You are on page 1of 34

‫الترجمة وبناء الدولة احلديثة في مصر‪:‬‬

‫الطهطاوي مترجِ ً‬
‫ما‬

‫مصطفى رياض‬

‫ارتبط اسم رفاعة رافع الطهطاوي (‪ )1873-1801‬ارتباط ًا وثيق ًا‬


‫بناء دولة حديثة يف‬ ‫بعصرٍ شَ ِه َد تغييرات سريعة استهدفت يف معظمها َ‬
‫مصر‪ ،‬منذ عهد محمد علي (والي مصر من ‪ 1805‬إلى ‪ )1849‬إلى‬
‫الدراسات‬
‫ُ‬ ‫عهد إسماعيل (خديوي مصر من ‪ ،)1879-1863‬وقد َد َر َجت‬
‫التاريخية على تسميته بعصر النهضة‪ .‬غير أن ما تثيره تلك «النهضة» من‬
‫إشكاليات على املستوى التاريخي والثقايف يف السنوات األخيرة‪ ،‬والتراكم‬
‫تشكل حول الطهطاوي وإجنازاته مبا يحمله من خالفات‬ ‫املعريف الذي ّ‬
‫واختالفات يف الرؤى‪ ،‬يستدعي دراسة فاحصة لدوره بوصفه مترجم ًا‬
‫كانت له الريادة يف توجيه ذلك النشاط الذي أسهم يف بناء تلك الدولة‬
‫احلديثة‪ .‬ولذلك تتجه املقالة احلالية إلى النظر يف ثالثة مجاالت تتمثل يف‬
‫نتاج املترجم‪ ،‬وعملية الترجمة ذاتها‪ ،‬واملستهدفني من عملية الترجمة‪.‬‬
‫ويف املجاالت الثالثة‪ ،‬يبرز دور اللغة والثقافة‪ ،‬سواء األصلية أو املكتسبة‪،‬‬
‫يف خيارات الطهطاوي التي يواجهها يف عملية الترجمة‪ ،‬ويظل القارئ‬
‫ال بوصفه أحد العوامل املهمة يف الشكل النهائي لعملية‬ ‫املستهدف ماث ً‬
‫الترجمة ومراميها يف تشكيل وعي املتلقي‪١.‬‬
‫وقد تعددت أدوار الطهطاوي وإسهاماته يف السياسات الثقافية لتلك‬
‫احلقبة التاريخية على مدى حياته التي استه ّلها طالب ًا باألزهر الشريف ُي َح ِّصل‬
‫وينال شهاد َة العاملية بعد ثمانية أعوام من الدراسة به‪ .‬غير‬ ‫العلو َم الشرعية ُ‬
‫أنَّ الطهطاوي َّمتيز عن أقرانه بتلقيه على يدي شيخه حسن العطار ما غاب‬
‫عن األزهر حينئذ من الدرس يف مجاالت األدب وبعض العلوم احلديثة يف‬
‫التاريخ واجلغرافيا‪ .‬وقد رشّ حه الشيخ العطار ليشغلَ وظيف َة إمام البعثة التي‬
‫أرسلها محمد علي لفرنسا عام ‪ ،1826‬وذلك ملا َلَ َسه فيه من رغبة جادة يف‬
‫حتصيل العلم احلديث الذي كشفت احلملة الفرنسية على مصر عن علو شأن‬

‫‪1‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫الغرب فيه‪ ،‬والذي َتطلع العطار إلى إكسابه املصريني واستيعابه لهم إلصالح‬
‫أحوال بالدهم‪ .‬وما لبث الطهطاوي أن صار أحد أعضاء البعثة بعد تو ُّفره‬
‫وتوجهه إلى الترجمة منها إلى العربية‪ ،‬األمر الذي‬ ‫على إجادة اللغة الفرنسية ُّ‬
‫دعا محمد علي إلى إحلاقه بالبعثة الدراسية إلميانه بأن الترجمة ستؤدي دور ًا‬
‫مهم ًا يف نقل العلوم من لغاتها األوروبية إلى اللغة العربية‪.‬‬
‫ومنذ عودة الطهطاوي إلى مصر‪ ،‬شَ َر َع يف تقدمي خدماته يف مجال‬
‫الترجمة التي أقام لها محمد علي مؤسسة رسمية هي مدرسة األلسن‪.‬‬
‫ثم انقضى عهد محمد علي وابنه إبراهيم‪ ،‬فلما تو َّلى عباس األول أوقف‬
‫مشروعات ج ِّده محمد علي وعمه إبراهيم‪ ،‬وأوفد الطهطاوي إلى السودان‬
‫ناظر ًا ملدرسة ابتدائية‪ .‬إال أن ذلك النفي لم ُيث ِنه عن مواصلة الترجمة؛‬
‫فاته إلى ترجمة رواية من األدب الفرنسي حتت عنوان مواقع األفالك يف‬ ‫ّ‬
‫وقائع تليماك يف جهد خاص يقع خارج نطاق املؤسسة الرسمية للترجمة‪.‬‬
‫وبعد انقضاء عهد عباس األول‪ ،‬استعاد الطهطاوي دوره الرسمي يف‬
‫ال للمدرسة احلربية‪ ،‬ثم ناظر ًا‬ ‫الدولة املصرية يف عهد سعيد إذ ُع ِّي وكي ً‬
‫لقلم الترجمة يف عهد إسماعيل‪ ،‬حيث واصل جهوده يف مجال الترجمة‬
‫وأُضيفت إلى أعبائه الوظيفية بعض املهام يف مجال التعليم العام يف عهد‬
‫نظارة علي باشا مبارك‪.‬‬

‫تعدُّ د اآلراء وتباينها يف إجناز الطهطاوي الثقايف‬

‫وقد تباينت اآلراء فيما تراكم من تراث النقد الثقايف يف دور رفاعة‬
‫الطهطاوي يف بناء الدولة احلديثة يف مصر‪ .‬ففي حني يصفه لويس عوض‬
‫بأبي الدميقراطية املصرية لظهوره على الساحة املصرية بعد ألفي عام من‬
‫حكم أوتوقراطي «لينادي بسيادة الشعب على امللوك وليفتح أعينهم على‬
‫جتارب األمم األخرى يف ممارسة احلرية واملساواة من خالل الدساتير والنظم‬
‫النيابية» (ص ‪ ،)122‬فإن الرفض الكامل ملشروع الطهطاوي من املنظور‬
‫الثقايف ينبع من مصادر تستقي ماد َتها من رؤى ثقافية إسالمية؛ فيقدم‬
‫محمود محمد شاكر الطهطاوي بوصفه فريسةً لر ّواد حركة االستشراق‬
‫الفرنسي (ص ص ‪ )144-143‬ممن ُي ّبيتون اخلطط إلفساد احلياة القومية‬
‫يف ظل املوروث اإلسالمي‪ ،‬أو ما يدعوه الشيخ شاكر بالـ«ثقافة املتكاملة»‬
‫لدار اإلسالم (ص ‪ ،)142‬يقول شاكر‪:‬‬

‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪2‬‬


‫وقضى رفاعة رحمه اهلل ست سنوات يف باريس من ‪-1241‬‬
‫‪ 1246‬هـ‪ 1831-1826 ،‬م‪ ،‬قضى ثالث سنوات منها يف‬
‫تع ّلم اللغة الفرنسية كما قال هو بلسانه‪ ،‬ويف الثالث ا ُأل َخر‬
‫درس التاريخ‪ ،‬واجلغرافيا‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬واآلداب الفرنسية‪ ،‬وقرأ‬
‫مؤ َّلفات ڤولتير‪ ،‬وجان جاك روسو‪ ،‬ومنتسكيو‪ ،‬وقرأ بعض‬
‫الكتب يف املعادن‪ ،‬وفن العسكرية‪ ،‬والرياضيات‪. . . ،‬‬
‫فح ِّدثني َبربِّك كيف تكون دراسة هذه املتنوعات يف ثالث‬
‫كحسو الطائر‪ ،‬وأن يكون‬ ‫سنوات‪ ،‬إال أن يكون ذلك ك ُّله خطف ًا َ‬
‫ما أ َّلفه رفاعة وكتبه سطو ًا مجرد ًا على ُكتب كتبت يف هذه‬
‫العلوم املختلفة املتباينة‪ ،‬واهلل أعلم مبا فيها من الزلل واخلطأ‬
‫وسوء الفهم‪ .‬ولكن رفاعة على ذلك كلِّه إما ٌم جاء ُليخرج مصر‬
‫الظلمات إلى النور!! يا للعجب!! (ص ‪)144‬‬‫وأهلها من ُّ‬

‫واملالحظ أن تلك الدراسات الثقافية خلت‪ ،‬أو كادت تخلو‪ ،‬من االهتمام‬
‫وتعرض‬
‫بإنتاج الطهطاوي يف مجال الترجمة؛ بل إ ّننا جند فيما ُنشر من دراسات َّ‬
‫لعملية الترجمة ذاتها رؤية ُتعلي من شأن النص األصلي وتفسر اختالف النص‬
‫املترجم منها‪ .‬بل إن‬ ‫املترجم عنه بأخطاء وقع فيها ِ‬
‫املترجم لقلة درايته باللغة َ‬ ‫َ‬
‫عوني عبد الرءوف يقتصر يف كتابه على وصف عام ألسلوب رفاعة يف الترجمة‬
‫ويشير إلى بعض سقطاته الناجتة عن سوء الفهم ( ص ص ‪.)275-270‬‬
‫و ُيالحظ أن اآلراء السابقة تستند على نظرة ثقافية لها جذور فكرية‬
‫تقابل بني احلداثة والدولة الوطنية من جهة (عوض) واملوروث اإلسالمي‬
‫وما يتبعه من مفهوم األمة اإلسالمية من جهة أخرى (شاكر)‪ ،‬وأولوية‬
‫املترجم الذي ال يزيد عن كونه تابع ًا لألصل‬ ‫َ‬ ‫النص األصلي على النص‬
‫التوجه القومي يف الثقافة‬
‫(عبد الرءوف)‪ .‬فهي آراء سادت يف زمن برز فيه ُّ‬
‫ووجه نظره شطر الغرب لينقل عنه تصور ًا للدولة القومية‪ ،‬يف حني‬ ‫العربية َّ‬
‫تيار يؤسس ملفاهيم مستمدة من الثقافة اإلسالمية‪.‬‬ ‫اشتبك معه وعارضه ٌ‬
‫وقد برزت تلك الثنائية التي تقابل بني الفريقني ألنَّ أنصار هذه اآلراء لم‬
‫يفيدوا من منهج ما بعد االستعمار يف القراءة النقدية مبا يسمح مبوقف أكثر‬
‫ستعمر‪ .‬ولم تتح لهم تطبيق‬ ‫ِ‬
‫املستعمر واملُ َ‬ ‫تدقيق ًا يف العالقة امللتبسة بني‬
‫وقدمت رؤى‬ ‫مناهج القراءة ما بعد البنيوية التي جتاوزت الثنائيات املتضادة َّ‬
‫ال مركزية جديدة خلخلت عالقات القوى بني املركز واألطراف‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫ال جديد ًا من النقاد توفرت له أدوات نقدية مستمدة من املناهج‬‫غير أن جي ً‬
‫متكن من مناقشة مكانة الطهطاوي وإجنازاته على خلفية إشكاليات‬ ‫املعاصرة َّ‬
‫جديدة؛ فنطالع يف كتاب رضوى عاشور احلداثة املمكنة حتفظ ًا على مشروع‬
‫«النهضة» بأكمله وعلى التماس التقدم يف «حداثة» منقولة فيما توضح «املفارقة‬
‫العجيبةيفالسعيإلىالتحرروالنهوضعبرهذهاحلداثةرغمكونهاهينفسهاركيزة‬
‫من ركائز الهيمنة الكولونيالية» (ص ‪ ،)14‬وذلك يف نقدها ملشروع الطهطاوي يف‬
‫مقابلمشروعالشدياقالذيتق ِّد ُمهبوصفهامتداد ًاطبيعي ًاللموروثالثقايفالعربي‬
‫املناهض للتوسع االستعماري‪ .‬بل إنّ تقييم ًا أدق وأكشف ملشروع «النهضة» ودور‬
‫الطهطاوي يف سياقه صار متاح ًا على ضوء نظريات الترجمة احلديثة التي تستند‬
‫بدورها إلى املناهج النقدية املعاصرة‪ ،‬ونخص بالذكر ما جاء يف دراسات ميريام‬
‫سالمة‪-‬كار‪ ،‬وطارق العريس ‪ ،El-Ariss‬وشادن تاج الدين ‪. Tageldin‬‬
‫وملا كان الطهطاوي مترجم ًا يف املقام األول‪ ،‬اتخذ من الترجمة مهنة‬
‫مر مبراحل عدة يف عمله املهني وتطوره الفكري طالب ًا باألزهر‪،‬‬ ‫له‪ ،‬وملا كان قد َّ‬
‫فبمعوث ًا إلى فرنسا‪ ،‬فمدير ًا ملدرسة األلسن‪ ،‬ثم ُمبْ َعد ًا إلى السودان ُلينشئ‬
‫مدرسة ابتدائية يف اخلرطوم ومنتج ًا يف الوقت ذاته لترجمة تقع خارج نطاق‬
‫املؤسسة الرسمية‪ ،‬ثم موظف ًا رسمي ًا مرة أخرى يف عهد سعيد‪ ،‬ثم شخصية‬
‫ثقافية لها دورها يف مجالي الترجمة والتعليم يف عهد إسماعيل يف أخريات‬
‫مبسطة تستند ‪ -‬يف غالب‬ ‫سنوات عمره‪ ،‬فإنَّ اختزال تاريخه يف نظرة ثقافية َّ‬
‫األمر ‪ -‬إلى توجه إيديولوجي مسبق ال يقدم صورة متكاملة لنشاطه عبر‬
‫عدة عقود شهدت تطور ًا مهم ًا يف ظهور الدولة املصرية احلديثة يف ظروف‬
‫تفاوتت سياستها بني القدمي واجلديد‪ ،‬بل وتفاوتت السياسات الفرنسية‬
‫الثقافية منذ اتصال الطهطاوي بها يف زمن آخر ملوك البوربون واندالع ثورة‬
‫يوليو ‪ ،1830‬مرور ًا باجلمهورية الثانية وإمبراطورية نابليون الثالث ثم هزمية‬
‫الفتية يف ‪.1870‬‬
‫فرنسا أمام الدولة األملانية َّ‬
‫وملا كانت مدرسة األلسن وعلى رأسها الطهطاوي وما أجنزته من‬
‫الترجمات هي املؤسسة األولى يف مصر التي حملت على عاتقها مسؤولية‬
‫النقل عن اآلخر إبان عهد محمد علي ‪ -‬على وجه التحديد ‪ -‬فإن دورها‬
‫يف بناء املجتمع وتشكيله قام يف جانب منه على أساس من اخليارات‬
‫اللغوية ملترجميها‪ ،‬وإطار من موروثات تقليدية ومستجدات من العلوم‬
‫احلديثة‪ ،‬مما أسهم يف تشكيل جانب من الوجدان القومي يستدعي نظرة‬
‫مدققة تراقب تالقي القدمي املوروث مع اجلديد احلادث‪.‬‬

‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪4‬‬


‫الدراسات السابقة وما يستهدفه البحث احلالي‬

‫يتعرض لتلك العالقة‬ ‫َوينْ ُد ُر بني الدراسات عن إجناز الطهطاوي َمن َّ‬
‫الثالثية بني اللغة والثقافة‪ ،‬وجهد املترجم يف مواجهة حتديات عمله‪،‬‬
‫املترجم يف ٍآن واحد؛ إذ تنصرف يف معظمها‬ ‫َ‬ ‫والتوجه إلى متلقي النص‬ ‫ُّ‬
‫لبيان موقعه الثقايف بني اجلديد والقدمي‪ .‬ولذلك فإنَّ بحث ميريام سالمة‪-‬‬
‫ال رائد ًا يف دراسة الطهطاوي مترجم ًا يف إطار الصراع بني القدمي‬
‫كار ُي َعدُّ مدخ ً‬
‫واجلديد يف مصر إ ّبان عهد محمد علي‪ ٢.‬وال يفوت سالمة‪-‬كار أنَّ حت ُّول‬
‫وجه األنظار بعيد ًا عن‬ ‫الطهطاوي إلى «الشخصية الشعار على النهضة» قد َّ‬
‫دوره بوصفه مترجم ًا‪ ،‬وترى لذلك أنَّ «التركيز على ما قام به الطهطاوي من‬
‫دور سياسي وثقايف يفسر قلة االهتمام بنشاطه يف الترجمة‪ ،‬مع أن تأثير‬
‫الطهطاوي على الفكر السياسي والتعليمي تزايد بفضل نشاطه يف الترجمة»‬
‫(ص ‪ .)120‬ويتعلق اجلانب األكبر ِمن بحثها بدور الطهطاوي يف تقريب‬
‫اآلخر املختلف دين ًا وجنس ًا وعرق ًا إلى القارئ العربي‪ .‬تقول سالمة‪-‬كار‪:‬‬

‫لو فرضنا أنَّ نقطة البداية هي وساطة املترجم من حيث قيامه‬


‫بتمثيل اآلخر يف برنامج بناء القومية‪ ،‬فسوف تنهض هذه الورقة‬
‫بإعادة مراجعة وصف الطهطاوي رحلته إلى فرنسا يف كتابه‬
‫كتاب ميكن عدُّ ه منوذج ًا‬
‫تخليص اإلبريز يف تلخيص باريز‪ ،‬وهو ٌ‬
‫على ممارسة عمليتي الترجمة والتمثيل؛ ممارسة تسعى إلى رسم‬
‫معالم الهوية القومية‪ .‬ولذا‪ ،‬سوف أسلط الضوء على الكيفيات‬
‫التي ُيضفي بها الطهطاوي األلفة والشرعية على «اآلخر» عبر‬
‫عمليات من «التماهي» تهدف إلى بناء ُهوية قومية تؤسس‬
‫نفسها بعقيدة مشتركة لها تاريخ و َن َسق‪( .‬ص ‪)118‬‬

‫ويستفيد البحث احلالي من دراسات الترجمة التي قامت على أساس من‬
‫املنعطف الثقايف‪ ،‬وخصوص ًا نظرية الترجمة والصراع التي قدمتها منى‬
‫بيكر ملا لها من جذور يف علم االجتماع الذي ُي ْع َنى ضمن مباحثه بالتقاء‬
‫الثقافات وتنافرها وتالقحها (انظر ‪.)Baker‬‬
‫ال يف كتابها لتفسير ما تصفه بغواية‬ ‫و ُتفرد شادن تاج الدين فص ً‬
‫الترجمة التي حتفز الطهطاوي لتتبع مواطن التشابه بني مصر وفرنسا‬

‫‪5‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫وبني املصريني والفرنسيني‪ ،‬وهي ظاهرة رصدها ‪ -‬كما تذكر تاج الدين‬
‫‪ -‬باحثون سابقون مثل أمينة رشيد وسوزان فيولكان وميريام سالمة‪-‬كار‬
‫(‪ .)Tageldin 308‬ويحمل عنوان الفصل (“‪ )”Suspect Kinship‬اتهام ًا‬
‫واضح ًا للطهطاوي الذي استسلم ملا تصفه بغواية اللغة والترجمة بانخراطه‬
‫دون وعي منه يف عالقة مشبوهة مع الطرف الفرنسي احتل فيها املوقع‬
‫األدنى وهو يظن أ َّنه ارتقى إلى املوقع األعلى (‪ . )108-51‬فهي تؤسس‬
‫رأيها على ضوء نظرية الترجمة للناقد الفرنسي بودريار ‪ Baudrillard‬الذي‬
‫أشار إلى أن غواية الترجمة تؤدي باملترجم إلى االستسالم للنص األصلي‬
‫فيخضع له وهو يظن أ ّنه صاحب السيادة عليه (كما ورد يف ‪،)Tageldin 11‬‬
‫باإلضافة إلى ما تراه سپيڤاك ‪ Spivak‬يف إطار نظريات ما بعد االستعمار‬
‫ِ‬
‫املستعمر‬ ‫املستعمرة لنصوص‬
‫َ‬ ‫من تبعية املترجم الذي ينتمي إلى األمة‬
‫األصلية (كما ورد يف ‪ .)Tageldin 11-12‬وهكذا‪ ،‬تؤكد تاج الدين الرأي‬
‫الذي يذهب إلى أن الطهطاوي كان فريسة موقف أنزل البعثات الدراسية‬
‫املصرية يف فرنسا منزل التابع‪ ،‬بل إنها تزعم أن الطهطاوي عمل يف إطار‬
‫مصاف التابعني الساعني‬
‫ِّ‬ ‫نظرية للترجمة افترضها ونتج عنها انتقاله إلى‬
‫إلى تكافؤ ال تبرره عالقات القوى غير املتكافئة (‪.)116‬‬
‫يوجه ُج َّل اهتمامه إلى إشكالية السياق‬ ‫غير أن طارق العريس ِّ‬
‫ومولد «احلداثة» يف مصر‪ ،‬فيقدم‬ ‫التاريخي للحداثة يف عهد محمد علي ْ‬
‫دراسة متعمقة للخلفية الثقافية التي عمل الطهطاوي يف ظاللها‪ .‬فقد‬
‫سعى محمد علي باشا إلى نقل جانب من احلداثة األوروبية إلى مصر‪،‬‬
‫األمر الذي خلق إشكالية للعالِم األزهري الشاب والوافد إلى عالم جديد‬
‫تتمثل يف كيفية تعامله مع حتقيق رغبة ولي النعم‪ ،‬لينتقل مبرور الوقت‬
‫يتحول حتت تأثيرها من عالم‬ ‫ّ‬ ‫واكتساب اخلبرة إلى مرحلة من التماهي‬
‫أزهري إلى موظف حكومي وواحد من أهم املسؤولني عن الترجمة وحتديث‬
‫التعليم يف مصر (‪.)El-Ariss 45-46‬‬
‫وعلى ضوء ما سبق‪ ،‬يقع االختيار يف البحث احلالي على نصني‬
‫ترجمهما الطهطاوي يف مرحلتني مختلفتني من حياته‪ .‬أولهما ترجمته‬
‫للدستور الفرنسي الذي منحه لويس الثامن عشر للفرنسيني يف عصر عودة‬
‫ضمنه كتابه تخليص اإلبريز‪.‬‬ ‫املَ َلكية عام ‪ 1814‬بعد سقوط نابليون‪ ،‬وقد َّ‬
‫ومترجم ًا يف باريس أثناء بعثته‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ يف مقتبل العمر دارس ًا‬ ‫وكان الطهطاوي‬
‫الدراسية يف عهد محمد علي‪ ،‬فأمتَّه حني عودته (صدرت الطبعة األولى يف‬

‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪6‬‬


‫عام ‪ ،1834‬والثانية يف عام ‪ ،)1849‬ثم انشغل مبهامه الرسمية يف الترجمة‬
‫واإلشراف على أعمالها يف مدرسة األلسن التي أنشأها‪ .‬ولذلك‪ ،‬خضع‬
‫كتابه األول ملؤثرات تفاوتت بني تلك التي أثارتها يف نفسه وعقله دراساته‬
‫حصل على مدار ثمانية أعوام‬ ‫الفرنسية‪ ،‬وهو العالم األزهري الشاب الذي َّ‬
‫ثقافة إسالمية متعمقة‪ ،‬وأخرى ألزمته بها وظيفته الرسمية يف مدرسة‬
‫جتمع له من معارف كانت ثمرة ما ُيطلق عليه‬ ‫األلسن‪ ،‬وإن نازعته آنذاك ما َّ‬
‫عصر التنوير الفرنسي‪ .‬أما النص اآلخر فهو ترجمته لرواية األب فرانسوا فنلون‬
‫‪ )1715-1651( François Fénélon‬املنشورة حتت عنوان ‪Les aventures‬‬
‫أعدها القس الفرنسي لتكون أداة لتعليم‬ ‫‪ ،)1699( de Télémaque‬التي َّ‬
‫ولي عهد امللك لويس الرابع عشر‪ ،‬وهو الدوق دي بورجوني‪ ،‬وتأديبه وحمله‬
‫على صفات احلاكم الرشيد‪ ،‬مبا حتويه الرواية من ِع َبر وأمثلة من حياة الشعوب‬
‫وسياسات حكامها واختالف مصائر احملكومني بني الضيق والرخاء‪ ،‬بقدر ما‬
‫يتصف به احلكام من حكم رشيد‪ .‬ويبدأ الطهطاوي ترجمته املعنونة بـمواقع‬
‫األفالك يف وقائع تليماك يف منفاه بالسودان إ ّبان حكم عباس الذي كان قد‬
‫أغلق مدرسة األلسن ضمن ما أغلق من مشروعات جده‪ ،‬وأبعد الطهطاوي‬
‫إلى السودان ليشغل وظيفة ناظر مدرسة ابتدائية ُتنشأ يف اخلرطوم‪ .‬والالفت‬
‫للنظر أن الطهطاوي أصدر الطبعة األولى لترجمته مواقع األفالك بعيد ًا عن‬
‫قاهرة إسماعيل‪ ،‬يف بيروت عام ‪.1867‬‬
‫ويتطرق البحث إلى نص ثالث من وضع الطهطاوي بتكليف من‬
‫ديوان املدارس يف عهد إسماعيل‪ ،‬وهو املرشد األمني للبنات والبنني الذي‬
‫صدر عام ‪ 1872‬الستعماله يف املدارس مرجع ًا يف األخالق واآلداب واحلس‬
‫توجب غرسه يف النفوس ليواكب انتقال مصر إلى عهد من‬ ‫الوطني الذي َّ‬
‫«احلداثة» َص ِح َبه اإلعالء من قيمة الشعور القومي‪ .‬ورغم كونه مؤ َّلف ًا‪ ،‬فإن‬
‫املرشد األمني يدين بالفضل ملؤلفات مماثلة يف املناهج الدراسية الفرنسية‪.‬‬
‫وملا كان األول من نوعه يف املؤلفات العربية فقد سار فيه الطهطاوي على‬
‫وخبره من الكتب الفرنسية املوضوعة كي ُتقق األهداف ذاتها‬ ‫نهج ما وجده َ‬
‫اخلاصة بتأكيد اجلوانب األخالقية والوطنية يف نفوس الطالب والطالبات‪.‬‬
‫والكتاب على هذه الصورة ُي َعدُّ ُمستلهم ًا من املصادر الفرنسية التي ُي َر َّجح‬
‫ال عن أنَّ هذا املؤ َّلف يقدم صورة واضحة عن‬ ‫اطالع الطهطاوي عليها‪ ،‬فض ً‬
‫القراء يتطلع أن يشاركوه رؤاه احلضارية التي سبق‬ ‫تصور الطهطاوي جليل من َّ‬
‫مر حياته املهنية‪.‬‬
‫عبر عنها يف أعماله املترجمة التي أصدرها على ِّ‬ ‫أن َّ‬

‫‪7‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫النص األول‪ :‬ترجمة ميثاق عودة املَلَكية ‪1814‬‬

‫يقدم الطهطاوي يف تلخيص اإلبريز امليثاق الدستوري الصادر يف‬


‫مترجم ًا‬
‫الرابع من يونيو ‪َ Charte constitutionelle de 4 Juin 1814 1814‬‬
‫(ص ص ‪ُ .)123-117‬ويثل هذا النص السياسي املقالة الثالثة من‬
‫عرف بها بوصفها « ِذكر ما شاهدناه وما بلغنا خبره من أحوال‬ ‫كتابه التي ُي ِّ‬
‫باريس‪ .‬وهذه املقالة هي الغرض األصلي من وضعنا لهذه الرحلة» (ص‬
‫‪ .)73‬ثم ال يلبث يف الفصل الثالث من تلك املقالة أن يحدد الهدف من‬
‫تقدميه لذلك النص الذي يتصل برغبته يف تبيان أن «العدل واإلنصاف من‬
‫أسباب تعمير املمالك وراحة العباد»‪ ،‬ويلي ذلك أقوال من التراث العربي‬
‫تؤيد هذا املبدأ‪ ،‬مما ميهد إلى كشف تلك املرو َّيات املوروثة التي تشير إلى‬
‫املترجم من خالل لغته وثقافته األصلية فيما يختار من ترجمات‬ ‫ِ‬ ‫تدخل‬
‫وما يورده من سياق ميوضعها فيه ( ص ص ‪.)116-115‬‬
‫عرب الطهطاوي مصطلح ‪ charte‬الفرنسي ليصبح بالعربية‬ ‫و ُي ِّ‬
‫مبلحق عنوانه «خُ الصة حقوق الفرنساوية اآلن بعد‬ ‫ٍ‬ ‫«الشرطة»‪ ،‬ويعقبه‬
‫سنة ‪ 1831‬من امليالد وتصليح الشرطة» ( ص ص ‪ .)129-127‬ويجدر‬
‫ضمنه الطهطاوي أو أغفل تضمينه‪ ،‬يف إطار الظروف‬ ‫بداية اإلشارة إلى ما َّ‬
‫قدم وما أخَّ ر‬
‫السياسية التي دعت إلى إصدار هذا امليثاق أو الدستور‪ ،‬وما ّ‬
‫يف األحداث التاريخية‪ ،‬وخصوص ًا ما ذكره وأثبته من صدوره عن لويس‬
‫الثامن عشر يف عهد عودة املَ َلكية بعد انقضاء زمن الثورة الفرنسية وما تبعها‬
‫من إعالن نابليون إمبراطور ًا ثم سقوطه‪ ،‬وإغفاله يف السياق نفسه معاصرته‬
‫قبل عودته إلى الوطن ألحداث ثورة يوليو ‪ 1830‬التي أنهت حكم البوربون‬
‫جد‬ ‫ونصبت لويس فيليب ملك ًا للفرنسيني‪ ،‬ليعود مرة أخرى لتقدمي ما َّ‬ ‫َّ‬
‫من أحداث يف اخلالصة املذكورة على نحو مختصر‪ .‬ثم يعود‪ ،‬يف مقالة‬
‫خامسة يف تخليص اإلبريز‪ ،‬ليقدم لقرائه ثورة الفرنسيني بوصفها فتنة‪:‬‬
‫«ما وقع من الفتنة يف فرنسا وعزل امللك قبل رجوعنا إلى مصر» ( ص ص‬
‫فصل يف الفصل األول «مقدمة يتوقف عليها إدراك‬ ‫‪ ،)224-221‬حيث ُي ِّ‬
‫ِع َّلة خروج الفرنساوية عن طاعة ملكهم» (ص ‪ ،)٢٢١‬ويف الفصل الثاني‬
‫«التغييرات التي حصلت وما ترتب عليها من ال ِفتنة» (ص ص ‪-224‬‬
‫‪ ،)228‬ويف الفصل الثالث «كيف كان يصنع امللك يف هذه املدة وفيما‬
‫جرى بعد ذلك من رضائه بالصلح بعد فوات أوانه ويف خلعه اململكة على‬

‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪8‬‬


‫ابنه» (ص ص ‪ ،)231-229‬ويف الفصل الرابع «فيما انحط عليه رأي أهل‬
‫املشورة وفيما ترتب على هذه الفتنة من تولية الدوق درليان ملك الفرنساوية»‬
‫(ص ص ‪ ،)235-231‬ويف الفصل اخلامس «فيما حصل للوزراء الذين‬
‫وضعوا خطوط أيديهم على األوامر السلطانية التي كان [كذا] السبب يف‬
‫زوال مملكة امللك األول الذي فعل فعلته ويف العواقب لم ينظر وطمع مبا لم‬
‫يظفر» (ص ص ‪ ،)241-235‬ويف الفصل السادس «فيما كان بعد الفتنة‬
‫يف سخرية الفرنساوية على شارل العاشر ويف عدم اكتفاء الفرنساوية بذلك»‬
‫(ص ص ‪ ،)241-238‬وأخير ًا يتطرق يف الفصل السابع واألخير من املقالة‬
‫اخلامسة إلى «ما كان من دول اإلفرجن بعد سماعهم بانعزال امللك األ َّول‬
‫وتقليد اململكة للملك الثاني ويف رضائهم بذلك» (ص ‪.)٢٤١‬‬
‫لكلمتي «ال ِفتْ َنـة» و»ال ِف َت» يف اإلشارة‬
‫ْ‬ ‫ويبرز استعمال الطهطاوي‬
‫إلى األحداث التي سبقت عصر عودة املَ َلكية يف فرنسا و َت َلتْ ُه (‪-1815‬‬
‫‪ .)1830‬وقد َو َرد فيما سبق ذلك الوصف يف عناوين فصول املقالة اخلامسة‬
‫اخلاصة بثورة يوليو ‪ ،1830‬أما ما سبق على عهد عودة امللكية فقد وصفه‬
‫الطهطاوي يف املقالة ذاتها على النحو اآلتي‪:‬‬

‫وقد سبق للفرنساوية أنهم قاموا سنة ‪ 1790‬من امليالد وحكموا‬


‫على ملكهم وزوجته بالقتل‪ ،‬ثم صنعوا جمهورية‪ ،‬وأخرجوا‬
‫العائلة السلطانية املسماة «البربون» من مدينة «باريس» وأشهروهم‬
‫مثل األعداء وما زالت الفتنة باقية األثر إلى سنة ‪ 1810‬ميالدية‪،‬‬
‫ثم تسلطن «بونابرته» املسمى «نابليون» وتلقب بسلطان سالطني‬
‫[كذا]‪ ،‬ثم ملا كثرت محارباته وكثر أخذه للممالك وخيف بأسه‬
‫وبطشه تعاهد عليه ملوك اإلفرجن؛ ليخرجوه من اململكة‪ ،‬مع‬
‫محبة الفرنساوية له‪ ،‬وأعادوا البربون إلى محلهم رغم ًا عن أنف‬
‫امللة الفرنساوية‪ ،‬فكان أول من تسلطن منهم «لويز الثامن عشر»‬
‫وألجل ترغيب الناس يف حكمه ومتكني ملكه صنع قانون ًا بينه‬
‫وبني الفرنساوية مبشورتهم ورضائهم‪ ،‬وألزم نفسه أن يتبعه وال‬
‫الش ْر َطة‪( .‬ص ‪)٢٢٢‬‬
‫يخرج عنه‪ ،‬وهو َ‬

‫ورغم إشارة املعنى املعجمي األول للفتنة إلى االختبار واالمتحان‪ ،‬إذ يرد‬
‫ماع‬
‫«ج ُ‬‫معناها يف صدر مادة «فنت» يف لسان العرب على النحو اآلتي‪ِ :‬‬

‫‪9‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫معنى ال ِفتْنة االبتالء واال ْم ِتحانُ واالختبار‪ ،‬وأَصلها مأْخوذ من قولك ف َتنْ ُت‬
‫اجلي ِد» (ابن منظور‪ ،‬د‪.‬‬ ‫َ‬
‫الفضة والذهب إِذا أذبتهما بالنار ل ُت َم ّيز الرديء من ِّ‬
‫ص‪ ،).‬فإنَّ معناها االصطالحي شاع واستقر يف ارتباطه باختالف الناس‬
‫يف اآلراء‪ ،‬واإلحراق بالنار‪ ،‬بناء على ما ورد من آيات القرآن الكرمي «وا َّتقُوا‬
‫اصةً » (األنفال‪ ،‬اآلية ‪ ،)25‬وكذلك‬ ‫نك ْم َخ َّ‬ ‫ين َظ َل ُموا ِم ُ‬ ‫ِفتْ َنةً َّال ُت ِص َ َّ‬
‫يب الَ ِذ َ‬
‫«وال ْ ِفتْ َن ُة أَشَ دُّ ِم َن ال َقتْلِ » (البقرة‪ ،‬اآلية ‪ ،)191‬وما روي عن عمرو بن‬
‫العاص من قوله البنه عبد اهلل «يا بني! سلطان عادل خير من مطر وابل‪،‬‬
‫وأسد حطوم خير من سلطان ظلوم‪ ،‬وسلطان غشوم ظلوم خير من فتنة‬
‫تدوم» (ابن عساكر‪ ،‬ص ‪ .)184‬بل إنَّ اجلبرتي الذي ينتمي إلى اجليل‬
‫السابق على جيل الطهطاوي قد أورد يف بيان ُن ِس َب إلى علماء األزهر ما‬
‫ُي َن ِّفر من الفنت وإن كانت تتصل بحركة تقاوم احملتل الفرنسي آنذاك‪:‬‬

‫نعوذ باهلل من الفنت ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬ونبرأ إلى اهلل من‬
‫الطاغني يف األرض بالفساد‪ ،‬ونعرف أهل مصر احملروسة أن‬
‫طرف ًا من اجلعيدية وأشرار الناس حركوا الشرور بني الرعية‪ ،‬وبني‬
‫العساكر الفرنساوية‪ ،‬بعدما كانوا أصحاب ًا وأحباب ًا بالسو َّية‪ ،‬ولكن‬
‫حصلت ألطاف اهلل اخلفية وسكنت الفتنة بسبب شفاعتنا عند‬
‫البلية؛ ‪ ...‬فعليكم أال‬ ‫أمير اجليوش بونابرته‪ ،‬وارتفعت هذه ِّ‬
‫حتركوا الفنت وال تطيعوا أمر املفسدين‪( .‬ص ص ‪)٤٦-٤٥‬‬

‫أَ ِض ْف إلى ذلك أنه على الرغم من أن رصد الطهطاوي لثورة يوليو ‪،1830‬‬
‫الذي ورد يف املقالة اخلامسة من تلخيص اإلبريز يتصف بالتوازن والفهم‬
‫العميق للخالف السياسي بني الفرقتني السياسيتني الرئيسيتني يف فرنسا آنذاك‬
‫والتنافس بينهما‪ :‬املَ َلكية واحلر َّية (ص ‪ ،)221‬فإن اللغة التي تنقل فكره تل َّونت‬
‫مبصطلحات كانت قد استقرت يف املجتمعات املسلمة‪ .‬فنراه يشير إلى ثورة يوليو‬
‫‪ 1830‬بـ«خروج الفرنساوية عن طاعة ملكهم» (ص ‪ ،)221‬ورمبا انطبع يف ذهنه‬
‫ول َوأُ ْولِي ْ َ‬ ‫َّ َ‬
‫ال ْم ِر‬ ‫ين آ َم ُنوا أَ ِطي ُعوا الل َوأَ ِطي ُعوا َّ‬
‫الر ُس َ‬ ‫ما ورد يف اآلية الكرمية َ«يا أَ ُّي َها ا َّل ِذ َ‬
‫للم َلكية‬ ‫ِمنْ ُك ْم» (النساء‪ ،‬اآلية ‪ .)59‬ويصف حركة اجلمهور الفرنسي املعادي َ‬
‫املطلقة واملطالب بتحكيم الدستور على نحو يستدعي إلى الذهن األوصاف التي‬
‫أطلقها علماء األزهر على مقاومي االحتالل الفرنسي مبصر‪ .‬يقول الطهطاوي‬
‫عن العامة إن غضبهم قد اشتد وأنهم‪:‬‬

‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪10‬‬


‫عرضوا القتلى يف احملال العامة لتحريض الناس على القتال‬
‫وإظهار عيوب العساكر‪ ،‬وقامت أنفس الناس على ملكهم‬
‫العتقادهم أنه أمر بالقتال‪ ... .‬فمن هذا الوقت كثر سفك‬
‫الدماء‪ ،‬وأخذت الرعية األسلحة من السيوفية بشراء أو غصب‪،‬‬
‫وأغلب العملة والصنائعية‪ ،‬خصوص ًا الطباعني‪ ،‬هجموا على‬
‫القرقوالت وخانات العساكر‪ ،‬وأخذوا منها السالح والبارود‬
‫وقتلوا من فيها من العساكر‪ ،‬وخلع الناس شعار امللك من‬
‫احلوانيت واحملال العامة‪ ،‬وشعار ملك الفرنسيس هي صورة‬
‫زهر الزنبق‪ ،‬كما أن شعار اإلسالم صورة هالل‪ ... .‬وكسروا‬
‫قناديل احلارات‪ ،‬وقلعوا بالط املدينة وجمعوه يف السكك‬
‫املطروقة‪ ،‬حتى يتعذر مشي الفرسان عليه‪ ،‬ونهبوا جبخانات‬
‫البارود السلطانية‪( .‬ص ‪)226‬‬

‫واملالحظ أن الطهطاوي الذي قضى معظم سنوات بعثته يف ظل حكم آخر‬


‫قدم‬‫ملوك البوربون وعاصر ثورة يوليو ‪ 1830‬قبيل عودته من البعثة الدراسية َّ‬
‫احلدثني بترتيبهما الزمني‪ ،‬وإن كانت أحداث ‪ 1830‬تفوق أهمية‪ ،‬مقارنةً‬
‫مبا سبقها من عودة حكم البوربون املستبدين‪ ،‬واسترسل يف شرح ميثاق‬
‫البوربون احملافظ الذي أفرد له محل الصدارة يف فصل بعنوان «تدبير الدولة‬
‫الفرنساوية» (ص ص ‪ ،)١٢٩-١١٣‬دون إشارة منه إلى تعديل ذلك امليثاق‬
‫بعد الثورة على حكم البوربون يف يوليو ‪( 1830‬ص ص ‪ ،)126-113‬على‬
‫حني اختص األحداث الثورية التي شهدها بخالصة ال تزيد على الصفحتني‬
‫ال حتت عنوان «خالصة حقوق الفرنساوية اآلن بعد سنة ‪ 1831‬من‬ ‫إال قلي ً‬
‫امليالد وتصليح الشرطة» (ص ص ‪ .)129-127‬وال شك أنَّ معاجلة‬
‫الطهطاوي للبعد الزمني‪ ،‬وهي إحدى خصائص املرويات (‪،)Baker 50-61‬‬
‫كاشف ٌة عن انحيازه إلى الوثيقة األولى‪ ،‬وخصوص ًا إذا وضعنا يف احلسبان أن‬
‫خصصها الطهطاوي لثورة يوليو تصدر حكمها على ما‬ ‫املقالة اخلامسة التي َّ‬
‫سبق عودة املَ َلكية من أحداث وما تالها بأنه ال يعدو كونه من قبيل ال ِفنت‪.‬‬
‫تقدم من خلفية لغوية وثقافية يشير إلى موقف للطهطاوي‬ ‫ولعل ما َّ‬
‫مييل إلى دعم السلطة احلاكمة‪ ،‬ما دامت أسباب القوة واملنعة قد تو َّفرت‬
‫لها‪ ،‬كما مييل إلى إدانة ما يقوم به العامة من أعمال تنتقص من قوة السلطة‬
‫وتهدد بزوالها‪ .‬وقد يكون ذلك املوقف من خشية الفنت حسب املوروث‬

‫‪11‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫اإلسالمي‪ ،‬أو ملعاصرته ألحداث وقعت يف صدر شبابه قبل سفره للبعثة يف‬
‫عامي ‪ 1823‬و‪ ،1824‬متثلت يف انتشار العصيان والتمرد يف الوجهني البحري‬
‫والقبلي خروج ًا على ما أصدره محمد علي من سياسات تقضي بالتجنيد‬
‫اإلجباري‪ .‬ويرصد خالد فهمي ما سجلته الوثائق من مترد أهل املنوفية وقيام‬
‫محمد علي نفسه على رأس حرسه اخلاص وست من مدافع امليدان بقمع‬
‫ذلك التمرد‪ ،‬وكذلك إخماده لثورة يف صعيد مصر يف عام ‪ 1824‬شارك فيها‬
‫ثالثمائة ألف من األهالي اعتدوا على موظفي الدولة ورفضوا سداد الضرائب‬
‫املستحقة (‪ .)Fahmy 99-100‬غير أنَّ ميول الطهطاوي احملافظة‪ ،‬إ ْن بدت يف‬
‫ثنايا خطابه املتأثر بعصر التنوير الفرنسي‪ ،‬تتصل اتصا ًال وثيق ًا باملهام املوكلة‬
‫إليه بوصفه طالب بعثة رسمية ثم ناظر ًا ملدرسة األلسن التي قامت خلدمة‬
‫مشروع محمد علي يف تعزيز سلطاته والتوسع فيها يف املقام األول‪.‬‬
‫الشرطة) تعبيرات‬ ‫ويغلب على تقدمي الطهطاوي لدستور ‪( 1814‬أو َ‬
‫يأت به علم‬‫مستمدة من األدبيات اإلسالمية حتى وإن أقر أن محتواه لم ِ‬
‫والس َّنة‪ .‬يقول الطهطاوي‪:‬‬
‫من الكتاب ُ‬

‫فلنذكر لك‪ ،‬وإن كان غالب ما فيه ليس يف كتاب اهلل تعالى‬
‫لتعرف كيف قد‬
‫َ‬ ‫وال يف ُس َّنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫حكمت عقولهم بأن العدل واإلنصاف من أسباب تعمير‬
‫املمالك وراحة العباد‪ ،‬وكيف انقادت احلكام والرعايا لذلك‬
‫حتى عمرت بالدهم‪ ،‬وكثرت معارفهم وتراكم غناهم وارتاحت‬
‫قلوبهم‪ ،‬فال تسمع فيهم من يشكو ظلم ًا أبد ًا‪ ،‬والعدل أساس‬
‫ال ُعمران‪( .‬ص ص ‪116-115‬؛ التأكيد من عندي)‬

‫ثم يلي ذلك بذكر‬

‫نبذة مما قاله فيه العلماء واحلكماء أو يف ضده من كالم بعضهم‪:‬‬


‫حللم حجاب اآلفات؛‬ ‫ظلم اليتامى واأليامى مفتاح الفقر؛ وا ِ‬
‫وقلوب الرعية خزائن ملكها‪ ،‬فما أودعه إياها وجده فيها‪ ...‬وقال‬
‫بعضهم‪ ،‬سلطان امللوك على أجسام الرعايا ال على قلوبهم‪...‬‬
‫أردت أن تطاع فاطلب ما يستطاع؛ إن املولى إذا كلف‬
‫وقيل إذا َ‬
‫عبده ما ال يطيقه‪ ،‬فقد أقام عذر ًا يف مخالفته‪( .‬ص ‪)116‬‬

‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪12‬‬


‫وميهد ما سبق من مالحظات غلبت عليها اللغة املستمدة من‬
‫التراث اإلسالمي لترجمة الطهطاوي لدستور ‪ ،1814‬وهي ترجمة شابتها‬
‫بعض أوجه التصرف النابعة من قوة املرويات الوجودية ‪ontoglogical‬‬
‫تؤسس‬‫‪ narratives‬واملرويات العامة ‪( public narratives‬انظر ‪ِّ )Baker‬‬
‫لنظرة الطهطاوي يف الثقافة اإلسالمية‪ .‬وقد سبق أن أشار جرونباوم إلى‬
‫السمة التي رصدها يف الكتابات القومية احلديثة للمسلمني‪ ،‬فهو‬ ‫تلك ِّ‬
‫يرى أن تلك الكتابات يشوبها غياب التحديد فيما يتصل بالعالقة بني‬
‫املعياري ‪ normative‬والواقعي ‪ ،real‬األمر الذي ينتج خلط ًا بني ما ينبغي‬
‫ال عن التقييم الذي‬ ‫أن يكون وما هو كائن بالفعل من واقع معيش‪ ،‬فض ً‬
‫يستند إلى مقابلة بني الذات واآلخر‪ ،‬ولذلك تتسم كتابات احلداثيني‬
‫املسلمني بالطابع احملافظ ومتيل إلى جتاوز الواقع لتأكيد مثل عليا وتغليبها‬
‫على واقع ال يرضون عنه (‪.)Grünebaum 132-33‬‬
‫يقع الطهطاوي حتت تأثير الثقافة اإلسالمية‪ ،‬فيورد من احلكم‬
‫واألمثال مما سبق عرضه ُمقدمةً لترجمته للدستور و ُيسقط مقدمته األصلية‪،‬‬
‫أي كلمة لويس الثامن عشر‪ ،‬وفيها ما يشير إلى اخللفية التاريخية لصدوره‬ ‫ْ‬
‫يعبر فيه عن احتفائه به‬ ‫منحةً منه للفرنسيني‪ .‬وينهي ترجمته بتعليق ِّ‬
‫وجدت أغلب ما يف هذه الشرطة نفيس ًا» (ص‬ ‫َ‬ ‫تأملت‪،‬‬
‫َ‬ ‫فيقول لقارئه «فإذا‬
‫‪ ،)١٢٣‬وهو تعليق كاشف عن تعلقه باملُثُل التي ُيعلي الدستور من شأنها‬
‫دون االلتفات إلى ما عاصره هو شخصي ًا منذ وصوله إلى باريس من مساوئ‬
‫عهد شارل العاشر وانحرافه عن الدستور‪.‬‬
‫ِ‬
‫املترجم سافر ًا يف بعض‬ ‫فإذا تتبعنا ترجمة العمل‪ ،‬وجدنا تدخل‬
‫املفاهيم الواردة به‪ ،‬إذ تصطبغ بتعبيرات إسالمية تخرج مبعنى األصل‬
‫عن مساره وتقارب بينه وبني املوروثات اإلسالمية لدى الطهطاوي‪.‬‬
‫فكلمة «القانون» الفرنسية ‪ la loi‬يترجمها الطهطاوي يف مواقع ظهورها‬
‫يف النص الفرنسي مبعنى القانون العام للدولة بـ«الشريعة»‪ ،‬رغم احتواء‬
‫املعجم العربي على كلمة «قانون» مبعنى األصول‪ ،‬وهي كلمة انتقلت إلى‬
‫العربية من اليونانية والفارسية‪ ،‬ورغم استعمال الطهطاوي لها يف بعض‬
‫املواقع التي تشير إلى قوانني بعينها‪ ٣.‬وتأتي ترجمة املادة الرابعة بتجاوز‬
‫عن النص األصلي ليشير إلى حق امللك الذي مينحه الدستور يف اقتراح‬
‫القوانني؛ إذ تشير املادة الرابعة إلى ضمان احلريات الشخصية للفرنسيني‬
‫يف حدود ما ينص عليه القانون‪:‬‬

‫‪13‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫‪Article 4. Leur liberté individuelle est également‬‬
‫‪garantie, personne ne pouvant être poursuivi ni arrêté‬‬
‫‪que dans les cas prévus par la loi, et dans la forme‬‬
‫)‪qu’elle prescrit. (“Charte” n. pag.; emphasis added‬‬

‫فيضمنها ما يفيد قيام امللك باقتراح‬


‫ِّ‬ ‫ويقدم الطهطاوي ترجمة لتلك املادة‬
‫تلك القوانني التي تقيد احلريات الشخصية‪:‬‬

‫املادة الرابعة‪ :‬ذات كل واحد منهم يستقل بها‪ ،‬ويضمن لها‬


‫حريتها‪ ،‬فال يتعرض له إنسان إال ببعض حقوق مذكورة يف‬
‫املعينة التي يطلبه بها احلاكم‪( .‬ص‬
‫الشريعة‪ ،‬وبالصورة َّ‬
‫‪117‬؛ التأكيد من عندي)‬

‫ويف املادة السابعة يحرص الطهطاوي على أن يباعد بني إعمار الكنائس‬
‫الكاثوليكية ومصدر متويل ذلك اإلعمار من اخلزانة امللكية ‪ Trésor Royal‬دون‬
‫حتسبه لرد فعل املتلقي املسلم الذي ال يرحب بإنفاق الدولة املسلمة‬ ‫داع سوى ُّ‬
‫ٍ‬
‫على الكنائس‪ ،‬فتأتي ترجمته للخزانة بـ«بيت مال النصرانية» (ص ‪.)١١٧‬‬
‫ويتوالى تدخل الطهطاوي يف النص الفرنسي على نحو يكشف عن‬
‫عبر عنه من إدانة‬ ‫توجهات سياسية محافظة تتفق ومرو َّيات عصره‪ ،‬مؤكد ًا ما َّ‬
‫ملا سبق عهد عودة املَ َلكية من « ِف َت»‪ ،‬وما سكت عنه فيما يتصل مبظاهر‬
‫االستبداد يف نظام حكم محمد علي مبصر‪ ،‬ففي حني أن َص ْدر املادة احلادية‬
‫عشرة ينص على حظر اآلراء ونتائج التصويت التي سبقت عصر عودة املَ َلكية‪:‬‬

‫‪Article 11. Toutes recherches des opinions et‬‬


‫‪votes émis jusqu'à la restuaration sont interdites.‬‬
‫)‪(“Charte” n. pag.‬‬

‫فإنَّ الطهطاوي يترجم تلك العبارة على نحو منحاز ُليضيف إليها كلمة‬
‫«ال ِفنت»‪:‬‬

‫املادة احلادية عشرة‪ :‬جميع ما مضى قبل هذا القانون من‬


‫اآلراء والفنت يجب نسيانه‪( .‬ص ‪)١١٧‬‬
‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪14‬‬
‫وحني يتعلق األمر بالتجنيد اإلجباري الذي ألغاه دستور ‪ 1814‬يف مادته‬
‫الثانية عشرة‪ ،‬ودعا إلى سن قوانني لتنظيم ضم األفراد للجيش‪:‬‬

‫‪Article 12: La conscription est abolie. Le mode‬‬


‫‪de recrutement de l'armée de terre et de mer est‬‬
‫)‪détermminé par une loi. (“Charte” n. pag.‬‬

‫فإنَّ الترجمة ال تفي باملعنى القاطع للجملة األولى‪ ،‬بل ينزع املترجم عن‬
‫بسن قانون التجنيد ويجعله اختياري ًا‪ْ ،‬‬
‫أي‬ ‫اجلملة الثانية معنى االلتزام ِّ‬
‫َي ْع ِق ُده بإرادة احلاكم الذي يقترح القوانني‪ ،‬وذلك على النحو اآلتي‪:‬‬

‫املادة الثانية عشرة‪ :‬أخذ العساكر ُيرتب َوينقص عما كان‬


‫عي بقانون معلوم وضع عساكر يف البر والبحر‪.‬‬
‫عليه‪ ،‬وقد ُي َّ‬
‫(ص ‪117‬؛ التأكيد من عندي)‬

‫وال يخفى على الطهطاوي ما ا َّتبعه محمد علي من سياسات التجنيد‬


‫اإلجباري وعواقبها من مترد املصريني قبيل سفره إلى باريس‪.‬‬
‫ويشير جانلوكا پارولني يف دراسته عن دور الطهطاوي املترجم يف صياغة‬
‫لغة قانونية جديدة‪ ،‬يف النصف األول من القرن التاسع عشر‪ ،‬من خالل‬
‫ترجمته مليثاق ‪ 1814‬باستعمال تعبيرات فقهية إلى توجهه باخلطاب إلى‬
‫فئات ثالث‪ ،‬أولها رجال األزهر وهم من يريد أن يطمئنهم أن روح القوانني‬
‫الفرنسية ال تتعارض والشريعة‪ ،‬و ُيو ِر ُد أمثلة على حرص الطهطاوي على جتريد‬
‫النص األصلي من بيئته احمللية ليبدو نص ًا عاملي ًا يصلح لكل مكان وزمان‪.‬‬
‫موجه ثاني ًا إلى محمد علي باشا الذي يقدم له‬
‫املترجم َّ‬
‫ويرى پارولني أن النص َ‬
‫املترجم» وتالعب فيها بكل من النص األصلي‬ ‫ترجمة مارس عليها «سيطرة ِ‬
‫وبلغة الترجمة كي يؤكد دوره ودور زمالئه من رجال األزهر يف االندماج يف‬
‫يوجه ترجمته ألساتذته من املستشرقني لبيان قدرة‬ ‫العصر اجلديد‪ .‬وأخير ًا ِّ‬
‫اللغة العربية على استيعاب اجلديد من املفاهيم القانونية (‪.)Parolin‬‬
‫قدم بها ترجمته لكتاب‬ ‫ويشير دانيال نيومان يف الدراسة التي ّ‬
‫تخليص اإلبريز إلي النجاح الباهر الذي حققه الطهطاوي يف كسب رضاء‬
‫شيخ األزهر عن عمله الذي أ َّداه باقتطاف ثمار عصر التنوير الفرنسي واعي ًا‬

‫‪15‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫كل الوعي بضرورة تطبيع تلك الثمار وتقريبها ملواطنيه‪ ،‬فيقتطف السطور‬
‫اآلتية من خطاب أرسله إلى أستاذه الفرنسي جومار‪:‬‬

‫‪Le Cheykh el Islam lui même qui a lu mon voyage‬‬


‫‪en a été très satisfait et m’a promis d’écrire à son‬‬
‫‪Altesse pour l’engager à le faire imprimer regardant‬‬
‫‪cette publication comme le moyen le plus efficace‬‬
‫‪d’engager les musulmans à aller chercher les lu-‬‬
‫‪mières à l’étranger et venir ensuite les propager et les‬‬
‫)‪naturaliser dans leur pays. (Newman 38‬‬

‫[إن شيخ اإلسالم نفسه (يقصد شيخ اجلامع األزهر) الذي طالع‬
‫(أخبار) رحلتي أُ ْع ِج َب بها َّأيا إعجاب‪ ،‬ووعدني بالكتابة إلى‬
‫ولي النعم (ويقصد محمد علي باشا) موصي ًا بطباعتها‪ ،‬إذ إنه‬
‫وجد يف نشر تلك الرحلة أفضل وسيلة لتشجيع املسلمني على‬
‫السفر سعي ًا وراء التنوير يف خارج البالد ثم العودة لنشر تلك‬
‫األنوار يف بالدهم وتقريبها (لبني وطنهم)]‪( .‬ترجمة الباحث)‬

‫ويتضح مما سبق أن الطهطاوي قد اشتبك مع التاريخ السياسي لفرنسا‬


‫شكل ترجمته وأخضعها ملوروث إسالمي محافظ‪ ،‬ولسياسات‬ ‫على نحو َّ‬
‫داخ َلها التضارب بني رغبة والي مصر يف جتديد‬
‫داخلية يف مصر آنذاك َ‬
‫مشروط باحلفاظ على سلطاته املطلقة من جهة‪ ،‬ومؤسسة دينية ‪ -‬هي‬
‫األزهر الشريف ‪ -‬تراقب ما َيرِد من خارج حدود دار اإلسالم بريبة وحذر‬
‫ثم‪ ،‬يكشف جهده يف مجال الترجمة عن التنازع‬ ‫من جهة أخرى‪ .‬ومن َّ‬
‫بني الرغبة يف نقل اجلديد والسعي إلى إثبات أن ما به يتفق ومقتضيات‬
‫احلال يف املوروث الثقايف العربي اإلسالمي ‪.‬‬

‫الترجمة األدبية‪« :‬مواقع األفالك يف وقائع تليماك»‬

‫غير أن محاوالت الطهطاوي لتقدمي املَ َلكية الدستورية‪ ،‬على ما بها‬


‫من نقصان‪ ،‬لم ُتفلح يف توجيه أنظار محمد علي باشا إلى اقتباسها‪.‬‬

‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪16‬‬


‫وما لبث عصر محمد علي وابنه إبراهيم أن انقضي ليتولى عباس األول‬
‫حكم مصر الذي رجع مبصر إلى سابق عهدها قبل تولي جده وأوقف‬
‫عمل مدرسة األلسن ضمن ما أوقف من مشروعات وأبعد الطهطاوي إلى‬
‫السودان‪ ،‬كما ذكرنا‪ .‬وقد وقع اختيار الطهطاوي على رواية مغامرات‬
‫تليماك ليترجمها إلى العربية‪ .‬واملرجح أن الطهطاوي قد اختار ذلك العمل‬
‫للقس الفرنسي فنلون الذي عهد إليه لويس الرابع عشر تعليم حفيده وولي‬
‫ضم َنه املؤ َّل ُف من قصص امللوك ومدى اتصافهم‬‫عرشه دوق بورجوني ملا َّ‬
‫باحلكم الرشيد أو بعدهم عنه وأثر ذلك كله يف شعوبهم‪ .‬ورمبا تطابق ما‬
‫ورد من ذكر فنلون للطاغية پيجماليون وصورة عباس األول التي َخبرها‬
‫الطهطاوي نفسه والتي اشتهر بها شخصه وعهده فيما بعد‪« :‬وهو يكاد‬
‫أن يكون محجوب ًا عن الناس ُي ِحب الوحدة يف قصره فيمكث حزين ًا كئيب ًا‬
‫يف حالة اليأس فال يتقرب إليه وال أحبابه ويتجنبه أصحابه خوف ًا من أن‬
‫يرتاب منهم ويتوسوس وله دامي ًا عسس وحرس وعلى داره العساكر بأيديهم‬
‫السيوف مسلولة مشهورة والرماح قامية يف أبشع صوره» (ص ‪.)83‬‬
‫ومن املرجح أن الطهطاوي تو َّفرت له الدوافع السياسية والفكرية‬
‫يف اإلقدام على ترجمة تلك الرواية يف جهد هو األول من نوعه ملترجم‬
‫مصري يف القرن التاسع عشر‪ .‬ففي اختيار الكتاب الذي يحض على احلكم‬
‫الرشيد ثم يف نشره خارج مصر يف املطبعة السورية ببيروت ما يشير إلى‬
‫وحتسبه لعواقب نشره‪ ،‬حتى وإن كان عهد‬ ‫إدراك الطهطاوي خلطورة عمله ُّ‬
‫عباس األول قد انقضى‪ .‬وعلى الرغم مما بدا من وعي الطهطاوي بطبيعة‬
‫عمله‪ ،‬تظل آثار اجتهاده ملوافقة محتوى األصل ملقتضيات عصره ومروياته‪،‬‬
‫وخصوص ًا نظام احلكم ذاته واملوروث الثقايف اإلسالمي‪ ،‬ظاهرة للقراء‪.‬‬
‫ُي ِّه ُد الطهطاوي يف مقدمته بدفاع عن اختياره لترجمة كتاب يحوي‬
‫أساطير اليونان الوثنية مبا يتناسب وتوقعاته باستنكار جمهور القراء له وإدانتهم‬
‫لشخص مترجمه‪ ،‬وذلك ألسباب تتعلق بالعقيدة اإلسالمية فيقول‪:‬‬

‫ونهاية القول إن امليثلوجيا عند اليونان إمنا هي على بعض اآلراء‬


‫ظواهر وبواطن فظواهرها محض أقاويل وأباطيل فال ينبغي‬
‫لفاضل أن يدخل يف تخريجها وتعديلها وإطفاء سقيم ضوء‬
‫هم ًا وال حزن ًا‬
‫قنديلها بل ال ُيقيم لها وزن ًا وال يورثه سماعها َّ‬
‫بل غاية ما فيها مدخليتها يف فهم ما يتوقف عليه األدبيات‬

‫‪17‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫كما يتوقف الشعر العربي على بعض أشياء من عقائد جاهلية‬
‫العرب‪ ...‬وأما بواطنها فرمبا اشتملت على بعض إشارات‬
‫ورموز كما يف نظمهم الزمن الذي يعنونون [كذا] عنه بزحل‬
‫يف هذا السلك من حيث تسلطه على األشياء ودوامه وفلكه‬
‫بأهله فيقولون إن زحل يأكل أوالده يعني أن الدهر يفني أهله‬
‫فهذا هو املقصود الباطن (ص ص ‪.)27-26‬‬

‫منهجه يف الترجمة الذي أعلنه‬ ‫املوقف الدفاعي لدى الطهطاوي ُ‬ ‫َ‬ ‫ويعزز هذا‬
‫يف املقدمة‪ ،‬والذي يقوم على التقريب والرضوخ للمرويات اخلاصة والعامة‪.‬‬
‫وحتاشيت ما‬
‫ُ‬ ‫«وأديت التعريب بأسهل تقريب وأجزل تعبير‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يقول الطهطاوي‪:‬‬
‫ورث املعاني أدنى تغيير‪ .‬ويؤثر يف فهم املقصود أقل تأثير‪ .‬اللهم إال أن يكون‬ ‫ُي ُ‬
‫ال بالعادة‪ .‬فأمتحل لذكر ما آل إليه املعنى ومضمونه بعبارات‬ ‫ال مخ ً‬
‫ثم مح ً‬
‫َّ‬
‫ُتفيد الزم املعنى أكمل إفادة‪ .‬وهذه أساليب يف قالب الترجمة معتادة» (ص‬
‫‪5‬؛ التأكيد من عندي)‪ ،‬ويف موضع آخر يقول‪« :‬وإن لم أجد ُب ّد ًا من مسايرة‬
‫اللغة العربية وقواعدها وعقايدها املرعية مع احملافظة على األصل املُترجم منه‬
‫حسب اإلمكان» (ص ‪ .)23‬وقبيل االنتهاء من التمهيد‪ ،‬يثير الطهطاوي‬
‫القراء‪ ،‬عامة املتعلمني‬ ‫قضية املتلقي لعمله مبا يكشف وعيه بوجود فئتني من َّ‬
‫وهم من أوحى له بداية أن يقدم ترجمته «يف قالب يوافق مزاج العربية وأصيغه‬
‫حل َكم‬‫وأضمنه األمثال وا ِ‬ ‫ِّ‬ ‫صياغة أخرى أدبية وأضم إليه املناسبات الشعرية‬
‫النثرية والنظمية يعني أنسجه على منوال جديد وأسلوب به ينقص عن أصله‬
‫ويزيد حتى ال يكون إال مجرد أمنوذج ألصله األصيل وعني أن يقبل عليه‬
‫يوجه ترجمته‬ ‫األهالي من كل قبيل» (ص ‪ .)٢٣‬غير أن الطهطاوي قد آثر أن ِّ‬
‫رجح أن‬ ‫عد ِده عن «األهالي من كل قبيل» و ُي َّ‬ ‫إلى جمهور من القراء يقل يف َ‬
‫هؤالء ممن تلقوا التعليم احلديث يف مدارس محمد علي‪ ،‬فهو يستطرد قائ ً‬
‫ال‪:‬‬
‫رأيت أن األوفق اآلن بالنسبة للوقت والزمان حفظ األصل وطرح‬ ‫«إال أني ُ‬
‫الشك وإبقاء ما كان على ما كان» (ص ‪ .)23‬ولع َّله قصد بقراره ذلك إلى‬
‫يزودهم به يف موقعه السابق‬ ‫توجيه خريجي املدارس احلديثة إلى ما فاته أن ِّ‬
‫همه على نقل كتب العلوم‬ ‫مبدرسة األلسن من ثقافة سياسية‪ ،‬حني اقتصر كل ِّ‬
‫الطبيعية التي تسهم يف بناء اجليش الذي طمح محمد علي إلى تأسيسه‪٤.‬‬
‫و ُيفهم مما سبق أن الطهطاوي َّقرر أن يسلك موقف ًا تفاوضي ًا‪ ،‬بتعبير‬
‫ال وسط ًا بني التقريب والتغريب‪ ،‬بتعبير الناقد‬ ‫سالمة‪-‬كار‪ ،‬أو سبي ً‬

‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪18‬‬


‫األمريكي لورانس ڤينوتي ‪ ،Venuti‬يحرص فيه كل احلرص على مرويات‬
‫مجتمعه وتقاليده واإلشارة من طرف خفي إلى اآلراء اجلديدة التي تتعلق‬
‫باحلكم الرشيد عموم ًا والتي احتواها مؤ َّلف فنلون‪ .‬و ُت َعدُّ السطور األولى من‬
‫منت الكتاب منوذج ًا ألسلوب الكتاب عموم ًا‪ ،‬فهي سطور تشير إلى حزن‬
‫كاليبسو وآالمها لرحيل عوليس وقد وردت بفرنسية بسيطة غير متك َّلفة‪:‬‬

‫‪Calypso ne pouvait se consoler du départ d'Ulysse. Dans‬‬


‫‪sa douleur, elle se trouvait malheureuse d’être immortelle.‬‬
‫‪Sa grotte ne résonnait plus de son chant; les nymphes qui‬‬
‫)‪la servaient n’osaient lui parler. (Fénélon 2‬‬

‫وقد تصدى الطهطاوي لترجمتها على النحو اآلتي‪:‬‬

‫كانت كالبسه بعد سفر عولوس ال تستطيع الصبر على فراقه بل‬
‫تكابد أهوال ال ِعشق وأشواقه‪ .‬وكانت عليه متحسرة متأسفة‪.‬‬
‫حتى كرهت البقاء واخللد بعد فراقه‪ .‬ومت َّنت املوت لوضح لها إذ‬
‫متشوفة‪ .‬وبعد أن كانت جبالها وكهوفها مملؤة‬
‫متشوقة ِّ‬
‫إليه صارت ِّ‬
‫بأصوات األحلان ويرجع الصدا إليها نغمات العيدان صار ال ُيسمع‬
‫بالغم والقينات احلسان اخلادمات‬
‫وتبدل السرور عندها ِّ‬ ‫فيها النغم َّ‬
‫جلنابها السامي باحلسن واإلحسان العذاري الهاروتية واحلور العني‬
‫املاروتية لزمت السكون وصموت على صموت‪( .‬ص ‪)29‬‬

‫‪sa‬‬ ‫و ُيالحظ غَ َل َب ُة البالغة العربية على ترجمة اإلشارة إلى آالم كاليبسو‬
‫‪ douleur‬لتصبح «تكابد أهوال العشق وأشواقه»‪ ،‬وكذلك اللجوء إلى‬
‫إشارات من الثقافة اإلسالمية الستحضار ما يوازي اإلشارة يف الفرنسية‬
‫إلى ‪ les nymphes‬وهي عند الطهطاوي «والقينات احلسان ‪ ...‬العذارى‬
‫الهاروتية واحلور العني املاروتية»‪.‬‬
‫لترسخ مفاهيم‬
‫غير أن «مواقع األفالك» تتشكل يف لغة الطهطاوي ِّ‬
‫هي أقرب إلى املوروث اإلسالمي‪ ،‬حني يتعلق النص الفرنسي بأساليب‬
‫عب ُر رفيق تليماك و ُمعلِّمه منطور ‪،Mentor‬‬ ‫احلكم‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ُ ،‬ي ِّ‬
‫وهو يف واقع األمر ربة احلكمة مينرڤا ُم َت َن ِكرة‪ ،‬عن رأيه يف رخاء أهل مصر‪،‬‬

‫‪19‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫ويعزو ذلك إلى حكمة امللك سيزوستريس‪ ،‬وذلك َيرِد على النحو اآلتي‪:‬‬

‫‪Heureux—disait Mentor—le peuple qui est conduit‬‬


‫‪par un sage roi! Il est dans l’abondance; il vit heu-‬‬
‫)‪reux, et aime celui à qui il doit tout son bonheur. (8‬‬

‫يف حني يترجم الطهطاوي ذلك النص مبا يشير إلى ا ُأل َّمة عوض ًا عن الشعب‪،‬‬
‫ملا لأل َّمة من صدى بوصفها كلمة جامعة لعموم املسلمني‪ ،‬على حني أن‬
‫ضيق‪ ،‬ويضيف إلى صفة حكمة امللك‬ ‫كلمة «شعب» ترتبط مبفهوم قومي ِّ‬
‫يف النص الفرنسي ما يتناسب واملرويات اإلسالمية عن احلاكم العادل‪:‬‬

‫ما أسعد ا ُأل َّمة التي يحكمها ٌ‬


‫ملك عاقل وسلطا ٌن عادل‬
‫تعيش يف الرخاء والسخاء وتكون سعيدة مرتاحة ُوتب دوام‬
‫ملكه إذ هو السبب يف الراحة‪( .‬ص ‪51‬؛ التأكيد من عندي)‬

‫وخصوص ًا ما اتصل باإلشارة املضافة إلى «دوام املُلْك»‪ ،‬وهو من الدعاء‬


‫الواجب للحاكم؛ ويف ذلك يقول حامد بن علي القلقشندي املصري‬
‫ما يلي يف املكاتبات الرسمية‪ُ « :‬يعرف ما يناسب كل أحد من أرباب‬
‫املناصب من الدعاء‪ ،‬فيخُ ُّصه به؛ ففي املكاتبة إلى امللوك يأتي الدعاء‬
‫بإطالة البقاء‪ ،‬ودوام السلطان‪ ،‬وخلود امللك» (د‪ .‬ص‪.).‬‬
‫كذلك يواجه الطهطاوي حتدي ًا حني يترجم الفعل الفرنسي ‪policer‬‬
‫الذي يستعمله فنلون باملعنى الذي شاع يف عصره من قيام الدولة بحسن‬
‫إدارة أمورها السياسية واملدنية‪ ،‬وهو املعنى األقرب إلى األصل اليوناني‪٥،‬‬
‫حيث قامت يف بالد اليونان ُم ُدن لها كيان الدول ‪ city states‬أو ‪،polis‬‬
‫والتحضر‪ .‬ومثال ذلك ما ورد يف نص فنلون‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫فكانت مثا ًال للمدنية‬

‫‪Pour la troisième question, on demanda lequel des‬‬


‫‪deux est préférable : d'un côté, un roi conquérant‬‬
‫‪et invincible dans la guerre; de l'autre, un roi sans‬‬
‫‪expérience de la guerre, mais propre à policer‬‬
‫)‪sagement les peuples dans la paix. (36‬‬

‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪20‬‬


‫ُفيظهر الطهطاوي فهم ًا قريب ًا من املعني الثقايف ملعنى الكلمة فيترجم العبارة‬
‫على النحو اآلتي‪:‬‬

‫فعرضوا املسألة الثالثة وصورة هذا املبحث الدقيق واملطلب‬


‫املطلوب فيه زيادة التحقيق اثنان من امللوك أحدهما فاحت البلدان‬
‫منصور يف احلرب وفيه حسن التدبير واآلخر ال جتربة له يف‬
‫احلروب وإمنا هو بحسن السياسة واإلدارة امللكية خبير فمن هو‬
‫األفضل واملقدم‪( .‬ص ص ‪153-152‬؛ التأكيد من عندي)‬

‫ولكن الطهطاوي يف غير ذلك من املواقع مييل إلى خلع املعنى األحدث‪،‬‬
‫أي قوة إنفاذ القانون‪ ،‬ومثال ذلك ترجمته للكلمة يف سياق وصف ريف مصر‬
‫ْ‬
‫يف عهد سيزوستريس‪ ،‬ويرد النص يف كتاب فنلون على النحو اآلتي‪:‬‬

‫‪Ensuite Mentor me faisait remarquer la joie et l’abon-‬‬


‫‪dance répandue dans toute la campagne d’Egypte, où‬‬
‫‪l’on comptait jusqu’à vingt-deux mille villes. Il ad-‬‬
‫‪mirait la bonne police de ces villes; la justice exercée‬‬
‫‪en faveur du pauvre contre le riche; la bonne éduca-‬‬
‫)‪tion des enfants. (9; emphasis added‬‬

‫فإذا باملترجم يسقط التعبير من ترجمته‪ ،‬بل ويتجاوز يف ترجمته للنص‬


‫حني يتصل األمر بنصرة الفقراء مقابل األغنياء‪ ،‬فيكتفي بنصرة الفقراء‬
‫دون استكمال طريف املقابلة‪:‬‬

‫ثم إن منطور لفت نظري وأدار بصري إلى الهناء والثروة بريف‬
‫مصر حيث فيه من املدن والقرى بدون مريِّة اثنان وعشرون‬
‫ألف مدينة وقرية والعدل بني الرعية واألخذ بناصر الفقراء‬
‫وحسن تربية األطفال‪( .‬ص ‪)52‬‬

‫َّ‬
‫ويتأكد هذا الضرب من التدخل يف ترجمة التعبير بعد سطور‪ ،‬حني يصل‬
‫تليماك ومنطور إلى مدينة طيبة التي ينسب إليها تليماك صفة اإلدارة‬

‫‪21‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫احلسنة باستعمال تعبير ‪ police‬مرة أخرى‪ ،‬ويف هذا السياق يح ِّدد فنلون‬
‫ما يقصده بالكلمة يف ضوء معناها األدبي باإلشارة يف تعريف محدد إلى‬
‫بعض وجوه التمدن وحسن اإلدارة‪ ،‬وذلك يف جملة واحدة تضم نظافة‬
‫الطرق‪ ،‬وتو ُّفر إمدادات املياه‪ ،‬وتزويد املدينة باحلمامات العامة‪ ،‬وشيوع‬
‫مظاهر الثقافة والفنون‪ ،‬واستقرار األمن‪:‬‬

‫‪La police y est parfaite pour la propreté des rues,‬‬


‫‪pour le cours des eaux, pour la commodité des bains,‬‬
‫)‪pour la culture des arts et pour la sûreté publique. (9‬‬

‫غير أن الطهطاوي يستهل ترجمته لتلك السطور بحصر معنى ‪ police‬فيما‬


‫يعرفه من ثقافة مصر يف عهد محمد علي من «الضبط والربط ووالية‬
‫احلسبة»‪ ،‬األمر الذي ُيسقط معه االرتباط بني ذلك التعبير الذي اختاره‬
‫على وجه اخلصوص ليشير إلى قبضة األمن وما يليه من عناصر أوردها‬
‫عرف ظاهرة التمدن‪:‬‬‫فنلون يف األصل ُلي ِّ‬
‫وبها الضبط والربط ووالية احلسبة ويف تعهد الطرق بالنظافة‬
‫التامة يف أعال الرتبة وفيها املياه جتري يف املعاطف واحلمامات‬
‫الظريفة التي تعد من اللطايف وفيها الفنون والصنايع واألمن‬
‫فال وجود للمخاوف وامليادين العامة مزينة بالسبل والسباقات‬
‫واملسليات‪( .‬ص ‪)53‬‬

‫ويتكرر استعمال الطهطاوي لترجمة ‪ police‬مبعناها األمني يف غير موضعها‬


‫حني يسأل تليماك عن من «خير الناس حرية من ساير البرية» (ص‬
‫‪ ،)150‬فيأتي ذكر البشر يف مرحلة احلياة البدائية التي لم تصل إليها يد‬
‫التمدن‪ ،‬ويف هذا املقام يقول فنلون‪:‬‬

‫‪un Barbare, qui, vivant de sa chasse au milieu des bois,‬‬


‫)‪était indépendant de toute police et de tout besoin. (35‬‬

‫فيترجم الطهطاوي اجلملة على النحو اآلتي‪:‬‬

‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪22‬‬


‫شخص مستوحش يف البادية والفلوات يغتذي من قنصه يف‬
‫الغابات فهو بعيد عن احلكومة يف الضبط والربط ومبعزل عن‬
‫حاجات العمران‪( .‬ص ‪)150‬‬

‫التوجه‬
‫ويؤكد املثال األخير لترجمة ‪ُّ la bonne police des peuples‬‬
‫القائم على املوروث الثقايف اإلسالمي الذي يتبناه الطهطاوي؛ ويرد هذا‬
‫املثال يف نص فنلون على هذا النحو‪:‬‬

‫‪la plupart des hommes, éblouis par les choses écla-‬‬


‫‪tantes, comme les victoires et les conquêtes, les‬‬
‫‪préfèrent à ce qui est simple, tranquille et solide,‬‬
‫)‪comme la paix et la bonne police des peuples. (37‬‬

‫فيترجم الطهطاوي النص على النحو اآلتي‪:‬‬

‫ُج ُّل الناس يعجبهم األبهة والرونق والبهجة يف السلطنة‬


‫واألمور الظاهرية كالنصرة والفتوحات البهية املظهر للطنطنة‬
‫وكل ما يالمي احلرب من التمدح بالطعن والضرب والسلب‬
‫والنهب فيفضلون ذلك على بسايط األمور النافعة يف املدينة‬
‫من الهدوء والراحة والسكون وعلى أمور التمكني املتينة‬
‫مثل الضبط والربط واالحتساب وتربية األهالي ونشر‬
‫اآلداب‪( .‬ص ‪ ،159‬التأكيد من عندي)‬

‫واملالحظ بداية أنها ترجمة نقلت تصور الطهطاوي القائم على مرويات‬
‫عصره عن النصرة والفتوحات مبا يصاحبها من سلب ونهب‪ ،‬مما أتاح له أن‬
‫ميضي يف ترجمته عاقد ًا الصلة بني ذلك العنف اخلارجي وضرب آخر من‬
‫العنف الداخلي الذي وإن أ َّدى إلى «الهدوء والسكون» فإنه يقوم يف رأيه‬
‫على «أمور التمكني املتينة مثل الضبط والربط واالحتساب وتربية األهالي‬
‫ونشر اآلداب»‪ .‬يتحول مفهوم السالم أو السلم الداخلي وأوجه التمدن‪،‬‬
‫إذن‪ ،‬من نص فنلون إلى شؤون تخص حفظ األمن يف املقام األول‪ ،‬ولذلك‬
‫فإن ترجمته لصفة ‪ solide‬التي تشير إلى استقرار نواحي التمدن تتحول‬

‫‪23‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫إلى مفهوم «التمكني» مبعنى الهيمنة والسيطرة‪ ،‬ومن املرجح استلهام‬
‫الطهطاوي لذلك املفهوم من اآلية القرآنية التي وردت يف ذي القرنني‪« :‬إِ َّنا‬
‫ض َوآ َتيْ َنا ُه ِمن ُك ِّل شَ ْي ٍء َس َبب ًا» (سورة الكهف‪ ،‬آية ‪.)84‬‬ ‫َم َّك َّنا لَ ُه ِف ْ َ‬
‫الرْ ِ‬

‫إجناز الطهطاوي يف الترجمة والتعليم يف عهد إسماعيل‬

‫مارس الطهطاوي يف عهد اخلديوي إسماعيل‪ ،‬قبيل وفاته‪ ،‬دور ًا مهم ًا‬
‫يف مجال التعليم العام الذي حرِص إسماعيل على بعثه وتدعيمه ضمن‬
‫مشروعه املُعلن الذي يستهدف حتويل مصر إلى قطعة من أوروبا‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من عودة الطهطاوي يف عهد إسماعيل كي ميارس عمله على رأس‬
‫قلم الترجمة بديوان املدارس‪ ،‬فإن عدم توفر العدد الكايف من املترجمني‪،‬‬
‫الذي يعود يف جانب مهم منه إلى إغالق مدرسة األلسن يف عهد عباس‬
‫األول باإلضافة إلى قلة اإلمكانات املتاحة لنشاط الترجمة‪ ،‬أثر سلب ًا يف‬
‫نشاط الترجمة على وجه عام‪ ،‬وخصوص ًا أن إسماعيل لم يكن يعنيه إال‬
‫ترجمة القانون الفرنسي إلى العربية (عبد الكرمي‪ ،‬ج ‪ ،٣‬ص ‪.)143‬‬
‫كذلك فقد أ َّلف الطهطاوي يف عام ‪ 1872‬كتاب ًا مدرسي ًا بتكليف من‬
‫ديوان املدارس‪ ،‬حتت عنوان املرشد األمني للبنات والبنني‪ ،‬وهو دليل للمدارس‬
‫احلديثة يجمع بني اإلرشادات الدينية واالقتباسات األدبية من ناحية والتربية‬
‫الوطنية القومية من ناحية أخرى‪ .‬فالطهطاوي ُي ْف ِر ُد َ‬
‫الباب الرابع فيه لـ«ذكر‬
‫الوطن ومتدينه وبيان أن أعظم أسباب ذلك التربية والتعليم واستكمال املعارف‬
‫والتعميم»‪ ،‬ويندرج حتته فصول يف تعريف الوطن وأبنائه والواجبات املُلقاة على‬
‫عاتقهم‪ ،‬ثم بيان امل ِ َّلة والدولة‪ ،‬ويقدم الطهطاوي فيها ما يقترب من مفهوم‬
‫أي‬ ‫اجلنسية املعاصر‪ ،‬ويعرض مفهوم تَ َُّدن الوطن واحلرية العمومية والتسوية‪ْ ،‬‬
‫أي اجلماعة الوطنية‪ ،‬وأخير ًا األحكام الطبيعية‬ ‫املساواة‪ ،‬بني أهالي اجلمعية‪ْ ،‬‬
‫املستندة قبل التشريع إلى العقل (ص ص ‪.)3-2‬‬
‫عما استقر عليه فكر الطهطاوي بعد حياة‬ ‫يكشف هذا الكتاب النقاب َّ‬
‫ممتدة يف خدمة الدولة العلوية من محمد علي إلى إسماعيل‪ ،‬وخصوص ًا أنه‬
‫ال مؤ َّلف ًا مبتكر ًا فإن الطهطاوي يدين بالفضل فيه لكتب التعليم‬‫وإ ْن كان عم ً‬
‫القومي الفرنسي يف القرن التاسع عشر الذي شهد صعود ًا للتيارات احملافظة يف‬
‫مجال التعليم على حساب أنصار التعليم املدني الذي ينتصر للفكر العلماني‬
‫ويبشر باجلمهورية‪ ،‬وذلك خالل فترات‬ ‫ويفصل دور الكنيسة عن دور الدولة ِّ‬

‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪24‬‬


‫العهد املَ َلكي الذي نتج عن ثورة يوليو ‪ ،1848-1830‬واجلمهورية الثانية‬
‫‪ ،1852-1848‬واإلمبراطورية الثانية ‪( 1870-1852‬انظر ‪ .)Nicolet‬وال‬
‫شك أن الطهطاوي كان مطلع ًا على هذه التطورات التي امتدت عبر القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬وكذلك على سيطرة أنصار «حرية التعليم» التي كانت تعني‬
‫عودة اإلشراف الكنسي على التعليم والسماح للطوائف الدينية بإنشاء‬
‫مدارس خارج إطار التعليم الرسمي وتوجيه الطالب لتوقير املَ َلكية‪ ،‬وقد صار‬
‫لهم الغلبة منذ عهد َم َلكية يوليو‪ ،‬فصدر القانون املُ َس َّمى باسم وزير التعليم‬
‫الفرنسي جيزو ‪ Guizot‬يف عام ‪ ،1833‬ثم صدرت قوانني فالو ‪ Falloux‬يف‬
‫عام ‪ 1850‬لتؤكد هذا التوجه (‪.)Chlovy and Chaline 37‬‬
‫ويغلب على الطهطاوي يف كتابه عدم ذكر مصادره التي يستقيها من‬
‫مصادر الثقافة اإلسالمية‪ ،‬وهي مقتطفات شائعة يف كتب التراث وغير ذلك‬
‫من مصادر منقولة عن الفكر اليوناني والروماني‪ ،‬إال أن دواعي تأليف الكتاب‬
‫وجانب ًا من منهجه يعود فيه الفضل ‪ -‬على األرجح ‪ -‬إلى ا ِّطالع الطهطاوي على‬
‫كتاب بعينه وضعه الفيلسوف الفرنسي شارل برنار رنوڤييه ‪Charles Bernard‬‬
‫‪ )1903-1815( Renouvier‬حتت عنوان دليل اجلمهورية لإلنسان واملواطن‬
‫‪ ،)1848( Manuel républicain de l'homme et du citoyen‬قام بتحريره بناء‬
‫على تكليف من وزارة التعليم الفرنسية كي يصبح الدليل النموذجي األول لرجال‬
‫التعليم‪ .‬وكان منشور ًا قد صدر عن وزارة التعليم يدعو رجال الفكر إلى وضع كتب‬
‫إرشادية قصيرة على هيئة أسئلة وأجوبتها تعالج مسألة حقوق املواطنني وواجباتهم‬
‫(‪ .)Garnier-Pagès 111-12‬وقد تصدى رنوڤييه لتلك املهمة وأصدر كتابه‬
‫رجح‬‫سالف الذكر‪ ،‬وهو األول من نوعه يف هذا الضرب من التأليف؛ ولذلك ُي َّ‬
‫أن الطهطاوي اطلع عليه ونقل عنه ما يخص حقوق املواطنة وواجباتها يف املرشد‬
‫األمني‪ ،‬وإن لم يكن رنوڤييه نفسه من احملافظني بل جمع بني املنهج العلمي‬
‫وفلسفة كانط املثالية وبعض أسس الوضعية املنطقية (‪.)Copleston 138-40‬‬
‫دت مقارنة بني مؤ َّلف رنوڤييه يف التعليم ونظيره الذي وضعه‬ ‫فإذا ُع ِق ْ‬
‫تبي بدايةً اختالف الشكل‪ .‬إذ قدم رنوڤييه عمله على شكل‬ ‫الطهطاوي‪ ،‬لَ َّ‬
‫حوار بني أستاذ وتلميذه يف صورة أسئلة يطرحها التلميذ فيجيب عنها‬
‫األستاذ‪ ،‬وذلك التزام ًا مبا ورد يف املنشور الوزاري الفرنسي فيما يخص شكل‬
‫الكتاب اإلرشادي‪ .‬أما الطهطاوي‪ ،‬فقد آثر أن يضع مؤ َّلفه على نهج أمهات‬
‫الكتب العربية التي جتمع األخبار والنوادر والطرائف مثل خزانة األدب‬
‫ونهاية األرب يف فنون األدب وغيرهما‪ .‬ويحفل كتاب الطهطاوي بأخبار‬

‫‪25‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫األولني والصاحلني التي استمدها من التراث العربي اإلسالمي‪ .‬غير أن ما‬
‫يورده بشأن الدولة احلديثة‪ ،‬وخصوص ًا الوطن ومواطنيه‪ ،‬يدين فيه بالفضل‬
‫حتر َر على شاكلته من كتب اإلرشاد املدني‬‫على األرجح لكتاب رنوڤييه وما َّ‬
‫ال ‪ -‬يف اإلشارة‬‫واألخالقي يف فرنسا‪ .‬يتفق الطهطاوي مع رنوڤييه ‪ -‬مث ً‬
‫إلى «احلرية والتسوية» بوصفهما من القيم املدنية التي ُطبع عليها اإلنسان‪،‬‬
‫ولذلك وافقت األحكام العقلية وأ َّيدها بعد ذلك الشرع واستحسنها (ص ص‬
‫‪ ،)131-127‬ويف ذلك َت َ ٍب ملا ورد لدى رنوڤييه من ذكر للحقوق الطبيعية‪:‬‬

‫‪On peut réduire [les droits naturels] à deux : la liberté‬‬


‫)‪et l'égalité. (Renouvier 15‬‬

‫كذلك يشير الطهطاوي‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬يف حديثه عن احلرية‬


‫واملساواة إلى أن إقامة الدولة لهما تضمن لإلنسان «أن يسعد فيها ما دام‬
‫مجتنب ًا إلضرار إخوانه» (ص ‪ ،)128‬فهو يصوغ املعنى يف كلمات ويضعها‬
‫يف سياق هو أقرب إلى ما ورد لدى رنوڤييه‪:‬‬

‫‪La liberté est le pouvoir de faire tout ce que ne nuit‬‬


‫)‪pas à autrui. (Renouvier 15‬‬

‫ويؤكد يف هذا الصدد «قوة التكاليف العقلية الصحيحة اخلالية من املوانع‬


‫والشبهات ألن الشريعة والسياسة مبنيتان على احلكمة املعقولة لنا» (ص‬
‫‪ .)131‬ثم ينهي كالمه بعقد الصلة بني تلك القيم املدنية احلديثة واألحاديث‬
‫الشريفة فيقول‪« :‬ثم إن احلديث الشريف وهو قوله صلى اهلل عليه وسلم ال يؤمن‬
‫أحدكم حتى يحب ألخيه ما يحب لنفسه يتضمن الدرجة العليا يف العدل وهو‬
‫موافق ملا نطقت به حكم احلكماء وشرائع األنبياء قبل اإلسالم» (ص ‪.)131‬‬
‫عبر الطهطاوي عن ميوله جتاه توكيد الصورة التي استقرت‬ ‫ومثلما َّ‬
‫يف التراث للحاكم املسلم يف بعض تدخالته يف ترجمته مليثاق ‪ 1814‬ويف‬
‫مرويات تعتز باملوروث من‬‫يعبر يف كتابه التربوي هذا عن َّ‬‫رواية تليماك‪ِّ ،‬‬
‫الثقافة اإلسالمية‪ ،‬فيقرها ويؤكدها‪ ،‬حتى حني يجتهد يف تبني بعض‬
‫مقتضيات العصر من منح حقوق للنساء يف مجال التعليم‪ ،‬فإ ْن كانت املرأة‬
‫التي تتلقى التعليم احلديث مثلها مثل الرجال يف نظره‪:‬‬

‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪26‬‬


‫مثل الرجل سواء بسواء‪ ،‬أعضاؤها كأعضائه‪ ،‬وحاجتها‬
‫كحاجته‪ ،‬وحواسها الظاهرة والباطنة كحواسه‪ ،‬وصفاتها‬
‫كصفاته حتى كادت أن تنتظم األنثى يف سلك الرجال ‪...‬‬
‫فإذا أمعن العاقل النظر الدقيق يف هيئة الرجل واملرأة يف أي‬
‫وجه من الوجوه ويف أي نسبة من النسب لم يجد إال فرق ًا‬
‫يسير ًا يظهر يف الذكورة واألنوثة وما يتعلق بهما فالذكورة‬
‫واألنوثة هما موضع التباين والتضاد‪( .‬ص ‪)37‬‬

‫يعزز من ذلك التباين والتضاد‪،‬‬


‫فإنه ما يلبث أن يضيف من املوروث ما ِّ‬
‫فيقول يف موضع آخر من الكتاب نفسه‪:‬‬

‫فاحلياء صفة ممدوحة فيهن فالالئق مبن ُي َربي البنات ويتعهد‬


‫متسه‬
‫بشئونهن أن يتركهن على حيائهن الذي هو زينتهن فال َّ‬
‫التربية مبح ِو وال تخفيف وأن ال يجتهد أحد يف إلهام الشجاعة‬
‫لهن وكذلك ما اشتملن عليه عادة من اخلوف والوجل مما‬
‫ينبغي محوه يف الذكور فال بأس بإبقائه يف النساء فإنهن غير‬
‫يح ِم َ‬
‫لن‬ ‫مخلوقات ألن َي ُح ْزنَ شجاعة الرجال وإنَّ ا وصفهن أن ْ‬
‫الرجال على الشجاعة ويلهمنهم احلماس واإلقدام‪( .‬ص ‪)13‬‬

‫ال يف الباب الرابع اخلاص ِ‬


‫بذكر الوطن «يف‬ ‫ال كام ً‬
‫بل إن الطهطاوي ُيفرد فص ً‬
‫قصر رتبة السلطنة واألعمال السلطانية على الرجال دون النساء وفيه تسعة‬
‫عشر مطلب ًا» (ص ‪ .)104‬وفيه يذكر «أن أبواب الشريعة والسياسة التي‬
‫تخص امللوك واسعة ال تطيقها عقول النساء على ما فيهن من كون جميعهن‬
‫َع ْورات يتعذر مخالطتهن للموظفني من األمراء امللكية واجلهادية ومعاشرتهن‬
‫جلميع أصحاب املناصب واملراتب من أرباب السيوف والقلم» (ص ‪.)120‬‬
‫ويظل والء الطهطاوي املطلق للحاكم‪ ،‬أال وهو إسماعيل‪ ،‬الذي‬
‫قال فيه يف مقدمة كتابه إ َّنه «ملجد مصر مبدئ ومعيد» (ص ‪ ،)٣‬فيعبر‬
‫شعر ًا عن املعنى ذاته فيقول‪« :‬سألنا معالي مصر هل لك عودة وهل‬
‫سابقات الدهر يدنو بعيدها؟‪/‬فقالت يا سماعيل أوحد عصره وجدت‬
‫أليام الصبا من يعيدها (ص ‪.)3‬‬
‫ويعقد الطهطاوي الصلة بني عصر إسماعيل وحب املصريني لوطنهم‪:‬‬

‫‪27‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫العيش‬
‫َ‬ ‫فإنه أبقاه اهلل ملا ورد على موردها األعذب َج َل َب إليها‬
‫األطيب فكم له من مهمة يكفيها ووعود يفيها وعارفة يبديها‬
‫وصنيعة يوليها وأرض موات يحييها ومسعاة من مساعي‬
‫تليد الشرف يبتنيها وصفوة من املعالي يصطفيها وحسنة‬
‫من حسنات الدهر يرغب فيها ويف ذويها حتى َس َر ْت محبة‬
‫األوطان منه يف أهاليها‪( .‬ص ‪)2‬‬

‫فسعادة الشعب مرتبطة بامللك العاقل والسلطان العادل كما ورد يف ترجمته‬
‫لرواية فنلون‪ ،‬وقد ترتب على ما اتصف به من تعقل وعدل حتقيق ًا لـ«حكمة‬
‫امللك القادر الواحد» سبحانه وتعالى‪ ،‬التي تتمثل يف اآلتي‪:‬‬

‫أن أبناء الوطن دائم ًا متحدون يف اللسان ويف الدخول حتت‬


‫استرعاء ملك واحد واالنقياد إلى شريعة واحدة وسياسة واحدة‬
‫أعدهم للتعاون على‬‫فهذا ما يدل على أن اهلل سبحانه وتعالى إمنا ّ‬
‫إصالح وطنهم وأن يكون بعضهم بالنسبة إلى بعض كأعضاء‬
‫العائلة الواحدة‪ ،‬فكأن الوطن إمنا هو منزل آبائهم وأمهاتهم ومحل‬
‫ال للسعادة املشتركة بينهم فال ينبغي‬ ‫مرباهم فيكن أيض ًا مح ً‬
‫أن تتشعب األمة الواحدة إلى أحزاب متعددة بآراء مختلفة ملا‬
‫يترتب على ذلك من التشاحن والتحاسد والتباغض‪ ...‬ال‬
‫سيما وأن الشريعة س َّوت بينهم وأوجبت أن يكونوا على قلب‬
‫رجل واحد وأن ال يعتقدوا لهم عدو ًا إال من يوقع بينهم الفشل‬
‫بخداعه ليختل نظام ملكهم وينحل انتظام سلكهم فهذا هو‬
‫العدو املبني الذي ال يحب أن يكون أهل الوطن على وطنهم‬
‫آمنني وال بحريتهم متمتعني‪( .‬ص ‪)94‬‬

‫وغني عن البيان أن وصف الطهطاوي فيما سبق للدولة التي يحكمها «ملك‬ ‫ٌّ‬
‫كرس لالستبداد على نحو يصبح ما يلي« ذلك الوصف من حديث‬ ‫ُ ِّ‬‫ي‬ ‫واحد»‬
‫عن اكتساب «ابن الوطن» أو الـ«مصري» أو الـ«وطني» «للحقوق املدنية‬
‫والتمزي باملزايا البلدية» ويتمتع بحقوق بلده وأعظم هذه احلقوق احلرية التامة‬
‫ِّ‬
‫يف اجلمعية الـتأنسية» (ص ‪ ،)94‬محض كلمات ُم َف َّرغة من محتواها‪.‬‬
‫أَ ِض ْف إلى ذلك أن املستهدفني ممّا كتبه الطهطاوي‪ ،‬وقضى عمر ًا‬

‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪28‬‬


‫مديد ًا يف ترجمته‪ ،‬ال يشمل أبناء الوطن جميعهم‪ .‬فقد دأبت سياسات‬
‫التعليم‪ ،‬منذ عهد محمد علي‪ ،‬على قصر التعليم على مجموعة محدودة من‬
‫املتخصصني‪ .‬وكادت مدرسة األلسن تقصر عملها يف مجال الترجمة على‬
‫الكتب الفرنسية واإليطالية يف العلوم الطبيعية خلدمة حاجة اجليش املصري‪.‬‬
‫وقد أورد أحمد عزت عبد الكرمي مراسالت تكشف تلك الرؤية ملؤسس األسرة‬
‫العلوية‪ ،‬وخصوص ًا رده على ابنه إبراهيم باشا الذي مال إلى فكرة التوسع يف‬
‫التعليم‪ ،‬فلفت محمد علي نظره «إلى ما تعانيه أوروبا من نتائج تعميم التعليم‬
‫بني أبناء العامة وإلى أنهم قد تورطوا يف تعليم الناس حتى أضحوا وليس يف‬
‫طاقتهم تاليف ما فات‪ ،‬فإذا كان هذا املثال أمام األنظار‪ ،‬فمن الواجب أن‬
‫واف بأعمال الرياسة غير‬ ‫تتفضلوا فتكتفوا بتعليم القراءة والكتابة لعدد منهم ٍ‬
‫مولعني بتعميم ذلك التعليم» ( ج ‪ ،١‬ص ‪.)40‬‬
‫ولذلك‪ ،‬صارت ثنائية التعليم التي استهل بها محمد علي عهده معول‬
‫هدم يف صرح ثقافة ظلت قاصرة على النخبة التي َت َب َاع َد مستواها الفكري‬
‫فس ُر تلك الظاهرة برغبة‬‫واالجتماعي واالقتصادي عن سائر املصريني‪ .‬وقد ُت َّ‬
‫محمد علي يف نقل معارف أوروبا العلمية إلنشاء جيش قوي على وجه السرعة‬
‫وجت ُّنبه الدخول يف معارك جانبية مع الفكر القدمي الذي استقر يف األزهر‪ .‬ويؤكد‬
‫أحمد عزت عبد الكرمي ذلك الرأي يف دراسته الشاملة للتعليم يف عصر محمد‬
‫علي فيشير إلى نشأة «نظام تعليمي آخر‪ ،‬أطلقنا عليه “احلديث” وسار جنب ًا‬
‫إلى جنب مع النظام التعليمي الديني أو “القدمي”‪ .‬ونال محمد علي بذلك‬
‫رضاء العلماء‪ ،‬أو عدم معارضتهم على األقل‪ ،‬وكسب ملدارسه حياة هادئة‬
‫ليس فيها من ناحية املعارضة الدينية كبير عقبات» (ج ‪ ،١‬ص ‪.)143‬‬
‫كذلك‪ ،‬لم تستمر جهود محمد علي احملدودة يف دفع حركة الترجمة‬
‫عهدي عباس األول‬ ‫ْ‬ ‫والتعليم يف مصر‪ ،‬فقد انتكست تلك اجلهود يف‬
‫وسعيد‪ .‬ويرصد عبد الكرمي يف كتابه «أن قلم الترجمة بعد أن أ َّمت رجاله‬
‫نشئت يف عهد‬ ‫ترجمة القوانني الفرنسية التي طبقت يف احملاكم التي أُ ِ‬
‫إسماعيل لم َيقُم بعمل فني كبير‪ ،‬فاقتصر عمله على األعمال اإلدارية‬
‫كترجمة اخلطابات الفرنسية التي تصدر إلى الديوان أو تأتي منه» (ج ‪،٣‬‬
‫ص ‪ .)149‬ويتتبع عبد الكرمي أسباب ضعف قلم الترجمة يف‬

‫أنه لم يجد مدرسة تقوم على إمداده باملترجمني األكفاء‬


‫كما كانت مدرسة األلسن يف عهد محمد علي؛ فإن‬

‫‪29‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫نشئت يف سنة ‪ 1868‬اجتهت‬ ‫مدرسة اإلدارة واأللسن التي أُ ِ‬
‫عن بإعداد املترجمني‪،‬‬
‫نحو العناية بدراسة القانون‪ ،‬ولم ُت َ‬
‫حتى إذا كانت سنة ‪ 1878‬أُنشئت مدرسة األلسن إلعداد‬
‫املترجمني خاصة‪( .‬ج ‪ ،٣‬ص ص ‪)150-149‬‬

‫وقد ظل التعليم االبتدائي احلديث يف عهد إسماعيل قاصر ًا على إعداد‬


‫املوظفني لإلدارات املختلفة‪ ،‬ولم تفلح اجلهود لرفع مستوى التعليم األولي‬
‫والكتاتيب يف أنحاء مصر (ج ‪ ،٣‬ص ‪.)347‬‬
‫وخالصة القول أن التعليم احلديث ظل يف عهد إسماعيل يسترشد‬
‫بالقواعد التي وضعها محمد علي من قبل واخلاصة بقصره على فئات دون‬
‫غيرها لتحقيق أهداف الدولة‪ ،‬ال لنشر املعارف بني سواد املصريني‪ .‬بل إن‬
‫الطهطاوي نفسه ُيقدم تلك الرؤية يف إطار طبقي يف املرشد األمني‪:‬‬

‫األولية واملعارف العمومية يجب أن تعم‬‫َّ‬ ‫وكما أن التعليمات‬


‫جميع أوالد األهالي فقيرهم وغنيهم يجب أيض ًا أن يكون التعليم‬
‫الثانوي كثير ًا منتشر ًا يف أبناء األهالي القابلني له الراغبني فيه‬
‫ُفيباح لهم التعليم والتعلم ليكونوا من الدرجة الوسطى بخالف‬
‫درجة العلوم العالية املُ َع َّدة ألرباب السياسات والرئاسات وأهل‬
‫احلل والعقد يف املمالك واحلكومات‪ ،‬فإ ّنه ينبغي أن ُيقتصد‬
‫يف تعليمها والتضييق يف نطاقها بحيث يكون عدد تالمذتها‬
‫محصور ًا وعلى أناس قالئل مقصور ًا مبعنى أن كل من طلب‬
‫االشتغال بالعلوم العالية ال بد من أن يكون صاحب ثروة ويسار‬
‫ويكون يساره مقيد ًا بقيود خاصة يف الغنى واالعتبار‪( .‬ص ‪)64‬‬

‫اخلالصة‬

‫قائم بني املشروع الثقايف الذي كانت الترجمة أحد روافده‬


‫إن االرتباط ٌ‬
‫عهدي محمد علي وإسماعيل على اقتباس‬ ‫ْ‬ ‫وإقدام نظام احلكم يف مصر يف‬
‫بعض مظاهر املدنية الغربية‪ .‬فكالهما يجسد أزمة يف االنتقال من موروث‬
‫قدمي يتمثل يف نظم إدارة قائمة على حكم الفرد ومرويات مجتمعية تقليدية ‪-‬‬
‫مستمدة يف الغالب من رؤية دينية محافظة ‪ -‬إلى بناء دولة حديثة على النمط‬

‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪30‬‬


‫الغربي يؤدي فيها التعليم دور ًا متميز ًا‪ .‬ويبدو يف منهج الطهطاوي آثار ذلك‬
‫املشروع وخصوص ًا يف مجال الترجمة‪ .‬غير أن اآلراء قد اختلفت فيما خ َّلفه‬
‫مترجم ومؤ َّلف بسبب اجتاه أصحاب الرأي والفكر إلى‬ ‫الطهطاوي من تراث َ‬
‫تغليب طرف من طر ْ‬
‫يف معادلة القدمي واجلديد ليصبح الطهطاوي رمز ًا لتوجهاتهم‬
‫اإليديولوجية املسبقة‪ .‬وقد كشفت دراسات الترجمة ‪ -‬التي تسلط الضوء على‬
‫عملية الترجمة برمتها من اختيار للنصوص املراد ترجمتها‪ ،‬والنظر يف اجلهة‬
‫املسؤولة عن عملية الترجمة‪ ،‬وموقف املترجم القائم على التفاوض بني نص‬
‫حملة مبوروث ثقايف‬‫مترجم ُم َّ‬
‫أجنبي يف منطقه ومادته وبني لغة قومية لنص َ‬
‫راسخ‪ ،‬ثم متلقني قد ينتمون إلى عموم الناس أو خاصتهم ‪ -‬عند استعمال‬
‫أدواتها لقراءة ترجمة الطهطاوي عن أزمة متر بها اجتاهات احلداثة األوروبية‬
‫املستوردة‪ ،‬وخصوص ًا يف مجال مدنية الدولة يف مواجهة موروث ثقايف يضرب‬
‫بجذوره يف اللغة والفكر ويستعصي على التطوير الرتباطه بأمور تتعلق بالعقيدة‬
‫والشريعة‪ .‬وقد اجتهد الطهطاوي مبا يحمل من إرث أزهري وفير يف استيعاب‬
‫ثمار احلداثة والتنوير الفرنسي دون شك‪ ،‬غير أنه بالنظر إلى عمله داخل‬
‫املؤسسة الرسمية ملدرسة األلسن (تخليص اإلبريز والكتب العلمية التي‬
‫أشرف على إصدارها) وخارجها (مواقع األفالك) ُيالحظ أن تلك األفكار‬
‫املترجم حتى تخضع للمرويات‬ ‫احلديثة لم تتجذر‪ .‬فهي ما إن تظهر يف النص َ‬
‫التقليدية السائدة يف املجتمع‪.‬‬
‫وقد كان لقصور نظام التعليم احلديث يف مصر عن تقدمي العلم‬
‫واملعرفة لعموم الشعب واعتماد ثنائية للتعليم َب َاع َد ْت بني أبناء الوطن‬
‫الواحد أثره يف حصر التعليم احلديث يف نخبة محدودة‪ ،‬على حني ظل‬
‫عموم املصريني أسرى الفكر القدمي‪ .‬ويبقى إجناز الطهطاوي محاولة جتاذبتها‬
‫قوى مضادة لتراث لم يتطور‪ ،‬بل ظل يزود اللغة والفكر مبثل عليا تتجاوز‬
‫الواقع وال تصلح من شأنه‪ ،‬وحلداثة لم تتجذر بل اكتفي من ِّفذوها من‬
‫احلكام باستغاللها لتحقيق أغراضهم اخلاصة يف احلكم والرئاسة‪.‬‬

‫الهوامش‬

‫الشلق‪ ،‬واألستاذ‬ ‫‪1‬‬


‫يتوجه الباحث بالشكر والتقدير لألستاذ الدكتور أحمد زكريا ِّ‬
‫ّ‬
‫الدكتور محمد سعيد حسب النبي‪ ،‬واألستاذة الدكتورة هدى أباظة‪ ،‬واألستاذ‬
‫الدكتور حسن حلمي‪ ،‬والدكتورة راندا جمعة‪ ،‬والدكتور عادل هالل عناني‪،‬‬

‫‪31‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


‫والدكتورة جيهان القاضي‪ ،‬والدكتور يسري إبراهيم‪ ،‬واألستاذة ريهام الهواري‬
‫إلسهاماتهم يف هذا البحث وإثرائهم إياه من خالل تقدمي املراجع وقراءة املسودة‬
‫األولى واملشاركة يف مناقشات حول الطهطاوي مترجم ًا‪.‬‬
‫‪ُ 2‬ي َعدُّ بحث عبد امللك الزاوم ‪ Abdelmalek Al-Zaum‬تطبيق ًا لت َّوجه ميريام‬
‫سالمة‪-‬كار على ما جاء به الطهطاوي من تعبيرات عربية يف ترجمته‬
‫للمصطلحات الفرنسية الثقافية‪ ،‬وإن اجته الباحث إلى تطبيق نظرة تناصية‬
‫دعمها برؤية تعتمد على التحليل النفسي‪.‬‬
‫ني‪ :‬ا ُأل ُصول‪ ،‬الواحد قا ُنونٌ ‪ ،‬وليس‬‫‪ 3‬يرِد يف لسان العرب اآلتي‪« :‬وال َقوا ِن ُ‬
‫بعربي» (ابن منظور‪ ،‬د‪ .‬ص‪.).‬‬
‫أعد الشيال قوائم بالكتب التي ترجمت يف عصر محمد علي يف جميع املواد‬ ‫‪َّ 4‬‬
‫ما عدا الفنون احلربية والبحرية‪ .‬و ُيالحظ غياب املُ َت ْر َجم يف مجاالت العلوم‬
‫اإلنسانية واالجتماعية عدا استثناءات محدودة (امللحق األول‪ ،‬د‪ .‬ص‪.).‬‬
‫‪ ٥‬يشير موقع ‪ littre.com‬اخلاص بتاريخ الكلمات الفرنسية وأصولها إلى األصل‬
‫اليوناني والالتيني القدمي للكلمة‪:‬‬
‫”‪“Lat. politia, du grec , gouvernement‬‬
‫أي «حكومة»‪ .‬ويشير موقع املعجم الفرنسي الروس ‪ larousse.fr‬إلى معنى‬
‫الكلمة يف سياق أدبي‪:‬‬
‫‪“Civiliser quelq’un, un groupe adoucir les comportments par les‬‬
‫”‪institutions, par la culture.‬‬

‫املراجع العربية‬

‫ابن عساكر‪ .‬تاريخ مدينة دمشق‪ .‬ج ‪ .١‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪.١٩٩٥ ،‬‬
‫ابن منظور‪ .‬لسان العرب‪ .‬موقع الباحث العربي‪.>http://www.baheth.info< .‬‬
‫اجلبرتي‪ ،‬عبد الرحمن‪ .‬عجائب اآلثار يف التراجم واألخبار‪ .‬القاهرة‪:‬‬
‫هنداوي‪.2003 ،‬‬
‫سالمة‪-‬كار‪ ،‬ميريام‪« .‬تسوية الصراع‪ :‬رفاعة رافع الطهطاوي وترجمة اآلخر‬
‫يف مصر القرن التاسع عشر»‪ .‬ترجمة ُحسام نايل‪ .‬فصول ‪( ٧٤‬خريف‬
‫‪ :)2008‬ص ص ‪.133-117‬‬
‫شاكر‪ ،‬محمد محمود ‪ .‬رسالة يف الطريق إلى ثقافتنا‪ .‬القاهرة‪ :‬الهيئة املصرية‬
‫العامة للكتاب‪.١٩٧٨ ،‬‬

‫ألف ‪)2018( 38‬‬ ‫‪32‬‬


‫الشيال‪ ،‬جمال الدين‪ .‬تاريخ الترجمة واحلركة الثقافية يف عصر محمد‬
‫علي‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العربي‪.1951 ،‬‬
‫الطهطاوي‪ ،‬رفاعة رافع‪ .‬الديوان النفيس يف إيوان باريز‪ ،‬أو تخليص اإلبريز يف‬
‫عمان‪ :‬دار الفارس‪.2002 ،‬‬ ‫تلخيص باريز‪ .‬حترير علي أحمد كنعان‪َّ .‬‬
‫‪ .---‬املرشد األمني للبنات والبنني‪ .‬قدم له محمد علي حسن وأحمد علي‬
‫حسن‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة اآلداب‪.٢٠٠٨ ،‬‬
‫‪ .---‬مواقع األفالك يف وقائع تليماك‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الوثائق والكتب املصرية‪،‬‬
‫‪.2000‬‬
‫عاشور‪ ،‬رضوى‪ .‬احلداثة املمكنة‪ :‬الشدياق و«الساق على الساق يف ما هو‬
‫الفارياق»‪ ،‬الرواية األولى يف األدب العربي‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الشروق‪.2009 ،‬‬
‫عبد الرءوف‪ ،‬محمد عوني‪ .‬تاريخ الترجمة بني الشرق العربي والغرب‬
‫األوروبي‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة اآلداب‪.2012 ،‬‬
‫عبد الكرمي‪ ،‬أحمد عزت‪ .‬تاريخ التعليم يف مصر‪ .‬ج ‪ :١‬عصر محمد علي‪.‬‬
‫القاهرة‪ :‬الهيئة العامة لقصور الثقافة‪.2011 ،‬‬
‫‪ .---‬تاريخ التعليم يف مصر‪ .‬ج ‪ :٣‬عصر إسماعيل‪ .‬القاهرة‪ :‬الهيئة العامة‬
‫لقصور الثقافة‪.2011 ،‬‬
‫عوض‪ ،‬لويس‪ .‬تاريخ الفكر املصري احلديث‪ :‬الفكر السياسي واالجتماعي‪.‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار الهالل‪.1969 ،‬‬
‫القلقشندي‪ ،‬أحمد بن علي‪ .‬الصبح املُس ِفر وجني الدوح املثمر‪.‬‬
‫>‪.<goo.gl/4jMwSj‬‬

‫املراجع األجنبية‬

‫‪El-Ariss, Tarek. Trials of Arab Modernity: Literary Affects and the‬‬


‫‪New Political. NY: Fordham UP, 2013.‬‬
‫‪Baker, Mona. Translation and Conflict: A Narrative Account. London‬‬
‫‪and NY: Routledge, 2006.‬‬
‫‪“Charte constitutionelle du 4 juin 1814.” <goo.gl/FtCS1m>.‬‬
‫‪Cholvy, Gérard et Nadine-Josette Chaline. L’enseignement catholique‬‬
‫‪en France aux XIXe et XXe siècles. Paris : Société d'Histoire Re-‬‬
‫‪ligieuse de la France, 1995.‬‬

‫‪33‬‬ ‫ألف ‪)2018( 38‬‬


Copleston, Frederick Charles. 19th and 20th Century French Philosophy.
Vol. IX: A History of Philosophy. London: A & C Black, 2003.
Fahmy, Khaled. All the Paha’s Men: Mehmed Ali, His Army and the
Making of Modern Egypt. Cairo and NY: The American U in
Cairo P, 1997.
Fénélon, François de Salignac de la Mothe. Les aventures de Télémaque.
1699. <https://www.ecole-alsacienne.org/CDI/pdf/1301/130125_
FEN.pdf>.
Garnier-Pagès, Louis Antoine. Histoire de la révolution de 1848. Vol.
8. Paris : Pagnerre, 1862.
Grunebaum, G. E. “Approaching Islam: A Digression.” Middle East-
ern Studies 6.2 (May 1970): 127-49.
Newman, Daniel L., trans. An Imam in Paris: Account of a Stay in
France by an Egyptian Cleric. London: Saqi, 2012.
Nicolet, Claudet. Histoire, nation, république. Paris : Odile Jacob, 2000.
Parolin, Gianluca P. “Al-Tahtawi ‘Translating’ the 1814 French
Charter: Crafting a New Semiotics of Law and Governance in
19th-Century Egypt.” Yearbook of Islamic and Middle Eastern
Law. Forthcoming.
Renvouier, Charles Bernard. Manuel républicain de l'homme et du ci-
toyen. Paris : Pagnerre, 1848.
Tageldin, Shaden M. Disarming Words: Empire and the Seductions of
Translation in Egypt. Berkeley: U of Calfornia P, 2011.
Venuti, Lawrence. The Translator's Invisibility. London and NY: Rout-
ledge, 1995.
Al-Zaum, Abdelmalek. “Rifac a al-Tahtawi : L’Or de Paris, parler de
soi avec les mots de l’autre.” Colloque International : “L’identité
au pluriel.” Aghadir, May 2016.

)2018( 38 ‫ألف‬ 34

You might also like