You are on page 1of 5

‫المقدمة‬

‫السينما‪ ،‬فن طلع على العالم من أوروبا‪ ،‬واجتاز مرحلة تطورية طويلة‪ ،‬اشتركت فيها القارة األمريكية‪ ،‬أو بعبارة أدق‬
‫الواليات المتحدة األمريكية مع بعض دول أوروبية‪ ،‬في مقدمتها فرنسا وإنجلترا‪.‬‬

‫المبحث األول‬
‫نشأة السينما وتطورها في العالم‬
‫دونه الفنان والمهندس والعالم اإليطالي‪ ،‬ليوناردو‬ ‫يرجع البعض بدايات السينما‪ ،‬أو بتعبير أدق ما قبل البدايات إلى ما َّ‬
‫دافنشي ‪ Leonardo da vinci‬من مالحظات ذكرها جيوفاني باتستا دي البورتا‪ ،‬في كتابه السحر الطبيعي ‪Natural‬‬
‫‪Magic‬عام ‪ ،1558‬فقد الحظ دافنشي أن اإلنسان إذا جلس في حجرة تامة الظالم‪ ،‬بينما تكون الشمس ساطعة خارجها‪،‬‬
‫وكان في أحد جوانبها ثقب صغير جدًا في حجم رأس الدبوس‪ ،‬فإن الجالس في الحجرة المظلمة‪ ،‬يمكنه أن يرى على‬
‫الحائط الذي في مواجهة هذا الثقب الصغير ظالالً أو خياالت لما هو خارج الحجرة‪ ،‬مثل األشجار‪ ،‬أو العربات‪ ،‬أو اإلنسان‬
‫الذي يعبر الطريق‪ ،‬نتيجة شعاع من الضوء ينفذ من الثقب الصغير‪.‬‬
‫أما البداية الحقيقية لميالد صناعة السينما‪ ،‬فتعود إلى حوالي عام ‪1895‬م‪ ،‬نتيجة للجمع بين ثالثة مخترعات سابقة هي‬
‫اللعبة البصرية‪ ،‬والفانوس السحري‪ ،‬والتصوير الفوتوغرافي‪ ،‬فقد سجل األخوان أوجست ولويس لوميير & ‪Auguste‬‬
‫مكن من عرض الصور المتحركة على الشاشة في ‪ 13‬فبراير ‪ 1895‬في‬ ‫‪Louis Lumiere‬اختراعهما ألول جهاز يُ ِّ‬
‫فرنسا‪ ،‬على أنه لم يتهيأ لهما إجراء أول عرض عام إال في ‪ 28‬ديسمبر من نفس العام‪ ،‬فقد شاهد الجمهور أول عرض‬
‫سينماتوغرافي في قبو الجراند كافيه‪ ، Grand Café‬الواقع في شارع الكابوسين ‪Capucines‬بمدينة باريس‪ .‬لذلك‬
‫فالعديد من المؤرخين يعتبرون لويس لوميير المخترع الحقيقي للسينما‪ ،‬فقد استطاع أن يصنع أول جهاز اللتقاط وعرض‬
‫الصور السينمائية‪ ،‬ومن هذا التاريخ أصبحت السينما واقعا ً ملموساً‪ .‬وقد شاهدت نيويورك في أبريل ‪ ،1895‬عرضا ً عاما ً‬
‫للصور المتحركة‪ .‬ثم ما لبث آرمان وجينكينز‪ ،‬أن تمكنا من اختراع جهاز أفضل للعرض‪ ،‬استخدماه في تقديم أول عرض‬
‫لهما في سبتمبر من السنة نفسها‪ -‬األمر الذي حدا بتوماس إديسون ‪ Thomas Edison‬لدعوتهما لالنضمام إلى‬
‫الشركة التي كان قد أسسها الستغالل الكينيتوسكوب ‪ Kinetoscope.‬وفي العام التالي تمكن إديسون من صنع جهاز‬
‫للعرض يجمع بين مزايا الجهازين‪ ،‬وأقام أول عرض عام له في أبريل ‪ 1896‬فلقي نجاحا ً كبيرا ً‪.‬‬
‫مر بها تطور الفيلم السينمائي من منظور‬ ‫ويقسم الناقد والمؤرخ السينمائي األمريكي فيليب كونجليتون‪ ،‬المراحل التي َّ‬
‫التأثر بنمو السوق إلي العصور التالية‪:‬‬
‫‪1.‬عصر الريادة‪:1910 - 1895 :‬‬
‫ً‬
‫في هذا العصر بدأت صناعة الفيلم‪ ،‬الكاميرا األولى‪ ،‬الممثل األول‪ ،‬المخرجون األول كانت التقنية جديدة تماما‪ ،‬ولم تكن‬
‫هناك أصوات على اإلطالق‪ ،‬ومعظم األفالم كانت وثائقية‪ ،‬خبرية‪ ،‬وتسجيالت لبعض المسرحيات‪ ،‬وأول دراما روائية‬
‫كانت مدتها حوالي خمسة دقائق‪ ،‬وبدأت تصبح مألوفة حوالي عام ‪ 1905‬مع بداية رواية الفنان الفرنسي جورج‬
‫ميلييه‪ ، Georges Melies‬رحلة إلى القمر ‪ A Trip to the Moon‬عام ‪( ،1902‬اُنظر صورة من فيلم رحلة إلى‬
‫القمر)‪ ،‬وكانت األسماء الكبيرة في ذلك الوقت هي إديسون‪ ،‬لوميير‪ ،‬وميلييه بأفالمه المليئة بالخدع‪ .‬وعند مشاهدة هذه‬
‫األفالم يؤخذ في االعتبار أنها كانت تشكل المحاوالت األولى‪ ،‬وأن السينما كانت وما تزال أداة اتصال جديدة‪ ،‬فال يجب أن‬
‫يُنظر إليها على أنها تافهة‪ ،‬ربما تكون حقا ً بدائية‪ ،‬ولكن يجب إدراك أن الطاقة والعمل الذي بذل إلنتاج هذه األفالم كان‬
‫مبهراً‪ ،‬وأن أخذ المنتجين على عاتقهم مهمة إنتاج هذه األفالم كان أمرا ً متميزا ً‪.‬‬
‫‪2.‬عصر األفالم الصامتة‪:1926-1911 :‬‬
‫ويتميز هذا العصر عن سابقه بكثرة التجريب في عملية مونتاج األفالم‪ ،‬فلم تكن هذه المرحلة صامتة بالكامل‪ ،‬فقد كانت‬
‫هناك استخدامات لطرق ومؤثرات صوتية خاصة‪ ،‬بينما لم يكن هناك حوار على اإلطالق حتى المرحلة التالية‪ ،‬فاختلف‬
‫الشكل‪ ،‬واختفت التسجيالت المسرحية لتحل محلها الدراما الروائية‪ ،‬ويعد هذا أيضا ً بداية لمرحلة األفالم الشاعرية ذات‬
‫الطابع التاريخي األسماء الشهيرة في هذه المرحلة ضمت شارلي شابلن‪ ، Charles Chaplin‬ديفيد جريفيث ‪David‬‬
‫‪Griffith‬وغيرهم‪ .‬وتكلفَّت أفالم هذه المرحلة أمواالً أكثر‪ ،‬وبدأت مسألة نوعية وجودة الفيلم تثير جدالً‪ ،‬كما صنعت‬
‫أنواع مختلفة من األفالم في هذه المرحلة‪.‬‬
‫‪3.‬عصر ما قبل الحرب العالمية الثانية‪:1940-1927 :‬‬
‫يتميز هذا العصر بأنه عصر الكالم أو الصوت‪ ،‬ولكن فيليب كونجليتون يرى‪ ،‬أن هذا التصنيف غير دقيق‪ ،‬فذلك يعني أن‬
‫هناك مرحلتين في تاريخ الفيلم‪ :‬الصمت والكالم‪.‬‬
‫ويبدأ هذه العصر بإنتاج أول فيلم ناطق بعنوان "مغني الجاز" عام ‪ ،1927‬باإلضافة إلي أفالم ناطقة أخرى متنوعة‬
‫أنتجت في هذه المرحلة‪ ،‬كما شهدت أفالم الثالثينيات استخداما ً أكثر لأللوان‪ ،‬وبدأت الرسوم المتحركة‪ ،‬وفي هذه المرحلة‬
‫أيضا ً ظهرت العروض النهارية لألفالم‪ ،‬وبدأت تتنامى في المسارح مع موجة الكوميديا‪ ،‬وبروز نجوم لفن السينما‬
‫انتشرت أسماؤهم في ذلك الحين ‪.‬‬
‫وقد ض َّمت أسماء هذه المرحلة أسماء مثل كالرك جابل‪ ، Clark Gable‬فرانك كابرا‪ ، Frank Capra‬جون‬
‫فورد‪ ، John Ford‬والممثالن اللذان استمرا إلى المرحلة الناطقة بعد ذلك‪ ،‬وهما ستان لوريل‪، Stan Laurel‬‬
‫وأوليفر هاردي ‪ Oliver Hardy.‬وفي هذه المرحلة أيضا ً بدأت نوعية الفيلم تزداد أهميتها مع ظهور جوائز األوسكار‪،‬‬
‫وحب الجمهور للسينما‪ .‬من هنا أصبح يُنظر للفيلم في هذه المرحلة كمراهق بدأ ينضج‪ ،‬ويمكن التمييز بين األفالم التي‬
‫تكلف كثيراً‪ ،‬وبالرغم من أن التقنية المستخدمة في صناعة الفيلم كانت ما تزال‬ ‫كلفت أمواالً كثيرة عن األفالم التي لم ِّ‬
‫بدائية‪ ،‬لكنها بهرت العديد من رواد السينما‪.‬‬
‫‪4.‬العصر الذهبي للفيلم‪: 1954-1941 :‬‬
‫أحدثت الحرب العالمية الثانية كل أنواع التغيرات في صناعة الفيلم‪ ،‬فخالل وبعد الحرب ازدهرت الكوميديا بشكل ملحوظ‪،‬‬
‫وتربَّعت األفالم الموسيقية على عرش السينما‪ ،‬كما انتشرت أفالم الرعب‪ ،‬ولكن باستخدام ضئيل للمؤثرات الخاصة بسبب‬
‫ارتفاع تكاليف اإلنتاج‪ ،‬فقد صنعت نفقات اإلنتاج فرقا ً ملحوظا ً بين الميزانيات الكبيرة والصغيرة لألفالم‪ ،‬ولجأت‬
‫مكلفة للعامة‪ ،‬وذلك لجذب الجماهير‪ .‬لذلك ظهرت‬ ‫استوديوهات السينما الستخدام ميزانيات صغيرة إلنتاج أفالم غير ِّ‬
‫األفالم الجماهيرية في هذه المرحلة والتي يمكن تصنيفها إلى أفالم استخبارات‪ ،‬أفالم غابات‪ ،‬واألفالم االستغاللية‪ .‬أما‬
‫أفالم الخيال العلمي فقد ظهرت حوالي عام ‪ .1950‬واألسماء الكبيرة القليلة التي ظهرت في هذه المرحلة هي كاري‬
‫جرانت‪ ، Cary Grant‬همفري بوجارت‪ ، Humphrey Bogart‬أودري هيبورن‪ ، Audrey Hepburn‬هنرى‬
‫فوندا‪ ،Henry Fonda‬فريد أستير‪Fred Astaire.‬‬
‫‪5.‬العصر االنتقالي للفيلم‪:1966-1955 :‬‬
‫يُسمي فيليب كونجليتون هذه المرحلة بالعصر االنتقالي‪ ،‬ألنه يمثل الوقت الذي بدأ فيه الفيلم ينضج بشكل حقيقي‪ ،‬فقد‬
‫ظهرت في هذا العصر التجهيزات الفنية المتطورة للفيلم من موسيقى‪ ،‬وديكور‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬وفي هذا العصر بدأت األفالم‬
‫من الدول المختلفة تدخل إلى الواليات المتحدة األمريكية من خالل حوائط هوليوود السينمائية‪ ،‬وبدأت األفالم الجماهيرية‬
‫تستبدل بأفالم رخيصة‪ ،‬كما بدأت االستوديوهات الكبيرة تفقد الكثير من قوتها في مجال التوزيع‪ .‬كما ظهر لصناعة الفيلم‬
‫عدو جديد يسمى التليفزيون‪ ،‬مما أبرز المنافسة حول نوعية المنتج وجودته‪ .‬وبدأت السينما تقتحم موضوعات اجتماعية‬
‫الملونة لتصبح األغلبية بجوار األبيض واألسود‪ ،‬وضمت األسماء الكبيرة في سينما هذه‬ ‫َّ‬ ‫أكثر نضجاً‪ ،‬وانتشرت األفالم‬
‫المرحلة ألفريد هتشكوك‪ ، Alfred Hitchcock‬مارلين مونرو‪ ، Marilyn Monro‬وإليزابيث تايلور ‪Elizabeth‬‬
‫‪Taylor.‬‬
‫وبدأت الحرب الباردة لتغير وجه هوليوود‪ ،‬وظهرت المؤثرات الخاصة‪ ،‬وبرزت الفنون األخرى المصاحبة كالديكور‬
‫واالستعراضات‪.‬‬
‫‪6.‬العصر الفضي للفيلم‪1979-1967 :‬‬
‫يرى بعض المؤرخين أن هذه الفترة بالفعل‪ ،‬هي مرحلة الفيلم الحديث‪ ،‬وكانت مرحلة جديدة وقتها ويبدأ العصر الفضي‬
‫فيلمي الخريج و بوني وكاليد عام ‪.1967‬‬ ‫َ‬ ‫للسينما بإنتاج‬
‫وقد ظهرت عدة أفالم خالية من الصور المتحركة‪ .‬وكان من جراء انتشار هذه النوعية من األفالم الناضجة‪ ،‬الخارجة عن‬
‫وتكونت األسماء الشهيرة التي حكمت هذا العصر أمثال فرانسيس‬ ‫َّ‬ ‫األخالق العامة‪ ،‬أن ظهرت أنظمة جديدة للرقابة‬
‫كوبول‪ ، Francis Coppola‬وداستن هوفمان‪ ، Dustin Hoffman‬ومارلون براندو ‪Marlon‬‬
‫‪Brando.‬انخفضت نسبة أفالم األبيض واألسود إلى ‪ %3‬من األفالم المنتجة في هذه الفترة‪ .‬فأصبحت هوليوود تعرف‬
‫كبير بين الميزانيات الكبيرة والضئيلة لألفالم‪ ،‬كما يمكن أيضا ً مقارنة‬
‫ق ٌ‬ ‫حقا ً كيف تصنع أفالما ً ‪ ،‬وأصبح هناك فار ٌ‬
‫الجوانب األخرى الغير مادية للفيلم‪ ،‬لذا ال يجب أن ينظر لألفالم ذات الميزانية الضئيلة على أنها رديئة‪.‬‬
‫‪7.‬العصر الحديث للفيلم‪1995-1980 :‬‬
‫بدأ هذا العصر عام ‪ ،1977‬عندما أنتج فيلم "حروب النجوم‪ ،" Star Wars‬الذي ُيعد أول إسهام للكمبيوتر والتقنية‬
‫الحديثة في تصميم المؤثرات الخاصة‪ .‬لكن فيليب كونجليتون يبدأ هذا العصر عام ‪ ،1980‬ألنه يعتبر أن فيلم‬
‫"اإلمبراطورية تقاوم" نقطة‬
‫أشهر عشر خدع فـي تاريخ السينما العالمية‪:‬‬
‫قبل التطور المذهل الذي حققته السينما من خالل توظيفها الحاسبات اآللية‪ ،‬خالل السنوات الماضية‪ ،‬عرفت السينما‬
‫العالمية العديد من أساليب الخدع البصرية‪ ،‬واستخدمتها في أفالم كثيرة أبهرت الماليين من مشاهدي السينما‪.‬‬
‫وحدد النقاد أبرز هذه األفالم في عشرة أفالم هي‪:‬‬
‫*رحلة إلى القمر‪.1902 ،‬‬
‫*فاوست‪.1926 ،‬‬
‫*كينج كونج‪.1933 ،‬‬
‫*لص بغداد‪.1940 ،‬‬
‫*متروبولس‪.1926 ،‬‬
‫‪* 20‬ألف فرسخ تحت الماء‪.1954 ،‬‬
‫*رحلة السندباد السابعة‪.1958 ،‬‬
‫*أوديسا الفضاء ‪.1968 ،2001‬‬
‫*حرب الكواكب‪.1977 ،‬‬
‫*المدمر ‪.1991 ،2‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫نشأة السينما العربية وتطورها‬
‫‪1.‬السينما فـي مصر‪:‬‬
‫كانت مصر من أوائل بالد العالم التي عرفت الفن السينمائي عام‪ ،1896‬باإلسكندرية‪ ،‬وفي العام نفسه‪ ،‬قدم أول عرض‬
‫سينمائي في حديقة األزبكية بالقاهرة‪.‬‬
‫وقد أرسلت دار لوميير الفرنسية عام ‪ 1897‬مبعوثا ً لها إلى مصر ليقوم بتصوير أول شرائط سينمائية عن بعض المناظر‬
‫في اإلسكندرية‪ ،‬والقاهرة‪ ،‬والمناطق األثرية على نيل مصر‪ ،‬وبلغ عدد هذه الشرائط ‪ 35‬شريطا ً عرضت في جميع دول‬
‫العالم‪.‬‬
‫وأقيم أول عرض سينمائي في مصر في ديسمبر ‪ ،1897‬بمدينة اإلسكندرية بواسطة أحد أجهزة لوميير‪ ،‬على أنه ما لبث‬
‫أن توقف العرض حتى عام ‪ ،1900‬عندما أقيمت أول صالة للعرض يملكها م‪.‬س كونجولينوس بالمدينة نفسها‪.‬‬
‫أما في القاهرة فلم يبدأ عرض األفالم السينمائية إال في أبريل ‪ 1900‬في صالة قهوة سانتي بجوار الباب الشرقي لحديقة‬
‫األزبكية‪ ،‬بواسطة فرانشسكو بونفيلي وزوجته‪ .‬وكانت أسعار الدخول تتراوح بين قرش واحد وثالثة قروش‪ ،‬وأحدث ذلك‬
‫العرض دهشة عظيمة ولقي نجاحا ً كبيراً‪ ،‬مما نبه إلى عظم ما يمكن أن يدره االستغالل السينمائي من أرباح‪ .‬وهكذا بدأ‬
‫تأسيس دور خاصة للعرض السينمائي‪ .‬وشهد عام ‪ 1905‬وجود ثالثة دور للعرض في القاهرة‪ .‬ويتألف جمهور السينما‬
‫في ذلك الوقت أساسا ً من عامة الشعب‪ ،‬فضالً عن التالميذ‪ ،‬والطالب الذين أقبلوا عليها لكونها تسلية رخيصة الثمن‪،‬‬
‫عالوة على حداثة اختراعها‪ .‬أما المثقفون واألوساط المحافظة فلم تبد عليها إقباالً يذكر‪.‬‬
‫بدأ أول تصوير سينمائي مصري قامت به محالت عزر ودوريس باإلسكندرية عام ‪ ،1907‬وجرى التحميض والطبع في‬
‫معاملها‪ ،‬وقامت بعرض باكورة إنتاجها باإلسكندرية‪.‬‬
‫تكونت عام ‪ 1917‬باإلسكندرية شركة سيتشيا السينمائية اإليطالية‪ ،‬بهدف إنتاج أفالم روائية نظرا ً العتدال الطقس‬
‫وسطوع الشمس معظم أوقات السنة‪ ،‬إذ لم تكن اإلضاءة الصناعية قد تقدمت في ذلك الوقت‪ ،‬وقام بتمويل رأس المال بنك‬
‫روما بمبلغ ‪ 20‬ألف جنيه‪ ،‬وكان أول إنتاجها الفيلم الروائي القصير "نحو الهاوية‪".‬‬
‫وفي عام ‪ 1917‬تكونت الشركة السينمائية المصرية باإلسكندرية‪ ،‬من مصور يدعى أمبرتو دوريس باالشتراك مع بعض‬
‫اإليطاليين‪ ،‬وبنك روما‪ ،‬وأنتجت فيلمين قصيرين هما الزهور المميتة وشرف البدوي‪ .‬وعرض الفيلمان ألول مرة في عام‬
‫‪ 1918‬بسينما سانت كلير في اإلسكندرية‪ .‬وقد أفلست الشركة بعد عرض الفيلمين بستة أشهر بسبب الخسارة الكبيرة‬
‫التي تكبدتها بسببهما‪ .‬وفي نفس العام أخرج الرتشي‪ ،‬فيلما ً قصيرا ً باسم مدام لوريتا قامت بتمثيله فرقة فوزي‬
‫الجزايرلي‪ .‬وفي عام ‪ 1922‬أقدمت فرقة فوزي منيب على تمثيل فيلم "الخاتم المسحور"‪ ،‬وقدمت في العام التالي فرقة‬
‫سار فيلم "العمة األمريكانية‪".‬‬
‫علي الك َّ‬
‫وفي عام ‪ ،1920‬فكر بعض رجال األعمال المصريين‪ ،‬وفي مقدمتهم طلعت حرب في وضع حجر األساس لبناء مصر‬
‫الصناعية‪ ،‬فأسسوا بنك مصر برأسمال قدره ‪ 80‬ألف جنيه‪ .‬ومما ال شك فيه أن بنك مصر قام بدور فعال في نشر سياسة‬
‫التصنيع‪ ،‬وفي حث األمة على اإلقبال على الصناعة‪.‬‬
‫وتم إنتاج أول فيلم روائي طويل عام ‪ ،1923‬وهو فيلم "في بالد توت عنخ آمون"‪ ،‬وكان تنفيذه وتصويره في مصر‪،‬‬
‫وعرض بالخارج‪ ،‬ويحكي قصة اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون‪ ،‬وبلغت تكاليف الفيلم ‪ 1900‬جنيه‪ ،‬وتوالى بعد ذلك‬
‫عرض األفالم الروائية الطويلة المنتجة في مصر‪ ،‬فقد عرض فيلم "ليلى" من إنتاج عزيزة أمير في نوفمبر‪،1927‬‬
‫وبلغت التكلفة اإلجمالية حوالي ثالثة آالف جنيه‪ ،‬وقد عرض الفيلم بدار عرض سينما متروبول بالقاهرة‪.‬‬
‫تأسست شركة مصر للتمثيل والسينما عام ‪ 1925‬برأسمال ‪ 15‬ألف جنيه‪ ،‬بعد أن كانت قسما ً للسينما تابعا ً لشركة مصر‬
‫لإلعالنات كأحد شركات بنك مصر‪ ،‬الذي أسسه طلعت حرب ليكون ركنا ً من أركان النهضة االقتصادية المصرية‪ ،‬وقد‬
‫طالب في ذاك الوقت محمد كريم بتمصير صناعة السينما‪ ،‬وبضرورة إنشاء شركة قومية للسينما برأسما ٍل مصري‪.‬‬
‫وكانت نقطة التحول في هذه الصناعة‪ ،‬تشييد استوديو مصر عام ‪ ،1934‬حيث توالى إنتاج األفالم المصرية‪ ،‬وكثر عدد‬
‫تخرج منها كافة العاملين في الحقل‬ ‫المشتغلين في هذا الحقل الجديد‪ .‬ويعتبر استوديو مصر المدرسة األولى التي َّ‬
‫السينمائي‪ .‬كما أرسى قواعد العمل السينمائي‪ ،‬ومثل مرحلة تطور هامة في تاريخ صناعة السينما وسحبها من أيدي‬
‫األجانب وتركيزها في يد المصريين‪ ،‬كما أرسلت بعثات السينمائيين المصريين للتدريب في الخارج ليكونوا نواة لهذه‬
‫الصناعة‪.‬‬
‫ً‬
‫وأنشأ يوسف وهبي أول استوديو أقامه فنان مصري‪ ،‬وفقا ألحدث المواصفات الفنية‪ ،‬وهو استوديو رمسيس‪ ،‬وقد كان‬
‫نجاح استوديو مصر حافزا ً إلنشاء استوديوهات جالل والما بحدائق القبة‪ ،‬وناصيبيان بالفجالة‪ ،‬واألهرام بالجيزة‪ ،‬وتوجو‬
‫مزراحي بالقاهرة واإلسكندرية‪ ،‬واستوديو شبرا‪ ،‬كذلك أنشئ معمل بالظاهر للطبع والتحميض‪.‬‬
‫يكاد يجمع المشتغلون بالسينما في مصر على أن فيلم ليلى الذي أنتجته عزيزة أمير وعرض في ‪ 16‬نوفمبر ‪ 1927‬في‬
‫دار سينما متروبول بالقاهرة‪ ،‬أول األفالم المصرية الطويلة إنتاجاً‪ .‬ذلك أنه على الرغم من أن فيلم "قبلة في الصحراء"‪،‬‬
‫قد سبق فيلم ليلى في العرض‪ ،‬حيث عرض في أواخر فبراير ‪ .1927‬إال أنه قد تولى إنتاجه اثنان من األجانب هما إبراهيم‬
‫وبدر الما اللذان وفدا على مصر من شيلي بأمريكا الجنوبية‪ ،‬ومعهما بعض األموال‪ ،‬وأجهزة التصوير السينمائي‪،‬‬
‫واستقرا في اإلسكندرية حيث كونا شركة كوندور فيلم‪ .‬وعلى أي حال فقد تعاقبت بعد ذلك المحاوالت إلنتاج األفالم‬
‫الطويلة‪ ،‬وكثر المشتغلون بهذه الصناعة الوليدة من منتجين‪ ،‬وفنيين‪ ،‬وفنانين سواء من المصريين أو من األجانب‪ .‬ومع‬
‫ذلك فلم يلبث إدخال الصوت في األفالم في أواخر الثالثينيات أن تمخض عن إصابة الصناعة المصرية الناشئة بخسارة‬
‫فادحة‪ ،‬وإن لم يثبط ذلك من عزيمة السينمائيين المصريين الذين عمدوا إلى تحويل جهودهم نحو إنتاج األفالم الناطقة‬
‫‪،‬ولكن عدم وجود أجهزة لتسجيل الصوت في مصر‪ ،‬وصعوبة استيرادها أدى إلى تسجيل الصوت في باريس‪ ،‬األمر الذي‬
‫كان يكبد المنتجين نفقات باهظة‪ ،‬وخاصة بسبب اضطرارهم إلى نقل معظم الفنانين والفنيين إلى هناك‪.‬‬
‫وتهيأت للمصريين منذ البداية‪ ،‬في منافسة األفالم األجنبية في األسواق العربية‪ ،‬ميزة تولَّدت عن إدخال الصوت في‬
‫صناعة األفالم‪ ،‬أال وهي نطق األفالم المصرية باللغة العربية التي يتكلم بها سكان الشرق العربي قاطبة‪ .‬وكان فيلم‬
‫"أنشودة الفؤاد" الذي أنتجته شركة "النحاس فيلم" باالشتراك مع "إخوان بهنا" أول األفالم الناطقة‪ .‬وسجل الصوت‬
‫في استوديوهات جومونت بفرنسا‪ ،‬وعرض الفيلم في عام ‪ .1931‬وتاله فيلم "أوالد الذوات" الذي أخرجه محمد كريم‬
‫لحساب يوسف وهبي‪ ،‬وسجل الصوت في استوديوهات توبيس كالنج في باريس‪ .‬ولقي الفيلم األخير نجاحا ً كبيراً عند‬
‫عرضه في سينما رويال في القاهرة‪ .‬وأمعن المنتجون المصريون في تزويد أفالمهم باألغاني‪ ،‬وهكذا أنتجت شركة‬
‫بيضافون عام ‪ ،1933‬أول فيلم ظهر فيه الفنان محمد عبدالوهاب وهو "الوردة البيضاء"‪ ،‬فنجح نجاحا ً كبيراً‪ ،‬وفي عام‬
‫‪ 1935‬ظهرت أم كلثوم في باكورة أفالمها "وداد" الذي أنتجته شركة مصر للتمثيل والسينما‪.‬‬
‫وأنتج أول فيلم مصري ‪ -‬أجنبي مشترك عام ‪ 1933‬مع شركة جومونت الفرنسية هو فيلم "ياقوت أفندي"‪ .‬وفي عام‬
‫‪ 1947‬ظهر اإلنتاج المشترك بين مصر والعراق بفيلم "القاهرة ‪ -‬بغداد"‪ ،‬وباالشتراك مع إيطاليا عام ‪ 1950‬بفيلم‬
‫"الصقر‪".‬‬
‫وتعتبر مرحلة األربعينيات مرحلة انتعاش الفيلم المصري‪ ،‬حيث ارتفع معدل اإلنتاج السينمائي من تسعة أفالم في الموسم‬
‫‪ 1939/38‬حتى وصل إلى ‪ 16‬فيلما ً في الموسم ‪ ،1945/44‬ويرجع ذلك نتيجة لدخول رؤوس أموال أغنياء الحرب‬
‫العالمية الثانية‪ ،‬والحرب الكورية‪ ،‬إلى ميدان صناعة السينما مع زيادة القوة الشرائية في نفس الوقت لدى المواطنين‬
‫والمترددين على دور العرض السينمائي‪ .‬وارتفع متوسط إنتاج األفالم في الفترة من عام ‪ 1945‬إلى عام‪ 1951‬من ‪- 20‬‬
‫‪ 50‬فيلما ً سنوياً‪ ،‬وبلغ عدد األفالم المنتجة ‪ 241‬فيلماً‪ ،‬أي نحو ثالثة أضعاف األفالم المصرية المنتجة منذ عام ‪.1927‬‬
‫ووصل عدد دور العرض السينمائي إلى ‪ 244‬دارا ً للعرض عام ‪ ،1949‬كما وصل عدد االستوديوهات إلى ‪ 5‬استوديوهات‬
‫بها ‪ 11‬ساحة للتصوير‪.‬‬

You might also like