You are on page 1of 48

‫فـ�صـل ـيـة فـكريـة ثـقافيـة تـعنى ب�ش ـ�ؤون امل�شــرق‬ ‫العدد رقم ‪ - 13‬ني�سان ‪2017‬‬

‫"وعد بلفور"‬
‫ً‬
‫راهنًا‬ ‫مئة عام‪ ...‬وال يزال‬
‫دعاء ال�شريف ‪ -‬حافظ الزين ‪ -‬جنيب ن�صري ‪ -‬ح�سني علي احلاج ح�سن‬
‫حممود حيدر ‪� -‬سايد فرجنيه ‪� -‬صفية �سعاده ‪ -‬مي�شال �أبوجودة‬

‫�سورية يف �ستة �آالف عام‬ ‫رحلة الأبدية‬


‫كمال ديب‬ ‫انطوان بطر�س‬
‫مبنا�سبة مرور مائة عام على وعد بلفور‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫من الوعد التوراتي‪� ..‬إىل وعد بلفور‪ ..‬للم�ؤامرة الكربى‬


‫دعاء ال�شريف ‪ -‬باحثة متخ�ص�صة بالدرا�سات الإ�سرائيلية‬

‫من منا مل ينتظر �أمام �شا�شة التلفاز بال�ساعات ليتابع مباراة كرة قدم‪� ،‬سواء كانت حملية �أو‬
‫دولية‪ ..‬من منا مل يتع�صب �أو يغ�ضب �أو يت�شاجر لأن فريقه الذي ي�شجعه خ�سر املباراة؟‪..‬‬
‫من منا مل يلقِ باللوم لهزمية فريقه على الالعبني �أو املدرب �أو حتى حكم املباراة‪ ،‬رغم �أن‬
‫ن�سبة اخلط�أ يف املباريات تكاد تنعدم لوجود �أكرث من حكم ومراقب‪ ،‬فهناك عند كل جانب‬
‫من جوانب امللعب حكم م�ساعد للحكم الأ�سا�سي حتى يتم ت�أمني كل خطوط وزوايا امللعب‬
‫من اجلوانب الأربعة‪..‬‬
‫فالقانون البد �أن يطبق داخل امللعب ومبنتهى الدقة‪ ،‬فال جمال للغ�ش �أو التالعب‪ ،‬الكل‬
‫ي�أخذ ما ي�ستحقه فاحلياد والعدل هو الأ�سا�س داخل امللعب‪� ..‬أما حول امللعب ف�ستجد كل‬
‫االحتياطات الالزمة لت�أمني املباريات الكروية‪ ،‬فهناك ت�أمني طبي عايل امل�ستوى معه �أدواته‬
‫ومعداته‪ ،‬وهناك �أي�ضاً ت�أمني �أمني ومراقبون والعبون يجل�سون كاحتياطي فال جمال لتعطيل‬
‫املباراة‪.‬‬
‫داخل امللعب البد من حما�سبة كل خمطئ وعقابه‪ ،‬بل وطرده �أحياناً وحرمانه من اللعب �إذا‬
‫جتاوز احلد‪ ،‬بل قد يطول العقاب جماهري �أحد الفرق بحرمانها من ح�ضور مباريات فريقهم‪..‬‬
‫فاحلق هو ال�سيد‪ ،‬والعدل والقانون البد �أن ي�سريا داخل امللعب‪ ..‬ولأهمية اللعب يف حياتنا مت‬
‫�إن�شاء احتاد الفيفا عام ‪ 1904‬للحفاظ على حقوق الالعبني والأندية وحقوق اللعبة ال�شهرية‪.‬‬
‫كل ذلك يحدث داخل امللعب‪� ،‬أما بالن�سبة حلياتنا اجلادة خارج امللعب على �أر�ض الواقع فال‬
‫جمال للعدل �أو لتطبيق القوانني �أو ملحا�سبة املخطئ �أو لرد احلق لأ�صحابه �أو عقاب املغت�صب‬
‫�أو الت�صدي له رغم �أن اجلماهري يف مباراة حياتنا احلقيقية اجلادة هو العامل ب�أ�سره لكن رد‬
‫احلقوق وتطبيق القوانني و�إقامة العدل ال يكون �إال يف �ألعاب الأوملبياد فقط‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫فح�سب امل�شهد الأممي و�أر�شيف القرارات الدولية املتعلقة بال�شعب الفل�سطيني وحقوقه‬
‫املغت�صبة‪ ،‬ف�إن هناك فوق رفوف الأمم املتحدة حتى اليوم نحو ‪ 845‬قراراً دولياً �صادراً عن‬
‫م�ؤ�س�ساتها وجلانها املختلفة‪ ..‬غري �أن كل هذه القرارات حتى امللزمة منها ال تعدو �أن تكون‬
‫حرباً على ورق بعد �أن رف�ضها االحتالل الإ�سرائيلي و�ضرب بها عر�ض احلائط‪� ،‬أو بعد �أن‬
‫ا�ستخدمت الواليات املتحدة "فيتو" الظلم والطغيان �ضدها‪.‬‬
‫فقانون العنف والقتل والإرهاب والوح�شية و�سرطان اال�ستيطان و�سرقة الأر�ض هي التوراة‬
‫اجلديدة لأر�ض �إ�سرائيل وقد �شهد على ذلك الربوفي�سور الإ�سرائيلي "يهوذا جمن�س" الذي‬
‫�صرح قائ ًال‪:‬‬
‫"�إن الطريق اليهودي اجلديد يتكلم بفم البندقية‪ ..‬هذه هي التوراة اجلديدة لأر�ض‬
‫�إ�سرائيل"‬‫(‪)i‬‬

‫وهذا ما ج�سدته على �سبيل املثال ال احل�صر ال�ساعات الأوىل حلرب �إ�سرائيل التي �شنتها‬
‫على قطاع غزة يف يناير �سنة ‪ ،2009‬وما تلتها من حروب على القطاع‪� ،‬سواء يف عام ‪2012‬‬
‫�أو يف عام ‪ 2014‬وهناك حالة من املباركة التي حاول بثها احلاخامات ال�صهاينة لرفع الروح‬
‫(‪)ii‬‬

‫االنتقامية والوح�شية لدى اجلنود الإ�سرائيليني حلثهم على حرق الفل�سطينيني وقتلهم‬
‫وتقطيعهم �إرباً لينفذوا م�شيئة الرب‪.‬‬
‫ففي ت�صريح لرجل الدين الأول يف �إ�سرائيل‪ ،‬ومفتي الديار اليهودية احلاخام "مردخاي‬
‫�إلياهو"(‪ )iii‬ن�شر يف �صحيفة "يديعوت �أحرونوت" يقول‪:‬‬
‫"اقتلوهم وال ترحموا �صغريهم قبل كبريهم‪ ..‬انظروا يا �أبناء اهلل �إىل دموع �إلهكم‬
‫و�أبيكم التي ال تتوقف من �أجلكم‪ ..‬انظروا �إىل دموع التكفري عن الذنب والتوبة من الإثم‬
‫الذي ارتكبه اهلل يف حقكم"‪( iv..‬تعاىل اهلل عما ي�صفون)‬
‫ثم تال احلاخام فقرات من التلمود( )‪:‬‬
‫‪v‬‬

‫"يقف القمر معاتباً للرب (حا�شا هلل وتعاىل اهلل عما ي�صفون) فيقول‪ ..‬ملاذا خلقتني �أ�صغر‬
‫من ال�شم�س؟ ويكررها حتى يبكي الرب ويجمع املالئكة قائ ًال لهم‪ :‬كيف �أكفر عن خطيئتي‬
‫يف حق القمر؟‬
‫فتقول له املالئكة‪� :‬أكرم اليهود‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫فيقول لهم‪ :‬هم �شعبي املختار‪.‬‬


‫فتقول املالئكة‪� :‬أكرم اليهود‪.‬‬
‫فيقول‪ :‬هم �أ�سياد الب�شر‪.‬‬
‫فيقولون له‪� :‬أكرم اليهود‪.‬‬
‫فيقول‪ :‬هم �أبنائي ال �إثم عليهم يف الدنيا والآخرة يفعلون ما يريدون"‪.‬‬
‫هكذا ينتهي كالم مفتي الديار اليهودية‪ ،‬وهو كما يبدو نعم رجل الدين الرحيم احلكيم‬
‫ولكن رمبا حدث خط�أ مطبعي ب�سيط يف ال�صحيفة‪ ،‬ف�أفعالهم على مر التاريخ ال تدل على‬
‫�أنهم كما يقول تلمودهم املقد�س �أ�سياد للب�شر و�إمنا واحلق يقال "�أ�سياد لل�شر" واالفرتاء على‬
‫اهلل ومالئكته والنا�س �أجمعني‪.‬‬
‫وهذا لي�س مب�ستغرب‪ ،‬فعلى مدى ع�شرات ال�سنوات التي م�ضت ملأ ال�صهاينة الدنيا �ضجيجاً‬
‫و�صخباً مبنا�سبة ودون منا�سبة بالوعد الإلهي وبالأر�ض املقد�سة واتخذ حاخاماتهم املتطرفون‬
‫�آيات الكتاب املقد�س كحجة لهم رغم �أنها يف حقيقة الأمر حجة عليهم كما �سيت�ضح لنا فيما‬
‫بعد‪ ،‬وحاول زعما�ؤهم تربير احتاللهم لأر�ض فل�سطني العربية وكذلك تربير كل جرائمهم‪.‬‬
‫�أمل تقر�أ ت�صريح اجلرنال ال�صهيوين "مو�شي ديان" يف "جريوزاليم بو�ست" عقب حرب ‪67‬‬
‫ب�أ�شهر قليلة �إذ قال‪:‬‬
‫"�إذا كنا منلك التوراة‪ ،‬و�إذا كنا نعترب �أنف�سنا �شعب التوراة‪ ،‬فمن الواجب علينا �أن منتلك‬
‫جميع الأرا�ضي التوراتية �أر�ض الق�ضاة والكهنة‪� ،‬أر�ض �أور�شليم وحربون‪ ،‬و�أريحا و�أرا�ضي‬
‫�أخرى �أي�ضا"‬
‫ً (‪)vi‬‬

‫والأرا�ضي التوراتية التي يق�صدها "ديان" هنا لي�ست فل�سطني فح�سب‪ ،‬بل هي متتد من‬
‫النيل �إىل الفرات كما ورد يف �آيات الكتاب املقد�س‪ ،‬وهناك مئات الت�صريحات والتربيرات‬
‫والتف�سريات التي �ساقها ال�صهاينة م�ستندين فيها �إىل الكتاب املقد�س وك�أن الأمر لي�س‬
‫بيدهم فهم ينفذون �أمراً �إلهياً علوياً‪ ،‬ففي ِ�سفر التثنية ال يطلب منهم الرب اغت�صاب الأر�ض‬
‫وطرد �أ�صحابها فقط‪ ،‬بل ويطلب منهم �أال ي�شفقوا عليهم‪:‬‬
‫(ּכִי יְבִ יאֲךָ‪ ،‬יְהוָה אֱֹלהֶ יךָ‪ ،‬אֶ ל‪-‬הָ אָ ֶרץ‪ ،‬אֲׁשֶ ר‪-‬אַ ּתָ ה בָא‪ׁ-‬שָ ּמָ ה לְ ִרׁשְ ּתָ ּה;‬
‫‪17‬‬
‫ִים‪-‬רּבִים מִ ָּפנֶיךָ הַ חִ ִּתי ְוהַ ּגִ ְרּגָׁשִ י ְוהָ ֱאמ ִֹרי ְוהַ ּכְנַ עֲנִ י ְוהַ ּפְ ִרּזִ י‪ְ ،‬והַ חִ ּוִ י‬
‫ְונָ ׁשַ ל ּגֹו ַ‬
‫ְוהַ יְבּוסִ י‪ׁ--‬שִ בְ עָ ה גֹוִים‪ַ ،‬רּבִים וַעֲצּומִ ים מִ ּמֶ ּךָ‪ .‬ב ּונְ תָ נָ ם יְהוָה אֱֹלהֶ יךָ‪ ،‬לְ ָפנֶיךָ‪-‬‬
‫ֹלא‪-‬ת ְכרֹת לָהֶ ם ּבְ ִרית וְֹלא ְתחָ ּנֵם)(‪.)vii‬‬ ‫ִ‬ ‫‪ְ -‬והִ ּכִיתָ ם‪ :‬הַ ח ֲֵרם ּתַ ח ֲִרים אֹתָ ם‪،‬‬
‫"متى �أتى بك الرب �إلهك �إىل الأر�ض التي �أنت داخل �إليها لتمتلكها‪ ،‬وطرد �شعوباً كثرية‬
‫من �أمامك‪ :‬احلثيني واجلرجا�شيني والأموريني والكنعانيني والفرزيني واحلويني واليبو�سيني‪،‬‬
‫�سبع �شعوب �أكرث و�أعظم منك‪ .‬ودفعهم الرب �إلهك �أمامك‪ ،‬و�ضربتهم‪ ،‬ف�إنك حترمهم‪ .‬ال‬
‫تقطع لهم عهداً‪ ،‬وال ت�شفق عليهم"‬
‫كما تو�صيهم التوراة يف ال�سفر نف�سه بقتل �سكان الأر�ض "فل�سطني" التي �سيدخلونها‪:‬‬
‫( ְונָ תַ ן מַ לְ כֵיהֶ ם‪ּ ،‬בְ ָידֶ ךָ‪ְ ،‬והַ ֲאב ְַדּתָ אֶ ת‪ׁ-‬שְ מָ ם‪ ،‬מִ ּתַ חַ ת הַ ּׁשָ מָ ִים‪ֹ :‬לא‪ְִ -‬יתיַּצֵ ב‬
‫אִ יׁש ּבְ ָפנֶיךָ‪ ،‬עַ ד הִ ׁשְ מִ ְדךָ אֹתָ ם) (‪.)viii‬‬
‫"ويدفع ملوكهم �إىل يدك‪ ،‬فتمحو ا�سمهم من حتت ال�سماء‪ .‬ال يقف �إن�سان يف وجهك‬
‫حتى تفنيهم"‬
‫و�ستجد يف �سفر ي�شوع تف�صي ًال دقيقاً لأوامر الرب يف ارتكاب املذابح‪:‬‬
‫( ַו ַּיח ֲִרימּו‪ ،‬אֶ ת‪ּ-‬כָל‪-‬אֲׁשֶ ר ּבָעִ יר‪ ،‬מֵ אִ יׁש וְעַ ד‪-‬אִ ּׁשָ ה‪ ،‬מִ ּנַעַ ר וְעַ ד‪-‬ז ֵָקן; וְעַ ד ׁשֹור‬
‫וָׂשֶ ה ַו ֲחמֹור‪ ،‬לְ פִ י‪-‬חָ ֶרב) (‪.)ix‬‬
‫"وحرموا كل ما يف املدينة من رجل وامر�أة من طفل و�شيخ حتى البقر والغنم واحلمري بحد‬
‫ال�سيف"‬
‫واملدينة التي ت�شري �إليها الآيات ال�سابقة هي مدينة "�أريحا"‪ ،‬حيث يطلب منهم الرب عند‬
‫ي�ستثن من الذبح والإبادة‬
‫دخولهم للمدينة �أن يقتلوا كل رجل وامر�أة وكل طفل و�شيخ ومل ِ‬
‫حتى احليوانات التي ال ذنب لها والتي ال هي فل�سطينية وال يهودية(‪.)x‬‬
‫ثم ت�صف لنا الآيات بعد ذلك كيفية تلقيهم �أوامر الرب لكي يحرقوا املدينة بكل ما فيها‬
‫من ب�شر وحياة‪:‬‬
‫( ְוהָ עִ יר ׂשָ ְרפּו בָאֵ ׁש‪ְ ،‬וכָל‪-‬אֲׁשֶ ר‪ּ-‬בָּה‪ַ :‬רק הַ ּכֶסֶ ף ְוהַ ּזָהָ ב‪ּ ،‬ו ְכלֵי הַ ּנְ חֹׁשֶ ת‬
‫ְוהַ ּב ְַרזֶל‪--‬נָ ְתנּו‪ ،‬אֹוצַ ר ּבֵית‪-‬יְהוָה)(‪.)xi‬‬
‫‪18‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫"و�أحرقوا املدينة بالنار مع كل ما بها‪� ،‬إمنا الف�ضة والذهب و�آنية النحا�س واحلديد اجعلوها يف‬
‫خزانة بيت الرب"‬
‫كل ذلك قتلهم وحرقهم مباح‪� ،‬أما الف�ضة والذهب فعليهم �أن ي�أخذوها وي�ضعوها يف خزانة‬
‫الرب وتلك اخلزانة ال توجد طبعاً يف ال�سماء و�إمنا يف جيوبهم‪.‬‬
‫من �أجل ذلك فهم يحيكون امل�ؤامرات ويذبحون الأطفال ويقتلون ال�شيوخ ويطردون �شعباً‬
‫من �أر�ضه ويحرمونه من وطنه من �أجل الوعد التوراتي الرباين لهم وعلينا نحن العرب بل‬
‫وعلى العامل �أجمع �أن يعذرهم يف تلك املذابح الب�شعة التي اقرتفوها على مدار ع�شرات‬
‫ال�سنوات �إذ �إنه واجب مقد�س و�أمر �إلهي ال مفر منه‪.‬‬
‫وي�ست�شهد بنو �صهيون بالعهد الذي تلقاه النبي �إبراهيم يف حران ب�أن يخرج من �صلبه �شعب‬
‫قوي يرث �أر�ض كنعان "فل�سطني"‪:‬‬
‫(ה ֲִקמ ִֹתי אֶ ת‪ּ-‬בְ ִר ִיתי ּבֵינִ י ּובֵינֶךָ‪ּ ،‬ובֵין ז ְַרעֲךָ אַ ח ֲֶריךָ לְ דֹרֹתָ ם‪--‬לִ בְ ִרית עֹולָם‪:‬‬
‫לִ הְ יֹות לְ ךָ לֵאֹלהִ ים‪ּ ،‬ולְ ז ְַרעֲךָ אַ ח ֲֶריךָ‪ .‬ח ְונָ תַ ִּתי לְ ךָ ּולְ ז ְַרעֲךָ אַ ח ֲֶריךָ אֵ ת אֶ ֶרץ‬
‫‪.‬‬‫(‪)xii‬‬
‫ִייתי לָהֶ ם‪ ،‬לֵאֹלהִ ים)‬ ‫מְ ג ֶֻריךָ‪ ،‬אֵ ת ּכָל‪-‬אֶ ֶרץ ּכְנַ עַ ן‪ַ ،‬לאֲחֻ ּזַת‪ ،‬עֹולָם; ְוהָ ִ‬
‫"و�أقيم عهدي بيني وبينك‪ ،‬وبني ن�سلك من بعدك يف �أجيالهم‪ ،‬عهداً �أبدياً‪ ،‬لأكون �إلهاً لك‬
‫ولن�سلك من بعدك‪ ،‬و�أعطي لك ولن�سلك من بعدك �أر�ض غربتك‪ ،‬كل �أر�ض كنعان ملكاً‬
‫�أبدياً‪ .‬و�أكون �إلههم"‬
‫وحتى يكتمل وعد الرب نراه يحدد يف التوراة ويف ال�سفر نف�سه م�ساحة الأر�ض املقد�سة‬
‫هديته التي يعد بها ن�سل النبي �إبراهيم والتي متتد من نهر النيل مب�صر‪ ،‬وحتى نهر الفرات‬
‫بالعراق‪:‬‬
‫(יח ַּבּיֹום הַ הּוא‪ּ ،‬כ ַָרת יְהוָה אֶ ת‪-‬אַ בְ ָרם‪ּ--‬בְ ִרית לֵאמֹר‪ :‬לְ ז ְַרעֲךָ‪ ،‬נָ תַ ִּתי אֶ ת‪-‬‬
‫הָ אָ ֶרץ הַ ּזֹאת‪ ،‬מִ ּנְ הַ ר מִ צְ ַרִים‪ ،‬עַ ד‪-‬הַ ּנָהָ ר הַ ָּגדֹל נְ הַ ר‪ּ-‬פְ ָרת‪ .‬יט אֶ ת‪-‬הַ ֵּקינִ י‪،‬‬
‫ְואֶ ת‪-‬הַ ְּקנִ ּזִ י‪ְ ،‬ואֵ ת‪ ،‬הַ ַּק ְדמֹנִ י‪ .‬כ ְואֶ ת‪-‬הַ חִ ִּתי ְואֶ ת‪-‬הַ ּפְ ִרּזִ י‪ְ ،‬ואֶ ת‪-‬הָ ְרפָאִ ים‪ .‬כא‬
‫ְואֶ ת‪-‬הָ ֱאמ ִֹרי‪ְ ،‬ואֶ ת‪-‬הַ ּכְנַ עֲנִ י‪ְ ،‬ואֶ ת‪-‬הַ ּגִ ְרּגָׁשִ י‪ְ ،‬ואֶ ת‪-‬הַ יְבּוסִ י)‪.)xiii(..‬‬
‫"يف ذلك اليوم قطع الرب مع �أبرام ميثاقاً قائ ًال‪ :‬لن�سلك �أعطي هذه الأر�ض‪ ،‬من نهر م�صر‬
‫�إىل النهر الكبري‪ ،‬نهر الفرات‪ .‬القينيني والقنزيني والقدمونيني واحلثيني والفرزيني والرفائيني‬
‫‪19‬‬
‫والأموريني والكنعانيني واجلرجا�شيني واليبو�سيني"‬
‫لكن و�إن كان الرب قد وعد النبي �إبراهيم ون�سله كما تخربنا الآيات ال�سابقة ف�سن�صطدم يف‬
‫تف�سري هذا الوعد مب�شكلتني �أ�سا�سيتني‪ ،‬امل�شكلة الأوىل هي �أن النبي �إبراهيم ال ميكن اعتباره‬
‫رج ًال يهودياً وذلك مبوجب ال�شريعة الإ�سرائيلية الراهنة التي تقول �إن الإن�سان ال يكون‬
‫يهودياً �إال �إذا كان مولوداً من �أم يهودية يف الأ�سا�س‪ ،‬و�إذا ما طبقنا هذا ال�شرط الذي و�ضعوه‬
‫ب�أيديهم فلن يكون للنبي �إبراهيم حظ كبري يف �أن يكون يهودياً لأنه مل يولد من �أم يهودية كما‬
‫�سيت�ضح لنا‪ ،‬لذلك فلزاماً عليهم �أن يدخلوا تعدي ًال جوهرياً على �شريعتهم الراهنة ما داموا‬
‫يتحججون بذلك الوعد الإلهي وال �ضري يف ذلك فقد عدلوا وبدلوا على مدار قرون خلت‬
‫حتى يف ن�صو�صهم املقد�سة‪ ،‬انظر كيف طلب "مناحم بيجن" �أثناء مباحثات كامب ديفيد‬
‫من "ال�سادات" �أن يحذف �آيات القر�آن التي تتحدث ب�شكل غري الئق عن اليهود! هكذا‬
‫يرون احلذف والإ�ضافة يف كالم اهلل ويف الكتب ال�سماوية املقد�سة �أمراً يف غاية الب�ساطة‬
‫ولزاماً علينا �أن نحذف تلك الآيات من القر�آن الكرمي �أو ن�ستبدلها بكلمات �أكرث وداً �إذا �أردنا‬
‫ال�سالم مع بني �صهيون!‬
‫�أما امل�شكلة الثانية فتتعلق بذلك الوعد التوراتي الذي وعد به ن�سل النبي �إبراهيم‪ ،‬فبناء على‬
‫ذلك يكون العرب �أي�ضاً �شركاء لليهود يف هذا الوعد املقد�س مبوجب �آيات التوراة نف�سها‬
‫لأنهم خرجوا من ن�سل �إ�سماعيل ابن النبي �إبراهيم‪.‬‬
‫وجه �أي�ضاً لنبيهم مو�سى‪ ،‬فقد جاء يف التوراة يف �سفر‬ ‫لكنهم رمبا �سيقولون �إن الوعد التوراتي ّ‬
‫يفك �أ�سر بني �إ�سرائيل من �أيدي امل�صريني‪ ،‬و�أن يهبهم‬ ‫اخلروج �أن الرب وعد نبيه مو�سى ب�أن ّ‬
‫�أر�ض كنعان التي متتلئ باخلري والربكة وتدر لبناً وع�س ًال‪:‬‬
‫“ ָואֹמַ ר‪ ،‬אַ עֲלֶה אֶ ְתכֶם מֵ עֳנִ י מִ צְ ַרִים‪ ،‬אֶ ל‪-‬אֶ ֶרץ הַ ּכְנַ עֲנִ י ְוהַ חִ ִּתי‪ְ ،‬והָ ֱאמ ִֹרי‬
‫(‪)xiv‬‬
‫ְוהַ ּפְ ִרּזִ י ְוהַ חִ ּוִ י ְוהַ יְבּוסִ י‪--‬אֶ ל‪-‬אֶ ֶרץ ָזבַת חָ לָב‪ְּ ،‬ודבָׁש‪”.‬‬
‫"فقلت �أ�صعدكم من مذلة م�صر �إىل �أر�ض الكنعانيني واحلثيني والأموريني والفرزيني‬
‫واحلويني واليبو�سيني �إىل �أر�ض تفي�ض لبناً وع�سال‪".‬‬
‫لكن �إذا كان هذا الوعد الإلهي هو الدافع احلقيقي واجلوهري الذي حرك اليهود من خمتلف‬
‫�أنحاء العامل للهجرة واال�ستيالء على فل�سطني‪ ،‬فكيف لنا �أن ن�صدق ذلك وخالل الع�صور‬
‫الطويلة التي كانت فيها �أر�ض فل�سطني مفتوحة لهم ولغريهم مل يظهر �أحد من يهود العامل‬
‫‪20‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫رغبته يف املجيء �إليها واال�ستقرار فيها‪ ،‬وعلى �سبيل املثال مل تكن هناك �أي عقبة �أمام‬
‫دخول اليهود �إىل فل�سطني قبل احلروب ال�صليبية(‪ )xv‬ومع ذلك فنجد �أن "بنيامني دوتوليد"‬
‫وهو حاج يهودي يذكر �أنه مل يجد يف فل�سطني وقتها �سوى ‪ 1440‬يهودياً فقط(‪ )xvi‬وحاج �آخر‬
‫يهودي هو "ناحوم جريوندي" مل يجد يف القد�س �سوى �أ�سرتني يهوديتني عام ‪1257‬م‪.‬‬
‫وعندما ا�ستوىل ال�صليبيون على القد�س عام ‪1099‬م‪ ،‬فقد �أحرقوا اليهود يف معبدهم‪ ،‬فيما‬
‫(�صالح الدين الأيوبي)(‪ ،)xvii‬الذي كان وقتها ي�ستعيد القد�س عام ‪1187‬م‪� ،‬أذن لليهود‬
‫بالعودة �إىل املدينة املقد�سة ومل يفد وقتها �إىل �أر�ض فل�سطني ولو حتى يهودي واحد‪.‬‬
‫ف�أين كان وقتها الوعد الإلهي املقد�س؟ �أمل يكن موجوداً يف �آيات الكتاب املقد�س �أم يف هذه‬
‫(‪)xviii‬‬
‫الفرتة مل يكن قد ذكر يف التوراة؟!‬
‫حتى يف فرتات اال�ضطهاد التي تعر�ض لها اليهود وعندما كان الذهاب �إىل فل�سطني متاحاً‬
‫لهم مل يلج�ؤوا �إليها بل كانوا يرتكون البلد الذي ي�ضطهدهم ويذهبون �إىل بلد �آخر غري‬
‫فل�سطني‪ ،‬ومهما تنقلت بني �صفحات التاريخ فلن جتد �أن ذلك الوعد التوراتي بالأر�ض كان‬
‫حمركاً لهجرة اليهود �إىل فل�سطني ففي عام ‪1492‬م عندما طرد العرب من �إ�سبانيا كان امللوك‬
‫الكاثوليك يخريون اليهود بني التحول �إىل الن�صرانية �أو الذبح والقتل‪ ،‬ورغم ذلك فقد‬
‫هاجرت الأغلبية ال�ساحقة من اليهود متجهة �إما �إىل فرن�سا و�إما �إىل هولندا �أو �إيطاليا‪ ،‬يف حني‬
‫اجته البع�ض الآخر منهم �إىل جنوب مراك�ش يف املغرب و�إىل قرب�ص وم�صر ومل يذهب �إىل‬
‫فل�سطني �إال النذر القليل‪.‬‬
‫وكذلك عقب املذابح التي تعر�ض لها اليهود يف �أوكرانيا والتي وقعت بني عامي (‪1658‬م‬
‫و‪1845‬م) مل يدفعهم العهد املقد�س للذهاب للجوء �إىل �أر�ض امليعاد‪ ،‬وعندما كان عدد‬
‫اليهود يف العامل ع�شرة ماليني مل يكن على �أر�ض فل�سطني �سوى اثني ع�شر �ألفاً فقط رغم‬
‫(‪)xix‬‬
‫�أنهم كانوا يرددون يف العامل �أجمع يف كل يوم دعاءهم "�إىل �أور�شليم يف العام القادم"‬
‫لكن ذلك العام القادم مل ي� ِأت �إال بعد قرون‪.‬‬
‫ومهما تنقلت بني �صفحات التاريخ فلن جتد �أن الوعد التوراتي بالأر�ض املقد�سة كان حمركاً‬
‫لهجرة اليهود �إىل فل�سطني(‪ .)xx‬حتى بعد احلمالت املدوية ال�صاخبة التي �شنها "هريت�سل"‬
‫على الوحدة العاملية لل�شعب اليهودي مل يفد �إىل فل�سطني للإقامة بها خالل ال�سنوات‬
‫اخلم�س التالية (‪1922 –7191‬م) �سوى ‪� 28‬ألف يهودي فقط(‪.)xxi‬‬
‫‪21‬‬
‫ونحن ال ننكر الوعد الإلهي بل تو�ضح �آيات القر�آن الكرمي �أنه كان حثاً على اجلهاد يف �سبيل‬
‫اهلل‪ ،‬فاهلل تعاىل �أمر نبيه مو�سى "عليه ال�سالم" وقومه باجلهاد ومقاتلة �أعدائه الذين يقطنون‬
‫�أر�ض فل�سطني فيقول اهلل تعاىل يف �سورة "املائدة"‪:‬‬
‫" َيا َق ْو ِم ا ْدخُ ُلوا ا َلأ ْر َ�ض املُق ََّد َ�س َة ا َّل ِت ْي َك َت َب ُ‬
‫اهلل َل ُك ْم َو َال َت ْر َت ُّد ْوا َع َلى َ�أ ْد َبار ُِك ْم َف َت ْن َق ِل ُب ْوا‬
‫(‪)xxii‬‬
‫َخ ِا�س ِر ْي َن"‪.‬‬
‫على كل حال مل يهتم م�ؤ�س�س احلركة ال�صهيونية "ثيودور هريت�سل"(‪ )xxiii‬كثرياً ال بالوعد‬
‫التوراتي وال بالأر�ض املقد�سة؛ فعندما �أ�س�س احلركة ال�صهيونية عام ‪1896‬م كان �أكرث �صدقاً‬
‫من الحقيه‪ ،‬والكذبة الكربى ُ�صدرت لنا نحن فقط‪ ،‬فعندما يعلن �أحد زعماء ال�صهيونية �أن‬
‫�أر�ض فل�سطني مرتبطة بالوعد الإلهي الذي وعده الرب لأجداده فهو يعرف متاماً �أن م�ؤامرة‬
‫احتالل �أر�ض فل�سطني كانت بالن�سبة لهريت�سل فكرة ا�ستعمارية بالدرجة الأوىل‪ ،‬فلم يكن‬
‫يهتم بالأر�ض املقد�سة ومل ت� ِأت يف بادئ الأمر فكرة �إقامة وطن قومي لليهود على �أر�ض‬
‫‪xxiv‬‬
‫فل�سطني يف ر�أ�سه‪ ..‬فيذكر "هريت�سل" يف يومياته( )‪:‬‬
‫"�أن �أهدافه القومية ال ترتبط ب�أر�ض فل�سطني بل ميكن �إقامتها يف �أوغندا �أو غريها من‬
‫الأرا�ضي‪".‬‬
‫فهو مل يكن مييل �إىل الدين ومل تكن حتركه �آيات الكتاب املقد�س �إذ يقول �صراحة يف‬
‫اليوميات نف�سها‪:‬‬
‫"�إنني ال �أنقاد لأي دافع ديني‪".‬‬
‫والغريب �أن فكرة �إقامة وطن قومي لليهود على �أر�ض فل�سطني منت يف ر�أ�س رجل فرن�سي‬
‫مل يكن يهودياً وال توراتياً و�إمنا كان �سيا�سياً بارعاً وا�ستعمارياً خادعاً هو الإمرباطور "نابليون‬
‫بونابارت" الذي كان يتلون ويت�شكل تبعاً ملقت�ضيات الظروف ففي الوقت الذي �أعلن فيه‬
‫�إ�سالمه يف م�صر و�أ�سمى نف�سه "عبد اهلل" دعا يف بيان له عام ‪1798‬م يهود �آ�سيا و�إفريقيا �إىل‬
‫التوجه نحو �أر�ض �أجدادهم يف فل�سطني التي �سلبت منهم و�إقامة دولة لهم هناك‪� ..‬إذ يقول‪:‬‬
‫"�إىل ورثة فل�سطني ال�شرعيني‪� .‬أيها الإ�سرائيليون‪� ،‬أيها ال�شعب الفريد‪ ،‬الذي مل ت�ستطع‬
‫قوى الفتح والطغيان �أن ت�سلبه ن�سبه ووجوده القومي‪ ،‬و�إن كانت قد �سلبته �أر�ض الأجداد‬
‫(‪)xxv‬‬
‫فقط"‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫ومل ِ‬
‫يكتف بونابارت بذلك بل يعر�ض خدماته عليهم وم�ساعدتهم يف �إقامة دولتهم في�ستطرد‬
‫يف بيانه قائ ًال‪:‬‬
‫"انه�ضوا بقوة �أيها امل�شردون يف التيه‪� .‬إن �أمامكم حرباً مهولة يخو�ضها �شعبكم بعد �أن‬
‫اعترب �أعدا�ؤه �أن �أر�ضه التي ورثها عن الأجداد غنيمة تق�سم بينهم ح�سب �أهوائهم‪...‬‬
‫البد من ن�سيان ذلك العار الذي �أوقعكم حتت نري العبودية‪ ،‬وذلك اخلزي الذي �شل‬
‫�إرادتكم لألفي �سنة‪� .‬إن الظروف مل تكن ت�سمح ب�إعالن مطالبكم �أو التعبري عنها‪ ،‬بل �إن‬
‫هذه الظروف �أرغمتكم بالق�سر على التخلي عن حقكم‪ .‬ولهذا ف�إن فرن�سا تقدم لكم يدها‬
‫الآن حاملة �إرث �إ�سرائيل‪ ،‬وهي تفعل ذلك يف هذا الوقت بالذات‪ ،‬ورغم �شواهد الي�أ�س‬
‫(‪)xxvi‬‬
‫والعجز"‪.‬‬
‫كانت هذه هي ال�صيحة الأوىل التي حاولت حث اليهود لإقامة وطن قومي لهم على �أر�ض‬
‫فل�سطني‪ .‬وهي مل ت� ِأت من حاخام يهودي متطرف �أو حتى من رجل دين يهودي عادي �إمنا‬
‫جاءت من �إمرباطور فرن�سا الداهية‪.‬‬
‫�أما الدعوات ال�سابقة لدعوة "بونابارت" فكانت كلها تنادي بتوطني اليهود يف م�صر ولي�س يف‬
‫فل�سطني‪ ،‬فقد نادى "�شبتاي زيفي"(‪ )xxvii‬عام ‪1666‬م عندما ذهب �إىل الق�سطنطينية للهجرة‬
‫�إىل �إقليم الوجه البحري من م�صر و�إقامة وطن قومي لليهود(‪ ،)xxviii‬كما جتددت دعوة �أخرى‬
‫مماثلة عام ‪1798‬م يف ر�سالة بعث بها يهودي �إيطايل(‪� )xxix‬إىل �إخوانه يدعوهم فيها للهجرة‬
‫ولإقامة وطن لليهود يف م�صر ال�سفلى‪.‬‬
‫وكما �أو�ضحنا �سابقاً ف�إن حركة "ثيودور هريت�سل" كانت تعتمد يف الأ�سا�س على عقيدة �سيا�سية‬
‫بالدرجة الأوىل‪ ،‬ولي�ست دينية وال روحية فهو يقول يف كتابه "الدولة اليهودية" �ص ‪:209‬‬
‫"امل�س�ألة اليهودية لي�ست بالن�سبة يل م�س�ألة اجتماعية وال دينية‪� ..‬إنها م�س�ألة قومية‪".‬‬
‫كان "هريت�سل" يرى �أن العقائد الدينية ن�سيج يحيط بالأر�ض املقد�سة‪ ،‬مل يكن لها من‬
‫نفع‪ ،‬وكان يرى كذلك �أن امل�شكلة احلقيقية تتمثل يف خلق دولة قومية قوية يف �أي مكان يف‬
‫العامل‪ .‬ومل يطر�أ يف عقل م�ؤ�س�س احلركة ال�صهيونية يف بادئ الأمر �أن تقام دولة �إ�سرائيل‬
‫التي يحلم بها على �أر�ض فل�سطني بل اقرتح �أن تكون يف الأرجنتني(‪ ،)xxx‬ثم ا�ستبدل فكرته‬
‫وحاول �أن يغري �إنكلرتا قائ ًال لها‪:‬‬
‫‪23‬‬
‫"�سوف �أحاول �أن �أح�صل على الأرا�ضي ال�ضرورية ال�ستعمارنا يف �أحد املمتلكات‬
‫الربيطانية‪".‬‬
‫لذلك فقد طلب من �إنكلرتا �أرا�ضي العري�ش التي تقع يف �شبه جزيرة �سيناء (‪ )xxxi‬ثم طلب‬
‫من احلكومة الإنكليزية �إقامة دولته املزعومة يف قرب�ص لكن "ت�شمربلند" وزير اخلارجية‬
‫الإنكليزي وقتها مل يجد هذا الر�أي �صائباً لذلك وبعد �أن ا�ستطلع "هريت�سل" اخلرائط توجه‬
‫ليطلب �أر�ضاً من الربتغال يف م�ستعمراتها مبوزامبيق‪ ،‬ومن بلجيكا يف الكونغو(‪ )xxxii‬ويف مرحلة‬
‫الحقة اقرتحت عليه احلكومة الربيطانية �إقامة وطن قومي لليهود يف �أوغندا‪.‬‬
‫وكما يبدو لنا �أن هريت�سل مل يكن يهتم بالوعد الإلهي كثرياً‪ ،‬فلم يذكر يف الكتاب املقد�س‬
‫�أن اهلل "عز وجل" وعد بني �إ�سرائيل بدخول �أوغندا وال الأرجنتني (‪.)xxxiii‬‬
‫و�سنجد "هريت�سل" �أكرث �صراحة يف اخلطاب الذي �أر�سله يف ‪ 11‬يناير ‪� 1902‬إىل "�سي�سيل‬
‫رود�س" التاجر اال�ستعماري يف دولة جنوب �إفريقيا وفيه يعرتف هريت�سل �صراحة ب�أن حركته‬
‫حركة ا�ستعمارية فيقول‪:‬‬
‫(‪)xxxiv‬‬
‫"قد تت�ساءل ملاذا �أكتب �إليك يا �سيد رود�س‪ .‬ذلك �أن برناجمي هو برنامج ا�ستعماري"‬
‫لقد كان هريت�سل يكره �أي �إن�سان يدعي تعريف اليهودية على �أنها دين ال قومية لدرجة �أنه‬
‫اعترب من باب ال�شذوذ �أن يعظ رباين بالإميان يهودياً خارج بلده الأ�صلي وي�سوق يف ذلك‬
‫(‪)xxxv‬‬
‫براهني ال ينطق بها �إال �أكرث النا�س املعادين لل�سامية‬
‫لكن �أحالم هريت�سل كادت �أن تنهار‪ ،‬ففي نف�س وقت انعقاد "م�ؤمتر بازل"(‪ )xxxvi‬الذي مل‬
‫يعقد يف ميونخ (كما كان يتوقعه هريت�سل) ب�سبب معار�ضة اجلالية اليهودية الأملانية‪ ،‬انعقد‬
‫م�ؤمتر مونرتيال يف �أمريكا (‪1897‬م)(‪ )xxxvii‬حيث مت الت�صويت وباقرتاح من احلاخام "�إ�سحق‬
‫مايرويز"‪ ،‬على قرار تعار�ضت فيه تعار�ضاً جذرياً قراءتان للتوراة‪ ،‬وهما القراءة ال�سيا�سية‬
‫والقبلية لل�صهيونية والقراءة الروحانية والدينية للأنبياء‪:‬‬
‫"لأننا ن�شجب متاماً �أي مبادرة تهدف �إىل �إن�شاء دولة يهودية‪ .‬و�أن �أي حماوالت من ذلك‬
‫تك�شف مفهوماً خاطئاً لر�سالة �إ�سرائيل التي كان الأنبياء اليهود هم �أول من نادى بها‪..‬‬
‫(‪)xxxviii‬‬
‫وي�ؤكد �أن هدف اليهودية لي�س �سيا�سياً وال قومياً و�إمنا روحي"‬
‫لقد كان هريت�سل يعرف �أن القوة التي �ستحرك اليهود �إىل العودة لي�س الوازع الديني وال‬
‫‪24‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫احلنني الروحي و�إمنا قوة اال�ضطهاد املعادية لل�سامية التي �ستدفع باليهود �إىل الهجرة �إىل‬
‫فل�سطني "و�إن�شاء �إ�سرائيل الكربى"(‪ ،)xxxix‬ففي كتابه "الدولة اليهودية" �ص ‪ 23‬يقول‪:‬‬
‫"هناك اعرتا�ض جاد يعمد �إىل القول ب�أننا حني نعترب �شعباً واحداً ف�إنني �أ�ساعد املعادين‬
‫لل�سامية‪".‬‬
‫كما قال �أي�ضاً يف يومياته‪:‬‬
‫"�سوف ي�صبح املعادون لل�سامية �أ�صدقاءنا اخلل�ص‪ ،‬و�سوف ت�صبح البالد املعادية لل�سامية‬
‫حلفاءنا‪".‬‬
‫وهكذا يف غاية الدهاء واخلبث مت ربط ال�سيا�سة بالتاريخ الذي ي�ستمدونه من �آيات التوراة‬
‫كي ي�ضفوا �شرعية على احتالل فل�سطني فهم �أتوا ال لكي يحتلوا وال لكي يقيموا وطناً‬
‫قومياً لليهود بل لكي يعيدوا "�إن�شاء الدولة اليهودية" كما ورد ن�صاً يف �إعالن اال�ستقالل‬
‫الإ�سرائيلي وكلمة "�إعادة" تختلف متاماً عن كلمة "�إن�شاء" فهم ال ين�شئونها من العدم على‬
‫�أر�ض الغري و�إال اعترب ذلك ا�ستعماراً بل يعيدون �إن�شاء ما قد كان قائماً قبل ذلك يف التاريخ‬
‫القدمي لأنهم يعتربون فل�سطني "�أر�ض �إ�سرائيل التاريخية" و�أنها "حق ديني وتاريخي لليهود"‪،‬‬
‫كان هذا هو التوجه الذي خاطبت به ال�صهيونية العقلية الغربية امل�سيحية والذي �سعى لأن‬
‫(‪)xl‬‬
‫يثبت يف الوجدان الغربي �أن تاريخ املنطقة ال ميكن فهمه �إال من خالل "التاريخ التوراتي"‪.‬‬
‫من الوعد التوراتي‪� ..‬إىل وعد بلفور‬
‫متكن "حاييم وايزمان" الزعيم ال�صهيوين خالل احلرب العاملية الأوىل من ك�سب تعاطف‬
‫بريطانيا وا�ستطاع �أن يح�صل على وعد من وزير خارجيتها اللورد "جيم�س �آرثر بلفور" يف ‪2‬‬
‫فرباير ‪ 1917‬يف خطاب م�ضمونه �أن حكومة بريطانيا تبذل اجلهد لإقامة وطن قومي لليهود‬
‫يف فل�سطني‪.‬‬
‫وقد �أ�صدر اللورد "بلفور" وزير خارجية بريطانيا �آنذاك ت�صريحاً �سيا�سياً خطرياً قدمه على‬
‫�شكل كتاب �إىل املليونري اليهودي اللورد "روت�شلد" جاء فيه‪:‬‬
‫"�إن حكومة �صاحب اجلاللة تنظر بعني العطف �إىل ت�أ�سي�س وطن قومي لل�شعب اليهودي‬
‫يف فل�سطني‪ ،‬و�ستبذل غاية جهدها لت�سهيل حتقيق هذه الغاية‪ ،‬على �أن يفهم جلياً �أنه لن ي�ؤتى‬
‫بعمل من �ش�أنه �أن ينتق�ص من احلقوق املدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غري اليهودية‬
‫‪25‬‬
‫املقيمة الآن يف فل�سطني وال احلقوق �أو الو�ضع ال�سيا�سي الذي يتمتع به اليهود يف البلدان‬
‫(‪)xli‬‬
‫الأخرى"‪.‬‬
‫وع�شية �إ�صدار وعد بلفور‪ ،‬نوفمرب ‪ ،1917‬ارتفع عدد امل�ستوطنات �إىل "‪ 41‬م�ستوطنة بلغ عدد‬
‫�سكانها ‪� 56‬ألف ن�سمة‪ .‬ميلكون ‪ % 2.5‬من �أرا�ضي فل�سطني‪ ،‬بني ‪� 700‬ألف من الفل�سطينيني‬
‫العرب" (‪.)xlii‬‬
‫و�شهد �شاهد من �أهلها‬
‫ورغم زيادة عدد امل�ستوطنات يف فل�سطني ب�سبب وعد بلفور �إال �أنها ازدادت يف هذه الفرتة‬
‫االعرتا�ضات واال�ستياء من هذا الوعد من جمموعة �أخرى من اليهود‪ ..‬على �سبيل املثال‪:‬‬
‫وجه اللورد "مونتاجو"(‪ )xliii‬يف ‪� 23‬أغ�سط�س عام ‪1917‬م وهو الع�ضو اليهودي الوحيد يف‬
‫احلكومة الربيطانية مذكرة �إىل زمالئه يف الوزارة ب�سبب �إعالن بلفور قائ ًال‪:‬‬
‫"�إن ال�صهيونية عقيدة �سيا�سية م�ش�ؤومة‪ ..‬يبدو يل من غري املعقول �أن تتلقى ال�صهيونية من‬
‫احلكومة الربيطانية اعرتافاً ر�سمياً و�أن تكون لل�سيد بلفور �سلطة �أن يقول �إن وطناً قومياً يهودياً‬
‫�سوف يقام يف فل�سطني‪ .‬ل�ست �أدري ما �سوف يرتتب على هذا‪ ،‬ولكن يبدو يل �أن ذلك يعني‬
‫�أن امل�سلمني والن�صارى يجب �أن يتخلوا عن مكانهم لليهود و�أن اليهود يتمتعون بو�ضع متميز‬
‫بحيث �إن الرتك وامل�سلمني الآخرين يف فل�سطني �سوف يعدون غرباء‪� .‬إين �أ�ؤكد �أنه ال توجد‬
‫(‪)xliv‬‬
‫قومية يهودية"‬
‫ثم ي�ستطرد "مونتاجو" قائ ًال �إنه يرف�ض ال�صهيونية �صراحة ويطالب احلكومة الربيطانية برف�ضها‬
‫باعتبارها نظاماً غري م�شروع‪ ،‬وي�ضيف قائ ًال‪:‬‬
‫"�إنني �أنكر �أن يوجد اليوم �أي رباط بني اليهود وفل�سطني‪ ،‬وكما من احلق ال�صراح �أن‬
‫لفل�سطني دوراً كبرياً يف التاريخ اليهودي‪ ،‬فكذلك هي �أي�ضاً بالن�سبة للتاريخ الإ�سالمي‪،‬‬
‫كما لعبت دوراً �أكرث من �أي بلد �آخر يف التاريخ امل�سيحي‪ ،‬فقد كان املعبد يف فل�سطني و�أي�ضاً‬
‫الق�سم على اجلبل وال�صلب‪".‬‬
‫وي�ضيف �أي�ضاً‪:‬‬
‫"�إن اليهودية ديانة‪ ،‬والواجب احلتمي على جميع اليهود ‪-‬مثلهم يف ذلك مثل الكاثوليك‬
‫‪26‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫والربوت�ستانت والأرثوذك�س‪ -‬هو �أن يخدموا دولتهم كمواطنني �صاحلني وجنود خمل�صني‪.‬‬
‫(‪)xlv‬‬
‫لقد كانت ال�صهيونية حلماً وغداً لن تكون �أكرث من م�صيدة �أثرية "‪.‬‬
‫ثم �أ�شار مونتاجو �إىل �أن العودة التي يتحدث عنها الدين اليهودي ال ميكن �أن تتم �إال حتت‬
‫�إ�شراف العناية الإلهية‪ .‬متهكماً ب�أن بلفور وروت�شيلد لي�سا هما امل�سيح املخ ِّل�ص‪ .‬ويعرتف مونتاجو‬
‫ب�أن فل�سطني حتتل مكانة خا�صة يف قلوب اليهود‪ ،‬ولكن هذا ينطبق �أي�ضاً على امل�سيحيني‪ ،‬بل �إن‬
‫املقد�سة (ح�سب ت�ص ُّوره) تلعب دوراً �أكرث مركزية يف الر�ؤية امل�سيحية‪.‬‬
‫الأرا�ضي َّ‬
‫كما بينَّ �أن �أع�ضاء الوزارة الربيطانية وال�صهاينة ينظرون �إىل فل�سطني من زاوية �ضيقـة تركز‬
‫على حقبة واحدة من تاريخ فل�سطني‪ ،‬مبعنى �أنها تتجاهل احلقب غري اليهودية املختلفة والتي‬
‫ت�شمل اجلزء الأكرب من تاريخها (وي�شري مونتاجو يف مذكرة �أخرى �إىل عروبة فل�سطني و�إىل‬
‫تاريخها العربي الطويل)‪ .‬يف نهاية املذكرة‪ ،‬ي�ضع مونتاجو النقاط على الأحرف فيقول‪:‬‬
‫"حينما يكون لليهودي وطن قومي‪ ،‬ف�سوف َين ُتج عن ذلك على وجه اليقني �أن يزداد االجتاه‬
‫نحو حرماننا من حقوق املواطنة الإنكليزية‪� .‬ستتحول فل�سطني �إىل جيتو العامل‪ .‬ومعنى ذلك‬
‫و�سع‪ ،‬ولكنه جيتو‬ ‫�أن من يعادون اليهود وال�صهاينة يحاولون َح ْ�صر اليهود داخل جيتو قومي ُم َّ‬
‫(‪)xlvi‬‬
‫حماط ب�أ�سوار عالية تف�صل احل�ضارة وال�شخ�صية اليهودية عن عامل الأغيار‪".‬‬
‫واقرتح مونتاجو حرمان كل �صهيوين من حق الت�صويت بد ًال من حرمان اليهود الربيطانيني‬
‫من جن�سيتهم‪ ،‬و�أ�ضاف �أنه مييل �إىل التعامل مع املنظمة ال�صهيونية بو�صفها منظمة غري �شرعية‬
‫تعمل �ضد امل�صلحة الغربية الإنكليزية‪.‬‬
‫وقد �أ َّدت �ضغوط �إدوين مونتاجو (وغريه) على الوزارة الربيطانية �إىل تعديل الن�ص الأ�صلي‬
‫لوعد بلفور‪ ،‬بحيث ال ت�صبح الدولة اليهودية املزمع �إن�شا�ؤها دولة كل يهود العامل و�إمنا دولة‬
‫من يرغبون يف الهجرة �إليها‪ .‬كما �أعرب �شقيقه عن �أنه ال يعترب اليهودية �أكرث من ديانة‪ .‬و ُيعترب‬
‫موقف عائلة مونتاجو من احلركة ال�صهيونية تعبرياً عن بع�ض االجتاهات بني �أع�ضاء اجلماعات‬
‫اليهودية املندجمني التي رف�ضت ال�صهيونية واعتربتها تعبرياً عن عقلية اجليتو يف خلطها‬
‫بني الدين والقومية‪ .‬كما ر�أت �أن اليهود ال ي�شكلون �سوى �أقليات دينية يعتنق �أع�ضا�ؤها‬
‫الديانة اليهودية وينتمون‪ ،‬مثلهم مثل غريهم من املواطنني‪� ،‬إىل دولتهم القومية التي هي‬
‫م�صدر ثقافتهم ومركز والئهم‪ .‬وقد ر�أى ه�ؤالء �أن ال�صهيونية ت�شكل عقبة يف طريق االندماج‬
‫ال�سوي‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫ويف عام ‪� 1938‬أدان العامل اليهودي الكبري "�ألربت �آين�شتني" فكرة �إقامة دولة لليهود‬
‫فكتب يقول‪:‬‬
‫"يف ر�أيي‪ ،‬يف�ضل �أن ن�صل �إىل اتفاق مع العرب على �أ�سا�س حياة م�شرتكة �سلمية من �أن‬
‫نن�شئ دولة يهودية‪ ..‬ف�شعوري بالطبيعة اجلوهرية لليهود ت�صطدم بفكرة دولة يهودية ذات حدود‬
‫وجي�ش‪ ،‬وم�شروع �سلطة زمنية بهذا القدر من التوا�ضع و�إين لأخ�شى اخل�سائر التي �سيتعر�ض‬
‫لها اليهود ب�سبب تطورها يف طبقاتنا �إىل قومية �ضيقة‪ .‬فنحن مل نعد يهود مرحلة املكابيني‪ .‬ولئن‬
‫(‪)xlvii‬‬
‫عدنا قومية فذلك يعدل �أن نحيد عن روحنة جمتمعنا التي تدين بها لعبقرية �أنبيائنا"‬
‫وهناك �أي�ضاً احلاخام "هري�ش" الذي �أو�ضح وجهة نظره يف ال�صهيونية قائ ًال‪:‬‬
‫(‪)xlviii‬‬
‫"�إن ال�صهيونية ق�ضت ب�أن ي�صبح ال�شعب اليهودي كياناً قومياً‪ ..‬وتلك هي الهرطقة‪".‬‬
‫وهذا كان �أي�ضاً هو نف�س رد الفعل الأول للمنظمات اليهودية مثل‪" :‬رابطة حاخامات �أملانيا"‬
‫و"االحتاد الإ�سرائيلي العاملي لفرن�سا"‪" ،‬واالحتاد الإ�سرائيلي" يف النم�سا‪ ،‬وكذلك الرابطات‬
‫اليهودية يف لندن‪.‬‬
‫كذلك مل يتوقف "مارتن بوبر" طوال حياته وهو �أحد �أهم الأ�صوات اليهودية الكربى يف‬
‫هذا القرن‪ ،‬وحتى وفاته يف �إ�سرائيل عن �شجب انحالل ال�صهيونية الدينية �إىل �صهيونية‬
‫�سيا�سية‪ ،‬فقد ذكر بوبر يف الن�شرة ال�صادرة يف ‪ 2‬يونيه ‪:1958‬‬
‫"�إن ال�شعور الذي اعرتاين منذ �ستني عاماً‪ ،‬عندما ان�ضممت �إىل احلركة ال�صهيونية هو‬
‫يف جوهره نف�س ال�شعور الذي يعرتيني اليوم؛ لقد كان �أملي �أال تتبع هذه القومية طريق‬
‫الآخرين و�أن تبد�أ ب�آمال عري�ضة لكي ال ترتدى بعد ذلك حتى ت�صبح نزعه �أنانية مقد�سة‪".‬‬
‫ومن �أقواله �أي�ضاً‪:‬‬
‫"كنا ن�أمل يف �إنقاذ القومية اليهودية من خط�أ حتويل �شعب �إىل �صنم معبود ولكننا قد‬
‫(‪)xlix‬‬
‫�أخفقنا‪".‬‬
‫االنتداب الربيطاين على فل�سطني عام ‪1922‬‬

‫ويف �سنة ‪� 1922‬أعلن �صك االنتداب الفل�سطيني الذي وافقت عليه ع�صبة الأمم ح�سب‬
‫املادة (‪ )22‬ونذكر من تلك املواد‪:‬‬
‫‪28‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫البند الثاين‬
‫تكون الدولة املنتدبة م�س�ؤولة عن و�ضع البالد يف �أحوال �سيا�سية و�إدارية واقت�صادية‬
‫ت�ضمن �إن�شاء الوطن القومي اليهودي‪.‬‬
‫البند الثالث‬
‫يعرتف بوكالة يهودية �صاحلة كهيئة عمومية لإ�سداء امل�شورة واملعونة �إىل �إدارة فل�سطني مع‬
‫�ضمان عدم �إحلاق ال�ضرر بحقوق وو�ضع جميع فئات الأهايل الأخرى و�أن ت�سهل هجرة‬
‫اليهود يف �أحوال مالئمة‪..‬‬
‫البند رقم (‪)22‬‬
‫يجب �أن تكون الإنكليزية والعربية والعربية لغات فل�سطني الر�سمية‪.‬‬
‫الهجرة اليهودية �إىل فل�سطني يف زمن االنتداب الربيطاين‬
‫يف هذه املرحلة التي متتد من �سنة ‪� 1919‬إىل ‪ ،1948‬فتحت �آفاق جديدة �أمام حركة الهجرة‬
‫ال�صهيونية �إىل فل�سطني‪ ،‬فقد �أدمج وعد بلفور ب�صك االنتداب الربيطاين على فل�سطني‪،‬‬
‫الذي ن�صت املادة ال�ساد�سة منه على �أن الإدارة الربيطانية �سوف تلتزم بت�سهيل الهجرة‬
‫اليهودية ب�شروط منا�سبة‪ ،‬و�سوف ت�شجع ‪-‬بالتعاون مع الوكالة اليهودية‪ -‬ا�ستيطان اليهود يف‬
‫الأرا�ضي مبا يف ذلك الأرا�ضي احلكومية والأرا�ضي اخلالية وغري الالزمة لال�ستعمال العام‪.‬‬
‫كما ن�صت املادة ال�سابعة على �ضرورة ت�سهيل �إعطاء املهاجرين اليهود اجلن�سية الفل�سطينية‪.‬‬
‫ويف ‪� ،1920 /8 /26‬أ�صدرت ال�سلطات الربيطانية نظاماً للهجرة‪ ،‬وت�سهيل عودة اليهود الذين‬
‫كانوا قد خرجوا من فل�سطني �أثناء احلرب‪ ،‬ومل ي�ضع هذا النظام �أي قيود على دخول اليهود‬
‫الذين يريدون الهجرة �إىل فل�سطني لغايات دينية‪ ،‬وال على دخول عائالت اليهود و�أقاربهم‬
‫املقيمني يف فل�سطني‪ ،‬وقد خولت املنظمة ال�صهيونية مبوجبه �صالحية �إح�ضار ‪ 16500‬يهودي‬
‫�آخر �سنوياً �شريطة �أن تكون م�س�ؤولة عن �إعالتهم ملدة �سنة‪.‬‬
‫‪1925‬‬ ‫ثم �صدر يف يونيو �سنة ‪ 1921‬نظام جديد للهجرة‪ ،‬وعدل �أكرث من مرة يف �سنوات‬
‫و‪ 1926‬و‪ 1927‬و‪ ،1929‬و�أخذ �شكله النهائي يف �سنة ‪ ،1932‬وكان املق�صود بالتعديالت التي‬
‫‪29‬‬
‫�أدخلت و�ضع بع�ض القيود على الهجرة ب�سبب ت�صاعد املقاومة العربية لالنتداب‪ ،‬و�سيا�سته‬
‫يف فتح �أبواب فل�سطني على م�صراعيها �أمام املهاجرين اليهود‪ ،‬فلقد كان تدفق ال�صهيونية من‬
‫الأ�سباب املبا�شرة لثورات الثالثينيات العربية (ثورة �سنة ‪ 1935‬وثورة ‪1936‬ـ‪ ،)1939‬ولكن‬
‫هذه التعديالت كانت �شكلية فلم تغري �شيئاً يف جوهر نظام الهجرة‪.‬‬
‫وللم�ساعدة يف �إجناح امل�شروع ال�صهيوين عمدت الواليات املتحدة وبع�ض الدول الغربية‬
‫الأخرى يف هذه املرحلة �إىل و�ضع قيود على هجرة اليهود �إىل �أرا�ضيها لدفعهم �إىل الهجرة‬
‫�إىل فل�سطني‪ ،‬وتق�سم امل�صادر ال�صهيونية الهجرة التي متت يف فرتة االنتداب الربيطاين‬
‫�إىل‪:‬‬
‫الهجرة الثالثة (‪ 1919‬ـ ‪)1923‬‬
‫وقد بلغ عدد املهاجرين فيها حوايل ‪� 35‬ألف ن�سمة‪� ،‬أي مبعدل ثمانية �آالف مهاجر �سنوياً‪،‬‬
‫جا�ؤوا يف معظمهم من رو�سيا ورومانيا وبولونيا‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �أعداد �صغرية من لتوانيا و�أملانيا‬
‫والواليات املتحدة‪ ،‬والهجرة الثالثة م�شابهة يف تركيبها للهجرة الثانية من حيث كون معظم‬
‫�أفرادها �شباباً و�شابات مفل�سني ومغامرين‪ ،‬وقد تقل�صت هذه الهجرة نتيجة الإجراءات والقيود‬
‫التي و�ضعها االحتاد ال�سوفيتي على هجرة اليهود من �أرا�ضيه‪.‬‬
‫الهجرة الرابعة (‪ 1924‬ـ ‪)1932‬‬
‫جاء �إىل فل�سطني يف هذه املوجة نحو ‪� 89‬ألف مهاجر يهودي‪ ،‬معظمهم من �أبناء الطبقة‬
‫الو�سطى و�أكرث من ن�صفهم من بولونيا‪ ،‬وا�ستغل مهاجرو هذه املوجة ر�ؤو�س الأموال اخلا�صة‬
‫التي �أح�ضروها معهم يف �إقامة بع�ض امل�شاريع ال�صغرية اخلا�صة‪.‬‬
‫وقد بلغ تدفق املهاجرين ال�صهيونيني ذروته يف عام ‪ 1925‬فو�صل عددهم �إىل حوايل ‪� 33‬ألفاً‬
‫مقابل ‪� 13‬ألفاً يف عام ‪ ،1924‬وبعد ذلك انخف�ض العدد مرة �أخرى �إىل حدود ‪� 13‬ألفاً يف عام‬
‫‪ .1926‬ثم بد�أت الهجرة باالنح�سار منذ عام ‪ 1927‬ب�سبب ال�صعوبات االقت�صادية يف البالد‬
‫�آنذاك‪ ،‬ففي عام ‪ 1927‬انخف�ض عدد املهاجرين �إىل ثالثة �آالف‪ ،‬ثم �إىل �ألفني فقط يف عام‬
‫‪.1928‬‬
‫ويف هاتني ال�سنتني زاد عدد النازحني عن عدد املهاجرين وا�ضطرت الوكالة اليهودية �إىل دفع‬
‫‪30‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫تعوي�ضات بطالة لليهود العاطلني عن العمل و�أقامت بع�ض امل�شاريع لت�شغيل املهاجرين اجلدد‬
‫مب�ساعدة �أموال جمعت من بريطانيا والواليات املتحدة‪ ،‬وقد ظل عدد املهاجرين منخف�ضاً بني‬
‫‪ 1929‬و‪ 1931‬فبلغ حوايل خم�سة �آالف ن�سمة يف كل من عامي ‪ 1929‬و‪ 1930‬ثم انخف�ض‬
‫�إىل نحو �أربعة �آالف مهاجر عام ‪ ،1931‬ويف عام ‪ 1932‬بد�أت الهجرة بالت�صاعد ثانية فبلغ‬
‫عدد املهاجرين ‪.9553‬‬
‫ويف هذه الفرتة و�صل نحو ‪ 2500‬مهاجر من يهود اليمن �إىل فل�سطني‪ ،‬وبلغ عدد اليهود‬
‫يف فل�سطني يف نهاية هذه املرحلة حوايل ‪� 175‬ألفاً عا�ش ‪� 136‬ألفاً منهم يف ‪ 19‬م�ستعمرة‬
‫بلدية وعا�ش الباقون يف نحو ‪ 110‬م�ستعمرات زراعية‪.‬‬
‫الهجرة اخلام�سة (‪ 1933‬ـ ‪)1939‬‬
‫وقد بلغ عدد املهاجرين الذين قدموا يف هذه الهجرة �إىل فل�سطني نحو ‪� 215‬ألفاً‪ ،‬جاء معظمهم‬
‫من �أقطار و�سط �أوروبا التي ت�أثرت بو�صول النازية �إىل احلكم يف �أملانيا فهاجر منها وحدها‬
‫خالل هذه الفرتة نحو ‪� 45‬ألف مهاجر‪.‬‬
‫وقد بلغت الهجرة ذروتها يف عام ‪ 1935‬فبلغ عدد املهاجرين حوايل ‪� 62‬ألفاً‪ ،‬ثم �أخذت‬
‫بالهبوط ب�سبب ا�شتعال ثورة ‪ 1936‬يف فل�سطني‪ ،‬ومن اجلدير بالذكر �أن املنظمة ال�صهيونية‬
‫والوكالة اليهودية عقدتا اتفاقاً مع احلكم النازي يف �أملانيا لت�سهيل عملية هجرة اليهود من‬
‫�أملانيا وتنظيم �إخراج �أموالهم‪.‬‬
‫ومبوجب هذا االتفاق �أمكن �إخراج حوايل ‪� 32‬ألف مليون جنيه‪� ،‬أو ما يعادل ع�شرة �أ�ضعاف‬
‫ما جمعته اجلباية اليهودية حتى ذلك الوقت‪.‬‬
‫وو�صل �إىل فل�سطني �أي�ضاً حوايل ‪ 4500‬يهودي ميني‪ ،‬وقد بد�أت احلركة ال�صهيونية يف هذه‬
‫املرحلة بتنظيم هجرة من نوع خا�ص عرفت با�سم "هجرة ال�شباب"‪ ،‬وذلك بجمع الأطفال‬
‫اليهود من �أوروبا ونقلهم �إىل فل�سطني‪ ،‬و�أن�شئت يف الوكالة اليهودية دائرة خا�صة بهجرة‬
‫ال�شباب‪ ،‬ومتكنت احلركة ال�صهيونية من نقل حوايل ‪� 30‬ألف طفل يهودي �إىل فل�سطني من‬
‫عام ‪� 1933‬إىل �شهر مايو من عام ‪.1948‬‬
‫وظهر يف هذه املرحلة �أي�ضاً ما عرف با�سم الهجرة "غري ال�شرعية"‪ ،‬فقد جنحت يف‬
‫الو�صول �إىل ال�شواطئ الفل�سطينية بني يوليو من عام ‪ 1934‬وبداية احلرب العاملية الثانية‬
‫‪31‬‬
‫‪� 43‬سفينة حتمل ‪� 15‬ألف مهاجر "غري �شرعي"‪.‬‬
‫(‪)l‬‬

‫الهجرة ال�ساد�سة (‪ 1939‬ـ مايو ‪)1948‬‬


‫والتي متت خالل احلرب العاملية الثانية حتى قيام (�إ�سرائيل)‪ ،‬وقد ا�ستمرت ب�أ�شكالها املختلفة‬
‫�إما عن طريق الإبحار مبا�شرة �إىل فل�سطني‪ ،‬و�إما بالإبحار �إىل موانئ حمايدة يف تركيا والبلقان‬
‫ثم االنتقال �إىل فل�سطني بحراً �أو ب ّراً‪ ،‬وقد و�صل �إىل �شواطئ فل�سطني يف �سنوات احلرب‬
‫‪ 21‬مركباً نقلت نحو ‪� 15‬ألف مهاجر "غري �شرعي"‪ ،‬وك�شفت الوثائق ال�سرية الربيطانية‬
‫النقاب عن �أن الأ�سطول الربيطاين الذي كان مكلفاً مبراقبة �شواطئ فل�سطني ملقاومة الهجرة‬
‫"غري ال�شرعية" ‪-‬ح�سب ادعاء احلكومة الربيطانية �آنذاك‪ -‬كان يقوم ب�إر�شاد �سفن املهاجرين‬
‫ال�صهيونيني و�إمدادها باملاء وامل�ؤن والوقود وقيادتها �إىل ال�سواحل الفل�سطينية‪ ،‬حيث جتري‬
‫عملية ا�ستيالء وهمية عليها‪.‬‬
‫ثورات فل�سطني �ضد االحتالل وامل�ستوطنات‬
‫بد�أت هذه الثورات من (‪� )4‬إىل (‪� )8‬أبريل �سنة ‪ 1920‬حيث ن�شبت �أول �إ�ضرابات يف‬
‫فل�سطني �أثناء مو�سم النبي مو�سى‪ ،‬حيث انقلب املو�سم �إىل �صدامات م�سلحة مع البولي�س‬
‫�أدت �إىل وقوع قتلى وجرحى من العرب واليهود‪.‬‬
‫■ اندلعت يف مدينة يافا البا�سلة ثورة جديدة ا�ستمرت من (‪� )1‬إىل (‪ )15‬مايو �سنة‬
‫‪ - 1921‬ثورة الرباق يف (‪� )15‬أغ�سط�س �سنة ‪ 1929‬عندما تقدمت ح�شود يهودية نحو‬
‫حائط الرباق بجوار امل�سجد الأق�صى املبارك ملحاولة احتالل احلائط‪ ،‬حيث هز القد�س‬
‫�أول هجوم وا�سع النطاق ي�شنه العرب على اليهود‪ ،‬ففي �أعمال ال�شغب قتل العرب ‪133‬‬
‫يهودياً وقتل منهم ‪ ،116‬وتعود جذور العنف �إىل خماوف العرب من �أهداف احلركة‬
‫ال�صهيونية التي تهدف لإقامة وطن قومي لليهود يف فل�سطني‪.‬‬
‫وكانت بريطانيا قد وعدت اليهود ب�إن�شاء وطن قومي لهم يف فل�سطني‪ ،‬على �أال جتحف بحق‬
‫ال�سكان الأ�صليني يف البالد‪ ،‬ولكن حتى الآن مل تقم بريطانيا بتنفيذ وعدها للعرب بحماية‬
‫حقوقهم املدنية والدينية‪.‬‬
‫■ ثورة ال�شيخ عز الدين الق�سام �سنة ‪ 1935‬وهي احلافز الأول للثورة الفل�سطينية الكربى‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫�إ�رضاب ال�ستة �أ�شهر ‪1936‬‬


‫قام الفل�سطينيون ب�إ�ضراب عام �شامل ملدة �ستة �أ�شهر احتجاجاً على م�صادرة الأرا�ضي‬
‫والهجرة اليهودية‪.‬‬
‫جلنة بيل ‪1937‬‬
‫منذ وعد بلفور كانت بريطانيا حتاول ت�سوية اخلالف بني اليهود والعرب دون جناح‪ ،‬ففي عام‬
‫‪ 1937‬قدم اللورد روبرت بيل التقرير الذي خل�صت له اللجنة التي كان ير�أ�سها‪ ،‬حيث ورد‬
‫يف التقرير �أن ا�ستمرار العمل بنظام االنتداب على فل�سطني غري ممكن عملياً و�إنه لي�س هناك‬
‫�أمل يف قيام كيان م�شرتك بني العرب واليهود‪ ،‬فكان من دواعي تكوين هذه اللجنة تزايد‬
‫�أعمال االحتجاج من قبل العرب يف فرتة الع�شرينيات والثالثينيات ب�سبب الهجرة اليهودية‬
‫وم�صادرة الأرا�ضي‪ ،‬فما كان من العرب �إال ت�شكيل اللجنة العربية العليا للدفاع عن �أنف�سهم‬
‫وقاموا بتنظيم �إ�ضراب ال�ستة �أ�شهر يف عام ‪.1936‬‬
‫ويف حماولة للخروج من تلك الأزمة قامت بريطانيا بتكليف اللورد روبرت بيل بدرا�سة الو�ضع‬
‫وتقدمي احللول‪ ،‬ولكن العرب قاطعوا اللجنة ورف�ضوا التقرير‪.‬‬
‫بعد ت�أكيد التقرير على ا�ستحالة قيام كيان م�شرتك لليهود والعرب‪ ،‬مت اقرتاح تق�سيم فل�سطني‬
‫�إىل دولتني �أحدهما عربية والأخرى يهودية وتو�ضع الأماكن املقد�سة حتت الإدارة الدولية‪،‬‬
‫وبعد �سنتني من التقرير وجدت بريطانيا يف حالة ال فوز وال خ�سارة وقررت و�ضع قيود على‬
‫هجرة اليهود لفل�سطني حلني �إيجاد حل للمع�ضلة‪.‬‬
‫املع�ضلة الفل�سطينية‪ -‬الربيطانية ‪1945‬‬
‫بعد انتهاء احلرب العاملية الثانية وفتح مع�سكرات االعتقال النازية‪ ،‬عاد زعماء احلركة‬
‫ال�صهيونية للمطالبة بفتح باب الهجرة لليهود �إىل فل�سطني‪.‬‬
‫واحلركات ال�صهيونية امل�سلحة مثل الهاجانا والأرجون وال�سترين جاجن �صعدت هجومها‬
‫امل�سلح على جنود االنتداب الربيطاين لل�ضغط على بريطانيا لفتح باب الهجرة‪ ،‬وعار�ض‬
‫العرب ال�ضغوط اليهودية‪ ،‬ولكن مل يكن هناك قيادة موحدة للعرب‪ ،‬ففي عام ‪ 1945‬قامت‬
‫ال�سعودية و�سوريا ولبنان والعراق والأردن واليمن وم�صر بت�أ�سي�س جامعة الدول العربية‬
‫‪33‬‬
‫لل�ضغط على بريطانيا من اجلانب الآخر من �أجل حقوق الفل�سطينيني‪ ،‬احلكومة العمالية‬
‫اجلديدة يف بريطانيا كانت تدعم ب�شدة �أهداف وم�شاريع احلركة ال�صهيونية‪ ،‬مع رغبتها بالإبقاء‬
‫على �صداقتها للعرب‪.‬‬
‫وبال�ضغط من الرئي�س الأمريكي ترومن ذي امليول ال�صهيونية الوا�ضحة �أر�سلت بريطانيا‬
‫جلنة جديدة لدرا�سة الو�ضع‪ ،‬اللجنة الإنكليزية الأمريكية �أو�صت بالتهجري الفوري‬
‫لعدد ‪ 100000‬يهودي �أوروبي لفل�سطني‪ ،‬كما �أو�صت برفع القيود على بيع الأرا�ضي‬
‫الفل�سطينية لليهود مع �إقامة الكيان امل�شرتك حتت رعاية الأمم املتحدة‪.‬‬
‫حتت �ضغط التكاليف العالية للجي�ش الربيطاين يف فل�سطني‪ ،‬قررت بريطانيا �إحالة ق�ضية‬
‫فل�سطني �إىل الأمم املتحدة‪.‬‬
‫مت �إر�سال جلنة من الأمم املتحدة لتقييم الو�ضع يف فل�سطني وتقدمي االقرتاحات وبناء على‬
‫تقريرها مت اتخاذ قرار تق�سيم فل�سطني رقم ‪.242‬‬
‫وقد طالب الرئي�س الأمريكي ترومان بعد احلرب مبا�شرة‪ ،‬وتنفيذاً ملقررات برنامج بلتمور‪،‬‬
‫ب�إدخال مائة �ألف يهودي فوراً �إىل فل�سطني‪ ،‬وت�شكلت جلنة حتقيق �أنكلو‪� -‬أمريكية" لبحث‬
‫مدى قدرة فل�سطني على ا�ستيعاب اليهود امل�شردين يف �أوروبا‪ ،‬ويف الأول من مايو عام ‪1946‬‬
‫ن�شرت جلنة التحقيق املذكورة تو�صياتها ف�أيدت فيها مطلب الرئي�س ترومان‪.‬‬
‫مل تنفذ حكومة االنتداب ر�سمياً تو�صيات اللجنة‪ ،‬ولكنها فتحت عملياً �أبواب فل�سطني‬
‫للهجرة ال�صهيونية "ب�شتى �أ�شكالها" فقد و�صلت �إىل �سواحل فل�سطني بعد احلرب (‪1945-‬‬
‫‪� 65 )1948‬سفينة مهاجرين "غري �شرعيني" تقل نحو ‪� 70‬ألف مهاجر ت�سلل ق�سم منهم �إىل‬
‫البالد‪ ،‬وا�ضطرت احلكومة الربيطانية �إىل احتجاز نحو ‪� 50‬ألفاً منهم يف مع�سكرات خا�صة‬
‫يف قرب�ص‪ ،‬ثم �أخذت تدخلهم �إىل فل�سطني على دفعات مبعدل ‪ 750‬مهاجراً �شهرياً‪ ،‬وهكذا‬
‫دخل فل�سطني بني عام ‪ 1940‬وعام ‪ 1948‬نحو ‪� 120‬ألف مهاجر يهودي‪.‬‬
‫ان�سحاب بريطانيا وقرار تق�سيم فل�سطني ‪1947‬‬
‫بعد �سبع �سنني من احلروب ورغبة بريطانيا يف االن�سحاب من م�ستعمراتها‪ ،‬يف عام ‪1947‬‬
‫قررت بريطانيا ترك فل�سطني وطلبت من الأمم املتحدة تقدمي تو�صياتها‪ ،‬مت عقد �أول جل�سة طارئة‬
‫للأمم املتحدة يف ‪ 1947‬ومت اقرتاح م�شروع تق�سيم فل�سطني �إىل دولتني فل�سطينية ويهودية على‬
‫‪34‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫�أن تبقى القد�س دولية‪ ،‬و�أن ت�سود عالقات ح�سن اجلوار والتعاون االقت�صادي بني الدولتني‪.‬‬
‫ومتت املوافقة على االقرتاح من ‪ 33‬ع�ضواً مقابل رف�ض ‪ 13‬ع�ضواً وبدعم من االحتاد ال�سوفييتي‬
‫والواليات املتحدة الأمريكية وبامتناع بريطانيا عن الت�صويت‪.‬‬
‫كان قرار تق�سيم فل�سطني‪ ..‬ال�صادر يف ‪ 1947 /11 /29‬والذي وافقت عليه هيئة الأمم املتحدة‬
‫يت�ضمن ما يلي‪:‬‬
‫■ انتهاء االنتداب يف موعد ال يتجاوز اليوم الأول من �أغ�سط�س ‪.1948‬‬
‫■ ت�أ�سي�س دولتني يف فل�سطني‪� :‬إحداهما عربية والأخرى يهودية‪.‬‬
‫■ �إقامة �إدارة دولية خا�صة يف القد�س‪.‬‬
‫■ يتم ت�أليف الدولتني اليهودية والعربية والإدارة الدولية يف القد�س يف موعد ال يتجاوز‬
‫اليوم الأول من �شهر �أكتوبر ‪.1948‬‬
‫ومن هنا بد�أت وا�ستمرت خيوط امل�ؤامرة الكربى يف احتالل �أر�ض فل�سطني‪ ،‬فكل ما �سبق‬
‫يلخ�ص �أن فكرة احتالل فل�سطني و�إقامة دولة قومية لليهود على �أر�ضها هي فكرة �سيا�سية‬
‫ا�ستعمارية قومية‪ ،‬ومل تكن تنطلق �أبداً من �أي �أفكار توراتية‪ ،‬ولكن رغم ذلك مت ا�ستخدام‬
‫التوراة يف خدمة امل�شروع ال�صهيوين اال�ستعماري فلي�س هناك حافز �أقوى من الدين يجذب‬
‫النا�س لكي يهاجروا من خمتلف دول العامل ويتوجهوا نحو م�صري جمهول مرتكز على الوعود‬
‫التوراتية التي وعد بها الرب ال�شعب اليهودي و�أنبياءه‪ ..‬و�إذا كانت الأمم املتحدة املنوطة برد‬
‫احلقوق والف�صل بني النزاعات والق�ضايا الدولية لي�س لها �أي ت�أثري يذكر على مدار خم�سني‬
‫عاماً‪ ..‬و�إذا كان تطبيق العدل كما ذكرنا �سابقاً يف بداية هذه الدرا�سة ال يتحقق �إال داخل‬
‫مالعب كرة القدم والدورات الأوليمبية فهل نلج�أ �إىل الفيفا؟‬

‫‪35‬‬
‫جدول يو�ضح عدد املهاجرين اليهود القادمني �إىل فل�سطني‬
‫(‪)1‬‬
‫يف �أواخر الع�صر العثماين‬
‫عدد اليهود‬ ‫املتو�سط ال�سنوي‬ ‫جمموع املهاجرين‬
‫ن�سبة اال�شكناز‬
‫الأ�شكيناز‬ ‫للهجرة اليهودية‬ ‫اليهود �إىل فل�سطني‬ ‫الفرتة الزمنية‬
‫املئوية‬
‫(بالآالف)‬ ‫(بالآالف)‬ ‫(بالآالف)‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪0.8‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪1880 - 1850‬‬
‫‪% 96‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪1903 - 1881‬‬
‫‪% 95‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪2.9‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪1910 - 1904‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3.5‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪1914 - 1911‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1.3‬‬ ‫‪84.3‬‬ ‫‪1914 - 1850‬‬

‫‪ ‬‬
‫جدول يو�ضح الهجرة اليهودية �إىل فل�سطني‬
‫ومقارنتها بالهجرة اليهودية العاملية من عام ‪1840‬‬
‫(‪)2‬‬

‫‪ -1‬املو�سوعة الفل�سطينية‪ ،‬الق�سم العام‪ ،‬املجلد الأول ‪ ،‬دم�شق‪ ،‬هيئة املو�سوعة الفل�سطينية‪.1984 ،‬‬
‫‪2-Finkelstein, L., OP. cit, VOI.2, Table 3 A,P. 1554, and Table 3BP. 1555‬‬

‫‪36‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫جدول يو�ضح موجات الهجرة اليهودية �إىل فل�سطني من عام ‪1948 - 1882‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪ -1‬د‪ /‬يو�سف عبد اهلل �صايغ ‪ ،‬االقت�صاد الإ�سرائيلي ‪ ،‬جدول (‪� )3‬ص ‪. 50‬‬
‫‪37‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وثيقة‪ ..‬نداء "نابليون" �إىل يهود العامل �سنة ‪1798‬م‬

‫"من نابليون بونابرت القائد الأعلى للقوات امل�سلحة للجمهورية‬


‫الفرن�سية يف �إفريقيا و�آ�سيا �إىل ورثة فل�سطني ال�شرعيني‪.‬‬
‫�أيها الإ�سرائيليون‪� ،‬أيها ال�شعب الفريد‪ ،‬الذي مل ت�ستطع قوى الفتح‬
‫والطغيان �أن ت�سلبه ن�سبه ووجوده القومي‪ ،‬و�إن كانت قد �سلبته �أر�ض‬
‫الأجداد فقط‪.‬‬
‫�إن مراقبي م�صائر ال�شعوب الواعني املحايدين‪ ،‬و�إن مل تكن لهم مقدرة‬
‫الأنبياء مثل �أ�شعياء ويوئيل‪ ،‬قد �أدركوا ما تنب�أ به ه�ؤالء ب�إميانهم الرفيع‬
‫�أن عبيد اهلل (كلمة �إ�سرائيل يف اللغة العربية تعني �أ�سري اهلل �أو عبد‬
‫اهلل) �سيعودون �إىل �صهيون وهم ين�شدون‪ ،‬و�سوف تعمهم ال�سعادة حني‬
‫ي�ستعيدون مملكتهم دون خوف‪.‬‬
‫انه�ضوا بقوة �أيها امل�شردون يف التيه‪� ،‬إن �أمامكم حرب ًا مهولة يخو�ضها‬
‫�شعبكم بعد �أن اعترب �أعدا�ؤه �أن �أر�ضه التي ورثها عن الأجداد غنيمة‬
‫تق�سم بينهم ح�سب �أهوائهم‪ ...‬البد من ن�سيان ذلك العار الذي �أوقعكم‬
‫حتت نري العبودية‪ ،‬وذلك اخلزي الذي �شل �إرادتكم لألفي �سنة‪� ،‬إن‬
‫الظروف مل تكن ت�سمح ب�إعالن مطالبكم �أو التعبري عنها‪ ،‬بل �إن هذه‬
‫الظروف �أرغمتكم بالق�سر على التخلي عن حقكم‪ ،‬ولهذا ف�إن فرن�سا‬
‫تقدم لكم يدها الآن حاملة �إرث �إ�سرائيل‪ ،‬وهي تفعل ذلك يف هذا‬
‫الوقت بالذات‪ ،‬ورغم �شواهد الي�أ�س والعجز‪.‬‬
‫�إن اجلي�ش الذي �أر�سلتني العناية الإلهية به‪ ،‬ومي�شي بالن�صر �أمامه‬
‫وبالعدل وراءه‪ ،‬قد اختار القد�س مقر ًا لقيادته‪ ،‬وخالل ب�ضعة �أيام‬
‫�سينتقل �إىل دم�شق املجاورة التي مل تعد ُترهب مدينة داود‪.‬‬

‫‪ -1‬حممد ح�سنني هيكل‪ :‬املفاو�ضات ال�سرية بني العرب و�إ�سرائيل ‪( .‬اجلزء الأول) ‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫يا ورثة فل�سطني ال�شرعيني‪..‬‬


‫�إن الأمة الفرن�سية التي ال تتاجر بالرجال والأوطان كما فعل غريها‪،‬‬
‫تدعوكم �إىل �إرثكم ب�ضمانها وت�أييدها �ضد كل الدخالء‪.‬‬
‫انه�ضوا و�أظهروا �أن قوة الطغاة القاهرة مل تخمد �شجاعة �أحفاد‬
‫ه�ؤالء الأبطال الذين كان حتالفهم الأخوي �شرف ًا لإ�سربطة وروما‪ ،‬و�أن‬
‫معاملة العبيد التي طالت �ألفي �سنة مل تفلح يف قتل هذه ال�شجاعة‪.‬‬
‫�سارعوا �إن هذه هي اللحظة املنا�سبة ‪-‬التي قد ال تتكرر لآالف ال�سنني‪-‬‬
‫للمطالبة با�ستعادة حقوقكم ومكانتكم بني �شعوب العامل‪ ،‬تلك احلقوق‬
‫التي �سلبت منكم لآالف ال�سنني وهي وجودكم ال�سيا�سي ك�أمة بني‬
‫الأمم‪ ،‬وحقكم الطبيعي املطلق يف عبادة �إلهكم يهوه‪ ،‬طبق ًا لعقيدتكم‪،‬‬
‫وافعلوا ذلك يف العلن وافعلوه �إىل الأبد‪.‬‬
‫" بونابرت "‬

‫‪39‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وثيقة ‪ ..‬نداء �شبتاي زيف �إىل اليهود ‪1666‬‬

‫�أيها الإخوان‪ :‬ال يغربن عن ذهنكم �أن زفراتكم وتنهداتكم �صعدت يف‬
‫خالل الع�صور �إىل عنان ال�سماء ل�شدة ما رزحتم حتت �أثقال اجلور‬
‫واال�ضطهاد فهال تنوون �أن تتخل�صوا نهائ ّي ًا من احلالة املقرونة بالإذالل‬
‫واالنحطاط التي و�ضعكم فيها �أنا�س من الهمج‪� ،‬إننا نرى االزدراء‬
‫مرافق ًا لنا يف كل مكان فالبدار البدار‪ ،‬فقد حان الوقت لتحطيم‬
‫�سال�سل اخل�سف والإهانة التي طوق العدو بها �أعناقكم‪ ،‬وخلع النري‬
‫الذي ال يطاق احتماله‪ ،‬نعم قد �آن الأوان لنهو�ضنا واحتالل املركز‬
‫الالئق بنا بني �أمم العامل فهيا بنا �أيها الإخوان لتجديد هيكل �أور�شليم‪،‬‬
‫�إن عددنا يبلغ �ستة ماليني منت�شرين يف جميع �أقطار العامل‪ ،‬ويف حوزتنا‬
‫ثروات طائلة وا�سعة وممتلكات عظيمة �شا�سعة فيجب �أن نتذرع بكل ما‬
‫لدينا من الو�سائل ال�ستعادة بالدنا‪.‬‬
‫�إن الفر�صة ل�سانحة ومن واجبنا �أن نغتنمها‪.‬‬
‫�إنه يجب العمل بالو�سائل التالية لتحقق هذا امل�شروع املقد�س وهي‬
‫�إقامة جمل�س ينتخبه اليهود املقيمون يف اخلم�سة ع�شر بلد ًا التالية‬
‫وهي‪� :‬إيطاليا‪� ،‬سوي�سرا‪ ،‬املجر‪ ،‬بولونيا‪ ،‬رو�سيا‪ ،‬بالد ال�شمال‪ ،‬بريطانيا‬
‫العظمى‪� ،‬إ�سبانيا‪ ،‬بالد ول�س‪ ،‬ال�سويد �أملانيا‪ ،‬تركيا‪� ،‬آ�سيا‪ ،‬و�إفريقيا‪.‬‬
‫فاللجنة املمثلة لليهود املقيمني يف هذه البلدان كلها ميكنها �أن تبحث‬
‫يف مهمتها لتتخذ ما تراه من القرارات ب�صددها ويكون من الواجب‬
‫على جميع اليهود �أن يقبلوا هذه القرارات ويجعلوها مبثابة قانون ال‬
‫مندوحة لهم من اخل�ضوع له‪.‬‬

‫‪�" -1‬إيلي ليقي �أبو ع�سل " ‪ ،‬كتاب يقظة يهود العامل ‪ ،‬القاهرة‪1934 ،‬م‪� ،‬ص ‪. 104 - 101‬‬
‫‪40‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫وثيقة‪ ..‬ر�سالة يهودي �إيطايل �إىل (الإخوان يف الدين �سنة ‪)1798‬‬


‫(‪)1‬‬

‫�إن البالد التي نقرتح احتاللها �سوف ت�ضم (وذلك يخ�ضع للرتتيبات‬
‫التي تراها فرن�سا منا�سبة) م�صر ال�سفلى‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل منطقة‬
‫متتد حدودها على خط ي�سري من عكا �إىل البحر امليت‪ ،‬ومن الطرف‬
‫اجلنوبي للبحر امليت �إىل البحر الأحمر‪.‬‬
‫�إن هذا املوقع املتفوق على ما عداه‪ ،‬واملتميز عن �سائر املواقع يف العامل‬
‫�سوف يجعل منا حني منخر عباب البحر الأحمر �أ�سياد جتارة الهند‬
‫واجلزيرة العربية �أو جنوب �إفريقيا و�شرقها واحلب�شة و(�إثيوبيا)‪...‬‬
‫�إن قرب حلب ودم�شق �سوف ي�سهل جتارتنا مع بالد فار�س‪ ،‬وعن طريق‬
‫البحر الأبي�ض املتو�سط ن�ستطيع �إقامة االت�صاالت مع فرن�سا و�إ�سبانيا‬
‫و�إيطاليا و�سائر �أنحاء القارة الأوروبية‪.‬‬
‫�إن بالدنا الواقعة يف مركز الو�سط يف العامل �سوف ت�صبح مركز ًا‬
‫جتاري ًا لتوزيع ال�سلع من كل املنتجات الفنية والثمينة على �سطح الكرة‬
‫الأر�ضية‪.‬‬
‫�إيه‪� ،‬إخواين‪� ،‬أال تت�ضاءل قيمة الت�ضحيات �أمام حتقيق هذا الهدف؟‬
‫�سوف نعود �إىل بالدنا ونعي�ش يف ظل قوانيننا‪ ،‬ثم ن�شاهد تلك الأماكن‬
‫املقد�سة �أيها الإ�سرائيليون! ها قد دنت نهاية ب�ؤ�سكم وم�صائبكم‪،‬‬
‫فالفر�صة مواتية‪ ،‬واحذروا كي ال تدعوها تفوتكم‪.‬‬

‫)‪1 - Albert Hyawson : «Palestine. The Rebirth of An ancient People» (London 1916‬‬

‫‪41‬‬
‫وثيقة ‪" ..‬ت�شمربلني يعر�ض م�شروع �أوغندا على هريت�سل"‬
‫(‪)1‬‬

‫‪ -1‬ملف وثائق فل�سطني من عام ‪� 637‬إىل عام ‪ ،1949‬وزارة الإر�شاد القومي ‪،‬ج‪� ، 1‬ص‪. 146 - 145‬‬

‫‪42‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫وثيقة‪" ..‬ر�سالة ت�شمربلني �إىل هريت�سل لتوطني اليهود يف �سيناء"‬


‫(‪)1‬‬

‫‪ -1‬ملف وثائق فل�سطني من عام ‪� 637‬إىل عام ‪ ،1949‬وزارة الإر�شاد القومي ‪،‬ج‪� ، 1‬ص‪. 142 - 141‬‬
‫‪43‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وثيقه‪ ..‬م�ؤمتر بازل عام ‪1897‬‬

‫‪ ‬بد�أ التح�ضري اجلدي لعقد م�ؤمتر �صهيوين مع مطلع �سنة ‪،1897‬‬


‫وكان مقرر ًا عقده يف ميونخ ب�أملانيا‪ ،‬لكن عندما �أر�سلت الدعوات‬
‫الر�سمية غ�ضب اليهود الغربيون و�أعلنوا �سخطهم على امل�ؤمتر‪،‬‬
‫واعتربته ال�صحافة الأملانية اليهودية خيانة‪ ،‬كما رف�ضت رابطة رجال‬
‫الدين اليهود يف �أملانيا هذا امل�ؤمتر ب�شدة‪.‬‬
‫و�أدت هذه احلملة �إىل نقل مكان امل�ؤمتر �إىل بازل يف �سوي�سرا‪ ،‬وان�صرف‬
‫هريت�سل �إىل مرا�سلة زعماء اليهود قاطبة‪ ،‬يحثهم على انتخاب النخبة‬
‫البارزة بينهم‪.‬‬
‫‪ ‬عقد امل�ؤمتر �أخري ًا يف بازل (‪� 31 - 29‬أغ�سط�س ‪ ،)1897‬وح�ضره‬
‫‪� 204‬أع�ضاء من اليهود‪ ،‬ميثلون ‪ 15‬دولة‪ ،‬وتر�أ�س هريت�سل امل�ؤمتر‪.‬‬
‫‪ ‬وو�ضع امل�ؤمتر ما عرف فيما بعد با�سم "برنامج بازل" ال�صهيوين‪،‬‬
‫والقرار الأ�سا�س الذي اتخذه امل�ؤمتر هو‪�" :‬إن غاية ال�صهيونية هي خلق‬
‫وطن لل�شعب اليهودي يف فل�سطني ي�ضمنه القانون العام"‪.‬‬
‫وحدد امل�ؤمتر الو�سائل الكفيلة بتحقيق هذه الغاية مبا يلي‪:‬‬
‫‪1‬ـ تعزيز اال�ستيطان يف فل�سطني باليهود املزارعني‪ ،‬واحلرفيني‪،‬‬
‫واملهنيني‪ ،‬وبناء على قواعد �صاحلة‪.‬‬
‫‪2‬ـ تنظيم اليهود كافة‪ ،‬وتوحيدهم بوا�سطة �إن�شاء امل�ؤ�س�سات املحلية‬
‫والعامة املالئمة‪ ،‬وفق ًا للقوانني ال�سارية يف كل بلد‪.‬‬

‫‪ - 1‬بيان نويه�ض احلوت‪ ،‬فل�سطني (الق�ضية ـ ال�شعب ـ احل�ضارة)‪ ،‬التاريخ ال�سيا�سي من عهد الكنعانيني حتى‬
‫‪ ،1917‬بريوت‪ ،‬دار اال�ستقالل للدرا�سات والن�شر‪1991 ،‬‬

‫‪44‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫‪3‬ـ تقوية ال�شعور اليهودي القومي وال�ضمري القومي‪.‬‬


‫‪4‬ـ اتخاذ اخلطوات التح�ضريية للح�صول على موافقة احلكومات التي‬
‫يجب احل�صول عليها‪ ،‬لتحقيق هدف ال�صهيونية‪.‬‬
‫ومن الناحية التنفيذية‪� ،‬أ�س�س امل�ؤمتر "املنظمة ال�صهيونية العاملية"‪،‬‬
‫وانتخب هريت�سل رئي�س ًا للمنظمة ال�صهيونية‪ ،‬ومت �إقرار النظام الداخلي‬
‫للمنظمة وهيكلها التنظيمي و�شروط الع�ضوية‪ ،‬فمنح حق الع�ضوية لكل‬
‫يهودي يف العامل يلتزم بربنامج بازل‪ ،‬ويدفع ا�شرتاك ًا �سنو ّي ًا ي�سمى "�شيقل"‬
‫‪-‬وهو وحدة العملة التي كان يتداولها العربانيون القدامى‪ .-‬وللمنظمة‬
‫رئي�س وجلنة تنفيذية وجمل�س عام يتمتع ب�صالحياته امل�ؤمتر ما بني دورات‬
‫انعقاده‪ ،‬كما �أقر امل�ؤمتر �شكل العلم ال�صهيوين (تر�س داود) ون�شيد ًا قوم ّي ًا‪.‬‬
‫وجدير بالذكر �أن م�ؤمتر بازل قد تعمد �أن ي�ستعمل يف قراره الرئي�س‬
‫تعبري "وطن"‬
‫‪� )hermstaeete( ‬أو (‪ )Home‬لأ�سباب دبلوما�سية‪ ،‬بينما كان‬
‫الق�صد احلقيقي للم�ؤمتر منذ البداية هو "دولة يهودية"‪ .‬وقد �أكد‬
‫هريت�سل نف�سه هذه احلقيقة يف مذكراته بقوله‪" :‬لو �أردت �أن �أخل�ص‬
‫م�ؤمتر بازل بكلمة واحدة‪ ،‬وهي كلمة �س�أحر�ص على �أال �أتلفظ بها علن ًا‪،‬‬
‫لقلت‪" :‬يف م�ؤمتر بازل �أر�سيت �أ�س�س الدولة اليهودية"‪.‬‬
‫كان م�ؤمتر بازل انعطاف ًا �أ�سا�س ّي ًا يف تاريخ احلركة ال�صهيونية‪ ،‬ولكنه‬
‫رغم ذلك جمرد خطوة على طريق طويل‪ ،‬وهكذا توجهت احلركة‬
‫ال�صهيونية‪ ،‬بعد ذلك امل�ؤمتر‪ ،‬للعمل على جبهتني بوقت واحد‪ :‬اجلبهة‬
‫الداخلية بهدف ا�ستكمال تنظيماتها وك�سب ول‬
‫واجلبهة اخلارجية بهدف ك�سب ت�أييد حركة اال�ستعمار الأوروبي العاملي‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وثيقة‪ ..‬نظام عمل امل�ؤمتر ال�صهيوين‬

‫‪ -1‬ملف وثائق فل�سطني من عام ‪� 637‬إىل عام ‪ ،1949‬وزارة الإر�شاد القومي ‪،‬ج‪� ، 1‬ص‪.108 - 103‬‬
‫‪46‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫(‪)1‬‬
‫الن�ص الأ�صلي لوعد بلفور‬

‫‪ -1‬الوعد وترجمته من كتاب وثائق الق�ضية الفل�سطينيه ا�صدار جامعه الدول العربية ‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫ترجمة ن�ص وعد بلفور‬

‫ت�صريح بلفور‪ -‬وزارة اخلارجية‬


‫الثاين من نوفمرب �سنة ‪1917‬‬
‫عزيزي اللورد روت�شلد‬
‫ي�سرين ج ّد ًا �أن �أبلغكم بالنيابة عن حكومة جاللته‪ ،‬الت�صريح التايل‬
‫الذي ينطوي على العطف على �أماين اليهود وال�صهيونية‪ ،‬وقد عر�ض‬
‫على الوزارة و�أقرته‪:‬‬
‫"�إن حكومة �صاحب اجلاللة تنظر بعني العطف �إىل ت�أ�سي�س وطن‬
‫قومي لل�شعب اليهودي يف فل�سطني و�ستبذل غاية جهدها لت�سهيل‬
‫حتقيق هذه الغاية‪ ،‬على �أن يفهم جل ّي ًا �أنه لن ي�ؤتى بعمل من �ش�أنه‬
‫�أن ينتق�ص من احلقوق املدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غري‬
‫اليهودية املقيمة الآن يف فل�سطني وال احلقوق �أو الو�ضع ال�سيا�سي الذي‬
‫يتمتع به اليهود يف البلدان الأخرى"‪.‬‬
‫و�س�أكون ممت ّن ًا �إذا ما �أحطتم االحتاد ال�صهيوين علم ًا بهذا الت�صريح‪.‬‬
‫املخل�ص‬

‫‪48‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫(‪)1‬‬
‫مقتطفات من وثيقة �أدوين مونتاجو حتت عنوان "ال�صهيونية"‬
‫�أكتوبر �سنة ‪ 1917‬جمل�س الوزراء ‪28 /24‬‬
‫ال�سجالت الر�سمية للحكومة الربيطانية‬
‫وزعت مبعرفة وزير الدولة للهند‬

‫�إنه لي�ؤ�سفني �أن �أ�شغل جمل�س الوزراء ببحث �آخر عن هذا املو�ضوع‪،‬‬
‫ولكني ح�صلت على مزيد من املعلومات التي �أود �أن �أعر�ضها على‬
‫�أع�ضاء املجل�س‪.‬‬
‫لقد تلقينا يف وزارة الهند �سل�سلة من الأبحاث القيمة عن تركيا و�آ�سيا‬
‫بقلم الآن�سة جري ترود لوثيان بل‪ ،‬املر�أة املرموقة التي بعد �أعوام من‬
‫املعرفة التي جنتها يف �أثناء رحالت فريدة قامت بها يف تلك املناطق‬
‫تعمل ك�ضابط �سيا�سي م�ساعد يف بغداد وقد كتبت تقول‪:‬‬
‫"وثمة عامل ال يقل �أهمية عن غريه من العوامل املقو�ضة للقومية‬
‫وهو احلقيقة املاثلة يف �أن �شعب ًا غري عربي يعترب جزء ًا من �سوريا ‪-‬‬
‫رغم �أنه كبقية �أجزاء �سوريا ت�سكنه غالبية من العرب ‪ -‬مبثابة مرياث‬
‫مو�صى به له وبلغ تعداد اليهود يف فل�سطني على �أح�سن تقدير حوايل‬
‫ربع ال�سكان وامل�سيحيني اخلم�س والباقي من العرب امل�سلمني‪ .‬ولقد‬
‫دعمت الهجرة اليهودية بطريقة م�صطنعة بالإعانات والتربعات من‬
‫�أ�صحاب املاليني من اليهود الأوروبيني‪.‬‬
‫ولقد كان اللورد كرومر يجد متعة يف رواية حديث كان قد دار بينه‬
‫وبني �أحد م�شاهري اليهود الإنكليز الذي قال له‪�" :‬إذا ما قامت مملكة‬
‫يهودية يف القد�س فلن �أتوانى عن تقدمي طلب للعمل ك�سفري لها يف‬
‫‪ -1‬ملف وثائق و و�أوراق الق�ضية الفل�سطينية – اجلزء الأول – على حممد على – من �صفحة ‪ 264‬ل�صفحة ‪. 273‬‬
‫‪49‬‬
‫لندن"‪ .‬ولكن رغم مثل هذه امل�شاعر ال�سائدة فهناك عامالن يلغيان‬
‫فكرة فل�سطني اليهودية امل�ستقلة من واقع ال�سيا�سة العملية وهما‪:‬‬
‫�أو ًال‪� :‬أن الإقليم كما نعلم لي�س يهود ّي ًا و�أنه ما من م�سلم �أو عربي يقبل‬
‫�سلطة يهودية‪ ،‬وال�سبب الثاين هو �أن العا�صمة القد�س هي مدينة‬
‫مقد�سة بالت�ساوي بالن�سبة للأديان الثالثة‪ :‬اليهودية وامل�سيحية‬
‫والإ�سالم وال يجب �أن تو�ضع �أبد ًا ‪ -‬طاملا كان يف اال�ستطاعة جتنب‬
‫ذلك ‪ -‬حتت ال�سلطان املنفرد لأي طائفة من الطوائف املحلية مهما‬
‫كانت دقة ال�ضمانات التي ميكن �إعطا�ؤها حلماية حقوق الطائفتني‬
‫الأخريني‪".‬‬
‫�إن هذه النبذة تو�ضح متام ًا مدى حجم ال�سكان اليهود يف فل�سطني‬
‫حالي ًا‪ ،‬و�إين لأت�ساءل مرة �أخرى‪ :‬هل ميكن لأي �شخ�ص يعرف هذه‬
‫البالد �أن يت�صور �أن ثمة مكان ًا يف فل�سطني ال�ستيعاب زيادة �أكيدة‬
‫يف عدد ال�سكان؟ و�إذا مل يخطر ذلك ببال �أحد و�أي فئة من ال�سكان‬
‫يقرتح �سلبها �أمالكها؟ و�إذا ما �أخذنا بعني االعتبار الأحوال اجلغرافية‬
‫واجليولوجية واملناخية لفل�سطني‪ ،‬فهل ي�ستحق الأمر �أن يهدد و�ضع‬
‫جميع اليهود الذين يبقون يف البالد الأخرى من �أجل ذلك الق�سم‬
‫ال�ضئيل من اليهود الذي ميكنه عق ًال �أن يجد لنف�سه وطن ًا يف فل�سطني؟‪.‬‬
‫�إنني ال �أخ�ضع لت�أثري �أي �شخ�ص يف �إعجابي بالربوف�سور وايزمان‬
‫الرو�سي البارز الذي له �ش�أن كبري يف مناق�شاتنا‪ ،‬و�إن خدماته لق�ضية‬
‫احللفاء كانت عظيمة وهو عامل ذائع ال�صيت ولكنه يف هذا الأمر �أقرب‬
‫ما يكون �إىل املتع�صب الديني؛ ذلك �أن حما�سه لهذه الق�ضية كان هو‬
‫املبد�أ الذي �ألهمه خالل جزء كبري من حياته‪ ،‬على الأقل‪ ،‬بل �إن هذه‬

‫‪50‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫الق�ضية هي مبعث حما�سه الطاغي وكم �أدى مثل هذا احلما�س �إىل‬
‫جتاهل الإمكانات العملية جتاه ًال تا ّم ًا‪.‬‬
‫لقد ح�صلت على قائمة ت�ضم بع�ض ال�شخ�صيات البارزة املناه�ضة‬
‫لل�صهيونية – نذكر هنا جمموعة من الأ�سماء فقط على �سبيل املثال ‪-‬‬
‫ويالحظ �أنها ت�ضم كل يهودي ذي �ش�أن يف احلياة العامة با�ستثناء لورد‬
‫روت�شيلد احلايل وم�سرت هريبرت �صمويل وقلة �أخرى منهم‪:‬‬
‫‪Dr. Israel Abrahams. M.A..‬‬
‫‪University of Cambridge.‬‬
‫‪C.G. Montefiore Esq.. M.A.‬‬
‫‪A.R.Moro. Esq‬‬
‫‪Sir Lionel Abrahams. K.C.B.‬‬
‫‪Sir Mattew Nathan. G.C.M.G.‬‬
‫‪Professor S. Alexander. M.A..‬‬
‫‪University of Manchester.‬‬
‫‪J.Prag. Eaq.. M.p.‬‬
‫‪The Right Hon. Viscount Reading‬‬
‫‪G.C.B.K. C.V.O‬‬
‫‪D.I Alexander. Esq.. K.C.M.P‬‬
‫‪Captain O.E. d’Avigdor- Goldsmid.‬‬

‫‪51‬‬
‫‪‘Leonard L. Cohen. Esq.‬‬
‫‪Captain Anthony de Rothschild‬‬
‫‪New Court. St. Swithin’s Lane‬‬
‫‪E.C.‬‬
‫‪Robert Waley Cohen. Esq‬‬

‫‪Dr. A. Eichholz.‬‬

‫وه�ؤالء جميع ًا من الرجال الذين يحيون حياة �إنكليزية يف الوقت‬


‫الذي يعرتفون فيه ب�إخوانهم يف الدين ويقدمون لهم اخلدمات �سواء‬
‫يف هذه البالد �أو خارجها‪ .‬وي�ضم ه�ؤالء بينهم يهود ًا من املغالني يف‬
‫الأرثوذك�سية وبع�ض اليهود املبدعني على ال�سواء‪.‬‬
‫�إن واجب جمل�س الوزراء الأول هو جتاه الإنكليز مواطني الإمرباطورية‬
‫الربيطانية من �أ�صحاب التقاليد الربيطانية‪ ،‬و�إين �أتقدم بكل‬
‫احرتام بالقول �إنه لي�س من �ش�أنهم تبني ق�ضية الأمريكيني والرو�س‬
‫والنم�ساويني والأملان‪ ،‬و�إن كانوا قد جتن�سوا باجلن�سية الربيطانية‬
‫على ح�ساب �أولئك الذين عا�شوا �أجيا ًال يف هذه البالد وي�شعرون �أنهم‬
‫�إنكليز‪� .‬إن اليهود يهاجمون الآن با�ستمرار لبقائهم مبن�أى عن امل�شاعر‬
‫الوطنية العظيمة التي �أ�شعلتها احلرب ولكونهم غري �أميني يف عاطفتهم‬
‫ودوليني يف �أمانيهم‪ .‬وهذه �سبة ج�سيمة لليهودي الربيطاين و�إن كانت‬
‫�صحيحة بالن�سبة لل�صهيوين‪ .‬و�آمل �أن ترتيث احلكومة الربيطانية التي‬
‫�أ�شرتك يف ع�ضويتها قبل �أن تتجاهل ال�شعور الربيطاين الذي �أمثله يف‬
‫هذا املو�ضوع ل�صالح تلك الفئة من �أبناء الطائفة �صاحبة النزاعات‬
‫الدولية‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫خريطة �إ�سرائيل‬
‫(‪)1‬‬
‫لدى ثيودور هريت�سل واحلاخام في�شمان‬

‫‪1- in his Complete Dialers, vole 11. P 711.‬‬

‫‪53‬‬
‫)‪(Endnotes‬‬
‫‪ - i‬الربوف�سور ليون يهوذا ماغن�س ( ‪ 5‬يوليو ‪� 27 – 1877‬أكتوبر ‪ 1948‬م)‪ :‬حاخام �إ�صالحي‬
‫يف كل من الواليات املتحدة الأمريكية وفل�سطني‪ ،‬وكانت وجهات النظر التي اعتنقها غري‬
‫تقليدية للغاية‪ ،‬ال �سيما فيما يتعلق بالتقاليد وال�صهيونية‪ .‬ماغن�س دعا �إىل نهج �أكرث تقليدية‬
‫�إىل اليهودية‪ ،‬خوفاً من النزعات‪ .‬وكان اخلالف حول هذه الق�ضية التي دفعته �إىل اال�ستقالة‬
‫من معبد "�إمانو �إيل "يف عام ‪ .1910‬ماغن�س �أي�ضاً ان�شق ملزيد من الإ�صالح العام نحو موقف‬
‫ال�صهيونية من الرف�ض بقوة من التجريد من اجلن�سية اليهودية‪� .‬أ�سهم يف ت�أ�سي�س اجلامعة‬
‫العربية يف القد�س‪ ‬يف عام ‪ 1918‬جنبا �إىل جنب مع‪� ‬ألربت �آين�شتاين‪ ‬وحاييم وايزمان‪.. ‬‬
‫�شغل من�صب امل�ست�شار وفيما بعد رئي�س اجلامعة‪ .‬ور�أى �أن اجلامعة كانت املكان املثايل‬
‫لتعاون اليهود والعرب‪ ،‬وعمل بال كلل لتحقيق هذا الهدف‪.‬كان ملاغن�س تاريخ طويل من‬
‫الن�شاط نيابة عن امل�صاحلة مع العرب‪ .‬خالل فرتة ما قبل الدولة‪ ،‬اعرت�ض ماغن�س على دولة‬
‫يهودية ب�شكل خا�ص‪ .‬ويف ر�أيه‪ ،‬ف�إن فل�سطني ال تكون يهودية �أو عربية‪ .‬بد ًال من ذلك‪ ،‬وقال‬
‫�إنه دعا دولة ثنائية القومية التي �سيتم تقا�سم حقوق مت�ساوية للجميع‪ .‬وهذا القول الذي‬
‫تروج له جمموعة برييت �شالوم‪ ،‬الذي �أ�سهم يف ت�أ�سي�سها ماغن�س يف عام ‪ .1925‬وكان‬
‫�شالوم برييت يف املقام الأول حركة املثقفني‪ ،‬وتفتقر �إىل قاعدة جماهريية كبرية‪ .‬كما كان‬
‫من دعاة ال�سالم ‪ ،‬ومبادئ التوافق والتفاهم وا�ستمر يف العمل نحو حتقيق هذه الأهداف‬
‫حتى وفاته يف عام ‪.1948‬‬
‫‪ - ii‬احلاخام هو ال َر ّباينّ‪ ‬يف‪ ‬اليهودية‪ ،‬وي�سمى‪ ‬احلرب‪ ‬والراب‪ ‬واحلاخام‪ ،‬هو زعيم ديني‪ .‬كلمة‬
‫حاخام‪ ‬العربية‪ ‬ترجع �إىل الكلمة‪ ‬العربية‪ ‬حاخام �أي "حكيم" وهي اللقب الذي �أطلق على‬
‫زعماء اليهود يف البلدان العربية‪ ‬والإ�سالمية‪� .‬أما اللقب الأكرث انت�شاراً لدى اليهود وباللغة‬
‫العربية فهو‪ ‬رب (�أو‪ ‬ربي‪) ‬ويعني بالعربية القدمية "�سيد" �أو "معلم" وهناك �أنواع للحاخامني‪.‬‬
‫‪ -‬اجلا�ؤون ‪ -‬حاخام قراراته مقبولة لدى يهود كثريين‪.‬‬
‫‪ -‬ال�صديق �أو البار ‪ -‬حاخام خمت�ص ب�ش�ؤون �أخالقية‪� ،‬أو مفت�ش يف‪ ‬ي�شيفا‪"  ‬املدر�سة الدينية)‬
‫‪ -‬املرن ‪ -‬رئي�س ي�شيفا �أو حاخام يعلم حاخامني �آخرين �أو رئي�س جمتمع يهودية كبرية‪.‬‬
‫‪ -‬الأدمور وهي اخت�صار‪� ( ‬أدوننو مورنو وربنو‪ " ‬ومعلمنا وحاخامنا") زعيم جمتمع يهودية‬
‫ح�سيدية‬
‫‪54‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫‪ - iii‬كبري احلاخامات ال�سابق يف �إ�سرائيل والزعيم الروحي للحركة ال�صهيونية الدينية‪،‬‬


‫دعا احلاخام الرئي�سي ال�سابق يف �إ�سرائيل مردخاي �إلياهو احلكومة �إىل �شن حملة ع�سكرية‬
‫على غزة‪ ،‬معترباً �أن "امل�س باملواطنني الفل�سطينيني الأبرياء �أمر �شرعي"‪.‬‬
‫وكان �إلياهو قد بعث بر�سالة قبيل جل�سة احلكومة الإ�سرائيلية التي خ�ص�صت لل�ش�أن‬
‫الفل�سطيني �ضمنها فتوى توجب التحرك �ضد قطاع غزة حتى لو �أدى ذلك ل�سفك‬
‫دماء الأبرياء‪ ،‬الفتاً �إىل قول تاريخي من�سوب للملك داود دعا فيه ملالحقة الأعداء وعدم‬
‫العودة قبل قتلهم‪.‬‬
‫و�أ�ضافت الفتوى "�أن �أقوال امللك داود ت�ستبطن ت�صريحاً لقادة �إ�سرائيل بعدم �إبداء‬
‫الرحمة جتاه من ي�ستهدف املدنيني لدينا بوا�سطة �إطالق �صواريخ من داخل مناطق م�أهولة‬
‫بال�سكان"‪ .‬وقال احلاخام يف فتواه �إنه ال يجوز االمتناع عن امل�سا�س مبن �سماهم املخربني‬
‫املختبئني بني املدنيني "فيما يعي�ش �سكان مدينة �سديروت يف خطر دائم"‪ .‬وحث �إلياهو‬
‫رئي�س الوزراء �إيهود �أوملرت على اخلروج بحملة ع�سكرية حقيقية �ضد الفل�سطينيني دون‬
‫االكرتاث باحتمال �إ�صابة املدنيني الأبرياء‪ ،‬ولفت �إىل �أن ه�ؤالء �أي�ضاً "غري نظيفني من‬
‫اخلطيئة" مقتب�ساً �أقوا ًال لرجال دين يهود تاريخيني‪� ،‬أمثال �ألرمبام‪ ،‬ت�ؤيد وجهة نظره‪.‬‬
‫و�أ�ضاف "املواطنون الفل�سطينيون الذين يغطون على قتلة لي�سوا طاهرين من اخلط�أ وهم‬
‫�شركاء باجلرمية امل�ستمرة املتمثلة با�ستهداف مدنيينا‪ ،‬ولذا ال يجوز تعري�ض حياة مواطن‬
‫�أو جندي �إ�سرائيلي واحد للخطر خوفاً من امل�س به�ؤالء املدنيني امل�ساندين للإرهاب"‪.‬‬
‫‪ - iv‬جملة فل�سطني يف �شهر‪ ،‬عدد ح�صري عن احلرب على غزة‪ ،‬جامعة الدول العربية‬
‫قطاع فل�سطني والأرا�ضي العربية املحتلة ‪.2014‬‬
‫‪- v‬التلمود (وجمعها‪ :‬تلمودمي)‪ ،‬تعني الدرا�سة‪ ،‬ويحتل التلمود مكانة هامة داخل الديانة‬
‫اليهودية‪ ،‬فاليهودية الر ّبانية لي�ست �سوى تلك اليهودية التلمودية‪ ،‬وهي التي توطدت‬
‫دعائمها بني يهود العامل �أجمع ‪.‬‏ والتلمود هو جمموعة قواعد وو�صايا و�شرائع دينية و�أدبية‬
‫ومدنية و�شروح وتفا�سري وتعاليم وروايات كانت تتناقل وتد ّر�س �شفه ًّيا من حني �إىل �آخر ‪.‬‬
‫‪ - vi‬جريدة جريو �ساليم بو�ست – ‪� 10‬أغ�سط�س ‪1967‬‬

‫‪�- vii‬سفر التثنية – الإ�صحاح ال�سابع – الآيات ( ‪. ) 2 - 1‬‬


‫‪55‬‬
‫‪� - viii‬سفر التثنية – الإ�صحاح ال�سابع – الآية رقم (‪. )24‬‬
‫‪� - ix‬سفر يو�شع – الإ�صحاح ال�ساد�س – االية رقم (‪. )20‬‬
‫‪ - x‬دعاء ال�شريف‪ ،‬كتاب حتطيم الأ�ساطري التوراتية‪ ،‬حتطيم �أ�سطورة �أريحا‪ ،‬الدار الثقافية‬
‫للن�شر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.2015 ،‬‬
‫‪� - xi‬سفر ي�شوع – الإ�صحاح ال�ساد�س – الآية رقم ( ‪. ) 24‬‬
‫‪� - xii‬سفر التكوين – الإ�صحاح ال�سابع ع�شر – الآيات (‪. )8 - 7‬‬
‫‪� - xiii‬سفر التكوين – الإ�صحاح اخلام�س ع�شر – الآيات ( ‪. ) 21 - 18‬‬
‫‪�- xiv‬سفر اخلروج ‪ -‬الإ�صحاح الثالث – الآية رقم (‪. )17‬‬
‫‪ - xv‬حتركت يف �أغ�سط�س عام ‪ 1096‬من اللورين ‪ ,‬طوابري قادها غودفري دي بويون‬
‫الرابع‪ ,‬وان�ضم �إليها �أتباعه (�أخوه الأكرب الكونت يفت�سايف من بولون و�أخوه اال�صغر‬
‫بودوان من بولون �أي�ضاً ‪ ،‬كما ان�ضم بودوان له بورغ ابن عم غودفري ‪ ،‬والكونت بودوان‬
‫من اينو والكونت رينو من تول) على اثر الدعوة التي انطلقت لها حملة الفقراء ‪ ،‬م�شت‬
‫هذه الف�صائل على طريق الراين‪-‬الدانوب التي �سارت عليها قبلهم ف�صائل الفالحني‬
‫الفقراء‪ .‬حتى و�صلت الق�سطنطينية نهاية عام ‪. 1096‬‬
‫و�أ�سفرت احلملة الأوىل عن احتالل القد�س عام ‪ 1099‬وقيام مملكة القد�س الالتينية‬
‫عدة مناطق حكم �صليبية �أخرى ‪,‬كالرها(ادي�سا) و�إمارة انطاكية وطرابل�س‬ ‫بالإ�ضافة �إىل ّ‬
‫بال�شام ‪.‬ولعبت اخلالفات بني حكام امل�سلمني املحليني دوراً كبرياً يف الهزمية التي تعر�ضوا‬
‫لها ‪ ،‬كاخلالفات بني الفاطميني بالقاهرة ‪,‬وال�سالجقة الأتراك بنيقية بالأنا�ضول وقتها‬
‫وباءت املحاوالت لطرد ال�صليبيني بالف�شل كمحاولة الوزير الأف�ضل الفاطمي الذي و�صل‬
‫ع�سقالن ولكنه فر بعدها �إمام اجلحافل ال�صليبية التي ا�ستكملت ال�سيطرة على بع�ض‬
‫البالد ال�شامية والفل�سطينية بعدها‪.‬‬
‫‪ - xvi‬روجيه جاروديه ‪ -‬فل�سطني �أر�ض الر�ساالت الإلهية– ترجمة وتعليق الدكتور عبد‬
‫ال�صبور �شاهني ‪ -‬دار الرتاث – ‪� - 1986‬ص ‪. 362‬‬
‫‪ - xvii‬النا�صر �صالح الدين يو�سف بن �أيوب بن �شاذي بن مروان‪� ،‬أبو املظفر الأيوبي‬
‫‪56‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫(‪ 1193 - 1138‬م) عرف يف كتب التاريخ يف ال�شرق والغرب ب�أنه فار�س نبيل وبطل‬
‫�شجاع وقائد من �أف�ضل من عرفتهم الب�شرية و�شهد ب�أخالقه �أعدا�ؤه من ال�صليبيني قبل‬
‫�أ�صدقائه وكاتبو �سريته‪� ،‬إنه منوذج فذ ل�شخ�صية عمالقة من �صنع الإ�سالم‪� ،‬إنه البطل‬
‫�صالح الدين الأيوبي حمرر القد�س من ال�صليبيني وبطل معركة حطني وقد �أزال �صالح‬
‫الدين ال�صليب عن قبة ال�صخرة‪ ،‬ورفع فيها امل�صاحف وعني لها الأئمة وو�ضع يف امل�سجد‬
‫الأق�صى املنرب الذي كان قد �أمر نور الدين حممود بن زنكي ب�صنعه ود�شن �إن�شاءات‬
‫�إ�سالمية كثرية يف القد�س �أهمها مدر�سة ال�شافعية (ال�صالحية) وخانقاه لل�صوفية‬
‫وم�ست�شفى كبري (البيمار�ستان)‪ ،‬و�أ�شرف بنف�سه على تلك الإن�شاءات‪ ،‬بل �شارك بيديه‬
‫يف بناء �سور القد�س وحت�صينه‪ ،‬وعقد يف املدينة جمال�س العلم ‪.‬‬
‫توىل حكم القد�س بعد �صالح الدين ابنه امللك الأف�ضل الذي وقف املنطقة الواقعة‬
‫�إىل اجلنوب ال�شرقي من احلرم على املغاربة‪ ،‬حماية ملنطقة الرباق املقد�سة‪ ،‬و�أن�ش�أ فيها‬
‫مدر�سة‪ ،‬وممن حكم القد�س من الأيوبيني بعد الأف�ضل امللك املعظم عي�سى بن حتمد‬
‫بن �أيوب‪ ،‬الذي �أجرى تعمريات يف كل من امل�سجد الأق�صى وال�صخرة و�أن�ش�أ ثالث‬
‫مدار�س للحنفية (وكان احلنفي الوحيد من الأ�سرة الأيوبية)‪ ،‬ولكن املعظم عاد فدمر‬
‫�أ�سوار القد�س خوفاً من ا�ستيالء ال�صليبيني عليها و�ضرب املدينة فا�ضطر �أهلها �إىل الهجرة‬
‫يف �أ�سو�أ الظروف وتال املعظم بعد فرتة وجيزة �أخوه امللك الكامل الذي عقد اتفاقاً مع‬
‫الإمرباطور فردريك الثاين ملك الفرجنة‪� ،‬سلمه مبوجبه القد�س عدا احلرم ال�شريف‪،‬‬
‫و�سلمت املدينة و�سط مظاهر احلزن وال�سخط واال�ستنكار �سنة ‪626‬هـ‪ 1229/‬م وبقيت‬
‫يف �أيديهم حتى ‪ 637‬هـ ‪1239 /‬م عندما ا�سرتدها امللك النا�صر داود بن �أخي الكامل‪،‬‬
‫ثم عادت �إىل امل�سلمني نهائياً �سنة ‪ 642‬هـ ‪ 1244 /‬م عندما ا�سرتدها اخلوارزمية ل�صالح‬
‫جنم الدين �أيوب ملك م�صر‪.‬‬
‫‪ - xviii‬ملزيد من التفا�صيل عن الوعد االلهي ‪ :‬دعاء ال�شريف‪ ،‬كتاب التوراة تثبت �أن‬
‫فل�سطني �أر�ض عربيه‪ ،‬دار �أبعاد للطباعة والن�شر بريوت‪.2017 ،‬‬
‫‪� - xix‬أعداد اليهود املهاجرين �إىل فل�سطني ابتداء من عام ‪ 1850‬وحتى عام ‪. 1914‬‬
‫‪ - xx‬الهجرة اليهودية �إىل فل�سطني ومقارنتها بالهجرة اليهودية العاملية من عام ‪1942 - 1840‬‬

‫‪ - xxi‬الهجرة اليهودية �إىل فل�سطني ومقارنتها بالهجرة اليهودية العاملية من عام ‪1942 .1840‬‬

‫‪57‬‬
‫‪� - xxii‬سورة املائدة – الآية رقم (‪. )21‬‬
‫‪ - xxiii‬بنيامني زئيف هرت�سل (تيودور) ولد يف مدينة بوداب�ست باملجر �سنة ‪،1860‬‬
‫لأ�سرة يهودية ثرية‪ ،‬التحق ب�إحدى املدار�س اليهودية لكنه مل يكمل تعليمه‪ ،‬بعد ذلك‬
‫التحق مبدر�سة ثانوية فنية‪ ،‬ثم بالكلية الإجنيلية‪ ،‬و�أكمل درا�سته بجامعة فيينا وح�صل على‬
‫الدكتوراه يف القانون الروماين‪ .‬ا�شتغل ملدة عام يف املحاكم النم�ساوية‪ ،‬لكنه ترك العمل‪،‬‬
‫وتفرغ للكتابة يف الق�ضية اليهودية ووهب لها حياته‪ .‬عمل مرا�س ًال ل�صحيفة باري�سية من‬
‫�سنة ‪� 1891‬إىل �سنة ‪ ،1895‬حيث كتب عن �ضرورة وجود دولة ع�صرية يهودية كحل‬
‫مل�شكلة اليهود يف العامل‪ ،‬و�أ�صدر يف ذلك كتابه ال�شهري "دولة اليهود‪ ...‬حماولة حلل‬
‫ع�صري للم�س�ألة اليهودية"‪ .‬دعا �إىل عقد م�ؤمتر ي�ضم ممثلني لليهودية مبدينة بازل ب�سوي�سرا‬
‫وعقد امل�ؤمتر �سنة ‪ ،1897‬وانتخب هريت�سل رئي�ساً للم�ؤمتر‪ ،‬ثم رئي�ساً للمنظمة ال�صهيونية‬
‫التي �أعلن امل�ؤمتر عن تكوينها‪ ،‬وظل يرت�أ�س املنظمة حتى وفاته �سنة ‪ .1904‬وقرر امل�ؤمتر‬
‫ال�صهيوين الأول ال�سعي على موافقة دولية للح�صول على ت�أييد لهجرة اليهود �إىل‬
‫فل�سطني متهيداً لإقامة دولة يهودية هناك‪ .‬عمل على �إقامة ات�صال مع ال�سلطان العثماين‬
‫عبد احلميد‪ ،‬ملدة �ستة �أعوام‪ ،‬كان ي�أمل خاللها يف احل�صول على وعد بفل�سطني من‬
‫ال�سلطان‪ ،‬وكان الإغراء باملال و�سيلته الوحيدة‪� ،‬أما ال�سلطان عبد احلميد فكان يريد‬
‫الأخذ دون عطاء‪ ،‬فهو مل يكن على ا�ستعداد للتنازل عن �شرب من فل�سطني‪ ،‬لذلك ا�ضطر‬
‫هريت�سل �سنة ‪� 1902‬إىل التحول من �إ�ستانبول �إىل لندن‪ ،‬بعد وثوقه با�ستحالة احل�صول‬
‫على �أي وعد �أو ت�شريع بفل�سطني‪� ،‬أو حتى بجزء منها‪ .‬‬
‫وجه هريت�سل �أنظاره نحو امل�ستعمرات الربيطانية‪ ،‬وفكر يف �إقامة �إحدى امل�ستوطنات‬
‫اليهودية يف �أوغندا لتحويل الأنظار عن م�ساعي اليهود يف فل�سطني‪ ،‬لكن املنظمة‬
‫ال�صهيونية رف�ضت اقرتاحه هذا‪ .‬مات هريت�سل �سنة ‪ 1904‬يف بلدة �أوالخ باملجر‪ ،‬ونقلت‬
‫رفاته �إىل فل�سطني �سنة ‪ ،1949‬ومل يرتك هريت�سل‪ ،‬بعد وفاته‪ ،‬الكثريين من املعجبني‬
‫به‪� ،‬أو حزباً ملتزماً بخطه ال�سيا�سي ومت�أثراً ب�آرائه‪ ،‬ومل حترز ال�صهيونية خالل عهده �أي‬
‫�إجناز �سيا�سي عملي‪ ،‬غري �أن امل�ؤ�س�سات ال�صهيونية‪ ،‬التي كان ظهوره العامل الأول يف‬
‫�إقامتها من جهة‪ ،‬ثم تبلور نظريات و�سيا�سات �صهيونية �أخرى‪� ،‬سرعان ما �أفرزت تنظيمات‬
‫م�ستقلة تلتف حولها من جهة �أخرى‪ ،‬خلقت �أو�ضاعاً جديدة‪ ،‬وفجرت طاقات �صهيونية‪،‬‬
‫ال�شك �أنها مل تخطر على بال هريتزل عندما �أعلن عن افتتاح م�شروعه ال�صهيوين‪ ،‬وقد‬
‫‪58‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫منت تلك امل�ؤ�س�سات‪ ،‬وتطورت وت�شعبت ولعبت �أدواراً مهمة‪ ،‬ب�شكل ي�صعب معه ت�صور‬
‫قيام �أي ن�شاط �صهيوين بعد وفاة هريت�سل‪� ،‬أو ا�ستمراره دون وجود تلك امل�ؤ�س�سات‪،‬‬
‫ب�صيغتها املختلفة‪.‬‬
‫‪ - xxiv‬يوميات هريتزل‪ ،‬مركز الأبحاث منظمة التحرير الفل�سطينية‪ .،‬ال�سل�سلة‪ :‬كتب‬
‫فل�سطينية يوميات هريتت�سل �إعداد �أني�س �صايغ‪ ،‬ترجمة هلدا �شعبان �صايغ ‪ ،‬بريوت ‪. 1968 ،‬‬
‫‪- xxv‬حممد ح�سنني هيكل‪ :‬املفاو�ضات ال�سرية بني العرب و�إ�سرائيل ‪ ،‬الكتاب الأول‪،‬‬
‫دار ال�شروق‪. 1996 ،‬‬
‫‪ - xxvi‬كامل الوثيقه �آخر الف�صل نداء نابليون بونابرت‪.‬‬
‫‪� - xxvii‬شبتاي زيف (‪1626‬م‪1676 -‬م ) م�سيح دجال‪ ،‬ولد يف �أزمريوت�أثر بالقبااله يف‬
‫�شبابه وبعد مذابح �شميلن�سكي ( ‪ )1649 - 1648‬وقع حتت ت�أثري مفهوم ونداء املخل�ص‬
‫من ال�سماء ب�أنه �سوف يخل�ص �إ�سرائيل ‪ .‬و�أعلن الغاء ال�صوم ويف �سنة ‪ 1654‬توجه �إىل‬
‫�سالونيكا حيث �أعلن �أنه النبي املنتظر ‪ .‬ويف �سنة ‪ 1662‬ذهب �إىل رود�س وطرابل�س‬
‫وم�صر وفل�سطني‪ ،‬ويف �سنة ‪ 1666‬ذهب �إىل الق�سطنطينية ليعزل ال�سلطان ولكن �ألقي‬
‫القب�ض عليه و�سجن يف قلعة جاليبويل‪ ،‬وخ�شي �شبتاي من غ�ضب ال�سلطات الدينية‬
‫ف�أعلن �إ�سالمه و�صدمت جماهري اليهود من �إ�سالمه لذلك ظل ميار�س الطقو�س الدينية‬
‫اليهودية ‪ .‬ملزيد من التفا�صيل يرجى مراجعة كتاب – يقظة العامل اليهودي – لإيلي‬
‫ليفي �أبو ع�سل – طبعة القاهرة ‪� – 1934‬ص ‪. 104 - 101‬‬
‫‪ - xxviii‬وثيقه نداء �شبتاي زيفي لليهود عام ‪ 1666‬م ‪.‬‬
‫‪ - xxix‬وثيقه ر�سالة يهودي �إيطايل �إىل " ( الإخوان يف الدين " �سنة ‪.)1798‬‬
‫‪ - xxx‬يوميات هريت�سل‪ -‬امل�صدر ال�سابق �ص ‪375‬‬

‫‪ - xxxi‬وثيقه ر�سالة هريتزل اىل ت�شمربلني مت�ضمنه توطني اليهود يف �سيناء ‪. 1902‬‬
‫‪ - xxxii‬يوميات هريت�سل �ص ‪386‬‬

‫‪ - xxxiii‬وثيقة ت�شمربلني يعر�ض �أوغندا على هريتزل ‪..‬‬


‫‪- xxxiv‬هريتزل – اليوميات‪ -‬اجلزء الثالث ‪�-‬ص ‪.105‬‬
‫‪59‬‬
‫�ص ‪368‬‬ ‫‪ - xxxv‬روجيه جاروديه – فل�سطني �أر�ض الر�ساالت – م�صدر �سابق ‪-‬‬
‫‪ - xxxvi‬وثيقه م�ؤمتر بازل‪.‬‬
‫‪ - xxxvii‬وثيقه نظام عمل امل�ؤمتر ال�صهيوين‬
‫‪1897‬‬ ‫‪ - xxxviii‬امل�ؤمتر املركزي للحاخامات الأمريكيني ‪ ،‬الكتاب ال�سنوي ال�سابع‬
‫�صفحة ‪. 12‬‬
‫‪ - xxxix‬خريطة تو�ضح حدود ا�سرائيلي كما تخيلها ثيودور هريت�سل عام ‪ 1904‬واي�ضا‬
‫احلاخام في�شمان عام ‪.1947‬‬
‫‪ - xl‬ملزيد من امللعومات ميكن مراجعه كتاب العربانيني وبنو ا�سرائيل يف الع�صور القدمية‬
‫�ص‪.25.‬‬
‫‪ - xli‬وثيقة وعد بلفور وترجمته ‪.‬‬
‫‪ - xlii‬د‪.‬جورجي كنعان – �سقوط الإمرباطورية الإ�سرائيلية – دار النهار للن�شر –‬
‫الطبعة الثانية –‪� – 1982‬صفحة ‪. 113‬‬
‫‪- xliii‬مونتاجو ‪:‬عائلة يهودية �إنكليزية وهو من رجال املال وال�سيا�سة‪ ،‬من �أ�صل �سفاردي‪.‬‬
‫وقد كانت عائلة مونتاجو تعار�ض احلركة ال�صهيونية من منظور اندماجي‪ .‬ويف عام ‪،1853‬‬
‫� َّأ�س�س �صمويل مونتاجو (‪ )1911 - 1832‬البنك التجاري‪� :‬صمويل مونتاجو و�شركاه‬
‫الذي �أ�سهم من خالل ن�شاطه يف جمال املبادالت املالية يف جعل لندن املركز الرئي�سي‬
‫للمقا�صة يف �سوق املال العاملي‪ .‬وقد ظلت اخلزانة ت�ست�شريه يف العديد من ال�ش�ؤون املالية‪.‬‬
‫وقد ح�صل �صمويل عام ‪ 1907‬على لقب "بارون"‪ ،‬وكان ع�ضواً يف الربملان‪ .‬واهتم‬
‫�صمويل مونتاجو بال�ش�ؤون اليهودية‪ ،‬ف�سافر �إىل فل�سطني ورو�سيا والواليات املتحدة‪� ،‬إال‬
‫�أنه ظل معار�ضاً لل�صهيونية ب�شدة‪ .‬وقد كان ولداه االثنان لوي�س �صمويل مونتاجو (‪1869‬‬
‫‪ )1927 -‬و�إدوين �صمويل مونتاجو (‪ )1924 – 1879‬من معار�ضي ال�صهيونية �أي�ضاً‪.‬‬
‫وقد عار�ض �إدوين‪ ،‬الذي احـتل عـدة منا�صـب �ســيا�سية مهمة‪ ،‬وعد بلفور‪ .‬وقبل �صدور‬
‫الوعد ب�أ�سابيع قليلة‪ ،‬كتب �إدوين مذكرة نبه فيها �إىل ما ينطوي عليه وعد بلفور من كراهية‬
‫لليهود وعداء لهم‪ ،‬وبينَّ �أنه ال ميكن احلديث عن �أمة يهودية �أو جي�ش يهودي‪ .‬وقد كانت‬
‫احلركة ال�صهيونية يف ذلك الوقت قد بد�أت حماولتها‪ ،‬التي ُكللت بالنجاح يف نهاية الأمر‪،‬‬
‫‪60‬‬
‫ملف العدد "وعد بلفور"‬

‫من �أجل �إن�شاء فيلق يهودي ي�ضم املهاجرين اليهود من �شرق �أوروبا‪ ،‬حتارب �إىل جانب‬
‫القوات الربيطانية لت�أكيد الوجود اليهودي امل�ستقل‪ .‬وقد قال مونتاجو �إن ت�أ�سي�س مثل‬
‫هذه الفرقة يعني �أن �أخاه وابن �أخيه �سي�ضطران �إىل اخلدمة الع�سكرية جنباً �إىل جنب مع‬
‫�أنا�س ال يفهمون اللغة الوحيدة التي يتكلمانها (الإنكليزية)‪.‬‬
‫‪� - xliv‬إيدوين مونتاجو ‪ :‬جل�سه (رقم ‪� 2‬أ ) بتاريخ ‪� 13‬أغ�سط�س ‪ 1917‬م ‪.‬‬
‫�إيدوين مونتاجويف الوثيقه التي قدمها ملجل�س الوزراء الربيطاين (رقم ‪24‬‬ ‫‪ - xlv‬وثيقة‬
‫‪ ) 28/‬بتاريخ ‪� 9‬أكتوبر ‪. 1917‬‬
‫‪46 -http://www.elmessiri.com/encyclopedia/JEWISH/ENCYCLOPID/‬‬
‫‪MG6/GZ4/BA4/MD01.HTM‬‬

‫‪ - xlvii‬مو�شي مينوحني ‪ -‬انحطاط اليهودية يف ع�صرنا ‪ -‬امل�ؤ�س�سة العربية للدرا�سات‬


‫والن�شر ‪.‬بريوت عام ‪� 1980.‬ص ‪. 324‬‬
‫‪ - xlviii‬جريدة الوا�شنطن بو�ست ال�صادرة يف ‪� 3‬أكتوبر ‪. 1978‬‬
‫‪ - xlix‬مارتن بوبر ‪� ،‬إ�سرائيل والعامل ‪ .‬نيويورك ‪� ، 1948 ،‬ص ‪. 263‬‬
‫‪ - l‬ملزيد من التفا�صيل عن الهجرات اليهودية‪ :‬دعاء ال�شريف ‪،‬درا�سة �صورة العربي يف‬
‫الأدب العربي جملة خمتارات �إ�سرائيلية مركز الأهرام للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.1999 ،‬‬

‫‪61‬‬

You might also like