Professional Documents
Culture Documents
المبحث الأول
المبحث الأول
أن اسمه )عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد يتّفق المترجمون على ّ
بن علي( وكنيته )أبوحفص( و«أبوالقاسم» وينعت بشرف الدين ويعرف
بابن الفارض .لقد ذكر حول لقبه بابن الفارض ) :الفارض :بفتح الفاء
وبعد األلف راء مفتوحة وبعدها ضاد معجمة ،وهو الذي يكتب الفروض
ّ
وأن أبا الشاعر كان يقوم بإثبات هذه الفروض فغلب 1
للنساء على الرجال (
عليه التلقيب بالفارض وعرف ابنه بابن الفارض.
اختلفت اآلراء حول مولد ابن الفارض فقد قال ابن خلكان :كانت
والدته في الرابع من ذي القعدة سنة ست وسبعين وخمسمائة ( 576هـ )
2
بالقاهرة.
ويرى ابن العماد بأنّه « ولد في ذي القعدة سنة ست وستين
وخمسمائة ( 566هـ (.أما مصطفى حلمي الذي بحث كثيرا ً في هذا
الموضوع فكانت وجهة نظره بهذه الصورة :هذا كله من شأنه أن يسلمنا
الى نتيجة نهائية ،هي أننا نرجح التاريخ األول وهو ما يذكره ابن خلكان،
ألن ابن خلكان ،بحكم معاصرته البن الفارض يمكن أن يعدّ أوثق وذلك ّ
مصدر في هذه المسألة ،وأكثر تحقيقا ً لها من غيره.3
وأما في تاريخ وفاته ،قد اتّفق جميع المترجمون على أنّه توفي في
الثاني من جمادی األولى سنة اثنتين وثالثين وستمائة ( 632هـ ) ودفن
بالقرافة بسفح جبل المقطم عند مجرى السيل تحت المسجد المعروف
بالعارض الذي هو أعلى جبل المذكورة.
1ابن تغري بردي،جمال الدين أبي المحاسن يوسف :النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة،دارالکتب ،القاهرة ،المؤسسة
المصرية العامة,التا،ج ،6ص288:
2ابن خلکان،أبي العباس بن أبي بكر :وفيات األعيان ،بيروت1970،م .ج ،،13ص455:
3حلمي ،محمد مصطفى ،الحب اإللهي في التصوف اإلسالمي ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة الثانية ,التا،صص31:و32
فقد ذكر المترجمون عن والد ابن الفارض أنّه من أکابر علماء مصر
و يلزم ولده ( الشيخ رضي هللا عنه ) بالجلوس معه في مجالس الحکم و
مدارس العلم.
وقد كان زاهدا ً وورعاً ،اتخذ زهده وورعه صورة عملية في آخر
حياته حين نزل عن الحكم ،ورفض منصب قاضي القضاة واعتزل الناس،
وانقطع الى هللا في قاعة الخطابة باالزهر .4فلذا نستطيع القول ّ
بأن والد ابن
الفارض قد شارك في بيئته العلمية واألدبية ،فقد أمضى ابن الفارض
المرحلة األولى من عمره تحت إشراف والده وتثقّف عنده كما تأثّر في
شف والده ورفضه لمنصب حياته الفكرية والروحية تأثرا ً عميقا ً بنسك وتق ّ
قاضي القضاة من قبل الملك العزيز .حيث يقول مصطفى حلمي :نالحظ
أن هذه النزعة ألى الزهد في جاه المنصب البدّ أن يكون لها أثرها في هنا ّ
حياة ابن الفارض نفسه ،وأن يكون أبوه هو الذي ألقى بذورها في قلبه ،هذه
البذور التي نمت وأينعت فكانت لها الثمرات التي أثّرت في أطوار حياة ابن
الفارض السيما الطور األول منها.5
أجمع الذين ترجموا البن الفارض على أنّه حموي األصل ،مصري
المولد والدار والوفاة .ولد بمصر ،ونشأ فيها ،وترعرع في ظلّها ،وأقام
الشطر األكبر من حياته بها ،ودفن بأرضها ،فهو مصري في مولده،
مصري في نشأته وتربيته ،مصري في حياته ومماته(
وقال عبدالرحمن جامي بأنّه من قبيلة بني سعد ،قبيلة حليمة السعدية
ي عن ولد شاعرنا بأنّه قال:التي أرضعت رسول هللا .يذكر لنا الشيخ عل ّ
رأيت الشيخ رضي هللا عنه نائما ً وهو يقول :صدقت يا رسول هللا (ص)
واستيقظ من نومه وسألته عن سبب ذلك فقال :يا ولدي رأيت رسول هللا في
4نفس المراجع ص34:
5نفس المراجع ص34:
المنام وقال لي :يا عمر لمن تنتسب فقلت :يا رسول هللا انتسب إلى بني سعد
قبيلة حليمة السعدية فقال :ال بل أنت منّي ونسبك متصل بي.
ابن الفارض :شاعر الحب اإللهي
المحبة ميل الجميل إلى الجمال بداللة المشاهدة ،كما ورد ّ " :
إن هللا
جميل ويحب الجمال" ،والجمال الحقيقي صفة أزلية هلل سبحانه مشاهد في
ذاته أزالً مشاهدة علمية ،فأراد أن يراه في صفته مشاهدة عينية ،فخلق
العالم كمرآة شاهد فيه عين جماله عياناً ،وقوله ( ص ) :كنت كنزا ً مخفيا ً
فأحببت أن اُعرف فخلقت الخلق.
أن الحبّ بما يحويه من إلهامات وإشراقات وأحاسيس الواقع ّ
ومشاعر ومواجيد ال يمكن شرح أسراره وتحديد معناه ،وتعريف محتواه
بألفاظ وكلماتّ ،
ألن الكالم ال يستطيع الغور الى معرفة كنه األسرار،
وحقيقة المشاعر والخلجات ،حتى ليصدق فيه القول القائل َ " :من ذاق
عرف "
َ
ولكن بالضرورة يجب علينا أن نعرف " الحب " لغة واصطالحا ً.
الحب لغة:
ّ
ال ُحبُّ :نقيض البُغض .وال ُحبُّ :الوداد ُ وال َمحبّة ،وأ َ َحبهُ فهو ُم ِحبٌّ
ب إليه :ت َ َوددَ .وال ِحبُّ : محبوب .وال َم َحبةُ أيضاً :اسم لل ُح ّ ِ
ب وت َ َحب َ ٌ وهو
َدين ..الحبيب يجي ُء تارة ً بمعنى ال ُم ِحبّ ويَجي ُء تارة ً دن وخ ٍ الحبيب ،مثل ِخ ٍ
ُ
وحبَبةٌ و ُحبٌّ . وب ِ ّان و ُحبُ ٌوحب ٌ حباب ِ ٌ ب ،أ َ
الح ّ ِ
بمعنى ال َمحبوب .وجمع ِ
ب ...وهم يَتَحابُّون :أي يُ ِحبُّ بعضهم بعضا ً. إظهار الح ّ ِ
ُ ب:والت َ َحبُّ ُ
الحب والمحبة اصطالحاً :الحبّ هو خلوصه إلى القلب وصفاءه عن
6
كدورات العوارض فال غرض له وال إرادة مع محبوبة.
الحبّ على ثالث مراتب :
.1حبٌّ طبيعي :وهو حب العوام وغايته االتحاد في الروح
الحيوانية،
. .2حبٌّ روحاني نفسي :وغايته التّشبه بالمحبوب مع القيام بحق
المحبوب ومعرفة قدره،
ي :وهو حب هللا للعبد وحب العبد ربه .المحبّة وهي من . .3حبٌّ إله ٌ
أعلى مقامات العارفين وهي إيثار من هللا تعالى لعباده المخلصين
7
ومعها نهاية الفضل العظيم.
للمحبّة ظاهر و باطن ،ظاهرها اتباع رضا المحبوب ،وباطنها أن
يكون مفتونا ً بالحبيب عن كل شيء وال يبقى فيه بقية لغيره وال لنفسه.
عالمة المحبة ،كمال األنس بمناجاة المحبوب وكمال التّنعّم بالخلوة،
وكمال االستيحاش من كل ما ينقض عليه الخلوة ،ومتى غلب الحب واألنس
صارت الخلوة والمناجاة قرة عين تدفع جميع الهموم ،بل يستغرق الحب
واألنس قلبه ،حتى ال يفهم أمور الدنيا ،ما لم تتكرر على سمعه مرارا ً ،مثل
العاشق الولهان.
الحب اإللهي عند ابن الفارض :
إذا تأملنا ديوان ابن الفارض نالحظ أنّه كان مقتصرا ً على تصوير
عاطفة الحب اإللهي التي كان يستعملها في التعبير علی ألفاظ الغزليين أو
6العجم ،رفيق :موسوعة مصطلحات التصوف اإلسالمي ،مکتبة لبنان ناشرون ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولی 1999،م،ص275:
7نفس المراجع .ص275:
الخمريين ،فاضطرب المفسرون في تأويله على مذهبه في الحب إاللهي،
لذا ذهب الكثير من اآلخذون بظاهر األلفاظ والمعاني الى أن ابن الفارض
يتغنى غزالً كغيره من الشعراء الذين يتغنون حب ليلى أو بثينة أو سعاد ،أو
الشعراء الذين يستعملون في صراحة كل ما يتصل بالخمر من " حان " و
" دن " و " كأس" و " قدح " و " سكر " و " نشوة " و " ألحان " و "
8
ندمان " وما شأن هذه األلفاظ.
ثم قد اقترح محمد مصطفى حلمي فروضا ً تدور حول حب ابن
الفارض بأن ابن الفارض « ،بحكم حياته الصوفية التي كان يحياها منذ بدأ
سياحته بوادي المستضعفين بالمقطم ،حتى وافته منيته ،البد أن يكون مثله
كمثل كثير من الصوفية فيما يستعملون من رمز وما يؤثرون من كناية أو
إشارة يعمدون فيها إلى إخفاء أسرارهم وستر حقائقهم عمن ليس من
طريقهم وليس من شك في أن ابن الفارض كان قبل التجريد والسياحة
إنسانا ً كغيره من الناس يخضع لما يخضعون له من مطالب الحس ورغبات
النفس ،ويتأثر بما يتأثرون به من جمال يتجلى في مختلف الصور اإلنسانية
والحيوانية والجمادية .وإذن فليس ما يمنع من أن يكون شاعرنا قد أحب حبا ً
إنسانيا ً في أول عهده ،ثم أقبل بعد ذلك على هللا ،وجرد عزمه في حبه له،
وإعراضه ع ّمن سواه وليس ما يمنع فوق هذا كله من أن يكون الشاعر قد
عبّر عن حبه االلهي في لغة الغزل اإلنساني متأثرا ً في ذلك بالطريقة
الصوفية في الرمز وااللغاز.
فيستنتج" حلمي " بأن الغزل في شعر هذا الشاعر يمكن أن يكون على
نوعين:
.1الغزل اإللهي اإلنساني.
.2الغزل اإللهي الخالص.
8حلمي ،محمد مصطفى ،الحب اإللهي في التصوف اإلسالمي ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة الثانية ,التا،ص149:
.3ويقول :إنما نحن نقف موقفا ً من شأنه أن يجعل حكمنا على هذا
يؤول فيه الغزل تأويلين مختلفين، القسم من شعر شاعرنا معلقاًّ ،
يذهب أحدهما إلى أن المحبوب أو المحبوبة ليس ّإال الذات اإللهية،
أو الحقيقة العليا واآلخر إلى أن هذا المحبوب أو المحبوبة ليس ّإال
مخلوقا ً أو مخلوقةً من البشر ،وهكذا نرى أن في شعر ابن الفارض
غزالً يمكن أخذه على أنه إلهي بقدر ما هو إنساني ،ويظهر أن
الشطر األكبر من ديوانه من هذا الغزل ذي الوجهين.9
يستثني " حلمي " عن هذا الحكم القصيدتين الصوفيتين " التائية الكبرى
" و" الخمرية " ،من ديوان ابن الفارض قائالً :بأن « الحب الذي تصوران
حب إلهي خالص ،وإذا صادفنا فيهما أبياتا ً يمكن أن تفهم على أنها غزل
نؤول هذه األبيات تأويالً صوفيا ً ونوجهها
انساني أو خمري ،فمن اليسير أن ّ
توجيها ً إلهيا ً ال سيّما أن أسلوب الرمز واإليماء واضح هنا ،وكثرة القرائن
ومقتضيات األحوال ،تُعين على فهم هاتين القصيدتين فهما ً صوفيا ً وتفسير
الحب الذي يهتف به الشاعر فيهما على أنه حب إلهي ال شبيه فيه وال غبار
عليه.
بهذا الصدد ،يظهر لنا إن أشعار ابن الفارض في حبه اإللهي تندرج في
قسمين أو نوعين من الحب ؛ ّأولهما :الحب اإللهي اإلنساني وثانيهما :
الحب اإللهي الخالص .
ذن ،عند قراءتنا للبيت األول نلمس نوع المخاطبة التي يستخدمها
الشاعر في التعبير عن إعجابه بالمحبوبة وكأنها واقفة أمامه تتكلم معه وال
يمكن أن يكون الخطاب فيه موجها ً إلى هللا ،ألن توجيهه في هذه األلفاظ،
وعلى هذه الصورة ،أمر ال يليق بالذات اإللهية وإنما وجه الخطاب فيه إلى
المحبوب اإلنساني.
ولكن إذا نظرنا إلى البيت الثاني ،ال يدع مجاالً للشك أن ما يقوله لغير
المحبوبة اآلدمية التي معه ،حيث يقول الشاعر أن النسب بينه وبين
المحبوب ،أقوى من نسبه مع أبويه ،لهذا يصف هذا النوع في الحب،
األستاذ الدكتور حلمي ،بالحب اإللهي اإلنساني ،ألن التعبير الظاهري في
أشعار ابن الفارض هي تعابير موجهة إلی بشر مثله ولکن في الحقيقة
تحمل في معانيها الباطنية خطابا ً اليبتعد في توجيهه عن هللا .فيقول :ولكنك
لو أعملت فكرك ،وهيأت نفسك لشيء من التحليل والتأويل ،لوصلت في
النهاية إلى أن هذا الخطاب ال يبعد توجيهه إلى هللا ،وهذه المسألة يمكن
حلّها ّ
حالً قد يكون قريبا ً إلى الحق ،وموافقا ً لطبيعة التصوف.
الثاني؛ الحب اإللهي الخالص :أما الغزل اإللهي الخالص الذي استعمله
ابن الفارض في أشعاره فقد كان واضحا ً في نوع مخاطبته أو طريقة
عنصري الرمز التعبير عن حبه وعشقه االلهي وذلك من خالل استخدامه ُ
والتلويح فنجده في البيت التالي يقول:
10عمر بن علي :ديوان ،تحقيق:د .درويش الجويدي ،المکتبة العصرية ،بيروت ص26
11نفس المراجعع ,ص191
فهذه المدامة التي وصفها ابن الفارض في خمريته ،فهي روحية
خالصة شربها وسكر بها من قبل أن يخلق الكرم أي من قبل أن تهبط روحه
من عالم األمر إلى عالم الحس وتتصل بالبدن .هذا الحب اإللهي الذي نراه
في ابن الفارض لم يأت مرة واحدة ،أي لم يكن على مستوى واحد في
مر بعدّة أطوار حملت التعبير عن نوع الحب الذي استعمله لربه ،بل ّ
تغييرات كثيرة في نفس ابن الفارض ،حتى وصل في آخر طور الى الحالة
ّ
وتغزله بالذات االلهية. المتآلية القصوى في طريقة تعلّقه
اإلستنباط
اسمه عمر بن أبي الحسن ويكنى بابن الفارض والفارض هو الذي
يكتب الفروض للنساء على الرجال ،كما كان يلقب بسلطان العاشقين؛ إذ
كان من أشهر وأبرز شعراء الصوفية بال منازع ،وله العديد من القصائد
التي تغنى فيها بالحب اإللهي ومن أشهرها القصيدة التائية إذ تضم العديد
من اآلراء حول الحب اإللهي ،ومراحله والحقيقة المحمدية ،اختلف في
المؤرخون على
ِّ تاريخ والدته فقد قيل إنه ولد في 576هـ في القاهرة ،واتفق
تاريخ وفاته وهو في عام 632هـ.
الحبّ على ثالث مراتب:
.1حبٌّ طبيعي :وهو حب العوام وغايته االتحاد في الروح
الحيوانية،
. .2حبٌّ روحاني نفسي :وغايته التّشبه بالمحبوب مع القيام بحق
المحبوب ومعرفة قدره،
ي :وهو حب هللا للعبد وحب العبد ربه .المحبّة وهي من . .3حبٌّ إله ٌ
أعلى مقامات العارفين وهي إيثار من هللا تعالى لعباده المخلصين
ومعها نهاية الفضل العظيم.
إن أشعار ابن الفارض في حبه اإللهي تندرج في قسمين أو نوعين
من الحب ؛ ّأولهما :الحب اإللهي اإلنساني وثانيهما :الحب اإللهي
الخالص.
المرجع