You are on page 1of 27

‫‪1‬‬

‫اإلسبال في علم الرجال‬


‫تأليف‬
‫أ‪.‬د‪ /‬محمد أنور البيومي‬

‫أستاذ الحديث وعلومه بجامعة األزهر‬


‫‪1439‬ه – ‪2018‬م‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫‪2‬‬

‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونستهديه‪ ،‬ونسترضيه‪،‬‬


‫ونصلي ونسلم على خير خلقه محمد – صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أما‬
‫بعد‪:‬‬
‫فهذه محاضرات في علم الرجال‪ ،‬كتبتها لطالب الدراسات‬
‫اإلسالمية بالجامعة العالمية للتجديد‪ ،‬راجيًا أن ينتفعوا بها‪ ،‬وفيها‪:‬‬
‫الباب األول‪ :‬اإلسناد وأهميته‪:‬‬
‫‪ -‬تعريف اإلسناد‬
‫‪ -‬عناية المحدثين به‪.‬‬
‫‪ -‬أهمية اإلسناد‪.‬‬
‫‪ -‬بداية البحث عن األسانيد‪ ،‬وظهور علم الرجال‪.‬‬
‫‪ -‬اإلسناد العالي والنازل‪.‬‬
‫‪ -‬المساواة والمصافحة والبدل‪.‬‬
‫‪ -‬اإلسناد المسلسل‪.‬‬
‫‪ -‬مبهمات اإلسناد‪.‬‬
‫‪ -‬اإلسناد المتصل‪.‬‬
‫‪ -‬اإلسناد المنقطع‪.‬‬
‫‪ -‬اإلسناد المعنعن‪.‬‬
‫‪ -‬المزيد في متصل األسانيد‪.‬‬
‫‪ -‬المتواتر‪.‬‬
‫‪ -‬األحاد‪.‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬أنواع الرواة‪:‬‬
‫‪ -‬األنبياء‪.‬‬
‫‪ -‬الصحابة‪.‬‬
‫‪ -‬التابعون‪.‬‬
‫‪ -‬أتباع التابعين‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -‬تبع األتباع‪.‬‬
‫‪ -‬المصنفون‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬أركان الترجمة الحديثية للراوي‪:‬‬
‫‪ -‬اسمه ونسبه وكنيته ولقبه‪:‬‬
‫وفيه ثالثة عشر نو ًعا‪(:‬معرفة من له أسماء متعددة‪ ،‬معرفة األسماء‬
‫المفردة‪ ،‬معرفة األسماء والكنى‪ ،‬معرفة من اشتهر باالسم دون‬
‫الكنية‪ ،‬معرفة األلقاب‪ ،‬معرفة المؤتلف والمختلف‪ ،‬معرفة المتفق‬
‫والمفترق من األسماء واألنساب‪ ،‬معرفة المشتبه‪ ،‬معرفة المنسوبين‬
‫إلى غير آبائهم‪ ،‬معرفة النسب التي على خالف الظاهر‪ ،‬معرفة‬
‫المبهمات من أسماء الرجال والنساء‪ ،‬معرفة الموالي من الرواة‬
‫والعلماء‪ ،‬معرفو أوطان الرواة وبلدانهم)‪.‬‬
‫‪ -‬الشيوخ‪ ،‬والتالميذ‪:‬‬
‫وفيه عدة سبعة أنواع‪( :‬رواية األكابر عن األصاغر‪ ،‬معرفة‬
‫المدبج‪ ،‬رواية اآلباء عن األبناء‪ ،‬واألبناء عن اآلباء‪ ،‬معرفة اإلخوة‬
‫واألخوات من الراواة‪ ،‬معرفة السابق والالحق‪ ،‬معرفة الوحدان‬
‫وهو من لم يرو عنه إال واحد)‬
‫‪ -‬حكمه‪.‬‬
‫وفيه ستة أنواع‪( :‬معرفة الثقات‪ ،‬معرفة الضعفاء‪ ،‬معرفة المختلف‬
‫فيهم‪ ،‬معرفة المختلطين‪ ،‬معرفة المدلسين‪ ،‬معرفة المرس ِلين)‬
‫‪ -‬مولده ووفاته‪:‬‬
‫وفيه أربعة أنواع‪ ( :‬معرفة الوفيات من الرواة‪ ،‬معرفة المواليد‪،‬‬
‫معرفة مقدار أعمارهم‪ ،‬معرفة الطبقات)‬
‫‪4‬‬

‫الباب الرابع‪ :‬المصنفات في الرجال‪:‬‬


‫العامة والخاصة‪.‬‬
‫الخاصة والكتب المصنفة في التراجم لكتب معينة‪.‬‬
‫كتب في رجال كتاب مفرد‪.‬‬
‫المصنفات في الجمع بين رجال الصحيحين‪.‬‬
‫المصنفات في رجال الكتب الستة‪.‬‬
‫المصنفات في رواة الحديث عامة‪.‬‬
‫كتب الثقات‪.‬‬
‫كتب الضعفاء‪.‬‬
‫كتب جمعت بين الثقات والضعفاء‪.‬‬
‫المصنفات في الصحابة‪.‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬الجرح والتعديل‪:‬‬
‫‪-‬تعريفه‪.‬‬
‫‪ -‬نشأته وتطوره‪.‬‬
‫‪ -‬قواعده‪.‬‬
‫مراتبه‪.‬‬
‫‪ -‬تعارض الجرح والتعديل‪.‬‬
‫‪ -‬عبارات الجرح والتعديل وداللتها‪.‬‬
‫‪ -‬المتكلمون في الرجال‪.‬‬
‫‪ -‬وباهلل التوفيق‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫كتبه‪ :‬الدكتور أبو عبد هللا محمد أنور البيومي‪.‬‬


‫أستاذ الحديث بجامعة األزهر‪.‬‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫تعريف علم الرجال‪:‬‬
‫العلم‪ :‬صفة تنكشف بها األشياء على حقيقتها باليقين أو بغلبة الظن‪،‬‬
‫بحسب دليلها‪ ،‬وداللته على المراد‪.‬‬
‫الرجال‪ :‬مجموعة األفراد الذين يقوم عليهم اإلسناد‪ ،‬رجاال كانوا أو‬
‫نساء‪.‬‬
‫علم الرجال‪ :‬هو قواعد وأصول يعرف بها علوم اإلسناد‪ ،‬وأفراده‪،‬‬
‫وقبوله‪ ،‬أو رده‪.‬‬

‫الباب األول‪ :‬اإلسناد وأهميته‪:‬‬


‫‪6‬‬

‫بيان معنى السند والمتن‪:‬‬


‫ي كذلك‪ ،‬ألن المتن‬
‫وسم َ‬
‫ِ‬ ‫"السند" أو "اإلسناد" في اللغة‪ :‬هو المعتمد‪،‬‬
‫يستند إليه ويعتمد عليه‪.‬‬
‫وأما اصطال ًحا‪ ،‬فهو‪" :‬سلسلة الرواة الموصلة إلى المتن"‪.‬‬
‫وأما "المتن"‪ ,‬فهو في اللغة‪ :‬من "المماتنة"‪ ،‬وهي المباعدة في‬
‫الغاية‪ ،‬إذ إن المتن هو غاية السند‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المتن هو ما صلب من األرض وارتفع‪.‬‬
‫وفي االصطالح‪" :‬هو ما ينتهي إليه السند من الكالم"‪.‬‬
‫قيمة اإلسناد‪:‬‬
‫لإلسناد في اإلسالم مكانة رفيعة‪ ،‬ومنزلة عظمة‪ ،‬نبرزها في النقاط‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬به يعرف منبت الكالم ومخرجه‪:‬‬
‫اعلم أن العلم في اإلسالم ال يعرف إلقاء الكالم جزافًا‪ ،‬وال إرساله‬
‫قوال فأنت مسؤل عن بيان‬ ‫بال خطام وال زمام‪ ،‬وإذا قلت في اإلسالم ً‬
‫أصله ومنبته‪ ،‬ومخرجه وبذرته‪ .‬فإن الكالم إن كان من رأسك‪،‬‬
‫مطالب بالدليل من النصوص الموثقة‪ ،‬مع‬‫ٌ‬ ‫وبنات أفكارك‪ ،‬فأنت‬
‫صحة االستشهاد واالستدالل‪ ،‬وإن كنت ً‬
‫ناقال عن غيرك‪ ،‬فالدقة‬
‫التامة الزَ مها‪ ،‬مع عزو الكالم إلى قائله‪ ،‬فهذا بركة العلم‪ ،‬وهذا ديننا‬
‫الذي ندين هللا – تعالى‪ -‬به‪ .‬فعن أنس – رضي هللا عنه‪ -‬قال‪" :‬إن‬
‫‪7‬‬

‫هذا العلم هو لحمك ودمك‪ ،‬وعنه تسأل يوم القيامة‪ ،‬فانظر عمن‬
‫تأخذه"(‪.)1‬‬
‫وعن ابن عباس – رضي هللا عنه‪ -‬قال‪" :‬إن هذا العلم دين‪ ،‬فانظروا‬
‫عمن تأخذون دينكم"(‪.)2‬‬
‫وهذا القول مروي عن غير واحد من علماء المسلمين وسلفهم‬
‫المتقدمين في العلم والدين‪ ،‬كأبي هريرة(‪ – )3‬رضي هللا عنه‪،-‬‬
‫ومحمد بن سيرين‪ ،‬وزيد بن أسلم‪ ،‬والحسن البصري‪ ،‬والضحاك بن‬
‫مزاحم‪ ،‬وإبراهيم النخعي‪ ،‬وغيرهم(‪..)4‬‬
‫ولذلك ينبغي أال يلتفت إلى القول المنبت عن اإلسناد‪ ،‬والكالم الذي‬
‫ال يعرف مخرجه‪ ،‬وال قائله‪ .‬قال العالم الجليل عبد هللا بن مبارك‪:‬‬
‫اإلسناد من الدين‪ ،‬ولوال اإلسناد لقال من شاء ما شاء(‪.)5‬‬
‫فلعلك بذلك أدركت ‪-‬أخي القارئ‪ -‬أهمية اإلسناد في ديننا‪ ،‬فلتلتزم‬
‫ذلك في قولك‪ ،‬فال تتفوه إال بكالم مسند يعلم مخرجه‪ ،‬وال تسمع إال‬
‫لحديث الذي عرفت أرضه التي نبت فيها‪ ،‬وبيئته التي خرج منها‪.‬‬
‫وإليك كالم أحد علماء هذا الفن الكبار في هذا الباب‪ ،‬فهو يزيده لك‬
‫وضو ًحا وبيانًا‪ ،‬وهو أبو عبد هللا الحاكم النيسابوري‪ ،‬حيث قال‪:‬‬

‫‪ ))1‬أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل‪ 416/‬رقم (‪ .)444‬وقد روى الخطيب‬


‫عا‪" :‬دينك دينك‪ ،‬إنما هو لح ُمك ودمك‪ ،‬فانظر‬
‫في الكفاية‪ ،121/‬عن ابن عمر مرفو ً‬
‫عمن تأخذ‪ ،‬خذ عن الذين استقاموا‪ ،‬وال تأخذ عن الذين مالوا" وال يصح‪ ،‬كما قال‬
‫السخاوي في فتح المغيث ‪.60/2‬‬
‫‪ ))2‬أخرجه ابن حبان في كتاب المجروحين ‪.21/1‬‬
‫‪ ))3‬أخرجه ابن حبان في المرجع السابق ‪ ،22/1‬والخطيب في الجامع ‪ 195/1‬برقم‬
‫(‪ ،) 140‬وهو ضعيف‪ ،‬والصحيح أنه من قول ابن سيرين‪( .‬راجع العلل المتناهية‬
‫‪.)131/1‬‬
‫‪ ))4‬يراجع المرجع السابق ‪.23 – 21/1‬‬
‫‪ ))5‬أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه‪ ،‬باب‪ :‬بيان أن اإلسناد من الدين ‪ 87/1‬برقم‬
‫(‪.)30‬‬
‫‪8‬‬

‫فلوال اإلسناد‪ ،‬وطلب هذه الطائفة له‪ ،‬وكثرة مواظبتهم على حفظه‬
‫لدرس منار اإلسالم‪ ،‬ولتمكن أهل اإللحاد والبدع فيه بوضع‬
‫تعرت عن وجود األسانيد‬ ‫األحاديث‪ ،‬وقلب األسانيد‪ ،‬فإن األخبار إذا َّ‬
‫فيها كانت بُتْ ًرا‪ .‬ثم أسند عن الزهري‪ ،‬أنه قال إلسحاق بن أبي فروة‪،‬‬
‫وهو يحدث من غير إسناد‪ :‬قاتلك هللا يابن أبي فروة‪ ،‬ما أجرأك على‬
‫ط ٌم‪ ،‬وال أز َّمةٌ؟ أهـ‬
‫هللا‪ ،‬أال تسند حديثك؟ تُحدثنا بأحاديث ليس لها ُخ ُ‬
‫(‪.)6‬‬
‫وقال شعبة‪ :‬كل علم ليس فيه أخبرنا وحدثنا فهو خل وبقل‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪:‬‬
‫إال الحديث‪ ،‬وإال الفقه في‬ ‫كل العلوم سوى القرآن مشغلة‬
‫الدين‪.‬‬
‫سوى ذلك وسواس الشياطين‪.‬‬ ‫وخير العلم ما قال حدثنا وما‬
‫‪ -2‬به يعرف المقبول من المردود‪:‬‬
‫إن قيمة اإلسناد تبرز بتمييز األخبار المردودة من المقبولة‪ ،‬ثم تمييز‬
‫درجات المقبول‪ ,‬وتفصيل دركات المردود‪ ،‬وذلك من خالل الوقوف‬
‫ً‬
‫وتعديال‪ ،‬ولذا قال عبد هللا بن المبارك‪:‬‬ ‫على طبقات الرواة جرحا‬
‫بيننا وبين القوم القوائم‪ -‬يعني‪ :‬اإلسناد(‪.)7‬‬
‫اإلسناد فبه‬
‫أوال أن مدار الحديث على ٍ‬ ‫قال القاضي عياض‪ :‬فاعلم ً‬
‫تبيين صحته‪ ،‬ويظهر اتصاله‪ .‬وقال ابن األثير‪ :‬واعلم أن اإلسناد في‬
‫الحديث هو األصل‪ ،‬وعليه االعتماد وبه تعرف صحة الحديث‬
‫وسقمه‪.‬‬

‫‪ ))6‬معرفة علوم الحديث‪.6/‬‬


‫اإلناد من الدين‪.‬‬
‫‪ ))7‬أخرجه مسلم – أيضا‪ -‬في مقدمة صحيحه ‪ ،88/1‬باب‪ :‬بيان أن ٍ‬
‫‪9‬‬

‫نعم فبه يُعرف مقبول الحديث من مردوده‪ ،‬وتعظيم أهمية هذا األمر‬
‫في كل فن وعصر‪ ،‬ال سيما في األعصار المتأخرة هذه‪ ،‬فإن‬
‫السابقين من أهل الحديث كانوا يعرفون األسانيد‪ ،‬ويحفظون ذلك‪،‬‬
‫وال يحدثون بحديث إال مسندًا‪ ،‬فتبرأ ُ بذلك ذمتهم من عهدته‪ ،‬أما اآلن‬
‫فال يصح إيراد الحديث إال مع بيان مخرجه‪ ،‬وعزوه إليه‪ ،‬وبيان‬
‫درجته‪ ،‬والحكم عليه‪ ،‬إما بالنقل عن أهل هذا الفن‪ ،‬كالبخاري‪،‬‬
‫والترمذي‪ ،‬والدارقطني‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬فينقل الباحث أحكامهم على‬
‫الحديث‪ .‬وإن لم يجد ألحد من المتقدمين حك ًما على الحديث‪ ،‬وتقدم‬
‫فدرس إسناده‪ ،‬ليقدم للقارئ حك ًما على الحديث فيه بيان قبوله أو‬
‫رده‪ ،‬وبذلك يبرأ من عهدته‪ ،‬ويكون كالمه محل ثقة وقبول‪.‬‬
‫وقال أحمد‪ :‬إذا روينا عن النبي – صلى هللا عليه وسلم‪ -‬في الحالل‬
‫والحرام‪ ،‬والسنة واألحكام‪ ،‬تشددنا في األسانيد‪ ،‬وإذا روينا عنه في‬
‫الفضائل‪ ،‬وما ال يضع حك ًما وال يرفعه‪ ،‬تساهلنا في األسانيد‪ ،‬ولوال‬
‫األسانيد لقال من شاء ما شاء(‪.)8‬‬
‫وقال شعبة‪ :‬إنما يعلم صحة الحديث بصحة اإلسناد‪.‬‬
‫وقال ابن عون‪ :‬ذكر أيوب لمحمد بن سيرين حديث أبي قالبة‪ :‬فقال‪:‬‬
‫أبو قالبة ثقة إن شاء هللا رجل صالح‪ ،‬ولكن عمن ذكره أبو قالبة‪.‬‬
‫وقال أبو ٍإسحاق الطالقاني‪ :‬سألت ابن المبارك عن الحديث‬
‫المروي‪ ":‬من صلى على أبويه" فقال‪ :‬من رواه؟‪ ،‬قلت‪ :‬شهاب بن‬
‫خراش‪ ،‬فقال‪ :‬ثقة‪ ،‬عمن؟‪ ،‬قلت‪ :‬عن الحجاج بن دينار‪ ،‬فقال‪ :‬ثقة‪،‬‬
‫عمن؟‪ ،‬قلت‪ :‬عن النبي – صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬فقال‪ :‬إن بين النبي‬
‫– صلى هللا عليه وسلم‪ -‬وبين الحجاج مفاوز تنقطع فيها أعناق‬
‫اإلبل‪.‬‬

‫‪ ))8‬مقدمة جامع األصول ‪.59-58/1‬‬


‫‪10‬‬

‫وقال الشافعي‪ :‬مثل الذي يطلب الحديث بال إسناد كحاطب ليل‪.‬‬
‫وقال ابن المبارك‪ :‬مثل الذي يطلب أمر دينه بال إسناد كمثل الذي‬
‫يرتقي السطح بال سلم‪.‬‬
‫وقال بقية‪ :‬ذاكرت حماد بن زيد بأحاديث‪ ،‬فقال‪ :‬ما أجودها لو كان‬
‫لها أجنحة يعني األسانيد‪.‬‬
‫وقال مطر الوراق‪ :‬في قوله تعالى‪ ":‬أو أثارة من علم"‪ ،‬قال‪ :‬إسناد‬
‫الحديث(‪.)9‬‬
‫‪ -3‬اإلسناد هو سالح العلماء في الدفاع عن الشريعة‪:‬‬
‫إذا ثبت لديك أن اإلسناد هو الوسيلة القوية لمعرفة منبت الكالم‬
‫يذب‬
‫ومخرجه‪ ،‬وتمييز المقبول من المردود‪ ،‬فاعلم أنه الدرع الذي ُّ‬
‫به المحدث الكذب عن هذا الدين العظيم‪ ،‬والسالح الذي يدافع به‬
‫المتكلم عن كالمه‪ .‬قال سفيان الثوري – رضي هللا عنه‪" :-‬اإلسناد‬
‫سالح المؤمن‪ ،‬إذا لم يكن معه سال ٌح‪ ،‬فبأي شيء يقاتل؟"(‪.)10‬‬
‫وقال يزيد بن زريع‪ :‬لكل دين فرسان‪ ،‬وفرسان هذا الدين أصحاب‬
‫اإلسناد‪.‬‬
‫‪ -4‬تتعلق به أنواع كثيرة من علوم الحديث‪:‬‬
‫أنواع علوم الحديث المتعلقة بالسند كثيرة‪ :‬مثل المتصل‪ ،‬والمنقطع‪،‬‬
‫والمعلق‪ ،‬والمعضل‪ ،‬والمرسل‪ ،‬واإلسناد العالي والنازل‪ ،‬والبدل‪،‬‬
‫والمساواة‪ ،‬والمصافحة‪ ،‬والمتواتر‪ ،‬واآلحاد‪ ،‬والمزيد في متصل‬
‫األسانيد‪ ،‬وغير ذلك مما ستأتي دراسته إن شاء هللا تعالى‪.‬‬
‫‪ -5‬اإلسناد خاصية ألمتنا‪:‬‬
‫‪ ))9‬فتح المغيث‪.346-345/3 :‬‬
‫‪ ))10‬أخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث‪.42/‬‬
‫‪11‬‬

‫أال فاعلموا أن اإلسناد من ميزات هذه األمة التي ميزها هللا تعالى به‬
‫عن السابقين(‪ ،)11‬أال فال تضيعوه أيها العلماء‪ ،‬والخطباء‪ ،‬والكتاب‪،‬‬
‫واستمسكوا بعراه‪ ،‬تنجوا من مغبة الكذب على نبي هللا – صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،-‬وتحفظوا رسالة نبيكم‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬صافية‬
‫نقية كما نزلت‪ ،‬وتوثقوا كالمكم وحديثكم وأمر دينكم‪ ،‬وتستبقوا به ما‬
‫ميز هللا به‪ -‬سبحانه‪ -‬أمتنا اإلسالمية على اليهود‪ ،‬والنصارى‪،‬‬
‫وغيرهم ممن حرفوا دينهم ونقلوا علومه مبتورة بال سند‪ ،‬ورووه‬
‫بال ِخطام وال زمام‪.‬‬
‫وعندي أنهم فعلوا ذلك كيال يفتضح أمرهم‪ ،‬وينكشف سرهم‪ ،‬في‬
‫مخالفتهم أنبياءهم‪ ،‬وتحري ِفهم دينهم‪ ،‬لكن هللا تعالى دافع عن أنبيائه‬
‫ورسله صلوات هللا عليهم وسالمه‪ ،‬فأخبر أنهم بلغوا أقوامهم الرسالة‬
‫يسود سماءها‬ ‫صافية نقية‪ ،‬طاهرة زكية‪ ،‬ال يعكر معينها شيء‪ ،‬وال ِ‬
‫غيوم‪ ،‬وال يغبش أجواءها ضباب وال سحاب‪ ،‬فهي صفحة بيضاء‪،‬‬
‫واضحة المعالم‪ ،‬ظاهرة الدروب‪ ،‬ليس فيها لبس وال غموض‪ ،‬فقال‬
‫اب َو ْال ُح ْك َم َوالنُّبُ َّوة َ ث ُ َّم‬ ‫َّللاُ ْال ِكتَ َ‬
‫تبارك وتعالى‪َ ﴿:‬ما َكانَ ِلبَش ٍَر أَ ْن يُؤْ تِيَهُ َّ‬
‫َّللاِ َولَ ِك ْن ُكونُوا َربَّا ِن ِيينَ ِب َما‬ ‫ُون َّ‬‫اس ُكونُوا ِع َبادًا ِلي ِم ْن د ِ‬ ‫َيقُو َل ِللنَّ ِ‬
‫سونَ ‪َ .‬و َال يَأ ْ ُم َر ُك ْم أَ ْن تَتَّ ِخذُوا‬ ‫اب َو ِب َما ُك ْنت ُ ْم تَدْ ُر ُ‬‫ُك ْنت ُ ْم تُ َع ِل ُمونَ ْال ِكت َ َ‬
‫ْال َم َالئِ َكةَ َوالنَّ ِب ِيينَ أَ ْربَابًا أَيَأ ْ ُم ُر ُك ْم ِب ْال ُك ْف ِر بَ ْعدَ ِإذْ أَ ْنت ُ ْم ُم ْس ِل ُمونَ ﴾ (‪،)12‬‬
‫َّللاُ النَّ ِبيِينَ ُمبَش ِِرينَ‬ ‫ث َّ‬ ‫احدَةً فَبَعَ َ‬ ‫اس أ ُ َّمةً َو ِ‬ ‫وقال جل وعال‪َ ﴿ :‬كانَ النَّ ُ‬
‫اختَلَفُوا‬ ‫اس ِفي َما ْ‬ ‫ق ِل َي ْح ُك َم َبيْنَ النَّ ِ‬ ‫اب ِب ْال َح ِ‬‫َو ُم ْنذ ِِرينَ َوأَنز َل َم َع ُه ُم ْال ِكتَ َ‬
‫َات بَ ْغيًا‬ ‫ف فِي ِه ِإال الَّذِينَ أُوتُوهُ ِم ْن بَ ْع ِد َما َجا َءتْ ُه ُم ْالبَ ِين ُ‬ ‫اختَلَ َ‬ ‫فِي ِه َو َما ْ‬
‫َّللاُ يَ ْهدِي‬ ‫ق ِبإِذْنِ ِه َو َّ‬ ‫اختَلَفُوا فِي ِه ِمنَ ْال َح ِ‬ ‫َّللاُ الَّذِينَ آ َمنُوا ِل َما ْ‬ ‫بَ ْي َن ُه ْم فَ َهدَى َّ‬
‫سلَنَا‬ ‫س ْلنَا ُر ُ‬ ‫ص َراطٍ ُم ْستَ ِق ٍيم ﴾ (‪ ،)13‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬لَقَدْ أَ ْر َ‬ ‫شا ُء إِلَى ِ‬ ‫َم ْن يَ َ‬
‫اس ِب ْال ِق ْس ِط َوأ َ ْ‬
‫نزلنَا‬ ‫وم النَّ ُ‬ ‫اب َو ْال ِميزَ انَ ِل َيقُ َ‬ ‫نزلنَا َم َع ُه ُم ْال ِكت َ َ‬ ‫ت َوأ َ ْ‬ ‫ِب ْال َب ِينَا ِ‬
‫سلَهُ‬‫ص ُرهُ َو ُر ُ‬ ‫َّللاُ َم ْن يَ ْن ُ‬‫اس َو ِليَ ْعلَ َم َّ‬ ‫شدِيد ٌ َو َمنَافِ ُع ِللنَّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ْال َحدِيدَ فِي ِه بَأ ْ ٌ‬

‫‪ ))11‬هكذا قال غير واحد من علماء المسلمين‪ .‬فانظر‪ :‬مقدمة ابن الصالح‪ ،153/‬وفتح‬
‫المغيث ‪.331/3‬‬
‫‪ ))12‬آل عمران‪..80-79:‬‬
‫‪ ))13‬البقرة‪.213 :‬‬
‫‪12‬‬

‫ب ﴾ (‪ .)14‬فجزى هللا تعالى عنا رسله خير الجزاء وأوفاه‪ ،‬وأنعم‬ ‫ِب ْالغَ ْي ِ‬
‫عليهم بالزيادة من فضله ونعمته‪.‬‬
‫ثم أخبرنا سبحانه أن أقوام الرسل هم الذين قاموا بتحريف الرسالة‪،‬‬
‫وتغيير الشريعة‪ ،‬وذلك واضح في نصوص القرآن المجيد‪ ،‬منها‬
‫ط َمعُونَ أ َ ْن يُؤْ ِمنُوا لَ ُك ْم َوقَدْ َكانَ فَ ِر ٌ‬
‫يق ِم ْن ُه ْم‬ ‫قوله سبحانه‪ ﴿ :‬أَفَت َ ْ‬
‫َّللاِ ث ُ َّم يُ َح ِرفُونَهُ ِم ْن بَ ْع ِد َما َعقَلُوهُ َو ُه ْم َي ْعلَ ُمونَ ‪َ .‬و ِإذَا‬ ‫الم َّ‬ ‫يَ ْس َمعُونَ َك َ‬
‫ض قَالُوا‬ ‫ض ُه ْم إِلَى بَ ْع ٍ‬ ‫لَقُوا الَّذِينَ آ َمنُوا قَالُوا آ َمنَّا َوإِذَا خَال بَ ْع ُ‬
‫َّللاُ َعلَ ْي ُك ْم ِليُ َحا ُّجو ُك ْم ِب ِه ِع ْندَ َر ِب ُك ْم أَفَال ت َ ْع ِقلُونَ ‪.‬‬ ‫أَت ُ َح ِدثُونَ ُه ْم ِب َما فَت َ َح َّ‬
‫َّللاَ يَ ْعلَ ُم َما يُس ُِّرونَ َو َما يُ ْع ِلنُونَ ‪َ .‬و ِم ْن ُه ْم أ ُ ِميُّونَ َال‬ ‫أ َ َوال يَ ْعلَ ُمونَ أَ َّن َّ‬
‫ظنُّونَ ‪ .‬فَ َو ْي ٌل ِللَّذِينَ يَ ْكتُبُونَ‬ ‫ي َو ِإ ْن ُه ْم ِإ َّال يَ ُ‬ ‫اب ِإ َّال أَ َمانِ َّ‬ ‫يَ ْعلَ ُمونَ ْال ِكت َ َ‬
‫يال فَ َو ْي ٌل‬ ‫َّللاِ ِليَ ْشت َ ُروا بِ ِه ث َ َمنًا قَ ِل ً‬ ‫اب بِأ َ ْيدِي ِه ْم ث ُ َّم َيقُولُونَ َهذَا ِم ْن ِع ْن ِد َّ‬ ‫ْال ِكت َ َ‬
‫ت أ َ ْيدِي ِه ْم َو َو ْي ٌل لَ ُه ْم ِم َّما َي ْك ِسبُونَ ﴾ (‪ ،)15‬وقوله جل‬ ‫لَ ُه ْم ِم َّما َكتَ َب ْ‬
‫ب ِلتَ ْح َسبُوهُ ِمنَ ْال ِكتَا ِ‬
‫ب‬ ‫جالله‪َ ﴿:‬وإِ َّن ِم ْن ُه ْم لَفَ ِريقًا يَ ْل ُوونَ أ َ ْل ِسنَت َ ُه ْم ِب ْال ِكتَا ِ‬
‫َّللاِ َو َما ُه َو ِم ْن ِع ْن ِد َّ‬
‫َّللاِ‬ ‫ب َويَقُولُونَ ُه َو ِم ْن ِع ْن ِد َّ‬ ‫َو َما ُه َو ِمنَ ْال ِكتَا ِ‬
‫ِب َو ُه ْم يَ ْعلَ ُمونَ ﴾ (‪ ،)16‬وقوله عز وجل‪ ﴿ :‬أَلَ ْم‬ ‫َّللاِ ْال َكذ َ‬ ‫َويَقُولُونَ َعلَى َّ‬
‫ضاللَةَ َويُ ِريدُونَ أ َ ْن‬ ‫ب َي ْشتَ ُرونَ ال َّ‬ ‫َصيبًا ِمنَ ْال ِكتَا ِ‬ ‫ت َ َر ِإلَى الَّذِينَ أُوتُوا ن ِ‬
‫يرا‬ ‫َص ً‬ ‫اَّللِ ن ِ‬ ‫اَّللِ َو ِليًّا َو َكفَى ِب َّ‬‫َّللاُ أ َ ْعلَ ُم ِبأ َ ْعدَائِ ُك ْم َو َكفَى ِب َّ‬ ‫س ِبي َل‪َ .‬و َّ‬ ‫ضلُّوا ال َّ‬ ‫تَ ِ‬
‫س ِم ْعنَا‬ ‫اض ِع ِه َويَقُولُونَ َ‬ ‫ع ْن َم َو ِ‬ ‫‪ِ .‬منَ الَّذِينَ هَاد ُوا يُ َح ِرفُونَ ْال َك ِل َم َ‬
‫ِين َولَ ْو‬ ‫ط ْعنًا فِي الد ِ‬ ‫ص ْينَا َوا ْس َم ْع َغي َْر ُم ْس َمعٍ َو َرا ِعنَا لَيًّا بِأ َ ْل ِسنَ ِت ِه ْم َو َ‬ ‫َو َع َ‬
‫ظ ْرنَا لَ َكانَ َخي ًْرا لَ ُه ْم َوأ َ ْق َو َم َولَ ِك ْن‬ ‫ط ْعنَا َوا ْس َم ْع َوا ْن ُ‬ ‫س ِم ْعنَا َوأ َ َ‬ ‫أَنَّ ُه ْم قَالُوا َ‬
‫َّللاُ ِب ُك ْف ِر ِه ْم فَال يُؤْ ِمنُونَ ِإال َق ِليال ﴾ (‪ ،)17‬وقوله تبارك شأنه‪﴿ :‬‬ ‫لَ َعنَ ُه ُم َّ‬
‫َّللاُ ِميثَاقَ َبنِي ِإ ْس َرائِي َل َوبَ َعثْنَا ِم ْن ُه ُم اثْنَ ْي َعش ََر نَ ِقيبًا َوقَا َل َّ‬
‫َّللاُ‬ ‫َولَقَدْ أ َ َخذَ َّ‬
‫س ِلي َو َع َّز ْرت ُ ُمو ُه ْم‬ ‫الز َكاة َ َوآ َم ْنت ُ ْم بِ ُر ُ‬ ‫ص َالةَ َوآت َ ْيت ُ ُم َّ‬ ‫إِنِي َمعَ ُك ْم لَئِ ْن أَقَ ْمت ُ ُم ال َّ‬
‫س ِيئَا ِت ُك ْم َو َألُدْ ِخلَ َّن ُك ْم َجنَّا ٍ‬
‫ت‬ ‫سنًا َأل ُ َك ِف َر َّن َع ْن ُك ْم َ‬ ‫ضا َح َ‬ ‫َّللاَ قَ ْر ً‬ ‫ضت ُ ُم َّ‬ ‫َوأ َ ْق َر ْ‬
‫س َوا َء‬ ‫ض َّل َ‬ ‫ار فَ َم ْن َكفَ َر بَ ْعدَ ذَ ِل َك ِم ْن ُك ْم فَقَدْ َ‬ ‫ت َ ْج ِري ِم ْن ت َ ْحتِ َها ْاأل َ ْن َه ُ‬
‫ض ِه ْم ِميثَاقَ ُه ْم لَ َعنَّا ُه ْم َو َج َع ْلنَا قُلُوبَ ُه ْم قَا ِسيَةً يُ َح ِرفُونَ‬ ‫س ِبي ِل‪ .‬فَ ِب َما نَ ْق ِ‬
‫ال َّ‬

‫‪ ))14‬الحديد‪.25 :‬‬
‫‪ ))15‬البقرة‪.79-75 :‬‬
‫‪ ))16‬آال عمران‪. 78:‬‬
‫‪ ))17‬النساء‪.46-44 :‬‬
‫‪13‬‬

‫ط ِل ُع َعلَى‬ ‫ظا ِم َّما ذ ُ ِك ُروا ِب ِه َو َال تَزَ ا ُل تَ َّ‬ ‫سوا َح ًّ‬ ‫اض ِع ِه َونَ ُ‬ ‫ع ْن َم َو ِ‬ ‫ْال َك ِل َم َ‬
‫ب ْال ُم ْح ِسنِينَ‬ ‫صفَ ْح ِإ َّن َّ‬
‫َّللاَ يُ ِح ُّ‬ ‫ْف َع ْن ُه ْم َوا ْ‬ ‫يال ِم ْن ُه ْم فَاع ُ‬ ‫خَائِنَ ٍة ِم ْن ُه ْم ِإ َّال قَ ِل ً‬
‫ارعُونَ‬ ‫س ِ‬ ‫سو ُل َال يَ ْح ُز ْن َك الَّذِينَ يُ َ‬ ‫﴾ (‪ ، )18‬وقوله تعالى‪ ﴿ :‬يَا أَيُّ َها َّ‬
‫الر ُ‬
‫ِفي ْال ُك ْف ِر ِمنَ الَّذِينَ قَالُوا آ َمنَّا ِبأ َ ْف َوا ِه ِه ْم َولَ ْم تُؤْ ِم ْن قُلُوبُ ُه ْم َو ِمنَ الَّذِينَ‬
‫وك يُ َح ِرفُونَ ْال َك ِل َم‬ ‫س َّماعُونَ ِلقَ ْو ٍم آخ َِرينَ لَ ْم يَأْت ُ َ‬ ‫ب َ‬ ‫س َّماعُونَ ِل ْل َك ِذ ِ‬ ‫هَاد ُوا َ‬
‫احذَ ُروا‬ ‫اض ِع ِه يَقُولُونَ ِإ ْن أُوتِيت ُ ْم َهذَا فَ ُخذُوهُ َو ِإ ْن لَ ْم تُؤْ ت َ ْوهُ فَ ْ‬ ‫ِم ْن بَ ْع ِد َم َو ِ‬
‫َّللاُ أ َ ْن‬ ‫ش ْيئًا أُولَئِ َك الَّذِينَ لَ ْم يُ ِر ِد َّ‬ ‫َّللاِ َ‬‫َّللاُ فِتْ َنتَهُ فَلَ ْن ت َ ْم ِل َك لَهُ ِمنَ َّ‬ ‫َو َم ْن يُ ِر ِد َّ‬
‫اب َع ِظي ٌم‪.‬‬ ‫ي َولَ ُه ْم ِفي ْاآل ِخ َر ِة َعذَ ٌ‬ ‫ط ِه َر قُلُو َب ُه ْم لَ ُه ْم ِفي الدُّ ْن َيا ِخ ْز ٌ‬ ‫يُ َ‬
‫ض‬‫اح ُك ْم بَ ْي َن ُه ْم أَ ْو أَع ِْر ْ‬ ‫وك فَ ْ‬
‫ت فَإ ِ ْن َجا ُء َ‬ ‫س ْح ِ‬ ‫ب أ َ َّكالُونَ ِلل ُّ‬ ‫س َّماعُونَ ِل ْل َك ِذ ِ‬ ‫َ‬
‫اح ُك ْم َب ْينَ ُه ْم‬ ‫ت فَ ْ‬ ‫ش ْيئًا َو ِإ ْن َح َك ْم َ‬ ‫وك َ‬ ‫ض ُّر َ‬ ‫ض َع ْن ُه ْم فَلَ ْن يَ ُ‬ ‫َع ْن ُه ْم َو ِإ ْن ت ُ ْع ِر ْ‬
‫ْف يُ َح ِك ُمون ََك َو ِع ْندَ ُه ُم التَّ ْو َراة ُ فِي َها‬ ‫ِطينَ ‪َ .‬و َكي َ‬ ‫ب ْال ُم ْقس ِ‬ ‫بِ ْال ِق ْس ِط إِ َّن َّ‬
‫َّللاَ يُ ِح ُّ‬
‫َّللاِ ث ُ َّم َيتَ َولَّ ْونَ ِم ْن َب ْع ِد ذَ ِل َك َو َما أُولَ ِئ َك ِب ْال ُمؤْ ِم ِنينَ ‪ِ .‬إنَّا أَ ْنزَ ْلنَا‬ ‫ُح ْك ُم َّ‬
‫ور يَ ْح ُك ُم ِب َها النَّ ِبيُّونَ الَّذِينَ أ َ ْسلَ ُموا ِللَّذِينَ هَاد ُوا‬ ‫الت َّ ْو َراة َ فِي َها ُهدًى َونُ ٌ‬
‫ش َهدَا َء‬ ‫َّللاِ َو َكانُوا َعلَ ْي ِه ُ‬ ‫ب َّ‬ ‫ظوا ِم ْن ِكتَا ِ‬ ‫ار ِب َما ا ْست ُ ْح ِف ُ‬ ‫الربَّانِيُّونَ َو ْاأل َ ْحبَ ُ‬ ‫َو َّ‬
‫يال َو َم ْن لَ ْم يَ ْح ُك ْم‬ ‫اخش َْو ِن َو َال تَ ْشت َ ُروا بِآيَاتِي ثَ َمنًا قَ ِل ً‬ ‫اس َو ْ‬ ‫فَ َال ت َ ْخش َُوا النَّ َ‬
‫َّللاُ فَأُولَ ِئ َك ُه ُم ْال َكا ِف ُرونَ ﴾ (‪.)19‬‬ ‫ِب َما أ َ ْنزَ َل َّ‬
‫وبالنظر فإن األسباب كثيرة تلك التي ساعدت أؤلئك األقوام على‬
‫تحريف رسالتهم الصافية‪ ،‬وتغيير شريعتهم الوافية‪ ،‬من أهمها أنهم‬
‫لم يلتزموا اإلسناد في النقل والرواية‪ ،‬بينما وفقنا هللا عز وجل‬
‫لاللتزام به والحرص عليه‪ ،‬فحفظ به تعالى رسالتنا‪ ،‬وصان به ديننا‪،‬‬
‫ولهذا قطع علماء المسلمين بأن اإلسناد من خصائص أمة اإلسالم‪،‬‬
‫قال ابن حزم‪ :‬واإلسناد بنقل الثقة إلى النبي – صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬
‫خصوصية لهذه األمة المحمدية امتازت بها عن سائر األمم‪ ،‬فإن‬
‫اليهود ليس لهم إلى نبيهم إال اإلسناد المرسل أو المعضل‪ ،‬وال‬
‫يقربون به إلى موسى – عليه السالم‪ -‬قربنا لنبينا – صلى هللا عليه‬
‫سا‪ ،‬فيبلغون به إلى‬ ‫وسلم‪ -‬بل يقفون وبينهم وبينه أكثر من ثالثين نف ً‬
‫شمعون وحده‪ ،‬وليس عند النصارى في نقلهم من االتصال إال ما‬
‫قيل في تحريم الطالق‪ ،‬وأما النقل بالطريق المشتملة على كذاب أو‬
‫‪ ))18‬المائدة‪.13-12 :‬‬
‫‪ ))19‬المائدة‪.44-41 :‬‬
‫‪14‬‬

‫مجهول العين‪ ،‬فكثير في نقل اليهود والنصارى‪ ،‬نقله عن‬


‫السيوطي(‪.)20‬‬
‫اهتمام المحدثين بالسند‪:‬‬
‫لكل تلك األسباب اهتم المحدثون باإلسناد اهتما ًم بالغًا‪ ،‬وأسسوا من‬
‫أجله علم الرواة‪ ،‬وعلم الجرح والتعديل‪ ،‬وجعلوا لقبول اإلسناد‬
‫طا ثالثة‪ :‬اتصال اإلسناد‪ ،‬عدالة الرواة‪ ،‬وضبطهم‪.‬‬ ‫شرو ً‬
‫فكل إسناد توفرت له هذه الشروط دخل دائرة القبول والرضا‪ ،‬فإن‬
‫كان رواته في درجة تمام الضبط‪ ،‬فإسنادهم صحيح‪ ،‬وإن خف‬
‫ضبطهم فهو الحسن‪.‬‬
‫أقسام السند‪ :‬عال‪ ،‬ونازل‪.‬‬
‫أنواع علوم الحديث المتعلقة بالسند‪ :‬المتواتر‪ ،‬واآلحاد‪ ،‬الجرح‬
‫والتعديل‪ ،‬الطبقات‪ ،‬المواليد والوفيات‪ ،‬رواية األقران األسماء‪،‬‬
‫واأللقاب‪ ،‬المواطن‪ ،‬المتفق والمقدمة‪ ،‬المؤتلف والمختلف‪ ،‬الثقات‬
‫والضعفاء‪ ،‬المختلطين‪ ،‬الموالي‪ ،‬الكنى‪.‬‬
‫التوفيق للمحافظة على اإلسناد‪:‬‬
‫‪ -‬كل األنبياء كانوا ذوي إسناد كما علمت سلفًا‪.‬‬
‫‪ -‬إال أن أممهم حرفوا وبدلوا ولم يحافظوا على السند كما لم‬
‫يحافظوا على أصل الوحي‪.‬‬
‫‪ -‬أمرنا هللا بالسند‪ ،‬ووفقنا للحفاظ عليه‪.‬‬
‫ي‪ -‬ﷺ‪ -‬قَا َل َب ِلغُوا َع ِني َولَ ْو آ َيةً‬ ‫َّللاِ ب ِْن َع ْم ٍرو أَ َّن النَّ ِب َّ‬‫‪َ -‬ع ْن َع ْب ِد َّ‬
‫ي ُمتَ َع ِمدًا‬‫ب َعلَ َّ‬ ‫َو َح ِدثُوا َع ْن َبنِي ِإ ْس َرائِي َل َو َال َح َر َج َو َم ْن َكذَ َ‬
‫ار"‪.‬‬ ‫فَ ْليَتَبَ َّوأْ َم ْق َعدَهُ ِم ْن النَّ ِ‬
‫ي‪-‬ﷺ‪ -‬قَا َل فَإِ َّن ِد َما َء ُك ْم َوأَ ْم َوالَ ُك ْم قَا َل‬ ‫‪َ -‬ع ْن أَبِي بَ ْك َرةَ ذُ ِك َر النَّبِ ُّ‬
‫ض ُك ْم َعلَ ْي ُك ْم َح َرا ٌم َك ُح ْر َم ِة َي ْو ِم ُك ْم َهذَا‬ ‫ُم َح َّمد ٌ َوأ َ ْح ِسبُهُ قَا َل َوأَع َْرا َ‬
‫ب َو َكانَ ُم َح َّمدٌ َيقُو ُل‬ ‫شا ِهدُ ِم ْن ُك ْم ْالغَائِ َ‬ ‫ش ْه ِر ُك ْم َهذَا أ َ َال ِليُ َب ِلغ ال َّ‬
‫فِي َ‬

‫‪ ))20‬تدريب الراوي ‪.159/2‬‬


‫‪15‬‬

‫سلَّ َم َكانَ ذَ ِل َك أ َ َال ه َْل بَلَّ ْغ ُ‬


‫ت‬ ‫علَ ْي ِه َو َ‬ ‫صلَّى َّ‬
‫َّللاُ َ‬ ‫َّللاِ َ‬ ‫سو ُل َّ‬ ‫صدَقَ َر ُ‬ ‫َ‬
‫َم َّرتَي ِْن"‪.‬‬
‫َّللاِ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬ ‫سو َل َّ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫س ِم ْع ُ‬ ‫ت قَا َل َ‬ ‫‪ -‬عن زَ ْي ِد ب ِْن ثَابِ ٍ‬
‫ب‬ ‫ظهُ َحتَّى يُ َب ِلغَهُ فَ ُر َّ‬ ‫س ِم َع ِمنَّا َحدِيثًا فَ َح ِف َ‬ ‫َّللاُ ْام َرأً َ‬
‫ض َر َّ‬ ‫َيقُو ُل « نَ َّ‬
‫ْس ِبفَ ِقي ٍه »‪.‬‬ ‫ام ِل فِ ْق ٍه لَي َ‬‫ب َح ِ‬ ‫ام ِل فِ ْق ٍه ِإلَى َم ْن ُه َو أ َ ْفقَهُ ِم ْنهُ َو ُر َّ‬ ‫َح ِ‬
‫آخ ِر‬
‫ون فِي ِ‬ ‫سو ُل هللاِ‪-‬ﷺ‪َ « :‬ي ُك ُ‬ ‫‪ -‬عن أبي ُه َري َْرة َ‪ ،‬يَقُو ُل‪ :‬قَا َل َر ُ‬
‫ث بِ َما لَ ْم تَ ْس َمعُوا‬ ‫ان دَ َّجالُونَ َكذَّابُونَ ‪ ،‬يَأْتُونَ ُك ْم ِمنَ ْاأل َ َحادِي ِ‬ ‫الز َم ِ‬‫َّ‬
‫ضلُّونَ ُك ْم‪َ ،‬و َال َي ْف ِتنُو َن ُك ْم»‬ ‫أ َ ْنت ُ ْم‪َ ،‬و َال آ َباؤُ ُك ْم‪ ،‬فَإِيَّا ُك ْم َو ِإيَّا ُه ْم‪َ ،‬ال يُ ِ‬
‫َّللاِ ‪-‬صلى هللا‬ ‫سو ُل َّ‬ ‫َّللاُ َع ْن ُه َما قَا َل قَا َل َر ُ‬ ‫ى َّ‬‫ض َ‬ ‫َّاس َر ِ‬ ‫‪َ -‬ع ِن اب ِْن َعب ٍ‬
‫عليه وسلم‪ «: -‬تَ ْس َمعُونَ َويُ ْس َم ُع ِم ْن ُك ْم َويُ ْس َم ُع ِم َّم ْن يُ ْس َم ُع ِم ْن ُك ْم‬
‫»‪.‬‬
‫‪ -‬لهذا قالوا اإلسناد خصيصة لنا‪.‬‬
‫عمل المتأخرين للمحافظة على بقاء اإلسناد بعد تصنيف الكتب‪:‬‬
‫لقد اشترط العلماء في الراوي لقبول روايته شرطين‪ :‬العدالة‪،‬‬
‫والضبط‪ ،‬وجعلوا لتحقيق الشرطين في الرواة قيودًا دقيقة سبق‬
‫شرحها‪ ،‬فلما تعذر تحقيق تلك القيود في الرواة والمشايخ‪ ،‬بعد‬
‫استقرار األحاديث في بطون الكتب التي جمعها األئمة‪ ،‬اتخذ الناس‬
‫منه ًجا متخففًا في ذلك من أجل إبقاء سلسلة السند‪ ،‬أبرزه في النقاط‬
‫التالية‪ ،‬إن شاء هللا تعالى‪.‬‬
‫‪ -1‬أنهم تخففوا من القيود الالزمة لتحقيق شرطي العدالة والضبط‪.‬‬
‫ً‬
‫عاقال‪ ،‬غير متظاهر‬ ‫‪ -2‬اكتفوا للعدالة بكون الراوي مسل ًما‪ ،‬بالغًا‪،‬‬
‫بفسق‪ ،‬وال يرتكب ما يخل بمروءته‪ ،‬بأن يكون مستور الحال‪.‬‬
‫‪ -3‬واكتفوا للضبط بأن يكون الراوي ضاب ً‬
‫طا لكتابه من التحريف‬
‫والتصحيف‪ ،‬وبثبوت سماعه لما يحدث به‪ ،‬بالتلقي عن المشايخ‪،‬‬
‫وليس باألخذ من الكتب‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫فمن أجل ذلك ال يصح التلقي عن الصحفيين ومن ليس لهم‬


‫شيوخ(‪.)21‬‬

‫‪ -4‬اهتموا بمقابلة الكتب على األصول‪ ،‬وتحقيق النصوص بالتأكد‬


‫من صوابها على الوجه األول التي خرجت به من أفواه المشايخ‪،‬‬
‫ولذلك أوجبوا مقابلة الكتب على األصول‪ ،‬ومنعوا الرواية من الكتب‬
‫إال بعد المقابة باألصل‪ ،‬وهذا هو الراجح في المسألة‪.‬‬
‫ومن أجاز الرواية من دون المقابلة قيدها بشروط قد تعود بها إلى‬
‫ً‬
‫منقوال من األصل‬ ‫المنع عن الرواية من المقابلة‪ ،‬كأن يكون الفرع‬
‫مباشرة‪ ،‬وليس من فرع آخر‪ ،‬وأن يبين عند الرواية أنه لم يقابل‪،‬‬
‫وأن يكون ناقل النسخة من األصل صحيح النقل جيد الخط‪ ،‬وأن‬
‫يراعى في نسخة الشيخ ما ذكر من الشروط في نسخة الطالب(‪.)22‬‬
‫‪ -5‬تخففوا في ألفاظ األداء‪ ،‬فاستخدموا عن في اإلجازة‪ ،‬كما أطلقوا‬
‫لفظة‪ ":‬أخبرنا" في اإلجازة‪ ،‬والمناولة‪ ،‬والوجادة‪ ،‬ولم يعتبروه‬
‫سا‪ ،‬كما فصلته في بعض بحوثي(‪ ،)23‬ولم يلتزوا بالتفريق بين‬ ‫تدلي ً‬
‫ألفاظ األداء‪ ،‬وكأنهم استقوا ذلك من منهج البخاري‪.‬‬
‫‪ -6‬استحبوا التبكير بإسماع الصبي في أول زمان يصح فيه سماعه‪،‬‬
‫وذلك من أجل إبقاء سلسلة اإلسناد(‪.)24‬‬
‫هل يسقط اإلسناد اليوم؟‬

‫‪ ))21‬تدريب الراوي ‪.159/2‬‬


‫‪ ))22‬وقد فصلت القول في ذلك في كتابي‪ :‬قواعد الكتابة وآدابها عند المحدثين‪.497/‬‬
‫‪ ))23‬المؤسس في حكم عنعنةالثقة المدلس‪.568/‬‬
‫‪ ))24‬مقدمة ابن الصالح‪.129/‬‬
‫‪17‬‬

‫هل ال تزال قيمة اإلسناد على ما كانت عليه من األهمية‪ ،‬أم أن‬
‫األمر اختلف بعد تصنيف الكتب‪ ،‬وإيداع الحديث بطونها؟‬
‫قال الشيخ محمد مخلوف‪ :‬كان المعتبر في الرواية السند المتصل‬
‫بعدالة الناقلين وضبطهم‪ ،‬وذلك حتى يجوز الحديث درجة الصحة‪،‬‬
‫فلما صنفت كتب الصحاح المشهورة‪ ،‬وذاعت في األقطار‪ ،‬قامت‬
‫شهرتها مقام تواترها‪ ،‬فلم تبق حاجة التصال السند ِمنَّا إلى‬
‫مصنفيها‪ ،‬وأصبح االعتماد على عزو الحديث إلى واح ٍد من هذه‬
‫الكتب المعتبرة‪ ،‬يقوم مقام السند في الرواية‪ .‬ومن ث َّم فقد وجب‬
‫التثبت من ثالثة‪:‬‬
‫(‪ )1‬كون الكتاب الذي يؤخذ الحديث منه‪ ،‬أو يعزي إليه‪ ،‬صحت‬
‫نسبته إلى مصنفه‪.‬‬
‫(‪ )2‬بحث سند المصنف الذي روى الحديث في كتابه بإسناده‪،‬‬
‫إذا كان ممن لم يشترط الصحة‪.‬‬
‫(‪ )3‬ضبط الكتاب‪ ،‬وتحقيقه من التحريف والتصحيف‪.‬أهـ‪.‬‬
‫(شجرة النور الزكية‪.).14/‬‬
‫قال بعضهم‪ :‬ينبغي المحافظة على تسلسل السند بحدثنا وأخبرنا‬
‫لتبقى هذه الكرامة التي خصت بها األمة شرفًا لنبيها – صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ -‬يعني الذي لم يقع التبديل في األمم الماضية إال‬
‫بانقطاعه(‪.)25‬‬
‫وعليه فأقول‪ :‬إن حافظ الناس على اإلسناد فللبركة‪ ،‬وليس لالعتماد‬
‫عليه‪ ,‬ألن االعتماد تحول إلى أسانيد كتب الحديث المصنفة فيه‬
‫باألسانيد المتصلة من مصنفيها إلى رسول هللا‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ .-‬هللا أعلم‪.‬‬
‫أصول األسانيد‪:‬‬

‫‪ ))25‬فتح المغيث ‪.275/2‬‬


‫‪18‬‬

‫اعلم أنه مع كثرة األسانيد‪ ،‬وتشعبها‪ ،‬ووفرة رجالها‪ ،‬إال أن لها‬


‫ً‬
‫أصوال تخرج منها وتعود إليها‪ ،‬وهم ستة رجال كما قال ابن‬
‫المديني‪:‬‬
‫‪ -1‬ابن شهاب الزهري‪ ،‬وهو محمد بن مسلم بن عبد هللا‪ ،‬أبو بكر‬
‫المدني‪ ،‬المتوفي سنة مئة وأربع وعشرين (‪ ، )124‬وهو شيخ‬
‫أهل المدينة‪ ،‬وهو من رؤوس الطبقة الرابعة عند ابن حجر‪.‬‬
‫‪ -2‬عمرو بن دينار‪ ،‬أبو محمد المكي‪ ،‬المتوفي سنة مئة‪ ،‬وست‬
‫وعشرين (‪ ،)126‬وهو شيخ أهل مكة‪ ،‬من الطبقة الرابعة عند‬
‫ابن حجر‪.‬‬
‫‪ -3‬قتادة بن دعامة السدوسي‪ ،‬أبو الخطاب‪ ،‬مات سنة مئة‪ ،‬وسبع‬
‫عشرة (‪ ،)117‬وهو شيخ أهل البصرة‪ ،‬وهو رأس الطبقة الرابعة‬
‫عند ابن حجر‪.‬‬
‫‪ -4‬يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬أبو نصر‪ ،‬مات سنة مئة‪ ،‬واثنتين‬
‫وثالثين‪ ،)132( ،‬وهو شيخ أهل البصرة كذلك‪ ،‬وهو من الطبقة‬
‫الخامسة عند ابن حجر‪.‬‬
‫‪ -5‬أبو إسحاق السبيعي‪ ،‬عمرو بن عبد هللا بن عبيد‪ ،‬المتوفى سنة‬
‫مئة وتسع وعشرين (‪ ،)129‬وهو شيخ أهل الكوفة‪ ،‬من الطبقة‬
‫الثالثة عند ابن حجر‪.‬‬
‫‪ -6‬األعمش‪ ،‬سليمان بن مهران‪ ،‬أبو محمد‪ ،‬مات مئة وثمان‬
‫ضا‪ ،‬من الطبقة‬
‫وأربعين‪ ،)148( ،‬وهو شيخ أهل الكوفة أي ً‬
‫الخامسة عند ابن حجر‪.‬‬
‫قال ابن المديني‪ :‬ثن صار علم هؤالء الستة إلى أصحاب‬
‫األصناف ممن صنف‪ ،‬وإليك نص كالمه لتقف على حقيقة األمر‬
‫‪19‬‬

‫في أصول األسانيد‪ ،‬أن ابن المديني رجل خبير بالحديث وعلله‪،‬‬
‫وأنه أحد رجاله المبرزين فيه‪ ،‬وبهذا تعرف سببًا قويًا من أسباب‬
‫تفوق البخاري على غيره في هذا العلم‪ ،‬لكونه أخذه عن شيخه‬
‫ابن المديني‪.‬‬
‫قال ابن المديني‪:‬‬
‫‪ 1‬نظرت فإذا اإلسناد يدور على ستة‬
‫فألهل المدينة‬
‫‪ 1‬ابن شهاب وهو محمد بن مسلم بن عبدهللا بن شهاب ويكنى أبا‬
‫بكر مات سنة أربع وعشرين ومائة‬
‫وألهل مكة‬
‫‪ 2‬عمرو بن دينار مولى جمح ويكنى أبا محمد مات سنة ست‬
‫وعشرين ومائة‬
‫وألهل البصرة‬
‫‪ 3‬قتادة بن دعامة السدوسي وكنيته أبو الخطاب مات سنة سبع‬
‫عشرة ومائة‬
‫‪ 4‬ويحيى بن أبي كثير ويكنى أبا نصر مات سنة اثنتين وثالثين‬
‫ومائة باليمامة‬
‫وألهل الكوفة‬
‫‪ 5‬أبو إسحاق واسمه عمرو بن عبدهللا بن عبيد ومات سنة تسع‬
‫وعشرين ومائة‬
‫‪ 6‬وسليمان بن مهران مولى بني كاهل من بني أسد ويكنى ابا محمد‬
‫مات سنة ثمان وأربعين ومائة كان جميال‬
‫‪ 2‬ثم صار علم هؤالء الست إلى أصحاب األصناف ممن صنف‬
‫فألهل المدينة‬
‫‪ 1‬مالك بن أنس بن أبي عامر األصبحي عداده في بني تيم هللا‬
‫ومات سنة تسع وسبعين ومائة وسمع من ابن شهاب‬
‫‪ 2‬ومحمد بن إسحاق بن يسار مولى بني مخرمة ويكنى أبا بكر‬
‫مات سنة اثنتين وخمسين وسمع من ابن شهاب واألعمش‬
‫‪20‬‬

‫ومن أهل مكة‬


‫‪ 3‬عبدالملك بن عبدالعزيز بن جيرج مولى لقريش ويكنى أبا الوليد‬
‫مات سنة إحدى وخمسين ومائة‬
‫‪ 4‬وسفيان بن عيينة بن ميمون مولى محمد بن مزاحم أخو الضحاك‬
‫بن مزاحم الهاللي ويكنى أبا محمد مات سنة ثمان وتسعين ومائة‬
‫سفيان لقي ابن شهاب وعمرو بن دينار وأبا إسحاق واألعمش‬
‫ومن أهل البصرة‬
‫‪ 5‬سعيد بن أبي عروبة مولى بني عدي بن يشكر وهو سعيد بن‬
‫مهران ويكنى أبا النضر مات سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة‬
‫‪ 6‬وحماد بن سلمة قال أحسبه مولى لبني سليمان ويكنى أبا سلمة‬
‫مات سنة ثمان وستين ومائة‬
‫‪ 7‬وأبو عوانة واسمه الوضاح مولى يزيد بن عطاء الواسطي مات‬
‫سنة خمس وسبعين ومائة‬
‫‪ 8‬وشعبة بن الحجاج أبو بسطام مولى األشافر مات سنة ستين‬
‫ومائة‬
‫ومعمر بن راشد ويكنى أبا عروة مولى الحداني ومات باليمن سنة‬
‫أربع وخمسين ومائة‬
‫سمع من ابن شهاب وعمرو بن دينار وقتادة ومن يحيى بن أبي‬
‫كثير ومن أبي إسحاق‬
‫ومن أهل الكوفة‬
‫‪ 10‬سفيان بن سعيد الثوري ويكنى أبا عبدهللا ومات سنة إحدى‬
‫وستين ومائة‬
‫ومن أهل الشام‬
‫‪ 11‬عبدالرحمن بن عمرو األوزاعي ويكنى ابا عمرو مات سنة‬
‫إحدى وخمسين ومائة‬
‫ومن أهل واسط‬
‫‪ 12‬هشيم بن بشير مولى بني سليم ويكنى أبا معاوية مات سنة‬
‫ثالث وثمانين ومائة‬
‫حدثنا إبراهيم الهروي ثنا هشيم بن بشير القاسم بن دينار‬
‫مولى خزيمة بن خازم أمير المؤمنين المحدثين يكنى أبا معاوية‬
‫‪21‬‬

‫ثم قال ابن المديني‪ :‬ثم انتهى علم هؤالء الثالثة من أهل البصرة‬
‫وعلم اإلثني عشر إلى ستة إلى‬
‫‪ 1‬يحيى بن سعيد القطان ويكنى أبا سعيد وهو مولى لبني تيم ومات‬
‫سنة ثمان وتسعين ومائة في صفر‬
‫‪ 2‬ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة و يكنى ابا سعيد مولى لهمدان‬
‫مات سنة اثنتين و ثمانية ومائة‬
‫‪ 3‬ووكيع بن الجراح بن مليح بن عدي بن فرس ويكنى أبا سفيان‬
‫مات سنة تسع وتسعين ومائة‬
‫‪ 4‬إلى عبدهللا بن المبارك وهو حنظلي ويكنى أبا عبدالرحمن ومات‬
‫سنة إحدى وثمانين ومائة بهيت‬
‫‪ 5‬وعبدالرحمن بن مهدي األسدي ويكنى أبا سعيد مات سنة ثمان‬
‫وتسعين ومائة‬
‫‪ 6‬ويحيى بن آدم ويكنى ابا زكريا وهو مولى خالد بن عبدهللا ابن‬
‫اسيد بالظن مني مات سنة ثالث و مائتين‪ .‬علل ابن المديني‪.40-36/‬‬
‫بداية البحث عن األسانيد‪:‬‬
‫‪-‬اإلسناد في الدين يعني ثبوت الرسالة‪:‬‬
‫اعلم أنهم لم يكونوا يسألون النبي – صلى هللا عليه وسلم‪ -‬عن إسناده‬
‫فيما يقول‪ ،‬بل كانوا يسألونه عن ثبوت نبوته فإذا ثبتت النبوة لديهم‬
‫آمنوا به فإذا آمنوا به صدقوه فيما يقول وهذا من لوازم اإليمان به –‬
‫َس بْنَ َما ِلكٍ قَال‪ :‬بَ ْينَ َما‬ ‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬ففي الحديث عن أَن َ‬
‫سلَّ َم فِي ْال َم ْس ِج ِد دَ َخ َل َر ُج ٌل‬ ‫َّللاُ َعلَ ْي ِه َو َ‬‫صلَّى َّ‬ ‫وس َم َع النَّ ِبي ِ َ‬ ‫ن َْح ُن ُجلُ ٌ‬
‫ي‪-‬‬ ‫َعلَى َج َم ٍل فَأَنَا َخهُ ِفي ْال َم ْس ِج ِد ث ُ َّم َعقَلَهُ ث ُ َّم قَا َل لَ ُه ْم أَ ُّي ُك ْم ُم َح َّمد ٌ َوالنَّ ِب ُّ‬
‫ئ فَقَا َل لَهُ‬ ‫ض ْال ُمتَّ ِك ُ‬ ‫الر ُج ُل ْاأل َ ْب َي ُ‬ ‫ظ ْه َرا َن ْي ِه ْم فَقُ ْلنَا َهذَا َّ‬ ‫ئ َبيْنَ َ‬ ‫ﷺ‪ُ -‬متَّ ِك ٌ‬
‫الر ُج ُل‬ ‫ي‪-‬ﷺ‪ -‬قَدْ أ َ َج ْبتُ َك فَقَا َل َّ‬ ‫ب فَقَا َل لَهُ النَّ ِب ُّ‬ ‫ط ِل ِ‬‫الر ُج ُل ابْنَ َع ْب ِد ْال ُم َّ‬ ‫َّ‬
‫ي فِي نَ ْفس َ‬
‫ِك‬ ‫سائِلُ َك فَ ُمش َِددٌ َعلَي َْك فِي ْال َم ْسأَلَ ِة فَ َال تَ ِجدْ َعلَ َّ‬ ‫ِللنَّ ِبي ِ‪-‬ﷺ‪ِ -‬إنِي َ‬
‫سلَ َك ِإلَى‬ ‫آَّللُ أَ ْر َ‬ ‫ب َم ْن قَ ْبلَ َك َّ‬ ‫س ْل َع َّما َبدَا لَ َك فَقَا َل أ َ ْسأَلُ َك بِ َر ِب َك َو َر ِ‬ ‫فَقَا َل َ‬
‫ي‬
‫ص ِل َ‬ ‫آَّللُ أَ َم َر َك أَ ْن نُ َ‬ ‫اَّللِ َّ‬‫شد َُك ِب َّ‬ ‫اس ُك ِل ِه ْم فَقَا َل اللَّ ُه َّم نَ َع ْم قَا َل أ َ ْن ُ‬ ‫النَّ ِ‬
‫آَّللُ‬‫اَّللِ َّ‬ ‫شد َُك ِب َّ‬ ‫س فِي ْاليَ ْو ِم َواللَّ ْيلَ ِة قَا َل اللَّ ُه َّم نَ َع ْم قَا َل أ َ ْن ُ‬ ‫ت ْالخ َْم َ‬ ‫صلَ َوا ِ‬ ‫ال َّ‬
‫اَّللِ‬‫شد َُك ِب َّ‬ ‫سنَ ِة قَا َل اللَّ ُه َّم نَعَ ْم قَا َل أَ ْن ُ‬ ‫ش ْه َر ِم ْن ال َّ‬ ‫وم َهذَا ال َّ‬ ‫ص َ‬ ‫أ َ َم َر َك أَ ْن نَ ُ‬
‫‪22‬‬

‫صدَقَةَ ِم ْن أَ ْغنِيَائِنَا فَتَ ْق ِس َم َها َعلَى فُقَ َرائِنَا فَقَا َل‬ ‫آَّللُ أ َ َم َر َك أ َ ْن تَأ ْ ُخذَ َه ِذ ِه ال َّ‬ ‫َّ‬
‫سو ُل َم ْن‬ ‫ت ِب ِه َوأَنَا َر ُ‬ ‫ت ِب َما ِجئْ َ‬ ‫الر ُج ُل آ َم ْن ُ‬ ‫ي‪-‬ﷺ‪ -‬اللَّ ُه َّم نَ َع ْم فَقَا َل َّ‬ ‫النَّ ِب ُّ‬
‫س ْع ِد ب ِْن َب ْك ٍر َ"(‪.)26‬‬ ‫ض َما ُم ب ُْن ثَ ْعلَبَةَ أَ ُخو بَنِي َ‬ ‫َو َرائِي ِم ْن قَ ْو ِمي َوأَنَا ِ‬
‫ع ْن‬ ‫اس َ‬ ‫صد ُُر النَّ ُ‬ ‫ْت َر ُج ًال َي ْ‬ ‫سلَي ٍْم‪ ،‬قَا َل‪َ :‬رأَي ُ‬ ‫و َع ْن أ َ ِبي ُج َري ٍ َجا ِب ِر ب ِْن ُ‬
‫سو ُل‬ ‫ت‪َ :‬م ْن َهذَا؟ قَالُوا‪َ :‬هذَا َر ُ‬ ‫صدَ ُروا َع ْنهُ‪ ،‬قُ ْل ُ‬ ‫ش ْيئًا ِإ َّال َ‬ ‫َرأْ ِي ِه‪َ ،‬ال يَقُو ُل َ‬
‫َّللاِ‪َ ،‬م َّرتَي ِْن‪ ،‬قَا َل‪َ " :‬ال تَقُ ْل‪:‬‬ ‫سو َل َّ‬ ‫س َال ُم يَا َر ُ‬ ‫ت‪َ :‬علَي َْك ال َّ‬ ‫َّللاِ‪-‬ﷺ‪ ،-‬قُ ْل ُ‬ ‫َّ‬
‫س َال ُم َعلَي َْك " قَا َل‪:‬‬ ‫س َال ُم ت َ ِحيَّةُ ْال َميِتِ‪ ،‬قُ ْل‪ :‬ال َّ‬ ‫س َال ُم‪ ،‬فَإ ِ َّن َعلَي َْك ال َّ‬ ‫َعلَي َْك ال َّ‬
‫ض ٌّر‬‫صا َب َك ُ‬ ‫َّللاِ الَّذِي ِإذَا أ َ َ‬ ‫سو ُل َّ‬ ‫َّللاِ؟ قَا َل‪« :‬أَنَا َر ُ‬ ‫سو ُل َّ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫ت‪ :‬أ َ ْن َ‬ ‫قُ ْل ُ‬
‫سنَ ٍة فَدَ َع ْوتَهُ‪ ،‬أ َ ْنبَتَ َها لَ َك‪َ ،‬و ِإذَا‬ ‫صابَ َك َعا ُم َ‬ ‫شفَهُ َع ْن َك‪َ ،‬و ِإ ْن أ َ َ‬ ‫فَدَ َع ْوتَهُ َك َ‬
‫احلَت ُ َك فَدَ َع ْوتَهُ‪َ ،‬ردَّهَا‬ ‫ت َر ِ‬ ‫ضلَّ ْ‬‫ض قَ ْف َرا َء ‪ -‬أ َ ْو فَ َالةٍ ‪ -‬فَ َ‬ ‫ت ِبأ َ ْر ٍ‬ ‫ُك ْن َ‬
‫سبَب ُ‬
‫ْت‬ ‫سب ََّّن أَ َحدًا» قَا َل‪ :‬فَ َما َ‬ ‫ي‪ ،‬قَا َل‪َ « :‬ال تَ ُ‬ ‫ت‪ :‬ا ْع َهدْ إِلَ َّ‬ ‫َعلَي َْك»‪ ،‬قَا َل‪ :‬قُ ْل ُ‬
‫ش ْيئًا ِمنَ‬ ‫يرا‪َ ،‬و َال شَاةً‪ ،‬قَا َل‪َ « :‬و َال ت َ ْح ِق َر َّن َ‬ ‫َب ْعدَهُ ُح ًّرا‪َ ،‬و َال َع ْبدًا‪َ ،‬و َال َب ِع ً‬
‫ِط ِإلَ ْي ِه َو ْج ُه َك ِإ َّن ذَ ِل َك ِمنَ‬ ‫ت ُم ْنبَس ٌ‬ ‫َاك َوأ َ ْن َ‬ ‫وف‪َ ،‬وأَ ْن ت ُ َك ِل َم أَخ َ‬ ‫ْال َم ْع ُر ِ‬
‫ْت فَإِلَى ْال َك ْعبَي ِْن‪،‬‬ ‫ق‪ ،‬فَإ ِ ْن أَبَي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ف ال َّ‬ ‫ص ِ‬ ‫ار َك إِلَى نِ ْ‬ ‫ارفَ ْع ِإزَ َ‬ ‫وف‪َ ،‬و ْ‬ ‫ْال َم ْع ُر ِ‬
‫ب ْال َم ِخيلَةَ‪،‬‬ ‫اإلزَ ِار‪ ،‬فَإِنَّ َها ِمنَ ال َم ِخيلَ ِة‪َ ،‬وإِ َّن َّ‬
‫َّللاَ َال يُ ِح ُّ‬ ‫َّاك َوإِ ْسبَا َل ْ ِ‬ ‫َوإِي َ‬
‫يك‪ ،‬فَ َال ت ُ َع ِي ْرهُ ِب َما تَ ْعلَ ُم ِفي ِه‪ ،‬فَإِنَّ َما‬ ‫شت َ َم َك َو َعي ََّر َك ِب َما َي ْعلَ ُم ِف َ‬ ‫َو ِإ ِن ْام ُرؤٌ َ‬
‫َوبَا ُل ذَ ِل َك َعلَ ْي ِه»(‪.)27‬‬
‫‪-‬اإلسناد في عصر الصحابة‪:‬‬
‫وأما الصحابة رضي هللا عنهم فهم عدول لم يكونوا يكذبون على‬
‫رسول هللا‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬وال يستطيعون ذلك‪ ،‬ولم يكونوا‬
‫ضا‪ ،‬وظل األمر كذلك في جيلهم رضي هللا عنهم‬ ‫يكذب بعضهم بع ً‬
‫حتى ابتدأت الفتن بقتل عمر رضي هللا عنه‪ ،‬وكان ال يزال أمر‬
‫الرواية على ما كان عليه قبل ذلك‪ ،‬فلما قتل عثمان انقسم الناس‪،‬‬
‫وتوسعت الفتوحات‪ ،‬فاختلط بالصحابة قوم من التابعين كان فيهم‬
‫أخالط من الزنادقة‪ ،‬والمرتزقة‪ ،‬وقليل الدين‪ ،‬وأعداء اإلسالم‪ ،‬الذين‬

‫‪ ))26‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب‪ :‬العلم‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في العلم‪ ،‬رقم (‪.)63‬‬
‫‪ ))27‬أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب‪ :‬اللباس‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في إسبال اإلزار‪ ،‬رقم (‪،)4084‬‬
‫والبيهقي في الكبرى‪ ،‬كتاب‪ :‬الشهادات‪ ،‬باب‪ :‬شهادة أهل المعصية ‪ 236/10‬رقم‬
‫(‪.)21623‬‬
‫‪23‬‬

‫فشلوا في مواجهة الدين بالسالح فعمدوا إلى االفتراء والكذب‬


‫وتحريف النصوص وتغييرها‪ ،‬ومن هنا بدا التفتيش عن األسانيد‪،‬‬
‫والسؤال عن رواة األحاديث‪ ،‬واالهتمام بذلك أيما اهتمام‪ ،‬حتى ال‬
‫يقبل إال الحديث الذي يرويه أهل العدالة والضبط‪ ،‬قَا َل ُم َح َّم ِد ب ِْن‬
‫ت ْال ِفتْنَةُ قَالُوا‪:‬‬ ‫اإل ْسنَادِ‪ ،‬فَلَ َّما َوقَ َع ِ‬ ‫يرينَ ‪َ " :‬كانُوا َال َي ْسأَلُونَ َع ِن ْ ِ‬ ‫ِس ِ‬
‫سنَّ ِة فَنَأ ْ ُخذَ َحدِيثَ ُه ْم‪َ ،‬و ِإلَى أَ ْه ِل‬ ‫ظ َر ِإلَى أ َ ْه ِل ال ُّ‬ ‫س ُّموا لَنَا ِر َجالَ ُك ْم فَنَ ْن ُ‬ ‫َ‬
‫ي إِلَى‬ ‫شي ٌْر ْالعَدَ ِو ُّ‬ ‫ْالبِدْ َع ِة فَ َال نَأ ْ ُخذَ َحدِيث َ ُه ْم "‪ ،‬و َع ْن ُم َجا ِهدٍ‪ ،‬قَا َل‪َ :‬جا َء بُ َ‬
‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه‬ ‫سو ُل هللاِ َ‬ ‫ِث‪َ ،‬و َيقُو ُل‪ :‬قَا َل َر ُ‬ ‫َّاس‪ ،‬فَ َج َع َل يُ َحد ُ‬ ‫اب ِْن َعب ٍ‬
‫َّاس َال يَأْذَ ُن‬ ‫سلَّ َم‪ ،‬فَ َج َع َل اب ُْن َعب ٍ‬ ‫علَ ْي ِه َو َ‬‫صلَّى هللاُ َ‬ ‫سو ُل هللاِ َ‬ ‫سلَّ َم‪ ،‬قَا َل َر ُ‬‫َو َ‬
‫اك تَ ْس َم ُع‬ ‫َّاس‪َ ،‬ما ِلي َال أَ َر َ‬ ‫ظ ُر ِإلَ ْي ِه‪ ،‬فَقَا َل‪ :‬يَا ابْنَ َعب ٍ‬ ‫ِل َحدِيثِ ِه‪َ ،‬و َال يَ ْن ُ‬
‫َّاس‪" :‬‬ ‫سو ِل هللاِ‪-‬ﷺ‪َ ،-‬و َال تَ ْس َم ُع‪ ،‬فَقَا َل اب ُْن َعب ٍ‬ ‫ِل َحدِيثِي‪ ،‬أ ُ َح ِدث ُ َك َع ْن َر ُ‬
‫سو ُل هللاِ‪-‬ﷺ‪ -‬ا ْبتَدَ َرتْهُ‬ ‫س ِم ْعنَا َر ُج ًال َيقُو ُل‪ :‬قَا َل َر ُ‬ ‫ِإنَّا ُكنَّا َم َّرة ً ِإذَا َ‬
‫ب‪َ ،‬والذَّلُو َل‪،‬‬ ‫ص ْع َ‬ ‫اس ال َّ‬ ‫ب النَّ ُ‬ ‫صغَ ْينَا ِإلَ ْي ِه ِبآذَانِنَا‪ ،‬فَلَ َّما َر ِك َ‬ ‫ارنَا‪َ ،‬وأ َ ْ‬ ‫ص ُ‬‫أ َ ْب َ‬
‫ف "‪.‬‬ ‫اس ِإ َّال َما نَ ْع ِر ُ‬ ‫لَ ْم نَأ ْ ُخذْ ِمنَ النَّ ِ‬
‫ولقد حذر رسول هللا –صلى هللا عليه وسلم‪ -‬من األفَّاكين المولعين‬
‫بالغرائب‪ ،‬ورواية المناكير‪ ،‬وأخبر أنهم مضللون‪ ،‬فاحذروهم على‬
‫آخ ِر‬ ‫ون فِي ِ‬ ‫سيَ ُك ُ‬ ‫دينكم‪ ،‬فقال فيما رواه أبو هريرة مرفو ًعا‪ " :‬إَنَّهُ َ‬
‫ث ِب َما لَ ْم تَ ْس َمعُوا أَ ْنت ُ ْم‬ ‫ان دَ َّجالُونَ َكذَّابُونَ ‪ ،‬يَأْتُونَ ُك ْم ِمنَ َاأل َ َحادِي ِ‬ ‫الز َم ِ‬‫َّ‬
‫ضلُّونَ ُك ْم‪َ ،‬و َال يَ ْف ِتنُو َن ُك ْم "‪.‬‬ ‫َو َال آبَاؤُ ُك ْم؛ فَإِيَّا ُك ْم َو ِإيَّا ُه ْم‪َ ،‬ال يُ ِ‬
‫َاس يُ َح ِدثُو َن ُك ْم َما لَ ْم ت َ ْس َمعُوا‬ ‫آخ ِر أ ُ َّم ِتي أُن ٌ‬ ‫ون ِفي ِ‬ ‫س َي ُك ُ‬ ‫وفي رواية " َ‬
‫أَ ْنت ُ ْم‪َ ،‬و َال آبَاؤُ ُك ْم‪ ،‬فَإِيَّا ُك ْم َو ِإيَّا ُه ْم "‪.‬‬
‫فأما الكاذبون على النبي – صلى هللا عليه وسلم‪ -‬المجترئون على‬
‫سنته‪ ،‬المختلقون للكذب عليه صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فالويل لهم‪،‬‬
‫ومقعدهم من جهنم قد أعد لهم‪ ،‬فقد أخرج الشيخان من حديث أبي‬
‫ب َعلَ َّ‬
‫ي‬ ‫هريرة‪ ،‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪َ " :‬م ْن َكذَ َ‬
‫ُمت َ َع ِمدًا فَ ْليَتَبَ َّوأْ َم ْق َعدَهُ ِمنَ النَّا ِر"‪ ،‬وقد تواتر هذا الحديث عن رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم من رواية اثنين وسبعين صحابيًا عنه صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن حديث علي رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫ار " فهؤالء‬ ‫ي يَ ِلجِ النَّ َ‬ ‫ب َعلَ َّ‬ ‫ي‪ ،‬فَإ ِنَّهُ َم ْن َكذَ َ‬ ‫قال‪ " :‬ال ت َ ْك ِذبُوا َعلَ َّ‬
‫‪24‬‬

‫الدجالون إما أن ينتهوا عما هم فيه‪ ،‬أو لَيُصيبنَّهم العذاب الموعود‪،‬‬


‫قال – سبحانه وتعالى‪ " :-‬الَ تَ ْفت َ ُرواْ َعلَى َّ‬
‫َّللاِ َكذِبا ً فَيُ ْس ِحتَ ُكم ِب َعذَا ٍ‬
‫ب‬
‫َاب َم ِن ا ْفت َ َرى "‪ ،‬وقال عز وجل‪ " :‬إِ َّن الَّذِينَ يَ ْفت َ ُرونَ َعلَى َّ‬
‫َّللاِ‬ ‫َوقَدْ خ َ‬
‫اب أَ ِلي ٌم "‪ .‬وال تظن أن هذه‬ ‫ع قَ ِلي ٌل َولَ ُه ْم َعذَ ٌ‬ ‫ْال َكذ َ‬
‫ِب الَ يُ ْف ِل ُحونَ َمتَا ٌ‬
‫اآليات خاصة بمن يفتري الكذب على هللا عز وجل فحسب؛ بل هي‬
‫في ذلك‪ ،‬وفيمن افترى على نبي هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬؛ ألن‬
‫االفتراء على النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬هو في حقيقة األمر‬
‫افتراء على هللا تعالى‪.‬‬
‫‪ -‬بدأ التفتيش عن اإلسناد منذ وقت التنزيل‪.‬‬
‫فقد كان النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يستبين من أصحاب األخبار‪،‬‬
‫َّاس‬
‫ويتثبت من إسالمهم فإن ثبت قبل منهم‪ ،‬وإال فال‪ ،‬ف َع ِن اب ِْن َعب ٍ‬
‫ى إِلَى النَّبِ ِى ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬فَقَا َل ‪ :‬إِنِى َرأَي ُ‬
‫ْت‬ ‫قَا َل ‪َ :‬جا َء أَع َْرابِ ٌّ‬
‫َّللاُ »‪ .‬قَا َل ‪:‬‬ ‫ضانَ فَقَا َل ‪ «:‬أَت َ ْش َهدُ أَ ْن الَ ِإلَهَ ِإالَّ َّ‬ ‫ْال ِهالَ َل َي ْع ِنى ِهالَ َل َر َم َ‬
‫َّللاِ »‪ .‬قَا َل ‪ :‬نَ َع ْم قَا َل ‪َ «:‬يا ِبالَ ُل‬ ‫سو ُل َّ‬ ‫نَ َع ْم قَا َل ‪ «:‬أَتَ ْش َهد ُ أَ َّن ُم َح َّمدًا َر ُ‬
‫صو ُموا َغد ًا »‪.‬‬ ‫اس أ َ ْن يَ ُ‬ ‫أَذ ِْن فِى النَّ ِ‬
‫أخرجه أبو داود‪ ،‬الترمذي‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬وأحمد‪،‬‬
‫والبيهقي‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وفي إسناده مقال‪.‬‬
‫سن رسول هللا‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ألمته البحث عن‬ ‫ومع ذلك فقد َّ‬
‫األسانيد‪ ،‬والسؤال عن الرواة‪ ،‬فعدل وجرح‪ ،‬فعن النُّ ْع َمانَ بْنَ بَش ٍ‬
‫ِير‬
‫َّللاِ‪-‬ﷺ‪ -‬يَقُو ُل ْال َح َال ُل بَيِ ٌن َو ْال َح َرا ُم بَيِ ٌن َوبَ ْي َن ُه َما‬ ‫سو َل َّ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫س ِم ْع ُ‬ ‫يَقُو ُل َ‬
‫ت ا ْستَب َْرأَ ِلدِي ِن ِه‬ ‫اس فَ َم ْن اتَّقَى ْال ُم َ‬
‫شبَّ َها ِ‬ ‫ير ِم ْن النَّ ِ‬‫ات َال َي ْعلَ ُم َها َك ِث ٌ‬ ‫شبَّ َه ٌ‬
‫ُم َ‬
‫ت َك َراعٍ َي ْر َعى َح ْو َل ْال ِح َمى يُو ِش ُك أَ ْن‬ ‫ض ِه َو َم ْن َوقَ َع فِي ال ُّ‬
‫شبُ َها ِ‬ ‫َو ِع ْر ِ‬
‫ار ُمهُ أ َ َال‬ ‫ض ِه َم َح ِ‬ ‫َّللاِ فِي أَ ْر ِ‬ ‫يُ َواقِ َعهُ أ َ َال َو ِإ َّن ِل ُك ِل َم ِلكٍ ِح ًمى أَ َال ِإ َّن ِح َمى َّ‬
‫سدَ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫سدُ ُكلُّهُ َوإِذَا فَ َ‬
‫سد َ ْ‬ ‫صلَ َح ْال َج َ‬‫ت َ‬ ‫صلَ َح ْ‬‫ضغَةً إِذَا َ‬ ‫س ِد ُم ْ‬ ‫َوإِ َّن فِي ْال َج َ‬
‫ي ْالقَ ْل ُ‬
‫ب‬ ‫سدُ ُكلُّهُ أ َ َال َو ِه َ‬‫ْال َج َ‬
‫‪ -‬وقال في عبد هللا بن عمر‪ :‬إن عبد هللا رجل صالح لو كان يقوم‬
‫من الليل‪.‬‬
‫‪ -‬وقال‪ :‬إن عمرو بن العاص من صالحي قريش‪.‬‬
‫‪ -‬بئس أخو العشيرة‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫المتكلمون في الرجال من الصحابة‪ :‬أنس‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وابن عمر‪،‬‬


‫وعائشة‪.‬‬
‫‪ -‬ظهرت الفرق بعد وفاة عثمان بن عفان – رضي هللا عنه‪-‬‬
‫وهي الوقت الذي بدأ فيه التفتيش عن الرجال‪.‬‬
‫‪ -‬من التابعين سعيد بن المسيب‪ ،‬ومجاهد بن جبر‪ ،‬والزهري‪،‬‬
‫وأمثالهم شعبة‪.‬‬
‫‪ -‬ثم طبقة مالك وابن أبي ذنب‪ ،‬وابن عيينة‪ ،‬والثوري‪ ،‬وشعبة‪.‬‬
‫‪ -‬ثم طبقة ابن القطان‪ ،‬وابن مهدي‪.‬‬
‫‪ -‬ثم طبقة ابن المديني‪ ،‬وابن معين‪ ،‬وأحمد‪.‬‬
‫‪ -‬ثم طبقة البخاري‪ ،‬ومسلم‪ ،‬وأبي حاتم‪ ،‬وأبي زرعة‪،‬‬
‫والترمذي‪.‬‬
‫‪ -‬ثم النسائي‪ ،‬والبزار‪ ،‬وأبو يعلى‪ ،‬ثم الدارقطني‪ ،‬وغيرهم كثير‬
‫(‪.)28‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬أنواع الرواة‪:‬‬


‫الفصل األول‪ :‬األنبياء‪:‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الصحابة‪:‬‬

‫‪ ))28‬فتح المغيث ‪.438/4‬‬


‫‪26‬‬

‫أقسام العالي من السند والنازل‬


‫وبيان فضلهما وما يلتحق بذلك من بيان الموافقة والبدل‬
‫والمصافحة والمساواة‪.‬‬
‫أصل اإلسناد أوال خصيصة فاضلة من خصائص هذه األمة وسنة‬
‫بالغة من السنن المؤكده كما أشرت إليه قبيل مراتب التعديل‬
‫وقد روينا من طريق أبي العباس الدغولي قال سمعت محمد بن‬
‫حاتم بن المظفر يقول إن هللا أكرم هذه األمة وشرفها وفضلها‬
‫باإلسناد وليس ألحد من األمم كلها قديمها وحديثها إسناد إنما هو‬
‫صحف في أيديهم وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم فليس عندهم تمييز‬
‫بين ما نزل من التوراة واإلنجيل وبين ما ألحقوه بكتبهم من‬
‫األخبار التي أخذوها عن غير الثقات وهذه األمة إما تنص الحديث‬
‫عن الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق واألمانة عن مثله‬
‫حتى تناهى أخبارهم ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا األحفظ‬
‫فاألحفظ واألضبط فاألضبط واألطول مجالسة لمن فوقه ممن كان‬
‫أقل مجالسة ثم يكتبون الحديث من عشرين وجها أو أكثر حتى‬
‫يهذبوه من الغلط والزلل ويضبطون حروفه ويعدوه عدا فهذا من‬
‫أفضل نعم هللا على هذه األمة فليوزع هللا شكر هذه النعمة‬
‫وقال أبو حاتم الرازي لم يكن في أمة من األمم منذ خلق هللا آدم‬
‫أمة يحفظون آثار الرسل إال في هذه األمة‬
‫وقال أبو بكر محمد بن أحمد‪ " :‬بلغني أن هللا خص هذه األمة‬
‫بثالثة أشياء لم يعطها من قبلها اإلسناد‬
27

You might also like