You are on page 1of 9

‫سيرة إبن الفارض ‪:‬‬

‫أن اسمه )عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد‬ ‫يتّفق المترجمون على ّ‬
‫بن علي( وكنيته )أبوحفص( و«أبوالقاسم» وينعت بشرف الدين ويعرف‬
‫بابن الفارض ‪.‬لقد ذكر حول لقبه بابن الفارض ‪ ) :‬الفارض ‪ :‬بفتح الفاء‬
‫وبعد األلف راء مفتوحة وبعدها ضاد معجمة‪ ،‬وهو الذي يكتب الفروض‬
‫ّ‬
‫وأن أبا الشاعر كان يقوم بإثبات هذه الفروض فغلب‬ ‫‪1‬‬
‫للنساء على الرجال (‬
‫عليه التلقيب بالفارض وعرف ابنه بابن الفارض‪.‬‬
‫اختلفت اآلراء حول مولد ابن الفارض فقد قال ابن خلكان ‪ :‬كانت‬
‫والدته في الرابع من ذي القعدة سنة ست وسبعين وخمسمائة ( ‪ 576‬هـ )‬
‫‪2‬‬
‫بالقاهرة‪.‬‬
‫ويرى ابن العماد بأنّه « ولد في ذي القعدة سنة ست وستين‬
‫وخمسمائة ( ‪ 566‬هـ‪ (.‬أما مصطفى حلمي الذي بحث كثيرا ً في هذا‬
‫الموضوع فكانت وجهة نظره بهذه الصورة ‪ :‬هذا كله من شأنه أن يسلمنا‬
‫الى نتيجة نهائية‪ ،‬هي أننا نرجح التاريخ األول وهو ما يذكره ابن خلكان‪،‬‬
‫ألن ابن خلكان‪ ،‬بحكم معاصرته البن الفارض يمكن أن يعدّ أوثق‬ ‫وذلك ّ‬
‫مصدر في هذه المسألة‪ ،‬وأكثر تحقيقا ً لها من غيره‪.3‬‬
‫وأما في تاريخ وفاته‪ ،‬قد اتّفق جميع المترجمون على أنّه توفي في‬
‫الثاني من جمادی األولى سنة اثنتين وثالثين وستمائة ( ‪ 632‬هـ ) ودفن‬
‫بالقرافة بسفح جبل المقطم عند مجرى السيل تحت المسجد المعروف‬
‫بالعارض الذي هو أعلى جبل المذكورة‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن تغري بردي‪،‬جمال الدين أبي المحاسن يوسف ‪ :‬النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة‪،‬دارالکتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬المؤسسة‬
‫المصرية العامة‪,‬التا‪،‬ج ‪،6‬ص‪288:‬‬
‫‪ 2‬ابن خلکان‪،‬أبي العباس بن أبي بكر‪ :‬وفيات األعيان‪ ،‬بيروت‪1970،‬م‪ .‬ج ‪،،13‬ص‪455:‬‬
‫‪ 3‬حلمي ‪ ،‬محمد مصطفى‪ ،‬الحب اإللهي في التصوف اإلسالمي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ,‬التا‪،‬صص‪31:‬و‪32‬‬
‫فقد ذكر المترجمون عن والد ابن الفارض أنّه من أکابر علماء مصر‬
‫و يلزم ولده ( الشيخ رضي هللا عنه ) بالجلوس معه في مجالس الحکم و‬
‫مدارس العلم‪.‬‬
‫وقد كان زاهدا ً وورعاً‪ ،‬اتخذ زهده وورعه صورة عملية في آخر‬
‫حياته حين نزل عن الحكم‪ ،‬ورفض منصب قاضي القضاة واعتزل الناس‪،‬‬
‫وانقطع الى هللا في قاعة الخطابة باالزهر‪ .4‬فلذا نستطيع القول ّ‬
‫بأن والد ابن‬
‫الفارض قد شارك في بيئته العلمية واألدبية‪ ،‬فقد أمضى ابن الفارض‬
‫المرحلة األولى من عمره تحت إشراف والده وتثقّف عنده كما تأثّر في‬
‫شف والده ورفضه لمنصب‬ ‫حياته الفكرية والروحية تأثرا ً عميقا ً بنسك وتق ّ‬
‫قاضي القضاة من قبل الملك العزيز‪ .‬حيث يقول مصطفى حلمي‪ :‬نالحظ‬
‫أن هذه النزعة ألى الزهد في جاه المنصب البدّ أن يكون لها أثرها في‬ ‫هنا ّ‬
‫حياة ابن الفارض نفسه‪ ،‬وأن يكون أبوه هو الذي ألقى بذورها في قلبه‪ ،‬هذه‬
‫البذور التي نمت وأينعت فكانت لها الثمرات التي أثّرت في أطوار حياة ابن‬
‫الفارض السيما الطور األول منها‪.5‬‬
‫أجمع الذين ترجموا البن الفارض على أنّه حموي األصل‪ ،‬مصري‬
‫المولد والدار والوفاة ‪.‬ولد بمصر‪ ،‬ونشأ فيها‪ ،‬وترعرع في ظلّها‪ ،‬وأقام‬
‫الشطر األكبر من حياته بها‪ ،‬ودفن بأرضها‪ ،‬فهو مصري في مولده‪،‬‬
‫مصري في نشأته وتربيته‪ ،‬مصري في حياته ومماته(‬
‫وقال عبدالرحمن جامي بأنّه من قبيلة بني سعد‪ ،‬قبيلة حليمة السعدية‬
‫ي عن ولد شاعرنا بأنّه قال‪:‬‬‫التي أرضعت رسول هللا‪ .‬يذكر لنا الشيخ عل ّ‬
‫رأيت الشيخ رضي هللا عنه نائما ً وهو يقول‪ :‬صدقت يا رسول هللا (ص)‬
‫واستيقظ من نومه وسألته عن سبب ذلك فقال‪ :‬يا ولدي رأيت رسول هللا في‬
‫‪ 4‬نفس المراجع ص‪34:‬‬
‫‪ 5‬نفس المراجع ص‪34:‬‬
‫المنام وقال لي‪ :‬يا عمر لمن تنتسب فقلت‪ :‬يا رسول هللا انتسب إلى بني سعد‬
‫قبيلة حليمة السعدية فقال‪ :‬ال بل أنت منّي ونسبك متصل بي‪.‬‬
‫ابن الفارض‪ :‬شاعر الحب اإللهي‬
‫المحبة ميل الجميل إلى الجمال بداللة المشاهدة‪ ،‬كما ورد ‪ّ " :‬‬
‫إن هللا‬
‫جميل ويحب الجمال"‪ ،‬والجمال الحقيقي صفة أزلية هلل سبحانه مشاهد في‬
‫ذاته أزالً مشاهدة علمية‪ ،‬فأراد أن يراه في صفته مشاهدة عينية‪ ،‬فخلق‬
‫العالم كمرآة شاهد فيه عين جماله عياناً‪ ،‬وقوله ( ص ) ‪ :‬كنت كنزا ً مخفيا ً‬
‫فأحببت أن اُعرف فخلقت الخلق‪.‬‬
‫أن الحبّ بما يحويه من إلهامات وإشراقات وأحاسيس‬ ‫الواقع ّ‬
‫ومشاعر ومواجيد ال يمكن شرح أسراره وتحديد معناه‪ ،‬وتعريف محتواه‬
‫بألفاظ وكلمات‪ّ ،‬‬
‫ألن الكالم ال يستطيع الغور الى معرفة كنه األسرار‪،‬‬
‫وحقيقة المشاعر والخلجات‪ ،‬حتى ليصدق فيه القول القائل ‪َ " :‬من ذاق‬
‫عرف "‬
‫َ‬
‫ولكن بالضرورة يجب علينا أن نعرف " الحب " لغة واصطالحا ً‪.‬‬
‫الحب لغة‪:‬‬
‫ّ‬
‫ال ُحبُّ ‪ :‬نقيض البُغض‪ .‬وال ُحبُّ ‪ :‬الوداد ُ وال َمحبّة‪ ،‬وأ َ َحبهُ فهو ُم ِحبٌّ‬
‫ب إليه ‪ :‬ت َ َوددَ‪ .‬وال ِحبُّ ‪:‬‬ ‫محبوب‪ .‬وال َم َحبةُ أيضاً‪ :‬اسم لل ُح ّ ِ‬
‫ب وت َ َحب َ‬ ‫ٌ‬ ‫وهو‬
‫َدين ‪ ..‬الحبيب يجي ُء تارة ً بمعنى ال ُم ِحبّ ويَجي ُء تارة ً‬ ‫دن وخ ٍ‬ ‫الحبيب‪ ،‬مثل ِخ ٍ‬
‫ُ‬
‫وحبَبةٌ و ُحبٌّ ‪.‬‬ ‫وب ِ‬ ‫ّان و ُحبُ ٌ‬‫وحب ٌ‬ ‫حباب ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ب‪ ،‬أ َ‬
‫الح ّ ِ‬
‫بمعنى ال َمحبوب‪ .‬وجمع ِ‬
‫ب ‪ ...‬وهم يَتَحابُّون ‪ :‬أي يُ ِحبُّ بعضهم بعضا ً‪.‬‬ ‫إظهار الح ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ب‪:‬‬‫والت َ َحبُّ ُ‬
‫الحب والمحبة اصطالحاً‪ :‬الحبّ هو خلوصه إلى القلب وصفاءه عن‬
‫‪6‬‬
‫كدورات العوارض فال غرض له وال إرادة مع محبوبة‪.‬‬
‫الحبّ على ثالث مراتب ‪:‬‬
‫‪ .1‬حبٌّ طبيعي ‪ :‬وهو حب العوام وغايته االتحاد في الروح‬
‫الحيوانية‪،‬‬
‫‪ . .2‬حبٌّ روحاني نفسي ‪ :‬وغايته التّشبه بالمحبوب مع القيام بحق‬
‫المحبوب ومعرفة قدره‪،‬‬
‫ي ‪ :‬وهو حب هللا للعبد وحب العبد ربه ‪.‬المحبّة وهي من‬ ‫‪ . .3‬حبٌّ إله ٌ‬
‫أعلى مقامات العارفين وهي إيثار من هللا تعالى لعباده المخلصين‬
‫‪7‬‬
‫ومعها نهاية الفضل العظيم‪.‬‬
‫للمحبّة ظاهر و باطن‪ ،‬ظاهرها اتباع رضا المحبوب‪ ،‬وباطنها أن‬
‫يكون مفتونا ً بالحبيب عن كل شيء وال يبقى فيه بقية لغيره وال لنفسه‪.‬‬
‫عالمة المحبة‪ ،‬كمال األنس بمناجاة المحبوب وكمال التّنعّم بالخلوة‪،‬‬
‫وكمال االستيحاش من كل ما ينقض عليه الخلوة‪ ،‬ومتى غلب الحب واألنس‬
‫صارت الخلوة والمناجاة قرة عين تدفع جميع الهموم‪ ،‬بل يستغرق الحب‬
‫واألنس قلبه‪ ،‬حتى ال يفهم أمور الدنيا‪ ،‬ما لم تتكرر على سمعه مرارا ً‪ ،‬مثل‬
‫العاشق الولهان‪.‬‬
‫الحب اإللهي عند ابن الفارض ‪:‬‬
‫إذا تأملنا ديوان ابن الفارض نالحظ أنّه كان مقتصرا ً على تصوير‬
‫عاطفة الحب اإللهي التي كان يستعملها في التعبير علی ألفاظ الغزليين أو‬

‫‪ 6‬العجم‪ ،‬رفيق ‪ :‬موسوعة مصطلحات التصوف اإلسالمي‪ ،‬مکتبة لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولی‪ 1999،‬م‪،‬ص‪275:‬‬
‫‪ 7‬نفس المراجع‪ .‬ص‪275:‬‬
‫الخمريين‪ ،‬فاضطرب المفسرون في تأويله على مذهبه في الحب إاللهي‪،‬‬
‫لذا ذهب الكثير من اآلخذون بظاهر األلفاظ والمعاني الى أن ابن الفارض‬
‫يتغنى غزالً كغيره من الشعراء الذين يتغنون حب ليلى أو بثينة أو سعاد‪ ،‬أو‬
‫الشعراء الذين يستعملون في صراحة كل ما يتصل بالخمر من " حان " و‬
‫" دن " و " كأس" و " قدح " و " سكر " و " نشوة " و " ألحان " و "‬
‫‪8‬‬
‫ندمان " وما شأن هذه األلفاظ‪.‬‬
‫ثم قد اقترح محمد مصطفى حلمي فروضا ً تدور حول حب ابن‬
‫الفارض بأن ابن الفارض‪ « ،‬بحكم حياته الصوفية التي كان يحياها منذ بدأ‬
‫سياحته بوادي المستضعفين بالمقطم‪ ،‬حتى وافته منيته‪ ،‬البد أن يكون مثله‬
‫كمثل كثير من الصوفية فيما يستعملون من رمز وما يؤثرون من كناية أو‬
‫إشارة يعمدون فيها إلى إخفاء أسرارهم وستر حقائقهم عمن ليس من‬
‫طريقهم وليس من شك في أن ابن الفارض كان قبل التجريد والسياحة‬
‫إنسانا ً كغيره من الناس يخضع لما يخضعون له من مطالب الحس ورغبات‬
‫النفس‪ ،‬ويتأثر بما يتأثرون به من جمال يتجلى في مختلف الصور اإلنسانية‬
‫والحيوانية والجمادية‪ .‬وإذن فليس ما يمنع من أن يكون شاعرنا قد أحب حبا ً‬
‫إنسانيا ً في أول عهده‪ ،‬ثم أقبل بعد ذلك على هللا‪ ،‬وجرد عزمه في حبه له‪،‬‬
‫وإعراضه ع ّمن سواه وليس ما يمنع فوق هذا كله من أن يكون الشاعر قد‬
‫عبّر عن حبه االلهي في لغة الغزل اإلنساني متأثرا ً في ذلك بالطريقة‬
‫الصوفية في الرمز وااللغاز‪.‬‬
‫فيستنتج" حلمي " بأن الغزل في شعر هذا الشاعر يمكن أن يكون على‬
‫نوعين‪:‬‬
‫‪ .1‬الغزل اإللهي اإلنساني‪.‬‬
‫‪ .2‬الغزل اإللهي الخالص‪.‬‬
‫‪ 8‬حلمي‪ ،‬محمد مصطفى‪ ،‬الحب اإللهي في التصوف اإلسالمي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ,‬التا‪،‬ص‪149:‬‬
‫‪ .3‬ويقول ‪ :‬إنما نحن نقف موقفا ً من شأنه أن يجعل حكمنا على هذا‬
‫يؤول فيه الغزل تأويلين مختلفين‪،‬‬ ‫القسم من شعر شاعرنا معلقاً‪ّ ،‬‬
‫يذهب أحدهما إلى أن المحبوب أو المحبوبة ليس ّإال الذات اإللهية‪،‬‬
‫أو الحقيقة العليا واآلخر إلى أن هذا المحبوب أو المحبوبة ليس ّإال‬
‫مخلوقا ً أو مخلوقةً من البشر‪ ،‬وهكذا نرى أن في شعر ابن الفارض‬
‫غزالً يمكن أخذه على أنه إلهي بقدر ما هو إنساني‪ ،‬ويظهر أن‬
‫الشطر األكبر من ديوانه من هذا الغزل ذي الوجهين‪.9‬‬

‫يستثني " حلمي " عن هذا الحكم القصيدتين الصوفيتين " التائية الكبرى‬
‫" و" الخمرية "‪ ،‬من ديوان ابن الفارض قائالً ‪ :‬بأن « الحب الذي تصوران‬
‫حب إلهي خالص‪ ،‬وإذا صادفنا فيهما أبياتا ً يمكن أن تفهم على أنها غزل‬
‫نؤول هذه األبيات تأويالً صوفيا ً ونوجهها‬
‫انساني أو خمري‪ ،‬فمن اليسير أن ّ‬
‫توجيها ً إلهيا ً ال سيّما أن أسلوب الرمز واإليماء واضح هنا‪ ،‬وكثرة القرائن‬
‫ومقتضيات األحوال‪ ،‬تُعين على فهم هاتين القصيدتين فهما ً صوفيا ً وتفسير‬
‫الحب الذي يهتف به الشاعر فيهما على أنه حب إلهي ال شبيه فيه وال غبار‬
‫عليه‪.‬‬

‫بهذا الصدد‪ ،‬يظهر لنا إن أشعار ابن الفارض في حبه اإللهي تندرج في‬
‫قسمين أو نوعين من الحب ؛ ّأولهما ‪ :‬الحب اإللهي اإلنساني وثانيهما ‪:‬‬
‫الحب اإللهي الخالص ‪.‬‬

‫األول ؛ الحب اإللهي اإلنساني ‪ :‬وهذا ما نالحظه في أكثر أشعاره التي‬


‫كتبها عندما يخاطب فيها محبوبته او محبوبه‪ ،‬فمثالً يقول‪:‬‬

‫ما رأت‪ ،‬مثلـك‪ ،‬عينــي حسنا ً‬


‫وكمثـلي‪ ،‬بك صبّاً‪ ،‬لـم تـري‬

‫نفس المراجع ‪،‬ص‪159،160:‬‬ ‫‪9‬‬


‫نسـب أقـرب‪ ،‬في شـرع الهوى‬
‫ٌ‬
‫‪10‬‬
‫ب ِمن أبـوي‬
‫بيننــا‪ِ ،‬من نس ٍ‬

‫ذن‪ ،‬عند قراءتنا للبيت األول نلمس نوع المخاطبة التي يستخدمها‬
‫الشاعر في التعبير عن إعجابه بالمحبوبة وكأنها واقفة أمامه تتكلم معه وال‬
‫يمكن أن يكون الخطاب فيه موجها ً إلى هللا‪ ،‬ألن توجيهه في هذه األلفاظ‪،‬‬
‫وعلى هذه الصورة‪ ،‬أمر ال يليق بالذات اإللهية وإنما وجه الخطاب فيه إلى‬
‫المحبوب اإلنساني‪.‬‬
‫ولكن إذا نظرنا إلى البيت الثاني‪ ،‬ال يدع مجاالً للشك أن ما يقوله لغير‬
‫المحبوبة اآلدمية التي معه‪ ،‬حيث يقول الشاعر أن النسب بينه وبين‬
‫المحبوب‪ ،‬أقوى من نسبه مع أبويه‪ ،‬لهذا يصف هذا النوع في الحب‪،‬‬
‫األستاذ الدكتور حلمي‪ ،‬بالحب اإللهي اإلنساني‪ ،‬ألن التعبير الظاهري في‬
‫أشعار ابن الفارض هي تعابير موجهة إلی بشر مثله ولکن في الحقيقة‬
‫تحمل في معانيها الباطنية خطابا ً اليبتعد في توجيهه عن هللا‪ .‬فيقول ‪ :‬ولكنك‬
‫لو أعملت فكرك‪ ،‬وهيأت نفسك لشيء من التحليل والتأويل‪ ،‬لوصلت في‬
‫النهاية إلى أن هذا الخطاب ال يبعد توجيهه إلى هللا‪ ،‬وهذه المسألة يمكن‬
‫حلّها ّ‬
‫حالً قد يكون قريبا ً إلى الحق‪ ،‬وموافقا ً لطبيعة التصوف‪.‬‬

‫الثاني؛ الحب اإللهي الخالص‪ :‬أما الغزل اإللهي الخالص الذي استعمله‬
‫ابن الفارض في أشعاره فقد كان واضحا ً في نوع مخاطبته أو طريقة‬
‫عنصري الرمز‬ ‫التعبير عن حبه وعشقه االلهي وذلك من خالل استخدامه ُ‬
‫والتلويح فنجده في البيت التالي يقول‪:‬‬

‫شربنا على ذكـر الحبيب مدامـة‬


‫‪11‬‬
‫سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم‬

‫‪ 10‬عمر بن علي ‪ :‬ديوان‪ ،‬تحقيق‪:‬د‪ .‬درويش الجويدي‪ ،‬المکتبة العصرية‪ ،‬بيروت ص‪26‬‬
‫‪ 11‬نفس المراجعع‪ ,‬ص‪191‬‬
‫فهذه المدامة التي وصفها ابن الفارض في خمريته‪ ،‬فهي روحية‬
‫خالصة شربها وسكر بها من قبل أن يخلق الكرم أي من قبل أن تهبط روحه‬
‫من عالم األمر إلى عالم الحس وتتصل بالبدن‪ .‬هذا الحب اإللهي الذي نراه‬
‫في ابن الفارض لم يأت مرة واحدة‪ ،‬أي لم يكن على مستوى واحد في‬
‫مر بعدّة أطوار حملت‬ ‫التعبير عن نوع الحب الذي استعمله لربه‪ ،‬بل ّ‬
‫تغييرات كثيرة في نفس ابن الفارض‪ ،‬حتى وصل في آخر طور الى الحالة‬
‫ّ‬
‫وتغزله بالذات االلهية‪.‬‬ ‫المتآلية القصوى في طريقة تعلّقه‬
‫اإلستنباط‬
‫اسمه عمر بن أبي الحسن ويكنى بابن الفارض والفارض هو الذي‬
‫يكتب الفروض للنساء على الرجال‪ ،‬كما كان يلقب بسلطان العاشقين؛ إذ‬
‫كان من أشهر وأبرز شعراء الصوفية بال منازع‪ ،‬وله العديد من القصائد‬
‫التي تغنى فيها بالحب اإللهي ومن أشهرها القصيدة التائية إذ تضم العديد‬
‫من اآلراء حول الحب اإللهي‪ ،‬ومراحله والحقيقة المحمدية‪ ،‬اختلف في‬
‫المؤرخون على‬
‫ِّ‬ ‫تاريخ والدته فقد قيل إنه ولد في ‪576‬هـ في القاهرة‪ ،‬واتفق‬
‫تاريخ وفاته وهو في عام ‪ 632‬هـ‪.‬‬
‫الحبّ على ثالث مراتب‪:‬‬
‫‪ .1‬حبٌّ طبيعي ‪ :‬وهو حب العوام وغايته االتحاد في الروح‬
‫الحيوانية‪،‬‬
‫‪ . .2‬حبٌّ روحاني نفسي ‪ :‬وغايته التّشبه بالمحبوب مع القيام بحق‬
‫المحبوب ومعرفة قدره‪،‬‬
‫ي ‪ :‬وهو حب هللا للعبد وحب العبد ربه ‪.‬المحبّة وهي من‬ ‫‪ . .3‬حبٌّ إله ٌ‬
‫أعلى مقامات العارفين وهي إيثار من هللا تعالى لعباده المخلصين‬
‫ومعها نهاية الفضل العظيم‪.‬‬
‫إن أشعار ابن الفارض في حبه اإللهي تندرج في قسمين أو نوعين‬
‫من الحب ؛ ّأولهما ‪ :‬الحب اإللهي اإلنساني وثانيهما ‪ :‬الحب اإللهي‬
‫الخالص‪.‬‬

‫المرجع‬

‫‪ .1‬ابن تغري بردي‪،‬جمال الدين أبي المحاسن يوسف ‪ :‬النجوم الزاهرة‬


‫في ملوك مصر والقاهرة‪،‬دارالکتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬المؤسسة المصرية‬
‫العامة‬
‫‪ .2‬ابن خلکان‪،‬أبي العباس بن أبي بكر‪ :‬وفيات األعيان‪ ،‬بيروت‪1970،‬م‬
‫‪ .3‬حلمي ‪ ،‬محمد مصطفى‪ ،‬الحب اإللهي في التصوف اإلسالمي‪ ،‬دار‬
‫المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ .4‬العجم‪ ،‬رفيق ‪ :‬موسوعة مصطلحات التصوف اإلسالمي‪ ،‬مکتبة‬
‫لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولی‪ 1999،‬م ‪.‬‬
‫‪ .5‬عمر بن علي ‪ :‬ديوان‪ ،‬تحقيق‪:‬د‪ .‬درويش الجويدي‪ ،‬المکتبة‬
‫العصرية‪ ،‬بيروت‪.‬‬

You might also like