Professional Documents
Culture Documents
إعداد
د .مازن مطبقاني
شخصيا ا فقد قرأت رواية )زوربا اليوناني( للروائي اليوناني المشهور كازانتزاكي في أثناء دراستي
الجامعية في أمريكا وكنت لم أتجاوز العشرين بكثير فأعجبت بشخصية زوربا الرجل العجوز الذي ل يأبه
بسننه ،ويستمتع بملذات الحياة حللها وحرامها بينما كان الراوي شابا ا في الثلثينيات من عمره يلتزم
بالخلق وبالقيم .فكان في نظر كاتب الرواية -وهو النطباع الذي يتأثر به القارئ وبخاصة إذا لم يكن لديه
معرفة بالسلم -جامدا ا بليداا.
وفي الوقت الذي ظهرت فيه ترجمة كتاب زوربا اليوناني ظهرت كتابات الروائي والشاعر اللماني
اليهودي الصل هرمن هسه Hermann Hesseوكانت من اكثر القراءات شيوعا ا لدى الشباب في الجامعات
المريكية .ول بد أن انتشارها كان متوافقا ا مع ظهور موجة الهبييز والتمرد على قيم المجتمع والفضيلة أو
ي ب )الثورة الجنسية( .حيث كانت هذه الروايات تروج للنحلل والتمرد على القيم والخلق
م ي
ما س ض
واغتنام الفرصة)!( لقتناص لذائذ الحياة .
ولما شاء الله أن أعود إلى المملكة وأقوم بدراسة السلم من جديد عرفت أن زوربا اليوناني رجل
فاجر ل يأبه بالخلق الفاضلة ،وكل ما يهمه في الحياة عبادة هواه .وهو الذي قال الله فيه } أ فرأيت من
اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم([9]){.وكذلك كان الحال مع هرمن هسه وغيره من الكتاب.
ونبدأ الحديث عن الظاهرة الستشراقية بتحديد مظاهرها وميزاتها:
أول ا :أنها أطول ظاهرة فكرية.
فقد بدأت هذه الظاهرة لدى اليونان فهم أول من اهتم بدراسة الشعوب الشرقية حيث وجهوا
علماءهم لدراسة البلد المجاورة فقد كانت البعثات اليونانية تأتي إلى البلد الشرقية )مصر والعراق
والشام وغيرها( ذات الحضارة العريقة للتعلم منها لبناء الحضارة اليونانية .وقد اقتبس اليونان من حضارة
الشرقيين وبخاصة في النواحي العملية وفي الخلق والسلوك.
ومنذ انطلقة اليونان هذه والغرب ظل منطلقا ا ،ولكن الذي اختلف هو الهدف .فقد بدأ اليونان بهدف
علمي معرفي سرعان ما تغير إلى هدف استعماري ثقافي حيث الحملت التي شنها اسكندر المقدوني في
مطلع القرن الرابع قبل الميلد على بلد الشرق الدنى) التسمية غربية( القديم ) العراق والشام وحوض
البحر المتوسط( حتى وصل إلى أطراف الهند .وأما السبب أن تأخرت الحملت الستعمارية هو أن اليونان
كان في الفترة الماضية في مرحلة بناء حضارته ولذلك كان حريصا ا على التعرف على حضارات المم
الخرى فلما استوعبها وبنى حضارته التي ازدهرت في القرنين الخامس والسادس قبل الميلد بظهور
علمائه وفلسفته المشهورين ،بدأ في حملته الستعمارية .وقد كان الشرق عموما ا وثنيا ا عدا التوحيد الذي
ظهر في لني إسرائيل في فلسطين.
ويرى الدكتور خليفة -وفقا ا للمذكرة -أن دول الشرق ر ض
حبت بهذا الغزو الثقافي فانتشرت المراكز
الثقافية في الشام ومصر وشمال أفريقيا وجزر البحر المتوسط .ول بد أن أضيف أن النزعة الستعمارية
والستعلئية وفرض اللغة اليونانية والثقافة اليونانية كان هو السائد حتى عرف بما يسمى ب) الغرقة( أي
طبع البلد المحتلة بالطابع اليوناني .وقد أخذ الفرنسيون هذا المسلك عندما احتلوا البلد العربية السلمية
وأطلقوا على ذلك الفرنسة.حتى أصبحت اللغة الفرنسية هي اللغة القومية في عدد من مستعمراتها
السابقات رغم أن الغالبية في هذه الدول ل تعرف الفرنسية .ولكن إصرار فرنسا على ذلك إنما هو من
أجل الهيمنة وفرض النظم والقيم والثقافة الفرنسية ل سيما أن النخب الحاكمة هي التي تتكلم اللغة
الفرنسية([10]).
وكان من مظاهر الحتلل اليوناني تأسيس مدن يونانية جديدة منها " مدينة السكندرية" التي
أصبحت أكبر مركز ثقافي يوناني في التاريخ القديم .وقد نجحت الثقافة اليونانية في النتشار في الشرق
للسباب التية:
-1ضعف الثقافة الوثنية السائدة شرقا ،وعدم قدرتها على موجهة الثقافة اليونانية ) .ولكن هل كانت
الثقافة اليونانية إل ض ثقافة وثنية أيضاا(
-2عقلنية الثقافة اليونانية في مقابل أسطورة الثقافة الشرقية آنذاك ومصدر هذه العقلنية الفلسفة
المعتمدة على العقل والتي جعلت الفكر اليوناني فكرا ا عقليا ا تحليليا ا نقديا ا سقطت أمامه الثقافة الوثنية
بقاعدتها الخرافية.
-3حيازة اليونان للعلوم الحديثة التي لم يعرفها الرق إل ض في شكل عملي بسيط مرتبط بالدين ،لن
المعرفة الشرقية طورت أصل ا لخدمة الوثنية.
إذن يعود الستشراق بنوعيه العلمي والسياسي والفكري إلى اليونان باعتباره بلدا ا غربيا ا اتجه إلى
الشرق للحصول على المعرفة ،وبعد أن وضع القاعدة العلمية اليونانية -على العلوم الشرقية -انطلق
إلى الشرق غازيا ا عسكريا ا وفكريا ا في أيام السكندر الذي جمع بين الهدف الستعماري والهدف الثقافي
الفكري ،وفرض الثقافة اليونانية على الشرق القديم.
ويستمر هذا الغزو الثقافي اليوناني بعد انحسار اليونان كقوة عسكرية ،وزوال هذه القوة على يد
المبراطورية الرومانية .فقد تأثرت اليهودية والنصرانية بالفكر اليوناني -كانت اليهودية واليونانية ديانتين
شرقيتين -وانقسم اليهود أول ا إلى فريق مرحب بالثقافة اليونانية وفضلها على اليهودية ذاتها ،وفريق
رافض للثقافة اليونانية واعتبرها مهددة للديانة اليهودية .وفريق ثالث رأى في الفكر اليوناني منهجا ا عقليا ا
من المؤسسات الغربية مثل مؤسسة فورد )المريكية( ومؤسسة اديناور كونراد )اللمانية( وغيرها من
المؤسسات .
ومن مظاهر سطوة هذا التوجه الستشراقي أن معظم الدول العربية السلمية جعلت الشريعة
السلمية أحد المصادر الرئيسة في تشريعاتها وليس المصدر الرئيس .وقد صرحت عدة دول إسلمية بأنها
علمانية ومن هذه الدول تركيا وإندونيسيا .والعجيب أنها علمانية تختلف عن علمانية الغرب .فالعلمانية في
الغرب تفصل بين الدين والدنيا ولكن علمانية من تعلمن من المسلمين هي محاربة الدين السلمي بل
وصل المر ببعضهم إلى المناداة بتجفيف منابع التدين .مع أنه في العلمانية الغربية يعد الدين مسألة
شخصية ل يضار أحد بسبب تدينه .بل يشهد الغرب في السنوات الخيرة دعوات جادة وقوية للعودة إلى
الدين حتى إن التجمع البروتستانتي في الوليات المتحدة المريكية يعد من أقوى التجمعات السياسية
هناك.
ومن المثلة المؤلمة في العصر الحاضر أنه بعد أن سقطت الشيوعية تنادى الشيوعيون السابقون
إلى التمسك بالعلمانية والعقل وظهر مثل هذا في محاربة الحركات السلمية أو الدعوات السلمية التي
تدعو أبناء المة السلمية العودة إلى الهوية السلمية ونبذ النحرافات العقدية والسلوكية والستقلل عن
التشبه بالغرب والذوبان في الثقافات الخرى .ويعد نموذج تركيا والجزائر ومصر من المثلة التي تواصل
العلمانية فيها محاربة التجاه السلمي بشتى الوسائل ويتنادى المستشرقون بتأييد هذه التجاهات
العلمانية فيهتمون بهؤلء من أبناء العالم السلمي .فالجامعات الغربية والندوات والمؤتمرات الغربية
مفتوحة لهؤلء وكذلك الصحف ووسائل العلم الغربية.فمن المحاضرين الذين يترددون إلى الجامعات
الغربية صادق جلل العظم -الذي يعلن بصراحة إلحاده -ومحمد سعيد العشماوي ،ونصر حامد أبو زيد ،
ونوال السعداوي ،وعزيز العظمة ،ورفعت حسن )الباكستان( وفضل الرحمن )باكستان( وفؤاد عجمي
ومسعود ضاهر ) لبنان(
ثالثا ا :شمولية الظاهرة الستشراقية
المقصود بالشمولية احتواء الظاهرة كظاهرة فكرية لكل مجالت المعرفة الشرقية .فهي ظاهرة
علمية تحتوي الشرق عامة وليس الشرق السلمي فقط ،فدراساتها تغطى الهند والصين واليابان وغيرها
فضل ا عن تغطيتها للعالم السلمي .فهي إذن تحتوي معرفيا ا الشرق كله.
ومن مظاهر الشمولية أيضا ا تغطيتها لكل مجالت المعرفية النسانية المرتبطة بالشرق .فهي تغطي
المجالت الدينية والسياسية والتاريخية والقتصادية والجغرافية والجتماعية والخلقية والدبي والعلمية
والفنية للشرق وغيرها .ولم ي اببق الستشراق شيئا ا شرقيا ا إل درسه.
وفي زيارة لي لعدد من أقسام الدراسات الشرق الوسطية أو معاهد الدراسات الشرق أوسطية أو
مراكز البحوث أو المعاهد في الجامعات المريكية في صيف عام (1995 )1416وجدت أن العالم السلمي
) الشرق الوسط( يدرس في جامعة كاليفورنيا -بيركلي من خلل ثمانية عشر قسما ا يقوم بالتنسيق بينها
مركز دراسات الشرق الوسط وأذكر فيما يأتي بعض القسام التي تدرس العالم السلمي :علم النسان )
النثروبولوجي(،و القتصاد ،والسياسة ،ودراسات المرأة في الشرق الوسط ،والزراعة ،والتعدين ،
والجيولوجيا ،والعمارة ،والدب والتاريخ ،ومقارنة الديان ...ويمكن أن أضيف إلى ذلك الفولوكلور
واللهجات العامية أو اللغات العامية،والغناء والرقص والطعام والشراب حتى الخرافات والساطير وغيرها
درس في الجامعات الغربية.وقد استحدثت جامعة نيويورك
مما يمكن أن يوجد في العالم السلمي فإنه ي ا ب
دراسة الصحافة والشرق الوسط فيتخصص الباحث الغربي في الصحافة ويطبق ذلك على العالم العربي
السلمي .وبعض هذه التخصصات قد استحدثت من أجل إيجاد وظائف لمتخرجيها؛ فهم قوم عمليون .ول
بد أن أضيف أن هذه القسام تعتمد في الحصول على مادتها العلمية ومصادرها التي يمكن أن يصعب على
الغربيين الحصول عليها فإنهم يحصلون عليها من أبناء المسلمين الذين ذهبوا للدراسة في هذه الجامعات
للحصول على الدرجات العلمية وبخاصة الدراسات العليا.
رابعا ا :تعدد أهداف الظاهرة الستشراقية:
تتصف الظاهرة الستشراقية بأنها متعددة الهداف ،ولذلك يصنف الستشراق وفقا ا لهدافه
الموضوعة له .فهناك استشراق علمي هدفه تحصيل المعرفة العلمية عن الشرق بعامة والعالم السلمي
بخاصة ،من أجل العلم ذاته وبدون الخضوع لية أهداف أخرى غير علمية ،وكثيرا ا ما يكون الدافع للمعرفة
الستشراقية دافعا ا ذاتيا ا معبرا ا عن رغبة شخصية لدى الدارس يتجه على أساسها إلى التخصص في بلد
شرقي دينيا ا وحضاريا ا وفكريا ا.فل يخضع المستشرق هنا تحت تأثير أية حكومة او مؤسسة ،ويمثل هؤلء
عادة قله بين المستشرقين ومعظمهم في الوقت نفسه يتصف بحب الموضوع الشرقي الذي يدرسه
والتعاطف مع الحضارات الشرقية ،وبالتالي التصاف بالموضوعية العلمية في دراساته .ولكننا يجب أن
ندرك أن هؤلء يستغلون من قبل حكوماتهم بأن نتائج دراساتهم وبحوثهم تصل إلى دوائر صناعة القرار
السياسي ويستفاد منها.كما أن دول الغرب تستفيد أيضا ا من الدراسات التي يقوم بها العرب والمسلمون.
فمكتبة الكونجرس مثل ا لديها مندوب في دول العالم العربي السلمي ،كما أن لديها مندوبين إقليميين .
فالقاهرة لدينهم هي المركز القليمي بالنسبة للعالم العربي .وهم يتابعون كل ما يصدر عندنا في جميع
التخصصات .فيحصل هذا المندوب على ثلثة نسخ من كل عمل ثم بعد دراسة هذه الكتب يمكن أن يطلب
عشرة نسخ أو زيادة ،وتقوم مكتبة الكونجرس بتبليغ الجامعات بالكتب الجديدة مع تقارير عن هذه الكتب
وأهميتها فيمكن لهذه الجامعات أن تطلبها من مندوب الكونجرس الذي قد يطلبها من المؤلف نفسه إن لم
يجد الكتاب في السواق.
وهناك استشراق سياسي هدفه خدمة المصالح السياسية لبلده وبخاصة إذا كان بلدا ا استعماريا ا يتبنى
محاولة فرض السيادة السياسية على البلد الشرقي من خلل معرفة علمية وافية عن هذا البلد على
المستويات الدينية والسياسية والقتصادية والجتماعية .وهناك عدد كبير من المستشرقين عملوا في
السياسة في خدمة أهداف بلدانهم بل خدم بعضهم في جيوش بلدانهم أو في استخباراتها .وينتمي معظم
هؤلء إلى البلد الستعمارية المشهورة مثل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وهولندا ،وينتمي
بعضهم إلى التحاد السوفيتي) سابقا(ومن النماذج الحديثة جدا ا عن هذا التوجه السياسي أن مؤسسة راند
) مؤسسة غير ربحية في سانتا مونيكا بكاليفورنيا( قد كضلفت الباحث الرمني الصل المريكي الجنسية
اللبناني المولد والنشأة جوزيف كيششيان للقيام بإعداد بحث عن الوضاع المنية في المملكة العربية
السعودية ،وقد استضافته القنصلية المريكية في جدة ،كما استضافته السفارة في الرياض والظهران
ودعت عددا ا من أساتذة الجامعات السعوديين وبعض المثقفين للجتماع مع هذا الباحث ليفيد من آرائهم
حول أوضاع بلدهم وما يرونه .وقد زرته في مكتبه بكاليفورنيا فأشار إلى أدراج خلفه وقال بنبرة فيها
بعض الكبرياء والفتخار "إن في هذه الدراج بحث يحمل معلومات سرية عن السعودية ".وثمة نموذج ثان
وهو الباحث الرمني ريشارد هرير دكمجيان الذي أعد بحثا ا بتمويل من بعض المؤسسات حول الصولية في
العالم العربي ،فنشر الكتاب في طبعته الولى عام 1985يتضمن الحديث عن اثنتين وتسعين جماعة
إسلمية وأعيد طبع الكتاب عام 1996وتضمن الحديث عن ثمان ومئة جماعة إسلمية .وقد درسها من
خلل منشوراتها العلنية والسرية ومن خلل المقابلت مع أعضاء في هذه الجماعات أو من معلومات
استخباراتية .ول شك أن الحكومات الغربية تفيد كثيرا ا من هذه الدراسات.
وثمة استشراق ديني فهذا الستشراق يهدف إلى الدفاع الديني عن اليهودية والنصرانية ضد السلمية
والنقد الموجه لهاتين الديانتين ، .وقد بدأ هذا الستشراق دفاعيا ا في هدفه ثم تح ض
ول إلى الهجوم على
السلم من أجل تحريفه وتشويهه وتقديمه في صورة محرفة إلى الغرب وسعيا ا وراء إبعاد المسلمين عن
دينهم من جهة ،وتنمية عداوة الغرب للسلم من جهة أخرى .ويتوزع الستشراق الديني بين مدرستين
كبيرتين :المدرسة اليهودية والمدرسة النصرانية.ولكل مدرسة أهدافها الخاصة ولكنهما يشتركان في
هدفين أساسيين هما:
-1الدفاع عن اليهودية والنصرانية -2 ،الهجوم على السلم.
وقد تطورت المدرسة النصرانية وجمعت بين هذين الهدفين وبين هدف آخر انفردت به عن المدرسة
الخرى وأدى إلى تطور نوع جديد من الستشراق هو " الستشراق التنصيري" .فمن المعروف أن
النصرانية تدعي العالمية وتسعى إلى النتشار في كل العالم ،فاستغلت المعرفة الستشراقية من أجل
صرين بالمعلومات الضرورية عن المجتمعات المستهدفة بالتنصير ،وهي تغطي
تيسير التنصير ومد المن ن
العالم كنله ،فظهر فريق من المستشرقين النصارى المهتمين بانتشار النصرانية ،واشتغل بالستشراق
من أجل الحصول على المعرفة الخاصة بالمجتمعات الشرقية ،كما أن الحركة العلمية التنصيرية ل تتوقف
عند معرفة الشرق فقط ،ولكنها تدرس كل المجتمعات في الشرق والغرب من أجل تقديم النصرانية إليها.
ويصح أن نطلق على هؤلء النصارى الغربيين العاملين في مجال التنصير في البلد السلمية وغيرها من
الشرق اسم المستشرقون المنصرون لن الهدف من استشراقهم هدف ديني تنصيري .وقد ارتبط
الستشراق التنصيري بالتعليم فقد أسست المؤسسات الكنسية المعاهد والجامعات في العالم العربي
السلمي ومن هذه المؤسسات التي ما تزال قائمة حتى الن الجامعة المريكية في القاهرة وفي بيروت
وفي استنبول وفي دبي ،بالضافة إلى المعاهد الخرى .وقد أسهمت هذه الجامعات في تخريج أعداد من
الطلب العرب المسلمين الذين تسنموا مناصب مهمة في بلدهم.
ونظرا ا لن الستشراق له أهداف فكرية يسعى إلى تحقيقها ومن أهمها نشر الفكر والثقافة الغربية
في بلد الشرق ،وتحقيق تغريب الشرق وربطه بالحضارة الغربية نشأ استشراق يمكن أن تسميته "
الستشراق الفكري" وهو يخدم -في المقام الول -الفكر الغربي ويسعى إلى نشر قيم الحضارة
الغربية .ولم يقتصر هذا الستشراق على البحوث الكاديمية فقد انضم إلى الجامعات وسائل العلم
المختلفة من صحافة وتلفاز وسينما .وأخيرا ا جاء البث المباشر الذي تولى كبره بعض المؤسسات العربية
السلمية وأخذت تروج للثقافة الغربية وفي الغالب تروج لسوأ ما في هذا الثقافة حيث تحرص على
تسطيح الفكر وإشغال الناس بالتفاهات من المور .وقد ظهر هذا الستشراق مع انتشار الستعمار في
الشرق .
وارتبط بالستشراق السياسي نوع من الستشراق يسعى إلى الحصول على المعلومات القتصادية
مرة والمساعدة في فتح أسواق جيدة للمنتجات الغربية من خلل دراسة السوق
عن البلد المستع ي
الشرقي .فتطور الهتمام بالموضوعات القتصادية ومع انحسار الستعمار ظهرت وظيفة جديدة تمثل
امتدادا ا لهذا الهتمام القتصادي في الحقبة الستعمارية وهي وظيفة الخبير القتصادي في العصر الحاضر،
وهو يعمل لدى الحكومات الغربية وبخاصة في وزارات الخارجية والقتصاد ،ويتخصص الباحث منهم في
بلد شرقي ليقدم المعلومات والدراسات اللزمة في الناحية القتصادية.
وتوجد هذه الوظيفة لدى الشركات الكبرى الغربية القتصادية التي تعتمد على السوق الشرقي ،أو
تعمل في مجالت اقتصادية مرتبطة ببعض الشعوب الشرقية مثل شركات البترول العالمية ،وشركات
السيارات ،والجهزة اللكترونية ...الخ ،حيث يتوفر لديها الخبراء القتصاديون المتخصصون .ومن الجهات
التي تهتم باقتصاد العالم السلمي بعض البنوك العالمية مثل البنك السويسري ،وبنك لويد وبنك تشيس
مانهاتن وغيرها .ومن المعروف أن بنك سويسرا يصدر تقريرا ا شهريا ا عن أوضاع الدول السلمية
المختلفة ول يهتم بالقتصاد وحده بل يقدم معلومات عن الوضاع السياسية والجتماعية والدينية والثقافية
والقتصادية.
بالضافة إلى هذه النواع من الستشراق المرتبطة بالهداف المعروفة :علمية وسياسية ودينية و
اقتصادية فهناك نوعان من الستشراق يعبران عن مناحي أدبية وفنية تبلور عنها ما يعرف ب" الستشراق
الدبي والفني" :
تخصص بعض المستشرقين في الداب العربية والسلمية كما تخصص بعضهم في الفنون السلمية ،
وقد تميزت هذه النوعية من المستشرقين باندماجها الشخصي ورغبتها الذاتية في تثقيف نفسها -أدبيا ا
وفنيا ا -والرفع من درجة تذوقها للداب والفنون الغربية من خلل إدخال موضوعات شرقية -أدبية وفنية-
في الدب والفنون الغربية.وقد تجاوز تأثيرهم الجانب الذاتي أو الشخصي إلى التأثير العام في الحركة
الدبية والفنية في الغرب ،وكانت النتيجة ظهور أدباء وفنانون غربيون ل يعملون بالستشراق أصل ا ،
ولكنهم تأثروا بالموضوع الشرقي من خلل الستشراق الدبي والفني فطوروا فنا ا غربيا ا يخلط بين الذواق
الشرقية والغربية ،أو يستفيد من الموضوع الشرفي في ترقية الفنون الغربية .
والحقيقة أن هذا المجال -الدبي والفني -يعد ض أكبر مجال متأثر بالثقافة السلمية الدبية والفنية،
فقد دخلت الموضوعات السلمية بدون حساسية في بنية العمال الدبية والفنية ،وحدث توجه شامل
للحركة الدبية والفنية إلى الموضوع الشرقي بعامة ،والسلمي بخاصة .والسبب في حدوث هذا التأثير
الشرقي على الفكر الغربي هو بعده عن أمور الدين والعقيدة ،وكونه موضوعا ا فنيا ا ل يحدث من خلله
تأثير عقدي أو ديني على النسان الغربي .وقد أطلق على هذا النوع من الستشراق بالستشراق الدبي أو
الفني ،وهو مجال مهمل في الدراسات الستشراقية عند المسلمين الذين انشغلوا بقراءة العمال
الستشراقية الدينية والعقدية للدفاع عن السلم والرد على الشبهات ،ودفع التأثير الستشراقي في مجال
الدين.
أما الستشراق الدبي والفني فيمثل تأثيرا ا مضادا ا أو عكسيا ا فالمؤثر هو السلم وموضوعاته بتراثه
الفني والدبي .والمثلة على ذلك تتضح في التأثير الكبير لقصة " ألف ليلة وليلة" و"كليلة ودمنة" ،
والملحم والسير العربية السلمية والشرقية ،وعناصر أخرى من التراث الشعبي على الدب الغربي ،
وكذلك تأثير الموضوعات والشكال الفنية الشرقية على الفنون الغربية الذي سيطر على الحركة الفنية
في الغرب لفترة من الزمن([12 ]).
ويمكن أن نضيف اهتمام الغرب بفن العمارة السلمي وأنهم بل شك أفادوا كثيرا ا من فن العمارة
السلمي ،وما زال هناك اهتمام بالعمارة السلمية في الدراسات العربية والسلمية في الغرب ضمن
أقسام الهندسة المعمارية أو أقسام العمارة أو أقسام الفنون الجميلة .وسوف تكون إحدى ندوات
مهرجان الجنادرية الذي يقيمه الحرس الوطني لعام 1417ندوة حول تأثير فن العمارة السلمي في
العمارة الغربية ويشارك فيها المير تشارلز ولي العهد البريطاني.
ولكن لهذا الستشراق جانب سلبي ربما طغى على ما تقدم من الجوانب اليجابية وهو أن الهتمام
بألف ليلة وليلة على ما فيها من قصص مجون وفجور ألصقت بالسلم زورا ا وبهتانا ا فالسلم دين العفة
والطهر ،ويحارب الرذيلة والفسق والفجور .ومن جناية هذه القصص أنها أقحمت اسم الخليفة العظيم
هارون الرشيد في هذه القصص ن مع أن هذا الخليفة كان من أبعد الناس عن المجون واللهو؛ فقد كان
يحج سنة ويغزو سنة ،كما كان يصلى كثيرا ا من النوافل وقد اهتم بالعلم والعلماء.
و يتركز الهتمام المعاصر بالداب العربية السلمية في الهتمام بالكتاب والدباء العرب المسلمين
المتأثرين بالفكر الغربي .فها هو نجيب محفوظ ينال جائزة نوبل لنه ثبت تبنيه للفكر الغربي ،كما أنه كتب
في بعض رواياته يتجنى على الحركات السلمية في مصر وعلى العقيدة السلمية .وانظر إلى
المؤسسات والمعاهد الدبية والغربية تهتم بمن يزعم أنه كاتب مثل محمد شكري صاحب كتاب )الخبز
الحاف( وغيرهم .ومن المور الطريفة التي وجدتها في نشرات مركز دراسات الشرق الدنى والوسط
بجامعة لندن ) مدرسة الدراسات الشرقية والفريقية( اهتمامهم بنوال السعداوي وعبد الرحمن منيف
ومحمد شكري وفاطمة مرنيسي وغيرهم .ولدى مراجعة نشاطات رابطة دراسات المرأة في الشرق
الوسط التي تتخذ من الوليات المتحدة المريكية مقرا ا لها تهتم بالدباء والكتاب المتغربين ،وتعلي من
شأنهم وتفسح لهم المجال في المنتديات الدبية في الغرب .ولو كان هذا الهتمام إيجابيا ا كما أشار الدكتور
خليفة فلماذا ل تتم ترجمة كتابات كضتاب مثل على أحمد باكثير أو محمد صادق الرافعي أو نجيب الكيلني
وغيرهم .فهم ل يهتمون الهتمام إل ض بمن كان متأثرا ا بهم .فقد جاء وفد مؤسسة مالوني وهم مجموعة من
أساتذة الجامعات المريكية لزيارة المملكة العربية السعودي للتعرف على هذا البلد معرفة أولية فكان
ممن اهتم بمقابلته الكاتبة رجاء عالم ،ومحمد على قدس) أمين سر نادي جدة الدبي( وغيرهما .وأتساءل
لماذا لم يحرصوا على اللتقاء بأصحاب التجاه السلمي الرصين المعتدل؟
خامسا ا :اتساع دائرة التأثير الستشراقي.
من خصائص الظاهرة الستشراقية أنها على الرغم من أنها ظاهرة فكرية غربية ،فقد اتسع مجال
تأثرها لكي تصل إلى الشرق والغرب معا ا.وعادة ما يظن أن التأثير الستشراقي محصور في الشعوب
الشرقية لكن الحقيقة أن الستشراق له تأثيره الكبير في الفكر الغربي نفسه ،وبهذا ينفرد الستشراق
كظاهرة في مسألة شمولية التأثير وتغطية العالم بأسره.
أما بالنسبة للتأثير الستشراقي في الغرب فيتضح في المور التية:
-1إن الستشراق مسؤول عن نقل المعرفة السلمية والشرقية -عامة -إلى الغرب الذي أفاد من هذه
المعرفة حيث عكف المستشرقون على ترجمة النصوص الساسية في الديانات وأيضا ا ترجمة النصوص
العلمية في العلوم عند المسلمين ،وعند أهل الشرق وهي العلوم التي كانت أساسا ا في النهضة العلمية
في الغرب .وهذا يعني أن الستشراق مسؤول عن نهضة الغرب العلمية وله إسهاماته في تقدم العلم في
الغرب من خلل النصوص الشرقية والسلمية التي ترجمت إلى اللغات الوروبية قبل عصر النهضة.
-2هو أيضا ا مسؤول عن تطور المنهج النقدي العقلي في الغرب وبخاصة في مجال الدين ،فقد أفاد
المستشرقون وغيرهم من علماء الدين في الغرب من المادة والنصوص الدينية التي ترجمت إلى اللغات
الوروبية ومن أهمها ترجمات معاني القرآن الكريم ،والكتابات السلمية في تاريخ الديان ،ونقد الكتب
المقدسة ،وبخاصة اليهودية والنصرانية ،وترجمة النصوص الكلمية والفلسفية ولسيما النصوص ذات
التجاه العقلني مثل النصوص العتزالية وأعمال الفلسفة مثل الفارابي ،والكندي وابن سينا.
وقد أثر بعض هؤلء في الفكر الغربي تأثيرا ا مباشرا ا مثل ابن رشد الذي أصبحت له مدرسة غربية
تسمي " المدرسة الرشدية" وينتمي أتباعها من الفلسفة الغربيين إلى فلسفة ابن رشد ومنهجه.
-3يمتد تأثير الستشراق في الغرب إلى صبغ الحركة الدبية والفنية في الغرب بصبغة شرقية من حيث
الموضوع في الدب والفن ومن حيث الشكال الفنية والدبية.
-4أثر الدب الشعبي الشرقي في الفكر الغربي:وهذا الدب كان له دور في تطور الفن القصصي
والروائي في الغرب ،وفي الملحم ،وله تأثيره أيضا ا في الحركة السينمائية في القرن الخير بإدخال
موضوعات شرقية في العمال الروائية.
-5من تأثير الستشراق أيضا ا ظهور حركة نقد الكتاب المقدس في الغرب منذ القرن الثامن عشر وحتى
الن على أساس من النقد السلمي لكتب اليهود والنصارى ويشار بالذات إلى مدرسة المستشرق
اللماني يوليوس فلهاوزن ،وهو مستشرق كبير ومؤسس حركة نقد الكتاب المقدس.
مست يغيضلة:
سادسا :أنها ظاهرة ا
ست يغيللة " باسم العلم بواسطة قوى تتصف الظاهرة الستشراقية في تاريخها الطويل بأنها " ظاهرة ا
م ب
دينية وسياسية واقتصادية وفكرية .فالستشراق في ظاهره علم واسع يغطي مجالت من الحياة الشرقية
ولكنه في حقيقة المر " علم موجه لخدمة أغراض وأهداف سياسية واقتصادية وفكرية ".وقد ت ض
م استغلله
بواسطة الستعمار ،كما اعتمد الستشراق أيضا ا على الستعمار في تحقيق ما يمكن تسميته ب " السيادة
الستشراقية " في مجال الفكر في الغرب والشرق" والستعمار اعتمد على الستشراق واستغله من أجل
الحصول على المعرفة اللزمة عن شعوب الشرق حتى يتمكن من معرفة أوضاعها ويخطط لستعمارها.
وظل الستشراق مستغيل ا من قبل الستعمار ،ويظهر ذلك في صورة واضحة في المرحلة الستعمارية
الخيرة منذ القرن الثامن عشر .حيث انطلقت جيوش الستعمار بصحبة المستشرقين الذين عملوا أحيانا ا
كضباط وجنود وموظفين في جيوش بلدهم ،فأساءوا إلى العلم أو وظفوه لخدمة مصالحهم السياسية.
ووصل المر إلى حد قيام بعضهم بأعمال التجسس من خلل جمع المعلومات عن البلد الشرقية،
وتسليمها للمسؤولين لستخدامها سياسيا ا وعسكريا ا وفي التاريخ المعاصر -بعد انحسار الستعمار -ل
يزال الستشراق مستغيل ا من جانب الحكومات الوروبية والمريكية ،حيث خصصت في دوائر الخارجية
وظائف " الخبراء السياسيين والدينيين والقتصاديين" الذين يمدونها بالمعلومات ويشاركون في تخطيط
السيطرة السياسية...الخ .ومن المعروف أن عددا ا من الجامعات المريكية ومراكز البحوث تتلقى دعما ا
من الحكومة الفدرالية في البرنامج الذي بدأ منذ انتهاء الحرب الثانية )العالمية( فهذه الجامعات ل شك
تقدم ما لديها من بحوث وندوات إلى الجهات الرسمية.
وقد قامت وكالة الستخبارات المركزية قبل سنوات بتمويل عقد ندوة في جامعة هارفارد حول
الحركات السلمية في العالم العربي بإشراف اليهودي ناداف سفران ،فلما انكشف المر قبل انعقاد
الندوة تم إلغاؤها .ولكن ما مرت سنوات حتى كانت الستخبارات المركزية المريكية تعلن أنها ستعقد
ندوة شهرية وإن كانت ستظل مفتوحة حول الحركات السلمية )الصولية( حيث يشارك المتخصصون من
المريكيين وغيرهم في تقديم معلومات وآراء حول هذه الحركات .وقد نشرت هذه الخبار صحيفة
) الشرق الوسط( في صفحتها الولى)] .([13
وكما تم استغلل الستشراق بواسطة الستعمار ،تم استغلله -أيضا ا -بواسطة الدوائر الدينية في
الغرب ،فقد استخدمته الكنيسة كعلم يدرس أديان الشرق وبخاصة السلم .ويقدم لها المعرفة الدينية
اللزمة لمحاربة الديان الخرى وتشويهها فضل ا عن استخدام الدوائر التنصيرية له لتيسير مهمتها في البلد
السلمية ،من خلل دراسة الوضاع الدينية للشعوب والبحث في أنجح السبل لتقديم النصرانية إليهم.
وقد تطور قطاع استشراقي وسمي باسم " الستشراق التنصيري " ويديره عدد كبير من المستشرقين
المنصرين.
ومن الجهات التي استغلت الستشراق واستخدمته لتحقيق مصالحها :الدوائر اليهودية الصهيونية "
التي استخدمته من أجل الدفاع عن اليهودية ضد السلم بالذات ،واستخدمته ...من اجل تحقيق هدف
قومي وهو إنشاء " الوطن القومي لليهود في فلسطين ".والدور الذي قام به هذا الستشراق يتراوح ما
بين " الدور النظري التأصيلي ".و" الدور العملي التطبيقي".
فمن الناحية النظرية ركزت المدرسة الستشراقية الصهيونية على عملية "تأصيل الوجود اليهودي في
فلسطين على المستوى التاريخي والديني ".فصدرت آلف البحوث المثبتة للحقوق التاريخية لليهود في
فلسطين ،وتؤكد على الوجود اليهودي المستمر في فلسطين عبر التاريخ ،ول تعترف بالسيادة النصرانية
فيها في الفترة من بداية الميلد حتى ظهور السلم ،وبالتالي بالسيادة السلمية منذ فتحها حتى عام
1948م.
ويتجه هذا الستشراق إلى تضخيم الوجود اليهودي في فلسطين ومحاولة إثبات " أن اليهود أغلبية فيها
".واستخدموا في هذا المجال علمي التاريخ والثار .مطورا ا لنظريات تاريخية قديمة وحديثة تثبت ذلك ،
وتنقب عن الثار المثبتة لذلك ،أو تفسر الثار الموجودة -فعل ا -تفسيرا ا صهيونيا ا ،يثبت أصالة الوجود
اليهودي واستمراريته ،وتزيف أحداث التاريخ والثار لثبات هدفهم .
وسعى الستشراق اليهودي على المستوى الديني إلى تأكيد الوجود الديني في فلسطين منذ القدم
وحتى الن ،وذلك من خلل الدراسات التي تبرز اليهودية وتجعلها ديانة مستمرة في فلسطين عبر التاريخ
وتضعها على المستوى نفسه مع النصرانية والسلم .بل تظهرها أيضا ا في شكل الدين السائد في
فلسطين ،وان النصرانية والسلم لم تكن لهما سيادة دينية بل سياسية.
ويستخدم التاريخ -أيضا ا -لتزييف الحقائق الدينية وتأصيل الوجود الديني فيها ،وتوظيف علم الثار
لتفسير الثر الديني الموجود فيها من زاوية تخدم المصالح الصهيونية ،والتركيز على أعمال التنقيب
،وتطوير النظريات الثرية التي يقصد منها " تشويه الثار النصرانية والسلمية الموجودة في فلسطين".
إما باعتبارها منتمية إلى اليهودية أو عن طريق القيام بأعمال تنقيبية تحت وبجوار الثر النصراني
والسلمي .ومن المثلة القريبة على ذلك النفق الذي فتحته دولة اليهود تحت المسجد القصى زاعمين أنه
نفق قديم لهم وليثبتوا من خلله حقهم في المنطقة.
ثامنا ا :ظاهرة فريدة من نوعها وليس لها مقابل في الحضارات الخرى.
فهي فريدة في تكريس عدد من العلماء لجهودهم العملية في دراسة الشرق ،ولفترة طويلة دون
أن تتوقف هذه الظاهرة ،وفي الوقت لم تظهر حركة مضادة لها تتولى دراسة الغرب من جانب أهل
الشرق([14 ]).
ويمكن تفسير هذا المر من خلل عدة أمور :
-1كان الشرق بالنسبة للغرب مصدرا ا للحكمة والفكر الديني ،وذلك لن معظم الديان العالمية الهامة
ظهرت في الشرق)] ،([15كما أن ديانات التوحيد ديانات شرقية ) شرق أدنى( ،فجمعت منطقة الشرق
بين الحكمة العامة والتوحيد والفكر الديني الطبيعي ،فلذلك كان الغرب معتمدا ا على الشرق في فكره
الديني ،ويلحظ أن الغرب لم ينتج أديانا ا كبرى وإنه في مسألة الديان تابع للشرق منذ القدم([16 ]).
وض الغرب هذا النقص بالتفوق في مجال الفلسفة ،وإن كانت فلسفته هذه متأثرة بالفلسفة
وقد ع ض
الهندية والصينية .فإذا ا هناك توجه ديني غربي إلى الشرق دون مقابل معاكس فالشرق هو مصدر الديان
والحكمة.
-2إن الغرب محدود جغرافيا ا وبالتالي كان الشرق يمثل طموحاته السياسية والقتصادية ،ونحن نتحدث
عن الغرب قبل أمريكا واستراليا ،فكان محصورا ا في أوروبا ،وهي قارة مزدحمة بالدول والقوميات
والصراعات ،ولذلك كان الشرق يمثل متنفسا ا للغرب ومحطا ا لطموحاته وتوسعاته ،فكان موضع طمعهم
وغزواتهم .والجيوش الصليبية في العصور الوسطى)الوربية( التي سعت إلى فتح أسواق جديدة وتامين
أسواق قديمة وحل مشكلت النظام القطاعي الغربي الذي ضاق بهم ،فاتجهوا إلينا بحثا ا عن إقطاعيات
جديدة للنبلء والمراء .ويضاف إليه الطماع الستعمارية الحديثة تجاه الشرق ،والتي نتج عنها -في الغرب
-اكتشاف العالم الجديد ،واستعمار معظم العالم الشرقي.
وهذا المر جعل معرفة الشرق مهمة للغرب عبر التاريخ ،وأدت إلى الحتكاك المستمر ،وقامت
منطقة الشرق الدنى) الوسط( بدور الوسيط الحضاري بين الغرب والشرق القصى )الهند( ،وكان
الشرق الوسط يمثل منطقة وسطى يعبر منها الغرب إلى الشرق.
وفي مقابل هذا الهتمام الستعماري الغربي ،لم يتوفر لدى أهل الشرق الهدف الستعماري ،وإن
ظهر هذا الهدف لدى بعض القوى فعادة ما يقف اتساع الشرق حائل ا دون فرض السيطرة على الشرق
بأكمله ثم العبور إلى الغرب ،فمثل ا غزوات المغول التي أتت من أقصى الشرق ،وقبل أن تكمل غزو
الشرق كانت قد تحللت وسقطت.
-3تأثير ما يسمى بعض الكشوفات الجغرافية ،واكتشاف العالم الجديد على تقوية نزعة الغرب
الستعمارية وحب السيطرة فضل ا عن نمو الرغبة في معرفة الشعوب واكتشافها ،وإن هذا الكتشاف دفع
الغرب إلى اكتشاف العالم القديم رغبة في استعماره ومعرفة شعوبه دينيا ا وحضاريا ا ،وحبا ا في الرحلة إلى
الماكن المجهولة من العالم ودراسة شعوبها ومثل هذا التوجه لم يتوفر لدى الشرق([17 ]).
ويمكن أن نشير إلى أن السلم بانتشاره بين شعوب الشرق أدى إلى تطور حركة هجرة داخلية من
البلد العربية إلى البلد السيوية والفريقية بهدف نشر الدين في مناطق جديدة ،وبعيدا ا عن النزعة
الستعمارية التي طغت على غزوات الغرب للشرق .وقد تطور عند المسلمين بداية حركة علمية دراسة
لشعوب الشرق ،خاصة وأن العلم السلمي اعتمد منذ البداية على الرحلة في طلب العلم ،ولذلك تفوق
المسلمون في علوم الجغرافيا والفلك واكتشفوا بلدا ا جديدة ،ووضعوا جغرافية البلد الشرقية وعاداتها
ودضونوها في مصادر أساسية في علم جغرافية ودراسة الشعوب إلى يومنا هذا .ولكن هذه الحركة العلمية
السلمية المكتشفة للشعوب الخرى ظلت محصورة في الطار الشرق ،وبخاصة آسيا وأفريقيا ،ولم
تدرس من شعور أوروبا سوى بعض البلد الوروبية الشرقية التي تمكن السلم من الوصول إليها.
وفي التاريخ الحديث للمسلمين ظهر اهتمام جديد بالغرب وشعوبه وبخاصة عندما أصبح الغرب
مصدرا ا للعلم والمعرفة ،فبدأت حركة علمية ل تهدف إلى أخذ المعرفة عن الغرب فحسب بل إلى معرفته
دينا ا وحضارة .ولذلك يوجد اهتمام إسلمي حديث بالحضارة الغربية ودياناتهم ،وبالفكر الغربي والفلسفة ،
والعلوم ،والتكنولوجيا الغربية.
ولكن يلحظ على هذه الحركة العلمية السلمية أنها ل تمثل توجها ا إسلميا ا عاما ا لدراسة الغرب -كما
هو حال الستشراق -كما أن الدافع إلى دراسة الغرب يخلو من أهداف الستشراق ومقاصده .كما يلحظ
أن الدراسات الشرقية للغرب دراسات عشوائية غير منظمة ،وانتقائية وليس لها هدف واضح ول تتصف
بالشمولية ،وضعيفة التأثير في الغرب ول تستطيع مواجهة الستشراق كفكر مؤثر في الشرق .
وقد نادى بعض الناقدين للستشراق بتطوير علم ) الستغراب ( ويقصد به ) علم يدرس الغرب دراسة
شاملة( كما يفعل الستشراق مع الشرق .ولكن هذا العلم غير موجود ول يمكن أن ينشأ عشوائيا ا بل
أهداف ،ول بد من توافر السباب المؤدية إلى ظهور الستشراق حتى يظهر الستشراق([18 ]).
] - [1ساسي سالم الحاج .الظاهرة الستشراقية ) .مالطا :مركز دراسات العالم السلمي ( .1990
مجلدان في أربعة أجزاء.
]- [2الحاج ،مرجع سابق م ، 1ص 18
] - [3أبو بكر باقادر .من حديثه في إحدى ندوات الجنادرية المهرجان الحادي عشر في الرياض عام
1416هـ .وكانت الندوة بعنوان السلم والغرب.
]- [4أكرم ضياء العمري " .الستشراق هل استنفد أغراضه؟ محاضرة ألقيت في الجامعة السلمية
بالمدينة المنورة في رجب 1408واستنسخ النص مازن مطبقاني لتنشر ملحق التراث -صحيفة المدينة
المنورة .ع 9116في 15/11/1412ونشرت المحاضرة في كتيب صغير مع بعض الضافات القليلة جدا ا عن
دار إشبيليا بالرياض عام 1417هـ بعنوان موقف الستشراق من السيرة والسنة النبوية .
]-- [5سورة يوسف ،آية 108
] [6سنن ابن ماجة حديث رقم 3092أبواب المناسك.
]- [7سورة النحل آية 125
] - [8سورة آل عمران آية .64
] - [9سورة الجاثية،آية 23
] - [10عبد العلي الودغيري.الفرنكفونية والسياسة اللغوية والتعليمية الفرنسية بالمغرب).الرباط:
الشركة المغربية للطباعة والنشر (1993 ،وهو عبارة عن عدد من النصوص المترجمة من اللغة الفرنسية
مرة مع تعليقات من الدكتور
تفضح خطط فرنسا في فرض لغتها على الشعوب التي كانت مستع ي
الودغيري.
] - [11مراد هوفمان ،محاضرته في مهرجان الجنادرية لعام ، 1416ذكر بأنها سوف تنشر بنصها في مجلة
دراسات إسلمية التي تصدر من الهند .وقد قال ما نصه:
] - [12زينات البيطار .الستشراق الفني الرومانسي الفرنسي ) ،الكويت :سلسلة عالم المعرفة العدد
-157جمادى الخرة -1412يناير 1992م.(.
] - [13الشرق الوسط ،ع 5666،24/12/1414هـ) 3/6/1994م( ،
]- [14كتب الدكتور السيد محمد الشاهد في مرآة الجامعة مقالة يقدم فيه اقتراحا ا بإنشاء قسم
للدراسات الغربية ،وظهر بعد ذلك كتاب للدكتور حسن حنفي بعنوان ) مقدمة في علم الستغراب( كما
تيسر لكاتب هذه السطور تقديم محاضرة في نادي أبها الدبي بعنوان ) المعرفة بالخر:ظواهر اجتماعية
من الغرب( وقد كتبت داعيا ا لدراسة الغرب في كتابي الذي صدر عام 1409بعنوان ):الغرب في مواجهة
السلم (
] - [15ترد كلمة ديانات في هذه المذكرة والذي يؤمن به المسلم هو أن الدين واحد كما جاء في قوله
تعالى ) إن الدين عند الله السلم( وإنما هي شرائع ورسالت نزلت على النبياء والرسل في مختلف
العصور والزمان .ولكن هذا المر خطأ شائع .
] - [16عجيب مثل هذا الكلم فالبشر ل يصنعون دينا ا ،والشرق لم يأت بالدين من عند نفسه ولكن الله
أعلم حيث يجعل رسالته ،فلذلك ليس للشرق فضل في هذا المر ،ثم لماذا نسميه شرق ،وهو قلب
العالم وإنما هو شرق بالنسبة للوروبيين .فسامح الله الدكتور خليفة على مثل هذه العبارات ،وعفا عضنا
وعنه.
] - [17هذا الكلم ليس صحيحا ا على إطلقه فقد كانت لدى شعوب الشرق أن أوروبا إنما هي مجموعة من
الشعوب الهمجية البربرية التي ل طائل من التعرف إليها أو الذهاب إلى بلدانها وقد جاءت بعض هذه
الوصاف في كتب اليونان ،وبعض الرحالة المسلمين فيما بعد .أما رغبة المسلمين في الرحلة والسفر
فكانت لدى العرب رحلتان إحداهما إلى الشام والخرى إلى اليمن ،وكان العرب على معرفة بالفرس
والروم ،
] - [18دعت ندوة أصيلة بالمغرب التي عقدت صيف العام الماضي 1996إلى إنشاء معهد للدراسات
المريكية في أصيلة ،وقد تناول هذا الموضوع عدد من كضتاب جريدة )الشرق الوسط( ولكن ينبغي أن
نعلم أن الذي يتصدى لدراسة الغرب يجب أن يكون أول ا على معرفة بالسلم حتى يكون لديه المعايير
والميزان للحكم على المور من الوجهة السلمية .وقد كتبت مقالة أشيد بقسم الستشراق بكلية الدعوة
بالمدينة المنورة ،وكان عنوان المقال ":جامعة المام سبقت ندوة أصيلة" ومن المهم أن أشير إلى أن
جامعة لندن قد أنشأت معهدا ا باسم معهد دراسات الوليات المتحدة ،ويعطي درجة الماجستير في هذا
الدراسات ،كما علمت أن في كندا ا معهدا ا مماثل ا للمعهد البريطاني.