Professional Documents
Culture Documents
Final Copy of Alif Paper On Tahtawi PDF
Final Copy of Alif Paper On Tahtawi PDF
الطهطاوي مترجِ ً
ما
مصطفى رياض
وقد تباينت اآلراء فيما تراكم من تراث النقد الثقايف يف دور رفاعة
الطهطاوي يف بناء الدولة احلديثة يف مصر .ففي حني يصفه لويس عوض
بأبي الدميقراطية املصرية لظهوره على الساحة املصرية بعد ألفي عام من
حكم أوتوقراطي «لينادي بسيادة الشعب على امللوك وليفتح أعينهم على
جتارب األمم األخرى يف ممارسة احلرية واملساواة من خالل الدساتير والنظم
النيابية» (ص ،)122فإن الرفض الكامل ملشروع الطهطاوي من املنظور
الثقايف ينبع من مصادر تستقي ماد َتها من رؤى ثقافية إسالمية؛ فيقدم
محمود محمد شاكر الطهطاوي بوصفه فريسةً لر ّواد حركة االستشراق
الفرنسي (ص ص )144-143ممن ُي ّبيتون اخلطط إلفساد احلياة القومية
يف ظل املوروث اإلسالمي ،أو ما يدعوه الشيخ شاكر بالـ«ثقافة املتكاملة»
لدار اإلسالم (ص ،)142يقول شاكر:
واملالحظ أن تلك الدراسات الثقافية خلت ،أو كادت تخلو ،من االهتمام
وتعرض
بإنتاج الطهطاوي يف مجال الترجمة؛ بل إ ّننا جند فيما ُنشر من دراسات َّ
لعملية الترجمة ذاتها رؤية ُتعلي من شأن النص األصلي وتفسر اختالف النص
املترجم منها .بل إن املترجم عنه بأخطاء وقع فيها ِ
املترجم لقلة درايته باللغة َ َ
عوني عبد الرءوف يقتصر يف كتابه على وصف عام ألسلوب رفاعة يف الترجمة
ويشير إلى بعض سقطاته الناجتة عن سوء الفهم ( ص ص .)275-270
و ُيالحظ أن اآلراء السابقة تستند على نظرة ثقافية لها جذور فكرية
تقابل بني احلداثة والدولة الوطنية من جهة (عوض) واملوروث اإلسالمي
وما يتبعه من مفهوم األمة اإلسالمية من جهة أخرى (شاكر) ،وأولوية
املترجم الذي ال يزيد عن كونه تابع ًا لألصل َ النص األصلي على النص
التوجه القومي يف الثقافة
(عبد الرءوف) .فهي آراء سادت يف زمن برز فيه ُّ
ووجه نظره شطر الغرب لينقل عنه تصور ًا للدولة القومية ،يف حني العربية َّ
تيار يؤسس ملفاهيم مستمدة من الثقافة اإلسالمية. اشتبك معه وعارضه ٌ
وقد برزت تلك الثنائية التي تقابل بني الفريقني ألنَّ أنصار هذه اآلراء لم
يفيدوا من منهج ما بعد االستعمار يف القراءة النقدية مبا يسمح مبوقف أكثر
ستعمر .ولم تتح لهم تطبيق ِ
املستعمر واملُ َ تدقيق ًا يف العالقة امللتبسة بني
وقدمت رؤى مناهج القراءة ما بعد البنيوية التي جتاوزت الثنائيات املتضادة َّ
ال مركزية جديدة خلخلت عالقات القوى بني املركز واألطراف.
يتعرض لتلك العالقة َوينْ ُد ُر بني الدراسات عن إجناز الطهطاوي َمن َّ
الثالثية بني اللغة والثقافة ،وجهد املترجم يف مواجهة حتديات عمله،
املترجم يف ٍآن واحد؛ إذ تنصرف يف معظمها َ والتوجه إلى متلقي النص ُّ
لبيان موقعه الثقايف بني اجلديد والقدمي .ولذلك فإنَّ بحث ميريام سالمة-
ال رائد ًا يف دراسة الطهطاوي مترجم ًا يف إطار الصراع بني القدمي
كار ُي َعدُّ مدخ ً
واجلديد يف مصر إ ّبان عهد محمد علي ٢.وال يفوت سالمة-كار أنَّ حت ُّول
وجه األنظار بعيد ًا عن الطهطاوي إلى «الشخصية الشعار على النهضة» قد َّ
دوره بوصفه مترجم ًا ،وترى لذلك أنَّ «التركيز على ما قام به الطهطاوي من
دور سياسي وثقايف يفسر قلة االهتمام بنشاطه يف الترجمة ،مع أن تأثير
الطهطاوي على الفكر السياسي والتعليمي تزايد بفضل نشاطه يف الترجمة»
(ص .)120ويتعلق اجلانب األكبر ِمن بحثها بدور الطهطاوي يف تقريب
اآلخر املختلف دين ًا وجنس ًا وعرق ًا إلى القارئ العربي .تقول سالمة-كار:
ويستفيد البحث احلالي من دراسات الترجمة التي قامت على أساس من
املنعطف الثقايف ،وخصوص ًا نظرية الترجمة والصراع التي قدمتها منى
بيكر ملا لها من جذور يف علم االجتماع الذي ُي ْع َنى ضمن مباحثه بالتقاء
الثقافات وتنافرها وتالقحها (انظر .)Baker
ال يف كتابها لتفسير ما تصفه بغواية و ُتفرد شادن تاج الدين فص ً
الترجمة التي حتفز الطهطاوي لتتبع مواطن التشابه بني مصر وفرنسا
ورغم إشارة املعنى املعجمي األول للفتنة إلى االختبار واالمتحان ،إذ يرد
ماع
«ج ُمعناها يف صدر مادة «فنت» يف لسان العرب على النحو اآلتيِ :
نعوذ باهلل من الفنت ما ظهر منها وما بطن ،ونبرأ إلى اهلل من
الطاغني يف األرض بالفساد ،ونعرف أهل مصر احملروسة أن
طرف ًا من اجلعيدية وأشرار الناس حركوا الشرور بني الرعية ،وبني
العساكر الفرنساوية ،بعدما كانوا أصحاب ًا وأحباب ًا بالسو َّية ،ولكن
حصلت ألطاف اهلل اخلفية وسكنت الفتنة بسبب شفاعتنا عند
البلية؛ ...فعليكم أال أمير اجليوش بونابرته ،وارتفعت هذه ِّ
حتركوا الفنت وال تطيعوا أمر املفسدين( .ص ص )٤٦-٤٥
أَ ِض ْف إلى ذلك أنه على الرغم من أن رصد الطهطاوي لثورة يوليو ،1830
الذي ورد يف املقالة اخلامسة من تلخيص اإلبريز يتصف بالتوازن والفهم
العميق للخالف السياسي بني الفرقتني السياسيتني الرئيسيتني يف فرنسا آنذاك
والتنافس بينهما :املَ َلكية واحلر َّية (ص ،)221فإن اللغة التي تنقل فكره تل َّونت
مبصطلحات كانت قد استقرت يف املجتمعات املسلمة .فنراه يشير إلى ثورة يوليو
1830بـ«خروج الفرنساوية عن طاعة ملكهم» (ص ،)221ورمبا انطبع يف ذهنه
ول َوأُ ْولِي ْ َ َّ َ
ال ْم ِر ين آ َم ُنوا أَ ِطي ُعوا الل َوأَ ِطي ُعوا َّ
الر ُس َ ما ورد يف اآلية الكرمية َ«يا أَ ُّي َها ا َّل ِذ َ
للم َلكية ِمنْ ُك ْم» (النساء ،اآلية .)59ويصف حركة اجلمهور الفرنسي املعادي َ
املطلقة واملطالب بتحكيم الدستور على نحو يستدعي إلى الذهن األوصاف التي
أطلقها علماء األزهر على مقاومي االحتالل الفرنسي مبصر .يقول الطهطاوي
عن العامة إن غضبهم قد اشتد وأنهم:
فلنذكر لك ،وإن كان غالب ما فيه ليس يف كتاب اهلل تعالى
لتعرف كيف قد
َ وال يف ُس َّنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم،
حكمت عقولهم بأن العدل واإلنصاف من أسباب تعمير
املمالك وراحة العباد ،وكيف انقادت احلكام والرعايا لذلك
حتى عمرت بالدهم ،وكثرت معارفهم وتراكم غناهم وارتاحت
قلوبهم ،فال تسمع فيهم من يشكو ظلم ًا أبد ًا ،والعدل أساس
ال ُعمران( .ص ص 116-115؛ التأكيد من عندي)
ويف املادة السابعة يحرص الطهطاوي على أن يباعد بني إعمار الكنائس
الكاثوليكية ومصدر متويل ذلك اإلعمار من اخلزانة امللكية Trésor Royalدون
حتسبه لرد فعل املتلقي املسلم الذي ال يرحب بإنفاق الدولة املسلمة داع سوى ُّ
ٍ
على الكنائس ،فتأتي ترجمته للخزانة بـ«بيت مال النصرانية» (ص .)١١٧
ويتوالى تدخل الطهطاوي يف النص الفرنسي على نحو يكشف عن
عبر عنه من إدانة توجهات سياسية محافظة تتفق ومرو َّيات عصره ،مؤكد ًا ما َّ
ملا سبق عهد عودة املَ َلكية من « ِف َت» ،وما سكت عنه فيما يتصل مبظاهر
االستبداد يف نظام حكم محمد علي مبصر ،ففي حني أن َص ْدر املادة احلادية
عشرة ينص على حظر اآلراء ونتائج التصويت التي سبقت عصر عودة املَ َلكية:
فإنَّ الطهطاوي يترجم تلك العبارة على نحو منحاز ُليضيف إليها كلمة
«ال ِفنت»:
فإنَّ الترجمة ال تفي باملعنى القاطع للجملة األولى ،بل ينزع املترجم عن
بسن قانون التجنيد ويجعله اختياري ًاْ ،
أي اجلملة الثانية معنى االلتزام ِّ
َي ْع ِق ُده بإرادة احلاكم الذي يقترح القوانني ،وذلك على النحو اآلتي:
[إن شيخ اإلسالم نفسه (يقصد شيخ اجلامع األزهر) الذي طالع
(أخبار) رحلتي أُ ْع ِج َب بها َّأيا إعجاب ،ووعدني بالكتابة إلى
ولي النعم (ويقصد محمد علي باشا) موصي ًا بطباعتها ،إذ إنه
وجد يف نشر تلك الرحلة أفضل وسيلة لتشجيع املسلمني على
السفر سعي ًا وراء التنوير يف خارج البالد ثم العودة لنشر تلك
األنوار يف بالدهم وتقريبها (لبني وطنهم)]( .ترجمة الباحث)
منهجه يف الترجمة الذي أعلنه املوقف الدفاعي لدى الطهطاوي ُ َ ويعزز هذا
يف املقدمة ،والذي يقوم على التقريب والرضوخ للمرويات اخلاصة والعامة.
وحتاشيت ما
ُ «وأديت التعريب بأسهل تقريب وأجزل تعبير. ُ يقول الطهطاوي:
ورث املعاني أدنى تغيير .ويؤثر يف فهم املقصود أقل تأثير .اللهم إال أن يكون ُي ُ
ال بالعادة .فأمتحل لذكر ما آل إليه املعنى ومضمونه بعبارات ال مخ ً
ثم مح ً
َّ
ُتفيد الزم املعنى أكمل إفادة .وهذه أساليب يف قالب الترجمة معتادة» (ص
5؛ التأكيد من عندي) ،ويف موضع آخر يقول« :وإن لم أجد ُب ّد ًا من مسايرة
اللغة العربية وقواعدها وعقايدها املرعية مع احملافظة على األصل املُترجم منه
حسب اإلمكان» (ص .)23وقبيل االنتهاء من التمهيد ،يثير الطهطاوي
القراء ،عامة املتعلمني قضية املتلقي لعمله مبا يكشف وعيه بوجود فئتني من َّ
وهم من أوحى له بداية أن يقدم ترجمته «يف قالب يوافق مزاج العربية وأصيغه
حل َكموأضمنه األمثال وا ِ ِّ صياغة أخرى أدبية وأضم إليه املناسبات الشعرية
النثرية والنظمية يعني أنسجه على منوال جديد وأسلوب به ينقص عن أصله
ويزيد حتى ال يكون إال مجرد أمنوذج ألصله األصيل وعني أن يقبل عليه
يوجه ترجمته األهالي من كل قبيل» (ص .)٢٣غير أن الطهطاوي قد آثر أن ِّ
رجح أن عد ِده عن «األهالي من كل قبيل» و ُي َّ إلى جمهور من القراء يقل يف َ
هؤالء ممن تلقوا التعليم احلديث يف مدارس محمد علي ،فهو يستطرد قائ ً
ال:
رأيت أن األوفق اآلن بالنسبة للوقت والزمان حفظ األصل وطرح «إال أني ُ
الشك وإبقاء ما كان على ما كان» (ص .)23ولع َّله قصد بقراره ذلك إلى
يزودهم به يف موقعه السابق توجيه خريجي املدارس احلديثة إلى ما فاته أن ِّ
همه على نقل كتب العلوم مبدرسة األلسن من ثقافة سياسية ،حني اقتصر كل ِّ
الطبيعية التي تسهم يف بناء اجليش الذي طمح محمد علي إلى تأسيسه٤.
و ُيفهم مما سبق أن الطهطاوي َّقرر أن يسلك موقف ًا تفاوضي ًا ،بتعبير
ال وسط ًا بني التقريب والتغريب ،بتعبير الناقد سالمة-كار ،أو سبي ً
كانت كالبسه بعد سفر عولوس ال تستطيع الصبر على فراقه بل
تكابد أهوال ال ِعشق وأشواقه .وكانت عليه متحسرة متأسفة.
حتى كرهت البقاء واخللد بعد فراقه .ومت َّنت املوت لوضح لها إذ
متشوفة .وبعد أن كانت جبالها وكهوفها مملؤة
متشوقة ِّ
إليه صارت ِّ
بأصوات األحلان ويرجع الصدا إليها نغمات العيدان صار ال ُيسمع
بالغم والقينات احلسان اخلادمات
وتبدل السرور عندها ِّ فيها النغم َّ
جلنابها السامي باحلسن واإلحسان العذاري الهاروتية واحلور العني
املاروتية لزمت السكون وصموت على صموت( .ص )29
sa و ُيالحظ غَ َل َب ُة البالغة العربية على ترجمة اإلشارة إلى آالم كاليبسو
douleurلتصبح «تكابد أهوال العشق وأشواقه» ،وكذلك اللجوء إلى
إشارات من الثقافة اإلسالمية الستحضار ما يوازي اإلشارة يف الفرنسية
إلى les nymphesوهي عند الطهطاوي «والقينات احلسان ...العذارى
الهاروتية واحلور العني املاروتية».
لترسخ مفاهيم
غير أن «مواقع األفالك» تتشكل يف لغة الطهطاوي ِّ
هي أقرب إلى املوروث اإلسالمي ،حني يتعلق النص الفرنسي بأساليب
عب ُر رفيق تليماك و ُمعلِّمه منطور ،Mentor احلكم .فعلى سبيل املثالُ ،ي ِّ
وهو يف واقع األمر ربة احلكمة مينرڤا ُم َت َن ِكرة ،عن رأيه يف رخاء أهل مصر،
يف حني يترجم الطهطاوي ذلك النص مبا يشير إلى ا ُأل َّمة عوض ًا عن الشعب،
ملا لأل َّمة من صدى بوصفها كلمة جامعة لعموم املسلمني ،على حني أن
ضيق ،ويضيف إلى صفة حكمة امللك كلمة «شعب» ترتبط مبفهوم قومي ِّ
يف النص الفرنسي ما يتناسب واملرويات اإلسالمية عن احلاكم العادل:
ولكن الطهطاوي يف غير ذلك من املواقع مييل إلى خلع املعنى األحدث،
أي قوة إنفاذ القانون ،ومثال ذلك ترجمته للكلمة يف سياق وصف ريف مصر
ْ
يف عهد سيزوستريس ،ويرد النص يف كتاب فنلون على النحو اآلتي:
ثم إن منطور لفت نظري وأدار بصري إلى الهناء والثروة بريف
مصر حيث فيه من املدن والقرى بدون مريِّة اثنان وعشرون
ألف مدينة وقرية والعدل بني الرعية واألخذ بناصر الفقراء
وحسن تربية األطفال( .ص )52
َّ
ويتأكد هذا الضرب من التدخل يف ترجمة التعبير بعد سطور ،حني يصل
تليماك ومنطور إلى مدينة طيبة التي ينسب إليها تليماك صفة اإلدارة
التوجه
ويؤكد املثال األخير لترجمة ُّ la bonne police des peuples
القائم على املوروث الثقايف اإلسالمي الذي يتبناه الطهطاوي؛ ويرد هذا
املثال يف نص فنلون على هذا النحو:
واملالحظ بداية أنها ترجمة نقلت تصور الطهطاوي القائم على مرويات
عصره عن النصرة والفتوحات مبا يصاحبها من سلب ونهب ،مما أتاح له أن
ميضي يف ترجمته عاقد ًا الصلة بني ذلك العنف اخلارجي وضرب آخر من
العنف الداخلي الذي وإن أ َّدى إلى «الهدوء والسكون» فإنه يقوم يف رأيه
على «أمور التمكني املتينة مثل الضبط والربط واالحتساب وتربية األهالي
ونشر اآلداب» .يتحول مفهوم السالم أو السلم الداخلي وأوجه التمدن،
إذن ،من نص فنلون إلى شؤون تخص حفظ األمن يف املقام األول ،ولذلك
فإن ترجمته لصفة solideالتي تشير إلى استقرار نواحي التمدن تتحول
مارس الطهطاوي يف عهد اخلديوي إسماعيل ،قبيل وفاته ،دور ًا مهم ًا
يف مجال التعليم العام الذي حرِص إسماعيل على بعثه وتدعيمه ضمن
مشروعه املُعلن الذي يستهدف حتويل مصر إلى قطعة من أوروبا .وعلى
الرغم من عودة الطهطاوي يف عهد إسماعيل كي ميارس عمله على رأس
قلم الترجمة بديوان املدارس ،فإن عدم توفر العدد الكايف من املترجمني،
الذي يعود يف جانب مهم منه إلى إغالق مدرسة األلسن يف عهد عباس
األول باإلضافة إلى قلة اإلمكانات املتاحة لنشاط الترجمة ،أثر سلب ًا يف
نشاط الترجمة على وجه عام ،وخصوص ًا أن إسماعيل لم يكن يعنيه إال
ترجمة القانون الفرنسي إلى العربية (عبد الكرمي ،ج ،٣ص .)143
كذلك فقد أ َّلف الطهطاوي يف عام 1872كتاب ًا مدرسي ًا بتكليف من
ديوان املدارس ،حتت عنوان املرشد األمني للبنات والبنني ،وهو دليل للمدارس
احلديثة يجمع بني اإلرشادات الدينية واالقتباسات األدبية من ناحية والتربية
الوطنية القومية من ناحية أخرى .فالطهطاوي ُي ْف ِر ُد َ
الباب الرابع فيه لـ«ذكر
الوطن ومتدينه وبيان أن أعظم أسباب ذلك التربية والتعليم واستكمال املعارف
والتعميم» ،ويندرج حتته فصول يف تعريف الوطن وأبنائه والواجبات املُلقاة على
عاتقهم ،ثم بيان امل ِ َّلة والدولة ،ويقدم الطهطاوي فيها ما يقترب من مفهوم
أي اجلنسية املعاصر ،ويعرض مفهوم تَ َُّدن الوطن واحلرية العمومية والتسويةْ ،
أي اجلماعة الوطنية ،وأخير ًا األحكام الطبيعية املساواة ،بني أهالي اجلمعيةْ ،
املستندة قبل التشريع إلى العقل (ص ص .)3-2
عما استقر عليه فكر الطهطاوي بعد حياة يكشف هذا الكتاب النقاب َّ
ممتدة يف خدمة الدولة العلوية من محمد علي إلى إسماعيل ،وخصوص ًا أنه
ال مؤ َّلف ًا مبتكر ًا فإن الطهطاوي يدين بالفضل فيه لكتب التعليموإ ْن كان عم ً
القومي الفرنسي يف القرن التاسع عشر الذي شهد صعود ًا للتيارات احملافظة يف
مجال التعليم على حساب أنصار التعليم املدني الذي ينتصر للفكر العلماني
ويبشر باجلمهورية ،وذلك خالل فترات ويفصل دور الكنيسة عن دور الدولة ِّ
فسعادة الشعب مرتبطة بامللك العاقل والسلطان العادل كما ورد يف ترجمته
لرواية فنلون ،وقد ترتب على ما اتصف به من تعقل وعدل حتقيق ًا لـ«حكمة
امللك القادر الواحد» سبحانه وتعالى ،التي تتمثل يف اآلتي:
وغني عن البيان أن وصف الطهطاوي فيما سبق للدولة التي يحكمها «ملك ٌّ
كرس لالستبداد على نحو يصبح ما يلي« ذلك الوصف من حديث ُ ِّي واحد»
عن اكتساب «ابن الوطن» أو الـ«مصري» أو الـ«وطني» «للحقوق املدنية
والتمزي باملزايا البلدية» ويتمتع بحقوق بلده وأعظم هذه احلقوق احلرية التامة
ِّ
يف اجلمعية الـتأنسية» (ص ،)94محض كلمات ُم َف َّرغة من محتواها.
أَ ِض ْف إلى ذلك أن املستهدفني ممّا كتبه الطهطاوي ،وقضى عمر ًا
اخلالصة
الهوامش
املراجع العربية
ابن عساكر .تاريخ مدينة دمشق .ج .١بيروت :دار الفكر.١٩٩٥ ،
ابن منظور .لسان العرب .موقع الباحث العربي.>http://www.baheth.info< .
اجلبرتي ،عبد الرحمن .عجائب اآلثار يف التراجم واألخبار .القاهرة:
هنداوي.2003 ،
سالمة-كار ،ميريام« .تسوية الصراع :رفاعة رافع الطهطاوي وترجمة اآلخر
يف مصر القرن التاسع عشر» .ترجمة ُحسام نايل .فصول ( ٧٤خريف
:)2008ص ص .133-117
شاكر ،محمد محمود .رسالة يف الطريق إلى ثقافتنا .القاهرة :الهيئة املصرية
العامة للكتاب.١٩٧٨ ،
املراجع األجنبية
)2018( 38 ألف 34