You are on page 1of 7

‫األمثال الجاهلية‬

‫تعريف المثل ومفهومه‬


‫‪-‬المثل كلمة مشتقّة من ِمثل‪ ،‬أي ِشبه‪.‬‬
‫أن ْال َمث َ َل َمأ ْ ُخوذٌ ِمن ْال ِمثَال وهو "قو ٌل َ‬
‫سائِ ٌر يُشبَّه به‬ ‫‪-‬ي ْذ ُك ُر ْال ُم َب ِ ّرد ُ في كتابه "الكامل" ّ‬
‫باألول"؛ فاألصل فيه التشبيه‪ ،‬فقولهم‪ :‬مثُل بين يَدَيْه‪ :‬إذا انتصب‪ ،‬و"فالن‬ ‫ّ‬ ‫حال الثاني‬
‫أمثل من فالن" أي‪ :‬أشبه بما له من الفضل‪.‬‬
‫النظام أنه يجتمع في المثل أربعة ال يجتمع في عيره من الكالم‪" :‬إيجاز‬ ‫‪-‬ويرى إبراهيم ّ‬
‫اللفظ‪ ،‬وإصابة المعنى‪ ،‬وحسن التشبيه‪ ،‬وجودة الكناية"‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬أي‪ :‬اشتراك الطرفين في صفة واحدة‪ .‬الممثًّل به‬ ‫‪-‬وكلمة "المثل" تعني الصفة أي ً‬
‫والممثًّل له‪ ،‬فيقال‪ :‬مثلك ومثل فالن أي‪ :‬صفتك وصفته‪.‬‬
‫‪-‬وقال تعالى‪{ :‬مثل الجنة التي ُوعد المتَّقون ‪ }...‬سورة الرعد‪ ،‬آية ‪ ،35‬أي‪ :‬صفتها‪.‬‬
‫ولشدّة امتزاج معنى الصفة به ص َّح أن يقال‪" :‬جعلت زيدًا مثالً‪ ..‬والقوم أمثاالً"‪ .‬ومنه‬
‫قول تعالى‪" :‬ساء مثالً القوم‪ ."...‬فقد جعل القوم أنفسهم مثالً‪.‬‬
‫ضعٍ قِيل فيه إلى غيره مما يشاب ُههُ‪.‬‬ ‫ي ُمو َجز يُنقَل عن َم ْو ِ‬ ‫‪-‬المثل‪ :‬قول عرب ٌّ‬
‫الالح ُق منه بالسابق‪ ،‬ويستشهد‬ ‫ِ‬ ‫يتكرر بروحه و َم ْغزَ اه‪ ،‬فَيُقَاس‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬وهو حكاية عن َحدَ ٍ‬
‫ث‬
‫على صحة الالحق بواقع السابق‪.‬‬
‫‪-‬وهو من أقدم أنواع األدب ومن أدب الجمهور‪.‬‬
‫ص َحاء‪ ،‬ولهم تَأ َ ُّمل وتفكير‪ ،‬فكانوا يَض ِْربُون األمثال‪،‬‬ ‫العرب في الجاهلية قوما ً فُ َ‬‫ُ‬ ‫‪ -‬كان‬
‫يحتجون بها ويعملون على ذيوعها وروايتها‪.‬‬
‫ويشير إلى عاداتهم وتقاليدهم‪ ،‬ولذلك‬ ‫ُ‬ ‫ويصور طبا َعهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬والمث ُل يدل على أخال ِ‬
‫ق قائليه‬
‫يُستشهد بها في التعرف على أحوال المجتمع الجاهلي‪.‬‬
‫‪-‬فاألمثال تصدر عن طبقات اجتماعية متفاوتة‪ ،‬وتُعبّر عن ظروف حياتية متباينة‪.‬‬
‫‪-‬واألمثال صورة صحيحة من صور األمم‪ ،‬تمتاز بأنها ال تمثل عقلية طبقة راقية فقط‬
‫كالشعراء‪ ،‬ولكنها تمثل عقليات الشعب جميعه‪ ،‬ألنها تنبع من طبقاته المختلفة‪.‬‬
‫‪-‬لألمثال ذيوع وانتشار‪.‬‬
‫كتب األمثال‬
‫ي (ت‪168‬هـ)‪.‬‬‫ض ِب ّ‬ ‫‪"-1‬أمثال العرب" ل ْل ُمفَ َّ‬
‫ضل ال َّ‬
‫‪"-2‬كتاب األمثال" ألبي عبيد القاسم من سالم (‪223‬هـ)‪.‬‬
‫‪-3‬أبو عبيد البكري بشرحه في مؤلفته "فصل المقال في شرح كتاب األمثال‬
‫ألبي عبيد بن سالم" مصنّنفًا أمثال أبي عبيد في أبواب حسب موضوعاتها‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪"-4‬جمهرة األمثال" ألبي هالل العسكري‪.‬‬
‫‪"-5‬أمثال العرب" ألبي الفضل الميداني (‪518‬ه)‪.‬‬
‫‪"-6‬المستقصى من أمثال العرب" للزمخشري (‪538‬هـ)‬

‫خصائص األمثال الجاهلية‬


‫‪-‬اإليجاز‬
‫‪-‬جمال الصياغة‬
‫‪-‬إصابة المعنى‬
‫‪-‬قوة التأثير‬

‫األمثلة والنماذج‪:‬‬

‫‪-1‬رجع بخفي حنين "بين نار االنتقام وخيبة األمل"‪.‬‬


‫مثل عربي مشهور يضرب عند اليأس من الحاجة والرجوع بالخيبة‪.‬‬
‫فمن هو حنين هذا ؟ وما قصته مع خفّيه؟‬
‫نَ ِطير بكم إلى َم ْو ِطن العلم والشعراء‪ ،‬بَلَد العراق وتحديدا في مدينة الحيرة‪ ،‬حيث كان‬
‫ص ِلح األحذية)‪ ،‬وكان مشهورا‬ ‫صنَع ويُ ْ‬ ‫ط ُن بها ر ُجل يُدعى ُحنَين‪ ،‬يعمل إسكافيا ( َي ْ‬ ‫َي ْق ُ‬
‫الناس يُ ْق ِبلُون عليه بكثرة‪ ،‬ويُثْنُون على َج ْودَة أحذيته‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ص ْن َع ِته‪ ،‬فكان‬
‫بإتقانه ِل َ‬
‫وحدث ذات يوم أن أقبل عليه أعرابي يسوق راحلته والتي يبدو من خالل األغراض‬
‫س َاو َمه‬
‫المتنوعة عليها‪ ،‬أنه مسافر أو تاجر‪ ،‬وكان قد سمع عن حنين وجودة أحذيته‪ ،‬ف َ‬
‫على زوج من األحذية حازا على إعجابه‪ ،‬وبدأ يجادله ويأخذ ويعطي في الرد‪ ،‬وطال‬
‫األمر حتى أن الزبائن كانوا يتراجعون عن الشراء النشغال حنين مع األعرابي ظنا منه‬ ‫ُ‬
‫أنهما سيصالن إلى حل يرضيهما ويشتري الحذاء‪.‬‬
‫لكن المفاجأة الصادمة‪ ،‬والتي لم يتوقعها حنين إطالقا هي انصراف األعرابي بكل‬
‫برودة تاركا حنين ينظر إلى خفّيه‪ ،‬فضاع يومه ووقته ولم يبع شيئا‪ ،‬الشيء الذي جعل‬
‫فقرر أن ينتقم من األعرابي‪ ،‬ويشفي غليله‪.‬‬ ‫حنينا يشتعل غضبا‪ّ ،‬‬
‫أغلق حنين دكانه وتتبع خطوات األعرابي‪ ،‬فاستنتج خط السير الذي سيسلكه‪ ،‬فسبقه‬
‫بالخف الثاني‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ورمى بإحدى الخفين على الطريق‪ ،‬ثم ابتعد بضع أمتار أخرى ورمى‬
‫واختبأ في مكان يراقب فيه ما يصير من أمر األعرابي‪ ،‬فلما وصل إلى المكان المعلوم‬
‫ف حنين!‪ ،‬ولو كان‬ ‫ف ملقى على الطريق فقال‪" :‬ما أشبه هذا الخف بخ ّ‬ ‫انتبه إلى ُخ ّ‬

‫‪2‬‬
‫واصفر وجهه‪َ ،‬ونَ ِد َم‬
‫ّ‬ ‫معه اآلخر ألخذته"‪ ،‬ومضى‪ ،‬فلما انتهى إلى الخف الثاني اندهش‬
‫عا ِليَأ ْ ُخذَه بعد أن ترك ِ‬
‫راحلَت َه وراءه‪.‬‬ ‫على تركه الخف األول‪ ،‬ورجع ُم ْس ِر ً‬
‫وهنا خرج الداهية حنين‪ ،‬وأخذ الراحلة وما بها من سلع وهدايا‪ ،‬حتى إذا رجع األعرابي‬
‫لم يجد إال ذكراها وصداها‪ ،‬فعاد إلى دياره يَ ُج ُّر أذيال الخيبة واليأس‪ ،‬وحين وصل أ َ ْق َب َل‬
‫عليه قَ ْو ُمه يسألونه‪" :‬بماذا جئتنا من سفرك ؟ فقال األعرابي‪ " :‬جئتكم بخفي حنين"‪.‬‬
‫ب ِع ْندَ ْال َيأ ْ ِس ِمنَ ْال َحا َجة والرجوع بالخيبة والفشل الذريع‪.‬‬ ‫فصار َمث َالً يُ ْ‬
‫ض َر ُ‬

‫‪ -2‬عادت حليمة لعادتها القديمة‬


‫ب فيمن يلزم عادة سيئة ويعود لها بعد انقطاع‪.‬‬ ‫ض َر ُ‬‫َمث َ ٌل يُ ْ‬
‫وأغلب الروايات التي بين أيدينا ترجع أصل هذا المثل إلى حليمة وهي زوجة حاتم‬
‫ب فيه ْال َمث َ ُل في ْال َك َرم حتى قيل ‪" :‬أكرم من حاتم"‪.‬‬ ‫ض ِر َ‬‫الطائي الرجل الذي ُ‬
‫قصته‬
‫ش ِفها‬ ‫شديد‪ ،‬وكان ذلك يَ ْ‬
‫ظ َهر َج ِليًّا في ت َقَ ُّ‬ ‫كانت حليمة بعكس زوجها معروفة بالبُ ْخ ِل ال َّ‬
‫صها الشديد على اال ِدّخار وعدم التمتع بملذات الحياة‪ ،‬ومن ذلك أنها‬ ‫وح ْر ِ‬‫ْال ُمبَالَغِ فيه ِ‬
‫ضيف السمن للنكهة ت َ ْم ِسك ِم ْقدَار ُربُعِ ِم ْل َعقة أو أق ّل من ذلك‬ ‫حينما كانت تهم بالطبخ وت ُ ِ‬
‫ضعُه في ال ِق ْدر ويداها ت َ ْرت َ ِجفان وقَ ْلبُها َي ْنفَ ِط ُر من َ‬
‫ض َياع السمن‪.‬‬ ‫وت َ َ‬
‫إح َرا ًجا لزوجها أمام ضيوفه وخصوصا أنه المعروف بالكرم و ُح ْسن‬ ‫وقد سبّب ذلك ْ‬
‫أن األقدمين كانوا يقولون أنه على‬ ‫فالت َ َجأ َ إلى ْال ِحيلَة فقال لزوجته ذات يوم َّ‬ ‫الضيافة‪ْ ،‬‬
‫عمرها بذلك القَدر‪.‬‬‫ُ‬ ‫مقدار ما تضع المرأة ُ ِمن سمن عند طبخها يزيد‬
‫ت زوجت ُه أيما ابتهاج‪ ،‬فصارت ت ُ ْكثِر من السمن في طبخها‪ ،‬وش ّكل ذلك ت َ َح ُّوال‬ ‫فا ْبت َ َه َج ْ‬
‫ش ْيئا فشيئا‪ ،‬حتى شاءت َيدُ المنون أن تأخذَ ا ْبنَها‬ ‫في شخصيتها فبدأت ت َ ْعت َاد السخا َء َ‬
‫الوحيدَ إلى دار البقاء‪ ،‬فَفَ ِج َعت حليمةُ بهذا الحادث‪ ،‬وحدثت انتكاسة كبيرة في حياتها‬
‫عمرها سينقُص‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فأخذت ت ُقَ ِلّ ُل ِم ْن مقدار السمن في الطبخ ظنًّا منها أن‬ ‫ْ‬ ‫الموت‬
‫َ‬ ‫وت َ َمنَّت‬
‫فقال الناس‪" :‬عادت حليمة إلى عادتها القديمة"‪.‬‬
‫‪-‬فإن هذا المثل يسلط الضوء على واقعنا الحي‪ .‬ف َكم من عادات مشينة في حياتنا تطغى‬
‫على القلوب فتهلكها‪ ،‬وتتسلط باألبصار فتعميها‪.‬‬
‫‪-‬كم من رجل انقطع عن التدخين أو شرب الخمر وعند أي مشكلة أو مصيبة يعود إلى‬
‫عادته القديمة – السيئة – ضعفا منه وهربا من المصيبة إلى مصيبة أشد وأعتى‪.‬‬

‫جازاه جزاء سن ّمار‬

‫‪3‬‬
‫كان سن ّمار مهندسا ً معماريا ً ممتازاً‪ ،‬وقد بنى قصرا ً فخما ً للنعمان بن المنذر قضى‬
‫ُ‬
‫النعمان بأن‬ ‫عشرين عاما ً في إبداعه‪ ،‬وفي يوم افتتاحه تقدَّم كي ينال جائزة َ العمل فأمر‬
‫ضرب المثل بفعلته‪ ،‬وقيل‪ :‬جازاه‬ ‫يرمى به من أعلى القصر خشيةَ أن يبني مثله لسواه ف ُ‬
‫جزاء ِسنِ ّمار ويقال لمن عمل صالحا ً وكوفىء عليه بالسيء‪.‬‬

‫أحشفًا وسوء كيلة‬


‫يغش في‬
‫ّ‬ ‫ظ أن البائع‬ ‫وأصله أن أعرابيا ً ذهب يشتري تمراً‪ ،‬فوجده َر ِد َّ‬
‫ي النوعِ والح َ‬
‫فصارت مثالً لمن يجمع بين أمرين مكروهين‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫الكيل فقال له‪ :‬أحشفا ً وسوء كيلة‪،‬‬

‫إن البُ َ‬
‫غاث بأرضنا يَ ْستَنس ُِر‬ ‫ّ‬
‫ض َرب للضعيف يصير قويا‪ ،‬وللذليل يعز بعد الذل‪ .‬ويعود أصله إلى البغاث‪:‬‬ ‫َمث َ ٌل يُ ْ‬
‫وهو نوع ضعيف من الطير‪ ،‬واستنسر‪ :‬أي صار كالنسر في القوة عند الصيد بعد أن‬
‫كان من ضعاف الطير‪.‬‬

‫أ َثْقَ ُل ِمن أ ُ ُحد‬


‫يُض َْرب في فرط الغلظة‪.‬‬

‫ا ْست َ ْن َوقَ ْال َج َم ُل‬


‫ضرب للرجل الذي يتصرف تصرف النساء‪.‬‬ ‫يُ َ‬

‫أ َ ْهدَى ِم ْن ْالقطاة‬
‫يُض َْرب لمن يعرف كيف يبلغ غرضه‪.‬‬
‫القطاة‪ :‬طير كالحمام‪ ،‬قليل الصبر على العطش‪ ،‬عنده إحساس مرهف بوجود الماء‪،‬‬
‫يهتدي إليه من بعيد بحاسته‪.‬‬

‫إن وراء األ َكمة ما وراءها‬


‫يضرب هذا المثل لمن يفشي على نفسه أمرا مستورا‪ .‬وأصله أن أ َمة قررت أن تواعد‬
‫شخصا وراء أكمة (تلة مرتفعة)‪ ،‬إذا فرغت من خدمة أهلها ليال‪ ،‬لكنهم شغلوها تلك‬
‫الليلة بكثرة الطلبات‪ ،‬فقالت حين غلبها الشوق‪" :‬حبستموني وإن وراء األكمة ما‬
‫وراءها"‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ب‬‫ش ِر َ‬ ‫أ َ َك َل عليه الدَّ ْه ُر َو َ‬
‫ع ُمره‪ ،‬ويَعنُون بذلك أنه أكل وشرب دهرا طويال ‪ ،‬وعلى قول‬ ‫ب ِل َم ْن طا َل ُ‬ ‫ض َر ُ‬
‫يُ ْ‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ب الدَّ ْه ُر عليهم وأكل‬ ‫كم رأينا من أناس قَ ْبلَنا * َ‬
‫ش ِر َ‬

‫ف‬‫إنه ليعلم من أين تؤكل ْال َك ِت ُ‬


‫يضرب للرجل الداهية‪ ،‬وفي رواية أخرى يقال من حيث تؤكل الكتف‪.‬‬
‫وتدور تفسيرات قصة المثل الشهير كالتالي‪:‬‬
‫ط ِ ّر ِزي في شرح المقامات أن هذا المثّل يضرب‬ ‫األقاويل المختلفة عن المثل‪ ،‬فقال ْال ُم َ‬
‫للرجل الداهية‪ ،‬الذي يأتي األمور من مأتاها‪ ،‬وذلك ألن أكل الكتف أعسر من غيرها‪،‬‬
‫وقيل أن أكله من أسفله ألنه يسهل انحدار لحمها‪ ،‬ومن أعلها يكون معتقدا ملتويا ً ألنه‬
‫غضروف مشتبكا ً باللحم‪.‬‬
‫قول آخر‪ :‬ويقول البعض‪ :‬أن المرق يجرى بين لحم الكتف والعظم‪ ،‬فإذا أخذتها من‬
‫أعلى َج َرت عليك المرقة وانصبّت‪ ،‬وإذا أخذتها من أسفلها انقشرت عن عظمها خاصة‬
‫‪ ،‬وبقيت المرقة مكانها ثابتة‪.‬‬
‫وقال األصمعي‪ :‬العرب تقول لضعيف الرأي‪ ،‬إنه ال يحسن أكل الكتف‪ .‬وقد أنشد‬
‫األصمعي في ذلك المثّل العربي وقال ‪ :‬إني على ما تَرين من كبري ‪ ..‬أعلم من أين‬
‫تؤكل الكتف‪.‬‬
‫شرح المقامات لسالمة األنباري‪:‬‬
‫وفي شرح المقامات لسالمة األنباري قيل ‪ :‬إن في الكتف موضعا ً ‪ ،‬إذا أمسكه االنسان‬
‫سقط جميع لحمها ‪ ،‬لذا فقد صارت جملة من حيث تؤكل الكتف مثالً ‪ ،‬يطلق على الرجل‬
‫الداهية ‪ ،‬وذلك ألن أكل الكتف له طريقة معينة في األكل ‪ ،‬أعسر من غيرها‪.‬‬

‫بلغ السي ُل ُّ‬


‫الز َبى‬
‫يقال في األوقات التي تصل فيها األمور إلى حد ال يمكن السكوت عليه‪ ،‬فينفد حينها‬
‫المتصور أو المتوقَّع أن تصل األمور إلى ذلك الحد‪ ،‬فإذا‬
‫َّ‬ ‫الصبر؛ ألنّه قد كان من غير‬
‫حدثت ووصلت إلى ذلك الحد‪ ،‬ففي هذه الحالة تكون قد فاقت التوقّعات والحسابات‪ ،‬فال‬
‫(الزبَى) كما يقول صاحب‬‫إن معنى ُّ‬ ‫صبر حينها‪ ،‬وال يمكن السكوت عليها ‪ّ .‬‬ ‫يحتمل ال ّ‬
‫لسان العرب‪ :‬جمع ُز ْبيَة‪ ،‬وهي الرابية ال يعلوها الماء‪ ،‬والرابية‪ :‬هي كل ما ارتفع عن‬
‫ضا في معناها‪ :‬أنها ُح ْفرة ت ُ ْحفَر لألسد بقصد اصطياده‪ ،‬وال تحفر إال‬
‫األرض‪ .‬وقيل أي ً‬
‫‪5‬‬
‫مكان عا ٍل من األرض؛ حتى ال يبلغها السيل‪ .‬ويقول صاحب َم ْج َمع األمثال في‬ ‫ٍ‬ ‫في‬
‫شرحه لمعنى (بلغ السيل الزبى)‪ :‬هي جمع ُز ْبيَة‪ ،‬وهي ُحفرة ٌ ت ُ ْحفر لألسد إذا أرادوا‬
‫صيده‪ ،‬وأصلها الرابية ال يعلوها الماء‪ ،‬فإذا بلغها السيل كان جارفًا مجحفًا‪ .‬يضرب‬
‫ً‬
‫رجال كان يعمل‬ ‫لمن جاوز الحد‪] .‬ويقال إن القصة التي تقف وراء هذا المثل هي أن‬
‫في صيد األسود قام بحفر زبية عميقة على إحدى الروابي‪ ،‬ثم قام بتغطيتها باألغصان‬
‫الط ْعم الذي سيخدع به األسد ويجذبه إلى تلك الزبية‪ ،‬فيسهل عليه‬ ‫واألعواد ووضع ُّ‬
‫اصطياده‪ ،‬ولكن كما يقال‪ :‬تجري الرياح بما ال تشتهي السفن‪ ،‬حيث أنه في ذلك اليوم‬
‫غزيرا وسالت السيول حتى وصلت تلك الرابية وطمرت الزبية‬ ‫ً‬ ‫مطرا‬
‫ً‬ ‫أمطرت السماء‬
‫التي أعدها ذلك الصياد الصطياد األسد‪ ،‬فأفسدت عليه الصيد‪ ،‬فقال حينها هذا المثل‪:‬‬
‫(بلغ السيل الزبى) ‪.‬فإذا طرأ على اإلنسان أمر معيّن‪ ،‬أو وقع في مشكلة ما وتفاقمت به‬
‫إلى أن وصلت إلى ح ٍد كبير فاق التوقّعات وال يمكن السكوت عليه‪ ،‬فحينئذ يستطيع هذا‬
‫اإلنسان أن يتمثّل بهذا المثل‪( :‬لقد بلغ السيل الزبى)‪ ،‬فهو يشبه ذلك األمر الذي تجاوز‬
‫حدّه بالسيل الذي تفاقم وزاد في جريانه‪ ،‬فخرج عن المألوف وجاوز حدّه‪ ،‬ووصل به‬
‫األمر إلى أن يصيب الرابية المرتفعة عن األرض‪ ،‬فيجرفها أو يطمرها‪.‬‬
‫يضرب حينما تتجاوز األمور حدودها بشكل يستنفد فيه الصبر‪ ،‬والزبى ‪ :‬جمع ُزبية ‪،‬‬
‫وهي حفرة كان الصيادون يحفرونها لألسود قصد اصطيادها ‪ ،‬وأصل الزبية تلة‬
‫مرتفعة ال يبلغها الماء‪.‬‬
‫وقيل أن رجال حفر زبية ليصطاد أسدا ‪ ،‬لكن حدث وأن أمطرت السماء بشكل أفاض‬
‫الوديان ‪ ،‬فبلغ الماء تلك الزبية وطمرها ‪ ،‬فقال الرجل ‪ :‬لقد بلغ السيل الزبى‪.‬‬

‫خال لك الجو فبيضي واص ِفري‬


‫يضرب هذا المثل في الحاجة عندما يتمكن منها صاحبها‪ ،‬وأول من قال ذلك طرفة بن‬
‫العبد الشاعر‪ ،‬وذلك أنه كان مع عمه في سفر وهو صبي‪ ،‬فنزلوا على ماء‪ ،‬وذهب‬
‫طرفة فنصب فخا لطيور القنابر‪ ،‬فبقي طول النهار ولم يصطد شيئا‪.‬‬
‫ثم حمل فخه ورجع إلى عمه‪ ،‬وأثناء عودتهم‪ ،‬مروا من ذلك المكان الذي نصب فيه‬
‫طرفة فخه‪ ،‬فرأى القنابر يلقطن ما نثر لهن من الحبّ ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫يا لك من قنبرة بمعمر * خال لك الجو فبيضي واصفري‬
‫ونقري ما شئت أن تنقري * قد رحل الصياد عنك فأبشري‬
‫ورفع الفخ فماذا تحذري * ال بد من صيدك يوما فاصبري‬ ‫ُ‬

‫أخرق من حمامة‬
‫‪6‬‬
‫تقال عادة على الرجل الذي ال يحسن فعل الشيء على أكمل وجه‪ ،‬فقيل له ألن الحمامة‬
‫ال تحكم بناء عشها‪ ،‬وال تختار موضعه بعنايةـ فإذا هبت الريح كان ما تكسر أكثر مما‬
‫سلم‪ ،‬فشبه بعش الحمامة‪ .‬وكثيرا ما بنته على الغصن من الشجرة‪ ،‬في اتجاه الريح‪،‬‬
‫وينكسر‪.‬‬ ‫بيضها‬ ‫فيضيع‬
‫وفي ذلك يقول الشاعر عبيد بن األبرص‪:‬‬
‫عيّوا بأمرهم كما * عيّت ببيضتها الحمامة‬
‫جعلت لها عودين من * نشم وآخر من ثمامة‬

‫ربّ كلمة تقول لصاحبها دعني‬


‫يضرب في النهي عن كثرة الكالم والثرثرة مخافة سوء العاقبة‪ .‬وقصته أن ملكا خرج‬
‫يقربه ويكرمه‪ ،‬فأشرفا على صخرة ملساء‪ ،‬فوقف النديم عليها‬ ‫للصيد رفقة نديم له كان ّ‬
‫وقال للملك‪ :‬لو أن إنسانا ذبح على هذه الصخرة إلى أين كان يبلغ دمه؟‬
‫فقال الملك‪ :‬اذبحوه عليها ليرى دمه أين يبلغ‪ ،‬فذبح عليها‪ ،‬فقال الملك ‪ :‬ربّ كلمة تقول‬
‫لصاحبها دعني‪.‬‬
‫رمتني بدائها وانسلّت‬
‫يضرب لمن يعيّر صاحبه بعيب هو فيه ‪ ،‬وأصله أن امرأة من نساء العرب عايرت‬
‫ضرتها بعيب كان فيها‪ ،‬فقالت الضرة ‪ :‬رمتني بدائها وانسلّت‬ ‫ّ‬

‫‪7‬‬

You might also like