابة» أليب نعيم ( ،)7557و«أسد الغابة» ( ،)51/7و«اإلصابة»
(.)554/7
( )160ينظر« :صحيح البخاري» (.)4403 ،4402
( )161هو حديث« :أال تسمعون» املتقدم.
( )162ينظر« :مسند أمحد» ( ،)1857و«صحيح البخاري» (،1736 ،1722 ،1721 ،83
،)1738و«صحيح مسلم» ( ،)1307 ،1306و«سنن أيب داود» ( ،)2015و«صحيح ابن
خزيمة» ( ،)2774و«رشح مشكل اآلثار» ( ،)6022 ،6015و«سنن الدارقطني» (،)251/2
و«سنن البيهقي» ( ،)146/5و«زاد املعاد» ( ،)259/2و«فتح الباري» (.)505/3
( )163ينظر« :مسند أمحد» ( ،)18454و«األدب املفرد» ( ،)291و«سنن أيب داود»
( ،)3855 ،2015و«جامع الرتمذي» ( ،)3436 ،2038و«سنن ابن ماجه» (،)3436
و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)2955 ،2774و«صحيح ابن حبان» ( ،)4061 ،486و«معجم
الطرباين الكبري» ( ،)485-463و«املستدرك» (.)400-399 ،199/4
( )164ينظر« :مسند أمحد» ( ،)23177 ،16588و«سنن أيب داود» ( ،)1951و«سنن
البيهقي» (.)138/5
كأنك 225
معه
اهلوامش كأنك معه
( )165ينظر« :سنن أيب داود» ( ،)2019و«جامع الرتمذي» ( ،)881و«سنن ابن ماجه»
( )3007 ،3006و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)2891و«املستدرك» ( ،)467/1و«سنن البيهقي»
(.)139/5
( )166اللبات ،مجع َّلبة ،وهي موضع النحر يف أسفل الرقبة.
( )167أيَ :ي ْق ُر ْبن منه.
( )168ينظر« :مسند احلميدي» ( ،)1269و«مسند أمحد» ( ،)19075و«سنن أيب داود»
( ،)1766 ،1765و«سنن ابن ماجه» ( ،)3158و«صحيح ابن خزيمة» (،2917 ،2892
،)2924و«املستدرك» (.)221/4
( )169تقدم يف الذي قبله.
( )170ا ِ
جلالل :أكيسة تكسى هبا ظهور البدن.
( )171هي القطعة الصغرية من اللحم.
( )172ينظر« :مسند أمحد» ( ،)2359 ،1374 ،1325 ،1002 ،894و«صحيح البخاري»
( ،)1717و«صحيح مسلم» (.)1317
( )173ينظر« :مسند أمحد» ( ،)14498و«صحيح مسلم» ( ،)1218و«سنن أيب داود»
( ،)1937و«صحيح ابن خزيمة» (.)2787
( )174ينظر« :مسند أمحد» ( ،)26109و«صحيح البخاري» (،)2299 ،1720 ،1709
و«صحيح مسلم» ( ،)1319 ،1211و«سنن أيب داود» ( ،)1751 ،1750و«سنن ابن ماجه»
( ،)3135 ،3133 ،2963و«سنن النسائي» ( ،)290و«صحيح ابن حبان» (.)4008
( )175ينظر« :مسند أمحد» ( ،)23453 ،15043و«صحيح مسلم» (،)1318 ،1213
و«جامع الرتمذي» ( ،)904و«صحيح ابن خزيمة» (.)2900
( )176ينظر« :مسند أمحد» ( ،)2801و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)2927و«املعجم الكبري»
للطرباين ( ،)11399و«املستدرك» (.)473/1
226كأنك
معه
اهلوامش كأنك معه
( )177الدافة :القوم َيسريون مجاعة َسيرْ ا ليس بالشديد .يقال :هم َي ِد ُّفون َد ِفي ًفا .والدا َّفة:
األض َحى ،فنَهاهم عن ا ِّدخار لحُ وم قوم من األعراب َي ِر ُدون املِصرْ ُيريد أهنم َقوم َق ِدموا املدينة عند ْ
األضاحي لِ ُي َف ِّرقوها ويتصدَّ قوا هبا ،ف َي ْن ِ
تفع أولئك القادمون هبا.
( )178ينظر« :صحيح البخاري» ( ،)5569و«صحيح مسلم» ( ،)1974 ،1971و«سنن
النسائي» (.)4431
( )179ينظر« :صحيح مسلم» ( ،)1975و«مسند الدارمي» ( ،)2003و«مسند أيب عوانة»
( ،)7876-7870و«سنن البيهقي» (.)291/9
( )180ينظر« :مسند أمحد» (،13508 ،13685 ،13164 ،12483 ،12363 ،12092
،)27249و«صحيح البخاري» ( ،)171و«صحيح مسلم» ( ،)2325 ،1305و«سنن أيب
داود» ( ،)1981و«جامع الرتمذي» ( ،)912و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)2928و«صحيح ابن
حبان» ( ،)3879 ،1371و«املستدرك» ( ،)473/1و«سنن البيهقي» (،)427/2( ،)25/1
( ،)67/7( ،)134/5و«فتح الباري» (.)274/1
( )181ينظر التخريج السابق.
( )182ينظر« :مسند أمحد» ( ،)17598و«صحيح البخاري» ( ،)1727و«صحيح مسلم»
(.)1301
( )183ذكره القسطالين يف «املواهب اللدنية» ( ،)339/3وعزاه إىل إلمام أمحد ،ومل نجده
يف املطبوع من «املسند».
النبي
َّ وله شاهد من حديث عبد اهلل بن زيد بن عبد ر ِّبه األنصاري ريض اهلل عنه ،أنه شهدَ
أضاحي ،فلم يصبه منها
َّ ورجل من األنصار ،وهو َي ْق ِس ُم
ٌ صىل اهلل عليه وآله وسلم عند املنحر هو
رأس ُه يف ثوبه ،فأعطاه ،ف َق َس َم منه عىل ُ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم َ يشء ،وال صاح َب ُه ،فحلق
ٌ
أظفار ُه ،فأعطاه صاح َب ُه .ينظر« :الطبقات» البن سعد ( ،)537/3و«مسند أمحد»
َ رجال ،وق َّل َم
( ،)16475 ،16474و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)2932 ،2931و«مسند أيب عوانة» (،)3248
و«املستدرك» ( ،)475/1و«سنن البيهقي» ( ،)25/1و«األحاديث املختارة» (.)354( )7/4
كأنك 227
معه
اهلوامش كأنك معه
228كأنك
معه
اهلوامش كأنك معه
( )194ينظر« :صحيح مسلم» ( )1308من حديث ابن عمر ريض اهلل عنهام.
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم صلىَّ الظهر بمكة .أخرجه
وقد روى جابر ريض اهلل عنه ،أن َّ
مسلم ( ،)1218ومثله من حديث عائشة ريض اهلل عنها عند أيب داود (.)1973
النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم الظهر بمكة؛ لنُقل إلينا َمن الذي صلىَّ
ُّ واألول أظهر؛ فلو صلىَّ
بالناس الظهر بمنى ،وقد كان ابن عمر ريض اهلل عنهام يصليِّ الظهر يوم النحر بمنى ،وهذا يدل
يتحرى التأسيِّ بام رأى من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم.
عىل أنه كان َّ
ينظر« :زاد املعاد» (.)261-258/2
( )195ينظر« :أخبار مكة» للفاكهي ( ،)2603 ،2601 ،2593 ،2313و«املعجم الكبري»
للطرباين ( ،)12283و«املعجم األوسط» ( ،)5407و«املستدرك» ( ،)598/2و«سنن البيهقي»
( ،)177/5( ،)420/2و«املختارة» للضياء ( ،)309( )293 -292/10و«تاريخ دمشق»
( ،)167/61و«املطالب العالية» ( ،)1331و«السلسلة الصحيحة» (.)2023
( )196ينظر« :مسند أمحد» ( ،)1891و«صحيح البخاري» (،)1857 ،493 ،76
و«صحيح مسلم» ( ،)504و«سنن أيب داود» ( ،)715و«جامع الرتمذي» ( ،)337و«سنن ابن
ماجه» ( ،)947و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)833و«فتح الباري» (.)172-171/1
طرب من اخلوف ،والفرائص مجع فريصة ،وهي َل ْحمة يف ( )197ترعد ،أيَ :ت ْر ُج ُف ْ
وتض ُ
َو َسط َ
اجل ْنب عند َم ْنبِض ال َق ْلب ،ترعد وتثور عند ال َف ْزعة والغضب.
( )198ينظر« :مسند أمحد» ( ،)17476 ،17475و«سنن أيب داود» (،)614 ،575
و«جامع الرتمذي» ( ،)219و«سنن النسائي» ( ،)858و«صحيح ابن خزيمة» (،)1638
و«املعجم الكبري» للطرباين ( ،)619-608( )236-232/22و«املستدرك» (،)245/1
و«سنن البيهقي» (.)301/3
( )199ينظر« :صحيح البخاري» مع «الفتح» ( ،)462/2و«أخبار مكة» للفاكهي
( ،)2580و«سنن البيهقي» (.)312/3
كأنك 229
معه
اهلوامش كأنك معه
( )200ينظر« :مسند أمحد» (،15793 ،15430-15428 ،4970 ،1456 ،992 ،567
،)21950 ،20723 ،18955 ،17768 ،17379 ،16706و«صحيح مسلم» (،)1142
و«سنن ابن ماجه» ( ،)1719و«سنن النسائي الكربى» ( ،)2903 ،2892و«مسند أيب يعىل»
( ،)6024 ،5913و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)2960 ،2148و«صحيح ابن حبان» (،)3601
و«سنن البيهقي» (.)296 /9( ،)260/4
( )201يوم الرؤوس هو اليوم احلادي عرش؛ ألهنم كانوا يأكلون فيه الرؤوس ،حتى ال يرسع
سمى :يوم القر؛ ألن احلجاج يقرون فيه بمنى.
إليها الفساد .و ُي َّ
ويسمى :أوسط أيام الترشيق ،أي :أفضلها ،كام يف حديث كعب بن عاصم األشعري ريضَّ
َ
رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم خطب أوسط أيام الترشيق ،وهو الغد من يوم اهلل عنه ،أن
النحر .أخرجه الروياين يف «مسنده» ( ،)1530وينظر« :حجة الوداع» البن حزم (ص،)217
و«فتح الباري» (.)574/3
( )202ينظر« :مسند أمحد» ( ،)18087 ،17670 ،17664 ،16409و«مسند الدارمي»
( ،)2576و«سنن أيب داود» ( ،)1956 ،1953 ،1952و«اآلحاد واملثاين» ( ،)3305و«مسند
أيب يعىل» ( ،)1569و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)2973و«املعجم األوسط» للطرباين (،)2430
و«املعجم الكبري» (،)636( 243/22 ،)400( 175/190 ،)65( 34/17 ،)4458 ،3609
،)777( 307/24و«معرفة الصحابة» أليب نعيم ( ،)7701و«حجة الوداع» البن حزم
(ص ،)217و«سنن البيهقي» (.)151 ،140/5
( )203ينظر« :مصنف ابن أيب شيبة» ( ،)14344 ،14343و«مسند أمحد» (،5944
،)24592 ،6669و«صحيح البخاري» ( ،)1753-1751و«صحيح مسلم» (،)1296
و«سنن أيب داود» ( ،)1996 ،1973و«سنن النسائي» ( ،)3083و«أخبار مكة» للفاكهي
( ،)2676-2664و«صحيح ابن خزيمة» (.)2956
( )204ينظر« :مسند أمحد» ( ،)22207 ،9222 ،5944و«سنن أيب داود» (،)1696
و«جامع الرتمذي» ( ،)900و«سنن ابن ماجه» ( ،)4012و«سنن الدارقطني» (،)274/2
و«سنن البيهقي» (.)131-130/5
230كأنك
معه
اهلوامش كأنك معه
كأنك 231
معه
اهلوامش كأنك معه
232كأنك
معه
كأنك معه
( )228ينظر« :مصنف ابن أيب شيبة» ( ،)32118و«مسند أمحد» (،19279 ،18479
،)19325 ،19265و«فضائل الصحابة» ألمحد ( ،)1048 ،1017 ،1016 ،992و«مسند
عبد بن محيد» ( ،)265و«مسند الدارمي» ( ،)3359و«صحيح مسلم» ( ،)2408و«جامع
الرتمذي» ( ،)3713و«سنن ابن ماجه» ( ،)116و«السنة» البن أيب عاصم (،)1552 -1550
و«مسند البزار» ( ،)4336 ،4327 -4324و«السنن الكربى» للنسائي (،8410 ،8119
،)8415و«صحيح ابن خزيمة» ( ،)2357و«رشح مشكل اآلثار» ( ،)3464و«املعجم الكبري»
للطرباين ( ،)5028و«فضائل اخللفاء الراشدين» أليب نعيم ( ،)19 -17و«املستدرك» (،109/3
،)533 ،116و«سنن البيهقي» ( ،)194/10( ،)48/7( ،)212/2و«السلسلة الصحيحة»
(.)1750
( )229ينظر« :مسند أمحد» ( ،)22967و«فضائل الصحابة» ألمحد ( ،)1180و«السنن
الكربى» للنسائي (.)8428
( )230ينظر« :مصنف ابن أيب شيبة» ( ،)32118و«مسند أمحد» ( ،)18479و«فضائل
الصحابة» ألمحد ( ،)1042 ،1016و«االستيعاب» ( ،)18/2و«تاريخ دمشق» (،221/42
،)234 ،233و«البداية والنهاية» ( ،)74/11و«تفسري املنار» ( ،)385/6و«السلسلة
الصحيحة» ( ،)1750( )344/4و«السلسلة الضعيفة» (.)4923
( )231ينظر« :املعجم الكبري» للطرباين ( ،)23( )14/23و«املستدرك» (،)16 -15/1
و«شعب اإليامن» ( ،)9123 ،9122و«السلسلة الصحيحة» (.)216
«الغ ِدير» لألميني (.)215/1
( )232ينظرَ :
( )233ينظر« :املجالسة» للدينوري ( ،)2238و«اإلبانة الكربى» البن بطة (،)133
و«املستدرك» ( ،)7/3و«رشح أصول اعتقاد أهل السنة واجلامعة» للاَّ َلكائي( ،)2426و«دالئل
النبوة» للبيهقي ( ،)477 -476 /2و«تاريخ دمشق» ( ،)80/30و«مسند الفاروق» (/2
،)672و«البداية والنهاية» ( ،)180 /3و«السرية احللبية» (.)203 /2
كأنك 233
معه
اهلوامش كأنك معه
( )234ينظر« :طبقات ابن سعد» ( ،)366/4و«مصنف ابن أيب شيبة» ( ،)36610و«مسند
أمحد» ( ،)3و«صحيح البخاري» ( ،)3652 ،3615 ،2439و«صحيح مسلم» (75 /2009
-كتاب الزهد والرقائق) ،و«صحيح ابن حبان» ( ،)6281و«دالئل النبوة» للبيهقي (،)484/2
( ،)325/6و«االستيعاب» ( ،)174/1و«أسد الغابة» ( ،)422/1و«الكامل» البن األثري
( ،)277/1و«البداية والنهاية» ( ،)194/6( ،)188 -187/3و«اإلصابة» (.)41/3
( )235ينظر« :طبقات ابن سعد» ( ،)198 ،196/1و«اآلحاد واملثاين» ( ،)3485و«علل
ابن أيب حاتم» ( ،)2686و«صفة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم» ملحمد بن هارون (ص،)19
و«املعجم الكبري» للطرباين ( ،)6510 ،3605و«األحاديث الطوال» للطرباين (ص،)254
و«الرشيعة» لآلجري ( ،)1020و«املستدرك» ( ،)9/3و«رشح أصول اعتقاد أهل السنة
واجلامعة» للاَّ َلكائي ( ،)1437و«دالئل النبوة» للبيهقي ( ،)279 ،276/1و«رشح السنة»
( ،)3704و«تاريخ دمشق» ( ،)314/3و«سري أعالم النبالء» ( ،)373/2و«البداية والنهاية»
( ،)479-472/4و«اإلصابة» ( ،)525/14و«أنيس الساري يف ختريج أحاديث فتح الباري»
(.)980 -973/10
( )236هو جزء من قصة سرُ اقة بن مالك ريض اهلل عنه املتقدِّ م برقم (.)234
( )237ينظر« :مسند أمحد» ( ،)11و«فضائل الصحابة» ألمحد (،)510 ،509 ،179 ،23
و«صحيح البخاري» ( ،)4663 ،3922 ،3653و«صحيح مسلم» ( ،)2381و«أخبار مكة»
للفاكهي ( ،)2413و«جامع الرتمذي» ( ،)3096و«صحيح ابن حبان» ( ،)6278وما تقدم يف
قصة سرُ اقة بن مالك ريض اهلل عنه برقم (.)234
( )238ينظر« :مسند الطياليس» ( ،)2319 ،1010 ،602و«مسند أمحد» (،1991
،)15848 ،15306 ،11167و«صحيح البخاري» (،3899 ،3078 ،2962 ،2783
،)4307و«صحيح مسلم» ( ،)1864 ،1863 ،1353و«سنن أيب داود» ( ،)2480و«جامع
الرتمذي» ( ،)1590و«سنن النسائي» ( ،)145/7و«صحيح ابن حبان» (،)4867 ،4592
و«سنن البيهقي» (.)27/9
234كأنك
معه
كأنك معه
كأنك 235
معه
اهلوامش كأنك معه
236كأنك
معه
كأنك معه
كأنك 237
معه
شكر وتقدير 5 ..............................................................
املقدمة 7 ...................................................................
إىل مكة 11 .................................................................
يف مكة 49 .................................................................
يف األبطح 67 ..............................................................
عىل صعيد عرفات 79 ......................................................
يوم احلج األكرب 107 ......................................................
أيام منى 135 ..............................................................
مشاعر الوداع157 ..........................................................
الغ ِدير165 .............................................................
عىل َ
بقايا الطريق175 ............................................................
صباح القدوم187 ..........................................................
ما قبل الكتابة 195 .........................................................
ما بعد الكتابة 203 .........................................................
موكب البشائر 207 ........................................................
اهلوامش 209 ..............................................................
كأنك 239
معه