You are on page 1of 8

‫إن الحديث عن أهمية العلم والبحث العلمي‪ ،‬ودورهما في التنمية والتقدم‪ ،‬حديث قديم‬

‫يضرب بجذوره في القدم ‪ ،‬وفي نفس الوقت حديث جديد متجدد عبر الزمان والمكان‬
‫للدرجة التي أصبح من البديهيات التي ال داعي لتكرارها‪ ،‬والتأكيد عليها‪ ،‬وليس أدل‬
‫على ذلك من أن موقع أي دوله على سلم التقدم والحضارة يقاس بمدى تطورها في‬
‫هذا المجال ‪.‬‬
‫إن التقدم الهائل السريع الذي يشهده العالم اليوم له أسباب كثيرة‪ ،‬يقف في مقدمتها‬
‫اإلهتمام الشديد بالبحث العلمي‪ ،‬ففي الوقت الذي تقف فيه المشروعات العربية‪ ،‬في‬
‫مجال البحث والتطوير‪ ،‬عند عتبة الدعاية البعيدة عن جدية اإلنجاز‪ ،‬أو عند باب‬
‫"الترف األكاديمي" فحسب‪ ،‬نجد أن دول العالم المتقدم تكرس الكثير والوفير من‬
‫إمكاناتها لدعم البحث والتجارب العلمية المختلفة من أجل التطوير‪ ،‬ومن أجل مستقبل‬
‫أكثر ثباتاً‪.‬‬
‫فالبحث العلمي في المجتمعات المتقدمة يجد "الدعم" السخي من المؤسسات الرسمية‬
‫وغير الرسمية المستفيدة‪ ،‬ألنه ‪ ،‬يُتر َجم أو يتحول في العموم إلى "منتج" استثماري‬
‫داعم للتنمية االقتصادية واالجتماعية‪ .‬فالبحث العلمي‪ ،‬في هذه الحالة‪ ،‬وبهذا المعنى‪،‬‬
‫هو "استثمار" وليس ترفا ً أكاديميا ً عشوائياً‪ .‬وال نظن أن البحث العلمي في عالمنا‬
‫العربي سيشهد االزدهار المأمول ما لم يعالج الخلل الكبير الذي لم يترك له أي فرصة‬
‫ليأخذ المكان األحق به اهتماما ً‪ ،‬وأهمية‪ ،‬فيكون أحد أهم عوامل التنمية والتطور‪.‬‬
‫إن الحديث عن أهمية العلم والبحث العلمي‪ ،‬ودورهما في التنمية والتقدم‪ ،‬حديث‬
‫قديم يضرب بجذوره منذ تاريخ العلم والبحث العلمي‪ ،‬وفي نفس الوقت حديث جديد‬
‫متجدد عبر الزمان والمكان للدرجة التي أصبح من البديهيات التي ال داعي لتكرارها‪،‬‬
‫والتأكيد عليها‪ ،‬وليس أدل على ذلك من أن موقع أي دوله على سلم التقدم والحضارة‬
‫مرهون بمدى ودرجة تقدمها في مختلف مجاالت العلم والبحث العلمي بشقة الطبيعي‬
‫واالجتماعي؛ فما نشهده اليوم ونلمس آثاره على كافة األصعدة والمستويات وفى‬
‫مختلف األنشطة والمجاالت وليد الثورة العلمية‪ ،‬والتي تترجم لمنجزات تكنولوجية‬
‫تستخدم وتوظف في شتى مناحي الحياة‪ .‬فالعالقة أضحت جدلية‪ ،‬تفاعلية ما بين‬
‫إستخدام وتوظيف نتائج البحث العلمي ‪ -‬بغض النظر عن مجاله ‪ -‬وبين التقدم‬
‫البشرى والهيمنة على الطبيعة والتخطيط للحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫وال يخفى االرتباط الوثيق والتفاعل المفترض بين البحث العلمي وتطبيقاته‬
‫التكنولوجية‪ ،‬بالتنمية الوطنية واإلعمار‪ ،‬ويبدو أن الدول المتقدمة صناعيا؛ بارعة في‬
‫ترسيخ هذا اإلرتباط واالستفادة منه ألقصى الحدود؛ حيث يعود التحسن في مستوى‬
‫معيشة أفرادها بنسبة ‪ 60‬إلى ‪ %80‬إلى التقدم العلمي والتقني؛ بينما يعزى هذا‬
‫التحسن بنسبة ‪ 20‬إلى ‪ %40‬إلى وجود رأس المال‪.‬‬
‫وهذا ما تؤكده العديد من التجارب العالمية في كل من كوريا الجنوبية والصين‬
‫وماليزيا‪..‬؛ التي إستثمرت خاللها اإلمكانات المذهلة التي يتيحها هذا الحقل وما‬
‫يرتبط به من تقدم علمي؛ بشكل فعال لصالح تطور وتنمية ورفاهية المجتمع في‬
‫مختلف الميادين والمجاالت‪ ،‬وما يتبع ذلك من حث وتشجيع على البحث واإلبتكار‬
‫وإستثمارهما على أحسن وجه‪.‬‬
‫فالدول التي تعرف كيف تطبق مخرجات البحث العلمي؛ نجدها دائما تحتل مكان‬
‫الصدارة في مجاالت عديدة؛ مثل تصنيع اآلالت واألجهزة الحربية‪ ،‬وهذا يجعلها‬
‫تتفوق عسكريا؛ وتكثرمساهماتها الثقافية والعلمية في الحضارة اإلنسانية‪ ،‬أو في مجال‬
‫تقديم الخدمات المتنوعة لمواطنيها وفق أحدث األساليب‪ ،‬أو في نموها االقتصادي‬
‫وبناء المصانع وزيادة اإلنتاج وحسن إستغالل الموارد الطبيعية‪.‬‬
‫أنه أصبح واضحا‪ ،‬ومقبوال بصورة عامة‪ ،‬أن المعرفة هي العنصر الرئيسي في‬
‫اإلنتاج‪ ،‬والمحدد األساسي لإلنتاجية‪ ،‬ورأس المال البشري‪.‬وعليه فقد أكد التقرير أن‬
‫قلة المعرفة وركود تطورها يحكمان على البلدان التي تعانيهما بضعف القدرة اإلنتاجية‬
‫وتضاؤل فرص التنمية ‪.‬‬
‫من جهة أخرى؛ فإن مسألة عالقة البحث العلمي بالتنمية اإلجتماعية تضعنا من جديد‪،‬‬
‫أمام المالحظة الجديرة بالتأمل والفحص وإعادة التركيب‪ ،‬وهي المالحظة التي ما يفتأ‬
‫يلوك الحديث فيها كثيرون اليوم‪ ،‬ونعني بتلك المالحظة مسألة تعميق االرتباط بين‬
‫الجامعة والبحث العلمي من جهة‪ ،‬والمجتمع من الجهة األخرى‪ ،‬فاألطروحة التي‬
‫مازال يلح عليها المثقفون من خارج الجامعة‪ ،‬هي أنهما‪ ،‬أي الجامعة ومراكز البحث‬
‫العلمي ظلتا تعيشان واقع إنفصال مخيف عن المجتمع‪ ،‬فهما بعيدتان عن مشكالته‪،‬‬
‫وعن طموحاته وتطلعاته‪ ،‬وعن احتياجاته الصميمية‪ ،‬ولذا فهما مصابتان بحالة يائسة‬
‫من العقم‪ ،‬وهما ال تضطلعان بأي مسؤولية اجتماعية حقيقية‪ ،‬والسيما من حيث‬
‫اإلسهام في قيادة المجتمع نحو رفاهية اإلنتاج‪ ،‬ومن حيث األخذ بيده نحو مزيد من‬
‫تطوير مفهوماته تجاه الحياة‪ ،‬وتجاه عالقاته بالكون واألشياء‪ .‬والسبب في كل ذلك‬
‫ليس سرا ً من األسرار‪،‬فالذي يعرقل دور الجامعة – بإعتبارها منارة العلم والبحث‬
‫العلمي‪ -‬في المجتمع‪ ،‬هو أن هناك خوف أو توجس من تدخل ‪ -‬الجامعة ومراكز‬
‫البحث ومخابره ووكاالته ‪ -‬في التنمية اإلجتماعية‪ ،‬فيرون في ذلك تجاوزا ً ألهدافها‬
‫التعليمية!‪، ،‬فيعمدون إلى تكريس المفهوم "الباهت " للعلم والتعليم وهو أن تتخذ‬
‫الجامعة وبحوثها العلمية موقفا ً محايدا ً من التنمية " وذلك لكي تؤدي مهمتها العلمية‬
‫في هدوء وإبداع!! ؟؟" و اإلستمرارفي إنتاج مخرجات ال تجد مكان لها في سوق‬
‫العمل واإلنتاج ‪ ،‬متناسين أنه ينبغي أن يكون للجامعة والبحث العلمي فيها دور ناهض‬
‫في تحسن وتطوير المجتمعات‪ .‬فنظرتهم للجامعة هي نظرة نسقية مغلقة ال مكان‬
‫لالبداع واالبتكار فيها‬
‫إ ذا كانت العديد من اآلراء واالتجاهات تربط التنمية أساسا باالعتبارات‬
‫االقتصادية؛ فإن اإلنسان يظل من الناحية االفتراضية هو محور كل تنمية حقيقية؛‬
‫فهو وسيلتها الرئيسية كما هو هدفها في آخر المطاف؛ بحيث ينبغي أن تنصب على‬
‫تأهيله وتمكينه من مختلف المقومات العلمية والعملية واالجتماعية واالقتصادية‬
‫ويعتبر البحث العلمي أحد المداخل الرئيسية التي تدعم بلورة تنمية إنسانية حقيقية‪.‬‬
‫وتعتبر العديد من األقطار العربية من ضمن أكثر األقطار حاجة إلى تطوير‬
‫البحث العلمي والمراهنة عليه في تنميتها؛ وذلك بالنظر إلى مجموعة من االختالالت‬
‫التي تعتري هذا القطاع الحيوي؛ فاالعتمادات المالية المرصودة له داخل عدد من هذه‬
‫الدول لم تصل بعد ‪ 1‬بالمائة من الناتج الداخلي الخام؛ وهي نسبة ضعيفة وتبتعد كثيرا‬
‫عن المعدل العالمي المحددة في ‪ 2.3‬بالمائة‪ ،‬تؤثر بشكل سلبي على البنيات التحية‬
‫المرتبطة بهذا الشأن؛ حيث تظل في مجملها تقليدية وغير كافية‪.‬‬
‫وأعتبرت أيضا أن المشكلة في الجزائر تكمن أساسا في وجود بحوث وغياب من‬
‫يستهلكها‪ ،‬ذلك أن المؤسسات الوطنية العامة أو الخاصة ما زالت تعتبر البحث العلمي‬
‫ثانويا في نشاطها‪ ،‬إذ من المفروض أن يكون البحث العلمي في قلب الرهان بالنسبة‬
‫للمؤسسات‪ ،‬وأن تبذل الجهود من أجل أن يكون لكل مؤسسة فرعها الخاص لتطوير‬
‫البحوث ‪ ،‬وأن تخصص ضمن ميزانياتها ميزانية مستقلة للبحث لجعل منتجاتها في‬
‫مستوى المنافسة"‪.‬‬
‫إضافة إلى البيروقراطية والمشكالت اإلدارية والتنظيمية‪ ،‬والفساد المالي واإلداري‬
‫في مؤسسات البحث العلمي الحكومية ‪ ،‬إلى جانب هذا تأخر عملية نقل المعلومة التقنية‬
‫من الدول المتقدمة إلى الدول العربية‪ ،‬و بقاء كثير من مراكز البحوث العربية تحت‬
‫قيادات قديمة مترهلة‪ ،‬غير مدركة ألبعاد التقدم العالمي في ميادين البحث العلمي‪ ،‬ال‬
‫سيما في العلوم التكنولوجية والطبيعية ‪،‬وإهمال التدريب المستمر للباحثين ‪ ،‬بل قد‬
‫وصل حال كثير من مؤسسات البحث العلمي إلى تهميش الكوادر البحثية التي ال تتفق‬
‫وسياسية السلطة أو إمكاناتها‪ ،‬ومن ثم يتم تهجير ‪ -‬أو هجرة ‪ -‬هذه العقول إلى الدول‬
‫الغربية ‪ ،‬لتجد هذه العقول البيئة العلمية المناسبة لها‪ ،‬والمعززة لمواهبها‪ ،‬والداعمة‬
‫ألفكارها االبتكارية ‪.‬‬
‫باالضافة الى ما سبق وإذا ما أردنا أن نطرق العوائق التي تعترض البحث العلمي في‬
‫العالم العربي عامة وفي الجزائر بصفة خاصة وفي المجاالت اإلنسانية واالجتماعية‬
‫‪:‬‬ ‫من‬ ‫تعاني‬ ‫تراها‬
‫* قلة المؤهلين في أساسيات البحث العلمي ومتطلبات تطبيقه فإذا كان معدل الباحثين‬
‫المؤهلين في الدول المتقدمة ‪ 3000‬باحث لكل مليون نسمة من السكان فإن ذلك حلم‬
‫بعيد المنال بسبب النمطية‪ ،‬والبيروقراطية‪ ،‬وضعف التمويل‪ ،‬وإنعدام إستراتيجية‬
‫واضحة للبحوث‬
‫قلة الموارد المالية المخصصة للبحث العلمي وذلك نابع من عدم االهتمام بالبحث‬
‫واالستهانة بقيمه التنموية على حياة الفرد والمجتمع‪،‬‬
‫عدم وجود إمكانيات تساعد الباحثين مثل المختبرات الحديثة والموارد البشرية‬
‫واألجهزة المتقدمة التي تنشط الباحثين وتسند طموحاتهم كما يشمل ذلك عدم وجود‬
‫بيانات متجددة عن النشاط البحثي ومن قاموا به وما الذي جرى تطبيقه من البحوث‬
‫المنجزة‪.‬‬
‫*عدم تسويق النشاط البحثي‪ ،‬وذلك بالترويج للبحوث الناجحة بين المستفيدين منها‬
‫في المجال التطبيقي في الصناعة‪ ،‬والتجارة‪ ،‬وتطوير المؤسسات والمنشآت‬
‫باآلخرين‪.‬‬ ‫ليلحق‬ ‫المجتمع‬ ‫بحياة‬ ‫يرقى‬ ‫مما‬ ‫االجتماعية‪،‬‬
‫التقليل من قيمة البحث العلمي‪ :‬ال تزال بعض الدول العربية أو بعض اإلدارات فيها‬
‫ال تعي قيمة البحث العلمي‪ ،‬وبالتالي ال تعمل جاهده على تمكين البحث العلمي‬
‫وتيسير أموره‪ ،‬فهي ترى أنه ترف فكري أو علمي وليس هناك داعي إلضاعة المال‬
‫والوقت على البحوث العلمية‪ ،‬وهذه اإلشكالية تنعكس على نقاط أخرى كثيرة في‬
‫إجراءات البحث العلمي‪.‬‬
‫* تعذر الوصول إلى بعض أوعية المعلومات خاصة في اإلدارات الحكومية التي‬
‫تضع عراقيل أمام الباحثين أو في الدول التي تمارس حجب بعض مواقع اإلنترنت‪.‬‬

‫مشروع "السحابة" اإللكترونية يروم منها أبو تاج الدين العمل على "رقمنة" الجامعة‬
‫المغربية‪ ،‬وانفتاحها على محيطها الدولي من حيث التكنولوجيات الحديثة‪ ،‬بهدف‬
‫الرقي بالجامعة في البالد‪ ،‬وتشبيكها بمختلف التقنيات المتطورة ذات الصبغة العلمية‬
‫والمعرفية‪ ،‬وذلك في خضم غياب المؤسسات الجامعية المغربية من قائمة أفضل‬
‫الجامعات بالعالم‪.‬‬
‫وفي اطارهذه المبادرة‪ ،‬سيتم تطوير العديد من اإلجراءات‪:‬‬
‫‪ -‬أنشطة التوعية لتعزيز نتائج البحوث‬
‫‪ -‬جائزة االبتكار للباحثين الشباب‬
‫‪ -‬تكوين الخبراء في مجال تقييم نتائج األبحاث وتسويقها‬
‫‪ -‬مرافقة الباحثين حاملي مشاريع مبتكرة لخلق األعمال‬
‫‪ -‬مرافقة أصحاب براءات االختراع الستغالل نتائجها أو تسويقها‬

‫للبحث العلمي في المغرب سمة أساسية تتجلى في انفتاحه المطلق على مختلف دول‬
‫العالم‪ ،‬ومن ضمنها كافة الدول العربية دون استثناء‪،‬‬
‫حرص المغرب على توسيع قاعدة شركائه وتنويعها منذ بداية األلفية الجديدة‪.‬‬
‫لتراجع البارز لإلنتاج العلمي المشترك بين الجامعيين المغاربة والجامعيين الفرنسيين‬
‫‪-‬كشركاء تقليديين للمغرب‬
‫ت ّم تسجيل ارتفاع ملموس لمقاالت مشتركة بين باحثين مغاربة ونظرائهم في دول‬
‫أخرى غير ناطقة بالفرنسية‪ ،‬من بينها إسبانيا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا‬
‫ويُعزى هذا التحول حسب مدير المركز إلى عدة أسباب‪ ،‬منها تراجع استعمال اللغة‬
‫الفرنسية في مجال البحث العلمي لفائدة اللغة اإلنجليزية‪ ،‬وهي لغة الباحثين بامتياز‬
‫سواء في العالم العربي أو خارجه‪ ،‬وقد تفسر جزءا من رغبة الباحثين المغاربة في‬
‫التوجه نحو آفاق أرحب‪.‬‬
‫هذا التقلص قابله تطور عالقات التعاون العلمي بين المغرب وباقي الدول العربية‪،‬‬
‫مبينا أنها عرفت بدورها انتعاشا ملحوظا‪.‬‬
‫بين عامي ‪ 2005‬و‪ 2014‬نشر الباحثين المغاربة مع زمالئهم في المنطقة‬
‫العربية ‪ 1322‬مقالة علمية مشتركة‪.‬‬
‫أن المغرب يسعى إلى عدم تكرار أخطاء الماضي بترك طلبته المتميزين في مختلف‬
‫العلوم عرضة لالستقطاب "العشوائي" من طرف جامعات ومراكز األبحاث‪.‬‬
‫لوحظ في السنوات األخيرة تحركات لدول من أجل استقطاب طلبة باحثين مغاربة‬
‫وإغرائهم بشتى الوسائل لتعزيز فرق التدريس والبحث في جامعاتها‪.‬‬
‫إذا كان العلم ال يؤمن بالحدود فهذا ال يمنع المشرفين عليه من وضع آليات تنظم‬
‫وتقنن حركية الباحثين‪ ،‬أن هذا المعطى ستكون له انعكاسات حسنة إذا ما تم‬
‫اعتماد تأطير مشترك لهؤالء الباحثين الشباب يساهم فيه المغرب والمؤسسات‬
‫المضيفة‪ ،‬وهي الوسيلة المثلى "لتحويل" كفاءاتهم نحو زمالئهم في المغرب‪.‬‬
‫أن هذه اإلجراءات وغيرها هي الكفيلة بإبراز درجة مساهمة الباحثين المغاربة‪ ،‬ليس‬
‫فقط في تحسين التصنيف العالمي للجامعات المغربية والعربية عموما‪ ،‬ولكن أيضا‬
‫في النهوض علميا بالمنطقة العربية برمتها‪.‬‬
‫المهندس والبحث والتطوير العلمي والتكنولوجي‬
‫ليس من المصادفة أن يرتبط تقدم األمم وازدهارها بمدى تقدم مستوى البحث والتطوير العلمي‬
‫والتكنولوجي بها‪ ،‬فهو أبعد ما يكون عن مجرد وسيلة لتطوير المعارف التقنية و تفعيل النبوغ‬
‫البشري‪ .‬ذلك أن هذا البحث يشكل أرضية مؤسسة لمدى تملك األمم من وسائل إنتاج المعرفة و‬
‫بالتالي توفير الشرط الموضوعي لتأهيل وسائل اإلنتاج و على رأسها المقاولة سواء كانت فالحية‬
‫أو صناعية أو خدماتية‪.‬‬

‫من ناحية أخرى‪ ،‬ال يمكن تناول موضوع البحث و التطوير العلمي دون استحضار المعنيين به‬
‫من أساتذة و باحثين و مهندسين‪ .‬في هذا اإلطار يمكن أن نتساءل‪ ،‬بشكل خاص‪ ،‬عن أي دور‬
‫للمهندسين في هذا الميدان‪ ،‬علما أن مسألة البحث و التطوير العلمي ال يمكن أن تحقق اآلمال‬
‫المرجوة دون إشراك و انخراط فعال لهذه الفئة‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬وقبل الوقوف على كيفية تفعيل دور المهندس في ميدان االبتكار و التطوير البد من التذكير‬
‫بالدور التاريخي للعلوم الهندسية في تقدم المجتمعات البشرية‪ .‬فقد كان للهندسة و للمهندسين‬
‫عبر التاريخ دورا محوريا في تشييد صرح الحضارة اإلنسانية‪ ،‬لدرجة أنه من الصعب رسم مالمح‬
‫التطور اإلنساني بعيدا عن تطور العلوم الهندسية‪ .‬فإذا كان من األكيد أن التقدم البشري هو في‬
‫النهاية نتيجة تراكمات معرفية على مجموعة من األصعدة الثقافية و الفكرية و القانونية و‬
‫االجتماعية و االقتصادية و العلمية ‪ ،‬إال أنه يمكن الجزم أن المنتوج الهندسي هو في المحصلة‬
‫ثمار التقدم البشري على هذه األصعدة كافة‪.‬‬

‫فالمهندس هو الذي يترجم محصلة النظريات العلمية و التقنية إلى مسائل و أدوات ذات تطبيق‬
‫مباشر يهم الحياة اليومية للناس‪ .‬و هنا بالضبط يكمن الفرق بين المهندس من جهة‪ ،‬و من جهة‬
‫أخرى العالم أو الباحث في الفيزياء أو الكيمياء أو غيرهما من العلوم الدقيقة‪ .‬فبفضل التكامل بين‬
‫العالم الباحث و المهندس تمكنت اإلنسانية من تحقيق هذا التطور الذي نشهده اليوم منذ الحضارة‬
‫البابلية و الصينية مرورا بالفرعونية واليونانية والعربية اإلسالمية واألوربية‪ ،‬فحضارة اليوم‬
‫التي تعرف تألقا منقطع النظير و قطيعة كبرى مع كل ما سبق‪ ،‬بفضل كم هائل من االبتكارات‬
‫واالختراعات في الميدان التكنولوجي والمعلوماتي وميدان االتصاالت فضال عن الفروع‬
‫الكالسيكية للهندسة من فالحة وميكانيك وكهرباء وهندسة مدنية‪.‬‬

‫وطنيا‪ ،‬يواجه النسيج االقتصادي الوطني ضعف ارتباطه بالبحث والتطوير العلمي وعدم‬
‫استيعابه ألهمية الدور الريادي للمهندس في هذا المضمار‪ .‬ذلك أن التمكن من اقتصاد المعرفة‬
‫ومستوى أدنى من البحث والتطوير العلمي أصبحا محددا أساسيا لتنافسية المقاولة‪ ،‬وبالتالي‬
‫وسيلة ناجعة لتقوية االقتصاد الوطني وضمان التنمية المستدامة‪.‬‬

‫وبالرغم من ذلك‪ ،‬سيكون من اإلجحاف التغاضي عما راكمه المهندس المغربي في سبيل وضع‬
‫المغرب الحديث على سكة التقدم العلمي والتكنولوجي‪ .‬وفي هذا الصدد يمكن الجزم أن هذا‬
‫المهندس تمكن من أداء جزء أساسي من مهمته‪ ،‬حيث أن الشأن التقني و الهندسي الوطني تدبره‬
‫أطر محلية تشرف على األغلبية الساحقة من القطاعات الحيوية‪ ،‬من الهندسة الزراعية إلى‬
‫المناجم والتعدين (على سبيل المثال‪ :‬العمالق الوطني للصناعة الفوسفاطية يديره أطر و‬
‫مهندسون جميعهم مغاربة)‪ ،‬إلى قطاعات البناء و التشييد و الصناعة والتكنولوجيات الحديثة‪.‬‬
‫فما يلمسه المواطن العادي في حياته اليومية من مظاهر التطور و الحضارة ما هو في الحقيقة‬
‫إال نتاج لهذا المجهود المتواصل‪.‬‬

‫فالمغرب و منذ فجر االستقالل استشعر أن بناء الدولة الحديثة يتطلب تأهيل أطر هندسة وطنية‬
‫قادرة على المواكبة‪ ،‬فكان تأسيس المدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط سنة ‪ ،1959‬في عهد‬
‫الحكومة الوطنية التي ترأسها األستاذ عبد هللا إبراهيم‪ ،‬و بعدها توالت المجهودات على مختلف‬
‫األصعدة‪ ،‬خاصة في الجانب المتعلق بمدارس التكوين‪ ،‬و الذي أخذ موخرا بعدا جهويا بعد أن‬
‫كانت مدارس التكوين في وقت سابق مقتصرة على مدينتي الرباط و الدارالبيضاء‪.‬‬

‫إال أن هذا المجهود المبذول من طرف الدولة و مختلف الفاعلين يصطدم بالكثير من الصعاب‬
‫التي تحد دور المهندس من إمكانية االضطالع بأدواره عموما و بتلك المرتبة بالبحث و االبتكار‬
‫خصوصا‪ ،‬مما يفوت فرصة تاريخية لضبط إيقاع التقدم التكنولوجي و المعرفي الوطني على‬
‫نظيره بالبلدان المتقدمة‪ .‬و هنا نسجل أن هناك على األقل تحديان أساسيان أمام الهندسة الوطنية‬
‫يتوجب رفعهما‪:‬‬

‫_ التحدي األول‪ :‬هو امتالك رؤية و خارطة طريق لما نريده من الهندسة و من األدوار التي‬
‫نتوخاها منها‪ .‬و هو تحد ال يمكن التقدم على دربه دون التوفر على أداته التنظيمية و هي هيئة‬
‫وطنية مشرفة على المسألة الهندسي‪.‬‬

‫_ والثاني ‪ :‬هو كيفية تبييئ العلم و التكنولوجية و امتالك ناصية اإلبداع و االبتكار للمرور من‬
‫مرحلة االستهالك التكنولوجي إلى مرحلة اإلنتاج و التطوير‪.‬‬

‫هنا يتضح أنه باإلضافة إلى تحدي بلورة رؤية حول الهندسة و التي ترتبط بمطلب إنشاء هيئة‬
‫وطنية للمهن الهندسية على غرار التجارب العالمية‪ ،‬هناك التحدي المرتبط بتبييئ الهندسة‪ ،‬و‬
‫الذي يرتكز باألساس على مجهود اإلبداع و االبتكار في الميدان الهندسي‪ .‬فهذا الجانب من البحث‬
‫العملي التطبيقي يجب أن يحظى بدعم أكبر من طرف الدولة التي ال تساهم حاليا إال ب ‪ 5.6‬مليار‬
‫درهم في مجهود البحث و التطوير أي ‪ 0.73 %‬في المئة من الناتج الوطني الخام ( مقابل‬
‫‪ 2.33%‬في البلدان المتقدمة و ‪ 4.25%‬في الكيان الصهيوني و ‪ 2.21 %‬في فرنسا)‪.‬‬

‫لذلك فنجاح مهمة المهندس في ميدان االبتكار و التطوير العلمي مرتبط برفع الرهانات التالية‪:‬‬

‫‪ -‬توفير إطار قانوني مشجع للبحث الهندسي عبر إخراج اإلطار الجديد لألستاذ الباحث و بخلق‬
‫إطار مهندس باحث و عبر تمكين ميدان البحث الهندسي خصوصا و البحث العلمي عموما من‬
‫أكبر‪.‬‬ ‫ميزانية‬
‫‪ -‬خلق شراكات بين مدارس المهندسين و المقاوالت لخلق الدينامية الالزمة لربط االبتكار‬
‫بحاجيات حقيقية لدى المقاوالت الصناعية و غيرها‪ .‬فالمطلوب هو تصحيح الوضع الحالي بجعل‬
‫مدارس المهندسين تدعم مجهود البحث و التطوير التي تقوم بها المقاوالت بدل العكس‪ .‬كما‬
‫يتطلب تشجيع الطلبة المهندسين على خلق مشاريعهم الخاصة و المبتكرة‬
‫‪ -‬تعزيز التكامل و تكاثف الجهود بين مدارس المهندسين لالستفادة من التجارب و الخبرات و‬
‫لخلق دينامية وطنية في هذا اإلطار‪ ،‬و كذا االنفتاح على التنظيمات و الهيئات الهندسية التي يمكن‬
‫المجال‪.‬‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫نوعية‬ ‫إضافة‬ ‫تشكل‬ ‫أن‬
‫‪ -‬تعزيز وسائل التحويل التكنولوجي عبر التنصيص على حد أدنى من نسبة األطر الوطنية في‬
‫إدارة مشاريع الشركات األجنبية ذات المواصفات التكنولوجية العالية ( مشروع‪ TGV‬رغم ما‬
‫يمكن أن يرتبط به من نقاش‪ ،‬و مشاريع الطاقة الريحية و الشمسية نموذجا)‪ .‬فانخراط المهندسين‬
‫المغاربة في هذه المشاريع سيمكن من االرتقاء بمعارفهم من جهة‪ ،‬و من جهة أخرى االنفتاح‬
‫على آخر التقنيات على الصعيد العالمي مما يسمح بمواكبة التطورات التكنولوجية و المعرفية‬
‫بشكل عملي و آني‪.‬‬

‫وبالتالي يمكن أن نخلص إلى أن المغرب كون و اليزال اآلالف من المهندسات و المهندسين في‬
‫جميع المجاالت العلمية و التكنولوجية‪ ،‬وهي طاقات جبارة ال يتم استغالل إال النزر اليسير من‬
‫إمكانياتها‪ .‬و في هذا الصدد من شأن االلتفات لها و فسح المجال أمامها ألداء األدوار التي يقوم‬
‫بها نظرائهم في الدول المتقدمة‪ ،‬أن يفتح أمام بالدنا مجاال رحبا لإلبداع و التطوير‪ ،‬بما يمكننا‬
‫من استثمار أمثل ألهم ثروة وطنية وهي ثروة مادتنا الرمادية الثاوية في عقول أطرنا الوطنية‪.‬‬

You might also like