Professional Documents
Culture Documents
13717929 القبائلية من اللهجة إلى اللغة
13717929 القبائلية من اللهجة إلى اللغة
لقد قطعت المازيغية شوطا كبيرا من مشوارها نحو العتراف .فبعدما كان مجرد التحججدث عنهججا جججرم
يعاقب على ارتكابه ،هاهي الن – بفضل استماتة مناضليها – مرحب بها .عير أن البعض ،و أعني هنا أولئك
المستسلمين للمر الواقع و التابعيين الذين اعترفوا بوجودها ظاهريا و يكيدون لها باطنيا ،هادفين إلججى منججع
أو على القل تأجيل ترقيتها إلى لغة وطنية و رسمية ،راحججوا يطرحججون و يفتعلججون إشججكاليات متعججددة كنمججط
الكتابة الواجب تبنيه )هذا الموضوع سبق أن عالجته في جريدتي الشروق و اليوم( و كيفيججة توحيجد مختلججف
اللهجات المازيغية.
إذن ،في هذا المقال سأحاول أن أجيب عن الشكالية المتعلقة بتوحيججد اللهجججات المازيغيججة .سججأبدأ
أول بعرض و تقييم مدى صلحية الحل المقترح من طرف بعض الجهات و الذي باشرت الدولة فججي تطججبيقه و
بدون جدية ،ثم سأنتقل إلى عرض حلي الشخصي ،لنتهي بجملة من النصائح لفائججدة المازيغيججة و للقضججاء
على الزمة اللغوية بهائيا و عاجل.
حسب البعض ،حتى ل يحس أحدا بالتهميش ،يجب اسججتخلصا اللغججة المازيغيججة الموحججدة مججن كججل
لهجاتها ،و ذلك باستعمالها كلها في آن واحد ،مججع إدخججال نفججس المصججطلحات الجديججدة فججي جميعهججا .بهججذه
الطريقة ،سوف تتجه كل اللهجات باتجاه واحد ،مما سيعمل على تقريب بعضها بالبعض شيئا فشيئا إلى أن
تمحى كل الختلفات ،فتصير اللغة بذلك صالحة للتواصل في كامل المجتمع.
أول ،الهدف المنشود في هذه العملية بعيد المنال إن لم نقل مستحيل تحقيقججه :فمججا فرقججه الزمججن
عمره قرون ل يمكن توحيده في أشججهر أو سججنوات ،ثججم مججا الججذي قججامت بججه الدولججة لنجججاز هججذا المشججروع ؟
فالعملية إن انطلقت بجدية ،تستدعي خلججق هياكججل و تجنيججد بججاحثين أكفججاء يكلفججون بجمججع المعلومججات عججن
اللهجات الكبرى قصد إيجاد القواسم المشتركة فيما بينها .بعد هذا ،تجمججع ذات المعلومججات و تصججنف لتنشججر
على شكل مطبوعات رسمية :قاموس لغوي ،كتاب للقواعد و كتججاب مدرسججي .و بمججا أن المشججروع معججرض
للفشل مسبقا بسبب انعدام الرادة لدى الدولة ،فل يسعنا إل أن نبحث عن حل آخر مناسب.
إن الحل الذي أراه ملئما و ممكن تحقيقه على المدى القريب هو ترقيججة إحججدى اللهجججات المازيغيججة
إلى مرتبة لغة الجميع .و لكي يكون اختيار أي لهجججة موضججوعي ،يجججب أن ينبنججي علججى جملججة مججن معججايير،
منها :
-1مدى توففر اللهجة على تقاليد الكتابة :إن أول من خاضوا في تجربة الكتابة بلهجتهم هم القبائل.
فمنذ الربعينيات و المثقفون القبائل )بوليفة ،مولود معمري ،إلخ( يدفونون بالقبائلية المكتوبة بالحرف اللتيني
ما يجمعونه من أمثال و أشعار و قصص شججعبية لبلد القبائججل .و عنججدما جججاء جيججل جديججد ممججن تججأفثروا بهججؤلء
الر فواد ،بدئوا يؤلفون و يترجمون باستعمال نفس نمط الكتابة مع إدخال بعض تعديلت شكلية علججى مسججتوى
د شججائعة ممججا الحروف .فاليوم ،و مع إدراج المازيغية فججي المنظومججة التربويججة ،أصججبحت الكتابججة بالقبائليججة ججج ف
ساهم في تحقيق استقرار شبه كلي لشكل الحروف و نسبي للكلمات.
-2مدى توففر اللهجججة علججى الدب المكتججوب :لقججد حظيججت جججل اللهجججات المازيغيججة بقججدر هججام مججن
الهتمام مجن قبججل اللغججويين الوربييجن فججي الفجترة الممتجدة بيججن الحتلل الفرنسجي و السجبعينيات .فكجانت
النتيجة أن نشرت في مجلت مختصة نصوصا بمختلف اللهجات ،كما طبعت قواميس لغوية في غاية التقان.
مد البحث و التأليف في المنجاطق الخجرى نتيججة مغجادرة البجاحثون الوربيجون لكن بعد تلك الفترة ،و بينما تج ف
للجزائر ،و عدم اكتراث تلك المناطق لثقافتها ،واصلت منطقة القبائل المشوار بفضل نخبة من مثقفيها أمثال
مولود معمري ،سالم شاكر ،كمججا نججايت زراد ،أعمججر مججزداد ،إلججى غيججر ذلججك مججن السججماء البججارزة الججتي أثججرت
المكتبات بشتى أنواع المؤلفات )دراسات ،روايات ،أشعار( كتبت كلها بالقبائلية.
-3مدى توففر اللهجة على وسائل العلم :إن أول لهجة أمازيغيججة دخلججت عججالم السججمعي-البصججري
هي القبائلية .فزيادة عن المحطة الذاعية التي ورثتها عن المستعمر الفرنسي ،فإن هججذه اللهجججة مدعمججة
حديثا بمحطة تليفزيونية ) ( BRTVتبث فيه ا نقاش ات ثقافي ة و سياس ية ،أخب ار ،أش رطة علمي ة مدبلجججة،
أفلم و رسوم متحركة مترجمة .كما أن اللهجة القبائلية هي الوحيدة التي دخلت عالم الفن السججابع بجأفلم
مثل ) . ( Adrar n Baya, Tawrirt Yettwattunهذا كما أن القبائلية مستعملة كثيرا في النترنيت في أيامنا
هذه ،فهناك مواقع عديدة معدة للقبائلية و مكتوبة بها ) (imyura.net, ayamun.frالخ.
-4مدى انتشار اللهجة و شيوعها :خلفا للهجات الخرى التي تقوقعت في مناطقها الصلية – و إن
هاجر سكانها فإنهم يتبفنون لسان الغير – فإن القبائلية قد تعدت حدود منطقتها لتصل حتى إلى أوربا و كندا.
فبفضل مطربيها ) إيججدير ،آيججت منقلت ،معتججوب ( و ممثليهججا )فلق( و نجومهججا الرياضججيين )شججبيبة القبائججل( و
شخصياتها السياسية )حسين آيت أحمد( ،أصبحت القبائلية يوميا في مسمع الجزائريين ،حتى صار البعض
من غير القبائل ،من العرب و المازيغ ،يتحدثون بها عند الحاجة أو على القل يفهمون ما يقال لهم بها.
-5حجم التضحيات المقدمة للمازيغية :عكسا لسكان الشاوية و الشنوة و المزاب و التوارق الججذين
وصل بهم الوهن و نكران الذات حد الخجل من التحدث بلهجتهم خارج الطججار المحلججي الضججيق ،فججإن القبائججل
فخورين بانتمائهم المازيغي و يكشفون عن هويتهم هذه في كل زمان و مكججان .أضجف إلججى هجذا أن القبائججل
هم دائما السباقون إلى المطالبة بججالعتراف بالمازيغيججة بكججل أبعادهججا .فمنججذ ظهججور القضججية المازيغيججة إلججى
الوجود في الربعينيات و هم يدفعون فاتورات ثقيلة من أجلها .من ل يتذفكر ال 20مججن أفريججل مججن عججام 1980
حيث سجن و ع فذب الكججثير مججن القبائججل بعججدما خرجججوا إلججى الشججارع منججددين بججالتهميش الججذي فججرض علججى
المازيغية ؟ و ها نحن في أوضاع مماثلة لتلك التي سادت في الثمانينيات ،و بينما يضحي القبائججل بججالنفس
و النفيس من أجل دفع النظام إلى القبجول بترسجيم المازيغيجة ،نج د س كان المنجاطق الم ذكورة ل يبجالون و
م و بكم و عمى و شلل. كأنهم أصيبوا بص ف
ما سبق عرضه ،فإن اللهجة القبائلية هي المؤهلة و بدون منافس للترقية إلججى مرتبججة إذن ،و بناءا ع ف
اللغججة .فعلججى الدولججة أن تعلنهججا فججورا لغججة وطنيججة و رسجمية – إلججى جججانب العربيججة – ثججم تشججرع ،بمسججاعدة
أخصائيين ،في إعداد قاموس لغوي رسججمي و كتججاب للتججدريس .و مججوازاة لهججذا ،يجججب عليهججا أن تفتججح مراكججز
التكوين لمزيد من المد فرسين لتلبية حاجيات المؤسسات فججي كامججل الججتراب الججوطني .و عنججدما يتحقججق كججل
هذا ،ينبغي على الدولة أن تقوم بإدراج القبائلية )التي نسميها حينئجذ بالمازيغيججة( تجدريجيا كمجادة رسججمية
في كل المدارس الجزائرية .و إذا كان صانعوا القججرار جججادين فججي إعلنهججم عججن تطججوير المازيغيججة ،فعليهججم أن
يعملوا على توسيع مجال استعمالها لتشمل شتى الميادين ،خاصة الدارة و العلم.
و في حالة ما إذا فضلت الدولة مواصلة التظاهر بالعمل لفائدة المازيغية بنيججة تنججويم الجمججاهير ،فججإن
الشارع القبائلي لن يهدأ و حتى إن كان يبدو كذلك لشهر أو سنوات ،إذ أن القبائل سينتفضون حتما عند ما
ييأسون من الوعود الكاذبة للسلطات الجزائرية.