You are on page 1of 240

5


  

‫ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺍﻟﺮﺍﻓﺪ ﻟﻠﻤﻄﺒﻮﻋﺎﺕ‬



 

 
‫املقدمة‬

‫ٍ‬
‫كراس صغري بعنوان رأس‬ ‫يف بداية التسعينات من القرن املايض اطلعت عىل‬
‫احلسين لش�يخ اإلسلام أمحد بن عب�د احلليم بن تيمي�ة احلراين‪ ،‬ف�كان اهتاممي‬
‫ب�ه بقدر ما كان لش�يخ اإلسلام من ش�هرة و م�ا يلقى من اهتامم ل�دى الباحثني‬
‫والدارسين على مس�توى سيرته وآرائ�ه‪ ،‬وكال املس�تويني ال خيلو م�ن حمطات‬
‫ومنعطف�ات ونظري�ات ينف�رد هب�ا الش�يخ عن غيره من علماء اإلسلام بكافة‬
‫مذاهبهم واجتاهاهتم‪.‬‬
‫واملسألة األساسية التي يعاجلها يف هذه الرسالة مسألة املكان واملثوى األخري‬
‫لرأس احلسين‪ 5‬بعد أن تعددت اآلراء واملش�اهد واملساجد التي تنسب إىل‬
‫الرأس الرشيف يف ٍ‬
‫بالد متعددة وأماكن متباعدة‪ ،‬وكل ما يف الرسالة جواب عىل‬
‫سؤال يستفهم فيه عن املشهد املوجود يف القاهرة لرأس احلسني‪.5‬‬
‫وعلى الرغ�م من بع�ض اآلراء املقبول�ة واملعقول�ة فيام أجاب به الش�يخ وما‬
‫ع�رض م�ن أدلة ومقاربات عقلية‪ ،‬إال أن جانب ًا ال يس�تهان به من كالمه يش�كل‬
‫صدم ًة لدى القارئ ملا فيه من مفاجئات تس�تفز كل من يطلع عليها بغض النظر‬
‫ع�ن املس�توى العلم�ي والثقايف أو االنتماء الدين�ي واملذهبي‪ ،‬ملا فيها م�ن إنكا ٍر‬
‫حلوادث ووقائع أمجع عليها املس�لمون وتساملت عليها أجياهلم وأثبتها علامؤهم‬
‫عىل اختالف نحلم واختصاصاهتم‪ .‬وقد اخرتنا نصني كنموذج هلذه اآلراء املثرية‬
‫‪6‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫للعجب واالستغراب التي انفرد هبا شيخ اإلسالم عن املتقدمني واملتأخرين من‬
‫أهل العلم والتحقيق‪ ،‬سوى بعض الذين قلدوا الشيخ يف أقواله فنقلوها باحلرف‬
‫الواحد يف كتاباهتم مع نسبتها إليه أو عدمها‪.‬‬
‫النص األول يعالج مسألة نقل رأس احلسني‪ 5‬وسبايا آل الرسول‪3‬‬
‫إىل الش�ام وم�ا جرى هلم فيها من حوادث حيث ق�ال‪( :‬ويف اجلملة فام يعرف يف‬
‫اإلسلام أن املسلمني س�بوا امرأة يعرفون أهنا هاشمية‪ ،‬وال سبى عيال احلسني‪،‬‬
‫ب�ل مل�ا دخلوا إىل بي�ت يزيد قامت النياح�ة يف بيته وأكرمهم وخريه�م بني املقام‬
‫عنده والذهاب إىل املدينة‪ ،‬فاختاروا الرجوع إىل املدينة‪ ،‬وال طيف برأس احلسني‬
‫وهذه احلوادث فيها من األكاذيب ما ليس هذا موضع بسطه)‪.‬‬
‫والنص الثاين يصف فيه الش�يخ رواة هذه احل�وادث وناقليها‪( :‬ومن املعلوم‬
‫أن الزبير بن بكار‪ ،‬صاحب كتاب األنس�اب‪ ،‬وحممد بن س�عد كاتب الواقدي‪،‬‬
‫صاح�ب الطبق�ات ونحومها من املع�روف بالعلم والثقة واالطلاع‪ :‬أعلم هبذا‬
‫الباب‪ ،‬وأصدق فيما ينقلون به من املجاهليل والكذابني‪ ،‬وبعض أهل التواريخ‬
‫الذين ال يوثق بعلمهم وال أصدقهم‪ ،‬بل قد يكون الرجل صادق ًا‪ ،‬ولكن ال خربة‬
‫ل�ه باألس�انيد‪ ،‬حتى يميز بين املقبول وامل�ردود‪ ،‬أو يكون يسء احلف�ظ أو مته ًام‬
‫بالكذب‪ ،‬أو بالتزيد يف الرواية‪ ،‬كحال كثري من اإلخبارين واملؤرخني‪ ،‬وال س�يام‬
‫إذا كان مثل أيب خمنف لوط بن حييى وأمثاله)‪.‬‬
‫ومن�ذ ذل�ك احلني علقت يف ذهني فك�رة متابعة األح�داث والوقائع املتعلقة‬
‫باحلادثة للتعرف عىل مدى ما ذكره الشيخ يف جوابه من جهة‪ ،‬إضاف ًة إىل الرغبة يف‬
‫االطالع عىل أحوال الرواة واملؤرخني واملحدثني الذين وصفهم الشيخ بالكذب‬
‫ٍ‬
‫وبأوص�اف أخرى تار ًة أخرى‪ ،‬ومع ما توصلن�ا إليه من نتائج وما‬ ‫واجله�ل تار ًة‬
‫عرضنا من نصوص ووقائع ال بد من التنبيه إىل أن هذا العمل املتواضع املخترص‬
‫ال يعد رد ًا أو جواب ًا ملا طرحه شيخ اإلسالم‪ ،‬وإنام كانت آراؤه حافز ًا وسبب ًا جعل‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 7‬‬

‫املوضوع يف دائرة االهتامم حتى تم إنجازه هبذه الصورة‪.‬‬


‫كام نرغب باإلشارة إىل أن الكتاب يتضمن مخسة فصول أوهلا ما جرى لرأس‬
‫احلسين‪ 5‬يف كربالء‪ ،‬والثاين وقائع نقله وحوادث نصبه وعرضه يف جمالس‬
‫الكوفة بني يدي واليها عبيد اهلل بن زياد‪ ،‬والثالث محله إىل الشام وما جرى عليه‬
‫فيه�ا بني ي�دي يزيد بن معاوية‪ ،‬وخصصنا الفصل الراب�ع لآلراء التي وردت يف‬
‫مصري الرأس ومثواه األخري‪ .‬أما الفصل اخلامس فيشتمل عىل التعرض باختصار‬
‫ملجموعة من الرؤوس التي شاركت رأس احلسني‪ 5‬فيام مر به أو التي قطعت‬
‫بسبب ما جرى عليه أو التي كان هلا نوع عالقة برأس احلسني‪.5‬‬
‫وأخير ًا ال ب�أس بالتأكيد عىل أن ما بني دفتي الكت�اب يمثل حماول ًة أقرب إىل‬
‫التحقي�ق منه�ا إىل أن�واع التأليف األخ�رى وإن تعمدنا جتنب حش�د املصادر يف‬
‫ختريج النص الواحد‪.‬‬
‫كام ال ندعي أن العمل مس�توعب وش�امل لكل أطراف املوضوع وتش�عباته‬
‫وإنما ال نرتدد يف القول أنه عالج املس�احة األوس�ع من األح�داث والوقائع وما‬
‫زال للبح�ث فيه متس�ع‪ ،‬ولالس�تقصاء جم�ال‪ ،‬إال أن الظ�روف والواقع املحيط‬
‫ساهم يف رسم حدود العمل‪ ،‬ولعل للتوسع فرصة أخرى إن شاء اهلل‪.‬‬
‫الف�صل الأول‬
‫يف كربالء‬
‫طلب ر�أ�س احل�سني‬

‫أنجز معاوية ما أراده يف أخذ البيعة ليزيد ووطد له األمور لتنتقل إليه اخلالفة‬
‫ٍ‬
‫بش�كل تلقائي بعد موته‪ ،‬ومن الوصاي�ا التي أكد عليها معاوية وأراد أن يزرعها‬
‫يف وعي ولده خليفة املستقبل هي كيفية التعامل مع بعض الشخصيات البارزة يف‬
‫جمتمع املدينة‪ ،‬وذلك بسبب ما كان يعرفه من البون الشاسع واهلوة السحيقة بني‬
‫ولده يزيد وهذه الشخصيات‪ ،‬وخصوص ًا احلسني بن عيل بن أيب طالب‪.4‬‬
‫وق�د اختلف�ت الروايات التارخيية يف الكيفية الت�ي أوىص هبا معاوية للتعامل‬
‫مع احلسين بني األخ�ذ بالرفق وبني التش�ديد والعنف وبني التروي واحلكمة‪،‬‬
‫وارد وممك�ن وأن�ه ت�رك تقديره للظ�روف املس�تجدة وموقف‬
‫ولع�ل كل ذل�ك ٌ‬
‫احلسني‪ 5‬من خالفة يزيد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بشكل تلقائي يف‬ ‫وبعد هناية معاوية يف عام ستني للهجرة كان يزيد هو اخلليفة‬
‫بالد الشام وإن كان األمر مرفوض ًا يف كافة أرجاء العامل اإلسالمي‪ ،‬الذي أصابه‬
‫هول الصدمة وفداحة اخلطب‪.‬‬
‫وحي�ث أنن�ا نس�تهدف يف ه�ذا العم�ل موضوع� ًا حم�دد ًا وهو متابع�ة رأس‬
‫احلسين‪ 5‬يف تطواف�ه بع�د أن فصل عن جس�ده نعرض ع�ن كل التفاصيل‬
‫واألح�داث التارخيي�ة لتلك احلقبة فهي مفصلة يف كت�ب التاريخ إضاف ًة إىل كثرة‬
‫ٍ‬
‫إش�ارة إىل‬ ‫ما كتب فيها من قبل الباحثني واملؤلفني والعلامء‪ .‬وبذلك نلتقي بأول‬
‫‪12‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫رأس احلسين‪ 5‬يف الكت�اب الذي بعثه يزي�د إىل وايل املدينة ألخذ البيعة من‬
‫وجوهها االجتامعية والدينية وعىل رأسهم احلسني بن عيل بن أيب طالب‪.4‬‬
‫وق�د وردت اإلش�ارة إىل رأس احلسين‪ 5‬يف بع�ض الصور الت�ي نقلتها‬
‫الكت�ب التارخيية بكيفي�ات متفاوتة وصيغ خمتلفة‪ ،‬بل ويفه�م من خالل املتابعة‬
‫إىل أهنا أكثر من رس�الة‪ .‬ومن الصيغ التي وردت فيها اإلش�ارة إىل رأس احلسني‬
‫ورضب عنقه ما رواه اليعقويب يف تارخيه حيث جاء فيه‪:‬‬
‫إذا أتاك كتايب هذا فأحرض احلسني بن عيل وعبد اهلل بن الزبري فخذمها بالبيعة‬
‫يل‪ ،‬وإن امتنع�ا ف�ارضب أعناقهما‪ ،‬وابع�ث إيل برؤوس�هام)(((‪ .‬وكذل�ك نلتقي‬
‫باإلش�ارة إىل رأس احلسين‪ 5‬يف الرواي�ة الت�ي أوردها ابن أعث�م الكويف يف‬
‫ٍ‬
‫رسالة وكتاب إىل وايل املدينة‬ ‫كتاب الفتوح والتي تدل عىل أن يزيد بعث أكثر من‬
‫بخص�وص أخذ البيعة من عامة أهلها ومن الش�خصيات الب�ارزة فيها‪ ،‬فبعد أن‬
‫ينق�ل صورة الرس�الة التي طلب فيها يزيد من الوايل أخ�ذ البيعة من أهل املدينة‬
‫عامة يعرج عىل نقل الرسالة التي ختتص بوجوه القوم واملقدمني يف جمتمع املدينة‪،‬‬
‫والرواي�ة عىل النحو الت�ايل‪ :‬ثم كتب إليه يف صحيفة صغيرة كأهنا أذن فأرة‪ :‬أما‬
‫بعد‪ُ ،‬‬
‫فخذ احلسين بن عيل وعبد الرمحن بن أيب بكر وعبد اهلل بن الزبري وعبد اهلل‬
‫اب�ن عم�ر بن اخلطاب أخذ ًا ليس�ت فيه رخصة‪ ،‬فمن أب�ى عليك منهم فارضب‬
‫عنقه وابعث إيل برأسه(((‪.‬‬

‫الطمع بالجائزة على رأس الحسين‬


‫وتوالت األحداث بشكل متسارع بعد خروج احلسني‪ 5‬من املدينة متوجه ًا‬
‫إىل مك�ة ومن ث�م إىل العراق ليحط رحل�ه يف كربالء يف اليوم الث�اين من املحرم‪،‬‬

‫(( ( تاريخ اليعقويب‪.154/2 :‬‬


‫((( كتاب الفتوح‪ ،‬ألمحد بن أعثم‪.11/5 :‬‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 13‬‬

‫وبعد ثامنية أيام من املناوشات الكالمية كانت نتيجتها إرصار احلسني‪ 5‬عىل‬
‫رف�ض البيعة وعزم الس�لطة عىل تصفيت�ه ومن معه‪ ،‬وقد حش�دت لتلك املهمة‬
‫جيش ًا كبري ًا أقل ما يقال يف تقديره أنه يتألف من أربعة آالف مقاتل‪ ،‬ومل يكن مع‬
‫احلسني‪ 5‬يف كربالء سوى اثنني وسبعني من أهل بيته وأنصاره‪.‬‬
‫وتشري بعض الروايات التارخيية إىل أن جمموعة من أصحاب املطامع ومنتهزي‬
‫الفرص كان يطمع باحلصول عىل اجلائزة الكربى من األمري عبيد اهلل بن زياد فيام‬
‫إذا (حالفه احلظ) وجاء برأس احلسني كهدية إىل األمري الذي وضع جائزة كربى‬
‫ملن يأتيه برأس احلسني‪.5‬‬
‫وقد أشار القندوزي يف ينابيع املودة إىل ذلك حيث قال‪ :‬ثم ابن زياد نادى يف‬
‫عسكره‪ :‬من يأتيني برأس احلسني فله اجلائزة العظمى(((‪.‬‬
‫أث�ر كبري يف النف�وس حيث أث�ار غرائز طالب‬
‫وكان هل�ذا الوع�د م�ن األمري ٌ‬
‫اجلوائ�ز الكربى حتى ولو كانت بقتل األنبياء وأبنائهم‪ ،‬حيث تكش�ف األخبار‬
‫والرواي�ات ع�ن م�دى انحطاط بع�ض النفوس التي اس�توىل عليه�ا التفكري يف‬
‫الوس�ائل واخلطط التي من ش�أهنا أن تفيض إىل الوصول إىل رأس احلسني‪5‬‬
‫وإهدائه إىل األمري مقابل ما جعله من جائزة كربى أو عظمى أو منزلة كام يشير‬
‫البع�ض‪ ،‬مم�ن أغرته اجلائ�زة و املنزلة‪ .‬وهذا م�ا يتجىل بوض�وح يف حديث عن‬
‫مرسوق بن وائل احلرضمي حيث قال‪:‬‬
‫كنت يف أوائل اخليل ممن سار إىل احلسني‪ ،‬فقلت أكون يف أوائلها لعيل أصيب‬
‫رأس احلسني‪ ،‬فأصيب به منزلة عند عبيد اهلل بن زياد(((‪.‬‬
‫ولك�ن مرسوق ًا رأى موقف ًا وحادث ًة مش�هورة أثبتها مجي�ع املؤرخني مما جعله‬
‫يرتاجع عن مبادرته وس�عيه للحظوة باجلائزة مقابل رأس احلسني‪ ،5‬وذلك‬

‫(( ( ينابيع املودة لذوي القربى‪ ،‬القندوزي‪.64/3 :‬‬


‫((( تاريخ الطربي‪.328/4 :‬‬
‫‪14‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ما كان من استجابة فورية لدعاء اإلمام احلسني‪ 5‬يف قضية ابن حوزة‪ .‬يقول‬
‫اب�ن األثري يف الكامل‪ :‬وكان مرسوق بن وائل احلرضمي قد خرج معهم‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫لعيل أصيب رأس احلسين فأصيب به منزل�ة عند ابن زياد‪ ،‬فلام رأى ما صنع اهلل‬
‫باب�ن ح�وزة بدعاء احلسين رجع وقال‪ :‬لق�د رأيت من أهل هذا البيت ش�يئ ًا ال‬
‫أقاتلهم أبد ًا(((‪.‬‬

‫مسروق بن وائل الحضرمي‬


‫بعد االس�تقصاء واملتابعة ألحوال مرسوق بن وائل احلرضمي وجدنا أن ابن‬
‫حجر يرتمجه يف كتاب اإلصابة الذي خصصه ملعرفة الصحابة وقال يف ترمجته‪:‬‬
‫وفد عىل رسول اهلل‪ 1‬وفد حرضموت فأسلم‪ ،‬كذا ذكره أبو عمر خمترص ًا‪،‬‬
‫وقد ذكره ابن الس�كن وذكر تبيني طريق بقية عن س�ليامن ب�ن عمرو األنصاري‬
‫م�ن الضحاك ع�ن النعامن بن س�عيد أن مسروق بن وائل قدم على النبي‪1‬‬
‫فذك�ر نح�و احلدي�ث اآليت يف مس�عود ب�ن وائ�ل فكأن�ه اختل�ف يف اس�مه عىل‬
‫سليامن‪ ‬بن‪ ‬عمرو(((‪.‬‬
‫هذا متام ما أورده ابن حجر يف ترمجة مرسوق بن وائل احلرضمي‪ ،‬ولكنه أشار‬
‫إليه مرة أخرى يف ترمجة الضحاك بن النعامن بن سعد وقال‪ :‬إن مرسوق بن وائل‬
‫قدم عىل رس�ول اهلل‪ 1‬فأس�لم فقال‪ :‬أح�ب أن تبعث معي رج�ا ً‬
‫ال إىل قومي‬
‫يدعوهنم إىل اإلسالم(((‪.‬‬
‫وإن أب�ا عم�ر ال�ذي أش�ار إلي�ه ابن حج�ر هو ابن عب�د الرب صاح�ب كتاب‬
‫االس�تيعاب يف معرفة األصح�اب‪ ،‬وحني الرج�وع إليه وجدن�اه يذكر مرسوق ًا‬

‫(( ( الكامل يف التاريخ‪.66/4 :‬‬


‫((( اإلصابة‪.73/6 :‬‬
‫((( اإلصابة‪.389/3 :‬‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 15‬‬

‫بسط ٍر واحد جاء فيه‪:‬‬


‫قدم عىل النبي‪ 1‬يف وفد حرضموت فأسلموا(((‪.‬‬
‫وع�ده اب�ن عبد رب�ه يف العقد الفري�د م�ن أرشاف حرضموت وق�ال‪ :‬منهم‬
‫مرسوق بن وائل وفيه يقول األعشى‪:‬‬
‫��ن وائ����ل‬
‫(((‬ ‫َ‬
‫�س�روق ب� َ‬
‫�ت م�‬
‫ف��ق��ل� ُ‬ ‫��ت‬ ‫ق��ال��ت ق��ت��ي��ل� ُ‬
‫�ة َم���ن م��دَ ْح َ‬
‫ويب�دو أن ره�ط مسروق ب�ن وائ�ل احلرضم�ي كان�ت هل�م مكان�ة يف رابية‬
‫حرضموت التي تقع يف أعىل نجد‪ ،‬وهي سوق يضاهي عكاظ يف سوقه واجتذاب‬
‫الن�اس إليه‪ ،‬ولكن الوصول إليها حيتاج إىل خفارة ومحاية يقول صاحب األزمنة‬
‫واألمكنة‪:‬‬
‫ٍ‬
‫مملكة‬ ‫فأم�ا الرابي�ة فل�م يكن يصل إليها أح�د إال بخفارة ألهنا مل تك�ن أرض‬
‫ع�ز فيها َّبز صاحبه‪ ،‬فكان�ت قريش تتخ ّفر ببني آكل امل�رار من ِكندة‪،‬‬
‫وكان م�ن َّ‬
‫(((‬
‫وسائر الناس بآل مرسوق بن وائل احلرضمي‪ ،‬فكانت مكرمة ألهل البيتني‪.‬‬
‫وفيما خيص الكتاب الذي طلبه مسروق من النبي‪ 1‬حني لقائه فقد ذكره‬
‫أكثر املؤرخني بالتفصيل ومنهم ابن أيب عاصم يف اآلحاد واملثاين وقد جاء فيه‪:‬‬
‫عن الضحاك بن النعامن بن سعد‪ ،‬أن مرسوق بن وائل ريض اهلل عنه قدم عىل‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم العقيق فحسن إسالمه وقال‪ :‬إين أحب أن تبعث‬
‫إىل قومي رجا ً‬
‫ال يدعوهنم إىل اإلسلام وأن تكتب إىل قومي كتاب ًا عس�ى اهلل عز‬
‫وج�ل أن هيدهيم ب�ه‪ .‬فقال ملعاوية ريض اهلل عنه‪ :‬اكتب له‪ ،‬فقال‪ :‬يا رس�ول اهلل‪،‬‬
‫كي�ف أكتب له؟ قال‪« :‬اكتب‪( :‬بس�م اهلل الرمحن الرحيم)‪ ،‬من حممد رس�ول‪ ‬اهلل‬
‫إىل اإلقي�ال م�ن حرضم�وت‪ ،‬بإقام الصلاة وإيتاء ال�زكاة والصدقة على التبعة‬

‫(( ( االستيعاب‪.1472/4 :‬‬


‫((( العقد الفريد‪.320/3 :‬‬
‫((( األزمنة واألمكنة‪.154/2 :‬‬
‫‪16‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ولصاحبه�ا التيم�ة ويف الس�يوب اخلمس ويف البعل العشر ال خالط وال وراط‬
‫وال شغار وال جلب وال جنب وال شناق والعون لرسايا املسلمني لكل عرشة ما‬
‫(((‬
‫حيمل القراب من أجبى فقد أربى وكل مسكر حرام»‪.‬‬
‫وقد رواه الطرباين يف املعجم الكبري وذكر تفسير الكلامت الغريبة الواردة يف‬
‫الكتاب عىل الوجه التايل‪:‬‬
‫أما اخلالط‪ :‬فال جتمع املاشية‪ ،‬وأما الوراط‪ :‬فال يقومها بالقيمة‪ ،‬وأما الشغار‪:‬‬
‫فيزوج الرجل ابنته وينكحه اآلخر ابنته بال مهر‪ ،‬والشناق‪ :‬أن يعقلها يف مباركها‪،‬‬
‫(((‬
‫واإلجباء‪ :‬أن تباع الثمرة قبل أن تؤمن عليها العاهة‪.‬‬
‫وأم�ا كتب الرجال واحلدي�ث عند اإلمامية فقد اقترص بعضها عىل إش�ارات‬
‫عاب�رة وخمترصة ج�د ًا إىل مرسوق بن وائ�ل‪ ،‬منها معجم رجال احلديث للس�يد‬
‫أيب القاس�م اخلوئ�ي‪ ،‬حيث ق�ال‪ :‬مرسوق ب�ن وائل‪ :‬عده الربق�ي من أصحاب‬
‫(((‬
‫الصادق‪.5‬‬
‫وذكره الش�يخ حممد تقي التستري يف كتابه قاموس الرجال وأشار إىل ترمجته‬
‫يف االستيعاب‪ ،‬وقال‪ :‬تفرد به ابن عبد الرب‪ ،‬ووجوده حمقق‪ ،‬إال أن كونه صحابي ًا‬
‫غري معلوم‪.‬‬
‫(((‬

‫ابن حوزة‬
‫هو عبد اهلل بن حوزة التميمي‪ ،‬هكذا ذكر يف بعض املصادر التي أش�ارت إىل‬
‫قصته املشهورة يوم عاشوراء واستجابة دعاء احلسني‪ 5‬بحقه‪:‬‬

‫اآلحاد واملثاين البن أيب عاصم‪ 173/5 :‬ـ ‪.174‬‬ ‫(( (‬


‫املعجم الكبري للطرباين‪.267/15 :‬‬ ‫((( ‬
‫معجم رجال احلديث‪.146/19 :‬‬ ‫((( ‬
‫قاموس الرجال‪.54/10 :‬‬ ‫((( ‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 17‬‬

‫ق�ال أبو خمنف‪ :‬فحدثني حسين أبو جعفر‪ ،‬قال‪ :‬ث�م إن رج ً‬


‫ال من بني متيم ـ‬
‫يق�ال ل�ه عبد اهلل ب�ن حوزة ـ جاء حتى وقف أمام احلسين‪ ،‬فقال‪ :‬يا حسين‪ ،‬يا‬
‫حسين! فقال حسين‪ :‬ما تش�اء؟ قال‪ :‬أبرش بالنار؛ قال‪ :‬كال‪ ،‬إين أقدم عىل رب‬
‫رحيمٍ ‪ ،‬وش�فيع مطاع‪ ،‬من هذا؟ قال له أصحابه‪ :‬هذا ابن حوزة؛ قال‪ :‬رب حزه‬
‫إىل النار؛ قال‪ :‬فاضطرب به فرسه يف جدول فوقع فيه‪ ،‬وتعلقت رجله بالركاب‪،‬‬
‫ووق�ع رأس�ه يف األرض‪ ،‬ونفر الف�رس‪ ،‬فأخذ يمر به فيرضب برأس�ه كل حج ٍر‬
‫وكل شجرة حتى مات‪.‬‬
‫قال أبو خمنف‪ :‬وأما س�ويد بن حية؛ فزع�م يل أن عبد اهلل بن حوزة حني وقع‬
‫فرسه بقيت رجله اليرسى يف الركاب‪ ،‬وارتفعت اليمنى فطارت‪ ،‬وعدا به فرسه‬
‫يرضب رأسه كل حجر وأصل شجرة حتى مات(((‪.‬‬
‫ومل أج�د ل�ه ترمج ًة يف كت�ب الرجال واملوس�وعات هبذا االس�م إال أن بعض‬
‫الرجاليني أشار إليه باسم حويزة أو ابن حويزة منها‪:‬‬
‫ابن حجر يف تبصري املنتبه بتحرير املشتبه إذ قال‪:‬‬
‫�زة ممِ َّ ْ‬
‫�ن َقات�ل‬ ‫وبالض�م وفت�ح ال�واو بعده�ا ي�اء س�اكنة وزاي‪ُ :‬ح َو ْي َ‬
‫احلسني‪ ‬بن‪ ‬عيل(((‪.‬‬
‫ويف اإلكامل‪:‬‬
‫أم�ا حوي�زة بح�اء مهملة وي�اء معجم�ة باثنتني م�ن حتتها وزاي فه�و حويزة‬
‫ـ‪ ‬أبو‪ ‬ابن حويزة ـ خرج إىل احلسين بن عيل ريض اهلل عنه فنادى يا حسين أبرش‬
‫بالن�ار‪ ،‬فق�ال‪ :‬بل رب كريم وش�فيع مطاع‪ ،‬من أنت؟ قال‪ :‬أن�ا حويزة ـ أبو ابن‬
‫حويزة ـ قال‪ :‬اللهم حزه إىل النار‪ ،‬فتحامل به فرسه فسقط فاندقت عنقه(((‪.‬‬

‫(( ( تاريخ الطربي‪.328/4 :‬‬


‫((( تبصري املنتبه بتحرير املشتبه‪( .112/1 :‬م‪.‬ش)‬
‫((( اإلكامل‪ ،‬البن ماكوال‪.571/2 :‬‬
‫‪18‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ويف هتذيب الكامل بيشء من االختالف والنص عىل الوجه التايل‪:‬‬


‫وقال رشيك‪ ،‬عن عطاء بن السائب‪ ،‬عن علقمة بن وائل‪ ،‬أو وائل بن علقمة‪:‬‬
‫أنه ش�هد ما هناك‪ ،‬قال‪ :‬قام رجل فقال‪ :‬أفيكم احلسين؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬أبرش‬
‫بالن�ار‪ ،‬ق�ال‪ :‬أبرش برب رحيم وش�فيع مطاع‪ ،‬من أنت ؟ ق�ال‪ :‬أنا حويزة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫الله�م ح�زه إىل النار‪ ،‬فنفرت به الدابة‪ ،‬فتعلق�ت رجله يف الركاب‪ ،‬فواهلل ما بقي‬
‫عليها منه إال رجله(((‪.‬‬

‫((( هتذيب الكامل‪.438/6 :‬‬


‫املحر�ضون على قتل احل�سني‬

‫يس�تفاد من بعض الروايات أن احلسين‪ 5‬مكث مد ًة زمني ًة طويلة نسبي ًا‬


‫بين س�قوطه على األرض بعد أن أثخن باجل�راح وبني مقتله واإلق�دام عىل حز‬
‫رأس�ه‪ ،‬والسبب هو أن القوم مجيع ًا كانوا يتحاشون املبادرة إىل قتله ملا كان يتمتع‬
‫منزلة ديني�ة واجتامعي�ة‪ ،‬فهو ابن عيل ب�ن أيب طال�ب‪ 5‬وابن فاطمة‬ ‫ٍ‬ ‫ب�ه م�ن‬
‫الزهراء بنت رسول اهلل‪ ،1‬إضافة إىل اخلصائص الذاتية واملكانة املتفردة التي‬
‫كان يتمتع هبا يف زمانه دون منازع‪.‬‬
‫ولك�ن هذا املوقف املرتدد أقل�ق بعض قادة اجليش ممن يتحملون املس�ؤولية‬
‫أم�ام األمري عبي�د اهلل بن زياد واملكلفون بإمخاد حترك احلسين‪ 5‬وإس�كات‬
‫صوته‪ ،‬حتى وإن كان بالقضاء عىل ش�خصه‪ .‬ويظهر أن عمر بن سعد نفد صربه‬
‫وه�و ينظ�ر إىل تلك�ؤ هذه اآلالف م�ن جنوده وترددهم يف مس�ألة قتل احلسين‬
‫فصاح باجليش‪ :‬أنزلوا إليه فخذوا رأسه(((‪.‬‬
‫ويف ٍ‬
‫خبر آخر أن عمر بن س�عد التفت إىل رجل ع�ن يمينه وأمره باملبادرة إىل‬
‫قتل احلسني‪ ،‬كام يف مطالب السؤول(((‪.‬‬

‫(( ( الفتوح البن أعثم‪.119/5 :‬‬


‫((( مطالب السؤول يف مناقب آل الرسول‪.402 :‬‬
‫‪20‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ومم�ن كان حي�رض القوم وحيضهم عىل قتل احلسين ش�مر بن ذي اجلوش�ن‬
‫حي�ث نقل عنه أنه كان هيتف بالقوم مطالب ًا باإلرساع يف معاجلة احلسين وإهناء‬
‫أم�ره بع�د أن مكث طوي ً‬
‫ال م�ن دون أن جيرتئ أحدٌ عىل قتل�ه‪ ،‬فقد جاء يف كامل‬
‫ابن األثري‪ :‬ومكث طوي ً‬
‫ال من النهار‪ ،‬ولو ش�اء الناس أن يقتلوه لقتلوه‪ ،‬ولكنهم‬
‫كان يتقي بعضهم ببعض‪ ،‬فنادى ش�مر بالن�اس‪ :‬وحيكم ماذا تنتظرون بالرجل‪،‬‬
‫اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم(((‪.‬‬
‫وكذل�ك نق�ل ابن كثير يف البداية والنهاية هتاف الش�مر بالق�وم حيث قال‪:‬‬
‫ث�م جع�ل ال يقدم أحد عىل قتله حتى نادى ش�مر بن ذي اجلوش�ن‪ :‬وحيكم ماذا‬
‫تنتظرون بالرجل ثكلتكم أمهاتكم(((‪.‬‬
‫ويف أس�د الغابة محل ابن األثري قول القائل بأن ش�مر ًا هو الذي قتل احلسين‬
‫باعتب�اره ه�و ال�ذي ح�رض الن�اس على قتله‪ ،‬فق�د ق�ال بع�د أن رسد األقوال‬
‫واستوعب االحتامالت الواردة بشأن من أقدم عىل قتل احلسني‪:5‬‬
‫وأما قول من قال قتله شمر وعمر بن سعد ألن شمر ًا هو الذي حرض الناس‬
‫عىل قتله ومحل هبم إليه‪ ،‬وكان عمر أمري اجليش‪ ،‬فنسب القتل إليه(((‪.‬‬
‫ويف ترمجة احلسني املستلة من طبقات بن سعد‪ :‬فمكث ملي ًا من النهار والناس‬
‫يتدافع�ون ويكره�ون اإلقدام عليه‪ ،‬فصاح هبم ش�مر بن ذي اجلوش�ن ثكلتكم‬
‫أمهاتكم ماذا تنتظرون به أقدموا عليه(((‪.‬‬
‫ويص�ف أبو خمنف تردد الناس وحتاش�يهم قتل احلسين فيق�ول‪ :‬ولقد مكث‬
‫ً‬
‫طويلا من النهار ولو ش�اء الن�اس أن يقتلوه لفعلوا ولكنه�م كان يتقي بعضهم‬

‫الكامل يف التاريخ‪.78/4 :‬‬ ‫(( (‬


‫البداية والنهاية‪.204/8 :‬‬ ‫((( ‬
‫أسد الغابة ‪.21/2 :‬‬ ‫((( ‬
‫ترمجة اإلمام احلسني يف طبقات بن سعد‪.75 :‬‬ ‫((( ‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 21‬‬

‫بعض ًا‪ ،‬وحيب هؤالء أن يكفيهم هؤالء‪ ،‬قال‪ :‬فنادى شمر‪.‬‬


‫(((‬

‫وقال البالذري يف أنساب األرشاف‪ :‬ونادى شمر يف الناس‪ :‬ويلكم ما بالكم‬


‫(((‬
‫حتيدون عن هذا الرجل‪ ،‬ما تنتظرون‪ ،‬اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم‪.‬‬
‫ويف حوار بني شمر وأيب اجلنوب يكشف عن مدى حتريض شمر عىل احلسني‬
‫وامتناع الناس كام يف تاريخ الطربي عن أيب خمنف‪ :‬فجعل شمر بن ذي اجلوشن‬
‫حيرضه�م‪ ،‬فم�ر بأيب اجلنوب وهو ش�اك يف السلاح فقال له أق�دم عليه فقال له‬
‫فاس�تبا‪ ،‬فقال له‬
‫ّ‬ ‫وم�ا يمنع�ك أن تق�دم عليه أنت‪ ،‬فق�ال له الش�مر‪ :‬إيل تقول ذا‬
‫أبو اجلنوب وكان ش�جاع ًا‪ :‬واهلل هلممت أن أخضخض الس�نان يف عينيك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فانرصف عنه شمر(((‪.‬‬

‫من هو أبو الجنوب‬


‫أبو اجلنوب بن عبد الرمحان بن زياد بن زهري بن خنس�اء بن كعب‪ ،‬وكان من‬
‫الفرسان‪ ،‬شهد مقتل احلسني‪ .5‬وأخذ مج ً‬
‫ال كان يستقي عليه فسامه احلسني؛‬
‫(((‬
‫وهو جد بني عبيد اهلل بن احلارث بن زياد بن أيب اجلنوب‪.‬‬
‫ويف مغاين األخيار‪ :‬الناجي‪ :‬باجليم املكس�ورة‪ :‬نس�بة إىل بني ناجية بن أسامة‬
‫ب�ن لؤي‪ ،‬وهي قبيلة كبرية‪ ..... ،‬وإىل ناجي�ة بن مالك بن حويم بن جعفر بطن‬
‫م�ن جعفى‪ ،‬منهم أب�و اجلنوب‪ ،‬لعنه اهلل‪ ،‬وهو عبد الرمح�ن بن زياد بن زهري بن‬
‫خنساء بن كعب بن احلارث بن سعيد بن ناجية شهد قتل احلسني‪ ،‬ريض اهلل عنه‪،‬‬
‫ً (((‬ ‫وأخذ مج ً‬
‫ال من مجاله سقى عليها املاء‪ ،‬فسامه حسينا‪.‬‬

‫مقتل احلسني‪.200 :‬‬ ‫(( (‬


‫أنساب األرشاف‪.500/2 :‬‬ ‫((( ‬
‫تاريخ الطربي‪.344/4 :‬‬ ‫((( ‬
‫نسب معد واليمن الكبري‪( .71/1 :‬م‪.‬ش)‬ ‫((( ‬
‫مغاين األخيار‪( .480/5 :‬م‪.‬ش)‬ ‫((( ‬
‫من احتز ر�أ�س احل�سني‬

‫اختلف�ت الرواي�ات التارخيية اختالف ًا كبري ًا يف حتديد م�ن أقدم عىل حز رأس‬
‫احلسين‪ 5‬وإبانته عن جس�ده‪ ،‬ولك�ن إجراء املقارن�ة والرتجيح بني خمتلف‬
‫األخب�ار والرواي�ات تفيض إىل إمكانية حرص االحتامالت بثالثة كام س�نرى‪ ،‬كام‬
‫أنه من املمكن اإلشارة إىل احتامل أو احتاملني بعنوان األقرب إىل الواقع بحسب‬
‫املعطيات املاثلة بني أيدينا مما حفلت به املصادر التارخيية واحلديثية‪.‬‬
‫وم�ن اجلدير بالذكر أننا قد نلتقي بالرواي�ات املتباينة حتى يف املصدر الواحد‬
‫وذلك بسبب تعدد طرق النقل والرواة‪ .‬إضاف ًة إىل وجود بعض اإلشارات التي‬
‫تع�رب عن تبني جمموعة من املؤرخني وال�رواة ٍ‬
‫لرأي معني وترجيحه بعنوان أنه‬
‫األصح أو القريب من الصحة‪.‬‬
‫وأما األش�خاص الذين أشير إليهم وذكرت أسماؤهم عىل أهنم أقدموا عىل‬
‫ٍ‬
‫بشكل مبارش أو أعانوا عليه عىل وجه االشرتاك فهم‪:‬‬ ‫قتل احلسني‪5‬‬
‫‪1‬ـ سنان بن أنس النخعي‪.‬‬
‫‪2‬ـ شمر بن ذي اجلوشن الضبايب‪.‬‬
‫‪3‬ـ خوىل بن يزيد األصبحي‪.‬‬
‫‪4‬ـ احلصني بن نمري‪.‬‬
‫‪5‬ـ مهاجر بن أوس التميمي‪.‬‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 23‬‬

‫‪6‬ـ كثري بن عبد اهلل الشعبي‪.‬‬


‫إضافة إىل أسامء أخرى‪.‬‬
‫ولكن اإلنصاف والدقة يقتيض اس�تبعاد بعض األسماء املتقدمة وذلك لعدة‬
‫أسباب منها‪:‬‬
‫أ ـ أهنا وردت يف روايات ال تكاد تذكر ويف مصادر متأخرة ال يعرف مستندها‬
‫األسايس والتارخيي‪.‬‬
‫ب ـ مل يرد ذكرها يف املصادر األساس�ية ومل تكن من األسماء البارزة واملؤثرة‬
‫يف واقع�ة الطف‪ ،‬حت�ى أن بعضها غري مألوف عند الباحثني والكتاب فض ً‬
‫ال عن‬
‫عامة الناس‪.‬‬
‫جـ ـ أن بعض الروايات خلطت بني دور بعض الشخصيات يف قيادة اجليش‬
‫ونس�بة قتل احلسين‪ 5‬إليها هبذا اللحاظ وبني املبارشة يف ارتكاب مثل هذه‬
‫اجلريمة ومثل ذلك الروايات التي عدت عمر بن سعد قائد اجليش وكأنه املبارش‬
‫لقتل احلسين‪ 5‬إال أن البعض نوه إىل هذه القضية ووضع يده عىل علة هذا‬
‫اخللط وأسبابه‪.‬‬
‫وسوف نضع القارئ عىل بينة من حيث تفاصيل الروايات واألخبار الواردة‬
‫بشأن من أقدم عىل قطع رأس احلسني أو شارك يف ذلك أو أعان عليه‪.‬‬
‫كم كبير من الروايات واألخبار بخصوص م�ن بادر إىل اإلجهاز‬
‫بين أيدينا ٌ‬
‫ملقى عىل األرض ال يقوى عىل النهوض‬
‫ال ً‬‫عىل احلسني‪ 5‬بعد أن مكث طوي ً‬
‫مل�ا أصابه من اجلراحات واإلعياء بس�ببها‪ ،‬حيث روي أنه وجد يف جس�مه أكثر‬
‫م�ن ثالثين جراحة‪.‬وبع�د التحري�ض املتك�رر من قائ�د اجليش عمر بن س�عد‬
‫عدد من القوم عىل مهامجة‬
‫وقائد امليرسة ش�مر بن ذي اجلوش�ن الضبايب اجرتئ ٌ‬
‫ملقى عىل األرض‪ ،‬ومع أن الذين أقدموا عىل هذا العمل هم‬
‫احلسني‪ 5‬وهو ً‬
‫من قساة القلوب وأهل التهور واألضغان واملطامع‪ ،‬إال أن بعضهم مل يتمكن من‬
‫‪24‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫التامس�ك فاعرتاه اهلل�ع وأخذته الرعدة واهنارت قواه فاهنزم نفس�ي ًا وتراجع كام‬
‫يأيت تفصيله‪.‬‬
‫وحي�ث أن الرواي�ات كثرية ومتداخلة ومتش�عبة ارتأينا أن نصنفها بحس�ب‬
‫األش�خاص املش�ار إليهم مع ذكر الروايات املشتركة بحس�ب مواردها لتتضح‬
‫الصورة بكامل أبعادها‪.‬‬
‫�سنان بن �أن�س النخعي‬

‫م�ن األسماء الت�ي ورد ذكرها بقوة يف قضية قتل احلسين‪ 5‬وحز رأس�ه‬
‫س�نان بن أنس النخعي‪ ،‬س�واء عىل مس�توى املشتركات من الرواي�ات أو التي‬
‫أفردت بعض األسماء على وجه اجلزم والتأكيد‪ ،‬ومما أش�ار إىل ذلك الطربي يف‬
‫تارخي�ه حيث روى‪ :‬فنادى ش�مر بالناس وحيكم ماذا تنتظ�رون بالرجل‪ ،‬اقتلوه‬
‫ثكلتكم أمهاتكم‪ ..‬فحمل عليه يف تلك احلال س�نان بن أنس بن عمرو النخعي‬
‫فطعن�ه بالرم�ح فوقع ثم قال خل�وىل بن يزي�د األصبحي‪ ،‬احتز رأس�ه‪ ،‬فأراد أن‬
‫يفعل‪ ،‬فضعف فأرعد‪ ،‬فقال له س�نان‪ :‬فت اهلل يف عضديك‪ ،‬وأبان يديك‪ ،‬فنزل‬
‫إلي�ه فذبح�ه(((‪ .‬ويف رواية أيب خمنف التي ينقلها الطربي يظهر أن س�نان بن أنس‬
‫كان األكثر حرص ًا عىل القيام هبذه املهمة‪ ،‬وذلك ملا كان يتوقعه من العوائد املادية‬
‫و(املعنوية) إذا كانت هناية احلسني‪ 5‬عىل يديه وهو الذي يبادر إىل حز رأسه‬
‫من بني هذه اجلموع املرتددة‪ ،‬فقد جاءت الرواية عىل الوجه التايل‪ :‬عن جعفر بن‬
‫حممد بن عيل قال‪ُ :‬و ِجد يف احلسين‪ 5‬حني قتل ثالث وثالثون طعنة وأربع‬
‫وثالثون رضبة‪ ،‬قال‪ :‬وجعل سنان بن أنس ال يدنو أحدٌ من احلسني إال شد عليه‬

‫((( تاريخ الطربي‪ .346/4 :‬وأنساب األرشاف‪.500/2 :‬‬


‫‪26‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫خمافة أن يغلب عىل رأسه‪ ،‬حتى أخذ رأس احلسني فدفعة إىل خوىل(((‪.‬‬
‫ويف البداية والنهاية البن كثري يؤكد أن الذي بارش قتل احلسين هو سنان ابن‬
‫أن�س مع أنه يذكر س�ائر االحتامالت وذلك ما س�وف نراه عندم�ا نذكر األخبار‬
‫املشتركة وم�ا أبدى فيها الرواة واملؤرخون من ترجي�ح‪ ،‬يقول ابن كثري‪ :‬ثم جاء‬
‫إليه س�نان بن عمرو بن أنس النخعي‪ ،‬فطعنه بالرمح فوقع‪ ،‬ثم نزل فذبحه وحز‬
‫رأسه(((‪.‬‬
‫ويف بغية الطلب يف تاريخ حلب يأيت سنان بن أنس أول القائمة التي يذكرها‬
‫ابن العديم‪ ...‬ولكنه يؤرش إىل وجود احتامل يف اسم أيب سنان فيقول‪ :‬قتله سنان‬
‫بن أنس النخعي‪ ،‬ويقال له أيض ًا سنان بن أيب سنان النخعي(((‪.‬‬
‫وأك�د املقديس يف البدء والتاريخ عىل أن س�نان بن أنس هو الذي احتز رأس‬
‫احلسني وجاء يف الرواية‪ :‬وطعنه سنان بن أنس بالرمح ثم نزل فاحتز رأسه(((‪.‬‬
‫قال‪ :‬وجعل احلسين يقاتل بنفس�ه‪ ،‬وقد قت�ل ولده وأخوته وبن�و أخيه وبنو‬
‫عم�ه فل�م يبق منهم أحد‪ ،‬ومحل عليه ذرعة بن رشيك ـ لعنه اهلل ـ ‪ ،‬فرضب كتفه‬
‫اليرسى فس�قطت ـ صلوات اهلل علي�ه ـ ‪ .‬وقتله أبو اجلنوب زياد بن عبد الرمحن‬
‫اجلعفي‪ ،‬والقثعم‪ ،‬وصالح بن وهب اليزين وخوىل بن يزيد‪ ،‬كل قد رضبه ورشك‬
‫فيه‪.‬‬
‫ونزل سنان بن أنس النخعي فاحتز رأسه‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬إن الذي أجهز عليه شمر بن ذي اجلوشن الضبايب لعنه اهلل‪.‬‬

‫تاريخ الطربي‪.346/4 :‬‬ ‫(( (‬


‫البداية والنهاية‪.204/8 :‬‬ ‫((( ‬
‫بغية الطلب‪ 2571/6 :‬والرواية يف االستيعاب‪.293/1 :‬‬ ‫((( ‬
‫البدء والتاريخ‪ ،11/6 :‬واملنتظم‪.341/5 :‬‬ ‫((( ‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 27‬‬
‫(((‬
‫ومحل خويل بن يزيد رأسه إىل عبيد اهلل بن زياد‪.‬‬
‫ويف املعارف البن قتيبة‪ :‬فقتله س�نان بن أيب أنس النخعي سنة إحدى وستني‬
‫يوم عاش�وراء وهو ابن ثامن ومخسين سنة(((‪ ،‬ويس�تأنس البعض يف أن سنان هو‬
‫القاتل بقول الشاعر‪:‬‬
‫غ�����دات ت���ب�ي�ره ك��ف��ا س��ن��ان‬ ‫وأي رزي����ة ع��دل��ت حسين ًا‬
‫بريي‪ :‬الذي ويل قتل احلسين بن عيل س�نان بن أيب س�نان‬
‫الز ُّ‬
‫صع�ب ُّ‬
‫ُ‬ ‫وق�ال ُم‬
‫َّخع�ي‪ ،‬ال رمح�ه اهلل‪ .‬وه�و ج�دُّ رشيك ب�ن عبد اهلل الق�ايض‪ ،‬و ُيص�دِّ ق ُ‬
‫قول‬ ‫ُّ‬ ‫الن‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫ي�ر ُه ك � َّف��ا ِس���ن� ِ‬ ‫��دل��ت ُحسينا‬ ‫ٍ‬
‫�����ة َع‬‫وأي َر ِز َّي‬
‫��ان‬ ‫غ����دا َة ُت���ب� ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫(((‬

‫وقال يوسف بن عيل اهلادي يف مقطعاته فيمن اسمه حسني‪:‬‬


‫ُ‬
‫جبان‬ ‫ِ‬
‫��غ��اب م��ن َس��ط��اه‬‫أس��د ا ْل‬
‫ُ‬ ‫املحاسن َط ْ‬
‫��ر ٌف‬ ‫ِ‬ ‫أوح���دَ‬
‫ل��ك ي��ا ْ‬
‫(((‬
‫وه��و ِس��ن� ُ‬
‫�ان‬ ‫احلسني ْ‬
‫ُ‬ ‫َء وأن��ت‬ ‫ش َط ْعن ًة منه ن َْج َ‬
‫ال‬ ‫تـخ َ‬
‫كيف مل ْ‬‫َ‬
‫وقال الذهبي يف سير أعالم النبالء‪ ،‬حينما ترجم رشيك القايض وهو حفيد‬
‫لسنان بن أنس النخعي‪:‬‬
‫رشي�ك بن عب�د اهلل‪ ،‬العالمة‪ ،‬احلافظ‪ ،‬الق�ايض‪ ،‬أبو عب�د اهلل النخعي‪ ،‬أحد‬
‫األعالم‪ ،‬عىل لني ما يف حديثه‪.‬‬
‫توقف بعض األئمة عن االحتجاج بمفاريده‪.‬‬
‫قال أبو أمحد احلاكم‪ :‬رشيك بن عبد اهلل بن سنان بن أنس‪.‬‬
‫ويق�ال‪ :‬رشي�ك بن عبد اهلل ب�ن أيب رشيك بن مالك بن النخ�ع‪ ،‬وجده قاتل‬

‫مقاتل الطالبيني‪.34/1 :‬‬ ‫(( (‬


‫املعارف‪.213/1 :‬‬ ‫((( ‬
‫اجلوهرة يف نسب النبي وأصحابه العرشة‪( .286/1 :‬م‪.‬ش)‪.‬‬ ‫((( ‬
‫نفحة الرحيانة ورشحة طالء احلانة‪.245/3 :‬‬ ‫((( ‬
‫‪28‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫احلسني رضوان اهلل عليه‪.‬‬


‫(((‬

‫ق�ال اب�ن معني‪ :‬رشي�ك بن عب�داهلل بن س�نان بن أن�س النخعي ج�ده قاتل‬
‫احلسني‪.‬‬
‫(((‬

‫ه�ذه بع�ض الرواي�ات الت�ي تؤكد أن س�نان بن أن�س هو ال�ذي احتز رأس‬
‫احلسين وس�وف نقف على املزيد عندما نورد املشتركات‪ ،‬إضاف ًة مل�ا نجده من‬
‫تفاصيل عندما نتابع جزئيات حياة سنان يف ترمجته‪.‬‬

‫أبوه أنس النخعي‬


‫مل نعثر عىل ترمجة خاصة ألنس النخعي أو ذكر مستقل يتحدث عنه كشخص‬
‫أو ع�ن مواقف�ه يف ذلك العرص احلاف�ل باألحداث‪ ،‬ولكن ابن أيب احلديد يشير‬
‫إىل أن الرجل الذي بادر إىل س�ؤال اإلمام عيل‪ 5‬حني قال‪« :‬س�لوين قبل أن‬
‫تفقدوين» هو والد سنان بن أنس النخعي‪ ،‬وأورد اخلرب بالتفصيل التايل‪:‬‬
‫روى ب�ن هلال الثقف�ي يف كتاب الغارات ع�ن زكريا بن حيي�ى العطار‪ ،‬عن‬
‫فضيل عن حممد بن عيل‪ ،‬قال‪ :‬ملا قال عيل‪ :5‬سلوين قبل أن تفقدوين‪ ،‬فواهلل‬
‫ال تس�ألوين عن فئة تضل مائة‪ ،‬وهتدي مائة إال أنبأتكم بناعقها وسائقها قام إليه‬
‫رج�ل فق�ال‪ :‬أخربين بام يف رأيس وحليتي من طاقة ش�عر فقال له عيل‪ 5‬واهلل‬
‫لقد حدثني خلييل أن عىل كل طاقة ش�عر من رأس�ك ملك ًا يلعنك‪ ،‬وأن عىل كل‬
‫طاقة ش�عر من حليتك ش�يطان ًا يغويك وإن يف بيتك س�خ ً‬
‫ال يقتل ابن رسول اهلل‪،‬‬
‫ٍ‬
‫يومئذ طفل حيبو‪ ،‬وهو سنان بن أنس النخعي(((‪.‬‬ ‫وكان ابنه قاتل احلسين‪5‬‬
‫واخلرب بالتفصيل كام يف كتاب الغارات‪..‬‬

‫(( ( سري أعالم النبالء‪.200/8 :‬‬


‫((( ميزان االعتدال‪.270/2 :‬‬
‫((( رشح هنج البالغة‪.286/2:‬‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 29‬‬

‫سنان بن أنس النخعي‪:‬‬


‫ذكره الس�معاين يف األنساب عندما أرجع نسبة (الوهبييل) إىل وهبيل‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫الوهبييل‪ ..:‬هذه النسبة إىل وهبيل‪ ،‬وهو بطن من النخع وهو وهبيل بن سعد بن‬
‫مالك بن النخع بن عمرو بن علة بن جلد‪ .‬ومن بني وهبيل سنان بن أنس قاتل‬
‫احلسين ريض اهلل عن�ه(((‪ .‬وقال الزبي�دي يف تاج العروس‪ :‬وم�ن بني مالك بن‬
‫وهبيل‪ :‬سنان بن أنس قاتل احلسني ريض اهلل عنه(((‪.‬‬
‫لو مل يقدم سنان بن أنس عىل قتل احلسني أو االشرتاك به لكان كأبيه من حيث‬
‫مخول الذكر‪ ،‬ولكان نس�ي ًا منسي ًا كغريه ممن مل يرتك يف التاريخ أي أث ٍر يذكر‪ ،‬ولكنه‬
‫خلد ذكره مقرون ًا باللعنة واخلزي واإلثم عندما أقدم عىل عمل حتاشاه اآلالف ممن‬
‫وجه�ا علمي ًا أو اجتامعي ًا‬
‫ً‬ ‫كان مع�ه يف املعرك�ة وحيث أن�ه من غامر الناس ومل يكن‬
‫فليس له أي ذكر وراء ذكره واشرتاكه يف حرب احلسني يوم عاشوراء وما أدى من‬
‫دور يف املعركة حتى قادته شقوته إىل قتل ابن بنت رسول اهلل‪ .‬وقد تقدم بالتفصيل‬
‫ما كان من أمره مع اللحظات األخرية يف حياة احلسني‪ .5‬ولكن احلادث الذي‬
‫يمكن التوقف عنده يف حياة سنان بن أنس هو هنايته وختام أمره‪.‬‬

‫مصيره وخاتمته‪:‬‬
‫م�ع وجود بعض االحتامل الضعيفة يف مس�ألة هناية س�نان ب�ن أنس إال أكثر‬
‫املؤرخني عىل أنه أفلت من قبضة املختار بن أيب عبيدة عندما استوىل عىل الكوفة‬
‫ورفع ش�عار الطلب بأثر احلسين‪ 5‬كام الكثري من املراجع التارخيية تؤكد أنه‬
‫بق�ي إىل أيام احلجاج بن يوس�ف حيث يروى له موق�ف مع احلجاج يعرتف فيه‬
‫بقتل احلسني‪.‬‬

‫(( ( األنساب‪.619/5 :‬‬


‫((( تاج العروس‪.788/15 :‬‬
‫‪30‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫وه�ذا ه�و األق�وى واألق�رب إىل الواقع‪ ،‬بحس�ب م�ا تناقلته كت�ب التاريخ‬
‫واحلدي�ث بخص�وص م�ا انته�ى إليه أمر س�نان بن أن�س‪ ،‬حيث يرد خبر لقائه‬
‫باحلجاج بن يوس�ف الثقفي وما كان بينهام من حوار بش�أن قتل احلسني‪،5‬‬
‫وأن�ه كان يفتخ�ر بذلك ويطل�ب عليه العط�اء يف جملس احلج�اج يف واحدة من‬
‫إثاراته لش�جون احلديث يف جملسه‪ ،‬ومما يقوي هذا االحتامل تأكيد املؤرخني عىل‬
‫أن س�نان ب�ن أنس متك�ن من اهلروب م�ن الكوفة واإلفالت م�ن قبضة املختار‪،‬‬
‫ويكتف�ي جله�م تقريب ًا بذكر هروب�ه دونام إش�ارة إىل أنه لوح�ق أوألقي القبض‬
‫علي�ه‪ ،‬وإنما تؤكد أنه هرب وهدم�ت داره يف الكوفة‪ ،‬وذلك م�ا روي يف تاريخ‬
‫الطربي والكامل‪ ،‬وفيه‪:‬‬
‫وطلب املختار سنان بن أنس‪ ،‬الذي كان يدعي قتل احلسني فوجده قد هرب‬
‫إىل البصرة‪ ،‬فهدم داره(((‪ .‬ويف تاريخ ابن خلدون‪ :‬وطلب س�نان بن أنس الذي‬
‫كان يدعي قتل احلسني فلحق بالبرصة(((‪.‬‬
‫وأما بالنس�بة لقصته مع احلجاج بن يوس�ف فقد احتلت حيز ًا كبري ًا يف كتب‬
‫التاري�خ واألدب واحلدي�ث واللغ�ة‪ ،‬وه�ذا م�ا نتاب�ع تفاصيل�ه لظراف�ة القصة‬
‫ومداليله�ا‪ :‬وحيث أن القص�ة وردت يف العديد من املصادر التارخيية بتفاصيلها‬
‫فق�د اخرتنا النص الذي كتبه ابن األثري اجلزري يف كتابه الكامل يف التاريخ وهو‬
‫عىل النحو التايل‪:‬‬
‫وق�ال عب�د امللك بن عمري‪ :‬قال احلجاج يوم ًا‪ :‬م�ن كان له بالء فليقم فلنعطه‬
‫على بالئه‪ ،‬فقام رج�ل فقال‪ :‬أعطني عىل بالئي‪ ،‬فقال‪ :‬وم�ا بالؤك‪ ،‬قال‪ :‬قتلت‬
‫احلسين‪ ،‬قال‪ :‬فكيف قتلته‪ ،‬ق�ال‪ :‬درسته بالرمح درس ًا‪ ،‬وهربته بالس�يف هرب ًا‪،‬‬
‫وم�ا أرشك�ت معي يف قتله أحد ًا‪ ،‬قال‪ :‬فإنك ال جتتمع أنت وهو يف مكان واحد‪،‬‬

‫(( ( تاريخ الطربي‪ 535/4:‬والكامل‪.243/4:‬‬


‫((( تاريخ ابن خلدون‪.26/3 :‬‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 31‬‬

‫ثم أخرج ومل يعطه شيئ ًا(((‪.‬‬


‫وابن األثري وإن مل يرصح باسم سنان يف الكامل إال أن مجيع املصادر األخرى‬
‫ذكرت اس�م سنان يف س�ياق رواية اخلرب‪ ،‬حتى أن ابن األثري نفسه يرصح باسمه‬
‫يف النهاية يف غريب احلديث كام سنرى مفص ً‬
‫ال‪ ،‬ولكن ابن األثري سواء يف الكامل‬
‫أو النهاية يعرض عن اس�تيعاب اخلرب بكامله ألسباب هو يعرفها‪ ،‬وكذلك فعل‬
‫الذهبي يف تاريخ اإلسالم‪ ،‬بينام أتم الكثري من املؤرخني اخلرب دون اقتطاع خامتته‬
‫منهم ابن عس�اكر يف تاريخ دمش�ق وغريه‪ ،‬ويف املنتخب من ذيل املذيل وقد جاء‬
‫اخلرب عىل النحو التايل‪:‬‬
‫عن حس�ن ب�ن احلارث عن ش�يخ من النخع‪ :‬ق�ال احلجاج م�ن كان له بالء‬
‫فليق�م‪ ،‬فقام قوم يذكرون‪ ،‬وقام س�نان بن أنس‪ ،‬فقال‪ :‬أنا قاتل احلسين‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫بالء حسن‪ ،‬ورجع إىل منزله فاعتقل لسانه وذهب عقله‪ ،‬فكان يأكل وحيدث يف‬
‫مكانه(((‪.‬‬
‫ولع�ل م�ا ورد يف كتب غري�ب احلديث‪ ،‬ومعاج�م اللغة أكث�ر تفصي ً‬
‫ال مما يف‬
‫الكت�ب التارخيي�ة‪ ،‬واملناس�بة يف ذلك هي أن س�نان ذكر عب�ارة وجيزة للحجاج‬
‫فيها لون من ألوان التبجح والزهو واالفتخار بقتل احلسين فكانت مورد اهتامم‬
‫الكت�اب لغريب احلديث ومن بعده�م مؤلفو املعاجم اللغوي�ة الذين يتصيدون‬
‫مع�اين الكلمات الغريب�ة يف الكت�اب والس�نة وكالم الع�رب ليس�تدلوا هبا عىل‬
‫الكلامت التي يرشحون معانيها‪:‬‬
‫ق�ال الزخمشري يف الفائق يف غري�ب احلديث‪ :‬ومنه حدي�ث احلجاج أنه قال‬
‫لس�نان ب�ن يزيد النخع�ي‪ :‬كيف قتلت احلسين؟ فق�ال‪ :‬درسته بالرم�ح درس ًا‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ام�رئ غري وكل‪ ،‬فقال احلج�اج‪ :‬أما واهلل ال‬ ‫وهربت�ه بالس�يف هرب ًا‪ ،‬ووكلته إىل‬

‫(( ( الكامل يف التاريخ‪.585/4:‬‬


‫((( تاريخ دمشق‪ 231/14:‬واملنتخب من ذيل املذيل‪.16/‬‬
‫‪32‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫جتتمع�ان يف اجلن�ة أب�د ًا‪ ،‬وأمر له بخمس�ة آالف درهم فلام ولىّ ق�ال‪ :‬ال تعطوها‬
‫إياه(((‪.‬‬
‫ولكن الزخمرشي توهم يف اس�م س�نان حيث سماه (س�نان بن يزيد النخعي‪،‬‬
‫وكما هو معل�وم فان يزيد أبو خ�ولىّ األصبحي) وعمد ابن األثير يف النهاية إىل‬
‫تفسير احلديث ورشح كلامته‪ ،‬فقال‪ِ :‬‬
‫الوك ْل‪ :‬البليد اجلبان‪ ،‬وقيل‪ :‬العاجز الذي‬
‫ري وكل ويف‬
‫رأس ُه امر ًء غ َ‬
‫وليت َ‬
‫يكل أمره إىل غريه ومنه مقتل احلسني‪ ،‬قال سنان‪ُ :‬‬
‫رواية‪ :‬وكلته إىل غري (وكل) يعني نفسه(((‪.‬‬
‫وق�د أص�اب اب�ن منظور يف لس�ان العرب عندما اس�تظهر أن لف�ظ (وليت)‬
‫(وليت) ألن اجلملة ال معنى هلا مع‬
‫َ‬ ‫(وليت) وليس‬
‫ُ‬ ‫يضب�ط بالض�م ال بالفتح أي‬
‫الفتح‪ .‬يقول ابن منظور‪:‬‬
‫وليت رأس�ه ضبط يف األصل والنهاية بفتح الت�اء‪ ،‬والظاهر أنه بضمها‬ ‫قول�ه ُ‬
‫ً‬
‫أمرأ غري وكل‪ ،‬ويف رواية وكل ُت ُه إىل غري وكل يعني نفسه(((‪.‬‬
‫ويرشح ابن منظور الدرس يف موضع آخر فيقول‪:‬‬
‫ويف حديث عمر ريض اهلل عنه‪ :‬إن أخوف ما أخاف عليكم أن يؤخذ الرجل‬
‫املسلم الربيء عند اهلل فيدرس كام يدرس اجلزور‪ ،‬الدرس‪ :‬الدفع‪ ،‬أي يدفع ويكب‬
‫للقتل‪ ،‬ما يفعل باجلزور عند النحر(((‪.‬‬
‫ويضيف الزبيدي يف تاج العروس مزيد ًا وإيضاح ًا ملعنى الدرس فيقول‪( :‬ويف‬
‫حدي�ث ابن عباس‪ ،‬وس�ئل عن زكاة العنرب‪ ،‬فق�ال‪( :‬إنام هو يشء درسه البحر)‪،‬‬

‫الفائق للزخمرشي‪.424/1:‬‬ ‫(( (‬


‫النهاية يف غريب احلديث‪.222/5 :‬‬ ‫((( ‬
‫لسان العرب‪.735/11 :‬‬ ‫((( ‬
‫لسان العرب‪.284/4 :‬‬ ‫((( ‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 33‬‬

‫أي دفعه موج البحر وألقاه إىل الشط فال زكاة فيه(((‪.‬‬
‫وق�ال ابن الكلبي عن أبيه‪ :‬قاتل احلسين‪ 5‬قد دخ�ل إىل احلجاج فقال‪:‬‬
‫أن�ت قتلت حس�ين ًا؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬وكيف قتلته؟ ق�ال‪َ :‬دسرَ ْ تُه بالرمح درس ًا‪،‬‬
‫ووكلت رأسه إىل امرئ غري وكل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وهربته بالسيف هرب ًا‪،‬‬
‫فق�ال احلجاج‪ :‬واهلل ال جتتمع�ان يف اجلنة أبد ًا‪ ،‬فخرج أه�ل العراق يقولون‪:‬‬
‫صدق األمري‪ .‬ال جيتمع ـ واهلل ـ ابن رسول اهلل وقاتله يف اجلنة أبد ًا‪.‬‬
‫وخرج أهل الشام يقولون‪ :‬صدق األمري‪ ،‬وال جيتمع َمن شق عصا املسلمني‪،‬‬
‫وخالف أمري املؤمنني‪ ،‬وقاتله يف طاعة اهلل يف اجلنة أبد ًا‪.‬‬
‫ويف عبارة س�نان ما يدل عىل األس�لوب العنيف الذي س�لكه حني بارش قتل‬
‫احلسني‪ 5‬وحز رأسه‪.‬‬

‫((( تاج العروس‪.401/6 :‬‬


‫�شمر بن ذي اجلو�شن‬

‫أغل�ب الرواي�ات الت�ي ذك�رت أن س�نان بن أن�س هو قاتل احلسين‪5‬‬


‫أردفت اس�م الشمر بن ذي اجلوشن كاحتامل قوي ٍ‬
‫ثان إىل جانب سنان‪ ،‬ولذلك‬
‫فام تقدم من املصادر التي ذكرت سنان أكثرها تثبت شمر بن ذي اجلوشن إضافة‬
‫إىل ما س�يأيت فام ذك�ره عىل وجه االنفراد جازم ًا بأنه هو الذي بارش قتل احلسين‬
‫وقطع رأسه عن جسده‪ .‬وهناك من جعل األولوية لشمر من خالل الرتجيح بني‬
‫االحتامالت باس�تعامل عبارات خمتلفة كقوهلم األصح أو األش�هر وغري ذلك مما‬
‫سوف نالحظه يف املشرتك من الروايات‪ .‬قال خليفة بن خياط يف تارخيه‪:‬‬
‫الذي ويل قتل احلسين شمر بن ذي اجلوشن‪ ،‬وأمري اجليش عمر بن سعد(((‪.‬‬
‫وق�ال اب�ن حج�ر يف اإلصابة يف مع�رض كالمه يف أم�ر املختار وثورت�ه وما نتج‬
‫عنها‪ :‬قتل شمر بن ذي اجلوشن‪ ..‬الذي بارش قتل احلسني وخوىل بن يزيد الذي‬
‫سار برأسه إىل الكوفة(((‪.‬‬
‫وقال الذهبي يف تاريخ اإلسلام‪ :‬ش�مر بن ذي اجلوش�ن الضبايب الذي احتز‬
‫رأس احلسني عىل األشهر(((‪.‬‬

‫(( ( تاريخ خليفة بن خياط‪.179 :‬‬


‫((( اإلصابة‪.276/6 :‬‬
‫((( تاريخ اإلسالم‪.125/5 :‬‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 35‬‬

‫وقال ابن حبان يف كتابه الثقات‪ :‬والذي توىل يف ذلك اليوم حز رأس احلسني‬
‫بن عيل بن أيب طالب شمر بن ذي اجلوشن(((‪.‬‬
‫يض�اف إىل م�ا تق�دم العدي�د م�ن املص�ادرات الت�ي نعتت ش�مر ًا بأن�ه قاتل‬
‫احلسين‪ 5‬إش�ارة إىل أنه ه�و الذي ب�ارش ذلك بنفس�ه منفرد ًا أو بمش�اركة‬
‫ٍ‬
‫نصوص أخرى‪ ،‬ونورد بعض النامذج من هذه الروايات‪:‬‬ ‫اآلخرين كام هو ظاهر‬
‫قال ابن ماكوال يف إكامل الكامل يف ترمجته لذي اجلوشن‪ :‬وهو والد شمر بن ذي‬
‫اجلوشن قاتل احلسني ريض اهلل عنه(((‪.‬‬
‫وروى الذهبي عن الواقدي عن أيب اس�حاق قال‪ :‬رأيت قاتل احلسين شمر‬
‫بن ذي اجلوشن(((‪.‬‬
‫وأم�ا ما خيص رؤيا النبي‪ 1‬والتي ذك�رت يف العديد من املصادر التارخيية‬
‫منها تاريخ مدينة دمشق البن عساكر والسرية احللبية حيث جاء فيها‪ :‬قيل جلعفر‬
‫الص�ادق كم تتأخ�ر الرؤيا فقال‪ :‬رأى النبي‪ 1‬يف منام�ه كأن كلب ًا أبقع بلغ يف‬
‫دمه‪ ،‬فكأن أي ذلك الكلب األبقع شمر ًا قاتل احلسني وكان أبرص‪ ،‬فكان تأخري‬
‫الرؤيا بعد مخسني سنة(((‪.‬‬
‫ويف تاريخ مدينة دمش�ق‪ :‬عن حممد بن عمرو بن حس�ن قال‪ :‬كنا مع احلسني‬
‫ريض اهلل عن�ه بنه�ري كربالء فنظر إىل ش�مر بن ذي اجلوش�ن فق�ال‪ :‬صدق اهلل‬
‫ٍ‬
‫كل�ب أبقع بل�غ يف دماء أهب‬ ‫ورس�وله (ق�ال رس�ول اهلل‪ )5‬كأين أنظ�ر إىل‬
‫بيتي(((‪.‬‬

‫الثقات البن حبان‪.311/2 :‬‬ ‫(( (‬


‫إكامل الكامل‪.165/2 :‬‬ ‫((( ‬
‫تاريخ اإلسالم‪.125/5 :‬‬ ‫((( ‬
‫السرية احللبية‪.38/1 :‬‬ ‫((( ‬
‫تاريخ مدينة دمشق‪.16/55 :‬‬ ‫((( ‬
‫‪36‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫وكذل�ك جاء اخلرب يف ال�وايف بالوفيات للصفدي وفيه تتمة حيث قال‪ :‬وكان‬
‫شمر أبرص ًا(((‪.‬‬
‫وكذل�ك أورد اخلبر بتاممه ابن خلكان يف وفيات األعيان وقال‪ :‬فكان ش�مر‬
‫بن ذي اجلوش�ن قاتل احلسين بن علي‪ ،‬وكان أبرص فأخرب الرؤيا بعد مخسين‬
‫سنة(((‪.‬‬
‫وقال القلقش�ندي يف صبح األعشى وهو يستعرض عقائد الشيعة ومتبنياهتم‬
‫الفكرية والسياس�ية‪ :‬ويعدون من العظائم فعل شمر بن ذي اجلوشن وهو الذي‬
‫احتز رأس احلسين‪ ،‬وأن من س�اعده عىل ذلك مرتكب أعظم حمظورات بأش�د‬
‫بلية‪ ،‬وحقيق ذلك أن يستعظموه فأي جريمة أعظم من قتل سبط رسول اهلل(((‪.‬‬
‫يوسف بن عيل اهلادي‪ :‬من مقطعاته وهو من نكته البديعة‪:‬‬
‫جئ�ت أ ْم َ�را‬ ‫ـ�ب ال‬ ‫وء َع ْذ ِل ال َّل ِ‬
‫واحي بالتجِّل�يِّ‬ ‫ُد َّك ِشمر ًا يف س ِ‬
‫َ‬ ‫للص ِّ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واخشَ �ه ي�ا‬
‫رخـم�وه واجتن ْب�ه فق�د َغ�دا ل�ك ش ْ‬
‫�م َرا‬ ‫حسين إن َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ف�إن ش�مر هو ترخي�م ش�مراخ‪ ،‬وقد تقدم أن ش�مر ًا ه�و ال�ذي احتز رأس‬
‫(((‬
‫احلسني‪.‬‬

‫ذو الجوشن نسبه ولقبه‬


‫ذو اجلوش�ن الضبايب‪ :‬قيل اس�مه أوس ب�ن األعور وبه ج�زم املرزباين وقيل‬
‫رشحبيل ـ وهو األشهر ـ بن األعور بن عمرو بن معاوية وهو ضباب بن كالب‬
‫بن ربيعة بن عامر بن صعصعة‪ ،‬وزعم ابن شاهني أن اسمه عثامن بن نوفل‪ ،‬قال‬

‫الوايف بالوفيات‪.105/16 :‬‬ ‫(( (‬


‫وفيات األعيان‪.68/7 :‬‬ ‫((( ‬
‫صبح األعشى‪.234/13 :‬‬ ‫((( ‬
‫نفحة الرحيانة ورشحة طالء احلانة‪.245/3 :‬‬ ‫((( ‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 37‬‬

‫مس�لم له صحبة‪ ،‬قال أبو الس�عادات بن األثري يقال أنه لقب بذي اجلوشن ألنه‬
‫دخل عىل كرسى فأعطاه جوش�ن ًا فلبس�ه‪ ،‬فكان أول عر ٍ‬
‫يب لبسه‪ ،‬وقال غريه قيل‬
‫له ذلك ألن صدره كان ناتئ ًا‪.‬‬
‫وكان فارس� ًا ش�اعر ًا له يف أخيه الصميل مراث حسنة‪ ،‬قلت وله حديث عند‬
‫أيب داوود من طريق أيب اسحاق عنه‪ ،‬وقال أنه مل يسمع منه‪ ،‬وإنام سمعه من ولده‬
‫شمر(((‪.‬‬
‫وما ذكر من شعره يف أخيه الصميل قوله‪:‬‬
‫بع�د اللق�اء وأمس�ى خائف� ًا وجلا‬ ‫أمسى بكودى أث��ال ال ب��راح به‬
‫وك�ود أثال ماء لبني جعفر وقيل جبل‪ ،‬وأثال علم مرجتل الس�م موضع قتل‬
‫فيه الصميل بن األعور الضبايب(((‪.‬‬
‫ومن ش�عره ما كان يف بئر له تس�مى الرضية‪ ،‬ق�ال األندليس‪ :‬كانت رضية يف‬
‫اجلاهلية من مياه ضباب‪ ،‬وكانت لذي اجلوش�ن الضبايب أيب شمر‪ ،‬قاتل احلسني‬
‫بن عيل ريض اهلل عنه‪ ..‬أسلم ذو اجلوشن عليها وقال يف اجلاهلية يعنيها‪:‬‬
‫�ت عيايل ليجعل يل َل���دَ ى َوس ٍ‬ ‫����و ُت اهلل إذ َس��غْ ��ب� ْ‬
‫���ط طعاما‬ ‫َ‬ ‫َد َع ْ‬
‫واحل���ب ال�� ُّت��ؤام��ا‬ ‫�ج امل���اء‬
‫َت��ث� ُّ‬ ‫��ـ��ر بئر‬
‫��ي َ‬ ‫ف��أع��ط��اين ضرَ َّي����ة َخ ْ‬
‫ْ‬
‫(((‬
‫َّ‬
‫والضباب‪ :‬اسم ٍ‬
‫رجل‪ ،‬وهو أبو بطن‪ ،‬سمي بجمع الضب كام يف لسان العرب‪.‬‬

‫لقاء ذي الجوشن رسول اهلل‬


‫أش�ارت معظم املص�ادر التارخيي�ة واحلديثي�ة إىل لقاء ذي اجلوش�ن الضبايب‬
‫برس�ول اهلل‪ 1‬وذل�ك بع�د معركة بدر مب�ارشةً‪ ،‬وجرى بينهام ح�وار دعا فيه‬

‫(( ( اإلصابة‪.410/2 :‬‬


‫((( معجم ما استعجم‪.1140/4 :‬‬
‫((( معجم ما استعجم‪.865/3 :‬‬
‫‪38‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ً‬
‫معللا رفضه بأن أهل‬ ‫النبي‪ 5‬ذا اجلوش�ن إىل اإلسلام ولكن�ه رفض ذلك‬
‫مكة وهم قوم النبي ال زالوا يرفضون هذا الدين ويقاتلون من جاء به‪ ،‬ثم عرض‬
‫عىل رس�ول اهلل‪ 5‬هدية‪ ،‬رفض النبي أخذها دون عوض‪ ،‬فأبى ذو اجلوش�ن‬
‫أخذ العوض‪ ،‬وقد روى البخاري لقاء النبي بذي اجلوشن عىل الوجه التايل‪:‬‬
‫ع�ن ذي اجلوش�ن الضبايب ق�ال‪ :‬أتيت رس�ول اهلل بعد أن فرغ م�ن بدر بابن‬
‫فرس يل يقال هلا القرحاء ليتخذه فقال ال حاجة يل فيه‪ ،‬وإن أردت أن أقضيك به‬
‫املخت�ارة من دروع بدر فعلت وجعلت‪ ،‬ما كن�ت ألقضيك اليوم بغريه(((‪ .‬قال‪:‬‬
‫فال حاجة يل فيه‪ ،‬إين أرى قومك ولعوا بك‪ ،‬قال‪ :‬فكيف بلغك عن مصارعهم‪،‬‬
‫قل�ت ق�د بلغني‪ ،‬قال‪ :‬فأن�ى هيدى بك‪ ،‬قل�ت‪ :‬أن تغلب عىل الكعب�ة وتقطنها‪،‬‬
‫ق�ال‪ :‬لعلك إن عش�ت أن ترى ذلك‪ ،‬قال‪ :‬يا بالل خ�ذ حقيبة الرجل فزوده من‬
‫العجوة‪ ،‬فلام أن أدبرت قال‪ :‬إما أنه خري فرس�ان بني عامر‪ ،‬قال‪ :‬فواهلل إين بأهيل‬
‫بالع�ود إذ أقبل راك�ب‪ ،‬فقلت‪ :‬من أين؟‪ ،‬قال‪ :‬من مك�ة‪ .‬قلت‪ :‬ما فعل الناس‪،‬‬
‫ٍ‬
‫يومئذ ثم أس�اله‬ ‫ق�ال‪ :‬خ�ذ واهلل غل�ب عليها حممد وقطنها‪ ،‬فقلت‪ :‬لو أس�لمت‬
‫احلرية ألقطعنيها(((‪.‬‬

‫إسالم ذي الجوشن‬
‫يبدو أن ذي اجلوشن وغريه من العرب كانوا ينتظرون نتيجة الرصاع املحتدم‬
‫ٍ‬
‫اس�تعداد للمجازفة بمراكزهم وأمواهلم وحتى‬ ‫بني النبي وقريش‪ ،‬فام كانوا عىل‬
‫راحته�م يف ح�ال االنضمام إىل الدي�ن اجلديد م�ا دامت نتائج ه�ذا الرصاع غري‬
‫يكف انتصار املسلمني يف بدر لرتجيح كفتهم لدى ذي اجلوشن كام‬ ‫واضحة‪ ،‬ومل ِ‬

‫(( ( اآلحاد واملثاين البن أيب عاصم‪.176/3 :‬‬


‫بغرة‪ ...‬وجيوز أن يكون أراد بالغرة النفيس من كل‬
‫((( ويف لسان العرب‪( :‬ما كنت ألقضيه اليوم ِّ‬
‫يشء فيكون التقدير ما كنت ألقضيه باليشء النفيس املرغوب فيه)‪.‬‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 39‬‬

‫تقدم‪ ،‬وإنام وضع سقوط مكة واستيالء النبي عليها رشط ًا إلسالمه‪.‬‬
‫ويمك�ن أن يق�ال أن ه�ذا الشرط كان منطقي� ًا بحس�ابات رؤوس القبائ�ل‬
‫واملتنفذين يف جزيرة العرب إذا ما وضعنا يف نظر االعتبار مكانة قريش وسطوهتا‬
‫وهيمنتها املادية والروحية عىل ش�به اجلزي�رة العربية فام دامت عاصمتها ـ مكة ـ‬
‫يف قبضة قريش وما زالوا هم املتحكمون هبا كان من الصعوبة بمكان ألي رئيس‬
‫قبيلة له نفوذه ومكانته أن جيازف باس�تعداء قريش ونرصة حممد الذي تآمر عليه‬
‫قومه فخرج من بينهم طلب ًا للنرصة والنجاة ببدنه وبنفسه‪.‬‬
‫ٌ‬
‫خمتلف كل االختالف فيام لو متكن حممد من الس�يطرة عىل مكة‬ ‫ولك�ن األمر‬
‫واإلطاحة بحكومتها القرش�ية املهيمنة‪ ،‬وذلك ما حتقق فع ً‬
‫ال فكانت نتيجة تلك‬
‫الوفود التي توالت عىل املدينة من مجيع أطراف اجلزيرة العربية داخل ًة يف دين اهلل‬
‫أفواج ًا مستس�لمة لق�وة وإرادة النبي وأتباعه‪ ،‬فكان ذو اجلوش�ن عىل رأس بني‬
‫ضباب يف وفدهم إىل املدينة مذعنني النتصار اإلسالم ومبايعني رسول اهلل‪.1‬‬
‫وقد ذكره اليعقويب حتت عنوان وفود العرب الذين قدموا عىل رسول اهلل‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫وقدمت عليه وفود العرب ولكل قبيلة رئيس يتقدمهم‪ ،‬فقدمت مزينة ورئيسهم‬
‫خزاعي بن عبد هنم‪،‬وأش�جع ورئيسهم عبد اهلل بن مالك‪...‬والضباب ورئيسها‬
‫ذو اجلوشن الضبايب‪.‬‬
‫ولكن اليعقويب خلط بني ذي اجلوش�ن وابنه ش�مر‪ ،‬كام فعل بعض املؤرخني‬
‫والرواة فقال‪ :‬املشارك يف قتل احلسني بن عيل ريض اهلل عنه(((‪.‬‬

‫شمر بن ذي الجوشن‬
‫ش�مر بن ذي اجلوش�ن‪ ،‬أبو الس�ابغة‪ ،‬من كبار قتلة احلسني الشهيد (رض)‪،‬‬
‫كان يف أول أمره من ذوي الرياس�ة يف (هوازن) موصوف ًا بالشجاعة‪ ،‬وشهد يوم‬

‫((( تاريخ اليعقويب‪.401/1 :‬‬


‫‪40‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫صفين م�ع عيل‪ ،‬ثم أق�ام يف الكوفة يروي احلديث إىل أن كان�ت الفاجعة بمقتل‬
‫احلسني‪ ،‬فكان من قتلته‪.‬‬
‫هكذا خلص الزركيل هذه املرحلة من حياة شمر بن ذي اجلوشن وهناك مراحل‬
‫أخرى س�وف نقف عىل تفصيالهتا‪ ،‬فحياة شمر حافلة بالنشاط العسكري الذي‬
‫كان هو السائد يف عرصه‪ ،‬كام أشري إىل أنه كان يروي احلديث فقد ورد يف أسانيد‬
‫بعض األحاديث بكنيته دون اسمه‪.‬‬

‫روايته للحديث‬
‫أبو السابغة حيث ورد يف إسناد قلة من األحاديث‪ ،‬وحني االستقصاء وجدنا‬
‫أن ه�ذه الكنية أطلقت عىل ش�خصني أحدهم أبو الس�ابغة النه�دي الذي روى‬
‫حديث قتال اإلمام للخوارج ووصف حاهلم‪.‬‬
‫والثاين هو شمر بن ذي اجلوشن‪ ،‬ولذلك من الصعب معرفة املقصود يف إسناد‬
‫األحاديث التي يذكر فيها أبو السابغة جمرد ًا عن ذكر ما يميزه كقوهلم النهدي أو‬
‫الضب�ايب‪ ،‬ولكن باإلمكان متييز روايات�ه ـ إن وجدت ـ من خالل الرتكيز عىل ما‬
‫روى عنه شمر ومن روى عن شمر كام ذكره الرجاليون حني ترمجوا لشمر‪ ،‬قال‬
‫الذهبي يف ميزان االعتدال ش�مر بن ذي اجلوشن‪ ،‬أبو السابغة الضبايب‪ ،‬عن أبيه‬
‫وعنه أبو اس�حق الس�بيعي‪ ،‬وأردف الذهبي ذلك فقال‪ :‬ليس ٍ‬
‫بأهل للرواية فإنه‬
‫أحد قتلة احلسني(((‪.‬‬
‫وقال ابن عساكر يف تاريخ دمشق‪ :‬أبو السابغة العامري ثم الضبايب‪ ،‬حي من‬
‫بن�ي كالب‪ ،‬كان�ت ألبيه صحبة وه�و تابعي‪ ...‬وحدث عن أبي�ه‪ ،‬روى عنه أبو‬
‫اسحق السبيعي(((‪.‬‬

‫(( ( ميزان االعتدال‪.280/2 :‬‬


‫((( تاريخ دمشق‪.186/23 :‬‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 41‬‬

‫وإذا عرفنا أن أباه أسلم عام الوفود ثم رجع مع قومه إىل ديارهم‪ ،‬فال يمكن‬
‫أن يكون من رواة احلديث س�وى ما ذكر من لقائه مع النبي‪ 1‬قبل إسلامه‪،‬‬
‫وذلك غري معدود يف الرواية‪.‬‬
‫ولكن املزي يف هتذيب الكامل قال يف ترمجة ذي اجلوش�ن‪ :‬وهو أبو ش�مر بن‬
‫ذي اجلوشن ـ عداده يف الصحابة‪.‬‬
‫روى عن النبي وروى عنه أبو اسحق السبيعي‪.‬‬
‫وعلق حمقق هتذيب الكامل عىل ذلك فقال‪ :‬وقال ابن عبد الرب يف االستيعاب‪:‬‬
‫وقيل‪ :‬أن أبا اسحق مل يسمع منه‪ ،‬وإنام سمع حديثه من ابنه شمر بن ذي اجلوشن‬
‫عن أبيه(((‪.‬‬
‫ولي�س ببعيد أن يكون ش�مر روى بعض األحاديث‪ ،‬ولك�ن املؤرشات تدل‬
‫عىل أنه نقل لقاء أبيه مع النبي وذلك ما سمعه منه أبو اسحق السبيعي‪ .‬فقد روى‬
‫موضع آخر عن س�فيان قال‪ :‬وكان ابن ذي اجلوش�ن جار ًا أليب اسحق‬
‫ٍ‬ ‫املزي يف‬
‫ال أراه إال س�معه منه(((‪ .‬والصحيح م�ا ذكره الرتهيب يف ميزان االعتدال‪ ،‬وابن‬
‫حجر يف لسان امليزان‪ :‬أنه ليس ٍ‬
‫بأهل للرواية فإنه أحد قتلة احلسني‪.‬‬

‫الشمر في خالفة اإلمام علي‪5‬‬


‫مل نجد نشاط ًا بارز ًا للشمر يف احلياة اإلسالمية أيام اخللفاء الثالثة ولعل ذلك‬
‫يرجع إىل صغر س�نه‪ ،‬وإن كنا ال نعلم س�نة والدته‪ ،‬ولكن كونه من التابعني فهو‬
‫مل يدرك النبي مما يدل عىل حداثة سنه أيام أيب بكر وعمر وعثامن‪.‬‬
‫وظاهر بعض الروايات التأرخيية أن شمر ًا كان من املشاركني يف معركة صفني‬
‫إىل جان�ب اإلمام عيل‪ 5‬الذي انضم إليه الغالبي�ة العظمى من أهل الكوفة‪،‬‬

‫(( ( هتذيب الكامل‪.525/8 :‬‬


‫((( هتذيب الكامل‪.527/8 :‬‬
‫‪42‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫وقد أش�ار البالذري يف أنس�اب األرشاف إىل أن الش�مر كان يقود كتيبة‪ ،‬ولكن‬
‫حلن الرواية يوحي بضعفها‪ ،‬حيث قال‪ :‬وكان شمر بن ذي اجلوشن يف كتيبة فيام‬
‫يقول بعضهم(((‪.‬‬
‫وذك�ر اب�ن األثير يف الكامل أن ش�مر بن ذي اجلوش�ن بارز أده�م بن حمرز‬
‫الباهلي فرضب�ه حمرز عىل وجهه فرجع ش�مر إىل رحله فرشب امل�اء وكان ظمآن ًا‬
‫وأخذ الرمح ومحل عىل أدهم فرصعه‪ ،‬وقال‪ :‬هذه بتلك(((‪.‬‬
‫وقد روى خرب لقاء أدهم مع الشمر يف صفني نرص بن مزاحم بتفصيل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫عم�ر بن س�عد‪ ،‬حدثنا يونس بن أيب اس�حق قال‪ :‬قال لنا أده�م بن حمرز الباهيل‬
‫ونح�ن معه ب�اوزح‪ :‬هل رأى أحد منكم ش�مر بن ذي اجلوش�ن؟ فقال عبد اهلل‬
‫بن كبار النهدي‪ ،‬وس�عيد بن خازم الس�لويل‪ :‬نحن رأيناه‪ .‬قال‪ :‬فهل رأيتام رضبة‬
‫بوجه�ه؟ قاال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬أنا واهلل رضبته تل�ك الرضبة بصفني‪ .‬ثم نقل تفاصيل‬
‫اللقاء عن عمر عن الصلت بن زهري النهدي عن مسلم قال‪ :‬خرج أدهم بن حمرز‬
‫من أصحاب معاوية بصفني إىل ش�مر بن ذي اجلوش�ن اختلفا رضبتني‪ ،‬فرضبه‬
‫أدهم عىل جبينه‪ ،‬فأرسع فيه الس�يف حتى خالط العظم‪ ،‬ورضبه ش�مر فلم يقع‬
‫سيفه شيئ ًا‪ ،‬فرج إىل عسكره فرشب من املاء وأخذ رحم ًا ثم أقبل وهو يقول‪:‬‬
‫ب��ط��ع��ن��ة إن مل أم���ت عاجلة‬ ‫إين زع���ي���م ألخ����ي ب��أه��ل��ة‬
‫ش��ب��ي��ه��ة ب��ال��ق��ت��ل أو ق��ات��ل��ة‬ ‫وض��ب��ة حت��ت ال��وغ��ى فاصلة‬
‫ثم محل عىل أدهم وهو يعرف وجهه‪ ،‬وأدهم ثابت له مل ينرصف فطعنه فوقع‬
‫عن فرسه‪ ،‬وحال أصحابه دونه فانرص‪ ،‬فقال شمر‪ :‬هذه بتلك(((‪.‬‬

‫(( ( أنساب األرشاف‪.212/2 :‬‬


‫((( الكامل يف التاريخ‪.182/3 :‬‬
‫((( وقعة صفني‪.268 :‬‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 43‬‬

‫شمر يشهد ضد حجر بن عدي وأصحابه‬


‫ظل�ت الكوفة مناهض�ة للحكم األموي طيل�ة أيامه وأدواره‪ ،‬وقد اس�تعمل‬
‫معاوية بن أيب س�فيان شتى األساليب وخمتلف الوس�ائل إلخضاع أهلها وكرس‬
‫ش�وكتهم‪ ،‬واخت�ذت أش�كال املقاومة عدة ص�ور وتلونت بأكثر م�ن لون‪ ،‬فمن‬
‫الرفض العلني ملامرس�ات الوالة وإجبار بعضهم عىل مغادرة البلد‪ ،‬إىل الوقوف‬
‫ب�كل قوة يف وجه بعض املامرس�ات النزقة من قبل ممثيل الس�لطة وأزالمها الذي‬
‫كانوا يتطاولون عىل مقام أمري املؤمنني فيواجهون ردود ًا عنيفة واس�تنكار ًا يتخذ‬
‫ٍ‬
‫أحيان أخرى‪.‬‬ ‫طابع اجلامعة أحيان ًا ويقترص عىل األفراد يف‬
‫وم�ن احل�وادث املش�هورة يف ه�ذا املي�دان حرك�ة حجر ب�ن ع�دي الكندي‬
‫وأصحابه حينام انتفضوا بوجه زياد بن أبيه وعارضوا سياس�ته املتعس�فة يف أهل‬
‫الكوف�ة‪ ،‬وتفصي�ل ذلك أوردناه يف ترمجة عمرو بن حريث إال أننا نقترص يف هذا‬
‫املوضع عىل اإلش�ارة إىل دور الش�مر بن ذي اجلوش�ن حيث أدىل بش�هادته ضد‬
‫حج�ر وأصحاب�ه‪ ،‬تل�ك الش�هادة اجلائرة التي انته�ت إىل آثار خطيرة متثلت يف‬
‫جم�زرة راح ضحيته�ا رجل معدود من عباد هذه األم�ة وزهادها‪ ،‬وهو حجر بن‬
‫عدي إضافة إىل جمموعة من الصاحلني املؤمنني‪ ،‬نفذ فيهم معاوية بن أيب س�فيان‬
‫حكم اإلعدام يف مرج العذراء ظل ًام وعدوان ًا‪.‬‬
‫وقد روى األصفهاين يف كتاب األغاين قصة هذه الشهادة ورسد قائمة طويلة‬
‫بأسامء الشهود جاء فيها‪:‬‬
‫وبعث ـ زياد ـ إىل رؤوس األرباع فأش�خصهم فحرضوا وقال اش�هدوا عىل‬
‫حج�ر بام رأيتموه‪ ،‬وهم عمرو بن حريث وخالد بن عرفطة وقيس بن الوليد بن‬
‫عبد شمس بن املغرية فشهدوا أن حجر ًا مجع اجلموع وأظهر شتم اخلليفة وعيب‬
‫زي�اد‪ ،‬وأظه�ر عذر أيب تراب والرتحم عليه والرباءة م�ن عدوه وأهل حربه وإن‬
‫هؤالء الذين معه رؤوس أصحابه وعىل مثل رأيه‪...‬‬
‫‪44‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ولكن هذه الشهادة مل تكن لرتيض ابن زياد‪ ،‬فأرادوها حسب ما يشتهي وعىل‬
‫الش�هود أن يمعنوا بالكذب ويتوس�عوا يف التزوير‪ ،‬فقال‪ :‬ما أظن هذه الش�هادة‬
‫قاطعة‪ ،‬وأحب أن يكون الش�هود أكثر من أربعة فكتب أبو بردة بن أيب موس�ى‪:‬‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أيب موسى هلل رب العاملني‪،‬‬
‫ش�هد أن حج�ر بن عدي خلع الطاع�ة‪ ،‬وفارق اجلامعة‪ ،‬ولع�ن اخلليفة ودعا إىل‬
‫احلرب والفتنة‪ ،‬ودعا إليه اجلموع يدعوهم إىل نكث البيعة‪ ،‬وخلع أمري املؤمنني‬
‫معاوية‪ ،‬وكفر باهلل كفرة صلعاء‪ ،‬فقال زياد عىل مثل هذه الشهادة فاشهدوا واهلل‬
‫ألجه�دن يف قطع عناق اخلائن األمحق‪ ،‬فش�هد رؤوس األرباع الثالثة اآلخرون‬
‫على مث�ل ذلك‪ ،‬ثم دع�ا الناس فقال‪ :‬اش�هدوا على مثل ما ش�هد عليه رؤوس‬
‫األرباع‪ ،‬فقام عثامن بن رشحبيل التيمي أول الناس‪ ،‬فقال‪ :‬اكتبوا اس�مي‪ ،‬فقال‬
‫زي�اد‪ :‬اب�دؤوا بقريش‪ ،‬ثم اكتبوا اس�م من نعرفه ويعرفه أمير املؤمنني بالصحبة‬
‫واالستقامة وهكذا سارع الكثري من االنتهازيني واملتملقني والراغبني يف احلظوة‬
‫عند زياد بالش�هادة فكان�ت القائمة طويلة تضمنت العديد من األسماء الالمعة‬
‫آن�ذاك يف الكوفة منهم‪ :‬حجار بن أبجر العجيل‪ ،‬وعمرو بن احلجاج‪ ...‬وأسماء‬
‫بن خارجة وشمر بن ذي اجلوشن‪ ...‬وشبث بن ربعي وسامك بن خمرمة األسدي‬
‫صاحب مس�جد سماك‪ ،‬ودعا املخت�ار بن عبيد وع�روة بن املغرية بن ش�عبة إىل‬
‫الشهادة فراغا(((‪.‬‬

‫دور الشمر في تخذيل الناس عن مسلم بن عقيل‬


‫كان الدور األسايس لشمر بن ذي اجلوشن يف التاريخ اإلسالمي ما قام به من‬
‫نشاط بارز يف أحداث ثورة احلسني بن عيل‪ ،5‬حيث انحاز ابن ذي اجلوشن‬
‫إىل جانب حكومة يزيد املتمثلة بوالته يف الكوفة وعىل رأسهم زياد بن أبيه وابنه‬

‫((( األغاين‪ 149 /17 :‬ـ ‪.150‬‬


‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 45‬‬

‫عبي�د اهلل بن زياد الذي توىل أمر الكوفة ليتصدى لنهضة احلسين‪ 5‬حيث مل‬
‫جي�د غري الكوفة قاع�د ًة ينطلق منها ملناهضة الظلم األموي املتجس�د يف حكومة‬
‫يزيد بن معاوية‪.‬‬
‫واخلطوة األوىل التي بادر هبا احلسين‪ 5‬هي إرس�ال مس�لم بن عقيل إىل‬
‫الكوف�ة ليأخ�ذ له البيع�ة من أهله�ا وينظ�م أمورها ريثام يصل احلسين‪،5‬‬
‫وق�د جرت فيها حت�والت كثرية خالل وجود مس�لم فيها أمهها أن مس�ل ًام متكن‬
‫من اس�تقطاب أكثرية أهل املرص وأخذ منهم البيعة للحسين‪ ،5‬واختذ عدة‬
‫إجراءات متهيد ًا ملجيء اإلمام واس�تعداد ًا لكل طارئ كجمع السالح واألموال‬
‫وترتي�ب اخلط�ط‪ ،‬وكل ذلك مفص�ل يف كتب التاري�خ‪ ،‬ولكن يزيد ب�ن معاوية‬
‫اخت�ار عبي�د اهلل ب�ن زي�اد والي ًا على الكوفة بعد أن ع�زل عنها النعامن بن بشير‬
‫لضعف�ه‪ ،‬وأوكل إلي�ه إع�ادة املدينة إىل القبض�ة األموية‪ ،‬وقد اس�تخدم ابن زياد‬
‫عدة أس�اليب متكن من خالهلا دخ�ول الكوفة والتحصن بقصر اإلمارة وإدارة‬
‫الصراع بنج�اح عىل الرغم م�ن انحياز األغلبية الس�احقة إىل مس�لم بن عقيل‪،‬‬
‫ومن أبرز الوس�ائل التي اس�تخدمها احلرب النفس�ية إذ كان هلا األثر يف تش�تيت‬
‫ٍ‬
‫رجال‬ ‫الناس وختاذهلم عن مس�لم بن عقيل‪ ،‬وقد اختار ابن زياد هلذه املهمة عدة‬
‫معروفني بمواالهتم للحكم األموي وتفانيهم يف خدمة الوالة كان ش�مر بن ذي‬
‫اجلوشن من أبرزهم‪.‬‬
‫ق�ال اب�ن األثري يف الكامل يصف حالة أنصار مس�لم املحدقني بقرص اإلمارة‬
‫وهم حيارصون ابن زياد‪:‬‬
‫والناس يس�بون ابن زياد وأباه‪ ،‬فدعا ابن زياد كثري بن شهاب احلارثي وأمره‬
‫أن خيرج فيمن أطاعه من مذحج‪ ،‬فيسير وخيذل الناس عن ابن عقيل وخيوفهم‪،‬‬
‫وأمر حممد بن األشعث أن خيرج فيمن أطاعه من كندة وحرضموت‪ ،‬فريفع راية‪،‬‬
‫أم�ان ملن جاءه من الناس‪ ،‬وقال مثل ذلك للقعقاع بن ش�ور الذهيل وش�بث بن‬
‫‪46‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ربعي التميمي وحجار بن أبجر العجيل وش�مر بن ذي اجلوشن الضبايب‪ ،‬وترك‬


‫وجوه الناس عنده استئناس� ًا هبم لقلة عدد من معه‪ ،‬وخرج أولئك النفر خيذلون‬
‫الناس‪ ...‬فأخذ أرشافهم يتفرقون(((‪.‬‬

‫نشاط الشمر في واقعة كربالء‪:‬‬


‫‪1‬ـ طم�ع الش�مر يف قي�ادة اجليش م�ن خالل إظه�ار جوانب الضع�ف والرتدد‬
‫عن�د عم�ر بن س�عد املكل�ف بمهمة قي�ادة اجلي�ش‪ ،‬حت�ى اس�تحصل كتاب ًا‬
‫م�ن ابن‪ ‬زي�اد خيير فيه ابن س�عد بين املب�ادرة يف القت�ال أو التخلي لصالح‬
‫شمر‪ ‬بن‪ ‬ذي‪ ‬اجلوشن‪.‬‬
‫(((‬

‫‪2‬ـ تويل الش�مر قيادة ميرسة اجليش بعد أن رفض ابن س�عد التنازل عن القيادة‪،‬‬
‫يقول الدينوري يف األخبار الطوال‪ :‬وملا صىل عمر بن سعد الغداة بأصحابه‪،‬‬
‫وعىل ميمنته عمرو بن احلجاج‪ ،‬وعىل ميرسته شمر بن ذي اجلوشن‪.‬‬
‫(((‬

‫‪3‬ـ حماول�ة ع�زل العباس وإخوته عن احلسين م�ن خالل ما يدعيه من وش�ائج‬
‫القرب�ى باعتباره ينتمي إىل قبيلة كالب‪ ،‬وأنا أم العباس وإخوته كالبية أيض ًا‪،‬‬
‫إال أنه مل يفلح بذلك‪.‬‬
‫‪4‬ـ مزاولة بعض النش�اطات اإلعالمية األخرى كالنداء الذي خاطب به اإلمام‬
‫احلسني‪ 5‬حينام رأى النار التي أوقدها معسكر احلسني‪ 5‬يف اخلندق‬
‫اخللفي فنادى شمر‪ :‬تعجلت النار يا حسني‪ ،‬ليوهم املضللني من أفراد اجليش‬
‫(((‬
‫بأن جيش ابن زياد عىل احلق وأن سبيل احلسني النار‪.‬‬

‫الكامل يف التاريخ‪.394 /3 :‬‬ ‫(( (‬


‫تاريخ الطربي‪.314/4 :‬‬ ‫((( ‬
‫األخبار الطوال‪.256 :‬‬ ‫((( ‬
‫تاريخ الطربي‪.318/3 :‬‬ ‫((( ‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 47‬‬

‫‪5‬ـ قيام�ه ببع�ض األعامل االس�تفزازية كاملحاولة التي أقدم فيها برتويع النس�اء‬
‫واألطف�ال حينام طعن الفس�طاط برحم�ه وصاح‪ :‬عيل بالن�ار حتى أحرق هذا‬
‫البي�ت على أهله‪ ،‬إال أنه تراجع بعد توبيخ محيد بن مس�لم وش�بث بن ربعي‬
‫حي�ث قال ل�ه‪ :‬ما رأيت فع ً‬
‫ال أس�وأ من قولك وال موقف� ًا أقبح من موقفك‪،‬‬
‫أمرعب ًا للنساء رصت‪.‬‬
‫‪6‬ـ إقدام�ه على قتل ناف�ع بن هالل بعد أن كسرت عضداه وأخذ أسير ًا‪ ،‬فقال‬
‫ش�مر البن سعد‪ :‬اقتله أصلحك اهلل! قال ابن سعد‪ :‬أنت جئت به فإن شئت‬
‫فاقتله‪ ،‬فانتىض شمر سيفه فقال له نافع‪ :‬أما واهلل لو كنت من املسلمني لعظم‬
‫علي�ك أن تلق�ى اهلل بدمائن�ا‪ ،‬فاحلمد هلل ال�ذي جعل منايانا على يدي رشار‬
‫(((‬
‫خلقه‪ ،‬فقتله‪.‬‬
‫‪7‬ـ حماول�ة قت�ل اإلمام زي�ن العابدين‪ ،5‬يق�ول محيد بن مس�لم‪ :‬انتهيت إىل‬
‫ٍ‬
‫فراش له وهو مريض‪ ،‬وإذا‬ ‫عيل‪ ‬بن احلسني بن عيل األصغر وهو منبسط عىل‬
‫رجالة معه يقولون‪ :‬أال نقتل هذا‪ ،‬فقلت‪ :‬س�بحان‬
‫ش�مر بن ذي اجلوش�ن يف ّ‬
‫اهلل أتقت�ل الصبي�ان‪ ،‬إن ه�ذا صب�ي‪ ،‬فما زال دأيب ذلك أدفع عن�ه حتى جاء‬
‫عمر‪ ‬بن سعد‪.‬‬

‫شمر يتصدى للمختار‬


‫اضط�رب أم�ر الكوفة وفقدت أمنها واس�تقرارها بعد أن أق�دم ابن زياد عىل‬
‫جريمته الش�نعاء التي راح ضحيتها احلسني بن عيل‪ 5‬سيد شباب أهل اجلنة‬
‫وثلة من أهل بيته وأصحابه ممن ال خيفى فضلهم ومنزلتهم لدى املسلمني عموم ًا‬
‫وأه�ل الكوفة عىل وجه اخلصوص‪ ،‬وظهرت يف املدين�ة املضطربة عدة حتركات‬
‫خلال ٍ‬
‫زمن قصري ال يتجاوز اخلمس س�نوات م�ن أبرزها ث�ورة التوابني بقيادة‬

‫((( تاريخ الطربي‪.328/3 :‬‬


‫‪48‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫س�ليامن ب�ن رصد اخلزاع�ي حيث أبي�دت الغالبية العظم�ى من جنوده�ا البالغ‬
‫عدده�م ثالث�ة آالف‪ ،‬وكان ش�عار اجلميع ه�و الث�أر لدماء احلسين وأهل بيته‬
‫وأصحابه ممن أمر وشارك وأعان عىل قتلهم‪.‬‬
‫ويف العام السادس والسابع والستني للهجرة متكن املختار بن أيب عبيدة الثقفي‬
‫م�ن تفجري ثورة عارمة يف الكوفة‪ ،‬اس�تطاع من خالهلا اإلمس�اك بزمام األمور‪،‬‬
‫وكان هدف�ه األول مالحق�ة ق�ادة اجلي�ش الذي قاتل احلسين وحماول�ة القضاء‬
‫عليه�م‪ ،‬وإن كان املخت�ار قد حقق هذا اهلدف إىل ٍ‬
‫حد بعيد إال أن هؤالء القتلة مل‬
‫يستسلموا بسهولة‪ ،‬وإنام قادوا مقاومة رشسة ودافعوا عن كياهنم وحرصوا عىل‬
‫بقاء النظام احلاكم الذي كان يوفر هلم األمن والعطاء واملناصب‪ ،‬فكانت املعارك‬
‫بينهم وبني املختار سجا ً‬
‫ال بني كر وفر حتى حسم املختار املعركة يف هناية املطاف‬
‫لصاحل�ه‪ ،‬فهرب من هرب ووقع منهم من وق�ع يف قبضة الثوار‪ ،‬ثم جاءت فرتة‬
‫املطاردة واصطياد الكثري منهم خارج الكوفة‪.‬‬
‫وشمر بن ذي اجلوشن ـ كام تقدم ـ كان من أوائل املبادرين للقتال يف كربالء‪،‬‬
‫وه�و املته�م بقتل احلسين‪ 5‬واملرتكب للعديد من اجلرائ�م البد وأن يكون‬
‫م�ن أوائ�ل املس�تهدفني للمختار وأصحاب�ه‪ ،‬وذلك حفزه ألن يك�ون يف مقدمة‬
‫املتصدي�ن هلذه الثورة‪ ،‬وكذل�ك كان أمره حيث جاء يف حديث قدامة بن حوش‬
‫قال‪« :‬جاء ش�بث بن ربعي وش�مر بن ذي اجلوش�ن وحممد بن األش�عث وعبد‬
‫الرمحن بن س�عد بن قيس‪ ،‬حتى دخلوا عىل كعب بن أيب كعب اخلثعمي‪ ،‬فتكلم‬
‫شبث‪ ،‬فحمد اهلل وأثنى عليه ثم أخربه باجتامع رأهيم عىل قتال املختار وسأله أن‬
‫جييبهم إىل ذلك»(((‪.‬‬
‫وخالل املعارك توىل ش�مر بن ذي اجلوش�ن قيادة بع�ض اجلبهات يف الكوفة‬
‫حيث قس�مت مواق�ع املدافعني فيها وفق ًا لنظام الس�كك الس�ائد آن�ذاك‪ ،‬فكان‬

‫((( تاريخ الطربي‪.454/3 :‬‬


‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 49‬‬

‫ش�مر بن ذي اجلوشن يقود ألفني ملنع إبراهيم بن األشرت من دخول الكوفة حني‬
‫انتقض أمرها بخروج إبراهيم ملواجهة جيش الشام‪.‬‬
‫وكان شمر من قبل هذا يمسك بجبانة سامل إثر اإلجراءات التي اختذها مطيع‬
‫ملكافحة حترك املختار يف الكوفة‪.‬‬
‫وظ�ل ابن اجلوش�ن يداف�ع عن أجه�زة الس�لطة ورموزها يف الكوف�ة ويقود‬
‫الكتائ�ب الت�ي اختذت على عاتقه�ا مقاومة ث�ورة املختار ف�كان جندي� ًا خملص ًا‬
‫للحك�م األموي حتى س�قطت مجيع أحياء املدينة وثكناهتا مواقع الس�لطة فيها‪،‬‬
‫وكان حي�رض أه�ل اليمن على القتال وينظ�م صفوفهم كام يف رواي�ة ابن خمنف‬
‫عن يونس بن أيب اس�حق أن ش�مر بن ذي اجلوشن أتى أهل اليمن فقال هلم‪ :‬إن‬
‫اجتمعتم يف مكان نجعل فيه جمنبتني ونقاتل من وجه واحد‪ ،‬فأنا صاحبكم وإال‬
‫فلا‪ ،‬واهلل ال أقات�ل يف مث�ل هذا املكان يف س�كك ضيقة‪ ،‬ونقات�ل من غري وجه‪،‬‬
‫فانرصف إىل مجاعة قومه يف جبانة بني سلول(((‪.‬‬

‫نهاية شمر على يد المختار‬


‫فر الناجون من املجرمني‬
‫يف الوقت الذي أحكم فيه املختار قبضته عىل الكوفة َّ‬
‫وخرج�وا م�ن املدينة بكل اجت�اه‪ ،‬وكانت البصرة التي ختضع لس�يطرة مصعب‬
‫ب�ن الزبري تس�تهوي الكثري منهم باعتباره�ا مالذ ًا آمن ًا حيث حظ�ي الكثري منهم‬
‫باس�تقبال مصعب ألنه كان يضمر العداء للمختار ويع�د العدة لقتاله‪ ،‬مما جعل‬
‫ابن الزبري حيتضن الشخصيات اهلاربة من قبضة الثوار‪.‬‬
‫وكان ش�مر ب�ن ذي اجلوش�ن ممن ه�رب باجتاه البصرة إال أن�ه مل يتمكن من‬
‫الوص�ول إليه�ا إذ باغته جنود املختار الذين بعثهم إثر اجلن�اة الفارين وقد روى‬
‫تفاصي�ل املطاردة أحد املرافقني لش�مر يف فراره وهو مس�لم بن عبد اهلل الضبايب‬

‫((( تاريخ الطربي‪.456/3 :‬‬


‫‪50‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ق�ال‪ :‬تبعن�ا زريب غالم املخت�ار‪ ،‬فلحقنا وق�د خرجنا من الكوفة على خيول لنا‬
‫ضمر‪ ،‬فأقبل يتمطر به فرسه‪ ،‬فلام دنا منا قال شمر‪ :‬اركضوا وتباعدوا عني لعل‬
‫العبد يطمع يف‪ ،‬قال‪ :‬فركضنا فامعنا ومجع العبد يف ش�مر وأخذ شمر ما يستطرد‬
‫ل�ه حتى إذا انقطع من أصحابه محل عليه ش�مر فدق ظه�ره‪ ،‬وأيت املختار فأخرب‬
‫بذلك‪ ،‬فقال‪ :‬بؤس ًا لزريب أما لو يستشريين ما أمرته أن خيرج أليب السابغة‪.‬‬
‫ومن هنا كتب ش�مر كتاب ًا إىل مصعب بيد م�وىل أرغمه عىل محل الكتاب بعد‬
‫أن عذب�ه‪ ،‬وذلك من قري�ة يقال هلا الكلتانية‪ ،‬ودخل املوىل قري ًة وأخذ يش�كو ما‬
‫فعله به ش�مر وأنه محله كتاب ًا إىل مصعب‪ ،‬وكان املختار قد وضع يف ذلك املكان‬
‫مس�لحة لقط�ع الطريق بني البرصة والكوفة ملنع اهلاربين والقبض عليهم بقيادة‬
‫أيب عم�رة وع�ن طري�ق االتفاق يمر رجل من رجال أيب عمرة فيس�مع ش�كوى‬
‫امل�وىل ويتعرف عىل الكتاب‪ ،‬فس�أله عن مكان ش�مر فأخربه ب�ه ودله عليه‪ ،‬وإذا‬
‫هو قريب ال يبعد عنهم ثالثة فراس�خ‪ ،‬يقول مسلم بن عبد اهلل الضبايب‪ :‬إنا واهلل‬
‫مع ش�مر تل�ك الليلة فقلنا ل�و أنك ارحتلت بنا م�ن هذا املكان فإن�ا نتخوف به‪،‬‬
‫فقال ش�مر‪ :‬أوكل هذا فرق ًا من الكذاب ـ يعني املختار ـ يقول مسلم‪ :‬فواهلل إين‬
‫لبين اليقظان والنائم إذ س�معت وقع حوافر اخلي�ل‪ ..‬فذهبت ألقوم فإذا أنا هبم‬
‫ق�د أرشفوا علينا من التل فكربوا ثم أحاطوا بأبياتنا‪ ،‬وخرجنا نش�تد عىل أرجلنا‬
‫وتركنا خيلنا‪ ،‬قال‪ :‬فأمر عىل شمر وإنه ملتزر بربد حمقق وكان أبرص‪ ،‬فكأين أنظر‬
‫إىل بياض كش�حية م�ن فوق الربد فإنه ليطاعنهم بالرم�ح‪ ،‬قد أعجلوه أن يلبس‬
‫سلاحه وثيابه فمضين ًا وتركناه‪ ،‬قال‪ :‬فام هو إال أن أمعنت س�اعة إذ سمعت اهلل‬
‫أكرب قتل اخلبيث(((‪.‬‬
‫وهب�ذا كتبت هناي�ة جمرم انته�ازي متزلف الزم الس�لطة وب�اع دينه وضمريه‬
‫برضا احلكام وأعطياهتم فخرس الدنيا واآلخرة‪ .‬كان أبو اسحق يقول‪ :‬كان شمر‬

‫((( تاريخ الطربي‪.459/3 :‬‬


‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 51‬‬

‫يصلي معنا ثم يقول‪ :‬اللهم إنك تعلم إين رشيف فاغفر يل‪ ،‬قلت‪ :‬كيف يغفر اهلل‬
‫ل�ك وق�د أعنت عىل قتل ابن رس�ول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬وحيك فكيف تصن�ع‪ ،‬إن أمراءنا‬
‫هؤالء أمرونا بأم ٍر فلم نخالفهم ‪ ،‬ولو خالفناهم كنا رش ًا من هذه احلمر الشقاء‪.‬‬
‫لعذر قبي�ح فإنام الطاعة يف‬
‫ويعق�ب اب�ن حجر عىل جواب ش�مر فيقول‪ :‬إن هذا ٌ‬
‫املعروف(((‪.‬‬

‫أحفاد شمر بن ذي الجوشن‬


‫جيد القارئ يف تاريخ األندلس اإلسالمية حضور ًا السم الشمر بن ذي اجلوشن‬
‫الضبايب وذلك من خالل ذكر بعض أحفاده مما يدلل عىل أن أبناء الش�مر التجئوا‬
‫بعد واقعة كربالء إىل الشام حينام نال الشمر جزاء ما اقرتفت يداه من جرائم بشعة‬
‫بحق أهل البيت‪ ،3‬ويظهر من ثنايا التاريخ أن االس�م األكثر ملعان ًا من أحفاد‬
‫ش�مر هو الصميل بن حاتم بن ش�مر بن ذي اجلوش�ن الضبايب ال�ذي لعب دور ًا‬
‫أساسي ًا يف ذلك املرص احلافل باألحداث والتقلبات واحلروب‪.‬‬

‫الصميل بن حاتم بن شمر‬


‫أمج�ل ال�زركيل يف األعالم ترمجة الصميل فقال‪ :‬ش�يخ املرضب�ة يف األندلس‪،‬‬
‫وأحد األمراء الدهاة الش�جعان األجواد‪ .‬قدم األندلس يف أمداد الش�ام أيام بني‬
‫أمية‪ ،‬فرأس هبا‪ ،‬وأس�اء إليه عاملها أبو اخلطار‪ ،‬فثار أصحاب الصميل وقبضوا‬
‫عىل أيب اخلطار وولوا ثواية ابن سلامة‪ ..‬والسلطة والنفوذ للصميل‪ .‬وأقام عىل‬
‫ذل�ك إىل أن دخ�ل عبد الرمحن األموي‪ ،‬فامت الصميل يف س�جنه وكان أمي ًا وله‬
‫شعر(((‪.‬‬

‫(( ( لسان امليزان‪.152/3 :‬‬


‫((( أعالم الزركيل‪.21/3 :‬‬
‫‪52‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫وأورد اب�ن األثري تفاصيل رصاع الصميل مع أيب اخلطار‪ ،‬فقال‪ :‬وقامت هذه‬
‫سبع وعرشين ومائة‪ ،‬وكان الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي اجلوشن‬
‫الفتنة سنة ٍ‬
‫قد قدم األندلس يف أمداد الشام فرأس هبا فأراد أبو اخلطار أن يضع منه‪ ،‬فأمر به‬
‫يوم ًا وعنده اجلند فش�تم وأهني‪ ،‬فخ�رج وعاممته مائلة‪ ،‬فقال له بعض احلجاب‪،‬‬
‫ما بال عاممتك مائلة‪ ،‬فقال‪ :‬إن كان يل قوم فس�يقيموهنا‪ ،‬وبعث إىل قومه فش�كا‬
‫إليه�م م�ا لقي‪ ،‬فقالوا‪ :‬نح�ن لك تبع‪ ،‬وكتبوا إىل ثواية بن سلامة اجلذامي وهو‬
‫م�ن أهل فلس�طني فوفد عليهم وأجاهبم وتبعهم خلم وج�ذام‪ ،‬فبلغ ذلك إىل أيب‬
‫اخلطاب فسار إليهم قاتلوه فاهنزم أصحابه وأرس أبو اخلطار(((‪.‬‬
‫وقد ذكرت أخبار الصميل وسيطرته عىل العديد من أمراء األندلس يف الكثري‬
‫م�ن كتب التاريخ واألدب‪ ،‬فقد اعتربه اخلطيب األندليس كام يف نفح الطيب هو‬
‫املس�تويل على دولة يوس�ف بن عبد الرمح�ن التي تلت حك�م أيب اخلطار‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وذكر ابن حيان أن القائم بدولة يوس�ف واملس�تويل عليه�ا الصميل بن حاتم بن‬
‫ذي اجلوش�ن الكاليب وجده شمر هو قاتل احلسني‪ ،‬كام أسبغ عليه عدة أوصاف‬
‫منها أنه كان شجاع ًا جواد ًا جسور ًا عىل قلب الدول‪ ،‬فبلغ ما بلغ وآل أمره إىل أن‬
‫قتله عبد الرمحن الداخل املرواين يف سجن قرطبة خمنوق ًا(((‪.‬‬

‫(( ( الكامل يف التاريخ‪.121/5 :‬‬


‫((( نفح الطيب‪26/3 :‬ـ ‪.27‬‬
‫خول بن يزيد الأ�صبحي‬
‫ىّ‬

‫االحتمال الثال�ث ال�ذي ذكرت�ه مص�ادر التاري�خ واحلدي�ث بخصوص من‬


‫ح�ز رأس احلسين‪ 5‬وأجه�ز علي�ه هو خ�ولىّ بن يزي�د األصبح�ي‪ ،‬ولكن‬
‫حل�ن الرواي�ات وطريق�ة عرضه�ا للمش�هد األخري يف مس�ألة اإلق�دام عىل قتل‬
‫احلسين‪ 5‬وقطع رأس�ه توحي بأن احتامل أن يكون خولىّ هو الذي بادر إىل‬
‫ه�ذا العمل احتامل ضعي�ف‪ ،‬ولكنه كان حارض ًا ومش�ارك ًا بنو ٍع من املش�اركة‪،‬‬
‫كما أنه االحتامل األقوى بالنس�بة للش�خص الذي محل رأس احلسين‪ 5‬إىل‬
‫الكوف�ة كبش�ارة البن زياد قبل س�ائر الرؤوس والس�بايا‪ ،‬وذلك م�ا يتضح من‬
‫خالل استعراض الروايات‪.‬‬
‫ومن خالل ما تقدم بخصوص س�نان بن أنس وحتى ش�مر بن ذي اجلوش�ن‬
‫يظهر بوضوح أن خولىّ دعي إىل قتل احلسني سواء من قبل سنان أو شمر أو عمر‬
‫بن سعد‪ ،‬ولكنه تردد وتراجع‪ ،‬أو كام تعرب النصوص التارخيية أنه (أرعد) وذلك‬
‫مما يضعف ترصيح بعض األخبار عىل أن خولىّ هو الذي بارش قتل احلسني‪5‬‬
‫واحتز رأسه‪ ،‬وسوف يتضح ذلك بعد تثبيت الروايات التي تفرد خولىّ يف مسألة‬
‫رأس احلسني أو املشرتكة التي تذكره ضمن جمموعة من االحتامالت‪:‬‬
‫قال الذهبي يف سري أعالم النبالء‪ :‬وطعنه سنان بن أنس يف ترقوته ثم طعنه يف‬
‫‪54‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫فخر واحتز رأسه خولىّ األصبحي ال ريض اهلل عنهام(((‪.‬‬


‫صدره َّ‬
‫ويك�رر الذهب�ي نفس املش�هد يف تاري�خ اإلسلام فيقول‪ :‬فصاح هبم ش�مر‬
‫ثكلتك�م أمهاتكم ماذا تنتظرون به‪ ،‬فطعنه س�نان بن أن�س النخعي يف ترقوته ثم‬
‫انت�زع الرمح وطع�ن يف بواين صدره‪ ،‬فخ�ر ريض اهلل عنه رصيع ًا‪ ،‬واحتز رأس�ه‬
‫خولىّ األصبحي(((‪.‬‬
‫ويف ترمج�ة احلسين‪ 5‬املس�تلة من طبقات بن س�عد توجد إش�ارة إىل أن‬
‫س�نان ب�ن أن�س وخولىّ نزال إىل احلسين‪ 5‬بع�د أن تلقى ع�دة رضبات من‬
‫زرعة بن رشيك وس�نان بن أنس‪ :‬فخر احلسني رصيع ًا‪ ،‬ثم نزل إليه ليحتز رأسه‬
‫(أي س�نان) وكان مع�ه خ�ولىّ بن يزي�د األصبحي م�ن محري حز رأس�ه وأتى به‬
‫عبيد‪ ‬اهلل‪ ‬بن زياد(((‪.‬‬
‫وتأيت اإلش�ارة إىل خ�ولىّ يف الفتوح البن أعثم‪ ،‬وذلك يف رواية طويلة نس�بي ًا‬
‫ختامها أن عمر بن سعد غضب فقال لرجل‪ :‬انزل أنت إىل احلسني فأرحه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فنزل إليه خولىّ بن يزيد األصبحي فاحتز رأسه(((‪.‬‬
‫ويف جمم�ع الزوائ�د‪ :‬قتل�ه س�نان ب�ن أيب أن�س وأجه�ز علي�ه خوىل ب�ن يزيد‬
‫األصبحي من محري وحز رأسه‪.‬‬
‫(((‬

‫ترجمة خو ّلى بن يزيد األصبحي‬


‫مل أج�د ترمجة مس�تقلة خلولىّ بن يزيد األصبحي‪ ،‬مما يعن�ي أنه نكرة مهملة يف‬
‫جمتمع�ه‪ ،‬ولكن مؤرخني اثنني أفردا ذكره وأدرجاه كاس�م مس�تقل للرتمجة ومع‬

‫سري أعالم النبالء‪.298/3 :‬‬ ‫(( (‬


‫تاريخ اإلسالم‪.13/5 :‬‬ ‫((( ‬
‫ترمجة احلسني ـ طبقات بن سعد‪.75 :‬‬ ‫((( ‬
‫الفتوح‪.119/5 :‬‬ ‫((( ‬
‫جممع الزوائد‪ 311/9 :‬واملعجم الكبري‪.117/3 :‬‬ ‫((( ‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 55‬‬

‫ذل�ك مل جي�دا ش�يئ ًا ُيذك�ر يف حياته إال حض�وره يوم عاش�وراء واشتراكه بقتل‬
‫احلسين‪ ،5‬وكال املؤرخني أعرض عن ذكر بعض نشاطاته األخرى كحمل‬
‫الرأس إىل الكوفة‪ ،‬ومس�امهته يف املعركة‪ ،‬والذي س�وف نقف عىل تفصيله تباع ًا‬
‫فيام جرى عىل رأس احلسني‪ ،5‬وما انتهى إليه خولىّ بن يزيد األصبحي‪ ،‬قال‬
‫الصفدي يف ترمجته‪:‬‬
‫األصبحي‪ ،‬خولىّ بن يزيد من محري هو الذي أجهز عىل احلسني ريض اهلل عنه‬
‫بع�د س�نان بن أنس النخعي حز خولىّ رأس�ه وأتى به عبيد اهلل ب�ن زياد وقال يف‬
‫رواية مصعب الزبيدي‪.‬‬
‫أوقر ركايب‪...‬‬
‫قال ابن املرزبان‪ :‬والش�عبي وأبو خمنف يرويان هذه األبيات لس�نان بن أنس‬
‫واهلل أعلم(((‪.‬‬

‫دور خو ّلى في كربالء‬


‫مل تشر املص�ادر إىل دو ٍر بارز خلولىّ يف تفاصيل املعركة كدور الش�مر مث ً‬
‫ال أو‬
‫عم�رو بن احلجاج وغريهم‪ ،‬عدا ما تقدم ذكره بخصوص رأس احلسين‪5‬‬
‫وإنما تقترص على نتف من أخباره كجندي أعرب ع�ن وجوده من خالل بعض‬
‫النش�اطات القتالي�ة‪ .‬أمهه�ا اشتراكه يف قتل عثمان بن عيل ب�ن أيب طالب كام يف‬
‫الطربي وابن األثري‪ :‬ورمى خولىّ بن يزيد األصبحي عثامن بن عيل‪ ،‬ثم محل عليه‬
‫رجل من بني أبان ابن دارم فقتله وجاء برأسه(((‪.‬‬
‫يف حين ي�روي أب�و الف�رج األصفه�اين يف مقات�ل الطالبيين ع�ن أيب جعفر‬
‫حممد‪ ‬ب�ن عيل أن خولىّ بن يزي�د قتل اثنني من أبناء عيل‪ ،5‬ومتام الرواية عىل‬

‫(( ( الوايف بالوفيات‪.273/13 :‬‬


‫((( تاريخ الطربي‪ 240/4 :‬والكامل‪.76/4 :‬‬
‫‪56‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫الوجه التايل‪:‬‬
‫وقال نرص بن مزاحم‪ :‬حدثني عمرو بن ش�مر عن جابر عن أيب جعفر حممد‬
‫بن عيل أن خولىّ بن يزيد األصبحي ـ لعنه اهلل ـ قتل جعفر بن عيل وعثامن بن عيل‬
‫بن أيب طالب‪ ،5‬وأمه أم البنني أيض ًا(((‪.‬‬
‫وقال ابن سعد يف ترمجة اإلمام احلسني‪:5‬‬
‫وعثامن بن عيل بن أيب طالب‪ ،‬رماه خولىّ بن يزيد بس�هم فأثبته‪ ،‬وأجهز عليه‬
‫رجل من بني أبان بن دارم(((‪.‬‬
‫ونرتك تفاصيل دور خولىّ يف محل رأس احلسني‪ 5‬واإلرساع به إىل الكوفة‬
‫إىل حمله‪ ،‬لنتابع ما آل إليه أمره وكيف كانت خامتته‪.‬‬

‫نهاية خو ّلى بن يزيد األصبحي‬


‫أمجع املؤرخون أن هناية خولىّ بن يزيد األصبحي كانت عىل يد املختار بن أيب‬
‫عبيدة الثقفي عندما أمسك بزمام األمور يف الكوفة‪ ،‬وكان مهه األول القضاء عىل‬
‫كل من ش�ارك يف قتل احلسين‪ ،5‬والبد أن يكون خولىّ بن يزيد األصبحي‬
‫من أوائل املس�تهدفني القائمة‪ ،‬ولذلك بعث املختار يف طلب خولىّ وكبس عليه‬
‫داره‪ ،‬وقد جاء تفصيل خرب قتله كام أورده الطربي‪:‬‬
‫قال موس�ى بن عامر وبع�ث معاذ بن هاين بن ع�دي الكندي بن أخي حجر‬
‫وبع�ث أب�ا عم�رة صاحب حرس�ه‪ ،‬فس�اروا حتى أحاط�وا بدار خ�ولىّ بن يزيد‬
‫األصبحي وهو صاحب رأس احلسني الذي جاء به‪ ،‬فاختبأ يف خمرجه‪ ،‬فأمر معاذ‬
‫أبا عمرة أن يطلبه يف الدار فخرجت امرأته إليهم‪ ،‬فقالوا هلا أين زوجك‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫ال أدري أين هو‪ ،‬وأشارت بيدها إىل املخرج‪ ،‬فدخلوا فوجدوه وضع عىل رأسه‬

‫(( ( مقاتل الطالبيني‪.54 :‬‬


‫((( ترمجة اإلمام احلسني‪.76 :‬‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 57‬‬

‫قورص ًة((( فأخرجوه‪ ،‬وكان املختار يسري بالكوفة ثم أنه أقبل يف إثر أصحابه وقد‬
‫َّ‬
‫بعث أبو عمرة إليه رسو ً‬
‫ال‪ ،‬فاستقبل املختار الرسول عند دار أيب بالل ومعه ابن‬
‫كام�ل فأخربه اخلرب‪ ،‬فأقبل املختار نحوهم فاس�تقبل به رده حتى قتله إىل جانب‬
‫أهل�ه‪ ،‬ث�م دعا بنا ٍر فحرقه ث�م مل يربح حتى عاد رماد ًا‪ ،‬ث�م انرصف عنه‪ .‬وكانت‬
‫امرأته من حرضموت يقال هلا العيوف بنت مالك بن هنار بن عقرب‪ ،‬وكانت قد‬
‫نصبت له العداوة حني جاء برأس احلسني(((‪.‬‬
‫ويف تاري�خ بن خل�دون‪ :‬وبحث عن خولىّ بن يزيد األصبحي صاحب رأس‬
‫احلسين فجيء برأس�ه وح�رق بالن�ار(((‪ .‬ويف الفتوح‪ :‬ثم قالوا‪ :‬أهي�ا األمري هذا‬
‫خولىّ بن يزيد وهو الذي احتز رأس احلسني‪ ،‬قال‪ :‬فأمر به املختار فذبح بني يديه‬
‫ذبح ًا‪ ،‬ثم أمر بجسده فأحرق بالنار(((‪.‬‬

‫((( القورصة‪ :‬وعاء يصنع من ورق النخل يوضع فيه التمر ليحفظ‪ ،‬وقد ورد ذكرها يف بيت رجز‪،‬‬
‫قال ابن منظور يف لسان العرب أنه منسوب إىل عيل كرم اهلل وجهه‪:‬‬
‫ي���أك���ل م��ن��ه��ا ك���ل ي����وم م��رة‬ ‫أف��ل��ح م���ن ك��ان��ت ل���ه ق����وصرَ َّ ة‬
‫‪ ،104/5‬ونسبه اجلوهري يف الصحاح إىل الراجز‪.‬‬ ‫ ‬
‫(( ( تاريخ الطربي‪.531/4 :‬‬
‫((( تاريخ ابن خلدون‪.25/3 :‬‬
‫((( الفتوح البن أعثم‪.244/6 :‬‬
‫رجل من مذحج و�أ�سماء �أخرى‬

‫االحتمال الرابع ال�ذي رصحت به األخبار وأورده املؤرخون يف مس�ألة قتل‬


‫احلسين‪ 5‬وحز رأس�ه هو احتامل غامض ال يذكر فيه اس�م لش�خص حمدد‬
‫وإنما يقترص الترصيح عىل القبيلة التي ينتم�ي إليها القاتل‪ ،‬ويبقى هذا االحتامل‬
‫ه�و األضعف بالنس�بة ملا تقدم‪ ،‬ولعل�ه يندرج ضمن النش�اط اإلعالمي املوجه‬
‫للتعمية عىل مرتكب مثل هذا العمل الذي هز ضمري األمة اإلسالمية التي كانت‬
‫ٍ‬
‫سبات عميق‪.‬‬ ‫غارقة يف‬
‫وقد أورد الطربي هذا االحتامل إضاف ًة إىل ما رواه بخصوص سنان وشمر‪ ،‬فقد‬
‫جاء يف تارخيه‪ :‬ثم أمر بحربة فشقها (احلسني) ثم لبسها وخرج بسيفه فقاتل حتى‬
‫قتل صلوات اهلل عليه قتله رجل من مذحج وانطلق به إىل عبيد‪ ‬اهلل‪ ‬بن‪ ‬زياد(((‪.‬‬
‫وت�كاد النصوص التي تشير إىل أن القاتل رجل مذحج�ي تتطابق مع رواية‬
‫الطربي حيث جاء يف سري أعالم النبالء للذهبي قوله‪ :‬قتله رجل مذحجي وحز‬
‫رأسه‪ ،‬فانطلق به إىل عبيد اهلل بن زياد(((‪.‬‬
‫ونف�س اخلبر يف هتذيب الكامل للم�زي‪ :‬وقتله ٌ‬
‫رجل من مذحج وحز رأس�ه‬

‫(( ( تاريخ الطربي‪.293/4 :‬‬


‫((( سري أعالم النبالء‪.309/3 :‬‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 59‬‬

‫فانطلق به إىل عبيد اهلل بن زياد(((‪.‬‬

‫أسماء أخرى‬
‫ونلتق�ي يف هذا االحتامل باس�مني غريبين مل يألفهام الق�ارئ ولكن قلي ً‬
‫ال من‬
‫احتمال كبير أن االس�مني مصحفان عن اس�مني‬‫ٍ‬ ‫الدق�ة والتأم�ل يكش�ف عن‬
‫مشهورين ومعروفني يف قضية قتل احلسني‪.5‬‬
‫األول‪ :‬م�ا ذك�ره الدين�وري يف األخب�ار الط�وال وه�و يتح�دث عن مرصع‬
‫احلسين‪ 5‬يوم عاش�وراء ومن أقدم عىل قتله جيش�ه قال‪ :‬ومحل عليه س�نان‬
‫بن أوس النخعي فطعنه فس�قط‪ ،‬ونزل إليه خولىّ بن يزيد األصبحي ليحز رأسه‬
‫فارعدت يداه فنزل أخوه شبل بن يزيد فاحتز رأسه(((‪.‬‬
‫وأما الثاين‪ :‬فقد ورد ذكره يف الفتوح البن أعثم وهو نرص بن خرشة الضبايب‬
‫ولكن هذا اإلسم يبدو خافت ًا حتى يف الرواية نفسها ألن اخلوارزمي نفسه يستدرك‬
‫بعد أن يذكر هذا اإلسم ليعطف عىل ذكر شمر بن ذي اجلوشن ويفصل يف كيفية‬
‫معاجلته ملبارشة قتل احلسين‪ 5‬وحز رأس�ه‪ ،‬قال اخلوارزمي‪ :‬فنزل إليه نرص‬
‫بن خرش�ة الضبايب‪ ،‬وقيل بل ش�مر بن ذي اجلوش�ن وكان أبرص ًا فرضبه برجله‬
‫وألقاه عىل قفاه ثم أخذ بلحيته(((‪...‬‬
‫أما األول شبل بن يزيد فلم يرد له ذكر يف ما بني أيدينا من مراجع غري األخبار‬
‫الطوال‪.‬‬
‫وكذلك احلال بالنس�بة لنرص بن اخلرش�ة فلم يذكره إال ابن أعثم وواحد من‬
‫الكتاب املتأخرين ال غري ولعله نقل عنه‪ ،‬والظن أنه شمر بن ذي اجلوشن‪.‬‬

‫(( ( هتذيب الكامل‪.498/6 :‬‬


‫((( األخبار الطوال‪.258 :‬‬
‫((( الفتوح‪.119/5 :‬‬
‫الروايات امل�شرتكة‬

‫مج�ع بع�ض املؤرخني واملحدثني كل االحتامالت يف ٍن�ص واحد‪ ،‬كام مل يغفل‬


‫بعضهم اإلشارة إىل األسامء األقرب واألرجح تبع ًا ملا يرتئيه عىل أساس املعطيات‬
‫التارخيي�ة املاثل�ة بني ي�دي املؤرخ والكاتب‪ ،‬وال ش�ك يف أن ه�ذه األخبار التي‬
‫أمجلت كل ما حيتمل تضيف إضاءة عىل املوضوع وتكش�ف عن أطرافه بالنس�بة‬
‫لألسامء التي طرحت بقوة أو التي ذكرت عىل هامش القضية‪.‬‬
‫وم�ن مجلة املؤرخني الذين مجعوا أغلب االحتماالت يف نص واحد ابن كثري‬
‫يف البداية والنهاية حيث قال‪:‬‬
‫ثم جاء إليه سنان بن أيب عمرو بن أنس النخعي فطعنه بالرمح فوقع‪ ،‬ثم نزل‬
‫فذبح�ه وحز رأس�ه ثم دفع رأس�ه إىل خولىّ ب�ن يزيد‪ .‬وقيل الذي قتله ش�مر بن‬
‫رجل من مذحج‪ ،‬وقيل عمر بن سعد بن أيب وقاص وليس‬ ‫ذي اجلوش�ن‪ ،‬وقيل ٌ‬
‫بيشء وإنام كان عمر أمري الرسية التي قتلت احلسني فقط‪ .‬واألول أشهر(((‪.‬‬
‫وأمجل العيني األقوال يف عمدة القاري وقال‪ :‬واختلفوا يف قاتله فقيل‪ :‬احلصني‬
‫بن نمري‪ ،‬وقيل املهاجر بن أوس التميمي‪ ،‬وقيل‪ :‬كثري بن عبد اهلل الشعبي‪ ،‬وقيل‬
‫شمر بن ذي اجلوشن‪ ،‬وقيل سنان بن أيب أوس بن عمرو النخعي وهو األشهر‪..‬‬

‫((( البداية والنهاية‪.204/8 :‬‬


‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 61‬‬

‫ثم يؤكد دعوة سنان خلولىّ لقتل احلسني ويذكر الرواية املشهورة وأن خولىّ أرعد‬
‫فنزل إليه سنان فذبحه(((‪.‬‬
‫مقطع‬
‫ٍ‬ ‫وكذل�ك فعل ابن األثري يف أس�د الغابة حيث مج�ع جل االحتامالت يف‬
‫واحد جاء فيه‪:‬‬
‫قتل�ه بن أنس النخعي‪ ،‬وقيل ش�مر بن ذي اجلوش�ن‪ ،‬وأجه�ز عليه خولىّ بن‬
‫يزيد األصبحي‪ ،‬وقتله عمر بن س�عد وليس بيشء‪ ،‬والصحيح أنه قتله سنان بن‬
‫أنس النخعي‪ ،‬وأما قول من قال قتله ش�مر وعمر بن س�عد ألن ش�مر ًا هو الذي‬
‫حرض الناس عىل قتله ومحل هبم إليه‪ ،‬وكان عمر أمري اجليش وكذلك نعثر عىل‬
‫أسماء جديدة يف مقاتل الطالبيني أليب الفرج األصفهاين كمش�اركني يف اإلجهاز‬
‫على احلسين‪ 5‬حيث قال‪ :‬وقتله أب�و اجلنوب زياد بن عب�د الرمحن اجلعفي‬
‫والقثعم وصالح بن وهب اليزين وخولىّ بن يزيد‪ ،‬كل قد رضبه ورشك فيه ونزل‬
‫سنان بن أنس النخعي فاحتز رأسه(((‪.‬‬
‫وهن�ج اجلاحظ نف�س النهج حينام نق�ل الكيفية التي قتل فيها احلسين‪5‬‬
‫واملش�اركون يف قتل�ه فق�ال يف الربص�ان والعرج�ان‪ :‬وم�ن الربص�ان ش�مر بن‬
‫ذي اجلوش�ن الضب�ايب‪ ،‬قاتل احلسين بن علي رمح�ه اهلل‪ ....‬كان الرئيس يف قتل‬
‫احلسين‪ ‬بن عيل وامللك يزيد ب�ن معاوية‪ ،‬وكان أمري الع�راق الذي جهز اجليش‬
‫وعق�د الل�واء عبيد اهلل بن زي�اد‪ ،‬وكان صاح�ب اجليش وأمري اجلامع�ة عمر بن‬
‫س�عد‪ ،‬وكان قائده األكرب ش�مر بن ذي اجلوش�ن‪ ،‬وكان الذي توىل قتله يزيد بن‬
‫خوىل‪ ،‬والذي حفظ ظهر يزيد حتى نزل إليه وحز رأسه سنان بن أنس‪.‬‬
‫(((‬

‫وأما س�بط ابن اجلوزي فقد أضاف أسامء مل تكن مذكورة يف املصادر املعتمدة‬

‫(( ( عمدة القاري‪.240/16 :‬‬


‫((( مقاتل الطالبيني‪.79 :‬‬
‫((( الربصان والعرجان والعميان واحلوالن‪.119 :‬‬
‫‪62‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫واملش�هورة وذلك يف نص أورده يف تذكرة اخلواص ج�اء فيه‪ :‬واختلفوا يف قاتله‬


‫عىل أقوال‪ :‬أحدمها سنان بن أنس النخعي (قال هشام بن حممد) والثاين احلصني‬
‫بن نمري رماه بس�همٍ ثم نزل فذبحه وعلق رأس�ه يف عنق فرسه ليتقرب به من ابن‬
‫زي�اد‪ ،‬والثال�ث مهاجر ب�ن أوس التميم�ي‪ ،‬والرابع‪ :‬كثري بن عبد اهلل الش�عبي‪،‬‬
‫واخلامس‪ :‬ش�مر بن ذي اجلوشن‪ .‬واألصح أنه سنان بن أنس النخعي‪ ،‬وشاركه‬
‫ش�مر ب�ن ذي اجلوش�ن(((‪ ،‬ولع�ل ال�رأس ال�ذي علق على عنق الف�رس رأس‬
‫العباس‪ ‬بن عيل كام سيأيت خربه‪.‬‬
‫وهناك مصادر تارخيية أخرى مجعت االحتامالت كاالستيعاب البن عبد الرب‬
‫وبغية الطلب يف تاريخ حلب‪ ....‬ولكنها مل ِ‬
‫تأت بمزيد عىل ما تقدم‪.‬‬
‫وعىل أساس النصوص املتقدمة يمكن استخالص اآليت‪:‬‬
‫‪1‬ـ هن�اك أسماء تفرد هب�ا ناقلوها ومل يشيروا إىل مصادره�ا‪ .‬كاحلصني بن نمري‬
‫ومهاجر بن أوس وكثري بن عبد اهلل الشعبي‪.‬‬
‫‪2‬ـ إن النس�بة األعلى م�ن الرتجيحات من نصيب س�نان بن أن�س النخعي فقد‬
‫رجحه ابن كثري وقال‪ :‬واألول أش�هر وكان األول هو س�نان كام يف روايته يف‬
‫البداية والنهاية‪ .‬وعندما ذكر العيني سنان قال‪ :‬وهو األشهر وقال ابن األثري‬
‫يف أسد الغابة‪ :‬والصحيح أنه قتله سنان بن أنس النخعي‪ ،‬وكذلك جزم سبط‬
‫اب�ن اجلوزي حينام رجح س�نان‪ ،‬وقال‪ :‬واألصح أنه س�نان بن أنس النخعي‬
‫وشاركه شمر بن ذي اجلوشن ومع انعقاد ما يشبه اإلمجاع عىل أرجحية سنان‬
‫بن أنس إال أن بعض املؤرخني رجح ش�مر بن ذي اجلوش�ن الضبايب كام جاء‬
‫يف تاريخ اإلسلام للذهبي حيث قال‪ :‬ش�مر بن ذي اجلوش�ن الضبايب الذي‬
‫احتز رأس احلسني عىل األشهر(((‪.‬‬

‫(( ( تذكرة اخلواص‪.227 :‬‬


‫((( تاريخ اإلسالم‪.125/5 :‬‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 63‬‬

‫وكذلك فعل الصفدي يف الوايف بالوفيات حيث قال‪ :‬قاتل احلسين شمر بن‬
‫ذي اجلوش�ن أبو الس�ابغة العاوي ثم الضبايب‪ ...‬وهو الذي احتز رأس احلسين‬
‫عىل الصحيح(((‪.‬‬
‫وكما تقدم فإن س�نان بن أن�س كان يعلن يف املحافل واملجال�س أنه توىل قتل‬
‫احلسني‪ ،5‬وقد جاءت عبارات املؤرخني مرصحة هبذا االدعاء كام يف تاريخ‬
‫الطربي(((‪ .‬واملنتظم البن اجلوزي وفيه‪ :‬وطلب املختار سنان بن أنس كان يدعي‬
‫قتل احلسني(((‪ ،‬وقد مر تفصيل الرواية ورشحها يف ترمجة سنان وكيفية هنايته‪.‬‬

‫(( ( الوايف بالوفيات‪.105/16 :‬‬


‫((( تاريخ الطربي‪.466/3 :‬‬
‫((( املنتظم‪.58/6 :‬‬
‫�أوقر ركابي ف�ضة �أو ذهبا‬

‫مجيع مراجع التاريخ واحلديث تؤكد أن هذا الرجز لقاتل احلسني‪ ،5‬ومن‬
‫الطبيعي أن يرسي إليه االختالف كام رأينا ذلك يف حتديد شخص بعينه يف مسألة‬
‫اإلجهاز عىل احلسين‪ 5‬وحز رأس�ه‪،‬كام يوجد حلاظ آخر لالختالف س�ببه‬
‫تع�دد األش�خاص املخاطبني هبذه األبيات باختالف الرواي�ات وتنوع املصادر‪،‬‬
‫فتارة يكون املخاطب عمر بن سعد وتارة يكون عبيد اهلل بن زياد فيام تشري بعض‬
‫األخبار إىل يزيد بن معاوية‪.‬‬
‫ولع�ل ع�رض الروايات يكش�ف عن نق�اط الق�وة والضعف فيها ويس�هل‬
‫إمكانية الرتجيح فيام بينها‪:‬‬
‫أورد الطبري الرواي�ة على النحو اآليت‪ :‬ق�ال‪ :‬فقال الناس لس�نان بن أنس‪:‬‬
‫قتل�ت حسين بن علي وابن فاطمة ابنة رس�ول اهلل صىل اهلل عليه وس�لم‪ ،‬قتلت‬
‫أعظ�م العرب خط�ر ًا؛ جاء إىل هؤالء يريد أن يزيلهم ع�ن ملكهم‪ ،‬فأت أمراءك‬
‫فاطلب ثوابك منهم‪ ،‬لو أعطوك بيوت أمواهلم يف قتل احلسني كان قلي ً‬
‫ال؛ فأقبل‬
‫عىل فرس�ه‪ ،‬وكان ش�جاع ًا ش�اعر ًا‪ ،‬وكانت به لوثة‪ ،‬فأقبل حتى وقف عىل باب‬
‫فسطاط عمر بن سعد‪ ،‬ثم نادى بأعىل صوته‪:‬‬
‫أوق����ر رك����ايب ف��ض�� ًة وذه��ب��ا أن���ا ق��ت��ل��ت امل��ل��ك املحجبا‬
‫قتلت خ�ير ال��ن��اس أم��� ًا وأب��� ًا وخ�يره��م إذ ي��ن��س��ب��ون نسبا‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 65‬‬

‫فقال عمر بن س�عد أش�هد أن�ك ملجنون ما صححت ق�ط‪ ،‬أدخلوه عيل‪ ،‬فلام‬
‫أدخل حذفه بالقضيب ثم قال‪ :‬يا جمنون‪ ،‬أتتكلم هبذا الكالم! أما واهلل لو سمعك‬
‫ابن زياد لرضب عنقك(((‪.‬‬
‫ويعرض ابن اجلوزي الصورة املأساوية التي قتل هبا احلسني‪ 5‬مشري ًا إىل‬
‫بعض من اشرتك بقتله وفيها‪:‬‬
‫ثم جعل يقاتل فنادى ش�مر يف الناس‪ :‬وحيكم‪ ،‬ما تنتظرون بالرجل‪ ،‬اقتلوه‪.‬‬
‫فرضب�ه زرعة بن رشيك عىل كتفه‪ ،‬ورضبه آخر عىل عاتقه‪ ،‬ومحل عىل س�نان بن‬
‫أنس النخعي فطعنه بالرمح‪ ،‬فنزل إليه فذبحه واحتز رأسه‪ ،‬فسلمه إىل خوىل بن‬
‫يزي�د األصبحي‪ ،‬ثم انتهبوا س�لبه‪ ،‬فأخذ قيس بن األش�عث عاممته‪ ،‬وأخذ آخر‬
‫س�يفه‪ ،‬وأخذ آخر نعليه‪ ،‬وآخر رساويله‪ ،‬ثم انتهبوا ماله‪ ،‬فقال عمرو بن س�عد‪:‬‬
‫من أخذ شيئ ًا فلريده‪ ،‬فام منهم َم ْن رد شيئ ًا‪.‬‬
‫وجاء سنان حتى وقف عىل فسطاط عمرو بن سعد‪ ،‬ثم نادى‪:‬‬
‫أوق����ر رك����ايب ف��ض�� ًة وذه��ب��ا ف��ق��د ق��ت��ل� ُ‬
‫�ت ال��س��ي��د املحجبا‬
‫ي�ره���م إذ ي��ن��س��ب��ون نسبا‬‫قتلت خ�ير ال��ن��اس أم��� ًا وأب��ا وخ� َ‬
‫فقال له عمرو‪ :‬يا جمنون‪ ،‬تتكلم هبذا الكالم؟(((‪.‬‬
‫لك�ن مجع� ًا م�ن املؤرخني ينس�ب األبي�ات خلوىل ب�ن يزيد األصبح�ي منهم‬
‫ابن‪ ‬عس�اكر يف تاريخ دمش�ق حيث روى عن الزبري بن بكار قوله‪ :‬وأجهز عليه‬
‫خ�وىل بن يزيد األصبحي من محري وحز رأس�ه وأتى به عبي�د اهلل بن زياد‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وقال الزبري يف موضع آخر واحلسين بن عيل ولد خلمس ليال خلون من ش�عبان‬
‫س�نة أرب�ع م�ن اهلجرة وقت�ل يوم اجلمع�ة يوم عاش�وراء يف املحرم س�نة إحدى‬
‫وس�تني‪ ،‬قتله س�نان بن أيب أنس النخعي وأجهز عليه خ�وىل بن يزيد األصبحي‬

‫(( ( تاريخ الطربي‪.347/4 :‬‬


‫((( املنتظم‪.341/5 :‬‬
‫‪66‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫من محري وحز رأسه وأتى به عبيد اهلل بن زياد فقال‪:‬‬


‫أوق����ر رك����ايب ف��ض��ة وذه��ب��ا أن����ا ق��ت��ل��ت امل���ل���ك امل��ح��ب��ب��ا‬
‫(((‬
‫قتل�ت خير الن�اس أم� ًا وأب�ا‬
‫ونقل أبو نعيم األصفهاين يف نفس الرواية يف معرفة الصحابة‪ :‬حدثنا عبد‪ ‬اهلل‬
‫ب�ن حمم�د بن جعفر‪ ،‬ثنا احلس�ن ب�ن عيل عىل الط�ويس ثنا الزبري بن ب�كار‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قتله س�نان بن أيب أنس النخع�ي‪ ،‬وأجهز عليه خوىل بن يزيد اهلجري األصبحي‬
‫احلمريي من محري‪ ،‬وحز رأسه‪ ،‬فأتى به عبيد اهلل بن زياد فقال‪:‬‬
‫أوق����ر رك����ايب ف��ض��ة وذه��ب��ا إين ق��ت��ل��ت امل��ل��ك املحجبا‬
‫(((‬
‫قتل�ت خير الن�اس أم� ًا وأب�ا‬
‫واهليثمي يف جممع الزوائد‪ :‬قتله سنان بن أيب أنس وأجهز عليه خوىل بن يزيد‬
‫األصبحي من محري وحز رأسه وأتى به عبيد اهلل بن زياد فقال سنان‪:‬‬
‫(((‬
‫أوق���ر رك���ايب ف��ض��ة وذه��ب��ا‬
‫وهناك رواية تشري إىل أن قائل األبيات رجل من مذحج بعد أن أقدم عىل قتل‬
‫احلسين وحز رأسه وانطلق به إىل ابن زياد كام يف تاريخ الطربي ومروج الذهب‬
‫للمسعودي‪ :‬وكان الذي توىل قتله رجل من َم ْذ ِحج واحتز رأسه‪ ،‬وانطلق به إىل‬
‫ابن زياد وهو يرجتز‪:‬‬
‫أن���ا ق��ت��ل��ت امل��ل��ك امل��ح��ب��ب��ا‬
‫(((‬ ‫أوق����ر رك����ايب ف��ض��ة وذه��ب��ا‬
‫إال أن بع�ض املؤرخني جنح إىل رواية ش�اذة تثري بعض عالمات االس�تفهام‬
‫ح�ول مقاصد م�ن يتداوهلا ونصها كام يف ش�ذرات الذهب الب�ن العامد احلنبيل‪:‬‬

‫تاريخ دمشق‪.252 /14 :‬‬ ‫(( (‬


‫معرفة الصحابة‪.11/2 :‬‬ ‫((( ‬
‫جممع الزوائد‪.194/ 9 :‬‬ ‫((( ‬
‫مروج الذهب‪.73/3 :‬‬ ‫((( ‬
‫الفصل األول‪ /‬في كربالء‬ ‫‪ 67‬‬

‫وقال احلس�ن البرصي أصيب مع احلسين س�تة عرش رج ً‬


‫ال من أهل بيته ما عىل‬
‫وجه األرض يومئذ له ش�بيه وجاء بعض الفجرة برأس�ه إىل ابن زياد وهو يقول‬
‫أوقر ركايب فضة وذهبا إين قتلت امللك املحجبا قتلت خري الناس أم ًا وأبا فغضب‬
‫لذل�ك وق�ال وإذا علمت أنه كذل�ك فلم قتلته واهلل ألحلقن�ك به ورضب عنقه‪.‬‬
‫(((‬
‫وقيل أن يزيد هو الذي قتل القائل‪.‬‬
‫وذك�ر القرطبي رواية غري متداولة بني املؤرخني حيث قال‪ :‬توىل محل الرأس‬
‫برش بن مالك الكندي‪ ،‬ودخل به عىل ابن زياد وهو يقول‪:‬‬
‫أوقر ركايب‪......‬‬
‫وأضاف‪:‬‬
‫يف أرض نـــجــ�د وح�را ويثرب�ا‬
‫(((‬ ‫وخريهــم إذ يـنـسـبــون نــســبـا‬

‫بقية رؤوس الشهداء‬


‫وأما س�ائر الرؤوس والس�بايا فقد محلت بعد يومني من هناية املعركة وجيء‬
‫هبا إىل الكوفة‪.‬‬
‫قال هشام‪ :‬قال أبو خمنف‪ :‬وملا قتل احلسني بن عيل ريض اهلل عنه جيء برؤوس‬
‫م�ن قتل معه من أهل بيته وش�يعته وأنصاره إىل عبي�د اهلل بن زياد‪ ،‬فجاءت كندة‬
‫رأس�ا‪ ،‬وصاحبهم قيس بن األشعث‪ ،‬وجاءت هوازن بعرشين رأس ًا‬ ‫ً‬ ‫بثالثة عرش‬
‫وصاحبه�م ش�مر بن ذي اجلوش�ن‪ ،‬وجاءت متيم بس�بعة عرش رأس� ًا‪ ،‬وجاءت‬
‫بنو‪ ‬أس�د بستة أرؤس‪ ،‬وجاءت مذحج بسبعة أرؤس‪ ،‬وجاء سائر اجليش بسبعة‬
‫ً (((‬
‫أرؤس‪ ،‬فذلك سبعون رأسا‪.‬‬

‫(( ( شذرات الذهب‪.67/1 :‬‬


‫((( التذكرة‪.475 :‬‬
‫((( تاريخ الطربي‪.358/4 :‬‬
‫الف�صل الثاين‬
‫يف الكوفة‬
‫املب�شر بقتل احل�سني(ع)‬

‫س�يأيت أن عم�ر بن س�عد أناط مهم�ة محل ال�رأس الرشيف بخ�وىل بن يزيد‬
‫األصبح�ي‪ ،‬ولكن�ه اخت�ار ش�خص ًا آخ�ر ملهم�ة أخ�رى‪ ،‬وبعث�ه مع خ�وىل إىل‬
‫الكوفة‪ ،‬واملهمة هي أن يكون بشير ًا بقتل احلسين‪ ،5‬ومطمئن ًا عىل سلامة‬
‫عمر‪ ‬بن‪ ‬س�عد‪ ،‬قال أبو خمنف‪ :‬حدثني س�ليامن بن أيب راشد عن محيد بن مسلم‪،‬‬
‫ق�ال‪ :‬دعاين عمر‪ ‬بن س�عد فرسحني إىل أهله ألبرشهم بفت�ح اهلل عليه وبعافيته‪،‬‬
‫فأقبلت حتى أتيت أهله فأعلمتهم بذلك‪.‬‬
‫ومل يكن اختيار عمر بن سعد حلميد بن مسلم عفوي ًا‪ ،‬وإنام ملا كان يتمتع به من‬
‫عال‪ ،‬وش�غف كبري يف نقل األخبار واس�تقصائها‪ ،‬ولذلك جاءت‬ ‫حس إعالمي ٍ‬
‫األخبار التي ينقلها محيد بن مسلم عىل درجة من الدقة والتفصيل‪ ،‬والظاهر من‬
‫جمموع أخباره أنه كان مش�غو ً‬
‫ال عن القتال ومزاولة احلرب بتتبع احلوادث وكل‬
‫حركة وسكنة يمكنه متابعتها ورصد تفاصيلها‪.‬‬

‫حميد بن مسلم‬
‫ال توج�د أث�ارة م�ن علم ت�دل على أن محيد ب�ن مس�لم كان ذا ش�أن يذكر‪،‬‬
‫وكل الش�ذرات الت�ي تلتق�ط من هناك وهن�اك كدليل عىل سيرته ومواقفه‪ ،‬إنام‬
‫منش�ؤها م�ا كان يرويه من أخبار وم�ا يتابعه من أحداث‪ ،‬وق�د أصاب الدكتور‬
‫‪72‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫عبد‪ ‬الرمحن‪ ‬ب�دوي يف كتاب�ه اخل�وارج والش�يعة‪ ،‬عندما صن�ف رواة الوقائع يف‬


‫كربالء إىل نوعني حيث قال‪ :‬ومل يكن أبو خمنف أول من مجع هذه األخبار كلها‪،‬‬
‫بل هو يذكر أسلاف ًا له وزمالء فعلوا ذلك قبل�ه‪ ..‬والراوي الذي ينقله عنه‪ ،‬إنام‬
‫تلقى اخلرب من شاهد عيان حرض احلادثة املروية‪ ،‬أو عىل األقل يعتمد عىل شاهد‬
‫عي�ان‪ .‬وش�هود العيان عىل نوعين‪ ،‬فمنهم من كان يف صف احلسين‪ 5‬من‬
‫عبي�د أو هاربين‪ ،‬ومثال هذا النوع عقبة بن س�معان موىل الرب�اب وهؤالء قلة‪،‬‬
‫ومنه�م م�ن كانوا يف صف أعداء احلسين‪ ،5‬ولكنهم ك�رواة مل تكن ميوهلم‬
‫م�ع املوقف الذي وقف�وه‪ ،‬بل كانوا نادمين عىل موقفهم القدي�م‪ .‬ومثال هؤالء‬
‫(((‬
‫محيد‪ ‬بن مسلم‪.‬‬
‫وال�ذي يدع�م ه�ذا ال�رأي الصائ�ب بع�ض املواق�ف الت�ي ص�درت ع�ن‬
‫محيد‪ ‬بن‪ ‬مسلم بعد حادثة كربالء‪.‬‬
‫ومنها أنه كان يشارك يف اجللسات التي تعقد يف الكوفة يف بيوت قادة التوابني‪،‬‬
‫كس�ليامن بن رصد اخلزاعي‪ ،‬واملسيب بن نجية‪ ،‬وقد نقل جانب ًا من أحداث ثورة‬
‫التوابني بتفاصيل تدل عىل املهنية اإلعالمية واحلرفية العالية‪ ،‬فمن ذلك قوله‪:‬‬
‫قال أبو خمنف فحدثت س�ليامن بن أيب راشد هبذا احلديث فقال‪ :‬حدثني محيد‬
‫بن مس�لم قال‪ :‬واهلل إين لش�اهد هبذا اليوم يوم ولوا س�ليامن بن رصد وإنا يومئذ‬
‫ألكثر من مائة رجل من فرسان الشيعة ووجوههم يف داره‪ ،‬ومن أخباره أنه كان‬
‫ي�زور املختار بن أيب عبي�دة الثقفي مع من يزوره يف س�جنه وينقل بعض أخباره‬
‫وترصحيات�ه‪ ،‬ق�ال أبو خمنف‪ :‬وأما حييى بن أيب عيس�ى فحدثن�ي أنه قال‪ :‬دخلت‬
‫إليه (املختار) مع محيد بن مس�لم األزدي نزوره ونتعاهده‪ ،‬فرأيته مقيد ًا فسمعته‬
‫يق�ول‪ :‬أما ورب البحار والنخيل واملهامه والقف�ار‪ ...‬ألقتلن كل جبار‪ ...‬حتى‬
‫إذا أقمت عمود الدين‪ ،‬وش�فيت غليل ص�دور املؤمنني وأدركت بثأر النبيني‪ ،‬مل‬

‫(((   اخلوارج والشيعة‪113 :‬ـ ‪.114‬‬


‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 73‬‬

‫يكرب عيل زوال الدنيا ومل أحفل باملوت إذا أتى‪.‬‬


‫(((‬

‫ولع�ل املهمة الصحفية التي اضطلع هبا محيد بن مس�لم جعلته قريب ًا من مجيع‬
‫األطراف السياس�ية‪ ،‬بل وصديق ًا للش�خصيات ذات الشأن من كل االجتاهات‪،‬‬
‫حتى تلك التي ختتلف فيام بينها إىل حد االقتتال‪.‬‬
‫فتارة نجده يقول مث ً‬
‫ال‪ :‬كان عمر بن س�عد يل صديق ًا‪ ،‬فأتيته عند منرصفه من‬
‫قتال احلسني‪ ،‬فسألته عن حاله‪ ،‬فقال‪ :‬ال تسأل عن حايل‪ ،‬فإنه ما رجع غائب إىل‬
‫منزله برش مما رجعت به‪ ،‬قطعت القرابة القريبة‪ ،‬وارتكبت األمر العظيم‪.‬‬
‫(((‬

‫يف حين يصرح أحد أفراد قبيلة األزد فيقول‪ :‬كان محيد بن مس�لم األس�دي‬
‫صديق ًا إلبراهيم بن األشرت‪ ،‬وكان خيتلف إليه ويذهب معه‪ ،‬وكان إبراهيم يروح‬
‫(((‬
‫يف كل عشية فيأيت املختار‪.‬‬
‫وتدل بعض األخبار عىل أنه كان مع ابن األشتر أثناء األحداث التي حفلت‬
‫هب�ا الكوفة أيام ث�ورة املختار‪ ،‬وقيادة إبراهيم جليش املخت�ار‪ ،‬قال محيد يف ذلك‪:‬‬
‫خرجت مع إبراهيم من منزله بعد املغرب‪ ،‬ونحن مع ابن األشتر كتيبة نحو من‬
‫مائة علينا الدروع قد كفرنا باألقبية ونحن متقلدو السيوف‪...‬‬
‫(((‬

‫وكل املؤرشات تدل عىل أن اشتراك محيد بن مسلم مع اجليوش كانت بدافع‬
‫نقل األخبار‪ ،‬سواء كان متفق ًا مع مقاصد اجليش أو خمالف ًا له أو حمايد ًا‪.‬‬

‫  تاريخ الطربي‪.450/4 :‬‬ ‫(((‬


‫  بغية الطلب‪.2631/6 :‬‬ ‫(((‬
‫  تاريخ الطربي‪.496/4 :‬‬ ‫(((‬
‫  املصدر نفسه‪.497/4 :‬‬ ‫(((‬
‫ر�أ�س احل�سني ي�صل الكوفة‬

‫صاح�ب رأس احلسين‪ :5‬ه�ذا ه�و االس�م ال�ذي اخت�اره املؤرخ�ون‬


‫خلولىّ‪ ‬بن‪ ‬يزي�د األصبح�ي‪ ،‬وذلك أن كل القرائن واإلش�ارات تؤك�د أن خولىّ‬
‫ه�و ال�ذي محل رأس احلسين‪ 5‬م�ن كربلاء إىل الكوفة عىل وج�ه الرسعة‬
‫كبش�ارة لعبي�د اهلل ب�ن زي�اد (بالنصر) ومقت�ل احلسين‪ 5‬ومجيع أه�ل بيته‬
‫وأصحابه‪ ،‬ومع وجود روايات تنس�ب محل رأس احلسين‪ 5‬إىل غري خولىّ ‪،‬‬
‫ولك�ن خالصة املتابع�ة واملقارنة بني األخبار تؤدي إىل ترجي�ح خولىّ ‪ ،‬فقد ذكر‬
‫أن الش�مر ه�و الذي مح�ل الرأس وذكر س�نان بن أنس‪ ،‬وغريه�م‪ ،‬إال أن خولىّ‬
‫ه�و االحتامل األقوى‪ ،‬ومم�ا يؤكد ذلك ما ورد يف الرواي�ات املذكورة يف الكتب‬
‫املعتربة أن من احتز رأس احلسين‪ 5‬س�واء كان س�نان أو شمر فإنه دفعه إىل‬
‫خولىّ بن‪ ‬يزيد‪ ،‬قال الطربي‪ :‬ونزل إليه فذبحه واحتز رأس�ه (أي سنان) ثم دفعه‬
‫موضع آخر‪ :‬حتى أخذ رأس احلسني فدفعه إىل خولىّ ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫إىل خولىّ‪ ‬بن‪ ‬يزيد(((‪ .‬ويف‬
‫وكذل�ك من يذكر أن ش�مر ًا هو الذي حز رأس احلسين‪ 5‬ي�ردف بالقول‪:‬‬
‫ودفعه إىل خولىّ بن يزيد األصبحي‪.‬‬
‫وتدل بعض الرويات أن عمر بن سعد هو الذي تسلم الرأس بعد قطعه وهو‬

‫(((   تاريخ الطربي‪.346/4 :‬‬


‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 75‬‬

‫ال�ذي كلف خولىّ هبذه املهمة املس�تعجلة‪ ،‬وليس ذلك ببعيد فعمر بن س�عد هو‬
‫قائد اجليش وبيده إدارة شؤونه‪ ،‬وإناطة املهامت بمن يشاء من جنده‪.‬‬

‫خو ّلى يحمل الرأس‪:‬‬


‫يبدو أن عمر بن س�عد كان حريص ًا على إيصال الرأس الرشيف إىل أمريه ابن‬
‫زي�اد ب�أرسع ٍ‬
‫وقت ممكن‪ ،‬ولذلك مل ينتظر إىل وقت اس�تجامع أموره ومحل س�بايا‬
‫أهل‪ ‬البيت ورؤوس أبناء رسول اهلل‪ 1‬وأصحاهبم‪ ،‬وإنام بادر عىل وجه الرسعة‬
‫يف إرسال رأس احلسني‪ 5‬بمفرده إىل الكوفة‪ ،‬موك ً‬
‫ال تلك املهمة إىل خولىّ بن‬
‫يزيد األصبحي ومحيد بن مسلم األزدي‪ ،‬قال الدينوري يف األخبار الطوال‪:‬‬
‫وبعث عمر بن س�عد برأس احلسني من ساعته إىل عبيد اهلل بن زياد مع خولىّ‬
‫ب�ن يزيد األصبحي‪ .‬وأقام عمر بن س�عد بكربالء بعد مقتل احلسين يومني‪ ،‬ثم‬
‫أذن يف الناس بالرحيل‪ ،‬ومحلت الرؤوس عىل أطراف الرماح(((‪.‬‬
‫وعبارة ابن كثري يف البداية والنهاية رصحية يف إرساع ابن س�عد بإرس�ال رأس‬
‫احلسني‪ 5‬إىل الكوفة قبل أن يتم الرحيل اجلامعي للجيش مع السبايا وسائر‬
‫الرؤوس‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫وأمر برأسه أن حيمل من يومه إىل ابن زياد مع خولىّ بن يزيد األصبحي(((‪.‬‬
‫وعبارة الطربي يف نقل رأس احلسني‪ :5‬قتل احلسني فرسح برأسه من يومه‬
‫ذلك مع خولىّ بن يزيد ومحيد بن مسلم األزدي إىل عبيد اهلل بن زياد(((‪.‬‬
‫ومؤدى الرواية أن محيد بن مس�لم تم تكليفه من قبل عمر بن س�عد بعد انتهاء‬
‫املعركة مبارش ًة بالذهاب إىل الكوفة‪ ،‬ولكن ال كحامل لرأس احلسين‪ 5‬وإنام‬

‫(((   األخبار الطوال‪.259 :‬‬


‫(((   البداية والنهاية‪.206/8 :‬‬
‫(((   تاريخ الطربي‪.348/4 :‬‬
‫‪76‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫كبشري إىل أهل عمر بن سعد يطمئنهم عىل سالمته‪ ،‬وقد تقدمت الرواية التي يرصح‬
‫فيها محيد بن مسلم بإرساله من قبل عمر بن سعد للبشارة وإخبار أهله بسالمته‪.‬‬

‫خو ّلى ورأس الحسين في الكوفة‬


‫مح�ل خولىّ رأس احلسين وطار به عىل جن�اح الرسعة إىل الكوف�ة‪ ،‬والظاهر‬
‫وقت غري مناس�ب بالنس�بة له‪ ،‬حيث ترصح بعض‬ ‫أن وصوله إىل املدينة كان يف ٍ‬
‫املص�ادر بأنه (كان وصوله ً‬
‫ليلا) وكان القرص مغلق ًا فاضطر إىل الذهاب إىل بيته‬
‫ال الرأس معه‪ ،‬فكانت له قصة مع إحدى زوجاته بشأن رأس احلسني‪5‬‬ ‫حام ً‬
‫ذكرت عىل النحو التايل‪:‬‬
‫وم�ا هو إال أن قتل احلسين فرسح برأس�ه م�ن يومه ذلك مع خ�ولىّ بن يزيد‬
‫األصبح�ي ومحيد بن مس�لم األزدي إىل عبيد اهلل بن زياد‪ ،‬فأقب�ل به خولىّ فأراد‬
‫القصر فوجد ب�اب القرص مغلق ًا‪ ،‬فأتى منزله فوضعه حت�ت أجانة يف منزله‪ ،‬وله‬
‫امراتان‪ :‬امرأة من بني أسد‪ ،‬واألخرى من احلرضميني يقال هلا النوار بنت مالك‬
‫بن عقرب‪ ،‬وكانت تلك الليلة ليلة احلرضمية‪.‬‬
‫ق�ال هش�ام‪ :‬فحدثني أيب عن الن�وار بنت مال�ك‪ ،‬قالت‪ :‬أقبل خ�ولىّ برأس‬
‫احلسين فوضعه حتت أجانة يف الدار ثم دخل البيت فأوى إىل فراش�ه‪ ،‬فقلت له‪:‬‬
‫م�ا اخلرب؟‪ ،‬قال‪ :‬جئتك بغنى الدهر‪ ،‬هذا رأس احلسين يف الدار‪ ،‬قالت‪ :‬فقلت‪:‬‬
‫ويل�ك جاء الن�اس بالذهب والفضة وجئ�ت برأس ابن بنت رس�ول اهلل‪،1‬‬
‫بيت أبد ًا‪.‬‬
‫ال‪ ‬واهلل ال جيمع رأيس ورأسك ٌ‬
‫ويف أنساب األرشاف‪ :‬وكانت امرأته تسمى العيوف‪ ،‬وكان حني أتاها برأس‬
‫احلسين قد نفرت منه‪ ،‬فكانت ال تكتحل وال تتطيب وقالت‪ :‬واهلل ال يرى مني‬
‫رسور ًا أبد ًا(((‪.‬‬

‫(((   أنساب األرشاف‪.65/6 :‬‬


‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 77‬‬

‫قال�ت‪ :‬فقمت من فرايش فخرج�ت إىل الدار‪ ،‬فدعا األس�دية فأدخلها إليه‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فجلس�ت أنظر‪ ،‬فواهلل ما زلت أنظر إىل نو ٍر يسطع مثل العمود من السامء‬
‫إىل األجانة(((‪.‬‬
‫ويف البداية والنهاية أن التي رأت النور هي املرأة الثانية األسدية‪ :‬قالت املرأة‬
‫الثاني�ة األس�دية‪ :‬واهلل م�ا زلت أرى النور س�اطع ًا من تلك األجانة إىل السماء‪،‬‬
‫وطيور بيضاء ترفرف حوهلا(((‪.‬‬

‫(((   تاريخ الطربي‪.348/4 :‬‬


‫(((   البداية والنهاية‪.206/8 :‬‬
‫ر�أ�س احل�سني بني يدي ابن زياد‬

‫وحين تنف�س الصبح س�ارع خولىّ ب�ن يزيد بحمل رأس احلسين‪ 5‬إىل‬
‫ابن‪ ‬زياد‪ ،‬قال ابن األثري يف الكامل‪ :‬وملا أصبح غدا بالرأس إىل ابن زياد(((‪.‬‬
‫ومل يطل انتظار ابن زياد إال ما يقرب من يومني حتى تصل الرؤوس مع ركب‬
‫الس�بايا ويعد العدة لالس�تقبال ويعقد جملس� ًا عام ًا حيرضه مجع كبري من الناس‪،‬‬
‫وهنا نرتك محيد بن مسلم يصف املشهد كام حرضه ورآه حيث يقول‪:‬‬
‫ثم أقبلت حتى أدخل فأجد ابن زياد قد جلس للناس‪ ،‬وأجد الوفد قد قدموا‬
‫عليه فأدخلهم وأذن للناس فدخلت فيمن دخل‪ ،‬فإذا رأس احلسني موضوع بني‬
‫ٍ‬
‫بقضيب((( بني ثنيتيه ساعة(((‪.‬‬ ‫يديه‪ ،‬وإذا هو ينكت‬
‫وحني أمعن ابن زياد يف عبثه ومتادى يف غيه وهو ينكت رأس احلسين‪5‬‬
‫وكان يف احلض�ور اثنين م�ن صحاب�ة النب�ي مم�ن كان�وا ش�هود ًا على م�ا يفعل‬
‫رس�ول‪ ‬اهلل‪ 1‬م�ع احلس�ن واحلسين‪ 4‬وإظه�ار مش�اعره الطاه�رة إزاء‬

‫(((   الكامل يف التاريخ‪.80/4 :‬‬


‫(((  وقي�ل القضي�ب من الس�يوف اللطي�ف‪ ،‬ويف مقتل احلسين‪ :5‬فجعل ابن زي�اد يقرع فمه‬
‫بقضي�ب‪ ،‬ق�ال ابن األثري‪ :‬أراد بالقضيب الس�يف اللطي�ف الرقيق‪ ،‬وقي�ل أراد العود واجلمع‬
‫قواضب وقضب‪ .‬لسان العرب‪.679/1 :‬‬
‫(((   تاريخ الطربي‪.349/4:‬‬
‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 79‬‬

‫احلس�نني ويعرب عن حبه الش�ديد هلام بمرأى من الصحابة كانت هلام ردود فعل‬
‫عىل ما كان يفعله ابن زياد‪.‬‬

‫الصحابي األول أنس بن مالك‬


‫روى البخاري يف الصحيح‪ :‬حدثني حممد بن احلسني بن إبراهيم‪ ،‬قال‪ :‬حدثني‬
‫حسني بن حممد‪ ،‬حدثنا جرير عن حممد عن أنس بن مالك ريض‪ ‬اهلل‪ ‬عنه‪ُ :‬أيت عبيد‬
‫اهلل بن زياد برأس احلسني بن عيل فجعل يف طست فجعل ينكت وقال يف حسنه‬
‫شيئ ًا‪ ،‬فقال أنس كان أشبههم برسول اهلل‪ ،1‬وكان خمضوب ًا بالوسمة(((‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بيشء من الزيادة عىل النحو‬ ‫وروى احلديث يف اآلحاد واملثاين البن أيب عاصم‬
‫التايل‪ :‬عن عيل بن زيد عن أنس بن مالك ريض اهلل تعاىل عنه قال‪ :‬ملا قتل احلسني‬
‫بن عيل جيء برأسه إىل عبيد اهلل بن زياد فجعل ينكت بقضيب عىل ثناياه وقال‪:‬‬
‫إن كان حلس�ن الثغر‪ ،‬فقلت يف نفيس ألسوءنك لقد رأيت رسول اهلل‪ 1‬يقبل‬
‫موض�ع قضيبك م�ن فيه(((‪ .‬وأما يف صحي�ح ابن حبان فقال بن زي�اد‪ :‬ما رأيت‬
‫مثل هذا حسنا(((‪ .‬وقد ذكر الطرباين يف املعجم الكبري الروايتني(((‪ .‬وأشار العيني‬
‫إىل بع�ض الفروق يف خمتل�ف الروايات عندما رشح احلدي�ث املتقدم يف صحيح‬
‫البخ�اري وق�ال‪ :‬ويف رواية الرتمذي وابن حبان عن طريق حفصة بنت سيرين‬
‫ع�ن أنس‪ :‬فجعل يقول يف قضيب له يف أنفه‪ ،‬وزاد البزار يف وجه آخر عن أنس‪،‬‬
‫قال‪ :‬فقلت له‪ :‬إين رأيت رسول اهلل‪ ،1‬يلثم حيث يقع قضيبك(((‪.‬‬
‫وعندم�ا نق�ل األح�وذي حديث� ًا يؤك�د في�ه أن احلسين أش�به أه�ل البي�ت‬

‫  صحيح البخاري‪.26/5 :‬‬ ‫(((‬


‫  اآلحاد واملثاين‪.307/1 :‬‬ ‫(((‬
‫  صحيح ابن حبان‪.429/15 :‬‬ ‫(((‬
‫  املعجم الكبري‪.125/3 :‬‬ ‫(((‬
‫  عمدة القاري‪.241/16 :‬‬ ‫(((‬
‫‪80‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫برس�ول‪ ‬اهلل‪ 1‬قال‪ :‬ه�ذا يعارض رواية ابن سيرين عند البخ�اري عن أنس‬
‫ق�ال‪ :‬أت�ى عبي�د اهلل بن زياد برأس احلسين احلديث ‪ .‬وفيه فق�ال أنس كان (أي‬
‫احلسين) أش�بههم برس�ول اهلل‪ 1‬قال احلافظ ويمكن اجلمع بأن يكون أنس‬
‫ق�ال م�ا وقع يف رواية الزهري يعني رواية الباب يف حياة احلس�ن ألنه يومئذ كان‬
‫أشد شبه ًا بالنبي‪ 1‬من أخيه احلسني ‪ ،‬وأما ما وقع يف رواية ابن سريين فكان‬
‫بعد ذلك كام هو ظاهر من س�ياقه‪ ،‬أو املراد بمن فضل احلسين عليه يف الشبه من‬
‫عدا احلس�ن وحيتمل أن يكون كل منهام كان أشد شبه ًا به يف بعض أعضائه‪ ،‬فقد‬
‫روى الرتمذي وابن حبان من طريق هانئ بن هانئ عن عيل قال ‪ :‬احلس�ن كش�به‬
‫رس�ول اهلل‪ 1‬ما بني الرأس إىل الصدر واحلسني أشبه رسول اهلل‪ 1‬ما كان‬
‫أس�فل من ذلك ‪ ،‬ووقع يف رواية عبد األعىل عن معمر عن اإلسماعييل يف رواية‬
‫(((‬
‫الزهري هذه ‪ :‬وكان أشبههم وجه ًا بالنبي‪ 1‬وهو يؤيد حديث عيل هذا‪.‬‬
‫وق�د وصف أن�س بن مالك احلالة الش�عورية ملجتمع الكوفة ي�وم ُأيت برأس‬
‫تر عني عربى مثل يوم ُأيت برأس احلسني بن عيل‪4‬‬
‫احلسني‪ :‬عن أنس قال‪ :‬مل َ‬
‫يف طش�ت فوضع بين يدي عبي�د اهلل بن زياد لعنهما اهلل‪ ،‬فجعل يس�مه بقضيبه‬
‫ً (((‬
‫ويقول‪ :‬إن كان لصبيح ًا‪ ،‬إن كان جلميال‪.‬‬

‫الصحابي الثاني زيد بن أرقم‬


‫وزي�د ب�ن أرقم هو الصحايب اآلخر الذي ش�هد املنظر املثري للمش�اعر حيث‬
‫رأس احلسين بن فاطمة‪ 2‬يف طش�ت بني يدي ابن مرجانة‪ ،‬فلم يتمكن من‬
‫التامس�ك‪ ،‬وإنما ص�اح بابن زي�اد ووبخه عىل رؤوس األش�هاد‪ ،‬بعب�ارة أثارت‬
‫حفيظ�ة الوايل املتغطرس وأغضبته‪ ،‬إىل جانب ما أبدى زيد بن أرقم من مش�اعر‬

‫(((  حتفة األحوذي‪.191/10 :‬‬


‫(((  األمايل اخلميسية‪.164/1 :‬‬
‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 81‬‬

‫احلزن واألسف حتى انفجر بالبكاء وخرج من املجلس احتجاج ًا وسخط ًا ألنه مل‬
‫حيتمل ما كان يشاهد من هول املنظر وفداحة املأساة‪ ،‬وبعد أن خرج من املجلس‬
‫كان له كالم أش�به م�ا يكون باخلطاب التحرييض بعد أن ش�خص احلالة املرتدية‬
‫التي آلت إليها أوضاع األمة اإلسلامية عىل مس�توى الوعي واإلرادة واالبتعاد‬
‫عن قيم الدين والعرف واإلنسانية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫انفعال وتأث ٍر ش�ديدين‪ ،‬كام ال ختلو‬ ‫إن بع�ض عب�ارات زيد بن أرق�م تنم عن‬
‫ش�اب نزق كابن‬
‫ٌ‬ ‫من جمازفة بلحاظ الظروف املتش�نجة يف الكوفة وما يستش�عره‬
‫زياد من الزهو والغرور (بالنرص) والغلبة والفرق واضح بني موقفي الصحابيني‬
‫نشير إليه بعد متابعة ما جرى لزيد بن أرقم وما أبدى من موقف وما صدر عنه‬
‫من كالم يف داخل املجلس وخارجه‪.‬‬
‫ويف س�نن الرتم�ذي ق�ال أبو عيس�ى‪( :‬يف حدي�ث أنس) هذا حديث حس�ن‬
‫صحيح غريب‪.‬‬
‫(((‬

‫عن محيد بن مسلم قال‪ :‬دعاين عمر بن سعد فرسحني إىل أهله ألبرشهم بفتح‬
‫اهلل علي�ه‪ ،‬وبعافيت�ه‪ ،‬فأقبلت حتى أتي�ت أهله فأعلمتهم ذلك‪ ،‬ث�م أقبلت حتى‬
‫أدخ�ل‪ ،‬فأج�د ابن زياد قد جلس للن�اس وأجد الوفد قد قدم�وا عليه فأدخلهم‬
‫موضوع بني يديه‪ ،‬وإذا هو‬
‫ٌ‬ ‫وأذن للناس فدخلت فيمن دخل‪ ،‬فإذا رأس احلسني‬
‫ينكث بني ثنينيه س�اعة‪ ،‬فلام رآه زيد بن أرقم ال حيجم((( عن نكته بالقضيب قال‬
‫ل�ه‪ :‬أعل هبذا القضيب عن هاتني الثنيتني‪ ،‬فوالذي ال إله غريه لقد رأيت ش�فتي‬
‫رسول اهلل‪ 1‬عىل هاتني الشفتني يقبلهام‪ ،‬ثم انفضح الشيخ يبكي‪ ،‬فقال له ابن‬
‫زياد‪ :‬أبكى اهلل عينيك‪ ،‬فواهلل لوال أنك ش�يخ قد خرفت وذهب عقلك لرضبت‬
‫عنقك‪ ،‬قال‪ :‬فنهض فخرج‪ ،‬فلام خرج سمعت الناس يقولون‪ :‬واهلل لقد قال زيد‬

‫(((  سنن الرتمذي‪.325/5 :‬‬


‫(((  ال يكف وال يمتنع‪.‬‬
‫‪82‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫بن أرقم قو ً‬
‫ال لو س�معه ابن زياد لقتله‪ ،‬فقال‪ :‬فقلت ما قال؟‪ .‬قالوا‪ :‬مر بنا وهو‬
‫يق�ول‪ :‬ملك عب�د ُعبدا‪ ،‬فاختذهم تل�دا‪ ،‬أنتم يا معرش العرب العبي�د بعد اليوم‪،‬‬
‫قتلت�م اب�ن فاطمة وأمرتم اب�ن مرجانة‪ ،‬فه�و يقتل خياركم ويس�تعبد رشاركم‪،‬‬
‫فرضيتم بالذل‪ ،‬فبعد ًا ملن ريض بالذل(((‪.‬‬
‫وروى اب�ن عس�اكر م�ا ش�اهده زيد اب�ن أرقم وما ص�در منه ك�رد فعل غري‬
‫إرادي مل�ا أمل باألمة من خطب وم�ا أصاهبا من خور ووهن‪... :‬حدثنا أبو داوود‬
‫الس�بيعي عن زيد بن أرقم قال‪ :‬كنت عند عبيد اهلل بن زياد لعنه اهلل إذ أيت برأس‬
‫احلسين‪ ‬بن‪ ‬عيل فوضع يف طست بني يديه فأخذ قضيب ًا فجعل يفرت به عن شفتيه‬
‫وع�ن أس�نانه‪ ،‬فلم َأر ثغر ًا قط كان أحس�ن منه‪ ،‬كأنه ال�در فلم أمتالك أن رفعت‬
‫ص�ويت بالب�كاء‪ ،‬فقال‪ :‬ما يبكيك أهيا الش�يخ‪ ،‬قال‪ :‬يبكيني ما رأيت رس�ول اهلل‬
‫يقبل بعض موضع هذا القضيب ويلثمه ويقول‪ :‬اللهم إين أحبه(((‪.‬‬
‫وع�ن زي�د بن أرقم أنه خرج من عند ابن زياد يومئذ وهو يقول‪ :‬أما واهلل لقد‬
‫س�معت رس�ول اهلل‪ ،1‬يقول‪ :‬اللهم إين أستودعكه وصالح املؤمنني‪ ،‬فكيف‬
‫حفظكم لوديعة رسول اهلل‪1‬؟ وعن حممد بن خالد قال‪ :‬قال إبراهيم‪ :‬لو كنت‬
‫(((‬
‫فيمن قتل احلسني ثم أدخلت اجلنة الستحييت أن أنظر إىل وجه النبي‪.1‬‬
‫ويف حدي�ث أيب الفض�ل الزه�ري‪ :‬ق�ال زيد‪ :‬فل�م أمتال�ك أن رفعت صويت‬
‫بالب�كاء‪ ،‬فقال‪ :‬ما يبكيك أهيا الش�يخ؟ قال‪ :‬يبكيني ربام رأيت رس�ول اهلل‪1‬‬
‫يمص موضع هذا القضيب ويلثمه وهو يقول‪« :‬اللهم إين أحبه فأحبه»‪.‬‬
‫(((‬

‫  مقتل احلسني أليب خمنف‪.20 :‬‬ ‫(((‬


‫  تاريخ مدينة دمشق‪.236/4 :‬‬ ‫(((‬
‫ خمترص تاريخ مدينة دمشق‪( .446/2 :‬م‪.‬ش)‬ ‫(((‬
‫ حديث أيب الفضل الزهري‪( .119/1 :‬م‪.‬ش)‬ ‫(((‬
‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 83‬‬

‫مقارنة بين الموقفين‪:‬‬


‫رغ�م أن الش�يخني أن�س ب�ن مال�ك وزيد ب�ن أرقم قد ش�هدا بما كان يفعل‬
‫رس�ول‪ ‬اهلل‪ 1‬يف اظهار حبه للحسين‪ 5‬ولكن الفارق كبري بني املوقفني‪،‬‬
‫فأنس بن مالك مل يزد عىل قوله أنه أشبههم برسول اهلل‪ ،1‬وكام تقدم يف رواية‬
‫اآلحاد واملثاين أن قوله‪( :‬واهلل ألسوءنك) كان يف نفسه‪ ،‬ومل يمتلك اجلرأة الكافية‬
‫إىل حد اجلهر بام كان يش�اهد من فعل رس�ول اهلل‪ ،‬ومل ينطق هبا ليسمع ابن‪ ‬زياد‪،‬‬
‫فأنس يقول‪ :‬فقلت يف نفيس واهلل ألسوءنك‪.‬‬
‫ولك�ن موقف زيد بن أرقم كان جريئ ًا وش�جاع ًا حي�ث واجه ابن زياد بحزم‬
‫وعىل رؤوس األش�هاد وطلب منه أن يكف عن ممارساته الصبيانية وجتاوزه عىل‬
‫حرمة رس�ول اهلل وس�بطه احلسين‪ ،5‬ثم ال خيفى أن خطاب�ه يف الناس كان‬
‫شديد اللهجة كام تقدم نصه مما محل البعض عىل القول لو سمعه ابن زياد لقتله‪،‬‬
‫وق�د ملح س�بط ابن اجل�وزي إىل الفارق بني املوقفني كام نق�ل ذلك عنه العيني يف‬
‫عم�دة الق�اري حيث قال‪ :‬وقال س�بط اب�ن اجلوزي‪ :‬أما كان لرس�ول اهلل‪1‬‬
‫على أن�س من احلقوق أن ينكر عىل ابن زياد فعل�ه ويقبح له ما وقع من قرع ثنايا‬
‫احلسني بالقضيب؟‪ .‬ولكن الفحل زيد بن أرقم‪ ،‬فإنه أنكر عليه(((‪.‬‬

‫ترجمة أنس بن مالك‬


‫أن�س بن مال�ك بن النرض بن ضمضم ب�ن زيد بن حرم بن جن�دب بن عامر‬
‫ابن غنم بن عدي بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن اخلزرج بن حارثة األنصاري‬
‫اخلزرجي النجاري البرصي خادم رس�ول‪ 5‬يكنى أبا محزة سمي باسم عمه‬
‫أنس بن النرض أمه أم س�ليم بنت ملحان األنصارية كان مقدم النبي‪ 1‬املدينة‬

‫(((   عمدة القاري‪.241/16:‬‬


‫‪84‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ابن عرش سنني وقيل ابن ثامن سنني‪.‬‬


‫كان أن�س يقول جاء رس�ول اهلل‪ 1‬املدينة وأنا ابن عرش س�نني وتويف وأنا‬
‫ابن عرشين سنة‪.‬‬
‫قال حممد بن عبد اهلل خرج أنس بن مالك مع رسول اهلل‪ 1‬حني توجه إىل‬
‫بدر وهو غالم خيدمه‪.‬‬
‫عن إس�حاق بن زيد ق�ال رأيت أنس بن مالك خمتوم� ًا يف عنقه ختم احلجاج‬
‫أراد أن يذله بذلك‪.‬‬
‫وخلص الزركيل حياة أنس بالنص التايل‪:‬‬
‫صاحب رسول اهلل‪ 1‬وخادمه‪ .‬روى عنه رجال احلديث ‪ 2286‬حديث ًا‪.‬‬
‫مول�ده باملدين�ة وأس�لم صغير ًا وخ�دم النب�ي‪ 1‬إىل أن قب�ض‪ .‬ثم رحل‬
‫إىل دمش�ق‪ ،‬ومنه�ا إىل البصرة‪ ،‬فمات فيه�ا‪ .‬وه�و آخر م�ن م�ات بالبرصة من‬
‫(((‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫واختلف يف وقت وفاته فقيل س�نة إحدى وتس�عني هذا قول الواقدي وقيل‬
‫أيض ًا س�نة اثنتني وتسعني وقيل سنة ثالث وتسعني قاله خليفة ابن خياط وغريه‬
‫وقال خليفة مات أنس بن مالك س�نة ثالث وتس�عني وهو ابن مائة سنة وثالث‬
‫سنني وقيل كانت سنه إذ مات مائة سنة وعرش سنني‪.‬‬
‫وقال احلسن بن عثامن مات أنس بن مالك يف قرصه بالطف عىل فرسخني من‬
‫البرصة سنة إحدى وتسعني ودفن هناك‪.‬‬
‫(((‬

‫ترجمة زيد بن أرقم‪:‬‬


‫زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعامن بن مالك بن األغر بن ثعلبة األنصاري‬

‫(((  األعالم للزركيل‪.25/2 :‬‬


‫(((  اإلستيعاب يف معرفة األصحاب‪.35/1 :‬‬
‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 85‬‬

‫اخلزرجي‪ ،‬من بني احلارث بن اخلزرج اختلف يف كنيته اختالف ًا كثري ًا‪ .‬فقيل‪ :‬أبو‬
‫عم�ر وقي�ل‪ :‬أبو عامر‪ .‬وقيل‪ :‬أبو س�عد‪ .‬وقيل أبو س�عيد‪ .‬وقيل أبو أنيس�ة قاله‬
‫الواقدي واهليثم بن عدي‪.‬‬
‫وروينا عنه من وجوه أنه قال‪ :‬غزا رس�ول اهلل‪ 1‬تسع عرشة غزوة غزوت‬
‫منها معه سبع عرشة غزوة‪.‬‬
‫ويقال إن أول مشاهده املريسيع يعد يف الكوفيني نزل الكوفة وسكنها وابتنى‬
‫هبا دار ًا يف كندة‪ .‬وبالكوفة كانت وفاته‪ ،‬يف سنة ثامن وستني‪.‬‬
‫وزي�د ب�ن أرق�م هو ال�ذي رفع إىل رس�ول اهلل‪ 1‬ع�ن عبد اهلل ب�ن أيب بن‬
‫س�لول قول�ه‪﴿ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾(((‪ ،‬فكذب�ه‬
‫عبد‪ ‬اهلل‪ ‬ب�ن‪ ‬أيب وحلف فأنزل اهلل تصديق زيد ب�ن أرقم فتبادر أبو بكر وعمر إىل‬
‫زيد ليبرشاه فسبق أبو بكر فأقسم عمر ال يبادره بعدها إىل يشء وجاء النبي‪1‬‬
‫فأخ�ذ بإذن زي�د وقال‪ :‬وعت أذنك يا غلام‪ ،‬كان ذلك يف غ�زوة بني املصطلق‬
‫وقيل يف تبوك‪.‬‬
‫وش�هد زيد ب�ن األرقم مع علي ريض اهلل عنه صفني وهو مع�دود يف خاصة‬
‫أصحابه‪.‬‬
‫ذكر ابن إسحاق عن عبد اهلل بن أيب بكر بن حممد بن عمرو بن حزم قال‪ :‬كان‬
‫زي�د ب�ن أرقم يتي ًام يف حجر عبد اهلل بن رواحة فخ�رج به معه إىل مؤتة حيمله عىل‬
‫حقيبة رحله فسمعه زيد بن أرقم من الليل وهو يتمثل أبياته التي يقول فيها‪:‬‬
‫م��س�يرة أرب����ع ب��ع��د احل��س��اء‬ ‫إذا أدن��ي��ت��ن��ي ومح��ل��ت رح�لي‬
‫وال أرج����ع إىل أه�ل�ي ورائ���ي‬ ‫ف��ش��أن��ك فانعمي وخ�ل�اك ذم‬
‫ب���أرض ال��ش��ام مشتهي ال��ث��واء‬ ‫وج����اء امل��ؤم��ن��ون وغ����ادروين‬
‫فبكى زيد بن أرقم‪ ،‬فخفقه عبد اهلل بن رواحة بالدرة وقال‪ :‬ما عليك يا لكع‬

‫(((  سورة املنافقون‪.8 :‬‬


‫‪86‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫أن يرزقني اهلل الشهادة وترجع بني شعبتي الرحل‪.‬‬


‫وروى ع�ن زيد بن أرقم مجاعة منهم أبو إس�حاق الس�بيعي وحممد بن كعب‬
‫القرظي وأبو محزة موىل األنصار‪.‬‬
‫(((‬

‫وقال الصفدي يف الوايف‪:‬‬


‫زيد بن أرقم أبو عمرو‪ ،‬ويقال أبو عامر‪ ،‬ويقال أبو س�عيد‪ ،‬ويقال أبو‪ ‬س�عد‪،‬‬
‫أول مشاهده املريسيع مع رسول‪ ‬اهلل‪،1‬‬ ‫ويقال أبو ُأنيسة‪ ،‬األنصاري اخلزرجي‪ّ ،‬‬
‫وغ�زا معه س�بعة عرشة غزوةً‪ ،‬وكان يتي ًام يف حج�ر عبد اهلل بن‪ ‬رواحة‪ ،‬فخرج به‬
‫اب�ن رواح�ة إىل غزوة مؤتة يردفه عىل رحله‪ ،‬وش�هد مع ع ّ‬
‫يل املش�اهد‪ ،‬وس�كن‬
‫الكوف�ة‪ ،‬وبنى هب�ا دار ًا يف كندة‪ ،‬وهو أحد الذين اس�تصغرهم رس�ول اهلل‪1‬‬
‫أح�د فر َدهم‪ ،‬وهم‪ :‬زيد بن أرقم وزيد بن ثابت وابن عمر ُ‬
‫وأس�امة بن زيد‬ ‫ي�وم ُ‬
‫والبرَ َ اء‪ ‬بن‪ ‬عازب وعرابة بن أوس ورجل من بني حارثة ورافع‪ ،‬فتطاول له رافع‪،‬‬
‫فأذن له‪ ،‬وجابر بن عبد اهلل ـ وليس بالذي ُيروى عنه احلديث‪ ‬ـ وس�عد‪ ‬بن‪ ‬حبتة‬
‫وزي�د ب�ن جارية‪ .‬وع�اد النبي ‪ 1‬زيد ب�ن أرقم من ٍ‬
‫رمد به وأخبره أنّه يعمى‬
‫بعده فعمي‪ ،‬ثم ر ّد اهلل عليه برصه‪ ،‬وهو الذي أنكر عىل يزيد ن َْك َت ُه بالقضيب ثنايا‬
‫احلسين‪ ،‬وهو الذي رفع إىل رس�ول اهلل ‪ 1‬قول عب�د‪ ‬اهلل ُ‬
‫بن‪ ‬أبيَ ّ ‪﴿ :‬ﭷ ﭸ‬
‫‪﴿ ،‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬ ‫ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ﴾‬
‫(((‬

‫فصدقه اهلل بالقرآن‪ .‬وتويف س�نة س�ت أو ثامن‬ ‫ﮐ ﮑ ﮒ﴾‪ .‬فأنك�ر ابن ُأ ّ‬
‫يب‪ّ ،‬‬
‫(((‬
‫وس ّتني‪ .‬وروى له اجلامعة‪.‬‬

‫(((  اإلستيعاب يف معرفة األصحاب‪.159/ 1 :‬‬


‫(((  سورة املنافقون‪.7 :‬‬
‫(((  الوايف بالوفيات‪.499 /4 :‬‬
‫مواقف �أخرى‬

‫‪1‬ـ موقف قيس بن عباد‬


‫ق�ال الش�عبي‪ :‬كان عند ابن زياد قيس بن عباد فقال ل�ه ابن زياد‪ :‬ما تقول َّ‬
‫يف‬
‫ويف حسني؟ فقال‪ :‬يأيت يوم القيامة جده وأبوه فيشفعون فيه‪ ،‬ويأيت جدك وأبوك‬
‫وأمك فيشفعون فيك‪ ،‬فغضب ابن زياد وأقامه من املجلس‪.‬‬
‫(((‬

‫وقال السخاوي صاحب التحفة اللطيفة يف ترمجة قيس‪:‬‬


‫قيس بن عباد أبو عبد اهلل اليش�كري القييس‪ ،‬من ولد قيس بن ثعلبة الضبعي‬
‫البصري‪ ،‬م�ن كبار التابعني يروي عن عمر وعلي وأيب ذر وعامر ومجاعة‪ ،‬وعنه‬
‫احلسن وابن سريين وأبو ابن محيد والعز‪ ،‬ولكنه شيعي‪ ،‬قال ابن سعد‪ :‬ثقة قليل‬
‫احلدي�ث والعجلي ثقة من كبار الصاحلني‪ ،‬والس�نائي بن خ�راش ثقة وكانت له‬
‫مناقب وحلم وعبادة‪ ،‬وذكره أبو حمنف عن شيوخه فيمن قتله احلجاج ممن خرج‬
‫ً‬
‫مرسلا‪ ،‬وذكر‬ ‫مع ابن األش�عث وابن قانع‪ ،‬يف معجم الصحابة وأورد له حديث ًا‬
‫يف التهذي�ب‪ ،‬وثالث اإلصابة ورابعه�ا‪ ،‬وثقات ابن حبان يف التابعني‪ ،‬وقال‪ :‬إنه‬
‫(((‬
‫يشكري‪.‬‬

‫(((  تذكرة اخلواص‪.231 :‬‬


‫(((  التحفة اللطيفة‪.388/2 :‬‬
‫‪88‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫‪2‬ـ رجل من بكر بن وائل‬


‫وق�ال املدائني‪ :‬كان مم�ن حرض الواقعة رجل من بكر ب�ن وائل يقال له جابر‬
‫أو جبير‪ ،‬فلما رأى ما صنع ابن زياد قال يف نفس�ه‪ ،‬هلل علي أال أصيب عرشة من‬
‫املسلمني خرجوا عىل ابن زياد‪ ،‬إال خرجت معهم‪ ،‬فلام طلب املختار بثأر احلسني‬
‫والتقى العسكران‪ ،‬برز هذا الرجل وهو يقول‪:‬‬
‫إال مـقـام الـرمـح يف ظـل الـفـرس‬ ‫وكــل شــيء قـــد أراه فــاســدا‬
‫ث�م محل عىل صفوف ابن زياد‪ ،‬وص�اح‪ :‬يا ملعون‪ ،‬يا ابن امللعون‪ ،‬ويا خليفة‬
‫(((‬
‫امللعون‪ ،‬فتفرق الناس عن ابن زياد‪ ،‬فالتقيا بطعنتني‪ ،‬فوقعا قتيلني‪.‬‬
‫ال عن الطربي‪:‬‬ ‫وأما ابن عساكر فقد روى اخلرب بتفصيل أكثر ًا نق ً‬
‫قال الطربي‪ :‬حدثني عبد اهلل بن أمحد نا أيب نا سليامن يعني ابن صالح حدثني‬
‫عبد اهلل بن املبارك حدثني احلسن بن كثري قال‪ :‬كان رشيك بن جرير الثعلبي مع‬
‫عيل بن أيب طالب أصيبت عينه معه‪ ،‬فلام انقضت حرب عيل حلق ببيت املقدس‪،‬‬
‫فكان به‪ ،‬فلام جاءه قتل احلسني قال‪ :‬أعاهد اهلل إن قدرت عىل كذا وكذا ـ يطلب‬
‫بدم احلسين ـ ألقتل�ن ابن املرجان�ة أو ألموتن دونه‪ ،‬فلام بلغ�ه أن املختار خرج‬
‫يطلب بدم احلسني أقبل إليه‪ .‬قال‪ :‬فكان وجهه مع ابن األشرت‪ ،‬وجعل عىل خيل‬
‫ربيعة‪ ،‬فقال ألصحابه إين عاهدت اهلل عىل كذا وكذا‪ ،‬فبايعه ثالثامئة عىل املوت‪،‬‬
‫صف�ا صف ًا‪ ،‬حتى وصلوا إليه وثار‬
‫ً‬ ‫فلما التقوا محل عىل صفوفهم‪ ،‬فجعل هيتكها‬
‫الره�ج‪ ،‬فال تس�مع إال وقع الس�يوف‪ ،‬فانفرجت عن الناس ومه�ا قتيالن ليس‬
‫بينهام أحد‪ ،‬الثعلبي وعبيد اهلل‪ ،‬قال‪ :‬وهو الذي يقول‪:‬‬
‫غـيـر ركـز الـرمـح يف ظـل الفرس‬
‫(((‬ ‫كـــل عـــيــش قـــد أراه قـــذرا‬

‫(((  تذكرة اخلواص‪.232 :‬‬


‫(((  تاريخ مدينة دمشق‪.460/37 :‬‬
‫تقوير ر�أ�س احل�سني‬

‫تقوير الرأس من احلوادث املثرية التي ذكرت فيام جرى عىل رأس احلسني‪5‬‬
‫يف رحلته الطويلة وقد عمد إليه ابن زياد حينام تسلم رأس احلسني الذي نقل من‬
‫كربلاء إىل الكوف�ة عىل وجه الرسعة وعىل يد خولىّ بن يزيد األصبحي كام تقدم‬
‫ً‬
‫مفصلا ومعن�ى التقوير كام يف كتب اللغة هو القط�ع الدائري لليشء(((‪ ،‬وبذلك‬
‫نفه�م أن م�ا أقدم عليه ابن زياد هو إفراغ الرأس الرشيف من حمتوياته أو بعضها‬
‫ليس�تقر على الرم�ح حني وضعه علي�ه ونصبه على هنايته‪ ،‬وق�د ورد ذكر تقوير‬
‫ال�رأس يف غري موضع م�ن كتب التاري�خ واألدب منها إش�ارة النويري يف هناية‬
‫األرب حي�ث ق�ال‪ :‬إنه ملا قتل احلسين‪ 5‬ومحل رأس�ه إىل عبي�د اهلل بن زياد‬
‫يقوره فلم جيبه إال طارق بن املبارك موىل بني أمية‪،‬‬
‫بالكوفة ـ كام تقدم ـ طلب من ّ‬
‫وكان حجام ًا ففعل(((‪.‬‬
‫كام أورد اليافعي احلادثة يف مرآة اجلنان وقال‪ :‬إن عبيد اهلل أمر أن يقور الرأس‬
‫املشرف املك�رم حتى ينص�ب يف الرمح‪ ،‬فتحام�ا الناس من ذل�ك‪ ،‬فقام من بني‬
‫الناس رجل يقال له طارق بن املبارك‪ ،‬بل هو ابن املشؤوم املذموم فقوره ونصبه‬

‫وقوره قطع من وسطه خرف ًا مستدير ًا َّ‬


‫وقور اجليب فعل به مثل ذلك‪ .‬اجلوهري‬ ‫(((  قار اليشء قور ًا َّ‬
‫قو َره وا ْق َتوره وا ْق َتاره كله بمعنى قطعه‪ .‬لسان العرب‪.121/5 :‬‬
‫َّ‬
‫(((   هناية اإلرب‪.299/20 :‬‬
‫‪90‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫بباب املسجد اجلامع(((‪.‬‬


‫و القرطبي ممن أشار إىل تقوير رأس احلسني يف التذكرة وقال‪:‬‬
‫قور الرأس حتى ينص�ب يف الرمح‪ ،‬فتحاماه أكثر‬
‫وأم�ر عبي�د اهلل بن زياد َم ْن ّ‬
‫الناس‪ ،‬فقام رجل يقال له طارق بن املبارك‪ ،‬بل هو ابن املشؤوم امللعون املذموم‪،‬‬
‫فق�وره ونصب�ه بباب عبي�د اهلل‪ ،‬ون�ادى يف الن�اس ومجعهم يف املس�جد اجلامع‪،‬‬
‫(((‬
‫وخطب خطبة ال حيل ذكرها‪.‬‬
‫وذكر سبط ابن اجلوزي خرب تقوير الرأس بيشء من التفصيل يف كتابه تذكرة‬
‫اخل�واص‪ ،‬وقد جاء فيه‪ :‬وذكر عبد اهلل بن عمرو الوراق يف كتاب (املقتل) أنه ملا‬
‫فقوره وأخرج لغاديده‬ ‫حضر الرأس بني يدي ابن زياد أمر حجام ًا فقال ِّ‬
‫قـوره‪َّ ،‬‬
‫ونخاع�ه وم�ا حوله م�ن اللح�م‪ .‬واللغاديد‪ :‬ما بين احلنك وصفح�ة العنق من‬
‫اللح�م‪ .‬فقام عمرو بن حريث املخزومي((( فقال‪ :‬يا ابن زياد قد بلغت حاجتك‬
‫م�ن ه�ذا الرأس‪ ،‬فهب يل ما ألقيت منه فقال‪ :‬ما تصن�ع به‪ ،‬فقال‪ :‬أواريه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫خذه‪ ،‬فجمعه يف مطرف خز كان عليه ومحله إىل داره فغس�له وطيبه وكفنه ودفنه‬
‫عنده يف داره وهي بالكوفة تعرف بدار اخلز دار عمرو بن حريث املخزومي(((‪.‬‬
‫ولع�ل تس�ميتها بدار اخل�ز ملا ذكره اخلطي�ب يف تاريخ بغ�داد‪ :‬كان ابو حنيفة‬

‫  مرآة اجلنان وعربة اليقظان‪.135/1 :‬‬ ‫(((‬


‫ التذكرة يف أحوال املوتى وأمور اآلخرة‪.475 :‬‬ ‫(((‬
‫ عم�رو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد اهلل بن عمرو بن خمزوم القريش املخزومي يكنى‬ ‫(((‬
‫أبا س�عيد‪ ،‬رأى النبي‪ 1‬وس�مع منه‪ ،‬مس�ح برأس�ه‪ ،‬ودعا ل�ه بالربكة وخط ل�ه باملدينة دار ًا‬
‫بقوس‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬قبض النبي‪ 1‬وهو ابن اثنتي عرشة سنة‪ .‬نزل الكوفة وابتنى هبا دار ًا وسكنها‪ .‬وولده‬ ‫ ‬
‫هب�ا‪ ،‬وزعم�وا أنه أول قريش اخت�ذ بالكوفة دار ًا‪ ،‬وكان له فيها ق�در ورشف وكان قد ويل إمارة‬
‫الكوفة‪ ،‬ومات هبا سنة مخس وثامنني‪ .‬اإلستيعاب يف معرفة األصحاب‪.363/1 :‬‬
‫  تذكرة اخلواص‪.329 :‬‬ ‫(((‬
‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 91‬‬

‫خزازا ودكانه معروف يف دار عمرو بن حريث‪.‬‬


‫(((‬

‫والذي يبدو أن مس�ألة تقوير الرأس الرشيف كانت من املس�لامت يف التاريخ‬


‫حت�ى أن صالح بن عيل عم اخلليفة (الس�فاح) العبايس أش�ار إليه�ا حينام مثلت‬
‫عائلة مروان احلامر بني يديه بعد سقوط الدولة األموية‪ ،‬وقيام دولة بني العباس‪،‬‬
‫وذل�ك حينما طالبت إحدى بنات م�روان احلامر بالعفو والصف�ح‪ ،‬فكان جوابه‬
‫متضمن� ًا لبعض ما ارتكبه النظام األموي بحق اهلاش�ميني م�ن جرائم‪ ،‬ومما جاء‬
‫فيه‪ :‬أمل يقتل يزيد بن معاوية احلسين بن عيل‪ ...‬أمل حيمل إليه رأس احلسني‪ ،‬وقد‬
‫ُف ِّرغ دماغه(((‪.‬‬
‫وكذل�ك وردت اإلش�ارة نفس�ها يف م�روج الذه�ب للمس�عودي حينام ذكر‬
‫كالم صال�ح بن علي وحواره مع بنات مروان احلامر ومن�ه قوله‪ :‬أمل خيرج بحرم‬
‫رس�ول‪ ‬اهلل‪ 1‬س�بايا حتى ورد هبن عىل يزيد بن معاوية‪ ،‬وقبل مقدمهن بعث‬
‫إليه برأس احلسني بن عيل قد ثقب دماغه عىل رأس الرمح(((‪.‬‬
‫والظاهر أن ما فعله طارق بن املبارك برأس احلسني‪ 5‬ظل عار ًا يف عقبه يعري‬
‫به أبناؤه وأس�باطه‪ ،‬ومن ذلك ما ذك�ره النويري بخصوص أيب يعىل الكاتب وهو‬
‫من أس�باط طارق بن املبارك فهجاه أحد الش�عراء مذكر ًا إياه بام فعل جده بالرأس‬
‫الرشيف وقد ُهجي أبو يعىل الكاتب وهو أحد أسباط طارق هذا فقيل فيه‪:‬‬
‫ـ�لى وس��اط ال��دم��اغ ب��اإلهب��ام‬
‫(((‬ ‫ش�ق رأس احلسين ج�د أيب يع�ـ‬
‫وق�د أدرج صاح�ب كتاب الزهرة أبا يعلى فيمن هجي بقب�ح خلقته وعيب‬
‫بس�وء خليقته‪ ،‬وذكر حتت العنوان أبيات ًا نس�بها إىل بعض أهل األدب‪ ،‬وال ختفى‬

‫ تاريخ بغداد‪.326/13 :‬‬ ‫(((‬


‫ هناية اإلرب يف فنون األدب‪.32/22 :‬‬ ‫(((‬
‫ مروج الذهب‪.300/3 :‬‬ ‫(((‬
‫ هناية اإلرب‪.299/20 :‬‬ ‫(((‬
‫‪92‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫اإلشارة فيها إىل ما فعله جده برأس احلسني‪:5‬‬


‫رب�م�ا اس��ت��ق��ب��ح��ت ع�لى أق���وام‬ ‫ن��ع��م��ة اهلل ال ت��ع��اب ول��ك��ن‬
‫ـ�لى ال وال ن��ور هبجة اإلس�لام‬ ‫ال يلـيـق الغـنـى بـوجـه أيب يـــعـ‬
‫م��ن دم��اء احلسني يف األق�ل�ام‬
‫(((‬ ‫ال تــمــســوا دواتــه فـتـصـيـبـوا‬
‫ولكن ابن املعتز أفصح عن الش�اعر الذي نظم هذه األبيات وهو أبو حفص‬
‫البرصي‪.‬‬
‫(((‬

‫أم�ا الثعالبي فقد نظر إىل األبيات من زاوية فقهية حني أدرجها يف رس�ائله يف‬
‫باب اهلجاء (فصل يف حل قول الشاعر)‪:‬‬
‫نعمة اهلل ‪ ..‬األبيات‪ .‬وقال‪ :‬واهلل ما يليق لفتى بوجه أيب يعىل وال يلوم عليه نور‬
‫اإلسالم‪ ..‬فهو بالفقراء أشبه منه باألغنياء‪ ،‬ال أبعد اهلل سواه وكفانا لقياه‪.‬‬
‫(((‬

‫وأب�و يعىل ه�و عبيد اهلل ب�ن حييى بن خاق�ان الوزي�ر وكانوا يس�مون الوزير‬
‫كاتب� ًا‪ ،‬ق�ال الصف�دي يف الوايف حينام ترج�م أليب حفص البصري‪ :‬وله يف عبيد‬
‫اهلل ب�ن حييى بن خاقان الوزير‪ ،‬ثم ذكر األبي�ات ويف آخرها بيت مل يذكره أغلب‬
‫املؤرخني وللبيت عالقة مبارشة فيام نحن فيه حيث يرجع نس�ب الوزير إىل جده‬
‫طارق بن املبارك الذي قور رأس احلسني وكان حجام ًا كام تقدم‪:‬‬
‫سفـلـة يـنـتـهي إلـــى حـجــام‬
‫(((‬ ‫وحم������ال م�������روءة ل��ب��خ��ي��ل‬
‫ويف ذيل تاريخ بغداد‪:‬‬
‫سفـلـة يـنـتـمي إلـــى حـجــام‬
‫(((‬ ‫وحم������ال م�������روءة ل��ب��خ��ي��ل‬

‫ الزهرة‪.159/2 :‬‬ ‫(((‬


‫ طبقات الشعراء‪( .126/1 :‬م‪.‬ش)‬ ‫(((‬
‫ الكناية والتعريض‪.114 :‬‬ ‫(((‬
‫ الوايف‪.127/7 :‬‬ ‫(((‬
‫ ذيل تاريخ بغداد‪.8/5 :‬‬ ‫(((‬
‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 93‬‬

‫وقد نسب ابن سالم األبيات إىل أيب حفص البرصي يف كتابه الشعر والشعراء‪،‬‬
‫كام رشح الثعالبي األبيات يف رسائله‪ ،‬وجاء يف رشحها‪ :‬واهلل ما يليق الغنى بوجه‬
‫أيب يعىل وال يلوح عليه نور اإلسالم‪...‬‬
‫(((‬

‫(((  الكناية والتعريض‪.114 :‬‬


‫الت�سريح بر�أ�س احل�سني من الكوفة �إىل ال�شام‬

‫ورد يف بع�ض األخب�ار أن يزي�د بن معاوي�ة كتب إىل عبيد اهلل ب�ن زياد يأمره‬
‫بإرسال السبايا من آل البيت‪ 3‬ورؤوس الشهداء وعىل رأسهم رأس احلسني‬
‫ب�ن علي إىل الش�ام عاصمة اخلالف�ة التي قتل احلسين‪ 5‬بأمر ص�ادر عنها‪.‬‬
‫واألهداف الكامنة وراء ذلك األمر ليست خافية وال بعيدة عن فهم عامة الناس‬
‫فض ً‬
‫ال عن العلامء واخلرباء يف السياس�ة وطبائع امللوك وهواجس�هم وأساليبهم‪.‬‬
‫ويمكن إمجال األسباب بالتايل‪:‬‬
‫‪1‬ـ ب�ث اإلره�اب واهلل�ع يف نف�وس الناس وإش�عارهم بق�وة اخلليف�ة اجلديد‬
‫وإبراز عزمه وطريقة تعامله مع من تس�ول له نفسه يف املعارضة أو حتى عدم‬
‫االنسياق يف حتقيق رغبات الساسة‪.‬‬
‫‪2‬ـ التشفي وتنفيس العقد اجلاهلية املعروفة يف نفوس أهل هذا البيت بالنسبة إىل‬
‫بني هاشم بعد موقف الطرفني من الرسالة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪3‬ـ رس�الة واضح�ة إىل كل السياس�يني مم�ن كان هلم موقف من حكومة الش�ام‬
‫املتمثل�ة بش�خص يزي�د ب�ن معاوية‪ ،‬م�ن أمث�ال ابن الزبير وغريه م�ن أبناء‬
‫الصحابة الذين فوجئوا باستخالف يزيد‪.‬‬
‫وكل ذل�ك مصرح به وملمح إليه يف ثنايا التاريخ ونصوص الرتاث بام يغنينا عن‬
‫التفصيل فيه حفاظ ًا عىل تركيز املوضوع وتكثيف الكالم بام جرى عىل رأس احلسني‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 95‬‬

‫القائمون بمهمة حمل الرأس إلى الشام‬

‫جيد املتابع حلركة الس�بايا بصحبة الرؤوس أن املؤرخني يذكرون عدة أسماء‬
‫ممن توىل قيادة هذا الركب املس�افر املثقل باآلالم واألحزان (واملزين) بالرؤوس‬
‫املرفوعة عىل رؤوس الرماح طيلة هذا الطريق الطويل‪.‬‬
‫ومن خالل س�ياق األخب�ار وطريقة عرض الرواي�ات التارخيية التي اهتمت‬
‫هب�ذه املرحلة من س�فر الس�بايا وال�رؤوس يمكن التأكيد عىل وج�ود جمموعتني‬
‫بقيادتني خمتلفتني ينس�ب إليهام إدارة الركب املسافر وقيادة حركة من الكوفة إىل‬
‫الشام‪.‬‬

‫المجموعة األولى‪ :‬بقيادة ِّ‬


‫محفز بن ثعلبة‬

‫هناك العديد من الروايات يف املصادر األساس�ية واملعتربة تس�مي ش�خصني‬


‫أوكل إليهما عبيد اهلل بن زياد قيادة ركب الس�بايا والرؤوس املغادرة من الكوفة‬
‫قاصدة (دار اخلالفة) يف الشام‪ ،‬والطربي يف طليعة املؤرخني الذين فصلوا القول‬
‫يف هذه الواقعة التارخيية املس َّلمة لدى مجيع املؤرخني دون استثناء‪ ،‬وقد جاء ذكر‬
‫الطربي هلذه القضية بنحوين من الرواية نستعرضهام ثم نالحق ما جاء يف املصادر‬
‫األخرى مما يعزز رواية الطربي أو يتفاوت معها بقليل من الزيادة والنقصان‪.‬‬

‫الرواية األولى‬

‫وج�اء كت�اب بأن رسح األس�ارى إيل‪ ،‬ق�ال‪ :‬فدعا عبيد اهلل بن زي�اد حم ِّفز بن‬
‫ثعلبة وش�مر بن ذي اجلوش�ن‪ ،‬فق�ال‪ :‬انطلقوا بالثقل وال�رأس إىل أمري املؤمنني‬
‫يزي�د بن معاوية‪ ،‬قال‪ :‬فخرجوا حتى قدموا عىل يزيد‪ ،‬فقام حم ِّفز بن ثعلبة فنادى‬
‫بأعلى صوت�ه‪ :‬جئنا برأس أمحق الن�اس وألئمهم‪ ،‬فقال يزيد‪ :‬م�ا ولدت أم حم ِّفز‬
‫‪96‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫أألم وأمحق‪ ،‬ولكنه قاطع ظامل(((‪.‬‬

‫الرواية الثانية‪:‬‬

‫قال ثم أن عبيد اهلل أمر بنس�اء احلسني وصبيانه فجهزن وأمر بعيل بن احلسني‬
‫فغ�ل بغ�ل إىل عنقه ثم رسح هبم مع حمفز بن ثعلبة العائذي ـ عائدة قريش ـ ومع‬
‫شمر بن ذي اجلوشن‪ ،‬فأطلقا هبم حتى قدموا عىل يزيد ـ فلم يكن عيل بن احلسني‬
‫يكل�م أحد ًا منهما يف الطريق كلمة حتى بلغوا‪ ،‬فلام انتهوا إىل باب يزيد رفع حم ّفز‬
‫ب�ن ثعلبة صوته فقال‪ :‬هذا حمفز ب�ن ثعلبة أتى أمري املؤمنني باللئام الفجرة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فأجاب يزيد بن معاوية ما ولدت أم حمفز رش وأألم(((‪.‬‬
‫ويشير اب�ن س�عد يف الطبقات إىل حمف�ز بن ثعلب�ة واختياره للذه�اب برأس‬
‫احلسين دون ذك�ر الش�مر بن ذي اجلوش�ن مم�ا يش�عر أن الرجل اختير ليكون‬
‫قائد ركب الس�بايا إىل الش�ام‪ ،‬ورواية ابن سعد يف ترمجة اإلمام احلسني‪ 5‬يف‬
‫الطبقات عىل النحو التايل‪:‬‬
‫قال‪ :‬وقدم برأس احلسني حمفز بن ثعلبة العائذي عائذة قريش عىل يزيد فقال‪:‬‬
‫أتيتك يا أمري املؤمنني برأس أمحق الناس وأألمهم‪ ،‬فقال يزيد‪ :‬ما ولدت أم حمفز‬
‫أمح�ق وأألم‪ ،‬لكن الرجل مل يقرأ كت�اب اهلل ﴿ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾‪ .‬ثم قال باخليزرانة بني ش�فتي احلسين‬
‫وأنشأ يقول‪:‬‬
‫علينا وه��م ك��ان��وا أع��ق وأظلام‬ ‫يفلقن ه��ام � ًا م��ن رج���ال أع��زة‬
‫والش�عر حلصني بن احلامم املري‪ ،‬فقال ل�ه رجل من األنصار ـ حرضه ـ ارفع‬

‫(((   تاريخ الطربي‪.354/4:‬‬


‫(((   تاريخ الطربي‪.352/4:‬‬
‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 97‬‬

‫قضيبك هذا فإين رأيت رسول اهلل‪ 1‬يقبل املوضع الذي وضعته عليه(((‪.‬‬
‫وس�وف نلتقي بمجموعة من عمدة املؤرخني ممن يؤكد أن حمفز بن ثعلبة هو‬
‫الذي توىل مهمة نقل رأس احلسين‪ 5‬مع الس�بايا والرؤوس من الكوفة إىل‬
‫الشام وذلك عندما نرتجم هلذا الرجل‪.‬‬

‫ترجمة ِّ‬
‫محفز بن ثعلبة‬
‫ذك�ر البلاذري يف أنس�اب األرشاف حمف�ز ب�ن ثعلب�ة ضم�ن سلس�لة نس�ب‬
‫خزيمة‪ ‬بن‪ ‬ل�ؤي وقال‪ :‬ومنه�م‪ :‬حمفز بن ثعلبة بن مرة بن خال�د بن عامر بن قنان‬
‫اب�ن عمرو بن قيس بن احلارث بن مالك بن عبي�د بن خزيمة‪ ،‬الذي ذهب برأس‬
‫احلسين بن‪ ‬عيل إىل الش�ام‪ ،‬وقال‪ :‬أنا حمفز بن ثعلبة جئت برؤوس اللئام الكفرة‪،‬‬
‫فقال يزيد بن معاوية ما حتفزت عنه أم حمفز أألم وأفجر(((‪ ،‬وقال مصعب الزبريي‬
‫حينام رسد النس�ب نفس�ه‪ :‬وبنو خزيمة هذا يدعون عائذة قريش‪ ...‬عبيد ًا وحرب ًا‪،‬‬
‫فولد عبيد مالك ًا فولد مالك احلارث‪ :‬أمه عائذة بنت اخلميس بن قحافة بن خثعم‪،‬‬
‫هبا يعرفون‪ ..‬منهم حمفز بن ثعلبة‪ ..‬الذي ذهب برأس احلسني(((‪ .‬وضبطه ابن حجر‬
‫العس�قالين يف تبصري املنتبه بتحرير املش�تبه وقال‪ :‬وبحاء مهملة مفتوحة وتشديد‬
‫الفاء بعدها زاي‪ :‬حم ِّفز بن ثعلبة الذي ذهب برأس احلسني إىل الشام‪.‬‬
‫ومل نج�د بحس�ب ما نعل�م ترمجة ملحفز ما ي�دل عىل أنه نك�رة ال يذكر إال يف‬
‫سياق أحداث نقل رأس احلسني‪ 5‬من الكوفة إىل الشام‪.‬‬

‫المجموعة الثانية من الروايات بقيادة زحر بن قيس‬


‫وهن�اك جمموع�ة أخ�رى م�ن الرواي�ات تشير إىل أسماء مم�ن أوكل هل�م‬

‫(((   ترمجة احلسني يف طبقات ابن سعد‪.82:‬‬


‫(((   أنساب األرشاف‪.508/2 :‬‬
‫(((   نسب قريش‪( .45 /1 :‬م‪.‬ش)‪.‬‬
‫‪98‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫عبيد‪ ‬اهلل‪ ‬بن‪ ‬زياد املهمة يف نقل رأس احلسين‪ 5‬وسبايا أهل البيت‪ 3‬إىل‬


‫الشام‪ ،‬وعمدة الروايات مذكورة يف تاريخ الطربي وكامل ابن األثري وغريها من‬
‫كتب التاريخ‪ .‬وهذه املجموعة يرتأسها زحر بن قيس إضافة إىل شخصني آخرين‬
‫مه�ا‪ :‬أبو بردة بن ع�وف األزدي وطارق بن أيب ظبيان األزدي‪ ،‬وقد وردت هذه‬
‫الرواي�ة يف مقتل احلسين أليب خمنف ونقلها عنه س�ائر املؤرخني‪ ،‬واخلرب بالنص‬
‫اآليت‪:‬‬
‫نصب رأس احلسين بالكوفة فجعل ي�دار به يف الكوفة ثم دعا زحر بن قيس‬
‫فرسح معه برأس احلسين ورؤوس أصحابه إىل يزي�د بن معاوية وكان مع زحر‬
‫أب�و بردة بن عوف األزدي‪ ،‬وطارق ب�ن أيب ظبيان األزدي فخرجوا حتى قدموا‬
‫هبا الشام(((‪.‬‬
‫وأش�ار ابن األثري إىل زحر بن قيس يف خرب إرس�ال رأس احلسين إىل الش�ام‬
‫وقال‪ :‬ثم أرس�ل ابن زياد رأس احلسين ورؤوس أصحابه مع زحر بن قيس إىل‬
‫الشام إىل يزيد ومعه مجاعة‪ ،‬وقيل مع شمر ومجاعة معه(((‪.‬‬
‫وهن�اك مص�ادر أخرى ذكرت فيه�ا الرواية التي تشير إىل أن زحر هو الذي‬
‫كلف بحمل رأس احلسني‪ 5‬إىل الشام‪.‬‬

‫ترجمة زحر بن قيس‬


‫زح�ر ب�ن قيس ب�ن مالك ب�ن معاوية بن س�عنة بن ب�داء‪ .‬هبذا النس�ب ذكره‬
‫ابن‪ ‬األثير يف اللب�اب يف هتذيب اإلنس�ان‪ ،‬وج�اء ذكره يف س�ياق احلديث عمن‬
‫(البدي)‪.‬‬
‫نسبته ّ‬
‫ثم أضاف شهد مع عيل صفني وكان عيل إذا نظر إليه قال من رسه أن ينظر إىل‬

‫(((  تاريخ الطربي‪.351/4 :‬‬


‫(((  الكامل يف التاريخ‪.83/4 :‬‬
‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 99‬‬

‫الشهيد احلي فلينظر إىل هذا(((‪.‬‬


‫وترمج�ه اخلطي�ب البغ�دادي يف تاري�خ بغداد وق�ال‪ :‬زحر بن قي�س اجلعفي‬
‫الكويف أحد أصحاب عيل بن أيب طالب أنزله عىل املدائن يف مجاعة جعلهم رابطة‬
‫ال عن الش�عبي عن زحر بن قي�س أنه ق�ال‪ :‬بعثني عيل عىل‬ ‫ث�م ذك�ر خبر ًا مفص ً‬
‫أربعامئ�ة م�ن أهل العراق‪ ،‬وأمرن�ا أن ننزل املدائن رابطة ق�ال‪ :‬فواهلل إنا جللوس‬
‫عن�د غروب الش�مس عىل الطري�ق‪ ،‬إذ جاءنا رجل قد أعرق دابت�ه‪ ،‬قال‪ :‬فقلنا‪:‬‬
‫م�ن أي�ن أقبلت؟ فقال‪ :‬من الكوف�ة‪ ،‬فقلنا‪ :‬متى خرجت؟ ق�ال‪ :‬اليوم‪ .‬قلنا‪ :‬فام‬
‫اخلبر؟ قال‪ :‬خرج أمري املؤمنني إىل الصالة صالة الفجر فابتدره ابن بجدة وابن‬
‫ملج�م فرضب�ه أحدمها رضبة إن الرجل ليعيش مما هو أش�د منها ويموت مما هو‬
‫أهون منها‪ ،‬قال‪ :‬فواهلل ما مكثنا إال تلك الليلة حتى جاءنا كتاب احلسن بن عيل‪:‬‬
‫م�ن عبد اهلل حس�ن أمير املؤمنني إىل زحر ب�ن قيس أما بعد فخ�ذ البيعة عىل من‬
‫قبلك‪.(((.‬‬
‫وأش�ار ابن حجر إىل أن زحر مم�ن أدرك النبي‪ 1‬ولذلك ذكره يف اإلصابة‬
‫وق�ال‪ :‬زحر بن قيس بن مالك بن معاوية‪ ..‬له إدراك وكان من الفرس�ان‪ ،‬وكان‬
‫م�ع عيل ف�إذا نظر إليه قال‪ :‬من رسه أن ينظر إىل الش�هيد احل�ي فلينظر إىل هذا‪..‬‬
‫وكان لزحر أربعة أوالد نجباء أرشاف يف الكوفة(((‪.‬‬
‫فارس�ا وله ولد أرشاف‪ ،‬وكان خطيب ًا‬
‫ً‬ ‫وقال الصفدي يف الوايف‪ :‬وكان رشيف ًا‬
‫بليغ� ًا‪ ،‬وف�د عىل يزيد ب�ن معاوية‪ ..‬وروى عن الش�عبي‪ ،‬قال أمح�د العجيل‪ :‬هو‬
‫كويف تابعي ثقة من كبار التابعني(((‪.‬‬

‫  اللباب يف هتذيب األنساب‪.129 /1 :‬‬ ‫(((‬


‫  تاريخ بغداد‪489 /8 :‬ـ ‪.490‬‬ ‫(((‬
‫  اإلصابة‪.520 /2 :‬‬ ‫(((‬
‫  الوايف بالوفيات‪.127/14 :‬‬ ‫(((‬
‫‪100‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫زحر في يوم الجمل وما بعدها‬

‫يؤك�د املؤرخ�ون اشتراك زح�ر ب�ن قي�س يف معرك�ة اجلم�ل إىل جان�ب‬
‫اإلمام‪ ‬علي‪ ،5‬وظاهر بعض األخبار أنه كان من الفرس�ان املربزين يف تلك‬
‫احل�رب‪ ،‬كما أن اإلم�ام‪ 5‬اعتمد عليه يف بعض ش�ؤونه ومراسلاته بعد أن‬
‫وضعت حرب اجلمل أوزارها‪ ،‬وقد نقل ابن أيب احلديد طرف ًا من رجز زحر عن‬
‫أيب خمنف لوط بن حييى‪ ،‬قال‪ :‬وقال زحر بن قيس اجلعفي يوم اجلمل أيض ًا‪:‬‬
‫خير قري�ش كله�ا بع�د النب�ي‬ ‫أرضبك�م حت�ى تق�روا لعلي‬
‫إن ال���ويل ح��اف��ظ ظ��ه��ر ال��ويل‬ ‫م��ن زان����ه اهلل وس��م�اه ال��ويص‬
‫ثم يعقب ابن أيب احلديد ويقول‪ :‬ذكر هذه األشعار واألراجيز كلها أبو خمنف‬
‫ل�وط بن حييى يف كتاب وقعة اجلمل‪ ،‬وأبو خمنف من املحدثني‪ ،‬وممن يرى صحة‬
‫اإلمامة باالختيار‪ ،‬وليس من الشيعة وال معدود ًا من رجاهلا(((‪.‬‬
‫ال من رس�له إىل أطراف‬‫واخت�ار اإلم�ام‪ 5‬زحر بع�د وقعة اجلمل رس�و ً‬
‫البالد اإلسلامية إلعالمهم باملجريات واألحداث السياس�ية والتحوالت التي‬
‫وقعت بعد مقتل اخلليفة عثامن بن عفان وما كان من بيعته‪ ،‬ذلك مشفوع بطلب‬
‫البيع�ة والدخ�ول يف مجاعة املس�لمني‪ ،‬وكانت وجهة زح�ر إىل جرير بن عبد اهلل‬
‫البجيل حيث كان عام ً‬
‫ال لعثامن عىل ثغر مهذان‪.‬‬
‫وسار زحر حيمل كتاب ًا مفص ً‬
‫ال إىل جرير‪ ،‬وقد كتب اإلمام‪ 5‬يف ختامه ما‬
‫ييل‪ :‬وقد بعثت إليك زحر بن قيس فاسأله عام بدا لك والسالم‪.‬‬
‫كما يشير الدينوري إىل مهمة زحر يف األخبار الط�وال‪ :‬وكتب عيل إىل جرير‬
‫ب�ن عبد اهلل البجيل‪ ،‬وكان عامل عثامن ب�أرض اجلبل مع زحر بن قيس اجلعفي‪،‬‬

‫(((   رشح هنج البالغة‪.147 /1:‬‬


‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 101‬‬

‫يدعوه إىل البيعة له‪ ،‬فبايع وأخذ بيعة من قبله‪ ،‬وسار حتى قدم الكوفة‬
‫(((‬

‫زحر بن قيس في العهد األموي‬

‫ال خيتل�ف موق�ف زح�ر بن قي�س عن الكثير من أه�ل الكوفة مم�ن أخضع‬
‫للس�لطة األموي�ة طوع ًا أو كره� ًا‪ ،‬وحيث أن املدينة متثل معس�كر ًا منذ إنش�ائها‬
‫فغالب أهلها ـ وجلهم من اليمن ـ انضموا إىل جيش الدولة املنترصة بعد صلح‬
‫اإلمام احلس�ن‪ 5‬عىل اختالف كبري يف القناعات‪ ،‬وهذا أمر حيتاج إىل متابعة‬
‫وتفصيل لكل فرد من قادة ذلك املجتمع وذلك ما ال يتسع له هذا العمل‪.‬‬
‫وكام مر يف بعض الروايات فإن الرجل كلف بمهمة محل رأس احلسني‪5‬‬
‫إىل يزي�د‪ ،‬ولك�ن ه�ذه األخبار أقل بكثري م�ن روايات االحتمال األول وهو أن‬
‫(حم ّفز) هو الذي ذهب برأس احلسني‪.‬‬
‫ويكتشف املتابع حلياة زحر أنه يمثل شخصية اجلندي املطيع لكل من أمسك‬
‫بزم�ام الس�لطة يف الكوف�ة‪ ،‬فق�د وردت إش�ارات تدل على أن�ه كان مع جيش‬
‫الس�لطة الذي قاتل املختار أيام ثورته يف الكوفة منها ما رواه الطربي وهو يتابع‬
‫حرك�ة إبراهيم بن مالك األشتر وتقدم�ه باجتاه الكوفة‪ ،‬حتى انتهى إىل مس�جد‬
‫الس�كون وعجل�ت إلي�ه خي�ل من خيل زح�ر بن قي�س اجلعفي‪ ..‬فش�د عليهم‬
‫إبراهيم‪ ‬بن‪ ‬األشتر وأصحابه فكش�فوهم ‪ ..‬فقال إبراهيم من صاحب اخليل‪...‬‬
‫فقيل له زحر بن قيس‪ ،‬فقال انرصفوا بنا عنهم(((‪.‬‬
‫ويذكر ابن األثري يف الكامل وغريه إن فرات بن زحر قتل يف أحداث الكوفة أثناء‬
‫ث�ورة املختار‪ ،‬وإن زحر كان من اجلرحى‪ ،‬وق�ال‪ :‬وقتل فرات‪ ‬بن‪ ‬زحر‪ ‬بن‪ ‬قيس‬

‫(((   األخبار الطوال‪.156 :‬‬


‫(((   تاريخ الطربي‪.499/4 :‬‬
‫‪102‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫وجرح أبوه زحر(((‪.‬‬


‫ويتاب�ع زح�ر انضاممه إىل من يتس�لط على الكوفة أي� ًا كان ف�كان إىل جانب‬
‫مصع�ب بن الزبري أثناء تغلب�ه عىل البلد‪ ،‬ووجه مصعب زح�ر بن قيس اجلعفي‬
‫مدد ًا البن معمر يف ألف(((‪.‬‬
‫وانتظم زحر كعادته يف جيش احلجاج يف قتاله ضد اخلوارج‪ :‬ووجه احلجاج‬
‫جري�دة خيل نق�اوة ألف وثامنامئة ف�ارس مع زحر بن قيس‪ ،‬وقال له اتبع ش�بيب ًا‬
‫حتى توقعه أين أدركته(((‪.‬‬

‫الشهيد الحي‬
‫تقدم يف بعض الروايات أن لقب الشهيد احلي أطلقه اإلمام عىل زحر بن قيس‪،‬‬
‫ولكن دقة النظر والتحري جتعلنا نتوقف عند هذه الكلمة فال وجود ملناسبة توجب‬
‫هذا الوصف من اإلمام‪ .5‬إال أن يقال إنه كان يس�ترشف الغيب فيام يصيب‬
‫زحر يف مس�تقبله ليصدق عليه مثل هذا النعت‪ ،‬وذلك بس�بب ما جرى له يف لقاء‬
‫من لقاءاته مع اخلوارج بقيادة أحد قادهتم األش�داء شبيب الشاكري‪ ،‬فخرج زحر‬
‫حتى انتهى السيلحني وأقبل شبيب نحوه‪ ،‬فالتقيا فجمع شبيب خيله ثم اعرتض‬
‫ب�ه الصف حتى انتهى إىل زحر حتى رصع واهنزم أصحابه وظنوا (اخلوارج) أهنم‬
‫قتلوه‪ ،‬فلام كان الس�حر وأصابه الربد قام يتمشى حتى دخل قرية فبات هبا‪ ،‬ومحل‬
‫منها إىل الكوفة‪ ،‬وبوجهه وبرأسه بضع عرشة جراحة فمكث أيام ًا ثم أتى احلجاج‬
‫فأجلسه معه عىل الرسير‪ ،‬وقال ملن حوله‪ :‬من أراد أن ينظر إىل رجل من أهل اجلنة‬
‫يميش بني الناس وهو شهيد فلينظر إىل هذا(((‪.‬‬

‫ الكامل يف التاريخ‪.235/4:‬‬ ‫(((‬


‫ املصدر نفسه‪.307/4 :‬‬ ‫(((‬
‫ املصدر نفسه‪ 408 /4 :‬ـ ‪.409‬‬ ‫(((‬
‫ املصدر نفسه‪ 408 /4 :‬ـ ‪.409‬‬ ‫(((‬
‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 103‬‬

‫يق�ول صاح�ب بغي�ة الطل�ب‪ :‬والذي يق�ع يل أن ال�ذي قدم برأس احلسين‬
‫على يزي�د ه�و غري زح�ر بن قي�س اجلعفي‪ ،‬ف�إن اجلعفي ش�هد صفين مع عيل‬
‫ريض‪ ‬اهلل‪ ‬عن�ه‪ ،‬وقدمه عىل أربعامئة م�ن أهل العراق‪ ،‬وبقي بع�ده مؤمر ًا‪ ،‬وأمره‬
‫احلسن ريض اهلل عنه بأخذ البيعة له‪ ،‬وقال فيه أمحد بن عبد اهلل العجييل تابعي ثقة‬
‫م�ن كبار التابعين‪ ،‬وكان رشيف ًا يف قومه‪ ،‬فيبعد عندي أن يقاتل احلسين وخيرج‬
‫برأس�ه وحيرض بني يدي يزيد ويقول ما قال‪ ،‬قول متش�ف‪ ،‬وقد وافق اجلعفي يف‬
‫اسمه واسم أبيه وكونه من الكوفة فظن احلافظ أبو القاسم أنه اجلعفي وليس به‪،‬‬
‫واهلل أعلم(((‪.‬‬

‫ترجمة أبو بردة بن عوف‬


‫ع�دة صاحب مجهرة أنس�اب العرب من ولد نرص بن زه�ران وهو من األزد‬
‫وق�ال‪ :‬أب�و بردة بن عوف بن عبد هنم‪ ،‬عثامين املذهب(((‪ ،‬وقال ابن عس�اكر‪ :‬أبو‬
‫بردة بن عوف األزدي‪ :‬عراقي من التابعني‪ ،‬وفد عىل يزيد بن معاوية له ذكر‪.‬‬
‫(((‬

‫يف حكاية تقدمت يف ترمجة زحر بن قيس‪.‬‬


‫وأب�و ب�ردة من أهل الكوفة وق�د كان ممن ختلف عن اإلم�ام عيل‪ 5‬حينام‬
‫دع�ا أه�ل الكوفة إىل نرصت�ه لتطويق حرك�ة أصحاب اجلم�ل التمردية‪ ،‬وحينام‬
‫وضع�ت احل�رب أوزاره�ا وكان النرص فيها لإلم�ام كام هو معل�وم وقرر اإلمام‬
‫العودة إىل الكوفة كانت خطبته األوىل لدى وصوله إليها تتضمن الش�كر والثناء‬
‫لل�دور ال�ذي قام به الكوفيون يف هذه احل�رب ولكنه عطف يف كالمه عىل الذين‬
‫مل يس�تجيبوا له ومل يلحقوا به‪ ،‬ومما قاله‪« :5‬أال أنه قد قعد عن نرصيت منكم‬

‫(((   بغية الطلب يف تاريخ حلب‪.3786/8 :‬‬


‫(((   مجهرة أنساب العرب‪.383 /2 :‬‬
‫(((   تاريخ مدينة دمشق‪16 /66 :‬‬
‫‪104‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫رجال فأنا عليهم عاتب‪.(((»...‬‬


‫ثم تكلم عدد من أصحابه الذين اشرتكوا يف املعركة حيث طغت لغة االندفاع‬
‫والتهج�م من بعضهم‪ ،‬ف�كان رد اإلمام وتعليقه حم�او ً‬
‫ال إرجاعهم إىل الصواب‬
‫والت�وازن ومنعهم من احلماس الزائد عن احلدود‪ ،‬ويف تل�ك األجواء هنض أبو‬
‫بردة وأبدى رأيه من خالل تس�اؤل طرحه عىل اإلمام‪ ،‬كام يف كتاب صفني لنرص‬
‫ب�ن مزاح�م‪ :‬فقام إليه بردة بن ع�وف األزدي‪ ،‬وكان ممن ختلف عن�ه ‪ ..‬فقال‪ :‬يا‬
‫بم قتلوا؟‪ .‬قال‪« :‬قتلوا‬
‫أمري املؤمنني أرأيت القتىل حول عائش�ة والزبري وطلحة‪َ ،‬‬
‫ش�يعتي وعاميل‪ ،‬وقتلوا أخا ربيعة العبدي رمحة اهلل عليه يف عصابة من املس�لمني‬
‫قال�وا‪ :‬ال ننك�ث كما نكثت�م‪ ،‬وال نغ�در كام غدرت�م‪ .‬فوثب�وا عليه�م فقتلوهم‪،‬‬
‫فسألتهم أن يدفعوا إيل قتلة إخواين أقتلهم هبم‪ ،‬ثم كتاب اهلل حكم بيني وبينهم‪،‬‬
‫فأبوا عيل‪ ،‬فقاتلوين ويف أعناقهم بيعتي‪ ،‬ودماء قريب من ألف رجل من شيعتي‪،‬‬
‫فقتلتهم هبم‪ ،‬أيف ش�ك أنت من ذلك؟»‪ .‬فقال‪ :‬قد كنت يف ش�ك‪ ،‬فأما اآلن فقد‬
‫عرفت‪ ،‬واستبان يل خطأ القوم وإنك أنت املهدي املصيب‪.‬‬
‫ولك�ن كالم�ه ه�ذا مل يكن تعبري ًا ع�ن حقيقة م�ا يضمر وإنما أراد أن جياري‬
‫األمور ويذعن للواقع‪ ،‬ولذلك اتبع نرص بن مزاحم هذا اخلرب بالقول‪:‬‬
‫وكان أش�ياخ احل�ي يذك�رون أن�ه كان عثامني ًا‪ ،‬وقد ش�هد مع علي عىل ذلك‬
‫صفين‪ ،‬ولكنه بعد م�ا رجع كان يكاتب معاوية‪ ،‬فلام ظهر معاوية‪ ،‬أقطعه قطيعة‬
‫بالفلوجة‪ ،‬وكان عليه كري ًام(((‪.‬‬

‫طارق بن أبي ظبيان‬


‫ذك�ر صاحب كتاب نس�ب مع�د واليمن الكبري أن�ه من ولد ذبي�ان بن ثعلبة‬

‫(((   وقعة صفني‪.4/1 :‬‬


‫(((   وقعة صفني‪.5/1 :‬‬
‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 105‬‬

‫وعد أباه ممن وفد عىل النبي وقال‪ :‬وأبو ظبيان بن األعرج‪ ،‬وهو عبد ش�مس بن‬
‫احلارث بن كثري بن جشم بن سبيع بن مالك بن ذهل بن مازن بن ذبيان وفد عىل‬
‫النبي‪ 1‬وكتب له كتاب ًا‪ ،‬هو صاحب رايتهم يوم القادس�ية وابنه طارق بن أيب‬
‫ظبيان كان من أرشافهم(((‪.‬‬
‫وترمجة ابن عس�اكر يف تاريخ دمشق بش�كل خمترص جد ًا وقال‪ :‬طارق بن أيب‬
‫ظبيان األزدي من أهل العراق تابعي وفد عىل يزيد بن معاوية بن أيب س�فيان له‬
‫ذكر يف حكاية تقدمت يف ترمجة زحر بن قيس(((‪.‬‬
‫ويف معج�م قبائل العرب‪ :‬ظبيان بن غامد‪ :‬بط�ن من األزد‪ ،‬وهم‪ :‬بنو ظبيان‬
‫بن غامد بن عبد اهلل بن كعب(((‪.‬‬

‫(((   نسب معد واليمن الكبري‪ 109 /1 :‬حتت عنوان نسب مالك بن كعب‪( .‬م‪.‬ش)‬
‫(((   تاريخ دمشق‪.430/24 :‬‬
‫(((   معجم قبائل العرب‪.695/2 :‬‬
‫�أول ر�أ�س حمل يف الإ�سالم‬

‫دأب املؤرخ�ون وكت�اب احل�وادث واألخب�ار على ذك�ر اخلصوصي�ات‬


‫واملالبس�ات وكل م�ا يتعلق بما يثبتونه أو ينقلونه من األخب�ار وذلك ما يضيف‬
‫ش�يئ ًا من اإلثارة وجلب انتباه القارئ واس�تيفاء أكرب عدد من أبعاد احلادث وما‬
‫حييطه من أجواء وما يتصف به من خصوصيات‪ ،‬وهكذا كان األمر بالنس�بة إىل‬
‫األخب�ار التي غط�ت قضية رأس احلسين‪ 5‬منذ أن احتز يف كربلاء مرور ًا‬
‫بكل احلوادث واملحطات التي شكلت هذا السفر الطويل والرحلة املؤملة‪.‬‬
‫وم�ن أبرز املامرس�ات الألخالقي�ة‪ ،‬بل الإلنس�انية التي اعتمدهتا الس�لطات‬
‫لدى عزمها عىل نقل رأس احلسني‪ 5‬كهدية إىل اخلليفة يف الشام أن اختارت‬
‫محل الرأس ورفعه مكش�وف ًا س�واء يف حال�ة نصبه يف املدن وس�احاهتا العامة أو‬
‫يف الس�كك والطرقات املكتظة بقوافل الس�فر مرور ًا بالقرى واملدن الواقعة عىل‬
‫املسري املختار‪.‬‬
‫وعىل أساس كل املعايري والقيم فإن مثل هذا العمل ال يمكن قبوله وال تربيره‬
‫إال عىل أساس ما بلغه احلكام من دركات االنحطاط والوحشية وقد شفعت أخبار‬
‫رأس احلسين وكيفي�ة نقل�ه والتطواف به بجمل�ة وردت يف الكثري م�ن املرويات‬
‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 107‬‬

‫واألخبار التارخيية تدل عىل أن رأس احلسني‪ 5‬كان أول رأس واجه مثل هذه‬
‫املامرسة الفظيعة التي تعد من أبرز مصاديق املثلة املحرمة يف اإلسالم‪.‬‬
‫ق�ال صاحب األنس�اب املتفق�ة‪ :‬حدثنا الواقدي عن عيس�ى ب�ن عبد الرمحن‬
‫السلمي عن الشعبي قال‪ :‬رأس احلسني ريض اهلل عنه أول رأس محل يف اإلسالم(((‪.‬‬
‫وجاء يف الروض املعطار‪ :‬وهو أول رأس محل عىل خشبة يف اإلسالم(((‪.‬‬
‫كام أشار ابن العامد يف بغية الطلب إىل خرب الشعبي ورواه بالنص التايل‪:‬‬
‫عن الشعبي قال‪ :‬أول من محل يف اإلسالم عىل خشبة رأس احلسني(((‪.‬‬
‫ومم�ن ذك�ر أولوية محل رأس احلسين ابن األثري اجل�زري يف كتابه الكامل يف‬
‫التاريخ إال أنه مل يصحح هذه األولية وإنام جعلها لرأس عمرو بن احلمق‪ ‬اخلزاعي‪،‬‬
‫ق�ال اب�ن األثري‪ :‬وأم�ر ابن زياد برأس احلسين فطيف به يف الكوفة وكان رأس�ه‬
‫أول رأس محل يف اإلسلام عىل خش�بة يف قول‪ ،‬والصحيح أن أول رأس محل يف‬
‫اإلسالم رأس عمرو بن احلمق اخلزاعي(((‪.‬‬

‫رأس عمرو بن الحمق الخزاعي‬


‫يوج�د اتف�اق يقترب كثري ًا م�ن اإلمجاع على أن أول رأس محل يف اإلسلام‬
‫ه�و رأس الصحايب اجلليل عمرو بن احلمق اخلزاعي‪ ،‬قال البالذري يف أنس�اب‬
‫األرشاف‪ :‬وق�ال اهليثم بن عدي‪ :‬هرب عمرو بن احلمق إىل املوصل وعليها ابن‬
‫أم احلك�م‪ ،‬فص�ار إىل غ�ار يف جبل‪ ،‬فعثر علي�ه وأخرب عبد الرمح�ن بن أم احلكم‬
‫بمكان�ه‪ ،‬فبع�ث إلي�ه خي ً‬
‫ال فدخل أقصى الغار فنهش�ته حية فقتلته وأخذ رأس�ه‬

‫  األنساب املتفقة‪ .181 :‬املعجم الكبري‪.124/3 :‬‬ ‫(((‬


‫  الروض املعطار‪.397 :‬‬ ‫(((‬
‫  بغية الطلب يف تاريخ حلب‪.2646/6 :‬‬ ‫(((‬
‫  الكامل يف التاريخ‪.83/4 :‬‬ ‫(((‬
‫‪108‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫فحم�ل إىل زي�اد‪ ،‬فحمله زي�اد إىل معاوية‪ ،‬فكان أول رأس محل يف اإلسلام من‬
‫بلد إىل بلد‪.‬‬
‫حدثنا حممد بن الصباح عن رشيك عن أيب إسحاق قال‪ :‬أول رأس أهدي يف‬
‫اإلسالم رأس عمرو بن احلمق أهدي إىل معاوية(((‪.‬‬
‫وجاء يف نس�ب معد واليمن الكبري‪ :‬وعمرو بن احلمق بن الكاهن بن حبيب‬
‫اب�ن عمرو بن القني بن رزاح بن عمرو بن س�عد صحب النبي‪ 1‬وش�هد مع‬
‫عيل مش�اهده‪ ،‬قتله معاوية بن أيب سفيان باجلزيرة‪ ،‬وكان رأسه أول رأس نصب‬
‫يف اإلسالم(((‪.‬‬
‫وبعد أن نقل الصحاري نسب عمرو ونصب رأسه رشع بتفسري معنى احلمق‪،‬‬
‫قال‪ :‬واحلمق‪ :‬زعموا اخلفيف اللحية‪ ،‬واالنحامق اجلزع‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫والشيخ يضـرب أحيــان ًا فينـحـمق‬
‫وق�ال صاحب اجلوهرة يف نس�ب النبي وأصحابه العشرة‪ :‬وكان أول رأس‬
‫مح�ل يف اإلسلام من بل�د إىل بلد وكانت وفاة عمرو بن احلمق س�نة مخسين(((‪.‬‬
‫وه�ذا يعن�ي أنه متق�دم بعرش س�نوات عىل قتل احلسين‪ ،5‬وق�د رواه جل‬
‫املؤرخني كالطربي يف التاريخ وغريه‪.‬‬

‫رأس محمد بن أبي بكر‬


‫تشير بع�ض الرواي�ات ـ وإن كانت قليل�ة ـ إىل أن ال�رأس األول الذي محل‬
‫يف اإلسلام رأس حممد بن أيب بكر الش�هيد الذي قتل يف مرص عندما كان عام ً‬
‫ال‬
‫عليها من قبل اإلمام عيل بن أيب طالب‪ 5‬يف عهد خالفته‪ ،‬وما فعل يف جسد‬

‫(((   أنساب األرشاف‪.304/4 :‬‬


‫(((   نسب معد واليمن الكبري‪( .102/1:‬م‪.‬ش)‬
‫(((   اجلوهرة‪( .127/1:‬م‪.‬ش)‬
‫الفصل الثاني‪ /‬في الكوفة‬ ‫‪ 109‬‬

‫أمر إن دل عىل يشء فإنام يدل عىل وحش�ية وبربرية قاتليه‬


‫حممد رضوان اهلل عليه ٌ‬
‫وانسالخهم عن كل قيم األرض والسامء عىل ٍ‬
‫حد سواء‪ ،‬والذي نفذ هذه اجلريمة‬
‫أح�د ق�ادة اجليش األموي وه�و معاوية بن خديج‪ ،‬قال أبو هالل العس�كري يف‬
‫األوائل‪:‬‬
‫واس�تعد هلم حممد‪ ،‬فقاتله�م فغلبهم مرار ًا‪ ،‬ثم كرسوه فتف�رق عنه أصحابه‪،‬‬
‫وأخ�ذه معاوي�ة بن خدي�ج‪ ،‬فقال له‪ :‬أس�ألك بحق أيب علي�ك أال خليت عني!‬
‫فقال معاوية‪ :‬أنا أسأل نفيس بحق اهلل أال أخيل عنك‪ ،‬وأنت قتلت عثامن‪ ،‬وقدمه‬
‫فرضب عنقه‪ ،‬وثقف رأس�ه‪ ،‬ومحله إىل معاوية‪ ،‬وأدخله جيفة محار وأحرقها‪ ،‬فام‬
‫أكلت عائشة شواء حتى ماتت(((‪.‬‬
‫وكذل�ك ج�اء خبر قتل حمم�د ب�ن أيب بك�ر يف املحن على الوجه الت�ايل‪ :‬عن‬
‫ابن‪ ‬إسحاق قال بعث عيل بن أيب طالب حممد بن أيب بكر الصديق إىل مرص ونزهلا‬
‫ورق أمر عيل بمرص وملا توىل حممد بن أيب بكر سار إليه معاوية بن حديج الكندي‬
‫فيمن معه من شيعة عثامن وتفرق عن حممد الناس فتغيب يف بعض قرى مرص فدل‬
‫عليه معاوية بن حديج فطلبه حتى أخذه فرضب عنقه ثم بعث برأس�ه إىل معاوية‬
‫قال فسمعت حممد بن كعب القرظي يقول أول رأس طيف به يف اإلسالم(((‪.‬‬
‫ويف النج�وم الزاه�رة الب�ن تغري ب�ردي‪ :‬ثم طال ال�كالم بينهما حتى أخذ‬
‫معاوي�ة حممد ًا ثم ألقاه يف جيفة محار ميت ثم حرقه بالنار؛ وقيل‪ :‬إنه قطع رأس�ه‬
‫وأرس�له إىل معاوية بن أيب سفيان بدمشق وطيف به‪ ،‬وهو أول رأس طيف به يف‬
‫اإلسالم(((‪.‬‬

‫  األوائل أليب هالل العسكري‪ .198 :‬حتقيق‪ :‬مسعد عبد احلميد السعدين‪ ،‬الطبعة األوىل ‪2002‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫(((‬
‫(((   املحن ‪.134 :‬‬
‫(((   النجوم الزاهرة‪.110/1 :‬‬
‫‪110‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫خالصة القول‬
‫إذا تأملن�ا يف الرواي�ات الت�ي ذكرت فيه�ا االحتامالت الثالث�ة نجد أن رأس‬
‫حمم�د ب�ن أيب بكر ـ إن صح محله ـ هو األقدم زمن ًا ث�م رأس عمرو بن احلمق ثم‬
‫رأس احلسين‪ ،5‬ولكن األخبار املتعلقة بمقتل حممد بن أيب بكر يف املصادر‬
‫األساسية ال تشري بوضوح وتأكيد إىل إهداء رأسه‪.‬‬
‫ولذل�ك تردد بعض املؤرخين وهو ينقل اخلرب كام قال أبو هالل العس�كري‬
‫فإن كان محل رأس ابن أيب بكر صحيح ًا فهو األول‪.‬‬
‫وأما بالنسبة إىل رأس عمرو بن احلمق فإنه أمر ثابت وقاطع بحسب األخبار‬
‫املتوات�رة الدالة عليه‪ ،‬وكذلك فمن املمكن أن يراد بأولوية رأس احلسين‪5‬‬
‫عند من رواها أنه أول رأس محل هبذه الطريقة املعلنة مع جمموعة كبرية من رؤوس‬
‫أه�ل بيته وأصحابه وما ح�دث لدى محله من حوادث كبرية وما عقد ألجله من‬
‫جمالس واحتفاالت‪ .‬إضافة إىل أمهية الش�خصية وانتساهبا إىل النبي‪ ،1‬ولعل‬
‫املراد األولوية النسبية ال املطلقة‪.‬‬
‫الف�صل الثالث‬
‫يف ال�شام‬
‫كان مرك�ز اخلالفة يف الش�ام مص�در القرارات التي تنتشر يف أطراف الدولة‬
‫املرتامية األطراف يف مجيع الش�ؤون والقضايا‪ ،‬وعىل رأس�ها املس�ائل السياس�ية‬
‫والتحوالت التي حتدث يف األمصار البعيدة عن املركز‪ ،‬وبام أن أمر احلسني‪5‬‬
‫وموقف�ه م�ن البيعة ليزيد وتركه املدينة وس�فره إىل العراق من القضايا التي متس‬
‫سياس�ة الدول�ة بالصميم‪ ،‬وهل�ا تأثريها املبارش على موقع اخلليف�ة اجلديد‪ ،‬كان‬
‫اهتمام اخلالف�ة بأمر احلسين‪ 5‬كبير ًا وعىل درجة م�ن احلساس�ية واحلذر‪،‬‬
‫ولذل�ك فاألخب�ار والرواي�ات التأرخيية تكش�ف ع�ن املراقبة الش�ديدة واحلذر‬
‫حلركة احلسني‪ 5‬منذ انطالقه من املدينة رافض ًا البيعة وحتى نزوله يف كربالء‬
‫مرور ًا بأحداث إقامته يف مكة لعدة أشهر‪.‬‬
‫ومل يك�ن مقتل احلسين‪ 5‬يف كربالء باألمر املفاجئ كما يريد البعض أن‬
‫يصوره بالنس�بة ملركز اخلالفة يف الش�ام‪ ،‬وذلك يندرج يف سياق املحاوالت التي‬
‫تستهدف إسباغ ثوب الرباءة عىل يزيد بن معاوية وحتميل عبيد اهلل بن زياد كامل‬
‫املس�ؤولية وإثبات عدم الرضا من قبل يزيد عندما بلغه خرب مقتل احلسني‪5‬‬
‫أو حينما أهدي إليه رأس�ه الرشي�ف كبرشى لتأكي�د النرص األم�وي القبيل عىل‬
‫امتداد الوحي النبوي‪.‬‬
‫وال يتس�ع املج�ال يف ه�ذا العم�ل لرص�د كل املحاوالت من قب�ل املؤرخني‬
‫والكت�اب والباحثين الرامية إىل حتقي�ق هذا اهلدف الذي ال يتناس�ب مع واقعية‬
‫العل�م وال ينس�جم مع سلامة النوايا وأمان�ة النقل‪ ،‬حتى بلغ ح�د التعدي‪ ،‬بل‬
‫‪114‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫االعت�داء على احلقيق�ة العلمي�ة الثابت�ة إىل اإلنكار الت�ام خالف ًا ل�كل معطيات‬
‫التاري�خ واحلقائق املتواترة بأعىل درج�ات التواتر‪ ،‬فقد يضحي املؤرخ والكاتب‬
‫بأمانت�ه وباحرتامه وبدينه ليق�دم اجلميع أضحية عىل مذبح طمس احلقائق‪ ،‬لعله‬
‫يكشف شيئ ًا من القبح الذي اكتسى به يزيد بن معاوية نتيجة أعامله‪.‬‬
‫وس�وف نلتق�ي باآلراء التي تبناها ابن تيمية يف مس�ألة مح�ل الرأس الرشيف‬
‫إىل الش�ام يف هناية هذا الفصل‪ ،‬وعندها جيد القارئ أمر ًا عجيب ًا عىل صعيد إنكار‬
‫احلقائق وحماولة إخفائها من عامل واسع االطالع كابن تيمية‪.‬‬
‫إضاف�ة إىل حم�اوالت خجول�ة البن كثري رسعان م�ا يرتاجع عنه�ا حينام جيد‬
‫اإلنكار يرتقي إىل مستوى اجلريمة العلمية وجحود احلقيقة املتيقنة يف النفس‪.‬‬
‫يزيد ي�ستقبل الر�أ�س يف ال�شام‬

‫ت�دل الكثير م�ن النص�وص واألخب�ار الت�ي تص�ف دخ�ول الس�بايا م�ن‬
‫آل‪ ‬البيت‪ 3‬إىل الشام تدل عىل أن يزيد بن معاوية كان ينتظر ذلك اليوم وقد‬
‫أعد له عدته وهيأ ما يتناس�ب مع احلدث من االس�تعداد جلعل�ه يوم ًا خاص ًا من‬
‫أيام فرحه وزهوه وانتصاره‪.‬‬
‫قال ابن القفطي يف تارخيه‪ :‬إن السبي ملا ورد عىل يزيد بن معاوية خرج لتلقيه‬
‫فلق�ي األطفال والنس�اء من ذرية عيل واحلس�ن واحلسين والرؤوس عىل أس�نة‬
‫الرماح‪ ،‬وقد أرشفوا عىل ثنية العقاب‪ ،‬فلام رآهم أنشد‪:‬‬
‫تلك ال���رؤوس ع�لى رب��ا ج�يرون‬ ‫ملا ب��دت تلك احلمول وأرشق��ت‬
‫فقد اقتضيت من الرسول ديوين‬
‫(((‬ ‫نعب الغراب فقلت قل أوال تقل‬
‫ويف تذك�رة س�بط ابن اجلوزي روى ع�ن الزهري‪ ،‬قال‪ :‬مل�ا جاءت الرؤوس‬
‫كان يزيد يف منظرة عىل ربا جريون فأنشد لنفسه‪:‬‬
‫تلك الشموس عىل رب��ا جريون‬ ‫ملا ب��دت تلك احلمول وأرشق��ت‬
‫فلقد قضيت من الغريم دي��وين‬
‫(((‬ ‫نعب الغراب فقلت صح أو ال تصح‬

‫(((  جواهر املطالب البن الدمشقي‪.300 :‬‬


‫(((  تذكرة اخلواص‪.235 :‬‬
‫‪116‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫قال اآللويس يف تفسريه‪ :‬ويف تاريخ ابن الوردي و(الوايف بالوفيات) أن السبي‬
‫ملا ورد من العراق عىل يزيد خرج فلقي األطفال والنساء من ذرية عيل واحلسني‬
‫ريض اهلل عنهام والرؤوس عىل أطراف الرماح وقد أرشفوا عىل ثنية جريون‪ ،‬فلام‬
‫رآهم نعب غراب فأنشأ يقول‪:‬‬
‫تلك ال���رؤوس عىل شفا جريون‬ ‫ملا ب��دت تلك احلمول وأرشف��ت‬
‫(((‬
‫نعب الغراب فقلت قل أو ال تقل فقد اقتضيت من الرسول ديوين‬
‫ونقل صاحب تزيني األسواق بأخبار العشاق خرب ًا مفاده أن يزيد كان منتجع ًا‬
‫مع إحدى جواريه يف الغوطة عندما قدم ركب الس�بايا ورؤوس الشهداء ونص‬
‫اخلبر كام ييل‪ :‬واحتجب معها ببس�تان ل�ه بمقربة من الغوطة تس�مى بيت رأس‬
‫احلسين بن عيل زعم املؤرخون أن يزيد بن معاوية وضع رأس احلسين هبا حني‬
‫قدموا به(((‪.‬‬

‫الرأس بين يدي يزيد‬


‫يفصل ابن خمنف وغريه من املؤرخني الكيفية التي استقبل هبا يزيد بن معاوية‬
‫الوف�د الذي حيمل رأس احلسين ويقود ركب األس�ارى م�ن آل حممد‪ 1‬من‬
‫الكوفة باجتاه الش�ام مرور ًا بشمال العراق إىل شمال س�وريا احلديث�ة عن طريق‬
‫حديثة حلب باجتاه دمشق‪ .‬وقد فصل اخلرب عىل النحو التايل‪:‬‬
‫قال هش�ام فحدثني عبد اهلل بن يزيد ب�ن روح بن زنباع اجلذامي عن أبيه عن‬
‫الغ�از ب�ن ربيع�ة اجلريش من محري ق�ال‪ :‬واهلل إنا لعن�د يزيد بن معاوية بدمش�ق‪،‬‬
‫إذ أقب�ل زح�ر ب�ن قيس حتى دخل على يزيد ب�ن معاوية‪ ،‬فقال ل�ه يزيد‪ :‬ويلك‬
‫م�ا وراءك‪ ،‬وم�ا عن�دك؟ فقال‪ :‬أبرش يا أمير املؤمنني فتح اهلل ونصره ورد علينا‬

‫(((  تفسري اآللويس‪.72/26 :‬‬


‫(((  تزيني األسواق بأخبار العشاق‪.315/1 :‬‬
‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 117‬‬

‫احلسين ب�ن علي يف ثامنية عشر من أه�ل بيته وس�تني من ش�يعته فرسن�ا إليهم‬
‫فس�ألناهم أن يستس�لموا وينزل�وا عىل حكم األمير عبيد اهلل بن زي�اد فاختاروا‬
‫القتال عىل االستسلام‪ ،‬فعدونا عليهم مع رشوق الش�مس‪ ،‬فأحطنا هبم من كل‬
‫ناحي�ة‪ ،‬حتى إذا أخذت الس�يوف مأخذها من هام الق�وم‪ ....‬أخذوا هيربون إىل‬
‫غري وزر‪ ،‬ويلوذون منا باآلكام واحلفر‪ ....‬فو اهلل يا أمري املؤمنني ما كان إال جزر‬
‫جزور‪ ،‬أو نومة قائل‪ ،‬حتى أتينا عىل آخرهم‪ ،‬فهاتيك أجس�ادهم جمردة‪ ،‬وثياهبم‬
‫(((‬
‫مرملة‪ ،‬وخدودهم معفرة‪.‬‬
‫ويف رواي�ة أخ�رى أن ابن زي�اد رسح هبم مع حمف�ز بن ثعلبة العائ�ذي عائذة‬
‫قريش‪ ،‬ومع ش�مر بن ذي اجلوش�ن‪ ،‬فانطلقا حتى قدموا عىل يزيد‪ ...‬فلام انتهوا‬
‫إىل باب يزيد رفع حمفز بن ثعلبة صوته فقال‪ :‬هذا حمفز بن ثعلبة‪ ،‬أتى أمري املؤمنني‬
‫باللئ�ام الفج�رة‪ ،‬قال‪ :‬فأجابه يزيد‪ :‬ما ول�دت أم حم ِّفز رش وأألم‪ (((.‬ويف األخبار‬
‫الطوال للدينوري أن الذي تكلم بالكالم املتقدم هو شمر بن ذي اجلوشن ذلك‬
‫بعد أن رمى رأس احلسني‪ 5‬بني يدي يزيد‪.‬‬
‫(((‬

‫نفلق هامًا‬
‫كان أول رد فع�ل ليزي�د حينما وضع رأس احلسين‪ 5‬أمام�ه هو العبث‬
‫بثنايا احلسين‪ 5‬وإنشاد أشعار الشماتة التي تنم عن إظهار األحقاد القرشية‬
‫األموية الدفينة ملا كان من فعل املسلمني يوم بدر وقتل رؤوس الرشك من أمثال‬
‫عتبة والوليد وغريهم‪ ،‬ويف األبيات التي أنشدها يزيد وهو يرتنم ويرتنح منتشي ًا‬
‫بالنرص أكرب الداللة عىل ذلك‪ ،‬كان يقلب ثنايا احلسني وينشد‪:‬‬

‫(((   مقتل احلسني‪.208 :‬‬


‫(((   تاريخ الطربي‪.352/4 :‬‬
‫(((   األخبار الطوال‪.261 :‬‬
‫‪118‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫عــلينـا وهـم كانوا أعـق وأظلــام‬


‫(((‬ ‫نفلق ه��ام�� ًا م��ن رج���ال أع��زة‬
‫والبيت من األبيات املشهورة وهو للحصني بن احلامم((( من قصيدة من عيون‬
‫الشعر صار الكثري من أبياهتا كاألمثال عىل ألسنة الناس ومن أبياهتا قوله‪:‬‬
‫ولـكـن عـىل أقــدامنـــا تقطر الدمـا‬ ‫فلسنــا عىل األعقاب تـدمـى كـلومنا‬
‫والبي�ت الذي متثل به يزيد له قصة يوم بدر يروهيا ابن كثري يف السيرة النبوية‬
‫حي�ث قال‪ :‬وقد روين�ا يف مغازي األموي‪ ،‬أن رس�ول اهلل‪ 1‬جعل يميش هو‬
‫وأب�و بك�ر الصديق بني القتلى‪ ،‬ورس�ول اهلل‪ 1‬يق�ول‪( :‬نف ّلق هام� ًا) فيقول‬
‫الصديق‪:‬‬
‫عليـنـا وهـم كـانـوا أعـق وأظلام‬
‫(((‬ ‫م�������ن رج�����������ال أع�������زة‬
‫ويقول املرزوقي شارح ديوان احلامسة يف رشح معنى البيت‪:‬‬
‫ٍ‬
‫رجال يكرمون علينا ويعزون‪ ،‬ملا جيمعنا وإياهم من األحوال‬ ‫ٍ‬
‫هامات من‬ ‫نشقق‬
‫الوكيدة‪ ،‬واحلرم القوية باألنساب واألسباب‪ ،‬وهم كانوا أشد عقوق ًا وأتم ظل ًام‪،‬‬
‫بما اطرحوه من مراع�اة احلقوق‪ ،‬وبدءوا به من تنايس العهود‪ ،‬واس�تعجلوه من‬
‫البغي‪ ،‬وسلكوه من سنن الغي‪ .‬ويروى أن يزيد ابن معاوية ال رمحه اهلل متثل هبذا‬
‫(((‬
‫البيت ملا وضع بني يديه رأس احلسني ابن عيل ريض اهلل عنهام‪.‬‬
‫ويف ال�وايف بالوفي�ات إضافة فيها‪ :‬ع�ن عبد الواحد القريش ق�ال ملا أيت يزيد‬
‫برأس احلسني تناوله بقضيب فكشف عن ثناياه‪ ،‬فواهلل ما الربد بأبيض من ثناياه‬

‫  املعجم الكبري‪.104/3 :‬‬ ‫(((‬


‫  حصين بن احلامم‪ :‬ه�و من بني مرة جاهيل ويعد من أوفياء العرب‪ ،‬قال أبو عبيدة‪ :‬اتفقوا عىل‬ ‫(((‬
‫أنه أش�عر املقلني يف اجلاهلية ثالثة‪ :‬املس�يب بن علس‪ ،‬واملتلمس‪ ،‬وحصني بن احلامم‪ .‬الش�عر‬
‫والشعراء‪ ،‬ويف اإلصابة له صحبة‪.75/2 :‬‬
‫  السرية النبوية‪ ،449/2 :‬والبداية والنهاية‪.357/3 :‬‬ ‫(((‬
‫ رشح ديوان احلامسة‪.118/1 :‬‬ ‫(((‬
‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 119‬‬

‫ثم قال من الطويل‪ :‬نفلق هام ًا(((‪.‬‬


‫وقال القاس�م بن حممد‪ :‬وم�ا رأيت منظر ًا قط أفضع من إلقاء رأس احلسين‬
‫(((‬
‫بني يديه وهو ينكته‪.‬‬
‫وعن يزيد بن أيب زياد قال‪ :‬ملا أيت يزيد بن معاوية برأس احلسني جعل ينكت‬
‫بمخرصة معه سنه ويقول‪ :‬ما كنت أظن أن أبا عبد اهلل بلغ هذا السن‪ ،‬وإذا حليته‬
‫ورأسه قد نصل من اخلضاب األسود‪ .‬وقال‪ :‬ابن سعد عن الواقدي‪ :‬إن حمفز بن‬
‫ثعلب�ة العائذي‪ ،‬عائذة قريش‪ ،‬قدم برأس احلسين‪ 5‬على يزيد فقال‪ :‬أتيتك‬
‫ي�ا أمري املؤمنني ب�رأس أمحق الناس وأألمهم‪ ،‬فقال يزيد‪ :‬ما ولدت أم حمفز أمحق‬
‫وأألم‪ ،‬لكن الرجل مل يقرأ كتاب اهلل‪ ،‬تؤيت امللك من تشاء وتنزع امللك ممن تشاء‬
‫(((‬
‫اآلية‪.‬‬
‫ويف درر السمط يف أخبار السبط‪:‬‬
‫ب��ل��ث��م��ه ي���ش���ف���ي غ���رام���ه‬ ‫وم���ق���ب���ل ك������ان ال��ن��ب��ي‬
‫ـ���ب ع���ذاب���ه ف���رط ال��ن��ض��ام��ه‬ ‫����رع اب����ن ه��ن��د ب��ال��ق��ض��ي��ـ‬
‫ُ‬ ‫ق�‬
‫متثل يزيد ورأس احلسني بني يديه‪ ،‬وقد أطال النظر لو ازدجر واعترب‪.‬‬
‫وق�ال لعن اهلل ابن س�مية ل�و كانت بينه وبينه رحم ما فع�ل هذا‪ ﴿ :‬ﯘﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾‪.‬‬
‫(((‬

‫ويف سير أعالم النبالء للذهبي‪ :‬عن يزيد بن أيب زياد قال‪ :‬ملا أيت يزيد برأس‬
‫احلسين جعل ينكت س�نه‪ ،‬ويقول‪ :‬ما كنت أظن أن أبا عبد اهلل بلغ هذا الس�ن‪،‬‬

‫  الوايف بالوفيات‪.264/12 :‬‬ ‫(((‬


‫  تاريخ مدينة دمشق‪.366/41 :‬‬ ‫(((‬
‫  تاريخ اإلسالم‪.19/5 :‬‬ ‫(((‬
‫  درر السمط‪.112 :‬‬ ‫(((‬
‫‪120‬‬ ‫رأس الحسين ‬
‫(((‬
‫وإذا حليته ورأسه قد نصل من اخلضاب‪.‬‬
‫ويف اجلوهرة‪:‬‬
‫وأيت يزي�د ب�رأس احلسين‪ .5‬فلما وضع بني يدي�ه جعل ينكت أس�نانه‬ ‫ُ‬
‫بقضي�ب كان يف ي�ده ويق�ول‪ :‬كان أبو عب�د اهلل صبيح ًا‪ .‬فقال النعامن بن بشير‪:‬‬
‫قب ُله‪ .‬قال‪ :‬فاستحيا ُ‬
‫يزيد‪،‬‬ ‫يزيد عن فم طاملا رأيت رس�ول اهلل‪ُ 1‬ي ِّ‬
‫ارفع يدك يا ُ‬
‫وأمر برفع الرأس‪ .‬وما روي بعد قتل احلسين من العرب يف يقظة ومنام روي عن‬
‫رواة صحاح اآلثار واألخبار‪.‬‬
‫(((‬

‫ق�ال اب�ن اجلوزي فيما حكاه س�بطه عنه‪ :‬لي�س العجب م�ن قتال اب�ن زياد‬
‫للحسين‪ ،‬وإنام العجب من خذالن يزيد ورضبه بالقضيب ثنايا احلسين‪ ...‬وما‬
‫كان مقص�وده إال الفضيح�ة وإظهار ال�رأس‪ ،‬أفيجوز أن يفعل ه�ذا باخلوارج‪،‬‬
‫أليس بإمجاع املسلمني أن اخلوارج والبغاة يكفنون ويصىل عليهم ويدفنون‪ ،‬ولو‬
‫مل يكن يف قلبه أحقاد جاهلية وأضغان بدرية الحرتم الرأس‪.‬‬
‫(((‬

‫موقف عبد الرحمن بن الحكم‬


‫ق�ال أب�و الف�رج يف األغاين‪ :‬أخربين عمي ق�ال‪ :‬حدثنا عبد اهلل بن أيب س�عيد‬
‫ق�ال‪ :‬حدثن�ا عيل بن الصباح عن ابن الكلبي عن أبي�ه‪ ،‬قال‪ :‬كان عبد الرمحن بن‬
‫احلكم بن أيب العايص عند يزيد بن معاوية‪ ،‬وقد بعث إليه عبيد اهلل بن زياد برأس‬
‫احلسين بن عيل‪ 4‬فلام وضع بني يدي يزيد يف الطش�ت بكى عبد الرمحن ثم‬
‫قال‪:‬‬
‫ٍ‬
‫أق�واس ولي�س هل�ا نب�ل‬ ‫كموت�ر‬ ‫أب��ل��غ أم�ي�ر امل��ؤم��ن�ين ف�لا تكن‬

‫(((   سري أعالم النبالء‪.320/3 :‬‬


‫(((  اجلوهرة يف نسب النبي وأصحابه العرشة‪( .286 :‬م‪.‬ش)‬
‫(((   الصواعق املحرقة‪.631/2 :‬‬
‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 121‬‬

‫من ابن زياد الوغد ذي احلسب الرذل‬ ‫هل��ام بجنب الطف أدن��ى قراب ًة‬
‫ٌ‬
‫وبنت رس��ول اهلل ليس هلا نسل‬ ‫سمية أمسى نسلها ع��دد احلىص‬
‫فصاح به يزيد‪ :‬اسكت يا ابن احلمقاء‪ ،‬وما أنت وهذا؟!‬
‫(((‬

‫ويف األعالم للزركيل‪ :‬فشتمه يزيد وأسكته‪.‬‬


‫(((‬

‫وقال الشجري يف أماليه‪ :‬فلام أتى هبم مسجد دمشق أتاهم مروان فقال للوفد‬
‫ً‬
‫رجلا فأتينا عىل آخرهم‪،‬‬ ‫كي�ف صنعت�م هبم؟ قالوا ورد علين�ا منهم ثامنية عرش‬
‫فق�ال أخ�وه عبد الرمحن بن احلكم‪ :‬حجبتم عن حممد صىل اهلل عليه وآله وس�لم‬
‫(((‬
‫يوم القيامة‪ ،‬واهلل ال أجامعكم أبد ًا‪ ،‬ثم قام فانرصف‪.‬‬
‫عبد الرمحن بن احلكم بن أيب العاص األموي أخو مروان‪ ،‬شاعر حمسن شهد‬
‫ي�وم الدار‪ ،‬وتويف يف حدود الس�بعني للهجرة‪ .‬كان ح�ارض ًا عند يزيد بن معاوية‬
‫وقد جيء إليه برأس احلسين ووضع بني يديه يف طس�ت‪ ،‬فبكى عبد الرمحن ثم‬
‫قال‪( :‬الطويل)‬
‫من ابن زياد الوغد ذي احلسب الرذل‬ ‫هل��ام بجنب الطف أدن��ى قراب ًة‬
‫وبنت رس��ول اهلل ليس هلا نسل‬ ‫سمية أمسى نسلها ع��دد احلىص‬
‫فصاح يزيد وقال‪ :‬اسكت يا ابن احلمقاء‪ ،‬وما أنت وهذا؟‬
‫وكان�ت له مواقف مع معاوية ملا ادعى زياد بن أبيه وأنه من ولد أيب س�فيان‪،‬‬
‫ومن شعره يف ذلك قوله‪:‬‬
‫مغلغلة ع��ن ال��ق��وم اهل��ج��ان‬ ‫أال أب��ل��غ م��ع��اوي��ة ب��ن ح��رب‬
‫وت���رىض أن ي��ق��ال أب���وك زاين‬ ‫أتغضب أن ي��ق��ال أب���وك عف‬
‫ك��رح��م الفيل م��ن ول��د األت��ان‬ ‫ف��أش��ه��د أن رمح���ك م��ن زي��اد‬

‫(((  األغاين‪.289/13 :‬‬


‫(((   األعالم للزركيل‪.305/3 :‬‬
‫(((  األمايل اخلميسية‪.173/1 :‬‬
‫‪122‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫وص��خ��ر م���ن أم��ي��ة غ�ي�ر دان‬ ‫وأش��ه��د أهن���ا ول����دت زي����اد ًا‬
‫فبل�غ ذل�ك معاوي�ة فحل�ف ال ي�رىض عنه حت�ى يرىض عن�ه زي�اد‪ ،‬فخرج‬
‫عبد‪ ‬الرمحن إىل زياد فلام دخل عليه قال‪ :‬إيه يا عبد الرمحن أنت القائل‪:‬‬
‫أال أبلغ معاوية بن حرب ‪ ....‬األبيات‬
‫فقال‪ :‬أهيا األمري ما قلت هذا‪ .‬ولكني قلت‪( :‬الوافر)‬
‫أال م���ن م��ب��ل��غ ع��ن��ي زي����اد ًا مغلغلة م��ن ال��رج��ل اهل��ج��ان‬
‫أيب ال��ع��اص اب��ن آم��ن��ة احلصان‬ ‫م��ن اب��ن ال��ق��رم ق��رم بني قيص‬
‫وب��ال��ت��وراة أح��ل��ف وال��ق��ران‬ ‫ح��ل��ف��ت ب���رب م��ك��ة وامل��ص�لى‬
‫أح���ب إيل م��ن وس��ط��ى بناين‬ ‫ألن����ت زي�����ادة يف آل ح��رب‬
‫أت������اين اهلل م���ن���ه ب��ال��ب��ي��ان‬ ‫رسرت ب��ق��رب��ه وف���رح���ت ملا‬
‫ب��ع��ون اهلل يف ه���ذا ال��زم��ان‬ ‫وق��ل��ت أت���ى أخ���و ث��ق��ة وع��م‬
‫ف�م�ا أدري ب��غ��ي��ب م���ا ت���راين‬ ‫ك���ذاك أراك واأله�����واء شتى‬
‫زياد وكتب له إىل معاوية برضاه عن�ه‪ .‬فلام دخل بالكتاب وقال‪:‬‬ ‫ف�ريض عن�ه ٌ‬
‫أنشدين ما قلته لزياد‪ ،‬فأنشده‪ ،‬فتبسم ثم قال‪ :‬قبح اهلل زياد ًا فام أجهله‪ ،‬ملا قلت له‬
‫أخري ًا حيث يقول‪ :‬ألنت زيادة يف آل حرب ‪ ...‬البيت‬
‫(((‬
‫رش من القول األول ولكنك خدعته فجازت خديعتك عليه‪.‬‬

‫(((  الوايف بالوفيات‪ 67/6 :‬ـ ‪.68‬‬


‫موقف هند بنت عبد اهلل بن عامر‬

‫هن�د بن�ت عب�د اهلل بن عامر ب�ن كريز امرأة من نس�اء بني أمي�ة‪ ،‬وهي زوجة‬
‫يزيد‪ ‬ب�ن معاوي�ة‪ ،‬وهلا موقف م�ع يزيد حينام وضع رأس احلسين‪ 5‬أمامه‪،‬‬
‫وق�د أش�ار الكثير من املؤرخين إىل موقفها ه�ذا‪ ،‬ومنهم ابن عس�اكر يف تاريخ‬
‫دمشق وروايته عىل النحو التايل‪:‬‬
‫ملا أقبل وفد أهل الكوفة برأس احلسني‪ 5‬دخلوا مسجد دمشق‪ ،‬ودخلوا‬
‫عىل يزيد فوضعوا الرأس بني يديه وحدثوه احلديث‪ ،‬فسمعت احلديث هند بنت‬
‫عبد اهلل بن عامر بن كريز وكانت حتت يزيد بن معاوية‪ ،‬فتقنعت بثوهبا وخرجت‬
‫وقالت‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬أرأس احلسني بن فاطمة بنت رسول اهلل‪.1‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فاعويل عليه وحدي عىل ابن بنت رسول اهلل‪ ،‬ورصخية قريش‬
‫(((‬
‫عجل عليه ابن زياد‪.‬‬
‫وقد ترجم ابن عس�اكر هند بنت عب�د اهلل بن عامر وقال‪ :‬هند بنت عبد اهلل بن‬
‫عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس العبشمية القرشية‪ ،‬زوج يزيد بن‬
‫(((‬
‫معاوية هلا ذكر يف حديث مقتل احلسني ذكرته يف ترمجة أيب برزة فضلة بن عبيد‪.‬‬
‫وتكمل�ة خرب هند مع رأس احلسين‪ 5‬أهنا رجعت إىل ال�دار فاجتمعت‬

‫(((   تاريخ مدينة دمشق‪ ،85/62 :‬وتاريخ الطربي‪.356/4 :‬‬


‫(((   املصدر نفسه‪.166/70 :‬‬
‫‪124‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫عليها النس�اء األمويات بحضور العلويات‪ ،‬وأقمن املأتم عىل احلسين‪ 5‬يف‬
‫دار يزيد بن معاوية‪.‬‬
‫روى الطربي‪ :‬فخرجن حتى دخلن دار يزيد فلم تبق امرأة من آل معاوية إال‬
‫اس�تقبلتهن تبكي وتنوح عىل احلسين فأقاموا املناحة عليه ثالث ًا‪ ،‬ثم أدخل نس�اء‬
‫احلسين‪ 5‬فصاحت نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله وولولن‪ ،‬ويف رواية‬
‫أخرى‪ :‬ومل تبق من آل يزيد إال أتتهن وأقمن املأتم‪.‬‬
‫(((‬

‫ويف ف�وات الوفي�ات للكتبي‪ :‬إنه مل�ا أيت برأس احلسين ريض اهلل عنه‪ ،‬صاح‬
‫بنات معاوية وعياهلم‪ ،‬وسمعهم يزيد‪ ،‬فذرفت عيناه وقال‪:‬‬
‫ما أه��ون امل��وت عىل النوائح‬
‫(((‬
‫ي��ا صيحة حت��م��د م��ن ص��وائ��ح‬
‫ويروى أنه متثل بالبيت بعد خطبة زينب بنت عيل يف جملسه‪.‬‬
‫وظاه�ر رواي�ة ابن األثير يف الكامل أن صي�اح بنات معاوي�ة وآل يزيد كان‬
‫على أثر صياح بنات احلسين حني نظرن إىل الرأس الرشي�ف يف املجلس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ثم أدخل نس�اء احلسين‪ 5‬والرأس بني يديه‪ ،‬فجعلت فاطمة وس�كينة ابنتا‬
‫احلسين تتطاوالن لتنظ�را إىل الرأس‪ ،‬وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهام الرأس‪،‬‬
‫(((‬
‫فلام رأين الرأس صحن‪ ،‬وصاح نساء يزيد وولول بنات معاوية‪.‬‬
‫وقد اس�تمر املأتم املقام عىل احلسين‪ 5‬ثالثة أي�ام يف دار يزيد بن معاوية‬
‫بمش�اركة نساء بني أمية كام يف خمترص تاريخ دمشق البن منظور‪ ،‬ثم أمر بالنسوة‬
‫(يزي�د) أن ينزل�ن يف دار عىل ح�دة معهن أخوهن عيل بن احلسين يف الدار التي‬
‫ه�و فيها‪ ،‬ق�ال‪ :‬فخرجن حتى دخل�ن دار يزيد فلم يبق م�ن آل معاوية امرأة إال‬
‫ً (((‬
‫استقبلتهن تبكي وتنوح عىل احلسني‪ ،‬فأقاموا عليه املناحة ثالثا‪.‬‬

‫  تاريخ الطربي‪ ،355/4 :‬واملنتظم‪.344/5 :‬‬ ‫(((‬


‫  فوات الوفيات‪.645/2 :‬‬ ‫(((‬
‫  الكامل يف التاريخ‪.85/4 :‬‬ ‫(((‬
‫ خمترص تاريخ مدينة دمشق‪( .252/3 :‬م‪.‬ش)‬ ‫(((‬
‫موقف ال�صحابي �أبي برزة الأ�سلمي‬

‫حينما نظ�ر أبو برزة األس�لمي إىل يزيد بن معاوية وهو ينكت رأس احلسين‬
‫ويتمثل بأبيات احلصني بن احلامم‪( :‬نفلق هام ًا)‪.‬‬
‫انتف�ض بوج�ه يزيد دون أن يعب�أ بالنتائج املحتملة التي قد تصدر من ش�اب‬
‫نزق مثل يزيد بن معاوية وهو يعيش نش�وة النرص ونش�وات أخرى‪ ،‬فقال له أبو‬
‫برزة‪:‬‬
‫ارفع قضيبك‪ ،‬فواهلل لربام رأيت فاه رسول اهلل‪ 1‬عىل فيه يلثمه‪ ،‬ويف رواية‬
‫أخرى للطربي أيض ًا‪:‬‬
‫ث�م أذن للن�اس فدخلوا والرأس بني يديه وم�ع يزيد قضيب فهو ينكت به يف‬
‫ثغره‪ ،‬ثم قال‪ :‬إن هذا وإيانا كام قال احلصني بن احلامم املري‪:‬‬
‫يفلقن ه��ام � ًا م��ن رج���ال أع��زة علينا وه��م ك��ان��وا أع��ق وأظلام‬
‫قال‪ :‬فقام رجل من أصحاب رسول اهلل‪ 1‬يقال له أبو برزة األسلمي فقال‪:‬‬
‫أتنكت بقضيبك ثغر احلسين‪ ،‬أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذ ًا‪ ،‬لربام رأيت‬
‫رس�ول اهلل‪ 1‬يرش�فه‪ ،‬أما إنك يا يزيد جتيء يوم القيامة وابن زياد ش�فيعك‪،‬‬
‫وجييء هذا يوم القيامة وحممد‪ 1‬شفيعه ثم قام فوىل‪.‬‬
‫ورواه البالذري يف أنساب األرشاف بالنص التايل‪:‬‬
‫وجعل يزيد ينكث بالقضيب ثغر احلسين حني وضع رأس�ه بني يديه‪ ،‬فقال‬
‫‪126‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫أبو برزة األس�لمي‪ :‬أتنكث ثغر احلسين‪ ،‬لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذ ًا ربام‬
‫رأيت رس�ول اهلل صىل اهلل عليه وسلم يرش�فه‪ ،‬أما إنك يا يزيد جتيء يوم القيامة‬
‫وش�فيعك ابن زياد‪ ،‬وجييء احلسني وشفيعه حممد‪ .‬ثم قام‪ .‬ويقال إن هذا القائل‬
‫(((‬
‫رجل من األنصار‪.‬‬
‫وبع�د أن ذك�ر اب�ن األثري خبر أبو ب�رزة م�ع يزي�د أردف قائ ً‬
‫ال‪ :‬فق�ال يزيد‬
‫أت�درون من أين أيت هذا؟ ق�ال‪ :‬أيب عيل خري من أبيه‪ ،‬وفاطمة أمي خري من أمه‪،‬‬
‫وجدي رس�ول اهلل خري من جده‪ ،‬فلعمري ما أحد يؤمن باهلل واليوم اآلخر يرى‬
‫لرس�ول اهلل فين�ا ع�د ً‬
‫ال وال ند ًا‪ ،‬إنام أيت م�ن قبل فقهه ومل يق�رأ‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫(((‬
‫ﮊ﴾‪.‬‬
‫ويف الفت�وح البن أعث�م أن يزيد أمر بإخراج أيب برزة فاخرج س�حب ًا‪ ،‬وجعل‬
‫يزيد يتمثل بأبيات عبيد اهلل بن الزبعرى‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫جزع اخل��زرج من وقع األس��ل‬
‫(((‬ ‫ل��ي��ت أش��ي��اخ��ي ب��ب��در ش��ه��دوا‬

‫ترجمة أبي برزة األسلمي‪:‬‬


‫اختل�ف علماء الرتاج�م والطبقات يف اس�م أيب برزة ش�أنه ش�أن الكثري من‬
‫الصحابة والتابعني واألعالم فقالوا‪ :‬اس�مه نضلة بن عبيد وقيل خالد بن نضلة‬
‫وزع�م الواق�دي أن ولده يقولون عبد اهلل بن نضل�ة‪ ،‬وأول ما يطالعنا من تاريخ‬
‫حيات�ه أن�ه كان كاهن ًا‪ ،‬قال جواد عيل يف املفصل يف تاريخ العرب‪ :‬وكان أبو برزة‬
‫(((‬
‫األسلمي من الكهان املعروفني يف املدينة أيام الرسول‪.‬‬

‫ أنساب األرشاف ‪ .509/2 :‬البداية والنهاية‪.209/8 :‬‬ ‫(((‬


‫  الكامل يف التاريخ‪.85/4 :‬‬ ‫(((‬
‫  الفتوح‪.131/5 :‬‬ ‫(((‬
‫ املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم‪.344/12 :‬‬ ‫(((‬
‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 127‬‬

‫وانضم أبو برزة إىل الصحابة بعد إسلامه وكان من ذوي الشأن فيهم وشهد‬
‫مع النبي سبع غزوات كام يقول‪ ،‬منها فتح مكة‪ ،‬وكانت له فيها أدوار هامة منها‬
‫م�ا كان يف ي�وم أح�د عندما أصي�ب النبي‪ ،1‬وق�د روى أبو ب�رزة ذلك عىل‬
‫الوجه التايل‪:‬‬
‫مل�ا كان يوم أحد وش�ج النبي‪ 1‬وكسرت رباعيته وهش�مت البيضة عن‬
‫رأس�ه خر مغش�ي ًا عليه‪ ،‬فأخذت رأس�ه يف حجري‪ ،‬فلام أفاق قال‪ :‬نضلة! قلت‪:‬‬
‫نع�م‪ ،‬بأيب أنت وأمي يا رس�ول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬بارك اهلل في�ك ويف دينك وعرتتك من‬
‫(((‬
‫بعدك‪.‬‬
‫ويظهر من بعض األحاديث التي رواها أبو برزة أنه كان حريص ًا عىل االنتفاع‬
‫من وجود النبي األكرم‪ ،‬قال أبو برزة‪:‬‬
‫سألت رسول اهلل‪ 1‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل إين ال أدري لعلك أن متيض وأبقى‬
‫بعدك‪ ،‬فحدثني بيشء ينفعني اهلل به‪ ،‬فقال يل رس�ول اهلل‪« :‬يا أبا برزة أمط األذى‬
‫(((‬
‫عن الطريق فإن لك بذلك صدقة»‪.‬‬
‫وق�د روى أبو برزة أحادي�ث ذات داللة فقهية اعتمدها الفقهاء يف اس�تنباط‬
‫بع�ض األح�كام‪ ،‬كاحلدي�ث الذي أورده ج�ل املحدثني والفقهاء يف مس�ألة من‬
‫يدمه�ه أمر هام أو ش�غل مفاج�ئ أثناء الصلاة‪ ،‬فام هي احلدود املس�موح هبا يف‬
‫احلركة فكان أبو برزة يؤكد أن النبي كان ميرس ًا يف ذلك من خالل إمساكه بزمام‬
‫ناقته وهي تنازعه وهو يصيل‪ .‬واخلرب مشهور ومعروف‪.‬‬
‫وق�د امتد العمر ب�أيب برزة إىل زمن ش�هادة اإلمام احلسين‪ ،5‬وقد تقدم‬
‫موقفه من يزيد حينام رأى ما يفعل برأس احلسني‪.5‬‬
‫وق�د تردد البعض يف س�نة وفاته ولكن جل املؤرخني على أنه بقي إىل ما بعد‬

‫(((  تاريخ أصفهان‪.465/1 :‬‬


‫(((  تعظيم قدر الصالة ملحمد بن نرص املروزي‪.814/2 :‬‬
‫‪128‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫عام س�تني‪ ،‬ق�ال الذهبي‪ :‬وقيل أن أبا ب�رزة كان يقوم الليل‪ ،‬ول�ه بر ومعروف‪.‬‬
‫وبع�د نق�ل األقوال يف وفاته قال فائدة تدل عىل بقاء أيب برزة بعد هذا الوقت أي‬
‫عام ‪ 64‬هـ‪.‬‬
‫ق�ال األنص�اري حدثني س�يار بن سلامة ق�ال‪ :‬ملا خ�رج ابن زي�اد‪ ،‬ووثب‬
‫اب�ن مروان بالش�ام‪ ،‬واب�ن الزبري بمكة اغت�م أيب فقال‪ :‬انطلق مع�ي إىل أيب برزة‬
‫األس�لمي‪ ...‬فق�ال له أيب‪ :‬يا أبا برزة أال ترى! ف�كان أول يشء تكلم به أن قال‪:‬‬
‫إين أحتسب عند اهلل أين أصبحت ساخط ًا عىل أحياء قريش‪.‬‬
‫(((‬

‫والذي أثبته أكثر املحققني أنه تويف عام ‪64‬هـ ‪.‬‬


‫(((‬

‫(((  تاريخ اإلسالم‪.51/2 :‬‬


‫(((  إحكام األحكام أليب الفتح‪.137/1 :‬‬
‫موقف ال�صحابي واثلة بن الأ�سقع‬

‫واثل�ة بن األس�قع أح�د الصحابة الذي عايش�وا رس�ول اهلل‪ 1‬وس�معوا‬


‫حديث�ه خصوص ًا فيما يتعلق بفضل أه�ل البيت‪ 3‬وهذا الصح�ايب من رواة‬
‫حديث الكساء الشهري الذي كانت وقائعه يف بيت أم سلمة زوج النبي‪.1‬‬
‫كان واثلة ابن األس�قع يف الش�ام حني قدوم سبايا أهل البيت‪ 3‬ورؤوس‬
‫الش�هداء التي محل�ت إىل يزيد‪ ،‬ومن الطبيعي أن يكون رأس احلسين‪ 5‬هو‬
‫ال�ذي يلف�ت األنظار‪ ،‬وهو طلبة يزيد بن معاوية‪ ،‬وإن ردود أفعال الناس خمتلفة‬
‫إزاء ما وقع يف كربالء وما جرى عىل أهل بيت النبي‪ ،1‬من قتل وأرس ومثلة‬
‫حينام قطعت الرؤوس‪ ،‬ورفعت عىل رؤوس الرماح وسريت من بلد إىل بلد‪.‬‬
‫وحينام جيء برأس احلسني‪ 5‬إىل الشام وقد جترأ رجل من الشاميني (ممن‬
‫عمس معاوية عليهم اخلرب) كام يعرب عيل‪ 5‬فلعن احلسني‪ ،5‬وكان ذلك‬
‫عىل مس�مع من واثلة بن األسقع‪ ،‬فغضب وقام وهو حيدث بفضائل أهل البيت‬
‫ومنهم احلسني‪ 5‬مشري ًا إىل حديث الكساء‪ ،‬وقد أورد خرب واثلة مع الرجل‬
‫الش�امي العدي�د من املؤرخين منهم الذهبي يف سير أعالم النبلاء حيث قال‪:‬‬
‫حدثني ش�داد بن عبد اهلل س�معت واثلة بن األس�قع وقد جيء برأس احلسين‪،‬‬
‫فلعنه رجل من أهل الش�ام‪ ،‬فغضب واثلة‪ ،‬وقام وقال‪ :‬واهلل ال أزال أحب علي ًا‬
‫وولدي�ه بعد أن س�معت رس�ول اهلل‪ 1‬يف منزل أم س�لمة وألق�ى عىل فاطمة‬
‫‪130‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫وابنيها وزوجها كسا ًء خيربي ًا ثم قال‪ ﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬


‫(((‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾‪.‬‬
‫وق�د أورد ابن البطريق اخلبر يف العمدة بيشء من التفاوت يف بعض األلفاظ‬
‫حي�ث اس�تبدل (فلعن�ه) بلفظ (أظهر رسور ًا) ق�ال‪ :‬فلقيه رجل من أهل الش�ام‬
‫فأظهر رسور ًا‪.‬‬
‫(((‬

‫وأورد اب�ن جرب اخلرب يف هنج اإليامن بيشء م�ن التفصيل وفيه أن واثلة فصل‬
‫كيفية دخول عيل وفاطمة واحلس�ن واحلسين عىل النب�ي‪ 1‬حيث قال‪ :‬فلقيه‬
‫رج�ل من أهل الش�ام‪ ،‬فأظه�ر رسور ًا‪ ،‬فغضب واثلة وق�ال‪ :‬واهلل ال أزال أحب‬
‫علي� ًا وحس�ن ًا وحس�ين ًا أبد ًا بعد إذ س�معت رس�ول اهلل‪ 1‬يف منزل أم س�لمة‬
‫وجاء احلس�ن فأجلس�ه على فخذه اليمن�ى وقبله‪ ،‬وجاء احلسين فأجلس�ه عىل‬
‫فخ�ذه اليسرى وقبله‪ ،‬ثم جاءت فاطمة فأجلس�ها بني يدي�ه‪ ،‬ثم دعا بعيل‪1‬‬
‫فج�اء فجل�س بني يديه‪ ،‬ثم أردف عليهم كس�ا ًء خيربي ًا كأين أنظ�ر إليه‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫﴿‪ ‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ ق�ال‪:‬‬
‫(أي الراوي) قلت لواثلة‪ :‬ما الرجس‪ .‬قال‪ :‬الشك يف اهلل‪.‬‬
‫(((‬

‫ورواه ابن األثري يف أسد الغابة عن األوزاعي وقال‪ :‬يقال إن األوزاعي مل يرو‬
‫يف الفضائل حديثا غري هذا واهلل أعلم قال وكذلك الزهري مل يرو فيها إال حديثا‬
‫واحدا كانا خيافان بني أمية‪.‬‬
‫(((‬

‫  سري أعالم النبالء‪.314/3 :‬‬ ‫(((‬


‫  العمدة البن البطريق‪.35 :‬‬ ‫(((‬
‫  هن�ج اإليامن الب�ن جرب‪ ،83 :‬وأورد اخلرب ابن حنبل يف فضائ�ل الصحابة‪ ،672/2 :‬الرشيعة‬ ‫(((‬
‫لآلجري‪( .384/4 :‬م‪.‬ش)‬
‫ أسد الغابة‪.28/2 :‬‬ ‫(((‬
‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 131‬‬

‫ترجمة واثلة بن األسقع‬


‫قال النووي يف هتذيب األسامء‪ :‬هو أبو شداد‪ ،‬ويقال‪ :‬أبو األسقع‪ ،‬وقيل‪ :‬أبو‬
‫حمم�د‪ ،‬وقيل‪ :‬أبو اخلطاب‪ ،‬وقيل‪ :‬أبو قرصافة‪ ،‬بكرس القاف‪ ،‬واثلة بن األس�قع‬
‫بن عبد العزى بن عبد ياليل بن ناشب بن غرية بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد‬
‫مناة بن كنانة الكناين الليثي‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه واثلة بن عبد اهلل بن األسقع‪ ،‬قيل‪ :‬أسلم‬
‫والنبي‪ 1‬يتجهز إىل تبوك‪ ،‬وش�هدها معه‪ ،‬وشهد فتح دمشق ومحص‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫(((‬
‫إنه خدم النبي‪ 1‬ثالث سنني‪ ،‬وكان من أهل الصفة ‪.‬‬
‫وج�اء يف العرب‪ :‬وفيها أو يف س�نة س�ت ت�ويف واثلة بن األس�قع الليثي‪ .‬أحد‬
‫فقراء الصفة‪ .‬شهد غزوة تبوك‪ .‬وعاش ثامني ًا وتسعني سنة‪ .‬وكان فارس ًا شجاع ًا‬
‫فاض ً‬
‫ال ‪.‬‬
‫(((‬

‫وذك�ره أبو عمر يف االس�تيعاب وق�ال‪ :‬إنه نزل البرصة وله هبا دار ثم س�كن‬
‫الش�ام وكان منزل�ه على ثالثة فراس�خ من دمش�ق بقرية يقال هلا البالط وش�هد‬
‫املغازي بدمش�ق ومحص ثم حتول إىل بيت املقدس ومات هبا وهو ابن مائة س�نة‬
‫قيل بل تويف بدمشق يف آخر خالفه عبد امللك سنة مخس أو ست وثامنني وهو ابن‬
‫ثامن وتسعني سنة يكنى أبا األسقع وقيل يكنى أبا حممد وقال ابن معني كنيته أبو‬
‫قرصافة وهو قول الواقدي س�كن الش�ام روى عنه الشاميون مكحول وعبد اهلل‬
‫بن عامر اليحصبي وشداد بن عامرة وروى عنه أبو املليح بن أسامة اهلذيل ‪.‬‬
‫(((‬

‫ومم�ا أمج�ع عليه أصح�اب الرواية واحلدي�ث أن واثلة بن األس�قع أحد رواة‬
‫حدي�ث الكس�اء ومن الصحابة الذين ش�اهدوا ما فعله النب�ي‪ 1‬حينام نزلت‬

‫(((  هتذيب األسامء‪.3/2 :‬‬


‫(((  العرب يف خرب من غرب‪.17/1 :‬‬
‫(((  االستيعاب يف معرفة األصحاب‪.496/1 :‬‬
‫‪132‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫اآلية ﴿‪ ‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾‪.‬‬


‫ق�ال األوزاع�ي‪ :‬حدثن�ا أبو عامر ـ رجل من�ا ـ حدثني واثلة بن االس�قع‪ ،‬أن‬
‫النبي‪ ،1‬أخذ حس�ن ًا‪ ،‬وحس�ين ًا‪ ،‬وفاطمة‪ ،‬ولف عليهم ثوبه‪ ،‬وقال‪ ﴿ « :‬ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ﴾ الله�م ه�ؤالء‬
‫(((‬
‫أهيل »‪.‬‬

‫(((  سري أعالم النبالء‪.385/3 :‬‬


‫ر�أ�س احل�سني ي�صلب يف ال�شام‬

‫بعد أن أهنى يزيد بن معاوية مراس�م (االحتفال) يف جملس�ه يوم استقبل رأس‬
‫احلسين أم�ر بال�رأس أن ينصب ويصلب يف دمش�ق لعدة أه�داف ال ختفى عىل‬
‫اجلمي�ع‪ ،‬فه�ذا ه�و دأب القتلة م�ن احلكام الذين يش�يدون ملكه�م عىل مجاجم‬
‫األنبي�اء واألولي�اء والصاحلين‪ ،‬ومل يرث يزيد ه�ذا الفعل عن كالل�ة وإنام كان‬
‫الس�باقني إىل هذا العمل‪ ،‬فق�د (فاز) بلقب أول من أهديت إليه‬
‫ّ‬ ‫أبوه معاوية من‬
‫الرؤوس يف اإلسالم‪ ،‬وذلك عندما أهدي إليه رأس عبد صالح من عباد اهلل هو‬
‫عمرو بن احلمق اخلزاعي حتى صار هذا الفعل من املسلامت بني املؤرخني‪.‬‬
‫قال صاحب السيرة احللبية‪ :‬ثم رأي�ت أن ابن اجلوزي قال‪ :‬قال ابن حبيب‪:‬‬
‫نص�ب معاوية رأس عمرو بن أيب احلمق ونصب يزيد بن معاوية رأس احلسين‬
‫ريض اهلل عنه(((‪.‬‬
‫ويف تاريخ دمشق البن عساكر أن مدة صلب الرأس كانت ثالثة أيام‪ ،‬وذلك‬
‫م�ا نقله عن مح�زة بن يزيد أنه ق�ال‪ :‬وقد كان حدثني بعض أهلن�ا أنه رأى رأس‬
‫احلسني مصلوب ًا بدمشق ثالثة أيام(((‪.‬‬

‫(((   السرية احللبية‪.157/3 :‬‬


‫(((   تاريخ مدينة دمشق‪ 160 /69 :‬وسري أعالم النبالء‪.319/3 :‬‬
‫‪134‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ويف املحبر وحت�ت عن�وان (تس�مية م�ن نُص�ب رأس�ه م�ن األرشاف)‪ ،‬قال‬
‫ابن‪ ‬حبي�ب البغ�دادي‪ :‬نص�ب معاوية رأس عم�رو بن‪ ‬احلمق ونص�ب يزيد بن‬
‫معاوية رأس احلسني‪ ،‬ونصب املختار بن عبيد رأس عبيد‪ ‬اهلل‪ ‬بن‪ ‬مرجانة(((‪.‬‬
‫ويف الوايف بالوفيات للصفدي‪ :‬وقال الش�يخ ش�مس الدين‪ :‬ثم علق الرأس‬
‫عىل ما قيل بدمشق ثالثة أيام(((‪.‬‬
‫ويف هناية اإلرب‪ :‬ثم أرسل ابن زياد به إىل دمشق‪ ،‬فنصبه يزيد بن معاوية فيها‬
‫ثالثة أيام(((‪.‬‬

‫الرؤوس التي نصبت بعد رأس الحسين‬


‫ونصب املختار ابى عبيد اهلل رأس (عبيد اهلل) بن مرجانة ورأس (احلصني) بن‬
‫نمري السكسكي ورأس (رشحبيل) بن ذي الكالع احلمريي‪ ،‬فلام قتل مصعب‪ ‬بن‬
‫الزبري (املختار) بعث برأسه اىل عبد اهلل بن الزبري فنصبه عىل باب املسجد احلرام‬
‫وسمر يف يد املختار مسامر ًا من حديد إىل جنب املسجد‪ ،‬مسجد الكوفة فلم تزل‬
‫مسمورة حتى قدم احلجاج فرآها فسأل عنها فأخرب هبا فأمر بنزعها‪.‬‬
‫ونصب مصعب بن الزبري رأس (إبراهيم) بن احلر اجلعفي بالكوفة‪.‬‬
‫ونص�ب عبد املل�ك رأس (إبراهيم) بن األشتر النخع�ي ورأس (حييى) بن‬
‫جعدة بن هبرية بن أيب وهب املخزومي‪.‬‬
‫ونص�ب عبد املل�ك رأس (مصعب) بمرص ث�م رده فنصبه بدمش�ق فأخذته‬
‫عاتكة بنت يزيد بن معاوية فغسلته وحنطته ودفنته‪.‬‬
‫ونصب عبد امللك بن مروان رأس (عمري) بن احلباب السلمي بدمشق‪.‬‬

‫(((   املحرب‪.490 :‬‬


‫(((   الوايف بالوفيات‪.264 /12 :‬‬
‫(((   هناية اإلرب يف فنون األدب‪.299/20 :‬‬
‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 135‬‬

‫ونص�ب الولي�د ب�ن يزي�د رأس (حييى) بن زي�د بن علي ريض اهلل عنه وكان‬
‫نرص‪ ‬بن سيار أنفذه إليه من خراسان‪.‬‬
‫ونص�ب يزيد بن عبد امللك رأس (عبد اهلل) بن موس�ى بن نصري وكان بعث‬
‫ب�ه إلي�ه برش بن صف�وان الكلبيى من إفريقية اهتمه بقتل يزيد بن أيب مس�لم موىل‬
‫احلجاج بن يوسف‪.‬‬
‫ونص�ب يزي�د الناقص رأس (الوليد) بن يزيد يف مس�جد دمش�ق ما ييل باب‬
‫الفراديس ونصب أيض ًا رأس (يوسف) بن عمر الثقفي بدمشق‪.‬‬
‫ونص�ب أب�و العب�اس أمير املؤمنين رأس (م�روان) ب�ن حمم�د ب�ن مروان‬
‫بالكوفة‪.‬‬
‫ونص�ب اهل�ادي رأس (دحي�ة) بن املعص�ب بن االس�بغ بن عب�د العزيز بن‬
‫مروان وكان (قتل بمرص فنصب رأسه ببغداد وقتل موسى بن عيسى بن موسى‬
‫(احلسني) بن عيل بن حسن بن حسن بن عيل بفخ يف املوسم فنصب اهلادي رأسه‬
‫ببغداد عىل اجلرس ثم بعث به إىل خراسان وأمه زينب بنت عبد اهلل بن حسن‪.‬‬
‫ونصب طاهر بن احلسني بن مصعب رأس (حممد) بن هارون األمني ببغداد‬
‫عىل باب بستان مؤنسة ثم وجه به اىل املأمون بخراسان فنصبه هناك‪.‬‬
‫وبع�ث املأم�ون إىل احلس�ن بن س�هل وهو بف�م الصلح من خراس�ان برأس‬
‫(علي) ب�ن أيب س�عيد ورأس (عبد العزيز) ب�ن عمران الطائ�ي ورأس (خلف)‬
‫املرصي ورأس (مؤنس) التاجر واهتمهم بدم الفضل بن س�هل فنصبها احلس�ن‬
‫بن سهل هناك‪.‬‬
‫ونصب املأمون رأس (أمحد) بن نرص بن مالك اخلزاعي ببغداد‪.‬‬
‫ونص�ب املت�وكل رأس (إس�حاق) ب�ن إسماعيل التفلييس ببغ�داد عىل باب‬
‫العامة وكان ُبغا الكبري أنفذه من أرمينية‪.‬‬
‫(((‬

‫(((  املحرب‪.490/1 :‬‬


‫احتجاج خالد بن معدان‬

‫خال�د ب�ن مع�دان رجل م�ن أفاضل التابعين عىل ق�ول وعىل ق�ول آخر أنه‬
‫أدرك‪ ،‬ومعن�ى هذه العب�ارة أنه أدرك النبي فيكون مع�دود ًا يف الصحابة‪ ،‬وذلك‬
‫م�ا نق�ف عىل تفاصيل�ه يف ترمجته‪ ،‬ولكن ال�ذي يعنينا يف ه�ذا املوضع هو موقفه‬
‫االحتجاجي حينام صلب رأس احلسني‪ 5‬يف مدينة دمشق ثالثة أيام‪ ،‬حيث مل‬
‫بشكل علني ورصيح فاختار أسلوب ًا لتسجيل‬
‫ٍ‬ ‫يستطع الرجل أن يستنكر اجلريمة‬
‫اعرتاض�ه وامتعاضه مما جرى عىل احلسين بن علي‪ ،5‬وذلك فيام يرويه ابن‬
‫عس�اكر يف تاريخ مدينة دمش�ق حيث قال‪ :‬خالد بن معدان من أفاضل التابعني‬
‫كان بدمش�ق‪ ...‬أنبأنا أبو عبد اهلل احلافظ قال‪ :‬س�معت أبا احلسين عيل بن حممد‬
‫األديب يذكر بأس�انيد له أن رأس احلسين بن عيل ملا صلب بالش�ام أخفى خالد‬
‫بن معدان ـ وهو من أفاضل التابعني ـ ش�خصه عن أصحابه فطلبوه ش�هر ًا حتى‬
‫وجدوه فسألوه عن عزلته فقال‪ :‬أما ترون ما نزل بنا‪ ،‬ثم أنشأ يقول‪:‬‬
‫ل�ا ب���دم���ائ���ه ت��زم��ي�لا‬ ‫ٍ‬
‫حممد م���ت���زم� ً‬ ‫جاؤوا بـرأسـك يا ابـن بنـت‬
‫وك��أن�ما ب��ك ي��ا اب��ن بنت حممد قتـلوا جهــار ًا عــامـديـن رســوال‬
‫ق��ت��ل��وك ع��ط��ش��ان� ًا ومل���ا يرقبوا يف قـتـلـك التـنـزيــل والتـأويــال‬
‫قـتــلـوا بـك الـتـكبـري والتهليـال‬
‫(((‬
‫وي���ك�ب�رون ب���أن ق��ت��ل��ت وإن�ما‬

‫(((   تاريخ مدينة دمشق‪.181/16 :‬‬


‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 137‬‬

‫ومل يذك�ر م�ن ه�و قائل ه�ذه األبي�ات حيث مل تنس�ب ألح�د‪ ،‬إال أن بعض‬
‫املؤرخين والرجاليني ذكروا أن منش�دها هو احلاكم النيس�ابوري ونس�بوها إىل‬
‫أق�وال القدم�اء‪ ،‬وإذا صح أن خالد بن معدان قد أنش�دها يف الش�ام حني ورود‬
‫رأس احلسين فلا يبع�د أن تكون األبيات من ش�عره‪ ،‬وإال من يكون س�بقه إىل‬
‫ذل�ك‪ ،‬فقد جاء يف هتذيب الكامل للمزي‪ :‬وقال األس�تاذ أبو عثامن إسماعيل بن‬
‫عبد الرمحن الصابوين‪ :‬أنش�دين احلاكم أبو عبد اهلل احلافظ يف جملس األس�تاذ أيب‬
‫منصور احلمش�اذي عىل حجرته يف قتل احلسين بن عيل ريض اهلل عنهام‪ :‬جاؤوا‬
‫برأسك‪.(((...‬‬
‫ٍ‬
‫بمراث كثرية ومن أفضل ذلك‬ ‫وقال ابن كثري يف البداية والنهاية‪ :‬رثاه الناس‬
‫ما أورده احلاكم أبو عبد اهلل النيسابوري و كان فيه تشيع‪:‬‬
‫م��ت��زم�ل ً‬
‫ا ب��دم��ائ��ه ت��زم��ي�لا‬
‫(((‬ ‫ج��اؤوا برأسك يا ابن بنت حممد‬
‫وق�ال يف موض�ع آخر‪ :‬و مما أنش�ده احلاكم أب�و عبد اهلل النيس�ابوري و غريه‬
‫لبعض املتقدمني يف قتل احلسني‪.‬‬
‫جاؤوا برأسك‪.....‬‬
‫(((‬

‫ولك�ن األبيات موج�ودة يف الدي�وان املطبوع للش�اعر املع�روف ديك اجلن‬


‫احلميص‪.‬‬
‫(((‬

‫ترجمة خالد بن معدان‬


‫خالد بن معدان بن أيب كريب الكالعي أبو عبد اهلل احلميص من فقهاء الشام‬

‫  هتذيب الكامل‪.448 /6:‬‬ ‫(((‬


‫  البداية والنهاية‪.261 /6 :‬‬ ‫(((‬
‫  البداية والنهاية‪.216 /8:‬‬ ‫(((‬
‫ ديوان ديك اجلن‪.186 :‬‬ ‫(((‬
‫‪138‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫أدرك س�بعني من الصحابة‪ .‬مات س�نة ثالث ومائة أو أربع أو مخس أو س�ت أو‬
‫(((‬
‫ثامن‪.‬‬
‫وقال صاحب مغاين األخيار‪ :‬الكالعي‪ :‬بفتح الكاف‪ :‬نس�بة إىل ذى الكالع‬
‫بطن من محري‪ ،‬وقيل‪ :‬هو الكالع بن رشحبيل‪ ،‬وقال الس�معاين‪ :‬هي قبيلة كبرية‬
‫نزلت محص من الشام ينسب إليها خلق عظيم منهم أبو عبد اهلل خالد بن معدان‬
‫(((‬ ‫بن أيب كرب الكالعي‪ ،‬لقي سبعني رج ً‬
‫ال من الصحابة‪ ،‬ريض اهلل عنهم ‪.‬‬
‫وخيصص الصفدي ترمجة خلالد بن معدان يف الوايف بالوفيات وفيها‪:‬خالد بن‬
‫احلمصي‪ .‬كان يتوىل رشطة يزيد بن‬
‫ّ‬ ‫الكالعي‬
‫ّ‬ ‫مع�دان بن أيب ك�رب‪ ،‬أبو عبد اهلل‬
‫الدرداء وأيب هريرة وعبد‪ ‬اهلل‬
‫معاوي�ة‪ ،‬وروى عن أيب عبيدة ومعاذ وعب�ادة وأيب َّ‬
‫بن عمرو ومعاوية وغريهم‪ .‬وأدرك سبعني من الصحابة‪ ،‬وكان من فقهاء الشام‬
‫الصحاب�ة‪ .‬له عل�م وعم�ل وكالم يف املواعظ وذكر امل�وت‪ .‬وكان علمه يف‬
‫بع�د ّ‬
‫مصح�ف له أزرار وع�رى‪ .‬وكان األوزاع�ي ِّ‬
‫يعظمه‪ ،‬وقال‪ :‬أنا ل�ه قعب‪ .‬وقال‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫خلالد اجلامعة ومات وهو صائم س�نة ثالث أو أربع‬ ‫العجلي‪ :‬تابعي ثقة‪ .‬وروى‬
‫أو مخس أو ست أو ثامن ومائة بأنطرطوس ‪.‬‬
‫(((‬

‫وق�د بالغ الكثري م�ن الكتاب واملؤرخني يف مدح خالد ب�ن معدان حتى ورد‬
‫ذك�ره يف كت�ب الزه�د واألخالق وتك�ررت اإلش�ادة به وبزه�ده وإخالصه يف‬
‫عمل�ه‪ ،‬حت�ى قيل عنه‪ :‬خالد بن معدان بن أيب كرب الكالعي أدرك س�بعني من‬
‫أصحاب رس�ول اهلل‪ 1‬كنيته أبو عبد اهلل من متقش�في العباد واملتجردين من‬
‫الزهاد مات سنة أربع ومائة ‪.‬‬
‫(((‬

‫ طبقات احلفاظ للسيوطي‪.43/1 :‬‬ ‫(((‬


‫ مغاين األخيار‪( .468/5 :‬م‪.‬ش)‬ ‫(((‬
‫ الوايف بالوفيات‪.159/13 :‬‬ ‫(((‬
‫ مشاهري علامء األمصار‪.183 :‬‬ ‫(((‬
‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 139‬‬

‫وكان خلالد حلقة درس يف الش�ام إال أنه كان يرتكها إذا كثر طالهبا خوف ًا من‬
‫(((‬
‫الشهرة ‪.‬‬
‫ومم�ا تك�رر ذك�ره من صف�ات خالد بن مع�دان إخالص�ه يف عمل�ه باعتباره‬
‫يت�وىل جه�از رشطة يزيد بن معاوية يف الش�ام حت�ى قال عنه صف�وان بن عمرو‬
‫كان خالد‪ ‬ب�ن مع�دان إذا ُأمر الناس بالغزو كان فس�طاطه أول فس�طاط يرضب‬
‫(((‬
‫بدابق‪.‬‬

‫شعره‪:‬‬
‫ندمت عىل التضييع يف زمن البذر‬ ‫إذا أنت مل تزرع وأبرصت حاصد ًا‬
‫بي�ت يتيم تنقله املصادر األدبية القديم�ة وهو من األبيات املتداولة عىل غرار‬
‫األمث�ال‪ ،‬والغال�ب من املؤرخني ينس�به إىل خالد بن معدان‪ ،‬وصحة نس�بته إليه‬
‫فيه�ا دالل�ة على أن الرجل قادر على نظم الش�عر وإن كان عىل مس�توى البيت‬
‫أو األبي�ات املع�دودة‪ ،‬وقد تقدم م�ا روي من أن خالد بن معدان أنش�أ األبيات‬
‫املتداولة التي تصف كيفية دخول رأس احلسني إىل الشام‪:‬‬
‫جاؤوا برأسك يـا ابـن بـنت حممد‬
‫ولكن نسبة األبيات إليه حتتاج إىل حتقيق وذلك ألهنا موجودة يف ديوان ديك‬
‫ٍ‬
‫لرجل من أصحاب عيل بن أيب طالب‬ ‫اجلن املطبوع إضاف ًة إىل تكرار هذا االسم‬
‫وق�د س�كن مدينة البصرة‪ ،‬وما مل يتضح أن خالد بن معدان من س�كان البرصة‬
‫غري خالد بن معدان الكالعي الش�امي‪ .‬ال يصح نس�بة األبيات إىل الثاين عل ًام أن‬
‫األصمعي قال أنشدين ٌ‬
‫رجل من أهل البرصة‪:‬‬
‫ت��زودت��ه قبل احلساب إىل احلرش‬ ‫فاملك يوم احلرش يشء سوى الذي‬

‫(((  التواضع واخلمول‪.72 :‬‬


‫(((  تاريخ دمشق‪.197/16 :‬‬
‫‪140‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ندمت عىل التضييع يف زمن البذر‬ ‫اذا أنت مل تزرع وأبرصت حاصد ًا‬
‫منس�وب إىل خالد بن مع�دان الكالعي يف أكثر‬
‫ٌ‬ ‫وق�د تق�دم أن البيت األخري‬
‫كت�ب األدب والتأريخ‪ ،‬مما يثري الش�ك والتس�اؤل حول وحدة الش�خصيتني أو‬
‫تباينهما‪ ،‬وحي�ث أنن�ا نقلنا بعض ًا م�ن اآلراء فيام خي�ص األبي�ات املتعلقة برأس‬
‫احلسني‪ ،5‬ال نجد من الرضورة إعادهتا هنا‪.‬‬
‫�شهادة ريَّا حا�ضنة يزيد بن معاوية‬

‫هي امرأة ش�اعرة مل يذكر مرتمجوها نس�ب ًا هلا‪ ،‬وكل ما يذكر بشأهنا أهنا حكت‬
‫أن أمها أدركت النبي وسمعت من عمر بن اخلطاب‪.‬‬
‫واملع�ول عليه من أخبارها يف تاريخ مدينة دمش�ق البن عس�اكر حيث ترجم‬
‫هلا‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫امرأة شاعرة عاشت إىل أن أدركت دولة بني العباس وحكت أن أمها أدركت‬
‫النبي‪ 1‬و س�معت من عمر بن اخلطاب‪ ،‬حيكي عنها محزة بن يزيد احلرضمي‬
‫والد حييى بن محزة‪.‬‬
‫والذي يعنينا من أمرها أهنا نقلت مشاهداهتا و أدلت بشهادهتا فيام جرى عىل‬
‫رأس احلسني‪ 5‬حينام وضع بني يدي يزيد بن معاوية يف الشام قالت‪( :‬دخل‬
‫بعض بني أمية عىل يزيد فقال‪ :‬أبرش يا أمري املؤمنني فقد أمكنك اهلل من عدو اهلل‬
‫وعدوك يعني احلسين بن عيل قتل ووجه برأس�ه إليك‪ ،‬فلم يلبث إال أيام ًا حتى‬
‫جيء برأس احلسين فوضع بني يدي يزيد يف طش�ت‪ ،‬فأم�ر الغالم فرفع الثوب‬
‫بكمه كأنه يش�م منه رائحة‪ ،‬وقال‪ :‬احلمد‬
‫ّ‬
‫(((‬
‫الذي كان عليه فحني رآه مخر وجهه‬
‫اهلل الذي كفانا املؤنة بغري مؤنة‪ .‬كلام أوقدوا نار ًا للحرب أطفأها اهلل)‪.‬‬

‫(((  وضع يده عىل أنفه كاخلامر‪.‬‬


‫‪142‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ري�ا‪ :‬فدنوت منه فنظرت إلي�ه وبه ردع من حناء‪ ،‬ق�ال محزة‪ ،‬فقلت هلا‪:‬‬
‫قال�ت َّ‬
‫أقرع ثناياه بالقضيب كام يقولون‪ :‬فقالت أي والذي ذهب بنفسه وهو قادر عىل أن‬
‫يغفر له لقد رأيته يقرع ثناياه بقضيب يف يده ويقول أبيات ًا من شعر ابن الزبعرى(((‪.‬‬
‫ريا عن تاريخ دمش�ق‪ ،‬إال أنه يضيف‬
‫ويف البداية والنهاية ينقل ابن كثري خرب َّ‬
‫إليه ش�يئ ًا م�ن التوضي�ح (ولعله م�ن توضيح الواضح�ات) حيث ق�ال‪ :‬وذكر‬
‫ري�ا حاضنة يزيد ب�ن معاوي�ة‪ ،‬أن يزيد حني وضع‬
‫ابن‪ ‬عس�اكر يف تارخي�ه ترمجة َّ‬
‫رأس احلسني بني يديه متثل بشعر ابن الزبعرى يعني قوله‪:‬‬
‫جزع اخل��زرج من وقع األس��ل‬
‫(((‬ ‫ل��ي��ت أش��ي��اخ��ي ب��ب��در ش��ه��دوا‬
‫ريا ومش�اهدهتا لرأس احلسني‪ 5‬وقال يف ختامها‪:‬‬
‫وذكر الذهبي حكاية َّ‬
‫وهي قوية اإلسناد(((‪.‬‬
‫(وق�ال) أمح�د بن حممد بن حييى ب�ن محزة احلرضمي الق�ايض أخربين أيب عن‬
‫أبي�ه أخبرين أيب محزة ب�ن يزيد قال رأيت ام�رأة عاقلة من أعقل النس�اء يقال هلا‬
‫ري�ا حاضنة يزيد بن معاوية‪ ،‬يقال بلغت مائة س�نة‪ .‬قالت‪ :‬دخل رجل عىل يزيد‬
‫َّ‬
‫فق�ال‪ :‬يا أمير املؤمنني أبرش فأمكنك اهلل من احلسين قتل وجيء برأس�ه إليك‪،‬‬
‫ووضع يف طست‪ ،‬فأمر الغالم فكشفه فحني رآه مخر وجهه كأنه يشم منه رائحة‪،‬‬
‫وأن الرأس مكث يف خزائن السلاح حتى وىل س�ليامن فبعث فجيء به فقد بقي‬
‫عظ ًام فطيبه وكفنه ودفنه فلام وصلت املس�ودة س�ألوا عن موضع الرأس ونبشوه‬
‫(((‬
‫وأخذوه فاهلل أعلم ما صنع به‪.‬‬

‫  تاريخ مدينة دمشق‪.159 /69 :‬‬ ‫(((‬


‫  البداية والنهاية‪.222 /8 :‬‬ ‫(((‬
‫ سري أعالم النبالء‪.319 /3 :‬‬ ‫(((‬
‫ هتذيب التهذيب‪.307/2 :‬‬ ‫(((‬
‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 143‬‬

‫ريا حاضنة يزيد‪:‬‬


‫ترجمة َّ‬
‫لريا حاضنة يزيد يف تاريخ ابن‪ ‬عساكر‬
‫الرتمجة األساسية التي أخذ عنها اجلميع َّ‬
‫وقد قال‪ :‬امرأة ش�اعرة عاشت إىل أن أدركت دولة بني العباس وحكت أن أمها‬
‫أدرك�ت النبي‪ 1‬وس�معت من عمر ب�ن اخلطاب‪ ،‬حيكي عنها مح�زة بن يزيد‬
‫احلرضمي والد حييى بن محزة‪.‬‬
‫ري�ا وملكاهتا اجلسمانية‬‫وق�د أس�هب محزة اب�ن يزي�د احلرضمي يف وص�ف َّ‬
‫والعقلية وما كانت حتظى به من التكريم واالحرتام لدى خلفاء بني أمية‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ريا‪ ،‬كان بنو أمية يكرموهنا‪ ،‬وكان‬ ‫رأيت امرأة من أمجل النساء و أعقلهن يقال هلا َّ‬
‫هش�ام يكرمها وكانت إذا جاءت إىل هش�ام جتيء راكبة‪ ،‬ف�كل من رآها من بني‬
‫ريا حاضن�ة يزيد بن معاوية‪ ،‬فكانوا يقولون قد بلغت من‬ ‫أمي�ة أكرمها ويقولون َّ‬
‫(((‬
‫باق بنضارته‬‫السن مائة سنة‪ .‬وحسن وجهها ومجاهلا ٍ‬
‫ريا حكاية رأس احلسين‪ 5‬ومصريه كام يأيت تفصيله يف حمله‬ ‫وقد أكملت َّ‬
‫عند الكالم عن حمل دفن رأس احلسني‪.1‬‬
‫يقول محزة فس�ألتها ممن هي فقالت‪ :‬أمي ام�رأة من كلب وكان أيب رج ً‬
‫ال من‬
‫موايل بني أمية‪ ،‬وقالت يل‪ :‬ماتت أمي وهلا مائة سنة وعرش سنني وذكرت أن أمها‬
‫عجيبة عاشت تسعني سنة وأهنا أدركت زمن رسول اهلل وسمعت و هي امرأة أم‬
‫أوالد‪ .‬وأهنا رأت عمر بن اخلطاب حني قدم الشام وهي مسلمة‪.‬‬
‫وترمجها الصفدي يف الوايف بالوفيات قال‪ :‬وقال محزة بن يزيد احلرضمي لقد‬
‫ريا يف عزها أيام بني أمية ث�م رأيتها بعد ذلك مقتولة عىل درج جريون‬
‫ش�اهدت َّ‬
‫مكش�وفة‪ ...‬ويقولون هذه حاضنة يزيد قتلها املس�ودة (بن�و العباس) ملا هامجوا‬
‫دمشق(((‪.‬‬

‫(((   تاريخ مدينة دمشق‪.159/69 :‬‬


‫(((   الوايف بالوفيات‪.105/14 :‬‬
‫‪144‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ريا استش�عرت اخلط�ر بعد انتصار بني العباس وزوال الس�لطة‬


‫والظاه�ر أن َّ‬
‫األموية مما جعلها ختتبئ يف بعض البيوت اتقاء س�طوهتم ملا كان هلا من املكانة يف‬
‫دولة بني أمية‪ .‬فلام كان من األمر ما كان استرتت يف بعض منازل أهلنا‪ ،‬فسمعتها‬
‫وهي تعيب بني أمية مداراة لنا(((‪.‬‬
‫ريا أن الش�عر الذي متثل ب�ه يزيد وهو يرضب‬ ‫ِ‬
‫وس�ئل مح�زة عن كيفية معرفة َّ‬ ‫ُ‬
‫ثنايا احلسين هو شعر ابن الزبعرى كان جوابه يتضمن كوهنا شاعرة وهلا قصائد‬
‫منه�ا يف رث�اء يزيد‪ ،‬وجاء يف نص جوابه‪ :‬قال محزة ما رأيت يف النس�اء أجود من‬
‫ريا‪ ،‬قلت‪ :‬كيف علمت أنه شعر ابن الزبعرى‪ ،‬قال‪ :‬أنشدتني مائة بيت من قوهلا‬
‫َّ‬
‫ترثي هبا يزيد(((‪.‬‬

‫تطييب رأس الحسين في الشام‬


‫تق�دم يف بع�ض األخب�ار أن يزي�د مخ�ر وجه�ه حينام رف�ع املندي�ل عن رأس‬
‫احلسين‪ ،‬وكما تقول الرواية‪( :‬كأنه ش�م من�ه رائحة)‪ .‬فبادر البع�ض إىل تطييب‬
‫رأس احلسني‪ 5‬ومنهم رجل فاريس كام جاء يف أعيان العرص‪:‬‬
‫قال يل القايض ش�هاب الدين بن فضل اهلل‪ :‬بيت أيب الطيب بيت قديم بدمشق‬
‫من بيوت التشيع‪ ،‬وكان منهم جالل الدولة بن أيب الطيب نائب ًا عن الدولة الفاطمية‪،‬‬
‫ال فارسي ًا‪ ،‬قدم دمشق يف خالفة يزيد بن معاوية‪ ،‬وملا‬ ‫ويقال أن أبا الطيب كان رج ً‬
‫طيف برأس احلسين بن عيل‪ ،4‬و تغري رحيه‪ ،‬اشرتى له طيب ًا بامئة دينار وطيبه‬
‫به‪ ،‬ثم كان من ولده من يكتب إىل الش�يعة بخراس�ان بأخبار بني أمية‪ ،‬ويكني عن‬
‫نفس�ه بابن أيب الطيب‪ ،‬إش�ارة إىل تطييب أبيه رأس احلسين‪ ،‬فلام ظهرت الش�يعة‬
‫اخلراسانية وأظهروا كنيتهم هذه فعرفوا هبا وهلم وقف قديم بدمشق(((‪.‬‬

‫(((   تاريخ مدينة دمشق‪.159/69 :‬‬


‫(((   املصدر نفسه‪.319/3 :‬‬
‫(((   أعيان العرص وأعوان النرص‪.1334/3 :‬‬
‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 145‬‬

‫وروى البالذري يف أنس�اب األرشاف أن يزيد بعث برأس احلسين إىل نسائه‬
‫فأخذته عاتكة ابنته وهي أم يزيد بن عبد امللك فغس�لته ودهنته وطيبته‪ .‬فقال هلا‬
‫(((‬
‫يزيد‪ :‬ما هذا ؟ قالت‪ :‬بعثت إيل برأس ابن عمي شعث ًا فلممته وطيبته‪.‬‬
‫وق�د افتخ�ر يزيد بن عبد املل�ك بموقف أمه من رأس احلسين‪ 5‬عندما‬
‫قارن�ه بموق�ف أم احلج�اج بنت حممد بن يوس�ف حينام بعث هلا ب�رأس يزيد بن‬
‫املهلب‪ ،‬تقول الرواية‪:‬‬
‫ومل�ا وصل رأس يزيد بن املهلب إىل يزيد ب�ن عبد امللك بعث به إىل امرأته أم‬
‫احلج�اج بنت حممد بن يوس�ف التي عذهبا‪ ،‬وكلمه يزيد ب�ن عبد امللك فيها فلم‬
‫جيب�ه إىل ما س�أله يف أمره�ا‪ ،‬فبصقت يف وجهه وقالت‪ :‬أراك ش�يخ ًا أمحق تطلب‬
‫أش�بهت أم احلج�اج أمي عاتكة بنت‬
‫ْ‬ ‫الباط�ل‪ ،‬فقال يزيد بن عبد امللك‪ ،‬واهلل ما‬
‫يزي�د حين أتيت برأس احلسين ب�ن عيل فأراد الرس�ول أن يضع�ه عىل األرض‬
‫(((‬
‫فشتمته ودعت بوسادة فوضع عليها‪ ،‬ثم غسلته وطيبته‪.‬‬

‫(((  أنساب األرشاف‪.509/2 :‬‬


‫(((  املصدر نفسه‪ 276/7 :‬ـ ‪.277‬‬
‫موقف ر�سول قي�صر‬

‫يق�ول ابن حج�ر يف الصواعق املحرق�ة‪ :‬وملا فعل يزيد برأس احلسين‪5‬‬
‫ما‪ ‬م�ر كان عن�ده رس�ول قيرص فقال متعجب� ًا‪ :‬إن عندنا يف بع�ض اجلزائر يف دير‬
‫حافر محار عيس�ى فنح�ن نحج إليه كل عام من األقطار ونن�ذر النذور و نعظمه‬
‫كام تعظمون كعبتكم‪ ،‬فأشهد أنكم عىل باطل(((‪.‬‬
‫والذي يبدو من بعض املصادر أن رسول قيرص الذي كان يرسله إىل املسلمني‬
‫لبعض الشؤون السياسية متواجد يف الشام حني ورود رأس احلسني‪ 5‬إليها‬
‫وتوحي عبارات املؤرخني واملحدثني بأن له نوع إقامة فيها‪ ،‬فقد ذكر أبو يعىل يف‬
‫مسنده ما يدل عىل ذلك‪:‬‬
‫حدثنا حوثرة بن أرشس حدثنا محاد بن مسلمة عن عبد اهلل بن عثامن بن خثيم‬
‫عن سعيد بن أيب راشد قال‪ :‬كان رسول قيرص جار ًا يل زمن يزيد ابن معاوية(((‪.‬‬
‫ويف تفسير اب�ن كثير أن�ه كان من تن�وخ وأنه رس�ول قيرص إىل النب�ي‪.((( 1‬‬
‫وكذلك ذكره ابن أيب حاتم الرازي يف تفسريه‪ ،‬ومجيعه يف تفسري اآلية‪﴿ :‬ﮏ ﮐ‬

‫(((   الصواعق املحرقة‪.580/2 :‬‬


‫(((   مسند أيب يعىل‪.170/3 :‬‬
‫(((   تفسري ابن كثري‪.247/6 :‬‬
‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 147‬‬

‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ﴾(((‪.‬‬
‫عن سعيد بن راشد قال‪ :‬كان رسول قيرص جار ًا يل‪ ،‬قال‪ :‬كتب معي قيرص إىل‬
‫رسول اهلل‪ 1‬كتاب ًا فأتيته فرفعت الكتاب إليه‪ ،‬فوضعه يف حجره‪ ،‬ثم قال‪ :‬ممن‬
‫الرج�ل؟‪ .‬قلت‪ :‬من تنوخ‪ ،‬فقال‪ :‬هل لك يف دين أبيك إبراهيم احلنفية؟‪ .‬قلت‪:‬‬
‫إين رسول قوم وعىل دينهم حتى أرجع إليهم‪ ،‬فضحك رسول اهلل‪ 1‬ونظر إىل‬
‫أصحابه فقال‪﴿ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ﴾(((‪..‬‬
‫وروى ابن كثري يف سيرته عن اإلمام أمحد لقاء س�عيد بن أيب راش�د برس�ول‬
‫قيرص حيث قال‪:‬‬
‫لقي�ت التنوخى رس�ول هرقل إىل رس�ول اهلل‪ 1‬بحم�ص‪ ،‬وكان جار ًا يل‬
‫شيخ ًا كبري ًا قد بلغ العقد أو قرب‪.‬‬
‫(((‬

‫ومن الطبيعي أن يكون ش�يخ ًا كبري ًا أيام يزيد بن معاوية‪ ،‬وذلك ما وصفه به‬
‫سعيد بن أيب راشد‪ ،‬موىل آل معاوية فقال‪ :‬قدمت الشام فقيل يل يف هذه الكنيسة‬
‫رس�ول قيرص إىل رس�ول اهلل‪ 1‬قال‪ :‬فدخلنا الكنيس�ة فإذا بشيخ كبري‪ ،‬فقلت‬
‫له‪ :‬أنت رس�ول قيرص إىل رس�ول اهلل‪ ،1‬قال‪ :‬نعم(((‪ .‬ويف ترمجة سعيد بن أيب‬
‫حدث عن التنوخي النرصاين رسول قيرص(((‪.‬‬
‫راشد قال ابن عساكر‪ّ :‬‬

‫  سورة القصص‪.56 :‬‬ ‫(((‬


‫  تفسري ابن أيب حاتم‪.2994/9 :‬‬ ‫(((‬
‫ السرية النبوية البن كثري‪.27/4 :‬‬ ‫(((‬
‫  تاريخ دمشق‪.38 /2 :‬‬ ‫(((‬
‫  املصدر نفسه‪.58 /21 :‬‬ ‫(((‬
‫ال�سبايا ور�أ�س احل�سني‬

‫كما أن للصحاب�ة وبع�ض حض�ار املجل�س مواق�ف إزاء م�ا فع�ل يزي�د‬
‫برأس‪ ‬احلسين‪ 5‬فإن الس�بايا هلم مواقف مع يزيد حني أحرضوا يف جملس�ه‬
‫وحيث وضع بني يديه رأس احلسين‪ ،5‬وهو يف حالة من االنتش�اء بالنرص‬
‫مظهر ًا الشماتة بني احلني واآلخر‪ ،‬يالعب ثنايا احلسين‪ 5‬بمخرصته ويقرع‬
‫ثناياه بخيزرانته أمام مرأى ومس�مع من املس�لمني ومن سبايا آل حممد يف جملسه‬
‫وه�م مربقون باحلبال‪ ،‬فقد جاء يف جممع الزوائ�د للهيثمي‪ :‬فأمر هبم (عبيد اهلل)‬
‫فبعث هبم إىل يزيد بن معاوية‪ ،‬فأمر بسكينه فجعلها خلف رسيره لئال ترى رأس‬
‫أبيه�ا وذوي قرابتها‪ ،‬وعيل بن احلسين‪ 4‬يف غل‪ ،‬فوضع رأس�ه فرضب عىل‬
‫ثنيتي احلسني‪ 5‬فقال‪:‬‬
‫إلينا وه��م ك��ان��وا أع��ف وأظلام‬ ‫نفلق ه��ام�� ًا م��ن رج���ال أحبة‬
‫فقال علي ب�ن احلسين‪﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾((( فثقل عىل يزيد أن يتمثل‬
‫ببيت شعر وتال عيل بن احلسني آية من كتاب اهلل عز وجل‪ ،‬فقال يزيد‪ :‬بل ﴿‪ ‬ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ﴾‪ ،‬فق�ال علي‪ :‬أما واهلل لو رآنا رس�ول‪ ‬اهلل‪1‬‬

‫(((  سورة احلديد‪.22 :‬‬


‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 149‬‬

‫مغلولني ألحب أن خيلينا من الغل‪ ،‬فقال‪ :‬صدقت(((‪.‬‬


‫ويف رواي�ة أخرى أن يزيد بن معاوية خاطب عيل بن احلسين‪ 4‬قائ ً‬
‫ال‪ :‬يا‬
‫علي أن أب�وك قطع رمحي‪ ،‬وجهل حقي‪ ،‬ونازعني س�لطاين‪ ،‬فصن�ع اهلل به ما قد‬
‫رأيت‪ ،‬فقال عيل‪﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾(((‪.‬‬
‫ويف العق�د الفري�د‪ :‬فق�ال عيل بن احلسين وكان يف الس�بي‪ :‬كت�اب اهلل أوىل‬
‫ب�ك من الش�عر‪ ،‬يق�ول اهلل‪﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ﴾ فغضب يزيد‬
‫وجع�ل يعبث بلحيته‪ ،‬ثم قال‪ :‬غري هذا من كتاب اهلل أوىل بك وبأبيك‪ ،‬قال اهلل‪:‬‬
‫﴿‪ÒÑÐÏ‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ﴾‪ .‬م�ا ترون‬
‫يا أهل الشام يف هؤالء‪ ،‬فقال رجل منهم (وقد أورد مث ً‬
‫ال ال أرغب يف ذكره ألنه‬
‫في�ه من س�وء األدب ما ال يتناس�ب مع مقام أهل البي�ت‪ ،)3‬قال النعامن بن‬
‫بشري األنصاري‪ :‬انظر ما كان يصنعه رسول اهلل‪ 1‬هبم لو رآهم يف هذه احلالة‬
‫فاصنعه هبم(((‪.‬‬
‫ويف فوات الوفيات للكتبي‪:‬‬
‫ملا أيت برأس احلسني ريض اهلل عنه صاح بنات معاوية وعياهلم وسمعهم يزيد‬
‫فذرفت عيناه وقال‪:‬‬
‫م��ا أه���ون امل���وت ع�لى النوائح‬ ‫ي��ا صيحة حت��م��د م��ن ص��وائ��ح‬
‫ث�م ق�ال‪ :‬إذا قىض اهلل أمر ًا كان مفعو ً‬
‫ال‪ ،‬كنا نرىض من أهل العراق بدون قتل‬

‫(((   جممع الزوائد‪.312/9 :‬‬


‫(((   مقتل احلسني‪.213 :‬‬
‫(((   العقد الفريد‪.131/5 :‬‬
‫‪150‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫احلسين‪ .‬وعرض عليه يف من عرض عيل بن احلسين ريض اهلل عنهام فأراد قتله‬
‫واألمن من غائلته ثم كف وارعوى وقال‪:‬‬
‫لكــان قـلـيـال بـعـدها مــا ألومــها‬ ‫مهمـت بنـفـيس مهـة لــو فـعـلـتـها‬
‫إذا هــي زلـت أدركـتـها حلـومها‬
‫(((‬
‫ول��ك��ن��ن��ي م���ن ع��ص��ب��ة أم��وي��ة‬
‫وأم�ا موق�ف العقيل�ة زين�ب‪ 2‬يف جمل�س يزي�د حينما رأت�ه ينك�ت‬
‫رأس‪ ‬احلسين‪ 5‬ويتمثل بشعر الشامتة فإنه مش�هور‪ ،‬نقله جل املؤرخني مع‬
‫نص اخلطبة الشهرية التي ألقتها يف املجلس دون أن تقيم وزن ًا لنزق يزيد ومواقفه‬
‫الصبيانية‪.‬‬
‫قالت الكاتبة الكويتية بنت الشاطئ‪:‬‬
‫«مل مت�ض (زين�ب) إال بع�د أن أفس�دت على ابن زي�اد ويزيد وبن�ي أمية لذة‬
‫النرص‪ ،‬وس�كبت قطرات من الس�م الزعاف يف كؤوس الظافرين» وذلك تعليق ًا‬
‫على خطب�ة زينب بنت علي يف جملس يزي�د حيث ألقمت�ه حجر ًا وبين�ت املنزلة‬
‫الرفيع�ة ألهل‪ ‬البي�ت‪ 3‬وما ينتظرهم م�ن جزيل الثواب على كل ما انتاهبم‬
‫م�ن نوائ�ب‪ ،‬إضافة إىل كش�فها عن كل م�ا كان يتمتع به يزيد ـ ه�و وأهل بيته ـ‬
‫م�ن مكان�ة منحطة يف املجتمع كطلق�اء َم َّن عليهم رس�ول‪ ‬اهلل‪ 1‬حني الفتح‪،‬‬
‫ولكنهم مارس�وا أبش�ع أنواع الظلم بح�ق أهل بيته حينام أبادوا رجاهلم وس�بوا‬
‫ذريتهم‪ ،‬فباؤوا باخلزي والعذاب األليم‪.‬‬

‫(((  فوات الوفيات‪.645/2 :‬‬


‫ر�أي ابن تيمية يف م�سري ال�سبايا �إىل ال�شام‬

‫يكتش�ف القارئ لكتب ابن تيمية ـ املعروف بش�يخ اإلسالم ـ بأنه مقاتل عنيد‬
‫حد يقرص عنه دفاعهم عن أنفس�هم‪ ،‬ألن الكثري منهم كان‬ ‫عن خلفاء بني أمية إىل ٍ‬
‫أمر‬
‫يتجاهر بكل ما من ش�أنه أن يس�ود صحيفة أعامله يف الدنيا قبل اآلخرة‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫ومعنى‪ ،‬ولسنا نكشف رس ًا خفي ًا يف هذا‬
‫ً‬ ‫يرقى إىل حد الظاهرة التارخيية املتواترة لفظ ًا‬
‫االدعاء‪ ،‬وإنام هي سرية مكتوبة ومسطرة يف كل سفر من أسفار التاريخ واحلديث‬
‫واألدب ومجيع فنون التأليف والكتابة‪ ،‬وما تفوه به األمويون يف وصف أنفسهم أو‬
‫وصف بعضهم البعض ماثل أمام األنظار يستحصل بكل سهولة ويرس‪.‬‬
‫وأم�ا وثائ�ق التاريخ فاحلدي�ث عنها من نواف�ل القول وإعادة املع�اد‪ .‬فام هو‬
‫السر الذي جعل ً‬
‫عامل�ا ومفكر ًا من وزن ابن تيمية يت�ورط يف إنكار اليقني الذي‬
‫أضحى وجوده وثبوته كوجود الش�مس يف رابعة النهار لدى عامة الناس فض ً‬
‫ال‬
‫عن العلامء وأهل الفن واالختصاص؟‪.‬‬
‫وحيث أن هذا العمل ال يس�تهدف عرض آراء الشيخ عىل وجه االستيعاب‪،‬‬
‫وإنما نعرض منها كلامته وآرائه فيام خيص موضوع هذا العمل الذي اقترصنا فيه‬
‫على األحداث والوقائع الت�ي وقعت يف كربالء والت�ي راح ضحيتها كوكبة من‬
‫آل بيت النبي‪ 1‬وعىل رأس�هم احلسني بن عيل‪ ،4‬وكام هو معلوم فالعمل‬
‫خمصص ملا تعرض له رأس احلسني‪ 5‬منذ أن احتز يف صحراء كربالء وحتى‬
‫‪152‬‬ ‫رأس الحسين ‬
‫هناي�ة رحلته الطويل�ة وتطوافه يف عدد من البلدان ومثول�ه أمام ٍ‬
‫عدد من األمراء‬
‫وعىل رأسهم يزيد بن معاوية يف مدينة دمشق عاصمة الدولة األموية‪.‬‬
‫ولذل�ك فال�ذي يق�ع يف دائ�رة اهتاممن�ا م�ن آراء الش�يخ هو م�ا خيص رأس‬
‫احلسين‪ ،‬السيام وأن شيخ اإلسلام تطرق إىل مسألة رأس احلسني يف الكثري من‬
‫كتب�ه وجمموعاته الفتوائية إضافة إىل رس�الة بعنوان (رأس احلسين) كان اهلدف‬
‫منها حتقيق مس�ألة دفنه و مناقش�ة اآلراء الكثرية يف هذا اإلطار‪ ،‬إضافة إىل إبداء‬
‫رأيه يف املشاهد واملساجد املقامة باسم (رأس احلسني)‪.‬‬
‫كذلك تعرض ابن تيمية ملس�ألة رأس احلسني‪ 5‬وسبايا أهل البيت‪3‬‬
‫يف الكثير من كتبه ومن أمهه�ا (جمموع فتاواه) و(الرصاط املس�تقيمة) و(منهاج‬
‫السنة) وغريه‪.‬‬
‫ونؤج�ل اإلجاب�ة عن الس�ؤال ال�ذي طرحناه آنف� ًا إىل ما بعد ع�رض اآلراء‬
‫ومناقشتها‪ ،‬فلعل القارئ يلمس معنا ما سوف نستنتجه فيام خيص دوافع الشيخ‬
‫وأس�باب تبنيه هذه اآلراء التي ال تعود بالرضر عىل ٍ‬
‫أحد أكثر مما تعود به من أثر‬
‫س�لبي عىل ش�خصيته العلمية ومصداقية أقواله يف دائرة جهده العلمي الواس�ع‬
‫م�ع من خيالف�ه الرأي أو املذهب أو الوالء‪ .‬وهي مس�احة حتتل دائرة واس�عة يف‬
‫ت�راث الش�يخ باعتباره يتبن�ى منهج املع�ارض لكثري من االجتاهات اإلسلامية‬
‫الفلس�فية والكالمية والفقهية‪ ،‬إضاف ًة إىل (صارمه املس�لول) عىل سائر املسلمني‬
‫بام يف ذلك العلامء املسلمني من أهل السنة ملجرد عدم اتفاقهم مع ما يذهب إليه‬
‫م�ن اآلراء وما‪ ‬يتبنى من أفكار‪ .‬كام نطلع من خالل عرض أقواله يف هذا الش�أن‬
‫إىل األس�لوب التهجم�ي والطريقة املنفعلة وإلقاء اآلراء الت�ي مل يقم عليها ٌ‬
‫دليل‬
‫واحد وكأهنا من املس َّلامت وإنكار احلقائق وإن كانت كمثل وضح النهار‪.‬‬
‫وأول ن�ص يفاج�ئ كل م�ن يق�رأه م�ا رصح ب�ه اب�ن تيمي�ة بخص�وص‬
‫رأس‪ ‬احلسين‪ 5‬وما جرى عليه م�ن احلوادث املثبت�ة واملتواتر نقلها يف جل‬
‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 153‬‬

‫مصادر التاريخ واحلديث حيث يقول يف منهاج الس�نة‪ :‬ويف اجلملة فام يعرف يف‬
‫اإلسالم أن املسلمني سبوا امرأة يعرفون أهنا هاشمية و ال سبي عيال احلسني بل‬
‫مل�ا دخلوا إىل بيت يزيد قامت النياحة يف بيته‪ ،‬وأكرمهم وخريهم بني املقام عنده‬
‫والذهاب إىل املدينة فاختاروا الرجوع إىل املدينة وال طيف برأس احلسين وهذه‬
‫احلوادث فيها من األكاذيب ما ليس هذا موضع بسطه(((‪.‬‬
‫ولك�ن من الواضح أن من حياول إن�كار احلقائق يقع يف االرتباك والتناقض‪،‬‬
‫والش�يخ مل يوض�ح للق�راء ما ال�ذي محل عائلة احلسين عىل الذهاب إىل الش�ام‬
‫ومقابل�ة يزي�د بعد قتل احلسين حتى أم�ر بإكرامه�م وخريهم بني البق�اء عنده‬
‫واملسري إىل املدينة‪.‬‬
‫والنص الثاين الذي رصح به شيخ اإلسالم وجزم بعد محل رأس احلسني‪5‬‬
‫وس�بي نس�اء رس�ول اهلل‪ 1‬يف كتابه منهاج الس�نة أيض ًا حيث قال يف معرض‬
‫رده عىل ابن املطهر احليل يف كتابه منهاج الكرامة‪( :‬وأما ما ذكره من س�بي نس�ائه‬
‫وال�ذراري وال�دوران هبم يف البلاد ومحلهم عىل اجلامل بغير أقتاب فهذا كذب‬
‫وباطل‪ ،‬ما س�بى املسلمون وهلل احلمد هاشمية قط وما استحلت أمة حممد‪1‬‬
‫سبي بني هاشم قط ولكن أهل اهلوى واجلهل يكذبون كثري ًا)‪.‬‬
‫وهذا النص يقتيض االستطراد فيه كنص إنشائي عاطفي أن يقول كاتبه (وما‬
‫قتل املسلمون من بني هاشم أحد ًا قط) لكان أتم وأشمل وأقرب للشاعرية‪.‬‬
‫ولكن ش�يخ اإلسلام يعلم عىل وجه القط�ع واليقني إن كل م�ا نفاه قد وقع‬
‫وتناقله املس�لمون م�ن مؤرخني ورجاليني وحمدثني وأدباء وش�عراء‪ .‬وحيث أن‬
‫ما يس�تهدفه الش�يخ براءة يزيد بن معاوية س�لك س�بي ً‬
‫ال ال ختلو من ذكاء وفطنة‬
‫للتعمية عىل احلقائق وذلك من خالل خلط األوراق وإدخال األخبار بعضها يف‬
‫البعض اآلخر لعله جيد إىل قد ٍر من التشكيل سبي ً‬
‫ال‪.‬‬

‫((( منهاج السنة‪.559/4 :‬‬


‫‪154‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫وحيث ال مشكلة لديه يف كون رأس احلسني‪ 5‬محل إىل عبيد اهلل بن زياد‪،‬‬
‫بل أكد احلادثة من خالل نقل اآلثار من أوكد الكتب وأصحها‪ ،‬لذلك نجده يتخذ‬
‫من هذه األخبار والوقائع قاعدة لالنطالق إىل نفي إرس�ال رأس‪ ‬احلسني‪5‬‬
‫إىل يزي�د وإن�كار م�ا فعله به م�ن عبث أو م�ا أظهر من رسور‪ ،‬ويق�ول يف ذلك‪:‬‬
‫والذي ثبت يف الصحيح أن احلسني ملا قتل محل رأسه إىل قدام عبيد اهلل بن زياد‪،‬‬
‫وأن�ه نكت�ه بالقضيب عىل ثناياه‪ ،‬وكان باملجلس أنس ب�ن مالك(رض) قال‪ُ :‬أيت‬
‫عبيد اهلل بن زياد برأس احلسين فجعل يف طس�ت فجعل ينكت وقال يف حس�نه‬
‫ش�يئ ًا‪ ،‬فقال أنس بن مالك كان أش�بههم بالرس�ول) ثم ينتقل الش�يخ إىل غرضه‬
‫الذي يريد حتقيقه بلباقة ومهنية عالية إذ يقول‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بإس�ناد جمهول أن هذا كان قدام يزي�د وأن الرأس محل إليه‪ ،‬وأنه‬ ‫(وق�د روي‬
‫هو الذي نكت عىل ثناياه‪ ،‬وهذا مع أنه مل يثبت يف احلديث ما يدل عىل أنه كذب‪،‬‬
‫ف�إن الذين حضروا نكته بالقضيب م�ن الصحابة مل يكونوا بالش�ام‪ ،‬وإنام كانوا‬
‫بالعراق) كام يف منهاج السنة واقتضاء الرصاط املستقيم‪.‬‬
‫ويف نظرة فاحصة هلذا النص يمكن مالحظة اآليت‪:‬‬
‫‪1‬ـ ال يوج�د م�ؤرخ واح�د فيما نعلم يثبت أن أن�س بن مالك كان يف الش�ام ومل‬
‫يكن يف الكوفة حني قتل احلسين وقد نقل الشيخ نفسه عن الصحاح ونقلناه‬
‫مفص ً‬
‫ال فيام تقدم بأن أنس بن مالك كان يف الكوفة وموقفه مع ابن زياد لدى‬
‫رؤيته تنكيت رأس احلسني مشهور ومعلوم‪.‬‬
‫ول�و فرضن�ا ج�د ً‬
‫ال أن مؤرخ ًا أو كاتب� ًا أخطأ فذكر ما ظهر م�ن أن أنس كان‬
‫كتاب يعتني‬ ‫يف الش�ام‪ ،‬فهل يكفي هذا لنفي حقيقة توات�ر نقلها ومل ُ‬
‫خيل منها ٌ‬
‫بمثل هذه احلوادث؟!‪.‬‬
‫وأما مس�ألة أبو برزة األس�لمي التي أقحمها الش�يخ مع خرب أنس بن مالك‬
‫فاألم�ر فيه�ا حيتاج إىل ٍ‬
‫يشء م�ن التفصيل ليتبني أحد األمري�ن‪ :‬إما أن يكون‬
‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 155‬‬

‫الشيخ غري مطلع عىل املسألة بكل تفاصيلها‪ ،‬وإما أن يكون متعمد ًا يف إقحامها‬
‫ٍ‬
‫لغرض يريده‪ .‬ألن موقف أيب برزة يف الشام أثبته أوثق املؤرخني والرجاليني‬
‫دون اس�تثناء يذكر‪ ،‬وهذه أمهات الكتب ملن يرغب يف االس�تقصاء واملتابعة‬
‫والوقوف عىل احلقيقة‪.‬‬
‫وأما ما حدث من أمر أيب برزة مع عبيد اهلل بن زياد فال يمت بأي صلة لواقعة‬
‫كربلاء وال لرأس احلسين‪ ،5‬وإنام كانت بينهام قضي�ة أخرى هي أيض ًا‬
‫من املش�هورات التارخيية‪ ،‬أساس�ها أن عبيد اهلل بن زياد كان يكذب بمس�ألة‬
‫احلوض الواردة يف الكثري من اآلثار واألحاديث النبوية‪ :‬أورد ابن أيب عاصم‬
‫يف كتابه (كتاب السنة) عدة أحاديث رصحية يف ذلك منها‪:‬‬
‫عن أيب سيرة اهلذيل قال‪ :‬كان عبيد اهلل بن زياد ِّ‬
‫يكذب باحلوض بعدما س�أل‬
‫عنه أبا برزة والرباء بن عازب وعائذ بن عمرو ورج ً‬
‫ال آخر(((‪.‬‬
‫روى ابن سعد يف الطبقات الكربى‪ :‬عن عبيد اهلل بن بريدة قال‪ :‬قال عبيد‪ ‬اهلل‬
‫ب�ن زي�اد من خيربنا ع�ن احلوض‪ ،‬فقال‪ :‬ه�ا هنا أبو برزة األس�لمي صاحب‬
‫رسول‪ ‬اهلل‪ ،1‬وكان أبو برزة رج ً‬
‫ال مسمن ًا‪ ،‬فلام رآه قال‪ :‬إن حممديكم هذا‬
‫لدح�داح‪ ،‬ق�ال فغضب أبو ب�رزة وقال‪ :‬احلمد هلل ال�ذي مل أمت حتى عريت‬
‫بصحبة رس�ول اهلل‪ .((( 1‬ويف س�نن أيب داوود‪ :‬فلما رآه عبيد اهلل قال‪ :‬إن‬
‫حممديك�م ه�ذا لدحداح‪ ،‬ففهمها الش�يخ فقال‪ :‬ما كنت أحس�ب أن أبقى يف‬
‫قوم يعريوين بصحبة حممد(((‪.‬‬
‫ويف مصن�ف عب�د الرزاق‪ :‬قال أبو ب�رزة‪ :‬واعجب�اه‪ ،‬أال أراين يف قوم يعدون‬
‫صحب�ة حممد‪ 1‬ع�ار ًا‪ ،‬فقال له جلس�اء عبيد اهلل‪ :‬إنام أرس�ل إليك األمري‬

‫(( ( كتاب السنة‪.323/2 :‬‬


‫((( الطبقات الكربى‪.300/ 4:‬‬
‫((( سنن أيب داوود‪ ،283/4 :‬مسند أمحد‪.421/4 :‬‬
‫‪156‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ليسألك عن احلوض(((‪.‬‬
‫وه�ذا يعن�ي أن أليب ب�رزة موقفني أحدمها م�ع عبيد اهلل يف مس�ألة احلوض‪،‬‬
‫مش�هور‬
‫ٌ‬ ‫واآلخ�ر عن�د يزي�د يف قضي�ة رأس احلسين‪ 5‬وكال املوقفين‬
‫ومعروف ومس َّلم لدى أكثر املؤرخني كام تقدم تفصيله‪.‬‬
‫‪2‬ـ إن ابن تيمية ال ينسب ما يريد نفيه إىل كتاب معني أو مؤلف بعينه حتى يعرف‬
‫ه�ذا ال�كاذب ويش�ار إىل املدلس وتوض�ع وثاقته يف معيار اجل�رح والتعديل‬
‫وكذلك أس�انيد هذه األحاديث التي يدعي أهن�ا كاذبة وموضوعة وال أصل‬
‫ٍ‬
‫بإس�ناد جمهول أن هذا كان قدام‬ ‫هلا‪ .‬فالنص املتقدم يصدره بقوله‪ :‬وقد روي‬
‫يزيد‪ ..‬وعندما يعالج املسألة نفسها يف كتابه اقتضاء الرصاط املستقيم ملخالفة‬
‫أصح�اب اجلحيم يقول‪ :‬فإنه محل رأس�ه قدام عبيد اهلل ب�ن زياد بالكوفة‪...،‬‬
‫وبعض الناس يذكر أن الرواية كانت أمام يزيد بن معاوية بالش�ام‪ ،‬وال يثبت‬
‫ذلك‪ .‬فإن الصحابة املسمني يف احلديث إنام كانوا بالعراق(((‪.‬‬
‫ويف كال النصين ينس�ب الرواية إىل البع�ض تار ًة وإىل بع�ض الناس أخرى‪،‬‬
‫وهذه ليست طريقة العلامء واملحققني‪ ،‬وال يعذر يف مثلها مثل شيخ اإلسالم‬
‫صاحب االطالع الواسع يف ميدان علوم احلديث والتاريخ كام هو واضح يف‬
‫كتاباته‪ ،‬وشهادة أساتذته ومعارصيه‪.‬‬
‫ولكن�ه يتع�رض ملس�ألة يراها ثابت�ة يف واقع األم�ر ولكن ثبوهت�ا ال يروق له‬
‫لذلك ينحي كل األساليب العلمية ويلجأ إىل صياغات عامة كـ (أهل العلم)‬
‫و(البعض) و(بعض الناس) وغري ذلك من العبارات التي ال تنسجم وطريقة‬
‫العلامء وخصوص ًا إذا كان األمر متعلق ًا بمسائل احلجاج ودحض أقوال الغري‬
‫ومتبنياهتم‪.‬‬

‫(( ( املصنف‪.404/11 :‬‬


‫((( اقتضاء الرصاط املستقيم‪.317 :‬‬
‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 157‬‬

‫‪3‬ـ التعام�ل مع الكتاب ورواة األخبار عىل أس�اس الكي�ل بمكيالني فإذا ذكروا‬
‫خبر ًا ينس�جم م�ع م�ا يري�د الش�يخ إثباته ق�ال عنهم أهن�م من أوث�ق الناس‬
‫وأكثره�م عل ًام يف هذا امليدان ومم�ن يعتمد عليه وغري ذلك من عبارات املدح‬
‫والثناء‪ .‬وأما إذا كان ما ينقل املؤرخ أو الراوي ال ينسجم مع ما يريد إثباته أو‬
‫نفي�ه فإما أن ينعته بالكذب والوضع وإما أن جيمل القول فيه ويف غريه ليضع‬
‫اجلميع يف زمرة أهل الكذب والوضع‪.‬‬
‫ولنأخ�ذ حمم�د ب�ن س�عد صاح�ب الطبق�ات كنم�وذج‪ .‬عندما أراد الش�يخ‬
‫كمثوى أخري لرأس احلسين قال‪ :‬ومن املعل�وم أن الزبري بن‬
‫ً‬ ‫ترجي�ح املدين�ة‬
‫بكار صاحب (كتاب األنس�اب) وحممد بن س�عد كاتب الواقدي وصاحب‬
‫الطبق�ات ونحومها من املعروفني بالعلم والثق�ة واالطالع‪ .‬أعلم هبذا الباب‬
‫وأصدق فيام ينقلونه من اجلاهلني والكذابني‪.(((...‬‬
‫ولكن الذين نعتهم بكوهنم معروفني ومن أهل العلم والثقة واالطالع هم يف‬
‫مقدمة رواة نقل رأس احلسني إىل يزيد بالتفصيل‪.‬‬
‫قال ابن سعد يف الطبقات‪ :‬وكان يزيد بن معاوية قد واله املدينة فقتل احلسني‬
‫وهو عىل املدينة فبعث إليه برأس احلسين فكفن�ه ودفنه بالبقيع إىل جنب قرب‬
‫(((‬
‫أمه فاطمة بنت رسول اهلل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مكان آخر‪:‬‬ ‫وقال يف‬
‫وأما الزبري بن بكار فقد روى أيض ًا محل رأس احلسني إىل الشام كام يف اإلصابة‪:‬‬
‫وولده حمفز هو الذي ذهب برأس احلسني إىل يزيد بن معاوية‪ .‬ذكره الزبري بن‬
‫بكار‪.‬‬
‫(((‬

‫(( ( جمموع فتاوى ابن تيمية‪.468/27 :‬‬


‫((( الطبقات الكربى‪.238/5 :‬‬
‫(((  اإلصابة يف معرفة الصحابة‪.225/6 :‬‬
‫‪158‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫‪4‬ـ عندم�ا يك�ون األم�ر متعلق ًا برغبة اب�ن تيمية يف إثبات فضائ�ل يزيد وما كان‬
‫عليه من مكارم وملكات ومواهب‪ ،‬فإنه يلتمس لذلك األدلة حتى يف إثبات‬
‫ما ينفيه هو نفس�ه‪ .‬كمثال عىل ذلك يقول يف كتابه اجتامع اجليوش اإلسالمية‬
‫على غزو ُ‬
‫املعطلة واجلهمية‪( :‬ونرتحم على معاوية ونكل رسيرة يزيد إىل اهلل‬
‫تعاىل)‪.‬‬
‫وقد روي عنه أنه ملا رأى رأس احلسين رضوان اهلل عليه قال‪ :‬لقد قتلك من‬
‫كانت الرحم بينك وبينه قاطعة‪ ...‬هذا اعتقادنا ونكل رسيرته إىل اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ولكن ال ندري كيف جييب الشيخ إذا ما وجه له السؤال التايل‪ :‬أين رأى يزيد‬
‫رأس احلسني وخاطبه بضمري احلارض؟‪.‬‬
‫نعم إذا كان األمر متعلق ًا بفضيلة ليزيد فالرأس بعث إليه وإال‪..‬‬
‫ومن التعليقات التي أوردها السيد اجلمييل يف حتقيق كتاب ابن تيمية املسمى‬
‫بـ (رأس احلسني) قوله‪:‬‬
‫يق�ول القرطب�ي‪ :‬ملا ذهب بالرأس إىل يزيد بعث ب�ه إىل املدينة فأقدم إليه عدة‬
‫م�ن موايل بني هاش�م وض�م إليهم عدة من موايل أيب س�فيان ث�م بعث بثقل‬
‫احلسني وجهزهم بكل يشء ومل يدع هلم حاجة باملدينة‪....‬‬
‫يق�ول املحقق‪« :‬وقد نق�ل القرطبي هذا الرأي عن العالم�ة احلافظ أبو العال‬
‫اهلم�داين وه�ذا ما نطمئن إليه ونثق فيه»‪ .‬وكذلك ف�إن أكثر الذين نقلوا محل‬
‫رأس احلسين إىل الش�ام ال يمكن أن ينعتوا بام نعتهم به شيخ اإلسالم بقوله‪:‬‬
‫إملام بمعرفة املنقول‪.‬‬
‫وأما ما رواه من ال عقل له يميز به ما يقول وال له ٌ‬
‫«وإذا كان كل م�ا تق�دم وم�ا س�يأيت م�ن مئ�ات املؤرخين ورج�ال احلديث‬
‫والرجاليين ه�م من ال عقل له‪ ،‬فعلينا أن نلقي برتاثنا اإلسلامي الس�ني يف‬
‫البح�ر ألنه من أقوال املجانين أو الكذبة أو اجلهلاء أو املتطفلني عىل العلم‬
‫بحس�ب رأي ش�يخ اإلسلام‪ .‬وما عىل القارئ إال أن يراج�ع قائمة املصادر‬
‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 159‬‬

‫الت�ي نثبته�ا يف هناية هذا العمل لريى هل يبقى لنا من كتاب تاريخ أو حديث‬
‫أو رجال إذا قلنا أن هؤالء العلامء ممن ال عقل له وال علم و ال يوثق بحديثه؟‪.‬‬
‫وهل يبقى للش�يخ من مرجع يعتمد علي�ه إلثبات كل ما يذهب إليه من آراء‬
‫فقهية وعقائدية وتارخيية؟»‪.‬‬
‫‪5‬ـ األس�لوب اآلخ�ر ال�ذي اعتمده الش�يخ يف ع�رض األخب�ار املتعلقة برأس‬
‫احلسين‪ 5‬هو إدغام بعض األخبار ببع�ض‪ ،‬فيعمد إىل األخبار التي تثري‬
‫بعض التساؤالت كأخبار ما وقع من حتوالت كونية لدى قتل احلسني‪،5‬‬
‫والت�ي يرفضه�ا بعض الناس ألس�باب خلاص�ة ويضعفها الكثير من العلامء‬
‫والرجاليين ألس�باب خمتلف�ة منه�ا علمية ومنه�ا عقائدي�ة ومنها م�ا يتعلق‬
‫باحليادية وعدمها‪ ،‬فيعمد الش�يخ إىل إدغامها مع األخبار املوثقة واألحداث‬
‫الثابت�ة‪ ،‬ونتيج�ة ذل�ك أن من يرفض أو يش�كك أو يتوق�ف يف تصديق اخلرب‬
‫األول ال بد وأن ينسحب تشكيكه وقناعاته عىل اخلرب الثاين ألنه جيدها بمثابة‬
‫اخلرب الواحد‪.‬‬
‫فعندما يريد أن ينفي س�بي أهل البيت‪ 3‬ومحهلهم إىل الشام يقول‪ :‬ومثل‬
‫هذا الكذب الظاهر قول بعض الكذابني أنه ملا س�بي بعض أهل البيت محلوا‬
‫عىل اجلامل عرايا فنبتت هلم سنامات من يومئذ وهي البخايت‪ ،‬وأهل البيت مل‬
‫(((‬
‫يسب أحد منهم يف اإلسالم‪ ،‬وال محل أحد من نسائهم مكشوف العورة‪.‬‬
‫وكذل�ك يس�لك نفس املنهج يف الكثير من األخبار الت�ي رويت يف عرشات‬
‫الكتب عىل وجه املعاجز بعد مقتل احلسني‪ 5‬فيعمد إىل إدخاهلا يف سياق‬
‫واح�د ثم ينفي اجلميع أو يضعفه‪ ،‬ويف هذا األس�لوب م�ا الخيفى من التاثري‬
‫عىل نفسية القارئ وقناعاته‪ ،‬فمن الطبيعي أن يرفض القول أن اإلبل البخايت‬
‫نبت هلا سنامان عندما سبي عليها أهل البيت عرايا دون ثياب‪.‬‬

‫(((  منهاج السنة‪.104/8 :‬‬


‫‪160‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫‪6‬ـ اتب�ع الش�يخ بع�ض املقارنات التي هلا نوع تش�ابه من جه�ة إال أهنا ختتلف يف‬
‫جوهرها وتفاصيلها كل االختالف وذلك لالس�تفادة منها يف إثبات ما يريد‬
‫إثباته‪ ،‬ونفي ما يريد نفيه‪ .‬ومن أمثلة ذلك الكثرية مما كان جيريه من مقارنات‬
‫بين م�ا جرى على أه�ل البيت‪ 3‬من ظل�م وتقتيل وس�بي وم�ا وقع من‬
‫حوادث القتل والقتال ونتائج بعض املعارك‪ .‬فكثري ًا ما كان يس�تفيد من قتل‬
‫عثامن ليقارن بينه وبني قتل احلسين ويرى أنه أفضع من قتل احلسين‪ ،‬ولعل‬
‫املث�ال الذي ل�ه نوع عالقة بموضوعن�ا ما كان جيريه م�ن املقارنة بني اجلرائم‬
‫الت�ي ارتكب�ت عىل نس�اء وأطف�ال أهل البي�ت‪ 3‬يوم محلوا بتل�ك احلالة‬
‫املزرية إىل عبيد اهلل ومن ثم إىل يزيد‪ ،‬بام جرى من إكرام لعائش�ة يوم خرجت‬
‫لتقود اجليوش يف معركة اجلمل‪ .‬يقول يف ذلك‪:‬‬
‫أنتم تقولون أن آل احلسين س�بوا ملا قتل احلسين ومل يفعل هبم إال من جنس‬
‫ما فعل بعائشة حيث استويل عليها وردت إىل بيتها وأعطيت نفقتها‪ ،‬وكذلك‬
‫آل احلسين استويل عليهم وردوا إىل أهليهم وأعطوا نفقة‪ ،‬فإن كان هذا سبي ًا‬
‫واستحال ً‬
‫ال للحرمة النبوية‪ ،‬فعائشة قد سبيت واستحلت حرمة رسول‪ ‬اهلل‪.‬‬
‫يق�ول الش�يخ ه�ذا وهو الع�امل كل العلم أن عائش�ة خرج�ت مقاتلة بل عىل‬
‫قي�ادة جيش‪ ،‬وعندما خرست املعركة مل يس�مح عيل ب�ن أيب طالب‪ 5‬أن‬
‫متس بأدنى أذى فض ً‬
‫ال عن أن تس�بى‪ ،‬وبالغ يف إكرامها حتى بعثها إىل املدينة‬
‫بحراسة أخيها‪ ،‬وهل يقارن هذا بام فعل اجليش األموي بنساء احلسني‪5‬‬
‫وأطفال�ه وم�ا حدث هل�م يف جمالس الشماتة وما القوا من ال�كالم النايب عىل‬
‫أي�دي جمموع�ة من الطغ�ام الذي وكلوا هب�م وما واجهوا من األمل اجلس�دي‬
‫والنفيس حتى أن بعض املضللني يطلب من يزيد أن هيبه إحدى بنات احلسني‬
‫كجارية واعتقاده أن هؤالء أسارى وجتري عليهم أحكام السبي‪.‬‬
‫ولعل جواب السؤال الذي طرحناه يف بداية هذه الفقرة يتلخص بالقول‪ :‬إن‬
‫الفصل الثالث‪ /‬في الشام‬ ‫‪ 161‬‬

‫ابن تيمية أراد أن ينفي واقع ًا مقطوع ًا بأحداثه‪ ،‬فوقع يف هذا االرتباك والتناقض‪،‬‬
‫إضافة إىل حماولة إثبات واقع مقطوع يف عدمه فلم جيد إىل ذلك من س�بيل سوى‬
‫التامس هذه األس�اليب الواضحة البطالن‪ ،‬والتمس�ك بخيوط واهية وهذا شأن‬
‫كل م�ن يداف�ع عن قضة خ�ارسة‪ ،‬كإثبات الك�رم والصالح والتدين لش�خص‬
‫كيزيد ال يرغب هو نفسه يف أن يكون عىل ما وصفوه به‪.‬‬
‫الف�صل الرابع‬
‫مدفن الر�أ�س‬
‫تعددت الروايات وتداخلت إىل حد كبري يف مصري رأس احلسين‪ 5‬بعد‬
‫أن أهن�ى يزيد مراس�م االحتفال لدى اس�تقباله الرأس برفقة الس�بايا يف عاصمة‬
‫خالفته‪.‬‬
‫وبعد استقصاء شبه كامل ملا ورد بشأن املوضوع تراكم لدينا كم من الروايات‬
‫واآلراء واألقوال واألقاويل كام تعددت األسامء والرواة واألماكن التي هلا مسيس‬
‫عالقة برأس احلسني وطريقة دفنه وموضعه وما جرى عليه قبل دفنه وبعده‪.‬‬
‫إضاف�ة إىل ذلك فإن أسماء اخللف�اء واألمراء والرواة تكاث�رت هي األخرى‬
‫حتى صار من الصعوبة إىل حد ما أن تفرز األخبار والروايات بشكل كامل‪ ،‬إال‬
‫أن ذلك ال يعني عدم إمكان تنسيقها وترتيبها ليتحصل منها وضوح االحتامالت‬
‫املطروحة يف املسألة ليتسنى للقارئ تصور بدرجة من الوضوح كمحصلة هنائية‬
‫يق�ف معه�ا عىل كل االحتماالت وما ورد فيه�ا من ترجي�ح وموازنة من خالل‬
‫ع�رض نق�اط الضعف والقوة ـ تارخيي ًا ـ لكل احتمال وارد يف هذه القضية التي‬
‫يش�وهبا الغموض وحيفها اإلهبام‪ ،‬مما يثري تساؤ ً‬
‫ال مرشوع ًا عن األسباب الكامنة‬
‫ً‬
‫رأس�ا كرأس احلسين‪ 5‬غري معلوم مدفنه وأن‬ ‫واألرسار اخلفية التي جعلت‬
‫مصريه شبه جمهول‪.‬‬
‫ولذلك س�وف نسري يف الروايات سير ًا وئيد ًا ومتأني ًا مع احلرص عىل إظهار‬
‫ٍ‬
‫إغفال لتعليقات الرواة والعلامء والكتاب‬ ‫التقارب منه�ا يف موضع واحد‪ ،‬دونام‬
‫يف تقييم الروايات وترجيح اآلراء إن وجد‪.‬‬
‫االحتمال الأول (ال�شام)‬

‫أول احتمال يواجهنا كمثوى لرأس احلسين‪ 5‬هو الش�ام‪ ،‬ونؤجل ذكر‬
‫املدن األخرى يف الش�ام لنركز عىل ما ورد بخصوص (دمش�ق) عاصمة اخلالفة‬
‫ومق�ر اخلليف�ة والذي قتل احلسين بأمر من�ه‪ ،‬وجلب إليه رأس�ه ورؤوس مجيع‬
‫م�ن استش�هد معه يف كربلاء بصحبة قافلة كبرية من األس�ارى تض�م عدد ًا من‬
‫النس�اء واألطفال بوجود عيل بن احلسين الس�جاد‪ 5‬وحيث تقدم ما جرى‬
‫للرأس مفص ً‬
‫ال يف الش�ام ويف دمش�ق عىل وجه التحديد‪ ،‬نعمد إىل ذكر الروايات‬
‫واألخبار التي تؤكد أن رأس احلسني ختم رحلته الطويلة واستقر يف دمشق عىل‬
‫أقوال خمتلفة وأماكن متعددة تتمثل باآليت‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ أنه دفن في عهد يزيد بن معاوية‪:‬‬

‫وقبل ذكر الروايات نس�تحب التنويه إىل أن هذا االحتامل مل يذكر يف كثري من‬
‫الكت�ب املعتربة املختصة بح�وادث التاريخ وتوثيق املعلومات وإنام ذكر بش�كل‬
‫استطرادي مع حتفظ ظاهر يف عبارات من أوردوه يف كتبهم‪ ،‬بل أن أكثر عباراهتم‬
‫توحي بتوهني االحتامل وتضعيفه قال ابن حبان يف كتابه الثقات‪:‬‬
‫ومنهم من زعم أن رأس�ه بقرب معاوية‪ ،‬وذلك أن يزيد دفن رأس�ه يف قرب أبيه‪،‬‬
‫الفصل الرابع‪ /‬مدفن الرأس‬ ‫‪ 167‬‬

‫وقال أحصنه بعد املامت(((‪.‬‬


‫وكرر ابن حبان العبارة نفسها يف كتابه (مشاهري علامء األمصار) إال أنه زاد يف‬
‫العبارة لفظ (بِ ِه) فجاءت عبارته عىل الوجه التايل‪:‬‬
‫(وذل�ك أن يزيد دفن رأس�ه يف قبر أبيه وقال‪ :‬أحصنه بعد املمات به)((( وإن‬
‫كانت العبارة غري واضحة بش�كل كامل‪ ،‬إال أن الظاهر أنه يريد حتصني قرب أبيه‬
‫برأس احلسني ال العكس‪ .‬وكام هو واضح فإن ابن حبان يوهن هذا القول ويلقي‬
‫به يف سلة املزاعم يف كال كتابيه‪.‬‬
‫وممن أشار إىل هذا االحتامل أيض ًا النويري يف موسوعته األدبية التارخيية هناية‬
‫األرب يف فنون األدب والسياق الذي أدرج النويري به اخلرب يدل هو اآلخر عىل‬
‫وهن�ه وضعفه حيث قال‪ :‬وقيل أن يزي�د دفنه يف قرب أبيه معاوية‪ ،‬ومنهم من قال‬
‫يف مقابر املسلمني(((‪.‬‬
‫ويف أنساب األرشاف‪ :‬ودفن رأس احلسني يف حائط بدمشق إما حائط القرص‬
‫(((‬
‫وإما غريه‪ ،‬وقال قوم‪ :‬دفن يف القرص حفر له وأعمق‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ االحتمال الثاني بعد هالك يزيد‬


‫ويف ه�ذا االحتمال وردت رواي�ات كثيرة ومتش�عبة ومع أن ه�ذه األخبار‬
‫ختتلف وتتشعب يف املكان والكيفية ومن قام بدفن الرأس الرشيف‪ ،‬إال أهنا تتفق‬
‫على بقائه إىل م�ا بعد هالك يزيد ب�ن معاوية‪ ،‬ويمكن أن نتاب�ع جممل التفرعات‬

‫  الثقات‪.70/3 :‬‬ ‫(((‬


‫  مشاهري علامء األمصار‪.25 :‬‬ ‫(((‬
‫  هناية اإلرب‪.300/20 :‬‬ ‫(((‬
‫ أنس�اب األرشاف‪ .509/2 :‬يقول املحقق‪( :‬احلائط هو البستان‪ ،‬وأنا أرجح أن رأس احلسني‬ ‫(((‬
‫دفن يف بستان عاتكة ومن أجله دفنت هي وزوجها به واهلل أعلم)‪ .‬وهذا رأي بعيد عن الواقع‪،‬‬
‫وال تدعمه معطيات التاريخ‪.‬‬
‫‪168‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫واالحتامالت يف داخل هذا الرأي عىل الوجه التايل‪:‬‬

‫أ ـ باب الفراديس‪:‬‬
‫وهو أحد األقوال التي تؤكد أن رأس احلسني‪ 5‬دفن يف دمشق بعد موت‬
‫يزيد بن معاوية وأول نص يواجهنا بيشء من التفصيل ما رواه ابن كثري يف تارخيه‬
‫البداي�ة والنهاية‪ :‬عن اب�ن أيب الدنيا عن طريق عثامن بن عب�د الرمحن‪ ،‬عن حممد‬
‫بن عمرو بن صالح ـ ومها ضعيفان ـ أن الرأس مل يزل يف خزانة يزيد ابن معاوية‬
‫حتى تويف فأخذ عن خزانته فكفن ودفن داخل باب الفراديس من مدينة دمش�ق‬
‫ويؤك�د ابن كثري هذه الرواية بقوله‪ :‬قلت‪ :‬ويعرف مكانه بمس�جد الرأس اليوم‬
‫داخل باب الفراديس الثاين(((‪.‬‬
‫ويشير ابن الدمش�قي إىل نفس الرواية يف جوهر املطالب باختصار نق ً‬
‫ال عن‬
‫ابن أيب الدنيا‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫وذك�ر ابن أيب الدنيا أن ال�رأس (الرشيف) مل يزل يف خزانته حتى هلك فأخذ‬
‫ثم غسل وكفن ودفن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق‪ .‬واهلل أعلم(((‪.‬‬
‫وضم�ن جمموعة املزاعم التي يس�وقها ابن حبان يف كتابيه الثقات ومش�اهري‬
‫علماء األمصار يذكر ب�اب الفراديس كمثوى لرأس احلسين‪ 5‬ولكنه حيدد‬
‫اسطوانة من اسطوانات جامع دمشق إذ يقول‪:‬‬
‫ومحل الرأس إىل الش�ام واختلف يف موضع رأس�ه‪ ،‬فمنهم من زعم أن رأس�ه يف‬
‫الربج الثالث من الس�ور عىل باب الفراديس بدمشق‪ ،‬ومنهم من زعم أن رأسه عىل‬
‫عمود يف مسجد جامع دمشق عن يمني القبة اخلرضاء‪ ،‬وقد رأيت ذلك العمود(((‪.‬‬

‫(((   البداية والنهاية‪.222/8 :‬‬


‫(((   جواهر املطالب‪.299 /2 :‬‬
‫(((   مشاهري علامء األمصار‪.25 :‬‬
‫الفصل الرابع‪ /‬مدفن الرأس‬ ‫‪ 169‬‬

‫ونقل النويري هذا االحتامل عن االسرتبازي يف كتابه الداعي إىل وداع الدنيا‪:‬‬
‫عن أيب س�عيد الزاهد أنه قال‪ :‬قرب احلسين بكربالء‪ ،‬ورأس�ه بالش�ام يف مسجد‬
‫دمشق عىل رأس اسطوانة‪ ،‬وقال غريه عىل عمودين يمني القبلة(((‪.‬‬
‫ويشير إىل ه�ذا املوط�ن ياق�وت احلم�وي يف معج�م البلدان ولكن بش�كل‬
‫مقتضب جد ًا ويقول‪:‬‬
‫(ويف باب الفراديس مشهد احلسني بن عيل ريض اهلل عنهام(((‪ .‬وإن كانت كلمة‬
‫املش�هد ال تعن�ي بالرضورة وجود الرأس‪ ،‬فقد يقام املش�هد على املوضع أيض ًا‪.‬‬
‫وق�د أورد املؤرخ�ون باإلمج�اع قص ًة تارخيية عىل أن وجود رأس احلسين‪5‬‬
‫يف ب�اب الفراديس أمر ش�ائع والقص�ة تتعلق بمقتل الكام�ل صاحب ميافارقني‬
‫حمم�د بن غ�ازي بن حممد بن أيوب‪ .‬حينما قتل عىل يد التتار وقد طيف برأس�ه‬
‫يف البل�دان ثم دفن يف دمش�ق ويف باب الفراديس حتديد ًا‪ ،‬وقد اس�تغل الش�عراء‬
‫ه�ذا (االتفاق) املتقارب لرأس احلسين وهذا األمري لينظم�وا ذلك بقصائدهم‬
‫الرثائي�ة مظهري�ن هلذا التواف�ق وآملني أن يكون األمري مع احلسين‪ 5‬وهذا‬
‫ن�ص اخلرب كام أورده الصفدي يف الوايف بالوفي�ات‪( :‬الكامل صاحب ميافارقني‬
‫حمم�د بن غازي بن حممد بن أيوب‪ ...‬استش�هد بأيدي التتار بعد أخذ ميافارقني‬
‫وقطع رأس�ه وطيف به يف البالد باملغاين والطبول‪ ،‬ثم علق بسور باب الفراديس‬
‫سنة ثامن ومخسني وست مائة‪ ،‬وقد دفنوا رأسه يف مسجد داخل باب الفراديس‪،‬‬
‫فقال بعض الشعراء يف ذلك‪:‬‬
‫ف��ل��ه أس����وة ب����رأس احل��س�ين‬ ‫مل يشنه أن طيف ب��ال��رأس منه‬
‫ـ���ل ل��ق��د ح���از أج����ره م��رت�ين‬ ‫واف��ق السبط يف الشهادة واحلمـ‬
‫ــرأس فـاسـتـعجبـوا مـن احلـالـني‬ ‫ثم واروا يف مشهد الرأس ذاك الـ‬

‫(((   هناية اإلرب‪.300/20 :‬‬


‫(((   معجم البلدان‪.469/2 :‬‬
‫‪170‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫رف��ي��ق احل��س�ين يف اجل��ن��ت�ين‬


‫(((‬
‫وارجت���وا أن جييئ ل��دى البعث‬
‫وق�ال اب�ن فض�ل اهلل العم�ري يف مس�الك األبص�ار‪ :‬ويف ه�ذا املش�هد دفن‬
‫رأس الكام�ل صاحب ميافارقين‪ ،‬ويف ذلك قال ابن املهت�ار الكاتب‪( :‬ابن غا ٍز‬
‫(((‬
‫غزى‪)..‬‬
‫ويف تاريخ ابن الوردي‪ :‬وعلق رأس�ه يف ش�بكة بس�ور باب الفراديس إىل أن‬
‫ع�ادت دمش�ق إىل املس�لمني فدفن بمش�هد احلسين ريض اهلل عن�ه داخل باب‬
‫الفراديس‪ ،‬وفيه يقول شهاب الدين بن أيب شامة‪:‬‬
‫اب���ن غ���ازي غ�������زى‪.......‬‬
‫(((‬

‫ب ـ بقاء الرأس إلى عهد سليمان بن عبد الملك‬


‫هن�اك جمموعة من الروايات تؤكد أن رأس احلسين‪ ،5‬وضع يف خزائن‬
‫السلاح يف الش�ام وبق�ي إىل زمن بعي�د يف اخلزائن منه�م من انتهى ب�ه إىل زمن‬
‫س�ليامن بن عبد امللك‪ ،‬ومنهم من ذهب إىل أبعد من ذلك‪ ،‬حيث بلغ به إىل زمن‬
‫الوليد بن يزيد‪ ،‬وثالث نقل غري ذلك مما س�وف نقف عىل تفاصيله يف إيراد نص‬
‫الروايات واألخبار املتعلقة هبذا االحتامل‪:‬‬

‫‪1‬ـ دفن الرأس في عهد سليمان بن عبد الملك‬


‫أنه دفن يف زمن س�ليامن ب�ن عبد امللك‪ ،‬وهذه الرواية مرده�ا إىل ريا حاضنة‬
‫يزي�د بن معاوية‪ ،‬وقد نقل الكثري من املؤرخني هذه الرواية منهم ابن عس�اكر يف‬
‫تاريخ دمشق والذهبي يف سري أعالم النبالء‪ ،‬والنص له‪:‬‬
‫قال محزة‪ :‬وحدثتني ريا أن الرأس مكث يف خزائن السالح حتى ويل سليامن‪،‬‬

‫(((  الوايف بالوفيات‪.216/4 :‬‬


‫(((   مسالك األبصار يف ممالك األمصار‪( 69/1 :‬م‪.‬ش)‬
‫(((  تاريخ ابن الوردي‪.200/2 :‬‬
‫الفصل الرابع‪ /‬مدفن الرأس‬ ‫‪ 171‬‬

‫وبع�ث فج�يء به‪ ،‬وقد بقي عظ ًام أبيض فجعله يف س�فط وطيب�ه وكفنه ودفنه يف‬
‫مقابر املس�لمني‪ ،‬فلام دخل املسودة س�ألوا عن موضع الرأس‪ ،‬فنبشوه وأخذوه‪،‬‬
‫ف�اهلل أعل�م ما صنع به(((‪ .‬ولنحتفظ هبذه اجلملة األخرية ألهنا تفتح لنا نافذة عىل‬
‫احتامل آخر يأيت تفصيله إن شاء اهلل‪.‬‬
‫ويف ال�وايف بالوفيات‪ :‬ثم مكث الرأس يف خزائن السلاح حتى ويل س�ليامن‬
‫ً‬
‫عظما أبيض‪ ،‬فجعله يف س�فط‪ ،‬وطيبه وكفنه‬ ‫اخلالف�ة فبع�ث فجيء به وقد بقي‬
‫ودفنه يف مقابر املسلمني(((‪.‬‬
‫وذكره الش�جري يف األمايل بيشء من االختالف وفصل يف ذيل اخلرب بش�كل‬
‫أوسع فقال يف األمايل‪ :‬فلام ويل عمر بن عبد العزيز بعث إىل اخلازن‪ ،‬خازن بيت‬
‫السلاح‪ :‬وجه يل برأس احلسين بن علي‪ ،5‬فكتب إليه اخلازن أن س�ليامن‬
‫أخذه مني‪ ،‬وكتب إليه (أي عمر)‪ :‬إن مل حتمله فتجيء به ألجعلنك نكا ً‬
‫ال‪ ،‬فقدم‬
‫عليه‪ ،‬فأخربه أن س�ليامن أخذه فجعله يف س�فط‪ ،‬وصىل عليه ودفنه‪ ،‬فصح ذلك‬
‫عنده‪ ،‬فلام دخلت املسودة سألوا عام صنع به(((‪.‬‬
‫وإذ علمنا أن سليامن ويل اخلالفة سنة ‪96‬هـ فهذا يعني أن رأس احلسني بقي‬
‫‪ 36‬عام ًا مل يدفن‪.‬‬
‫وروى احلس�ن البصري أن س�ليامن بن عب�د امللك رأى النب�ي‪ 1‬يالطفه‬
‫ويبرشه فلام أصبح س�ليامن سأل احلس�ن عن ذلك فقال احلسن‪ :‬ولعلك صنعت‬
‫إىل أه�ل بيت النب�ي معروف ًا قال‪ :‬نعم‪ ،‬وجدت رأس احلسين بن عيل(رض) يف‬
‫خزانة يزيد فكس�وته مخس�ة أثواب وصليت عليه مع مجاعة من أصحايب وقربته‪،‬‬

‫(((   سري أعالم النبالء‪.319/3 :‬‬


‫(((   الوايف بالوفيات‪.263/4 :‬‬
‫(((   األمايل اخلميسية‪.176/1 :‬‬
‫‪172‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫فقال له احلسن‪ :‬إن رضا النبي عنك بسبب ذلك(((‪.‬‬


‫ريا قوهلا‪ :‬فلام جاءت املسودة ـ‪ ‬يعني بني العباس‪ ‬ـ‬
‫ونقل ابن عساكر يف ترمجة َّ‬
‫نبشوه وأخذوه معهم‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ دفنه أبو كرب (بعد مقتل الوليد بن يزيد)‪:‬‬


‫ونق�ف هن�ا أمام رواي�ة فيها كثير من الغم�وض ألن (بطلها) ش�خص غري‬
‫مع�روف بش�كل واض�ح ورصيح وهو م�ا أطلق�ت علي�ه الروايات اس�م (أبو‬
‫الك�رب)‪ .‬وق�د ذكر اخلرب مفص ً‬
‫ال يف تاريخ دمش�ق البن عس�اكر‪ ،‬وسير أعالم‬
‫النبالء للذهبي‪ ،‬ونختار نص ابن عساكر الذي ترجم أليب كرب يف اجلزء السابع‬
‫والستني من تارخيه‪:‬‬
‫حك�ى عنه أب�و أمية الكالعي أن�ه كان فيمن هنب خزائن الولي�د بن يزيد بن‬
‫عبد امللك‪ ،‬قال‪ :‬كنت فيمن هنب خزائنه بدمشق‪ ،‬فدخلت إىل خزانة هلم‪ ،‬فرأيت‬
‫فيها س�فط ًا مرفوع ًا فأخذته قلت يف هذا غناي‪ ،‬فركبت فريس وجعلته بني يدي‪،‬‬
‫وخرج�ت م�ن باب توما‪ ،‬فعدلت ع�ن يميني وفتحت قفله‪ ،‬ف�إذا أنا بحريرة يف‬
‫داخله�ا رأس مكتوب عىل بطاقة فيها هذا رأس احلسين بن عيل‪ ،‬فقلت ما لكم‬
‫ال غفر اهلل لكم‪ ،‬فحفرت له بسيفي حتى واريته(((‪.‬‬
‫وحيث أن الوليد بن يزيد بن عبد امللك‪ ،‬قتل يف دمش�ق س�نة ‪126‬هـ فمعنى‬
‫ذلك أن الرأس بقي يف اخلزانة ما يقارب ‪65‬سنة‪.‬‬
‫ويف حماولة ملعرفة أيب كرب هذا وجدنا عدة أش�خاص يس�مون هبذا االس�م‪،‬‬
‫ولك�ن بعضهم ال يمكن أن يكون هو املعني هبذه الرواية لبعد زمنه عن احلادثة‪.‬‬
‫واجلدير بالذكر أن أبا كرب مل يذكر له اس�م وال اس�م أب وال موطن وإنام يذكر‬

‫(((   نظم درر السمطني‪ ،‬الزرندي احلنفي‪.626/1 :‬‬


‫(((   تاريخ مدينة دمشق‪ .159 /67 :‬وسري أعالم النبالء‪.316/3 :‬‬
‫الفصل الرابع‪ /‬مدفن الرأس‬ ‫‪ 173‬‬

‫جم�رد ًا‪ ،‬وإذا ص�ح م�ا احتملن�اه من بني األسماء املشتركة فقد ذك�ر الكثري من‬
‫الرجاليني أنه جمهول‪ .‬كام يف تقريب التهذيب البن حجر وغريه‪.‬‬
‫وهك�ذا‪ ،‬فاحتمال كون الرأس يف الش�ام ضعيف بلس�ان الروايات وتعددها‬
‫واختالفها‪.‬‬
‫االحتمال الثاين (كربالء) مع اجل�سد‬

‫االحتامل الثاين أن الرأس الرشيف أعيد إىل اجلس�د يف كربالء وأكثر من تبنى‬
‫ه�ذا االحتمال من علماء اإلمامية وكتاهب�م القدماء ولكن�ه روي أيض ًا يف بعض‬
‫كتب أهل الس�نة‪ ،‬إال أنه ذكر بشقني خمتلفني‪ ،‬كالمها ينتهي بالرأس الرشيف إىل‬
‫كربالء حيث مثوى اجلسد الطاهر‪.‬‬
‫أش�ار النويري يف هناية األرب إىل كال الش�قني قال‪ :‬وأما من قال أنه أعيد إىل‬
‫اجلسد ودفن معه‪ ،‬فمنهم من يقول‪ :‬أن يزيد أعاده بعد أربعني يوم ًا‪.‬‬
‫ومنهم من يقول‪ :‬بل استقر يف خزانة السالح إىل أن ويل سليامن بن عبد‪ ‬امللك‪،‬‬
‫فأحرضه وقد قحل‪ ،‬وبقي عظم أبيض‪ ،‬فجعل عليه ثوب ًا وجعله يف سفط وصىل‬
‫عليه ودفن يف مقابر املسلمني فلام ويل عمر بن عبد العزيز بعث إىل خازن السالح‬
‫يطل�ب منه ال�رأس‪ ،‬فطالعه بام كان من أمره‪ ،‬فأمره بنبش�ه وأخ�ذه فاهلل أعلم بام‬
‫صنع به‪ ،‬لكنهم اس�تدلوا من ديانة عمر بن عبد العزيز وصالحه وخريه أنه نقله‬
‫إىل اجلسد ودفن معه(((‪.‬‬
‫وذكر سبط ابن اجلوزي هذا االحتامل واعتربه األشهر بني االحتامالت وقال‬
‫يف تذك�رة اخلواص‪ :‬أش�هر األق�وال أن يزيد رده إىل املدينة مع الس�بايا ثم رد إىل‬

‫(((  هناية اإلرب‪.300/20 :‬‬


‫الفصل الرابع‪ /‬مدفن الرأس‬ ‫‪ 175‬‬

‫اجلسد بكربالء فدفن معه قاله هشام وغريه(((‪.‬‬


‫وقد خلص الس�يد حمس�ن األمين آراء اإلمامي�ة بثالثة مواط�ن كمثوى أخري‬
‫ل�رأس احلسين‪ 5‬مع اإلش�ارة إىل املصادر الت�ي اعتمده�ا علامؤهم يف بيان‬
‫آرائهم‪ ،‬وكانت عىل الوجه التايل‪:‬‬
‫األول أنه عند أبيه أمري املؤمنني‪ 5‬بالنجف معه إىل جهة رأس�ه الرشيف‪،‬‬
‫ذهب إليه بعض علامء الشيعة استناد ًا إىل أخبار وردت بذلك يف الكايف والتهذيب‬
‫وغريمه�ا م�ن طرق الش�يعة ع�ن األئم�ة‪ ، 3‬ويف بعضه�ا أن الصادق‪5‬‬
‫ق�ال لول�ده إسماعيل أن�ه ملا مح�ل إىل الش�ام رسقه م�وىل لن�ا فدفنه بجن�ب أمري‬
‫املؤمنين‪ 5‬ويؤيده ورود زيارة للحسين من عن�د رأس أمري املؤمنني‪5‬‬
‫عن أئمة أهل‪ ‬البيت‪.3‬‬
‫الث�اين أن�ه مدفون مع جس�ده الرشي�ف ‪ ،‬ويف البحار أنه املش�هور بني علامئنا‬
‫اإلمامي�ة رده علي بن احلسين‪ ، 5‬ويف امللهوف أنه أعيد فدف�ن بكربالء مع‬
‫جس�ده الرشي�ف وكان عم�ل الطائفة عىل هذا املعنى املش�ار إلي�ه‪ .‬واعتمده هو‬
‫أيض�ا يف كت�اب اإلقبال‪ ،‬وقال ابن نام الذي عليه املع�ول من األقوال أنه أعيد إىل‬
‫اجلس�د بعد أن طيف به يف البالد ودفن معه‪ .‬وعن املرتىض يف بعض مس�ائله أنه‬
‫رد إىل بدنه بكربالء من الشام‪ ،‬وقال الشيخ الطويس ومنه زيارة األربعني‪ .‬وقال‬
‫س�بط بن اجل�وزي يف تذكرة اخلواص أش�هر األقوال أن يزي�د رده إىل املدينة مع‬
‫السبايا ثم رد إىل اجلسد بكربالء فدفن معه قاله هشام وغريه‪.‬‬
‫الثال�ث أن�ه مدفون بظهر الكوفة دون قرب أمير املؤمنني‪ 5‬رواه يف الكايف‬
‫بسنده عن الصادق‪.5‬‬

‫(((  تذكرة اخلواص‪.336 :‬‬


‫االحتمال الثالث املدينة املنورة (عند قرب �أمه)‬

‫وهو احتامل قواه البعض إىل درجة تقرب من القطع‪ ،‬وأكثر الذين ذكروا هذا‬
‫االحتامل من املؤرخني يعتمدون قول حممد بن سعد صاحب الطبقات الكربى‪،‬‬
‫وذلك يف ترمجة احلسين‪ ،5‬والنص الذي رسده ابن س�عد مفصل ومتناسق‬
‫ً‬
‫مرسلا إىل واليها عمرو‬ ‫جيمع ما حدث وما قيل حني وصول الرأس إىل املدينة‪،‬‬
‫بن سعيد بن العاص ونص الرواية عىل النحو التايل‪:‬‬
‫(وبع�ث يزي�د برأس احلسين إىل عمرو بن س�عيد بن العاص وه�و عامل له‬
‫ٍ‬
‫يومئذ عىل املدينة فقال عمرو‪ :‬وددت أنه مل يبعث به إيل‪ ،‬فقال مروان‪ :‬اس�كت!‬
‫ثم تناول الرأس فوضعه بني يديه‪ ،‬وأخذ بأرنبته فقال‪:‬‬
‫ول���ون���ك األمح����ر يف اخل��دي��ن‬ ‫ي���ا ح��ب��ذا ب����ردك يف ال��ي��دي��ن‬
‫ك���أن�م�ا ب�����ات ب��ع��س��ج��دي��ن‬
‫واهلل لكأين أنظر إىل أيام عثامن‪.‬‬
‫وسمع عمرو بن سعيد الصيحة من دور بني هاشم فقال‪:‬‬
‫ع��ج��ت ن��س��اء ب��ن��ي زي���اد عج ًة كعجـيـج نـسـوتنـا غــداة األرنــب‬
‫والش�عر لعم�رو بن معد كرب يف وقعة كانت بني زبي�د وبني بني احلارث بن‬
‫كعب‪.‬‬
‫ثم خرج عمرو بن سعيد إىل املنرب فخطب الناس‪ ،‬ثم ذكر حسين ًا وما كان من‬
‫الفصل الرابع‪ /‬مدفن الرأس‬ ‫‪ 177‬‬

‫أمره وقال‪ :‬واهلل لوددت أن رأس�ه يف جس�ده‪ ،‬وروحه يف بدنه‪ ،‬يس�بنا ونمدحه‪،‬‬
‫ويقطعنا ونصله‪ ،‬كعادتنا وعادته‪.‬‬
‫فق�ام ابن حبيش أحد بني أس�د بن عب�د العزى بن قيص فق�ال‪ :‬أما لو كانت‬
‫فاطمة حية ألحزهنا أن ما ترى‪ ،‬فقال عمرو‪ :‬اسكت السكت‪ ،‬أتنازعني فاطمة‬
‫وأن�ا عف�ر ظباهبا‪ ،‬واهلل إنه البننا‪ ،‬أجل واهلل ل�و كانت حية ألحزهنا قتله ثم مل تلم‬
‫من قتله! يدفع عن نفس�ه! فقال ابن حبيش‪ :‬إنه ابن فاطمة وفاطمة بنت خدجية‬
‫بنت خويلد ابن أسد بن عبد العزى‪.‬‬
‫ثم أمر عمرو بن سعيد برأس احلسني فكفن ودفن بالبقيع عند قرب أمه(((‪.‬‬
‫ويف الطبقات الكربى البن سعد‪:‬‬
‫كان عمرو بن س�عيد من رجال قريش‪ ،‬وكان يزيد بن معاوية قد واله املدينة‬
‫فقتل احلسين وهو عىل املدينة فبعث إليه برأس احلسين فكفنه ودفنه بالبقيع إىل‬
‫جنب قرب أمه فاطمة بنت رسول اهلل‪ ،‬صىل اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫وج�ل الذين نقلوا هذا االحتامل يف رأس احلسين كانوا عيا ً‬
‫ال عىل ابن س�عد‬
‫(كات�ب الواقدي) ومنهم‪ :‬س�بط ابن اجل�وزي يف تذكرة اخل�واص‪ ،‬والذهبي يف‬
‫تاريخ اإلسالم وابن كثري يف البداية والنهاية‪.‬‬
‫وذك�ر حمق�ق كتاب رأس احلسين الب�ن تيمية الدكت�ور الس�يد اجلمييل رأي‬
‫القرطبي عن التذكرة وقال‪ :‬يقول القرطبي‪ :‬ملا ذهب بالرأس إىل يزيد بعث به إىل‬
‫املدينة فأقدم إليه عدة من موايل بني هاشم وضم إليهم عدة من موايل أيب‪ ‬سفيان‬
‫ث�م بعث بثقل احلسين وجهزه�م‪ ...‬وبعث برأس احلسين‪ 5‬إىل عمرو بن‬
‫س�عيد بن العاص وهو إذ ذاك عامله عىل املدينة فقال عمرو‪ :‬وددت أنه مل يبعث‬
‫به إيل‪ ،‬ثم أمر عمر بن سعيد بن العاص برأس احلسني‪ 5‬فكفن ودفن بالبقيع‬

‫(((   ترمجة اإلمام احلسني يف طبقات ابن سعد‪ 84 :‬ـ ‪.85‬‬


‫‪178‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫عند قرب أمه فاطمة‪.2‬‬


‫(((‬

‫ويق�ول اب�ن تيمية‪ :‬الوجه الثال�ث أن الذي ذكره من يعتم�د عليه من العلامء‬
‫(((‬
‫واملؤرخني أن الرأس محل إىل املدينة‪ ،‬ودفن عند أخيه‪.‬‬
‫ويف ترمج�ة احلسين‪ 5‬من الطبق�ات‪ :‬ثم بعث يزيد إىل املدين�ة فقدم عليه‬
‫بع�دة م�ن ذوي الس�ن من موايل بن هاش�م‪ ،‬ثم من موايل بني علي‪ ،‬وضم إليهم‬
‫أيض ًا عدة من موايل أيب س�فيان ثم بعث بثقل احلسين ومن بقي من نسائه وأهله‬
‫وبع�ث هبم مع حمرز بن حريث الكلبي‪ ،‬ورجل م�ن هبرا‪ ،‬وكانا من أفاضل أهل‬
‫الشام((( ‪.‬‬
‫وذكر النويري قو ً‬
‫ال آخر يف إرس�ال ال�رأس إىل املدينة‪ ،‬ومل يرش إىل قائله وإنام‬
‫نس�به إىل (القي�ل) ‪ :‬قي�ل بل أرس�ل إىل م�ن باملدينة م�ن بني هاش�م‪ ،‬إن دونكم‬
‫رأس صاحبك�م‪ ،‬فأخ�ذوه فغس�لوه وكفن�وه وصلوا علي�ه ودفنوه عن�د قرب أمه‬
‫ريض‪ ‬اهلل‪ ‬عنهام واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن الوردي يف تأرخيه‪:‬‬
‫ث�م أم�ر النعامن ب�ن بشير أن جيهزهم بما يصلحه�م وأن يبعث معه�م أمين ًا‬
‫ويوصلهم إىل املدينة وملا وصلوا املدينة لقيهم نساء بني هاشم حارسات وفيهن‬
‫ابنة عقيل بن أيب طالب وهي تبكي وتقول ‪:‬‬
‫م���اذا فعلتم وأن��ت��م آخ��ر األم��م‬ ‫م��اذا تقولون إن ق��ال النبي لكم‬
‫منهم أسارى ورصعى رضجوا بدم‬ ‫ب��ع�تريت وب��أه�لي ب��ع��د مفتقدي‬
‫أن ختلفوين بسوء يف ذوي رمحي‬ ‫ما كان هذا جزائي إذ نصحت مل‬
‫قلت‪ :‬ومما قلت يف ذلك مضمن ًا عجز بيت من احلامسة‪:‬‬

‫(((   التذكرة‪ .668/2 :‬كام خرجه اجلمييل‪.‬‬


‫(((   رأس احلسني البن تيمية حتقيق السيد اجلمييل‪.‬‬
‫(((   ترمجة احلسني يف طبقات ابن سعد‪.84 :‬‬
‫الفصل الرابع‪ /‬مدفن الرأس‬ ‫‪ 179‬‬

‫يطاف هب��ا وف��وق األرض رأس‬ ‫أرأس الـسبـط يـنـقـل والـسـبـايـا‬


‫وم��ا يل غري ه��ذا ال��رأس رأس‬
‫(((‬
‫وما لـي غـري هذا الــسـبـي ذخـر‬
‫ويف أنساب األرشاف للبالذري‪:‬‬
‫وحدثنا عمر بن شبه‪ ..‬قال‪ :‬رعف عمرو بن سعيد عىل منرب رسول اهلل‪1‬‬
‫فقال بيار األسلي وكان زاجر ًا‪ :‬إنه ليوم دم‪ ،‬قال‪ :‬فجيء برأس احلسين فنصب‬
‫فرصخ نساء أيب طالب‪ ،‬فقال مروان‪:‬‬
‫عجيج نسوتنا غ��داة األرن��ب‪..‬‬ ‫ع��ج��ت ن��س��اء ب��ن��ي زي���اد عجة‬
‫وق�ام ابن أيب حبش وعمرو خيطب فق�ال‪ :‬رحم اهلل فاطمة‪ ،‬فمىض يف خطبته‬
‫شيئ ًا ثم قال‪ :‬واعجب ًا هلذا األلثغ‪ ،‬وما أنت وفاطمة‪ ..‬قال‪ :‬أمها خدجية‪ ،‬يريد أهنا‬
‫من بني أس�د بن عب�د العزى‪ .‬قال‪ :‬نعم واهلل وابنة حمم�د‪ .‬أخذهتا يمين ًا وأخذهتا‬
‫ال‪ .‬وددت واهلل أن أمير املؤمنني كان نحاه عني ومل يرس�ل ب�ه إيل‪ ،‬ووددت‬ ‫شما ً‬
‫(((‬
‫واهلل أن رأس احلسني كان عىل عنقه‪ ،‬وروحه كانت يف جسده‪.‬‬
‫ويف خمترص تاريخ دمشق البن منظور‪:‬‬
‫ملا أيت برأس احلسني بن عيل إىل عمرو بن سعيد العاص وضع بني يديه‪ ،‬فقال‬
‫للوليد بن عتبة‪ :‬قم‪ ،‬فتكلم‪.‬‬
‫فق�ام‪ ،‬فق�ال‪ :‬إن هذا ـ عف�ا اهلل عنا وعنه ـ خرينا بني أن يقتلن�ا ظامل ًا‪ ،‬أو نقتله‬
‫معذوري�ن يف قتله‪ ،‬فرصنا إىل التي كرهنا مضطري�ن إليها غري خمتارين هلا‪ ،‬وتاهلل‬
‫لوددنا أنا اشترينا له العافية منه‪ ،‬ولو أمك�ن ذلك بإغالء الثمن‪ ،‬وإن عجل قوم‬
‫(((‬
‫بمالمنا ليصرين إىل عذر منا‪.‬‬

‫(((  تاريخ ابن الوردي‪ 164/1 :‬ـ ‪.165‬‬


‫(((   أنساب األرشاف‪511/2 :‬‬
‫(((  خمترص تاريخ مدينة دمشق‪( .82/8 :‬م‪.‬ش)‬
‫‪180‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫تحت قبة العباس‬


‫ويف س�مط النجوم العوايل إش�ارة إىل أن الرأس دفن يف البقيع وأن القرب دفن‬
‫فيه أربعة من األئمة وذلك يف حديثه عن حياة اإلمام زين العابدين‪ 5‬ووفاته‬
‫ومدفنه قال‪ :‬ودفن بالبقيع يف القرب الذي فيه عمه احلسن ابن عيل بقبة العباس بن‬
‫عبد املطلب‪ ،‬ودفن يف هذا القرب ابنه حممد الباقر وابنه جعفر الصادق‪ ،‬فهم أربعة‬
‫(((‬
‫يف قرب واحد‪ .‬فأكرم به قرب ًا‪.‬‬
‫وقال الس�مهودي بعد هذه الرواية يف كتابة خالص�ة الوفا بأخبار املصطفى‪:‬‬
‫(((‬
‫وال بأس بالسالم عىل هؤالء كلهم هناك‪.‬‬
‫ويف الزواج�ر ما يدل عىل أن اإلمامية كان�وا جيتمعون عند قبة العباس يف يوم‬
‫(((‬
‫عاشوراء‪.‬‬
‫وق�د أفص�ح اب�ن العدي�م يف بغي�ة الطل�ب يف تاري�خ حل�ب عن س�بب هذا‬
‫االجتامع وهو لقراءة املرصع(((‪ ،‬ومن الواضح أن اإلمامية ال تقرأ يف يوم العارش‬
‫إال مصرع احلسين بن عيل‪ 4‬ولعل يف ذلك قرينة تؤي�د احتامل كون الرأس‬
‫مدفون� ًا يف قب�ة العباس‪ ،‬ولكن ذلك ال يرقى إىل مس�توى القطع ألن قبة العباس‬
‫تض�م الكثير من قبور آل النبي‪ ،1‬حتى أن البع�ض اقرتب من اجلزم بأن قرب‬
‫فاطمة بنت رسول‪ ‬اهلل‪ 1‬حتت قبة العباس أيض ًا‪ ،‬كام ذهب إىل ذلك صاحب‬
‫التحفة اللطيفة وقال‪ :‬مس�جد فاطمة الزهراء‪ :‬بالبقيع‪ ،‬الذي قيل‪ :‬إنه حمل قربها‬
‫(((‬
‫بالقرب من قبة العباس من جهة القبلة‪.‬‬

‫  سمط النجوم العوايل‪.135/4 :‬‬ ‫(((‬


‫ خالصة الوفا بأخبار املصطفى‪( .260/1 :‬م‪.‬ش)‬ ‫(((‬
‫ الزواجر عن اقرتاف الكبائر‪.945/2 :‬‬ ‫(((‬
‫ بغية الطلب يف تاريخ حلب‪.1021/2 :‬‬ ‫(((‬
‫ التحفة اللطيفة يف تاريخ املدينة الرشيفة‪.41/1 :‬‬ ‫(((‬
‫الفصل الرابع‪ /‬مدفن الرأس‬ ‫‪ 181‬‬

‫حت�ى أن بع�ض املؤلفني كتب كتاب� ًا بخصوص قب�ور آل النبي‪ 1‬املنظوية‬


‫حتت قبة العباس أسامه‪( :‬فرائد العقود الدرية) يف املدفونني حتت قبة العباس من‬
‫السادات‪.‬‬
‫(((‬

‫ولعل من ذهب إىل أنه حتت قبة العباس ال يبعد عمن قال عند قرب أمه إذا علمنا‬
‫أن الكثري من العلامء والكتاب القدماء يرجح احتامل وجود قرب أمه الزهراء عند‬
‫احلائط القريب من قبة العباس أو عند قبور آل البيت‪ 3‬التي داخل القبة‪.‬‬

‫(((  األعالم للزركيل‪ .265/3 :‬واملؤلف هو ابن رضوان‪.‬‬


‫االحتمال الرابع مدينة ع�سقالن‬

‫مل نجد يف ما بني أيدينا من مصادر التاريخ واألخبار نص ًا رصحي ًا يدلل عىل أن‬
‫رأس احلسين‪ 5‬نقل إىل مدينة عس�قالن يف أيام يزيد بن معاوية حينام طلب‬
‫من ابن زياد أن يبعث له بالرأس الرشيف مع السبايا‪.‬‬
‫وقد نقل النويري يف هناية األرب نص ًا عن كتاب بعنوان (الفاصل بني الصدق‬
‫واملني يف مقر رأس احلسني) أليب املعايل أسعد بن عامر بن عيل يعالج فيه املؤلف‬
‫األق�وال املذكورة واالحتامالت الواردة يف املثوى األخري لرأس احلسين‪،5‬‬
‫ومما جاء فيه‪:‬‬
‫أم�ا قوهلم أنه كان بعس�قالن فل�م يوجد ذلك يف تاريخ م�ن التواريخ أنه نقل‬
‫إىل عس�قالن أو إىل مرص‪ ،‬ويقوي ذلك أن الش�ام ومرص مل يكن هبام شيعة علوية‬
‫فينقل إليهم لريوه وتنقطع آماهلم من احلسني وتضعف نفوسهم عن الوثوب مع‬
‫غريه واالنضامم إليه(((‪.‬‬
‫وال�ذي يستش�ف من كالم هذا الكات�ب أن يزيد عم�د إىل التطواف بالرأس‬
‫لع�دة أغراض أرشنا إىل بعضه�ا فيام تقدم‪ ،‬ولكن الكاتب يركز عىل البلدان التي‬
‫يكثر فيها الش�يعة العلوية‪ ،‬وعىل هذا األساس يمكن أن يقال أن أهداف يزيد ال‬

‫(((   هناية اإلرب‪.302/20 :‬‬


‫الفصل الرابع‪ /‬مدفن الرأس‬ ‫‪ 183‬‬

‫تقترص يف قتل احلسين‪ 5‬عىل مواجهة االجتاه العلوي يف زمانه‪ ،‬وإنام تتعدى‬
‫ذلك إىل مجيع خصومه ومنافس�يه املوجودين عىل س�احة الرصاع واملفرتضني يف‬
‫ذهن�ه وأذهان مستش�اريه‪ ،‬ب�ل وتتعدى إىل كاف�ة رشائح املجتمع أن�ذاك‪ ،‬فليس‬
‫بعيد ًا أن ينقل رأس احلسين إىل عس�قالن ألي مربر كانت تراه السلطة رضوري ًا‬
‫يف حينه‪.‬‬
‫ولكن يبقى هذا ال�كالم يف دائرة االفرتاضات واالحتامالت والتحليالت ما‬
‫مل يت�م إثبات�ه عن طريق أدلة تارخيية معتد هبا والظاه�ر أنه أمر ال يزال غري متيرس‬
‫لدى الباحثني‪.‬‬
‫وينق�ل النويري يف هناية اإلرب عن األسترباذي يف كتاب�ه (الداعي إىل وداع‬
‫الدنيا) بعض االحتامالت إىل أن يقول‪:‬‬
‫وأما من قال‪ :‬أنه كان بعس�قالن ثم نقل إىل مرص فاستنادهم يف ذلك إىل رؤيا‬
‫منام‪ ،‬وذلك أن رج ً‬
‫ال رأى يف منامه وهو بعسقالن أن رأس احلسني يف مكانه هبا‪،‬‬
‫عني له يف منامه فنبش ذلك املوضع وذلك أيام املس�تنرص باهلل العبيدي صاحب‬
‫مرص‪ ،‬ووزارة بدر اجلاميل فابتنى بدر اجلاميل له مش�هد ًا بعسقالن‪ ،‬فلم يزل األمر‬
‫عىل ذلك إىل أن تغلب الفرنج عىل عسقالن يف سنة ثامن وأربعني ومخسامئة فحمل‬
‫إىل القاهرة يف البحر(((‪.‬‬
‫ولك�ن النوي�ري يعود فينقل خرب عامرة املش�هد عىل يد األفض�ل أمري اجليوش‬
‫ل�دى عودته م�ن القدس قال‪ :‬ونقل حممد بن عيل بن يوس�ف بن جلب راغب يف‬
‫تاريخ مرص أن األفضل ملا رجع من بيت املقدس مر بعسقالن‪ ،‬وكان يف مكان دار‬
‫هبا رأس احلسين بن علي ريض اهلل عنهام فأخرجه فعطره وطيبه‪ ،‬ومحل يف س�فط‬
‫إىل أجل دار هبا‪ .‬وعمر املشهد وملا تكامل محل األفضل الرأس عىل صدره وسعى‬

‫(((   هناية اإلرب‪.300/20 :‬‬


‫‪184‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ماشي ًا إىل أن رده إىل مقره(((‪ .‬وتاريخ خروج األفضل إىل القدس ‪491‬هـ‪.‬‬
‫وق�ال الس�يوطي حتت عنوان (قب�ور ومهية)‪ :‬ومن ذلك مش�هد بقاهرة مرص‬
‫يقال‪ :‬إن فيه رأس احلسين ريض اهلل عنه‪ ،‬وأصله أنه كان له بعس�قالن مش�هد‪،‬‬
‫يقال باتفاق العلامء‪ ،‬مل خيالف أحد منهم‪ :‬إن رأس احلسني كان بعسقالن‪ ،‬بل فيه‬
‫أقوال ليس هذا مكاهنا‪.‬‬
‫(((‬

‫وكأن الس�يوطي جيعل م�ن وجود ال�رأس يف القاهرة أمر ًا ومهي ًا بينام ينس�ب‬
‫اتفاق العلامء عىل وجوده يف عسقالن إىل القيل‪.‬‬

‫(((   املصدر نفسه‪.59/28 :‬‬


‫(((   األمر باالتباع والنهي عن االبتداع‪( .9/1 :‬م‪.‬ش)‬
‫االحتمال اخلام�س مدينة القاهرة‬

‫يعتمد كون رأس احلسني‪ 5‬يف املشهد املعروف يف مدينة القاهرة عىل ثبوت‬
‫احتاملني متقدمني من االحتامالت املذكورة‪ ،‬ومها وجوده يف دمشق‪ ،‬ووجوده يف‬
‫عس�قالن‪ ،‬ألن مجيع األخبار واملرويات التي تعالج مس�ألة نقله إىل القاهرة زمن‬
‫الدولة الفاطمية تؤرش إىل دمش�ق الش�ام ومدينة عس�قالن يف فلسطني‪ ،‬وسوف‬
‫نتابع خمتلف الوجوه الواردة يف هذه املسألة التي اتسع نطاق دائرة اجلدل فيها بني‬
‫ً‬
‫وحديث�ا‪ ،‬وحيث تقترص اخلطة يف هذا‬ ‫النفي واإلثبات واالس�تدالل ورده قدي ًام‬
‫العمل عىل عدم اس�تيعاب اآلراء التحليلية‪ ،‬والس�جاالت املبتنية عىل املقاربات‬
‫لذلك نعرض عن اإلفاضة فيام خاض فيه املحدثون وخصوص ًا املرصيني منهم‪،‬‬
‫فقد بذل عدد من الباحثني مشايخ وأكادميني جهود ًا علمية كبرية إلثبات وجود‬
‫الرأس يف القاهرة‪.‬‬
‫وقد أشار عدة من املؤرخني إىل وجود الرأس بعسقالن منهم املقريزي يف كتابه‬
‫اتعاظ احلنفاء بأخبار األئمة حيث قال يف أخبار س�نة إحدى وتسعني وأربعامئة‪:‬‬
‫فيها خرج األفضل يف عس�اكر مجة ورحل من القاهرة يف شعبان وسار يريد أخذ‬
‫بي�ت املق�دس‪ ...‬أقام عليها حيارصها أربعني يوم ًا حتى هدم جانب ًا من الس�ور‪..‬‬
‫وملك البلد يف شهر رمضان خلمس بقني منه ووىل فيه من قبله‪ ،‬ثم رحل عنه إىل‬
‫عسقالن‪ ،‬وكان فيها مكان قد دفن فيه رأس احلسني‪ ‬بن‪ ‬عيل‪ ‬بن‪ ‬أيب‪ ‬طالب‪5‬‬
‫‪186‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫وعمر مش�هد ًا ملي�ح البناء‪،‬‬ ‫فأخرج�ه وعط�ره ومحله يف س�فط إىل ِّ‬
‫أجل دار هبا‪َّ ،‬‬
‫فلما تكامل مح�ل الرأس يف صدره وس�عى به ماش�ي ًا من املوضع ال�ذي كان فيه‬
‫إىل أن أحل�ه مق�ره‪ ،‬ويق�ال أن أمير اجليوش هو الذي أنش�أ املش�هد عىل الرأس‬
‫كمله‪ .‬ثم محل هذا الرأس فوصل إىل‬
‫بثغر عس�قالن‪ ،‬وأن ابنه األفضل شاهنشاه ّ‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫ويستمر املقريزي يف رواية األحداث حتى قال‪ :‬فوصل إليها يوم األحد ثامن‬
‫مجادي اآلخرة س�نة ٍ‬
‫ثامن وأربعني ومخسمائة وفيها ح�دث يف مرص ظلمة عظيمة‬
‫غش�ت بأبصار الناس حتى مل يبقَ أحدٌ يعرف أين يتوجه‪ ،‬ثم هبت ريح س�وداء‬
‫ش�ديدة‪ ،‬فظن الناس أن الس�اعة ق�د قامت‪ ..‬ومل يصل يف ه�ذا اليوم أحد صالة‬
‫الظهر وال العرص‪ ،‬وال ُأ ِّذن يف القاهرة وال مرص(((‪.‬‬
‫ويفصل املقريزي خرب نقل رأس احلسني إىل القاهرة يف كتابه املواعظ واالعتبار‬
‫فيقول‪ :‬وكان الذي وصل بالرأس من عسقالن األمري سيف اململكة‪ ،‬ويذكر أن‬
‫ريح‬
‫هذا الرأس الرشيف ملا أخرج من املش�هد بعس�قالن وجد دمه مل جيف‪ ،‬وله ٌ‬
‫كريح املس�ك‪ ،‬فقدم به األستاذ مكنون يف عشاري من عشاريات اخلدمة‪ ،‬وأنزل‬
‫ب�ه إىل الكافوري‪ ،‬ثم مح�ل يف الرسداب إىل قرص الزمرد ثم دف�ن عند قبة الديلم‬
‫بباب دهليز اخلدمة‪ ،‬فكان كل من يدخل اخلدمة يقبل األرض أمام القرب‪.‬‬
‫ث�م ينق�ل املقري�زي رواي�ة ع�ن اب�ن عب�د الظاهر ج�اء فيه�ا‪ :‬مش�هد اإلمام‬
‫احلسين‪ 5‬وقد ذكرن�ا أن طالئع بن رزيك املنع�وت بالصالح كان قد قصد‬
‫نقل الرأس الرشيف من عسقالن ملا خاف عليها من الفرنج‪ ،‬وبنى جامعه خارج‬
‫ب�اب زويلة ليدفنه فيه‪ ،‬ويفوز هبذا الفخ�ار‪ ،‬فغلبه أهل القرص عىل ذلك وقالوا‪:‬‬
‫ال يك�ون ذلك إال عندنا‪ ،‬فعم�دوا إىل هذا املكان‪ ،‬وبنوه ل�ه‪ ،‬ونقلوا الرخام إليه‬

‫(((   اتعاظ احلنفاء بأخبار األئمة الفاطميني اخللفاء‪.22/3 :‬‬


‫الفصل الرابع‪ /‬مدفن الرأس‬ ‫‪ 187‬‬

‫وذلك يف خالفة الفائز عىل يد طالئع يف سنة تسع وأربعني ومخسامئة(((‪.‬‬


‫ويروي ابن ش�داد مس�ألة نق�ل ال�رأس إىل القاهرة حيث يق�ول يف األعالق‬
‫اخلطيرة واصف ًا اس�تيالء الفرنج على املدينة‪ :‬وملك بعده ول�ده األكرب بغدوين‬
‫فج�د يف حصارها (عس�قالن) وعم�ل عليها برج خش�ب وقاتله�ا حتى ملكها‬
‫باألمان يف مجادى األول س�نة ثامن وأربعني ومخسمائة‪ ،‬وكان هبا ٍ‬
‫وال يسمى متي ًام‬
‫فلام خرج منها محل معه رأس احلسني‪ 5‬إىل القاهرة‪.‬‬
‫(((‬

‫ويؤكد املقريزي أيض ًا أن متي ًام هو الذي نقل الرأس إىل القاهرة ويقول‪ :‬وكان‬
‫الذي وصل بالرأس من عسقالن األمري سيف اململكة متيم واليها كان‪ ،‬والقايض‬
‫املؤمتن بن مسكني مشارفها‪.‬‬
‫وق�ال القلقش�ندي يف صبح األعش�ى حتت عن�وان اجلامع الس�ادس اجلامع‬
‫الصاحلي‪:‬‬
‫رزيك وزي�ر الفائز والعاضد م�ن الفاطميني خارج‬
‫بن�اه الصالح طالئع ب�ن ّ‬
‫باب زويلة‪ ،‬بقصد نقل رأس احلسني‪ 5‬من عسقالن إليه‪ ،‬عند خوف هجوم‬
‫الفرن�ج عليها‪ ،‬فلام فرغ منه مل ّ‬
‫يمكنه الفائز من ذلك‪ ،‬وابتنى له املش�هد املعروف‬
‫بمش�هد احلسين بجوار القرص‪ ،‬ونقله إليه يف سنة تسع وأربعني ومخسامئة؛ وبنى‬
‫ب�ه صهرجي ًا وجعل له س�اقية تنقل املاء إليه من اخللي�ج أيام النيل عىل القرب من‬
‫باب اخلرق‪.‬‬
‫(((‬

‫وأما النويري فقد أش�ار إىل نقل رأس احلسين عىل يد ابن رزيك إىل مش�هده‬
‫األخري‪ ،‬وذلك يف سياق كالمه عن تسلم عباس بن أيب الفتوح الوزارة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫وحك�ى حممد بن القايض املكني عبد العزيز بن حسين يف سيرة الصالح بن‬

‫(((   املواعظ واالعتبار‪.323/2:‬‬


‫(((   األعالق اخلطرية‪( 25/1 :‬م‪.‬ش)‪.‬‬
‫(((  صبح األعشى يف صناعة اإلنشا‪.413/3 :‬‬
‫‪188‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫رزي�ك‪ ،‬قال‪ :‬مل�ا ويل عباس بن أيب الفت�وح الوزارة بمرص يف س�نة ثامن وأربعني‬
‫ومخسمائة‪ ،‬يف مستهل مجادى اآلخرة وصل اخلرب بتملك الفرنج عسقالن‪ ،‬فنقل‬
‫رأس احلسين فيه�ا من املش�هد الذي أنش�أه أمري اجلي�وش بدر اجلمايل‪ ،‬وكمله‬
‫األفض�ل ‪ -‬إىل القاهرة ‪ ،‬فكان وصول�ه إليها يف يوم األحد‪ ،‬ثامن مجادى اآلخرة‬
‫س�نة ثامن وأربعني ومخسمائة‪ ،‬وكان قد سري أحد األس�تاذين اخلواص لتلقيه إىل‬
‫مدين�ة تنيس‪ ،‬فوصل يف عش�ارى من عش�اريات اخلدمة‪ ،‬ودخل في�ه إىل خليج‬
‫القاهرة‪ ،‬وأدخل من باب البس�تان املعروف بالكافوري‪ ،‬يف ليلة االثنني التاس�ع‬
‫من الشهر‪ ،‬وسلك به إىل القرص الغريب إىل أن وصل إىل القرص الرشقي‪ ،‬ومل يزل‬
‫احلال عىل ذلك إىل أن حدث من عباس وابنه ما حدث‪ ،‬من قبل الظافر وإخوته‬
‫واب�ن أخيه ‪ ...‬فلام هنض الصالح ب�ن زريك يف الطلب بثأرهم‪ ،‬وويل الوزارة‪ ،‬مل‬
‫يقدم ش�يئ ًا عىل الرشوع يف بناء املش�هد بالقرص‪ ،‬يف املوضع املعروف بقبة اخلراج‬
‫من دهاليز باب الديلم وكمل املش�هد‪ ،‬فلام كان يف ليلة يس�فر صباحها عن تاسع‬
‫املحرم مخس ومخسين ومخسمائة‪ ،‬خرج ابن رزيك من داره راجل ً‬
‫ا إىل اإليوان‪،‬‬
‫فأخرج الرأس فحمله خاش�ع ًا مستكين ًا إىل أن أحله بالرضيح‪ ،‬ومدحه الشعراء‪،‬‬
‫فمن ذلك قول أحدهم‪:‬‬
‫م��ا أدرك ال��س��ف��اح م��ن م��روان‬ ‫أدرك���ت م��ن ع��ب��اس ث���أر ًا دون��ه‬
‫ب���دد ًا فأضحت يف أع��ز مكان‬ ‫ومجعت أشلاء احلسين وق�د غدت‬
‫وج��ل��ي��ل م��وض��ع��ه م��ن ال��رمح��ن‬ ‫وع��رف��ت للعضو ال�شري��ف حمله‬
‫آل ال��ط��ري��د غ���دا ب���دار ه��وان‬ ‫أكرم�ت مث�واه لدي�ك وقب�ل يف‬
‫وحظيت من ذي الع�رش بالرضوان‬ ‫وقضي�ت ح�ق املصطف�ى يف محل�ه‬
‫م��ه��ج إل��ي��ه ش���دي���دة اهل��ي�مان‬
‫ٌ‬ ‫ونــصـبـتـه لــلـمــسـلمـني تزوره‬
‫أب���ن���اؤه يف س��ال��ف األزم����ان‬ ‫مـأوى خـطـه‬
‫ً‬ ‫أسـكـنــتـه يف خـري‬
‫يف م��وض��ع التوحيد واإلي�م�ان‬ ‫ول�و اس�تطعت جعل�ت قلب�ك حلده‬
‫الفصل الرابع‪ /‬مدفن الرأس‬ ‫‪ 189‬‬

‫حم���ب���و ًة ب��ال��ع��ف��و وال��غ��ف��ران‬ ‫ح���رم ت��ل��وذ ب��ه اجل��ن��اة فتنثني‬


‫ف��اآلن ع��دت به إىل األوط���ان‬
‫(((‬
‫ق�د كــ�ان مـغرتبـ� ًا زمانـ� ًا قب�ل ذا‬
‫وقد أشار ابن بطوطة يف رحلته عندما حتدث عن مشاهداته يف مدينة عسقالن‬
‫إىل وج�ود مس�جد كبري أش�يد عىل املح�ل الذي أخرج منه رأس احلسين‪5‬‬
‫وقال‪ :‬وفيها املش�هد الشهري حيث كان رأس احلسني بن عيل‪ 5‬قبل أن ينقل‬
‫إىل القاهرة‪ ،‬وهو مسجدٌ عظيم سامي العلو(((‪.‬‬
‫وأم�ا فيما خي�ص نقل الرأس من الش�ام فقد أش�ار إلي�ه حممد بن عب�د املنعم‬
‫احلميري يف كتابه الروض املعطار وقال‪ :‬هناك مش�هد كبري حفيل كان فيه رأس‬
‫احلسني بن عيل ريض اهلل عنهام ثم نقل إىل القاهرة(((‪.‬‬
‫كما أش�ار إليه ابن جبير يف رحلته وقال عند وصف ب�اب جريون‪ :‬ويف وجه‬
‫اليس�ار منه مش�هد كبري حفيل كان فيه رأس احلسين بن عيل ريض اهلل عنهام ثم‬
‫نقل إىل القاهرة‪.‬‬
‫(((‬

‫والذي يبدو من كالم العلامء واألدباء أن كون رأس احلسين يف املشهد املشاد‬
‫يف القاهرة أمر غري ثابت مما جيعلهم ينس�بون ذلك إىل القيل تارة وإىل الزعم تارة‬
‫أخرى‪ ،‬منه عىل سبيل املثال ال احلرص أيب بكر بن عيل القاهري املشهدي الشافعي‬
‫وذلك يف ختام قصيدة نظمها يف الكعبة نسب نفسه يف آخرها فقال‪:‬‬
‫وناظمـهـا يرجــو مــن اهلل رحـمـة تب ّلـغــه الزلفــى إذا الكـرب يعظم‬
‫يـقـال بـه رأس احلـسـني املـكـرم‬
‫(((‬
‫أبو بك ٍر املـعـروف بـاملـشـهـد الـذي‬

‫ هناية اإلرب يف فنون األدب‪ 300/20 :‬ـ ‪.301‬‬ ‫(((‬


‫ رحلة ابن بطوطة‪.78/1 :‬‬ ‫(((‬
‫ الروض املعطار يف خري األقطار‪.239/1:‬‬ ‫(((‬
‫ رحلة ابن جبري‪.189 :‬‬ ‫(((‬
‫ الضوء الالمع للسخاوي‪.53/11 :‬‬ ‫(((‬
‫االحتمال ال�ساد�س مدينة الرقة‬

‫وانف�رد س�بط اجلوزي يف إيراد هذا االحتامل يف تذك�رة اخلواص‪ ،‬ومل أقع فيام‬
‫بني يدي من املصادر عىل من أشار إىل هذا غري السبط يف التذكرة حيث قال‪:‬‬
‫ع�ن عب�د اهلل بن عمر ال�وراق أن يزيد لعنه اهلل قال‪ :‬ألبعثن�ه إىل آل أيب معيط‬
‫عن رأس عثامن‪ ،‬وكانوا بالرقة فبعثه إليهم فدفنوه يف بعض دورهم‪ ،‬ثم أدخلت‬
‫تلك الدار يف املسجد اجلامع‪ ،‬قال وهو إىل جنب سدرة هناك وعليه شبه النيل ال‬
‫يذهب شتا ًء وال صيف ًا(((‪.‬‬
‫ويبدو أن سبط ابن اجلوزي نقله عن الوراق يف كتاب (املقتل)‪.‬‬

‫(((   تذكرة اخلواص‪.239 :‬‬


‫االحتمال ال�سابع مدينة مرو‬

‫وه�ذا االحتمال ه�و األضعف بني االحتماالت‪ ،‬وأكث�ر الذين أش�اروا إليه‬
‫م�ن اجلغرافيين‪ ،‬وس�بب ذلك أهن�م الحظ�وا مش�هد ًا يف مرو ينس�ب إىل رأس‬
‫احلسين‪ 5‬بحس�ب م�ا ينقلون�ه من أجوب�ة من س�كان تلك املناط�ق‪ ،‬أو ما‬
‫يالحظونه من كتابات عىل جدران البناء املشاد هناك‪.‬‬
‫ولع�ل أص�ل االحتامل يبتنى عىل م�ا تقدم نقله من أن املس�ودة (بنو العباس)‬
‫سألوا عن موضع الرأس حني قيام دولتهم‪ ،‬أو أهنم حصلوا عىل الرأس فأخذوه‬
‫من دمش�ق إىل م�كان جمهول‪ .‬وكال األمرين ال يتمت�ع بمقومات اخلرب الصحيح‬
‫إضافة إىل عدم شهرة مثل هذه املواقع بني املسلمني عىل اختالف مستوياهتم‪.‬‬
‫ومم�ن أش�ار إىل هذا املوقع املقديس البش�اري يف أحس�ن التقاس�يم يف معرفة‬
‫األقالي�م‪ ،‬وقال‪ :‬عىل فرس�خني م�ن مرو رباط فيه قرب صغير قالوا هو قرب رأس‬
‫(((‬
‫احلسني بن عيل ريض اهلل عنه‪.‬‬
‫وقال أيض ًا‪ :‬خارج مرو نحو رسخس رباط فيه قرب صغري زعموا أنه قرب رأس‬
‫(((‬
‫احلسني بن عيل‪.‬‬

‫(((  أحسن التقاسيم يف معرفة األقاليم‪.261 :‬‬


‫(((  املصدر نفسه‪.52 :‬‬
‫‪192‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫وذك�ر املع�داين يف كتاب (امل�راوزة) أن رأس احلسين بن علي ريض اهلل عنه‬
‫مدف�ون يف م�رو يف قرص من س�كان املجوس‪ ،‬على يمني الداخل حت�ت اجلدار‪،‬‬
‫وق�د كتب عىل جدران�ه حديث ًا طوي ً‬
‫ال م�ن (أماليه) القايض االم�ام فخر القضاة‬
‫االرسابندي‪ ،‬فيه مناقب أصحاب رسول اهلل‪ 1‬عىل اليمني‪.‬‬
‫(((‬

‫(((  أنساب السمعاين‪.370/3 :‬‬


‫الرتجيح بني االحتماالت‬

‫بعد أن عرضنا هذا الكم الكبري من الروايات املتش�عبة واملتداخلة يف مس�ألة‬


‫دفن رأس احلسني‪ ،‬إضافة إىل العدد غري القليل من املشاهد واملساجد التي حتمل‬
‫اس�م رأس احلسين أو مش�هد احلسين يبدو أن ترجي�ح احتامل بعين�ه عىل وجه‬
‫اجلزم أمر ال خيلو من جمازفة وال يعرب عن احلقيقة‪ ،‬ألن املس�ألة شديدة الغموض‬
‫لتداخل العوامل التي هلا مساس بمصري رأس احلسني‪ 5‬ومن أمهها‪:‬‬
‫‪1‬ـ السياس�ية‪ :‬إذا أخذن�ا بنظ�ر االعتبار مالبس�ات وصول يزيد ب�ن معاوية إىل‬
‫اخلالفة‪ ،‬ومقاومة أغلب البلدان اإلسالمية لذلك وخصوص ًا ع ِّلية القوم فيها‬
‫أصبح من املمكن أن نعلل ما أمر به اخلليفة من تطواف برأس احلسني يف كل‬
‫هذه األقطار‪ ،‬وعليه ال يبعد أن يتعدى حدود الشام إىل املدن األخرى‪ ،‬وهذا‬
‫ما ملحه أس�عد بن عامرة كام نقل عنه النويري النص الذي يقول فيه‪( :‬ويقوي‬
‫ذل�ك أن الش�ام ومرص مل يكن هبام ش�يعة علوي�ة فينقل إليهم ليروه وتنقطع‬
‫آماهلم من احلسين وتضعف نفوسهم عن الوثوب مع غريه واالنضامم إليه)‪،‬‬
‫واملراد من الشام هنا عسقالن ال دمشق‪.‬‬
‫ولك�ن م�ن املمكن أن يكون نقل ال�رأس إىل بالد ليس فيها ش�يعة ألغراض‬
‫سياسية أخرى‪ .‬فمن املمكن أن ينقل الرأس إىل عسقالن أو غريها ألي مربر‬
‫تراه السلطة آنذاك‪.‬‬
‫‪194‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫‪2‬ـ عوامل التش�في‪ :‬عقدة التش�في من السامت التي اتس�مت هبا الدولة األموية‬
‫ٍ‬
‫متقص ألخب�ار ه�ذه الدولة‬ ‫وج�ل حكامه�ا‪ ،‬وذل�ك ما يظه�ر جلي� ًا ل�كل‬
‫وسيرة حكامها‪ ،‬وخصوص ًا فيام خيص أهل بيت النبي‪ ،1‬وذلك بس�بب‬
‫م�ا عاناه األمويون وهم يقاومون انتش�ار الدين اإلسلامي ب�كل ما أتوا من‬
‫ق�وة حتى ضحوا بأع�ز رجاالهتم وقادهتم يف هذا االجت�اه لريغموا بعد ذلك‬
‫عىل الدخول يف اإلسلام‪ ،‬وقد كش�فوا عن هذا احلقد والتشفي يف كل واقعة‬
‫يس�جلون فيها نرص ًا عسكري ًا عىل أبناء رس�ول اهلل‪ ،‬كالذي فعلوه مع زيد بن‬
‫عيل بن احلسين‪ 4‬حينام صلبوا جثته لسنني ثم حرقوها ونثروا رمادها يف‬
‫املاء وقبل ذلك ما ارتكبه يزيد باحلسين وأه�ل بيته‪ 3‬وما كان منه عندما‬
‫وضع الرأس الرشيف بني يديه‪ ،‬وما أنش�ده من أش�عار الشامتة‪ .‬وهذا عامل‬
‫ال يس�تهان ب�ه جيعل من بع�ض االحتامالت أم�ر ًا مقبو ً‬
‫ال وإن كان مس�تغرب ًا‬
‫وبعيد ًا‪.‬‬
‫‪3‬ـ ردود األفع�ال الت�ي ظهرت عىل ألس�نة الصحابة وبع�ض الصاحلني من هذه‬
‫األم�ة‪ .‬وق�د تقدم الكثري منها‪ ،‬مم�ا يرتك أثر ًا كبري ًا يف نف�وس الناس قد حيمل‬
‫يزي�د عىل اخت�اذ قرار بش�أن رأس احلسين‪ 5‬يراه مناس�ب ًا مل�ا يكتنفه من‬
‫ظروف‪.‬‬
‫‪4‬ـ الدور الذي لعبه األس�ارى من أهل البيت‪ ،3‬وما أبدوه من مس�ؤولية يف‬
‫إظه�ار املكانة احلقيقي�ة ملن قتلوا وأرسوا وكان ال�دور األبرز يف ذلك لإلمام‬
‫زي�ن العابدي�ن‪ 5‬وعمت�ه زين�ب بنت عيل‪ 2‬م�ن خلال اخلطابات‬
‫الت�ي ألقوها يف املجالس العامة يف الكوفة والش�ام واملراحل األخرى إضافة‬
‫إىل املحادث�ات الفردي�ة حينما كانوا يواجه�ون بعض التس�اؤالت أو كلامت‬
‫التجريح التي تنم عن جهل البعض بمكانتهم بس�بب ما دبجته الس�لطة من‬
‫أكاذي�ب لتربي�ر موقفها وتش�ويه معارضيها‪ .‬وه�ذا عامل ال يس�تهان به فيام‬
‫الفصل الرابع‪ /‬مدفن الرأس‬ ‫‪ 195‬‬

‫خيص مواقف الس�لطة وعىل رأس�ها يزيد وتعامله مع األرسى وما يمكن أن‬
‫يتخذه من قرار بشأن الرؤوس التي بني يديه وأوهلا رأس احلسني ولذلك نقل‬
‫املؤرخ�ون الكثير من التحوالت إىل حد التناق�ض يف مواقف يزيد إزاء أهل‬
‫البي�ت‪ ،‬وإن كان الكثير منها يصنف من قبيل النفاق الس�يايس واالجتامعي‬
‫وتلون احلكام بحسب املستجدات‪.‬‬
‫ولك�ن ذلك ال يمنع من ترجيح بعض االحتماالت عىل البعض اآلخر دون‬
‫الوق�وع يف ورط�ة اجلزم باحتامل معني وق�د الحظنا أن بعض ما أب�داه املهتمون‬
‫هب�ذا الش�أن من العلامء والباحثني له قيمة ال يمك�ن إمهاهلا يف دائرة الرتجيح بني‬
‫االحتامالت‪ ،‬وذلك ما نشري إليه بعد ذكر نقاط القوة والضعف لكل احتامل‪.‬‬
‫أمر غري‬
‫أما بالنسبة إىل االحتامل األول‪ ،‬أي أن الرؤوس دفنت يف الشام‪ ،‬فهو ٌ‬
‫مس�تبعد‪ ،‬فقد يكون ذلك بعد أن بلغ يزيد مآربه بقتل احلسين‪ 5‬وأصحابه‬
‫ونفس عن عقدته يف التش�في منه يف جملس�ه وما س�معه من كلامت الصحابة‪ ،‬بل‬
‫وحت�ى من بعض أفراد بيت�ه‪ ،‬إضاف ًة إىل اخلطب املؤثرة لعيل بن احلسين وزينب‬
‫بنت عيل‪ 4‬وما أحدثه من أثر يف الرأي العام‪.‬‬
‫ولك�ن الروايات الواردة على ما فيها من ضعف واختلاف وتباين يضعف‬
‫هذا االحتامل‪ ،‬وحتى طريقة عرضها للموضوع ال تؤكد وجود الرأس يف مكان‬
‫معني‪ ،‬وما جاء يف بعضها ال يثبت سوى وجود مشهد أو مسجد وقد يقام املشهد‬
‫أو املسجد عىل حمل وضع فيه الرأس كام أشيد العديد منها يف طريق السبي‪.‬‬
‫إال أن النص الذي نقلناه عن األعيان للس�يد األمني وفيه أنه ش�اهد لوحات‬
‫تشير إىل وجود بعض الرؤوس كرأس العباس وعيل بن احلسني األكرب له داللة‬
‫هامة تعضد احتامل كون الرأس دفن يف الش�ام ولكن ال ينبغي إغفال خصوصية‬
‫رأس احلسني‪ 5‬فقد تفرده السلطة ببعض القراءات‪ ،‬ولو كان موجود ًا لكان‬
‫أوىل أن يكتب ما يشري إىل وجوده‪.‬‬
‫‪196‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫واحتامالت الشام األخرى كالرقة وغريها ليست منطقية حتى مع ثبوت عدم‬
‫اس�تحالة نقل الرأس إليها كالرقة مث ً‬
‫ال‪ ،‬فلا يبعد أن يبعثه يزيد إىل بعض أقربائه‬
‫من بني أمية ليش�اركوه أفراحه واحتفاالته‪ ،‬إضاف ًة إىل عرض عضالت الس�لطة‬
‫وإرهاب الناس‪ .‬إال أن دفن الرأس هناك ال يمكن قبوله بسهولة‪.‬‬
‫واحتامل بقاء الرأس يف خزائن الش�ام إىل عهد س�ليامن أو الوليد ليس باألمر‬
‫املس�تحيل‪ ،‬كام كان يدأب عليه احل�كام يف االحتفاظ برؤوس خصومهم‪ ،‬إال أن‬
‫الروايات الواردة يف ذلك ال تنهض باالحتامل إىل درجة االعتبار لعدم ش�هرهتا‪،‬‬
‫وجمهولية رواهتا أو أبطاهلا‪.‬‬
‫نص‬
‫وفيام خيص عس�قالن فاألمر فيها يف غاية اإلش�كال فمن جهة ال يوجد ٌ‬
‫رصيح يف املصادر املعتربة يدل عىل أن رأس احلسين‪ 5‬نقل إىل عسقالن من‬
‫الش�ام‪ ،‬وما ذكر يف بعض الكتب املتأخرة يعتمد عىل وجود مش�هد للحسين يف‬
‫عسقالن‪ ،‬ولكن عامرة هذا املشهد متأخرة جد ًا عن مقتل احلسني‪ ،5‬ولعل ما‬
‫الحظه ابن تيمية يف كتابه رأس احلسين‪ ،5‬وجمموع فتاواه‪ ،‬وفتاواه الكربى‬
‫له قيمة يف ذلك‪ ،‬وإن كانت منطلقاته يف احلديث عن احلسني‪ 5‬ويزيد مشوبة‬
‫باإلشكال والعصبية مما يفقدها قيمتها حتى بام يف ذلك املنطقية منها‪ ،‬وقد خلص‬
‫مالحظاته يف نقاط أربع نوجزها باآليت‪:‬‬
‫‪1‬ـ ل�و كان رأس احلسين‪ 5‬هناك مل يتأخر كش�فه وإظه�اره إىل ما بعد مقتل‬
‫احلسين بأربعامئة س�نة‪ ،‬ودولة بني أمية انقرضت قبل ظه�ور ذلك بأكثر من‬
‫ثالثامئة وبضع ومخسني سنة‪.‬‬
‫‪2‬ـ إن الذي�ن مجعوا أخبار احلسين‪ 5‬ومقتله مثل أيب بك�ر بن أيب الدنيا وأيب‬
‫القاس�م البغ�وي وغريمه�ا مل يذكر أح�دٌ منه�م أن الرأس محل إىل عس�قالن‬
‫وال إىل القاه�رة‪ ،‬وق�د ذك�ر ذل�ك أب�و اخلطاب بن دحي�ة يف كتاب�ه امللقب بـ‬
‫(العل�م املش�هور يف فضائل األيام والش�هور) ذكر أن الذي�ن صنفوا يف مقتل‬
‫الفصل الرابع‪ /‬مدفن الرأس‬ ‫‪ 197‬‬

‫احلسني‪ 5‬أمجعوا أن الرأس مل يغرتب‪.‬‬


‫‪3‬ـ إن الذي ذكره من يعتمد عليه من العلامء واملؤرخني أن الرأس محل إىل املدينة‪،‬‬
‫ودفن عند أخيه احلس�ن‪ ،5‬ويمثل ألصحاب النقل املوثوق بمحمد بن‬
‫سعد كاتب الواقدي‪ ،‬والزبري بن بكار صاحب أنساب قريش‪ ،‬واملوفقيات‪.‬‬
‫مرجح رابع يذكره ابن تيمية يس�لك فيه طريق املغالطة وأعرضنا عن‬
‫‪4‬ـ وهناك ِّ‬
‫مناقش�ته ألن�ه من باب إنكار كون الرأس أه�دي إىل يزيد‪ ،‬ولعلنا نتعرض له‬
‫يف م�كان آخ�ر‪ ،‬م�ع أن كل تفاصيل الكت�اب تدحض ه�ذا التعمد يف رفض‬
‫احلقيقة‪ ،‬التي يعرتف هبا ابن تيمية يف بعض فلتات لسانه ألهنا ناصعة‪ ،‬ولكنه‬
‫حياول أن خيفيها أحيان ًا لسبب ما‪.‬‬
‫أم�ا املرجح�ات الثالثة املتقدم�ة فإهنا ال ختلو من قوة وحتظ�ى بالقبول عق ً‬
‫ال‪،‬‬
‫وإن كانت ال تفيض إىل القطع‪ .‬إضافة إىل إمكانية النقاش يف بعض مفرداهتا‪.‬‬
‫أما بالنسبة إىل االحتامل الذي تبناه اإلمامية املتمثل يف إعادة الرأس إىل كربالء‬
‫ودفن�ه مع جثته ف�إن إثباته حيتاج إىل إثبات عودة الس�بايا من الش�ام إىل كربالء‪،‬‬
‫ٍ‬
‫س�عة ملتابعته‬ ‫وذل�ك ما يصعب إثباته‪ ،‬ولنقل حيتاج إىل ٍ‬
‫جهد علمي إضايف لنا يف‬
‫اآلن‪ .‬وأما إش�ارة النويري فيام تقدم فلا ترقى إىل النص الذي يعتمد عليه حينام‬
‫قال‪:‬‬
‫فالش�ق األول منها يصعب إثباته‪ ،‬والش�ق الثاين يكفي يف وهنه قوله‪ ،‬لكنهم‬
‫اس�تدلوا م�ن ديان�ة عم�ر بن عب�د العزي�ز وصالحه وخيره أنه نقل إىل اجلس�د‬
‫ودفن‪ ‬معه‪.‬‬
‫وعليه ف�إن احتامل املدينة يبقى هو األقوى بحس�ب معطيات التاريخ وذلك‬
‫ألن رج�وع الس�بايا إليه�ا أمر ال خيتل�ف فيه اثن�ان‪ ،‬إضافة إىل أن املص�ادر التي‬
‫نقلت وصول رأس احلسني‪ 5‬إىل املدينة ذكرت من األحداث والتفصيالت‬
‫واألش�عار ما جيعل من إنكاره أمر ًا بعيد ًا وأما ما أش�ار إليه سبط ابن اجلوزي من‬
‫‪198‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫أن الرأس محل إىل املدينة ثم أرسل إىل كربالء ليدفن مع اجلسد‪ ،‬فهو أمر مستبعد‬
‫مل نجد من أشار إليه غريه بحدود اطالعنا‪.‬‬
‫وأم�ا االحتماالت الفرعية األخرى فلا يمكن اعتامدها لعدم ش�هرهتا وبعد‬
‫وقوعها‪ ،‬كوجوده يف مرو مث ً‬
‫ال‪ ،‬ولو أن بني العباس نقلوه لكانت حادثة مشهورة‬
‫متأل بطون الكتب ولطارت يف اآلفاق‪.‬‬
‫ولك�ن ترجي�ح أي احتمال ال يعن�ي اس�تحالة أو ع�دم وقوع اآلخ�ر‪ ،‬وكل‬
‫يشء ممك�ن يف مث�ل ه�ذه القضية فقد تف�رض بعض املالبس�ات واملعطيات عىل‬
‫ً‬
‫معللا يف ذلك الوقت‪ ،‬كام‬ ‫أصح�اب القرار الترصف بام ال نعلم أس�بابه فيكون‬
‫أن التط�ورات الت�ي مر هبا العامل اإلسلامي خلال األربعة عرش ً‬
‫قرن�ا قد حتمل‬
‫البعض عىل ممارس�ات يروهنا مناسبة خلدمة دوهلم أو حتسني سمعتها وغري ذلك‬
‫من األسباب‪.‬‬
‫ومسألة مثل هذه تبقى قابلة ومفتوحة لكل احتامل‪ ،‬فقد يتوفر من اإلمكانات‬
‫والوسائل أو من الباحثني من يقرتب من احلقيقة‪ ،‬وإن كان ذلك ليس بيسري كام‬
‫نظن يف الوقت احلارض عىل أقل تقدير‪.‬‬
‫الف�صل اخلام�س‬
‫ر�ؤو�س �أخرى‬
‫ر�أ�س احل�سني ور�أ�س زيد بن علي بن احل�سني‬

‫حينما كنا نتابع رأس احلسين‪ 5‬يف حل�ه وترحاله من بل�د إىل بلد حماولة‬
‫لإلحاطة بام يمكن من أخباره ومواقع نزوله واملشاهد التي أسست لعدة أسباب‬
‫تتعل�ق بمن�ازل الرأس الرشيف و املواضع التي وضع فيه�ا واألماكن التي روي‬
‫أنه دفن فيها كان يواجهنا يف بعض هذه املواطن إشارات وروايات وآثار تتحدث‬
‫عن مش�هد يطلق عليه مش�هد زين العابدين سواء كان يف دمش�ق أو يف القاهرة‪،‬‬
‫وحني املتابعة ٍ‬
‫بدقة أكثر وجدنا أن هذه التسمية ترجع إىل رأس زيد بن اإلمام عيل‬
‫بن احلسني امللقب بزين العابدين والذي طيف به هو اآلخر إىل نفس املواقع التي‬
‫طيف فيها برأس جده احلسين‪ ،5‬ولكن بفارق هو أن جس�د احلسين دفن‬
‫يف كربالء بينام مل يكن لزيد قرب جلس�ده ألنه أحرق بعد الصلب لس�نوات ثم ألقي‬
‫رماده يف النهر‪ ،‬ومل يدفن منه إال رأسه يف القاهرة كام تؤكد الكثري من الروايات‪.‬‬
‫يضاف إىل ذلك تش�ابه بعض التفاصيل املتعلقة بالرأسين رأس اجلد ورأس‬
‫احلفيد إىل ٍ‬
‫حد يقرتب من التطابق أحيان ًا حتى عىل مس�توى األسماء واألحداث‬
‫مما يلقي بظالل الش�ك حول وقوع بعض احلوادث‪ ،‬أهي لرأس احلسين‪5‬‬
‫أم ل�رأس زي�د بن عيل؟ أم أن اخللط من جهة املؤرخني وأخطائهم وهي كثري ًا ما‬
‫تق�ع يف مثل هذه احل�وادث؟ ومن تل�ك الروايات واألخبار ما ج�اء يف املواعظ‬
‫واالعتبار حتت عنوان مشهد زين العابدين‪:5‬‬
‫‪202‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫هذا املش�هد ما بني اجلامع الطولوين ومدينة مرص‪ ،‬تس�ميه العامة مش�هد زين‬
‫العابدي�ن وهو خطأ‪ ،‬وإنام هو مش�هد رأس زيد بن علي املعروف بزين العابدين‬
‫ب�ن احلسين بن عيل ب�ن أيب طال�ب‪ ،5‬حني أنفذه هش�ام بن عب�د امللك إىل‬
‫مرص(((‪.‬‬
‫وج�اء يف عجائ�ب اآلثارللجربيت‪ :‬ومن احلوادث البدعي�ة من هذا القبيل أن‬
‫عثامن آغا املتويل آغات مس�تحفظان س�ولت له نفس�ه عامرة مش�هد الرأس وهو‬
‫رأس زيد بن عيل زين العابدين بن احلسني بن عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنهم‪،‬‬
‫ويعرف هذا املشهد عند العامة بزين العابدين وبذلك اشتهر ويقصدونه بالزيارة‬
‫صبح يوم األحد(((‪.‬‬
‫ونق�ل صاحب املواعظ واالعتبار ما ق�ام به األفضل بن أمري اجليوش ملا بلغه‬
‫حكاية رأس زيد حيث أمر بكشف املسجد وكان وسط أكوام‪ ،‬ومل يبق من معامله‬
‫إىل حمراب‪ ،‬فوجد هذا العضو الرشيف‪ .‬قال حممد بن منجب بن الصرييف‪ :‬حدثني‬
‫الرشي�ف فخر الدي�ن أيب الفتوح نارص الزيدي خطيب مرص‪ ،‬وكان من مجلة من‬
‫أثر‬
‫حرض الكش�ف قال‪ :‬ملا خرج هذا العضو رأيت�ه وهو هامة وافرة‪ ،‬ويف اجلبهة ٌ‬
‫يف سعة الدرهم فضمخ وعطر ومحل إىل دا ٍر حتى عمر هذا املشهد(((‪.‬‬
‫وهذا اخلرب يتطابق مع الرواية التي تتحدث عن إخراج رأس احلسين‪5‬‬
‫من حمله يف عسقالن وإعامر موضعه وإعادته إليه عىل يد األفضل بن أمري اجليوش‬
‫التي تقدم ذكرها‪.‬‬
‫وزي�ادة يف الفائدة والتحري واملقارنة نشير بإجياز إىل ما جرى عىل رأس زيد‬
‫بن عيل يف تطوافه ودفنه‪ ،‬لعل القارئ جيد يف املقارنة وتقييم األخبار ما ينتهي إىل‬

‫(((   املواعظ واالعتبار‪.316/4 :‬‬


‫(((   عجائب اآلثار‪.308/3 :‬‬
‫(((   املواعظ واالعتبار‪.317/4 :‬‬
‫الفصل الخامس‪/‬رؤوس أخرى‬ ‫‪ 203‬‬

‫نتيجة معقولة بخصوص ما يقال من دفن رأس احلسين‪ 5‬يف مدينة القاهرة‬
‫ويف املشهد املعروف حالي ًا‪.‬‬

‫مختصر حياة زيد ومقتله‬


‫زي�د ب�ن عيل بن احلسين بن عيل ب�ن أيب طال�ب‪ :5‬االمام‪ ،‬أبو احلسين‬
‫العلوي اهلاشمي القريش‪.‬‬
‫ويقال له (زيد الشهيد) عده اجلاحظ من خطباء بني هاشم‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬ما رأيت يف زمانه أفقه منه وال أرسع جواب ًا وال أبني قو ً‬
‫ال‪.‬‬
‫كانت إقامته بالكوفة‪ ،‬وأشخص إىل الشام‪ ،‬فضيق عليه هشام بن عبد امللك‪،‬‬
‫وحبسه مخسة أشهر‪.‬‬
‫وع�اد إىل العراق ث�م إىل املدينة‪ ،‬فلح�ق به بعض أهل الكوف�ة حيرضونه عىل‬
‫قت�ال االمويين‪ ،‬ورجع�وا به إىل الكوفة س�نة ‪ 120‬هـ ‪ ،‬فبايعه أربع�ون ألف ًا عىل‬
‫الدعوة إىل الكتاب والس�نة‪ ،‬وجهاد الظاملني‪ ،‬والدفع عن املس�تضعفني‪ ،‬وإعطاء‬
‫املحرومني‪ ،‬والعدل يف قسمة الفئ‪ ،‬ورد املظامل‪ ،‬ونرص أهل البيت‪.‬‬
‫والعام�ل على الع�راق يومئ�ذ يوس�ف ب�ن عم�ر الثقف�ي‪ ،‬فكت�ب إىل‬
‫احلكم‪ ‬بن‪ ‬الصلت وهو يف الكوفة أن يقاتل زيد ًا‪ ،‬ففعل‪.‬‬
‫ونش�بت معارك انتهت بمقتل زيد‪ ،‬يف الكوفة‪ ،‬ومحل رأسه إىل الشام فنصب‬
‫عىل باب دمشق‪.‬‬
‫ً‬
‫يوم�ا وليلة‪ ،‬ومحل إىل مرص‬ ‫ثم أرس�ل إىل املدين�ة فنصب عند قرب النبي‪1‬‬
‫منصب باجلامع‪ ،‬فرسقه أهل مرص ودفنوه‪.‬‬
‫(((‬

‫وجاء يف الوايف للوفيات للصفدي‪:‬‬


‫وق�ال الولي�د بن حممد‪ :‬كنا عىل باب الزهري إذا س�مع جلبة فقال‪ :‬ما هذه يا‬

‫(((   األعالم للزركيل‪.59/3 :‬‬


‫‪204‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ولي�د؟‪ .‬فنظرت فإذا رأس زيد بن عيل يطاف به بيد اللعابني‪ ،‬فأخربته فبكى‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬أهلك أهل هذا البيت العجلة‪ ،‬قلت ويملكون‪ ،‬قال نعم‪.(((...‬‬
‫ويس�لك رأس احلفيد نفس الطريق الذي سلكه رأس جده احلسني‪ 5‬إىل‬
‫الش�ام وم�ن ثم إىل املدين�ة وإىل مرص‪ .‬قال اب�ن العديم يف بغي�ة الطلب يف ترمجة‬
‫حامل رأس زيد بن عيل‪:‬‬
‫محيد بن عبد الرمحن الرواي الكاليب الكويف له ذكر يف التاريخ وهو الذي محل‬
‫رأس زيد بن عيل بن احلسني ريض اهلل عنه إىل هشام بن عبد امللك‪ ..،‬فأجاز محيد‬
‫بن عبد الرمحن عرشة آالف درهم‪ ،‬وبعث بالرأس مع رجل من بني عبس شامي‬
‫الدار من جند قنرسين‪ ،‬فطاف به يف أجناد الشام‪ ،‬ثم إىل مرص واملدينة(((‪.‬‬
‫ويظهر من سياق الرواية أهنا ال تعنى بالرتتيب للمدن التي أرسل إليها رأس‬
‫زيد عندما طافوا به‪ ،‬ألن القاهرة كانت آخر حمطة لرأس هذا الثائر الشهيد‪.‬‬
‫ويشري ابن تغري بردى يف النجوم الزاهرة إىل وصول رأس زيد إىل مرص وذلك‬
‫يف س�ياق حديثه عن والية حنظلة بن صفوان ملرص من قبل هش�ام بن‪ ‬عبد‪ ‬امللك‬
‫حي�ث قال‪ :‬ثم يف س�نة اثنتني وعرشين ومائة ق�دم عليه بمرص رأس زيد بن عيل‬
‫زين العابدين فأمر حنظلة بتعليقها وطيف هبا‪.‬‬
‫(((‬

‫ومن احلوادث املشهورة التي نقلت ملا جرى لراس زيد ما حدث له يف صحن‬
‫دار يوسف بن عمر وايل العراق‪ ،‬روى البالذري يف االنساب‪ :‬حدثني أبو احلسن‬
‫املدائن�ي قال‪ :‬ملا أيت يوس�ف برأس زيد وهو باحلرية نظر الن�اس إليه‪ ،‬ثم تفرقوا‬
‫وهو مطروح يف ناحية من منزل يوسف‪ ،‬فجاء ديك فنقره‪ ،‬فقال زميل الكاليب‪:‬‬
‫ط��ال م��ا ك��ان ال يطأه الدجاج‬ ‫اط���ردوا ال��دي��ك ع��ن ذؤاب���ة زيد‬

‫(((   الوايف بالوفيات‪ 21/15 :‬ـ ‪.22‬‬


‫(((   بغية الطلب‪.2973/6 :‬‬
‫(((   النجوم الزاهرة‪.281/1 :‬‬
‫الفصل الخامس‪/‬رؤوس أخرى‬ ‫‪ 205‬‬

‫ـ���ه زي���ن ال���وف���ود واحل��ج��اج‬ ‫النبي أك��رم خلق ال ّٰلـ‬


‫ّ‬ ‫اب��ن بنت‬
‫بـالســرى والـبــكــور واإلدالج‬
‫(((‬
‫ّ‬ ‫مح��ل��وا رأس���ه إىل ال��ش��ام ركض ًا‬
‫وأما ما حدث له يف املدينة فقد ذكره الشجري يف أماليه‪:‬‬
‫ع�ن هش�ام بن حممد عن أبي�ه ولوط بن حييى قاال‪ :‬وجه هش�ام بن عبد امللك‬
‫ب�رأس اإلم�ام زيد بن علي‪ 4‬إىل املدين�ة إىل إبراهي�م بن هش�ام املخزومي‪،‬‬
‫فنصب رأس�ه‪ ،‬فتكل�م أناس من أهل املدين�ة وقالوا إلبراهيم ال تنصب رأس�ه‪،‬‬
‫فأبى وضجت املدينة بالبكاء من دور بني هاش�م كيوم حسين عليه السالم‪ ،‬فلام‬
‫نظ�ر كثير بن كثري ب�ن املطلب الس�همي إىل رأس زيد‪ ،5‬بك�ى وقال‪ :‬نرض‬
‫اهلل وجهك أبا احلسين وفعل بقاتلك‪ ،‬فبلغ ذلك إبراهيم بن هش�ام‪ ،‬وكانت أم‬
‫املطلب أروى بنت احلارث بن عبد املطلب فكان كثري امليل إىل بني هاشم‪ ،‬فقال‬
‫له إبراهيم‪ :‬بلغني عنك كذا وكذا‪ ،‬فقال هو ما بلغك‪ ،‬فحبس�ه وكتب إىل هشام‪،‬‬
‫فقال وهو حمبوس‪:‬‬
‫ح���ب ال��ن��ب��ي ل��غ�ير ذي ذن��ب‬ ‫إن ام�����رأ ك���ان���ت م��س��اوي��ه‬
‫من ط��اب يف األرح���ام والصلب‬ ‫وب��ن��ي أيب ح��س��ن ووال���ده���م‬
‫ب��ل حبكم ك��ف��ارة ال��ذن��ب‬
‫(((‬
‫وي�����رون ذن���ب��� ًا أن أح��ب��ك��م‬

‫(((   أنساب األرشاف‪.536/2 :‬‬


‫(((  األمايل اخلميسية‪ 155/1 :‬ـ ‪.156‬‬
‫ر�أ�س العبا�س بن علي‬

‫فيام عدا احلديث عن رأس احلسني بن عيل‪ 4‬ال نجد تفصي ً‬


‫ال عن رؤوس‬
‫شهداء كربالء من أهل البيت واألنصار إال ما يندرج يف طيات احلديث عن أخبار‬
‫ٍ‬
‫بش�كل إمجايل‪ ،‬والذي يظهر من جمموع‬ ‫ركب الس�بايا ومسريهم ومحل الرؤوس‬
‫التفاصيل التي كونت مادة هذا الكتاب‪ ،‬إن رأس احلسين حظي بخصوصية يف‬
‫كل األحداث ذات الشأن مما سجله التاريخ واهتم به املؤرخون‪.‬واألمر الطبيعي‬
‫أن تكون رؤوس الش�هداء ش�اركت رأس احلسين بكل ما مر به من حوادث يف‬
‫هذا املسري الطويل‪ ،‬ولكن ذلك ال ينفي أن تكون لرأس احلسني خصوصية جتعل‬
‫السلطة تفرده ببعض املامرسات‪.‬‬
‫وأما شأن رأس العباس بن عيل‪ 4‬الشخص الثاين يف ثورة احلسني‪5‬‬
‫ً‬
‫رصحي�ا يعطيه اخلصوصي�ة ويميزه‬ ‫فل�م نجد فيام بين أيدينا من املص�ادر حديث ًا‬
‫عن س�ائر ال�رؤوس إال خرب ًا واحد ًا ذك�ره بعض املؤرخني يف س�ياق األحداث‬
‫الت�ي ش�اهبت املعاج�ز يف وقوعها من�ذ حركة احلسين‪ 5‬م�ن املدينة وحتى‬
‫هناي�ة مأس�اته وختامها‪ ،‬والظاهر من س�ياق اخلرب أنه منقول عن التذكرة لس�بط‬
‫ابن‪ ‬اجلوزي‪ ،‬قال صاحب سمط النجوم العوايل‪:‬‬
‫وأخرج ـ أيض ًا ـ أن ش�خص ًا منهم علق يف لبب فرس�ه رأس العباس بن عيل‬
‫فرأى بعد أيام ووجهه أشد سوا َد ًا من القار‪ ،‬فقيل‪ :‬إنك كنت أنرض العرب وجه ًا‪،‬‬
‫الفصل الخامس‪/‬رؤوس أخرى‬ ‫‪ 207‬‬

‫فق�ال‪ :‬ما مرت عيل ليلة م�ذ محلت ذلك الرأس إال واثن�ان يأخذان بضبعي‪ ،‬ثم‬
‫ينهض�ان إىل نار تؤجج‪ ،‬فيدفعاين فيها‪ ،‬وأنا أنكص فتس�فعني كام ترى‪ ،‬ثم مات‬
‫(((‬
‫عىل أقبح حالة‪.‬‬
‫واخلبر ذات�ه يرويه الش�جري يف األمايل اخلميس�ية بتفصيل أكث�ر والترصيح‬
‫باس�م الرجل الذي محل رأس العباس‪ 5‬وعلقه يف عنق فرس�ه وطاف به يف‬
‫س�احة املعركة‪ ،‬واخلرب منس�وب إىل القاس�م بن األصبغ بن نباتة العرين‪ :‬قال ملا‬
‫أخذ برأس احلسين‪ 5‬وبرؤوس أهل بيته وأصحابه‪ ،‬أقبلت اخليل شماطيط‬
‫معه�ا ال�رؤوس‪ ،‬وأقبل رجل م�ن أنرض الناس لون ًا وأحس�نهم وجه ًا عىل فرس‬
‫أده�م ق�د علق يف لباب فرس�ه رأس غالم أمرد وكأن وجهه قم�ر ليلة البدر فإذا‬
‫هو قد أطال اخليط الذي فيه الرأس والفرس يمرح‪ ،‬فإذا رفع رأس�ه حلق الرأس‬
‫بجرانه‪ ،‬فإذا طأطأ رأسه صك الرأس األرض‪ ،‬فسألت عنه فقيل هذا حرملة بن‬
‫الكاهل األس�دي‪ ،‬وهذا رأس العباس بن عيل‪ ،4‬فمكث بعد ذلك ما ش�اء‬
‫اهلل‪ ،‬ثم رأيت حرملة وجهه أس�ود كأنام أدخل النار ثم أخرج‪ ،‬فقلت له يا عامه‪:‬‬
‫لقد رأيتك يف اليوم الذي جئت برأس العباس وإنك ألنرض العرب وجه ًا‪ ،‬فقال‬
‫يا بن أخي؟ ورأيتني‪ ،‬قلت نعم‪ ،‬قال فإين واهلل مذ جئت بذلك الرأس ما من ليلة‬
‫آوي فيها إىل فرايش إال وملكان يأتياين فيأخذان بضبعي ينتهيان يب إىل نار تأجج‬
‫فيدفع�اين فيها وأنا أنكص عنها فيس�عفني كام ترى‪ ،‬ق�ال وكانت عنده امرأة من‬
‫بني تيم فسألتها عن ذلك فقالت‪ :‬أما إذا أفشى عىل نفسه فال يبعد اهلل غريه‪ ،‬واهلل‬
‫(((‬
‫ما يوقظني إال صياحه كأنه جمنون ‪.‬‬
‫وقد أشار البالذري إىل أن حرملة هو الذي قتل العباس ومحله رأسه‪ :‬وعبد اهلل‬
‫بن عقبة كان فيمن قتل احلسني بن عيل ريض اهلل عنهام‪ ،‬وله يقول ابن عقب‪:‬‬

‫(((  سمط النجوم العوايل يف أنباء األوائل والتوايل‪.196/3 :‬‬


‫(((  األمايل اخلميسية‪ 182/1 :‬ـ ‪.183‬‬
‫‪208‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫وع��ن��د غني ق��ط��رة م��ن دمائنا ويف أس��د أخ���رى ت��ع� ّ‬


‫�د وتذكر‬
‫واألسدي‪ :‬حرملة بن الكاهن الذي جاء برأس عباس بن عيل بن أيب طالب‪،‬‬
‫وهو قتله مع احلسني بالطف‪.‬‬
‫(((‬

‫وكتب الس�يد حمسن األمني العاميل حتت عنوان قبور رؤوس العباس بن عيل‬
‫وعيل األكرب وحبيب بن مظاهر بدمش�ق فقال‪ :‬رأيت بعد س�نة ‪ 1321‬يف املقربة‬
‫املعروفة بمقربة باب الصغري بدمش�ق مشهد ًا وضع فوق بابه صخرة كتب عليها‬
‫ما صورته‪ :‬هذا مدفن رأس العباس بن عيل ورأس عيل بن احلسني األكرب ورأس‬
‫حبيب بن مظاهر ثم أنه بعد ذلك بس�نني هدم هذا املش�هد وأعيد بناؤه وأزيلت‬
‫ه�ذه الصخ�رة وبني رضي�ح داخل املش�هد ونق�ش عليه أسماء كثرية لش�هداء‬
‫كربلاء‪ ،‬ولكن احلقيقة أنه منس�وب إىل الرؤوس الرشيف�ة الثالثة املقدم ذكرها‬
‫بحسب ما كان موضوع ًا عىل بابه كام مر‪ .‬وهذا املشهد‪ :‬الظن قوي بصحة نسبته‬
‫ألن الرؤوس الرشيفة بعد محلها إىل دمشق والطواف هبا وانتهاء غرض يزيد من‬
‫إظه�ار الغلبة والتنكيل بأهلها والتش�في ال ب�د أن تدفن يف إحدى املقابر فدفنت‬
‫(((‬
‫هذه الرؤوس الثالثة يف مقربة باب الصغري وحفظ حمل دفنها واهلل أعلم ‪.‬‬

‫(((  أنساب األرشاف‪.68/6 :‬‬


‫(((  أعيان الشيعة‪ ،‬السيد حمسن األمني‪.627/1 :‬‬
‫ر�أ�س حبيب بن مظاهر‬

‫روى الطبري يف تارخيه بالتفصيل كيفية قتال حبيب بن مظاهر وكيفية مقتله‬
‫كما ذكر املش�اركني بقتله وتنازعهم عىل محل رأس�ه للتفاخر أمام العس�كر بقتله‬
‫وذل�ك مل�ا كان عليه من املكانة واملنزلة الرفيعة إضافة إىل طمع كل منهم باجلائزة‬
‫التي وعد هبا األمري أفراد جيشه وأصحاب (البطوالت منهم) وقال‪:‬‬
‫وتعط�ف الناس عليهم فكثروهم‪ ،‬فال يزال الرجل من أصحاب احلسين قد‬
‫قت�ل‪ ،‬فإذا قت�ل منهم الرجل والرجلان تبني فيهم‪ ،‬وأولئك كثير ال يتبني فيهم‬
‫م�ا يقت�ل منهم؛ قال‪ :‬فلما رأى ذلك أبو ثامم�ة عمرو بن عب�د اهلل الصائدي قال‬
‫للحسين‪ :‬يا أبا عبد اهلل؛ نفيس لك الفداء! إين أرى هؤالء قد اقرتبوا منك‪ ،‬وال‬
‫واهلل ال تقتل حتى أقتل دونك إن شاء اهلل‪ ،‬وأحب أن ألقى ريب وقد صليت هذه‬
‫الصالة التي دنا وقتها؛ قال‪ :‬فرفع احلسني رأسه ثم قال‪ :‬ذكرت الصالة‪ ،‬جعلك‬
‫اهلل م�ن املصلني الذاكرين! نعم‪ ،‬هذا أول وقتها؛ ثم قال‪ :‬س�لوهم أن يكفوا عنا‬
‫حتى نصيل؛ فقال هلم احلصني بن متيم‪ :‬إهنا ال تقبل؛ فقال له حبيب بن مظاهر‪ :‬ال‬
‫تقبل زعمت! الصالة من آل رس�ول اهلل‪ 1‬ال تقبل وتقبل منك يا محار! قال‪:‬‬
‫فحم�ل عليه�م حصني ب�ن متيم‪ ،‬وخرج إلي�ه حبيب بن مظاه�ر‪ ،‬فرضب وجه‬
‫فرس�ه بالس�يف‪ ،‬فش�ب ووقع عنه‪ ،‬ومحله أصحابه فاس�تنقذوه‪ ،‬وأخذ حبيب‬
‫يق�ول‪:‬‬
‫‪210‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫أق��س��م ل��و ك��ن��ا ل��ك��م أع����دادا أو ش��ط��رك��م ول��ي��ت��م أك��ت��ادا‬


‫ي���ا رش ق����وم ح��س��ب�� ًا وآدا‬
‫قال‪ :‬وجعل يقول يومئذ‪:‬‬
‫ف���ارس هيجاء وح���رب تسعر‬ ‫أن����ا ح��ب��ي��ب وأيب م��ظ��اه��ر‬
‫ون��ح��ن أوىف م��ن��ك��م وأص�ب�ر‬ ‫أن���ت���م أع�����د ع�����دة وأك���ث���ر‬
‫ون��ح��ن أع�ل�ى ح��ج�� ًة وأظ��ه��ر‬
‫ح��ق�� ًا وأت��ق��ى م��ن��ك��م وأع���ذر‬
‫ال شديد ًا‪ ،‬فحمل عليه ٌ‬
‫رجل من بني متيم فرضبه بالسيف عىل رأسه‬ ‫وقاتل قتا ً‬
‫فقتل�ه ـ وكان يقال له‪ :‬بديل ب�ن رصيم من بني عقفان ـ ومحل عليه آخر من بني‬
‫متي�م فطعنه فوق�ع‪ ،‬فذهب ليقوم‪ ،‬فرضبه احلصني بن متيم عىل رأس�ه بالس�يف‪،‬‬
‫فوق�ع‪ ،‬ونزل إليه التميمي فاحتز رأس�ه‪ ،‬فقال له احلصني‪ :‬إين لرشيكك يف قتله‪،‬‬
‫فقال اآلخر‪ :‬واهلل ما قتله غريي؛ فقال احلصني‪ :‬اعطنيه أعلقه يف عنق فريس كيام‬
‫يرى الناس ويعلموا أين رشكت يف قتله؛ ثم خذه أنت بعد فامض به إىل عبيد اهلل‬
‫بن زياد‪ ،‬فال حاجة يل فيام تعطاه عىل قتلك إياه‪.‬‬
‫ق�ال‪ :‬فأب�ى عليه‪ ،‬فأصل�ح قومه فيام بينهما عىل هذا‪ ،‬فدفع إلي�ه رأس حبيب‬
‫بن مظاهر‪ ،‬فجال به يف العس�كر قد علقه يف عنق فرس�ه‪ ،‬ثم دفعه بعد ذلك إليه‪،‬‬
‫فلما رجعوا إىل الكوفة أخذ اآلخر رأس حبيب فعلقه يف لبان فرس�ه‪ ،‬ثم أقبل به‬
‫إىل اب�ن زي�اد يف القرص فبرص به ابنه القاس�م ب�ن حبيب‪ ،‬وهو يومئ�ذ قد راهق‪،‬‬
‫فأقبل مع الفارس ال يفارقه‪ ،‬كلام دخل القرص دخل معه‪ ،‬وإذا خرج خرج معه‪،‬‬
‫فارت�اب به‪ ،‬فقال‪ :‬ما لك ي�ا بني تتبعني! قال‪ :‬ال يشء‪ ،‬قال‪ :‬بىل‪ ،‬يا بني أخربين‪،‬‬
‫قال له‪ :‬إن هذا الرأس الذي معك رأس أيب‪ ،‬أفتعطينيه حتى أدفنه؟ قال‪ :‬يا بني‪،‬‬
‫ال يرىض األمري أن يدفن‪ ،‬وأنا أريد أن يثيبني األمري عىل قتله ثواب ًا حسن ًا؛ قال له‬
‫الغلام‪ :‬لكن اهلل ال يثيبك عىل ذلك إال أس�وأ الثواب؛ أم�ا واهلل لقد قتلت خري ًا‬
‫منك‪ ،‬وبكى‪.‬‬
‫الفصل الخامس‪/‬رؤوس أخرى‬ ‫‪ 211‬‬

‫فمك�ث الغالم حت�ى إذا أدرك مل يكن له ٌ‬


‫مهة إال اتباع أث�ر قاتل أبيه ليجد منه‬
‫غ�ر ًة فيقتل�ه بأبيه‪ ،‬فلام كان زمان مصعب بن الزبري وغزا مصعب بامجريا((( دخل‬
‫عس�كر مصعب فإذا قاتل أبيه يف فسطاطه‪ ،‬فأقبل خيتلف يف طلبه والتامس غرته‪،‬‬
‫(((‬ ‫فدخل عليه وهو ٌ‬
‫قائل نصف النهار فرضبه بسيفه حتى برد‪.‬‬

‫(((  بامجريا‪ :‬بضم اجليم‪ ،‬وفتح امليم‪ ،‬وبالياء أخت الواو‪ ،‬والراء املهملة املفتوحة‪ :‬موضع من سواد‬
‫الكوفة‪ ،‬وهو الذي عسكر فيه مصعب بن الزبري‪ ،‬وأياه عنى أبو النجم بقوله‪:‬‬
‫ب�ي�ن اجل����م��ي�رات امل���ب���ارك���ات‬ ‫ل���ق���د ن���زل���ن���ا خ��ي�ر م���ن���زالت‬
‫يف حل����م وح������ش وح���ب���اري���ات‬
‫ معجم ما استعجم‪.220/1 :‬‬
‫(((  تاريخ الطربي‪.336-335/4 :‬‬
‫ر�أ�س احل�سني ور�أ�س يحيى‬

‫كثري ًا ما يقرتن ذكر احلسين‪ 5‬بذكر حييى بن زكريا‪ 5‬ولعل الس�بب‬


‫يف ذلك وجود بعض املشتركات بني الشخصيتني منها كوهنام ممن محل رساالت‬
‫وضحى يف سبيلها‪ ،‬وإن كان حييى نبي ًا واحلسني إمام ًا‪ ،‬إضافة إىل‬
‫َّ‬ ‫اهلل ودافع عنها‬
‫ما تعرضا له من الظلم واالعتداء من قبل أعداء الرس�االت‪ ،‬وال يبعد أن يكون‬
‫املشترك املحسوس ما حدث لرأس حييى ورأس احلسني‪ 5‬من إهداء األول‬
‫إىل بغ�ي م�ن بغايا بن�ي إرسائيل وإهداء الثاين إىل ش�خص متحل�ل عن كل دين‬
‫وخلق وقيمة‪ ،‬متجاهر بكل ما يشني اإلنسانية‪.‬‬
‫وقد وردت روايات مجعت بني حييى بن زكريا واحلسني‪ 4‬من حيث‬
‫ش�دة العقوب�ة الت�ي ترتبت عىل قتل كل منهما‪ .‬وذلك ما اس�تدركه احلاكم‬
‫النيس�ابوري عىل الصحيحني باعتب�ار أن احلديث عىل رشطهام ومل خيرجاه‪،‬‬
‫ون�ص الرواي�ة كاآليت‪ :‬عن س�عيد بن جبري عن بن عب�اس ريض اهلل عنهام قال‬
‫أوح�ى اهلل تع�اىل إىل حمم�د‪ 1‬إين قتل�ت بيحي�ى ب�ن زكريا س�بعني ألف ًا وإين‬
‫قاتل بابن ابنتك س�بعني ألف ًا وسبعني ألف ًا هذا لفظ حديث الشافعي ويف حديث‬
‫الق�ايض أيب بك�ر ب�ن كام�ل إين قتلت عىل دم حيي�ى بن زكري�ا وإين قاتل عىل دم‬
‫الفصل الخامس‪/‬رؤوس أخرى‬ ‫‪ 213‬‬

‫ابن‪ ‬ابنتك هذا حديث صحيح اإلسناد ومل خيرجاه‪.‬‬


‫(((‬

‫ويق�ول احلاك�م عندما روى احلديث عن حممد بن ش�داد املس�معي‪ :‬قد‬


‫كنت أحسب دهر ًا أن املسمعي ينفرد هبذا احلديث عن أيب نعيم حتى حدثناه أبو‬
‫حمم�د الس�بيعي احلافظ حدثنا عب�د اهلل بن حممد بن ناجية حدثن�ا محيد بن الربيع‬
‫(((‬
‫حدثنا أبو نعيم فذكره بإسناد نحوه‪.‬‬
‫وعندم�ا ذكر الش�وكاين احلديث يف فيض القدير ق�ال‪ :‬وأخرج احلاكم يف‬
‫املس�تدرك ع�ن اب�ن عب�اس ريض اهلل عنهام أوح�ى اهلل تعاىل إىل حمم�د إين قتلت‬
‫بيحيى بن زكريا س�بعني ألف ًا وإين قاتل بابن ابنتك احلسين س�بعني ألف ًا وسبعني‬
‫ألف ًا قال احلاكم صحيح اإلسناد وقال الذهبي وعىل رشط مسلم‪.‬‬
‫(((‬

‫ومن املشتركات بني ما جرى عىل كل منهام وح�دة املكان الذي علق به‬
‫الرأسان كام روي يف بعض األسفار منها‪:‬‬
‫قال األصطخري يف املسالك واملاملك‪ :‬وعىل باب جريون حيث نصب رأس‬
‫حييى بن زكريا نصب رأس احلسني بن عيل‪.(((...3‬‬
‫ويف صبح األعشى‪ :‬وعلق رأس احلسني‪ 5‬عند قتله يف املكان الذي علقه‬
‫عليه رأس حييى بن زكريا‪.‬‬
‫(((‬

‫وق�ال اب�ن الضي�اء يف تاري�خ مكة املرشفة واملس�جد احل�رام‪ :‬وكان مس�جد‬
‫دمش�ق للصابئين‪ ،‬ثم ص�ار لليونانيني‪ ،‬ثم ص�ار لليهود‪ ،‬ويف ذل�ك الزمان قتل‬
‫حييى‪ ‬بن‪ ‬زكريا ونصب رأس�ه عىل باب جريون‪ ،‬وعليه نصب رأس احلسين‪ ،‬ثم‬

‫املستدرك عىل الصحيحني‪.195/3 :‬‬ ‫(( (‬


‫املستدرك عىل الصحيحني‪.319/2 :‬‬ ‫((( ‬
‫فيض القدير ‪205/1‬‬ ‫((( ‬
‫  املسالك واملاملك لألصطخري‪( .24 /1 :‬م‪.‬ش)‬ ‫(((‬
‫ صبح األعشى‪.100/4 :‬‬ ‫(((‬
‫‪214‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫غلبت عليه النصارى ثم غلبت عليه املسلمون‪.‬‬


‫(((‬

‫ورواه العالم�ة عب�د الق�ادر ب�دران يف كتاب�ه (منادم�ة األطلال ومس�امرة‬


‫(((‬
‫اخليال)‪.‬‬
‫وقد ذم أحد الش�عراء دمش�ق مشير ًا إىل نصب رأس احلسني يف باب جريون‬
‫وقال‪:‬‬
‫وق�د كذب�وا يف ذا املق�ال وخمرق�وا‬ ‫وق�د ق�ال ق�وم جن�ة اخلل�د جل�ق‬
‫هب�ا تكس�د اخليرات والفس�ق ينف�ق‬ ‫فـما هــ�ي إال بــلـ�دة جـاهــلي�ة‬
‫ورأس ابن بنت املصطفى فيه علقوا‬
‫(((‬
‫فحس�بـهـم جيرون فـخ�ر ًا وزيـن�ة‬

‫(((  تاريخ مكة املرشفة واملسجد احلرام‪.284 :‬‬


‫(((  منادمة األطالل ومسامرة اخليال‪.360/1 :‬‬
‫(((  معجم البلدان‪.468/2 :‬‬
‫ر�أ�س عمر بن �سعد‬

‫يرى املتابع ألحداث ثورة احلسني‪ 5‬منذ بداياهتا يف التحرك وسط املجتمع‬
‫الكويف أن املختار كان يف صميم األحداث ومن املشاركني فيها بقوة‪ ،‬وقد عانى‬
‫كثري ًا ودخل الس�جن وطورد بسبب ذلك‪ ،‬وليس بالصحيح أن يقال أنه استثمر‬
‫قتل احلسين لبلوغ أهدافه السياسية‪ ،‬وإنام هو أحد أفراد الثورة وقادهتا‪ ،‬وكانت‬
‫داره مقر ًا ملس�لم بن عقيل فرت ًة من الزمن‪ ،‬ولكنه مل يتمكن من اللحاق باحلسين‬
‫بسبب ما ناله من التعنيف والسجن واملالحقة من قبل أجهزة السلطة‪.‬‬
‫وأخري ًا متكن من إحداث تغيري جذري يف الكوفة بعد س�ت س�نوات من قتل‬
‫احلسين‪ ،5‬ومن الطبيع�ي أن تكون مالحقة قادة اجليش الذين ش�اركوا يف‬
‫قتل احلسين من أولويات�ه بعد أن أحكم قبضته عىل الكوف�ة‪ ،‬وهكذا كان حيث‬
‫متك�ن م�ن القب�ض على الكثري منه�م‪ ،‬يق�ول الذهب�ي يف العبر يف احلديث عن‬
‫أحداث سنة‪ 66 ‬هـ‪ :‬وتوثب عىل الكوفة عام أول املختار بن أيب عبيد وتتبع قتله‬
‫احلسني(((‪.‬‬
‫وفيام خيص عمر بن سعد قائد اجليش فالظاهر أنه اعتمد عىل عالقاته ومركزه‬
‫االجتامع�ي يف اس�تحصال أمان من املخت�ار‪ ،‬ولكنه ٌ‬
‫امان مشروط بعدم اإلتيان‬

‫(((   العرب يف خرب من غرب‪.73/1 :‬‬


‫‪216‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫بحدث‪ ،‬يقول ابن اجلوزي يف املنتظم‪:‬‬


‫وبعث إىل عمر بن سعد من قتله‪ ،‬وكان قد أعطاه يف أول ما خرج أمان ًا برشط‬
‫أن ال حيدث‪.‬‬
‫وكان أب�و جعف�ر الباقر يقول‪ :‬إنام أراد باحلدث دخول اخلالء‪ ،‬فجيء برأس�ه‬
‫وابنه حفص بن عمر بن سعد جالس عند املختار‪ ،‬فقال له‪ :‬أتعرف هذا الرأس؟‬
‫فاسترجع وقال‪ :‬نع�م‪ ،‬ال خري يف العيش بعده‪ ،‬فقال املخت�ار‪ :‬صدقت فإنك ال‬
‫تعي�ش بعده‪ ،‬فقتل‪ ،‬فإذا رأس�ه مع رأس أبيه‪ ،‬فقال املختار‪ :‬هذا بحسين‪ ،‬وهذا‬
‫بعيل بن حسين‪ ،‬وال س�واء‪ ،‬واهلل لو قتل به ثالثة أرباع قريش ما وفوا أنملة من‬
‫أنامله‪ .‬ثم بعث برأسيهام إىل حممد بن عيل ابن احلنفية‪ ،‬وكان الذي هيج عىل قتل‬
‫عمر بن سعد‪ ،‬أنه بلغه عن ابن احلنفية أنه يقول‪ :‬يزعم املختار أنه لنا شيعة وقتلة‬
‫احلسني جلساؤه حيدثونه‪ .‬فام لبث أن قتل عمر وابنه‪.‬‬
‫(((‬

‫وتؤك�د الكثري م�ن املصادر أن الذي توىل قتل ابن س�عد أب�و عمرو صاحب‬
‫ح�رس املختار‪ ،‬وقد نق�ل األندليس يف العقد الفريد ص�ور ًة أخرى‪ :‬قال املختار‬
‫أليب عمرو صاحب حرسه‪:‬‬
‫حلسين عىل باب عمر بن َس�عد‪ ،‬ف َفعل‪ .‬فلام بكينَ ‪،‬‬ ‫اس�تأجر يل نوائح َيبكني ا ُ‬
‫بال النوائح يبكني احلسني‬ ‫قال عمر البنه َح ْفص‪ :‬يا بني‪ ،‬ائت األمري‪ ،‬فقل له‪ :‬ما ُ‬
‫عىل بايب؟ فأتاه فقال له ذلك‪ .‬فقال‪ :‬إنه ٌ‬
‫أهل أن ُيبكى عليه‪ .‬فقال‪ :‬أصلحك اهلل‪،‬‬
‫صاحب َحرس�ه‪ ،‬قال له‪ :‬اذهب‬
‫َ‬ ‫انـهه�ن عن ذل�ك‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬ثم دعا أبا عمرو‬
‫َّ‬
‫إىل عمر بن س�عد فأتني برأس�ه‪ .‬فأتاه‪َ ،‬ف َقام له‪ :‬قم إ ّيل أبا حفص‪ .‬فقام إليه وهو‬
‫ُملتحف بملحفة‪ ،‬فج ّلله بالسيف‪ ،‬فقتله وجاء برأسه إىل املختار‪ .‬ثم قال‪ :‬ائتوين‬
‫باب�ن عمر‪ .‬فلام حضره قال‪ :‬أتعرف ه�ذا؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬رمح�ه ا ّ‬
‫هلل‪ .‬قال‪ :‬أحتب أن‬

‫(((   املنتظم‪.58/6 :‬‬


‫الفصل الخامس‪/‬رؤوس أخرى‬ ‫‪ 217‬‬

‫العيش بعده‪ .‬فأمر به فضرُ ب عنقه(((‪.‬‬


‫نُلحقك به؟ قال‪ :‬ال خري يف َ‬
‫ويف التاريخ الصغري عن أيب املعىل قال‪ :‬سمعت أيب أن احلسني ملا نزل كربالء‬
‫فأول من طعن يف رسادقه عمر بن س�عد فرأيت عمر بن س�عد وابنيه قد رضبت‬
‫أعناقهم علقوا عىل اخلشب(((‪.‬‬

‫رأس ابن سعد إلى الحجاز‪:‬‬


‫يبدو أن رأس ابن س�عد أرس�ل إىل احلجاز كام هو ش�أن ال�رؤوس األخرى‪،‬‬
‫واختل�ف املؤرخ�ون يف اجله�ة الت�ي أرس�ل إليه�ا فبعضهم ق�ال أنه أرس�ل إىل‬
‫حممد‪ ‬بن‪ ‬احلنفي�ة وق�ال آخ�رون إىل عيل بن احلسين زين العابدي�ن‪ ،5‬فقد‬
‫ذهب صاحب املخترص يف أخبار البرش إىل الرأي األول حيث قال‪:‬‬
‫ثم قتل عمر بن س�عد بن أيب وقاص‪ ،‬صاحب اجليش‪ ،‬الذين قتلوا احلسين‪،‬‬
‫وه�و الذي أمر أن يداس صدر احلسين وظهره باخليل‪ ،‬وقتل ابن عمر املذكور‪،‬‬
‫واسمه حفص‪ ،‬وبعث برأسهام إىل حممد بن احلنفية باحلجاز‪ ،‬وذلك يف ذي احلجة‬
‫من هذه السنة(((‪.‬‬
‫يف حين ذك�ر صاح�ب لب�اب األنس�اب واأللق�اب واألعق�اب أن رأس‬
‫عمر‪ ‬بن‪ ‬سعد وجه إىل اإلمام زين العابدين‪ 5‬بعد أن كان يدعو أن يبلغه اهلل‬
‫أمله يف رؤية رأس قاتل أبيه وجاء يف روايته‪:‬‬
‫وكان يق�ول يف دعائ�ه‪ :‬اللهم بلغ يب أميل‪ ،‬فقيل ل�ه‪ :‬ما أملك؟ فقال‪ :‬أن أرى‬
‫قاتل أيب مقتو ً‬
‫ال‪.‬‬
‫فدخل يوم ًا من األيام عليه رسول املختار الثقفي وزين العابدين ريض‪ ‬اهلل‪ ‬عنه‬

‫(((   العقد الفريد‪.153/5 :‬‬


‫(((   التاريخ الصغري‪.178/1 :‬‬
‫(((   املخترص يف أخبار البرش أليب الفداء‪.270/1 :‬‬
‫‪218‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫يتغذى‪ ،‬وكان حيب الرأس املش�وي‪ ،‬فقال‪ :‬بعث إليك املختار برأسين‪ ،‬ووضع‬
‫الرأسين عىل مائدته‪ ،‬ففزع من ذلك زي�ن العابدين ريض اهلل عنه وقال له‪ :‬أهيا؟‬
‫فق�ال‪ :‬يابن رس�ول اهلل هذا رأس عمر بن س�عد عليه اللعن�ة قاتل أبيك‪ ،‬ورأس‬
‫ش�مر بن ذي اجلوش�ن عليه اللعن�ة واهلاوية‪ ،‬فقال زي�ن العابدين ريض اهلل عنه‪:‬‬
‫احلمد هلل الذي أدرك بثاري من عدوي وسجد‪ ،‬ورفعت املائدة من بني يديه(((‪.‬‬

‫(((   لباب األنساب واأللقاب واألعقاب للبيهقي‪( .43/1 :‬م‪.‬ش)‬


‫ر�أ�س عبيد اهلل بن زياد يف الكوفة‬

‫ال ي�كاد يذك�ر عبد امللك بن عمري حتى يش�ار إىل أهم خرب يصاحب ذكره يف‬
‫ج�ل مصادر الرتاث بغض النظر ع�ن خصوصياهتا وطبيع�ة مناهجها كالتاريخ‬
‫واألدب واألخلاق واملواع�ظ‪ ،‬واخلبر املقص�ود يتعل�ق برأس احلسين‪5‬‬
‫ورأس عبيد اهلل بن زياد‪ ،‬كان رأس احلسني يف عام ‪ 61‬للهجرة بني يدي ابن زياد‬
‫يف الكوفة‪ ،‬وكان رأس عبيد اهلل بن زياد بني يدي املختار يف عام ‪67‬هـ يف الكوفة‬
‫و يف نفس املوضع‪ ،‬وهذا ما شاهده عبد امللك بن عمري إضافة إىل رؤوس أخرى‬
‫لقادة آخرين فكانت من العجائب حق ًا مما أعطى اخلرب خصوصي ًة وطارت شهرته‬
‫فل�م ُ‬
‫خيل منه كتاب‪ ،‬ولعل النص الذي يورده ابن خلكان يف وفيات األعيان من‬
‫النصوص املتكاملة يف نقل اخلرب ولذلك وقع عليه اختيارنا‪:‬‬
‫عب�د املل�ك بن عمير‪ ،‬أبو عم�ر ويقال أب�و عمرو‪ ،‬عب�د امللك ب�ن عمري بن‬
‫سويد‪ ....‬اللخمي الكويف‪ ،‬كان قاضي ًا عىل الكوفة بعد الشعبي وهو من مشاهري‬
‫التابعين وثقاهت�م ومن كبار أهل الكوفة‪ ،‬رأى علي بن أيب طالب ريض اهلل عنه‪،‬‬
‫وروى عن جابر بن عبد اهلل‪ ،‬ومن أخباره أنه قال‪ :‬كنت عند عبد امللك بن مروان‬
‫بقصر الكوفة حين جيئ برأس مصعب ب�ن الزبري‪ ،‬فوضع بني يدي�ه‪ ،‬فرآين قد‬
‫ارتعدت‪ ،‬فقال يل‪ :‬مالك؟‪ .‬فقلت‪ :‬أعيذك باهلل يا أمري املؤمنني كنت هبذا القرص‬
‫هب�ذا املوض�ع مع عبيد اهلل ب�ن زياد فرأيت رأس احلسين بن عيل ب�ن أيب طالب‬
‫‪220‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ريض اهلل عنه بني يديه يف هذا املكان ثم كنت فيه مع املختار بن أيب عبيدة الثقفي‬
‫فرأي�ت رأس عبي�د اهلل بن زياد بني يديه‪ ،‬ثم كن�ت فيه مع مصعب بن الزبري هذا‬
‫فرأي�ت رأس املختار فيه بين يديه‪ ،‬ثم هذا رأس مصعب ب�ن الزبري بني يديك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقام عبد امللك من موضعه‪ ،‬وأمر هبدم ذلك الطاق الذي كنا فيه(((‪.‬‬
‫وم�ع كثرة املص�ادر التي تنقل اخلبر إال أهنا تنقله بام يش�به التطابق إال بعض‬
‫االختالفات الناشئة من فرق التعبري واإلنشاء بني كاتب وآخر‪ ،‬وبعض التعليقات‬
‫ل�دى بعض علامء التاريخ واحلديث ومث�ال ذلك ما قاله أبو يعىل املوصيل عندما‬
‫نق�ل اخلرب يف مس�نده‪ ،‬ق�ال‪ :‬ما كان هلؤالء عم�ل إال الرؤوس(((‪ ،‬ويف ش�ذرات‬
‫الذهب البن العامد احلنبيل‪ :‬فأمر عبد امللك هبدم ذلك الطاق(((‪.‬‬
‫(((‬
‫ويف آثار البالد للقزويني‪ :‬فوثب عبد امللك عن الرسير وأمر هبدم القبة‪.‬‬
‫وخت�م اب�ن خلكان خرب عبد امللك بن عمري بقوله‪ :‬وكانت وفاته س�نة ٍ‬
‫س�ت‬
‫وثالثني ومائة يف ذي احلجة وهو ابن مائة سنة وثالث وستني‪.‬‬

‫مقتل عبيد اهلل وحمل رأسه‪:‬‬


‫مل ِمت�ض إال س�نوات س�ت بع�د قتل احلسين‪ 5‬حت�ى متك�ن املختار من‬
‫االس�تيالء عىل الكوفة بع�د مواجهات دامية مع جيش الس�لطة وأتباعها‪ ،‬وكان‬
‫الشعار الذي محله املختار (الثأر لدم احلسني) وبعد أن متكن من السيطرة وإحكام‬
‫القبض�ة جند الكثري من أتباعه ملالحقة كل من اشترك يف حرب احلسين‪5‬‬
‫عموم� ًا وقادة اجليش عىل وج�ه اخلصوص‪ ،‬ولكل منهم قصته وفصوهلا اخلاصة‬

‫  وفيات األعيان‪ 165/3 :‬واملطالب العالية البن حجر‪.252/18 :‬‬ ‫(((‬


‫  مسند أيب يعىل‪.53/5 :‬‬ ‫(((‬
‫  شذرات الذهب‪.134 /1 :‬‬ ‫(((‬
‫ خمتارات من آثار البالد للقزويني‪ ،‬السفر األول‪.265/1 :‬‬ ‫(((‬
‫الفصل الخامس‪/‬رؤوس أخرى‬ ‫‪ 221‬‬

‫وأحداثه�ا املثرية‪ ،‬وق�د تقدمت أحداث القبض عىل ٍ‬


‫بعض منهم بام ينس�جم مع‬
‫خطة العمل‪ ،‬واستيعاب اجلميع غري مرصود بالنسبة لنا يف هذا الكتاب‪.‬‬
‫وعبيد اهلل بن زياد ممن أفلت من قبضة املختار‪ ،‬ومن الطبيعي أن يكون ملجأه‬
‫إىل الشام التي ولته عىل الكوفة وأمرته بقتل احلسني‪ .5‬وبداهة األمور تقيض‬
‫أن ال تقف الشام مكتوفة األيدي إزاء التحدي الذي قام به املختار يف االستيالء‬
‫ً‬
‫جيش�ا كبري ًا للزحف باجت�اه العراق‪ ،‬ولكنها أخطأت حينام‬ ‫عىل الكوفة فجهزت‬
‫جعل�ت اجلي�ش حتت قيادة عبيد اهلل بن زياد ـ كام اعتق�د ذلك قائد اجليش الذي‬
‫نح�ي لصالح اب�ن زياد ـ وقبل املختار التحدي فبعث جيش� ًا بقي�ادة إبراهيم بن‬
‫مالك األشتر‪ ،‬وكان لقاء اجليشين يف منطقة الزاب يف شامل العراق‪ ،‬وبعد ٍ‬
‫قتال‬
‫عنيف وضعت احلرب أوزارها بنرص مؤزر إلبراهيم ابن األشتر وجيشه‪ ،‬روى‬
‫ابن س�عد يف الطبقات‪( :‬ثم بعث إبراهيم بن األشتر يف عرشين ألف ًا إىل عبيد اهلل‬
‫بن زياد فقتله وبعث برأسه إىل املختار)((( ‪.‬‬
‫ومل يك�ن رأس اب�ن زي�اد الوحيد الذي أرس�ل إىل الكوفة‪ ،‬وإنما كانت معه‬
‫جمموع�ة م�ن رؤوس قادة اجليش ممن ش�اركوا يف احلرب عىل احلسين‪ 5‬يف‬
‫كربالء وغريهم‪.‬‬
‫ويشري النويري يف هناية األرب إىل كيفية معرفة إبراهيم بن مالك األشرت بقتل‬
‫ابن زياد ويقول‪ :‬وملا اهنزموا قال إبراهيم بن األشتر‪ :‬إين قتلت رج ً‬
‫ال حتت راية‬
‫منفردة عىل شط هنر خازر‪ ،‬فالتمسوه فإين شممت منه رائحة املسك‪ ...‬فالتمسوه‬
‫فإذا هو عبيد اهلل بن زياد فأخذ رأسه وحرقت جثته(((‪.‬‬
‫ومل يك�ن رأس اب�ن زياد وحيد ًا حينام أرس�ل إىل الكوفة‪ ،‬وإنما كان إىل جانبه‬
‫عدد من رؤوس القادة الذين اشرتكوا يف احلرب عىل احلسني يف كربالء وغريهم‪،‬‬

‫(((   طبقات ابن سعد‪.100 /5 :‬‬


‫(((   هناية اإلرب‪.24 /21 :‬‬
‫‪222‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫يقول النويري‪ :‬وأقام إبراهيم باملوصل وأنفذ رأس عبيد اهلل إىل املختار‪ ،‬ورؤوس‬
‫القواد‪ ،‬وكانت الواقعة يف سنة سبع وستني‪.‬‬
‫ويس�مي صاح�ب املحبر بع�ض أصح�اب ال�رؤوس الت�ي بعث�ت إىل‬
‫الكوف�ة كالت�ايل‪ :‬عبي�د اهلل بن مرجان�ة‪ ،‬واحلصني ب�ن نمري السكس�كي ورأس‬
‫رشحبيل‪ ‬بن‪ ‬ذي‪ ‬الكالع احلمريي(((‪.‬‬
‫وق�ال ابن العامد احلنبيل‪ :‬وكانت ملحمة عظيمة انتقم اهلل فيها من أهل اجلرم‬
‫ونصبت رؤوسهم حيث نصب رأس احلسني‪.‬‬
‫(((‬

‫رأس عبيد اهلل من الكوفة إلى المدينة‬


‫كما نصب رأس احلسين يف الكوفة نصب فيها رأس عبي�د اهلل بن زياد‪ ،‬وكام‬
‫محل رأس احلسين إىل الش�ام محل رأس ابن زياد إىل املدينة روى صاحب املحرب‬
‫ونصب املختار بن أيب عبيدة رأس (عبيد اهلل) بن مرجانة ورأس احلصني بن نمري‬
‫السكس�كي ورأس رشحبيل بن ذي الكالع احلمريي وكان إبراهيم بن األشتر‬
‫قتلهم يوم اخلازر وبعث إليه برؤوسهم(((‪.‬‬
‫وع�د اجلاحظ مقتل عبيد اهلل يوم عاش�وراء من األعاجيب وقال‪ :‬وهلم (ولد‬
‫عب�د املطل�ب) من األعاجي�ب خصلة أخرى‪ ،‬وذل�ك أن عبيد اهلل ب�ن زياد قتل‬
‫(((‬
‫احلسني يف يوم عاشوراء‪ ،‬وقتله اهلل يوم عاشوراء‪.‬‬
‫وبع�د ذلك وجه املخت�ار برؤوس قتلة احلسين إىل املدين�ة‪ ،‬ولكن املؤرخني‬
‫اختلف�وا يف مس�ألة عدد ال�رؤوس التي بعثت فمنه�م من اكتفى بذك�ر ابن زياد‬

‫  املحرب‪.491/1 :‬‬ ‫(((‬


‫ شذرات الذهب‪.74/1 :‬‬ ‫(((‬
‫  املحرب‪.491 /1 :‬‬ ‫(((‬
‫ رسائل اجلاحظ‪ 92/4 :‬رسالة األوطان والبلدان‪.‬‬ ‫(((‬
‫الفصل الخامس‪/‬رؤوس أخرى‬ ‫‪ 223‬‬

‫ومنه�م من ذكر عدد ًا من أعوانه‪ ،‬إال أن صاحب املحن يروي عن أيب معرش عن‬
‫رجل من أهل املدينة إنه نظر إىل مخسني رأس ًا بعث هبا املختار إىل ابن الزبري فيهم‬
‫رأس عبيد اهلل بن زياد(((‪ .‬ولكن هذا العدد ال خيلو من مبالغة‪.‬‬
‫وبحس�ب رواية صاحب املحرب فإن املكلفني بحمل الرؤوس من الكوفة إىل‬
‫املدينة هم‪ :‬عبد الرمحن بن عمري الثعلبي‪ ،‬وعبد اهلل بن شداد اجلشمي والسائب‬
‫بن مالك األشعري‪ ،‬وعبد اهلل بن أيب بكر الطائي(((‪.‬‬
‫والواض�ح م�ن رواية املحن أن ال�رؤوس موجهة إىل ابن الزبير وهذا أقرب‬
‫إىل الواق�ع ألن املخت�ار كان على وف�اق مع اب�ن الزبري الذي اس�توىل عىل املدينة‬
‫ومث�ل هذا العمل أق�رب إىل تبادل التهاين (املتعارفة) بني أهل السياس�ة يف ذلك‬
‫الزمان‪.‬‬
‫وأم�ا م�ا ينق�ل م�ن أن ال�رؤوس أهدي�ت إىل أه�ل البي�ت‪ 3‬س�واء‬
‫ملحمد‪ ‬بن‪ ‬احلنفي�ة أو اإلم�ام زي�ن العابدي�ن‪ 5‬فال منافاة يف ذل�ك مع كوهنا‬
‫أرس�لت إىل ابن الزبير ألن وصوهلا إىل املدينة مما يثري مش�اعر أهل البيت‪3‬‬
‫يف جانبي األسى واالرتياح‪.‬‬
‫ولذل�ك ت�ردد العين�ي كما يف حتف�ة األح�وذي يف أن ال�رؤوس أرس�لت إىل‬
‫ابن‪ ‬احلنفية أم إىل ابن الزبري‪:‬‬
‫ث�م أن املخت�ار بع�ث برأس ابن زي�اد ورؤوس الذين قتلوا مع�ه إىل مكة‪ ،‬إىل‬
‫حممد بن احلنفية وقيل إىل عبد اهلل بن الزبري‪.‬‬
‫(((‬

‫يف حين رصح اب�ن عب�د البر يف االس�تيعاب ب�أن رأس ابن زياد أرس�ل إىل‬

‫(((   املحن‪.215 /1 :‬‬


‫(((   املحرب‪491 /1:‬‬
‫(((  حتفة األحوذي‪.178/10 :‬‬
‫‪224‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫ابن‪ ‬الزبري وهو الذي بعثه إىل عيل بن احلسني‪.‬‬


‫(((‬

‫ولع�ل املش�هد ال�ذي ينقل�ه اليعق�ويب بخص�وص م�ا ح�دث يف بي�وت‬


‫أهل‪ ‬البيت‪ 3‬أكثر تعبري ًا من النصوص األخرى إذ يقول‪:‬‬
‫ووج�ه ب�رأس عبيد اهلل ب�ن زياد إىل عيل بن احلسين إىل املدين�ة مع رجل من‬
‫قوم�ه‪ ،‬وقال له‪ :‬قف بباب عيل بن احلسين‪ ،‬فإذا رأي�ت أبوابه قد فتحت ودخل‬
‫الن�اس‪ ،‬ف�ذاك الوقت الذي يوضع في�ه طعامه‪ ،‬فأدخل إليه‪ .‬فجاء الرس�ول إىل‬
‫ب�اب علي بن احلسين‪ ،‬فلام فتح�ت أبوابه‪ ،‬ودخل الن�اس للطعام‪ ،‬ن�ادى بأعىل‬
‫صوته‪ :‬يا أهل بيت النبوة‪ ،‬ومعدن الرسالة‪ ،‬ومهبط املالئكة‪ ،‬ومنزل الوحي! أنا‬
‫رسول املختار بن أيب عبيد معي رأس عبيد اهلل بن زياد‪ ،‬فلم تبق يف يشء من دور‬
‫بني هاش�م امرأة إال رصخت‪ ،‬ودخل الرس�ول‪ ،‬فأخرج الرأس‪ ،‬فلام رآه عيل بن‬
‫احلسني قال‪ :‬أبعده اهلل إىل النار‪ .‬وروى بعضهم أن عيل بن احلسني مل ير ضاحك ًا‬
‫يوم� ًا ق�ط‪ ،‬منذ قت�ل أبوه‪ ،‬إال يف ذلك الي�وم‪ ،‬وإنه كان له إبل حتم�ل الفاكهة من‬
‫الش�ام‪ ،‬فلام أيت برأس عبيد اهلل بن زياد أمر بتلك الفاكهة‪ ،‬ففرقت يف أهل املدينة‬
‫وامتش�طت نس�اء آل رسول اهلل‪ ،‬واختضبن‪ ،‬وما امتش�طت امرأة وال اختضبت‬
‫(((‬
‫منذ قتل احلسني بن عيل‪.‬‬
‫ويف املحرب‪ :‬فبعث برؤوسهم إىل ابن احلنفية فنصبت عىل باب املسجد احلرام‬
‫فخرج ابن احلنفية من الطواف فرآها منصوبة فحمد اهلل وأثنى عليه‪.‬‬
‫وي�روي الصح�اري يف األنس�اب أن الرؤوس أرس�لت إىل عيل بن احلسين‬
‫فأدخل�ت علي�ه وهو يصيل فلام ف�رغ ونظر إليها ق�ال‪ :‬احلمد هلل م�ا أماتني حتى‬
‫أراين رأس عبيد اهلل بن زياد(((‪.‬‬

‫(((  االستيعاب‪.118/1 :‬‬


‫(((  تاريخ اليعقويب‪.259/2 :‬‬
‫(((  األنساب للصحاري‪( .160 /1 :‬م‪.‬ش)‬
‫الفصل الخامس‪/‬رؤوس أخرى‬ ‫‪ 225‬‬

‫ويف طبق�ات ابن س�عد‪ :‬فعم�د إليه املختار فجعل�ه يف جونة‪ ،‬ث�م بعث به إىل‬
‫حممد بن احلنفية‪ ،‬وعيل بن احلسين وس�ائر بني هاش�م‪ ،‬فلام رأى عيل بن احلسني‬
‫رأس عبيد اهلل ترحم عىل احلسني وقال‪ :‬أتى عبيد اهلل بن زياد برأس احلسني وهو‬
‫يتغدى وأتينا برأس عبيد ونحن نتغدى ومل يبقَ من بني هاشم أحد إال قام بخطبة‬
‫يف الثناء عىل املختار والدعاء له ومجيل القول فيه(((‪.‬‬
‫وقد رصح البالذري يف أنس�اب األرشاف بأسامء من محلوا رأس ابن زياد إىل‬
‫املدين�ة م�ع أموال إىل حممد بن احلنفي�ة فقال‪ :‬ثم أن املختار بع�ث إىل ابن‪ ‬احلنفية‬
‫بثالثين أل�ف دين�ار مع عب�د الرمحن ب�ن أيب عمري الثقف�ي‪ ،‬وعبد اهلل بن ش�داد‬
‫اجلشمي‪ ،‬والسائب بن مالك األشعري ‪ ...‬وبعث معهم برأس عبيد اهلل بن‪ ‬زياد‪،‬‬
‫وحصين بن نمري‪ ،‬وابن ذي الكالع‪ ،‬فنصبت هذه الرؤوس عىل باب املس�جد‪،‬‬
‫وقسم ابن احلنفية املال بني أصحابه‪.‬‬
‫(((‬

‫خاتمة المطاف‬
‫وأي ًا كانت احلقيقة يف املثوى األخري لرأس احلسني يف املدينة أو كربالء أو القاهرة‪،‬‬
‫فليس يف ذلك ما يضريه‪ ،‬وإنام س�اهم يف اجتذاب أكرب عدد من املس�لمني يف بقاع‬
‫خمتلفة من العامل لزيارة احلسني واالنشداد إىل أهدافه‪ ،‬إضافة إىل االمتعاظ والنفور‬
‫من أعدائه وما قاموا به من عمل مشني‪ ،‬بينام حتولت كل بقعة يحُ تمل أن يكون فيها‬
‫رأس احلسني إىل منار وروضة يامرس فيها املسلمون أقدس طقوسهم صال ًة وتالو ًة‬
‫وترضع ًا إىل اهلل‪ ،‬وبذلك خدمة ألهداف احلسني وما ضحى من أجله‪:‬‬
‫ما ضاع رأسك يف الدنيا وهم ضاعوا‬ ‫طافوا برأس�ك ي�ا بن املصطف�ى حنق ًا‬
‫لك�ن على كون�ه يف القل�ب إمج�اع‬ ‫مل جيم�ع الق�وم يف حتدي�د موضع�ه‬

‫(((   الطبقات الكربى‪.100 /5 :‬‬


‫(((  أنساب األرشاف‪.566/2 :‬‬
‫امل�صادر‬

‫حرف الألف‬
‫‪ 1‬ـ ‪1‬اتعاظ احلنفاء بأخبار األئمة الفاطميني اخللفاء‪ ،‬للمقريزي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬مجال الدين‬
‫الشيال‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،1996‬القاهرة‪ ،‬وزارة األوقاف‪ ،‬مرص‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ‪2‬اآلح�اد واملثاين‪ ،‬البن أيب عاصم‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬باس�م فيص�ل أمحد اجلوابرة‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1991‬م‪ ،‬دار الراية‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ‪3‬أحس�ن التقاس�يم يف معرفة األقاليم‪ ،‬للمقديس‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪.‬حممد خمزوم‪،1987 ،‬‬
‫دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ‪4‬إحكام األحكام رشح عمدة األحكام‪ ،‬لتقي الدين أيب الفتح‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ‪5‬األخبار الطوال‪ ،‬للدينوري‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد املنعم عامر‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،1960‬دار‬
‫إحياء الكتاب العريب‪ ،‬عيسى البايب احللبي ورشكاه‪ .‬القاهرة ـ مرص‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ ‪6‬األزمن�ة واألمكنة‪ ،‬للمرزوقي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬نايف الدليمي‪ ،‬الطبعة األوىل ‪،2002‬‬
‫عامل الكتب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ ‪7‬االس�تيعاب يف معرفة األصح�اب‪ ،‬البن عبد الرب‪ ،‬حتقيق‪ :‬علي حممد البجاوي‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪ 1412‬هـ ‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ ‪8‬أسد الغابة يف معرفة الصحابة‪ ،‬البن األثري‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫المصــادر‬ ‫‪ 227‬‬

‫‪ 9‬ـ ‪9‬اإلصاب�ة يف متيي�ز الصحاب�ة‪ ،‬الب�ن حج�ر‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬ع�ادل أمح�د عب�د املوجود‪،‬‬
‫عيل حممد معوض‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1415‬هـ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ ‪10‬األعالق اخلطرية‪ ،‬البن شداد‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ ‪11‬األعلام‪ ،‬لل�زركيل‪ ،‬الطبع�ة اخلامس�ة ‪1980‬م‪ ،‬دار العل�م للماليين‪،‬‬
‫بريوت‪ ‬ـ‪ ‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ ‪12‬أعي�ان الش�يعة‪ ،‬للس�يد حمس�ن األمين‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬حس�ن األمين‪ ،‬دار التعارف‬
‫للمطبوعات‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 13‬ـ ‪13‬أعيان العرص وأعوان النرص‪ ،‬للصفدي‪ ،‬حتقيق‪ :‬مكتب البحوث والدراس�ات‬
‫يف دار الفكر‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،1998‬دار الفكر‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ ‪14‬األغ�اين‪ ،‬أليب الف�رج األصفه�اين‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل مهنا وس�مري جاب�ر‪ ،‬دار الفكر‬
‫للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 15‬ـ ‪15‬اقتضاء الرصاط املستقيم‪ ،‬البن تيمية‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حامد الفقي‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ ،1369‬مطبعة السنة املحمدية‪ ،‬القاهرة ـ مرص‪.‬‬
‫‪ 16‬ـ ‪16‬اإلكمال‪ ،‬الب�ن ماك�وال‪ ،‬الطبع�ة األوىل ‪ ،1990‬دار الكت�ب العلمي�ة‪،‬‬
‫بريوت‪ ‬ـ‪ ‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 17‬ـ ‪17‬إكامل الكامل‪ ،‬للحافظ ابن ماكوال‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫‪ 18‬ـ ‪18‬األم�ايل اخلميس�ية‪ ،‬الب�ن الش�جري‪ ،‬الطبع�ة الثالث�ة ‪ ،1983‬ع�امل الكت�ب‪،‬‬
‫بريوت‪ ‬ـ‪ ‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 19‬ـ ‪19‬األمر باالتباع والنهي عن االبتداع‪ ،‬للسيوطي‪.‬‬
‫‪ 20‬ـ ‪20‬أنس�اب األرشاف‪ ،‬للبلاذري‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬حممود الف�ردوس العظ�م‪ ،‬دار اليقظة‬
‫العربية‪ ،‬دمشق ـ سوريا‪.‬‬
‫‪ 21‬ـ ‪21‬األنساب املتفقة‪ ،‬ابن القيرساين‪1865 ،‬م‪ ،‬مطبعة بريل‪.‬‬
‫‪ 22‬ـ ‪22‬األنس�اب للس�معاين‪ ،‬تقديم وتعليق‪ :‬عب�د اهلل عمر الب�ارودي‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪1988‬م‪ ،‬دار اجلنان للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 23‬ـ ‪23‬األوائل‪ ،‬أليب هالل العسكري‪.‬‬
‫‪228‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫حرف الباء‬
‫‪ 24‬ـ ‪24‬البدء والتاريخ‪ ،‬للمقديس‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬بورسعيد‪.‬‬
‫‪ 25‬ـ ‪25‬البداي�ة والنهاية‪ ،‬البن كثري‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل شيري‪ ،‬الطبع�ة األوىل ‪1988‬م‪ ،‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 26‬ـ ‪26‬الربصان والعرجان والعميان واحلوالن‪ ،‬للجاحظ‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد السلام حممد‬
‫هارون‪ ،1982 ،‬دار الرشيد‪ ،‬العراق‪.‬‬
‫‪ 27‬ـ ‪27‬بغية الطلب يف تاريخ حلب‪ ،‬أليب جرادة‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬سهيل زكار‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬

‫حرف التاء‬
‫‪ 28‬ـ ‪28‬ت�اج الع�روس‪ ،‬للزبي�دي‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬علي شيري‪1994 ،‬م‪ ،‬دار الفك�ر‪،‬‬
‫بريوت‪ ‬ـ‪ ‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 29‬ـ ‪29‬تاريخ ابن الوردي‪1996 ،‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 30‬ـ ‪30‬تاريخ ابن خلدون‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 31‬ـ ‪31‬تاريخ أصفهان‪ ،‬أليب نعيم األصفهاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬س�يد كرسوي حسن‪1990 ،‬م‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 32‬ـ ‪32‬تاريخ اإلسلام‪ ،‬للذهبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عمر عبد السلام تدمري‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪ 1407‬ـ ‪1987‬م‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 33‬ـ ‪33‬تاريخ الرس�ل واملل�وك‪ ،‬البن جرير الطربي‪ ،‬مؤسس�ة األعلمي للمطبوعات‪،‬‬
‫بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 34‬ـ ‪34‬التاري�خ الصغير‪ ،‬للبخ�اري‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬حمم�ود إبراهي�م زاي�د‪ ،‬الطبع�ة األوىل‬
‫‪1406‬هـ‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 35‬ـ ‪35‬تاري�خ اليعق�ويب‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬عب�د األمري مهن�ا‪ ،‬الطبع�ة األوىل ‪ ،1993‬مؤسس�ة‬
‫األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪..‬‬
‫‪ 36‬ـ ‪36‬تاري�خ بغداد‪ ،‬للخطيب البغ�دادي‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى عبد الق�ادر عطا‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪ ،1997‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫المصــادر‬ ‫‪ 229‬‬

‫‪ 37‬ـ ‪37‬تاري�خ خليفة ب�ن خياط‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬الدكت�ور س�هيل زكار‪1993 ،‬م‪ ،‬دار الفكر‬
‫للطباعة والنرش والتوزيع‪.‬‬
‫‪ 38‬ـ ‪38‬تاريخ مدينة دمشق‪ ،‬البن عساكر‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل شريي‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1995‬م‪،‬‬
‫دار الفكر للطباعة والنرش والتوزيع‪.‬‬
‫‪ 39‬ـ ‪39‬تاريخ مكة املرشفة واملس�جد احلرام‪ ،‬البن الضياء املكي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عالء إبراهيم‬
‫وأيمن نرص‪ ،‬الطبعة الثانية ‪2004‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 40‬ـ ‪40‬تبصري املنتبه بتحرير املشتبه‪ ،‬البن حجر العسقالين‪.‬‬
‫‪ 41‬ـ ‪41‬حتف�ة األح�وذي‪ ،‬للمباركفوري‪ ،‬الطبع�ة األوىل ‪ ،1990‬دار الكت�ب العلمية‪،‬‬
‫بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 42‬ـ ‪42‬التحف�ة اللطيفة يف تاريخ املدينة الرشيفة‪ ،‬للس�خاوي‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1993‬م‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 43‬ـ ‪43‬تذكرة اخلواص‪ ،‬لس�بط ابن اجلوزي‪ ،‬منش�ورات الرشيف الريض؛ وطبعة دار‬
‫العلوم للتحقيق والطباعة‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،2004‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 44‬ـ ‪44‬تراجم سيدات بيت النبوة‪ ،‬د‪ .‬عائشة عبد الرمحن (بنت الشاطئ)‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العريب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 45‬ـ ‪45‬ترمج�ة اإلمام احلسين يف طبقات ابن س�عد‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬عبد العزي�ز الطباطبائي‪،‬‬
‫اهلدف لإلعالم والنرش‪.‬‬
‫‪ 46‬ـ ‪46‬تزيني األسواق بأخبار العشاق‪ ،‬البن عمر األنطاكي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬حممد التونجي‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪1993‬م‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 47‬ـ ‪47‬تعظيم ق�در الصالة‪ ،‬للمروزي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الرمح�ن عبد اجلبار الفريوائي‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪1406‬هـ‪ ،‬مكتبة الدار‪ ،‬املدينة املنورة ـ السعودية‪.‬‬
‫‪ 48‬ـ ‪48‬تفسير اب�ن أيب حات�م‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬أس�عد حمم�د الطي�ب‪ ،‬املكتب�ة العرصي�ة‪،‬‬
‫صيدا‪ ‬ـ‪ ‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 49‬ـ ‪49‬تفسير ابن كثري‪ ،‬البن كثري الدمش�قي‪ ،‬حتقيق‪ :‬س�امي بن حممد سالمة‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1999‬م‪ ،‬دار طيبة للنرش والتوزيع‪.‬‬
‫‪230‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫‪ 50‬ـ ‪50‬تفسري روح املعاين‪ ،‬لآللويس‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 51‬ـ ‪51‬هتذيب األسامء‪ ،‬للنووي‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى عبد القادر عطا‪.‬‬
‫‪ 52‬ـ ‪52‬هتذي�ب التهذي�ب‪ ،‬الب�ن حج�ر‪ ،‬الطبع�ة األوىل ‪1984‬م‪ ،‬دار الفك�ر‪،‬‬
‫بريوت‪ ‬ـ‪ ‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 53‬ـ ‪53‬هتذي�ب الكمال‪ ،‬للم�زي‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬د‪ .‬بش�ار ع�واد مع�روف‪ ،‬الطبع�ة الرابعة‪،‬‬
‫‪1992‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 54‬ـ ‪54‬التواضع واخلمول‪ ،‬البن أيب الدنيا‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد عبد القادر أمحد عطا‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1989‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬

‫حرف الثاء‬
‫‪ 55‬ـ ‪55‬الثقات‪ ،‬البن حبان‪ ،‬الطبعة األوىل‪ 1393 ،‬هـ‪ ،‬مؤسسة الكتب الثقافية‪.‬‬

‫حرف اجليم‬
‫‪ 56‬ـ ‪56‬مجهرة أنساب العرب‪ ،‬البن حزم األندليس‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪2003‬م‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 57‬ـ ‪57‬جواهر املطالب يف مناقب اإلمام عيل‪ ،‬البن الدمشقي‪ ،‬حتقيق‪ :‬الشيخ حممد باقر‬
‫املحمودي‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1415‬هـ‪ ،‬جممع إحياء الثقافة اإلسالمية‪ ،‬قم ـ إيران‪.‬‬
‫‪ 58‬ـ ‪58‬اجلوهرة يف نس�ب النب�ي وأصحابه العشرة‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور حمم�د التونجي‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪ 1402‬هـ ‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬

‫حرف احلاء‬
‫‪ 59‬ـ ‪59‬حديث أيب الفضل الزهري‪.‬‬

‫حرف اخلاء‬
‫‪ 60‬ـ ‪60‬خالصة الوفا بأخبار دار املصطفى‪ ،‬للسمهودي‪.‬‬
‫‪ 61‬ـ ‪61‬اخلوارج والشيعة‪ ،‬د‪ .‬عبد الرمحن البدوي‪ ،‬الطبعة اخلامسة ‪1998‬م‪ ،‬دار‪ ‬اجلليل‬
‫للكتب والنرش‪ ،‬القاهرة ـ مرص‪.‬‬
‫المصــادر‬ ‫‪ 231‬‬

‫حرف الدال‬
‫‪ 62‬ـ ‪62‬درر الس�مط‪ ،‬الب�ن األبار‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬د‪ .‬عز الدي�ن عمر موس�ى‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪ ،1987‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 63‬ـ ‪63‬دي�وان ديك اجل�ن‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪.‬أمح�د مطلوب وعي�د اهلل اجلب�وري‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬
‫بريوت ـ لبنان‪.‬‬

‫حرف الذال‬
‫‪ 64‬ـ ‪64‬ذي�ل تاريخ بغ�داد‪ ،‬البن النجار البغدادي‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬مصطفى عبد القادر حييى‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪1997‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬

‫حرف الراء‬
‫‪ 65‬ـ ‪65‬رأس احلسني‪ ،‬البن تيمية‪ ،‬حتقيق السيد اجلمييل‪.‬‬
‫‪ 66‬ـ ‪66‬ال�روض املعط�ار يف خرب األقطار‪ ،‬للحمريي‪ ،‬حتقيق‪ :‬إحس�ان عب�اس‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1980‬م‪ ،‬مؤسسة نارص للثقافة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 67‬ـ ‪67‬رحل�ة ابن جبري‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬د‪ .‬حممد مصطفى زي�ادة‪ ،‬دار الكت�اب اللبناين ‪ /‬دار‬
‫الكتاب املرصي‪ ،‬بريوت ‪ /‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ 68‬ـ ‪68‬الرس�ائل‪ ،‬للجاح�ظ‪ ،‬رشحه وعل�ق عليه‪ :‬حممد باس�ل عيون الس�ود‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪2000‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 69‬ـ ‪69‬رحل�ة ابن بطوطة‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬علي املنترص الكتاين‪ ،‬الطبع�ة الرابعة ‪1405‬هـ‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬

‫حرف الزاي‬
‫‪ 70‬ـ ‪70‬الزواج�ر عن اقتراف الكبائر‪ ،‬البن حج�ر اهلثيمي‪ ،‬حتقيق‪ :‬مركز الدراس�ات‬
‫والبح�وث بمكتب�ة ن�زار مصطفى الب�از‪ ،‬الطبع�ة الثاني�ة ‪1999‬م‪ ،‬املكتب�ة العرصية‪،‬‬
‫صيدا‪ ‬ـ لبنان‪.‬‬
‫‪232‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫‪ 71‬ـ ‪71‬الزهرة‪ ،‬أليب داود األصبهاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬إبراهيم السامرائي و د‪ .‬نوري القييس‪،‬‬
‫دار احلرية‪ ،1975 ،‬بغداد ـ العراق‪.‬‬
‫حرف ال�سني‬
‫‪ 72‬ـ ‪72‬س�مط النج�وم الع�وايل‪ ،‬لعبد امللك املك�ي‪ ،‬حتقيق‪ :‬ع�ادل أمحد عب�د املوجود‬
‫وعيل حممد معوض‪1998 ،‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 73‬ـ ‪73‬الس�نة‪ ،‬الب�ن أيب عاص�م‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد ن�ارص الدي�ن األلب�اين‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪1400‬هـ‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 74‬ـ ‪74‬س�نن أيب داود‪ ،‬أليب داود األزدي‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬حمم�د حم�ي الدي�ن عب�د احلمي�د‪،‬‬
‫دار‪ ‬الفكر‪.‬‬
‫‪ 75‬ـ ‪75‬س�نن الرتم�ذي‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬عبد الرمح�ن حممد عثمان‪ ،‬الطبع�ة الثاني�ة ‪1983‬م‪،‬‬
‫دار‪ ‬الفكر للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 76‬ـ ‪76‬سير أعلام النبالء‪ ،‬للذهبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬نذير محدان‪ ،1993 ،‬مؤسس�ة الرس�الة‪،‬‬
‫بريوت ـ لبنان‪ .‬وطبعة دار الكتاب العريب‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عمر عبد السالم تدمري‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪1987 ،‬م‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 77‬ـ ‪77‬السرية احللبية‪ ،‬للحلبي‪ 1400 ،‬هـ‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 78‬ـ ‪78‬السرية النبوية‪ ،‬البن كثري‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى عبد الواحد‪1976 ،‬م‪ ،‬دار املعرفة‪،‬‬
‫بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫حرف ال�شني‬
‫‪ 79‬ـ ‪79‬ش�ذرات الذه�ب يف أخب�ار من ذهب‪ ،‬لعبد احل�ي احلنبيل‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬عبد القادر‬
‫األرناؤوط‪ ،‬حممد األرناؤوط‪1406 ،‬هـ ‪ ،‬دار ابن كثري‪ ،‬دمشق ـ سوريا‪.‬‬
‫‪ 80‬ـ ‪80‬رشح ديوان احلامس�ة‪ ،‬للمرزوقي‪ ،‬حتقيق‪ :‬غريد الشيخ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪،2002‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 81‬ـ ‪81‬رشح هن�ج البالغة‪ ،‬البن أيب احلدي�د‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1959‬م‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬
‫‪ 82‬ـ ‪82‬الرشيعة‪ ،‬لآلجري‪.‬‬
‫المصــادر‬ ‫‪ 233‬‬

‫حرف ال�صاد‬
‫‪ 83‬ـ ‪83‬صبح األعشى يف كتابة اإلنشا‪ ،‬للقلقشندي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد القادر زكار‪،1981 ،‬‬
‫وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ 84‬ـ ‪84‬صحي�ح اب�ن حب�ان برتتي�ب اب�ن بلب�ان‪ ،‬ملحم�د ب�ن حب�ان البس�تي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫شعيب‪ ‬األرناؤوط‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،1993‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 85‬ـ ‪85‬صحيح البخاري‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد زهري بن نارص النارص‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1422‬هـ‪،‬‬
‫دار طوق النجاة‪.‬‬
‫‪ 86‬ـ ‪86‬الصواع�ق املحرقة‪ ،‬البن حجر‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد الرمحن بن عبد اهلل الرتكي وكامل‬
‫حممد اخلراط‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1997‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬

‫حرف ال�ضاد‬
‫‪ 87‬ـ ‪87‬الضوء الالمع ألهل القرن التاس�ع‪ ،‬للس�خاوي‪ ،‬منش�ورات دار مكتبة احلياة‪،‬‬
‫بريوت ـ لبنان‪.‬‬

‫حرف الطاء‬
‫‪ 88‬ـ ‪88‬طبق�ات احلف�اظ‪ ،‬للس�يوطي‪ ،‬الطبع�ة األوىل ‪ ،1403‬دار الكت�ب العلمي�ة‪،‬‬
‫بريوت‪ ‬ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 89‬ـ ‪89‬طبقات الشعراء‪ ،‬البن املعتز‪.‬‬
‫‪ 90‬ـ ‪90‬الطبقات الكربى‪ ،‬البن س�عد‪ ،‬حتقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1968‬م‪،‬‬
‫دار صادر‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬

‫حرف العني‬
‫‪ 91‬ـ ‪91‬العبر يف خبر م�ن غرب‪ ،‬للذهب�ي‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬حممد بس�يوين زغل�ول‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمي�ة‪ ،‬بيروت ـ لبن�ان‪ ،‬وطبعة مطبعة حكوم�ة الكويت‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬د‪ .‬صالح الدين‬
‫املنجد‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.1984‬‬
‫‪234‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫‪ 92‬ـ ‪92‬عجائب اآلثار يف الرتاجم واألخبار‪ ،‬للجربيت‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 93‬ـ ‪93‬العق�د الفري�د‪ ،‬الب�ن عبد رب�ه األندلسي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪.‬عب�د املجي�د الرتحيني و‬
‫د‪.‬مفيد‪ ‬حممد قميحة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 94‬ـ ‪94‬عمدة القاري‪ ،‬للعيني‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 95‬ـ ‪95‬العم�دة‪ ،‬الب�ن البطريق‪ 1407 ،‬هـ‪ ،‬مؤسس�ة النرش اإلسلامي التابعة جلامعة‬
‫املدرسني بقم املرشفة‪.‬‬
‫حرف الفاء‬
‫‪ 96‬ـ ‪96‬الفائ�ق يف غري�ب احلديث‪ ،‬للزخمرشي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل حمم�د البجاوي وحممد أبو‬
‫الفضل إبراهيم‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 97‬ـ ‪97‬الفت�وح‪ ،‬ألمحد بن أعثم الكويف‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل شيري‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1411‬هـ‪،‬‬
‫دار األضواء‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 98‬ـ ‪98‬فضائ�ل الصحاب�ة‪ ،‬لإلم�ام أمحد بن حنب�ل‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬د‪ .‬ويص اهلل حممد عباس‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪1983‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ 99‬ـ ‪99‬ف�وات الوفي�ات‪ ،‬للكتب�ي‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬علي حمم�د ب�ن يع�وض اهلل وع�ادل أمحد‬
‫عبد‪ ‬املوجود‪ ،‬الطبعة األوىل‪2000 ،‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪100‬ـ ‪100‬في�ض القدي�ر رشح اجلام�ع الصغير‪ ،‬للمن�اوي‪ ،‬الطبع�ة األوىل ‪ 1356‬هـ‪،‬‬
‫املكتبة التجارية الكربى‪ ،‬مرص‪.‬‬

‫حرف القاف‬
‫‪101‬ـ ‪101‬قام�وس الرج�ال‪ ،‬للش�يخ حممد تقي التستري‪ ،‬الطبع�ة األوىل‪ 1419 ،‬هـ ‪،‬‬
‫النارش‪ :‬مؤسسة النرش اإلسالمي التابعة جلامعة املدرسني بقم املرشفة‪.‬‬
‫حرف الكاف‬
‫‪102‬ـ ‪102‬الكام�ل يف التاري�خ‪ ،‬الب�ن األثير‪1966 ،‬م‪ ،‬دار ص�ادر للطباع�ة والنشر‪،‬‬
‫بريوت‪ ‬ـ لبنان‪.‬‬
‫‪103‬ـ ‪103‬الكناية والتعريض‪ ،‬للثعالبي‪ ،1972 ،‬دار صعب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫المصــادر‬ ‫‪ 235‬‬

‫حرف الالم‬
‫‪104‬ـ ‪104‬لباب األنساب واأللقاب واألعقاب‪ ،‬للبيهقي‪.‬‬
‫‪105‬ـ ‪105‬اللباب يف هتذيب األنساب‪ ،‬للجزري‪1980 ،‬م‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪106‬ـ ‪106‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ 1405 ،‬هـ‪ ،‬نرش أدب احلوزة‪ ،‬قم ـ إيران؛ وطبعة‬
‫دار صادر‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪107‬ـ ‪107‬لس�ان املي�زان‪ ،‬الب�ن حج�ر‪ ،‬الطبع�ة الثاني�ة ‪1971‬م‪ ،‬مؤسس�ة األعلم�ي‬
‫للمطبوعات‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫حرف امليم‬
‫‪108‬ـ ‪108‬جممع الزوائد‪ ،‬للهيثمي‪1988 ،‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪109‬ـ ‪109‬جمم�وع الفت�اوى‪ ،‬البن تيمي�ة‪ ،‬حتقيق‪ :‬عب�د الرمحن حممد قاس�م العاصمي‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪.‬‬
‫‪110‬ـ ‪110‬املحرب‪ ،‬البن حبيب البغدادي‪ ،‬ذي القعدة ‪ ،1361‬مطبعة الدائرة‪.‬‬
‫‪111‬ـ ‪111‬املح�ن‪ ،‬للتميم�ي‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬عمر س�ليامن العقييل‪ ،‬الطبع�ة األوىل ‪1984‬م‪،‬‬
‫دار‪ ‬العلوم‪ ،‬الرياض ـ السعودية‪.‬‬
‫‪112‬ـ ‪112‬خمت�ارات م�ن آثار البلاد وأخب�ار العباد للقزوين�ي‪ ،‬اخت�ار النصوص وقدم‬
‫هل�ا وعل�ق عليه�ا‪ :‬قاس�م وه�ب‪ ،2006 ،‬منش�ورات وزارة الثقاف�ة يف اجلمهوري�ة‬
‫العربية‪ ‬السورية‪.‬‬
‫‪113‬ـ ‪113‬خمترص تاريخ دمشق‪ ،‬البن منظور‪.‬‬
‫‪114‬ـ ‪114‬املخترص يف أخبار البرش‪ ،‬أليب الفداء‪ ،‬علق عليه‪ :‬حممود ديوب‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪ ،1997‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪115‬ـ ‪115‬م�رآة اجلن�ان وعبرة اليقظ�ان‪ ،‬لليافع�ي‪1993 ،‬م‪ ،‬دار الكتاب اإلسلامي‪،‬‬
‫القاهرة ـ مرص‪.‬‬
‫‪116‬ـ ‪116‬م�روج الذه�ب ومعادن اجلوه�ر‪ ،‬للمس�عودي‪ ،‬حتقيق‪ :‬مفيد حمم�د قميحة‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪ ،2004‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪ ،‬وطبعة مؤسس�ة األعلمي‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬أمري مهنا‪ ،‬الطبعة األوىل ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪236‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫‪117‬ـ ‪117‬مسالك األبصار يف ممالك األمصار‪ ،‬البن فضل اهلل العمري‪.‬‬


‫‪118‬ـ ‪118‬املسالك واملاملك‪ ،‬لالصطخري‪.‬‬
‫‪119‬ـ ‪119‬املس�تدرك على الصحيحين‪ ،‬للحاك�م النيس�ابوري‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬مصطف�ى‬
‫عبد‪ ‬القادر‪ ‬عطا‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،1990‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪120‬ـ ‪120‬مس�ند أيب يعىل‪ ،‬أليب يعىل املوصيل‪ ،‬حتقيق‪ :‬حسين سليم أسد‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪1984‬م‪ ،‬دار املأمون للرتاث‪ ،‬دمشق ـ سوريا‪.‬‬
‫‪121‬ـ ‪121‬مسند أمحد بن حنبل‪ ،‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬القاهرة ـ مرص‪.‬‬
‫‪122‬ـ ‪122‬مش�اهري علامء األمص�ار‪ ،‬البن حبان‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬مرزوق علي إبراهيم‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪1411‬هـ ‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬املنصورة ـ مرص‪.‬‬
‫‪123‬ـ ‪123‬املصنف‪ ،‬لعبد الرزاق الصنعاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬الشيخ حبيب الرمحن األعظمي‪.‬‬
‫‪124‬ـ ‪124‬مطالب الس�ؤول يف مناقب آل الرس�ول‪ ،‬ملحمد بن طلحة الش�افعي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫ماجد بن أمحد العطية‪.‬‬
‫‪125‬ـ ‪125‬املطال�ب العالي�ة بزوائ�د املس�انيد الثامني�ة‪ ،‬البن حج�ر العس�قالين‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬س�عد ب�ن نارص بن عبد العزيز الشتري‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1419‬ه�ـ‪ ،‬دار العاصمة‪/‬‬
‫دار‪ ‬الغيث‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪126‬ـ ‪126‬املعارف‪ ،‬البن قتيبة‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬ثروت عكاشة‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ‬ـ‪ ‬مرص‪.‬‬
‫‪127‬ـ ‪127‬معجم البلدان‪ ،‬للحموي‪1979 ،‬م‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪128‬ـ ‪128‬املعجم الكبري‪ ،‬للطرباين‪ ،‬حتقيق‪ :‬محدي عبد املجيد السلفي‪ ،‬دار إحياء الرتاث‬
‫العريب؛ وطبعة مكتبة الزهراء‪ ،‬املوصل ‪.1983‬‬
‫‪129‬ـ ‪129‬معجم رجال احلديث‪ ،‬للسيد اخلوئي‪ ،‬الطبعة اخلامسة ‪1992‬م‪.‬‬
‫‪130‬ـ ‪130‬معجم قبائل العرب‪ ،‬للدكتور عمر كحالة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1968‬م‪ ،‬دار العلم‬
‫للماليني‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪131‬ـ ‪131‬معجم ما استعجم‪ ،‬للبكري األندليس‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى السقا‪ ،‬الطبعة الثالثة‬
‫‪1983‬م‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪132‬ـ ‪132‬معرف�ة الصحاب�ة‪ ،‬أليب نعي�م األصبه�اين‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬حمم�د حس�ن حممد حس�ن‬
‫المصــادر‬ ‫‪ 237‬‬

‫إسماعيل‪ ،‬مس�عد عبد احلميد الس�عدين‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،2002‬دار الكت�ب العلمية‪،‬‬
‫بريوت‪ ‬ـ‪ ‬لبنان‪.‬‬
‫‪133‬ـ ‪133‬مغاين األخيار‪ ،‬أليب حممد العيني‪.‬‬
‫‪134‬ـ ‪134‬املفص�ل يف تاريخ العرب قبل اإلسلام‪ ،‬للدكتور جواد علي‪ ،‬الطبعة الرابعة‬
‫‪2001‬م‪ ،‬دار الساقي‪.‬‬
‫‪135‬ـ ‪135‬مقات�ل الطالبيني‪ ،‬أليب الفرج األصفهاين‪ ،‬حتقيق‪ :‬كاظم املظفر‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ ،1965‬منشورات املكتبة احليدرية ومطبعتها‪ ،‬النجف األرشف‪.‬‬
‫‪136‬ـ ‪136‬مقتل احلسين‪ ،‬أليب خمنف األزدي‪ ،‬تعليق‪ :‬حسني الغفاري‪ ،‬املطبعة العلمية‪،‬‬
‫قم ـ إيران‪.‬‬
‫‪137‬ـ ‪137‬منادمة األطالل ومسامرة اخليال‪ ،‬لعبد القادر بدران‪ ،‬حتقيق‪ :‬زهري الشاويش‪،‬‬
‫‪1985‬م‪ ،‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪138‬ـ ‪138‬املنتخب من ذيل املذيل‪ ،‬للطربي‪ ،‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪1939 ،‬م‪،‬‬
‫بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪139‬ـ ‪139‬املنتظم يف تاريخ امللوك واألمم‪ ،‬للجوزي‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،1358‬دار صادر‪،‬‬
‫بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪140‬ـ ‪140‬منهاج السنة‪ ،‬البن تيمية‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬حممد رشاد سامل‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1406‬هـ‪،‬‬
‫مؤسسة قرطبة‪.‬‬
‫‪141‬ـ ‪141‬املواعظ واالعتبار‪ ،‬للمقريزي‪ ،‬وضع حواشيه‪ :‬خليل املنصور‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪ ،1998‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪142‬ـ ‪142‬ميزان االعتدال‪ ،‬للذهبي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل حممد البجاوي‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1963‬م‪،‬‬
‫دار املعرفة للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬

‫حرف النون‬
‫‪143‬ـ ‪143‬النج�وم الزاه�رة يف ملوك مصر والقاه�رة‪ ،‬الن تغري ب�ردي‪ ،‬وزارة الثقافة‬
‫واإلرشاد القومي‪ ،‬مرص‪.‬‬
‫‪238‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫‪144‬ـ ‪144‬نسب معد واليمن الكبري‪ ،‬البن الكلبي‪.‬‬


‫‪145‬ـ ‪145‬نظم درر الس�مطني‪ ،‬للزرندي احلنفي‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1958‬م‪ ،‬مكتبة اإلمام‬
‫أمري املؤمنني العامة‪.‬‬
‫‪146‬ـ ‪146‬نف�ح الطي�ب يف غص�ن األندلس الرطي�ب‪ ،‬للتلمس�اين‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬إحس�ان‬
‫عباس‪ 1388 ،‬هـ‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪147‬ـ ‪147‬نفح�ة الرحيانة ورش�حة طلاء احلانة‪ ،‬للمحب�ي‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد عناي�ة‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪2005‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪148‬ـ ‪148‬هناي�ة اإلرب يف فن�ون األدب‪ ،‬للنويري‪ ،‬حتقيق‪ :‬مفيد قمحية ومجاعة‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪ ،2004‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪149‬ـ ‪149‬النهاي�ة يف غري�ب احلديث‪ ،‬الب�ن األثري‪ ،‬حتقيق‪ :‬طاهر أمح�د الزاوي‪ ،‬حممود‬
‫حمم�د الطناح�ي‪ ،‬الطبعة الرابع�ة ‪ 1364‬ش‪ ،‬مؤسس�ة إسماعيليان للطباع�ة والنرش‬
‫والتوزيع‪ ،‬قم ـ إيران‪.‬‬
‫‪150‬ـ ‪150‬هنج اإليامن‪ ،‬البن جرب‪ ،‬حتقيق‪ :‬السيد أمحد احلسيني‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ 1418‬هـ‪،‬‬
‫جممع اإلمام املهدي(ع)‪ ،‬مشهد ـ إيران‪.‬‬

‫حرف الواو‬
‫‪151‬ـ ‪151‬ال�وايف بالوفي�ات‪ ،‬للصف�دي‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬أمح�د األرن�اؤوط وترك�ي مصطفى‪،‬‬
‫‪2000‬م‪ ،‬دار إحياء الرتاث‪ ،‬بريوت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪152‬ـ ‪152‬وفي�ات األعيان وأنب�اء أبناء الزم�ان‪ ،‬البن خلكان‪ ،‬حتقيق‪ :‬إحس�ان عباس‪،‬‬
‫دار‪ ‬الثقافة‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪153‬ـ ‪153‬وقع�ة صفين‪ ،‬الب�ن مزاح�م املنق�ري‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬عبد السلام حممد ه�ارون‪،‬‬
‫‪1403‬هـ‪ ،‬منشورات مكتبة آية اهلل املرعيش النجفي‪ ،‬قم ـ إيران‪.‬‬

‫حرف الياء‬
‫‪154‬ـ ‪154‬ينابي�ع املودة ل�ذوي القربى‪ ،‬للقندوزي‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل مجال أرشف احلس�يني‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪ 1416‬هـ‪ ،‬دار األسوة للطباعة والنرش‪.‬‬
‫املحتويات‬
‫املقدمة ‪5......................................................................‬‬
‫الف�صل الأول يف كربالء‬
‫طلب رأس احلسني‪11..........................................................‬‬
‫املحرضون عىل قتل احلسني ‪19..................................................‬‬
‫من احتز رأس احلسني ‪22.......................................................‬‬
‫سنان بن أنس النخعي ‪25.......................................................‬‬
‫شمر بن ذي اجلوشن ‪34........................................................‬‬
‫خوىل بن يزيد األصبحي‪53.....................................................‬‬
‫رجل من مذحج وأسامء أخرى ‪58..............................................‬‬
‫الروايات املشرتكة‪60...........................................................‬‬
‫أوقر ركايب فضة أو ذهبا ‪64.....................................................‬‬
‫الف�صل الثاين يف الكوفة‬
‫املبرش بقتل احلسني(ع) ‪71......................................................‬‬
‫رأس احلسني يصل الكوفة‪74...................................................‬‬
‫رأس احلسني بني يدي ابن زياد‪78...............................................‬‬
‫مواقف أخرى‪87...............................................................‬‬
‫تقوير رأس احلسني‪89..........................................................‬‬
‫الترسيح برأس احلسني من الكوفة إىل الشام ‪94..................................‬‬
‫أول رأس محل يف اإلسالم‪106....................................................‬‬
‫الف�صل الثالث يف ال�شام‬
‫يزيد يستقبل الرأس يف الشام ‪115.................................................‬‬
‫‪240‬‬ ‫رأس الحسين ‬

‫موقف هند بنت عبد اهلل بن عامر‪123.............................................‬‬


‫موقف الصحايب أيب برزة األسلمي ‪125...........................................‬‬
‫موقف الصحايب واثلة بن األسقع ‪129............................................‬‬
‫رأس احلسني يصلب يف الشام‪133................................................‬‬
‫احتجاج خالد بن معدان‪136.....................................................‬‬
‫ريا حاضنة يزيد بن معاوية ‪141............................................‬‬ ‫شهادة َّ‬
‫موقف رسول قيرص ‪146.........................................................‬‬
‫السبايا ورأس احلسني ‪148.......................................................‬‬
‫رأي ابن تيمية يف مسري السبايا إىل الشام‪151.......................................‬‬
‫الف�صل الرابع مدفن الر�أ�س‬
‫االحتامل األول (الشام)‪166......................................................‬‬
‫االحتامل الثاين (كربالء) مع اجلسد‪174...........................................‬‬
‫االحتامل الثالث املدينة املنورة (عند قرب أمه) ‪176..................................‬‬
‫االحتامل الرابع مدينة عسقالن‪182................................................‬‬
‫االحتامل اخلامس مدينة القاهرة ‪185..............................................‬‬
‫االحتامل السادس مدينة الرقة ‪190................................................‬‬
‫االحتامل السابع مدينة مرو‪191...................................................‬‬
‫الرتجيح بني االحتامالت‪193.....................................................‬‬
‫الف�صل اخلام�س ر�ؤو�س �أخرى‬
‫رأس احلسني ورأس زيد بن عيل بن احلسني ‪201..................................‬‬
‫رأس العباس بن عيل ‪206........................................................‬‬
‫رأس حبيب بن مظاهر ‪209......................................................‬‬
‫رأس احلسني ورأس حييى ‪212...................................................‬‬
‫رأس عمر بن سعد ‪215..........................................................‬‬
‫رأس عبيد اهلل بن زياد يف الكوفة ‪219.............................................‬‬
‫املصادر ‪226.....................................................................‬‬

You might also like