Professional Documents
Culture Documents
البحث العلمي و التقني
البحث العلمي و التقني
يضرب بجذوره في القدم ،وفي نفس الوقت حديث جديد متجدد عبر الزمان والمكان
للدرجة التي أصبح من البديهيات التي ال داعي لتكرارها ،والتأكيد عليها ،وليس أدل
على ذلك من أن موقع أي دوله على سلم التقدم والحضارة يقاس بمدى تطورها في
هذا المجال .
إن التقدم الهائل السريع الذي يشهده العالم اليوم له أسباب كثيرة ،يقف في مقدمتها
اإلهتمام الشديد بالبحث العلمي ،ففي الوقت الذي تقف فيه المشروعات العربية ،في
مجال البحث والتطوير ،عند عتبة الدعاية البعيدة عن جدية اإلنجاز ،أو عند باب
"الترف األكاديمي" فحسب ،نجد أن دول العالم المتقدم تكرس الكثير والوفير من
إمكاناتها لدعم البحث والتجارب العلمية المختلفة من أجل التطوير ،ومن أجل مستقبل
أكثر ثباتاً.
فالبحث العلمي في المجتمعات المتقدمة يجد "الدعم" السخي من المؤسسات الرسمية
وغير الرسمية المستفيدة ،ألنه ،يُتر َجم أو يتحول في العموم إلى "منتج" استثماري
داعم للتنمية االقتصادية واالجتماعية .فالبحث العلمي ،في هذه الحالة ،وبهذا المعنى،
هو "استثمار" وليس ترفا ً أكاديميا ً عشوائياً .وال نظن أن البحث العلمي في عالمنا
العربي سيشهد االزدهار المأمول ما لم يعالج الخلل الكبير الذي لم يترك له أي فرصة
ليأخذ المكان األحق به اهتماما ً ،وأهمية ،فيكون أحد أهم عوامل التنمية والتطور.
إن الحديث عن أهمية العلم والبحث العلمي ،ودورهما في التنمية والتقدم ،حديث
قديم يضرب بجذوره منذ تاريخ العلم والبحث العلمي ،وفي نفس الوقت حديث جديد
متجدد عبر الزمان والمكان للدرجة التي أصبح من البديهيات التي ال داعي لتكرارها،
والتأكيد عليها ،وليس أدل على ذلك من أن موقع أي دوله على سلم التقدم والحضارة
مرهون بمدى ودرجة تقدمها في مختلف مجاالت العلم والبحث العلمي بشقة الطبيعي
واالجتماعي؛ فما نشهده اليوم ونلمس آثاره على كافة األصعدة والمستويات وفى
مختلف األنشطة والمجاالت وليد الثورة العلمية ،والتي تترجم لمنجزات تكنولوجية
تستخدم وتوظف في شتى مناحي الحياة .فالعالقة أضحت جدلية ،تفاعلية ما بين
إستخدام وتوظيف نتائج البحث العلمي -بغض النظر عن مجاله -وبين التقدم
البشرى والهيمنة على الطبيعة والتخطيط للحاضر والمستقبل.
وال يخفى االرتباط الوثيق والتفاعل المفترض بين البحث العلمي وتطبيقاته
التكنولوجية ،بالتنمية الوطنية واإلعمار ،ويبدو أن الدول المتقدمة صناعيا؛ بارعة في
ترسيخ هذا اإلرتباط واالستفادة منه ألقصى الحدود؛ حيث يعود التحسن في مستوى
معيشة أفرادها بنسبة 60إلى %80إلى التقدم العلمي والتقني؛ بينما يعزى هذا
التحسن بنسبة 20إلى %40إلى وجود رأس المال.
وهذا ما تؤكده العديد من التجارب العالمية في كل من كوريا الجنوبية والصين
وماليزيا..؛ التي إستثمرت خاللها اإلمكانات المذهلة التي يتيحها هذا الحقل وما
يرتبط به من تقدم علمي؛ بشكل فعال لصالح تطور وتنمية ورفاهية المجتمع في
مختلف الميادين والمجاالت ،وما يتبع ذلك من حث وتشجيع على البحث واإلبتكار
وإستثمارهما على أحسن وجه.
فالدول التي تعرف كيف تطبق مخرجات البحث العلمي؛ نجدها دائما تحتل مكان
الصدارة في مجاالت عديدة؛ مثل تصنيع اآلالت واألجهزة الحربية ،وهذا يجعلها
تتفوق عسكريا؛ وتكثرمساهماتها الثقافية والعلمية في الحضارة اإلنسانية ،أو في مجال
تقديم الخدمات المتنوعة لمواطنيها وفق أحدث األساليب ،أو في نموها االقتصادي
وبناء المصانع وزيادة اإلنتاج وحسن إستغالل الموارد الطبيعية.
أنه أصبح واضحا ،ومقبوال بصورة عامة ،أن المعرفة هي العنصر الرئيسي في
اإلنتاج ،والمحدد األساسي لإلنتاجية ،ورأس المال البشري.وعليه فقد أكد التقرير أن
قلة المعرفة وركود تطورها يحكمان على البلدان التي تعانيهما بضعف القدرة اإلنتاجية
وتضاؤل فرص التنمية .
من جهة أخرى؛ فإن مسألة عالقة البحث العلمي بالتنمية اإلجتماعية تضعنا من جديد،
أمام المالحظة الجديرة بالتأمل والفحص وإعادة التركيب ،وهي المالحظة التي ما يفتأ
يلوك الحديث فيها كثيرون اليوم ،ونعني بتلك المالحظة مسألة تعميق االرتباط بين
الجامعة والبحث العلمي من جهة ،والمجتمع من الجهة األخرى ،فاألطروحة التي
مازال يلح عليها المثقفون من خارج الجامعة ،هي أنهما ،أي الجامعة ومراكز البحث
العلمي ظلتا تعيشان واقع إنفصال مخيف عن المجتمع ،فهما بعيدتان عن مشكالته،
وعن طموحاته وتطلعاته ،وعن احتياجاته الصميمية ،ولذا فهما مصابتان بحالة يائسة
من العقم ،وهما ال تضطلعان بأي مسؤولية اجتماعية حقيقية ،والسيما من حيث
اإلسهام في قيادة المجتمع نحو رفاهية اإلنتاج ،ومن حيث األخذ بيده نحو مزيد من
تطوير مفهوماته تجاه الحياة ،وتجاه عالقاته بالكون واألشياء .والسبب في كل ذلك
ليس سرا ً من األسرار،فالذي يعرقل دور الجامعة – بإعتبارها منارة العلم والبحث
العلمي -في المجتمع ،هو أن هناك خوف أو توجس من تدخل -الجامعة ومراكز
البحث ومخابره ووكاالته -في التنمية اإلجتماعية ،فيرون في ذلك تجاوزا ً ألهدافها
التعليمية!، ،فيعمدون إلى تكريس المفهوم "الباهت " للعلم والتعليم وهو أن تتخذ
الجامعة وبحوثها العلمية موقفا ً محايدا ً من التنمية " وذلك لكي تؤدي مهمتها العلمية
في هدوء وإبداع!! ؟؟" و اإلستمرارفي إنتاج مخرجات ال تجد مكان لها في سوق
العمل واإلنتاج ،متناسين أنه ينبغي أن يكون للجامعة والبحث العلمي فيها دور ناهض
في تحسن وتطوير المجتمعات .فنظرتهم للجامعة هي نظرة نسقية مغلقة ال مكان
لالبداع واالبتكار فيها
إ ذا كانت العديد من اآلراء واالتجاهات تربط التنمية أساسا باالعتبارات
االقتصادية؛ فإن اإلنسان يظل من الناحية االفتراضية هو محور كل تنمية حقيقية؛
فهو وسيلتها الرئيسية كما هو هدفها في آخر المطاف؛ بحيث ينبغي أن تنصب على
تأهيله وتمكينه من مختلف المقومات العلمية والعملية واالجتماعية واالقتصادية
ويعتبر البحث العلمي أحد المداخل الرئيسية التي تدعم بلورة تنمية إنسانية حقيقية.
وتعتبر العديد من األقطار العربية من ضمن أكثر األقطار حاجة إلى تطوير
البحث العلمي والمراهنة عليه في تنميتها؛ وذلك بالنظر إلى مجموعة من االختالالت
التي تعتري هذا القطاع الحيوي؛ فاالعتمادات المالية المرصودة له داخل عدد من هذه
الدول لم تصل بعد 1بالمائة من الناتج الداخلي الخام؛ وهي نسبة ضعيفة وتبتعد كثيرا
عن المعدل العالمي المحددة في 2.3بالمائة ،تؤثر بشكل سلبي على البنيات التحية
المرتبطة بهذا الشأن؛ حيث تظل في مجملها تقليدية وغير كافية.
وأعتبرت أيضا أن المشكلة في الجزائر تكمن أساسا في وجود بحوث وغياب من
يستهلكها ،ذلك أن المؤسسات الوطنية العامة أو الخاصة ما زالت تعتبر البحث العلمي
ثانويا في نشاطها ،إذ من المفروض أن يكون البحث العلمي في قلب الرهان بالنسبة
للمؤسسات ،وأن تبذل الجهود من أجل أن يكون لكل مؤسسة فرعها الخاص لتطوير
البحوث ،وأن تخصص ضمن ميزانياتها ميزانية مستقلة للبحث لجعل منتجاتها في
مستوى المنافسة".
إضافة إلى البيروقراطية والمشكالت اإلدارية والتنظيمية ،والفساد المالي واإلداري
في مؤسسات البحث العلمي الحكومية ،إلى جانب هذا تأخر عملية نقل المعلومة التقنية
من الدول المتقدمة إلى الدول العربية ،و بقاء كثير من مراكز البحوث العربية تحت
قيادات قديمة مترهلة ،غير مدركة ألبعاد التقدم العالمي في ميادين البحث العلمي ،ال
سيما في العلوم التكنولوجية والطبيعية ،وإهمال التدريب المستمر للباحثين ،بل قد
وصل حال كثير من مؤسسات البحث العلمي إلى تهميش الكوادر البحثية التي ال تتفق
وسياسية السلطة أو إمكاناتها ،ومن ثم يتم تهجير -أو هجرة -هذه العقول إلى الدول
الغربية ،لتجد هذه العقول البيئة العلمية المناسبة لها ،والمعززة لمواهبها ،والداعمة
ألفكارها االبتكارية .
باالضافة الى ما سبق وإذا ما أردنا أن نطرق العوائق التي تعترض البحث العلمي في
العالم العربي عامة وفي الجزائر بصفة خاصة وفي المجاالت اإلنسانية واالجتماعية
: من تعاني تراها
* قلة المؤهلين في أساسيات البحث العلمي ومتطلبات تطبيقه فإذا كان معدل الباحثين
المؤهلين في الدول المتقدمة 3000باحث لكل مليون نسمة من السكان فإن ذلك حلم
بعيد المنال بسبب النمطية ،والبيروقراطية ،وضعف التمويل ،وإنعدام إستراتيجية
واضحة للبحوث
قلة الموارد المالية المخصصة للبحث العلمي وذلك نابع من عدم االهتمام بالبحث
واالستهانة بقيمه التنموية على حياة الفرد والمجتمع،
عدم وجود إمكانيات تساعد الباحثين مثل المختبرات الحديثة والموارد البشرية
واألجهزة المتقدمة التي تنشط الباحثين وتسند طموحاتهم كما يشمل ذلك عدم وجود
بيانات متجددة عن النشاط البحثي ومن قاموا به وما الذي جرى تطبيقه من البحوث
المنجزة.
*عدم تسويق النشاط البحثي ،وذلك بالترويج للبحوث الناجحة بين المستفيدين منها
في المجال التطبيقي في الصناعة ،والتجارة ،وتطوير المؤسسات والمنشآت
باآلخرين. ليلحق المجتمع بحياة يرقى مما االجتماعية،
التقليل من قيمة البحث العلمي :ال تزال بعض الدول العربية أو بعض اإلدارات فيها
ال تعي قيمة البحث العلمي ،وبالتالي ال تعمل جاهده على تمكين البحث العلمي
وتيسير أموره ،فهي ترى أنه ترف فكري أو علمي وليس هناك داعي إلضاعة المال
والوقت على البحوث العلمية ،وهذه اإلشكالية تنعكس على نقاط أخرى كثيرة في
إجراءات البحث العلمي.
* تعذر الوصول إلى بعض أوعية المعلومات خاصة في اإلدارات الحكومية التي
تضع عراقيل أمام الباحثين أو في الدول التي تمارس حجب بعض مواقع اإلنترنت.
مشروع "السحابة" اإللكترونية يروم منها أبو تاج الدين العمل على "رقمنة" الجامعة
المغربية ،وانفتاحها على محيطها الدولي من حيث التكنولوجيات الحديثة ،بهدف
الرقي بالجامعة في البالد ،وتشبيكها بمختلف التقنيات المتطورة ذات الصبغة العلمية
والمعرفية ،وذلك في خضم غياب المؤسسات الجامعية المغربية من قائمة أفضل
الجامعات بالعالم.
وفي اطارهذه المبادرة ،سيتم تطوير العديد من اإلجراءات:
-أنشطة التوعية لتعزيز نتائج البحوث
-جائزة االبتكار للباحثين الشباب
-تكوين الخبراء في مجال تقييم نتائج األبحاث وتسويقها
-مرافقة الباحثين حاملي مشاريع مبتكرة لخلق األعمال
-مرافقة أصحاب براءات االختراع الستغالل نتائجها أو تسويقها
للبحث العلمي في المغرب سمة أساسية تتجلى في انفتاحه المطلق على مختلف دول
العالم ،ومن ضمنها كافة الدول العربية دون استثناء،
حرص المغرب على توسيع قاعدة شركائه وتنويعها منذ بداية األلفية الجديدة.
لتراجع البارز لإلنتاج العلمي المشترك بين الجامعيين المغاربة والجامعيين الفرنسيين
-كشركاء تقليديين للمغرب
ت ّم تسجيل ارتفاع ملموس لمقاالت مشتركة بين باحثين مغاربة ونظرائهم في دول
أخرى غير ناطقة بالفرنسية ،من بينها إسبانيا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا
ويُعزى هذا التحول حسب مدير المركز إلى عدة أسباب ،منها تراجع استعمال اللغة
الفرنسية في مجال البحث العلمي لفائدة اللغة اإلنجليزية ،وهي لغة الباحثين بامتياز
سواء في العالم العربي أو خارجه ،وقد تفسر جزءا من رغبة الباحثين المغاربة في
التوجه نحو آفاق أرحب.
هذا التقلص قابله تطور عالقات التعاون العلمي بين المغرب وباقي الدول العربية،
مبينا أنها عرفت بدورها انتعاشا ملحوظا.
بين عامي 2005و 2014نشر الباحثين المغاربة مع زمالئهم في المنطقة
العربية 1322مقالة علمية مشتركة.
أن المغرب يسعى إلى عدم تكرار أخطاء الماضي بترك طلبته المتميزين في مختلف
العلوم عرضة لالستقطاب "العشوائي" من طرف جامعات ومراكز األبحاث.
لوحظ في السنوات األخيرة تحركات لدول من أجل استقطاب طلبة باحثين مغاربة
وإغرائهم بشتى الوسائل لتعزيز فرق التدريس والبحث في جامعاتها.
إذا كان العلم ال يؤمن بالحدود فهذا ال يمنع المشرفين عليه من وضع آليات تنظم
وتقنن حركية الباحثين ،أن هذا المعطى ستكون له انعكاسات حسنة إذا ما تم
اعتماد تأطير مشترك لهؤالء الباحثين الشباب يساهم فيه المغرب والمؤسسات
المضيفة ،وهي الوسيلة المثلى "لتحويل" كفاءاتهم نحو زمالئهم في المغرب.
أن هذه اإلجراءات وغيرها هي الكفيلة بإبراز درجة مساهمة الباحثين المغاربة ،ليس
فقط في تحسين التصنيف العالمي للجامعات المغربية والعربية عموما ،ولكن أيضا
في النهوض علميا بالمنطقة العربية برمتها.
المهندس والبحث والتطوير العلمي والتكنولوجي
ليس من المصادفة أن يرتبط تقدم األمم وازدهارها بمدى تقدم مستوى البحث والتطوير العلمي
والتكنولوجي بها ،فهو أبعد ما يكون عن مجرد وسيلة لتطوير المعارف التقنية و تفعيل النبوغ
البشري .ذلك أن هذا البحث يشكل أرضية مؤسسة لمدى تملك األمم من وسائل إنتاج المعرفة و
بالتالي توفير الشرط الموضوعي لتأهيل وسائل اإلنتاج و على رأسها المقاولة سواء كانت فالحية
أو صناعية أو خدماتية.
من ناحية أخرى ،ال يمكن تناول موضوع البحث و التطوير العلمي دون استحضار المعنيين به
من أساتذة و باحثين و مهندسين .في هذا اإلطار يمكن أن نتساءل ،بشكل خاص ،عن أي دور
للمهندسين في هذا الميدان ،علما أن مسألة البحث و التطوير العلمي ال يمكن أن تحقق اآلمال
المرجوة دون إشراك و انخراط فعال لهذه الفئة.
لكن ،وقبل الوقوف على كيفية تفعيل دور المهندس في ميدان االبتكار و التطوير البد من التذكير
بالدور التاريخي للعلوم الهندسية في تقدم المجتمعات البشرية .فقد كان للهندسة و للمهندسين
عبر التاريخ دورا محوريا في تشييد صرح الحضارة اإلنسانية ،لدرجة أنه من الصعب رسم مالمح
التطور اإلنساني بعيدا عن تطور العلوم الهندسية .فإذا كان من األكيد أن التقدم البشري هو في
النهاية نتيجة تراكمات معرفية على مجموعة من األصعدة الثقافية و الفكرية و القانونية و
االجتماعية و االقتصادية و العلمية ،إال أنه يمكن الجزم أن المنتوج الهندسي هو في المحصلة
ثمار التقدم البشري على هذه األصعدة كافة.
فالمهندس هو الذي يترجم محصلة النظريات العلمية و التقنية إلى مسائل و أدوات ذات تطبيق
مباشر يهم الحياة اليومية للناس .و هنا بالضبط يكمن الفرق بين المهندس من جهة ،و من جهة
أخرى العالم أو الباحث في الفيزياء أو الكيمياء أو غيرهما من العلوم الدقيقة .فبفضل التكامل بين
العالم الباحث و المهندس تمكنت اإلنسانية من تحقيق هذا التطور الذي نشهده اليوم منذ الحضارة
البابلية و الصينية مرورا بالفرعونية واليونانية والعربية اإلسالمية واألوربية ،فحضارة اليوم
التي تعرف تألقا منقطع النظير و قطيعة كبرى مع كل ما سبق ،بفضل كم هائل من االبتكارات
واالختراعات في الميدان التكنولوجي والمعلوماتي وميدان االتصاالت فضال عن الفروع
الكالسيكية للهندسة من فالحة وميكانيك وكهرباء وهندسة مدنية.
وطنيا ،يواجه النسيج االقتصادي الوطني ضعف ارتباطه بالبحث والتطوير العلمي وعدم
استيعابه ألهمية الدور الريادي للمهندس في هذا المضمار .ذلك أن التمكن من اقتصاد المعرفة
ومستوى أدنى من البحث والتطوير العلمي أصبحا محددا أساسيا لتنافسية المقاولة ،وبالتالي
وسيلة ناجعة لتقوية االقتصاد الوطني وضمان التنمية المستدامة.
وبالرغم من ذلك ،سيكون من اإلجحاف التغاضي عما راكمه المهندس المغربي في سبيل وضع
المغرب الحديث على سكة التقدم العلمي والتكنولوجي .وفي هذا الصدد يمكن الجزم أن هذا
المهندس تمكن من أداء جزء أساسي من مهمته ،حيث أن الشأن التقني و الهندسي الوطني تدبره
أطر محلية تشرف على األغلبية الساحقة من القطاعات الحيوية ،من الهندسة الزراعية إلى
المناجم والتعدين (على سبيل المثال :العمالق الوطني للصناعة الفوسفاطية يديره أطر و
مهندسون جميعهم مغاربة) ،إلى قطاعات البناء و التشييد و الصناعة والتكنولوجيات الحديثة.
فما يلمسه المواطن العادي في حياته اليومية من مظاهر التطور و الحضارة ما هو في الحقيقة
إال نتاج لهذا المجهود المتواصل.
فالمغرب و منذ فجر االستقالل استشعر أن بناء الدولة الحديثة يتطلب تأهيل أطر هندسة وطنية
قادرة على المواكبة ،فكان تأسيس المدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط سنة ،1959في عهد
الحكومة الوطنية التي ترأسها األستاذ عبد هللا إبراهيم ،و بعدها توالت المجهودات على مختلف
األصعدة ،خاصة في الجانب المتعلق بمدارس التكوين ،و الذي أخذ موخرا بعدا جهويا بعد أن
كانت مدارس التكوين في وقت سابق مقتصرة على مدينتي الرباط و الدارالبيضاء.
إال أن هذا المجهود المبذول من طرف الدولة و مختلف الفاعلين يصطدم بالكثير من الصعاب
التي تحد دور المهندس من إمكانية االضطالع بأدواره عموما و بتلك المرتبة بالبحث و االبتكار
خصوصا ،مما يفوت فرصة تاريخية لضبط إيقاع التقدم التكنولوجي و المعرفي الوطني على
نظيره بالبلدان المتقدمة .و هنا نسجل أن هناك على األقل تحديان أساسيان أمام الهندسة الوطنية
يتوجب رفعهما:
_ التحدي األول :هو امتالك رؤية و خارطة طريق لما نريده من الهندسة و من األدوار التي
نتوخاها منها .و هو تحد ال يمكن التقدم على دربه دون التوفر على أداته التنظيمية و هي هيئة
وطنية مشرفة على المسألة الهندسي.
_ والثاني :هو كيفية تبييئ العلم و التكنولوجية و امتالك ناصية اإلبداع و االبتكار للمرور من
مرحلة االستهالك التكنولوجي إلى مرحلة اإلنتاج و التطوير.
هنا يتضح أنه باإلضافة إلى تحدي بلورة رؤية حول الهندسة و التي ترتبط بمطلب إنشاء هيئة
وطنية للمهن الهندسية على غرار التجارب العالمية ،هناك التحدي المرتبط بتبييئ الهندسة ،و
الذي يرتكز باألساس على مجهود اإلبداع و االبتكار في الميدان الهندسي .فهذا الجانب من البحث
العملي التطبيقي يجب أن يحظى بدعم أكبر من طرف الدولة التي ال تساهم حاليا إال ب 5.6مليار
درهم في مجهود البحث و التطوير أي 0.73 %في المئة من الناتج الوطني الخام ( مقابل
2.33%في البلدان المتقدمة و 4.25%في الكيان الصهيوني و 2.21 %في فرنسا).
لذلك فنجاح مهمة المهندس في ميدان االبتكار و التطوير العلمي مرتبط برفع الرهانات التالية:
-توفير إطار قانوني مشجع للبحث الهندسي عبر إخراج اإلطار الجديد لألستاذ الباحث و بخلق
إطار مهندس باحث و عبر تمكين ميدان البحث الهندسي خصوصا و البحث العلمي عموما من
أكبر. ميزانية
-خلق شراكات بين مدارس المهندسين و المقاوالت لخلق الدينامية الالزمة لربط االبتكار
بحاجيات حقيقية لدى المقاوالت الصناعية و غيرها .فالمطلوب هو تصحيح الوضع الحالي بجعل
مدارس المهندسين تدعم مجهود البحث و التطوير التي تقوم بها المقاوالت بدل العكس .كما
يتطلب تشجيع الطلبة المهندسين على خلق مشاريعهم الخاصة و المبتكرة
-تعزيز التكامل و تكاثف الجهود بين مدارس المهندسين لالستفادة من التجارب و الخبرات و
لخلق دينامية وطنية في هذا اإلطار ،و كذا االنفتاح على التنظيمات و الهيئات الهندسية التي يمكن
المجال. هذا في نوعية إضافة تشكل أن
-تعزيز وسائل التحويل التكنولوجي عبر التنصيص على حد أدنى من نسبة األطر الوطنية في
إدارة مشاريع الشركات األجنبية ذات المواصفات التكنولوجية العالية ( مشروع TGVرغم ما
يمكن أن يرتبط به من نقاش ،و مشاريع الطاقة الريحية و الشمسية نموذجا) .فانخراط المهندسين
المغاربة في هذه المشاريع سيمكن من االرتقاء بمعارفهم من جهة ،و من جهة أخرى االنفتاح
على آخر التقنيات على الصعيد العالمي مما يسمح بمواكبة التطورات التكنولوجية و المعرفية
بشكل عملي و آني.
وبالتالي يمكن أن نخلص إلى أن المغرب كون و اليزال اآلالف من المهندسات و المهندسين في
جميع المجاالت العلمية و التكنولوجية ،وهي طاقات جبارة ال يتم استغالل إال النزر اليسير من
إمكانياتها .و في هذا الصدد من شأن االلتفات لها و فسح المجال أمامها ألداء األدوار التي يقوم
بها نظرائهم في الدول المتقدمة ،أن يفتح أمام بالدنا مجاال رحبا لإلبداع و التطوير ،بما يمكننا
من استثمار أمثل ألهم ثروة وطنية وهي ثروة مادتنا الرمادية الثاوية في عقول أطرنا الوطنية.