You are on page 1of 240

‫َّ‬

‫كأنك معه‬
‫صفة حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم كأنك معه‬
‫َّ‬
‫كأنك معه‬
‫صفة حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم كأنك معه‬
‫عبد الوهاب بن نارص الطريري‬

‫ح عبد الوهاب بن نارص الطريري‪ 1426 ،‬هـ‬


‫فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النرش‬
‫الطريري‪ ،‬عبد الوهاب بن نارص‬
‫كأنك معه ‪-‬صفة حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ‪ /‬عبد الوهاب بن نارص الطريري ‪-‬‬
‫ط‪ ،4‬الرياض ‪ 1426 ،‬هـ‬
‫‪ 240‬ص؛ ‪ 22 × 17‬سم‬
‫ردمك‪9960 - 49 - 777 - 1 :‬‬
‫أ‪ .‬العنوان‬ ‫‪ - 1‬احلج ‬
‫‪1426 / 6473‬‬ ‫ ‬
‫ديوي ‪252.5‬‬
‫رقم اإليداع‪1426/ 6473 :‬‬
‫ردمك‪9960 - 49 - 777 - 1 :‬‬

‫إصدارات اإلسالم اليوم‬


‫الطبعة الرابعة ‪ -‬ذواحلجة ‪1437‬هـ‬
‫مجيع حقوق امللكية األدبية والفنية‬
‫حمفوظة ملؤسسة اإلسالم اليوم‬
‫وحيظر طبع أو تصوير أو ترمجة‪،‬‬
‫أو إعادة تنفيذ الكتاب كام ً‬
‫ال أو جمز ًءا‪،‬‬ ‫ص‪.‬ب‪ - 28577 :‬الرمز ‪11447 :‬‬
‫أو تسجيله بأية وسيلة‪،‬‬ ‫‪info@islamtoday.net‬‬
‫خطيا‪.‬‬
‫إال بموافقة النارش ًّ‬ ‫‪www.islamtoday.net‬‬

‫بريدة‪:‬‬ ‫الرياض‪:‬‬
‫هاتف‪0163826466 :‬‬ ‫هاتــف‪0112081920 :‬‬
‫فاكس‪0163830053 :‬‬ ‫فاكــس‪0112081902 :‬‬
‫َّ‬
‫كأنك معه‬
‫صفة حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم كأنك معه‬

‫تأليف‬
‫عبد الوهاب بن نارص الطريري‬

‫الطبعة الرابعة‬
‫مزيدة ومنقحة‬
‫مع عرض مصور ملعامل حجته صىل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫تكرم بإفاديت‬
‫ملعايل شيخي الشيخ عبد اهلل بن سليامن بن منيع‪ ،‬والذي َّ‬
‫بمالحظات مهمة وإضافات ق ِّيمة أحلقتها كلها يف هذا الكتاب‪.‬‬
‫وللشيخ عبد امللك بن عبد اهلل بن دهيش رمحه اهلل‪ ،‬والذي حتامل عىل‬
‫مرضه؛ وصحبني يف جولة عىل معامل مكة‪ ،‬فهو الذي عرفها قبل أن يوضع‬
‫حجر عن حجر‪.‬‬
‫وألخي الشيخ محد بن حممد الغامس‪ ،‬والذي كان األهل والدار يف البلد‬
‫احلرام‪ ،‬حفاوة وضيافة وكر ًما وقيا ًما بكل ما نحتاج‪.‬‬
‫وألخي د‪ .‬معراج بن نواب مرزا‪ ،‬والذي بذل يل بسخاء مقتنياته من‬
‫الصور النادرة واخلرائط القديمة عن معامل مكة املكرمة‪.‬‬
‫وألخي طارق بن عبد اهلل املسفر‪ ،‬والذي صحبته يف رحلة احلج‪ ،‬كام‬
‫صحبته يف رحلة العمر‪.‬‬
‫وألخي د‪ .‬عبد اهلل بن محد السكاكر‪ ،‬وأخي د‪ .‬إبراهيم بن عبد العزيز‬
‫الزيد‪ ،‬وأخي د‪ .‬عبد اهلل بن نارص الصبيح‪ ،‬وخايل نارص بن عبد اهلل املحمود‪،‬‬
‫وأخي د‪ .‬سامي بن عبد العزيز املاجد‪ ،‬وأخي د‪ .‬خالد بن فهد البهالل؛ فقد‬

‫كأنك ‪5‬‬
‫معه‬
‫شكر وتقدير‬ ‫كأنك معه‬

‫تكرموا بإفاديت بمالحظاهتم عىل الكتاب قبل طبعه‪ ،‬وألخي مجعان بن عبد‬ ‫َّ‬
‫اهلل العسريي يف املدينة املنورة‪ ،‬وأخي عبد العزيز بن عيل القريش‪ ،‬وأخي‬
‫مشكورا يف التنقل‬
‫ً‬ ‫عيل بن عليان الفهمي يف مكة املكرمة؛ فقد بذلوا جهدً ا‬
‫بني املعامل وتصوير املشاهد‪.‬‬
‫املؤرخ‬
‫املؤرخ أمحد النعامين‪ ،‬وأخي األستاذ ِّ‬ ‫كام أشكر أخي الشيخ ِّ‬
‫وحتمال عناء الطريق‬
‫مشكورا َّ‬
‫ً‬ ‫عبد احلافظ القريقري‪ ،‬فقد بذال معي جهدً ا‬
‫رست بصحبتهام يف طريق األنبياء عليهم السالم بني‬‫ُ‬ ‫وو ْعثاء السفر؛ حيث‬ ‫َ‬
‫وأفدت من علمهام‬
‫ُ‬ ‫مكة واملدينة‪ ،‬متت ِّبعني منازله ومسالكه ومطالعه وثناياه‪،‬‬
‫وخربهتام‪.‬‬
‫فلهم مجي ًعا من اهلل األجر املضاعف والثواب اجلزيل ‪ ،‬وهلم مني صادق‬
‫الشكر‪ ،‬وخالص الدعاء‪.‬‬

‫‪ 6‬كأنك‬
‫معه‬
‫رحلة مع الرسول‬
‫صلى اهلل عليه وآله وسلم‬
‫السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته‪..‬‬
‫حتية من عند اهلل مباركة طيبة‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فهذه رحلة بالقلب والوجدان‪ ،‬نخرق فيها حجب الزمن‪ ،‬ونطوي‬
‫حقب التاريخ‪ ،‬نرشف فيها عىل أعظم سفر وأكرم مسافر‪ ،‬مع رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم يف سفره ذاك‪ ،‬وقد تتام عمره‪ ،‬وب َّلغ دعوته‪ ،‬وأدى‬
‫وقرت عينه صىل اهلل عليه وآله وسلم بظهور‬
‫رسالته‪ ،‬وأنجز اهلل له وعده‪َّ ،‬‬
‫الدين وهداية الناس‪.‬‬
‫هذه رحلة مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬تعيش فيها معه‬
‫كأنك تراه ال يغيب عنك خياله‪ ،‬وال خيفى عليك يشء من حاله‪ ،‬فليس َث َّم‬
‫يشء من أمره إال وقد ُحفظ عنه ونُقل إلينا‪ ،‬فكأنَّا نراه رأي عني‪.‬‬
‫هذه رحلة أفضل خلق اهلل إىل أفضل البقاع وأحبها إىل اهلل‪ ،‬حيث ولد‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم ونشأ‪ ،‬وشب وحتنَّث‪ ،‬ونزل الوحي عليه أول ما‬
‫نزل‪ ،‬وب َّلغ الرسالة وصدع بام ُأ ِمر‪ ،‬فكانت فِجاج مكة و َع َر َصاهتا مرشق‬

‫كأنك ‪7‬‬
‫معه‬
‫املقدمة‬ ‫كأنك معه‬
‫النبوة ومنطلق الدعوة‪ ،‬فكم شهدت ِشعاهبا ِ‬
‫وو َها ُدها جهده وجهاده‪،‬‬
‫وصربه وبالءه‪ ،‬ففي كل ِش ْعب تاريخ‪ ،‬وعند كل جبل قصة‪.‬‬
‫ثم ها هو صىل اهلل عليه وآله وسلم يعود بعد أن متت النعمة‪ ،‬وعظمت‬
‫املنة‪ ،‬وكمل الدين‪ ،‬واجتمعت إليه أطراف اجلزيرة‪ ،‬ها هو يعود وهو يرى‬
‫أمته مؤمنة به‪ ،‬متبعة له‪ُ ،‬م ِص ْي َخ ًة إليه‪ ،‬ليقيم هلم آخر أركان اإلسالم‪ ،‬وليقول‬
‫هلم‪« :‬خذوا عني مناسككم»(‪ ،)1‬كام قال هلم من قبل‪« :‬صلوا كام رأيتموين‬
‫ُأ يِّ‬
‫صل»(‪.)2‬‬
‫هذه رحلة نرحل فيها بأرواحنا ومشاعرنا يف أعظم مسري وأقدس سفر‪،‬‬
‫فذاك رسول اهلل ‪ ،‬وتلك بلد اهلل ‪ ،‬وهذا احلج إىل بيت اهلل ‪.‬‬
‫فيا كل مؤمن برسالة رسول اهلل ‪ ،‬ويا كل حمب ملحمد بن عبد اهلل ‪ ،‬ويا‬
‫متوجها إىل بيت اهلل ‪،‬‬
‫ً‬ ‫ملب هلل‪ ،‬ضارب يف األرض أو سابح يف السامء‬
‫كل ٍّ‬
‫أحرض قلبك وشعورك ومشاعرك لتصحب بوجدانك ركبه صىل اهلل عليه‬
‫وآله وسلم ‪ ،‬فرتى مشاهد تأخذ بمجامع القلوب‪ ،‬وسرية عطرة تستجيش‬
‫املشاعر والشعور‪ ،‬وال تزال تتأمل يف مشاهد هذه الرحلة حتى تتداعى‬
‫إليك رائعات املعاين بأمجل الدروس وأعظم العرب‪.‬‬
‫إنه احلديث احلبيب عن رحلة احلبيب وهو يقود املسلمني لريهيم‬
‫مناسكهم‪ ،‬ويعلمهم كيف حيجون بيت رهبم‪.‬‬
‫وإن زادنا يف رحلتنا هذه مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم إيامننا‬
‫املوقن به‪ ،‬وحبنا الشاغف له‪ ،‬وشوقنا الالهف إليه‪ ،‬واستشعارنا عظيم منة‬
‫اهلل علينا ببعثته فينا‪ :‬ﱹ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫‪ 8‬كأنك‬
‫معه‬
‫املقدمة‬ ‫كأنك معه‬

‫ﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯴﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﱸ [آل عمران‪.]164:‬‬
‫فصلوات اهلل وسالمه وبركاته عىل سيدنا ونبينا حممد النبي الصادق‬
‫األمني‪ ،‬وعىل آل بيته الطيبني الطاهرين‪ ،‬وسائر الصحابة أمجعني‪ ،‬و َمن‬
‫تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪ .‬واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫عبد الوهاب بن نارص الطريري‬


‫الرياض‬
‫‪@Altriri‬‬

‫‪/Altriri‬‬

‫‪Altriri@gmail.com‬‬

‫‪www.youtube.com/altririTV‬‬
‫‪www.altriri.net‬‬

‫كأنك ‪9‬‬
‫معه‬
‫�صورة قدمية للكعبة‬

‫‪ 10‬كأنك‬
‫معه‬
‫�صورة قدمية للم�سجد النبوي وخلفه ب�ساتني النخيل‬

‫�صورة قدمية للمدينة النبوية‬

‫‪ 12‬كأنك‬
‫معه‬
‫أفواجا‪ ،‬وسرَ َ َب ْت قبائل‬
‫ً‬ ‫الناس يف دين اهلل‬
‫نرص اهلل والفتح‪ ،‬ودخل ُ‬ ‫جاء ُ‬
‫العرب من أنحاء اجلزيرة ت َُؤ ُّم َط ْيبة ال َّط ِّيبة‪ ،‬وافد ًة إىل رسول اهلل صىل اهلل‬
‫وبره‪ ،‬ويغشاهم نوره وهداه‪ ،‬فانشغل‬ ‫عليه وآله وسلم‪ ،‬فيسعهم خلقه ُّ‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم هبم‪ ،‬وحبس نفسه هلم‪.‬‬
‫ُ‬
‫ورسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يتل َّقى هذه‬ ‫و َت َق َّصفت سنة تسع‬
‫ِ‬
‫الوفود ت َبا ًعا‪ ،‬حتى ُس ِّميت سن ُة تسعٍ‪ :‬عا َم ُ‬
‫الوفود‪.‬‬
‫وتنزلت يف هذه السنة ‪ -‬التاسعة للهجرة ‪ -‬آي ُة فرض احلج عىل أمة حممد‬ ‫َّ‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم‪( :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ)(‪[ )3‬آل عمران‪ ،]97:‬فلم يستطع صىل اهلل‬
‫ص للحج؛ النشغاله بتل ِّقي وفود اإلسالم‪ ،‬فأرسل‬
‫الش ُخ ْو َ‬
‫عليه وآله وسلم ُّ‬
‫أبا بكر ريض اهلل عنه ليحج بالناس‪ ،‬وأتبعه عل ًّيا ريض اهلل عنه بسورة‬
‫براءة يقرؤها يف مشاهد الناس‪ :‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬

‫كأنك ‪13‬‬
‫معه‬
‫�صورة تقريبية تخيلية للم�سجد النبوي‬

‫�صورة قدمية للم�سجد النبوي‬

‫‪ 14‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ‬
‫ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺﭻ ‪...‬ﮊ [التوبة‪.]3-1:‬‬
‫حيج‬ ‫و ُأ ِ‬
‫تطهري البيت من أرجاس اجلاهلية‪ ،‬فـ «ال ُّ‬
‫ُ‬ ‫علن يف هذا املوسم‬
‫يطوف بالبيت ُعريان»(‪.)4‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫مرشك‪ ،‬وال‬ ‫بعد هذا العام‬
‫واستدار الزمان كهيئته يوم خلق اهلل السموات واألرض‪ ،‬وعادت مكة‬
‫طاهرة مطهرة كام تركها إبراهيم وإسامعيل عليهام السالم‪ ،‬وكأنام كانت‬
‫حجة أيب بكر وعيل ريض اهلل عنهام بالناس هتيئة وإعدا ًدا حلجة رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬حجة الوداع‪.‬‬
‫الناس‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‬ ‫فلام دخلت سنة عرش َ‬
‫آذن‬
‫حاج سنتَه هذه‪ ،‬فلم يبق أحدٌ يقدر أن يأيت راك ًبا أو‬
‫باحلج‪ ،‬وأعلمهم أنه ٌّ‬
‫راجلاً إال قدم؛ فقدم املدينة برش كثري كلهم يريد أن يأتم برسول اهلل صىل‬
‫اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬ويصحبه يف حجته تلك(‪.)5‬‬
‫فلام كان يوم اجلمعة الرابع والعرشين من شهر ذي ال َقعدة‪ ،‬خطب‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم خطبة اجلمعة‪ ،‬وحوله تلك اجلموع التي‬
‫ُّ‬
‫وافت املدينة لتحج معه‪ ،‬فكان من أوىل ما يذكِّرهم به ما جاؤوا من أجله‪،‬‬
‫احلج‪،‬‬
‫إن اهلل عز وجل قد فرض عليكم َّ‬
‫الناس‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وهو احلج‪ ،‬فقال‪« :‬أهيا‬
‫فحجوا»‪ .‬فقال األقرع بن حابس ريض اهلل عنه‪ :‬أيف كل عام يا رسول اهلل؟‬
‫ُّ‬
‫فسكت عنه صىل اهلل عليه وآله وسلم حتى أعادها ثال ًثا‪ ،‬فقال‪« :‬ال‪ ،‬ولو‬
‫قلت‪ :‬نعم؛ لوجبت‪ ،‬ومل تستطيعوا أن تعملوا هبا‪َ ،‬ذ ُروين ما تركتكم؛ فإنام‬
‫ُ‬

‫كأنك ‪15‬‬
‫معه‬
‫�صورة قدمية الجتماع احلجاج يف املدينة‬

‫ميا‬
‫املدينة املنورة ‪ -‬املناخة قد ً‬

‫‪ 16‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫هلك َمن كان قبلكم بكثرة سؤاهلم واختالفهم عىل أنبيائهم‪ ،‬فإذا أمرتكم‬
‫باليشء فخذوا منه ما استطعتم‪ ،‬وإذا هنيتكم عن يشء فاجتنبوه‪ ،‬احلج مرةً‪،‬‬
‫تطو ٌع»(‪.)6‬‬
‫فام زاد فهو ُّ‬
‫وجعلوا يسألونه وهو عىل املنرب‪ ،‬فسألوه عن مواقيت اإلهالل باحلج‪،‬‬
‫اجل ْح َفة‪ ،‬ويهُ ِ ُّل‬ ‫احل َليفة‪ ،‬ويهُ ِ ُّل ُ‬
‫أهل الشام من ُ‬ ‫فقال‪« :‬يهُ ِ ُّل ُ‬
‫أهل املدينة من ذي ُ‬
‫أهل ن َْجد من َق ْرن‪ ،‬ويهُ ِ ُّل َأ ُ‬
‫هل اليمن من َي َل ْم َل َم»(‪.)7‬‬ ‫ُ‬
‫نلبس من‬ ‫وناداه رجل وهو خيطب‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ما تأمرنا أن َ‬
‫الرساويل‪ ،‬وال ِ‬
‫العامم َة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫القميص‪ ،‬وال‬ ‫الثياب إذا أحرمنا؟ فقال‪« :‬ال تلبسوا‬
‫َ‬
‫وال البنُس‪ ،‬وال ثوبا مسه ورس وال زعفران‪ ،‬وال ِ‬
‫اخلفاف‪ ،‬إال أحدٌ ال‬ ‫ً َّ َ ْ‬ ‫رُ ْ َ‬
‫جيد نعلني‪ ،‬فليلبس خفني‪ ،‬وليقطعهام أسفل من الكعبني‪ ،‬وال تنتقب املرأة‬
‫املحرمة‪ ،‬وال تلبس القفازين»(‪.)8‬‬
‫وجعل صىل اهلل عليه وآله وسلم جييبهم ويع ِّلمهم أحكام نسكهم وهو‬
‫عىل املنرب‪.‬‬
‫فلام كان يوم السبت اخلامس والعرشين من شهر ذي ال َقعدة‪ ،‬صلىَّ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم الظهر باملدينة أرب ًعا‪ ،‬ثم خرج صىل اهلل‬
‫متوج ًها إىل مكة‪ ،‬سالكًا‬
‫ِّ‬ ‫ترجل وا َّدهن‪،‬‬
‫عليه وآله وسلم من املدينة بعدما َّ‬
‫طريق الشجرة(‪ ،)9‬وهي الطريق التي متر اليوم بمحاذاة حمطة العنربية‪ ،‬وثنية‬
‫ا ُملدَ َّرج‪ ،‬حتى تفيض إىل ذي ا ُ‬
‫حلليفة‪.‬‬
‫وان َْج َف َل ْت معه اجلموع املؤمنة‪ِ ،‬ر َجالاً وركبانًا‪ِ ،‬خفا ًفا وثِقالاً ‪ ،‬معهم‬

‫كأنك ‪17‬‬
‫معه‬
‫حمطة العنربية على الطريق �إىل ذي احلليفة‬

‫ثنية املدرج على الطريق �إىل ذي احلليفة‬

‫‪ 18‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫النساء والولدان(‪ ،)10‬حتى خرجت معه أسامء بنت ُع َم ْيس زوجة أيب‬
‫بكر الصديق ريض اهلل عنهام‪ ،‬وهي يف طلق الوالدة‪ ،‬وعمته ُض َباعة بنت‬
‫الزبري بن عبد املطلب ريض اهلل عنها‪ ،‬وكانت امرأة ثقيلة وجعة‪ ،‬فخشيت‬
‫ُّ‬
‫أن تنقطع‪ ،‬فال تستطيع إكامل احلج إذا بدأت فيه‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬
‫إين أريد احلج وأنا شاكية؟ فقال هلا رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪:‬‬
‫اللهم ِحم يِّل حيث َح َب ْستني‪ .‬فإن لك عىل ربك ما‬
‫َّ‬ ‫«ح ِّجي واشرتطي‪ ،‬وقويل‪:‬‬
‫ُ‬
‫استثنيت»(‪.)11‬‬
‫سار صىل اهلل عليه وآله وسلم من َط ْيبة ال َّط ِّيبة‪ ،‬واستعمل عليها أبا‬
‫ُدجانة الساعدي ريض اهلل عنه(‪ ،)12‬وخرج منها وهي هادئة وادعة‪ ،‬وكأهنا‬
‫مل تكن املدينة التي كانت حتارصها أحزاب القبائل قبل مخس سنوات؛‬
‫حتى بلغ الكرب باملؤمنني كل مبلغ‪ ،‬وابتُيل املؤمنون فيها وزلزلوا زلزالاً‬
‫شديدً ا (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [األحزاب‪.]10:‬‬
‫مرت كلمح بالبرص‪ ،‬فإذا املدينة‬ ‫ما أقرص مخس سنوات يف عمر الزمن‪َّ ،‬‬
‫املكروبة اخلائفة تصبح القرية اآلمنة املطمئنة التي تؤ ُّمها القبائل‪ ،‬وت َِفدُ إليها‬
‫الوفود‪ ،‬ويلتقي فيها احلجيج من كل أطراف اجلزيرة؛ ليسريوا يف إثر هذا‬
‫الرسول الكريم صىل اهلل عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫أال ما أعظم كرامة هذا النبي عىل ربه يوم أقر عينه بصدق موعوده‬
‫(ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ) [التوبة‪.]33:‬‬

‫كأنك ‪19‬‬
‫معه‬
‫م�سجد الفتح‬

‫م�ساجد الفتح التي �أقيمت على تخوم اخلندق غربي جبل �سلع‪،‬‬
‫حيث كان مع�سكر امل�سلمني يف معركة الأحزاب‬

‫‪ 20‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫كاب الرشيف خيطو خطواته األوىل من َط ْيبة ال َّط ِّيبة إىل مكة‬
‫الر ُ‬
‫ف ِّ‬
‫َد َّ‬
‫املكرمة يف واسطة النهار؛ لتبدأ رحلة املصطفى صىل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫حلجة الوداع‪.‬‬
‫َو َص َل صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل ذي ا ُ‬
‫حلليفة‪ ،‬وتسمى اليوم‪( :‬أبيار‬
‫عيل)(‪ ،)13‬وهي بطحاء يف وادي ال َع ِقيق بني بطن الوادي وبني الطريق‬
‫السالك إىل مكة‪ ،‬وهي ميقات أهل املدينة‪ ،‬وصلها قبل صالة العرص‪ ،‬فنزل‬
‫هناك‪ ،‬وكان نزوله صىل اهلل عليه وآله وسلم بني املسجد الذي ببطن الوادي‬
‫وبني الطريق‪ ،‬وس ًطا من ذلك(‪.)14‬‬
‫ويظهر أن منزله ومسجده صىل اهلل عليه وآله وسلم مما شملته توسعة‬
‫مسجد امليقات اليوم‪.‬‬
‫وانترش الناس معه يف وادي ال َع ِقيق‪ ،‬فصلىَّ به العرص ركعتني(‪)15‬؛ إذ هو‬
‫قد أرشع يف السفر‪ ،‬وأقام به يومه ذلك‪ ،‬وبات ليلته تلك‪ ،‬وكأنام أراد صىل‬
‫اهلل عليه وآله وسلم باإلقامة يو ًما كاملاً يف وادي ال َع ِقيق انتظار الناس حتى‬
‫واسع يناسب نزول‬
‫ٌ‬ ‫يتتابعوا إليه‪ ،‬ويدركه َمن َب ُعد عنه‪ ،‬وألنه مكان َأ ْف َي ُح‬
‫الناس وانتشارهم فيه‪ ،‬فهو أرفق هبم من ازدحامهم يف املدينة‪.‬‬
‫ويف ليلته تلك طاف صىل اهلل عليه وآله وسلم عىل نسائه(‪ ،)16‬وكن‬
‫كلهن معه يف سفره هذا‪ ،‬ويف طوافه عليهن يف هذه الليلة إيناس لقلوهبن‬
‫وتطييب ألنفسهن؛ حيث سينشغل عنهن بعدُ بأعباء السفر‪ ،‬والقيام بأمر‬
‫الناس‪ ،‬قيادة ورعاية وتعليماً ‪.‬‬
‫وتتنزل عليه‬
‫بات صىل اهلل عليه وآله وسلم ليلته تلك تكلؤه رعاية اهلل‪َّ ،‬‬

‫كأنك ‪21‬‬
‫معه‬
‫وادي العقيق الوادي املبارك‬

‫وادي العقيق مع ال�سيل‬

‫‪ 22‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫مالئكته‪ ،‬ويتتابع عليه الوحي من ربه‪ُ ،‬فأري يف املنام مكانه الذي نزل فيه‪،‬‬
‫آت ِم ْن َر يِّب‪،‬‬
‫«أتَانيِ ال َّلي َل َة ٍ‬
‫ْ‬ ‫وقيل له‪« :‬إنك ببطحاء مباركة»‪ .‬فلام أصبح قال‪َ :‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«من‬ ‫َف َق َال‪َ :‬ص ِّل يِف َه َذا ا ْل َوادي ا ُمل َب َارك‪َ ،‬و ُق ْل‪ُ :‬ع ْم َر ٌة يِف َح َّجة»‪ .‬وقال للناس‪َ :‬‬
‫ومن أراد أن يهُ ِ َّل بحج فل ُي ِه َّل‪َ ،‬‬
‫ومن‬ ‫َّ‬
‫فليهل‪َ ،‬‬ ‫أراد منكم أن يهُ َّل بحج وعمرة‬
‫أراد أن يهُ ل بعمرة فل ُي ِهل»(‪.)17‬‬
‫ويف ليلته هذه ولدت أسامء بنت ُع َم ْيس ولدها حممد بن أيب بكر‪،‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫فأرسلت زوجها أبا بكر ريض اهلل عنه يسأل هلا‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫َّ‬ ‫وآله وسلم كيف تصنع؟ فأتى أبو بكر‬
‫فأخربه‪ ،‬فأمره صىل اهلل عليه وآله وسلم أن يأمرها أن تغتسل‪ ،‬وتتح َّفظ‬
‫بخرقة متنع سيالن الدم عليها‪ ،‬ثم تهُ ِل باحلج‪ ،‬وتصنع ما يصنع الناس‪ ،‬إال‬
‫أهنا ال تطوف بالبيت(‪.)18‬‬
‫ثم هت َّيأ صىل اهلل عليه وآله وسلم إلحرامه غاية التهيؤ‪ ،‬حتى لتستشعر من‬
‫هت ُّيئه ِع َظم العبادة التي سيدخلها‪ ،‬فيحتفل هلا هذا االحتفال‪ ،‬ويستقبلها هذا‬
‫االستقبال‪ ،‬فساق اهلَدي‪ ،‬ودعا بناقة من َهديه‪َ ،‬فأ ْش َع َرها يف صفحة َسنَامها‬
‫للهدي وتعظيماً‬‫إشهارا َ‬
‫ً‬ ‫وس َل َت عنها الدم وق َّلدها(‪ )19‬نعلني(‪)20‬؛‬
‫األيمن‪َ ،‬‬
‫لشعائر اهلل (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [احلج‪.]36:‬‬
‫وأرسل ب ُبدْ نِه مع ناجية اخلزاعي ريض اهلل عنه(‪ )21‬يسوقها إىل مكة‪،‬‬
‫ب منها؟ أي‪ُ :‬أصيب يف الطريق‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫أصنع بام َعط َ‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬كيف‬ ‫فقال‪ :‬يا‬
‫ثم ا ْغ ِمس‬
‫بكرس أو نحوه‪ ،‬فقال له صىل اهلل عليه وآله وسلم‪« :‬انحرها‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬

‫كأنك ‪23‬‬
‫معه‬
‫�صورة قدمية مل�سجد ال�شجرة بذي احلليفة‬

‫�صورة حديثة لذي احلليفة‬

‫‪ 24‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫خل بينها وبني الناس‪ ،‬فليأك ُلوها‪،‬‬‫نع َلها يف دمها‪ ،‬ثم ارضب به صفحتَها‪ ،‬ثم ِّ‬
‫أنت‪ ،‬وال أحدٌ ِم ْن رفقتك»(‪.)22‬‬
‫وال تأكل منها َ‬
‫وجترد صىل اهلل عليه وآله وسلم إلحرامه واغتسل‪ ،‬فغسل رأسه‬ ‫َّ‬
‫بخ ْط ِمي وأشنان(‪ ،)23‬ودهنه بيشء من زيت غري كثري‪ ،‬ثم َل َّبد رأسه بالعسل‪،‬‬
‫ِ‬
‫حتى جيتمع شعره وال يتشعث وينترش‪ ،‬وتط َّيب من ك َّفي عائشة ريض اهلل‬
‫وتضمخ بال ِّطيب‪ ،‬فكان صىل اهلل عليه وآله‬ ‫َّ‬ ‫عنها بأطيب ال ِّطيب عندها‪،‬‬
‫ِ‬
‫يب يف مفارق رأسه‬ ‫وسلم وهو الط ِّيب املط َّيب َينْ َف ُح طي ًبا‪ ،‬و ُيرى َوبِ ُ‬
‫يص ال ِّط ِ‬
‫وحليته بعد ذلك(‪.)24‬‬
‫لبس صىل اهلل عليه وآله وسلم إحرامه‪ ،‬وصلىَّ الظهر‪ ،‬ثم ركب ناقته‬
‫ال َق ْصواء‪ ،‬عىل غاية من اخلشوع واخلضوع والتعظيم لرب العاملني‪ ،‬متواض ًعا‬
‫هلل‪ ،‬مع ِّظماً لشعائره(‪.)25‬‬
‫فإن سألت عن رحله ووطائه‪ ،‬فإن نبيك صىل اهلل عليه وآله وسلم قد‬
‫ث وقطيفة ال تساوي أربعة دراهم‪ ،‬فلام انبعثت‬ ‫ركب راحلته وعليها َر ْح ٌل َر ٌّ‬
‫ياء فِيها وال ُس ْمع َة‪ ،‬لبيك‬
‫هم َح َّج ًة ال ِر َ‬
‫به راحلته استقبل القبلة‪ ،‬وقال‪« :‬ال َّل َّ‬
‫حجة وعمرة»(‪.)26‬‬
‫وإن سألت عن متاعه وزاده‪ ،‬فإنه ما حتمله زاملة(‪ )27‬أيب بكر ريض اهلل‬
‫عنه‪ ،‬فكانت زاملته وزاملة أيب بكر واحدة(‪.)28‬‬
‫ولك أن تتفكَّر‪ :‬ما الذي صحبه صىل اهلل عليه وآله وسلم من متاع‬
‫الدنيا وزينتها‪ ،‬إذا كان كل ما محله هو ما قاسمه ظهر زاملة أيب بكر ريض‬
‫اهلل عنه؟!‬

‫كأنك ‪25‬‬
‫معه‬
‫الراحلة وعليها الرحل‬

‫‪ 26‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫وإن سألت عن صاحبه يف رحلته تلك من بني كل َمن ساروا معه‪،‬‬


‫فإنه صاحبه من مكة إىل املدينة‪ ،‬يوم أن هاجر إليها قبل عرش سنني‪ ،‬حينام‬
‫خرج صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬وقد نذرت به القبائل وتط َّلبته‪ ،‬وهو يقول‬
‫لصاحبه‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)(‪[ )29‬التوبة‪.]40:‬‬
‫مسريا آخر هو وصاحبه من املدينة إىل مكة‪،‬‬
‫ً‬ ‫وها هو ذا اليوم يسري‬
‫واألرض قد و ِّطئت له‪ ،‬والقبائل التي كانت تطلبه قد آمنت كلها به‪ ،‬وهذه‬
‫مجوعها تزحف معه‪ ،‬وصاحبه يف هذا املسري هو صاحبه يف ذاك املسري‬
‫الصديق املبارك أبو بكر ريض اهلل عنه‪.‬‬
‫اج التي يعربوهنا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يا هلل‪ ..‬ماذا ستقول األرض التي يطؤوهنا‪ ،‬والف َج ُ‬
‫واجلبال التي يمرون هبا؟ ماذا ستقول لو نطقت‪ ،‬وهي تروي عظيم الفرق‬
‫بني هذا املسري وذاك املسري؟ إنه أمر اهلل الغالب ولطفه اخلفي (ﯓﯔﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [يوسف‪.]100:‬‬
‫دفع صىل اهلل عليه وآله وسلم من ذي احلُ َل ْيفة؛ فلام استوت به راحلتُه‬
‫ف ال َب ْيداء(‪ )30‬رفع صوته بالذكر والتلبية‪« :‬احلمد هلل‪ ،‬وسبحان اهلل‪،‬‬ ‫عىل شرَ ِ‬
‫َ‬
‫يك ال‬ ‫يك‪ ،‬ل َّب َ‬
‫اللهم ل َّب َ‬
‫ّ‬ ‫ك‬‫وحجا‪َ ،‬ل َّب ْي َ‬ ‫ًّ‬ ‫وال إله إال اهلل‪ ،‬واهلل أكرب‪ ،‬لبيك عمرة‬
‫لك‪ ،‬ل َّب َ‬
‫يك إل َه‬ ‫رشيك َ‬ ‫َ‬ ‫ك‪ ،‬ال‬ ‫لك وا ُمل ْل َ‬
‫إن احلمدَ والنِّعم َة َ‬ ‫يك لك ل َّب َ‬
‫يك‪ّ ،‬‬ ‫شرَ ِ َ‬
‫احل ِّق لبيك»(‪ .)31‬وكان نسكه ِ‬
‫القران(‪ ،)32‬وكذا َمن ساق اهلَدي معه من‬ ‫َ َّ‬
‫ذوي اليسار من أصحابه‪ ،‬كأيب بكر وعمر وطلحة والزبري وعبد الرمحن بن‬
‫عوف(‪ ،)33‬وأه َّلت نساؤه متمتعات بالعمرة إىل احلج‪ ،‬وأما أكثر الصحابة‪،‬‬
‫فأهلوا باحلج مفر ًدا‪ ،‬ال يذكرون إال احلج(‪.)34‬‬

‫كأنك ‪27‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫�آبار علي بذي احلليفة قد ً‬

‫‪ 28‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫الم َق ُل‪ ،‬وتفديه‬


‫سار صىل اهلل عليه وآله وسلم حتيط به القلوب‪ ،‬وتر ُم ُقه ُ‬
‫ا ُمل َه ُج‪ ،‬فهو معهم كواحد منهم‪ ،‬مل تو َّطأ له املراكب‪ ،‬ومل تتقدَّ مه املواكب‪ ،‬ومل‬
‫تُشق له الطرقات‪ ،‬ومل تُنصب له الرسادقات‪ ،‬وإنام سار بني الناس‪ ،‬ليس له‬
‫شارة مت ِّيزه عنهم‪ ،‬إال هباء النبوة وجالل الرسالة‪ ،‬يسري معهم ويف ِغماَ ِرهم‪،‬‬
‫يقول أنس ريض اهلل عنه‪ :‬كنت ِر ْدف أيب طلحة عىل راحلته‪ ،‬وإن ركبته‬
‫لتكاد تصيب ركبة رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬وهو يقول‪« :‬ل َّب َ‬
‫يك‬
‫حج ًة و ُعمرةً»(‪.)35‬‬
‫ّ‬
‫لقد كان الناس حوله كام قال جابر ريض اهلل عنه‪ :‬نظرت َمدِّ برصي‬
‫ٍ‬
‫وماش‪ ،‬وعن يمينه‬ ‫بني يدي رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم من راكب‬
‫ُ‬
‫ورسول اهلل صىل‬ ‫مثل ذلك‪ ،‬وعن يساره مثل ذلك‪ ،‬ومن خلفه مثل ذلك‪،‬‬
‫اهلل عليه وآله وسلم بني أظهرنا‪ ،‬وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله‪ ،‬وما‬
‫عمل به من يشء عملنا به(‪.)36‬‬
‫سار صىل اهلل عليه وآله وسلم هبذه اجلموع الزاحفة حوله‪ ،‬ما بني راكب‬
‫فتنزل عليه جربيل عليه السالم‪،‬‬ ‫وماش‪ ،‬حتيط به كام حتيط اهلَالة بالقمر‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫بية؛ فإنهَّ ا ِمن ِش ِ‬
‫عار‬ ‫واتم بال َّت ْل ِ‬
‫فقال‪« :‬يا محُ َّمدُ ‪ُ ،‬م ْر أصحا َبك َف ْل رَ ْي َف ُعوا َأ ْص هَ‬
‫احل ِّج»(‪ .)37‬فاهتزت الصحراء‪ ،‬وجتاوبت اجلبال بضجيج امللبني وهتافهم‬ ‫َ‬
‫بتوحيد رب العاملني‪« :‬لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ال رشيك لك لبيك‪ ،‬إن‬
‫احلمد والنعمة لك وامللك‪ ،‬ال رشيك لك‪ ،‬لبيك إله احلق ل َّبيك»‪.‬‬
‫وكان الصحابة ريض اهلل عنهم يزيدون يف تلبيتهم‪« :‬لبيك ذا املعارج‪،‬‬
‫لبيك ذا الفواضل‪ ،‬لبيك وسعديك‪ ،‬واخلري يف يديك‪ ،‬والرغباء إليك‬

‫كأنك ‪29‬‬
‫معه‬
‫�شرف البيداء‬

‫فج الروحاء‬

‫‪ 30‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫والعمل‪ ،‬لبيك ذا النعامء والفضل احلسن‪ ،‬لبيك مرهو ًبا منك ومرغو ًبا‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫إليك‪ ،‬لبيك ح ًّقا ح ًّقا‪ ،‬تع ُّبدً ا ِ‬
‫ور ًّقا»(‪ .)38‬فلم َي ُرد عليهم‬
‫عليه وآله وسلم منه شي ًئا‪ ،‬ولزم صىل اهلل عليه وآله وسلم تلبيته(‪.)39‬‬
‫زحفت تلك اجلموع عىل هذه احلال؛ هتاف بالتلبية‪ ،‬و َع ِج ٌ‬
‫يج بالذكر‪،‬‬
‫الروحاء حتى ُب َّح ْت أصواهتم من‬
‫وإعالن بشعار احلج‪ ،‬فلم يبلغوا َّ‬
‫التلبية(‪.)40‬‬
‫أطياف األنبياء‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫اح‪،‬‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم فهو يقطع هذه ال َف َي َ‬
‫ايف الف َس َ‬ ‫أما‬
‫مر‬
‫بمن َّ‬ ‫تروي له خربها‪ ،‬وحتدِّ ثه َ‬‫ووهادها وآكامها وأوديتها ِ‬ ‫وكأنام جباهلا ِ‬
‫هبا‪ ،‬فرتاءت لرسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم أطياف األنبياء عليهم‬
‫السالم الذين ساروا َيؤ ُّمون هذا البيت قبله‪ ،‬كأنام يراهم أمامه‪ ،‬ويرافقهم‬
‫يف مسريه‪.‬‬
‫ك َفج الرو ِ‬
‫اجا‪،‬‬ ‫سبعون نب ًّيا‪ُ ،‬ح َّج ً‬
‫َ‬ ‫حاء‬ ‫الر ْو َحاء قال‪« :‬لقد َس َل َ َّ َّ ْ‬ ‫بفج َّ‬ ‫فلام مر ِّ‬
‫وف»(‪.)41‬‬ ‫عليهم ثياب الص ِ‬
‫ُ ُّ‬
‫«أي َثن ِ َّي ٍة هذه؟»‪ .‬قالوا‪َ :‬ثن َّية َه ْر َشى‪ .‬قال‪« :‬كأين َأن ُظ ُر‬ ‫ِ ٍ‬
‫وملا مر ب َثن َّية قال‪ُّ :‬‬
‫راء َج ْعدَ ٍة(‪ ،)42‬عليه ُج َّب ٌة ِمن‬ ‫ح َ‬
‫ٍ‬
‫بن َمتَّى عليه السال ُم عىل ناقة مَ ْ‬ ‫يونس ِ‬
‫َ‬ ‫إىل‬
‫وهو ُي َل ِّبي»(‪.)44‬‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ُصوف‪ ،‬خطا ُم نَا َقته ُخ ْل َب ٌة(‪ُ ،)43‬‬
‫واد هذا؟»‪ .‬قالوا‪ :‬وادي األزرق‪ .‬قال‪:‬‬ ‫وملا مر بوادي األَ ْزر ِق قال‪« :‬أي ٍ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫م ُطوم بخُ ْل َبة‪ ،‬واض ًعا إص َب َع ْي ِه يف ُأ ُذ َن ْي ِه‬ ‫وسى عىل مجل أمحر خَ ْ‬ ‫«كأن َأن ُظ ُر إىل ُم َ‬
‫يِّ‬

‫كأنك ‪31‬‬
‫معه‬
‫ثنية هر�شى‬

‫ثنية هر�شى‬

‫‪ 32‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫له ُج َؤ ٌار(‪ )45‬إىل اهلل بال َّت ْلبِ َي ِة‪َ ،‬م ًّارا هبذا الوادي»(‪.)46‬‬
‫بكر‪ ،‬أي ٍ‬
‫واد هذا؟»‪ .‬قال‪ :‬وادي‬ ‫ان قال‪« :‬يا أبا ٍ ُّ‬ ‫وملا مر بوادي ُع ْس َف َ‬
‫ح ٍر(‪ُ )47‬خ ُط ُمها ال ِّل ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ُع ْسفان‪ .‬قال‪َ « :‬ل َقدْ َم َّر بِ ِه هو ٌد‬
‫يف‪،‬‬ ‫وصالح علىَ َبكَرات مُ ْ‬ ‫ٌ‬
‫البيت ال َعتِ َيق»(‪.)49‬‬
‫َ‬ ‫ون‬
‫ون حَي ُّج َ‬ ‫ِّامر(‪ُ ،)48‬ي َل ُّب َ‬
‫وأرد َيتُهم الن ُ‬
‫ُأزُرهم العباء‪ِ َ ،‬‬
‫ََ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫إهنا شعرية ضاربة يف عمق الزمن‪ ،‬تتابع فيها أنبياء اهلل ورسله عليهم‬
‫السالم‪ ،‬فهل تتذكر أهيا املؤمن وأنت حتج بيت اهلل أنك تسري يف إثر هذه‬
‫القافلة العظيمة من أنبياء اهلل ورسله؟ يف طريق سار فيه هود وصالح‬
‫وإبراهيم وموسى ويونس وحممد صىل اهلل عليهم وسلم‪ ،‬وسيتبعهم فيه‬
‫عيسى ابن مريم عليه السالم‪ ،‬كام قال صىل اهلل عليه وآله وسلم‪َ « :‬ل ُي ِه َّل َّن‬
‫اجا‪َ ،‬أ ْو ُم ْعت َِم ًرا‪َ ،‬أ ْو َل َي ْثن ِ َين َُّهم»(‪.)50‬‬ ‫ِ‬
‫الر ْو َحاء‪َ ،‬ح ًّ‬ ‫ا ْب ُن َم ْر َي َم بِ َف ِّج َّ‬
‫إنك وأنت تسري هذا املسري تستشعر أنك ذو نسب يف اهلداية عريق‪.‬‬
‫إنه مسري سار فيه أنبياء اهلل ورسله عليهم السالم‪ ،‬فادع ربك الذي‬
‫سيرَّ ك يف طريقهم الذي سلكوه أن جيمعك هبم يف نزهلم غدً ا يف اآلخرة‪:‬‬
‫ﱹﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋﱸ [النساء‪.]69:‬‬
‫ويف الطريق ِّ‬
‫معل ًما‪:‬‬
‫الناس‬
‫َ‬ ‫سار صىل اهلل عليه وآله وسلم يف طريقه مع ِّلماً وهاد ًيا‪ُ ،‬يع ِّلم‬
‫مناسكهم‪ ،‬ويبصرِّ هم بأمور حجهم‪ ،‬وجييبهم عىل أسئلتهم‪.‬‬
‫سمع رجلاً يل ِّبي ويقول‪ :‬لبيك عن ُشبرْ مة‪ .‬فأرسل إليه فدعاه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫«ومن ُش رْبمة؟»‪ .‬قال‪ :‬أخ يل‪ ،‬أو قريب يل‪ .‬قال‪« :‬هل حججت عن نفسك؟»‪.‬‬
‫َ‬

‫كأنك ‪33‬‬
‫معه‬
‫وادي الأزرق‬

‫وادي الأزرق‬

‫‪ 34‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪« :‬فاجعل هذه عن نفسك‪ ،‬ثم حج عن ُش رْبمة»(‪.)51‬‬


‫ورأى رجلاً حاف ًيا يسوق َبدَ نة مق َّلدة نعلاً ‪ ،‬وقد جهده امليش‪،‬‬
‫فقال‪«:‬اركبها»‪ .‬فقال‪ :‬إهنا َبدَ نة! فقال‪« :‬اركبها»‪ .‬قال‪ :‬إهنا َبدَ نة! فقال‪:‬‬
‫«اركبها»‪ .‬قال‪ :‬إهنا َبدَ نة! فقال يف الرابعة‪« :‬ويلك‪ ،‬اركبها‪ ،‬ويلك‪ ،‬اركبها»‪.‬‬
‫قال أبو هريرة ريض اهلل عنه‪ :‬فلقد رأيته راكبها يساير النبي صىل اهلل عليه‬
‫وآله وسلم والنعل يف عنقها(‪.)52‬‬
‫وكان صىل اهلل عليه وآله وسلم يمر بالرجال يمشون‪ ،‬فيأمرهم بركوب‬
‫هديه الذي ساقه معه(‪.)53‬‬
‫ويف أمره صىل اهلل عليه وآله وسلم ذلك نقض وخمالفة ملا كانوا عليه‬
‫والو ِص ْي َل ِة‬ ‫ِ ِ‬
‫والسائ َبة َ‬
‫ِ ِ‬
‫يف اجلاهلية من إكرام بدهنم برتك ركوهبا‪ ،‬كال َبحيرْ َ ة َّ‬
‫حلا ِم(‪.)54‬‬
‫وا َ‬
‫ولقيه أبو َط ِليق ريض اهلل عنه فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن امرأيت أم َط ِليق‬
‫تقرئك السالم‪ ،‬وإن يل مجلاً وناقة‪ ،‬فقالت يل‪ :‬أعطني مجلك أحج عليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هو َحبِ ْي ٌس يف سبيل اهلل‪ .‬قالت‪ :‬إنه يف سبيل اهلل أن أحج عليه‪ ،‬فأعطني‬
‫الناقة‪ .‬قلت‪ :‬ال أوثر عىل نفيس أحدً ا‪ .‬قالت‪ :‬فأعطني من نفقتك‪ .‬قلت‪ :‬ما‬
‫عندي فضل عماَّ أخرج به وأدعه لكم‪ ،‬ولو كان معي ألعطيتك‪ .‬قالت‪:‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم السالم إذا لقيته‪ ،‬وقل له الذي‬ ‫فأقرئ‬
‫قلت لك‪ .‬فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم‪« :‬صدقت أم َطلِيق‪ ،‬لو أعطيتها‬‫ُ‬
‫مجلك كان يف سبيل اهلل‪ ،‬ولو أعطيتها من نفقتك أخلفها اهلل لك»‪ .‬قال فام‬

‫كأنك ‪35‬‬
‫معه‬
‫وادي ع�سفان‬

‫وادي ع�سفان‬

‫‪ 36‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫يعدل احلج معك يا رسول اهلل؟ قال‪« :‬عمرة يف رمضان»(‪.)55‬‬


‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬قد‬ ‫السابقون؟»‪ .‬قالوا‪ :‬يا‬
‫َ‬ ‫وملا مر بجبل جمُ ْدان قال‪« :‬أين‬
‫ون‪ ،‬سبق‬‫ناس‪ .‬فقال‪« :‬سريوا‪ ،‬هذا جمُ ْ دان‪ ،‬سبق ا ُمل َف ِّر ُد َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ناس وخت َّل َ‬
‫مىض ٌ‬
‫كثريا‬
‫رسول اهلل؟ قال‪« :‬الذاكرون اهلل ً‬ ‫َ‬ ‫ون»‪ .‬قالوا‪ :‬وما ا ُمل َف ِّر ُد َ‬
‫ون يا‬ ‫ا ُمل َف ِّر ُد َ‬
‫الذكر عنهم‬
‫ُ‬ ‫ون ‪-‬أي‪ :‬يولعون‪ -‬يف ذكر اهلل‪ ،‬يضع‬ ‫والذاكرات‪ ،‬الذين يهُ ْ ترَ ُ َ‬
‫ُ‬
‫أثقاهلم فيأتون يوم القيامة ِخفا ًفا»(‪.)56‬‬
‫وجمُ ْدان جبل عىل الطريق من املدينة إىل مكة‪ ،‬وهو أقرب إىل مكة‪ ،‬فهو‬
‫املبرش بقرب الوصول إىل غاية السفر وهي مكة‪ ،‬والسابق إليه قد سبق‬
‫يف سفره‪ ،‬وا ُمل َف ِّر ُد هو الذي ليس معه إال بعريه(‪ ،)57‬وهذا يكون خفي ًفا‬
‫رسي ًعا ساب ًقا‪ ،‬فلفت صىل اهلل عليه وآله وسلم البصائر إىل معنى أعظم‪،‬‬
‫وهو السبق يف اآلخرة‪ ،‬وأن الذين يأتون خفا ًفا من األوزار فيسبقون فيها‬
‫كثريا والذاكرات؛ ألن إكثارهم للذكر يضع عنهم أثقال‬
‫هم الذاكرون اهلل ً‬
‫خطاياهم‪.‬‬
‫فانظر إىل لطف اإلشارة‪ ،‬وقرص الدرس مع بالغته‪ ،‬وكثرة الشواهد‬
‫واملشاهد واألمثلة فيه‪ ،‬وحسن الربط بني معامل الطبيعة ومعامل الدين‪.‬‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم مسريه يف هذا‬ ‫ُّ‬ ‫ثم انظر كيف جعل‬
‫عامرا هبذه اللفتات الرائعة‪ ،‬واملعاين اجلميلة‪ ،‬ف ُيع ِّلم اجلاهل‪،‬‬‫ً‬ ‫الطريق‬
‫ويصوب املخطئ‪ ،‬ويدل عىل فضائل اخلري‪ ،‬و ُي ِّر ُغب فيها هبذا األسلوب‬
‫الرشيق الوجيز‪ ،‬فصلوات اهلل وبركاته عليه‪ ،‬أمتَّها وأع َظمها‪.‬‬

‫كأنك ‪37‬‬
‫معه‬
‫جبل جمدان‬

‫جبل جمدان‬

‫‪ 38‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫وعثاء السفر‪:‬‬
‫مسافرا‬
‫ً‬ ‫سار صىل اهلل عليه وآله وسلم يف الطريق بني املدينة ومكة‪،‬‬
‫يتل َّقى ما يتلقاه املسافر من َو ْع َثاء السفر ون ََصب الطريق‪ ،‬فقد مرض صىل‬
‫الش ِقيقة‪ ،‬فاحتجم يف‬
‫اهلل عليه وآله وسلم يف مسريه هذا واشتد به صداع َّ‬
‫وسط رأسه‪ ،‬يف مكان يسمى لحَ ْ ُي جمَ َ ٍل(‪ ،)58‬واحتجم عىل ظهر قدمه من‬
‫وجع كان برجله(‪.)59‬‬
‫وكان مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم نساؤه كلهن ريض اهلل‬
‫عنهن‪ ،‬فلام كان ببعض الطريق نزل غال ٌم للنبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫يقال له‪َ :‬أن َْج َشة‪ ،‬وكان حسن الصوت‪ ،‬فجعل يحَ ْ دُ و اإلبل ويسوقها‪،‬‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‪« :‬وحيك يا‬
‫بحدائه‪ ،‬فقال له ُّ‬ ‫فأرسعت اإلبل ُ‬
‫ك‪ ،‬رف ًقا بال َقوارير»(‪ .)60‬يعني النساء‪ ،‬أي‪ :‬ارفق هبن‪،‬‬
‫أنجشة! رويدك َس ْو َق َ‬
‫فقد أرسعت باإلبل‪.‬‬
‫فبينا هم يسريون مرسعني‪ ،‬برك مجل أمنا صفية بنت ُح َي ٍّي ريض اهلل‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫الركب‪ ،‬فجعلت تبكي‪ ،‬ورجع إليها‬
‫عنها‪ ،‬فتقدَّ مها َّ‬
‫وآله وسلم حني ُأخرب بذلك‪ ،‬فجعل يمسح دموعها بيده الرشيفة ويسكِّنها‪،‬‬
‫الناس بالنزول‪،‬‬
‫وجعلت تزداد بكا ًء وهو ينهاها؛ فلام أكثرت انتهرها‪ ،‬وأمر َ‬
‫ومل يكن يريد أن ينزل‪ ،‬وكان اليوم يوم صفية‪ ،‬فلام نزلوا رُضب خباء النبي‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم ودخل فيه‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم إذا دخلت‬ ‫ومل تدر صفية ما يلقاها به‬
‫عليه‪ ،‬وخشيت أن يكون قد وجد يف نفسه عليها‪ ،‬فانطلقت إىل عائشة ريض‬

‫كأنك ‪39‬‬
‫معه‬
‫حَ ْ‬
‫لي جمل‪ ،‬من منازل الطريق بني املدينة ومكة‪ ،‬وفيها احتجم النبي‬
‫�صلى اهلل عليه و�آله و�سلم يف طريقه �إىل مكة‬

‫‪ 40‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫اهلل عنها‪ ،‬فقالت هلا‪ :‬تعلمني أين مل أكن أبيع يومي من رسول اهلل صىل اهلل‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫عليه وآله وسلم بيشء أبدً ا‪ ،‬وإين قد وهبت يومي لك‪ ،‬عىل أن ترضيِّ‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم عني‪ .‬قالت عائشة‪ :‬نعم‪ .‬فلبست ثياهبا‪ ،‬ثم‬
‫انطلقت إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬فرفعت طرف اخلباء‪ ،‬فقال‬
‫هلا‪« :‬ما لك يا عائشة؟ إن هذا ليس بيومك»‪ .‬قالت‪ :‬ذلك فضل اهلل يؤتيه َمن‬
‫يشاء‪ .‬فنام صىل اهلل عليه وآله وسلم القيلولة مع أهله‪.‬‬
‫فلام كان عند الرواح قال لزوجته زينب بنت جحش ريض اهلل عنها‪« :‬يا‬
‫زينب‪ ،‬أعريي أختك صفية مجل»‪ .‬وكانت زينب من أكثر أزواجه مجالاً ‪،‬‬
‫ولكن أخذهتا ال َغرية‪ ،‬فقالت‪ :‬أنا أعري مجيل هيوديتك؟! ‪-‬أي‪ :‬زوجتك‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫اليهودية‪ ،‬باعتبار ما كانت عليه قبل أن يصطفيها املصطفى‪ -‬فغضب‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم حني سمع ذلك منها‪ ،‬فهجرها‪ ،‬فلم يكلمها‬
‫ومل يأهتا ومل يقسم هلا حتى رجع إىل املدينة(‪.)61‬‬
‫يسمى‪:‬‬
‫ويف أحد منازله صىل اهلل عليه وآله وسلم يف الطريق يف مكان َّ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وبجانبه زوجه عائشة‪،‬‬ ‫ال َع ْر َج‪ ،‬جلس‬
‫وجلس صاحبه أبو بكر وبجانبه ابنته أسامء ريض اهلل عنهم‪ ،‬وكان أبو بكر‬
‫ينتظر أن يطلع عليه غالمه بزاملته التي كانت حتمل متاعه ومتاع النبي صىل‬
‫اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬فطلع الغالم وليس معه بعريه‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬أين‬
‫بعريك؟ قال‪ :‬أضللته البارحة‪ .‬فطفق أبو بكر يرضبه‪ ،‬ويقول‪ :‬بعري واحد‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ينظر إليه ويبتسم‪ ،‬ويقول‪:‬‬ ‫تضله! وجعل ُّ‬
‫«ان ُظ ُروا إىل هذا ا ُمل ْح ِر ِم ما َيصن َُع!»(‪ .)62‬يف مشهد زاخر بالرمحة والرأفة‬

‫كأنك ‪41‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫قوافل احلج قد ً‬

‫ميا‬
‫قوافل احلج قد ً‬

‫‪ 42‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫بالغالم‪ ،‬واالستشعار هليبة النُّسك وعظمة الشعرية‪ ،‬وإحياء لطيف أليب بكر‬
‫ريض اهلل عنه لريفق بغالمه‪.‬‬
‫وملا بلغ آل ن َْضلة األسلمي أن زاملة رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله‬
‫وسلم ضلت‪ ،‬محلوا إليه َج ْفنَ ًة من َح ْي ٍ‬
‫س(‪ ،)63‬فأقبلوا هبا حتى وضعوها بني‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله‬
‫يدي رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬فجعل ُّ‬
‫وسلم يقول‪« :‬هلم يا أبا بكر؛ فقد جاء اهلل بغداء طيب»‪ .‬وجعل أبو بكر‬
‫«هون عليك يا‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ِّ :‬‬
‫يغتاظ عىل الغالم! فقال له ُّ‬
‫حريصا عىل‬
‫ً‬ ‫أبا بكر؛ فإن األمر ليس إليك وال إلينا معك‪ ،‬وقد كان الغالم‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫ألاَّ يضل بعريه‪ ،‬وهذا خلف مما كان معه»‪ .‬فأكل‬
‫وآله وسلم وأهله وأبو بكر وكل َمن كان مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله‬
‫وسلم حتى شبعوا(‪.)64‬‬
‫ثم أقبل صفوان بن املع َّطل ريض اهلل عنه‪ ،‬وكان عىل ساقة الناس‪،‬‬
‫والبعري معه وعليه الزاملة‪ ،‬فجاء حتى أناخ عىل باب منزل النبي صىل اهلل‬
‫عليه وآله وسلم‪ ،‬فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم أليب بكر‪« :‬انظر هل تفقد‬
‫شيئًا من متاعك؟»‪ .‬فقام فنظر‪ ،‬فقال‪ :‬ما فقدت إال َقع ًبا كنا نرشب فيه‪.‬‬
‫فقال الغالم‪ :‬هذا القعب معي‪ .‬فقال أبو بكر لصفوان ريض اهلل عنهام‪ :‬أدى‬
‫اهلل عنك األمانة(‪.)65‬‬
‫وجاء سعد بن عبادة وابنه قيس ريض اهلل عنهام ومعهام زاملة حتمل زا ًدا‬
‫َ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬فوجدا رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫يؤمان‬

‫كأنك ‪43‬‬
‫معه‬
‫الأبواء‬

‫ملتقى الأبواء ووادي ودَّان‬

‫‪ 44‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫وآله وسلم واق ًفا بباب منزله قد رد اهلل عليه زاملته‪ ،‬فقال سعد‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل‪ ،‬بلغنا أن زاملتك ضلت الغداة‪ ،‬وهذه زاملة مكاهنا‪ .‬فقال رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم‪« :‬قد جاء اهلل بزاملتنا‪ ،‬فارجعا بزاملتكام‪ ،‬بارك‬
‫اهلل عليكام»‪ .‬ثم قال‪« :‬أما يكفيك يا أبا ثابت ما ُيصنع بنا يف ضيافتك مذ‬
‫نزلنا املدينة؟»‪ .‬فقال سعد‪ :‬املنة هلل ولرسوله‪ ،‬واهلل يا رسول اهلل‪ ،‬الذي تأخذ‬
‫من أموالنا أحب إلينا من الذي تدع‪ .‬فقال‪« :‬صدقتم يا أبا ثابت‪ ،‬أبرش!‬
‫فمن أراد أن يمنحه منها خل ًقا‬
‫فقد أفلحت‪ ،‬إن األخالق بيد اهلل عز وجل‪َ ،‬‬
‫ً‬
‫صاحلا»‪ .‬فقال‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬هو فعل‬ ‫ً‬
‫صاحلا منحه‪ ،‬ولقد منحك اهلل خل ًقا‬
‫ذلك(‪.)66‬‬
‫ب بن َج َّثامة‬ ‫وملا نزل صىل اهلل عليه وآله وسلم األَ ْب َوا َء أهدى له َّ‬
‫الص ْع ُ‬
‫عجز محار وحش يقطر د ًما‪ ،‬فر َّده صىل اهلل‬
‫ريض اهلل عنه حلم صيد‪ ،‬وكان ُ‬
‫مؤانسا‪:‬‬
‫ً‬ ‫معتذرا‬
‫ً‬ ‫عليه وآله وسلم‪ ،‬فلام رأى يف وجهه كراهية رد هديته قال له‬
‫«إنا مل نرده كراهية له‪ ،‬ولكنا ُحر ٌم ال نأكل الصيد‪ ،‬ولوال أنا حمرمون لقبلناه‬
‫منك»(‪.)67‬‬
‫إنه مشهد غاية يف التل ُّطف؛ حيث قرأ صىل اهلل عليه وآله وسلم مشاعره‬
‫النفسية‪ ،‬وسارع إىل بيان السبب الذي جعله يرد هديته‪ ،‬ومل يرتك مشاعره‬
‫هن ًبا الحتامالت مؤملة‪ ،‬ثم ط َّيب قلبه فأخربه بأنه سيقبل هذه اهلدية لو كان‬
‫غري محُ رم‪ ،‬فصلوات اهلل عىل َمن وصفه ربه فقال‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة‪.]128:‬‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم من مكة نزل مكانًا يقال له‪:‬‬
‫وملا قرب ُّ‬

‫كأنك ‪45‬‬
‫معه‬
‫�سرف‬

‫�سرف‬

‫‪ 46‬كأنك‬
‫معه‬
‫إىل مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫سرَ ِ ف‪ ،‬وعرض عىل أصحابه َمن مل يكن ساق اهلَدْ ي أن جيعلها عمرة‪،‬‬
‫ومن كان‬
‫حب أن جيعلها عمرة فليفعل‪َ ،‬‬‫«من مل يكن معه َهدْ ي‪َ ،‬فأ َّ‬
‫فقال‪َ :‬‬
‫معه َهدي فال»‪ .‬ومل يعزم عليهم‪ ،‬فاآلخذ هبا والتارك هلا من أصحابه ريض‬
‫اهلل عنهم‪ ،‬ثم دخل عىل عائشة ريض اهلل عنها فإذا هي تبكي‪ ،‬فقال هلا‪:‬‬
‫«ما يبكِ ِ‬
‫يك؟»‪ .‬قالت‪ :‬واهلل لوددت ْ‬
‫خرجت العام‪ .‬قال‪« :‬فماَ‬
‫ُ‬ ‫أن مل أكن‬ ‫ُ‬
‫عت العمرةَ‪ .‬فقال‪َ « :‬لع َّلكِ‬ ‫ِ‬
‫ك؟»‪ .‬قالت‪ :‬سمعت قولك ألصحابك‪ ،‬و ُمن ُ‬ ‫َل ِ‬
‫َ‬
‫ت!»‪ .‬أي حضت‪ ،‬قالت‪ :‬نعم‪ .‬فجعل صىل اهلل عليه وآله وسلم ُيسرَ ِّ ي‬ ‫ن ُِفس ِ‬
‫ْ‬
‫يشء كتَبه اهللُ عىل‬‫ٌ‬ ‫«إن هذا‬
‫عنها ويواسيها ويتلطف بمشاعرها‪ ،‬ويقول‪َّ :‬‬
‫عليهن‪،‬‬ ‫عليك ما َكتَب‬ ‫ِ‬ ‫أنت امرأ ٌة ِمن ِ‬
‫بنات آد َم‪َ ،‬كتَب اهللُ‬ ‫بنات آدم‪ ،‬وإنَّام ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ض ِك‪ ،‬اف َعيل ما يف َع ُل‬
‫َطه ِري‪ ،‬وكوين‬ ‫غري َألاَّ َت ُطويف بالبيت حتى ت ُ‬ ‫احلاج‪َ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫فال َي رُ ُّ‬
‫أن َير ُز َقكِيها»(‪ .)68‬أي‪ :‬العمرة‪.‬‬
‫ك‪ ،‬ف َع َسى اهللُ ْ‬ ‫يف حج ِ‬
‫ِّ‬
‫وهكذا كان صىل اهلل عليه وآله وسلم خري الناس ألهله؛ بِ ًّرا هبم ورعاي ًة‬
‫ملشاعرهم‪ ،‬واحتفالاً واهتام ًما بام هيمهم‪ ،‬وهكذا كانت أمنا عائشة ريض‬
‫ظاهرا‬
‫ً‬ ‫اهلل عنها مباركة يف شأهنا كله‪ ،‬فكان ما أصاهبا يف هذا املكان ترشي ًعا‬
‫لنساء املسلامت إذا أصاهبن ما أصاهبا‪ .‬فصلوات اهلل وبركاته عليكم أهل‬
‫البيت‪.‬‬
‫لقد سار صىل اهلل عليه وآله وسلم فكان مسريه هداية وترشي ًعا‪ ،‬وتعليماً‬
‫للمناسك‪ ،‬وداللة عىل اخلري‪.‬‬

‫كأنك ‪47‬‬
‫معه‬
‫خريطة حجة الوداع‬

‫‪ 48‬كأنك‬
‫معه‬
‫�صورة قدمية ملخيم احلجاج بذي طوى‬
‫ويف الطرف الأمين يظهر �سطح البناء القائم على بئر طوى‬

‫‪ 50‬كأنك‬
‫معه‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم الطريق بني مكة واملدينة يف‬ ‫َق َط َع‬
‫الس َفر‪ ،‬ولذلك ملا قرب‬
‫وو ْع َثاء َّ‬
‫تعرض فيها لن ََصب الطريق َ‬ ‫ثامنية أيام‪َّ ،‬‬
‫هنارا‪ ،‬بنظافة وقوة‬
‫من مكة بات قري ًبا منها يسرتيح هناك‪ ،‬ويتهيأ لدخوهلا ً‬
‫لمن معه‪ ،‬وإلتاحة الفرصة للناس ملتابعته يف عمله‬ ‫ونشاط‪ ،‬وحسن ترتيب َ‬
‫العظيم‪ ،‬فبات عند بئر «ذي ُطوى»(‪ )69‬يف املكان املعروف اليوم بـ َ‬
‫«ج ْر َول»‪،‬‬
‫أو «آبار الزاهر»‪.‬‬
‫فلام أصبح صلىَّ الفجر عىل َأك ََم ٍة غليظة عند البئر‪ ،‬ثم عرض عىل أصحابه‬
‫«من أراد منكم أن جيعلها عمرة فليجعلها عمرة»(‪.)70‬‬
‫التمتع‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫ثم اغتسل صىل اهلل عليه وآله وسلم لدخول مكة‪ ،‬فألقى عنه َو ْع َثا َء‬
‫السفر‪ ،‬وهت َّيأ لدخوهلا َجا ًّما نش ًطا‪.‬‬
‫ثم دفع صىل اهلل عليه وآله وسلم مستقبِلاً اجلبل الطويل الذي بينه وبني‬
‫اخ َر؛ لينصب إىل مكة من ثنية َكدَ اء‪ ،‬وهي التي‬ ‫الكعبة‪ ،‬ويسمى‪ :‬جبل َأ َذ ِ‬
‫ُ َّ‬
‫تنزل اليوم عىل جرس الحْ َ ُج ْون(‪ ،)71‬ثم أخذ ذات اليمني منهبطا يف َم ِسيل‬

‫كأنك ‪51‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫بئر طوى قد ً‬

‫بئر طوى حدي ًثا‬

‫‪ 52‬كأنك‬
‫معه‬
‫يف مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫متوجها إىل املسجد احلرام‪ ،‬وكان يف مسريه ذلك لهَ ِ ًجا بالتلبية‪ ،‬ومل‬
‫ً‬ ‫الوادي‬
‫ينقطع صوته بالتلبية حتى دخل بني بيوت مكة‪ ،‬فاستقبله صبية من بني عبد‬
‫املطلب‪ ،‬فحمل واحدً ا بني يديه وآخر خلفه(‪.)72‬‬
‫وكان دخوله صىل اهلل عليه وآله وسلم يوم األحد الرابع من ذي ِ‬
‫احل َّجة‪،‬‬
‫هنارا؛ لرياه الناس فيقتدوا به‪ ،‬فأناخ‬
‫جهارا ً‬
‫ً‬ ‫وقد دخلها عند ارتفاع الضحى‬
‫راحلته عند باب املسجد‪ ،‬ثم توضأ وضوءه للصالة‪ ،‬ثم دخل من الباب‬
‫الذي كان يدخل منه يوم كان بمكة؛ باب بني شيبة(‪.)73‬‬
‫يف فناء الكعبة‪:‬‬
‫دخل صىل اهلل عليه وآله وسلم احلر َم‪ ،‬فإذا هو عىل ملة أبيه إبراهيم‪،‬‬
‫ليس حول الكعبة صنم‪ ،‬وال يطوف هبا ُعريان‪ ،‬ومل حيج إليها مرشك‪ ،‬دخل‬
‫النبي احلرم‪.‬‬
‫فياهلل ما الذي كان يتداعى يف خاطره تلك الساعة‪ ،‬وساحة احلرم‬
‫تنفسح أمام عينيه؛ هذه الساحة التي شهدت دعوته وبالغه وبالءه‪ ،‬وصربه‬
‫عىل أذى قومه وجراءهتم عليه‪..‬‬
‫جل ُز ِ‬
‫ور عىل‬ ‫أما دخل احلرم ليصليِّ فيه قبل نحو عرش سنني‪ ،‬فألقوا َسلىَ ا َ‬
‫ظهره وهو ساجد(‪!)74‬‬
‫أما دخل احلرم فقام إليه مأل من قريش‪ ،‬فأخذوا بمجامع ردائه فخنقوه‬
‫به‪ ،‬حتى جاء أبو بكر فخ َّلصه منهم‪ ،‬وهو يقول‪َ :‬أتقتُلون رجلاً أن َ‬
‫يقول‬
‫ريب اهللُ(‪)75‬؟!‬

‫كأنك ‪53‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫ثنية كداء قد ً‬

‫ثنية كداء حدي ًثا‬

‫‪ 54‬كأنك‬
‫معه‬
‫يف مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫هل تذكَّر صىل اهلل عليه وآله وسلم يف تلك الساعة أحواله تلك يف مكة‪،‬‬
‫وهو يدخل احلرم وليس فيه وال معه إال مؤمن به متَّبع لدينه‪ ،‬وقد صدقه‬
‫ربه وعده‪ ،‬وأظهره عىل الدين كله‪.‬‬
‫إننا ال نستطيع اجلزم بالذي كان يتداعى يف خاطره‪ ،‬وجيول يف خلده‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬ولكننا نستشعر من حاله أن تلك الذكريات‬
‫املرشفة‪،‬‬ ‫كانت ترتاءى له‪ ،‬وأنه كان عىل حال من التأثر وهو َي ِد ُّ‬
‫ف إىل الكعبة َّ‬
‫حل َجر استلمه وكبرَّ ‪ ،‬ثم فاضت عيناه بالبكاء‪ ،‬ثم وضع شفتيه‬ ‫فإنه ملا وصل ا َ‬
‫عليه‪ ،‬فق َّبله وسجد عليه(‪ ،)76‬وكان به حف ًّيا‪ ،‬وكان موق ًفا تسكب فيه‬
‫العربات(‪.)77‬‬
‫ثم طاف صىل اهلل عليه وآله وسلم بالبيت سبعة أشواط‪ُ ،‬م ْض َطبِ ًعا‬
‫ور َمل يف األشواط الثالثة األُ َول‪،‬‬
‫بردائه‪ ،‬وكان رداؤه بر ًدا حرضم ًّيا أخرض‪َ ،‬‬
‫ومشى يف األشواط األربعة بعدها عىل هينته‪ ،‬وكان من دعائه بني الركنني‪:‬‬
‫«( ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)‬
‫[البقرة‪.)78(»]201 :‬‬
‫ورأى يف طوافه رجلاً قد ربط يده إىل رجل آخر بسري أو بخيط يقوده‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم بيده‪ ،‬ثم قال‪ُ « :‬قدْ ُه بيده»‪ .‬قال‪ :‬يا‬
‫به‪ ،‬فقطعه ُّ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬إنه ن َْذ ٌر‪ ،‬إنا نذرنا لنقرتنن حتى نأيت الكعبة ‪-‬وكان من عادات‬
‫اجلاهلية االقرتان يف احلج‪ -‬فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم‪« :‬أطلقا أنفسكام‬
‫نذرا‪ ،‬إنام النذر ما يبتغى به وجه اهلل‪ ،‬إن هذا من عمل‬
‫وح َّجا‪ ،‬إن هذا ليس ً‬
‫ُ‬
‫الشيطان»(‪.)79‬‬

‫كأنك ‪55‬‬
‫معه‬
‫باب بني �شيبة‬

‫‪ 56‬كأنك‬
‫معه‬
‫يف مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫فكان صىل اهلل عليه وآله وسلم وهو يف طوافه ين ِّقي شعائر احلج من كل‬
‫ما أحلقه هبا أهل اجلاهلية‪ ،‬ويعيدها إىل نقائها ونصاعة املحجة البيضاء التي‬
‫أتى هبا‪ ،‬وتركنا عليها‪.‬‬
‫فلام فرغ من طوافه مشى إىل مقام أبيه إبراهيم عليه السالم‪ ،‬وهو يقرأ‪:‬‬
‫(ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [البقرة‪ .]125 :‬يرفع هبا صوته ي ِ‬
‫سمع‬ ‫ُ‬
‫الناس‪ ،‬فجعل املقام بينه وبني البيت‪ ،‬وكان املقام ملص ًقا بحائط الكعبة‬
‫الرشقي(‪ ،)80‬فصلىَّ ركعتني‪ ،‬قرأ يف األوىل بفاحتة الكتاب‪ ،‬و(ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ) ويف الثانية‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) (‪ .)81‬فلماَّ س َّلم ذهب إىل‬
‫زمزم‪ ،‬فرشب منها‪ ،‬وصب عىل رأسه‪ ،‬ثم عاد صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل‬
‫حل َجر فق َّبله‪ ،‬ومسحه بيديه‪ ،‬ثم مسح هبام وجهه(‪.)82‬‬
‫ا َ‬
‫بني الصفا واملروة‪:‬‬
‫ثم خرج صىل اهلل عليه وآله وسلم من باب الصفا‪ ،‬فلام دنا من الصفا‬
‫قرأ‪(« :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة‪،]158 :‬‬
‫َأبدَ ُأ بام َبدَ أ اهللُ بِ ِه»‪ .‬فبدأ بالصفا‪ ،‬فرقي عليه‪ ،‬حتى نظر إىل البيت‪ ،‬فاستقبله‪،‬‬
‫بحان اهلل‪،‬‬
‫وس َ‬ ‫ورفع يديه الرشيفتني‪ ،‬وهو هيتف‪« :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬واهلل أكرب‪ُ ،‬‬
‫ك‪ ،‬وله َ‬
‫احل ْمدُ ‪ ،‬حييى‬ ‫رشيك له‪ ،‬له ا ُمل ْل ُ‬
‫َ‬ ‫واحلمدُ هلل‪ ،‬ال إل َه إلاَّ اهللُ َو ْحدَ ُه ال‬
‫ٍ‬
‫ونص‬ ‫قدير‪ ،‬ال إل َه إلاَّ اهللُ َو ْحدَ ُه‪َ ،‬أ َ‬
‫نجز َو ْعدَ ُه‪ ،‬رَ‬ ‫وهو علىَ ك ُِّل يشء ٌ‬ ‫ويميت‪ُ ،‬‬
‫ُ‬
‫َع ْبدَ ه‪ ،‬وهزَم األَحز َ‬
‫َاب َو ْحدَ ُه»(‪ .)83‬قال ذلك ثالث مرات‪ ،‬ودعا يف مقامه‬

‫كأنك ‪57‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫احلجر الأ�سود قد ً‬

‫احلجر الأ�سود حدي ًثا‬


‫‪ 58‬كأنك‬
‫معه‬
‫يف مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫ذلك ما شاء اهلل أن يدعو‪.‬‬


‫ثم نزل ماش ًيا‪ ،‬فلام انصبت قدماه يف بطن الوادي أرسع صىل اهلل عليه‬
‫وآله وسلم واشتد يف السعي‪ ،‬وهو يقول‪« :‬لاَ ُي ْق َط ُع األَ ْب َط ُح إلاَّ َشدًّ ا‪ْ ،‬اس َعوا؛‬
‫الس ْع َي»‪ .‬واشتد صىل اهلل عليه وآله وسلم يف السعي‬
‫عليكم َّ‬
‫ُ‬ ‫فإن اهللَ كتَب‬
‫َّ‬
‫وهو األَ ِّيد القوي‪ ،‬حتى إن إزاره ليدور عىل ركبتيه من شدة السعي‪ ،‬وكان‬
‫يف الثالثة والستني من عمره املبارك‪ ،‬حتى إذا جتاوز بطن الوادي مشى‪،‬‬
‫حتى أتى املروة فرقيها‪ ،‬حتى نظر إىل البيت‪ ،‬فاستقبله‪ ،‬وكبرَّ وه َّلل‪ ،‬ورفع‬
‫يديه ودعا‪ ،‬وصنع عىل املروة كام صنع عىل الصفا(‪.)84‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل يف املسجد‪،‬‬ ‫الناس‪:‬‬
‫ويف هذه األثناء فشا اخلرب يف مكة‪ ،‬وتنادى ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل عىل املروة‪ ..‬ولفظت البيوت َمن فيها‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل عىل الصفا‪،‬‬
‫جاءت القلوب ا َمل ُش ْو َق ُة‪ ،‬والعيون الظامئة‪ ،‬تريد أن ترى ُم َح َّيا رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬حتى خرج ال َع َواتِ ُق واإلماء يقلن‪ :‬هذا رسول‬
‫املنور‪ ،‬فلام‬
‫اهلل‪ ،‬هذا رسول اهلل! وازدحم الناس عليه ينظرون إىل وجهه َّ‬
‫كثروا حوله‪ -‬وكان صىل اهلل عليه وآله وسلم كريماً سهلاً ‪ ،‬ال ُي َ‬
‫رض ُب الناس‬
‫بني يديه‪ ،‬وال يقال‪ :‬إليك إليك‪ .‬وال‪ :‬عنك عنك‪ -‬أمر براحلته فركبها؛‬
‫ف للناس‪ ،‬ليسألوه ويروه كلهم؛ شفقة عليهم‪ ،‬ورأفة ورمحة هبم‪ ،‬فأتم‬ ‫ل ُيشرْ ِ َ‬
‫سعيه راك ًبا(‪.)85‬‬
‫فلام قىض سعيه‪ ،‬وكان يف آخر طوافه عىل املروة‪ ،‬أمر َمن مل يسق اهلَدْ ي‬
‫«من كان منكم‬
‫من أصحابه أن حيلوا من إحرامهم وجيعلوها عمرة‪ ،‬فقال‪َ :‬‬

‫كأنك ‪59‬‬
‫معه‬
‫مقام �إبراهيم‬
‫‪ 60‬كأنك‬
‫معه‬
‫يف مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫ومن مل يكن منكم‬ ‫حج ُه‪َ ،‬‬‫يقيض َّ‬


‫َ‬ ‫َأ ْهدَ ى‪ ،‬فإنه ال ُّ‬
‫حيل من يشء َح ُر َم منه حتى‬
‫أهدى‪ ،‬فليطف بالبيت‪ ،‬وبالصفا واملروة‪ ،‬وليقص(‪ )86‬ول َي ْحلِ ْل‪ ،‬ثم أقيموا‬
‫حاللاً ‪ ،‬حتى إذا كان يوم الرتوية فأهلوا باحلج‪ ،‬واجعلوا التي قدمتم هبا‬
‫فمن مل جيد هد ًيا؛ فليصم ثالثة أيام يف احلج وسبعة إذا رجع‬
‫متعة‪ ،‬وأهدوا َ‬
‫إىل أهله»(‪.)87‬‬
‫وأمر صىل اهلل عليه وآله وسلم نساءه أن حيللن‪ ،‬فأحللن إال عائشة‬
‫ريض اهلل عنها؛ ملا كان من حيضها‪ ،‬وقالت له حفصة ريض اهلل عنها‪ :‬ما‬
‫دت َهدْ يي‪ ،‬فال َأ ِح ُّل حتى‬
‫«إن َل َّبدْ ُت رأيس‪ ،‬وق َّل ُ‬
‫يمنعك أن حتل؟ قال‪ :‬يِّ‬
‫أنحر َهدْ يي»(‪.)88‬‬
‫َ‬
‫وقد تعاظم الصحابة ريض اهلل عنهم ذلك‪ ،‬وشق عليهم‪ ،‬حتى قال‬
‫جابر ريض اهلل عنه‪ :‬كرب ذلك علينا‪ ،‬وضاقت به صدورنا(‪.)89‬‬
‫تعاظموه؛ ألهنم خرجوا من املدينة يل ُّبون مه ِّلني باحلج مفردين‪ ،‬ال‬
‫يذكرون إال احلج‪ ،‬يرصخون به صرُ ً‬
‫اخا‪ ،‬فكيف يفسخونه إىل عمرة؟ ولذا‬
‫سم ْينَا احلج؟!‬
‫قالوا‪ :‬كيف نجعلها متعة‪ ،‬وقد َّ‬
‫ثم عظم عليهم كيف يؤ ُّدون العمرة يف أشهر احلج وأيامه‪ ،‬وكانوا يف‬
‫اجلاهلية يرون العمرة يف أشهر احلج من أفجر الفجور(‪.)90‬‬
‫ثم كيف حيلون ويتمتعون بام يتمتع به املحل‪ ،‬وليس بينهم وبني يوم‬
‫عرفة إال أربعة أيام؟ حتى قالوا لرسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪:‬‬
‫«احلل ُك ُّل ُه»‪ .‬فجعلوا يتذاكرون بينهم‪ ،‬ويقولون‪ :‬خرجنا‬
‫ُّ‬ ‫أي ِّ‬
‫احلل؟ قال‪:‬‬ ‫َّ‬

‫كأنك ‪61‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫ال�صفا قد ً‬

‫ميا‬
‫ال�صفا قد ً‬
‫‪ 62‬كأنك‬
‫معه‬
‫يف مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫حجاجا‪ ،‬ال نريد إال احلج‪ ،‬حتى إذا مل يكن بيننا وبني عرفة إال أربع ليال‪،‬‬
‫ً‬
‫أمرنا أن نفيض إىل نسائنا‪ ،‬فنأيت عرفة تقطر مذاكرينا املني من النساء(‪)91‬؟‬
‫َ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‬ ‫وأما أنه شق عليهم؛ فإهنم يرون‬
‫أمامهم مل حيل‪ ،‬وإنام لزم إحرامه‪ ،‬وهم الذين ُأرشبت قلوبهُ م حب رسول‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وحب متابعته فيام يأيت ويذر‪ ،‬ولذا تباطؤوا يف‬
‫إجابته‪ ،‬طم ًعا يف أن يرشكوه يف حاله التي هو عليها من عدم احلل‪.‬‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم تبا ُط َؤهم وتر ُّد َدهم‪ ،‬فغضب من‬
‫ورأى ُّ‬
‫ذلك‪ ،‬ودخل عىل عائشة ريض اهلل عنها‪ ،‬تعرف من حاله الغضب‪ ،‬حتى‬
‫ظنت أن أحدً ا آذاه وأغضبه‪ ،‬فقالت‪َ :‬من أغضبك يا رسول اهلل‪ ،‬أدخله اهلل‬
‫َّاس َبأ ْم ٍر‪ ،‬فإذا ُهم َيترَ َّد ُدون؟!»‪.‬‬ ‫«أوما َشعر ِ‬
‫ت َأ يِّن َأم ُ‬
‫رت الن َ‬ ‫النار؟! قال‪ْ َ َ َ َ :‬‬
‫الناس‪ ،‬فام يدرون‪ ،‬أيشء‬ ‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ما يقوله ُ‬ ‫وبلغ َّ‬
‫بلغه من السامء‪ ،‬أم يشء بلغه من ِق َبل الناس‪ ،‬فقام صىل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫فيهم خطي ًبا‪ ،‬فحمد اهلل وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪« :‬أباهلل تع ِّلموين أهيا الناس!‬
‫وأ َب ُّركُم‪ ،‬افعلوا ما آمركم به؛ فإنه‬ ‫قد َعلِمتُم َأ يِّن َأتْقاك ُْم هلل‪َ ،‬‬
‫وأ ْصدَ ُقكُم َ‬
‫تدبرت لمَ َأ ُس ِق‬
‫ُ‬ ‫لت ِمن َأ ْم ِري َما ْاس‬ ‫ت ك حَ ِ‬
‫ت ُّلون‪ ،‬ولو ْاستَق َب ُ‬ ‫لوال َهدْ يِي لحََ َل ْل ُ ماَ‬
‫فح ُّلوا»(‪.)92‬‬‫َاهلدْ ى؛ ِ‬
‫َ‬
‫وقرت أعينهم بمقال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله‬
‫فطابت قلوهبم‪َّ ،‬‬
‫وح ُّلوا‪ ،‬ولبسوا ثياهبم‪ ،‬وتطيبوا بطيبهم‪ ،‬وأفضوا إىل‬
‫وسلم ذلك‪ ،‬وقصرَّ وا َ‬
‫نسائهم‪ ،‬وسمعوا وأطاعوا‪ ،‬كام هو شأهنم أبدً ا مع رسول اهلل صىل اهلل عليه‬

‫كأنك ‪63‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫املروة قد ً‬

‫ميا‬
‫املروة قد ً‬
‫‪ 64‬كأنك‬
‫معه‬
‫يف مكة‬ ‫كأنك معه‬

‫وآله وسلم‪ ،‬فريض اهلل عنهم وأرضاهم‪.‬‬


‫وقام سرُ اقة بن مالك بن ُج ْع ُشم ريض اهلل عنه‪ ،‬وهو يف أسفل املروة‪،‬‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أرأيت متعتنا لعامنا هذا‪ ،‬أم ألبد األبد؟ فش َّبك‬ ‫فقال‪ :‬يا‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم أصابعه واحدة يف أخرى‪ ،‬وقال‪« :‬ال‪ ،‬بل‬
‫ألبد ٍ‬
‫أبد‪ ،‬ال ‪ ،‬بل ألبد أبد‪ ،‬ال‪ ،‬بل ألبد أبد‪ ،‬دخلت العمرة يف احلج إىل يوم‬
‫القيامة»(‪.)93‬‬
‫ثم قال سرُ اقة‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬بينِّ لنا ديننا كأنا خلقنا اآلن‪ ،‬فيم العمل‬
‫اليوم؟ أفيام ج َّفت به األقالم وجرت به املقادير‪ ،‬أم فيام نستقبل؟ قال‪:‬‬
‫«ال‪ ،‬بل فيام ج َّفت به األقالم وجرت به املقادير»‪ .‬قال‪ :‬ففيم العمل؟ قال‪:‬‬
‫«اعملوا؛ فكل ُم َيسرَّ ملا ُخلق له»(‪.)94‬‬
‫بقي أن نتذكَّر أن هذا األعرايب ا ُملدْ لجِ ي الذي يسائل َّ‬
‫النبي صىل اهلل عليه‬
‫وآله وسلم هذه املساءلة‪ ،‬هو ذاك الذي كان قبل عرش سنني يركض فرسه‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم يف طريق اهلجرة‪ ،‬يريد أن‬
‫شاهرا رحمه يالحق َّ‬
‫ً‬
‫لمن أرس حممدً ا أو‬
‫يظفر به ح ًّيا أو ميتًا؛ فينال به جائزة قريش التي ستعطيها َ‬
‫قتله(‪ ،)95‬وها هو اليوم يقف بني يدي النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم مؤمنًا‬
‫يسأل عن أمر دينه وعمله وآخرته‪ ،‬وصدق اهلل‪( :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ) [آل عمران‪.]103:‬‬

‫كأنك ‪65‬‬
‫معه‬
‫الطريق من املدينة‬

‫مقربة املعالة‬
‫ا َ‬
‫حل‬
‫ُجون‬

‫خريطة الدخول �إىل مكة‬


‫‪ 66‬كأنك‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫الأبطح قد ً‬

‫‪ 68‬كأنك‬
‫معه‬
‫بمن معه حتى نزل باألَ ْب َطح رشق مكة‪،‬‬
‫سار صىل اهلل عليه وآله وسلم َ‬
‫وهو مكان فسيح واسع به آبار مياه لسقيا الناس‪ ،‬فهو األرفق لنزول هذا‬
‫اجلمع العظيم‪ ،‬ويشمل األبطح اليوم ما يسمى «املعابدة» و«اجلميزة» إىل‬
‫«الحْ َ ُج ْون»‪ ،‬وكان منزل النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم فيام يعرف اليوم‬
‫حل ُجون‪.‬‬
‫باجلعفرية‪ ،‬وهي أدنى األبطح إىل ا َ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم بأصحابه‪ ،‬وكانوا عىل احلال‬ ‫نزل‬
‫التي وصفتها أسامء بنت أيب بكر ريض اهلل عنهام‪ ،‬قالت وهي تشري إىل‬
‫منزهلم‪ :‬نزلنا مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ها هنا‪ ،‬ونحن خفاف‬
‫احلقائب‪ ،‬قليل ظهرنا‪ ،‬قليلة أزوادنا(‪.)96‬‬
‫وأقام صىل اهلل عليه وآله وسلم بالناس يف األبطح أربعة أيام؛ يوم‬
‫األحد واالثنني والثالثاء واألربعاء‪ ،‬وكان رفي ًقا بالناس‪ ،‬ومن رفقه هبم‬
‫أنه مل يذهب إىل املسجد احلرام والكعبة املرشفة خالل تلك املدة(‪)97‬؛ ألنه‬
‫لو ذهب لسارت معه هذه اجلموع العظيمة‪ ،‬ولشق ذلك عليهم‪ ،‬ولكن‬

‫كأنك ‪69‬‬
‫معه‬
‫الأبطح حدي ًثا‬

‫الأبطح حدي ًثا‬

‫‪ 70‬كأنك‬
‫معه‬
‫يف األبطح‬ ‫كأنك معه‬

‫صلىَّ هبم هناك يف األبطح‪ ،‬وهذا دليل من أدلة كثرية عىل أن احلرم كله ُّ‬
‫حمل‬
‫خاصا بمسجد الكعبة‪.‬‬
‫مضاعفة الصالة‪ ،‬وليس ذلك ًّ‬
‫وكان صىل اهلل عليه وآله وسلم قري ًبا من الناس‪ ،‬والناس قريبون منه‪،‬‬
‫هيابه كل أحد ويدنو منه كل أحد؛ يسعهم باخللق العظيم الذي جبله عليه‬
‫ربه‪ ،‬فحدَّ ث أبو ُج َحيفة ريض اهلل عنه عن مشهد من مشاهده مع النبي‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم أيامه تلك‪ ،‬وكان يومها غال ًما يف نحو العارشة من‬
‫عمره‪ ،‬فقال‪ :‬خرج رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم باهلاجرة‪ ،‬وعليه حلة‬
‫شم ًرا‪ ،‬كأين أنظر إىل َب ِريق ساقيه‪ ،‬فصلىَّ بالناس ركعتني‪ ،‬فلام قىض‬
‫محراء ُم ِّ‬
‫صالته قام الناس إليه‪ ،‬فجعلوا يأخذون بيديه فيمسحون هبا وجوههم‪،‬‬
‫فأخذت بيده فوضعتها عىل وجهي‪ ،‬فإذا هي أبرد من الثلج‪ ،‬وأطيب رائح ًة‬
‫ُ‬
‫من املسك‪.‬‬
‫وكان صىل اهلل عليه وآله وسلم يف قبة محراء يف األبطح‪ ،‬فإذا توضأ‬
‫فمن‬‫لصالته خرج بالل ريض اهلل عنه ببقية َوضوئه فيفيضها عىل الناس‪َ ،‬‬
‫متسح به‪ ،‬و َمن مل ُي ِصب منها أصاب من بلل صاحبه‪،‬‬‫أصاب منها شي ًئا َّ‬
‫يبغون بركة رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬ثم خيرج ٌ‬
‫بالل ريض اهلل‬
‫عنه ومعه حربة قصرية‪ ،‬فيغرزها لتكون سرتة للنبي صىل اهلل عليه وآله‬
‫وسلم إذا صلىَّ ‪ ،‬ثم خيرج صىل اهلل عليه وآله وسلم فيصليِّ هبم(‪.)98‬‬
‫وتتابع إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يف األبطح َمن مل يدركه‬
‫عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه قاد ًما من‬
‫يف الطريق‪ ،‬وكان ممن أتاه هناك ُّ‬
‫اليمن‪ ،‬وكان صىل اهلل عليه وآله وسلم قد بعثه قبل حجة الوداع ليقبض‬

‫كأنك ‪71‬‬
‫معه‬
‫اجلعفرية حيث نزل النبي �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم من الأبطح‬

‫اجلعفرية‬

‫‪ 72‬كأنك‬
‫معه‬
‫يف األبطح‬ ‫كأنك معه‬

‫اخلمس‪ ،‬فقدم من سعايته حمر ًما بإحرا ٍم كإحرام رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫وآله وسلم‪ ،‬فلام دخل ريض اهلل عنه عىل زوجه فاطمة بنت رسول اهلل‪-‬‬
‫وكانت قد حلت من عمرهتا‪ -‬وجدها قد لبست ثيا ًبا مصبوغة‪ ،‬واكتحلت‪،‬‬
‫وطيبت بيتها‪ ،‬فعجب من حاهلا‪ِ ،‬‬
‫وح ِّلها من إحرامها‪ ،‬وسأهلا عن ذلك‪،‬‬ ‫َّ‬
‫حمر ًشا أباها عليها‪ ،‬كام يصنع َّ‬
‫الش َب َبة‬ ‫عيل ِّ‬
‫فقالت‪ :‬أيب أمرين بذلك‪ .‬فذهب ٌّ‬
‫من األزواج‪ ،‬فأخرب رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم أن فاطمة قد ح َّلت‬
‫واكتحلت ولبست ثيا ًبا صبي ًغا‪ ،‬وزعمت أنك أمرهتا بذلك يا رسول اهلل‪.‬‬
‫رتا‬ ‫قت‪ ،‬أنا َأم هُ‬
‫قت‪ ،‬صدَ ْ‬ ‫قت‪ ،‬صدَ ْ‬ ‫«صدَ ْ‬ ‫فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم‪َ :‬‬
‫قلت‪ :‬اللهم إين ُأ ِه ُّل‬
‫ت؟»‪ .‬قال‪ُ :‬‬ ‫بِ ِه»‪ .‬ثم قال لعيل ريض اهلل عنه‪« :‬بم َأه َل ْل َ‬
‫بام َأه َّل به رسو ُلك‪ .‬وكان معه اهلدي‪ ،‬فقال له‪« :‬فال حَ ِ‬
‫ت َّل»(‪.)99‬‬ ‫َ‬
‫وجاء أبو موسى األشعري ريض اهلل عنه إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫بإهالل كإهالل النبي صىل اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫أهللت؟»‪ .‬قال‪:‬‬ ‫َ‬ ‫وآله وسلم‪ ،‬فقال له‪« :‬بم‬
‫ف‬‫ت َهدْ ًيا؟»‪ .‬قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪« :‬فانْطلِ ْق َف ُط ْ‬ ‫عليه وآله وسلم‪ .‬قال‪« :‬هل ُس ْق َ‬
‫وة‪ُ ،‬ث َّم ِح َّل»(‪.)100‬‬
‫ت وبني الص َفا وا َملر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َّ‬
‫بالبي ِ‬
‫َْ‬
‫ومع انشغاله صىل اهلل عليه وآله وسلم بأمر الناس‪ ،‬واستغراقه يف القيام‬
‫بشؤوهنم‪ ،‬فإنه مل يغفل تفقد أصحابه ورعايتهم؛ فها هو يذهب إىل سعد بن‬
‫أيب وقاص ريض اهلل عنه يعوده من مرض اشتد به‪ ،‬فلام دخل عليه وجده‬
‫وج ًعا قد َأ ْش َفى عىل املوت‪ ،‬فلام رأى َّ‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم بكى‪،‬‬
‫فقال له رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪« :‬ما يبكيك؟»‪ .‬قال‪ :‬خشيت‬
‫أن أموت باألرض التي هاجرت منها‪ ،‬كام مات سعد بن َخ ْولة‪ .‬فقال صىل‬

‫كأنك ‪73‬‬
‫معه‬
‫�صورة قدمية للأبطح يف املنطقة املعروفة اليوم باملعابدة‬

‫‪ 74‬كأنك‬
‫معه‬
‫يف األبطح‬ ‫كأنك معه‬

‫اهلل عليه وآله وسلم‪« :‬ال إن شاء اهلل»‪ .‬قال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إنه قد بلغ يب من‬
‫الوجع ما ترى‪ ،‬وأنا ذو مال‪ ،‬وال يرثني إال ابنة يل‪ ،‬أفأتصدق باميل كله؟‬
‫قال‪« :‬ال»‪ .‬قال‪ :‬أفأتصدق بثلثي مايل؟ قال‪« :‬ال»‪ .‬قال‪ :‬فالشطر‪ .‬قال‪« :‬ال»‪.‬‬
‫قال‪ :‬فالثلث‪ .‬قال‪« :‬الثلث‪ ،‬والثلث كثري؛ إنك أن تدع ورثتك أغنياء خري‬
‫من أن تذرهم عالة يتك َّففون َ‬
‫الناس‪ ،‬وإنك لن تنفق نفقة تبتغي هبا وجه اهلل‬
‫إال ُأجرت عليها‪ ،‬حتى اللقمة ترفعها إىل يِف امرأتك»‪ .‬قال‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬
‫ُأ َخ َّل ُ‬
‫ف بعد أصحايب؟ قال‪« :‬عسى اهلل أن يرفعك‪ ،‬وإنك لن خُ َت َّلف فتعمل‬
‫ً‬
‫صاحلا‪ ،‬إال ازددت به درجة ورفعة‪ ،‬ثم لعلك أن خت َّلف حتى َ‬
‫ينتفع بك‬ ‫عملاً‬
‫أقوا ٌم‪ ،‬و ُي رَ َّ‬
‫ض بك آخرون»‪ .‬قال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬فادع اهلل أن يشفيني‪ .‬فوضع‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم يده عىل جبهته‪ ،‬ثم مسح وجهه وصدره وبطنه‪،‬‬
‫ثم قال‪« :‬اللهم اشف سعدً ا‪ ،‬اللهم اشف سعدً ا‪ ،‬اللهم اشف سعدً ا وأمتم له‬
‫هجرته»‪ .‬قال سعد‪ :‬فامزلت أجد برد يده صىل اهلل عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫ثم قال‪« :‬اللهم أمض ألصحايب هجرهتم‪ ،‬وال تردهم عىل أعقاهبم‪،‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‬ ‫البائس سعدُ بن َخ ْولة»؛ َي ْرثِي له‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫لكن‬
‫َأ ْن مات بمكة‪ .‬ثم قال‪« :‬اللهم ارحم ابن َخ ْولة‪ ،‬اللهم ارحم ابن َخ ْولة‪،‬‬
‫اللهم ارحم ابن َخ ْولة»(‪.)101‬‬
‫فصلوات اهلل وسالمه وبركاته عىل هذا النبي الكريم الرؤوف الرحيم‪،‬‬
‫كيف يرعى أصحابه هذه الرعاية‪ ،‬فيمسح بيده الكريمة آالمهم‪ ،‬ويدعو‬
‫ويرتحم عىل موتاهم‪ ،‬ويسكب من سكينة نفسه يف نفوسهم‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ملرضاهم‪،‬‬
‫فتهدأ وهتنأ‪.‬‬

‫كأنك ‪75‬‬
‫معه‬
‫مكان ا‬
‫ع‬ ‫جل‬ ‫ن‬
‫زول فر‬
‫النيب ية‬
‫م‬
‫ب‬‫ن األ‬ ‫ألب‬‫األبطح ا‬ ‫إىل منى‬
‫َكداء‬ ‫طح‬ ‫طح‬
‫طريق‬ ‫ا‬ ‫قصر السقاف‬

‫ألب‬
‫طح‬
‫مق‬
‫ربة‬

‫ا َ‬
‫حل‬
‫املع‬

‫ُجون‬
‫الة‬
‫إ‬
‫ىل ا‬
‫حلرم‬

‫خريطة الأبطح‬

‫‪ 76‬كأنك‬
‫معه‬
‫يف األبطح‬ ‫كأنك معه‬

‫ثم أعجب أن الصادق املصدوق قال لسعد ريض اهلل عنه‪« :‬لعلك أن‬
‫خُ َت َّلف»‪ .‬فعاش سعد بعدها نصف قرن‪ ،‬وتويف هو صىل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫بعدها بثالثة أشهر! وأن سعدً ا الذي كان يقول للنبي صىل اهلل عليه وآله‬
‫وسلم‪ :‬وال يرثني إال ابنة يل‪ .‬قد ُولد له بعدها أربعة وثالثون ابنًا وبنتًا(‪،)102‬‬
‫(ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [األنعام‪.]96:‬‬
‫وهكذا بقي صىل اهلل عليه وآله وسلم يف األبطح قري ًبا من الناس‪ ،‬دان ًيا‬
‫الناس‬
‫َ‬ ‫خطب‬
‫َ‬ ‫إليهم‪ ،‬مع ِّلماً ومب ِّينًا ما يعرض هلم‪ ،‬فلام كان يف اليوم السابع‬
‫بعد صالة الظهر‪ ،‬فأخربهم بمناسكهم‪ ،‬وع َّلمهم أحكام حجهم(‪.)103‬‬
‫حتى إذا كان يوم الرتوية ركب صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل منى ضحى‪،‬‬
‫وأحرم الذين كانوا قد حلوا معه من األبطح مه ِّلني باحلج حني انبعثت‬
‫هبم رواحلهم‪ ،‬وجعلوا ظهورهم إىل مكة‪ ،‬متوجهني إىل منى‪ ،‬فصلىَّ بمنى‬
‫الظهر والعرص واملغرب والعشاء والفجر؛ يقرص الرباعية ركعتني‪ ،‬ويصليِّ‬
‫كل صالة يف وقتها(‪.)104‬‬
‫وكأنام كان هذا النفري إىل منى يوم الرتوية هتيئة وإعدا ًدا للنفري إىل عرفات‬
‫يف يوم عرفة‪ ،‬ليستتم أعامل احلج ومناسكه قائدً ا أمته إىل إرث أبيهم إبراهيم‬
‫عليه السالم‪ ،‬قائلاً ‪« :‬خذوا عني مناسككم»(‪ ،)105‬وله يف كل موقف عربة‪،‬‬
‫ويف كل مشهد آية‪ ،‬فصلوات اهلل عىل عبده ونبيه حممد خري مع ِّلم للناس‬
‫اخلري‪.‬‬

‫كأنك ‪77‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫عرفة قد ً‬

‫‪ 78‬كأنك‬
‫معه‬
‫خريطة الطريق �إىل عرفة‬

‫‪ 80‬كأنك‬
‫معه‬
‫أرشقت الشمس عىل خري يوم طلعت عليه الشمس‪ ،‬يوم اجلمعة يوم‬
‫عرفة‪ ،‬التاسع من ذي احلجة‪ ،‬والسابع من شهر مارس آذار‪ ،‬سنة عرش من‬
‫اهلجرة‪ ،‬وسار الركاب الرشيف من منى إىل عرفات‪ ،‬ومجوع احلجيج تسري‬
‫معه‪ ،‬سار صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬وال يظن قومه إال أنه سيقف معهم يف‬
‫مزدلفة‪ -‬كام كان شأهنم يف اجلاهلية‪ ،‬حيث جعلوا ألنفسهم موق ًفا ًّ‬
‫خاصا‬
‫ومتيزا‬
‫يقفون فيه‪ ،‬وال يقفون مع الناس يف عرفة؛ إذ يرون ألنفسهم مكانة ً‬
‫جلوارهم بيت اهلل‪ ،‬وأهنم بذلك ال يشاركون الناس يف الوقوف يف عرفات‪-‬‬
‫ولكن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم الذي جاء بدينه للعاملني‪ ،‬ومل‬
‫جيئ به لفئة من الناس يميزهم‪ ،‬ولو كانوا قومه وعشريته‪ ،‬جتاوزهم وسار‬
‫ليقف مع الناس(‪)106‬؛ عملاً بقول ربه‪( :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ)(‪[ )107‬البقرة‪.]199:‬‬
‫ب(‪،)108‬‬
‫فأفاض صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل عرفات من طريق َض ٍّ‬
‫ومعه أصحابه‪ ،‬هلم َض ِج ْي ٌج بالذكر‪ ،‬فمنهم املل ِّبي‪ ،‬ومنهم ا ُمل ِه ُّل‪ ،‬ومنهم‬

‫كأنك ‪81‬‬
‫معه‬
‫طريق �ضب‬

‫طريق �ضب‬

‫‪ 82‬كأنك‬
‫معه‬
‫على صعيد عرفات‬ ‫كأنك معه‬

‫املكبرِّ ‪ ،‬ال ينكر أحد منهم عىل صاحبه(‪ ،)109‬حتى وصل إىل «ن َِم َرةَ»‪ ،‬فإذا قبة‬
‫من شعر قد رُضبت لـه هناك‪ ،‬فجلس فيها‪ ،‬حتى إذا زالت الشمس‪ ،‬ركب‬
‫راحلته القصواء بعد الزوال مبارشة‪ ،‬يف قرابة الساعة الثانية عرشة والنصف‬
‫بتوقيت مكة يف شهر مارس آذار‪ ،‬ثم نزل هبا إىل بطن «وادي ُع َرنَة»‪ ،‬وهو‬
‫أرض َد ِم َث ٌة فسيحة‪ ،‬يسهل اجتامع الناس عليها وجلوسهم فيها‪ ،‬فاجتمع‬
‫الناس حوله يف بطن الوادي‪ ،‬فأرشف صىل اهلل عليه وآله وسلم عىل‬
‫الر ْحل‪،‬‬ ‫الناس‪ ،‬وقد أمكن قدميه يف الغرز‪ ،‬واعتمد بإحدى يديه عىل مقدَّ م َّ‬
‫وباألخرى عىل ُم َؤ َّخره؛ يتطاول بذلك‪ ،‬ونادى‪« :‬يا أهيا الناس‪ ،‬أنصتوا؛‬
‫فإنكم لعلكم ال تروين بعد عامكم هذا»‪َ .‬فأ َص َ‬
‫اخ ْت له املسامع‪ ،‬واشرْ َ َأ َّب ْت‬
‫له األعناق‪ ،‬وخفقت بحبه القلوب‪ ،‬وشخصت إليه العيون تنظر إىل حمياه‪،‬‬
‫وتتل َّقف قوله؛ ليخطبهم خطبة عظيمة‪ ،‬مجع فيها معاقد الدين‪ ،‬وعصم‬
‫امللة‪ ،‬وتعظيم احلرمات‪ ،‬فدوى صوته صىل اهلل عليه وآله وسلم بني أهل‬
‫ِ‬
‫املوقف‪ ،‬حامدً ا اهلل مثن ًيا عليه‪.‬‬
‫«إن دماءكم وأموا َلكم وأعراضكم‪ ،‬حرام عليكم‪ ،‬كح ِ‬
‫رمة‬ ‫ثم قال‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫مر‬ ‫ٍ‬
‫يشء من َأ ِ‬ ‫شهركم هذا‪ ،‬يف ِ‬
‫بلدكم هذا‪ ،‬أال وإن َّ‬
‫كل‬ ‫يومكم هذا‪ ،‬يف ِ‬ ‫ِ‬
‫وإن َّأو َل‬ ‫ِ‬
‫اجلاهلية موضوع ٌة‪َّ ،‬‬ ‫ودماء‬ ‫حتت َقدَ َم َّي هاتني‪،‬‬‫اجلاهلية موضوع َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اجلاهلية‬ ‫وربا‬ ‫ِ‬
‫احلارث بن عبداملطلب‪ِ ،‬‬ ‫ابن ربيع َة ِ‬
‫بن‬ ‫أض ُع ِمن دمائنا د ُم ِ‬ ‫َد ٍم َ‬
‫موضوع‬
‫ٌ‬ ‫عباس ِ‬
‫بن عبد املطلب‪ ،‬فإنه‬ ‫ِ‬ ‫وأول ر ًبا َأض ُعه ِربانَا‪ِ ،‬ربا‬
‫موضوع‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬
‫ُك ُّله‪ ،‬وإن كل ربا موضوع‪ ،‬لكم رؤوس أموالكم‪ ،‬ال تَظلمون وال تُظلمون‪،‬‬
‫قىض اهلل أن ال ربا‪.‬‬

‫كأنك ‪83‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫م�سجد منرة قد ً‬

‫م�سجد منرة حدي ًثا‬

‫‪ 84‬كأنك‬
‫معه‬
‫على صعيد عرفات‬ ‫كأنك معه‬

‫واست َْح َل ْلت ُْم‬ ‫وه َّن بأمانة اهلل‪ْ ،‬‬ ‫أهيا الناس‪ ،‬ا َّت ُقوا اهللَ يف النساء؛ فإنكم َأ َخ ْذتمُ ُ ُ‬
‫هن َع ٍ‬ ‫َ‬
‫وان(‪ )101‬عندكم‪،‬‬ ‫خريا؛ فإنام َّ‬ ‫وج ُه َّن بكلمة اهلل‪ ،‬ألاَ واستوصوا بالنساء ً‬ ‫ُف ُر َ‬
‫منهن شيئًا غري ذلك‪ ،‬إال أن يأتني‬ ‫َّ‬ ‫ألنفسهن شيئًا‪ ،‬وليس متلكون‬ ‫َّ‬ ‫ال َي ْملِك َْن‬
‫بفاحشة مب ِّينة‪ ،‬وإن لكم عىل نسائكم ح ًّقا‪ ،‬ولنسائكم عليكم ح ًّقا‪ ،‬فأما‬
‫حقكم عىل نسائكم‪ :‬فال ُيوطِئ َْن ُف ُر َشك ُْم أحدً ا تكرهون‪ ،‬وال يأ َذ َّن يف بيوتكم‬
‫إليهن يف كسوهتن وطعامهن‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وحقه َّن عليكم أن حتسنوا‬ ‫ُ‬ ‫َملن تكرهون‪َ ،‬ألاَ‬
‫ِ‬ ‫ْ ِ‬
‫وارضبوهن رض ًبا‬‫َّ‬ ‫وه َّن يف املضاجع‪،‬‬ ‫واه ُج ُر ُ‬
‫وه َّن‪ْ ،‬‬‫فإن خ ْفت ُْم ن ُُشوز َُه َّن فع ُظ ُ‬
‫كت فيكم َما‬ ‫عليهن سبيلاً ‪ ،‬وإين قد َتر ُ‬ ‫َّ‬ ‫بحٍ ‪ ،‬فإن أطعنكم‪ ،‬فال تبغوا‬ ‫غري ُم رَِّ‬
‫َ‬
‫كتاب اهللِ‪ ،‬أال وإين َف َرطكم عىل احلوض‪،‬‬ ‫َ‬ ‫إن اعت ََص ْمتُم به؛‬ ‫َل ْن ت َِض ُّلوا بعدَ ه ِ‬
‫وم ْس َتنْ َق ٌذ‬ ‫ِ‬
‫تسودوا وجهي‪ ،‬أال وإين ُم ْس َتنْق ٌذ ً‬
‫أناسا‪ُ ،‬‬ ‫األمم‪ ،‬فال ِّ‬ ‫َ‬ ‫وأكاثر بكم‬‫ُ‬
‫أناس‪ ،‬فأقول‪ :‬يا رب‪ُ ،‬أ َص ْيحايب؟! فيقول‪ :‬إنَّك ال تَدْ ري ما أحدثوا‬ ‫مني ٌ‬
‫فإن قد ب َّلغت»(‪.)111‬‬ ‫بعدَ ك‪ ،‬فاعقلوا أهيا الناس واسمعوا قويل‪ ،‬يِّ‬
‫ثم أقبل صىل اهلل عليه وآله وسلم عىل هذه اجلموع يستشهدهم شهادة‬
‫ويقررهم بجواب السؤال إذا ُسئلوا يوم‬
‫عظيمة‪ ،‬شهادة البالغ واألداء‪ِّ ،‬‬
‫القيامة؛ (ﮉﮊﮋﮌﮍﮎ) [األعراف‪]6:‬‬
‫ون َعنِّي‪َ ،‬فماَ َأنتُم َقائِ َ‬
‫لون؟»‪.‬‬ ‫«وأنت ُْم ت َ‬
‫ُسأ ُل َ‬ ‫قائل‪َ :‬‬
‫أال ما أعظم السؤال! وما أعظم املقام! ثالث وعرشون سنة قضاها‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يف بالغ ودعوة‪ ،‬وصرب ومصابرة‪،‬‬
‫وجهد وجهاد‪ُ ،‬أ ْخ ِر َج يف سبيل بالغ رساالت اهلل من بلده‪ ،‬وهي أحب‬
‫البالد إليه‪ ،‬وقوتل يف بدر‪ ،‬وأصيب يف أحد‪ ،‬وحورص يف اخلندق‪َ ،‬‬
‫وشدَّ عىل‬

‫كأنك ‪85‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫عرفة قد ً‬

‫‪ 86‬كأنك‬
‫معه‬
‫على صعيد عرفات‬ ‫كأنك معه‬

‫وصدَّ عن البيت‪ ،‬و ُقتِل أقاربه وأقرب الناس إليه‬


‫بطنه حجرين من اجلوع‪ُ ،‬‬
‫بني يديه‪ ،‬كل ذلك بال ًغا للدين وأدا ًء للرسالة‪ ،‬ومع ذلك يسأل ويستشهد‬
‫عىل بالغه أمته‪ ،‬فأجابته هذه اجلموع ك ُّلها باجلواب الذي ال يمكن أن جتيب‬
‫بغريه‪ ،‬وشهدت بالشهادة التي ال حيق هلا أن تشهد بسواها‪ ،‬نطقت هذه‬
‫اجلموع بفم واحد‪ :‬نشهد أنك قد ب َّلغت رساالت ربك‪ ،‬ونصحت ألمتك‪،‬‬
‫وقضيت الذي عليك‪ .‬فرفع صىل اهلل عليه وآله وسلم إصبعه الرشيفة إىل‬
‫السامء‪ ،‬وجعل َينْ ُكتُها إىل الناس(‪ ،)112‬وهو يقول‪« :‬ال َّل ُه َّم ْاش َهدْ ‪ ،‬ال َّل ُه َّم‬
‫ْاشهدْ ‪ ،‬ال َّل ُه َّم ْاشهدْ »(‪.)113‬‬
‫ونحن اليوم بعد ألف وأربعامئة سنة نشهد للرسول صىل اهلل عليه وآله‬
‫وسلم بام شهد له به أصحابه ريض اهلل عنهم‪ ،‬أنه قد ب َّلغ الرسالة وأ َّدى‬
‫األمانة‪ ،‬ونصح األمة‪ ،‬وتركنا عىل املحجة البيضاء‪ ،‬ال يزيغ عنها إال هالك‪،‬‬
‫فصلىَّ اهلل وس َّلم وبارك عليه‪.‬‬
‫وكان من عجائب هذا املوقف أن الذي كان يب ِّلغ عن رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وآله وسلم للناس‪ ،‬ويرصخ فيهم بمقاله‪ ،‬هو َربيعة بن أمية بن خلف‬
‫ريض اهلل عنه‪ ،‬وكان رجلاً ص ِّيتًا‪ ،‬يقول له ُّ‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‪:‬‬
‫«ارصخ بكذا‪ ،‬ارصخ بكذا»‪ .‬فيرصخ به للناس‪ُ ،‬يسمع َمن َب ُعدَ منهم‪.‬‬
‫هذا ابن أمية بن خلف الذي ُقتل أبوه يف بدر َهبرْ ً ا بالسيوف‪ ،‬وهو‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬فإذا ابنه يب ِّلغ عن رسول اهلل‬
‫َ‬ ‫يقاتل‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم ويرصخ يف الناس بكلامته‪ ..‬أال إهنا أنوار النبوة‬
‫ات اجلاهلية يف القلوب التي كانت تتوارث‬ ‫وهدي الرسالة‪ ،‬أطفأت تِر ِ‬
‫َ‬

‫كأنك ‪87‬‬
‫معه‬
‫وادي عرنة‬

‫وادي عرنة‬

‫‪ 88‬كأنك‬
‫معه‬
‫على صعيد عرفات‬ ‫كأنك معه‬

‫احلقد‪ ،‬وتستعر فيها حرارة الثأر‪ ،‬فتبدَّ لت وعادت خل ًقا آخر‪ ،‬ملا هطلت‬
‫عليها فيوض النبوة‪ ،‬فـ (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ)‬
‫[احلج‪ ،]5 :‬فإذا رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم أحب إليهم من آبائهم‬
‫وأمهاهتم وقلوهبم التي بني جوانحهم؛ (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ)‬
‫[األنعام‪.]88 :‬‬
‫فرغ رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم من خطبته‪َ ،‬فأ َّذ َن ٌ‬
‫بالل ريض‬
‫اهلل عنه بنداء واحد‪ ،‬ثم أقام فصلىَّ الظهر‪ ،‬ثم أقام فصلىَّ العرص‪ ،‬ومل ِّ‬
‫يصل‬
‫بينهام شي ًئا‪ ،‬فصلىَّ رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم الظهر والعرص ً‬
‫قرصا‬
‫ومج ًعا مجع تقديم(‪.)114‬‬
‫وكأنام بكَّر صىل اهلل عليه وآله وسلم بالرواح‪ ،‬وقرص اخلطبة ومجع‬
‫الصالة؛ ليفرغ هو والناس عشية يومهم العظيم املبارك للذكر والدعاء‬
‫واملسألة‪.‬‬
‫عند جبل الرمحة‪:‬‬
‫ويسمى‬
‫َّ‬ ‫ثم ركب راحلته‪ ،‬ودفع إىل عمق عرفة عند جبل إِلاَ ٍل‪،‬‬
‫اليوم‪ :‬جبل الرمحة‪ ،‬فوقف عىل راحلته عند ذيل اجلبل‪ ،‬وجعل بطن ناقته‬
‫القصواء إىل الصخرات واجلبل بني يديه‪ ،‬واستقبل القبلة راف ًعا يديه داع ًيا‬
‫وملب ًيا(‪.)115‬‬
‫وكان صىل اهلل عليه وآله وسلم مع وقوفه يف مقامه ذلك قائماً بأمر‬
‫وتوجيها وداللة‪ ،‬يأتيه ناس من أهل نجد يسألونه‬
‫ً‬ ‫الناس‪ ،‬تعليماً ورعاية‬

‫كأنك ‪89‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫جبل عرفة قد ً‬

‫ميا‪ ،‬ويف ال�صورة امل�سجد املقام على مكان وقوف‬


‫جبل عرفة قد ً‬
‫النبي �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم عند اجلبل‬

‫‪ 90‬كأنك‬
‫معه‬
‫على صعيد عرفات‬ ‫كأنك معه‬

‫عن احلج‪ ،‬فيقول هلم‪َ :‬‬


‫«احل ُّج َع َر َف ُة»(‪.)116‬‬
‫ف»(‪.)117‬‬ ‫فت هاهنا‪ ،‬وعرف ُة ُك ُّلها م ِ‬
‫وق ٌ‬ ‫وخياطب الناس قائلاً ‪« :‬و َق ُ‬
‫َ‬
‫األنصاري ريض اهلل‬
‫َّ‬ ‫وأرسل للناس وهم يف فجاج عرفة اب َن ِم ْر َب ٍع‬
‫رسول اهللِ إليكم‪ ،‬يقول لكم‪« :‬كُونُوا علىَ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول‬ ‫عنه‪ ،‬يرصخ بالناس‪ :‬إين‬
‫إبراهيم»(‪.)118‬‬ ‫إرث ِمن ِ‬
‫إرث أبيكم‬ ‫ٍ‬ ‫م ِ‬
‫شاع ِرك ُْم؛ فإنَّكم علىَ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ومن مل جيد‬ ‫وخياطب الناس قائلاً ‪َ :‬‬
‫«من مل جيد اإلزار فليلبس الرساويل‪َ ،‬‬
‫النعلني فليلبس اخلفني»(‪.)119‬‬
‫ويسقط رجل من أهل املوقف عن راحلته عند الصخرات‪ ،‬فتنفصم‬
‫رجل من ِغامر الناس‪ ،‬ال نعرف اسمه وال قبيلته وال بلده‪،‬‬
‫عنقه ويموت؛ ٌ‬
‫ولكن ربه الذي خلقه يعلم حاله وإليه مآله‪ ،‬فيقول النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسدْ ٍر‪ ،‬و َك ِّفنُوه يف َث ْو َب ْي ِه‪ ،‬وال تمَ َ ُّسو ُه بِطِ ٍ‬
‫يب‪ ،‬وال‬ ‫بامء ِ‬
‫وآله وسلم‪« :‬ا ْغ ِسلوه ٍ‬
‫ِ‬
‫القيامة ُمل ِّب ًيا»(‪.)120‬‬ ‫ث يو َم‬ ‫خُت ِّم ُروا َ‬
‫رأسه؛ فإنَّه ُيب َع ُ‬
‫بارزا للناس‪،‬‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يف موقفه ذلك ً‬ ‫ُ‬ ‫وكان‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫مرش ًفا عليهم‪ ،‬جييئه أعرايب من قيس‪ ،‬يقال له‪ :‬ابن ا ُملنْت َِفق‪ُ .‬و ِصف له‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬فتط َّلبه حتى لقيه بعرفات‪ ،‬قال‪ :‬فزامحت‬
‫جل‪َ ،‬أ َر ٌب ما َل ُه»‪ .‬قال‪ :‬فزامحت‬
‫الر َ‬
‫عليه‪ ،‬فقيل يل‪ :‬إليك عنه‪ .‬فقال‪َ « :‬د ُعوا َّ‬
‫حتى خلصت إليه‪ ،‬فأخذت بخطام راحلته‪ ،‬حتى اختلفت عنق راحلته‬
‫عيل‪ ،‬فقلت‪ :‬شيئان أسألك عنهام‪ :‬ما ينجيني من النار‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وراحلتي‪ ،‬فام غيرَّ‬
‫وما يدخلني اجلنة؟ قال‪ :‬فنظر إىل السامء‪ ،‬ثم أقبل إ َّيل بوجهه الكريم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫لت‪ ،‬فا ْع ِق ْل َع يَ َّل‪ :‬ا ْع ُب ِد اهللَ‪ ،‬ال‬
‫وطو َ‬
‫مت َّ‬ ‫كنت َأ ْو َجز َ‬
‫ْت ا َملسأل َة‪َ ،‬لقدْ أع َظ َ‬ ‫ئن َ‬‫« َل ْ‬

‫كأنك ‪91‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫جبل عرفة قد ً‬

‫‪ 92‬كأنك‬
‫معه‬
‫على صعيد عرفات‬ ‫كأنك معه‬

‫الصال َة ا َملكتوب َة‪َ ،‬‬ ‫ُتشرْ ِ ْك بِ ِه َشيئًا‪ِ َ ،‬‬


‫رمضان‪،‬‬
‫َ‬ ‫وأ ِّد الزَّكا َة ا َملفروض َة‪ُ ،‬‬
‫وص ْم‬ ‫وأق ِم َّ‬ ‫ْ‬
‫كرهت أن َ‬
‫يفعل‬ ‫َ‬ ‫الناس بك من خري فافعله هبم‪ ،‬وما‬ ‫أحببت أن َ‬
‫يفعل ُ‬ ‫َ‬ ‫وما‬
‫الناس منه‪ِّ ،‬‬
‫خل زما َم راحلتي»(‪.)121‬‬ ‫رش فدع َ‬‫الناس بك من ٍّ‬
‫ُ‬
‫املوقف يطيفون برسول اهلل صىل اهلل عليه‬‫وجاء األعراب الذين وافوا ِ‬
‫وآله وسلم‪ ،‬ويدنون إليه لريوا حمياه‪ ،‬فإذا استنار هلم وجهه‪ ،‬قالوا‪ :‬هذا‬
‫الوجه املبارك(‪.)122‬‬
‫وينزل الروح األمني عليه السالم عىل قلب حممد صىل اهلل عليه وآله‬
‫الشا َّذة‬
‫وسلم بالوحي من ربه يف هذا املوقف العظيم هبذه اآلية العظيمة َّ‬
‫الفا َّذة‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ) [املائدة‪ .]3:‬فسرُ ِّ ي عن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪،‬‬
‫فقرأها عىل الناس‪ ،‬معلنًا كامل الدين ومتام النعمة‪ ،‬وعبودية البرش باإلسالم‬
‫عمر ريض اهلل عنه‬
‫الذي رضيه هلم رهبم‪ ،‬ومل يرض هلم سواه‪ ،‬فلام سمعها ُ‬
‫فقهها واستشعر من معناها أن مهمة رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم قد‬
‫انتهت بكامل الدين‪ ،‬وأنه يوشك أن يلحق بربه الذي أرسله‪ ،‬فاستعرب باك ًيا‪،‬‬
‫عمر؟»‪ .‬قال‪ :‬يا‬‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪« :‬ما يبكيك يا ُ‬‫ُ‬ ‫فقال له‬
‫ٍ‬
‫زيادة من ديننا‪ ،‬فأما إذا كمل‪ ،‬فليس بعد الكامل‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أبكاين أنَّا كنا يف‬
‫إال النقصان‪ .‬فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم‪« :‬صدقت»(‪.)123‬‬
‫أما رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬فقد قىض عشية يومه ذلك‬
‫يف حال من الترضع واللهج بالدعاء‪ ،‬حتى ظن أصحابه أنه قد صام يومه‬
‫ذلك؛ ملا رأوا من انقطاعه للعبادة والدعاء‪ ،‬فأرسلت إليه أم الفضل بن‬

‫كأنك ‪93‬‬
‫معه‬
‫جبل �إالل املعروف بجبل الرحمة‪ ،‬وموقف النبي �صلى اهلل‬
‫عليه و�آله و�سلم عنده بني اللوحتني تقري ًبا‬

‫موقف النبي �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم بني اللوحتني تقري ًبا‬

‫‪ 94‬كأنك‬
‫معه‬
‫على صعيد عرفات‬ ‫كأنك معه‬

‫العباس ريض اهلل عنهم بقدح لبن‪ ،‬وهو واقف عىل بعريه‪ ،‬فرشب منه‬
‫والناس ينظرون إليه(‪ ،)124‬وكان يف دعائه راف ًعا يديه إىل صدره‪ ،‬حتى‬
‫منكرسا لربه عز‬
‫ً‬ ‫رؤي بياض إبطيه‪ ،‬باس ًطا كفيه كاستطعام املسكني(‪،)125‬‬
‫وجل‪ ،‬خاض ًعا خاش ًعا متذلِّلاً له‪ ،‬مستغر ًقا يف مناجاته‪ ،‬كأنام يسارع حلظات‬
‫هذا اليوم أن تفلت حلظة ال َي ْل َه ُج فيها بذكر أو ُي ِل ُّظ فيها بدعوة‪ ،‬حتى إنه‬
‫عندما اضطربت به راحلته‪ ،‬فسقط خطامها تناوله بيد‪ ،‬وأبقى يده األخرى‬
‫مبسوطة يدعو هبا(‪.)126‬‬
‫هلجا بالثناء عىل اهلل هتليلاً وحتميدً ا وتلبية‪:‬‬
‫وكان صىل اهلل عليه وآله وسلم ً‬
‫امللك‪ ،‬وله احلمدُ ‪ ،‬وهو عىل كل ٍ‬
‫يشء‬ ‫رشيك له‪ ،‬له ُ‬‫َ‬ ‫«ال إل َه إال اهللُ وحدَ ه ال‬
‫قدير‪ ،‬لبيك اللهم لبيك‪ ،‬لبيك ال رشيك لك لبيك‪ ،‬إن احلمدَ لك والنعم َة‬ ‫ٌ‬
‫احل ِّق لبيك»‪ .‬وكأنام جاشت أشواق‬ ‫لبيك إل َه َ‬
‫رشيك لك‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫لك وامللك‪ ،‬ال‬
‫فسمع عشية‬ ‫الرسول صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬واسترشف قرب األجل‪ُ ،‬‬
‫«لبيك‪ ،‬لاَ َع ْي َش إِلاَّ َع ْي َش آْال ِخ َر ْه»(‪.)127‬‬
‫َ‬ ‫ذلك اليوم وهو يزيد يف تلبيته‪:‬‬
‫ُ‬
‫ورسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم عىل‬ ‫وتقضت ساعات النهار‪،‬‬
‫َّ‬
‫حاله تلك‪ ،‬خشوع وخضوع‪ ،‬وهلج بالدعاء والذكر‪ ،‬حتى إذا تناهى النهار‬
‫دعا بأسامة بن زيد ريض اهلل عنهام‪ ،‬ليكون ردفه‪ ،‬فتنادى الناس يدعون‬
‫وارشأ َّبت أعناق األعراب ينتظرون هذا الذي حظي برشف ردف‬‫َ‬ ‫أسامة‪،‬‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬وظنوه رجلاً من كبار أصحاب النبي صىل‬
‫اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬فام فجأهم إال وشاب أسود يتو َّثب ناقة النبي صىل اهلل‬

‫كأنك ‪95‬‬
‫معه‬
‫خريطة الطريق �إىل مزدلفة‬

‫‪ 96‬كأنك‬
‫معه‬
‫على صعيد عرفات‬ ‫كأنك معه‬

‫عليه وآله وسلم‪ ،‬ثم يلتزمه من خلفه‪ ،‬ليكون له من بني أهل املوقف كلهم‬
‫رشف االرتداف مع النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬فقال حدثاء العهد‬
‫باإلسالم متعجبني‪ :‬أهذا الذي َح َب َسنا ابتغاؤه(‪ !)128‬وكأنام كان رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم هبذا االنتخاب واالختيار يعلن حتطيم الفوارق‬
‫بني البرش‪ ،‬ويدفن حتت مواطئ راحلته النعرات اجلاهلية‪ ،‬والفوارق‬
‫الطبقية‪ ،‬والنزعات العنرصية؛ ليعلن بطريقة عملية أنه‪« :‬ال فضل لعريب‬
‫عىل َع َجمي‪ ،‬وال ألبيض عىل أسود‪ ،‬إال بالتقوى»‪.‬‬
‫ثم نظر صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل الشمس‪ ،‬وقد تد َّلت للغروب مثل‬
‫الرتس‪ ،‬فقال‪« :‬أهيا الناس‪ ،‬إنه مل يبق من دنياكم فيام مىض منها‪ ،‬إال كام بقي‬
‫من يومكم هذا فيام مىض منه»(‪.)129‬‬
‫فلام آذنت الشمس بالغروب‪ ،‬أقبل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله‬
‫الل‪َ ،‬أن ِ‬
‫وسلم عىل بالل ريض اهلل عنه‪ ،‬فقال‪« :‬يا بِ ُ‬
‫َّاس»‪ .‬فأنصت‬‫ت ليِ َ الن َ‬
‫ْص ْ‬
‫الناس لرسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم؛ ليفيض عىل قلوهبم البرشى‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫شرِ‬
‫جربيل‬ ‫الناس‪ ،‬أتاين‬ ‫«معا َ‬ ‫بالفيض الغامر من رمحة اهلل وعفوه‪ ،‬قائلاً ‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫فأقرأين ِمن َريب السال َم‪ ،‬وقال‪َّ :‬‬
‫إن اهللَ قد غ َفر‬
‫وأهل‬ ‫عرفات‬ ‫ألهل‬ ‫آن ًفا‪َ ،‬‬
‫عات»‪ .‬فقام عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه فقال‪:‬‬ ‫وضمن عنهم ال َّتبِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ا َملش َع ِر‪،‬‬
‫«هذا َلك ُْم‪،‬‬
‫يا رسول اهلل‪ ،‬هذا لنا خاصة؟ فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم‪َ :‬‬
‫و َلمِن َأتَى بعدَ كم إىل يو ِم ِ‬
‫الق ِ‬
‫يامة»‪ .‬فقال عمر ريض اهلل عنه‪ :‬كثر خري اهلل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وطاب‪.‬‬

‫كأنك ‪97‬‬
‫معه‬
‫طريق امل�أزمني‬

‫طريق امل�أزمني‬

‫‪ 98‬كأنك‬
‫معه‬
‫على صعيد عرفات‬ ‫كأنك معه‬

‫إىل املشعر احلرام‪:‬‬


‫فلام وجبت الشمس وغاب قرصها‪ ،‬أشار صىل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫باس ِم اهللِ»(‪ .)130‬فدفع الناس معه‪ ،‬ويف دفعه يف هذا‬
‫للناس قائلاً ‪« :‬ا ْد َف ُعوا ْ‬
‫يتحرون الدفع من عرفة قبل‬
‫َّ‬ ‫الوقت خمالف ٌة هلدي املرشكني الذين كانوا‬
‫غروب الشمس‪ ،‬فخالفهم ودفع بعد غروهبا (‪.)131‬‬
‫وغ ِ‬
‫امرهم‪ ،‬ليس له طريق‬ ‫دفع صىل اهلل عليه وآله وسلم يف ح ْطمة الناس ِ‬
‫َ َ‬
‫خاص‪ ،‬وال موكب خاص‪ ،‬وإنام هو صىل اهلل عليه وآله وسلم مع الناس‪،‬‬
‫وهو إمام الناس‪ ،‬ال ُيدفع أحد أمامه‪ ،‬وال ُيصد أحد من ورائه‪ ،‬وقد رفع‬
‫َّاس‪،‬‬ ‫يمينه املباركة‪ ،‬باس ًطا بطن كفه إىل السامء‪ ،‬يشري إليهم قائلاً ‪َ :‬‬
‫«أيهُّ ا الن ُ‬
‫اخل ْي ِل وا ِ‬
‫إل ِ‬ ‫اف َ‬‫الب ليس بإِجي ِ‬ ‫والو ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بل»‪ .‬وإذا سمع‬ ‫َ‬ ‫فإن رِ َّ‬‫قار‪َّ ،‬‬ ‫بالسكينة َ‬ ‫َع َل ْيك ُْم َّ‬
‫َح ْط َم َة الناس خلفه وتدافعهم ورضهبم اإلبل يمينًا وشاملاً التفت إليهم‪،‬‬
‫ِ‬
‫الرب ليس‬‫السكين َة؛ فإن َّ‬ ‫َّاس‪ ،‬عليكم َّ‬ ‫«رويدً ا َأيهُّ ا الن ُ‬
‫بس ْوطه قائلاً ‪ُ :‬‬
‫وأشار َ‬
‫إليضاع»‪ .‬أي‪ :‬الرسعة‪ .‬وكان يقول ذلك وهو أول َمن فعله؛ فقد َشن ََق‬ ‫با ِ‬
‫راحلته و َك َب َح زمامها‪ ،‬حتى إن رأسها ليصيب َم ْو ِر َك َر ْح ِل ِه(‪ )132‬من شدة‬
‫َك ْب ِح ِه لزمامها‪ ،‬فإذا أتى مرتف ًعا أرخى هلا حتى تصعد(‪.)133‬‬
‫سريا رفي ًقا هينًا‪ ،‬عليه السكينة‬ ‫وكان صىل اهلل عليه وآله وسلم يسري ً‬
‫واجلالل والوقار؛ حتى قال أسامة ريض اهلل عنه‪ :‬ما رأيت ناقة رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم رافعة يدهيا عادية حتى وصلنا املزدلفة‪ ،‬وأفاض‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم من طريق املأزمني(‪ ،)134‬وهو طريق املشاة اليوم‪،‬‬
‫الشعب األيرس الذي دون املزدلفة‪ ،‬مال‬ ‫حتى إذا بلغ ِشعب اإلذخر‪ ،‬وهو ِّ‬

‫كأنك ‪99‬‬
‫معه‬
‫�شعب الإذخر‬

‫�شعب الإذخر‬

‫‪ 100‬كأنك‬
‫معه‬
‫على صعيد عرفات‬ ‫كأنك معه‬

‫إليه فأناخ راحلته‪ ،‬ثم ذهب إىل منخفض منه فبال‪ ،‬فلام رجع صب عليه‬
‫أسامة الوضوء‪ ،‬فتوضأ صىل اهلل عليه وآله وسلم وضو ًءا خفي ًفا غري سابغ‪،‬‬
‫فقال له أسامة ريض اهلل عنه‪ :‬الصالة يا رسول اهلل؟ قال‪« :‬الصالة أمامك»‪.‬‬
‫ثم ركب إىل مزدلفة(‪.)135‬‬
‫أال فريض اهلل عن أصحاب حممد صىل اهلل عليه وآله وسلم وأرضاهم‪،‬‬
‫والذين رمقوا فعله‪ ،‬وحفظوا قوله‪ ،‬ثم وعوه وأ َّدوه إىل َمن بعدهم‪ ،‬حتى‬
‫كأنام عشنا معهم‪ ،‬نرى ما رأوا‪ ،‬ونسمع ما سمعوا‪ ،‬حتى هذا الفعل الفطري‪،‬‬
‫وهو حاجة اإلنسان إىل البول‪ ،‬حفظوه لنا‪ ،‬متى كان‪ ،‬وأين كان‪ ،‬فام ظنك‬
‫بعد بأمره وهنيه وهديه؟! فهل يقول ُم َت َق ِّو ٌل بعد ذلك‪ :‬إن شي ًئا من عهد‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم الذي عهده‪ ،‬ووصاته التي أوىص هبا‪،‬‬
‫يمكن أن ختفى عىل أمته أو تكتم عنها‪ ،‬وهؤالء هم أصحابه والرواة عنه‬
‫واحلفظة لسنته واألمناء عىل مرياثه؟!‬
‫أما نبيك صىل اهلل عليه وآله وسلم فقد سار حتى واىف املزدلفة‪ ،‬فنزل يف‬
‫مكان املسجد اليوم‪ ،‬قرب جبل ُق َزح(‪ ،)136‬وكان أول يشء فعله هو املبادرة‬
‫للصالة قبل أن تناخ اإلبل‪ ،‬فتوضأ حني نزل وضو ًءا ساب ًغا‪ ،‬ثم َأ َّذن بالل‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم املغرب‬ ‫ريض اهلل عنه وأقام‪ ،‬فصلىَّ‬
‫ثالث ركعات‪ ،‬فلام انرصف منها أناخ كل إنسان بعريه يف منزله‪ ،‬ومل حيلوا‬
‫أمتعتهم‪ ،‬ثم أقيمت صالة العشاء‪ ،‬فصلىَّ العشاء ركعتني ً‬
‫قرصا‪ ،‬فجمع بني‬
‫املغرب والعشاء مجع تأخري بأذان وإقامتني‪ ،‬ومل يتنفل بينهام(‪ ،)137‬فلام فرغ‬
‫منهام قاموا إىل أمتعتهم فحلوها‪.‬‬

‫كأنك ‪101‬‬
‫معه‬
‫ميا‪ ،‬ويظهر جبل قزح بجانب امل�سجد‬
‫امل�شعر احلرام قد ً‬

‫�صورة قدمية ملزدلفة‬

‫‪ 102‬كأنك‬
‫معه‬
‫على صعيد عرفات‬ ‫كأنك معه‬

‫واستأذنت أم املؤمنني َس ْو َدة بنت َز ْم َعة ريض اهلل عنها رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم ليلة املزدلفة أن تنفر إىل منى قبل نفرة الناس‬
‫وازدحامهم‪ ،‬وكانت امرأة ثقيلة بطيئة‪ ،‬فأذن هلا‪ ،‬فكانت عائشة ريض اهلل‬
‫َ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم كام‬ ‫عنها تقول‪ :‬فألن أكون استأذنت‬
‫استأذنت َس ْو َدة‪ ،‬أحب إيل من مفروح به(‪.)138‬‬
‫ثم َه َج َع صىل اهلل عليه وآله وسلم ليلته تلك‪ ،‬بعد يوم طويل َح ِف ٍ‬
‫يل‬
‫بجالئل األعامل‪ ،‬وهنار عامر بالعبادة والدعاء والذكر والتعليم واإلرشاد‬
‫والداللة عىل اخلري‪.‬‬
‫الس َحر‪،‬‬
‫وترك صىل اهلل عليه وآله وسلم قيام الليل تلك الليلة‪ ،‬ونام حتى َّ‬
‫وهو الذي ما ترك قيام الليل قط؛ فقد كان البدن الرشيف بحاجة للراحة‬
‫بعد جهد يوم عرفة‪ ،‬وبحاجة للنشاط ملا يستقبله من أعامل يوم النحر‪.‬‬
‫الس َحر استيقظ صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬فقدَّ م ضعفة أهله إىل‬ ‫فلام كان َّ‬
‫ِمنى؛ أم حبيبة وأم س َلمة و ُأ َغ ْي ِل َم َة بني عبد املطلب‪ ،‬فيهم ابن عباس ريض‬
‫اهلل عنهام(‪ ،)139‬وقال لعمه العباس ريض اهلل عنه‪« :‬اذهب بضعفائنا ونسائنا؛‬
‫الصبح بمنى‪ ،‬ولريموا مجرة العقبة قبل أن تصيبهم َد ْف َع ُة الناس»‪.‬‬
‫َ‬ ‫فليص ُّلوا‬
‫الصبح بمنى(‪.)140‬‬
‫َ‬ ‫بس َحر‪ ،‬وصلوا‬
‫فدفعوا َ‬
‫الصبح وأضاءت خيوط الفجر األوىل قام صىل اهلل عليه وآله‬
‫ُ‬ ‫وملا تن َّفس‬
‫وسلم مسار ًعا إىل صالة الفجر‪ ،‬فصلاَّ ها يف غاية البكور يف أول الوقت‪،‬‬
‫حتى يقول قائل‪ :‬قد طلع الفجر‪ .‬ويقول قائل‪ :‬مل يطلع الفجر؛ لشدة بكوره‬
‫هبا‪ ،‬وذلك ليتسع الوقت بعدها للذكر‪ ،‬وما يستقبل من املناسك‪ ،‬فلام قىض‬

‫كأنك ‪103‬‬
‫معه‬
‫�صورة حديثة ملزدلفة ليلة مزدلفة‬

‫�صورة حديثة ملزدلفة نها ًرا‬

‫‪ 104‬كأنك‬
‫معه‬
‫على صعيد عرفات‬ ‫كأنك معه‬

‫صالته ركب راحلته‪ ،‬فرقى جبل ُق َزح‪ ،‬وهو َأك ََم ٌة مرشفة عىل املسجد‪،‬‬
‫ولعله صنع ذلك ليكون مرش ًفا للناس يرونه كلهم‪ ،‬فاستقبل القبلة‪ ،‬ورفع‬
‫يديه الرشيفتني‪ ،‬فحمد اهلل وكبرَّ ه وه َّلله َّ‬
‫ووحده ول َّباه‪ ،‬عملاً بقول مواله‪:‬‬
‫(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [البقرة‪ ،]198:‬وكان يقول‪:‬‬
‫الله َّم ل َّبيك»‪ .‬ويدعو ربه ويذكره عىل حال من الرضاعة واخلضوع‪،‬‬
‫«ل َّبيك ُ‬
‫الناس ويبينِّ هلم‪ ،‬فقال‪« :‬وقفت ها هنا‪ ،‬ومزدلفة كلها‬
‫َ‬ ‫وهو مع ذلك يع ِّلم‬
‫موقف‪ ،‬وارفعوا عن بطن محُ َس»(‪.)141‬‬ ‫ِ‬
‫وجاءه عروة بن ُمضرَ ِّ س الطائي ريض اهلل عنه‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬
‫جئتك من جبيل ط ِّيئ(‪ ،)142‬أتعبت نفيس‪ ،‬وأنصبت راحلتي‪ ،‬واهلل ما تركت‬
‫من جبل إال وقفت عليه‪ ،‬فهل يل من حج؟ فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم‪:‬‬
‫بج ْمعٍ‪ ،‬وو َقف م َعنا حتى‬ ‫«من َش ِهد م َعنا هذه الصالةَ‪ -‬يعني صالة الفجر‪َ -‬‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫قبل ذلك من َع َرفات ليلاً أو ً‬
‫هنارا‪ ،‬ف َقدْ ت ََّم َح ُّجه‪،‬‬ ‫ُفيض منه‪ ،‬و َقد أفاض َ‬ ‫ن َ‬
‫و َقضىَ َت َف َث ُه»(‪.)143‬‬

‫كأنك ‪105‬‬
‫معه‬
‫�صورة قدمية للم�سجد احلرام التقطت يف ‪1297/12/2‬هـ‬

‫‪ 106‬كأنك‬
‫معه‬
‫�صورة قدمية للمزدلفة �صباح يوم النحر‬

‫‪ 108‬كأنك‬
‫معه‬
‫بقي صىل اهلل عليه وآله وسلم يف املشعر احلرام حتى َأ ْس َف َر جدًّ ا‪ ،‬وقاربت‬
‫الشمس أن تطلع‪ ،‬فأمر ابن عمه الفضل بن العباس بن عبد املطلب ريض‬
‫اهلل عنهام أن يلقط له حىص اجلامر‪ ،‬وقال‪« :‬هات اِ ْل ُق ْط يل»‪ .‬فالتقط له سبع‬
‫حصيات صغار بحجم حبة احلمص أو أكرب قليلاً ‪ ،‬فوضعهن يف يده‪ ،‬وجعل‬
‫َينْ ُف ُض ُه َّن يف ك ِّفه‪ ،‬ثم رفع يده‪ ،‬وقال للناس‪ ،‬وهو يشري بيده‪َ ،‬‬
‫كمن يريد أن‬
‫ين؛ فإِنام ْ‬
‫أه َلك َمن كان‬ ‫«بأ ِ‬
‫مثال هؤالء فارموا‪ ،‬وإياكم وال ُغ ُل َّو يف الدِّ ِ‬ ‫يرمي‪َ :‬‬
‫قب َلكم ال ُغ ُل ُّو يف الدِّ ِ‬
‫ين»(‪.)144‬‬
‫ثم أردف الفضل ريض اهلل عنه عىل راحلته‪ ،‬ودفع ركابه امليمون من‬
‫مزدلفة قبل طلوع الشمس؛ خمال ًفا َهدْ ي املرشكني؛ فإهنم كانوا ال يدفعون‬
‫من مزدلفة إال عند طلوع الشمس عىل رؤوس اجلبال مثل عامئم الرجال‪،‬‬
‫ويقولون‪َ :‬أشرْ ِ ْق َثبِ ُري َك ْيام ن ُِغ ُري(‪ ،)145‬أي‪ :‬أرشقي أيتها الشمس عىل جبل‬
‫َثبِري‪ ،‬حتى ندفع ِمن مزدلفة‪ ،‬و َثبِري جبل عظيم مقابل جلبل ُق َزح(‪،)146‬‬
‫فخالفهم صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬ودفع قبل أن تطلع الشمس‪.‬‬

‫كأنك ‪109‬‬
‫معه‬
‫م�سجد امل�شعر احلرام ويف �أدنى ال�صورة جبل قزح‪ ،‬ويف �أق�صاها جبل ثبري‬

‫‪ 110‬كأنك‬
‫معه‬
‫يوم احلج األكرب‬ ‫كأنك معه‬

‫وانطلق فتية من ُس َّباق قريش عَدْ ًوا عىل أرجلهم إىل منى‪ ،‬فسبقوا‬
‫الركاب‪ ،‬منهم أسامة بن زيد ريض اهلل عنهام(‪.)147‬‬
‫ِّ‬
‫دفع صىل اهلل عليه وآله وسلم من مزدلفة‪ ،‬وهو عىل حال من السكينة‬
‫والوقار‪ ،‬ونداؤه للناس حني دفعوا معه‪َ « :‬ع َل ْيك ُُم َّ‬
‫السكين َة»(‪ ،)148‬وهو ٌّ‬
‫كاف‬
‫ناقته‪ ،‬كحاله يف شأنه كله صىل اهلل عليه وآله وسلم؛ رفي ًقا حيب الرفق‪ ،‬وكان‬
‫رديفه الفضل بن العباس ريض اهلل عنهام‪ ،‬شا ًّبا أبيض وسيماً حسن الشعر‪،‬‬
‫فمرت به نساء عىل ركائبهن جيرين‪ ،‬فطفق الفضل ينظر إليهن‪ ،‬فوضع‬
‫ُ‬
‫الفضل‬ ‫فحول‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يده عىل وجه الفضل‪َّ ،‬‬‫ُ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يده من‬ ‫فحول‬
‫وجهه إىل الشق اآلخر‪َّ ،‬‬
‫الشق اآلخر عىل وجه الفضل‪ ،‬فرصف وجهه من الشق اآلخر ينظر‪ ،‬فقال‬
‫له صىل اهلل عليه وآله وسلم‪« :‬يا ابن أخي‪ ،‬إن هذا يوم َمن ملك فيه سمعه‬
‫وبرصه ولسانه ُغ ِف َر له»(‪ .)149‬حتى إذا وصل «وادي محُسرِّ ٍ » بني «مزدلفة»‬
‫بح َجر(‪.)150‬‬
‫و«منى» حرك ناقته وأرسع قدر رمية َ‬
‫وسلك الطريق الوسطى التي خترج عىل اجلمرة الكربى(‪ ،)151‬وكان‬
‫هلجا بالتلبية والتكبري‪ ،‬حتى إذا وصل إىل مجرة العقبة‪ ،‬استقبلها‬ ‫يف طريقه ً‬
‫جاعلاً «منى» عن يمينه‪ ،‬و«مكة» عن يساره‪ ،‬ومعه بالل وأسامة ريض اهلل‬
‫بخطام ناقته‪ ،‬واآلخر رافع ثو ًبا يظلله به‪ ،‬وهو يرمي‬ ‫عنهام‪ ،‬أحدمها ممسك ِ‬
‫مجرة العقبة بسبع حصيات‪ ،‬يكبرِّ مع كل حصاة‪ ،‬ومل يقطع التلبية حتى رمى‬
‫اجلمرة(‪ ،)152‬وكان يف شأنه كله متواض ًعا هلل مع ِّظماً لشعائره‪ ،‬قال قدامة بن‬
‫َ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‬ ‫عبد اهلل ِ‬
‫الكلاَ يب ريض اهلل عنه‪ُ :‬‬
‫رأيت‬

‫كأنك ‪111‬‬
‫معه‬
‫يف مكان هذا الطريق كان وادي حم�سر‬

‫‪ 112‬كأنك‬
‫معه‬
‫يوم احلج األكرب‬ ‫كأنك معه‬

‫ناقة َص ْهبا َء‪ ،‬بال َز ْج ٍر‪ ،‬وال َط ْر ٍد‪ ،‬وال‪ :‬إِ َل ْي َك‬
‫رمى مجرة العقبة يوم النحر عىل ٍ‬
‫َ‬
‫إِ َل ْي َك(‪.)153‬‬
‫َّاس‪ ،‬ال‬ ‫وازدحم الناس حوله‪ ،‬فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم‪« :‬يا َأيهُّ ا الن ُ‬
‫فار ُموا‬ ‫رميتم َ‬
‫اجل ْم َر َة ْ‬ ‫بعضا‪ ،‬وإذا َ‬
‫بعضكم ً‬ ‫يصيب ُ‬‫ُ‬ ‫بعضا‪ ،‬وال‬
‫بعضكم ً‬ ‫َيقت ُُل ُ‬
‫مناسكَكم؛ فإين ال أدري َل َع يِّل ال َأ ُح ُّج بعدَ‬ ‫َأخذوا ِ‬ ‫اخل ْذ ِ‬
‫ف‪ ،‬و ْلت ُ‬ ‫بمثل َح ىَص َ‬
‫ِ‬
‫َح َّجتي هذه»(‪.)154‬‬
‫وكان الناس حوله‪ ،‬يصله َمن شاء منهم‪ ،‬الرجل واملرأة‪ ،‬والكبري‬
‫والصغري‪ ،‬ال ُيدفع عنه أحد وال ُيبعد‪ ،‬فجاءت امرأة شابة حسناء تسأله‪،‬‬
‫والفضل ِر ْد َفه‪ ،‬وكان الفضل شا ًّبا يف العرشين من عمره وسيماً وضي ًئا‪،‬‬
‫ِ‬
‫فجعلت تَن ُظ ُر إليه وطفق َين ُظ ُر إليها‪ ،‬وأعجبه حسنها‪ ،‬فالتفت ُّ‬
‫النبي صىل‬ ‫ْ‬
‫اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬فإذا الفضل ينظر إليها‪ ،‬فأخلف بيده فأخذ بذقن‬
‫الفضل‪ ،‬فدفع وجهه عن النظر إليها‪ ،‬فنظر من الشق اآلخر‪ ،‬فرصف وجهه‬
‫مر ًة أخرى‪ ،‬حتى قال أبوه العباس ريض اهلل عنه‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬لويت عنق‬
‫«رأيت شا ًّبا وشا َّب ًة‪َ ،‬ف َل ْم َآم ِن‬
‫ُ‬ ‫ابن عمك‪ .‬فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم‪:‬‬
‫ان َع َل ْي ِهام»‪ .‬فقالت املرأة‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن فريضة اهلل عىل عباده يف‬ ‫الش ْي َط َ‬
‫َّ‬
‫كبريا‪ ،‬ال يستطيع أن يثبت عىل الراحلة‪َ ،‬أ َف َأ ُح ُّج‬ ‫ً‬
‫شيخا ً‬ ‫احلج أدركت أيب‬
‫عنه؟ قال‪َ « :‬ن َع ْم»(‪.)155‬‬
‫مم ت ْع َجب يف هذا املشهد‪ ،‬أمن تواضع النبي صىل اهلل عليه‬
‫وال تدري َّ‬
‫وآله وسلم وقربه من الناس ودنوه منهم‪ ،‬حتى جترتئ عليه فتاة ‪-‬يف هذا‬
‫تفهم النبي صىل اهلل عليه‬ ‫ِ‬
‫املشهد احلافل‪ -‬هبذا السؤال وهذه احلال‪ ،‬أم من ُّ‬

‫كأنك ‪113‬‬
‫معه‬
‫ميا‪ ،‬ويالحظ ل�صوقها باجلبل‪ ،‬ولذا �سميت جمرة العقبة‬
‫جمرة العقبة قد ً‬
‫‪ 114‬كأنك‬
‫معه‬
‫يوم احلج األكرب‬ ‫كأنك معه‬

‫وآله وسلم لنوازع الشباب‪ ،‬وما ُجبِلت عليه النفوس الفتية‪ ،‬فيسارع‬
‫تكرر املشهد إىل‬
‫بالتأديب اللطيف الذي جيمع الرفق واملودة‪ ،‬وال يستثريه ُّ‬
‫العنف أو الغلظة! أم من جرأة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم عىل ابن عمه‬
‫وقريبه دون املرأة؛ ألن الفضل حيتمل من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله‬
‫وسلم ما ال حتتمله فتاة غريبة‪ ،‬وال تزال تتأمل هذا املشهد حتى تتداعى‬
‫إليك روائع املعاين من أدب الرتبية‪ ،‬وحسن التعليم‪ ،‬ولطف التوجيه‪ ،‬من‬
‫خري مع ِّلم للناس اخلري‪ ،‬صلوات اهلل وسالمه وبركاته عليه‪.‬‬
‫وودَّع الناس‪:‬‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم للناس عىل ناقته العضب ِ‬
‫اء‬ ‫ُ‬ ‫ثم وقف‬
‫َ ْ َ‬
‫بني اجلمرات عند ارتفاع الضحى‪ ،‬وأطاف به أصحابه‪ ،‬ما بني قاعد وقائم‪،‬‬
‫فقال جلرير بن عبد اهلل البجيل ريض اهلل عنه ‪-‬وكان رجلاً طوالاً جهري‬
‫الصوت‪« :-‬استنصت يل الناس»‪ .‬فأنصتوا له‪ ،‬حتى َّ‬
‫كأن عىل رؤوسهم‬
‫الطري‪ ،‬فخطبهم خطبة عظيمة‪ ،‬فتح اهلل هلا أسامعهم‪ ،‬حتى سمعوه يف‬
‫قد ْاستدَ َار‬‫الزمان ِ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫منازهلم‪ ،‬فحمد اهلل وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪« :‬أهيا الناس‪َّ ،‬‬
‫هرا‪ ،‬منها أربع ٌة‬ ‫ِ‬ ‫كه ْيئتِه يو َم خ َلق اهللُ‬
‫واألرض‪ ،‬السن ُة اثنا عشرَ َش ً‬‫َ‬ ‫الساموات‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُح ُر ٌم؛ ثالث ٌة ُمتوالِ ٌ‬
‫ض الذي‬ ‫ب ُم رَ ُ‬ ‫ور َج ُ‬ ‫يات‪ :‬ذو ال َق ْعدة‪ ،‬وذو احل َّجة‪ ،‬وا ُمل َّ‬
‫حر ُم‪َ ،‬‬
‫عبان»‪ .‬ثم قرأ‪« :‬ﱹ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫وش َ‬ ‫بني جمُ َ ا َدى َ‬
‫ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ‬
‫وإن الن يَِّس َء زياد ٌة يف الكفر‪ُ ،‬ي َض ُّل به‬
‫ﯝ ﯞ ﯟﱸ [التوبة‪َّ ،]36:‬‬
‫عاما؛ ليواطئوا عدة ما حرم اهلل‪ ،‬فيح ُّلوا‬ ‫عاما وحيرمونه ً‬
‫الذين كفروا حيلونه ً‬
‫كأنك ‪115‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫منى قد ً‬

‫‪ 116‬كأنك‬
‫معه‬
‫يوم احلج األكرب‬ ‫كأنك معه‬

‫ما حرم اهلل‪ ،‬وحيرموا ما أحل اهلل»‪.‬‬


‫شهر هذا؟»‪ .‬قالوا‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ .‬فسكت‪ ،‬حتى ظنوا‬ ‫«أي ٍ‬
‫ثم قال‪ُّ :‬‬
‫ِ‬ ‫أنه سيسميه بغري اسمه‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫«أ َل ْي َس ذا احلجة؟»‪ .‬قالوا‪ :‬بىل‪ .‬ثم قال‪ُّ :‬‬
‫«أي‬
‫بلد هذا؟»‪ .‬قالوا‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ .‬فسكت‪ ،‬حتى ظنوا أنه سيسميه بغري‬ ‫ٍ‬
‫اسمه‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫«أ َل ْي َس ال َب ْلدَ ةَ؟»‪ .‬قالوا‪ :‬بىل‪ .‬ثم قال‪ُّ :‬‬
‫«فأي يو ٍم هذا؟»‪ .‬قالوا‪ :‬اهلل‬
‫«أليس يو َم‬
‫َ‬ ‫ورسوله أعلم‪ .‬فسكت‪ ،‬حتى ظنوا أنه سيسميه بغري اسمه‪ .‬قال‪:‬‬
‫َ‬
‫وأعراضكم‪ ،‬عليكم‬ ‫دماءكم‪ ،‬وأموا َلكم‪،‬‬
‫«فإن َ‬ ‫الن َّْح ِر؟»‪ .‬قالوا‪ :‬بىل‪ .‬قال‪َّ :‬‬
‫لدكم هذا‪ ،‬يف ِ‬
‫شهركم هذا‪ ،‬أال إن املسلم‬ ‫يومكم هذا‪ ،‬يف ب ِ‬
‫رمة ِ‬‫حرام‪ ،‬كح ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ ُ‬
‫أخو املسلم‪ ،‬فليس حيل ملسلم من أخيه يشء‪ ،‬إال ما أحل من نفسه‪ ،‬وحتى‬
‫سوءا حرام‪ ،‬أال هل بلغت؟ اللهم فاشهد‪.‬‬ ‫َد ْف َع ٌة دفعها مسلم مسلماً يريد هبا ً‬
‫وسأخربكم َمن املسلم؛ َمن َسلِ َم املسلمون ِمن لسانه ويده‪ ،‬واملؤمن َمن‬
‫أمنه الناس عىل أمواهلم وأنفسهم‪ ،‬واملهاجر َمن هجر اخلطايا والذنوب‪،‬‬
‫ٍ‬
‫جان إال عىل‬ ‫واملجاهد َمن جاهد نفسه يف طاعة اهلل تعاىل‪ ،‬أال ال جيني‬
‫نفسه‪ ،‬وال جيني والد عىل ولده‪ ،‬وال مولود عىل والده‪َ ،‬ألاَ ال ت ِ‬
‫َرجعوا َبعدي‬
‫بعض‪ ،‬وإنكم ستلقون ربكم‪ ،‬فيسألكم عن‬ ‫ٍ‬ ‫رقاب‬
‫َ‬ ‫بعضكم‬
‫رض ُب ُ‬‫كفارا‪َ ،‬ي ِ‬
‫ً‬
‫أعاملكم‪ ،‬أال هل بلغت؟ اللهم فاشهد‪.‬‬
‫أهيا الناس‪ ،‬إن الشيطان قد يئس أن ُيعبد بأرضكم هذه أبدً ا‪ ،‬ولكنه إن‬
‫ون من أعاملكم‪ ،‬فاحذروه عىل‬ ‫ُي َط ْع فيام سوى ذلك فقد ريض به مما حَ ْت ِق ُر َ‬
‫دينكم‪.‬‬
‫حبيش أسود جُمَدَّ ع‬
‫ٌّ‬ ‫الناس‪ ،‬اسمعوا وأطيعوا‪ ،‬وإن ُأ ِّم َر عليكم عبدٌ‬
‫أهيا ُ‬

‫كأنك ‪117‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫م�سجد اخليف قد ً‬

‫‪ 118‬كأنك‬
‫معه‬
‫يوم احلج األكرب‬ ‫كأنك معه‬
‫(‪)156‬‬
‫يقودكم بكتاب اهلل تعاىل‪ ،‬فاسمعوا له وأطيعوا‪ ،‬ثالث ال َي ِغ ُّل عليهن‬
‫قلب امرئ مسلم‪ :‬إخالص العمل هلل‪ ،‬ومناصحة أويل األمر‪ ،‬ولزوم مجاعة‬
‫املسلمني‪ ،‬فإن دعوهتم حتيط ِمن ورائهم»‪.‬‬
‫ثم ذكر املسيح الدجال‪َ ،‬فأ ْطن َ‬
‫َب يف ذكره‪ ،‬وقال‪« :‬ما بعث اهللُ من نبي إال‬
‫أنذر أمته‪ ،‬أنذره نوح والنبيون من بعده‪ ،‬وإنه خيرج فيكم‪ ،‬فام خفي عليكم‬
‫من شأنه‪ ،‬فليس خيفى عليكم أن ربكم ليس بأعور‪ ،‬وإنه أعور عني اليمنى‪،‬‬
‫كأن عينه عنبة طافية‪.‬‬
‫أهيا الناس‪ ،‬إين واهلل ال أدري لعيل ال ألقاكم بعد يومي هذا‪ ،‬فرحم اهلل‬
‫َمن سمع مقالتي فوعاها وب َّلغها‪ُ ،‬فر َّب حامل فقه غري فقيه‪ُ ،‬‬
‫ور َّب حامل فقه‬
‫إىل َمن هو أفقه منه‪.‬‬
‫الغائب‪ ،‬فلعل بعض َمن يب ُلغُه أن يكون أوعى‬
‫َ‬ ‫أهيا الناس‪ ،‬ليب ِّلغ الشاهدُ‬
‫من بعض َمن سمعه»‪.‬‬
‫ثم رفع رأسه إىل السامء‪ ،‬فقال‪« :‬اللهم هل بلغت‪ ،‬اللهم هل بلغت؟»‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‪ .‬فرفع يديه إىل السامء‪ ،‬ثم قال‪« :‬اللهم اشهد‪،‬‬ ‫قالوا‪ :‬نعم ب َّلغ‬
‫اللهم اشهد‪ ،‬اللهم اشهد»(‪.)157‬‬
‫طول يف‬ ‫ون»‪ُ .‬ي ِّ‬ ‫الناس‪ ،‬ويقول‪َ :‬‬
‫«أالَ ت َْس َم ُع َ‬ ‫َ‬ ‫وجعل يتطاول ل ُي ْس ِم َع‬
‫املوقف ألمه‪:‬‬ ‫وينادي‪« :‬يا ُأمتَاه‪ ،‬هل بلغتكم؟»‪ .‬حتى قال صبي يف ِ‬ ‫صوته(‪ِ .)158‬‬
‫ٌّ‬ ‫َّ ُ‬
‫يا ُأ َّم ْه‪ ،‬ما له يدعو أمه؟ فقالت له‪ :‬يا بني‪ ،‬إنه ال يدعو أمه‪ ،‬إنام يعني ُأ َّم َت ُه(‪.)159‬‬
‫فس ِّميت‪ :‬حجة الوداع(‪.)160‬‬
‫وو َّدع صىل اهلل عليه وآله وسلم الناس‪ُ ،‬‬
‫رجل من طوائف الناس‪ :‬يا‬‫الناس أهنا موعظة مو ِّدع‪ ،‬فقال ٌ‬
‫ُ‬ ‫واستشعر‬

‫كأنك ‪119‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫�شرقي منى قد ً‬

‫ميا‬
‫غربي منى قد ً‬
‫‪ 120‬كأنك‬
‫معه‬
‫يوم احلج األكرب‬ ‫كأنك معه‬

‫وصوموا‬ ‫وص ُّلوا مَخ َْسكم‪ُ ،‬‬


‫َعهدُ إلينا؟ قال‪« :‬اع ُبدوا ر َّبكم‪َ ،‬‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ماذا ت َ‬
‫َدخ ُلوا‬ ‫وأطِيعوا ذا َأ ِ‬
‫مركم؛ ت ُ‬ ‫هركم‪ ،‬وأدوا زكاة أموالكم طيبة هبا نفوسكم‪َ ،‬‬ ‫َش َ‬
‫َجنَّ َة ر ِّبكم»(‪.)161‬‬
‫الناس إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬يسألونه عن أحكام‬ ‫وثار ُ‬
‫«ار ِم ولاَ َح َر َج»‪.‬‬
‫حلقت قبل أن أرمي؟ فقال‪ْ :‬‬ ‫ُ‬ ‫املناسك‪ ،‬فجاءه ٌ‬
‫رجل فقال‪:‬‬
‫حلقت قبل أن أذبح؟ فقال‪« :‬ا ْذ َب ْح ولاَ َح َر َج»‪ .‬وجاءه‬
‫ُ‬ ‫وجاءه ٌ‬
‫رجل فقال‪:‬‬
‫«ار ِم ولاَ َح َر َج»‪ .‬وجاءه‬‫فنحرت قبل أن أرمي؟ قال‪ْ :‬‬ ‫ُ‬ ‫رجل فقال‪ :‬مل أشعر‪،‬‬‫ٌ‬
‫سعيت قبل‬‫ُ‬ ‫طفت قبل أن أرمي؟ قال‪« :‬ال حرج»‪ .‬وقال ٌ‬
‫قائل‪:‬‬ ‫رجل فقال‪ُ :‬‬ ‫ٌ‬
‫أن أطوف‪ .‬قال‪« :‬ال حرج»‪ .‬فام ُسئل عن يشء ُقدِّ م وال ُأ ِّخر‪ ،‬إال قال‪« :‬اف َع ْل‬
‫حر َج‪ ،‬لاَ َ‬
‫حر َج»(‪.)162‬‬ ‫ولاَ َح َر َج»‪ .‬وما سألوه عن يشء‪ ،‬إال قال‪« :‬لاَ َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أفتنا يف كذا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫األعراب من هاهنا وهاهنا‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬ ‫ُ‬ ‫وجاءت‬
‫عنكم َ‬
‫احل َر َج‪ ،‬إلاَّ َر ُجلاً‬ ‫ُ‬ ‫الناس‪ ،‬إن اهللَ قد وضع‬ ‫ُ‬ ‫أفتنا يف كذا‪ .‬فقال‪« :‬أهيا‬
‫ك»‪.‬‬ ‫ا ْقترَ َ ض من عرض رجل مسلم‪ ،‬وهو ظامل‪ ،‬فذلك الذي َح ِر َج َ‬
‫وه َل َ‬
‫داء إِلاَّ‬
‫فإن اهللَ مل َي َض ْع ً‬‫قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬نتداوى؟ قال‪َ « :‬ن َع ْم‪ ،‬تدَ َاووا؛ َّ‬
‫«اهل َر ُم»‪.‬‬‫واحد»‪ .‬قالوا‪ :‬وما هو يا رسول اهلل؟ قال‪َ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫وضع له دواء‪ ،‬غري ٍ‬
‫داء‬ ‫َ‬
‫ً َ‬
‫«خ ُل ٌق َح َس ٌن»(‪.)163‬‬ ‫الناس يا رسول اهلل؟ قال‪ُ :‬‬ ‫قالوا‪ :‬ما خري ما ُأعطي ُ‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم منزله بمنى‪ ،‬وهو مكان مسجد‬
‫ثم نزل ُّ‬
‫اخلَ ْيف اآلن‪ ،‬وأنزل املهاجرين بميمنه‪ ،‬واألنصار بيرسته‪ ،‬والناس حوهلم‬
‫من بعدهم(‪.)164‬‬
‫وسأله أصحا ُبه أن يبنوا له بمنى بنا ًء ُيظِ ُّله‪َ ،‬فأ َبى عليهم أن يكون له بناء‬

‫كأنك ‪121‬‬
‫معه‬
‫ﱹﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﱸ‬

‫البدن‬

‫الهدي يف منى �سنة ‪1372‬هـ‬

‫‪ 122‬كأنك‬
‫معه‬
‫يوم احلج األكرب‬ ‫كأنك معه‬

‫يم ِّيزه يف هذا املشعر عن سائر الناس‪ ،‬وقال‪« :‬لاَ ‪ِ ،‬منًى َمناخُ َمن َس َب َق»(‪.)165‬‬
‫يف املنحر‪:‬‬
‫ثم انرصف إىل املنحر‪ ،‬وهو ما بني املسجد واجلمرة الصغرى‪ ،‬لينحر‬
‫هديه‪ ،‬وقال‪« :‬اد ُعوا يل َأبا َح َس ٍن»‪ .‬فدعي له عيل ريض اهلل عنه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم بأعالها‪.‬‬ ‫احل ْر ِبة»‪ .‬وأخذ‬
‫«خ ْذ َبأ ْس َف ِل َ‬
‫ُ‬
‫ثم ُق ِّربت إليه ال ُبدْ ُن َأ ْرسالاً ‪ ،‬معقول ًة يدها اليرسى‪ ،‬قيا ًما عىل ما بقي من‬
‫قوائمها‪ ،‬فجعل يطعنها باحلربة يف َل َّباتهِ ا أسفل العنق(‪ ،)166‬فإذا العجب‬
‫ُقرب إىل رسول اهلل‬
‫كل العجب يقع من هذه اإلبل العجاموات‪ ،‬وهي ت َّ‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم لينحرها قربانًا لربه عز وجل؛ لقد جعلت اإلبل‬
‫َي ْز َدلِ ْف َن(‪ )167‬لرسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬أهيا يبدأ به أول(‪!!)168‬‬
‫إهنا البهائم التي سيقال هلا يوم القيامة‪ :‬كوين ترا ًبا‪ .‬فتكون ترا ًبا‪ .‬ومع هذا‬
‫ف إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم؛ أهيا يبدأ به أولاً لينحرها!‬ ‫ت َْز َدلِ ُ‬
‫فامذا يقول املؤمن برسول اهلل املتَّبع لدينه؟ أما كانت أعيننا عم ًيا وآذاننا صماًّ‬
‫وقلوبنا غل ًفا‪ ،‬حتى فتحها اهلل وأحياها بمحمد صىل اهلل عليه وآله وسلم‪،‬‬
‫فكيف ينبغي حلبها له أن يكون؟!‬
‫القلوب يف َأ ْحن َِائها‪ ،‬وتفتَّتت األكبا ُد يف أجوافها؛ ح ًّبا‬
‫ُ‬ ‫أما واهلل‪ ،‬لو ذابت‬
‫له وشو ًقا إليه؛ لمََا كانت وريب ملوم ًة‪ ،‬فصلوات اهلل وسالمه وبركاته عليه‪.‬‬
‫نحر صىل اهلل عليه وآله وسلم هديه‪ ،‬فنحر بيده الرشيفة ثال ًثا وستني‬
‫َبدَ َن ًة‪ ،‬بعدد سني عمره املبارك‪ ،‬ثم أمر عل ًّيا بنحر ما بقي منها‪ ،‬وأرشكه معه‬

‫كأنك ‪123‬‬
‫معه‬
‫البدنة قائمة معقولة يدها الي�سرى‪ ،‬وعلى ظهرها جِ ال ُلها‪ ،‬ويف عنقها قالدتها‬

‫‪ 124‬كأنك‬
‫معه‬
‫يوم احلج األكرب‬ ‫كأنك معه‬

‫«من شاء ا ْق َت َط َع»(‪ .)169‬وأمر عل ًّيا ريض اهلل عنه أن‬ ‫يف هديه‪ ،‬وقال للناس‪َ :‬‬
‫بني الن ِ‬ ‫ومها ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس‪ ،‬ولاَ‬ ‫وجاللهَ ا(‪ )170‬وجلو َدها َ‬ ‫يقوم عليها‪ ،‬وقال له‪« :‬ا ْقس ْم لحُُ َ‬
‫عري ِح ْذ َي ًة‬
‫وخ ْذ ِمن ك ُِّل َب ٍ‬
‫َّارا ِمنها شيئًا؛ نحن نعطيه من عندنا‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫تُعطينَ َّ َجز ً‬
‫واحدة؛ حتى نَأك َُل ِمن لحَ ِمها ون َْح ُس َو ِمن‬
‫ٍ‬ ‫اج َع ْلها يف ِقدْ ٍر‬
‫من لحَ ٍم(‪ ،)171‬ثم ْ‬
‫ِ‬
‫ومنًى ُك ُّلها َمن َْح ٌر‪ ،‬وكل فجاج مكة‬ ‫مر ِقها»(‪ .)172‬وقال‪« :‬نَحر ُت هاهنا‪ِ ،‬‬
‫َ ْ‬ ‫ََ‬
‫طريق ومنحر‪ ،‬فانحروا يف رحالكم»(‪.)173‬‬
‫عمن اعتمر من نسائه بقرة بينهن‪ ،‬قالت عائشة‪ُ :‬د ِخل علينا‬‫وأهدى َّ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫يوم النحر بلحم بقر‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذا؟! قالوا‪ :‬نحر‬
‫وآله وسلم عن أزواجه(‪ ،)174‬ونحر الصحابة ريض اهلل عنهم‪ ،‬يشرتك يف‬
‫اجلزور منهم سبعة‪ ،‬ويف البقرة سبعة(‪.)175‬‬
‫وقسم صىل اهلل عليه وآله وسلم وهو يف املنحر غنماً عىل أصحابه َهد ًيا‬
‫َّ‬
‫تيسا‬‫لمن مل يكن معه َهدْ ي‪ ،‬فأصاب سعد بن أيب وقاص ريض اهلل عنه منها ً‬ ‫َ‬
‫فذبحه عن نفسه(‪.)176‬‬
‫وسأله أصحابه عن ادخار حلوم اهلدي‪ ،‬وكان قد هناهم يف السنة التي قبلها‬
‫عن ادخار حلوم األضاحي فوق ثالث؛ لكثرة الوفود التي َد َّف ْت إىل املدينة‪،‬‬
‫كنت هنيتُكم‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬نفعل كام فعلنا العام املايض؟ قال‪« :‬إين ُ‬
‫ت عليكم‪ ،‬وإن‬‫األضاحي فوق ثالث‪ ،‬من أجل الدَّ ا َّفة(‪ )177‬التي َد َّف ْ‬
‫َّ‬ ‫أن تأكلوا‬
‫فأردت أن تعينوا فيها‪ ،‬وإين أح ُّله لكم‪ ،‬فكلوا‬
‫ُ‬ ‫ذلك العام كان بالناس جهد‪،‬‬
‫ما شئتم‪ ،‬وأطعموا‪ ،‬وتزودوا»‪ .‬فأكلوا‪ ،‬وتزودوا حتى بلغوا به املدينة(‪.)178‬‬
‫وقال ملواله ثوبان ريض اهلل عنه‪« :‬يا ثوبان‪ ،‬أصلح هذا اللحم»‪ .‬أي‪:‬‬

‫كأنك ‪125‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫احللق يف منى قد ً‬

‫‪ 126‬كأنك‬
‫معه‬
‫يوم احلج األكرب‬ ‫كأنك معه‬

‫ج ِّففه وم ِّلحه حتى يكون َق ِديدً ا‪ ،‬ال يرسع إليه الفساد‪ .‬قال ثوبان‪ :‬فأصلحتُه‪،‬‬
‫فلم يزل يأكل منه حتى قدم املدينة(‪.)179‬‬
‫وبذلك مجع صىل اهلل عليه وآله وسلم بني الداللة القولية والقدوة‬
‫اجلواب عىل سؤاهلم ِمن فعله كام سمعوه من قوله‪.‬‬
‫َ‬ ‫العملية‪ ،‬ورأى الصحاب ُة‬
‫وملا فرغ صىل اهلل عليه وآله وسلم من املنحر دعا باحللاَّ ق؛ ليحلق رأسه‬
‫املوسى‪،‬‬
‫املقدَّ س‪ ،‬فجاء معمر بن عبد اهلل العدوي ريض اهلل عنه‪ ،‬ومعه َ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يف وجهه‪ ،‬ثم قال له مالط ًفا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫فنظر‬
‫رسول اهللِ صىل اهلل عليه وآله وسلم من َش ْح َم ِة ُأذنِه‪ ،‬ويف‬
‫ُ‬ ‫«يا َم ْع َم ُر‪َ ،‬أ ْم َكنَك‬
‫ِ‬
‫وسى»‪ .‬فقال معمر‪ :‬واهلل يا رسول اهلل‪ ،‬إن ذلك ملن نعمة اهلل َّ‬
‫عيل‬ ‫يد َك ا ُمل َ‬
‫«أ َج ْل إ ًذا َأ ِق ُّر لك»‪ .‬أي‪ :‬أثبت واستقر‬
‫و َمنِّه‪ .‬فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم‪َ :‬‬
‫سوى شعره بيده‪ ،‬وقبض عىل شعر شقه األيمن‪ ،‬وقال للحالق‪:‬‬
‫لك‪ .‬ثم َّ‬
‫«احلق»‪ ،‬فأطاف به أصحابه‪ ،‬ما يريدون أن تقع شعرة إال يف يد رجل‪،‬‬
‫فجعل يقسم بني َمن يليه الشعرة والشعرتني‪ ،‬ثم قبض يف بيده عىل شعر شقه‬
‫األيرس‪ ،‬وقال للحلاَّ ق‪« :‬احلق»‪ .‬وأشار إىل جانبه األيرس‪ ،‬ثم قال‪« :‬أين أبو‬
‫َط ْل َح َة؟»‪ .‬فجاء أبو طلحة‪ ،‬فدفع إليه شعر رأسه األيرس كله(‪.)180‬‬
‫وكأنام استعاد صىل اهلل عليه وآله وسلم عرش سنني قضاها يف املدينة‪،‬‬
‫وبيت أيب طلحة وزوجه أم سليم وربيبه أنس بن مالك ريض اهلل عنهم‪ ،‬كأنام‬
‫هو من بيوت النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬خدم ًة لرسول اهلل‪ ،‬وعناية‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم خيتاره‬ ‫بشأنه‪ ،‬وقر ًبا وحفاوة به‪ ،‬فإذا‬
‫هذا اليوم عىل أهل هذا املوقف كلهم‪ ،‬فيعطيه شعر شق رأسه كله‪ ،‬ويناوله‬

‫كأنك ‪127‬‬
‫معه‬
‫املحجن‬

‫‪ 128‬كأنك‬
‫معه‬
‫يوم احلج األكرب‬ ‫كأنك معه‬

‫الع‬ ‫ِ‬
‫ما مل يناول أحدً ا مثله‪ ،‬وينطلق أبو طلحة حيوز الشعر املقدَّ س‪ ،‬وكأنام ط ُ‬
‫األرض ذه ًبا وفضة بني يديه‪ ،‬ريض اهلل عنه‪.‬‬
‫ورحم اهلل اب َن سريين الذي كان حيدِّ ث هبذا احلديث‪ ،‬ثم يقول‪ :‬ألن‬
‫يكون عندي منه شعرة‪ ،‬أحب إ َّيل من الدنيا وما فيها‪.‬‬
‫الس ْلامين الذي سمع هذا احلديث‪ ،‬فقال‪ :‬ألن تكون‬ ‫ورحم اهلل َعبِيدة َّ‬
‫عندي منه شعرة‪ ،‬أحب إ َّيل من كل أصفر وأبيض أصبح عىل وجه األرض‬
‫ويف بطنها(‪.)181‬‬
‫«اللهم‬
‫َّ‬ ‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم للمح ِّلقني‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ودعا‬
‫«اللهم ْار َح ِم‬
‫َّ‬ ‫ْار َح ِم ا ُمل َح ِّل ِقني»‪ .‬قالوا‪ :‬واملقرصين يا رسول اهلل‪ .‬قال‪:‬‬
‫صين»‪ .‬قال مالك‬ ‫ا ُمل َح ِّل ِقني»‪ .‬قالوا‪ :‬واملقرصين يا رسول اهلل‪ .‬قال‪« :‬وا ُمل َق رِّ ِ‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم يقول ذلك‪،‬‬ ‫سمعت َّ‬
‫ُ‬ ‫بن ربيعة ريض اهلل عنه‪:‬‬
‫وأنا يومئذ حملوق الرأس‪ ،‬فام يرسين بحلق رأيس حمُ ْ ُر النَّ َع ِم(‪.)182‬‬
‫وق َّلم صىل اهلل عليه وآله وسلم أظفاره َّ‬
‫وقسمها بني الناس(‪.)183‬‬
‫وبعد أن رمى صىل اهلل عليه وآله وسلم يوم العيد ونحر وحلق نزع‬
‫إحرامه‪ ،‬ويغلب عىل الظن أنه اغتسل ليزيل عنه ال َّت َف َث(‪ )184‬وآثار اجلهد‬
‫والنصب‪ ،‬ثم لبس ثيابه‪ ،‬وط َّيبته عائشة ريض اهلل عنها بأطيب ما جتد من‬
‫الطيب‪ ،‬وضمخت بيدهيا رأسه الكريم ِمسكًا(‪.)185‬‬
‫إىل احلرم‪:‬‬
‫ثم ركب صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل البيت‪ ،‬مرد ًفا أسامة بن زيد ريض اهلل‬
‫عنهام‪ ،‬فلام وصل الكعبة طاف راك ًبا؛ لرياه الناس‪ ،‬ول ُيشرْ ِ َ‬
‫ف هلم وليسألوه؛ فإن‬

‫كأنك ‪129‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫بئر زمزم قد ً‬

‫‪ 130‬كأنك‬
‫معه‬
‫يوم احلج األكرب‬ ‫كأنك معه‬
‫الناس َغ ُشوه وكثروا حوله‪ ،‬وكان يستلم الركن ِ‬
‫بم ْح َج ٍن(‪ )186‬يف يده‪ ،‬ويكبرِّ ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ويق ِّبل طرف املِ ْح َج َن(‪ ،)187‬فلام فرغ من طوافه أناخ راحلتَه‪ ،‬فصلىَّ ركعتني(‪،)188‬‬
‫وسعى الذين متتعوا من أصحابه بني الصفا واملروة حلجهم‪ ،‬كام سعوا قبل ذلك‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم و َمن مل حيل ممن ساق اهلدي‬ ‫لعمرهتم‪ ،‬وأما‬
‫من أصحابه‪ ،‬فلم يسعوا بني الصفا واملروة بعد طوافهم هذا (‪.)189‬‬
‫ثم ذهب صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل سقاية عمه العباس ريض اهلل‬
‫َ‬
‫النبيذ(‪ ،)190‬فاستسقى من أوعيتهم التي‬ ‫عنه؛ حيث كان يسقي الناس‬
‫جيعلون فيها سقاية الناس‪ ،‬فقال عمه العباس‪ :‬يا فضل‪ ،‬اذهب إىل أمك‪،‬‬
‫فأت رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم برشاب من عندها‪ .‬فأبى صىل‬
‫اهلل عليه وآله وسلم ذلك‪ ،‬وقال‪« :‬ال حاج َة يل فيه‪ ،‬اس ُقوين مما َي َ‬
‫رش ُب منه‬
‫َّاس»‪ .‬قال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إهنم جيعلون أيدهيم فيه‪ ،‬وإن هذا النبيذ قد‬ ‫الن ُ‬
‫ث(‪ ،)191‬أفال نسقيك لبنًا أو عسلاً ؟ أي‪ :‬إن أيدي الناس قد‬ ‫ُم ِغ َث و ُم ِر َ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‬ ‫وقعت فيه وخالطته‪ ،‬وأراد أن يسقي‬
‫برشاب خيصه به‪ ،‬ولكن النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم أبى أن يكون له متيز‬
‫يف أمر السقاية‪ ،‬وأن خيتص نفسه بام ال يرشكه فيه غريه‪ ،‬حتى وإن كان رشا ًبا‬
‫يؤثره به عمه؛ لذا أعاد عليه أخرى‪« :‬اسقونا مما تسقون منه الناس»‪ُ .‬فأيت‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ومعه أصحابه املهاجرون واألنصار بأقداح‬
‫كبار فيها النبيذ‪ ،‬فلام رشب صىل اهلل عليه وآله وسلم َع ِجل قبل أن يروى‪،‬‬
‫اصنَ ُعوا»‪ .‬ثم سقى فضله أسامة‬ ‫حسنت ُْم َ‬
‫وأجمْ َ ْلت ُْم‪ ،‬ك ََذا َف ْ‬ ‫فرفع رأسه‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫«أ َ‬
‫بن زيد‪ ،‬قال ابن عباس ريض اهلل عنهام‪ِ :‬‬
‫فر َضا رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله‬

‫كأنك ‪131‬‬
‫معه‬
‫نبع بئر زمزم‬

‫نبع بئر زمزم‬

‫‪ 132‬كأنك‬
‫معه‬
‫يوم احلج األكرب‬ ‫كأنك معه‬

‫وسلم ذلك أعجب إ َّيل من أن تسيل شعاب مكة علينا لبنًا وعسل(‪.)192‬‬
‫ثم أتى صىل اهلل عليه وآله وسلم زمز َم‪ ،‬وبنو عبد املطلب يسقون‬
‫عمل صالحٍ »‪ .‬فنزعوا له ً‬
‫دلوا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ويعملون فيها‪ ،‬فقال‪« :‬ا ْع َم ُلوا؛ فإنَّكم علىَ‬
‫فرشب منها وهو قائم‪ ،‬ثم َم َّج فيها من فمه الطيب جم ًة‪ ،‬فأخذوها وأفرغوها‬
‫يف زمزم؛ حتى تعم بركة بقية رشابه وجمته َمن بعده‪ .‬وقال هلم‪َ « :‬ل ْولاَ ْ‬
‫أن‬
‫احل ْب َل عىل هذه»‪ .‬وأشار إىل عاتقه(‪ .)193‬وذلك أنه‬ ‫ت حتَّى َأ َض َع َ‬
‫تُغ َل ُبوا َلنَ َز ْل ُ‬
‫ِ‬
‫ب بنو العباس عىل سقايتهم‬ ‫لو نزع لصارت ُسنَّ ًة يتبعه فيها الناس‪ ،‬ول ُغل َ‬
‫التي كانت من مآثرهم قبل اإلسالم‪ ،‬ولذا رشب من الدلو مع الناس‪ ،‬ومل‬
‫ينزع مع بني عمه‪ ،‬حتى ال يغلبوا عليها‪.‬‬
‫ثم عاد صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل «منى»‪ ،‬فصلىَّ بالناس صالة الظهر(‪.)194‬‬
‫ولك أن تتساءل‪ :‬كيف اتسع وقته صىل اهلل عليه وآله وسلم لكل هذه‬
‫األعامل من الرمي‪ ،‬واخلطبة‪ ،‬وإفتاء الناس‪ ،‬وإنزاهلم منازهلم‪ ،‬ثم النحر‬
‫لثالث وستني بدنة‪ ،‬ثم احللق‪ ،‬والتهيؤ للطواف باللباس والطيب‪ ،‬ثم‬
‫القدوم للبيت والطواف‪ ،‬ثم الرجوع بعد ذلك؟!‬
‫فكيف اتسع لذلك كله ضحوة من هنار؟! إهنا الربكة التي جعلها اهلل‬
‫يف وقته وعمله‪ ،‬ولذا أنجز يف هذا الوقت كل هذه األعامل الكثرية‪ ،‬فإن‬
‫أبيت إال التساؤل‪ ،‬فانظر كيف اتسعت ثالث وعرشون سنة من عمره‬
‫املبارك ألعظم إنجاز يف تاريخ البرشية‪ ،‬وهو بالغ رساالت اهلل إىل اخللق‪،‬‬
‫واستنقاذهم من النار‪ ،‬وإخراجهم من الظلامت إىل النور!‬

‫كأنك ‪133‬‬
‫معه‬
‫�صورة قدمية للحرم التقطت يف عام ‪1300‬هـ‬

‫‪ 134‬كأنك‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫م�سجد اخليف قد ً‬

‫م�سجد اخليف حدي ًثا‬


‫‪ 136‬كأنك‬
‫معه‬
‫عاد صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل «منى»‪ ،‬فمكث هبا يومه يصليِّ‬
‫الصلوات يف أوقاهتا‪ ،‬ويقرص الرباعية منها‪ ،‬وكان يصليِّ بالناس يف مسجد‬
‫اخلي ِ‬ ‫ِ‬
‫ف سبعون نب ًّيا»(‪.)195‬‬ ‫اخلَ ْيف‪ ،‬الذي قال فيه‪« :‬صلىَّ بمسجد َ ْ‬
‫وكان املسجد فضا ًء ليس له ُجدر‪ ،‬وصف ابن عباس ريض اهلل عنهام‬
‫أقبلت راك ًبا عىل محار أتان ‪-‬وهي األنثى‪ -‬وأنا يومئذ‬
‫ُ‬ ‫صالته فيه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ُ‬
‫ورسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يصليِّ بالناس‬ ‫قد ناهزت االحتالم‪،‬‬
‫فنزلت‬
‫ُ‬ ‫فمررت بني يدي بعض الصف‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بمنى يف حجة الوداع إىل غري جدار‪،‬‬
‫عيل أحد(‪.)196‬‬
‫ودخلت يف الصف‪ ،‬فلم ينكر ذلك َّ‬
‫ُ‬ ‫احلامر ترتع‪،‬‬
‫َ‬ ‫وأرسلت‬
‫ُ‬
‫وملا صلىَّ صىل اهلل عليه وآله وسلم يف مسجد اخلَ ْيف صالة الفجر‪،‬‬
‫الناس بوجهه‪ ،‬فإذا هو برجلني من وراء‬ ‫َ‬ ‫جالسا‪ ،‬واستقبل‬
‫ً‬ ‫انحرف‬
‫الناس مل يصليا مع الناس‪ ،‬فقال‪« :‬ائتوين هبذين الرجلني»‪ .‬فأيت هبام ت َْرعَدُ‬
‫فرائص ُهام(‪ ،)197‬فقال‪« :‬ما منعكام أن تصليا مع الناس؟»‪ .‬قاال‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬
‫ُ‬
‫إنا قد كنا صلينا يف الرحال‪ .‬قال‪« :‬فال تفعال؛ إذا صلىَّ أحدكم يف رحله‪ ،‬ثم‬
‫أدرك الصالة مع اإلمام فليصلها معه‪ ،‬فإهنا له نافلة»‪ .‬فقال أحدمها‪ :‬استغفر‬

‫كأنك ‪137‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫منى قد ً‬

‫ميا‬
‫منى قد ً‬

‫‪ 138‬كأنك‬
‫معه‬
‫أيام منى‬ ‫كأنك معه‬

‫يل يا رسول اهلل‪ .‬فاستغفر له‪ .‬قال يزيد بن األسود ريض اهلل عنه‪ :‬وهنض‬
‫وهنضت معهم‪ ،‬وأنا يومئذ‬
‫ُ‬ ‫الناس إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪،‬‬
‫ُ‬
‫زلت َأ ْز َحم الناس حتى وصلت إىل رسول‬
‫أشب الرجال وأجلده‪ .‬قال‪ :‬فام ُ‬
‫فأخذت بيده‪ ،‬فوضعتُها إما عىل وجهي أو‬
‫ُ‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪،‬‬
‫أطيب وال أبر َد من يد رسول اهلل صىل اهلل‬
‫َ‬ ‫وجدت شي ًئا‬
‫ُ‬ ‫صدري‪ .‬قال‪ :‬فام‬
‫عليه وآله وسلم(‪.)198‬‬
‫معمورا بالذكر؛ عملاً بقول اهلل عز‬
‫ً‬ ‫وكان وقته صىل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫وجل‪( :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [البقرة‪.]203:‬‬
‫واملسترشف ألخبار النبي وحاله ُيرى أنه صىل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫كان يكبرِّ يف قبته بمنى‪ ،‬ويكبرِّ أهل املسجد وأهل السوق بتكبريه؛ حتى‬
‫تكبريا‪ ،‬فقد ثبت هذا عن عمر ريض اهلل عنه من فعله(‪ ،)199‬وما‬
‫ً‬ ‫ترتج «منى»‬
‫نحسبه فعله إال تأس ًيا به صىل اهلل عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫عيل بن أيب‬
‫وأرسل صىل اهلل عليه وآله وسلم مجاعة من أصحابه‪ ،‬منهم ُّ‬
‫وأوس‬
‫ُ‬ ‫وكعب بن مالك‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وبرش بن ُسحيم‪،‬‬
‫طالب‪ ،‬وأبو هريرة‪ ،‬واب ُن عمر‪ُ ،‬‬
‫ابن احلدثان‪ ،‬وعبدُ اهلل بن حذافة‪ ،‬وسعدُ بن أيب وقاص؛ يطوفون يف شعاب‬
‫منى‪ ،‬ينادون‪« :‬ال يدخل اجلنة إال نفس مؤمنة‪ ،‬وأيام منى أيام أكل ورشب‬
‫وذكر هلل‪ ،‬فال صوم فيها»(‪.)200‬‬
‫يوم َ‬
‫القر‪:‬‬
‫‪-‬ويسمى‪ :‬يوم الرؤوس‪ ،‬ويوم ال َق ِّر(‪-)201‬‬
‫َّ‬ ‫ويف اليوم احلادي عرش‬
‫الناس عىل بغلة َش ْه َبا َء‪ ،‬وعليه برد أمحر‪ ،‬وعيل ريض اهلل عنه يب ِّلغ عنه‬
‫خطب َ‬
‫كأنك ‪139‬‬
‫معه‬
‫منى حدي ًثا‬

‫منى حدي ًثا‬

‫‪ 140‬كأنك‬
‫معه‬
‫أيام منى‬ ‫كأنك معه‬

‫الناس‪ ،‬فحمد اهلل وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪« :‬أي بلد هذا؟»‪ .‬قالوا‪ :‬اهلل ورسوله‬
‫أعلم‪ .‬قال‪« :‬أليس املشعر احلرام؟»‪ .‬قالوا‪ :‬بىل‪ .‬قال‪« :‬فأي يوم هذا؟»‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ .‬قال‪« :‬أليس أوسط أيام الترشيق؟»‪ .‬قالوا‪ :‬بىل‪.‬‬
‫قال‪« :‬فإن دماءكم‪ ،‬وأعراضكم‪ ،‬وأموالكم عليكم حرام‪ ،‬كحرمة يومكم‬
‫هذا‪ ،‬يف شهركم هذا‪ ،‬يف بلدكم هذا‪ ،‬فليبلغ أدناكم أقصاكم‪ .‬أهيا الناس‪،‬‬
‫إنام املؤمنون إخوة‪ ،‬فال حيل المرئ مسلم مال أخيه إال عن طيب نفس‬
‫فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إىل َمن ائتمنه عليها‪ .‬أال هل بلغت‪،‬‬
‫منه‪َ ،‬‬
‫اللهم فاشهد‪ .‬أهيا الناس‪ ،‬إن ربكم واحد‪ ،‬وإن أباكم واحد‪ ،‬كلكم آلدم‪،‬‬
‫وآدم من تراب‪ ،‬ليس لعريب فضل عىل عجمي‪ ،‬وال لعجمي فضل عىل‬
‫عريب‪ ،‬وال ألسود عىل أبيض‪ ،‬وال ألبيض عىل أسود‪ ،‬إال بالتقوى‪ ،‬إن اهلل‬
‫يقول‪( :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [احلجرات‪ .]13:‬أهيا الناس‪ ،‬أر َّق َ‬
‫اءكم أر َّق َ‬
‫اءكم‪،‬‬
‫أطعموهم مما تأكلون‪ ،‬واكسوهم مما تلبسون‪ ،‬وإن جاؤوا بذنب ال تريدون‬
‫أن تغفروه فبيعوا عباد اهلل وال تعذبوهم‪ .‬أال وإن الولد للفراش‪ ،‬وللعاهر‬
‫ومن ا َّدعى إىل غري أبيه‪ ،‬أو تولىَّ غري مواليه‪،‬‬ ‫َ‬
‫احل َجر‪ ،‬وحساهبم عىل اهلل تعاىل‪َ ،‬‬
‫رغبة عنهم؛ فعليه لعنة اهلل البالغة إىل يوم القيامة‪ ،‬ال يقبل اهلل منه صرَ ْ ًفا وال‬
‫عدل»‪ .‬ثم قال‪« :‬اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟»‪.‬‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫قالوا‪ :‬ب َّلغ‬
‫قال رافع بن عمرو املزين ريض اهلل عنه يصف هذا املشهد‪ :‬أقبلت مع‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‬ ‫أيب وأنا غالم يف حجة الوداع‪ ،‬فإذا‬

‫كأنك ‪141‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫اجلمرة ال�صغرى قد ً‬

‫ميا‬
‫رمي اجلمرة الو�سطى قد ً‬

‫‪ 142‬كأنك‬
‫معه‬
‫أيام منى‬ ‫كأنك معه‬

‫الناس عىل بغلة شهباء‪ ،‬وعيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه يعبرِّ عنه‪،‬‬
‫خيطب َ‬
‫أتيت البغلة‪،‬‬
‫الركاب‪ ،‬حتى ُ‬ ‫والناس بني جالس وقائم‪ ،‬فجلس أيب وختللت ِّ‬
‫بلغت هبا‬
‫فمسحت الساق حتى ُ‬ ‫ُ‬ ‫ووضعت يدي عىل ركبته‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فأخذت بركابه‪،‬‬
‫ُ‬
‫أدخلت كفي بني النعل والقدم‪ ،‬فيخيل إ َّيل الساع َة أين أجد برد‬
‫ُ‬ ‫القدم‪ ،‬ثم‬
‫قدمه عىل كفي(‪.)202‬‬
‫ولئن عجب رافع بن عمرو من برد قدم النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‪،‬‬
‫فإننا نعجب من برد خلقه‪ ،‬وطيب نفسه‪ ،‬إهنا النفس الرضية واخللق العظيم‪،‬‬
‫أن يميض صىل اهلل عليه وآله وسلم يف خطبته‪ ،‬ويدع الغالم يمسح قدمه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ماض يف شأنه‪ ،‬مع ِّلم بحاله ومقاله‪.‬‬ ‫ويدخل يده حتت رشاك نعله‪ ،‬وهو‬
‫ثم أال يستوقفك هذا ِ‬
‫اإل ْل َظ ُ‬
‫اظ منه صىل اهلل عليه وآله وسلم يف ثالثة‬
‫أيام تبا ًعا‪ ،‬هي أعظم األيام حرمة‪ ،‬يف أعظم الشهور حرمة‪ ،‬يف أعظم البالد‬
‫حرمة‪« :‬إن دماءكم‪ ،‬وأموالكم‪ ،‬وأعراضكم عليكم حرام‪ ،‬كحرمة يومكم‬
‫هذا‪ ،‬يف شهركم هذا‪ ،‬يف بلدكم هذا»‪.‬‬
‫لقد كان صىل اهلل عليه وآله وسلم حييط حرمة الدماء هبذا السياج املنيع‬
‫أن تُتسور أو تخُ رتق‪ ،‬ثم بعد هذا املوقف بخمس وعرشين سنة‪ ،‬وقبل أن‬
‫ينقطع صدى صيحات رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم تلك‪ ،‬سفك‬
‫ناس من املسلمني دم اخلليفة الراشد‪ ،‬ثم تقابل بالسيوف بعض َمن كانوا‬
‫يف هذا املشهد مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬وكأنام كان صىل اهلل‬
‫ف‬‫يكرر النداء‪ ،‬و ُي ْل ِح ُ‬
‫عليه وآله وسلم ينظر إىل الغيب من سرت رقيق‪ ،‬وهو ِّ‬
‫يف املناشدة‪.‬‬

‫كأنك ‪143‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫اجلمرة الو�سطى قد ً‬

‫ميا‬
‫اجلمرة الو�سطى قد ً‬

‫‪ 144‬كأنك‬
‫معه‬
‫أيام منى‬ ‫كأنك معه‬

‫وأي بال ٍغ ُ‬
‫أبلغ حلرمة هذه احلقوق من بيان رسول اهلل‬ ‫أبني‪ُّ ،‬‬
‫فأي بيان ُ‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم وبالغه ذلك! وما أعظم املصيبة أن تُنتهك حرماهتا‬
‫لطمع من الدنيا عارض‪ ،‬وما أفجع الفاجعة إذا سفك الدم املسلم بحجة‬
‫الدين واجلهاد‪ ،‬وهذا بيان رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وبالغه‬
‫واستشهاده‪« :‬اللهم هل بلغت‪ ،‬اللهم فاشهد»‪ .‬فاللهم عصمتك وهداك‪.‬‬
‫رمي اجلمرات‪:‬‬
‫توجه صىل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫النهار وزالت الشمس َّ‬
‫ُ‬ ‫ثم ملا انتصف‬
‫إىل اجلمرات ماش ًيا‪ ،‬فبدأ باجلمرة الصغرى‪ ،‬فرماها مستقبل القبلة بسبع‬
‫حصيات‪ ،‬يكبرِّ اهلل مع كل حصاة‪ ،‬ثم تقدَّ م حتى َأ ْس َه َل؛ ليبعد عن زحام‬
‫وترضع‬
‫َّ‬ ‫الناس‪ ،‬فرفع يديه واستقبل القبلة‪ ،‬يكبرِّ اهلل ويس ِّبحه وحيمده‪ ،‬ودعا‬
‫طويلاً ‪ ،‬ثم قصد اجلمرة الوسطى‪ ،‬فرماها مستقبل القبلة بسبع حصيات‪،‬‬
‫يكبرِّ مع كل حصاة‪ ،‬كام صنع عند الصغرى‪ ،‬ثم أخذ ذات الشامل‪ ،‬واستقبل‬
‫ومترض ًعا‪ ،‬وأطال الوقوف‪ ،‬وكان وقوفه‬
‫ِّ‬ ‫ذاكرا وداع ًيا‬
‫القبلة‪ ،‬ورفع يديه ً‬
‫عند اجلمرتني قري ًبا من قراءة سورة البقرة‪ ،‬وكان وقوفه عند اجلمرة الثانية‬
‫أطول من اجلمرة األوىل‪ ،‬ثم مىض إىل مجرة العقبة فاستقبلها‪ ،‬وجعل منى‬
‫عن يمينه‪ ،‬والقبلة عن يساره‪ ،‬ورماها بسبع حصيات‪ ،‬يكبرِّ مع كل حصاة‪،‬‬
‫ومل يقف عندها(‪.)203‬‬
‫وهكذا صنع يف اليوم الثاين عرش‪َّ ،‬‬
‫وتأخر صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل‬
‫يتعجل‪ ،‬وكان يميش إىل اجلمرات ذاه ًبا وراج ًعا‪،‬‬
‫َّ‬ ‫اليوم الثالث عرش‪ ،‬ومل‬

‫كأنك ‪145‬‬
‫معه‬
‫م�سجد البيعة يف �شعب الأن�صار مبنى‬

‫م�سجد البيعة من الداخل‬

‫‪ 146‬كأنك‬
‫معه‬
‫أيام منى‬ ‫كأنك معه‬

‫وربام ركب أحيانًا يف رجوعه منها(‪.)204‬‬


‫ويف إحدى روحاته إليها عرض له ٌ‬
‫رجل وهو عند اجلمرة األوىل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا رسول اهلل‪ ،‬أي اجلهاد أفضل؟ فسكت عنه‪ ،‬فلام رمى اجلمرة الثانية سأله‪،‬‬
‫فسكت عنه‪ ،‬فلام رمى مجرة العقبة ووضع رجله يف الغرز لريكب قال‪« :‬أين‬
‫السائل؟»‪ .‬قال‪ :‬ها أنا يا رسول اهلل‪ .‬قال‪« :‬كلمة حق تقال عند سلطان‬
‫جائر»(‪.)205‬‬
‫سمحا يف إقامة املناسك‪ ،‬وهو املبعوث‬ ‫ً‬ ‫وكان صىل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫رخص للرعاة أن‬ ‫باحلنيفية السمحة‪ ،‬ميسرِّ ً ا للناس رفي ًقا هبم‪ ،‬فمن ذلك أنه َّ‬
‫ورخص للعباس‬ ‫يرموا يوم النحر‪ ،‬ثم يدعوا يو ًما‪ ،‬ثم يرموا من الغد(‪َّ ،)206‬‬
‫ريض اهلل عنه أن يبيت بمكة ألجل سقايته(‪ ،)207‬ومل حيفظ عنه يف حجته‬
‫أنه أوجب د ًما عىل أحد‪ ،‬برغم كثرة اجلموع معه‪ ،‬وكوهنم حدثاء عهد‬
‫باإلسالم‪ ،‬يؤدون حجهم أول مرة‪ ،‬وإنام كان ِه ِّج َريا ُه(‪ )208‬للناس‪« :‬افعل‬
‫وال حرج‪ ،‬ال حرج‪ ،‬ال حرج‪ ،‬قد أذهب اهلل عنكم احلرج»‪ .‬مصدِّ ًقا قول‬
‫ربه‪( :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [احلج‪.]78:‬‬
‫تداعي الذكريات‪:‬‬
‫ُ‬
‫ورسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يف «منى»‬ ‫وهكذا انقضت ثالثة أيام‬
‫التي شهدت فجاجها وشعاهبا دعوته األوىل قبل بضع عرشة سنة‪ ،‬يوم كان‬
‫يغشى قبائل العرب يف مواسمها‪ ،‬ويدخل عليها فجاج منى يدعوهم إىل‬
‫اهلل‪ ،‬وقومه ُجر َءا ُء عليه‪ ،‬جياهرونه بالكفر‪ ،‬ويبادرونه بالعدوان‪ ،‬ويتعاقدون‬
‫عىل القطيعة‪ ،‬يذكر هذا كله‪ ،‬وفجاج «منى» تذكِّره بامضيها معه‪ ،‬وماضيه‬

‫كأنك ‪147‬‬
‫معه‬
‫�شعب بني ها�شم‬

‫�شعب بني ها�شم‬

‫‪ 148‬كأنك‬
‫معه‬
‫أيام منى‬ ‫كأنك معه‬

‫معها‪ ،‬يوم رسى يف ظلمة الليل مواعدً ا عصبة األنصار‪ ،‬يتس َّللون إليه تس ُّلل‬
‫ال َقطا(‪ ،)209‬ليبايعهم عىل اهلجرة‪ ،‬مستخف ًيا من قومه أن َين ُْذروا به‪ ،‬هل‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم هذا وغريه‪ ،‬ليقول ملا‬ ‫َ‬ ‫ذكَّرت «منى»‬
‫َقاس ُموا‬
‫ثت َ‬ ‫ف َبني كِنَان َة‪َ ،‬ح ْي ُ‬
‫سئل‪ :‬أين تنزل غدً ا يا رسول اهلل؟ قال‪« :‬بِخَ ي ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫علىَ ال ُك ْف ِر»(‪.)210‬‬
‫«خ ْيف بني كنانة» مكانًا‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم َ‬ ‫لقد اختار‬
‫لنزوله إذا خرج من «منى»؛ ليظهر مجيل صنع اهلل وصدق موعوده؛ فهذا‬
‫املكان هو الذي تعاقدت فيه قريش وحلفاؤها بنو كنانة عىل مقاطعة بني‬
‫هاشم وبني املطلب‪ ،‬وحصارهم يف شعب بني هاشم‪ ،‬فال يبايعوهنم وال‬
‫يناكحوهنم‪ ،‬حتى ُي ْس ِل ُموا إليهم حممدً ا(‪ ،)211‬جهدً ا منهم أن يطفئوا نور اهلل‪،‬‬
‫واهلل متم نوره ولو كره الكافرون‪ ،‬واهلل غالب عىل أمره‪ ،‬ولكن أكثر الناس‬
‫ال يعلمون‪ ،‬ثم ها هو ذا حممد صىل اهلل عليه وآله وسلم ينزل يف ذات املكان‪،‬‬
‫فتحا مبينًا‪ ،‬وأكمل‬
‫وأعزه‪ ،‬وفتح له ً‬
‫وقد أظهره اهلل عىل الدين كله‪ ،‬ونرصه َّ‬
‫أفواجا‪ ،‬وحج بالناس‬
‫ً‬ ‫الناس يف دينه‬
‫ُ‬ ‫وأتم عليه النعمة‪ ،‬ودخل‬
‫له الدين‪َّ ،‬‬
‫وبينَّ هلم رشائع الدين‪ ،‬وأقام هلم مناسكهم‪ ،‬وقد نفر بعد إكامل املناسك‪،‬‬
‫فنزل يف املوضع الذي تقاسمت فيه قريش عىل الظلم والعدوان والقطيعة؛‬
‫مراغم ًة للرشك‪ ،‬وإعالنًا بالشكر هلل عىل مجيل صنعه ولطيف تدبريه‪.‬‬
‫(‪)212‬‬ ‫املحصب َ‬
‫«خ ْيف بني كنانة»‬ ‫َّ‬ ‫فلام رمى يف اليوم الثالث عرش نفر إىل‬
‫ينفرن‬
‫َّ‬ ‫قبل صالة الظهر‪ ،‬وجعل الناس ينرصفون يف كل وجه‪ ،‬فقال‪« :‬ال‬
‫آخر عهده بالبيت»(‪.)213‬‬
‫يكون ُ‬
‫َ‬ ‫أحدٌ حتى‬

‫كأنك ‪149‬‬
‫معه‬
‫جانب من املح�صب‪( ،‬خيف بني كنانة)ة‬

‫م�سجد الإجابة يف املح�صب‬


‫‪ 150‬كأنك‬
‫معه‬
‫أيام منى‬ ‫كأنك معه‬

‫كان رجلاً سهلاً ‪:‬‬


‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يف َخ ْيف بني كنانة ‪ -‬ويقع‬ ‫ثم نزل‬
‫اليوم يف اجلميزة حول مبنى أمانة العاصمة املقدسة‪ -‬فصلىَّ به الظهر والعرص‬
‫َ‬
‫رسول‬ ‫واملغرب والعشاء(‪ ،)214‬فقالت له عائشة ريض اهلل عنها تلك الليلة‪ :‬يا‬
‫اهلل‪ ،‬يرجع الناس بعمرة وحجة‪ ،‬وأرجع أنا بحجة! تشري إىل أهنا مل ِ‬
‫تأت‬ ‫ُ‬
‫بعمرة مستقلة قبل حجها‪ ،‬كام صنع بقية أزواج النبي صىل اهلل عليه وآله‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬وإنام كانت قارنة بسبب حيضتها‪ ،‬فقال هلا‬
‫فأبت‪ ،‬وقالت‪ :‬يا‬‫بالبيت َلحِ ِّج ِك و ُع ْم َرتِ ِك»‪ْ .‬‬
‫ِ‬ ‫وآله وسلم‪َ « :‬ي َس ُع ِك َطوا ُف ِك‬
‫الناس بحج وعمرة وأنطلق بحج‪ ،‬ويرجع الناس بأجرين‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ينطلق ُ‬
‫وأرجع بأجر واحد! قال‪« :‬إن لك مثل ما هلم»‪ .‬قالت‪ :‬إين أجد يف نفيس أين‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‬ ‫مل أطف بالبيت حتى حججت‪ .‬وكان‬
‫رجلاً سهلاً ‪ ،‬إذا هويت شي ًئا تابعها عليه‪ ،‬فدعا أخاها عبد الرمحن‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫هبطت من األَكْمة‪ ،‬فلتهل بعمرة‪ ،‬فإهنا‬
‫َ‬ ‫«اخرج بأختك إىل ال َّتن ِْعيمِ‪ ،‬فإذا‬
‫«إن لك‬
‫عمر ٌة متق َّبلة‪ ،‬ثم افرغا من طوافكام‪ ،‬أنتظركام ها هنا»‪ .‬ثم قال هلا‪َّ :‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أال‬ ‫من األجر يف عمرتك عىل قدر نصبك ونفقتك»‪ .‬قالت‪ :‬يا‬
‫احل ْج َر؛ فإنه من البيت»‪.‬‬ ‫أدخل البيت؟ تعني الكعبة‪ .‬قال‪« :‬ادخيل ِ‬
‫قالت عائشة‪ :‬فأردفني عبد الرمحن خلفه عىل مجله‪ ،‬فإين ألذكر وأنا‬
‫الرحل(‪ ،)216‬وكانت‬ ‫َّ‬
‫(‪)215‬‬
‫جارية حديثة السن أنعس‪ ،‬فيصيب وجهي ُم َؤ َّخ َرة‬
‫فكنت َأ ْحسرِ ُ مخاري عن عنقي‪ ،‬فيتناول رجيل فيرضهبا‬ ‫ُ‬ ‫ليلة شديدة احلر‪،‬‬
‫فأهللت بعمرة‬
‫ُ‬ ‫فقلت‪ :‬هل ترى من أحد! فانتهينا إىل التنعيم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بالراحلة‪،‬‬

‫كأنك ‪151‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫م�سجد التنعيم قد ً‬

‫م�سجد التنعيم حدي ًثا‪ ،‬وترى �أمامه عالمات حدود احلرم‬

‫‪ 152‬كأنك‬
‫معه‬
‫أيام منى‬ ‫كأنك معه‬

‫قدمت عىل رسول اهلل صىل اهلل عليه‬ ‫ُ‬ ‫جزاء بعمرة الناس التي اعتمروا‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‬ ‫حل ْصبة مل يربح‪ ،‬وأما‬
‫وآله وسلم وهو با َ‬
‫ب َه ِو ٌّي من الليل‪ ،‬فاستيقظ يف َه ِزي ٍع‬
‫املحصب‪ ،‬حتى َذ َه َ‬
‫َّ‬ ‫فه َج َع َه ْج َع ًة يف‬
‫َ‬
‫بمن معه إىل الكعبة؛ فيطوف طواف الوداع‪ ،‬فجاءته‬ ‫الليل اآلخر؛ ليسري َ‬
‫«ه ْل فرغتام؟»‪.‬‬
‫عائشة ريض اهلل عنها وهو يف منزله من آخر الليل‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪« :‬هذه مكان عمرتك» (‪.)217‬‬
‫وصارت عمرة عائشة ريض اهلل عنها هذه دليلاً لألمة عىل مرشوعية‬
‫العمرة للمكي‪ ،‬وأن َمن أ َّدى العمرة وأراد أن يأيت بعمرة أخرى من احلل؛‬
‫فإن له ذلك‪ ،‬وما هي بأول بركات أمنا املباركة ريض اهلل عنها‪.‬‬
‫بالرحيل يف أصحابه‪ ،‬فلام أراد أن‬
‫ثم نادى صىل اهلل عليه وآله وسلم َّ‬
‫ينفر إذا زوجه صفية ريض اهلل عنها عىل باب خبائها كئيبة حزينة‪ ،‬وكانت‬
‫قد حاضت‪ ،‬فقالت‪ :‬ما أراين إال حابستكم‪ .‬قال‪« :‬أو ما كنت طفت يوم‬
‫النحر؟»‪ .‬قالت‪ :‬بىل‪ .‬قال‪« :‬ال بأس‪ ،‬فانفري»(‪ .)218‬فكانت سنة للمرأة إذا‬
‫طافت طواف اإلفاضة‪ ،‬ثم حاضت‪ ،‬سقط عنها طواف الوداع‪.‬‬
‫وشكت إليه أم سلمة ريض اهلل عنها أهنا مريضة‪ ،‬وال تستطيع الطواف‬
‫مع الناس‪ ،‬فقال هلا‪« :‬إذا أقيمت صالة الصبح‪ ،‬فطويف عىل بعريك من وراء‬
‫الناس وهم يصلون»(‪.)219‬‬
‫نظرات الوداع‪:‬‬
‫ثم هبط صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل احلرم ليطوف طواف الوداع‪،‬‬
‫دخل صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل املسجد احلرام‪ ،‬فطاف بالكعبة طواف‬

‫كأنك ‪153‬‬
‫معه‬
‫ريع الر�سام (طريق ُكدى)ا‬

‫ريع الر�سام (طريق ُكدى)ا‬

‫‪ 154‬كأنك‬
‫معه‬
‫أيام منى‬ ‫كأنك معه‬

‫سحرا‪ ،‬فلام قىض طوافه إذا نور الفجر قد َصدَ َع األفق‪ُ ،‬فأ ِّذن لصالة‬
‫ً‬ ‫الوداع‬
‫الفجر‪ ،‬ثم صلىَّ بالناس صالة الصبح يرتسل يف قراءته بسورة الطور(‪،)220‬‬
‫وكانت هذه آخر صالة صالها والكعبة وجاهه‪ ،‬وآخر نظرات متلتها عيناه‬
‫من بيت اهلل املعظم الذي طاملا متلته ونظرت إليه‪.‬‬
‫ثم خرج صىل اهلل عليه وآله وسلم من «مكة» من أسفلها من املكان‬
‫املعروف بـ «الشبيكة»‪ ،‬وسلك طريق كُدى(‪ ،)221‬ويعرف اليوم بريع‬
‫الرسام‪ ،‬حتى نزل بذي ُطوى(‪ ،)222‬وهو املكان الذي نزل به عند دخوله‬
‫مكة‪ ،‬حتى يتتابع إليه أصحابه‪ ،‬ويلحق به َمن تأخر عنه‪.‬‬
‫رسب صىل اهلل عليه وآله وسلم من مكة‪ ،‬ورسبت معه القبائل إىل‬
‫وتفرقت مجوعها يف فجاج األرض‪ ،‬بعد ليال عرش عظيمة مشهودة‪،‬‬
‫بالدها‪َّ ،‬‬
‫كانوا فيها مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬وما كانت هذه اجلموع‬
‫تدري أنه وهو يو ِّدعها كان يو ِّدع الدنيا‪ ،‬وأن أيامهم معه هي أيامه األخرية‬
‫مع احلياة‪ ،‬وأنه قد أهنى مهمته عىل األرض‪ ،‬وقىض ما عليه‪ ،‬وإنام مها شهران‬
‫وأيام‪ ،‬ثم يلحق بالرفيق األعىل واملحل األسنى‪.‬‬

‫كأنك ‪155‬‬
‫معه‬
‫إىل املدينة‬

‫طريق ُ‬
‫كدى‬

‫بيكة‬
‫الش‬

‫خريطة اخلروج من مكة‬


‫‪ 156‬كأنك‬
‫معه‬
‫مشاعر الوداع‬

‫أرى يف خروج النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم هذا من مكة َح ْشدً ا من‬
‫املشاعر واالنفعاالت تتع َّثر العبارات عندما حتاول وصفها‪.‬‬
‫يكفي أن تتخ َّيل املشهد فيخفق القلب وهتيج املشاعر‪ ،‬أحاول أن أخت َّيل‬
‫جيا من املشاعر‬
‫مشاعره صىل اهلل عليه وآله وسلم ذاك الصباح‪ ،‬فأخت َّيلها مز ً‬
‫متور يف ذلك القلب الكبري املنري‪ ،‬هي مزيج من مشاعر الفرح باإلمتام‬
‫ومشاعر ال َّل ْوعة بالوداع‪.‬‬
‫مشاعر الفرح بتامم النعمة‪ ،‬وكامل الدين‪ ،‬وبالغ الرسالة‪ ،‬وإمتام النُّسك‪،‬‬
‫والفرح بفضل اهلل ورمحته‪ ،‬واالمتنان له عىل صدق موعوده‪ ،‬ولذا لهَ ِ َج هبذا‬
‫ونرص عبدَ ه‪،‬‬
‫َ‬ ‫االمتنان عىل ِذروة الصفا واملروة‪« :‬ال إله إِلاَّ اهللُ‪ ،‬أنج َز وعدَ ه‪،‬‬
‫األحزاب وحدَ ه»(‪.)223‬‬
‫َ‬ ‫وهز َم‬
‫كانت مشاهد حجة الوداع مشاهد ِصدْ ِق ِ‬
‫وعد اهلل لن ِّبيه صىل اهلل عليه وآله‬
‫وسلم‪َ ،‬أ َما َوعَدَ ه‪( :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)‬
‫متحضت لدينه‪ ،‬وها هي وفود القبائل قد‬
‫[التوبة‪]33 :‬؟ فها هي مكة قد َّ‬
‫نرص اهلل‬
‫جاءت معه من كل أنحاء اجلزيرة مؤمنة به متَّبعة هلُداه‪ ،‬بعد أن جاء ُ‬

‫كأنك ‪157‬‬
‫معه‬
‫�سَ رِف على الطريق من مكة �إىل املدينة‪ ،‬وفيه تزوج النبي �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم‬
‫�أم امل�ؤمنني ميمونة بنت احلارث �سنة �سبع‪ ،‬وفيه توفيت �سنة �إحدى وخم�سني‬

‫َح َّرة �ضَ ْجنان على الطريق من مكة �إىل املدينة‪ ،‬وقيل‪ :‬عندها نزلت «�سورة الفتح»‬
‫من�صرف النبي �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم من ا ُ‬
‫حل َد ْي ِب َية‬
‫‪ 158‬كأنك‬
‫معه‬
‫مشاعر الوداع‬ ‫كأنك معه‬

‫أفواجا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الناس يف دين اهلل‬
‫والفتح‪ ،‬ودخل ُ‬
‫كأنام أشعر بفرحه صىل اهلل عليه وآله وسلم بأمته وألمته يمأل قلبه‬
‫و َي ْط ِفر عىل حم َّياه‪ ،‬واالمتنان لربه بصدق الوعد ومتام النعمة يغمر مشاعره‬
‫ورضا عىل نفسه‪ ،‬فهو يسري عىل األرض ومشاعره وأشواقه‬‫ويفيض سكين ًة ً‬
‫هناك يف املأل األعىل!‬
‫َ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‬ ‫وأتذوق لوعة الوداع حينام أخت َّيل‬
‫وهو خيرج من طريق كُدى وجبال مكة حتجب بيوهتا شي ًئا فشي ًئا‪ ،‬وخطوات‬
‫راحلته تباعده عنها شي ًئا فشي ًئا‪ ،‬خيرج من مكة بلده الذي نشأ فيه و ُبعث‪،‬‬
‫مكة أحب بالد اهلل إليه‪ ،‬وها هو اليوم يو ِّدعها‪ ،‬هل التفت إليها كام التفت‬
‫قبل ثالث سنني يوم خرج منها يف عمرة القضية فنظر إليها نظرة الوداع وهو‬
‫خلري أرض‬
‫حل ْز َورة ؟ هل قال اليوم ما قاله تلك املرة‪« :‬واهللِ‪ ،‬إنك ُ‬
‫(*)‬
‫عىل ا َ‬
‫خرجت»(‪)224‬؟‬
‫ُ‬ ‫خرجت منك ما‬
‫ُ‬ ‫وأحب أرض اهلل إىل اهلل‪ ،‬ولوال أين ُأ‬
‫ُّ‬ ‫اهلل‪،‬‬
‫لكن وداعه هذه املرة ليس ككل وداع‪ ،‬ها هو خيرج فيو ِّدع مكة‪ ،‬ويو ِّدع‬
‫أهلها‪ ،‬ويوشك أن يو ِّدع احلياة عن قريب!‬
‫ر َّباه! كيف كان شعوره ومشاعره حني خرج من مكة وهو يعلم أن هذا‬
‫الوداع هو الوداع األخري؟‬
‫كيف نظر إليها وهو يعلم أهنا النظرة األخرية؟‬
‫كيف تداعت ذكريات مكة وهي خزانة حياته وبيت عمره‪ ،‬ففيها طفولته‬

‫)*( َ‬
‫احل ْز َورة‪ :‬مرتفع يقابل املسعى‪ ،‬كان وال يزال سو ًقا من أسواق مكة‪ ،‬وتُعرف اليوم بالقشاشية‪.‬‬
‫ينظر‪« :‬معجم البلدان» (‪ ،)255/2‬و«معجم املعامل اجلغرافية يف السرية النبوية» (ص‪.)98‬‬

‫كأنك ‪159‬‬
‫معه‬
‫ُكراع ال َغمِ يم على الطريق من مكة �إىل املدينة‪ ،‬وي�سمى اليوم‪� :‬أبرق ال َغمِ يم‬

‫َثنِية غزال يف الطريق �إىل املدينة‬

‫‪ 160‬كأنك‬
‫معه‬
‫مشاعر الوداع‬ ‫كأنك معه‬

‫وصباه‪ ،‬فتوته وشبابه‪ ،‬رجولته وكهولته‪ ،‬قضاها يف ِشعاهبا ومضايقها‪،‬‬


‫توزعت أيام عمره‬ ‫وجباهلا وفجاجها‪ ،‬وحرمها وكعبتها‪ ،‬يف كل هذه املرابع َّ‬
‫وأحداث حياته؟‬
‫بل ماذا كانت تقول جبال مكة التي كانت ت َُؤ ِّو ُب معه؟ وماذا قالت‬
‫أحجارها التي كانت تس ِّلم عليه(‪)225‬؟ وماذا يقول تراهبا الذي طاملا محل‬
‫وجهه الكريم ساجدً ا؟ ماذا تقول ُدروب مكة التي‬ ‫َ‬ ‫قدمه ماش ًيا‪ ،‬وتل َّقى‬
‫طاملا مشى فيها وتق َّلب بني ِرباعها؟‬
‫بمن يعلم أنه الوداع الذي ال لقاء بعده‪َ « :‬ل َع يِّل‬ ‫يا للوعة الوداع! فكيف َ‬
‫ال ألقاكم بعد عامي هذا»(‪)226‬؟‬
‫ما شعوره صىل اهلل عليه وآله وسلم وهو خيرج من مكة فينظر وهي‬
‫آخر نظراته إليها‪ ،‬وآخر أيامه فيها‪ ،‬وآخر خطواته عليها؟‬
‫يصورها؟ َمن‬ ‫فيتصورها ثم ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َمن يستطيع أن حيتشد لتلك األحاسيس‬
‫يتذوق هذه املشاعر ثم يصفها؟‬ ‫يستطيع أن َّ‬
‫يقربه؟‬ ‫الو ْجد أو ِّ‬‫أين يف شعر الشعراء وبالغة البلغاء ما يصف لنا هذا َ‬
‫أ َّما نحن فيكفينا أن نتخ َّيل املشهد فتخفق القلوب‪ ،‬وهتيج املشاعر‪،‬‬
‫وتقرتب حال من حال!‬
‫ْب رسول اهلل صىل اهلل‬ ‫ِ‬
‫ليت ش ْعري‪ ،‬ما شعور أهل مكة وهم يرون َرك َ‬
‫موج ًها إىل املدينة؟‬ ‫خارجا من بينهم ُم ْصعدً ا يف طريق كُدى َّ‬‫ً‬ ‫عليه وآله وسلم‬
‫الركْب النبوي يتباعد‬ ‫كيف كانت قلوهبم ختفق وعيوهنم تنظر إىل َّ‬
‫عنهم‪ ،‬تسيل به األباطح وتواريه اجلبال؟‬
‫كل يوم منها‬ ‫ها هو خيرج من بينهم بعد أن أقام فيهم عرشة أيام‪ ،‬وكأن َّ‬

‫كأنك ‪161‬‬
‫معه‬
‫َثنِية ِل ْفت‬

‫َثنِية ِل ْفت من م�سارات احلج وقد انحرف عنها الطريق وغمرتها الرمال‬

‫‪ 162‬كأنك‬
‫معه‬
‫مشاعر الوداع‬ ‫كأنك معه‬

‫يعدل سنة من سنوات غيابه العرش عنهم‪ ،‬أهكذا بعد أن آمنوا به واتَّبعوه‬
‫وز َه ْوا به وافتخروا‪ ،‬و َع ِلقت قلوهبم به ح ًّبا وتعظيماً ‪ ،‬يرونه خيرج‬ ‫وأحبوه‪َ ،‬‬
‫من بلدهم إىل حيث هاجر؟‬
‫ماذا لو علموا أنه يو ِّدع مكة ويوشك أن يو ِّدع احلياة‪ ،‬وأن نظراهتم إليه‬
‫يف إرشاقة هذا اليوم هي النظرات األخرية‪ ،‬وأن هذا الوداع هو الوداع الذي‬
‫ال لقاء بعده!‬
‫اجلموع التي أتت من أنحاء‬ ‫ُ‬ ‫وكام و َّدعته مك ُة وأه ُلها‪ ،‬فقد و َّدعته‬
‫وتفرقت الوفو ُد التي صحبته من املدينة‪ ،‬فإهنم قدموا عليه فيها‬ ‫اجلزيرة‪َّ ،‬‬
‫كل منهم‬ ‫نفر ٌّ‬
‫حجهم معه‪ ،‬فلام فرغوا من نُسكهم َ‬ ‫ليتأسوا به يف ِّ‬ ‫وساروا معه َّ‬
‫يف وجهه‪ ،‬وقصد تلقاء بلده‪ ،‬وسار مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫املهاجرون واألنصار و َمن كانت ديارهم يف وجهته تلك‪.‬‬
‫ركب النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم من مكة إىل املدينة تتل َّقاه‬ ‫ُ‬ ‫دفع‬
‫الطريق التي أتى منها‪ ،‬تسيل هبم أباطحها‪ ،‬وحتفهم جباهلا‪ ،‬وهلم مع رسول‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم َد ِو ٌّي بالذكر كام كان هلم يف مقدمهم َض ِجيج‬
‫بالتلبية‪.‬‬
‫فكلام صعدوا شرَ َ ًفا كبرَّ وا اهللَ‪ ،‬وكلام هبطوا واد ًيا س َّبحوا اهللَ(‪،)227‬‬
‫فيستشهدون جبال األرض ووهادها عىل تعظيم اهلل وتنزهيه‪ ،‬ويعمرون فيافيها‬
‫وقفارها بعبادة اهلل وذكره‪ ،‬فكأنام جبال األرض وأحجارها وأشجارها تتجاوب‬
‫مع تكبريهم وتسبيحهم‪( :‬ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ) [اإلرساء‪.]44 :‬‬

‫كأنك ‪163‬‬
‫معه‬
‫رابغ‬

‫غدير خم‬
‫ميقات اجلحفة‬

‫�صورة جوية يظهر فيها غدير خم واجلحفة‬

‫وادي اجلحفة الذي يقع على �شفريه غدير خم‬

‫‪ 164‬كأنك‬
‫معه‬
‫على ال َغ ِدير‬

‫جل ْحفة‪ -‬وهي دون منتصف‬


‫حتى إذا قطع يف الطريق أربعة أيام ووصل ا ُ‬
‫الطريق إىل املدينة‪ -‬أخذ ذات اليمني عن الطريق‪ ،‬وقصد إىل مكان غري بعيد‬
‫عنها يسمى‪َ « :‬غ ِدير ُخم»‪ ،‬فيه نبع ماء عىل شفري ٍ‬
‫واد كثري الشجر‪ ،‬يناسب‬ ‫ٍّ‬ ‫َّ‬
‫الركْب واستظالهلم وارتواء ركاهبم‪.‬‬
‫اسرتاحة َّ‬
‫تفرق الصحابة بني ظالل الشجر يسرتحيون من وعثاء السفر‬ ‫ولذا َّ‬
‫وكالل املسري‪ ،‬حتى إذا زالت الشمس سمعوا النداء الصارخ فيهم‪:‬‬
‫«الصال َة جامع ًة»(*)‪ ،‬وهو نداء الفزع وحدوث أمر يجُ مع الناس له‪.‬‬
‫وه ِّيئ لرسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم مكان خطبته‪ ،‬فكُنس‬ ‫ُ‬
‫ورفع منه ما يتساقط عادة من شوك الشجر‬ ‫مكان بني شجريت َس ُمر‪ُ ،‬‬‫ٌ‬ ‫له‬
‫وأعواده‪ ،‬و ُألقي عليها كساء ُيظ ِّله؛ لشدة احلر ذلك اليوم‪ ،‬وجمُ ع له الناس‪،‬‬
‫فرجع إليه َمن كان متقدِّ ًما‪ ،‬وحلق به َمن كان ِّ‬
‫متأخ ًرا‪.‬‬
‫فصلىَّ الظهر‪ ،‬ثم قام فيهم خطي ًبا‪ ،‬فحمدَ اهللَ‪ ،‬وأثنى عليه‪ ،‬ثم وعظ‬

‫)*( بنصب «الصالة» عىل اإلغراء‪ ،‬و«جامعة» عىل احلال‪ .‬ينظر‪« :‬رشح صحيح مسلم» للنووي‬
‫(‪.)80/18‬‬

‫كأنك ‪165‬‬
‫معه‬
‫�صورة قديمة لغدير خم‬

‫‪ 166‬كأنك‬
‫معه‬
‫على الغدير‬ ‫كأنك معه‬

‫«اللهم اشهدْ ‪،‬‬


‫َّ‬ ‫الناس‪ ،‬هل ب َّل ُ‬
‫غت»‪ .‬قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وذكَّر‪ ،‬فقال‪« :‬أهيا‬
‫اللهم اشهدْ »‪.‬‬
‫َّ‬ ‫اللهم اشهدْ ‪،‬‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫رسول‬ ‫ك أن يأتيني‬ ‫ثم قال‪« :‬أما بعدُ ‪ ،‬أهيا الناس‪ ،‬فإنام أنا برش‪ ،‬ي ِ‬
‫وش ُ‬ ‫ٌ ُ‬ ‫ُ‬
‫كتاب اهلل عز وجل‪ ،‬فيه‬
‫ُ‬ ‫ريب عز وجل فأجي َبه‪ ،‬وإين ٌ‬
‫تارك فيكم َث َقلني‪ :‬أوهلام‬
‫ومن‬ ‫وأخذ به كان عىل ُاهلدى‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫استمسك به‬ ‫اهلدى والنور‪ ،‬هو ُ‬
‫حبل اهلل‪َ ،‬من‬
‫َّ‬
‫فحث‬ ‫تركه وأخطأه كان عىل الضاللة‪ ،‬فخذوا بكتاب اهلل واستمسكوا به»‪.‬‬
‫كم اهللَ يف أهل بيتي‪،‬‬ ‫ُ‬
‫«وأهل بيتي‪ ،‬أذك ُِّر ُ‬ ‫عىل كتاب اهلل ور َّغب فيه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫كم اهللَ يف أهل بيتي»‪.‬‬
‫كم اهللَ يف أهل بيتي‪ ،‬أذك ُِّر ُ‬
‫أذك ُِّر ُ‬
‫تعلمون أين أوىل‬
‫َ‬ ‫عيل ريض اهلل عنه فأقامه‪ ،‬فقال‪« :‬ألستم‬
‫ثم أخذ بيد ٍّ‬
‫تعلمون أين أوىل باملؤمنني من‬
‫َ‬ ‫باملؤمنني من أنفسهم؟»‪ .‬قالوا‪ :‬بىل‪ .‬قال‪« :‬ألستم‬
‫تعلمون أين أوىل باملؤمنني من أنفسهم؟»‪.‬‬
‫َ‬ ‫أنفسهم؟»‪ .‬قالوا‪ :‬بىل‪ .‬قال‪« :‬ألستم‬
‫تعلمون أين أوىل بكل مؤمن من نفسه؟»‪ .‬قالوا‪ :‬بىل‪،‬‬
‫َ‬ ‫قالوا‪ :‬بىل‪ .‬قال‪« :‬ألستم‬
‫كنت مواله‪،‬‬
‫نحن نشهدُ ‪ ،‬ألنت أوىل بكل مؤمن من نفسه‪ .‬قال‪« :‬فإين َمن ُ‬
‫ِ‬
‫وعاد َمن عاداه» (‪.)228‬‬ ‫فعيل مواله‪ ،‬اللهم ِ‬
‫وال َمن وااله‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ٌّ‬
‫عيل ومشاعره وهذه األلوف حول رسول اهلل‬ ‫ر َّباه! كيف كان شعور ٍّ‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬ولكنه هو أقرهبم إليه وأدناهم منه؟‬
‫عيل ويده يف يد رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يرفعها‬
‫ما شعور ٍّ‬
‫أمام كل هذه الزحوف األلوف؟!‬
‫ترتوى من قول الرسول صىل اهلل عليه‬
‫ومشاعره وأذناه َّ‬
‫ُ‬ ‫عيل‬
‫شعور ٍّ‬
‫ُ‬ ‫ما‬
‫فعيل مواله»؟!‬
‫كنت مواله‪ٌّ ،‬‬
‫«من ُ‬
‫وآله وسلم‪َ :‬‬

‫كأنك ‪167‬‬
‫معه‬
‫�صورة قدمية ملكان الغدير بعد �أن دفنه ال�سيل‬

‫�صورة قدمية حلو�ض الغدير‬

‫‪ 168‬كأنك‬
‫معه‬
‫على الغدير‬ ‫كأنك معه‬

‫عليك سال ُم اهلل يا أبا احلسن‪ ،‬فقد كان فضل اهلل عليك عظيماً ‪ ،‬وحق‬
‫لك أن تفرح بذلك وترس‪( :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ) [يونس‪.]58 :‬‬
‫عيل عليه السالم وتعظيم‬
‫وكان سبب هذه اخلطبة والتأكيد عىل فضل ٍّ‬
‫ح ِّقه ووجوب مواالته‪ :‬أن بعض الصحابة كان يف نفوسهم يشء عىل ٍّ‬
‫عيل‪،‬‬
‫َ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله‬ ‫فتك َّلموا عنه يف موسم احلج و َب َل ُغوا بحديثهم‬
‫وسلم‪ ،‬و َن َق ُموا عليه بعض ما عمله يف واليته عىل اجليش الذي أرسله‬
‫عيل‬
‫فترصف ٌّ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل اليمن قبل احلج‪،‬‬
‫ريض اهلل عنه يف املغانم بام استنكره منه بعضهم وتك َّلموا فيه‪ ،‬وقد كان ٌّ‬
‫عيل‬
‫النبي‬
‫متحر ًيا احلق والن ََّصف‪ ،‬فزكَّى ُّ‬
‫ِّ‬ ‫عليه السالم جمتهدً ا مصي ًبا يف اجتهاده‪،‬‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم عم َله‪ ،‬وبينَّ فض َله‪ ،‬و َأكَّد ح َّقه‪ ،‬وكأنام أراد يف هذا‬
‫املقام أن يغسل تلك الشوائب من النفوس ويص ِّفيها ويؤ ِّلف بينها قبل أن‬
‫يصل املدينة‪.‬‬
‫قدره ومنزلتَه‪ ،‬حتى قال ُبريد ُة ب ُن‬
‫ولقد صفت له النفوس و َعرفت له َ‬
‫حلصيب ريض اهلل عنه‪« :‬فام كان أحدٌ من الناس بعد قول رسول اهلل صىل‬ ‫ا ُ‬
‫عيل»(‪.)229‬‬
‫أحب إ َّيل من ٍّ‬
‫اهلل عليه وآله وسلم َّ‬
‫أصبحت‬
‫َ‬ ‫عمر ريض اهلل عنه‪« :‬هني ًئا يا اب َن أيب طالب‪ ،‬فقد‬
‫وقال له ُ‬
‫كل مؤمن ومؤمنة»(‪.)230‬‬‫وأمسيت مولىَ ِّ‬
‫َ‬
‫عيل‬
‫إنه موقف وفاء من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم لسابقة ٍّ‬
‫أناس‪ ،‬وأقدم وقد أدبر‬
‫ريض اهلل عنه إىل اإلسالم يوم أسلم وقد تر َّدد ٌ‬

‫كأنك ‪169‬‬
‫معه‬
‫مكان الغدير على حافة ج�سر قطار احلرمني‬

‫ال�شيخ الم�ؤرخ د‪� .‬أحمد النعماني يقف في المكان الذي يقال �إنه‬
‫م�صلى النبي �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم عند غدير خم‬

‫‪ 170‬كأنك‬
‫معه‬
‫على الغدير‬ ‫كأنك معه‬

‫َ‬
‫آخرون‪ ،‬ثم كان إسالمه إيامنًا يزداد يقينًا‪ ،‬وإقدا ًما يزداد َم َضا ًء‪ ،‬وعطاؤه‬
‫للدين ورسوله أعظم العطاء وأكرمه وأسخاه‪.‬‬
‫لعيل عليه‬
‫إنه ُح ْسن العهد من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ٍّ‬
‫السالم‪ ،‬وهو القائل‪« :‬إن ُح ْس َن العهد من اإليامن»(‪.)231‬‬
‫وللشيعة اإلمامية رواية أخرى حلديث ال َغ ِدير‪ ،‬وسياقهم هلا خيتلف بني‬
‫اختصارا وطولاً ‪ ،‬وإمجالاً وتفصيلاً ‪ ،‬ولكن هذه الروايات تتواطأ‬
‫ً‬ ‫مروياهتم‬
‫لعيل ريض اهلل عنه باإلمامة‪ ،‬واستخالفه بعد رسول‬
‫عىل قضية الوصية ٍّ‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬وأن اهلل أوحى إىل نب ِّيه صىل اهلل عليه وآله‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم خطب يف‬
‫وسلم بذلك‪ ،‬وأمره بالبالغ‪ ،‬وأن َّ‬
‫ِ‬
‫بن أيب طالب أخي‬
‫عيل َ‬ ‫َغدير ُخ ٍّم‪ ،‬وأخذ بيد ٍّ‬
‫عيل ريض اهلل عنه‪ ،‬وقال‪« :‬إن َّ‬
‫ووصيي وخليفتي واإلمام بعدي‪ ...‬اسمعوا له وأطيعوا‪.)232(»...‬‬
‫وأن الصحابة ريض اهلل عنهم الذين معه قد بايعوه كلهم عىل ذلك‪،‬‬
‫بمن فيهم أبو بكر وعمر وعثامن واملهاجرون واألنصار وغريهم‪.‬‬
‫َ‬
‫وأن مآل هذا العهد والوصاة أن نُكث العهد و ُأخلفت الوصاة يوم‬
‫عيل ريض اهلل عنه‪ ،‬و ُأخلف‬ ‫حق ٍّ‬
‫وفاته صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬فاغتُصب ُّ‬
‫عهدُ النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬ونُقض ميثا ُقه‪ ،‬وتولىَّ اخلالفة قبل‬
‫عيل ريض اهلل عنه ثالث ٌة من أصحاب النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم الذين‬
‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫بايعوا عل ًّيا عليه السالم يف ال َغدير‪ ،‬حسب روايتهم هذه!‬
‫يتصور أن كل هذه احلشود املجتمعة مع النبي صىل‬
‫َّ‬ ‫وهنا نتسائل‪ :‬هل‬
‫ٍ‬
‫ونواح شتَّى يتفقون عىل كتامن‬ ‫اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬وهم من قبائل شتَّى‬

‫كأنك ‪171‬‬
‫معه‬
‫�شجرات ال�سمر يف الوادي حول غدير خم‪ ،‬وقد خطب النبي‬
‫�صلى اهلل عليه و�آله و�سلم حتت �شجرتي �سمر‬

‫دوحات ال�سمر حول غدير خم‬

‫‪ 172‬كأنك‬
‫معه‬
‫على الغدير‬ ‫كأنك معه‬

‫هذا العهد ونكثه وعدم الوفاء به؟‬


‫إن كل رس جاوز االثنني شاع‪ ،‬فكيف بمناشدة نبوية يف خطبة عامة‬
‫ُدعي هلا بنداء الفزع‪« :‬الصال َة جامع ًة»‪ ،‬وشدَّ د فيها ُّ‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله‬
‫وسلم العهد والعقد‪ ،‬ثم يتفرق هؤالء يف نواحيهم وعشائرهم‪ ،‬فال يفشو‬
‫اخلرب ويشتهر‪ ،‬وال يظهر النَّكري ممن حرض وسمع وقد رأى خالفه؟‬
‫كيف مل نسمع أن أحدً ا قام يعرتض عىل ما جرى من استخالف أيب بكر‬
‫ريض اهلل عنه‪ ،‬وال أن القبائل حول املدينة جاءت تعرتض أو تستوضح أو‬
‫تستغرب؟‬
‫كل ذلك يبينِّ أنه مل يكن هناك ما يدعو لالعرتاض وال االستغراب‪،‬‬
‫وأنه ليس لدهيم وصية وال عهد سابق يدعوهم الستنكار ما جرى!‬
‫وثمة دالئل أخرى يمكن إدراكها بالنظر املنصف املتط ِّلب للحق(*)‪،‬‬
‫واهللَ نسأل أن هيدينا ملا اختُلف فيه من احلق بإذنه‪ ،‬إنه هيدي َمن يشاء إىل‬
‫رصاط مستقيم‪.‬‬

‫الغ ِدير‪ ،‬ومزيد بسط‬


‫الغ ِدير»‪ ،‬ففيه نحو أربعني داللة تبينِّ حقيقة ما جرى يف َ‬
‫)*( ينظر‪ :‬كتاب «حديث َ‬
‫مفصلة لسياقها‪.‬‬ ‫الغ ِدير وتداعياهتا القبلية والبعدية‪ ،‬ومناقشة َّ‬
‫خلطبة َ‬

‫كأنك ‪173‬‬
‫معه‬
‫ناحية من الطريق تعرب وادي ُقديد‬

‫َح َّرة ال ُم�ش َّلل‪ ،‬وعلى هذا الطريق كانت خيمة �أم َم ْع َبد‬

‫‪ 174‬كأنك‬
‫معه‬
‫بقايا الطريق‬

‫الركْب النبوي من َغ ِدير ُخ ٍّم‪ ،‬يتل َّقاه الطريق إىل املدينة‪ ،‬وأبو بكر‬
‫ويسري َّ‬
‫الصدِّ يق ريض اهلل عنه أقرب أصحابه إليه وأدناهم منه‪.‬‬
‫ِّ‬
‫الصدِّ يق ريض اهلل عنه مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله‬
‫وكأنام أرى ِّ‬
‫وسلم يف مسريه ذلك‪ ،‬وأتساءل‪:‬‬
‫هل تداعت الذكريات يف خاطر أيب بكر وهو يسري مع النبي صىل اهلل‬
‫عليه وآله وسلم وهذه اجلموع حوله؟‬
‫هل تذكَّر يوم سلك هذا الطريق ذاته مع النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫الر َصد أمامهام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قبل عرش سنني مهاج َر ْين إىل املدينة وحدمها مستخف َيينْ من َّ‬
‫ومن ال َّط َلب خلفهام(‪)233‬؟‬
‫هل تذكَّر حني مر ب ُقدَ يد سرُ اق َة بن مالك وهو يعدو بفرسه خلفهام يريد‬
‫أن يظفر هبام(‪)234‬؟‬
‫هل تذكَّر وهو يمر با ُملش َّلل أ َّم َم ْع َبد وخيمتها وشاهتا(‪)235‬؟‬
‫هل تذكَّر الصخرة التي أظلتهام‪ ،‬والغار الذي آوامها(‪)236‬؟‬
‫وهل تر َّدد يف سمعه صدى قول النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم له‪« :‬ال حتزن‬

‫كأنك ‪175‬‬
‫معه‬
‫�إحدى حمطات الطريق بني مكة واملدينة‪ ،‬وت�سمى الآن‪ :‬عني ابن بزيع‬

‫م�سلك من الطريق في وادي القاحة‬

‫‪ 176‬كأنك‬
‫معه‬
‫بقايا الطريق‬ ‫كأنك معه‬

‫إن اهللَ معنا‪ ،‬يا أبا بكر‪ ،‬ما ظنُّك باثنني اهللُ ثال ُث ُهام»(‪)237‬؟‬
‫كأن كل عالمات الطريق ومعامله ختاطبه وتقول‪ :‬من هنا مررتم‪ ،‬وها‬
‫هنا جلستم‪ ،‬وهذا الظل مقيلكم‪ ،‬وذاك السهل مبيتكم‪ ،‬هنا قال لك‪ ،‬وهناك‬
‫قلت له!‬
‫َ‬
‫الصدِّ يق مسريه ذاك يف مسريه هذا؟‬
‫هل تذكَّر ِّ‬
‫أين هذا املسري من ذاك املسري؟‬
‫ما أقرص عرش سنني يف عمر الزمن‪ ،‬وما أعظم األحداث التي تدافعت‬
‫فيها!‬
‫ها هو يسري اليوم مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وقد صدق اهللُ‬
‫أفواجا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الناس يف دين اهلل‬
‫نرص اهلل والفتح ودخل ُ‬
‫وعده ونرص عبده‪ ،‬وجاء ُ‬
‫هل تداعت الذكريات يف وجدان شيخ اإلسالم واملسلمني أيب بكر‬
‫الصدِّ يق ريض اهلل عنه فتذكَّر وهو يسري مع النبي ظاهرين يف األرض يوم‬
‫ِّ‬
‫سار معه يستخفيان يف مسريمها يف هذا الطريق‪.‬‬
‫هل تذكَّر وهو يسري مع النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ومعه هذه‬
‫األلوف الزاحفة‪ ،‬يوم سار مع النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم يف هذا الطريق‬
‫ذاته والوجهة ذاهتا وحدمها ليس معهام غريمها‪( :‬ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ) [األعراف‪.]86 :‬‬
‫الصدِّ يق‬
‫أحسب أن مشاعر االغتباط واالمتنان كانت تغمر قلب ِّ‬
‫ونفسه‪ ،‬وأن نعيم االمتنان هلل كان يمأل وجدانه بام يتقارص عنه كل نعيم‬
‫تذوقه أهل الدنيا‪.‬‬
‫َّ‬

‫كأنك ‪177‬‬
‫معه‬
‫بئر امل�صنوع ب ُقديد على طريق احلاج‬

‫من الآبار على طريق الحاج‬

‫‪ 178‬كأنك‬
‫معه‬
‫بقايا الطريق‬ ‫كأنك معه‬

‫للصدِّ يق وهو يسري مع النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ويرى‬
‫قرة عني ِّ‬
‫يف مسريه ذلك بشائر حسن العاقبة وطيب املنقلب!‬
‫ثم ما هي أحاسيس املهاجرين ومشاعرهم‪ ،‬أما جاشت الذكريات يف‬
‫نفوسهم وهم يسريون مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ظاهرين يف‬
‫األرض؟‬
‫أما تذكَّروا يف طريقهم هذا يوم خرجوا مستخفني من مكة يرسبون‬
‫منها َأ ْرسالاً يسريون يف هذا الطريق مهاجرين بدينهم وإىل رسوهلم‪ ،‬تاركني‬
‫بلدَ هم وأموالهَ م وقراباهتم إىل بلد ال مال هلم فيها وال أهل؟‬
‫ما شعورهم وهم يعودون مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم اليوم‬
‫من مكة إىل املدينة‪ ،‬وكأنام يستعيدون مسريهم األول وهجرهتم األوىل؟‬
‫ولكن أين ذاك املسري من هذا املسري! ها هم يرون صدق موعود اهلل هلم‪،‬‬
‫وكأين هبم ير ِّددون يف وجداهنم ومع خفقات قلوهبم‪( :‬ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [األحزاب‪.]22 :‬‬
‫كيف هي أحاسيسهم وهم يتذوقون إكرام اهلل هلم‪ ،‬حيث ذكرهم يف املأل‬
‫األعىل فسماَّ هم وزكَّاهم فقال‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ)‬
‫[التوبة‪]100 :‬؟‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم حيفظ‬
‫كيف شعورهم اليوم وهم يرون َّ‬
‫هلم سابقتهم هذه فيقول َملن حاول اللحاق هبم من بعدهم ‪« :‬ال هجر َة بعد‬
‫الفتح‪ ،‬مضت اهلجر ُة ألهلها»(‪.)238‬‬
‫وهاهم اليوم يسريون يف طريق هجرهتم الذي سلكوه أول مرة‪ ،‬وكأن‬

‫كأنك ‪179‬‬
‫معه‬
‫امل ُ َح َّ‬
‫يطة �إحدى منازل طريق احلاج‪ ،‬ويقال‪� :‬إنها من م�صليات الر�سول‬
‫�صلى اهلل عليه و�آله و�سلم يف طريق حجه‬

‫مكان م�سجد البي�ضاء‪ ،‬ويقال‪� :‬إنه من م�صليات الر�سول‬


‫�صلى اهلل عليه و�آله و�سلم في هذا الطريق‬
‫‪ 180‬كأنك‬
‫معه‬
‫بقايا الطريق‬ ‫كأنك معه‬

‫كل واحد منهم وهو يسري‬‫كل شواخص الطريق وشواهده ومعامله ختاطب َّ‬
‫فتقول له‪ :‬أنت أنت من أهلها‪ ،‬ولن يلحق بكم غريكم‪« ،‬مضت اهلجر ُة‬
‫ألهلها»‪.‬‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم أكثر الطريق‬ ‫تقاربت املدينة وقطع‬
‫بالر ْوحاء‪ -‬وهي منزل يبعد عن املدينة مرحلتني(*)‪-‬‬ ‫إليها‪ ،‬حتى إذا كان َّ‬
‫لقي َر ْك ًبا يف الطريق‪ ،‬فس َّلم عليه‪ ،‬وقال‪َ « :‬من القو ُم؟»‪ .‬قالوا‪ :‬املسلمون‪.‬‬
‫«رسول اهلل»‪َ .‬ف َف ِزعت امرأ ٌة منهم فأخذت ب َع ُض ِد‬
‫ُ‬ ‫قالوا‪َ :‬من أنت؟ قال‪:‬‬
‫حج؟ قال‪:‬‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬أهلذا ٌّ‬ ‫صبي هلا فأخرجته من حم َّفتها(**) فقالت‪ :‬يا‬ ‫ٍّ‬
‫أجر»(‪.)239‬‬
‫«نعم‪ ،‬ولك ٌ‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‪،‬‬‫الركْب الذين سأهلم ُّ‬ ‫وأعجب هلؤالء َّ‬
‫فلم ينتسبوا إىل يشء مما ينتسب إليه الناس‪ ،‬ال إىل قبيلة وال إىل وطن‪ ،‬عىل‬
‫شدة عصبية العرب لقبائلهم وديارهم‪ ،‬وإنام انتسبوا إىل دينهم الذي آمنوا‬
‫به واتَّبعوه‪.‬‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪َ :‬من أنت؟‬ ‫َ‬ ‫وأعجب من سؤاهلم‬
‫فلم يكن لرسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم شارة مت ِّيزه‪ ،‬وال هيئة ورسوم‬
‫شأن إخوانه من‬ ‫ختصه‪ ،‬ولكنه مع الناس بينهم‪ ،‬منغمر فيهم‪ ،‬قريب منهم‪َ ،‬‬ ‫ُّ‬
‫أنبياء اهلل ورسله عليهم السالم‪ ( :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الفرقان‪.]20 :‬‬
‫)*( تبعد عن املدينة (‪ )70‬كيلاً ‪.‬‬
‫)**( املح َّفة‪ -‬بفتح وكرس امليم‪ :-‬شبه اهلودج‪ ،‬إِلاَّ أهنا ال قبة عليها‪ .‬ينظر‪« :‬مطالع األنوار ع ىل‬
‫صحاح اآلثار» (‪ ،)337/2‬و«عون املعبود» (‪.)110/5‬‬

‫كأنك ‪181‬‬
‫معه‬
‫َثنِية َه ْر�شى يف منت�صف الطريق‪ ،‬ويقال‪� :‬إن مكان امل�سجد هو‬
‫م�صلى النبي �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم عندها‬

‫َثنِية َه ْر�شى من جهتها الجنوبية وتت�ضح ُوعُورتها و�ضيقها‬

‫‪ 182‬كأنك‬
‫معه‬
‫بقايا الطريق‬ ‫كأنك معه‬

‫حجت بولدها الصغري معها‪ ،‬فلام‬


‫فظاهر من حاهلا أهنا َّ‬
‫ٌ‬ ‫أما هذه املرأة‬
‫حجها بصب ِّيها‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم أرادت أن تستيقن أن َّ‬
‫لقيت َّ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫النبي صىل اهلل عليه‬
‫وكم كانت فرحة هذه املرأة وبرشاها يوم قال هلا ُّ‬
‫أجر»‪.‬‬
‫وآله وسلم‪« :‬نعم»‪ .‬ثم أتبعها ببشارة أخرى فقال‪« :‬ولك ٌ‬
‫حلليفة‬
‫الركْب النبوي الرشيف‪ ،‬حتى إذا دنا من املدينة نزل بذي ا ُ‬
‫وسار َّ‬
‫يف الوادي املبارك فبات هبا‪ ،‬وذلك حتى ال يطرق املدينة ليلاً ‪ ،‬وحتى يصل‬
‫اخلرب إىل أهل املدينة فيته َّيئوا الستقبال أهلهم الغائبني القادمني‪.‬‬
‫يا تُرى كيف كان شعور األنصار تلك الليلة وقد َدن َْوا من مدينتهم‬
‫ُ‬
‫ورسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم معهم؟‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل‬
‫بل كيف كان شعورهم يوم سار ُّ‬
‫املدينة ترافقه القبائل التي جاءت معه‪ ،‬وتو ِّدعه كل قبيلة إذا حاذت منازهلا‬
‫وأوشكت أن تفارقه؟ حتى أهل مكة و َّدعوه حني أراد أن يرحل منها‪ ،‬إال‬
‫هم فقد َأت َْوا معه من املدينة‪ ،‬وها هم يعودون به إليها‪.‬‬
‫أي ِغبطة كانت متأل نفوسهم وهم يسريون مع رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫ُ‬
‫ورسول اهلل صىل‬ ‫تتفرق يف األودية ِّ‬
‫والشعاب‬ ‫وآله وسلم‪ ،‬فريون القبائل َّ‬
‫اهلل عليه وآله وسلم معهم يف مسريهم يدخل كل ٍ‬
‫واد دخلوه‪ ،‬ويسلك كل‬
‫ِش ْعب سلكوه؟‬
‫األنصار ِش ْع ًبا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وسلك‬ ‫الناس واد ًيا‪،‬‬
‫سلك ُ‬‫هل تذكَّروا يوم قال هلم‪« :‬لو َ‬
‫لسلكت ِش ْعب األنصار»(‪)240‬؟‬
‫ُ‬

‫كأنك ‪183‬‬
‫معه‬
‫طريق احلج ال�سالك يف منطقة الأَ ْبواء‬

‫بقايا علم المنت�صف الذي يحدد منت�صف الطريق بين المدينة ومكة‬

‫‪ 184‬كأنك‬
‫معه‬
‫بقايا الطريق‬ ‫كأنك معه‬

‫هل تذكَّروا قوله صىل اهلل عليه وآله وسلم هلم يوم َق َسم غنائم ُحنني‪،‬‬
‫الناس‬
‫ُ‬ ‫«ألاَ ترضون أن يذهب‬ ‫فأعطى املئات من اإلبل ومل يعطهم منها‪َ :‬‬
‫بالدُّ نيا وتذهبون برسول اهلل حتوزونه إىل بيوتكم»(‪)241‬؟‬
‫أين اإلبل التي ُأعطيت؟ أين الغنائم التي ُقسمت؟ ذهبت كلها وبقي‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬قرة عني‬ ‫لألنصار َق ْسمهم ونَصي ُبهم‬
‫هلم يوم قالوا‪« :‬رضينا برسول اهلل قس ونصيبا»‪ .‬واهلل ِ‬
‫لش ْس ِع نعل رسول‬ ‫ً‬ ‫ماً‬
‫غريهم و َغنِم‪.‬‬ ‫اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يكون عندهم خري مما ُأ َ‬
‫عطي ُ‬
‫وتفرق الناس من حوهلم‬
‫وها قد أوشك األنصار أن يدخلوا املدينة َّ‬
‫وحلقوا بديارهم وبقي معهم رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم يزفونه‬
‫حتى أدخلوه بني بيوهتم وأوجلوه دورهم‪.‬‬
‫يا هلل ملشاعر األنصار ليلتهم هذه‪ ،‬كيف كانت تشع عيوهنم وهم‬
‫ينظرون إىل املدينة أمامهم‪ ،‬ثم ينظرون إىل رسول اهلل بينهم؟‬
‫الغبطة والفرح َت ْط ِفر يف قلوهبم وهم يتذكَّرون وعد رسول‬
‫كيف كانت ِ‬
‫فوفىَ هلم‪ ،‬وقال هلم فصدقهم‪:‬‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وقد وعدهم َ‬
‫واملامت مماتكم»(‪)242‬؟‬
‫ُ‬ ‫«املحيا حمياكم‪،‬‬

‫كأنك ‪185‬‬
‫معه‬
‫مكان م�سجد ال ُم َع َّر�س قدي ًما‪ ،‬وتبدوا �أنقا�ضه تحت ال�شجرة‬

‫الحليفة في �أ�سفل ال�صورة تحت ال�شجرة‪،‬‬


‫مكان م�سجد ال ُم َع َّر�س قدي ًما بذي ُ‬
‫الحليفة قدي ًما‬
‫ويظهر خلفه م�سجد ذي ُ‬
‫‪ 186‬كأنك‬
‫معه‬
‫صباح القدوم‬

‫توجه إىل املدينة فدخلها من طريق‬


‫فلام أصبح صىل اهلل عليه وآله وسلم َّ‬
‫ا ُمل َع َّرس‪ ،‬وكان قد خرج من طريق الشجرة(‪ ،)243‬وبينهام وبني املدينة ستة‬
‫أميال‪ ،‬إال أن ا ُمل َع َّرس أقرب‪ ،‬وذلك عىل عادة النبي صىل اهلل عليه وآله‬
‫وسلم يف خمالفة الطرق‪ ،‬فقد خرج من املدينة من طريق ودخلها من طريق‪،‬‬
‫كام دخل مكة من طريق وخرج منها من طريق‪.‬‬
‫وال أحسب ذلك إال إسعا ًدا َملن يمر هبم‪ ،‬فيكون لكل من عىل الطريقني‬
‫حظه من بركة مرور النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم هبم(*)‪.‬‬
‫حتى إذا أرشف عىل املدينة قال‪« :‬ال إله إِلاَّ اهللُ وحده ال شرَ ِ يك له‪،‬‬
‫عابدون‪،‬‬
‫َ‬ ‫تائبون‪،‬‬
‫َ‬ ‫آيبون‪،‬‬
‫َ‬ ‫يشء قدير‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫له ا ُمل ْل ُ‬
‫ك‪ ،‬وله احلمدُ ‪ ،‬وهو عىل ِّ‬
‫األحزاب‬
‫َ‬ ‫ونرص عبدَ ه‪ ،‬وهز َم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صدق اهللُ وعدَ ه‪،‬‬ ‫حامدون‪،‬‬
‫َ‬ ‫ساجدون‪ ،‬لربنا‬
‫َ‬
‫وحدَ ه»‪ .‬فام زال يقوهلا صىل اهلل عليه وآله وسلم حتى دخل املدينة‪ ،‬فلام‬
‫حرك راحلته وأرسع؛ شو ًقا إىل املدينة وح ًّبا(‪.)244‬‬ ‫استبانت له جدران املدينة َّ‬

‫)*( ويف حكمة خمالفة الطريق أقوال كثرية‪ ،‬أوصلها احلافظ يف «فتح الباري» (‪ )473 -472/2‬إىل‬
‫عرشين قولاً ‪ ،‬وينظر‪« :‬رشح صحيح مسلم» للنووي (‪.)190/8‬‬

‫كأنك ‪187‬‬
‫معه‬
‫مكان م�سجد املعر�س يف �أ�سفل ال�صورة‪ ،‬ويبدو يف �أعالها منارة‬
‫م�سجد ذي ا ُ‬
‫حلليفة (امليقات)‬

‫‪ 188‬كأنك‬
‫معه‬
‫صباح القدوم‬ ‫كأنك معه‬

‫وانفرط عقد اجلمع الذين كانوا مع النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‪،‬‬
‫وأرسع ٌّ‬
‫كل منهم راحلته تلقاء وجهة داره‪ ،‬وكان مشهد الرواحل وهي تعدوا‬
‫تفرقت وجهاهتا وأرسع هبا ُركَّاهبا مشهدً ا يضج بالفرح ويعلن‬
‫مرسعة وقد َّ‬
‫املفرحات؛ ملا‬
‫البهجة‪ ،‬وال يزال أهل املدينة إىل اليوم يسمون هذا املطلع‪ِّ :‬‬
‫َي ْط ِفر عىل املسافرين من الفرح إذا وصلوها فأرشفوا عىل املدينة واسترشفت‬
‫هلم‪.‬‬
‫كل تخَ ُب به راحلته إىل بيته‪،‬‬
‫تفرق اجلمع الذين كان الطريق جيمعهم‪ٌّ ،‬‬
‫َّ‬
‫فقد سبقهم خرب قدومهم إىل بيوهتم‪ ،‬وهناك يف كل بيت طعا ٌم ُصنع‪ ،‬وامرأ ٌة‬
‫ت ََزينت‪ِ ،‬‬
‫وصبي ٌة يرقبون الطريق بلهفة وفرح‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ضحى‪،‬‬
‫أما رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم فقد قصد املسجد فدخله ً‬
‫وكان إذا دخل املدينة بدأ باملسجد فصلىَّ فيه ركعتني‪ ،‬ثم جيلس للناس‪،‬‬
‫فيس ِّلم عليه َمن كانوا ينتظرونه فيه‪ ،‬ثم يدخل عىل أهله‪ ،‬فيبدأ ببيت فاطمة‬
‫ريض اهلل عنها فيس ِّلم عليها‪ ،‬ثم يأيت بيوت نسائه فيطوف عليهن(‪ ،)245‬وأما‬
‫أهل املدينة فقد كانوا يتتابعون بعد إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫يسلمون عليه بقية اليوم وما بعده‪.‬‬
‫وكان ممن جاء للسالم عليه‪ :‬أ ُّم َم ْع ِقل ريض اهلل عنها(‪ ،)246‬فلام س َّلمت‬
‫َ‬ ‫حتجي معنا؟»‪ .‬قالت‪ :‬يا‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬لقد‬ ‫عليه قال هلا‪« :‬يا أ َّم َم ْعقل‪ ،‬ما لك مل ِّ‬
‫هت َّيأنا فهلك أبو َم ْع ِقل‪ ،‬وكان لنا مجل هو الذي نحج عليه‪ ،‬فأوىص به أبو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َم ْعقل يف سبيل اهلل‪ .‬فقال‪« :‬فهلاَّ خرجت عليه؛ فإن َّ‬
‫احلج يف سبيل اهلل‪ ،‬فأما‬
‫كحجة»(‪.)247‬‬
‫َّ‬ ‫إذ فاتتك هذه احلجة معنا‪ ،‬فاعتمري يف رمضان؛ فإهنا‬

‫كأنك ‪189‬‬
‫معه‬
‫ن�صب من �أعالم الطريق في وادي القاحة‬

‫�أحد المعالم المن�صوبة على طريق الحاج‪،‬‬


‫وعلى اليمين‪:‬الأ�ستاذ عبد الحافظ القريقري‪ ،‬وعلى الي�سار‪ :‬ال�شيخ �أحمد النعماني‬
‫‪ 190‬كأنك‬
‫معه‬
‫صباح القدوم‬ ‫كأنك معه‬

‫ولك أن تتخ َّيل َو ْقع سؤال النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم عىل أم َم ْع ِقل‪:‬‬
‫حتجي معنا؟»‪ .‬كيف فقدها ومعه كل هذه األلوف الزاحفة؟ كيف‬
‫«ما لك مل ِّ‬
‫فقدها وهو املشغول بشأن الناس كلهم؟ كيف فقدها ثم ها هو اآلن يسأهلا؟‬
‫ال أستطيع أن أخت َّيل فرحها وزهوها هبذا السؤال‪ ،‬وشعورها باهتامم‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم هبا‪.‬‬
‫إهنا الرباعة النبوية يف إشعار كل أحد بأمهيته‪ ،‬حتى جتد امرأة من عامة‬
‫املسلمني مكاهنا من اهتامم النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم وتفقده وسؤاله‪،‬‬
‫مهمش!‬
‫فليس أحد يف حياة النبي مغمور أو َّ‬
‫ويغلب عىل الظن أن وصول النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم إىل املدينة‬
‫كان يف يوم اخلميس الثاين والعرشين من ذي احلجة‪ ،‬وكان بني خروجه من‬
‫مكة‪ ،‬وخروجه من الدنيا ثامنون ليلة‪ ،‬فكانت حجته صىل اهلل عليه وآله‬
‫وسلم هي الوداع املبارك ألمته‪ ،‬واخلتام احلسن حلياته‪.‬‬
‫فصلوات اهلل وسالمه وبركاته عىل هذا النبي العظيم‪ ،‬فام أكرمه عىل‬
‫ربه‪ ،‬وما أعظم بركته عىل أمته‪.‬‬
‫وقرة عني للمهاجرين الذين خت َّل ْوا عن الدنيا؛ ليكونوا مع رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم فهاجروا معه‪ ،‬وها هم اليوم يرتكون مكة كام‬
‫تركوها ويعودون معه‪.‬‬
‫وقرة عني لألنصار الذين وقفوا يف وجه الدنيا؛ ليكون رسول اهلل صىل‬
‫واؤه عندهم وح ُّبه ودعاؤه هلم‪.‬‬ ‫اهلل عليه وآله وسلم عندهم‪ ،‬هني ًئا هلم ثِ ُ‬
‫واهللِ‪ ،‬ما مجعهم اهللُ حوله يف الدنيا عىل اإليامن إِلاَّ ليجمعهم به يف اجلنة‬

‫كأنك ‪191‬‬
‫معه‬
‫�إحدى الثنايا ال�ضيقة الوعرة في الطريق‬

‫محطة المتع�شي على الطريق في وادي الجي‬

‫‪ 192‬كأنك‬
‫معه‬
‫صباح القدوم‬ ‫كأنك معه‬

‫الصدِّ يقني والشهداء‪.‬‬


‫يف منازل ِّ‬
‫ونتوسل‬
‫َّ‬ ‫واشوقاه واهلفتاه لتلك الوجوه الرضية املرضية‪ ،‬ر َّباه إنا نحبهم‬
‫إليك بحبهم فيك إِلاَّ مجعتنا إليهم يف جنتك‪.‬‬

‫كأنك ‪193‬‬
‫معه‬
‫ميا‬
‫قوافل الإبل قد ً‬

‫ميا‬
‫قوافل الإبل قد ً‬
‫‪ 194‬كأنك‬
‫معه‬
‫ما قبل الكتابة‬

‫مادة هذا الكتاب حصيلة تطواف عىل موارد عديدة ومتنوعة‪ ،‬هي‬
‫جممع األخبار النبوية‪ ،‬ومل أشأ أن أعرضها بالطريقة التفصيلية املعتادة يف‬
‫رسد أسامء الكتب‪ ،‬ولكن باإلشارة اإلمجالية إىل أنواع جامعة هلذه املوارد‪:‬‬

‫أولاً ‪ :‬املؤ َّلفات املفردة عن حجة الوداع‪:‬‬


‫لعل أقدم تأليف مستقل عن حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‪،‬‬
‫هو حديث جابر بن عبد اهلل بن حرام األنصاري ريض اهلل عنه؛ فإنه من‬
‫أحسن الرواة سياقة حلجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم وترتيب أعامهلا‪،‬‬
‫ً‬
‫منسكا‪ ،‬فقال الذهبي يف ترمجته يف «تذكرة احلفاظ»‪« :‬وله‬ ‫ولذا ُس ِّمي حديثه‬
‫منسك صغري يف احلج‪ .‬أخرجه مسلم»(‪.)248‬‬
‫وذكره ابن كثري يف «البداية والنهاية» يف ذكر حجة الوداع‪ ،‬فقال‪« :‬فصل‬
‫يف إيراد حديث جابر بن عبداهلل ريض اهلل عنهام يف حجة رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وآله وسلم‪ ،‬وهو وحده منسك مستقل»(‪.)249‬‬

‫كأنك ‪195‬‬
‫معه‬
‫ما قبل الكتابة‬ ‫كأنك معه‬

‫ولعظمة حديث جابر ريض اهلل عنه‪ ،‬اعتنى به األئمة‪ ،‬فقد رشحه احلافظ‬
‫أبو بكر ابن املنذر يف جزء له‪ ،‬وأخرج فيه من الفقه مائة وني ًفا ومخسني ً‬
‫نوعا‪،‬‬
‫ولو تقىص لزيد عىل هذا القدر قريب منه(‪.)250‬‬
‫وقد رجعت يف حديث جابر ريض اهلل عنه إىل‪:‬‬
‫‪« -1‬حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم كام رواها جابر ريض اهلل‬
‫عنه» للشيخ حممد نارص الدين األلباين رمحه اهلل‪.‬‬
‫‪« -2‬صفة حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬رشح حديث جابر‬
‫الطويل» للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي‪.‬‬
‫‪« -3‬رشح حديث جابر بن عبد اهلل ريض اهلل عنهام يف صفة حجة النبي‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم» للشيخ حممد بن صالح بن عثيمني رمحه اهلل‪.‬‬
‫كام رجعت للكتب اجلامعة يف مجع صفة حجة النبي صىل اهلل عليه وآله‬
‫وسلم‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪« -1‬حجة الوداع» لإلمام أيب حممد عيل بن حزم الظاهري‪ ،‬واستفدت‬
‫من مقدمته التي مجع فيها روايات األحاديث يف سياق واحد‪ ،‬فسلكت‬
‫الطريقة نفسها يف هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪« -2‬صفوة ِ‬
‫القرى يف صفة حجة املصطفى‪ ،‬وطوفه بأم القرى» ملحب‬
‫الدين أمحد بن عبداهلل الطربي وقد طبع باسم «حجة املصطفى»‪.‬‬
‫‪« -3‬حجة الوداع» ملحمد زكريا الكاندهلوي‪ ،‬وهو رشح لصفة حجة‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم كام أوردها ابن القيم يف «زاد املعاد»‪.‬‬

‫‪ 196‬كأنك‬
‫معه‬
‫ما قبل الكتابة‬ ‫كأنك معه‬

‫‪« -4‬صفة حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم» لعصام موسى هادي‪،‬‬
‫وهو مجع مستقص ألحاديث حجة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم مع ترتيب‬
‫سياقها‪.‬‬
‫‪« -5‬الوصية النبوية» د‪ .‬فاروق محادة‪ ،‬وهو مجع ورشح أللفاظ خطبة‬
‫حجة الوداع‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬كتب احلديث اجلوامع‪:‬‬


‫وجلمع أكرب عدد من روايات األحاديث‪ ،‬فقد استعرضت كتاب احلج‬
‫يف بعض كتب احلديث اجلامعة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪« -1‬اجلمع بني الصحيحني» أليب حممد عبد احلق اإلشبييل‪.‬‬
‫‪« -2‬زوائد السنن عىل الصحيحني» للشيخ صالح بن أمحد الشامي‪.‬‬
‫‪« -3‬جامع األصول» أليب السعادات املبارك بن حممد ابن األثري‬
‫اجلزري‪.‬‬
‫‪« -4‬جممع الزوائد» للحافظ نور الدين عىل بن أيب بكر اهليثمي‪.‬‬
‫‪« -5‬املطالب العالية» للحافظ أمحد بن عيل بن حجر العسقالين‪.‬‬
‫وقد استفدت من هذه املراجع املتخصصة واجلامعة‪ ،‬وقادتني إىل أصوهلا‬
‫من كتب السنة‪ ،‬كـ «الصحيحني»‪ ،‬و«السنن»‪ ،‬و«املسانيد»‪ ،‬و«املعاجم»‪ ،‬مما‬
‫تراه يف هوامش الكتاب امللحقة‪.‬‬
‫املوسعة‪ ،‬كـ «فتح الباري»‪،‬‬
‫ريا الرجوع إىل رشوح احلديث َّ‬
‫ومما أفادين كث ً‬
‫و«هدي الساري»‪ ،‬و«إكامل املعلم»‪ ،‬ورشوح املشكاة‪ ،‬ونحوها‪.‬‬

‫كأنك ‪197‬‬
‫معه‬
‫ما قبل الكتابة‬ ‫كأنك معه‬

‫ثال ًثا‪ :‬كتب السري والشامئل‪:‬‬


‫وجاء ذكر حجة الوداع ضمن سياق سريته وهديه صىل اهلل عليه وآله‬
‫وسلم يف هذه الكتب‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪« -1‬زاد املعاد» لإلمام شمس الدين حممد بن أيب بكر ابن القيم‬
‫اجلوزية‪.‬‬
‫‪« -2‬البداية والنهاية» للحافظ أيب الفداء إسامعيل بن عمر بن كثري‬
‫الدمشقي (قسم السرية النبوية)‪.‬‬
‫‪« -3‬رشح الزرقاين عىل املواهب اللدنية» للحافظ أيب العباس أمحد بن‬
‫حممد القسطالين الشافعي‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬كتب تاريخ مكة‪:‬‬


‫ً‬
‫وقد رجعت فيها إىل «تاريخ مكة» لألزرقي‪ ،‬املسمى‪« :‬أخبار مكة‬
‫رشفها اهلل تعاىل‪ ،‬وما جاء فيها من اآلثار»‪ ،‬و«تاريخ مكة» للفاكهي‪،‬‬
‫املسمى‪« :‬أخبار مكة يف قديم الدهر وحديثه»‪ ،‬و«تاريخ مكة» للكردي‪،‬‬
‫املسمى‪« :‬التاريخ القويم ملكة وبيت اهلل الكريم»‪ ،‬وقد طبعت كلها بعناية‬
‫معايل الشيخ د‪ .‬عبد امللك بن عبداهلل بن دهيش‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬التلقي عن األشياخ‪:‬‬


‫ً‬
‫مع ما استفدت من مشاخيي‪ ،‬ومنهم معايل الشيخ عبد اهلل بن سليامن بن‬
‫منيع‪ ،‬ومعايل الشيخ عبد اهلل ابن الشيخ املحفوظ بن بيه‪ ،‬ومعالـي الشيخ د‪.‬‬
‫‪ 198‬كأنك‬
‫معه‬
‫ما قبل الكتابة‬ ‫كأنك معه‬

‫عبد امللك بن عبد اهلل بن دهيش‪ ،‬ومعايل الشيخ د‪ .‬عبد الوهاب بن إبراهيم أبو‬
‫سليامن‪ ،‬وأخي الشيخ العالمة عبد العزيز بن مرزوق الطريفي‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫وكذلك ما استفدته ممن أدركتهم من كبار السن يف نجد واحلجاز‪،‬‬
‫والذين أدركوا البيئة احلياتية القريبة حلال الناس يف عهد النبي صىل اهلل عليه‬
‫وآله وسلم‪ ،‬كاالرحتال عىل اإلبل‪ ،‬وورود املياه واآلبار‪ ،‬ومعرفة األدوات‬
‫املستخدمة لتقارب البيئة ونمط احلياة‪.‬‬

‫عزمت عىل إعادة طبع الكتاب سنة (‪1437‬هـ)‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫سادسا‪ :‬وعندما‬
‫ً‬
‫حتر ًيا عىل طريق األنبياء عليهم‬
‫قمت برحلة أخرى أكثر ِّ‬ ‫مع الزيادة عليه‪ُ ،‬‬
‫فسلكت‬
‫ُ‬ ‫السالم بني املدينة ومكة‪ ،‬متت ِّب ًعا منازل الطريق منزلاً منزلاً ‪،‬‬
‫ووقفت‬
‫ُ‬ ‫لعت من ثناياه‪،‬‬ ‫وهبطت ِوهاده‪َّ ،‬‬
‫واط ُ‬ ‫ُ‬ ‫وصعدت شرَ َ فه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِفجاجه‪،‬‬
‫عىل معامل الطريق التي ُنصبت يف هذا املسار يف أول خالفة بني العباس‪،‬‬
‫وهي ُن ُصب من حجارة ضخمة متساوية األبعاد فيام بينها‪ ،‬بني كل ُن ُصب‬
‫منها والذي يليه ألف وسبعامئة مرت‪ ،‬وال تزال شواهد منها قائمة يف أماكنها‪،‬‬
‫تعرض كثري منها للتجريف واإلزالة‪.‬‬
‫كام َّ‬
‫كنت يف هذه الرحلة مع أخوين كريمني من أهل هذه األماكن‪،‬‬
‫وقد ُ‬
‫املؤرخ‬
‫خبريين هبذا الطريق‪ ،‬أماكنه ومعامله ومسالكه‪ ،‬مها األخ الشيخ ِّ‬
‫اجلغرايف أمحد النعامين‪ ،‬من أهل َ‬
‫األ ْبواء‪ ،‬واألخ الباحث اجلغرايف األستاذ‬
‫عبد احلافظ القريقري‪ ،‬من أهل ُقديد‪ ،‬وقد أفاداين يف هذه الرحلة‪َّ ،‬‬
‫وحتمال‬
‫ممهدة‪ ،‬فشكر‬
‫َو ْعثاء السفر ونصب الطريق‪ ،‬وكان السري يف طرق وعرة غري َّ‬

‫كأنك ‪199‬‬
‫معه‬
‫ما قبل الكتابة‬ ‫كأنك معه‬

‫اهلل هلام تعاوهنام‪ ،‬وأعظم أجرمها‪.‬‬


‫الغ ِفرية مع رسول‬
‫ختيلت وأنا أسلك هذه املسالك تلك اجلموع َ‬
‫ولقد َّ‬
‫اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬وهي تنفذ من ثنايا وعرة ضيقة‪ ،‬وتقطع‬
‫فيايف متباعدة مقفرة‪ ،‬وقرأت عىل صفحة األرض عذابات السفر التي كان‬
‫املسافرون يتحملون ألواءها يوم كان السفر قطعة من العذاب‪.‬‬
‫املرشفة بخطوات الرسول صىل اهلل عليه وآله وسلم‪،‬‬ ‫ورأيت األما كن َّ‬
‫ُ‬
‫املعطرة بأنفاسه‪ ،‬والتي ُخ ِّلد ذكرها؛ ألهنا ارتبطت بذكره‪ ،‬فهذا سرَ ِ ف‪،‬‬
‫َّ‬
‫الغ ِميم‪ ،‬وهذا لحَ ْ ي جمَ َ ل‪ ،‬وذاك ُقديد‪ ،‬وتلك َه ْر َشى‪ ،‬وذاك‬
‫وذاك ُكراع َ‬
‫َك ِديد‪.‬‬
‫من هنا سار‪ ،‬وهاهنا نزل‪ ،‬وهناك أرشف‪ ،‬وهنا هبط‪.‬‬
‫هنا ترتاءى أطايفه‪ ،‬وحتكي تلك املعامل سريته‪ ،‬وتروي خربه‪.‬‬
‫صىل اهلل وسلم وبارك عليه‪.‬‬

‫ساب ًعا‪ :‬الصور واخلرائط‪:‬‬


‫‪ -1‬ما قمت بتصويره من املواضع املذكورة يف سياق حجته صىل اهلل‬
‫عليه وآله وسلم‪ ،‬منذ خروجه من املدينة إىل خروجه من مكة‪.‬‬
‫‪« -2‬أطلس خرائط مكة املكرمة» د‪ .‬معراج بن نواب مرزا‪.‬‬
‫‪« -3‬األطلس املصور ملكة املكرمة واملشاعر املقدسة» د‪ .‬معراج بن‬
‫نواب مرزا‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل بن صالح شاوش‪ ،‬من إصدارات دارة امللك عبد‬
‫العزيز‪.‬‬
‫‪ 200‬كأنك‬
‫معه‬
‫ما قبل الكتابة‬ ‫كأنك معه‬

‫‪ -4‬جمموعة صور وخرائط من «مركز دراسات وأبحاث املدينة النبوية»‬


‫شاكرا للمركز مجيل تعاوهنم‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -5‬صور من جمموعة األخ طاهر نيازي‪َّ ،‬‬
‫تكرم بإرساهلا إ َّيل‪.‬‬
‫‪ -6‬صور من كتاب «احلبيبة املدينة املنورة»‪ .‬حاتم عمر طه‪ ،‬صالح عبد‬
‫احلميد حجار‪.‬‬

‫كأنك ‪201‬‬
‫معه‬
‫ما بعد الكتابة‬

‫بني يدي توثيق مادة هذا الكتاب وعزوها إىل مصادرها األصلية‪ ،‬حيسن‬
‫التنبيه إىل خطة االختيار للنصوص‪ ،‬ومنهج الصياغة‪ ،‬والذي راعيت فيه ما‬
‫ييل‪:‬‬
‫‪ -1‬إن الصياغة لسياقة أحداث حجته صىل اهلل عليه وآله وسلم هي‬
‫ضميمة روايات أو أخبار متعدِّ دة ُدجمت يف مساق واحد‪ ،‬من غري تفصيل‬
‫متأس ًيا يف ذلك بسياقة اإلمام‬
‫لرواياهتا أو التزام بنص بعينه من نصوصها‪ِّ ،‬‬
‫الزهري رمحه اهلل عندما َروى حديث اإلفك عن عدد من شيوخه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وأثبت له‬
‫ُ‬ ‫وبعضهم أوعى من بعض‬
‫ُ‬ ‫«وك ُّلهم حدَّ ثني طائف ًة من حديثها‪،‬‬
‫َ‬
‫احلديث الذي حدَّ ثني عن‬ ‫اقتصاصا‪ ،‬وقد َو َع ْي ُت عن كل واحد منهم‬
‫ً‬
‫بعضا»(‪ .)251‬ثم ساقه سيا ًقا واحدً ا‪.‬‬
‫وبعض حديثهم يصدِّ ق ً‬‫ُ‬ ‫عائشة‪،‬‬
‫واإلمام ابن ُجريج رمحه اهلل‪ ،‬وقد روى حديث مجل جابر ريض اهلل‬
‫بعضهم عىل بعض‪ ،‬ومل‬
‫عنه‪ ،‬عن عطاء بن أيب رباح وغريه‪ ،‬فقال‪« :‬يزيد ُ‬

‫كأنك ‪203‬‬
‫معه‬
‫ما بعد الكتابة‬ ‫كأنك معه‬

‫ُي َب ِّل ْغ ُه ُك َّله ٌ‬


‫رجل منهم»(‪.)252‬‬
‫وإمام املغازي والسري حممد بن عمر الواقدي رمحه اهلل‪ ،‬حني يروي اخلرب‬
‫ٌّ‬
‫«فكل قد حدَّ ثني بطائفة من هذا احلديث‪،‬‬ ‫عن عدد من شيوخه‪ ،‬ثم يقول‪:‬‬
‫مجعت َّ‬
‫كل الذي حدَّ ثوين»(‪.)253‬‬ ‫ُ‬ ‫وبعض القوم كان أوعى له من بعض‪ ،‬وقد‬‫ُ‬
‫وكذلك صنيع بعض أئمة احلديث حني يروي احلديث الواحد عن عدد‬
‫من شيوخه فيقول‪« :‬دخل حديث بعضهم يف بعض»‪« ،‬وربام زاد بعضهم‬
‫عىل بعض»(‪ .)254‬ثم يسوقه بلفظ هو جمموع رواياهتم‪ ،‬فيكون مجيع احلديث‬
‫عن جمموعهم‪ ،‬ال أن جمموعه عن كل واحد منهم(‪.)255‬‬
‫وعىل ذلك طريقة اإلمام ابن حزم رمحه اهلل يف كتابه «حجة الوداع»؛‬
‫حيث أدمج مروياته يف َطليعة كتابه يف نص وسياق واحد يف نحو اثنتي‬
‫عرشة صفحة‪ ،‬ثم جعل بقية الكتاب تفصيلاً له‪.‬‬
‫ولذا‪ ،‬فإن العزو يف كل فقرة إىل جمموعة من املصادر احلديثية اجلامعة‪،‬‬
‫مفر ًقا بينها‪.‬‬
‫متحصلاً من جمموعها‪ ،‬وإن كان َّ‬
‫َّ‬ ‫هو للنص الذي يكون سياقه‬
‫أحتراه‬ ‫‪ -2‬ال ألتزم لفظ الصحايب يف روايته للحدث والواقعة‪ ،‬وإن ُ‬
‫كنت َّ‬
‫أترصف باللفظ بحدود ما يلزم به ربطه بالنصوص‬ ‫َّ‬ ‫ما أمكن‪ ،‬ولكن قد‬
‫األخرى‪ ،‬ودجمه مع مساق األحداث‪.‬‬
‫أترصف فيه‪ ،‬إال عىل سبيل‬
‫َّ‬ ‫أما اللفظ النبوي‪ ،‬فهو ما ألتزمه‪ ،‬وال‬
‫ليتحصل من جمموعها أوىف‬
‫َّ‬ ‫االختيار من الروايات‪ ،‬أو اجلمع بينها ؛‬
‫النصوص وأكملها ‪.‬‬
‫‪ 204‬كأنك‬
‫معه‬
‫ما بعد الكتابة‬ ‫كأنك معه‬

‫اجتهدت يف هذا الكتاب يف استيعاب النصوص الصحيحة ما‬


‫ُ‬ ‫‪-3‬‬
‫وأخبارا يف سندها بعض الضعف‪ ،‬إذا كانت‬
‫ً‬ ‫أمكنني‪ ،‬وقد أورد روايات‬
‫تأتلف مع سياق األخبار الصحيحة‪ ،‬وليس يف متنها نكارة ظاهرة‪ ،‬وذلك‬
‫أن مجع األخبار إىل بعضها يكشف عام يستنكر‪ ،‬وال يأتلف مع مجلة ما صح‬
‫منها‪ ،‬وإن كان ظاهر إسناده الصحة أحيانًا ‪ ،‬كام أنه جيرب ضعف بعض ما‬
‫ورد بإسناد فيه مقال لوجود شواهد ملعناه‪ ،‬أو ألن سياق األخبار يقتضيه‪،‬‬
‫أو ألنه يسد فجوة يف سياق األحداث‪ ،‬وليس يف متنه ما يستنكر‪.‬‬
‫‪ -4‬يرد يف أخبار كثرية حتديد زماهنا ومكاهنا مما يسهل وضعها يف‬
‫موضعها الصحيح من سياق حجته صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬وهناك‬
‫أخبار أخرى مل يرد معها ما يدل عىل زماهنا أو مكاهنا‪ ،‬ولذا فإن ترتيبها يف‬
‫سياق األحداث حيتاج إىل َج ْهد واجتهاد‪.‬‬
‫وقد َج ِهدت أن يكون كل خرب يف سياقه الزماين واملكاين‪ ،‬بحسب ما‬
‫يدل عليه لفظه وجمموع رواياته واتساقه مع بقية األخبار‪ ،‬ولكن اجلهد قد‬
‫يقرص‪ ،‬واالجتهاد قد خيطئ‪ ،‬ولكن حسبي أين اجتهدت وما ألوت‪.‬‬
‫‪ -5‬قام أخي الشيخ حممود شعبان عبد املقصود بتخريج األحاديث‬
‫واألخبار وعزوها إىل مصادرها األصلية‪ ،‬وقد بذل يف ذلك جهدً ا ُيذكر‬
‫ف ُيشكر‪ ،‬حتى يظهر الكتاب هبذا التخريج املوعب والتوثيق الدقيق‪ ،‬فشكر‬
‫اهلل له نصحه وجهده‪.‬‬

‫كأنك ‪205‬‬
‫معه‬
‫ما بعد الكتابة‬ ‫كأنك معه‬

‫وبعدُ ؛ فإين أشكر وأدعو لكل َمن ا َّطلع عىل هذا الكتاب‪ ،‬ثم َّ‬
‫تكرم‬
‫يصحح خطأ‪ ،‬فالعلم رحم‬ ‫ِّ‬ ‫نقصا‪ ،‬أو َي ُسدُّ خللاً ‪ ،‬أو‬
‫يكمل ً‬
‫تنبيها ِّ‬
‫فأرسل يل ً‬
‫كثري بإخوانه‪ ،‬وال يزال كل علم يجَ ِدُّ لنا يذك ُِّرنا‬ ‫بني أهله‪ ،‬واملرء ٌ‬
‫قليل بنفسه ٌ‬
‫بقول خالقنا‪( :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ)‪.‬‬
‫برصه يف هذا الكتاب حتى بلغ هذه السطور‪،‬‬ ‫وأسأل اهلل لكل َمن سرَ َ ى ُ‬
‫أن هيب له من حمبة نبيه صىل اهلل عليه وآله وسلم ما ينال به كريم برشاه يوم‬
‫قال‪« :‬املرء مع َمن أحب»(‪.)256‬‬
‫كام أدعو ريب لكل َمن ذكرين بدعوة صاحلة أن يستجيب له ما دعى‬
‫ويؤتيه أفضل مما سأل‪ ،‬وجيمعني وإياه مع املتحابني بجالله حتت ظل عرشه‪،‬‬
‫يوم ال ظل إال ظله‪( ،‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ)‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫عبد الوهاب بن نارص الطريري‬


‫الرياض‬
‫‪1432/2/20‬هـ‬
‫‪altriri@gmail.com‬‬

‫‪ 206‬كأنك‬
‫معه‬
‫موكب البشائر‬

‫تفض َل ُ‬
‫شيخنا العالمة املحقق معايل الشيخ عبد اهلل بن الشيخ املحفوظ بن ب ّيه‬ ‫َّ‬
‫بعد قراءة الكتاب بكتابة هذه األبيات‪ ،‬وهي من حفاوة الوالد بولده‪ ،‬وتشجيع العامل‬
‫لتلميذه‪ ،‬ومشهد من تواضع الكبار وفضل أويل الفضل‪:‬‬

‫ِ‬
‫سائـر‬ ‫ُـو ٍر عىل األرض‬
‫صحـبــت ومـن ن ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫مسـافــر ‬ ‫ِ‬
‫أكــر ْم بــــــه مــن‬ ‫ٍ‬
‫نارص‪،‬‬ ‫أبا‬
‫ِ‬
‫الزواهـر‬ ‫َ‬
‫فــوق النــجـو ِم‬ ‫ومـن ُر ْف َق ٍة‬ ‫الدهــر مث َلها ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ـشـهـد‬ ‫ٍ‬
‫رحـــلــة مل َي‬ ‫ومن‬
‫ِ‬
‫بالـبـشـائـــر‬ ‫مـواك ُبــه حمــفـــوفـ ٌة‬ ‫ِ‬
‫البــــــريــة كــ ِّلها ‬ ‫خــيـــر‬ ‫تـقــدَّ مها‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وجـابـر‬ ‫ــمــا‬ ‫ٍ‬ ‫فمن ِ‬ ‫ِ‬
‫ألس َ‬
‫عبـاس ْ‬ ‫نجل‬ ‫جرى‬
‫األصحاب يف وصف ما َ‬
‫ُ‬ ‫أسه َب‬
‫وقد َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ف ِقـص ٍ‬ ‫ب ال َقـــ ْل ِ‬
‫بذ ْو ِ‬
‫باملـحــاجــــر‬ ‫هتون ُم ْش َـر ًعــا‬ ‫ودم ٍع‬ ‫ـة ‬ ‫ـب َأ ْح ُ‬
‫ــر َ َّ‬ ‫كتبت َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َّــواضــر‬ ‫ِ‬
‫الوجــوه الن‬ ‫بتبييض ٍ‬
‫وجه يف‬ ‫ِ‬ ‫عمـا صــنـعـتَــه ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫العـرش َّ‬ ‫رب‬
‫فجازاك ُّ‬

‫حمبكم وطالب دعائكم‬ ‫ ‬


‫عبد اهلل بن الشيخ املحفوظ بن ّبيـــه‬ ‫ ‬

‫كأنك ‪207‬‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬

‫(‪ )1‬ينظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪ ،)1297‬و«سنن البيهقي» (‪ ،)125/5‬وسيأيت خترجيه‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)7246 ،6008 ،631‬و«صحيح مسلم» (‪.)674‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪« :‬طبقات ابن سعد» (‪ ،)299/1‬و«تاريخ الطربي» (‪ ،)179/2‬و«جمموع‬
‫الفتاوى» (‪ ،)66 ،7/26( ،)408-399/17( ،)303/7‬و«زاد املعاد» (‪،)101/2‬‬
‫(‪ ،)596-595/3‬و«اإلصابة» (‪ ،)272/3‬و«فتح الباري» (‪ ،)83/8( ،)378/3‬و«التحرير‬
‫والتنوير» (‪.)231/2‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)4655 ،1622 ،369‬و«صحيح مسلم» (‪،)1347‬‬
‫و«دالئل النبوة» للبيهقي (‪.)296 - 295/5‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)14440‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1218‬و«سنن النسائي»‬
‫(‪ ،)2761 ،2740‬و«صحيح ابن حبان» (‪.)3944‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)10607 ،2304 ،905‬و«صحيح البخاري» (‪،)7288‬‬
‫و«صحيح مسلم» (‪ ،)1337‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)3055 ،814‬و«سنن ابن ماجه» (‪،2885‬‬
‫‪ ،)2915‬و«سنن النسائي» (‪ ،)2619‬و«مسند أيب يعىل» (‪ ،)3690‬و«صحيح ابن خزيمة»‬
‫(‪ ،)2508‬و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)3704‬و«معجم الطرباين الكبري» (‪ ،)7671‬و«مسند‬
‫الشاميني» (‪ ،)955‬و«سنن البيهقي (‪ ،)324/4‬و«األحاديث املختارة» (‪)488-487/2‬‬
‫(‪ ،)2229 ،2228‬و«فتح الباري» (‪ ،)260/13‬و«التحرير والتنوير» (‪.)66/7‬‬

‫كأنك ‪209‬‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )7‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)5323 ،5070‬و«صحيح البخاري» (‪،)1525 ،133‬‬


‫و«صحيح مسلم» (‪ ،)1182‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)2915‬و«سنن النسائي» (‪ ،)2652‬و«صحيح‬
‫ابن خزيمة» (‪ ،)2599‬و«صحيح ابن حبان» (‪.)3761‬‬
‫(‪ )8‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)5325 ،4868‬و«صحيح البخاري» (‪،1838 ،1545 ،1543‬‬
‫‪ ،)5805‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1177‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)2929‬و«صحيح ابن خزيمة»‬
‫(‪ ،)2684‬و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)4835‬و«سنن البيهقي» (‪.)49/5‬‬
‫(‪ )9‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)6284 ،4843‬و«صحيح البخاري» (‪،1545 ،1533 ،1089‬‬
‫‪ ،)1546‬و«صحيح مسلم» (‪.)1257 ،690‬‬
‫(‪ )10‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)14116‬و«صحيح مسلم» (‪.)1213‬‬
‫(‪ )11‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)26953‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)5089‬و«صحيح مسلم»‬
‫(‪ ،)1208 ،1207‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)2936‬و«سنن النسائي» (‪.)2766‬‬
‫(‪ )12‬ينظر‪« :‬سرية ابن هشام» (‪.)601/2‬‬
‫(‪ )13‬وكان بينها وبني املدينة مسافة عرشة كيلو مرتات تقري ًبا‪ ،‬أما اليوم؛ فقد اشتمل عليها‬
‫عمران املدينة املنورة‪ .‬ينظر‪« :‬معجم املعامل اجلغرافية الواردة يف السرية النبوية» (ص‪.)104-103‬‬
‫(‪ )14‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)6205‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)2336 ،1535‬و«صحيح‬
‫مسلم» (‪ ،)1346‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪.)2616‬‬
‫(‪ )15‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)12818‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)1547 ،1089‬و«صحيح‬
‫مسلم» (‪ ،)690‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1202‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)546‬و«سنن النسائي»‬
‫(‪ ،)469‬و«سنن البيهقي» (‪.)38/5‬‬
‫(‪ )16‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)270‬و«صحيح مسلم» (‪.)1192‬‬
‫(‪ )17‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)25587‬و«صحيح البخاري» (‪،)1786 ،1556 ،1534‬‬
‫و«صحيح مسلم» (‪ ،)1211‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪.)3028‬‬

‫‪ 210‬كأنك‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )18‬ينظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪ ،)1218‬و«سنن النسائي» (‪ ،)2664‬و«سنن ابن ماجه»‬


‫(‪.)2912‬‬
‫(‪َ )19‬أ ْش َع َرها أي‪ :‬جرح سنامها حتى يسيل منه الدم‪ .‬وق َّلدها‪ :‬ألبسها ِ‬
‫القالدة‪ ،‬وتكون نعلاً‬

‫أو نحوه‪ُ ،‬ي َل َّطخ بالدم الذي سال عند اإلشعار؛ ل ُيعلم أهنا َهدْ ي؛ وهلذا ت َّ‬
‫ُسمى اإلبل التي تهُ دى‬
‫للبيت‪ :‬القالئد‪.‬‬
‫(‪ )20‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1545‬و«صحيح مسلم» (‪.)1243‬‬
‫(‪ )21‬وورد يف «صحيح مسلم» (‪ )1326‬أن صاحب ُبدن النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم‬
‫هو ُذؤيب أبو َقبِيصة ريض اهلل عنه‪ ،‬ويف «املسند» (‪ )17974 ،16609‬أنه رجل من األنصار‪ ،‬وأنه‬
‫صىل اهلل عليه وآله وسلم قال لكل واحد منهم كام قال لناجية ريض اهلل عنه‪ ،‬ولعلهم كلهم كانوا‬
‫عىل ُبدن النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم؛ ألهنا عدد كثري‪ ،‬ال يقوم به واحد‪.‬‬
‫(‪ )22‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)23198 ،18943 ،17974 ،17667 ،16609‬و«صحيح‬
‫مسلم» (‪ ،)1326‬و«مسند الدارمي» (‪ ،)1950‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1762‬و«جامع الرتمذي»‬
‫(‪ ،)910‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)3106 ،3105‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2577‬و«صحيح‬
‫ابن حبان» (‪ ،)4025 ،4023‬و«سنن البيهقي» (‪ ،)284/9( ،)243/5‬و«التلخيص احلبري»‬
‫(‪.)610/2‬‬
‫اخل ْطمي‪ -‬بكرس اخلاء وفتحها‪ُ -‬‬
‫واألشنان‪ :‬نبات يستعمل لتنظيف الشعر والبدن عند‬ ‫(‪ّ ِ )23‬‬
‫االغتسال‪ .‬ينظر‪« :‬خمتار الصحاح» (ص‪ ،)93‬و«لسان العرب» (‪ ،)186/12‬و«تاج العروس»‬
‫(‪« )116/32‬خ ط م»‪ ،‬و«عون املعبود» (‪.)300/1‬‬
‫(‪ )24‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)14490 ،4829 ،4783‬و«صحيح البخاري» (‪،1538‬‬
‫‪ ،)5923 ،1754 ،1566 ،1553‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1229 ،1190 ،1189‬و«سنن أيب‬
‫داود» (‪ ،)1748‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)830‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2652 ،2595‬و«سنن‬
‫الدارقطني» (‪ ،)226/2‬و«املستدرك» (‪ ،)450/1‬و«سنن البيهقي» (‪.)32/5‬‬

‫كأنك ‪211‬‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )25‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)2296‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)1553‬و«صحيح مسلم»‬


‫(‪ ،)1243 ،1218‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1752‬و«سنن النسائي» (‪ ،)2782‬و«صحيح ابن‬
‫خزيمة» (‪ ،)2609‬و«صحيح ابن حبان» (‪.)4002‬‬
‫(‪ )26‬ينظر‪« :‬الزهد» هلناد (‪ ،)821‬و«الشامئل املحمدية» (‪ ،)341‬و«سنن ابن ماجه»‬
‫(‪ ،)2890‬و«أخالق النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم» أليب الشيخ (‪ ،)463‬و«حلية األولياء»‬
‫(‪ ،)54/3‬و«دالئل النبوة» للبيهقي (‪.)444/5‬‬
‫(‪ )27‬الزاملة‪ :‬البعري الذي يحُ مل عليه الطعام واملتاع‪.‬‬
‫(‪ )28‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)26916‬و«سنن أيب دود» (‪ ،)1818‬و«سنن ابن ماجه»‬
‫(‪ ،)2933‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪.)2679‬‬
‫(‪ )29‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)3615‬و«صحيح مسلم» (‪.)2009‬‬
‫(‪ )30‬البيداء‪ :‬موضع مرتفع مرشف عىل ذي احلليفة إىل جهة مكة‪ ، ،‬وقد امتد إليها النطاق‬
‫العمراين للمدينة النبوية‪.‬‬
‫(‪ )31‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1714 ،1551 ،1549‬و«صحيح مسلم» (‪،)1184‬‬
‫و«سنن أيب داود» (‪ ،)1796‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)2920‬و«سنن النسائي» (‪ ،)2752‬و«صحيح‬
‫ابن حبان» (‪ ،)3800‬و«سنن البيهقي» (‪)237 ،45/5‬‬
‫(‪ )32‬ينظر‪« :‬زاد املعاد» (‪.)122-107/2‬‬
‫(‪ )33‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)26345 ،26344‬و«صحيح البخاري» (‪،1785 ،1651‬‬
‫‪ ،)7230‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1239 ،1236 ،1211‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1789‬و«رشح‬
‫معاين اآلثار» (‪ ،)203/2‬و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)4005‬و«سنن البيهقي» (‪.)95 ،3/5‬‬
‫(‪ )34‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1709‬و«صحيح مسلم» (‪.)1211‬‬
‫(‪ )35‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)12745‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)1551‬و«صحيح مسلم»‬
‫(‪.)1251‬‬

‫‪ 212‬كأنك‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )36‬ينظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪.)1218‬‬


‫(‪ )37‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)16569 ،16568 ،8314‬و«مسند عبد بن محيد» (‪،)274‬‬
‫و«جامع الرتمذي» (‪ ،)829‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)2923‬و«سنن النسائي» (‪ ،)2753‬و«صحيح‬
‫ابن خزيمة» (‪ ،)2630 - 2628‬و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)3803‬و«املستدرك» (‪،)450/1‬‬
‫و«سنن البيهقي» (‪ ،)42/5‬و«السلسلة الصحيحة» (‪.)830‬‬
‫(‪ )38‬ينظر‪« :‬مصنف ابن أيب شيبة» (‪ ،)13472‬و«مسند أمحد» (‪،)14440 ،1475‬‬
‫و«صحيح مسلم» (‪ ،)1184‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1813‬و«مسند البزار» (‪ ،)6803‬و«املنتقى»‬
‫البن اجلارود (‪ ،)465‬و«مسند أيب يعىل» (‪ ،)2126‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2626‬و«سنن‬
‫البيهقي» (‪ ،)45/5‬و«تاريخ بغداد» (‪ ،)215/14‬و«فتح الباري» (‪ ،)410/3‬و«صفة حجة‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم» للطريفي (ص‪.)98-97‬‬
‫(‪ )39‬ينظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪.)1218‬‬
‫(‪ )40‬ينظر‪« :‬مصنف ابن أيب شيبة» (‪ ،)15057 ،15052 -15050‬و«املحىل» (‪،)97/7‬‬
‫و«سنن البيهقي» (‪ ،)43/5‬و«فتح الباري» (‪.)408/3‬‬
‫(‪ )41‬ينظر‪« :‬أخبار مكة» لألزرقي (‪ ،)72/1‬و«مسند أيب يعىل» (‪،)7271 ،7231 ،4275‬‬
‫و«املستدرك» (‪ ،)598/2‬و«سنن البيهقي» (‪ ،)177/5‬و«إحتاف املهرة» (‪ ،)8974‬و«التلخيص‬
‫احلبري» (‪.)563/2‬‬
‫(‪ )42‬أي‪ :‬جمتمعة اخللق شديدة‪.‬‬
‫(‪ُ )43‬خ ْلبة‪ :‬هو الليف‪ ،‬ويطلق عىل احلبل املتخذ منه‪.‬‬
‫(‪ )44‬ينظر خترجيه يف احلديث اآليت‪.‬‬
‫(‪ )45‬أي‪ :‬صوت مرتفع‪.‬‬
‫(‪ )46‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)5913 ،3355 ،1557‬و«صحيح مسلم» (‪.)166‬‬
‫(‪ )47‬بكرات مجع َب ْكرة‪ ،‬وهي النوق َّ‬
‫الفتية‪.‬‬

‫كأنك ‪213‬‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )48‬مجع‪َ :‬نمرة‪ ،‬وهي ثياب صوف‪.‬‬


‫(‪ )49‬ينظر‪« :‬الزهد» لوكيع (‪ ،)123‬و«مسند أمحد» (‪ ،)2067‬و«شعب اإليامن» (‪،)3714‬‬
‫و«األحاديث املختارة» (‪ ،)415 ،414( )398 -397/11‬و«التلخيص احلبري» (‪،)528/2‬‬
‫وقال‪« :‬وأورده الفاكهي يف أوائل «أخبار مكة» من طرق كثرية»‪.‬‬
‫(‪ )50‬ينظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪.)1252‬‬
‫(‪ )51‬ينظر‪« :‬سنن أيب داود» (‪ ،)1811‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)2903‬و«مسند أيب يعىل»‬
‫(‪ ،)2440‬و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)3988‬و«نصب الراية» (‪ ،)153/3‬و«التلخيص احلبري»‬
‫(‪.)223/2‬‬
‫(‪ )52‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)12040‬و«صحيح البخاري» (‪،)2754 ،1706 ،1689‬‬
‫و«صحيح مسلم» (‪ ،)1323 ،1322‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)911‬و«سنن ابن ماجه» (‪،)3104‬‬
‫و«مسند أيب يعىل» (‪ ،)2763‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪.)2662‬‬
‫(‪ )53‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)979‬و«فتح الباري» (‪.)537/3‬‬
‫(‪ )54‬ينظر‪« :‬إكامل املعلم» (‪ ،)410/4‬و«رشح النووي عىل صحيح مسلم» (‪-73/9‬‬
‫‪ ،)74‬و«فتح الباري» (‪.)538 - 536/3‬‬
‫(‪ )55‬ينظر‪« :‬اآلحاد واملثاين» (‪ ،)2710‬و«الكنى» للدواليب (‪ ،)121-120/1‬و«املعجم‬
‫الكبري» للطرباين (‪ ،)425( )174 /25( ،)816( )324/22‬و«معرفة الصحابة» أليب نعيم‬
‫(‪ ،)6879‬و«األسامء املبهمة» للخطيب (ص‪ ،)302 -301‬و«غوامض األسامء املبهمة»‬
‫البن بشكوال (‪ ،)135 -131 /1‬و«املوضح» له (‪ ،)127/1‬و«املطالب العالية» (‪،)1148‬‬
‫و«اإلصابة» (‪.)232/7‬‬
‫وروي نحوه من حديث أم معقل ريض اهلل عنها‪ .‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)27107‬و«سنن أيب‬
‫داود» (‪ ،)1989‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2376‬و«السلسلة الصحيحة» (‪.)3069‬‬

‫‪ 214‬كأنك‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )56‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)9332 ،8290‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)2676‬و«جامع‬


‫الرتمذي» (‪ ،)3596‬و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)858‬و«املعجم األوسط» للطرباين (‪،)2773‬‬
‫و«املستدرك» (‪ ،)495/1‬و«شعب اإليامن» (‪ ،)504-502‬و«الدعوات الكبري» للبيهقي (‪،)18‬‬
‫و«الرتغيب والرتهيب» ِ‬
‫لقوام السنة (‪ ،)1353‬و«فضيلة الذكر» البن عساكر (‪ ،)9‬و«جامع‬
‫العلوم واحلكم» (‪ ،)52/2‬و«إحتاف اخلرية املهرة» (‪ ،)6052‬و«املطالب العالية» (‪،)3392‬‬
‫و«نتائج األفكار» (‪.)32/1‬‬
‫(‪ )57‬ينظر‪« :‬تاج العروس» (‪.)484/8‬‬
‫(‪ )58‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)2355‬و«صحيح البخاري» (‪،)5700-5698 ،1836‬‬
‫و«صحيح مسلم» (‪ ،)1203 ،1202‬و«سنن النسائي» (‪.)2850 ،2845‬‬
‫(‪ )59‬ينظر‪« :‬مسند الطياليس» (‪ ،)1853‬و«مسند أمحد» (‪،)15097 ،14280 ،12682‬‬
‫و«سنن أيب داود» (‪ ،)3863 ،1837‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)3485‬و«سنن النسائي» (‪،2848‬‬
‫‪ ،)2849‬و«مسند أيب يعىل» (‪ ،)3041‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2660 ،2659‬و«صحيح ابن‬
‫حبان» (‪ ،)3952‬و«سنن البيهقي» (‪ ،)339/9‬و«رشح السنة» (‪.)1986‬‬
‫(‪ )60‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)6161 ،6149‬و«صحيح مسلم» (‪.)2323‬‬
‫(‪ )61‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)26866‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)4602‬و«سنن ابن ماجه»‬
‫(‪ ،)1973‬و«السلسلة الصحيحة» (‪.)3205‬‬
‫(‪ )62‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)26916‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1818‬و«سنن ابن ماجه»‬
‫(‪ ،)2933‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2679‬و«املستدرك» (‪.)454-453/1‬‬
‫(‪َ )63‬‬
‫احل ْيس‪ :‬طعام تتخذه العرب من األقط ‪-‬وهو اللبن املجفف‪ -‬والتمر والسمن‪ ،‬حتاس‬
‫مجيعا‪ ،‬وهو من طعام السفر غال ًبا لسهولة إعداده‪.‬‬
‫‪-‬أي‪ :‬ختلط‪ً -‬‬
‫(‪ )64‬ينظر‪« :‬مغازي الواقدي» (‪.)1905-1094/3‬‬
‫(‪ )65‬ينظر‪« :‬مغازي الواقدي» (‪.)1093/3‬‬
‫(‪ )66‬ينظر‪« :‬مغازي الواقدي» (‪ ،)1095/3‬ومن طريقه «تاريخ دمشق» (‪.)258/20‬‬

‫كأنك ‪215‬‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )67‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)2596 ،1825‬و«صحيح مسلم» (‪.)1194 ،1193‬‬


‫(‪ )68‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1788 ،1786 ،1560 ،305‬و«صحيح مسلم»‬
‫(‪ ،)1211‬وما سيأيت يف وقوفه صىل اهلل عليه وآله وسلم عىل املروة‪ ،‬وما سيأيت يف ُع ْمرة عائشة‬
‫حجها‪.‬‬
‫ريض اهلل عنها بعد قضاء ِّ‬
‫(‪ )69‬ينظر عن ذي طوى‪« :‬أخبار مكة» لألزرقي (‪ ،)960/2‬وللفاكهي (‪،)205/4‬‬
‫و«التاريخ القويم» للكردي (‪.)9/6‬‬
‫(‪ )70‬ينظر ما تقدم يف نزوله صىل اهلل عليه وآله وسلم رسف‪ ،‬وما سيأيت يف وقوفه صىل اهلل‬
‫عليه وآله وسلم عىل املروة‪.‬‬
‫(‪ )71‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1576 ،492‬و«صحيح مسلم» (‪،)1259-1257‬‬
‫و«سنن أيب داود» (‪.)1865‬‬
‫(‪ )72‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪.)1798‬‬
‫(‪ )73‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1614 ،1574‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪،2699‬‬
‫‪ ،)2713 ،2700‬و«سنن البيهقي» (‪.)74 ،72/5‬‬
‫(‪ )74‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)2934 ،240‬و«صحيح مسلم» (‪.)1794‬‬
‫(‪ )75‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪.)3678‬‬
‫(‪ )76‬ينظر‪« :‬مسند الطياليس» (‪ ،)28‬و«مسند الشافعي» (‪ ،)591‬و«مصنف عبد الرزاق»‬
‫(‪ ،)8912 ،8895 ،8894‬و«مصنف ابن أيب شيبة» (‪ ،)14973 ،14972‬و«مسند أمحد»‬
‫(‪ ،)4628‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)1597‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1270‬و«أخبار مكة» لألزرقي‬
‫(‪ ،)271/1‬و«أخبار مكة» للفاكهي (‪ ،)48‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2714‬و«املستدرك»‬
‫(‪ ،)473 ،455/1‬و«سنن البيهقي» (‪.)74/5‬‬
‫(‪ )77‬ينظر‪« :‬سنن ابن ماجه» (‪ ،)2945‬و«أخبار مكة» للفاكهي (‪ ،)86‬و«صحيح ابن‬
‫خزيمة» (‪ ،)2713 ،2712‬و«املستدرك» (‪ ،)455 ،454/1‬و«شعب اإليامن» (‪،)3765‬‬
‫و«سنن البيهقي» (‪ ،)74/5‬و«التلخيص احلبري» (‪ ،)534-533/2‬و«السلسلة الضعيفة»‬
‫(‪ ،)1022‬و«إرواء الغليل» (‪.)308/4‬‬

‫‪ 216‬كأنك‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )78‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1644‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1261 ،1218‬و«سنن‬


‫أيب داود» (‪ ،)1892 ،1883‬و«سنن البيهقي» (‪.)79/5‬‬
‫(‪ )79‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)6714‬و«صحيح البخاري» (‪،)6703 ،1621 ،1620‬‬
‫و«سنن النسائي» (‪ ،)3810 ،2921‬و«أخبار مكة» للفاكهي (‪ ،)444‬و«فتح الباري» (‪.)482/3‬‬
‫(‪ )80‬ينظر‪« :‬املصنف» لعبد الرزاق (‪ ،)49-47/5‬و«الطبقات» البن سعد (‪،)136/2‬‬
‫(‪ ،)283/3‬و«أخبار مكة» لألزرقي (‪ ،)30/2‬و«أخبار مكة» للفاكهي (‪،)444 -442 /1‬‬
‫و«تفسري ابن أيب حاتم» (‪ ،)226/1‬و«املصاحف» البن أيب داود (ص‪ ،)372‬و«البداية والنهاية»‬
‫(‪ ،)359/1‬و«تفسري ابن كثري» (‪ ،)417/1‬و«فتح الباري» البن رجب (‪ ،)82/3‬و«فتح‬
‫الباري» البن حجر (‪.)169/8( ،)499/1‬‬
‫(‪ )81‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)6247‬و«مسند عبد بن محيد» (‪ ،)133‬و«صحيح البخاري»‬
‫(‪ ،)1691‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1227 ،1218‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)190‬و«جامع الرتمذي»‬
‫(‪ ،)769‬و«سنن النسائي» (‪ ،)2963 -2961 ،2732‬و«مسند أيب عوانة» (‪،3416 ،3405‬‬
‫‪ ،)3451‬و«حجة الوداع» البن حزم (ص‪ ،)57 ،55‬و«سنن البيهقي» (‪.)91 ،17/5‬‬
‫(‪ )82‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)15243‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1268 ،1218‬و«صحيح ابن‬
‫خزيمة» (‪ ،)2713‬و«املستدرك» (‪ ،)455/1‬و«سنن البيهقي» (‪.)74/5‬‬
‫(‪ )83‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)10948‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1780 ،1218‬و«سنن أيب‬
‫داود» (‪ ،)1905‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)3074‬و«سنن النسائي» (‪ ،)2974 ،2961‬و«صحيح‬
‫ابن خزيمة» (‪ ،)2758‬و«سنن البيهقي» (‪.)93/5‬‬
‫(‪ )84‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)27368 ،27367 ،27280‬و«سنن ابن ماجه» (‪،)2987‬‬
‫و«سنن النسائي» (‪ ،)242 ،235/5‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2764‬و«سنن البيهقي» (‪.)98/5‬‬
‫(‪ )85‬ينظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪ ،)1264‬و«سنن أيب داود» (‪.)1885‬‬
‫(‪ )86‬أي‪ :‬ليقرص من شعره للتحلل من العمرة‪.‬‬
‫(‪ )87‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)6247‬وصحيح البخاري» (‪ ،)1691 ،1568‬و«صحيح‬
‫مسلم» (‪ ،)1227 ،1216‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1085‬و«سنن النسائي» (‪.)2732‬‬

‫كأنك ‪217‬‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )88‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)4398 ،1566‬و«صحيح مسلم» (‪.)1229‬‬


‫(‪ )89‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1568‬و«صحيح مسلم» (‪.)1216‬‬
‫(‪ )90‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)2274‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)1564‬و«صحيح مسلم»‬
‫(‪ ،)1240‬و«سنن البيهقي» (‪.)345/4‬‬
‫(‪ )91‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)7367 ،3832‬و«صحيح مسلم» (‪،1216 ،1213‬‬
‫‪.)1240‬‬
‫(‪ )92‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)18523 ،15244‬و«صحيح البخاري» (‪،1651 ،1568‬‬
‫‪ ،)7367‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1218 ،1216 ،1213 ،1211‬و«سنن أيب داود» (‪،)1787‬‬
‫و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)2982‬و«سنن النسائي» (‪ ،)2763‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪،)2926‬‬
‫و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)3924‬و«سنن البيهقي» (‪.)18/5‬‬
‫(‪ )93‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)14440‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)2506‬و«صحيح مسلم»‬
‫(‪ ،)1218‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1905‬و«املنتقى» البن اجلارود (‪ ،)465‬و«صحيح ابن حبان»‬
‫(‪.)3943‬‬
‫وقد ورد يف «صحيح البخاري» (‪ )7230 ،1785‬أن رساقة ريض اهلل عنه سأل هذا السؤال‬
‫والنبي صىل اهلل عليه وآله وسلم يرمي مجرة العقبة‪ ،‬وكوهنا مرة واحدة عند املروة أظهر‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )94‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)14258 ،14116‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)2648‬و«سنن ابن‬
‫ماجه» (‪.)91‬‬
‫(‪ )95‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪.)3906‬‬
‫(‪ )96‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1796‬و«صحيح مسلم» (‪.)1237‬‬
‫(‪ )97‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪.)1625 ،1545‬‬
‫(‪ )98‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)5786 ،3566 ،3553 ،376‬و«صحيح مسلم»‬
‫(‪.)503‬‬

‫‪ 218‬كأنك‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )99‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)14440 ،14409‬و«صحيح البخاري» (‪-4352 ،1558‬‬


‫‪ ،)4354‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1250 ،1221 ،1218 ،1216‬و«سنن النسائي» (‪،2712‬‬
‫‪ ،)2744‬و«مسند أيب يعىل» (‪ ،)2126‬و«سنن البيهقي» (‪.)41 ،18/5( ،)338/4‬‬
‫(‪ )100‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)19505‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)1559‬و«صحيح مسلم»‬
‫(‪.)1221‬‬
‫(‪ )101‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)1440‬و«صحيح البخاري» (‪،3936 ،2742 ،1296‬‬
‫‪ ،)5659‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1628‬و«سنن النسائي» (‪ ،)2630‬و«صحيح ابن خزيمة»‬
‫(‪ ،)2355‬و«البدر املنري» (‪ ،)253/7‬و«فتح الباري» (‪.)365-364/5‬‬
‫وسمى ابن اجلوزي له مخسة وثالثني ولدً ا‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ )102‬ينظر‪« :‬فتح الباري» (‪،)36/6‬‬
‫«الشذا الفياح» (‪.)557/2‬‬
‫(‪ )103‬ينظر‪« :‬أخبار مكة» للفاكهي (‪ ،)1901‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪،)2793‬‬
‫و«املستدرك» (‪ ،)461/1‬و«سنن البيهقي» (‪ ،)111/5‬و«السلسلة الصحيحة» (‪.)2082‬‬
‫ورويت هذه اخلطبة من فعل أيب بكر وعيل وابن الزبري ريض اهلل عنهم‪.‬‬
‫ينظر‪« :‬مصنف ابن أيب شيبة» (‪ ،)13974‬و«مسند الدارمي» (‪ ،)1956‬و«سنن النسائي»‬
‫(‪ ،)2993‬و«أخبار مكة» للفاكهي (‪ ،)1900‬و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)6644‬و«الدعاء‬
‫للطرباين» (‪ ،)879‬و«حلية األولياء» (‪ ،)336-335/1‬و«سنن البيهقي» (‪ ،)111/5‬و«البداية‬
‫والنهاية» (‪ ،)218/12‬و«جممع الزوائد» (‪ ،)555/3‬و«العجاب يف بيان األسباب» البن حجر‬
‫(‪.)516 ،514/1‬‬
‫(‪ )104‬ينظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪.)1218‬‬
‫(‪ )105‬ينظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪ ،)1297‬و«سنن البيهقي» (‪.)125/5‬‬
‫(‪ )106‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)4520 ،1665‬و«صحيح مسلم» (‪.)1219 ،1218‬‬
‫(‪ )107‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)7268 ،45‬و«صحيح مسلم» (‪.)3017 ،1218‬‬

‫كأنك ‪219‬‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )108‬هو طريق خمترص من مزدلفة إىل عرفة‪ ،‬يمر بحذاء جبل مأزم عرفة اجلنويب‪ ،‬وترى‬
‫عن يسارك يف هذا الطريق بناء جمرى عني زبيدة الص ًقا باجلبل‪ ،‬وبمر فيه اليوم طريق رقم (‪)3‬‬
‫و(‪ )4‬املتجه إىل عرفة‪ .‬ينظر‪« :‬أخبار مكة» لألزرقي (‪ ،)802/2‬بتعليق د‪ .‬الدهيش‪.‬‬
‫(‪ )109‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)970‬و«صحيح مسلم» (‪.)1284‬‬
‫(‪ )110‬مجع عانية‪ ،‬وهي األسرية‪.‬‬
‫(‪ )111‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)23497 ،22260 ،20695 ،18966‬و«صحيح البخاري»‬
‫(‪ ،)4403‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1218‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1905‬و«جامع الرتمذي»‬
‫(‪ ،)1163‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)3074 ،3057 ،1851‬و«السنة» للمروزي (‪ ،)68‬و«مسند‬
‫أيب يعىل» (‪ ،)1569‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2810 - 2808‬و«مسند أيب عوانة» (‪،)3461‬‬
‫و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)1457‬و«سرية ابن هشام» (‪ ،)603/2‬و«تاريخ الطربي» (‪،)206/2‬‬
‫و«املعجم الكبري» للطرباين (‪ ،)7676‬و«تاريخ ابن خلدون» (‪.)59/2‬‬
‫(‪ )112‬أي‪ :‬ير ِّددها إىل الناس مش ً‬
‫ريا إليهم‪.‬‬
‫(‪ )113‬هو جزء من الذي قبله‪.‬‬
‫(‪ )114‬ينظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪ ،)1218‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1904‬و«رشح معاين‬
‫اآلثار» (‪ ،)213/2‬و«صحيح ابن حبان» (‪.)3944‬‬
‫(‪ )115‬ينظر احلديث السابق‪.‬‬
‫(‪ )116‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)18774‬و«مسند الدارمي» (‪ ،)1887‬و«جامع الرتمذي»‬
‫(‪ ،)2975‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)3015‬و«سنن النسائي» (‪.)3016‬‬
‫(‪ )117‬ينظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪.)1218‬‬
‫(‪ )118‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)17233‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1919‬و«جامع الرتمذي»‬
‫(‪ ،)881‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)301‬و«سنن النسائي» (‪.)3014‬‬
‫(‪ )119‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1843‬و«صحيح مسلم» (‪.)1178‬‬

‫‪ 220‬كأنك‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )120‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)1914 ،1850‬و«صحيح البخاري» (‪،)1851 ،1266‬‬


‫و«صحيح مسلم» (‪ ،)1206‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)3238‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)951‬و«سنن‬
‫النسائي» (‪.)2714 ،1904‬‬
‫(‪ )121‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)27153 ،15883‬و«اآلحاد واملثاين» (‪ ،)1696‬و«الكنى»‬
‫للدواليب (‪ ،)1460 ،289‬و«املعجم الكبري» للطرباين (‪ ،)473( )209/19‬و«معرفة الصحابة»‬
‫أليب نعيم (‪ ،)4536 ،4387‬و«الرتغيب والرتهيب» ِ‬
‫لقوام السنة (‪ ،)1460‬و«شعب اإليامن»‬
‫(‪ ،)10620‬و«فتح الباري» (‪ ،)264-263/3‬و«السلسلة الصحيحة» (‪ ،)3508‬وينظر‪:‬‬
‫«صحيح البخاري» (‪ ،)5983 ،1396‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)13‬و«املعجم الكبري» للطرباين‬
‫(‪ ،)7284‬و«معرفة الصحابة» أليب نعيم (‪.)3853‬‬
‫(‪ )122‬ينظر‪« :‬األدب املفرد» (‪ ،)1148‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1742‬و«اآلحاد واملثاين»‬
‫(‪ ،)1257‬و«معجم الصحابة» البن قانع (‪ ،)181/1‬و«املعجم الكبري» للطرباين (‪،)3351‬‬
‫و«معرفة الصحابة» أليب نعيم (‪ ،)2079‬و«سنن البيهقي» (‪.)28/5‬‬
‫(‪ )123‬ينظر‪« :‬البدع» البن وضاح (‪ ،)184‬و«مصنف ابن أيب شيبة» (‪،)34408‬‬
‫و«أخبار مكة» للفاكهي (‪ ،)780‬و«التفسري» للطربي (‪ ،)81/8‬و«املوضح» للخطيب البغدادي‬
‫(‪ ،)519/2‬و«البداية والنهاية» (‪.)6/8‬‬
‫(‪ )124‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1662‬و«صحيح مسلم» (‪.)1123‬‬
‫(‪ )125‬ينظر‪« :‬أخبار مكة» للفاكهي (‪ ،)2756‬و«املعجم األوسط» للطرباين (‪ ،)2892‬و«سنن‬
‫البيهقي» (‪ ،)117/5‬و«فضائل األوقات» للبيهقي (‪ ،)197‬و«املطالب العالية» (‪.)1242‬‬
‫(‪ )126‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)21821‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1280‬و«سنن النسائي»‬
‫(‪ ،)3011‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2824‬و«املختارة» للضياء (‪.)1332( )160/2‬‬
‫(‪ )127‬ينظر‪« :‬الزهد» للمعاىف بن عمران (‪ ،)131‬و«مسند الشافعي» (‪ ،)569‬و«مسند‬
‫أمحد» (‪ ،)13258‬و«سنن البيهقي» (‪ ،)48/7( ،)45/5‬و«نصب الراية» (‪ ،)25/3‬و«البدر‬
‫املنري» (‪ ،)440/7( ،)162/6‬و«التلخيص احلبري» (‪.)262/3( ،)524/2‬‬

‫كأنك ‪221‬‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )128‬ينظر‪« :‬طبقات ابن سعد» (‪ ،)63/4‬و«التاريخ الكبري» (‪ ،)20/2‬و«تاريخ دمشق»‬


‫(‪ ،)74/8‬و«تنوير الغبش يف فضل السودان واحلبش» البن اجلوزي (‪ ،)56‬و«هتذيب الكامل»‬
‫(‪ ،)345/2‬و«سري أعالم النبالء» (‪.)500/2‬‬
‫(‪ )129‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)6173‬و«األمثال» أليب الشيخ (‪ ،)282‬و«املستدرك»‬
‫(‪.)443/2‬‬
‫(‪ )130‬ينظر‪« :‬سنن ابن ماجه» (‪ ،)3024‬و«الضعفاء» للعقييل (‪ ،)197/2‬و«التمهيد»‬
‫البن عبد الرب (‪ ،)129-128/1‬و«الرتغيب والرتهيب» للمنذري (‪ ،)130/2‬و«صحيح‬
‫الرتغيب والرتهيب» (‪ ،)1151‬و«السلسلة الصحيحة» (‪.)1624‬‬
‫(‪ )131‬ينظر يف خمالفة املرشكني للدفع قبل الغروب‪« :‬مسند الشافعي» (ص‪،)974‬‬
‫و«املصنف» البن أيب شيبة (‪ ،)399 ،387 /3‬و«املعجم األوسط» للطرباين (‪،)1644‬‬
‫و«االستذكار» (‪ ،)292/4‬و«أحكام القرآن» للطحاوي (‪ ،)141/2‬و«أحكام القرآن»‬
‫للجصاص (‪ ،)389/1‬و«زاد املعاد» (‪ ،)214/2‬و«مرعاة املفاتيح رشح مشكاة املصابيح»‬
‫(‪.)163 ،31/9‬‬
‫يتورك عليها الراكب‪ ،‬تجُ عل يف مقدم الرحل‪ ،‬شبه‬
‫(‪ )132‬مورك الرحل‪ :‬هي قطعة جلد َّ‬
‫املخدة الصغرية‪.‬‬
‫(‪ )133‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)21760 ،21756 ،2507‬و«صحيح البخاري» (‪،)1671‬‬
‫و«صحيح مسلم» (‪ ،)1282 ،1218‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1920‬و«سنن النسائي» (‪،)3018‬‬
‫و«صحيح ابن خزيمة» (‪.)2844‬‬
‫(‪ )134‬املأزم‪ :‬كل طريق ضيق بني جبلني‪ ،‬وهو طريق بني عرفة واملزدلفة‪ ،‬وقد عبدت فيه‬
‫ثالث مسارات أحدها للمشاة‪.‬‬
‫(‪ )135‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)21814‬و«صحيح البخاري» (‪،)1670 ،1667 ،139‬‬
‫و«صحيح مسلم» (‪ ،)1282 ،1280‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1925 ،1920‬و«صحيح ابن‬
‫خزيمة» (‪.)2851 ،2847‬‬

‫‪ 222‬كأنك‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )136‬جبل قزح‪ :‬أكمة مرتفعة بجوار مسجد املشعر احلرام‪ ،‬ويسمى‪( :‬جبل قزح باملشعر‬
‫احلرام)‪ ،‬وكل مزدلفة مشعر حرام‪.‬‬
‫(‪ )137‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)21814‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)139‬و«صحيح مسلم»‬
‫(‪ ،)1280‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1925‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪.)2851‬‬
‫(‪ )138‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1681‬و«صحيح مسلم» (‪.)1290‬‬
‫(‪ )139‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1856 ،1678 ،1677‬و«صحيح مسلم» (‪،1293‬‬
‫‪ ،)1294‬و«جامع الرتمذي» (‪.)892‬‬
‫(‪ )140‬ينظر‪« :‬رشح معاين اآلثار» (‪ ،)215/2‬و«أحكام القرآن» للطحاوي (‪،)162/2‬‬
‫و«فتح الباري» (‪ ،)528/3‬و«السلسلة الضعيفة» (‪.)5078‬‬
‫(‪ )141‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)3549 ،1896‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)1544‬و«صحيح‬
‫مسلم» (‪ ،)1283 ،1218‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1907‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)3012‬و«سنن‬
‫النسائي» (‪.)3046‬‬
‫(‪ )142‬جبيل طيء‪ :‬مها جبال‪ :‬أجا وسلمى يف منطقة حائل شامل اململكة العربية السعودية‪،‬‬
‫وهي منازل قبيلة طيء‪.‬‬
‫(‪ )143‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)16208‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1950‬و«جامع الرتمذي»‬
‫(‪ ،)891‬و«سنن النسائي» (‪ ،)3041‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)3016‬و«صحيح ابن خزيمة»‬
‫(‪ ،)2820‬و«صحيح ابن حبان» (‪.)3850‬‬
‫(‪ )144‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)3248 ،1851 ،1821 ،1794‬و«أخبار مكة» للفاكهي‬
‫(‪ ،)2639‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)3029‬و«سنن النسائي» (‪ ،)268 ،267/5‬و«املنتقى» البن‬
‫اجلارود (‪ ،)473‬و«مسند أيب يعىل» (‪ ،)2427‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪،)2873 ،2868 ،2867‬‬
‫و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)3871‬و«املستدرك» (‪.)466/1‬‬
‫(‪ )145‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1684‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)896‬و«سنن ابن‬
‫ماجه» (‪.)3022‬‬

‫كأنك ‪223‬‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )146‬وهو أعىل جبل باملزدلفة‪ ،‬ويسمى اليوم‪ :‬جبل مزدلفة‪ .‬ينظر تعليق د‪ .‬عبد امللك بن‬
‫دهيش عىل «أخبار مكة» لألزرقي (‪.)929/2‬‬
‫(‪ )147‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)11742‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1280‬و«سنن أيب داود»‬
‫(‪ ،)1921‬و«سنن النسائي» (‪.)3031‬‬
‫(‪ )148‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)1821 ،1796 ،1794‬و«صحيح مسلم» (‪،)1282‬‬
‫و«مسند الدارمي» (‪ ،)1933‬و«سنن النسائي» (‪ ،)269 ،258/5‬و«صحيح ابن حبان»‬
‫(‪ ،)3872‬وما تقدم يف دفعه صىل اهلل عليه وآله وسلم من عرفة‪.‬‬
‫(‪ )149‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)3041‬و«صحيح البخاري» (‪،)6228 ،1855 ،1513‬‬
‫و«صحيح مسلم» (‪ ،)1334 ،1218‬و«مسند أيب يعىل» (‪.)2441‬‬
‫(‪ )150‬ينظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪ ،)1218‬و«سنن البيهقي» (‪.)126/5‬‬
‫(‪ )151‬ينظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪.)1218‬‬
‫(‪ )152‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1683 ،1544‬و«صحيح مسلم» (‪،)1298 ،1281‬‬
‫و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2887‬و«فتح الباري» (‪.)533/3‬‬
‫(‪ )153‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)15410‬و«جامع الرتمذي» (‪.)903‬‬
‫(‪ )154‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)16088 ،16087‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1297‬و«سنن‬
‫أيب داود» (‪ ،)1966‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)3028‬و«سنن البيهقي» (‪ ،)220/8‬و«السلسلة‬
‫الصحيحة» (‪.)2445‬‬
‫(‪ )155‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)3375 ،2266 ،562‬و«صحيح البخاري» (‪،1513‬‬
‫‪ ،)6228 ،4399 ،1855 ،1853‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1334‬و«سنن أيب داود» (‪،)1809‬‬
‫و«جامع الرتمذي» (‪ ،)928 ،885‬و«مسند أيب يعىل» (‪ ،)544 ،312‬و«سنن البيهقي» (‪.)89/7‬‬
‫(‪ُ )156‬ي ِغ ُّل عليهن قلب مؤمن‪ :‬هو من اإلغالل‪ :‬اخليانة يف كل يشء‪ .‬و ُيروى‪َ « :‬ي ِغ ُّل»‬
‫وروي‪َ « :‬ي ِغ ُل»‬‫والشحناء‪ :‬أي ال َيدْ ُخله ح ْقد ُي ِزي ُله عن احلقِّ ‪ُ .‬‬ ‫الغل‪ ،‬وهو ِ‬
‫احل ْقد َّ‬ ‫بفتح الياء من ِ‬
‫القلوب‬
‫ُ‬ ‫الوغول‪ :‬الدُّ خول يف الرش‪ .‬واملعنى‪ :‬أن هذه اخلالل الثالث ت ُْست َْص َلح هبا‬
‫بال َّتخفيف‪ .‬من ُ‬
‫فمن تمَ َّسك هبا َط ُهر َق ْل ُبه من اخليانة والدَّ َغل والرش‪.‬‬

‫‪ 224‬كأنك‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )157‬ينظر‪« :‬مسند ابن املبارك» (‪ ،)239‬و«مسند أمحد» (‪،16649 ،14553 ،2036‬‬
‫‪ ،)23234 ،20695 ،19754‬و«صحيح البخاري» (‪،4406 ،4405 ،4403 ،1741 ،121‬‬
‫‪ ،)5550‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1838 ،1679 ،1298 ،1297 ،65‬و«مسند الدارمي» (‪،)229‬‬
‫و«سنن أيب داود» (‪ ،)1970‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)3087 ،2159 ،1706 ،886‬و«سنن ابن‬
‫ماجه» (‪ ،)3023‬و«سنن النسائي» (‪ ،)270/5‬و«مسند الروياين» (‪ ،)2416‬و«صحيح ابن‬
‫خزيمة» (‪ ،)2877‬و«تاريخ الطربي» (‪ ،)205/2‬و«سرية ابن هشام» (‪.)422/1‬‬
‫(‪ )158‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)22258 ،22161‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)616‬و«صحيح‬
‫ابن حبان» (‪ ،)4563‬و«املعجم الكبري» للطرباين (‪ ،)7664‬و«شعب اإليامن» (‪.)6967‬‬
‫(‪ )159‬ينظر‪« :‬أحكام القرآن» للطحاوي (‪ ،)1371‬و«املعجم الكبري» للطرباين (‪)210/24‬‬
‫(‪ ،)538‬و«معرفة الصحابة» أليب نعيم (‪ ،)7557‬و«أسد الغابة» (‪ ،)51/7‬و«اإلصابة»‬
‫(‪.)554/7‬‬
‫(‪ )160‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪.)4403 ،4402‬‬
‫(‪ )161‬هو حديث‪« :‬أال تسمعون» املتقدم‪.‬‬
‫(‪ )162‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)1857‬و«صحيح البخاري» (‪،1736 ،1722 ،1721 ،83‬‬
‫‪ ،)1738‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1307 ،1306‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)2015‬و«صحيح ابن‬
‫خزيمة» (‪ ،)2774‬و«رشح مشكل اآلثار» (‪ ،)6022 ،6015‬و«سنن الدارقطني» (‪،)251/2‬‬
‫و«سنن البيهقي» (‪ ،)146/5‬و«زاد املعاد» (‪ ،)259/2‬و«فتح الباري» (‪.)505/3‬‬
‫(‪ )163‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)18454‬و«األدب املفرد» (‪ ،)291‬و«سنن أيب داود»‬
‫(‪ ،)3855 ،2015‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)3436 ،2038‬و«سنن ابن ماجه» (‪،)3436‬‬
‫و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2955 ،2774‬و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)4061 ،486‬و«معجم‬
‫الطرباين الكبري» (‪ ،)485-463‬و«املستدرك» (‪.)400-399 ،199/4‬‬
‫(‪ )164‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)23177 ،16588‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1951‬و«سنن‬
‫البيهقي» (‪.)138/5‬‬

‫كأنك ‪225‬‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )165‬ينظر‪« :‬سنن أيب داود» (‪ ،)2019‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)881‬و«سنن ابن ماجه»‬
‫(‪ )3007 ،3006‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2891‬و«املستدرك» (‪ ،)467/1‬و«سنن البيهقي»‬
‫(‪.)139/5‬‬
‫(‪ )166‬اللبات‪ ،‬مجع َّلبة‪ ،‬وهي موضع النحر يف أسفل الرقبة‪.‬‬
‫(‪ )167‬أي‪َ :‬ي ْق ُر ْبن منه‪.‬‬
‫(‪ )168‬ينظر‪« :‬مسند احلميدي» (‪ ،)1269‬و«مسند أمحد» (‪ ،)19075‬و«سنن أيب داود»‬
‫(‪ ،)1766 ،1765‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)3158‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪،2917 ،2892‬‬
‫‪ ،)2924‬و«املستدرك» (‪.)221/4‬‬
‫(‪ )169‬تقدم يف الذي قبله‪.‬‬
‫(‪ )170‬ا ِ‬
‫جلالل‪ :‬أكيسة تكسى هبا ظهور البدن‪.‬‬
‫(‪ )171‬هي القطعة الصغرية من اللحم‪.‬‬
‫(‪ )172‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)2359 ،1374 ،1325 ،1002 ،894‬و«صحيح البخاري»‬
‫(‪ ،)1717‬و«صحيح مسلم» (‪.)1317‬‬
‫(‪ )173‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)14498‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1218‬و«سنن أيب داود»‬
‫(‪ ،)1937‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪.)2787‬‬
‫(‪ )174‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)26109‬و«صحيح البخاري» (‪،)2299 ،1720 ،1709‬‬
‫و«صحيح مسلم» (‪ ،)1319 ،1211‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1751 ،1750‬و«سنن ابن ماجه»‬
‫(‪ ،)3135 ،3133 ،2963‬و«سنن النسائي» (‪ ،)290‬و«صحيح ابن حبان» (‪.)4008‬‬
‫(‪ )175‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)23453 ،15043‬و«صحيح مسلم» (‪،)1318 ،1213‬‬
‫و«جامع الرتمذي» (‪ ،)904‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪.)2900‬‬
‫(‪ )176‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)2801‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2927‬و«املعجم الكبري»‬
‫للطرباين (‪ ،)11399‬و«املستدرك» (‪.)473/1‬‬

‫‪ 226‬كأنك‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )177‬الدافة‪ :‬القوم َيسريون مجاعة َسيرْ ا ليس بالشديد ‪ .‬يقال ‪ :‬هم َي ِد ُّفون َد ِفي ًفا‪ .‬والدا َّفة‪:‬‬
‫األض َحى‪ ،‬فنَهاهم عن ا ِّدخار لحُ وم‬ ‫قوم من األعراب َي ِر ُدون املِصرْ ُيريد أهنم َقوم َق ِدموا املدينة عند ْ‬
‫األضاحي لِ ُي َف ِّرقوها ويتصدَّ قوا هبا‪ ،‬ف َي ْن ِ‬
‫تفع أولئك القادمون هبا‪.‬‬
‫(‪ )178‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)5569‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1974 ،1971‬و«سنن‬
‫النسائي» (‪.)4431‬‬
‫(‪ )179‬ينظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪ ،)1975‬و«مسند الدارمي» (‪ ،)2003‬و«مسند أيب عوانة»‬
‫(‪ ،)7876-7870‬و«سنن البيهقي» (‪.)291/9‬‬
‫(‪ )180‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪،13508 ،13685 ،13164 ،12483 ،12363 ،12092‬‬
‫‪ ،)27249‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)171‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)2325 ،1305‬و«سنن أيب‬
‫داود» (‪ ،)1981‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)912‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2928‬و«صحيح ابن‬
‫حبان» (‪ ،)3879 ،1371‬و«املستدرك» (‪ ،)473/1‬و«سنن البيهقي» (‪،)427/2( ،)25/1‬‬
‫(‪ ،)67/7( ،)134/5‬و«فتح الباري» (‪.)274/1‬‬
‫(‪ )181‬ينظر التخريج السابق‪.‬‬
‫(‪ )182‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)17598‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)1727‬و«صحيح مسلم»‬
‫(‪.)1301‬‬
‫(‪ )183‬ذكره القسطالين يف «املواهب اللدنية» (‪ ،)339/3‬وعزاه إىل إلمام أمحد‪ ،‬ومل نجده‬
‫يف املطبوع من «املسند»‪.‬‬
‫النبي‬
‫َّ‬ ‫وله شاهد من حديث عبد اهلل بن زيد بن عبد ر ِّبه األنصاري ريض اهلل عنه‪ ،‬أنه شهدَ‬
‫أضاحي‪ ،‬فلم يصبه منها‬
‫َّ‬ ‫ورجل من األنصار‪ ،‬وهو َي ْق ِس ُم‬
‫ٌ‬ ‫صىل اهلل عليه وآله وسلم عند املنحر هو‬
‫رأس ُه يف ثوبه‪ ،‬فأعطاه‪ ،‬ف َق َس َم منه عىل‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم َ‬ ‫يشء‪ ،‬وال صاح َب ُه‪ ،‬فحلق‬
‫ٌ‬
‫أظفار ُه‪ ،‬فأعطاه صاح َب ُه‪ .‬ينظر‪« :‬الطبقات» البن سعد (‪ ،)537/3‬و«مسند أمحد»‬
‫َ‬ ‫رجال‪ ،‬وق َّل َم‬
‫(‪ ،)16475 ،16474‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2932 ،2931‬و«مسند أيب عوانة» (‪،)3248‬‬
‫و«املستدرك» (‪ ،)475/1‬و«سنن البيهقي» (‪ ،)25/1‬و«األحاديث املختارة» (‪.)354( )7/4‬‬

‫كأنك ‪227‬‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )184‬التفث‪ :‬هو ما يفعله ا ُمل ْحرم باحلج إذا َح َّل ك َق ّ‬


‫ص الشارب واألظافر و َن ْتف اإلبط‬
‫والوسخ ْ‬
‫مطلقا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وح ْلق العانة‪ .‬وقيل هو إ ْذهاب َّ‬
‫الش َعث والدَّ َرن‬
‫(‪ )185‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1754‬و«صحيح مسلم» (‪.)1189‬‬
‫(‪ )186‬املحجن‪ :‬عصا حمنية الرأس‪.‬‬
‫(‪ )187‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1632 ،1613 ،1608‬و«صحيح مسلم» (‪،1272‬‬
‫‪ ،)1275 ،1273‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1880‬و«سنن النسائي» (‪ ،)2975‬و«صحيح ابن‬
‫خزيمة» (‪.)2782‬‬
‫(‪ )188‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1692‬و«صحيح مسلم» (‪.)1227‬‬
‫(‪ )189‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)14943‬و«صحيح البخاري» (‪،)4395 ،1638 ،1556‬‬
‫و«صحيح مسلم» (‪.)1211‬‬
‫ووقع يف رواية جابر بن عبد اهلل ريض اهلل عنهام يف «صحيح مسلم» (‪ )1215‬قوله‪« :‬مل يطف‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم وال أصحابه بني الصفا واملروة إال طوا ًفا واحدً ا»‪ .‬ولكن َّ‬
‫فصلت‬
‫عائشة ريض اهلل عنها فقالت‪« :‬فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبالصفا‪ ،‬ثم ح ُّلوا‪ ،‬ثم طافوا‬
‫ُ‬
‫طوا ًفا آخر بعد أن رجعوا من منى ِّ‬
‫حلجهم»‪ .‬متفق عليه‪ ،‬فيحمل ما يف رواية جابر عىل َمن كانوا‬
‫قارنني‪ ،‬ورواية عائشة عىل املتمتعني‪ .‬وينظر بسط ذلك يف منسك الشيخ ابن باز رمحه اهلل من‬
‫«جمموع فتاويه» (‪.)79/16‬‬
‫(‪ )190‬النبيذ‪ :‬هو املاء الذي يلقى فيه التمر أو الزبيب؛ ليجعل لطعمه حالوة‪ ،‬ويستعمل يف‬
‫القرى التي تستقي من اآلبار؛ مللوحة مائها‪ ،‬كمكة واملدينة‪ ،‬ويوضع فيه التمر أو الزبيب لتحليته‪.‬‬
‫(‪ )191‬أي‪ :‬نالته األيدي وخالطته‪.‬‬
‫(‪ )192‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)3528 ،3495‬و«صحيح البخاري» (‪،)1636 ،1635‬‬
‫و«صحيح مسلم» (‪ ،)1316‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)2021‬و«مسند أيب يعىل» (‪ ،)2618‬و«صحيح‬
‫ابن خزيمة» (‪ ،)2947‬و«سنن البيهقي» (‪.)247/5‬‬
‫(‪ )193‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)3527‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)1636‬والتخريج الذي قبله‪.‬‬

‫‪ 228‬كأنك‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )194‬ينظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪ )1308‬من حديث ابن عمر ريض اهلل عنهام‪.‬‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم صلىَّ الظهر بمكة‪ .‬أخرجه‬
‫وقد روى جابر ريض اهلل عنه‪ ،‬أن َّ‬
‫مسلم (‪ ،)1218‬ومثله من حديث عائشة ريض اهلل عنها عند أيب داود (‪.)1973‬‬
‫النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم الظهر بمكة؛ لنُقل إلينا َمن الذي صلىَّ‬
‫ُّ‬ ‫واألول أظهر؛ فلو صلىَّ‬
‫بالناس الظهر بمنى‪ ،‬وقد كان ابن عمر ريض اهلل عنهام يصليِّ الظهر يوم النحر بمنى‪ ،‬وهذا يدل‬
‫يتحرى التأسيِّ بام رأى من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم‪.‬‬
‫عىل أنه كان َّ‬
‫ينظر‪« :‬زاد املعاد» (‪.)261-258/2‬‬
‫(‪ )195‬ينظر‪« :‬أخبار مكة» للفاكهي (‪ ،)2603 ،2601 ،2593 ،2313‬و«املعجم الكبري»‬
‫للطرباين (‪ ،)12283‬و«املعجم األوسط» (‪ ،)5407‬و«املستدرك» (‪ ،)598/2‬و«سنن البيهقي»‬
‫(‪ ،)177/5( ،)420/2‬و«املختارة» للضياء (‪ ،)309( )293 -292/10‬و«تاريخ دمشق»‬
‫(‪ ،)167/61‬و«املطالب العالية» (‪ ،)1331‬و«السلسلة الصحيحة» (‪.)2023‬‬
‫(‪ )196‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)1891‬و«صحيح البخاري» (‪،)1857 ،493 ،76‬‬
‫و«صحيح مسلم» (‪ ،)504‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)715‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)337‬و«سنن ابن‬
‫ماجه» (‪ ،)947‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)833‬و«فتح الباري» (‪.)172-171/1‬‬
‫طرب من اخلوف‪ ،‬والفرائص مجع فريصة‪ ،‬وهي َل ْحمة يف‬ ‫(‪ )197‬ترعد‪ ،‬أي‪َ :‬ت ْر ُج ُف ْ‬
‫وتض ُ‬
‫َو َسط َ‬
‫اجل ْنب عند َم ْنبِض ال َق ْلب‪ ،‬ترعد وتثور عند ال َف ْزعة والغضب‪.‬‬
‫(‪ )198‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)17476 ،17475‬و«سنن أيب داود» (‪،)614 ،575‬‬
‫و«جامع الرتمذي» (‪ ،)219‬و«سنن النسائي» (‪ ،)858‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪،)1638‬‬
‫و«املعجم الكبري» للطرباين (‪ ،)619-608( )236-232/22‬و«املستدرك» (‪،)245/1‬‬
‫و«سنن البيهقي» (‪.)301/3‬‬
‫(‪ )199‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» مع «الفتح» (‪ ،)462/2‬و«أخبار مكة» للفاكهي‬
‫(‪ ،)2580‬و«سنن البيهقي» (‪.)312/3‬‬

‫كأنك ‪229‬‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )200‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪،15793 ،15430-15428 ،4970 ،1456 ،992 ،567‬‬
‫‪ ،)21950 ،20723 ،18955 ،17768 ،17379 ،16706‬و«صحيح مسلم» (‪،)1142‬‬
‫و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)1719‬و«سنن النسائي الكربى» (‪ ،)2903 ،2892‬و«مسند أيب يعىل»‬
‫(‪ ،)6024 ،5913‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2960 ،2148‬و«صحيح ابن حبان» (‪،)3601‬‬
‫و«سنن البيهقي» (‪.)296 /9( ،)260/4‬‬
‫(‪ )201‬يوم الرؤوس هو اليوم احلادي عرش؛ ألهنم كانوا يأكلون فيه الرؤوس‪ ،‬حتى ال يرسع‬
‫سمى‪ :‬يوم القر؛ ألن احلجاج يقرون فيه بمنى‪.‬‬
‫إليها الفساد‪ .‬و ُي َّ‬
‫ويسمى‪ :‬أوسط أيام الترشيق‪ ،‬أي‪ :‬أفضلها‪ ،‬كام يف حديث كعب بن عاصم األشعري ريض‬‫َّ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم خطب أوسط أيام الترشيق‪ ،‬وهو الغد من يوم‬ ‫اهلل عنه‪ ،‬أن‬
‫النحر‪ .‬أخرجه الروياين يف «مسنده» (‪ ،)1530‬وينظر‪« :‬حجة الوداع» البن حزم (ص‪،)217‬‬
‫و«فتح الباري» (‪.)574/3‬‬
‫(‪ )202‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)18087 ،17670 ،17664 ،16409‬و«مسند الدارمي»‬
‫(‪ ،)2576‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1956 ،1953 ،1952‬و«اآلحاد واملثاين» (‪ ،)3305‬و«مسند‬
‫أيب يعىل» (‪ ،)1569‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2973‬و«املعجم األوسط» للطرباين (‪،)2430‬‬
‫و«املعجم الكبري» (‪،)636( 243/22 ،)400( 175/190 ،)65( 34/17 ،)4458 ،3609‬‬
‫‪ ،)777( 307/24‬و«معرفة الصحابة» أليب نعيم (‪ ،)7701‬و«حجة الوداع» البن حزم‬
‫(ص‪ ،)217‬و«سنن البيهقي» (‪.)151 ،140/5‬‬
‫(‪ )203‬ينظر‪« :‬مصنف ابن أيب شيبة» (‪ ،)14344 ،14343‬و«مسند أمحد» (‪،5944‬‬
‫‪ ،)24592 ،6669‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)1753-1751‬و«صحيح مسلم» (‪،)1296‬‬
‫و«سنن أيب داود» (‪ ،)1996 ،1973‬و«سنن النسائي» (‪ ،)3083‬و«أخبار مكة» للفاكهي‬
‫(‪ ،)2676-2664‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪.)2956‬‬
‫(‪ )204‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)22207 ،9222 ،5944‬و«سنن أيب داود» (‪،)1696‬‬
‫و«جامع الرتمذي» (‪ ،)900‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)4012‬و«سنن الدارقطني» (‪،)274/2‬‬
‫و«سنن البيهقي» (‪.)131-130/5‬‬

‫‪ 230‬كأنك‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )205‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)22207 ،23158‬و«سنن ابن ماجه» (‪.)4012‬‬


‫(‪ )206‬ينظر‪« :‬سنن أيب داود» (‪ ،)1975‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)955‬و«سنن ابن ماجه»‬
‫(‪ ،)3037‬و«سنن النسائي» (‪.)3069‬‬
‫(‪ )207‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1634‬و«صحيح مسلم» (‪.)1315‬‬
‫(‪ )208‬أي‪ :‬دأبه وشأنه‪.‬‬
‫(‪ )209‬القطا‪ :‬طائر يشبه احلامم‪ ،‬يوصف بحسن امليش لتقارب ُخطاه‪.‬‬
‫(‪ )210‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)3058 ،1589 ،1588‬و«صحيح مسلم» (‪،1314‬‬
‫‪.)1351‬‬
‫(‪ )211‬ينظر‪« :‬سرية ابن هشام» (‪.)352/1‬‬
‫املحصب‪ :‬تعليق الشيخ عبد امللك بن دهيش عىل «تاريخ مكة»‬
‫َّ‬ ‫(‪ )212‬ينظر يف حتديد موقع‬
‫لألزرقي (‪.)742/2‬‬
‫(‪ )213‬ينظر‪« :‬صحيح مسلم» (‪ ،)1327‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)2002‬و«صحيح ابن‬
‫حبان» (‪ ،)3897‬و«سنن البيهقي» (‪.)161/5‬‬
‫(‪ )214‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1764 ،1756‬و«صحيح مسلم» (‪.)1311 ،1310‬‬
‫(‪ )215‬مؤخرة الرحل‪ :‬هي خشبة يف آخرة الرحل ‪ ،‬يستند إليها الراكب‪.‬‬
‫(‪ )216‬الرحل‪ :‬مركب من خشب يوضع عىل ظهر البعري‪ ،‬وهو للبعري كالرسج للفرس‪.‬‬
‫(‪ )217‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)24159 ،14942 ،1710‬و«صحيح البخاري» (‪،1556‬‬
‫‪ ،)1788 ،1787 ،1785 ،1638 ،1561‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1213 ،1211‬و«سنن أيب‬
‫داود» (‪ ،)1995‬و«سنن النسائي» (‪ ،)2911‬و«سنن النسائي الكربى» (‪ ،)9234‬و«صحيح ابن‬
‫خزيمة» (‪ ،)3027‬و«مسند أيب عوانة» (‪ ،)3186‬و«املستدرك» (‪ ،)470/1‬و«أخبار أصبهان»‬
‫(‪ ،)372/3‬و«سنن البيهقي» (‪ ،)332/4‬و«فتح الباري» (‪.)611/3‬‬
‫(‪ )218‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)25428 ،24906‬و«صحيح البخاري» (‪،)1772‬‬
‫و«صحيح مسلم» (‪ ،)1211‬و«سنن البيهقي» (‪ ،)162 ،6/5‬والتخريج السابق‪.‬‬

‫كأنك ‪231‬‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )219‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)26714 ،26485‬و«صحيح البخاري» (‪،1626 ،464‬‬


‫‪ ،)4853‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1276‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1882‬و«سنن ابن ماجه» (‪،)2961‬‬
‫و«أخبار مكة» للفاكهي (‪ ،)474‬و«سنن النسائي» (‪ ،)2926 ،2925‬و«صحيح ابن خزيمة»‬
‫(‪ ،)2776‬و«صحيح ابن حبان» (‪.)3830‬‬
‫(‪ )220‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1589‬و«صحيح مسلم» (‪.)1314‬‬
‫(‪ )221‬كدى‪ :‬يعرف اليوم بريع الرسام‪ ،‬بني حارة الباب وجرول‪ .‬ينظر‪« :‬معجم املعامل‬
‫اجلغرافية الواردة يف السنة النبوية» (ص‪.)262‬‬
‫(‪ )222‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)1769‬و«رشح صحيح البخاري» البن بطال‬
‫(‪ ،)431/4‬و«التوضيح» البن املل ِّقن (‪ ،)199-198/12‬و«فتح الباري» (‪ ،)593/3‬و«تغليق‬
‫التعليق» (‪.)115-114/3‬‬
‫(‪ )223‬تقدم برقم (‪.)83‬‬
‫(‪ )224‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)18718 -18715‬و«مسند عبد بن محيد» (‪ ،)491‬و«أخبار‬
‫مكة» لألزرقي (‪ ،)154/2‬و«مسند الدارمي» (‪ ،)2552‬و«أخبار مكة» للفاكهي (‪،)2514‬‬
‫و«جامع الرتمذي» (‪ ،)3925‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)3108‬و«السنن الكربى» للنسائي‬
‫(‪ ،)4238‬و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)3708‬و«املستدرك» (‪ ،)431 ،280 ،7/3‬و«ختريج‬
‫أحاديث الكشاف» (‪ ،)23 -21/3‬و«طرح التثريب» (‪.)50/6‬‬
‫(‪ )225‬ينظر‪« :‬مصنف ابن أيب شيبة» (‪ ،)31705‬و«مسند أمحد» (‪،)20893 ،20828‬‬
‫و«مسند الدارمي» (‪ ،)20‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)2277‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)3624‬و«مسند‬
‫أيب يعىل» (‪ ،)7469‬و«صحيح ابن حبان» (‪.)6482‬‬
‫(‪ )226‬تقدم برقم (‪.)157‬‬
‫(‪ )227‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)14568‬و«مسند الدارمي» (‪ ،)2716‬و«صحيح البخاري»‬
‫(‪ ،)6385 ،2995-2993 ،1797‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1344‬و«السنن الكربى» للنسائي‬
‫(‪ ،)8774‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪.)2562‬‬

‫‪ 232‬كأنك‬
‫معه‬
‫كأنك معه‬

‫(‪ )228‬ينظر‪« :‬مصنف ابن أيب شيبة» (‪ ،)32118‬و«مسند أمحد» (‪،19279 ،18479‬‬
‫‪ ،)19325 ،19265‬و«فضائل الصحابة» ألمحد (‪ ،)1048 ،1017 ،1016 ،992‬و«مسند‬
‫عبد بن محيد» (‪ ،)265‬و«مسند الدارمي» (‪ ،)3359‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)2408‬و«جامع‬
‫الرتمذي» (‪ ،)3713‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)116‬و«السنة» البن أيب عاصم (‪،)1552 -1550‬‬
‫و«مسند البزار» (‪ ،)4336 ،4327 -4324‬و«السنن الكربى» للنسائي (‪،8410 ،8119‬‬
‫‪ ،)8415‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2357‬و«رشح مشكل اآلثار» (‪ ،)3464‬و«املعجم الكبري»‬
‫للطرباين (‪ ،)5028‬و«فضائل اخللفاء الراشدين» أليب نعيم (‪ ،)19 -17‬و«املستدرك» (‪،109/3‬‬
‫‪ ،)533 ،116‬و«سنن البيهقي» (‪ ،)194/10( ،)48/7( ،)212/2‬و«السلسلة الصحيحة»‬
‫(‪.)1750‬‬
‫(‪ )229‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)22967‬و«فضائل الصحابة» ألمحد (‪ ،)1180‬و«السنن‬
‫الكربى» للنسائي (‪.)8428‬‬
‫(‪ )230‬ينظر‪« :‬مصنف ابن أيب شيبة» (‪ ،)32118‬و«مسند أمحد» (‪ ،)18479‬و«فضائل‬
‫الصحابة» ألمحد (‪ ،)1042 ،1016‬و«االستيعاب» (‪ ،)18/2‬و«تاريخ دمشق» (‪،221/42‬‬
‫‪ ،)234 ،233‬و«البداية والنهاية» (‪ ،)74/11‬و«تفسري املنار» (‪ ،)385/6‬و«السلسلة‬
‫الصحيحة» (‪ ،)1750( )344/4‬و«السلسلة الضعيفة» (‪.)4923‬‬
‫(‪ )231‬ينظر‪« :‬املعجم الكبري» للطرباين (‪ ،)23( )14/23‬و«املستدرك» (‪،)16 -15/1‬‬
‫و«شعب اإليامن» (‪ ،)9123 ،9122‬و«السلسلة الصحيحة» (‪.)216‬‬
‫«الغ ِدير» لألميني (‪.)215/1‬‬
‫(‪ )232‬ينظر‪َ :‬‬
‫(‪ )233‬ينظر‪« :‬املجالسة» للدينوري (‪ ،)2238‬و«اإلبانة الكربى» البن بطة (‪،)133‬‬
‫و«املستدرك» (‪ ،)7/3‬و«رشح أصول اعتقاد أهل السنة واجلامعة» للاَّ َلكائي(‪ ،)2426‬و«دالئل‬
‫النبوة» للبيهقي (‪ ،)477 -476 /2‬و«تاريخ دمشق» (‪ ،)80/30‬و«مسند الفاروق» (‪/2‬‬
‫‪ ،)672‬و«البداية والنهاية» (‪ ،)180 /3‬و«السرية احللبية» (‪.)203 /2‬‬

‫كأنك ‪233‬‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )234‬ينظر‪« :‬طبقات ابن سعد» (‪ ،)366/4‬و«مصنف ابن أيب شيبة» (‪ ،)36610‬و«مسند‬
‫أمحد» (‪ ،)3‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)3652 ،3615 ،2439‬و«صحيح مسلم» (‪75 /2009‬‬
‫‪ -‬كتاب الزهد والرقائق)‪ ،‬و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)6281‬و«دالئل النبوة» للبيهقي (‪،)484/2‬‬
‫(‪ ،)325/6‬و«االستيعاب» (‪ ،)174/1‬و«أسد الغابة» (‪ ،)422/1‬و«الكامل» البن األثري‬
‫(‪ ،)277/1‬و«البداية والنهاية» (‪ ،)194/6( ،)188 -187/3‬و«اإلصابة» (‪.)41/3‬‬
‫(‪ )235‬ينظر‪« :‬طبقات ابن سعد» (‪ ،)198 ،196/1‬و«اآلحاد واملثاين» (‪ ،)3485‬و«علل‬
‫ابن أيب حاتم» (‪ ،)2686‬و«صفة النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم» ملحمد بن هارون (ص‪،)19‬‬
‫و«املعجم الكبري» للطرباين (‪ ،)6510 ،3605‬و«األحاديث الطوال» للطرباين (ص‪،)254‬‬
‫و«الرشيعة» لآلجري (‪ ،)1020‬و«املستدرك» (‪ ،)9/3‬و«رشح أصول اعتقاد أهل السنة‬
‫واجلامعة» للاَّ َلكائي (‪ ،)1437‬و«دالئل النبوة» للبيهقي (‪ ،)279 ،276/1‬و«رشح السنة»‬
‫(‪ ،)3704‬و«تاريخ دمشق» (‪ ،)314/3‬و«سري أعالم النبالء» (‪ ،)373/2‬و«البداية والنهاية»‬
‫(‪ ،)479-472/4‬و«اإلصابة» (‪ ،)525/14‬و«أنيس الساري يف ختريج أحاديث فتح الباري»‬
‫(‪.)980 -973/10‬‬
‫(‪ )236‬هو جزء من قصة سرُ اقة بن مالك ريض اهلل عنه املتقدِّ م برقم (‪.)234‬‬
‫(‪ )237‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)11‬و«فضائل الصحابة» ألمحد (‪،)510 ،509 ،179 ،23‬‬
‫و«صحيح البخاري» (‪ ،)4663 ،3922 ،3653‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)2381‬و«أخبار مكة»‬
‫للفاكهي (‪ ،)2413‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)3096‬و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)6278‬وما تقدم يف‬
‫قصة سرُ اقة بن مالك ريض اهلل عنه برقم (‪.)234‬‬
‫(‪ )238‬ينظر‪« :‬مسند الطياليس» (‪ ،)2319 ،1010 ،602‬و«مسند أمحد» (‪،1991‬‬
‫‪ ،)15848 ،15306 ،11167‬و«صحيح البخاري» (‪،3899 ،3078 ،2962 ،2783‬‬
‫‪ ،)4307‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1864 ،1863 ،1353‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)2480‬و«جامع‬
‫الرتمذي» (‪ ،)1590‬و«سنن النسائي» (‪ ،)145/7‬و«صحيح ابن حبان» (‪،)4867 ،4592‬‬
‫و«سنن البيهقي» (‪.)27/9‬‬

‫‪ 234‬كأنك‬
‫معه‬
‫كأنك معه‬

‫(‪ )239‬ينظر‪« :‬مسند الطياليس» (‪ ،)2830‬و«مسند أمحد» (‪،3196 ،2187 ،1898‬‬


‫‪ ،)3202‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1336‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1736‬و«جامع الرتمذي» (‪،)924‬‬
‫وسنن ابن ماجه» (‪ ،)2910‬و«سنن النسائي» (‪ ،)120/5‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪،)3049‬‬
‫و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)3798 ،3797 ،144‬و«سنن البيهقي» (‪.)254/5‬‬
‫(‪ )240‬ينظر‪« :‬مسند الطياليس» (‪ ،)2606‬و«مسند أمحد» (‪ ،)12608 ،12594‬و«فضائل‬
‫الصحابة» ألمحد (‪ ،)1431‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)4337 ،4334 ،4333‬و«صحيح مسلم»‬
‫(‪ ،)1059‬و«صحيح ابن حبان» (‪ ،)7268 ،4796‬وما سيأيت برقم (‪.)241‬‬
‫(‪ )241‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪،)13976 ،12952 ،12608 ،11730 ،11547‬‬
‫و«صحيح البخاري» (‪ ،)4332-4330 ،3147‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1061 ،1059‬و«سنن‬
‫البيهقي» (‪ ،)548/6‬وما تقدم برقم (‪.)240‬‬
‫(‪ )242‬ينظر‪« :‬مسند الطياليس» (‪ ،)2564‬و«مصنف ابن أيب شيبة» (‪ ،)36899‬و«مسند‬
‫أمحد» (‪ ،)10948‬و«فضائل الصحابة» ألمحد (‪ ،)1425‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1780‬و«مسند‬
‫أيب يعىل» (‪ ،)6647‬و«السنن الكربى» للنسائي (‪ ،)11234‬و«صحيح ابن حبان» (‪،)4760‬‬
‫و«املستدرك» (‪ ،)53/2‬و«سنن البيهقي» (‪.)197/9‬‬
‫(‪ )243‬ينظر‪« :‬مصنف ابن أيب شيبة» (‪ ،)15828‬و«مسند أمحد» (‪ ،)6284‬و«صحيح‬
‫البخاري» (‪ ،)1533‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1257‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1867‬و«صحيح ابن‬
‫حبان» (‪ ،)3909‬و«حجة الوداع» البن حزم (ص‪ ،)130‬و«فتح الباري» (‪.)391/3‬‬
‫(‪ )244‬ينظر‪« :‬مسند الطياليس» (‪ ،)2043‬و«مسند أمحد» (‪،5830 ،4636 ،4496‬‬
‫‪ ،)12969 ،12947‬و«صحيح البخاري» (‪،3086-3084 ،2995 ،1886 ،1802 ،1797‬‬
‫‪ ،)6185‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1345 ،1344 ،1342‬و«سنن أيب داود» (‪،)2770 ،2599‬‬
‫و«جامع الرتمذي» (‪ ،)3440 ،950‬و«صحيح ابن خزيمة» (‪ ،)2542‬و«صحيح ابن حبان»‬
‫(‪ ،)2707 ،2695‬و«الدعاء» للطرباين (‪ ،)846-841 ،810‬و«الدعوات الكبري» للبيهقي‬
‫(‪ ،)464-460‬و«فتح الباري» (‪.)189/11( ،)620/3‬‬

‫كأنك ‪235‬‬
‫معه‬
‫اهلوامش‬ ‫كأنك معه‬

‫(‪ )245‬ينظر‪« :‬مسند الطياليس» (‪ ،)1034‬و«مصنف ابن أيب شيبة» (‪ ،)4887‬و«مسند‬


‫أمحد» (‪ ،)15789 ،15771‬و«صحيح البخاري» (‪ ،)4677 ،4418‬و«صحيح مسلم» (‪،716‬‬
‫‪ ،)1769‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)2773‬و«سنن النسائي» (‪ ،)53/2‬و«صحيح ابن خزيمة»‬
‫(‪ ،)1211‬و«املعجم الكبري» للطرباين (‪ ،)596( )225/22‬و«سنن البيهقي» (‪،)427/5‬‬
‫و«فتح الباري» (‪.)119/8‬‬
‫(‪ )246‬اختُلف يف تعيني هذه املرأة‪ ،‬فقيل‪ :‬أم َم ْع ِقل‪ ،‬وقيل‪ :‬أم ِسنان‪ ،‬وقيل‪ :‬أم ُطليق‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫أم ُسليم‪ .‬فإما أن يكون اختُلف يف كنيتها‪ ،‬وإما أن تكون القصة تعدَّ دت‪ .‬ينظر‪« :‬االستيعاب»‬
‫(‪ ،)1962/4‬و«غوامض األسامء املبهمة» البن بشكوال (‪ ،)135-131/1‬و«اإلصابة»‬
‫(‪.)530/14‬‬
‫(‪ )247‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪،)27286 ،27107 ،27106 ،17841 ،17839 ،2025‬‬
‫و«صحيح البخاري» (‪ ،)1863 ،1782‬و«صحيح مسلم» (‪ ،)1256‬و«سنن أيب داود»‬
‫(‪ ،)1990-1988‬و«جامع الرتمذي» (‪ ،)939‬و«سنن ابن ماجه» (‪ ،)2994 ،2993‬و«صحيح‬
‫ابن خزيمة» (‪ ،)3077 ،3075 ،2376‬و«املعجم الكبري» للطرباين (‪،)551( )234/20‬‬
‫(‪ ،)368 ،364( )154 ،152/25‬و«سنن البيهقي» (‪ ،)448/6( ،)565/4‬و«اإلصابة»‬
‫(‪.)530/14‬‬
‫(‪ )248‬ينظر‪« :‬تذكرة احلفاظ» (‪.)36/1‬‬
‫(‪ )249‬ينظر‪« :‬البداية والنهاية» (‪.)503/7‬‬
‫(‪ )250‬ينظر‪« :‬إكامل املعلم» (‪ ،)265/4‬و«رشح النووي عىل صحيح مسلم» (‪.)170/8‬‬
‫(‪ )251‬ينظر‪« :‬مسند أمحد» (‪ ،)25624‬و«صحيح البخاري» (‪،)4750 ،4141 ،2661‬‬
‫و«صحيح مسلم» (‪.)2770‬‬
‫(‪ )252‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)2309‬و«فتح الباري» (‪ .)485/4‬وينظر ً‬
‫أيضا‪:‬‬
‫«صحيح البخاري» (‪ ،)5113‬و«صحيح مسلم» (‪.)2328 ،1425 ،677 ،503‬‬

‫‪ 236‬كأنك‬
‫معه‬
‫كأنك معه‬

‫(‪ )253‬ينظر‪« :‬مغازي الواقدي» (‪ ،)885/3( ،)770/2( ،)346 ،199/1‬و«الطبقات»‬


‫البن سعد (‪.)384-383/4‬‬
‫(‪ )254‬ينظر‪« :‬الطبقات» البن سعد (‪ ،)275/3( ،)264 ،91/1‬و«مسند الطياليس»‬
‫(‪ ،)2168‬و«فضائل القرآن» أليب عبيد (‪ ،)648‬و«سنن أيب داود» (‪ ،)1906 ،1905‬و«سنن‬
‫النسائي» (‪ ،)3349‬و«فتح الباري» (‪ ،)538/10‬و«عمدة القاري» (‪.)307/9‬‬
‫(‪ )255‬ينظر‪« :‬فتح الباري» (‪.)457-456/8‬‬
‫(‪ )256‬ينظر‪« :‬صحيح البخاري» (‪ ،)6169 ،6168‬و«صحيح مسلم» (‪.)2641‬‬

‫كأنك ‪237‬‬
‫معه‬
‫شكر وتقدير ‪5 ..............................................................‬‬
‫املقدمة ‪7 ...................................................................‬‬
‫إىل مكة ‪11 .................................................................‬‬
‫يف مكة ‪49 .................................................................‬‬
‫يف األبطح ‪67 ..............................................................‬‬
‫عىل صعيد عرفات ‪79 ......................................................‬‬
‫يوم احلج األكرب ‪107 ......................................................‬‬
‫أيام منى ‪135 ..............................................................‬‬
‫مشاعر الوداع‪157 ..........................................................‬‬
‫الغ ِدير‪165 .............................................................‬‬
‫عىل َ‬
‫بقايا الطريق‪175 ............................................................‬‬
‫صباح القدوم‪187 ..........................................................‬‬
‫ما قبل الكتابة ‪195 .........................................................‬‬
‫ما بعد الكتابة ‪203 .........................................................‬‬
‫موكب البشائر ‪207 ........................................................‬‬
‫اهلوامش ‪209 ..............................................................‬‬

‫كأنك ‪239‬‬
‫معه‬

You might also like