You are on page 1of 60

‫يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬

‫‪ : 2019‬الـسنـة الدولـيـة للغـات الشعوب األصلية‬

‫لما تشرب‬
‫الماء‪ ،‬فكّر‬
‫في النبع‬

‫أفكار‪ :‬مقال‬
‫للكاتب و‪ .‬ه‪ .‬أودن‬
‫ينشر ألول مرة‬

‫ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ‬


‫ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‬
‫اشرتكوا يف‬ ‫اكتشفوا‬
‫النسخة اإللكرتونية‬
‫رسالة‬
‫اليونسكو‬
‫مجاني ‪%100‬‬ ‫وساهموا‬
‫‪http//ar.unesco.org/courier/subscribe‬‬ ‫يف التعريف بها!‬

‫اطالع‬ ‫تصدر يف ‪ 10‬لغات‬


‫وتقاسم‬ ‫اإلنجليزية والعربية والصينية‬
‫واإلسبانية واإلسربانتو والفرنسية‬
‫ساهموا بصفة فعّ الة يف إنجاح رسالة اليونسكو‬
‫والربتغالية والروسية والرسدينية والصقلية‪.‬‬
‫بالتشجيع عىل ترويجها واستعمالها طبقا لسياسة‬ ‫كونوا رشكاء فاعلني‪ ،‬اقرتحوا إصدار رسالة‬
‫االستعمال الحر للمنظمة‪.‬‬ ‫اليونسكو يف لغات إضافية‪.‬‬

‫الورقية ‪Abonnez-vous à‬‬ ‫‪papier‬النسخة‬


‫‪la version‬‬ ‫اشرتكوا يف‬
‫‪an54(4‬يورو‬
‫‪• 1‬‬ ‫أعداد)‪:‬‬ ‫سنتان (‪8‬‬
‫)‪numéros‬‬ ‫يور و ‪• €‬‬
‫‪: 27‬‬ ‫‪• 2‬‬‫‪27ans‬‬
‫أعداد)‪:‬‬
‫(‪(8 4‬‬ ‫‪: 54‬سنة واحدة‬
‫)‪numéros‬‬ ‫‪• €‬‬

‫الرجاء توجيه أي طلب إىل‪:‬‬ ‫وحيث أن هذه النرشية ليس لها غاية ربحية‪ ،‬فإن‬
‫سعرها يُغ ّ‬
‫طي فقط تكاليف طبعها وإرسالها‪.‬‬
‫‪DL Services – C/O Michot Entrepôts‬‬
‫‪Chaussée de Mons 77,‬‬
‫عرض تفضييل لالشرتاكات ا ُملج ّمعة‪ %10 :‬تخفيض‬
‫‪B 1600 Sint Pieters Leeuw, Belgique‬‬
‫ ‪Tél.: (+ 32) 477 455 329   E-mail: jean.de.lannoy@dl-servi.com‬‬ ‫بداية من خمسة اشرتاكات‪.‬‬

‫اإلرشادات وحقوق إعادة النرش‪:‬‬ ‫اإلنتاج والرتويج‪:‬‬ ‫‪ - 2019‬عدد ‪ - 1‬تصدر منذ ‪1948‬‬
‫‪courier@unesco.org‬‬ ‫إيان دنيسون‪ ،‬رئيس وحدة النرشيات‬ ‫تصدر رسالة اليونسكو فصليا عن منظمة األمم املتحدة‬
‫‪7, place de Fontenoy, 75352 Paris 07 SP, France  ‬‬ ‫إيريك فروجي‪ ،‬مساعد رئييس لالنتاج‬
‫‪© UNESCO 2019‬‬ ‫للرتبية والعلم والثقافة‪ .‬هدفها التعريف باملثل العليا للمنظمة‬
‫اإلنتاج الرقمي‪:‬‬ ‫من خالل نرش تبادل األفكار حول مواضيع ذات بُعد دويل‬
‫‪ISSN 2220-3540 • eISSN 2220-3540‬‬
‫‪ ‬‬ ‫دنيس بتزاليس‪ ،‬مصمم ومطور مواقع الكرتونية‬ ‫ومتعلقة باملهام املوكولة إليها‪.‬‬
‫العالقات مع وسائل اإلعالم‪:‬‬ ‫السخي الذي ّ‬
‫توفره‬ ‫ّ‬ ‫تصدر رسالة اليونسكو بفضل الدعم‬
‫اليتيسيا كايس‪ ،‬ملحقة صحفية‬ ‫الصني الشعبية‪.‬‬‫جمهورية ِّ‬
‫مجلة فصلية ح ّرة اإلقتناء‪ ،‬برتخيص من‬ ‫الرتجمة‪ :‬منري الرشيف‪ ،‬خالد أبو حجلة‪ ،‬نبيل ّ‬
‫السخاوي‬ ‫املدير‪ :‬فانسان دي فورني‬
‫)‪Attribution-ShareAlike 3.0 IGO (CC-BY-SA 3.0 IGO‬‬ ‫التصميم‪ :‬كورين هايوارث‬ ‫رئيسة التحرير‪ :‬ياسمينا شوبوفا‬
‫)‪(http://creativecommons.org/licenses/by-sa/3.0/igo/‬‬ ‫صورة الغالف‪ © :‬ماركو توكسيكو‬ ‫أمينة التحرير‪ :‬كاترينا مركيلوفا‬
‫يعرتف مستعميل محتويات املجلة بقبولهم رشوط اإلستعمال‬
‫املنصوص عليها يف نظام التوثيق املفتوح لليونسكو‬ ‫الطباعة‪ :‬اليونسكو‬ ‫مح ٌررة‪ :‬شان سياورونغ‬
‫‪http://ar.unesco.org/open-access/‬‬ ‫النرشات املشرتكة‪:‬‬ ‫التحرير‪:‬‬
‫يطبق هذا الرتخيص حرصيّا عىل استعمال النصوص‪ .‬بالنسبة‬ ‫الربتغالية‪ :‬آنا لوشيا غيمارايس‬ ‫اإلنجليزية‪ :‬رشاز سيدهفا‬
‫الستعمال الصور‪ ،‬من الرضوري توجيه طلب إىل اليونسكو‬ ‫اسبريانتو‪ :‬تريزورو هوانغ ينباو‬ ‫العربية‪ :‬أنيسة الربّاق‬
‫للحصول عىل ترخيص مسبق‪.‬‬ ‫الرسدينية‪ :‬دياغو كرايني‬ ‫الصينية‪ :‬سون مني ودار الصني للرتجمة والنرش‬
‫إن التسميات وطريقة تصميم املعطيات الواردة يف هذه النرشية‬ ‫الصقلية‪ :‬دافيد بالينو‬ ‫اإلسبانية‪ :‬ويليام نافاريت‬
‫تعب عن أي موقف ملنظمة اليونسكو حول الوضع القانوني‬ ‫ال ّ‬ ‫الفرنسية‪ :‬غربيال كازاجوس‪ ،‬مكلف باملراجعة‬
‫للدول‪ ،‬ولألرايض‪ ،‬وللمدن أو املناطق‪ ،‬أو حول الهيئات الحاكمة‪،‬‬ ‫الروسية‪ :‬مارينا يرتسيفا‬
‫أو الحدود املرسومة‪.‬‬ ‫التحرير اإللكرتوني‪ :‬ماالهات إبراهيموفا‬
‫تعب املقاالت الواردة يف هذه النرشية عن أفكار وآراء مؤ ّلفيها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إخراج الصور‪ :‬دانيكا بيجلجاك‬
‫وهي ليست بالرضورة آراء منظمة اليونسكو وال تلزمها بأي‬ ‫تنسيق الرتجمة واإلخراج‪ :‬فريونيكا فيدورشنكو‬
‫شكل من األشكال‪.‬‬ ‫مساعدة اإلدارة والتحرير‪ :‬كارولينا روالن أورتيغا‬
‫االفتتاحية‬
‫«نأمل يف صياغة موسوعة خاصة بنا‬
‫حول كل ما يتعلق بشؤون املياه‪ .‬فهل‬
‫يتسنّى لكم مساعدتنا؟»‪ .‬ذلك هو‬
‫الطلب الذي تقدّم به إىل اليونسكو‪،‬‬
‫يف منتصف السنوات ‪ ،2000‬وفد من‬
‫مجتمع مايانيا الذي يعيش يف غابة‬
‫بوزاواس االستوائية يف نيكاراغوا‪ .‬وقد‬
‫التحقت هذه الغابة‪ ،‬املعروفة أيضا باسم قلب‬
‫املم ّر البيولوجي ألمريكا الوسطى‪ ،‬بالشبكة‬
‫ورغم ذلك‪ ،‬فإن الطريق ما زالت طويلة حتى‬ ‫وتوجد طريقة واحدة لنقل هذه املعارف التي‬
‫العاملية ملحميات املحيط الحيوي التابعة‬
‫تتمكن الشعوب األصلية من التخ ّلص من‬ ‫تشتمل عىل معلومات أساسية حول سبل‬ ‫لليونسكو سنة ‪ .1997‬وبما أن املن ّ‬
‫ظمة‬
‫التهميش وتتجاوز العقبات العديدة التي‬ ‫العيش والصحّ ة واالستغالل ا ُملستدام للموارد‬
‫أطلقت سنة ‪ 2002‬برنامج أنظمة املعارف‬
‫تواجهها‪ .‬إن ثلث األشخاص الذين يعيشون‬ ‫الطبيعية‪ ،‬أال وهي اللغة‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن املحافظة‬
‫املحلية للسكان األصليني (لينكس)‪ ،‬كانت‬
‫يف فقر مدقع عرب العالم ينتمون إىل تجمّ عات‬ ‫عىل لغات السكان األصليني ـ ومن بينها عدد‬
‫الفرتة مناسبة لبعث مرشوع مبتكر‪ :‬التسجيل‬
‫السكان األصليني‪ .‬وحسب فيكتوريا تاويل‪-‬‬ ‫متزايد مهدّد باالنقراض ـ أمر حاسم‪ ،‬ال فقط‬
‫الصوتي ملعارف السكان األصليني قصد تجميع‬
‫كربوز‪ ،‬املقررة الخاصة لألمم املتحدة لحقوق‬ ‫من أجل الحفاظ عىل التنوّ ع اللغوي‪ ،‬وإنما‬ ‫ّ‬
‫املتوفرة يف مايانيا حول‬ ‫ونرش كل املعلومات‬
‫الشعوب األصلية‪ ،‬ال زالت الترشيعات التي‬ ‫أيضا التنوّ ع الثقايف والبيولوجي للعالم‪.‬‬
‫األسماك والسالحف‪ .‬ويف سنة ‪ ،2010‬صدر‬
‫سنت لصالح الشعوب األصلية يف العديد‬
‫وإن كانت الشعوب األصلية ال تُمثّل إال ‪%5‬‬ ‫كتاب يف جزأين يض ّم أكثر من ‪ 450‬صفحة‪،‬‬
‫من الدول متعارضة مع عدة قوانني أخرى‪،‬‬
‫من سكان العالم‪ّ ،‬إل أنها تنطق بأغلبية‬ ‫وبلغتني (مايانيا واالسبانية)‪ ،‬فكان تتويجا‬
‫ّ‬
‫وخاصة منها القوانني املنظمة للفالحة‪،‬‬
‫لغات العالم التي يبلغ عددها ‪ 7000‬لغة‪،‬‬ ‫للمرحلة األوىل من مرشوع أشمل حول معارف‬
‫واألرايض‪ ،‬واملحافظة عىل الغابات‪ ،‬والصناعات‬
‫وأنها «تمتلك‪ ،‬أو تحت ّل‪ ،‬أو تستغ ّل ‪ %22‬من‬ ‫مايانيا ا ُملتّصلة بالطبيعة بشكل عام‪.‬‬
‫الغابية واملعدنية‪.‬‬
‫مجموع أرايض العالم‪ ،‬وهذه النسبة تُمثّل‬
‫سكان مايانيا كانوا عىل علم بأنهم إذا تباطؤوا‬
‫يف هذا العدد‪ ،‬تخصص الرسالة ملف زاوية‬ ‫بدورها ‪ %80‬من التنوّ ع البيولوجي العاملي»‪،‬‬
‫يف تدوين معارفهم‪ ،‬فسوف تؤول لالنقراض‬
‫كربى للشعوب األصلية يحمل عنوانا مستلهما‬ ‫حسب ما جاء يف كتاب مقاومة االرتياب‪،‬‬
‫شيئا فشيئا عىل غرار غابتهم التي تقلصت‬
‫من مثل صيني‪« :‬عندما ترشب املاء‪ ،‬ف ّكر يف‬ ‫الصادر عن اليونسكو سنة ‪.2012‬‬
‫بفعل اقتالع األشجار املخالف للقانون وتطوّر‬
‫النبع»‪ ،‬للتذكري بأن معارف السكان األصليني‬
‫ّ‬ ‫مع إعالن سنة ‪ 2019‬سنة دولية للغات‬ ‫الفالحة املكثفة‪ .‬وهذه الطريقتني الستغالل‬
‫وتستحق أن توليها‬ ‫هي منبع كل املعارف‬
‫الشعوب األصلية وإطالقها رسميا يف اليونسكو‬ ‫الطبيعة تتناقض تماما مع األسلوب التقليدي‬
‫الحداثة مكانة بارزة‪ .‬كما يمثل هذا امللف‬
‫يوم ‪ 28‬يناير‪ ،‬تُؤ ّكد املجموعة الدولية عزمها‬ ‫لحياة السكان األصليني يف محمية بوزاواس‪،‬‬
‫مساهمة يف االحتفال باليوم العاملي للغة األم‪،‬‬
‫عىل مساندة الجهود التي تبذلها الشعوب‬ ‫الذي يستند عىل الصيد الربي والبحري‪ ،‬وجني‬
‫يوم ‪ 21‬فرباير‪.‬‬
‫األصلية للمحافظة عىل معارفها وللتمتّع‬ ‫الغالل ُ‬
‫والخرض‪ ،‬وعىل تربية املوايش يف حدود‬
‫فانسان ديفورني وياسمينا شوبوفا‬ ‫بحقوقها‪ .‬ومنذ إقرار إعالن حقوق الشعوب‬ ‫االكتفاء املعييش‪.‬‬
‫األصلية من قبل الجمعية العامة لألمم املتحدة‬
‫ووفرت لهم اليونسكو املساعدة للحفاظ عىل‬
‫يف ‪ 13‬سبتمرب ‪ ،2007‬تم تحقيق تقدّم كبري يف‬
‫معارفهم حتى يتم ّكنوا من نقلها إىل األجيال‬
‫هذا االتجاه‪.‬‬
‫القادمة‪ ،‬ووضعها يف متناول العلماء عرب‬
‫العالم‪ ،‬وفقا للمهام األساسية لربنامج أنظمة‬
‫املعارف املحلية للسكان األصليني الذي يهدف‬
‫بالخصوص إىل ضمان إدراج تلك املعارف يف‬
‫التعليم الرسمي وغري الرسمي وإىل إدماجها يف‬
‫النقاشات والسياسات العلمية‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫المحتويات‬
‫زاوية كربى‬
‫‪29-6‬‬ ‫لغات الشعوب األصلية‪ :‬معارف وآمال‬
‫ميني ديغاوان‬
‫‪7‬‬

‫نديجاما كويا يش إيني زازا‬ ‫‪9‬‬


‫أراسييل تورس مورالس‬
‫مانون باربو‪ ،‬كامريا يف القلب‬ ‫‪10‬‬
‫أجرى الحوار ساتورنان غوماز‬
‫دق ناقوس الخطر‬ ‫رابا نوي‪ّ :‬‬ ‫‪13‬‬
‫أجرت الحوار ياسمينا شوبوفا‬
‫وكارولينا روالن أورتيغا‬
‫اإلذاعة‪ ،‬وسيلة للبقاء‬ ‫‪16‬‬
‫أفيكسنيم كوختي وأنياس بورتالفسكا‬
‫هند عمرو ابراهيم‪:‬‬ ‫‪18‬‬
‫دفاعا عن حقوق شعب مبورورو‬
‫أجرت الحوار دوميتيي رو‬
‫التكنولوجيات‬ ‫‪20‬‬
‫املتقدمة عىل طريقة سيكو‬
‫جويل هيث‪ ،‬بمساهمة لوكاىس أراغوتيناك‬
‫الرسي‬
‫ّ‬ ‫الحبل‬ ‫‪23‬‬
‫كرييتويا تومارا – تيكا وجيمس دوهرتي‬
‫ط يف تناسق مع البرش‬ ‫أر ّز وسمك وب ّ‬ ‫‪24‬‬
‫داي رونغ وكسيو دايوان‬
‫شعب سامي جوكموك‬ ‫‪26‬‬
‫يتحدّى الحداثة‬
‫ماري رواي‬
‫عودة إىل جزر الو‪،‬‬ ‫‪28‬‬
‫وكل األرشعة مفتوحة‬
‫فولونا تيكواديليماكوتو تويموس‬

‫زوم‬
‫‪37-30‬‬
‫يف بالد األنهار املجنونة‬
‫الصور‪ :‬بروتيك ساركر‬
‫النص‪ :‬كاترينا مركيلوفا‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪4‬‬


‫‪45-38‬‬
‫أفكار‬
‫تأمّ الت يف الحرية والفن‬
‫ويستان هيوغ أودن‬

‫‪49-46‬‬
‫ضيفنا‬
‫عبد الله أحمد النعيم‪ :‬حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫والدولة العلمانية والرشيعة اليوم‬
‫أجرت املقابلة رشاز سيدهفا‬

‫األحداث‬
‫‪58-50‬‬ ‫هوفهانيس تومانيان‪:‬‬
‫شاعر ولوع برسد القصص‬
‫‪51‬‬

‫كريكور ِبليديان‬

‫النوروز‪ :‬براعم يوم جديد‬ ‫‪54‬‬


‫سلفاتوري دونوفريو‬

‫الترصف يف حالة ارتياب‪:‬‬ ‫‪56‬‬


‫مسألة األمن املائي‬
‫هوارد س‪ .‬ويرت‬

‫‪5‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫لما تشرب الماء‪،‬‬
‫زاوية كبرى‬

‫ف ّكر في النبع‬

‫زاوية كبرى‬

‫رسم فني لزيندا‪ ،‬ا ُمل ّلقبة‬


‫بـ«الغرق»‪ ،‬من مجموعة «واال‪ ،‬النظرة‬
‫الثانية»‪ ،2015 ،‬للمصوّر الفرنيس باتريك‬
‫ويلوك‪ .‬زيندا أ ّم بكر مُرضع ـ «واال»‬
‫باللغة املحلية ـ تجربها تقاليد اإليكوند‬
‫(جمهورية كونغو الديمقراطية)‪،‬عىل‬
‫العيش يف عزلة تامة بعد الوضع‪.‬‬
‫النساء الواال يخضعن يوميّا‬
‫إىل استحمام مُطوّل حتى‬
‫يجلبن االنتباه‪.‬‬
‫‪© Patrick Willocq‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪6‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫لغات الشعوب األصلية‪:‬‬

‫معارف وآمال‬
‫ففي الفيليبني‪ ،‬مثال‪ ،‬تشجع الحكومة‬ ‫أية تهديدات؟‬ ‫بقلم ميني ديغاوان‬
‫عىل استعمال لغة األم يف املدارس‪ ،‬لكنها‬
‫ال‪ ‬تُخصص التمويالت لتوفري املد ّرسني أو‬ ‫ما يهدد بقاء الشعوب األصلية باألساس‬ ‫بالنسبة للشعوب األصلية‪ ،‬اللغة‬
‫األدوات التي تسمح ألطفال السكان األصليني‬ ‫التغيات املناخية التي ترضّ أيما رضر‬‫ّ‬ ‫هي‬ ‫ليست فقط عالمة من عالمات الهوية‬
‫بتع ّلم لغتهم‪ .‬فيؤول بهم األمر إىل إتقان لغة‬ ‫باملوارد االقتصادية الرضورية لكسب العيش‪.‬‬
‫أخرى وإتالف لغتهم‪.‬‬ ‫باإلضافة إىل األرضار الجسيمة التي تخلفها‬ ‫واإلنتماء للمجموعة‪ ،‬وإنما هي أيضا‬
‫املشاريع ا ُملسمّ اة بـ«مشاريع التنمية» ‪ -‬عىل‬ ‫وسيلة لنقل القيم األخالقية‪ ،‬وهي‬
‫غرار السدود‪ ،‬والزراعات‪ ،‬واملناجم‪ ،‬وغريها من‬
‫قيم مفقودة‬ ‫أنشطة استخراج املواد من األرض – وكذلك‬
‫قيم حيكت عىل أساسها نظم املعارف‬
‫بعد القبوع تحت التمييز لسنوات طويلة‪،‬‬ ‫السياسات التي تُقاوم التنوّ ع وتُشجّ ع عىل‬ ‫التي سمحت لتلك الشعوب بالعيش يف‬
‫انتهى األولياء األصليني إىل التسليم بوجوب‬ ‫التناسق‪ .‬هناك نزعة مُتزايدة لدى الدول‬ ‫ارتباط باألرض‪ ،‬والتي اتضح أن دورها‬
‫تخيري اللغات السائدة ألطفالهم سواء للتواصل‬ ‫لتجريم األصوات املغايرة مما يؤدي إىل تكثيف‬
‫انتهاك الحقوق‪ :‬ونحن شاهدون عىل االرتفاع‬ ‫كان حاسما يف بقائها‪ .‬وتبقى أساسية‬
‫أو التع ّلم‪ ،‬ليوفروا لهم أحسن الظروف للنجاح‬
‫االجتماعي‪ .‬وبما أن لغتهم األم بقيت محصورة‬ ‫غري املسبوق لعدد السكان األصليني الذين‬ ‫لضمان مستقبل األجيال القادمة‪.‬‬
‫يف التخاطب بني األشخاص املتقدمني يف السن‪،‬‬ ‫يتعرضون للمضايقات واإليقافات واالعتقاالت‬
‫لم يعد األحفاد قادرين عىل التواصل مع‬ ‫وحتى اإلعدام بدون محاكمة ملج ّرد تج ّرئهم‬
‫أجدادهم‪.‬‬ ‫عىل الدفاع عن أراضيهم‪.‬‬
‫اللغات األصلية يف طور االندثار يف مناطق‬
‫عىل سبيل املثال‪ ،‬يوجد يف مجتمع اإليغورو‬ ‫لكننا عند ذكر هذه التهديدات‪ ،‬غالبا ما‬
‫عديدة من العالم ويعكس وضعها وضع‬
‫مفهوم يدعى «إنايان» الذي يحدّد باألساس‬ ‫نغفل تأثريها عىل ثقافات السكان األصليني‬
‫الناطقني بها‪ .‬والسبب يف ذلك يعود باألساس‬
‫السلوك الذي يجب ّ‬
‫توخيه يف مختلف‬ ‫وقيمها‪ .‬فالشعوب األصلية تستم ّد هويتها‪،‬‬
‫إىل سياسات الدول‪ .‬لقد تعمّ دت بعض‬
‫ُلخص عالقة الفرد بمجموعته‬ ‫الوضعيات‪ ،‬و ي ّ‬ ‫وقيمها‪ ،‬ونظم معارفها من تفاعلها مع الوسط‬
‫الحكومات فسخها من الخريطة من خالل‬
‫وأسالفه‪ ،‬وال يكتفي بالتحريض عىل السلوك‬ ‫الطبيعي الذي تعيش فيه‪ ،‬من بحار وغابات‪.‬‬
‫تسليط العقاب عىل مستعمليها‪ ،‬كما حدث‬
‫املستقيم‪ ،‬بل يُنبّه إىل أن «األرواح أو األسالف‬ ‫ولغاتهم ناتجة عن ارتباطهم بهذا املحيط‪ ،‬ألن‬
‫مثال يف األمريكتني يف الفرتة األوىل من االحتالل‪.‬‬
‫ال يستحسنون» السلوك الخاطئ‪ .‬وحيث أن‬ ‫طريقتهم يف وصف ما يُوجد حولهم هي التي‬
‫وتواصل دول أخرى إىل يومنا هذا نكران وجود‬
‫العديد من الشبان أصبحوا يجهلون لغتهم األم‪،‬‬ ‫تضفي الطابع الخصويص لنظامهم اللغوي‪.‬‬
‫شعوب أصلية عىل أراضيها وتعترب لغاتها‬
‫تالشت هذه القيم التقليدية‪ .‬إن غياب تواصل‬ ‫وملا ّ‬
‫يتغي هذا املحيط‪ ،‬تتأثر الثقافة واللغة‪.‬‬
‫مُج ّرد لهجات ال قيمة لها مُقارنة باللغات‬
‫الشباب مع كبار السن آل إىل نتائج وخيمة‪،‬‬ ‫شعب اإلنويت‪ ،‬مثال‪ ،‬يستعمل خمسني عبارة‬ ‫الوطنية‪ ،‬مما يؤدي حتما إىل اندثارها‪.‬‬
‫ليس عىل مستوى اللغة فحسب‪ ،‬وإنما أيضا‬ ‫لوصف الثلج يف مختلف حاالته‪ .‬وبما أنها‬
‫عىل املبادئ األخالقية القديمة‪.‬‬ ‫ويكمن السبب األول للوضع املأساوي للغات‬
‫املادّة الطبيعية الرئيسيّة بالنسبة له‪ ،‬اكتسب‬
‫األصلية يف الخطر الذي يُهدّد وجود الناطقني‬
‫معرفة دقيقة وحميمية لها‪ .‬وكذلك الحال‬
‫بها‪.‬‬
‫املحافظة عىل حيوية اللغات‬ ‫بالنسبة ملجتمع اإليغورو يف حزام الفيليبني‬
‫عندما يتكلم عن األرز فتتنوّ ع الكلمات لتدل‬
‫إال أن االعرتاف املتزايد عىل املستوى العاملي‬ ‫بكل دقة عن البذرة القابلة للزرع‪ ،‬والسنابل‬
‫بنُظم معارف الشعوب األصلية من شأنه أن‬ ‫الناضجة قبيل الحصاد‪ ،‬مرورا بشكل الحبوب‬
‫يعيد إلينا األمل يف أن تسرتجع لُغاتنا حيويتها‬ ‫حال طبخها‪ ،‬والكحول املستخرج منها‪.‬‬
‫وانتشارها‪ ،‬شفويّا وكتابيّا‪ .‬وقد أنشأت العديد‬
‫من املجموعات األصليّة بنفسها أجهزة إلعادة‬ ‫بإمكان التكنولوجيات الحديثة لإلعالم‬
‫إحيائها‪ ،‬عىل غرار ما قام به اآلينو‪ ،‬يف اليابان‪،‬‬ ‫واالتصال أن تُساهم يف تحسني عملية تع ّلم‬
‫يتول فيه القدامى تعليم‬‫الذين وضعوا نظاما ّ‬ ‫اللغات املحلية وأن تُصبح أداة للمحافظة‬
‫لغتهم للشبان‪.‬‬ ‫عليها‪ .‬لكن األمر ليس كذلك‪ ،‬مع األسف‪ ،‬ألن‬
‫لغات الشعوب األصلية التي تعترب أقليات‪،‬‬
‫كثريا ما تتناساها سياسات املحافظة عىل‬
‫لغات‪ ‬الدول‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫ّ‬
‫وتغي املناخ‬ ‫معارف الشعوب األصلية‬
‫تُعد معارف الشعوب األصيلة مصد ًرا‬
‫ال‪ ‬ينضب للطرق التقليدية التي تتم بها‬
‫مالحظة تطور املناخ يف العالم والتدابري‬
‫الكفيلة بالتكيف مع التغريات املناخية التي‬
‫اهتدت إليها الشعوب مع مرور الزمن‪.‬‬
‫كيف يمكن لنا االستفادة منها يف النقاشات‬
‫حول املخاطر البيئية التي نواجهها‪ ‬حاليًا؟‬
‫تقع هذه املسألة يف جوهر كتاب «معارف‬
‫الشعوب األصلية لتقييم ّ‬
‫تغي املناخ‬
‫والتكيّف معه» الذي نرشته منظمة‬
‫اليونسكو باالشرتاك مع جامعة كامربيدج‬
‫سنة ‪( 2018‬باللغة االنجليزية)‪ .‬ويؤكد‬
‫هذا الكتاب عىل رضورة الحوار بني علماء‬
‫املناخ وأصحاب املعارف التقليدية من أجل‬
‫فهم أفضل لبيئتنا يف سبيل تحقيق التنمية‬
‫املستدامة‪.‬‬
‫استنادًا إىل وثائق البحث وتقارير الخرباء‪،‬‬
‫يتناول الكتاب املسألة من جميع نواحيها‬
‫عىل املستوى العاملي‪ ،‬بدءًا من املمارسات‬
‫البيئية املوسمية يف ميالنيزيا واملعرفة‬
‫املناخية يف ميكرونيزيا وصوال إىل الشمال‬
‫الغربي لألمازون وشياباس يف املكسيك‪.‬‬
‫ثم يعرض الكتاب كيفية مواجهة الشعوب‬
‫األصلية لتغري املناخ يف كل من خليج بلو‬
‫مود يف أسرتاليا‪ ،‬ويف رشق بابوا غينيا‬
‫الجديدة‪ ،‬ويف جنوب غرب الصني‪ ،‬ويف جبال‬
‫األنديز البوليفية‪ ،‬ويف ساحل كينيا‪.‬‬
‫‪© Jacob Maentz‬‬

‫و فيه نقل لشهادات حول كيفية تعايش‬


‫السكان األصليني يف جنوب غرب الواليات‬
‫احتفال بنهاية موسم الحصاد يف حقول األرز‬ ‫املتحدة وعىل ساحل نيكاراغوا الكاريبي‬
‫بسلسلة جبال الفيليبني‪ ،‬أحد مواقع الرتاث‬ ‫مع األحداث املناخية العصيبة‪ ،‬كما يشمل‬
‫العاملي لليونسكو‪.‬‬ ‫أحاديث ملربي املاشية‪ ،‬من القطب الشمايل‬
‫إىل األرايض شبه الصحراوية يف جنوب غرب‬
‫كما أن مدارس التقاليد الحيّة‪ ،‬املفتوحة‬
‫إثيوبيا وجنوب السودان‪.‬‬
‫يف مختلف التجمّ عات األصليّة بالفيليبني‪،‬‬
‫سمحت باملحافظة عىل حيوية اللغات وغريها‬ ‫كما يحتوي عىل أمثلة حول األرضار التي‬
‫ميني ديغاوان أصيلة فرقة كاكانا من شعب‬
‫من الوسائل الثقافية القادرة عىل نقل القيم‬ ‫يخلفها تغري املناخ يف الدول الجزرية‬
‫اإليغورو الذي يعيش يف أحزمة الفيليبني‪ .‬هي‬
‫التقليدية لألجيال القادمة‪.‬‬ ‫الصغرية‪ ،‬وتأثريه عىل فالحي جبال األنديز‬
‫مديرة برنامج الشعوب األصلية والتقليدية يف‬
‫منظمة املحافظة الدولية بفرجينيا (الواليات‬ ‫يساهم هذا العدد من الرسالة يف دعم الجهود‬ ‫األمازونية وشعب األنوبياك يف أالسكا‪،‬‬
‫املتحدة)‪ .‬كما دأبت منذ سنني طويلة عىل‬ ‫املبذولة عىل الصعيد العاملي إليالء اهتمام‬ ‫وكذلك الطرق التي يتبعها شعب ساميس‬
‫النضال من أجل االعرتاف بحقوق الشعوب‬ ‫أكرب بلغات الشعوب األصلية‪ ،‬ويمثل إضافة‬ ‫يف شمال السويد‪.‬‬
‫األصلية واحرتامها‪ ،‬وساهمت يف أنشطة عديدة‬ ‫ثمينة للكتاب الذي نرشته منظمة اليونسكو‬ ‫(انظر ص‪.)26 .‬‬
‫ألخذ القرار‪ ،‬من بينها صياغة إعالن األمم‬ ‫باالشرتاك مع جامعة كامربيدج سنة ‪2018‬‬
‫هذا الكتاب املتعدّد االختصاصات هو‬
‫املتحدة بشأن حقوق الشعوب األصلية‪.‬‬ ‫تحت عنوان «معارف الشعوب األصلية لتقييم‬
‫تغي املناخ والتكيّف معه»‪ ،‬والذي يُؤ ّكد عىل‬
‫ّ‬ ‫نتيجة للتعاون بني برنامج اليونسكو‬
‫الدور الحاسم للمعارف األصليّة يف مواجهة‬ ‫ألنظمة املعارف املحلية واألصلية‪ ،‬ومبادرة‬
‫التحدّيات الكونية الجديدة‪.‬‬ ‫املعارف التقليدية التابعة لجامعة األمم‬
‫املتحدة‪ ،‬والهيئة الحكومية الدولية املعنية‬
‫بتغري‪ ‬املناخ‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪8‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫ما يهدد بقاء‬


‫الشعوب األصلية‬
‫باألساس هي‬
‫ّ‬
‫التغيات املناخية‬

‫التغي‪ .‬وكلمة «كويا»‬


‫ّ‬ ‫كلمة «نديخاما» تعني‬
‫يمكن أن تكون لها عدّة معاني‪ ،‬ممّ ا يجعل‬
‫لهذه العبارة دالالت مختلفة‪ ،‬إذ يُمكن أن تفيد‬
‫االنتقال من شهر إىل آخر‪ ،‬أو من سنة إىل‬
‫أخرى‪ ،‬أو من فصل إىل آخر‪.‬‬
‫أما كلمة «إيني»‪ ،‬فتعني الحرارة‪ ،‬ويمكن‬
‫تصنيفها يف لغة امليشتاك بإضافة أربعة نعوت‪:‬‬
‫«لوو» (ضعيف)‪« ،‬كيفا كندينيو» (مقبول)‪،‬‬
‫«كيني» (شديد)‪« ،‬زازا» (ال يُحتمل)‪ .‬لكن‬
‫الحرارة من صنف «إيني زازا»‪ ،‬التي كانت‬
‫تُعترب ظاهرة استثنائية‪ ،‬أصبحت تتكاثف‬
‫باستمرار‪ .‬ممّ ا دفع املزارعني إىل تعليلها ّ‬
‫بتغي‬
‫املناخ‪ .‬ما يُسمّ ى يف منطق الخرباء «التق ّلب‬
‫املناخي»‪ ،‬ليس إال «نديخاما كويا» يف لغة‬
‫امليشتاك‪.‬‬
‫كان مجتمع امليشتاك دوما يف تناغم مع‬ ‫نديجاما كويا شي إيني زازا‬
‫الطبيعة‪ .‬يتقبّل اليوم‪ ،‬كما يف املايض‪ ،‬االشارات‬
‫املنبعثة عن الطبيعة ويعتمد عليها التخاذ‬
‫ميشتاك المكسيك‬
‫القرارات املناسبة‪ .‬وتحوي لغته جملة من‬
‫املعلومات من شأنها أن تفتح السبيل نحو‬
‫يتكلمون لغة الطبيعة‬
‫ّ‬
‫التغي‬ ‫حلول للمشاكل التي يطرحها اليوم‬
‫وملعرفة الوقت املناسب لزرع الذُرة‪ ،‬يعتمد‬ ‫مجتمع امليشتاك يف املكسيك عىل دراية‪ ،‬منذ‬
‫املناخي‪.‬‬
‫الفالحون عىل شجرة العرعر‪ .‬فإن بدأت‬ ‫زمن طويل‪ ،‬بكيفية معاينة العالمات ا ُملنذرة‬
‫بهدف تيسري الحوار بني الخرباء والضالعني‬ ‫أوراقها تنتج غبارا‪ ،‬فذلك يعني أن فصل‬ ‫بنزوات األحوال الجوية‪ ،‬من خالل سلوك‬
‫يف املعارف التقليدية‪ ،‬سوف تنرش اليونسكو‬ ‫ّ‬
‫سيتأخر‪ ،‬وأنه ال بد من إرجاء موعد‬ ‫األمطار‬ ‫الطيور والنباتات‪ .‬فهم يسمعون‪ ،‬عىل سبيل‬
‫خالل سنة ‪ ،2019‬يف إطار برنامجها الخاص‬ ‫زرع البذور إىل منتصف شهر يونيو‪ ،‬وربما‬ ‫املثال‪ ،‬يف أول نغمة رصينة وحزينة لعصافري‬
‫بنظم املعارف املحلية ومعارف السكان‬ ‫إىل ما بعد‪.‬‬ ‫الشيكوكو‪ ،‬إعالنا عن نهاية موسم األمطار‪.‬‬
‫األصليني (لينكس)‪ ،‬قاموسا للمصطلحات‬ ‫طاملا تواصل الشيكوكو أناشيدها‪ ،‬يعلم‬
‫ذلك أن فصل األمطار الذي يتواصل عادة‬
‫يحتوي عىل العبارات املرتبطة باألحداث‬ ‫الفالحون أن موسم الجفاف لم ينته‪ ،‬وأن وقت‬
‫من شهر مايو إىل شهر أغسطس يف منطقة‬
‫املناخية يف منطقة ميشتاكا باخا‪ ،‬يف لغة‬ ‫زراعة الفاصوليا والقرع لم يحن‪ ‬بعد‪.‬‬
‫ميشتاكا باخا‪ ،‬أصبح يتأخر عن موعده عاما‬
‫امليشتاك‪.‬‬
‫بعد عام خالل العرشية املاضية‪ .‬وها أن‬
‫أراسييل تورس مورالس (املكسيك)‬ ‫املزارعني يرددون باستمرار هذه العبارة‪:‬‬
‫ّ‬
‫أخصائية يف األلسنية‪.‬‬ ‫«نديخاما كويا يش إيني‪ ‬زازا»‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫مانون باربو‬

‫كاميرا في القلب‬
‫أجرى الحوار ساتورنان غوماز‬

‫يقال عن مانون باربو أنها تحمل الكامريا يف قلبها حينما يحملها غريها يف قبضتهم‪.‬‬
‫تكرس مانون‪ ،‬منذ حوايل خمسة عرش سنة‪ ،‬كل حماسها وخربتها يف سبيل مرشوع‬
‫ّ‬
‫متنقلة لإلنتاج‬ ‫«وابيكوني» الذي يزود شباب مجموعات السكان األصليني بأدوات‬
‫السمعي البرصي‪ .‬وبفضل إنجاز أكثر من ألف رشيط وثائقي‪ ،‬تم رفع الستار عن هذه‬
‫املجموعات التي طاملا ُشوّهت سمعتها‪ .‬لكن مكاسب مرشوع «وابيكوني» تجاوزت‬
‫السينما ‪ ...‬وتجاوزت حدود كندا‪.‬‬

‫حدثينا عن هذه التجربة األوىل؟‬ ‫كيف تبادرت إىل ذهنك فكرة اإلهتمام‬
‫ق ّررت كتابة سيناريو رشيط سينمائي يحمل‬
‫بالشعوب األصلية يف كندا؟‬
‫عنوان نهاية االحتقار‪ ،‬باالشرتاك مع خمسة‬ ‫خامرتني الفكرة منذ فرتة الشباب‪ .‬أعتقد‬
‫عرش شابّا ينتمون ملجموعة أتيكاميكو أصيلة‬ ‫أنني ورثت عن أبي اهتمامي بالصورة‪ ،‬وعن‬
‫ويموتايس‪ ،‬وهي محمية تقع بني ماناوان‬ ‫رساما‪ ،‬وكان من‬ ‫أمي روح النضال‪ .‬أبي كان ّ‬
‫وأوبيدجيوان‪ ،‬يف موريسيا العليا (كيبيك)‪ .‬كنت‬ ‫وقعني الستة عرش عىل بيان «الرفض‬ ‫بني ا ُمل ّ‬
‫مُعجبة بمواهبهم‪ ،‬واكتشفت حينها مدى عمق‬ ‫الشامل» سنة ‪ ،1948‬الذين عارضوا تأثري‬
‫الجروح التي يحملونها‪ ،‬كما لو كانت أقساطا‬ ‫رجال الدين يف كيبك رافعني شعار الحرية يف‬
‫من إرث أليم ينتقل من جيل آلخر‪.‬‬ ‫املجال االجتماعي‪ .‬بعد افرتاق والديّ ‪ ،‬استق ّرت‬
‫أمي يف الواليات املتحدة‪ ،‬حيث التزمت بالنضال‬
‫من بني الشباب املشاركني يف كتابة السيناريو‪،‬‬
‫من أجل حقوق السود‪.‬‬
‫فتاة تدعى وابيكوني أواشيش‪ ،‬تألقت‬
‫وسخائها‪ .‬كانت تُمثّل‬
‫بذكائها‪ ،‬وحيويّتها َ‬ ‫وبعد مرور عدة سنوات‪ ،‬أردت أن أعرف ما‬
‫رمزا ملجموعتها‪ .‬ويف يوم من األيام‪ ،‬بلغنا خرب‬ ‫آل إليه وضع أبناء ذلك الجيل‪ ،‬فأنجزت رشيط‬
‫اصطدام سيارتها بشاحنة ناقلة ملنتوجات‬ ‫أبناء الرفض الشامل‪ .‬وقد اكتشفت من خالل‬
‫الغابات‪ .‬وإذا بحياتها تُقصف من طرف‬ ‫تلك التجربة مدى قدرة الفنون‪ ،‬وال سيما‬
‫أولئك الذين يقطعون األشجار يف أراضيها‪.‬‬ ‫ظف الفرد‬‫السينما‪ ،‬عىل التغيري الذاتي‪ :‬عندما يُو ّ‬
‫كانت تبلغ من العمر عرشين سنة‪ .‬يا لها من‬ ‫كل جهوده‪ ،‬كما فعلت‪ ،‬يف رشيط سينمائي‪ ،‬عند‬
‫صدمة مروعة! وتخليدا لذكراها‪ ،‬قررنا إنشاء‬ ‫االنتهاء من التصوير‪ ،‬يشعر أنه لم يعد نفس‬
‫فضاء للتجمّ ع واإلبداع خصيصا للشباب‪.‬‬ ‫الشخص الذي كان يف بداية التصوير‪.‬‬
‫فكانت نقطة انطالق مرشوع وابيكوني الذي‬
‫أردت تقاسم هذا الشعور مع من يحتاجه أكثر‪،‬‬
‫ت ّم إنجازه سنة ‪ 2004‬من طرف مجموعة‬
‫وأعني ا ُملهمّ شني‪ .‬فأعطيت الكلمة إىل شباب‬
‫السكان األصليني نفسها‪ ،‬بدعم من الديوان‬
‫الشوارع وإىل املساجني‪ ،‬مانحة إياهم مرآتا‬
‫الوطني للفيلم وعدد من الرشكاء من القطاعني‬
‫من شأنها أن تعكس‪ ،‬بدال عن صورة األفكار‬
‫العمومي والخاص‪.‬‬
‫املسبقة والخوف‪ ،‬صورة تسمح لهم بتخطي‬
‫منذ ذلك الحني‪ ،‬تم تجهيز عربات لتصبح‬ ‫املعتاد والوصول إىل ما أبعد‪.‬‬
‫استوديوهات متنقلة‪ ،‬لتَجوب كل أنحاء‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬يف بداية السنوات ‪ ،2000‬اتجهت‬
‫كندا‪ .‬هل لك أن ترشحي كيف يجري هذا‬ ‫نحو ا ُملهمّ شني األكثر تهميشا‪ ،‬أي مجموعات‬
‫النشاط عىل امليدان؟‬ ‫السكان األصليني يف كندا‪.‬‬
‫لقد أنجزنا أول وحدة م ّ‬
‫ُتنقلة لإلنتاج السمعي‬
‫البرصي‪ ،‬وابيكوني الجوالة‪ ،‬يف عربة يبلغ طولها‬
‫‪ 10‬أمتار‪ :‬أصبحت غرفة النوم غرفة لرتكيب‬
‫األرشطة‪ ،‬وبيت االستحمام ستوديو للصوت‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪10‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫ع ّم يتحدّث هؤالء الشبان يف أفالمهم؟‬ ‫لدينا اآلن خمس عربات‪ ،‬تتحرك بدعوة من‬
‫املجموعات املحلية وقد عهدنا تأطري النشاط إىل‬
‫عن كل يشء! الحب‪ ،‬العائلة‪ ،‬الطبيعة‪،‬‬
‫سينمائيني مؤهلني للتكوين‪ ،‬ومُربني مختصني‬
‫األرض‪ ...‬الكثري منهم يتحدثون عن التقاليد‪،‬‬
‫يف العمل مع الشبان الذين يواجهون صعوبات‪،‬‬
‫وعن هويّتهم‪ ،‬وعن التم ّزق بني التقليد‬
‫ُنسقني مح ّليني ملساعدتنا عىل تحضري‬
‫وم ّ‬
‫والحداثة‪ .‬لكنهم ببتكرون أيضا أعماال عرصية‪،‬‬
‫مهمتنا‪.‬‬
‫مثال مقاطع فيديو قصرية حول ا ُملغنّني‬
‫املنتمني ملجموعتهم‪ ،‬ويف غالب األحيان‪ ،‬بلغتهم‬ ‫تدوم إقامتنا بني املجموعة شهرا‪ .‬وخالل هذه‬
‫األصلية‪ .‬أما الكبار‪ ،‬فهم ينتهزون الفرصة‬ ‫الفرتة الوجيزة‪ ،‬نقوم بانتاج معدل خمسة‬
‫لنقل معارفهم أمام الكامريا‪ ،‬بثقة تامة‪ ،‬بما‬ ‫أرشطة قصرية حول مواضيع يختارها الشبان‬
‫أن أحفادهم هم الذين يقومون بمُحاورتهم‬ ‫ّ‬ ‫أنفسهم‪ .‬ويف نهاية العملية‪ ،‬تُعرض األرشطة‬
‫وتصويرهم‪.‬‬ ‫أمام أعضاء املجموعة‪ .‬ث ّم تُعرض يف مئات‬
‫ورشة لتعليم تقنية إلتقاط الصور‬ ‫املناسبات واملهرجانات عرب العالم‪ ،‬ممّ ا يُساهم‬
‫الفوتوغرافية انتظمت سنة ‪ 2017‬لفائدة‬ ‫يف إشعاع تلك الثقافة الثريّة‪ ،‬والتي غالبا ما‬
‫شباب من السكان األصليني‬ ‫بقيت مجهولة‪.‬‬
‫يف بحرية سيمون (كندا)‪.‬‬
‫‪© Michael Dupont‬‬

‫‪11‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫‪© Véronique Lanoix‬‬

‫صورة ملتقطة عىل موقع تصوير فيلم‬


‫ماديزين الذي أخرجه ادوارد بوكاشيش‬ ‫كما عملنا مع سامي [انظر مقالنا ص‪ ]26 .‬يف‬ ‫هل يجوز القول بأن هذه التجربة أحدثت‬
‫أصيل شعب أنيشنابه لبحرية سيمون‪.‬‬ ‫النرويج‪ .‬وانتقلت ّ‬
‫مؤخرا إىل بودابست لتطوير‬ ‫تغيريا لدى الشباب؟‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫مرشوع يهدف إىل إنهاء النفي املسلط ضد‬
‫دون شك‪ .‬هي عموما‪ ،‬تساهم يف تثبيت‬
‫الشبان الغجر‪.‬‬
‫اعتزازهم بهويتهم وثقافتهم‪ .‬فيَنبعث فيهم‬
‫قمنا كذلك بدمج مجموعات أخرى تعاني‬ ‫األمل من جديد يف احتالل مكانة يف املجتمع‪،‬‬
‫من أوضاع هشة يف برنامجنا‪ ،‬مثل املهاجرين‬ ‫تتعدى مكانة مجرد مستهلك‪ .‬وهي أيضا‬
‫مانون باربو (كند) كاتبة سيناريو ومُخرجة‬ ‫السوريني يف تركيا‪ ،‬أو التجمعات البدوية‬ ‫فرصة للبعض منهم الكتشاف ما يكنونه من‬
‫أفالم وثائقية‪ .‬شاركت يف تأسيس وابيكوني‬ ‫يف األرايض الفلسطينية ويف األردن‪ .‬ويف سنة‬ ‫مواهب للسينما أو للموسيقى‪ ،‬فيختارون‬
‫سنة ‪ ،2004‬مع مجلس أمة أتيكاميكو‪،‬‬ ‫‪ ،2014‬أسست وابيكوني شبكة دولية لإلبداع‬ ‫مواصلة تكوينهم‪.‬‬
‫ومجلس شبان األمم األوىل‪ ،‬بدعم من الديوان‬ ‫السمعي البرصي للسكان األصليني هدفها‬
‫الوطني للفيلم الكندي‪ .‬حازت عىل العديد من‬ ‫وهناك أيضا بعد تربوي ملرشوع وابيكوني‪ .‬إذ‬
‫تبادل التجارب وتنمية اإلنتاج املشرتك‪.‬‬
‫الجوائز ألعمالها السينمائية والتزامها بالدفاع‬ ‫يعمل الفريق باالشرتاك مع الفاعلني املحليني‬
‫عن السكان األصليني‪ .‬يف ‪ 18‬نوفمرب ‪،2018‬‬ ‫بعد أن كرست طاقتك منذ مدة طويلة‬ ‫الترسب املدريس‪ ،‬واإلدمان عىل‬
‫ّ‬ ‫للوقاية من‬
‫أحرزت عىل جائزة اليونسكو‪-‬مادانجيت‬ ‫لصالح وابيكوني‪ ،‬ما هي حصيلة هذا‬ ‫املخدرات‪ ،‬واالنتحار‪ ،‬وذلك بتطوير االعتداد‬
‫سينغ لتعزيز التسامح والالعنف‪.‬‬ ‫املرشوع حسب رأيك؟‬ ‫بالنفس واالستقاللية‪.‬‬
‫عىل املستوى الفردي‪ ،‬أنقذ هذا العمل حياة‬ ‫هل يُمكن تطبيق هذا املنهج يف تجمعات‬
‫بعض األشخاص‪.‬أنا ال أدّعي ذلك‪ ،‬بل هذا ما‬ ‫أخرى عرب العالم؟‬
‫يقوله الذين يعتربون أن املرشوع أنقذهم‪ .‬عىل‬ ‫نعم‪ .‬ولدينا أكثر من دليل عىل ذلك‪ .‬لقد ّ‬
‫تبي‬
‫املستوى الجماعي‪ ،‬ساهم هذا العمل يف بعث‬ ‫أن املنهج البيداغوجي الذي ّ‬
‫توخيناه‪ ،‬والذي‬
‫األمل من جديد ملجموعات السكان األصليني‪،‬‬
‫يتمثّل يف التع ّلم باملوازاة مع االبداع‪ ،‬قابل‬
‫واستعادة الثقة يف أنفسهم‪ ،‬وإبرازهم وتوضيح‬
‫للتطبيق يف مناطق أخرى من العالم‪ ،‬رشيطة‬
‫صورتهم يف الساحة الدولية‪ .‬وأخريا‪ ،‬أرى يف‬
‫تكييفه مع الظروف املحلية‪ .‬أقمنا رشاكات يف‬
‫وابيكوني كقافلة تتقدّم بتُؤدة‪ ،‬ولكن بثبات‪،‬‬
‫أمريكا الجنوبية (بوليفيا‪ ،‬والبريو‪ ،‬وكوملبيا‪،‬‬
‫نحو تحقيق حلم يُراودني منذ أمد طويل‪:‬‬
‫وباناما‪ ،‬والشييل)‪.‬‬
‫والدة سينما للسكان األصليني‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪12‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫دقّ ناقوس الخطر‬


‫رابا نوي‪:‬‬
‫أجرت الحوار ياسمينا شوبوفا‬
‫وكارولينا روالن أورتيغا‬

‫يف عزلتهم وسط املحيط الهادئ‪ ،‬بني‬


‫سواحل الشييل وتاهيتي‪ ،‬يستخدم‬
‫شباب رابا نوي (جزيرة الفصح)‪،‬‬
‫اللغة االسبانية للتواصل مع العالم‪.‬‬
‫ذلك أن األغلبية الساحقة منهم‬
‫فقدت استعمال اللغة األم ‪ -‬الرابانوي‬
‫‪ -‬وهي لغة بولينيزية األصل‪ .‬لم يعد‬
‫اليوم يتقنها سوى ‪ %10‬منهم‪ ،‬مقابل‬
‫‪ %76‬قبل أربعني عاما‪ .‬ماريا فريجينيا‬
‫هاوا‪ ،‬العضوة بأكاديمية رابا نوي‪ ،‬تدق‬
‫ناقوس الخطر‪.‬‬

‫ملاذا يعترب انقراض لغة ما‪ ،‬مشكلة يف حد‬


‫ذاته؟‬
‫ال يُمكن فصل اللغة عن نمط عيش املجتمعات‪،‬‬
‫ومرساتها‪ ،‬إىل ما‬
‫ّ‬ ‫وعن أفكارها‪ ،‬ومشاعرها‬
‫غري ذلك‪ .‬لغتنا هي التي تُم ّكننا من التعريف‬
‫بهويتنا‪ .‬يؤدي انقراض اللغة حتما إىل‬
‫تهديد األساس االجتماعي والثقايف ملجموعة‬
‫ا ُملتحدّثني‪ ‬بها‪.‬‬
‫يف جزيرة الفصح‪ ،‬فقدت لغة رابانوي دورها‬
‫يف مجال التنمية االجتماعية واالقتصادية‬
‫ملجموعتنا‪ .‬لقد تم استبعاد هذه اللغة‬
‫البولينيزية من املصالح العمومية واألنشطة‬
‫السياحية‪ ،‬وتم تعويضها برسعة مُذهلة‬
‫باإلسبانية‪ ،‬وكانت لذلك تداعيات وخيمة عىل‬
‫قيم املجموعة‪.‬‬
‫‪© Eric Lafforgue‬‬

‫ّ‬
‫التخل عن الفالحة العائلية لفسح‬ ‫لقد ت ّم‬
‫املجال أمام استهالك مواد وطنية وأجنبية‪ ،‬ال‬
‫ألعاب يف الهواء الطلق أثناء املهرجان التقليدي‬ ‫علم بمصدرها وال بطريقة صنعها‪ .‬يف املايض‪،‬‬
‫تاباتي رابا نوي‪ ،‬إحدى أكرب التظاهرات الثقافية‬ ‫كان الفالحون منتبهني إىل مراحل ظهور القمر‬
‫يف املحيط الهادئ التي تعري مكانة خاصة لفنون‬ ‫ليُحدّدوا موعد الزراعة ونوعيتها‪ .‬لكن هذا الفن‬
‫السكان األصليني (موسيقى ورقص)‪.‬‬ ‫قد تالىش اليوم‪.‬‬

‫‪13‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫يف جزيرة الفصح‪ ،‬فقدت لغة رابانوي‬


‫دورها يف مجال التنمية االجتماعية‬
‫واالقتصادية ملجموعتنا‬

‫أنتجنا يف هذا اإلطار‪ ،‬صحبة ا ُملع ّلمني‬ ‫واندثرت عدة ممارسات‪ ،‬مثل تقاسم املواد‬
‫الرابانوي باملدرسة‪ ،‬نُصوصا لتعليم القراءة‬ ‫بني العائالت والجريان‪ ،‬الذي يشكل رضبا من‬
‫والكتابة وتدريس العلوم الطبيعية‪ ،‬والتاريخ‬ ‫تقاليد التضامن والتفاعل صلب املجموعة‪ .‬كما‬
‫ُخصصة لتالميذ املرحلة‬ ‫والرياضيات‪ ،‬م ّ‬ ‫تضاءل الحوار بني األجيال‪ .‬يُقيض الشباب‬
‫االبتدائية‪.‬‬ ‫وقته يف ممارسة ألعاب الفيديو ويف مواقع‬
‫التواصل االجتماعي‪ ،‬ولم يعد لهم ما يكفي‬
‫وقد أنجزت أكاديمية رابانوي‪ ،‬منذ إنشائها‬
‫من الوقت ملقابلة الكهول واألجداد‪ .‬ويف بعض‬
‫سنة ‪ ،2004‬موارد توجيهية ملرحلة ما قبل‬
‫األحيان‪ ،‬األولياء هم الذين يُهملون األهمّ‪ ،‬أي‬
‫االبتدائي وأعادت نرش نصوص لتعليم القراءة‬
‫توفري تربية ألبنائهم وبناتهم‪ ،‬ترتكز عىل‬
‫والكتابة للسنتني األوىل والثانية من التعليم‬
‫ثقافتهم األصلية‪ ،‬بسبب انشغالهم بنشاطهم‬
‫االبتدائي‪ .‬كما أنتجت أدوات إلكرتونية تفاعلية‬
‫املهني لتحسني رفاهيتهم املادّية‪.‬‬
‫تتناول مفاهيم ثقافية‪ ،‬ورياضية وهندسية‪.‬‬
‫وقامت األكاديمية سنة ‪ 2011‬بتحقيق لإلعداد‬
‫ما مدى حيويّة لغة رابانوي حاليا؟‬
‫لبعث ثالث مؤسسات تربوية أخرى وروضة‬ ‫حسب تحقيق اجتماعي‪-‬لغوي أنجزته‬
‫أطفال عمومية يف الجزيرة‪ .‬ويف سنة ‪،2012‬‬ ‫سنة ‪ 2016‬كل من وزارة الرتبية يف الشييل‬
‫ساهمت يف تقييم القانون الذي ت ّم اعتماده يف‬ ‫واليونسكو‪ ،‬ينحرص نصف املتحدثني بلغة‬
‫‪ 2011‬والهادف إىل بعث قطاع للُغة السكان‬ ‫رابانوي يف البالغني من العمر ‪ 40‬سنة فما‬
‫األصليني يف كافة املدارس التي يؤمّ ها تالميذ‬ ‫فوق‪.‬‬
‫الشعوب األصلية يف الشييل‪.‬‬
‫بالنسبة للفئة العمرية ما بني ‪ 20‬و‪39‬‬
‫ما هي مكانة اللغة عىل املستوى الرتبوي؟‬ ‫سنة‪ ،‬تنزل النسبة إىل حوايل ‪ .%35‬واألغلبية‬
‫مواي من بحرية رانو راروكو‪ .‬يحتوي حديقة‬
‫الساحقة لألولياء ال ينقلون اللغة األصلية‬
‫رابا نوي الوطنية‪ ،‬أحد مواقع الرتاث العاملي‬ ‫عندما ت ّم بعث التعليم الرسمي يف الجزيرة‪،‬‬
‫ألطفالهم‪ .‬وبصفة عامّ ة‪ ،‬يف حاالت الزواج‬
‫لليونسكو‪ ،‬عىل حوايل ‪ 900‬مواي‪ ،‬وهي‬ ‫سنة ‪ ،1934‬لم تدرج لغة رابانوي يف الربامج‪.‬‬
‫املختلط (رابانوي وآخر)‪ ،‬يستعمل أفراد‬
‫تماثيل عمالقة منحوتةتعود للفرتة بني القرن‬ ‫كان التالميذ يحفظون كل الدروس باإلسبانية‬
‫العائلة اللغة اإلسبانية يوميا‪.‬‬
‫العارش والقرن السادس عرش‪.‬‬ ‫عن ظهر قلب‪ ،‬دون أن يفهموا شيئا‪ ،‬ولم يكن‬
‫ملا يدرسون أي معنى بالنسبة لهم‪ .‬عالوة عىل‬ ‫أما عدد ا ُملتحدّثني بلغة رابانوي الذين هم دون‬
‫ذلك‪ ،‬كان عليهم حفظ مضامني ال تمت بأي‬ ‫سن ‪ 18‬سنة‪ ،‬فهو يف تضاؤل مستمر‪ .‬يف سنة‬
‫خالل ثمانية عرش سنة‪ ،‬أي منذ أن تم بعثه‪،‬‬ ‫صلة لواقعهم‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬عندما يسمع‬ ‫‪ ،1976‬عندما اعتُمد تعليم اللغة األصلية كمادّة‬
‫تراوح مردود هذا الربنامج بني النجاحات‬ ‫التالميذ جملة «ترشق الشمس عىل سلسلة‬ ‫من مواد الربنامج الدرايس‪ ،‬أصبح ‪ %76‬من‬
‫واإلخفاقات‪ ،‬حسب تغيري عدد الساعات‬ ‫الكورديريا»‪ ،‬ال يمكن لهم أن يعرفوا حول ماذا‬ ‫التالميذ يتكلمون الرابانوي‪ .‬ويف سنة ‪،1997‬‬
‫خصصة لتعليم الرابانوي‪ .‬ذلك أن اإلدارة‬ ‫ا ُمل ّ‬ ‫يحوم املوضوع‪ ،‬ألن ال أحد منهم شاهد أو‬ ‫تق ّلصت نسبتهم إىل ‪ .%23‬وتدنّت إىل ‪%10‬‬
‫املعنية باملدارس كانت مُنشغلة بتحقيق تفوق‬ ‫سمع عن الكورديريا‪.‬‬ ‫سنة ‪ ،2016‬وهو رقم مُفزع بالنسبة إىل كل‬
‫التالميذ يف االختبار الوطني‪ ،‬فكانت تضيف‬ ‫من يهمه مستقبل لغتنا وثقافتنا‪.‬‬
‫وبعد ثمان عقود‪ ،‬ال توجد سوى مؤسسة‬
‫ساعات لتَدريس الرياضيات‪ ،‬واللغة‪ ،‬والرتبية‬ ‫تربوية واحدة‪ ،‬لورنزو بيزا فيغا‪ ،‬لتأمني‬ ‫ماذا فعلتم للحفاظ عىل الرتاث اللغوي؟‬
‫البدنية باللغة االسبانية‪.‬‬ ‫برنامج إدماج يف لغة رابانوي‪ ،‬يغطي فرتة‬
‫أنشأنا سنة ‪ 1990‬صلب املؤسسة الرتبوية‬
‫التدريس املمتدة من السنة ما قبل االبتدائي إىل‬
‫لورنزو بايزا فيغا‪ ،‬قسم اللغة والثقافة‬
‫السنة الرابعة من التعليم االبتدائي (أي لصالح‬
‫الرابانوي‪ ،‬بدعم من الهيئة ا ُملك ّلفة بتنمية‬
‫التالميذ يف سن ترتاوح بني ‪ 5‬و‪ 9‬سنوات)‪.‬‬
‫السكان األصليني التابعة لوزارة التنمية‬
‫االجتماعية [كونادي] ومن وزارة الرتبية‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪14‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫‪© Eric Lafforgue‬‬

‫ماريا فريجينيا هاوا عضوة مؤسسة‬


‫هل يوجد العدد الكايف من املعلمني‬ ‫ويف سنة ‪ ،2017‬أنشأنا املنظمة غري الحكومية‬
‫ألكاديمية رابانوي يف سنة ‪ ،2004‬وتولت‬
‫القادرين عىل التدريس بلغة الرابانوي؟‬ ‫«نيد رابانوي» التي تهتم بحوايل عرشين طفال‬
‫ترتاوح أعمارهم بني السنتني والثالث سنوات‪.‬‬
‫إدارتها لحد سنة ‪ .2010‬وهي حاليا رئيسة‬ ‫ال‪ .‬قمنا بترشيك العديد من حكماء املجموعة‬
‫هي منظمة مستق ّلة‪ ،‬لكنها تتلقى دعما من‬
‫املنظمة غري الحكومية «نيد رابانوي»‪ُ .‬ك ّللت‬ ‫واالستعانة باملربني التقليديني‪ .‬كل واحد منهم‬
‫الهيئات الحكومية لتسديد مرتبات ا ُملربّيات‬
‫جهودها من أجل إعادة إحياء الرابانوي‬ ‫منحنا الخربة التي حصل عليها يف إطار عائلته‪.‬‬
‫وتحسني الهياكل األساسية‪ .‬كما حصلنا‪ ،‬سنة‬
‫بوسام االستحقاق «غابرياال ميسرتال»‬ ‫تلك الخربة ال تقاس بثمن‪ .‬لكنهم يف حاجة إىل‬
‫‪ ،2018‬عىل دعم من جمعية السكان األصليني‬
‫سنة ‪ .2004‬كما ُشهرت باسم فيكي هاوا‬ ‫تكوين يف مجايل التخطيط واملنهجية‪ ،‬بهدف‬
‫البولينيزيني ماو هينوا‪ ،‬سهّ ل علينا تسديد‬
‫كاردينايل‪.‬‬ ‫تحسني تعليم املضامني الثقافية الرابانوية‪..‬‬
‫مُرتّبات ا ُملد ّرسني‪ .‬أُنشئت هذه الجمعية يف‬
‫ملعالجة مشكلة النقص يف عدد ا ُملد ّرسني‪،‬‬ ‫شهر يوليو ‪ 2016‬بهدف وضع نظام جديد‬
‫يجب‪ ،‬يف اعتقادي‪ ،‬تحفيز الشباب عىل دراسة‬ ‫إلدارة املنتزه الوطني الرابا نوي‪ ،‬املسجل عىل‬
‫البيداغوجيا وتشجيعهم‪ ،‬عن طريق تكثيف‬ ‫قائمة الرتاث العاملي لليونسكو‪.‬‬
‫إسناد املنح‪ ،‬عىل التسجيل يف جامعات مثل‬
‫واآلن‪ ،‬نحن بصدد إعداد برنامج بيداغوجي‬
‫جامعة وايكاتو يف أوتريوا (نيوزيالندا) أو‬
‫لنيد رابانوي إلدماج أبعاد فلسفية خاصة‬
‫جامعة هاواي يف هيلو‪ ،‬نظرا لتجربتهما‬
‫بالثقافة املحلية‪ ،‬انسجاما مع هدف املنظمة‪،‬‬
‫املرموقة يف تعليم اللغات البولينيزية‪.‬‬
‫أال وهو تحقيق مدرسة توفر تعليما كامال‬
‫باللغة‪ ‬املحلية‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫وسيلة‬ ‫اإلذاعة‪،‬‬

‫للبقاء‬
‫وتوجد هيئات من القطاع الخاص تسعى‬ ‫«كل الذين تم اغتيالهم كانوا من ممثيل‬
‫بقلم أفيكسنيم كوختي‬
‫وأنياس بورتالفسكا‬
‫حثيثا للمطالبة بفتح تتبعات جنائية‪ ،‬مما‬ ‫منظمتني للمزارعني من السكان األصليني‬ ‫رغم كونها وسائل إعالم متميزة للدفاع‬
‫يوحي بأن يف بعض الحاالت‪ ،‬هناك مدّعون‬ ‫يطالبون باحرتام حقوقهم يف ملكية أراضيهم‬
‫عامّ ون وقضاة متواطئون مع الرشكات‬ ‫ومشاركتهم يف الحياة السياسية‪ .‬وقد تم‬ ‫عن حقوق الشعوب األصلية‪ ،‬وبالرغم‬
‫ومالكي‪ ‬األرايض»‪.‬‬ ‫ارتكاب هذه اإلغتيالت يف سياق وطني عام‬ ‫من االلتزامات التي تعهدت بها الدول‪،‬‬
‫اتسم بتضييق مقيت عىل الفضاء املخصص‬ ‫تبقى اإلذاعات املحلية صعبة املنال‪.‬‬
‫دور اإلذاعة‬ ‫للمجتمع املدني»‪ .‬وجاء يف تقريرها الذي‬
‫عُ رض عىل مجلس حقوق اإلنسان يف دورته‬ ‫لذلك‪ ،‬اضطرت العديد من اإلذاعات‬
‫تدافع اإلذاعات التابعة ملجموعات السكان‬ ‫التاسعة والثالثني (‪ 10‬ـ ‪ 28‬سبتمرب ‪:)2018‬‬ ‫املحلية إىل اللجوء إىل ممارسة أنشطتها‬
‫األصليني عن الحق يف حرية التعبري للشعوب‬ ‫«وعالوة عىل ذلك‪ ،‬ثمة تصاعد يف الحاالت التي‬
‫أدت إىل فتح تتبعات جنائية ـ قد تُعد باملئات‬
‫خارج اإلطار القانوني‪.‬‬
‫األصلية‪ .‬وتشكل هذه اإلذاعات أفضل وسيلة‬
‫لنرش املعلومات حول قضايا تلك املجموعات‪،‬‬ ‫ـ ضد قيادات وأفراد من السكان األصليني يف‬
‫وتكشف عن العنف الذي تتعرض له‪.‬‬ ‫غواتيماال‪.‬‬ ‫يف بعض املناطق من العالم‪ ،‬قد يمثل استعمال‬
‫امليكروفون فعال غري قانوني‪ ،‬تماما ً كما قد‬
‫يؤدي الدفاع عن حقوق الشعوب األصلية إىل‬
‫فقدان الحياة‪ .‬يف ‪ 21‬سبتمرب‪ ،‬تم اغتيال خوانا‬
‫رامرييز سانتياغو‪ ،‬التي تنتمي إىل مجموعة‬
‫إكسيل من شعب مايا‪ .‬خوانا هي الضحية‬
‫اإلحدى وعرشين يف صفوف النشطاء يف مجال‬
‫الدفاع عن حقوق الشعوب األصليني‪ ،‬الذين‬
‫ُقتلوا يف غواتيماال عام ‪ .2018‬وكانت هذه‬
‫الناشطة من بني القادة ذوي الرؤية السياسية‬
‫واإلرادة لتغيري املجتمع‪ ،‬يف سبيل ضمان حياة‬
‫أفضل ألرسهم ومجتمعاتهم‪ .‬وحسب معظم‬
‫سكان غواتيماال‪ ،‬سيظل اغتيال خوانا رامرييز‬
‫سانتياغو‪ ،‬شأنه شأن العديد من اإلغتياالت‬
‫األخرى‪ ،‬دون عقاب‪.‬‬
‫أعربت فيكتوريا تويل كوربوز‪ ،‬املقررة‬
‫الخاصة لألمم املتحدة املعنية بحقوق الشعوب‬
‫األصلية‪ ،‬والتي أدت زيارتني رسميتني إىل‬
‫غواتيماال خالل نفس السنة‪ ،‬عن بالغ قلقها‬
‫إزاء أعمال العنف‪ ،‬وعمليات اإلخالء القرسي‬
‫وتجريم الشعوب األصلية التي تدافع عن‬
‫حقوقها‪ ‬وأراضيها‪ .‬ويف معرض إشارتها إىل‬
‫مقتل سبعة من قادة السكان األصليني يف‬
‫مايو ويونيو ‪[ ،2018‬وقد ارتفع هذا العدد إىل‬
‫إحدى عرش ضحية يف يوليو من نفس السنة]‬
‫رصحت املقررة الخاصة‪:‬‬

‫مجتمع مايا إيكسيل حريص عىل الدفاع‬


‫عن هويته الثقافية واللغوية‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪16‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫أسئلة املستمعني‪ .‬ومن شأن هذا املجال العام‪،‬‬ ‫ترددات املوجات اإلذاعية حسب ما يقتضيه‬ ‫وهي سبّاقة يف بث األخبار حول الحوادث‪،‬‬
‫حيث يخضع السياسيون للمساءلة‪ ،‬أن يساهم‬ ‫القانون‪ ،‬كما يتعرض املتطوعون العاملون فيها‬ ‫وتقوم بإجراء مقابالت مع القادة املحليني‬
‫يف تقليل حيّز التالعب بأصوات الناخبني‪.‬‬ ‫لتتبّعات قضائية بسبب أنشطتهم اإلذاعية‪.‬‬ ‫حتى يدلوا بآرائهم حول ممارسات العنف‪.‬‬
‫إن وسائل اإلعالم املحلية الخاصة بالشعوب‬ ‫يف غواتيماال‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬حق الشعوب‬ ‫وتساند اإلذاعات علنا ً املدافعني عن األرايض‬
‫األصلية هي وسيلة فعالة لتحرير العقول‪،‬‬ ‫األصلية يف امتالك وسائل إعالم خاصة بها‬ ‫وحقوق اإلنسان‪ ،‬وتقوم بتوعية الجمهور بشأن‬
‫تتيح بعث الشعور بالفخر عىل الصعيدين‬ ‫مضمون يف الدستور ويف اتفاقية السالم‬ ‫مسألة تجريمهم‪ .‬وهذا ما تقوم به‪ ،‬عىل سبيل‬
‫الثقايف واللغوي‪ .‬كما أنها تربز األلوان‬ ‫ا ُملوقعة سنة ‪ 1996‬عقب حرب أهلية دامت‬ ‫املثال‪ ،‬إذاعة «سياب تزوول تاكا»‪ ،‬يف إلستور‪،‬‬
‫املوسيقية واملعارف القديمة‪ ،‬فضالً عن‬ ‫ستة وثالثني عاماً‪ .‬بيد أن رسوم الحصول عىل‬ ‫التي ساندت العديد من األشخاص الذي‬
‫األشكال التنظيمية املحلية املهددة يف الوقت‬ ‫ترددات املوجات اإلذاعية باهضة جدا وال تقدر‬ ‫اُتهموا ظلما وأودعتهم الحكومة السجن بسبب‬
‫الراهن بفعل العوملة ورؤية العالم التي‬ ‫عىل تسديدها اإلذاعات املحلية التي ال تستهدف‬ ‫أنشطتهم يف مجال حقوق اإلنسان واألرايض‪.‬‬
‫تفرضها التجمعات اإلعالمية الدولية الكربى‪.‬‬ ‫الربح‪  .‬وقد بلغت تلك الرسوم يف عام ‪2003‬‬
‫مليونني من الكتزال (أي ما يعادل ‪274.000‬‬
‫كما أثبتت اإلذاعة املحلية فعاليتها السيما يف‬
‫دوالر) للحصول عىل ترددات أف‪ .‬أم‪ .‬يف مناطق‬ ‫قانون بقي حربا عىل ورق‬
‫املناطق النائية بأمريكا الالتينية‪ ،‬حيث يحول‬
‫تقع خارج مدينة غواتيماال وكتزالتينانغو‪،‬‬ ‫يف أمريكا الالتينية‪ ،‬أدرجت دول عديدة يف‬
‫بالء األمية دون حصول السكان األصليني عىل‬
‫ثاني مدينة يف البالد‪ .‬أما التكاليف الحالية فهي‬ ‫قوانينها حق الشعوب األصلية يف امتالك‬
‫املضامني التي تنرشها الصحافة وحيث ال‬
‫ليست معروفة ج ّراء توقف املزادات العلنية يف‬ ‫وسائل إعالم خاصة بها‪ .‬وعىل الرغم من أن‬
‫يمكن للنساء املسنّات الالتي ال يتحدثن اللغة‬
‫السنوات األخرية‪ ،‬غري أن الذين يملكون الرتددات‬ ‫الكثري من هذه الدول التزمت بتخصيص‬
‫السائدة ـ يف ما عدا أقلية قليلة ‪ -‬الحصول عىل‬
‫ما زالوا يبيعونها بصورة غري قانونية‪ .‬بالنسبة‬ ‫ترددات املوجات اإلذاعية لهذه الشعوب‪ ،‬فغالبا‬
‫املعلومات من خالل اإلذاعات العامة‪.‬‬
‫لصغار املزارعني‪ ،‬مثل هذا املبلغ يفوق بكثري‬ ‫ما يبقى التزامها دون تنفيذ‪.‬‬
‫وختاما‪ ،‬فإن بقاء اللغات األصلية يعتمد إىل حد‬ ‫قدر املستطاع‪ .‬ملن يرتاوح راتبه الشهري بني ‪80‬‬
‫بعيد عىل الناطقني بها وقدرتهم عىل التحدث‬ ‫و‪ 120‬دوالر‪ ،‬يبقى رشاء ترددات موجات إذاعية‬ ‫وهناك العديد من اإلذاعات الخاصة بمجموعات‬
‫بها بطالقة‪ .‬ومن هذه الزاوية‪ ،‬يجب بل ويمكن‬ ‫حلما ً بعيد املنال‪.‬‬ ‫السكان األصليني مرغمة عىل البث دون‬
‫أن تضطلع وسائل اإلعالم الخاصة بالشعوب‬ ‫ترخيص‪ ،‬بعد أن قدمت طلبا للحصول عىل‬
‫األصلية بدور حاسم‪.‬‬
‫تحرير العقول‬
‫تبي أن اإلذاعة قادرة ليس فقط عىل تعبئة‬ ‫لقد ّ‬
‫أفيكسنيم كوختي‪ ،‬التي تنتمي إىل مجموعة‬
‫الشعوب األصلية‪ ،‬بل وأيضا عىل التأثري يف‬
‫«كييش» (غواتيماال) مكلفة بإدارة الربامج‪،‬‬
‫السياسات ومساءلة الحكومات‪ .‬من ذلك أن‬
‫وأنياس بورتالفسكا (بولندا) مكلفة باإلعالم‬
‫املحطات اإلذاعية تنظم مراجعات حسابية‬
‫واالتصال يف «كلترشل رسفايفل» (‪)www.cs.org‬‬
‫اجتماعية لإلنفاق املايل الذي تنفذه السلطات‬
‫وهي منظمة غري حكومية معنية بالدفاع عن‬
‫البلدية يف املجتمعات األصلية‪.‬‬
‫حقوق الشعوب األصلية‪ ،‬يقع مقرها يف كمربيدج‬
‫بوالية ماساتشوستس (الواليات املتحدة) وتدعم‬ ‫كما أنها تنظم حمالت بشأن التصويت الواعي‪.‬‬
‫منذ عام ‪ 2005‬شبكة تضم أكثر من ‪ 800‬محطة‬ ‫ففي الفرتات االنتخابية‪ ،‬تدعو املرتشحني‬
‫إذاعية للشعوب األصلية عرب العالم‪.‬‬ ‫للمشاركة يف نقاشات عىل الهواء والرد عىل‬

‫اليونسكو واإلذاعات املحلية الخاصة بالشعوب األصلية‬


‫رغم التقدم املحرز يف تعزيز حقوق الشعوب األصلية ووسائل اإلعالم الخاصة بها‪ ،‬هناك العديد من‬
‫األمثلة يف العالم تؤكد أن وسائل اإلعالم الجماهريية ال زالت تمارس التمييز ضد الشعوب األصلية‪.‬‬
‫وتقوم وسائل اإلعالم املحلية بسد هذه الثغرة‪ .‬بما أنها بُعثت من طرف الشعوب األصلية ولصالحها‪،‬‬
‫فهي تطالب بتحقيق اإلدماج السيايس والشفافية واملساءلة‪ ،‬وتعزز التضامن الدويل‪ ،‬كما أنها تلقي‬
‫نظرة نقدية عىل انتهاكات حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫واعرتافا بأهمية اإلذاعات املحلية الخاصة بالشعوب األصلية‪ ،‬تدعم اليونسكو نحو ثالثني مرشوعا ً‬
‫متعلقا بإذاعات الشعوب األصلية‪ ،‬وذلك منذ عام ‪ 2000‬وبتمويل من برنامجها الدويل لتنمية‬
‫االتصال‪ .‬وعالوة عىل ذلك‪ ،‬تدعم املنظمة عددا من اإلذاعات املحلية بمعدل ‪ 50‬محطة كل عامني‪.‬‬
‫عىل سبيل املثال‪ ،‬يقوم مكتب اليونسكو يف بنوم بنه (كمبوديا) منذ عام ‪ 2007‬بتنظيم دورات‬
‫تدريبية حول تنفيذ مشاريع متعلقة بوسائل اإلعالم املحلية وتوفري برامج إذاعية باللغات األصلية‪.‬‬
‫كما منحت املنظمة تجهيزات إذاعية أساسية وقامت بتدريب منتجني شبان من املجتمعات األصلية‬
‫يف مجال تصميم برامج إذاعية تُبَث يوميا ً ملدة ساعة بلغات كرونغ وتومبون وجراي وبراو‪ .‬وعقب‬
‫النجاح الذي أحرزه هذا املرشوع‪ ،‬يف مايو ‪ ،2010‬تربع رشيك آخر لصالح جماعات السكان األصليني‬
‫بأكثر من ‪ 100‬جهاز استقبال إذاعي تشتغل بالبطاريات الشمسية‪ ،‬مما أتاح لنحو ‪ 400‬أرسة‬
‫‪© Daniele Volpe‬‬

‫االستماع لربامج اإلذاعات املحلية والقنوات الوطنية دون االضطرار إىل رشاء بطاريات عادية‪.‬‬
‫املصدر‪ :‬الشعوب األصلية ومجتمع املعلومات‪ ،‬باريس‪ ،‬اليونسكو‪.2016 ،‬‬

‫‪17‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫هند عمرو ابراهيم‪:‬‬


‫دفاعا عن حقوق شعب‬

‫مبورورو‬ ‫أجرت الحوار دوميتيي رو‬

‫رغم االعرتاف بها عىل الصعيد العاملي‪ ،‬ال زالت الشعوب األصلية يف أفريقيا غري‬
‫مُعرتف بها يف أوطانها‪ ،‬عىل غرار الفرقة الفوالنية مبورورو التي ال تحظى بعد بكامل‬
‫حقوقها‪ ،‬حسب هند عمرو ابراهيم‪ ،‬إحدى الناطقات الرسمية التشادية باسم الفرقة‪،‬‬
‫ومنسقة جمعية النساء الفوالنيات األصليات بالتشاد‪.‬‬

‫من الناحية التطبيقية‪ ،‬نقوم بالتحسيس‬ ‫بدون هذه الوثيقة األساسيّة‪ ،‬ال يمكن‬ ‫ما هو وضع املبورورو يف التشاد؟‬
‫بالحقوق االجتماعية األساسية عرب دورات‬ ‫الحصول ال عىل بطاقة تعريف وال عىل جواز‬
‫بفضل إعالن األمم املتحدة حول حقوق‬
‫تكوينية حول الحصول عىل التعليم أو‬ ‫سفر‪ ،‬وال يمكن مزاولة التعليم أو االنتفاع‬
‫الشعوب األصلية‪ ،‬نحظى باعرتاف عىل الصعيد‬
‫العناية‪ ‬الصحية‪.‬‬ ‫بالعناية الصحية‪ .‬إذا قصد مريض املستشفى‬
‫اإلقليمي الذي يض ّم الدول الخمس حيث نحن‬
‫بدون شهادة والدة‪ ،‬لن يأتي دوره ّإل بعد‬
‫كما نقوم بالتحسيس ل ّلجوء إىل القضاء‪:‬‬ ‫مُو ّزعون‪ ،‬وهي‪ :‬الكامريون‪ ،‬والنيجر‪ ،‬ونيجرييا‪،‬‬
‫كل اآلخرين‪ ،‬ويبقى عرضة لتلقي عناية‬
‫بالنظر إىل ما تعاني منه التجمعات األصلية‬ ‫وجمهورية أفريقيا الوسطى‪ ،‬وتشاد‪ .‬إال أنه‬
‫غري مُالئمة له‪ ،‬بما أن األطباء يجهلون سنه‬
‫من تهميش وتعنيف‪ ،‬فإن توعيتها بحقها يف‬ ‫عىل الصعيد الوطني‪ ،‬ال توجد قوانني تحمي‬
‫وحاجياته‪.‬‬
‫العدالة واإلنصاف أمر أسايس‪.‬‬ ‫الشعوب األصلية أو تعرتف بها‪.‬‬
‫يف الحقيقة‪ ،‬تُوجد الكثري من الوثائق‬
‫أما بخصوص حماية املحيط وتنميته‪،‬‬ ‫شارك الرئيس الحايل لدولة تشاد إدريس‬
‫والتعليمات‪ ،‬ولكن يف الواقع‪ ،‬نحن مرتوكون‬
‫فنقوم بتنظيم دورات تكوينية ونقاشات مع‬ ‫ديبي إتنو سنة ‪ ،2014‬بوصفه آنذاك رئيس‬
‫لحالنا لِتسيري شؤوننا بأنفسنا دون أية‬
‫التجمّ عات حول التأقلم مع تغري املناخ وحول‬ ‫املجموعة االقتصادية لدول أفريقيا الوسطى‪،‬‬
‫مُساعدة‪ .‬وحتى املاء الصالح للرشاب ليس يف‬
‫أهميّة املعارف التقليدية يف هذا املجال‪.‬‬ ‫يف املنتدى الثالث لشعوب أفريقيا الوسطى‬
‫متناولنا‪ .‬املبورورو يرشبون نفس املاء الذي‬
‫ما هي النتائج التي أحرزت عليها بفضل‬ ‫الذي انتظم يف مدينة ايمبفوندو بجمهورية‬
‫ترشبه الحيوانات‪ ،‬وهو ما يجعلهم عرضة‬
‫هذه الحمالت التحسيسية؟‬ ‫الكونغو‪ .‬وخالل هذا امللتقى الدويل الذي‬
‫لألمراض ويزيد يف هشاشة أوضاعهم الصحيّة‪.‬‬
‫تمحور حول املعارف والخربات التقليدية‬
‫من نجاحاتنا‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬أننا ّ‬
‫توصلنا‬ ‫حدّثينا عن جمعية النساء الفوالنيات‬ ‫واالقتصاد األخرض‪ ،‬ألقى خطابا دافع فيه عن‬
‫إىل بعث مراكز صحيّة تتالءم مع التجمعات‬ ‫األصليات بالتشاد‪ .‬ما هي مشاريعها منذ‬ ‫الشعوب األصلية‪ .‬ومثّل خطابه دعما سياسيا‬
‫الرحّ الة‪ .‬لكننا نجحنا أيضا يف إدماج النساء‬ ‫تأسيسها سنة ‪ ،1999‬وخاصة منذ أن‬ ‫هاما ورسالة قوية لصالحنا‪ .‬لكن األمر توقف‬
‫يف النقاشات الجارية صلب تجمّ عاتهن‪ .‬لقد‬ ‫حصلت عىل تأشريتها القانونية سنة ‪2005‬؟‬ ‫عند ذلك الحد‪ :‬لم يتم نرش نص الخطاب ولم‬
‫أصبح الرجال والنساء يجلسون جنبا إىل جنب‬ ‫يرتجم عىل أرض الواقع‪.‬‬
‫للتباحث معا يف مصريهم‪.‬‬ ‫إن هدفنا األسايس هو تحسني األوضاع‬
‫املعيشية ملجموعتنا‪ ،‬ويقوم عملنا عىل‬ ‫كيف تصفني ظروف عيش املبورورو؟‬
‫وعىل الصعيد الترشيعي‪ ،‬ساهمنا يف إصالح‬ ‫تحقيق برنامجني اثنني‪ .‬يتمحور األول حول‬
‫القانون املنظم لرتبية املاشية الذي يعود‬ ‫هي ظروف غري مقبولة‪ .‬أقل ما يحق ألعضاء‬
‫حماية حقوق اإلنسان وحقوق الشعوب‬
‫إىل عام ‪ 1958‬ولم يعد صالحا نظرا للنمو‬ ‫فرقتي هو االعرتاف لهم بصفتهم مواطنني‬
‫األصلية وتطويرها بالنظر إىل اإلعالنات‬
‫الديمغرايف وتغري املحيط منذ ذلك التاريخ‪.‬‬ ‫ينتمون للبالد‪ّ .‬إل أن نصفهم‪ ،‬وخاصة منهم‬
‫الوطنية والدولية املوجودة يف هذا املجال‪.‬‬
‫لسنا راضني تمام الرضا عن هذا اإلصالح‪،‬‬ ‫النساء واألطفال‪ ،‬ال يملكون حتى شهادة‬
‫أما الثاني فيتعلق بحماية البيئة‪ ،‬كما ّ‬
‫نصت‬
‫لكننا نعترب أن ما أنجزناه يشكل نوعا من‬ ‫ميالد‪ .‬كيف لهم أن يُصبحوا أصحاب حقوق؟‬
‫عىل ذلك اتفاقيات ريو الثالث املنبثقة عن‬
‫االنتصار بالنسبة لجمعيتنا‪.‬‬ ‫ندوة األمم املتحدة حول البيئة والتنمية‬
‫ويف مجال الرتبية‪ ،‬ال ب ّد أن نفهم أن التجمّ عات‬ ‫(‪ ،)1992‬واملتعلقة ّ‬
‫بتغي املناخ والتنوّ ع‬
‫الرحالة ال ترفض املدرسة‪ ،‬خالفا ملا يظنّه‬ ‫البيولوجي‪ ‬والتصحّ ر‪.‬‬
‫البعض يف كثري من األحيان‪ .‬إنما هي‪ ،‬بكل‬
‫بساطة‪ ،‬تطالب بمدرسة تتالءم يف برامجها‬
‫ويف توقيتها مع طريقة عيشها‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪18‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫هروبا من العنف يف بلدهم‪ ،‬لجأ سنة ‪2014‬‬


‫رعاة الغنم املنتمني لفرقة مبورورو أصييل‬
‫أفريقيا الوسطى إىل سوق املاشية يف قرية‬
‫غبيتي الحدودية (كامريون)‪،‬‬
‫أعتقد أن هذا املرشوع قادر عىل تحقيق تحوّل‬ ‫ما رأيك يف مرشوع املحيط الحيوي وتراث‬ ‫وهي سوق تعودوا ارتيادها‪.‬‬
‫نوعي إذا تم ّكن الخرباء الذين يحملونه من‬ ‫بحرية تشاد‪ ،‬الذي بعثته اليونسكو سنة‬ ‫‪© UNHCR / Frederic Noy‬‬
‫ربط عالقات مع السكان األصليني تسودها‬ ‫*‬
‫‪2018‬؟‬
‫الثقة املتبادلة‪ .‬لقد عاش هؤالء السكان يف تلك‬
‫هذا املرشوع واعد جدّا من حيث إصالح النظام‬
‫األماكن طيلة قرون‪ .‬فهم ليسوا مج ّرد عابرين‪،‬‬ ‫األطفال الرحّ ل يف حاجة إىل تع ّلم كيفية تسيري‬
‫البيئي لبحرية تشاد والحفاظ عىل مواردها‬
‫مثل بعض السياسيني‪ .‬لذلك‪ ،‬ال بد من إنجاز‬ ‫املوارد الطبيعية‪ ،‬مثل املاء‪ ،‬أو الرصاعات بني‬
‫وتوطيد العالقات بني شعوب الدول املجاورة‪.‬‬
‫املرشوع يف كل مراحله مع هذه الشعوب ومن‬ ‫التجمّ عات‪ ،‬أكثر من معرفة تاريخ الحروب‬
‫ما يقلقني هو أن الوقت يم ّر يف تحديد‬
‫أجلها‪ ،‬لغاية تحقيق أهدافه‪.‬‬ ‫العاملية أو تاريخ فرنسا‪ .‬كما أنهم يحتاجون‬
‫األولويات‪ ،‬ويف خلق مناطق محميّة ويف إنشاء‬
‫مشاريع رائدة… فتنفذ املدّة الزمنية املحدّدة‬ ‫إىل معلمني يتفهّ مون ثقافتهم ويُحذقون‬
‫ولدت هند عمرو ابراهيم يف تشاد سنة‬ ‫للمرشوع وتنفذ معها امليزانية املخصصة‪ ،‬دون‬ ‫لغتهم‪ ،‬ألن اللغة األم أساسية يف عملية التع ّلم‪.‬‬
‫‪ .1984‬تجوب القمم الدولية لتحسيس‬ ‫ّ‬
‫التوصل إىل نتائج ملموسة‪.‬‬ ‫ملا تم بعث إدارة مكلفة بتعليم األطفال الرحل‬
‫القادة بحقوق الشعوب األصلية وتغري‬
‫سنة ‪ ،2012‬رحبنا بهذا النبأ واعتربناه‬
‫املناخ‪ .‬شاركت سنة ‪ 1999‬يف تأسيس‬
‫جمعية النساء الفوالنيات األصليات‬ ‫مشجعا‪ .‬لقد أخذت هذه اإلدارة يف عني االعتبار‬
‫بالتشاد‪ ،‬بهدف تحسني الظروف املعيشية‬ ‫*يهدف مرشوع املحيط الحيوي وتراث بحرية تشاد الذي‬
‫احتياجات الفرق الرحالة ووضعت برامج‬
‫ملجتمعها‪ ،‬املبورورو‪.‬‬ ‫بعثته اليونسكو يف فرباير ‪ 2018‬إىل دعم قدرات الدول‬ ‫نموذجية تتالءم مع ظروف معيشة األطفال‪.‬‬
‫الخمس حيث يقطن املبورورو‪ ،‬للتم ّكن من الترصف‬ ‫لكن فرقة املبورور لم تتمتع بعد بهذه‬
‫بشكل دائم يف املوارد املائية‪ ،‬والبيولوجية والثقافية يف‬
‫حوض بحرية تشاد‪ ،‬علما وأن هذا الحوض يوفر موارد‬ ‫االجراءات‪.‬‬
‫العيش لنحو ‪ 40‬مليون ساكن‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫التكنولوجيات المتقدمـ‬
‫بقلم جويل هيث‪ ،‬بمساهمة‬
‫لوكاىس أراغوتيناك‬

‫تعني كلمة «سيكو» يف لغة إينوكتيتوت‬


‫«جليد البحر»‪ .‬وقد تم اعتمادها لتسمية‬
‫منصة إلكرتونية أحدثت ثورة يف الحصول‬
‫عىل املعارف القديمة والبحوث الحديثة‬
‫حول املجتمعات التي تعيش يف منطقة‬
‫ّ‬
‫القصة‬ ‫القطب الشمايل يف كندا‪ .‬وانطلقت‬
‫بشكل متواضع من التقاط بعض الصور‬
‫ألرساب من بط العيدر وهي تكافح من‬
‫أجل البقاء عىل قيد الحياة فوق الطوف‬
‫الجليدي‪ ،‬وتطورت عىل مدى خمسة‬
‫عرش عاما لتصبح مرشوعا رائدا يجمع‬
‫بني املعارف القديمة وأحدث التقنيات‬
‫املعارصة‪.‬‬
‫‪© SIKU‬‬

‫وبعد سنوات طويلة من العمل الدؤوب مع‬ ‫كانت حافة الجليد مغطاة بجثث البط الذي‬ ‫يف ذلك اليوم من شتاء ‪ ،2002‬فاقت شدة الربد‬
‫جميع العائالت تقريبا يف قرية سانيكيلواك‪،‬‬ ‫فاجأه التجمد‪ .‬التفت املرشدون اإلنويت الثالثة‬ ‫الدرجة املألوفة يف منطقة كيكيكتالوك الواقعة‬
‫أفىض املرشوع سنة ‪ 2011‬إىل انتاج فيلم‬ ‫ـ سيميوني كافيك‪ ،‬إيليا أوكوياتوك ولوكاىس‬ ‫يف مقاطعة نونافوت (كندا)‪ .‬بالقرب من قرية‬
‫وثائقي بعنوان «شعب وريش» فاز بما ال يقل‬ ‫إيباك ـ نحو علماء األحياء املشاركني يف الرحلة‬ ‫سانيكيلواك‪ ،‬كان بعض الصيادين اإلنويت‬
‫عن اثني عرشة جائزة‪ .‬يسلط الفيلم الضوء‬ ‫االستكشافية قائلني‪« :‬هذا ما أخربناكم عنه‪.‬‬ ‫يحملون رماحا ويتقدمون مسرية فوق الجليد‬
‫عىل العالقة الفريدة من نوعها التي تربط بني‬ ‫يف أوائل التسعينات‪ ،‬الحظ أحد شيوخنا أن‬ ‫الرقيق الذي تشكل حديثًا‪ ،‬ليفتحوا الطريق‪،‬‬
‫السكان وبط العيدر‪ ،‬والتحديات الناجمة عن‬ ‫عدد بط العيدر الذي مات عىل الجليد فاق عدد‬ ‫يتبعهم فريق من علماء األحياء يسري بحذر‬
‫التغريات البيئية التي يواجهونها‪.‬‬ ‫الحىص عىل الشاطئ»‪ .‬يف ذلك الوقت‪ ،‬توىل‬ ‫شديد‪ ،‬مقتفيا خطاهم‪ .‬وكان الضباب الجليدي‬
‫الصيادون والشيوخ يف قرية سانيكيلواك تنبيه‬ ‫املنبثق من املياه يف بعض األماكن يضفي عىل‬
‫إن تعلق شعب اإلنويت الذي يعيش عىل جزر‬
‫السلطات الكندية‪ ،‬لكن هذه الظاهرة لم تحظ‬ ‫املشهد مزيدا من الغرابة‪.‬‬
‫بلشري ليس مجرد اهتمام بهذه الطيور‪ ،‬بل‬
‫باهتمام املجتمع العلمي‪.‬‬
‫هو ناجم عن اعتماد حياتهم عليها‪ .‬ذلك أن‬ ‫وعىل حافة طوف جليدي يقع يف الجانب‬
‫بط العيدر يف خليج هدسون يقيض كامل‬ ‫يف رحلة عام ‪ ،2002‬قام أحد علماء األحياء‬ ‫الرشقي من جزر بلرش‪ ،‬حيث بدأت الثلوج‬
‫فصل الشتاء يف تلك الجزر‪ ،‬يف حني أن معظم‬ ‫بتصميم كامريا تعمل تحت املاء تسمح‬ ‫تتصلب‪ ،‬كانت مجموعة من بط العيدر تتخبط‬
‫الطيور‪ ،‬بما يف ذلك بط العيدر املتواجد يف‬ ‫بتصوير بط العيدر عندما يغوص تحت‬ ‫بجهد جهيد حتى ال تتجمد املياه املتبقية‪ .‬كان‬
‫مناطق أخرى‪ ،‬تهاجر إىل الجنوب‪ .‬مما يتيح‬ ‫الجليد‪ .‬كنت آنذاك يف طور إعداد رسالة‬ ‫هذا األمر حاسما بالنسبة لها‪ :‬إن تجمدت‬
‫للسكان املحليني‪ ،‬خالل فصل الشتاء‪ ،‬من‬ ‫دكتوراه‪ ،‬وقضيت الشتاءين التاليني عىل حافة‬ ‫املياه‪ ،‬لن تتمكن من الغوص القتناء الحيوانات‬
‫استعمال جلود ذلك النوع من البط لصناعة‬ ‫جليد البحر‪ ،‬بقيادة كل من سيميوني وإيليا‪،‬‬ ‫البحرية مثل بلح البحر والقنافد التي تمثل‬
‫السرتات التقليدية وتلبية احتياجاتهم الغذائية‪،‬‬ ‫ملراقبة وتصوير أساليب بط العيدر يف البقاء‬ ‫مورد قوتها الوحيد‪.‬‬
‫باعتبار أن الجزر خالية من الوعول‪.‬‬ ‫عىل قيد الحياة‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪20‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫ـة على طريقة سيكو‬


‫وتشمل الشبكة تجمعات سانيكيلواك‬
‫(نونافوت)‪ ،‬وإينوجواك‪ ،‬وأوميوجاك‪،‬‬
‫وكوجوارابيك (منطقة نونافيك يف إقليم‬
‫كيبيك) وشيساسيبي (مجتمع كري يف املنطقة‬
‫البحرية أيو من إقليم كيبيك)‪ .‬وكلها مجموعات‬
‫متجاورة احتفظت كل واحدة منها بإحدى‬
‫مكونات لغز «اللوحة» البيئية‪ .‬وملا تضافرت‬
‫جهودها‪ ،‬تمكنت يف النهاية من تركيب جزئيات‬
‫اللوحة وتقديم صورة شاملة لتطور املنطقة‪.‬‬
‫وتمكنت الشبكة من ربط عالقات رشاكة‬
‫مع عدة أطراف‪ ،‬من بينها برنامج مكافحة‬
‫امللوثات يف الشمال‪ ،‬وذلك بفضل االستفادة من‬
‫الخربة األكاديمية لجامعة مانيتوبا وجامعة‬
‫كارلتون وشبكة القطب الشمايل اإللكرتونية‬
‫التابعة لجامعة الفال‪ ،‬والتمويالت التي وفرها‬
‫املخطط العام ملراقبة نونافوت ومجلس‬
‫الترصف يف املوارد الحيوانية للمنطقة البحرية‬
‫لنونافيك‪ ،‬وأمة الكري يف شيساسيبي‪ .‬كما‬
‫وسعت الشبكة برامجها لصالح مناطق جديدة‬
‫بتمويل من مؤسسة بوالر نولدج كندا (املعارف‬
‫القطبية كندا)‪.‬‬

‫أولويات جديدة‬
‫واستفادت املجموعات املحلية من الدورات‬
‫التدريبية لبلورة ثالث أولويات جديدة‪:‬‬
‫الزيادة يف تحفيز الشباب‪ ،‬ومعالجة التحديات‬
‫الترشيعية املحلية‪ ،‬وتقاسم النتائج بالتنسيق‬
‫يف ما بينها بصفة آنية‪.‬‬
‫وحتى تحث الشباب عىل املشاركة‪ ،‬أنتجت‬
‫الشبكة بالتعاون مع اللجنة املدرسية لنونافيك‬ ‫يتحسس صياد بط العيدر حالة الجليد‪.‬‬
‫(كاتيفيك اليسارنيايرنك) منهجا تربويا شامال‬
‫مركزا عىل مجتمع اإلنويت‪ ،‬يتمثل يف حقيبة‬
‫تعليمية حول جليد البحر يف القطب الشمايل‪،‬‬
‫تجميع أجزاء اللوحة‬
‫تحتوي عىل أدوات تفاعلية متعددة الوسائط‪،‬‬ ‫تهدف جمعية بط العيدر يف القطب الشمايل‪،‬‬ ‫يف سياق إنتاج الفيلم سنة ‪ ،2011‬تم تأسيس‬
‫تسمح للتالميذ باإلطالع عىل نتائج مشاريع‬ ‫وهي جمعية خريية لِشعب اإلنويت‪ ،‬إىل‬ ‫جمعية بط العيدر يف القطب الشمايل‪ .‬ويجدر‬
‫الشبكة‪ ،‬واالشرتاك يف نشاط الصيادين‬ ‫تمكني السكان املحليني من تويل مسؤولية‬ ‫التذكري بأن الطريق كانت معبدة أمام الجمعية‬
‫واملشاركة بشكل مبارش يف البحوث العلمية‬ ‫البحث والتعليم والترصف يف بيئتهم املحلية‪.‬‬ ‫بفضل برامج البحوث التي أنجزتها املجموعات‬
‫املحلية‪.‬‬ ‫وقد ركزت يف برامجها األوىل عىل تقييم ّ‬
‫تغي‬ ‫املحلية بدعم من السنة القطبية الدولية‬
‫ويف ما يتعلق باألولوية الثانية‪ ،‬جمعت قمة‬ ‫املحيطات والجليد البحري‪ ،‬وتدريب الصيادين‬ ‫(‪ )2008 - 2007‬وبفضل تجند السكان لهذه‬
‫خليج هدسون األوىل املنعقدة سنة ‪ 2018‬نحو‬ ‫والشباب عىل استخدام بيانات قياس نسبة‬ ‫القضية منذ أوائل التسعينات حيث أطلقت‬
‫‪ 27‬جماعة من اإلنويت والكري من سكان‬ ‫ا ُمللوحة ودرجات الحرارة‪ ،‬وإنشاء محطات‬ ‫مجموعة سانيكيلواك برنامجا ً شاركت فيه‬
‫خليج جيمس وخليج هدسون‪ ،‬وممثيل ‪97‬‬ ‫ملراقبة السطح الجليدي وتحليل عينات من‬ ‫‪ 28‬مجموعة من اإلنويت والكريس يف خليجي‬
‫منظمة‪ ،‬لتشكيل اتحاد خليج هدسون‪ ،‬وهو‬ ‫الجليد واملاء‪.‬ثم تأسست شبكة املجتمعات‬ ‫هدسون وجيمس‪ ،‬يهدف إىل تجميع معارفهم‬
‫منتدى للتعاون والترصف املنسق ملنطقة‬ ‫املحلية للبحث العلمي التابعة لجمعية بط‬ ‫حول التغريات البيئية‪ .‬وقد نتج عن هذا‬
‫معقدة عىل املستوى الترشيعي‪.‬‬ ‫العيدر يف القطب الشمايل‪.‬‬ ‫املرشوع إصدار كتاب سنة ‪ 1997‬تحت عنوان‬
‫«أصوات من الخليج» ال يزال يعترب حتى يومنا‬
‫هذا مصدرا ثمينا للمعلومات حول املنطقة‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫تجمع هذه املنصة االلكرتونية التي ال زالت يف‬


‫مرحلة تجريبية‪ ،‬مجموعة واسعة من األدوات‬
‫والخدمات األساسية ملجتمع اإلنويت‪ ،‬تتعلق‬
‫بالتكهنات الجوية املحلية‪ ،‬واملد والجزر البحري‪،‬‬
‫وصور للجليد البحري ملتقطة عن طريق‬
‫األقمار الصناعية‪ ،‬تكاد تكون آنية‪ .‬ومن املقرر‬
‫إطالق املوقع رسميا يف أواخر عام ‪ .2019‬كما‬
‫تم تطوير تطبيق محمول لتوسيع نطاق املوقع‪.‬‬

‫عهد جديد‬
‫بطبيعة الحال‪ ،‬لن يمثل التطبيق املحمول‬
‫بديال الستخدام الرماح لفحص الجليد أو‬
‫لنقل تجارب األسالف‪ .‬ولكن الجمع بني أفضل‬
‫املقاربات العلمية الحديثة ومعارف األسالف‬
‫املرتاكمة عىل مدى عدة قرون‪ ،‬أصبح يمكن‬
‫اآلن مراقبة حالة الجليد البحري وقياس‬
‫مدى خطورتها‪ ،‬باستخدام مصطلحات لغة‬
‫إينوكتيتوت‪ .‬ونأمل أن يتم يف يوم ما إدماج‬
‫هذه املصطلحات يف مناهج تع ّلم اآللة (الذكاء‬
‫االصطناعي)‪ ،‬حتى تتمكن مجتمعات السكان‬
‫األصليني من الحصول عن بعد عىل املعلومات‬ ‫‪© Qavavau Manumie / Reproduit avec l’aimable autorisation de Dorset Fine Arts‬‬
‫املفيدة دون تأخري وباللغة التي يتحدثون بها‪.‬‬ ‫«تحوّالت» للفنان اإلنويت كافافو مانومي‪،‬‬
‫كايب دورسات‪.2011 ،‬‬
‫يمكن اآلن للجمعيات واملجموعات األصلية‬
‫تقاسم األخبار والتقارير واملدونات‪ .‬ويمكن‬
‫للشباب استيعاب الثقافة املحلية من خالل‬ ‫معابر جليد القطب الشمايل‬
‫تبادل قصص الصيد واألسماء التقليدية‬
‫يف موقع غوغل‬
‫لألماكن‪ .‬كما أن املالحظات التي كانت تُعترب‬
‫سابقا هامشية وال تحظى باهتمام العلماء‪،‬‬ ‫يف عام ‪ ،2015‬تعاونت جمعية بط العيدر يف‬ ‫وأخريا‪ ،‬بالنسبة لألولوية الثالثة املتمثلة يف‬
‫أصبحت اآلن جديرة بالتوثيق والتحديد الكمي‪.‬‬ ‫القطب الشمايل مع شبكة غوغل آرث للتواصل‬ ‫تقاسم املعطيات بصفة آنية‪ ،‬قررت املجتمعات‬
‫لقد وفرت سياسة الترصف والصيانة املتبعة‬ ‫لتصميم أول خريطة للجليد البحري بواسطة‬ ‫منصة عىل اإلنرتنت‪،‬‬‫الخمس املعنية إنجاز ّ‬
‫إمكانية تحكم السكان املحليني يف مُعطياتهم‪،‬‬ ‫برمجية «غوغل سرتيت فيو»‪ ،‬تشمل مواقع‬ ‫تتكون من خريطة بسيطة للمنطقة مصحوبة‬
‫وممتلكاتهم الفكرية وكيفية تقاسم املعلومات‪.‬‬ ‫مجموعة سانيكيلواك باإلضافة إىل بولينيز‬ ‫بالتسلسل الزمني مع مدخل فردي لكل باحث‪،‬‬
‫انطلق هذا املرشوع منذ نحو خمسة عرش‬ ‫وحدود الطوف الجليدي يف فصل الشتاء‪.‬‬ ‫حتى يقوم كل منهم من تسجيل معطياته‬
‫عامً ا من بعض الصور ألرساب بط العيدر‬ ‫وبذلك‪ ،‬فتحت أمام مستخدمي اإلنرتنت يف‬ ‫الناتجة عن قياس درجة امللوحة‪ ،‬وتحليل‬
‫فوق سطح الجليد القطبي‪ .‬وها أنه أصبح اآلن‬ ‫الشمال كما يف الجنوب إمكانية استكشاف‬ ‫عينات الجليد ورصد امللوثات‪.‬‬
‫يحلق من تلقاء نفسه‪ ،‬إىل ما أبعد من املحيط‬ ‫جليد البحر القطبي الشمايل‪ ،‬بواسطة وسائل‬
‫تكنولوجية جديدة‪.‬‬ ‫وال تنحرص فائدة هذه املنصة النموذجية‬
‫البيئي الشتوي لِبط العيدر يف خليج هدسون‪.‬‬ ‫يف تحسني معالجة املعطيات املشرتكة بني‬
‫ويف املرحلة املوالية‪ ،‬تم إنشاء شبكة للوسائط‬ ‫عدد كبري من املتعاونني‪ ،‬بل تتمثل كذلك يف‬
‫االجتماعية ومنصة للخرائط الجغرافية‪،‬‬ ‫تمكني كل مجموعة من االطالع عىل معطياتها‬
‫جويل هيث (كندا) عالم ومنتج أفالم‪.‬‬
‫بمشاركة السكان اإلنويت ولِصالحهم‪ .‬وحال‬ ‫ومقارنتها بمعطيات املجموعات األخرى‪،‬‬
‫قىض عرشين عاما يف القطب الشمايل صحبة‬
‫ظهوره‪ ،‬نال املوقع الذي يحمل عنوان «سيكو‪:‬‬ ‫بواسطة جدول شامل‪ .‬يف املايض‪ ،‬كانت نتائج‬
‫مجموعات اإلنويت‪ ،‬وجمع بني خربته يف علم‬
‫ويكي معارف السكان األصليني» ومنصة‬ ‫البحوث‪ ،‬يف أغلب األحيان‪ ،‬تحبس يف ملفات‬
‫البيئة وديناميكية الجليد البحري والبيولوجيا‬
‫الخرائط االجتماعية جائزة «غوغل إمباكت‬ ‫إحدى جامعات املناطق الجنوبية‪ ،‬وترتك عىل‬
‫الحسابية وبني معارف مجتمع اإلنويت‪.‬‬
‫شالنج ‪ »2017‬يف كندا‪ ،‬وفتحت أمامه آفاقا‬ ‫رفوف الخزائن لألبد‪.‬‬
‫وهو املدير التنفيذي ومؤسس مشارك‬
‫للتطور‪ .‬وترمز كلمة «سيكو» التي تعني يف‬
‫لجمعية بط العيدر يف القطب الشمايل‪ ،‬وهي‬ ‫أما اليوم‪ ،‬فقد أصبحت املعلومات متاحة‬
‫لغة إينوكتيتوت «البحر الجليدي»‪ ،‬يف نفس‬
‫مؤسسة خريية ملجتمع اإلنويت يقع مقرها‬ ‫للجميع‪ ،‬بما فيهم شباب اإلنويت املولع‬
‫الوقت إىل فضاء التواصل والتغريات التي‬
‫بسانيكيلواك يف نونافوت‪.‬‬ ‫باإلعالمية‪ .‬وقد تم إدراج وظائف جديدة مثل‬
‫حصلت يف املنطقة الشمالية‪.‬‬
‫لوكايس أراغوتيناك (كندا) مؤسس مشارك‬ ‫توصيف الرسائل والصور املنشورة مع تحديد‬
‫وعضو مجلس إدارة جمعية بط العيدر يف‬ ‫موقعها الجغرايف‪ ،‬مما يسمح بمعرفة هوية‬
‫القطب الشمايل‪ ،‬ومدير جمعية صيادي‬ ‫نارشها‪ ،‬ونرش معلومات حول أنواع الحيوانات‪،‬‬
‫سانيكيلواك‪ .‬شارك يف تأليف كتاب «أصوات‬ ‫وكذلك بسط نتائج قياسات وتعليقات‬
‫من الخليج» (‪ )1997‬وبعث مبادرات عديدة‬ ‫ومالحظات متنوعة‪.‬‬
‫لتعبئة معارف الشعوب األصلية‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪22‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫الحبل‬
‫الس ّري‬
‫تواوهينوا من نيوزيلندا‬
‫يشرحون ارتباطهم باألرض‬

‫وتدل هذه الطقوس عىل االرتباط الدائم‬


‫بـ«باباترانوكو» أي األرض األم… بعبارة‬
‫أخرى‪ ،‬هي تعني ارتباط الفرد بمكانه‬
‫يف‪ ‬العالم‪.‬‬
‫إن الحفاظ عىل الروابط مع األرض ومواردها‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫أمر حاسم بالنسبة للتواوهينوا‪ ،‬حيث أنهم‬
‫يعتربونه تجسيدا لـ«مانا»‪ ،‬أي نفوذهم‬
‫وسلطتهم‪ .‬وكان األسالف يعتقدون أن من‬ ‫ُ‬
‫واجب الفرد‪ ،‬والفرقة (هابر) والقبيلة (إيوي)‬
‫احرتام «مانا» باستمرار‪ ،‬مهما كانت مصاعب‬
‫الحياة وتقلبات الزمن‪ ،‬ومهما كانت األحداث‬
‫التي تجد يف العالم‪.‬‬
‫كان األسالف يعلمون علم اليقني أنه سوف‬
‫يعرس عىل البعض الحفاظ عىل العالقة التي‬
‫تربطهم باألرض واألنهار‪ ،‬والحيوانات والطيور‬
‫ولكنهم كانوا يعتربون أن يف الحفاظ عليها‬
‫يكمن معنى االنتماء إىل شعب تواوهينوا‪.‬‬
‫كما كان األسالف يعتربون «مانا» من بني أهم‬
‫املبادئ لشعب تواوهينوا‪ .‬وهو مبدأ ال‪ ‬يمكن‬
‫فصله عن «ماوري» أي القوّة الحيوية أو‬
‫جوهر الحياة‪ .‬وملا يتحدث شعب تواوهينوا‬ ‫جذع شجرة غابية منحوت‬
‫عن طهارة ثقافتهم‪ ،‬يستعملون أيضا عبارة‬ ‫من طرف املاوري‪.‬‬
‫«ماوري البيئة»‪ .‬بالنسبة لهم‪ ،‬ال يمكن أبدا ً‬ ‫‪© Matias Dandrea / Shutterstock.com‬‬
‫يحتل مفهوم «تاتاي وهاكابابابا» مكانة‬
‫اقتالع «ماوري» الغابة‪ .‬كل عنرص من العنارص‬
‫أساسية يف نظرة مجموعة تواوهينوا للعالم‪،‬‬
‫املكونة لهذا العالم يمتلك قسطا من «ماوري»‪،‬‬
‫وهو مفهوم يدل عىل الرتابط بني سالالت كل‬
‫وطاملا تتدفق األنهار وتبقى ولو شجرة واحدة‬ ‫تعني كلمة «وهينوا» األرض‪ ،‬وتُحدّد من أنت‬ ‫األشياء املوجودة‪ .‬بالنسبة لهذه املجموعة التي‬
‫واقفة‪ ،‬لن تنطفئ القوة الحيوية‪.‬‬ ‫أيضا ا َملشيمة‪.‬‬
‫واملكان الذي أتيت منه‪ .‬وتعني ً‬ ‫تنتمي لشعب املاوري يف نيوزيالندا‪ ،‬كل األشياء‬
‫كرييتويا تومارا – تيكا و جيمس (تاهاي)‬ ‫ويف كلتا الحالتني‪ ،‬تدل الكلمة عىل بداية‬ ‫متصلة بعضها ببعض‪ :‬الخفافيش‪ ،‬والسحايل‪،‬‬
‫دوهرتي (أصييل شعب تواوهينوا يف نيوزيلندا)‬ ‫اإلنسان وعالقته بأمّ ه – ذلك الشخص الذي‬ ‫والطيور‪ ،‬والحرشات‪ ،‬واألشجار‪ ،‬والنباتات‪،‬‬
‫باالشرتاك مع فيل ليفر (باحث نيوزيلندي)‪.‬‬ ‫منحه الحياة‪.‬‬ ‫والجبال‪ ،‬واألنهار والبحريات‪ ...‬وهذا التواصل‬
‫حني تضع نساء التواوهينوا مولودا خارج‬ ‫هو مصدر قوّة النظام البيئي‪ .‬وإذا ما تدهورت‬
‫أرضها األصلية‪ ،‬يستوجب نقل املشيمة إىل‬ ‫هذه العنارص‪ ،‬فسوف تتدهور معها سالمة‬
‫املصدر‪« :‬معارف الشعوب األصلية املتصلة بالتلقيح‬ ‫البيئة والسكان‪.‬‬
‫وامللقحات يف مجال اإلنتاج الغذائي»‪ ،‬اليونسكو‪2015 ،‬‬
‫الوطن ودفنها يف أرايض القبيلة‪ .‬وينطبق‬
‫(باللغة االنجليزية)‪.‬‬ ‫التقليد نفسه عىل «البيتو»‪ ،‬أي الحبل ّ‬
‫الرسي‪.‬‬

‫‪23‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫أر ّز وسمك ّ‬
‫وبط في تناسق‬

‫مع البشر‬ ‫بقلم داي رونغ وكسيو دايوان‬

‫ابتكرت فرقة دونغ‪ ،‬وهي أقلية عرقية‬


‫صينية مقيمة منذ القِ دم يف مقاطعة‬
‫كونغجيانغ وسط إقليم غويزهو‪ ،‬نظاما ً‬
‫إلنتاج املوارد الغذائية يراعي يف نفس‬
‫الوقت ضمان صحة السكان واملحافظة‬
‫عىل استقرار النظم البيئية املحلية‬
‫وتنوعها‪ .‬كانت فرقة دونغ سباقة يف‬
‫املحافظة عىل محيطها‪ ،‬وقد مارست‬
‫طريقة زراعية يمكن أن نصفها اليوم‬
‫بأنها خرضاء‪ ،‬و ّلدتها حكمة األسالف‪.‬‬

‫تعاني مقاطعة كونغجيانغ‪ ،‬التي ينتمي معظم‬


‫قاطنيها إىل فرق مياو ودونغ وثالث عرشة‬
‫أقلية عرقية أخرى‪ ،‬من ندرة األرايض القابلة‬
‫للزراعة‪ .‬ويف مثل هذا املحيط املعادي‪ ،‬أبرزت‬
‫‪© Kuang Huimin‬‬

‫فرقة دونغ قدرتها الخالقة من خالل ابتكار‬


‫نظام لإلنتاج الزراعي يحقق يف نفس الوقت‬
‫فوائد اقتصادية وبيئية واجتماعية وثقافية‪.‬‬
‫وال تزال هذه املمارسات القديمة سارية‬
‫املفعول إىل اليوم‪ ،‬مما يتيح للنظام البيئي‬
‫إعادة تدوير تدفقات الطاقة واملواد‪ .‬وقد‬
‫وبالنسبة لسكان القرى املعزولة الواقعة‬ ‫عىل مساحة تبلغ نحو ‪ 12.600‬هكتارا‪ ،‬توفر‬ ‫احتفظت فرقة دونغ باملشاتل القديمة لألرز‬
‫يف جبال مقاطعة كونغجيانغ‪ ،‬تمثل حقول‬ ‫براعم األرز اللزج الظل والغذاء البيولوجي‬ ‫اللزج وال زالت تزرعها يف املنحدرات املدرجة‪،‬‬
‫األرز املصدر الرئييس للتغذية نظرا لتواجد‬ ‫لألسماك والبط التي تقوم بدورها بإبعاد‬ ‫وتستغل حقول األرز لرتبية السمك‪ .‬وملا يبلغ‬
‫ما ال يقل عن مائة نوع من النباتات الربية‬ ‫اآلفات وتوفري أسمدة طبيعية ممتازة‪ ،‬فضالً‬ ‫طول األسماك ‪ 10‬سنتيمرت‪ ،‬تضاف فروخ البطّ‬
‫القابلة لالستهالك‪ ،‬منها الرسخس والخيزران‬ ‫عن قيامها بدور هام يف إبادة األعشاب الضارة‬ ‫إىل أحواض الرتبية‪.‬‬
‫والفطريات وكذلك القلقاس واللوتس‬ ‫وتخصيب وتوفري األكسيجني لحقول األرز‪.‬‬
‫والكرفس املائي وموز الجنة‪ .‬أما الحيوانات‬ ‫يعتمد هذا النظام التآزري «أرز ـ سمك ـ‬
‫كل أنواع األرز والبط واألسماك محلية‬ ‫ط»‪ ،‬الذي يعود لعهد ساللة هان الرشقية‬ ‫ب ّ‬
‫املائية مثل الحلزون واإلنقليس‪ ،‬فهي توفر‬
‫وال‪ ‬تتطلب أية إضافة ملبيدات اآلفات‪ ،‬نظرا‬ ‫(من ‪ 25‬إىل ‪ 220‬بعد املسيح) عىل الخصائص‬
‫للسكان بروتينات ذات قيمة غذائية عالية‪.‬‬
‫ألن‪ ‬النظام املذكور يوفر لها حماية ممتازة‬ ‫البيولوجية والبيئية ملختلف الكيانات‪ ،‬ويراعي‬
‫وعالوة عىل ذلك‪ ،‬بفضل الطابع البيولوجي‬
‫ضد األمراض‪ .‬كما أن هذا النظام يضمن‬ ‫احتياجات كل منها من حيث املكان والزمان‬
‫لهذا النموذج الزراعي‪ ،‬ترتفع القيمة الرشائية‬
‫الحفاظ عىل تنوع الكيانات والنظم البيئية‬ ‫واملادة والطاقة‪ .‬كل نوع منها‪ ،‬حيث يتواجد‪،‬‬
‫لألسماك والبط التي يبلغ سعرها ضعف سعر‬ ‫الزراعية املحلية بصفة ناجعة‪ ،‬بل وي ّ‬
‫ُخفض‬ ‫يفي باحتياجاته الخاصة‪ ،‬ويستغل الطاقة‬
‫املنتجات العادية‪.‬‬
‫بنسبة كبرية تكاليف تغذية الحيوانات‬ ‫الشمسية واملياه والعنارص املعدنية املتاحة عىل‬
‫واليد‪ ‬العاملة‪.‬‬ ‫النحو الكامل‪ ،‬وينجز مع غريه من الكيانات‬
‫هيكال إنتاجيا يستفيد منه الجميع‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪24‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫أصبح النظام الزراعي التقليدي مهددا جراء عوملة االقتصاد‬


‫ورسعة التطور التكنولوجي‬

‫إعادة اإلعتبار ملعارف‬ ‫مالمح حياة جديدة‬


‫السكان األصليني‬ ‫إال أن هذا النظام الزراعي التقليدي أصبح‬
‫مهددا جراء عوملة االقتصاد ورسعة التطور‬
‫تشمل املعارف التقليدية املفاهيم‪،‬‬ ‫التكنولوجي‪ .‬لقد بلغت الزراعة الحديثة‬
‫واملهارات والفلسفات املتعلقة بالنظم‬ ‫مستوى من اإلنتاجية والنجاعة جعلها تؤثر إىل‬
‫البيئية والثقافية واالجتماعية التي‬ ‫حد كبري يف الزراعة التقليدية‪ .‬كما أن اإلدخال‬
‫تطورت عرب العالم عىل مدى آالف‬ ‫خفض‪،‬‬‫املكثف ألنواع غريبة عالية املردود ّ‬
‫السنني‪ .‬غري أن هذه املعارف غالبا ً ما‬ ‫بصفة متواصلة من سنة إىل أخرى‪ ،‬من املجال‬
‫تغيب عن النقاشات العلمية‪ ،‬شأنها يف‬ ‫املخصص للزراعة التقليدية‪ .‬ويف هذا السياق‬
‫ذلك شأن من يمتلكها‪ ،‬فهم يُستبعدون‬ ‫العام لتطور الزراعة‪ ،‬أدى االستخدام املكثف‬
‫يف كثري من األحيان من دوائر اتخاذ‬ ‫للمبيدات واألسمدة طوال عدة عقود يف املنطقة‪،‬‬
‫القرارات السياسية الخاصة باالنتفاع‬ ‫إىل تلوث األرايض الزراعية واملياه لدرجة أنه‬
‫باألرايض واملوارد واستخدامها وإدارتها‪،‬‬ ‫أصبح يهدد األمن الغذائي‪.‬‬
‫رغم أن هذه القرارات ذات أهمية حاسمة‬
‫يف ما يتعلق بتحقيق الرفاه االقتصادي‬ ‫إن عدد مواطني الصني الذين أصبحوا عىل‬
‫واالجتماعي والثقايف للشعوب األصلية‪.‬‬ ‫وعي بعيوب اإلنتاج الزراعي الحديث والذين‬
‫يؤيدون ْ‬
‫أخذ املمارسات التقليدية بعني االعتبار‬
‫ومنذ خمسينات القرن املايض‪ ،‬بدأ‬ ‫يف تطوير الزراعة يف املستقبل‪ ،‬يف تزايد مستمر‪.‬‬
‫االعرتاف باملعارف األصلية‪ ،‬التي تشكل‬ ‫ذلك أن النظام املنشود لتطوير الزراعة يستلزم‬
‫جزءا ً ال يتجزأ من الرتاث الثقايف غري‬ ‫حماية الزراعة التقليدية والحرص عىل زيادة‬
‫املادي لإلنسانية‪ ،‬باعتبارها نُظما ً‬
‫مداخيل املزارعني‪ ،‬مع مراعاة البيئة‪ ،‬وتشجيع‬
‫فكرية‪ ،‬ويعود ذلك بصفة خاصة إىل‬ ‫السياحة وصون الرتاث الثقايف للبالد‪.‬‬
‫أعمال هارولد كونكلني حول الخصائص‬
‫اإلثنوـ إيكولوجية لشعوب هانونو يف‬ ‫هذا الوعي من شأنه أن يتيح فرصة جديدة‬
‫الفيلبني‪ .‬لكن االعرتاف بهذه املعارف عىل‬ ‫ط» الذي قد‬‫لتطوير نظام «أرز ـ سمك ـ ب ّ‬
‫الصعيد العاملي لم يأت إال اعتبارا من‬ ‫يصبح مصدر إلهام للزراعة الحديثة يف الصني‬
‫عام ‪ ،1992‬خالل قمة األرض يف ريو دي‬ ‫ويف أيّ مكان آخر يف العالم حيث تتوفر ظروف‬
‫جانريو بالربازيل‪ ،‬أي بعد فرتة وجيزة‬ ‫طبيعية مماثلة‪ .‬كما أنه يكتيس أهمية كربى‬
‫من صدور توصية اليونسكو عام ‪1989‬‬ ‫يف البحث عن حلول للمشاكل املتأتية من‬
‫بشأن املحافظة عىل الثقافة التقليدية‬ ‫تدهور األوضاع الزراعية والبيئية عىل‬
‫والشعبية‪.‬‬ ‫الصعيد‪ ‬العاملي‪.‬‬
‫يف مقاطعة كونغجيانغ (الصني)‪،‬‬
‫تدافع اليونسكو عن حق السكان‬ ‫كل السواعد مُجنّدة لحصاد األرز‬
‫املحليني واألصليني يف املشاركة يف عمليات‬ ‫داي رونغ وكسيو دايوان (الصني)‬ ‫يف فصل الخريف‪.‬‬
‫ً‬
‫داعية إىل االعرتاف الكامل‬ ‫الحوكمة‪،‬‬ ‫أخصائيان يف مجال املعارف التقليدية‬
‫بمعارف هذه الجماعات وخرباتها‬ ‫لألقليات العرقية‪ ،‬يساهمان بصفة هامة‬
‫وممارساتها التي أثبتت فعاليتها يف ما‬ ‫يف أعمال املنتدى الحكومي الدويل للعلوم‬
‫يف عام ‪ ،2011‬اختارت منظمة األغذية‬
‫يتعلق بإدارة التنوع البيولوجي‪ .‬وهو‬ ‫والسياسات املعني بالتنوع البيولوجي‬
‫والزراعة لألمم املتحدة هذا النظام كموقع‬
‫أحد األهداف التي يرمي إليها برنامج‬ ‫وخدمات النظم البيئية‪ .‬داي دونغ التي تنتمي‬
‫رائد لحماية نظم الرتاث الزراعي ذات األهمية‬
‫اليونسكو الخاص بنظم املعارف املحلية‬ ‫إىل األقلية توجيا‪ ،‬مختصة يف علم اإلثنولوجيا‬
‫العاملية‪ .‬ويف عام ‪ ،2013‬أدرجت الحكومة‬
‫ومعارف السكان األصليني (لينكس)‪.‬‬ ‫البيئية وتعمل يف معهد علوم البيئة يف‬
‫الصينية هذا النظام يف املجموعة األوىل للنظم‬
‫كما يهدف هذا الربنامج الذي انطلق يف‬ ‫نانجينغ‪ .‬أما كسيو دايوان فهو أستاذ يف‬
‫الزراعية الرتاثية ذات األهمية يف الصني‪.‬‬
‫عام ‪ ،2002‬إىل ضمان مكانة متكافئة‬ ‫كلية علوم األحياء والبيئة بالجامعة املركزية‬
‫ملعارف السكان األصليني صلب التعليم‬ ‫لألقليات يف الصني‪.‬‬
‫النظامي وغري النظامي‪ ،‬فضالً عن تعزيز‬
‫تناقلها‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫شعب سامي‬
‫جوكموك‬ ‫يتحدى الحداثة‬
‫ّ‬
‫بقلم ماري رواي‬

‫وما انف ّك التوسع االستعماري يُهدّد بشكل‬ ‫يف منطقة البالند السويدية‪ ،‬يربي شعب السامي غزال الرنّة‪ .‬لكن املنطقة أصبحت‬
‫مُتزايد حقوقهم يف الصيد البحري والربّي‬
‫مُهدّدة بسبب استغالل الغابات‪ ،‬والخطوط الحديدية‪ ،‬والسدود والنمو الحرضي‪.‬‬
‫وحقوقهم عىل أراضيهم‪ .‬ومع ذلك فإن ُمربي‬
‫الرنات ما زالوا قائمي الذات‪.‬‬ ‫وكوسيلة للصمود أمام هذا التهديد‪ ،‬يضع السامي اسرتاتيجيات مُتنوعة‪ ،‬منها‬
‫التأقلم الجزئي مع نمط الحياة الحرضية واستعمال مهاراتهم التقليدية للتعرف‬
‫تهديدات شديدة الخطر‬ ‫ّ‬
‫بدقة عىل أوضاع املراعي‪.‬‬
‫يأخذ سامي جوكموك رنّاتهم إىل الجبال طيلة‬
‫فصل الصيف‪ ،‬وينزلون بها يف الخريف إىل‬
‫الغابات يف السهول‪ .‬واليوم‪ ،‬أصبحت هذه‬
‫الغابات تُستغل صناعيا‪ ،‬ويتقاسم ا ُملربّون‬
‫قدرة فائقة عىل التأقلم‬ ‫يحتل شعب السامي‪ ،‬أو الالبيون كما كانوا‬
‫يُسمّ ون سابقا‪ ،‬املناطق الواقعة يف الدائرة‬
‫حقوق االنتفاع مع مالكي الغابات‪ .‬ويُمثّل هذا‬ ‫لنأخذ مثال منطقة جوكموك الواقعة يف السويد‬ ‫القطبية الشمالية يف أوروبا منذ آالف السنني‪.‬‬
‫التعايش تحدّيا هامّ ا‪ ،‬ذلك أن م ّ‬
‫ُستغل الغابات‬ ‫بجهة نوربوتن (التي تمسح ‪ 100.000‬كلم‪، 2‬‬ ‫ويُقدّر عددهم اليوم بحوايل ‪ 80.000‬نسمة‪،‬‬
‫يقومون بقطع األشجار بكاملها ثم يزرعون‬ ‫أي حوايل ربع البالد)‪ .‬تمتاز تلك املنطقة برتبية‬ ‫ويقطن أغلبهم بأقىص الشمال‪ ،‬يف منطقة‬
‫غريها‪ ،‬باإلضافة ملا تتسبب فيه اآلالت الضخمة‬ ‫الرنّة و تعد ما ال يق ّل عن ‪ 4000‬مُربّ للرنّات‬ ‫سابمي (البالند) التي تتوزع عىل أربع دول –‬
‫املستعملة من تدهور لألرايض وإتالف لنبتة‬ ‫ينتمون لشعب السامي‪ .‬رغم املخاطرالعديدة‬ ‫فنلندا‪ ،‬والنرويج‪ ،‬وروسيا والسويد – يف حني‬
‫الحزاز التي تحصل عليها الرنّات عند حفر‬ ‫التي تهدد أرضهم‪ ،‬فإنهم يحتفظون بقدرة‬ ‫استقر جزء منهم يف الناحية الجنوبية‪ ،‬ال سيما‬
‫الثلج‪ ،‬لِتتغذى منها‪ .‬علما وأن الحزاز يتطلب‬ ‫فائقة عىل الصمود‪ .‬وال غرابة يف ذلك! لقد‬ ‫يف ‪-‬أوسلو وستوكهولم‪.‬‬
‫فرتة ترتاوح بني ثالثني وخمسني سنة حتى‬ ‫برهنوا يف املايض عىل قدرتهم عىل التأقلم‪ .‬فبعد‬
‫ينبت من جديد!‬ ‫أن كانوا يتعاطون الصيد البحري واألشغال‬ ‫وقد أنشأ السامي مجلسا خاصا بهم يسمح‬
‫الغابية وصيد الرنّات الوحشية‪ ،‬ابتدعوا تربية‬ ‫لهم بالتفكري املشرتك يف مستقبل بلدهم‪ ،‬دون‬
‫وال يتوقف األمر عند هذا الحد‪ .‬فاألرايض‬ ‫اعتبار للحدود الوطنية‪ ،‬علما وأنه يف واقع‬
‫ّ‬
‫املخصصة لرتبية الرنات أضحت اليوم مُجزأة‪،‬‬ ‫الرنّة عند قدوم ا ُملعمّ رين اإلسكندينافيني‬
‫األوائل‪ ،‬منذ أربعة أو خمسة قرون خلت‪،‬‬ ‫األمر‪ ،‬لم تمنعهم تلك الحدود أبدا من الشعور‬
‫تعربها سكة حديدية لنقل معدن الحديد‬ ‫باإلنتماء لشعب واحد‪ .‬وكانت لهم دائما‬
‫واملسافرين‪ .‬كما أن السدود والبحريات‬ ‫والذي تسبّب يف التضاؤل الفادح يف عدد‬
‫الحيوانات‪ ‬الوحشية‪.‬‬ ‫تلك القدرة الفائقة عىل التأقلم مع الحداثة‪،‬‬
‫االصطناعية التي شيدت أصبحت تُعرقل‬ ‫مع اإلحتفاظ بتج ّذرهم يف تقاليدهم‪ .‬حتى‬
‫الطرقات التي يستعملها املربون الرحّ ل‪ ،‬يف‬ ‫يف بداية القرن العرشين‪ ،‬عندما أراد اإلنجليز‬ ‫أن أول رئيس لهيئة األمم املتحدة الدائمة‬
‫حني تق ّلصت مساحات املراعي جراء اتساع‬ ‫واإلسكندينافيون استغالل أنهارهم‪ ،‬بإنشاء‬ ‫املعنية بالشعوب األصلية كان منهم‪ ،‬كما أنهم‬
‫املدن وحفر املناجم‪.‬‬ ‫سدود لتوليد الكهرباء‪ ،‬وعندما قاموا بحفر‬ ‫يتعاونون بشكل حثيث مع مجلس القطب‬
‫وها أن شعب السامي يُواجه اليوم صعوبة‬ ‫جبالهم الستخراج معدن الحديد لصنع الفوالذ‪،‬‬ ‫الشمايل‪.‬‬
‫ّ‬
‫التغي املناخي‪ .‬يف الشمال‪،‬‬ ‫جديدة‪ ،‬تتمثل يف‬ ‫تمكن السامي من تجاوز تلك االضطرابات‪.‬‬
‫وعىل مستوى التمثيل السيايس‪ ،‬تأسس الربملان‬
‫املشكلة ال تكمن يف ارتفاع درجة الحرارة‪،‬‬ ‫يف الستينات‪ ،‬ملا أصبح استغالل الغابات يف‬ ‫السامي بفنلندا منذ ‪ ،1973‬تاله آخر بالنرويج‬
‫بل يف تداعياتها عىل عدم استقرار الحرارة يف‬ ‫السويد ويف فنلندا نشاطا صناعيّا‪ ،‬عىل حساب‬ ‫سنة ‪ ،1989‬وثالث بالسويد يف ‪.1993‬‬
‫الشتاء‪ .‬فعندما تتعاقب التقلبات بني الحرارة‬ ‫التنوع البيولوجي‪ ،‬بقي مُربّو الرنّات عىل‬
‫والربد باستمرار‪ ،‬تتكون طبقة من الجليد فوق‬ ‫صمودهم املعتاد‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬يف السبعينات‪،‬‬ ‫يُمارس السامي عدّة مهن‪ .‬بعضهم فنانون‬
‫ُثقفون مشهورون‪ ،‬رسامون‪ ،‬ونحاتون‪،‬‬ ‫أو م ّ‬
‫سطح الثلج‪ ،‬مما يجعل الرنّات غري قادرة عىل‬ ‫أنشأ السامي يف ألتا‪ ،‬بالنرويج‪ ،‬واحدا من أول‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وصحافيون‪ ،‬وكتاب‪ ،‬وسينمائيون‪ ،‬ومُطربون‪،‬‬
‫الحفر كي تتغ ّذى‪.‬‬ ‫التحالفات البيئية‪ ،‬يض ّم مُدافعني عن حقوق‬
‫اإلنسان وعن السكان األصليني‪ ،‬للتصدّي‬ ‫أمثال نيلس‪-‬أسالك فالكيبا أو ماري بوان‪.‬‬
‫ملرشوع بناء سد كان يهدد بالقضاء عىل قرية‬ ‫لكن املهنة التقليدية لشعب السامي تبقى‬
‫شتويّة هامّ ة‪.‬‬ ‫بامتياز تربية الرنّة‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪26‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫وخالفا للعلوم الغربية التي تحدد‪ ،‬حسب‬ ‫اسرتاتيجيات تؤلف‬


‫منهجية ثابتة‪ ،‬قدرة الحمولة (أي عدد الحيوانات‬
‫التي يمكن لقطعة أرض معينة استيعابها)‬
‫بني الحداثة والعراقة‬
‫باإلستناد إىل تحليل كمي للنبات‪ ،‬فإن علم شعب‬ ‫ملا تُصبح الرنّات غري قادرة عىل الحصول عىل‬
‫السامي يعتمد عىل ما تكنه‪ ‬الطبيعة‪.‬‬ ‫غذائها لحالها‪ ،‬يضطر ا ُملربّون لرشاء التبن أو‬
‫يقوم السامي‬ ‫وبالفعل‪ ،‬حتى يقيّموا وضع املرعى‪ ،‬يقومون‬ ‫مواد غذائية جاهزة (وهي باهظة الثمن وقد‬
‫ال تتحمّ لها الحيوانات)‪ ،‬أو أكياس من الحزاز‪،‬‬
‫يحفر طبقات الثلج وتحليل ما تحتويه من‬
‫بتحليل الثلج لتقدير‬ ‫ب ّلوريات لتقدير آثار األحداث التي تتالت أثناء‬
‫الفصل‪ :‬تطوّر الرياح ودرجات الحرارة‪ ،‬والغابة‪،‬‬
‫وذلك هو األفضل‪ .‬ويقوم املربون أحيانا بجمع‬
‫الحزاز بأنفسهم من األماكن التي ال تقدر‬

‫تطوّر الرياح‬ ‫والنباتات‪ ،‬وعالقتها املتبادلة مع الرنّات‪ .‬ومن‬


‫ثمّ‪ ،‬يتسنى لهم معرفة وضع املرعى بكل دقة‬
‫الرنّات عىل الوصول إليها‪ ،‬كتلك املحاذية‬
‫للمطار مثال‪ .‬هذا جزء من االسرتاتيجيات‬
‫الجديدة التي تبنّاها السامي لضمان بقائهم‪.‬‬
‫ودرجات الحرارة‪،‬‬ ‫يف زمن ومكان محددين‪ ،‬وليس معرفة مدى‬
‫ثراء املرعى بصفة مطلقة‪ ،‬وهو ما يُم ّكنهم من‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬لتحسني مداخيلهم‪ ،‬يُحاولون‬

‫وأحوال الغابة‬ ‫الترصّف بالطريقة املالئمة‪.‬‬


‫ّ‬
‫التغيات املناخيّة‪،‬‬ ‫و ِبوصفهم مُختصني يف‬
‫بيع لحم الرنّات مبارشة من املربي إىل‬
‫املستهلك‪ ،‬أو اللجوء إىل العمل املوسمي يف‬
‫مجال السياحة‪ .‬وكثريا ما تتّجه النساء إىل‬
‫والنباتات والرتبة‬ ‫يستند السامي عىل معارفهم وتجاربهم‪ ،‬حتى‬
‫يتمكنوا من الصمود‪ ،‬بالرغم من أن قدرتهم‬ ‫الشغل القار يف مجال التعليم‪ ،‬أو الطب‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫التغي‬ ‫عىل التحرك محدودة بسبب ما يتّسم به‬ ‫الصحافة‪ ،‬أو الخياطة أو التجارة لضمان اتزان‬
‫هشا ج ّراء انخفاض‬ ‫الدخل العائيل الذي أصبح ّ‬
‫الشامل من عنف‪.‬‬
‫عائدات تربية الرنّات‪.‬‬
‫لكن سالح السامي األفضل يكمن يف معارفهم‬
‫ماري رواي (فرنسا – كندا) باحثة يف مجايل‬ ‫ّ‬
‫وتغي حالته‬ ‫التقليدية‪ .‬ذلك أن معرفتهم بالثلج‬
‫األنثروبولوجيا البيئية والبيولوجيا العرقية يف‬ ‫حسب درجة الحرارة‪ ،‬وما تحتوي عليه لغتهم‬
‫املتحف الوطني لتاريخ الطبيعة بباريس‪ ،‬وهي‬ ‫من مفردات دقيقة ومفصلة لوصف حاالته عىل‬
‫مديرة البحوث يف املركز الوطني للبحث العلمي‬ ‫تنوعها‪ ،‬كل ذلك يسمح لهم باملراقبة الدائمة‬
‫مُربّي الرنات من شعب سامي يف كوتوكاينو‬ ‫يف فرنسا‪.‬‬ ‫ألوضاع املراعي‪.‬‬
‫(النرويج) يمد رشيطا طويال من نسيج‬
‫الجوتة لتجميع القطيع‪.‬‬
‫‪© Bryan & Cherry Alexander / Cosmos‬‬

‫‪27‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫عودة إلى جزر الو‪،‬‬


‫وكل األشرعة مفتوحة‬

‫لقد زوّدنا البحر دوما باملواد التي نحتاجها‬ ‫أُدعى فولونا تيكواديليماكوتو تويموس‪ .‬يدل‬ ‫بقلم فولونا تيكواديليماكوتو تويموس‬
‫اليومي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫لنتغذى ونحمي أنفسنا‪ .‬كان مسلكنا‬ ‫إسمي عىل هويتي وعىل أصيل‪ .‬أنتمي إىل دولة‬
‫واملكان الذي نتسوّق منه‪ .‬أما اليوم‪ ،‬فقد أصبح‬ ‫صغرية‪ ،‬جزر فيجي‪ ،‬الواقعة وسط أكرب محيط‬ ‫«ع ّلمنا آباؤنا‪ ،‬طيلة آالف السنني‪ ،‬احرتام‬
‫ظال ملا كان عليه يف املايض‪ :‬يزداد يوما بعد‬ ‫يف العالم‪ ،‬املحيط الهادئ‪ .‬أعيش يف كوروفا‪،‬‬
‫املحيط واالعتناء به‪ .‬لكن القوى التي‬
‫يوم‪ ،‬تلوّثا وحموضة وحرارة واستغالال إىل‬ ‫وهي قرية صغرية مُحاذية للعاصمة سوفا‪.‬‬
‫درجة لم تعد تحتمل‪ .‬كما أن مستوى سطح‬ ‫لكنني أصيل جزيرة أصغر‪ ،‬وهي جزيرة موس‬ ‫تُهاجمه وتُدمّره اليوم خارجة عن نطاق‬
‫مياهه يف ارتفاع‪ ‬مستمر‪.‬‬ ‫(«مو‪-‬ذاي»)‪ ،‬التابعة لفرقة الو‪.‬‬ ‫قدراتنا‪ ،‬وليس بإمكاننا مراقبتها وال‬
‫ع ّلمنا آباؤنا‪ ،‬طيلة آالف السنني‪ ،‬احرتام املحيط‬ ‫نحن شعب ينتمي للبحر‪ .‬طوال آالف السنني‪،‬‬ ‫الترصف فيها»‪ .‬هذا ما رصّ ح به فولونا‬
‫واالعتناء به‪ .‬لكن القوى التي تُهاجمه وتُدمّ ره‬ ‫مثّلت اليابسة بالنسبة لنا مالذا للراحة‪،‬‬
‫تيكواديليماكوتو تويموس‪ّ ،‬‬
‫ملح شاب‬
‫اليوم خارجة عن نطاق قدراتنا‪ ،‬ولم يعد‬ ‫واملحيط الهادئ املكان الذي نعيش فيه‪.‬‬
‫بإمكاننا مراقبتها وال الترصف فيها‪.‬‬ ‫من جزر فيجي‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪28‬‬


‫زاوية كبرى‬

‫نحن شعب مكون من املالحني‪ .‬عند حلول‬


‫األوروبيني ألول م ّرة يف محيطنا‪ ،‬كانت مراكبنا‬
‫الرشاعية أكرب املراكب وأرسعها يف العالم‪.‬‬
‫سفينة يف مهب الريح‬ ‫ويف القرن الثامن عرش‪ ،‬دوّن الربّان كوك‬
‫وها أن ثقافتنا املوروثة عن األجداد تُولد‬ ‫لكن الواقع أكثر تعقيدا‪ ،‬إذ أن بلداننا يف املحيط‬ ‫ما‪ ‬ييل‪« :‬كان توي تونغا يحوم حول مركبنا‬
‫من جديد يف كل أنحاء املحيط – من مانوس‬ ‫الهادئ تقع عىل الخط األمامي يف مواجهة‬ ‫كما لو كان مركبنا راسيا»‪ .‬توي تونغا سفينة‬
‫يف بابوا غينيا الجديدة إىل جزر بولينيزيا‬ ‫ّ‬
‫التغي املناخي‪ .‬لقد وجدنا أنفسنا‪ ،‬دون‬ ‫صنعت يف بالدي‪ ،‬يف جزر لو‪.‬‬ ‫من نوع دروا ُ‬
‫الفرنسية‪ ،‬مرورا بنامدريك يف جزر املارشال‬ ‫أن تكون لنا أية مسؤولية يف ذلك‪ ،‬عىل متن‬ ‫وكانت أكرب من مركب كوك وتبلغ رسعتها‬
‫– لكننا عىل وعي بأننا لم نخط سوى خطوة‬ ‫مركب يسري دون هدى‪ ،‬ويُبعدنا شيئا فشيئا‬ ‫ثالثة أضعاف رسعته‪ ،‬وطاقمها يفوق طاقمه‬
‫أوىل‪ ،‬وبأن هذه الخطوة ليست كافية إليقاف‬ ‫عن سواحلنا وعن جزرنا املرجانية‪ ،‬ويُحوّل‬ ‫عددا‪ .‬كانت السفينة قادرة عىل اإلبحار يف‬
‫امل ّد الصاعد‪.‬‬ ‫محيطاتنا إىل خليط حامض ميلء بالبالستيك‪،‬‬ ‫التصاق بالرياح تماما مثل السفن العرصية‪.‬‬
‫ويُبيض لون مرجاننا‪ ،‬ويُهدر مخزوننا من املاء‬
‫ومع ذلك‪ ،‬من ا ُملؤ ّكد أننا‪ ،‬إذا أضعنا ثقافة‬
‫واملؤونة‪ .‬يرى البعض منا أن كل ذلك سوف‬
‫املالحة الخاصة بنا‪ ،‬سنكون قد خرسنا كل‬ ‫مفخرة تكنولوجية‬
‫يؤدي يف نهاية األمر إىل تدمري بيوتنا‪ ،‬وبلداننا‬
‫يشء‪ .‬يف املايض‪ ،‬كانت مراكبنا تُسمّ ى واكا تابو‬
‫وثقافاتنا بالكامل‪ .‬وبالنسبة لنا جميعا‪ ،‬سوف‬ ‫كانت سفن دروا يف قمة النجاح التكنولوجي‪.‬‬
‫(السفن املقدّسة)‪ .‬وبقيت لحد اآلن شعارنا‪،‬‬
‫وإرثنا‪ ،‬والعنرص املكون َ‬ ‫تغيات عميقة لن يقدر‬ ‫يتسبب الوضع يف ّ‬ ‫يتم بناؤها دون استعمال املعادن‪ ،‬باالقتصار‬
‫لشخصيتنا وهويتنا‪.‬‬
‫أجدادنا عىل معالجتها‪ ،‬ولن تتوفر ألبنائنا‬ ‫عىل الخشب‪ ،‬والعشب‪ ،‬والجوز‪ ،‬والحجارة‪،‬‬
‫هي رموز عهد كنا نعيش فيه يف انسجام مع‬
‫الوسائل لإلستعداد ملواجهتها‪.‬‬ ‫وعظام القرش وجلدته‪ .‬وقد سمحت الخربة‬
‫الرياح واألمواج‪ ،‬ملا كنا شعبا كبريا يف محيط‬
‫شاسع‪.‬‬ ‫لم تشهد قريتي أبدا قوارب مُجهّ زة بمحرك آيل‪.‬‬ ‫التي اكتسبها أجدادنا عىل مدى آالف السنني‬
‫نحن ننتمي إىل تلك التجمّ عات القليلة التي ما‬ ‫ببناء اآلالف من هذه السفن التقليدية‪ ،‬يف‬
‫تُ ّ‬
‫جسد تلك املراكب األوارص التي تربطنا‬
‫زالت تُبحر بواسطة املراكب الرشاعية‪ .‬الجيل‬ ‫جزرنا الصغرية‪ ،‬و بيعها يف كل أرجاء املحيط‬
‫بماضينا‪ ،‬أوارص لم تُقطع نهائيا‪ .‬ليس لدينا‬
‫الذي سبقني هو الجيل األخري امللم بطريقة‬ ‫الهادئ األوسط‪ .‬كانت آنذاك كل جزيرة‬
‫موارد كثرية‪ ،‬لكننا نبذل ما يف وسعنا لبقاء‬
‫صنع ذلك النوع من املراكب وصيانتها‪ .‬كنت‬ ‫تملك وسيلة نقل خاصة بها‪ ،‬مزوّدة بالطاقة‬
‫ما تركه لنا أسالفنا‪ ،‬والحفاظ عليه لصالح‬ ‫ا ُملتجددة املجانية وا ُمل ّ‬
‫يف الثالثة من عمري ملا فارق أبي الحياة عىل‬ ‫توفرة باستمرار‪.‬‬
‫األجيال القادمة‪ .‬نقوم اليوم ببناء مراكب‬
‫متن واحد من آخر مراكب دروا‪ ،‬بني جزيرتي‬ ‫وقد وصف كل «الروّاد» األوروبيني املحيط‬
‫جديدة‪ ،‬وبالرغم من صغر حجمها‪ ،‬فهي‬
‫لو‪ ‬وسوفا‪.‬‬ ‫ُرصع باملراكب الرشاعية‪ .‬كنّا‬
‫الهادئ بكونه م ّ‬
‫تسمح لنا باالستعداد للمرحلة الالحقة‪ ،‬يوم‬
‫تنطلق مراكب دروا لتجوب من جديد أرجاء‬ ‫الجماعة التي أنتمي إليها تُعد من بقايا املايض‪.‬‬ ‫شعبا جواال‪.‬‬
‫املحيط الهادئ‪.‬‬ ‫قواربنا الصغرية ليست سوى صورا شاحبة‬ ‫ورغم األعاصري‪ ،‬والتسونامي وغريها من‬
‫لسفن دروا العمالقة التي كان يصنعها‬ ‫الكوارث الطبيعية ا ُملتواترة يف املحيط الهادئ‪،‬‬
‫يجب أن نبدأ من البداية‪ .‬فبناء املستقبل يرتكز‬
‫أجدادنا وأسالفهم‪ .‬نحن نستعمل القوارب كل‬ ‫لم يمثل املحيط أبدا عقبة بالنسبة ألسالفنا‪.‬‬
‫عىل دروس املايض‪ .‬ملا كنا يف سن الطفولة‪،‬‬
‫يوم للذهاب إىل الشعب املرجانية‪ ،‬والصيد‬
‫كان أوليَاؤنا يُع ّلموننا صناعة الباكانانوا‪ ،‬وهي‬ ‫لم يشتكوا من هشاشة وضعهم أو من عزلتهم‬
‫نماذج م ّ‬ ‫والتزوّد باملؤونة‪ ،‬حاملني يف مخيلتنا حلما بعيد‬ ‫أو من تردّي ظروفهم‪ :‬بفضل سفينة دروا‬
‫ُصغرة من الدروا‪ .‬بعد حصة الدراسة‪،‬‬
‫املنال‪ ،‬ميلء باألساطيل الضخمة التي كان‬ ‫وقدرتنا عىل اإلبحار مهما كانت الظروف‪،‬‬
‫أو يف عطلة نهاية األسبوع‪ ،‬كنا نأخذ تلك‬
‫يُرسلها قادتنا إىل بلدان أخرى واقعة يف الجانب‬ ‫كنا شعبا دائم التواصل‪ .‬لم نكن ما نسمّ ى‬
‫املراكب الصغرية لتنظيم سباقات‪ .‬ومن حسن‬
‫اآلخر من عالم‪ ،‬جانبا كنا نعرفه‪.‬‬ ‫به اليوم دوال «صغرية»‪ ،‬أو «جزرية» أو «يف‬
‫حظي أنني كنت من األطفال القالئل من جييل‬
‫الذين كربوا «وهم يمارسون املالحة»‪ ،‬مثلما‬ ‫طور النموّ»‪ .‬كنّا‪ ،‬وال زلنا‪ ،‬تجمّ عات كربى‬
‫كان يفعل أسالفنا منذ آالف السنني‪.‬‬ ‫حلم الطفولة‬ ‫تنتمي‪ ‬للمحيط‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬ما عساني أن أفعل اآلن‪ ،‬أمام ّ‬
‫تغي املناخ‪،‬‬ ‫ما العمل؟ قررنا عدم التسليم بمصرينا واألخذ‬ ‫كثريا ما تُوصف جزر مجموعة لو بكونها‬
‫سوى بناء دروا واالنطالق عىل متنه نحو‬ ‫بزمام األمور‪ .‬فقمنا يف السنوات املاضية بإعادة‬ ‫جزرا ً جميلة تمّ ت املحافظة عليها‪ ،‬بل وتُوصف‬
‫جزيرتي‪ ،‬وكل أرشعته مفتوحة‪.‬‬ ‫إحياء تراثنا البحري‪ .‬شخصيا‪ ،‬أسعفني الحظ‬ ‫بالجزر املثالية‪ .‬وكثريا ما ننعت بالشعب‬
‫بالخروج مع أسطول صغري‪ ،‬للتجوال عرب‬ ‫املضياف‪ ،‬اللطيف يف عالقاته مع الغري‪ .‬وهذا‬
‫املحيط الهادئ‪.‬‬ ‫أمر صحيح‪.‬‬

‫قطعنا املحيط مرارا‪ ،‬من جزيرة إىل أخرى‪ ،‬ثم‬


‫ملح شاب من‬ ‫ف‪ .‬تيكواديليماكوتو تويموس ّ‬ ‫من قا ّرة إىل أخرى – بني أمريكا وأسرتاليا‪ .‬ويف‬ ‫احتجاجا عىل تأثريات ّ‬
‫التغي املناخي‪ ،‬قام‬
‫جمهورية فيجي‪ ،‬أصبح الناطق الرسمي لشعوب‬ ‫كل مرحلة‪ ،‬ب ّلغنا رسائل أمل‪ :‬لم يفت األوان!‬ ‫ثالثون «محاربا يف سبيل املناخ من املحيط‬
‫البحر‪ .‬شارك يف ندوة «زمن الشك واملرونة‪:‬‬ ‫لدينا فرصة إلنقاذ العالم من الغيبوبة التي‬ ‫الهادئ»‪ ،‬يمثلون ‪ 12‬شعبا من سكان الجزر‪،‬‬
‫الشعوب األصلية والتغريات املناخية»‪ ،‬التي التأمت‬ ‫زجّ ه فيها االستِهالك ا ُملفرط والعوملة‪ .‬لنضع‬ ‫بمحارصة أكرب ميناء لنقل الفحم يف العالم‬
‫يف اليونسكو يومي ‪ 26‬و‪ 27‬نوفمرب ‪.2015‬‬ ‫حدّا للتدمري األحمق ملحِ يطنا وكوكبنا‪.‬‬ ‫الواقع يف اسرتاليا‪ ،‬بمساندة من مئات‬
‫األسرتاليني‪ .‬أكتوبر ‪ ،2014‬نيوكاستل‪.‬‬
‫‪© Jeff TAN‬‬

‫‪29‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫زوم‬

‫زوم‬

‫بعد أن فقدت منزلها للم ّرة‬


‫الرابعة‪ ،‬وجدت مونتو شاذو ملجأ‬
‫عىل أرايض شقيقها‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪30‬‬


‫زوم‬

‫في بالد‬
‫األنهار المجنونة‬

‫أب يصطحب ابنه يف إحدى الجزر املؤقتة‬


‫وقد غزتها األعشاب املالئمة لرتبية البقر الحلوب‬
‫اكتشف البنغايل بروتيك ساركر‪ ،‬خالل السنوات‬
‫لهذه الفيضانات آثار مُدمّ رة عىل األرايض‬ ‫‪ ،2000‬ملا كان تلميذا يف التعليم الثانوي‪ ،‬رواية‬ ‫الصور‪ :‬بروتيك ساركر‬
‫والسكان‪ ،‬وتجرف األنهار كل سنة تربة األرايض‬ ‫بادما ريفر بوتمان (بحّ ار نهر بادما) للكاتب‬ ‫النص‪ :‬كاترينا مركيلوفا‬
‫الصالحة للزراعة عىل مساحة تقدر من ‪1.500‬‬ ‫مانيك بندوبادهيايا‪ ،‬التي تعد من روائع األدب‬
‫إىل ‪ 3.500‬هكتارا*‪ .‬لكن نفس هذه الفيضانات‬ ‫البنغايل للقرن العرشين‪ .‬ولم تكن العالقة بني‬
‫هي التي تزيد يف خصوبة أرايض دلتا البنغال‬ ‫اإلنسان واملاء التي رسمها الكتاب غريبة عليه‪،‬‬ ‫تنرش رسالة اليونسكو هذا التحقيق ا ُملصوّر‬
‫التي تتقاسمها البنغالديش والهند‪.‬‬ ‫تلك العالقة الخصوصية التي تمثل يف نفس‬ ‫بمناسبة اليوم العاملي للمياه‪ ،‬يف ‪ 22‬مارس‪.‬‬
‫الوقت مصدر رخاء بقدر ما هي مصدر هالك‪.‬‬
‫يعيش بروتيك ساركر‪ ،‬الذي وُلد يف «بالد األنهار‬
‫املجنونة»‪ ،‬مثل سائر أبناء بالده الذين يبلغ‬
‫عددهم ‪ 162‬مليون نسمة‪ ،‬عىل وقع مواسم‬
‫خالل سنة ‪ ،2017‬اظطر حوايل ‪ 950.000‬شخص عىل‬
‫التنقل إثر الحوادث املناخية القصوى‪. ،‬حسب مركز رصد‬ ‫األمطار التي تتسبب يف فيضانات تغمر ثلث‬
‫النزوح الداخيل‪.‬‬ ‫األرايض كل سنة‪ ،‬بني شهري مايو وسبتمرب‪.‬‬

‫|‬
‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪31 2019‬‬
‫زوم‬

‫ويُواصل بروتيك ساركر حديثه قائال‪« :‬هي قصة‬ ‫ويف يوم ‪ 3‬نوفمرب ‪ ،2011‬عند غروب الشمس‪،‬‬ ‫هي أراض سلِسة وراوية‪ ،‬مُتكوّنة من رواسب‬
‫األماكن املندثرة‪ .‬أردت أن تُظهر الصور شيئا من‬ ‫كان شاهدا عىل انهيار كتلة من الضفة وقد‬ ‫املجاري املائية البنغالية التي يبلغ عددها ‪،230‬‬
‫الحزن ومن اإلحساس بالخسارة»‪ .‬وقد اقترص‬ ‫ابتلعها النهر‪« :‬فجأة‪ ،‬رأيت بأم عيني ما وصفته‬ ‫مما يحث الفالحني عىل البقاء عىل ضفاف األنهار‬
‫عىل تصوير إشواردي حني ع ّم الضباب سماءها‬ ‫الرواية التي قرأتها عندما كنت يف املدرسة»‪ .‬جدّت‬ ‫رغم املخاطر التي يتعرضون لها‪ .‬ويف طريق‬
‫يف فصل األمطار‪« .‬تُ ّبي املجموعة مدى عجز‬ ‫الحادثة يف أوبازيال يف إقليم إشواردي‪ .‬ويُضيف‬ ‫العودة إىل الضفاف إلعادة بناء حياتهم من‬
‫البرش أمام الطبيعة‪ .‬لكنها تُظهر أيضا الدورة‬ ‫ابن العاصمة دكا‪« :‬تأثّرت كثريا بما شاهدته‪:‬‬ ‫جديد بعد أن خرسوا كل يشء‪ ،‬يردد الفالحون‬
‫األبدية لعودة الحياة»‪ .‬يف نهاية الفصل‪ ،‬تربز عىل‬ ‫ناس يفقدون مساكنهم‪ ،‬وأراضيهم‪ ،‬وكل ما‬ ‫أنشودتهم‪« :‬كان ملكا يف الصباح‪ ،‬ليصبح متسوّال‬
‫سطح املاء جزر مؤقتة يُطلق عليها اسم شار‪،‬‬ ‫يكسبون‪ ...‬ومع ذلك يبقون أقوياء ومُتفائلني»‪.‬‬ ‫يف املساء»‪.‬‬
‫وتستقبل اآلالف من السكان الذين بقوا بدون‬ ‫وظل يرتدد عىل املكان طيلة سبع سنوات ليُنجز‬
‫انبهر التلميذ بقدرة شعبه العجيبة عىل البقاء‬
‫أرض**‪.‬‬ ‫مجموعته الفوتوغرافية «أوف ريفر أند لوست‬ ‫عىل تلك األرايض التي تنبسط أو تتالىش حسب‬
‫الندس» (أنهار وأرايض مفقودة)‪.‬‬
‫هوى الفيضانات‪ .‬وعندما أصبح مًصوّرا محرتفا‪،‬‬
‫بعد بضع سنوات‪ ،‬سلك بروتيك ساركر الطريق‬
‫**حسب املجلة الفرنسية «هوم إي مغراسيون» (برش‬ ‫املحاذية لنهر باندا الضخم‪ ،‬وقد اختار كنقطة‬
‫وهجرة)‪ ،‬يقدر عدد سكان هذه الجزر املؤقتة بخمسة‬ ‫انطالق الحدود الفاصلة بني بنغالديش والهند‪،‬‬
‫ماليني نسمة‪.‬‬
‫حيث تنصبّ مياه نهر الغانج يف النهر البنغايل‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪32‬‬


‫زوم‬

‫بقيت الفتاة بريشتي وحيدة‪،‬بعد انتقال عائلتهاج ّراء االنجراف الذي أحدثته األمطار‪.‬‬

‫غادر شوم ناث كومار قريته نهائيّا بعد أن خرس كل يشء‪.‬‬

‫يُمثّل الصيد البحري أحد أهم‬


‫موارد العيش لسكان القرى‪.‬‬

‫تتفاقم شدة وقع العنارص الطبيعية يوما بعد يوم‬


‫تحت تأثري التقلب املناخي‪ ،‬ويبدو أن السكان‬
‫قد تكيفوا مع الوضع قدر املستطاع‪ .‬وتبقى‬
‫بنغالديش عرضة الرتفاع املحيطات باعتبارها‬
‫متكونة أساسا من سهول منخفضة‪ .‬وهي من‬
‫بني البلدان األكثر هشاشة نظرا لِتكرر األحداث‬
‫املناخية القصوى وتفاقمها‪ ،‬واستفحال ذوبان‬
‫األنهار الجليدية يف جبال الهيمااليا‪ ،‬منبع أنهار‬
‫الدلتا‪.‬‬
‫ويبقى التوازن الهش الذي يرتاءى إلينا من‬
‫خالل صور بروتيك ساركر‪ ،‬معرضا لعوامل‬
‫قاسية‪.‬‬

‫|‬
‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪33 2019‬‬
‫زوم‬

‫بعد أن فقدت أرضها‪ ،‬وصلت هذه العائلة إىل إحدى الجزر املؤقتة التي طفت بعد الفيضانات‪.‬‬

‫رغم عدم امكانية التنبّؤ بمصريها‪ ،‬تبقى هذه الجزر املؤقتة جذابة بالنسبة للفالحني‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪34‬‬


‫زوم‬

‫رحيمة وأفراد عائلتها‬


‫مستقرون خارج الجزر املؤقتة‪،‬‬
‫لكنهم يمارسون فيها زراعة‬
‫الفول السوداني‪.‬‬

‫|‬
‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪35 2019‬‬
‫زوم‬

‫رجالن يسريان بحذر عىل طول ضفة نهر منهارة‪.‬‬

‫العودة من املدرسة‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪36‬‬


‫زوم‬

‫يد صانع املراكب البحرية‪.‬‬

‫|‬
‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪37 2019‬‬
‫أفكار‬

‫أفكار‬

‫«تحرير»‪ ،‬عمل للفنان الفرنيس‪-‬‬


‫البسني سلوبودان ك‪ .‬بيجلجاك‪.‬‬
‫ملصقات ورسوم مائية‪.2018 ،‬‬
‫‪© Slobodan K. Bijeljac‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪38‬‬


‫أفكار‬

‫الحرية‬ ‫تأمّ الت يف‬

‫والفن‬
‫بقلم ويستان هيوغ أودن‬
‫الفن بمثابة اللعبة‬
‫من بني املحاوالت البرشية إلطفاء هذين النوعني‬ ‫الح ّرية تعني ضمنيا حرية االختيار‪ .‬نُمارس‬
‫من التعطش‪ ،‬نذكر الفعل اإلجرامي دون مربّر‪،‬‬ ‫تلك الحرية عندما نواجه وضعيات متعددة‬ ‫«الشعراء ليسوا بمُرشّعي العالم الذين‬
‫ومخالفة القانون ملج ّرد املتعة باملخالفة‪ ،‬حيث‬ ‫ممكنة‪ ،‬فنختار ردة فعل واحدة ونستبعد كل‬ ‫تم تجاهلهم»‪ ،‬كما ورد يف املقولة‬
‫يمنح القانون أهميّة الفعل‪ ،‬وتتأ ّكد الحرية من‬ ‫اإلمكانيات األخرى‪ .‬إن االختيارات الح ّرة هي‬
‫الشهرية للشاعر الربيطاني شاالي‪« ،‬لم‬
‫خالل مخالفة القانون‪ .‬محاولة أخرى تتمثّل‬ ‫اختيارات قاطعة‪ .‬وقد تحمّ س علماء الالهوت‬
‫يف اللعب‪ ،‬حيث يحرتم الالعب قواعد اللعبة‬ ‫الليرباليون ‪ -‬بكل غباء ‪ -‬ملبدأ هايزنربغ‪ ،‬ذلك‬ ‫يكونوا كذلك أبدا‪ ،‬ويُستحسن أن نسعى‬
‫ألنه هو الذي وضعها‪ .‬يف الواقع‪ ،‬كل شكل من‬ ‫أن السلوك املرتدد قد يُالئم اإللكرتون‪ ،‬لكنّه ال‬ ‫إلقناعهم بذلك»‪ .‬هذا ما كتبه ويستان‬
‫أشكال الفن‪ ،‬وكل علم محض‪ ،‬وكل إبداع‪،‬‬ ‫يُريض اإلنسان الح ّر بما فيه الكفاية‪.‬‬
‫هو بمثابة اللعبة‪ .‬أما السؤال «ما هو الفن؟»‬
‫هيوغ أودن يف ّ‬
‫نص لم يُنرش منذ أن كتبه‬
‫هناك ثالثة أنواع من االختيارات‪:‬‬
‫والسؤال «ملاذا يُبدع الفنان؟»‪ ،‬فهما مسألتان‬ ‫سنة ‪ .1947‬يطرح أودن تساؤالت حول‬
‫مختلفتان‪.‬‬ ‫اختيار الفعل‪ :‬الرجل العطشان الذي يجد‬
‫حدود الحرية والفن‪ ،‬وعن قدراتِهما‬
‫نفسه يف قلب الصحراء ليس ح ّرا‪ ،‬ال ألنه غري‬
‫ّ‬
‫يحث عىل اإلبداع‪ ،‬مهما كان‬ ‫يبدو يل أن ما‬ ‫الكامنة والتفاعالت يف ما بينهما‪ .‬نظرة‬
‫قادر عىل إطفاء ظمئه‪ ،‬وإنما ألن ليس بإمكانه‬
‫نوعه‪ ،‬هو الرغبة يف تحقيق يشء رضوري ال‬ ‫االختيار بني أن يرشب املاء أو ال يرشب‪.‬‬
‫مناص منه‪ .‬وتبقى الرغبة يف أن يؤول إىل يشء‬ ‫هذا الكاتب األنجلو‪-‬أمريكي بعيدة عن‬
‫هام أمرا ثانويا‪.‬‬ ‫يسء‪،‬‬
‫اختيار الحكم عىل القيمة‪ :‬جيّد أو ّ‬ ‫منظور الحركة الرومانسية التي تمنح‬
‫صحيح أو خاطئ‪ ،‬جميل أو قبيح‪ ،‬مطلق أو‬
‫إن أهمية اللعبة يف نظر الالعب تقاس بمدى‬ ‫نسبي‪ ،‬إجباري أو ممنوع‪ .‬اإلنسان الذي لم‬ ‫للفن أهميّة أكرب من أهميته الحقيقية‪،‬‬
‫تعقيد قواعدها‪ .‬بقدر صعوبة ممارستها‪،‬‬ ‫يُشاهد غري صورة واحدة ليس ح ّرا بأن يُق ّرر‬ ‫بل هو يُؤيّد النظرة الشكسبريية‪ :‬الفن‬
‫بقدر ما يتسنى له اختبار مواهبه الفطرية أو‬ ‫إن كانت جميلة أو قبيحة‪ .‬كما أن اإلنسان الذي‬
‫كفاءته ا ُملكتسبة وإثباتها‪ .‬وحيث أن اللعب‬ ‫مرآة تعكس الطبيعة‪.‬‬
‫يُوجد تحت وطأة الغضب أو الخوف ليس ح ّرا‪،‬‬
‫مقبول اخالقيّا‪ ،‬فإن املشاركة فيه ال ّ‬
‫تتوقف‬ ‫ألنه لم يعد واعيا بأي حالة نفسية أخرى ولم‬
‫إال عىل وجود الرغبة يف اللعب من عدمها‪ ،‬أي‬ ‫يعد قادرا عىل تقييم مدى غضبه أو خوفه‪.‬‬
‫عىل مهارة الالعب‪ .‬إذا سألنا ج ّراحا ماهرا ملاذا‬ ‫هذا املقال لـ و‪ .‬ه‪ .‬أودن ‪ -‬الذي تنرشه‬
‫يُجري العمليات الجراحية‪ ،‬وإذا كان صادقا‪،‬‬ ‫اختيار السلطة‪ :‬يجب اإليمان بذلك اإلله‪ ،‬أو‬ ‫رسالة اليونسكو برتخيص كريم من‬
‫لن يُجيب بأنه «من واجبه إنقاذ األرواح»‪،‬‬ ‫ذلك اإلنسان‪ ،‬أو تلك املنظمة وطاعتهم يف كل‬ ‫ورثته ‪ -‬هو ذات النص الذي أرسله املؤلف‬
‫بل «ألنه وَلوع بممارسة الجراحة»‪ .‬وقد يكِن‬ ‫الحاالت‪ .‬هنا أيضا‪ ،‬إذا غاب الوعي أو امكانية‬ ‫سنة ‪ 1947‬ردا عىل تحقيق اليونسكو حول‬
‫الجراح للمريض كراهية قصوى‪ ،‬إال أنه سوف‬ ‫االختيار‪ ،‬غابت الحرية‪.‬‬ ‫األسس الفلسفية لحقوق اإلنسان‪ .‬وقد‬
‫يُنقذ حياته ألنه يجد متعة يف ممارسة كفاءته‪.‬‬ ‫طش الروحي لإلنسان يختلف تماما‬ ‫إن التع ّ‬ ‫خصصت الرسالة يف عددها املؤرخ أكتوبر‪-‬‬
‫عن شهواته الطبيعية مثل الجوع أو الرغبة‬ ‫ديسمرب ‪ 2018‬ملف «زاوية كربى» لهذا‬
‫يجب إذن أن نقول‪ ،‬باملعنى العميق للكلمة‪،‬‬
‫الجنسية‪ .‬أذكر نوعني منه‪ :‬التع ّ‬
‫طش إىل‬ ‫التحقيق‪ ،‬تحت عنوان «حقوق اإلنسان‪:‬‬
‫بأن ممارسة الفن والعلم هي من قبيل العبث‬
‫ّ‬
‫التح ّرر من الوضعية الشخصية والتعطش إىل‬ ‫عودة إىل املستقبل»‪.‬‬
‫ألنها مرتبطة بمواهب خصوصية مَ نحتها‬
‫لنا الصدف‪ .‬والجانب الجدّي الوحيد يتعلق‬ ‫القيمة الذاتية‪ .‬والنوعان قد يكونا ‪ -‬بل هما‬
‫بما نملكه جميعا كذوات برشية‪ ،‬تلك اإلرادة‬ ‫فعال يف كثري من األحيان ‪ -‬مُتصارعني‪ .‬ذلك‬
‫الداعية إىل أن نحب غرينا كما نحب أنفسنا‪.‬‬ ‫أنه يف الحالة األوىل‪ ،‬يرى اإلنسان يف كل ما هو‬
‫«مُعطى»‪ ،‬سواء من طبيعته الشخصية أو من‬
‫العالم الذي يُحيط به‪ ،‬أنه يح ّد من ح ّريته‪،‬‬
‫ممّ ا يجره إىل سلوك غري مربر‪ ،‬يف حني أنه‬
‫ال يُمكن له أن يشعر بقيمته إال باعتبار ما‬
‫هو «مُعطى»‪ ،‬ال غري‪ .‬كل الحاالت اإلعتباطية‬
‫املطلقة من شأنها أن تكون يف نفس الوقت‬
‫تافهة بشكل مطلق‪.‬‬

‫‪39‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫أفكار‬

‫ •املجتمعات‪ ،‬أي شخصان أو أكثر تجمعهم‬ ‫ويف هذا الصدد‪ ،‬ال مجال للحديث عن موهبة‬
‫غاية تحقيق عمل يتط ّلب مشاركتهم‬ ‫للحب‪ ،‬وال عن متعة وألم‪ .‬فإذا سألنا السامري‬
‫جميعا‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬رباعي عازف عىل آالت‬ ‫الصالح ملاذا أنقذ الرجل الذي سقط بني أيدي‬
‫وترية‪.‬‬ ‫اللصوص‪ ،‬لن يجيب «ألنني أحب فعل الخري» ‪-‬‬
‫ •التجمعات‪ ،‬أي شخصان أو أكثر يجمع‬
‫إال إذا أراد الهزل ‪ -‬ألن املتعة واأللم ليست لهما‬
‫أية عالقة باملوضوع‪ :‬األمر يتعلق فقط بالطاعة‬
‫إذا غاب الوعي أو‬
‫بينهم حب مشرتك ليشء ما غري أنفسهم‪،‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬قاعة مليئة ّ‬
‫بعشاق املوسيقى‪.‬‬
‫لوصيّة «ستُحب»‪.‬‬
‫امكانية االختيار‪،‬‬
‫للمجتمعات حجم وهيكل مُحدّدان‪ ،‬ويختلف‬
‫طابعها عن طابع مجموع األجزاء املكونة‬
‫حبّ مشرتك‬
‫غابت الحرية‬
‫لها‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن إرادة العضو الفرد تخضع‬ ‫هناك ثالثة أصناف من املجموعات اإلنسانية‪:‬‬
‫لإلرادة العامة للمجتمع‪ ،‬مهما كان مضمون‬ ‫ •الحشود‪ ،‬أي شخصان أو أكثر‪،‬‬
‫ما‪ ‬اتُّفِ ق‪ ‬عليه‪.‬‬ ‫خصوصيتهم املشرتكة الوحيدة هي‬
‫وجودهم مع بعضهم‪ .‬مثال ذلك‪ :‬أربعة‬
‫أجانب يف نفس عربة القطار‪.‬‬

‫‪© Pejac‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪40‬‬


‫أفكار‬

‫العازف عىل اآلالت الوترية يجب‬


‫ِ‬ ‫عضو الرباعي‬
‫أن تتوفر لديه القدرة عىل تقرير ما ستَعزفه‬
‫املجموعة ‪ -‬قطعة موسيقية ملوزار أو لبيتهوفن‬
‫عالم الفن هو عالم املرآة‪ ،‬أو بعبارة‬ ‫‪ -‬وعىل األعضاء اآلخرين طاعته‪ ،‬سواء كان‬
‫االختيار مالئما لهم أم لم يكن‪ .‬واملجتمع يُمكن‬
‫أخرى‪ ،‬هو صورة ممكنة للعالم‬ ‫أن يكون يف ذات الوقت تجمّ عا‪ ،‬ولكن ليس‬
‫بالرضورة‪ .‬إذ يُمكن أن يكون عازف الكمنجة‬
‫الحقيقي حيث تقع معاينة العواطف‬ ‫الكبرية يف الرباعي الذي تحدّثنا عنه يكره‬
‫املوسيقى وال يعزف إال لكسب قوته‪ .‬فاملجتمع‬

‫بصفة منفصلة عن الشغف الفوري‬ ‫ح ّر طاملا أن من تعود له السلطة ال يُمارسها إال‬


‫بموافقة حرة من كل اآلخرين‪.‬‬

‫الذي أحدثها‬
‫تخ‪-‬ريب‪ ،‬تكريم إلدوار ماني‪ ،‬عمل للفنان‬
‫اإلسباني بيجاك‪.2014 ،‬‬
‫هناك صنفان من التجمّ عات‪ :‬التجمعات ا ُملغلقة‬ ‫واملجتمعات تسري بطريقة أفضل طاملا كانت‬
‫أو الخاضعة‪ ،‬والتجمعات املنفتحة أو الح ّرة‪.‬‬ ‫ح ّرة‪ ،‬لكن يف بعض الحاالت‪ ،‬يمكن بل ويجب‬
‫أعضاء التجمّ ع ا ُملغلق لهم ميل مشرتك‪ ،‬لكنهم‬ ‫فرض بعض القيود إلجبار أحد األعضاء‬
‫لم يختاروه ألنهم ليسوا عىل علم بوجود ميوالت‬ ‫املتم ّردين عىل أداء وظيفته التشاركية‪ .‬أما‬
‫أخرى بديلة يمكن لهم مقارنتها بما يشعرون‪،‬‬ ‫التربير األخالقي لذلك فيعتمد عىل عاملني‪:‬‬
‫ليُحبّذوها أو ينبُذوها‪ .‬أما أعضاء التجمّ ع‬
‫ •أهميّة الوظيفة ا ُملناطة بعهدة املجتمع‬
‫املنفتح‪ ،‬فهم اختاروا عن وعي ميوالتهم من بني‬
‫أخرى ممكنة‪.‬‬ ‫ •مدى امكانية تعويض العضو ا ُملتم ّرد‬
‫بعضو آخر أكثر استعدادا‪.‬‬
‫ّ‬
‫الفن مرآة‬ ‫ومثلما هو الشأن بالنسبة إىل الحشود‪ ،‬فإن‬
‫التجمّ عات ليس لها حجم مُحدّد‪ .‬فال يُمكن‬
‫إن كنت قد فهمت جيدا أسطورة أورفيوس‬
‫إذن الحديث عن «إرادة جماعيّة» لتجمّ ع ما‪،‬‬
‫أو تعريف التطهري النفيس عند أرسطو‪ ،‬فإن‬
‫بما أنه ال يُمكن أن يوجد خالف بني األفراد‬
‫نظرية اليونانيني حول الفن هي نظرية خاطئة‬
‫ا ُملكوّنني له‪ :‬فهم ينتمون لذلك التجمّ ع بالذات‬
‫حسب اعتقادي‪ ،‬وقد ابتىل العالم‪ ،‬منذ ذلك‬
‫ألن لهم‪ ،‬كأفراد‪ ،‬نفس امليوالت (عىل عكس‬
‫العهد‪ ،‬بتلك النظرية القائلة بأن الفن عصا‬
‫أعضاء الحشود الذين ليس لديهم أي ميوالت‬
‫سحرية ترمي إىل إثارة العواطف الجيّدة‬
‫مشرتكة)‪ .‬وقد جاء يف ترصيح لفالديمري‬
‫وإبعاد السيّئة‪ ،‬للحث عىل السلوك املناسب‪.‬‬
‫فإن كان األمر كذلك‪ ،‬كيف ن ُ ّ‬ ‫كورتسكي خالل ندوة األمم املتحدة حول‬
‫فس فرض الرقابة‬
‫عىل الفن الذي دعا له أفالطون يف الجمهورية‬ ‫حقوق اإلنسان‪ ،‬نرشته مجلة تايم ماغازين‬
‫الصادرة بتاريخ ‪ 23‬يونيو [‪« :]1947‬ال يُمكن‬
‫أو تولستوي يف ما الفن؟‬
‫حق يجعله يف خالف مع‬ ‫ألحد أن يحظى بأي ّ‬
‫التعريف الجيد‪ ،‬يف اعتقادي‪ ،‬هو تعريف‬ ‫تجمّ عه‪ .‬ومن كان يف خالف مع تجمّ عه‪ ،‬فهو ال‬
‫شكسبري الذي نصب مرآتا أمام الطبيعة‪ .‬أي‬ ‫يشء»‪ .‬فإذا كانت الرتجمة موثوقة‪ ،‬فإن كالم‬
‫حس به‪ ،‬لكنه يدفعني‬ ‫ُغي ما أ ُ ّ‬
‫أن الفن ال ي ّ‬ ‫كورتسكي غري معقول تماما‪.‬‬
‫إىل الوعي بما أحسست به أو بما يُمكن أن‬
‫قد يكون الفرد يف خالف مع املجتمع (مثال‪ ،‬ملا‬
‫أحس به‪ ،‬وبالعالقات الفعلية أو املمكنة‬‫ّ‬
‫يؤدي عازف الكمنجة الكبرية بنشاز)‪ ،‬لكن إذا‬
‫بني أحاسييس‪ .‬إن عالم الفن هو عالم املرآة‪،‬‬
‫كان بقية أعضاء الرباعي مولعني بموزار وهو‬
‫أو بعبارة أخرى‪ ،‬هو صورة ممكنة للعالم‬
‫يكرهه‪ ،‬فذلك يعني ببساطة وجود تجمّ عني‬
‫الحقيقي حيث تقع معاينة العواطف بصفة‬
‫– تجمّ ع يتضمّ ن أفرادا يُحبّون موزار‪ ،‬وآخر‬
‫منفصلة عن الشغف الفوري الذي أحدثها‪.‬‬
‫مُحتمل يجمع أفرادا يكرهونه ‪ -‬ألن التجمع‬
‫ودور الفنان هو أن يخلق هذه املرآة التي‬
‫يُمكن أن يقترص يف البداية عىل فرد واحد‪ ،‬بينما‬
‫تعكس صورة للعالم بأكثر ما يُمكن من‬
‫وجود املجتمع مرشوط بحضور كافة أعضائه‬
‫اإلحكام والشمولية‪ .‬أما الفن الرديء‪ ،‬فهو‬
‫وارتباطهم بشكل صحيح‪.‬‬
‫يُشوّه الواقع‪ ،‬والفن املستصغر ال يعكس سوى‬
‫زاوية ضئيلة أو تافهة من العالم‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫أفكار‬

‫الفن ال يُصدر أحكاما‬


‫للفن قيمتان‪ :‬هو أوّال يمنح متعة‪ ،‬متعة‬
‫الفضول التافه‪ ،‬ث ُ ّم إنه ي ّ‬
‫ُوسع مجال الحرية‪.‬‬
‫فإن لم يكن لإلنسان خيال‪ ،‬ووجد نفسه أمام‬
‫طريقني ممكنني‪ ،‬لكان إما مضطرا عىل أن‬
‫يسلك كالهما‪ ،‬أو أن يقيم أحد أحاسيسه قبل‬
‫أن يشعر بعكسه‪.‬‬
‫فالفن ال يُؤثّر‪ ،‬بل وال يُمكن له أن يُؤثّر‪ ،‬عىل‬
‫االختيار أو عىل التقييم الذي نحمله يف آخر‬
‫املطاف‪ ،‬إنما هو‪ ،‬فقط‪ ،‬يُعطي لذلك وعيا أكرب‪.‬‬
‫إن قراءة مرسحية مكبث‪ ،‬مثال‪ ،‬ال يُمكن أن‬
‫تمنع فردا من ارتكاب جريمة قتل‪ ،‬لكن الذي‬
‫قرأ مكبث يعلم معنى أن يكون قاتال أكثر‬
‫من الذي لم يقرأها‪ ،‬بل إنه‪ ،‬إذا ق ّرر أن يُصبح‬
‫قاتِال‪ ،‬فسوف تكون مسؤوليته أكرب‪.‬‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬لم يكن الفن أبدا وسيلة تُحوّل‬
‫تجمّ عا سيّئا إىل تجمّ ع جيّد‪ ،‬وإنما هو من‬
‫الوسائل الهامّ ة التي تُحوّل التجمعات ا ُملغلقة‬
‫إىل تجمّ عات مٌنفتحة‪.‬‬
‫كما أن الفن يمكن له أن يرضّ بطريقتني‪ .‬أوال‬
‫عندما يكون رديئا ويُؤدي بالتايل إىل متعة‬
‫من النمط القبيح‪ .‬فلما يرسم صورة خاطئة‬
‫للعالم‪ ،‬ويجامل املشاهد بتجاهل الجوانب‬
‫‪© Monika Nikolic‬‬

‫السلبية أو يزرع فيه اليأس بنكران الجوانب‬


‫اإليجابية (ومن الغريب أن الشعور باليأس‬
‫قادر عىل توفري املتعة)‪ ،‬فإنه يكون قد أساء له‪.‬‬
‫والطريقة الثانية‪ ،‬وهي األخطر‪ ،‬فتتمثل يف‬
‫ويمكن عرقلة الحرية بإحدى الطريقتني‪ :‬إما‬ ‫إن الفن قادر عىل الدفع نحو تكوين صنفني‬ ‫أن الفن بقدر ما تعلو جودته بقدر ما يتفاقم‬
‫أن يُرغم الفنان عىل إدخال تغيري عىل عمله‪،‬‬ ‫من التجمّ عات السيّئة‪ :‬تجمّ ع الذين لديهم‬ ‫خط ُره‪ ،‬مما يجعله قادرا عىل حرش ا ُملشاهد‬
‫وبالتايل يصبح الطابع الذي يُميّز التجمّ ع‬ ‫صورة خاطئة عن ذواتهم‪ ،‬وصنف آخر يتمثل‬ ‫حس ممتع للتأمّ ل يف ذاته‪ ،‬إىل درجة‬ ‫يف شلل ّ‬
‫مُختلفا عمّ ا كان سيكون عليه لو تُرك الفنان‬ ‫يف تجمع هو يف الحقيقة ليس إال صورة ساخرة‬ ‫العزوف عن االختيار‪ ،‬عىل غرار هاملت‪.‬‬
‫يبدع حسب هواه‪ ،‬وإما أن يُمنع املشاهدون‬ ‫من التجمّ ع الح ّر حيث تكون معرفة الخري‬ ‫النرجسية‪ :‬ذلك هو خطر الفن الراقي‪ .‬لم يكن‬
‫من النفاذ إىل العمل الفني‪ ،‬فيُصبح التجمّ ع‬ ‫والرش موجهة ضد اإلرادة‪ ،‬وبالتايل تضعف‬ ‫نرسيس عاشقا لظ ّله من أجل جماله‪ ،‬وإنما‬
‫أقل عددا ممّ ا كان يُمكن أن يكون عليه لو لم‬ ‫اإلرادة إىل درجة أنها تصبح غري قادرة عىل‬ ‫ألنه ظله‪ ،‬بكل امكانياته الالمتناهية‪.‬‬
‫يحصل املنع‪.‬‬ ‫االختيار‪.‬‬
‫يمكن أن نروي هذه األسطورة عىل نحو آخر‪،‬‬
‫إن كل عمل فنّي يمثل نقطة محوريّة لتكوين‬ ‫لنجعل من نرسيس أحمقا مُصابا باستسقاء‬
‫الرقابة‬ ‫تجمّ ع مُحتمل بني األفراد الذين أُعجبوا به‬ ‫الدماغ‪ .‬عندما رأى صورته عىل سطح املاء‪،‬‬
‫يُمكن أن تمارس الرقابة يف شكلني‪ .‬يتمثل‬ ‫أو الذين لهم قابليّة لذلك‪ .‬هذا التجمّ ع ح ّر‪،‬‬ ‫صاح‪« :‬هذا الوجه يُالئمني!»‪ .‬أو لِنقل إن‬
‫األول يف رقابة اقتصادية غري مُربمجة – عندما‬ ‫ألنه كان بإمكان الفنان‪ ،‬فعال‪ ،‬ابتكار يشء‬ ‫نرسيس لم يكن ال وسيما وال قبيحا‪ ،‬وإنما كان‬
‫يفتقد الفنان إىل اإلمكانيات الرضورية لإلبداع‬ ‫آخر‪ ،‬لكنه اختار انجاز ذلك العمل بالذات‪.‬‬ ‫شكله مألوفا كما هو حال زوج ثوربر*‪ :‬عندما‬
‫حسب إرادته‪ ،‬أو عندما يكون املشاهدون غري‬ ‫والعكس بالعكس‪ :‬إن املشاهدين أو الق ّراء‬ ‫اكتشف صورته منعكسة عىل سطح املاء‪،‬‬
‫كان بإمكانهم مشاهدة أو قراءة عمل آخر‪،‬‬ ‫نلتق سابقا يف مكان ما؟»‬
‫قادرين عىل دفع ثمن التمتع بالعمل الفني ‪،-‬‬ ‫رصخ‪« :‬عفوا‪ ،‬ألم ِ‬
‫والثاني يف الرقابة ا ُملخططة من قبل السلطة‪.‬‬ ‫لكن اختيارهم أرىس عىل ذلك العمل‪ .‬فإذا‬
‫عىل املستوى االقتصادي‪ ،‬أفضل طريقة لبلوغ‬ ‫ابتكر فنان عمال‪ ،‬وكان هو الوحيد ا ُملعجب به‪،‬‬
‫الحرية يف الفن هي وجود أكرب تنوّ ع ممكن يف‬ ‫أو إذا كان هناك مُشاهد لم يجد أي عمل يروق‬
‫أوساط النارشين‪ ،‬وأصحاب املكتبات‪ ،‬ويف ديار‬ ‫له‪ ،‬فإن ذلك ال ينفي وجود الحرية‪ :‬ذلك يعني‪،‬‬
‫الكتب وأروقة الفنون‪ ،‬الخ‪ ،...‬عىل أن يكون‬ ‫ببساطة‪ ،‬غياب أي تجمّ ع‪.‬‬
‫* «الزوج» شخصية متواجدة يف العديد من مؤلفات‬
‫بعضهم‪ ،‬وليس جميعهم‪ ،‬ذوي قدرات عالية‪.‬‬ ‫الكاتب الهزيل األمريكي جيمس ثوربر (‪.)1961-1894‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪42‬‬


‫أفكار‬

‫ومع ذلك فإن محبّة اآلخر بقدر محبّة الذات‬


‫تُؤدّي تحديدا إىل القبول بإمكانية قيام اآلخر‬
‫بأخطائه الخاصة‪ ،‬والقبول باملعاناة معه‬
‫عندما يُعاني من تلك األخطاء‪ ،‬ألنه ال أحد‬
‫يُريد عن وعي رفض مسؤوليته عن أفكاره‬
‫وأفعاله‪ ،‬مهما كانت الكلفة‪ .‬كل شخص قادر‬
‫عىل التمييز بني حقوقه وواجباته‪ ،‬ويعلم أن‬
‫حقه أيضا‬‫من واجبه اختيار الخري‪ ،‬ولكن من ّ‬
‫أن يختار الرش‪ ،‬كما يعلم أنه‪ ،‬كما قال كافكا‪:‬‬
‫«نحن نكذب أقل ما يُمكن ألننا فعال نكذب أقل‬
‫ما يُمكن ال غري‪ ،‬وليس بسبب ندرة املناسبات‬
‫املتاحة للكذب»‪.‬‬
‫إن السلطات منشغلة بقيام مَ نظوريها‬
‫باالختيار األفضل‪ ،‬أكثر مما هي منشغلة‬
‫بإعطائهم القدرة عىل االختيار‪ :‬لذلك فهي‬
‫تسعى الختزال الطريق‪ .‬عىل املدى القصري‪،‬‬
‫يتح ّرك اإلنسان الشغوف بأكثر رسعة ونجاعة‬
‫من اإلنسان الذي بلغ مرحلة التمعن الذاتي‬
‫يف رغباته‪ .‬وهو ما جعل السلطات تريد‪ ،‬يف‬
‫أغلب األحيان‪ ،‬أن يُثري الفنان لدى اآلخرين‬
‫التحمّ س للخري‪ ،‬بدل أن يزرع فيهم الوعي‬
‫بالخري والرش‪ .‬وإن كان لها القدرة لجعلت منه‬
‫صاحب «الكذبة النبيلة» ألفالطون‪.‬‬
‫لم يحدث أبدا أن ت ّم منع عمل فني ألسباب‬
‫جمالية ألنه نادرا ما مارس الفنانون السلطة‪.‬‬
‫وذلك أفضل‪ ،‬دون شك‪ ،‬ألنه لو كان األمر‬
‫بيدي‪ ،‬مثال‪ ،‬لحكمت عىل من وجدته صدفة‬
‫وهو يقرأ شايل أو يستمع إىل براهامس بالنفي‬
‫يف مناجم امللح‪ ،‬وعىل من بحوزته فونوغراف‬ ‫«بارثينون الكتب»‪ ،‬نصب للفنان األرجنتيني‬
‫آيل باإلعدام‪.‬‬ ‫وإذا فاق عدد املؤسسات املستوى املناسب‪،‬‬ ‫مارتا مينويني عرض يف دوكيمنتا ‪ 14‬يف‬
‫وخاصة إذا كان هناك احتكار من قبل الدولة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مدينة كاسل (أملانيا) سنة ‪ .2017‬وقد ت ّم‬
‫للرقابة‪ ،‬عموما‪ ،‬سببان‪ :‬إما الطابع الالأخالقي‬ ‫فسوف يتقلص تنوّ ع األعمال املتوفرة‪ ،‬حتى‬ ‫تصميمه باستعمال كتب ممنوعة سابقا أو‬
‫للعمل الفني‪ ،‬بمعنى قدرته عىل حث الجمهور‬ ‫يف صورة غياب الرقابة املتعمّ دة‪ .‬أما إذا‬ ‫حاليا يف بعض الدول‪ ،‬كرد فعل ضد الرقابة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مناف‬ ‫عىل الترصّ ف بشكل الأخالقي أو‬ ‫كانت كل املؤسسات صغرية الحجم‪ ،‬فإن‬
‫للقانون‪ ،‬مما يجعله مُرضا بحسن سري‬ ‫التكاليف تُصبح باهظة جدا بالنسبة لجزء من‬
‫املجتمع‪ ،‬وإما طابعه الشاذ‪ ،‬أي أنه قادر عىل‬ ‫الجمهور‪ ‬ا ُملحتمل‪.‬‬
‫دفع الجمهور نحو تبنّي قيم غري القيم التي‬
‫يدعو إليها النظام‪ ،‬وحثه عىل مغادرة تجمّ عه‬ ‫إحدى العقبات التي كثريا ما اعرتضت‬ ‫الفن ال ي ّ‬
‫ُغي‬
‫ما‪ ‬أ ُ ّ‬
‫ليلتحق بتجمّ ع آخر‪ .‬وتستلزم ممارسة الرقابة‬ ‫الليربالية‪ ،‬تكمن يف سهولة احرتام حرية من‬
‫دائما عنرصين‪ :‬أن يوجد جمهور مُحتمل‬
‫للعمل الفني‪ ،‬وأن يتكون ذلك الجمهور من‬
‫ليس له أهمية يف نظرنا‪ ،‬أكثر من حرية من‬
‫نُقدّرهم‪ .‬إذا كان الويل ّ أو الحكومة عىل يقني‬
‫حس به‪،‬‬
‫أفراد غري قادرين عىل القيام باختيار مسؤول‪.‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬تكون الرقابة مقبولة يف حالتني‬
‫من جودة يشء ما أو من صحته‪ ،‬فكالهما يعلم‬
‫دون شك أنه بإمكان األبناء أو الشعب اختيار‬
‫لكنه يدفعني‬
‫الق ّص الذين يُفرتض‬‫دون سواهما‪ :‬يف حالة ُ‬
‫قانونا أنهم غري قادرين عىل االختيار‪ ،‬ويف حالة‬
‫ما هو يف نظره سيّئا أو خاطئا‪ ،‬وكالهما يعلم‬
‫أن االختيار السيئ سوف يولد معاناة الذين‬ ‫إىل الوعي بما‬
‫يهمه أمرهم وأنه سيُعاني معهم‪ .‬إضافة إىل‬
‫الكهول الذين اختاروا عن قصد من يسلط‬
‫عليهم الرقابة واحتفظوا بحريتهم يف التخيل‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن الويل أو الحكومة لن يعد بعد ذلك‬ ‫أحسست به‬
‫عنه عند فقدان ثقتهم يف سلطته‪.‬‬ ‫ينتمي إىل نفس التجمّ ع الذي ينتمي إليه الذين‬
‫يهمه أمرهم‪.‬‬

‫‪43‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫أفكار‬

‫ومنحت ثورة اإلصالح‪ ،‬يف القرن السادس‬ ‫وبما أن كل ثورة تُدافع عن جانب خصويص‬ ‫ومثاال عىل ذلك‪ ،‬لم تقم الكنيسة الكاثوليكية‬
‫عرش‪ ،‬للفرد حرية اختيار مساره املهني‪،‬‬ ‫من الحرية‪ ،‬وأن هذا الجانب مآله استنكار‬ ‫الرومانية بانتهاك حرية أعضائها من خالل‬
‫والحق يف مغادرة املجتمع الذي انتمى إليه‬ ‫واضح من قبل الثورة املوالية‪ ،‬فإنها‪ ،‬ويف إطار‬ ‫منع كتب مُعيّنة‪ ،‬ألن ال أحد مُجرب عىل أن يكون‬
‫والده ليلتحق بمجتمع آخر‪ .‬والشخصية‬ ‫نقدها لفشل سابقتها‪ ،‬تميل إىل معاداة الحرية‬ ‫كاثوليكيا رومانيا‪ ،‬وألن اختيار اإلنتماء لتلك‬
‫الرمزية فيها هو املهني املاهر‪.‬‬ ‫التي كافحت من أجلها الثورة السابقة‪ .‬إال أن‬ ‫الكنيسة يؤدي حتما إىل االعرتاف بسلطتها‬
‫مصري كل الثورات مرتبط بعضه ببعض‪ ،‬لذلك‬ ‫التي تُق ّرر ما ّ‬
‫يحق للمؤمنني قراءته‪.‬‬
‫أما الثورة الفرنسية والثورة الصناعية للقرنني‬
‫هي تنجح أو تفشل معا‪ :‬فإذا لم تفز الثورة يف‬ ‫وهذا ال ّ‬
‫الثامن عرش والتاسع عرش فقد منحت للفرد‬ ‫يحق ألي دولة كانت‪ ،‬ألن انتماء الفرد‬
‫املعركة التي خاضتها‪ ،‬فإن الثورة التي تليها‬
‫املوهوب إمكانية التطوّر بحرية والتنافس‬ ‫إىل مجتمع سيايس يحدث عند الوالدة‪ ،‬بمحض‬
‫لن تتمكن من خوض معركتها‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ال بد‬
‫لجلب انتباه الجمهور‪ .‬كما وفرت للفكر‬ ‫الصدفة‪ ،‬وهو ليس ثمرة اختياره‪.‬‬
‫من تثمني انتصار الثورات السابقة حتى تحقق‬
‫الفردي الحق يف تغيري التجمّ ع أو قيادة املجتمع‬
‫الثورة الحالية هدفها‪.‬‬
‫إن كان قادرا عىل ذلك‪ .‬والشخصية الرمزية يف‬ ‫الثورات وحرية اإلنسان‬
‫هذه الحالة هي فيغارو‪« .‬الفكر وحده قادر‬ ‫لقد منحت الثورة البابوية للقرن الحادي عرش‬
‫عىل تغيري كل يشء ‪ /‬من بني عرشين ملك‬ ‫والقرن الثاني عرش للفرد حرية االختيار بني‬ ‫كل ثورة هامة يف التاريخ قامت دفاعا عن‬
‫نُمجّ دهم ‪ /‬تكرس املوت قداستهم ‪ /‬ويبقى‬ ‫عدة والءات‪ ،‬وحقه يف االنفصال عن تجمّ ع‬ ‫ُعي من حرية اإلنسان‪ ،‬ولكل واحدة‬ ‫جانب م ّ‬
‫فولتري خالدا أبد الدهر»‪.‬‬ ‫لاللتحاق بآخر‪ ،‬وحقه يف االنتماء ملجموعتني‬ ‫أسس‬‫منها شخصيتها الرمزية‪ .‬وكل منها ّ‬
‫الرمزيتان يف‬
‫ِ‬ ‫يف آن واحد‪ .‬وكانت الشخصيتان‬ ‫لنمط من الحرية خاص بها‪ ،‬بصفة دائمة‪.‬‬
‫تلك الثورة الكاهن املتصوّف الدويل والجندي‬ ‫إال أن نجاح أي ثورة مُهدّد بادّعائها الزائف‬
‫املناضل ّ‬
‫املحل‪.‬‬ ‫بأنها هي الثورة الحقيقية بامتياز‪ .‬بعبارة‬
‫أخرى‪ ،‬كل ثورة‪ ،‬أيا كانت‪ ،‬تدعي أن جانب‬
‫الحرية الذي دافعت عنه يمثل الحرية الوحيدة‬
‫الجديرة باإلعتِبار‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪44‬‬


‫أفكار‬

‫يتقاسم الرقيب العرصي‬


‫والفنان الرومنيس نفس الرأي‪:‬‬
‫كالهما يرى أن الفن أهم‬
‫ممّا هو يف الواقع‬

‫أي دور للشاعر؟‬ ‫وبالتايل‪ ،‬يف ثورتنا هذه التي تتمحور حول‬
‫تحرير االحتياجات املادية**‪ ،‬كل الحريات‬
‫يقول الشاعر يف غرفة املريض‪« :‬ها أنه أصبح‬ ‫املكتسبة من الثورات السابقة مُهدّدة‪ .‬ولم‬
‫اليوم أزرق‪ ،‬بعد ما كان باألمس ورديا‪.‬‬ ‫يحدث ذلك من قبل‪ .‬لقد ت ّم التن ّكر للثورة‬
‫وتتساءل املمرضة‪ :‬ما عساني أن أفعل؟»‪ .‬ألم‬ ‫الفرنسية حيثما وُجدت رقابة عىل الصحافة‬
‫يكن من األجدر أن يُجيب املريض أو ا ُملم ّرضة‪:‬‬ ‫وكبت لإلبداع الفني واإلبتكار العلمي‪ .‬وهذا‬
‫وأت لنا بماء ساخن‬ ‫ف‪ ،‬بربّك‪ ،‬عن اإلنشاد ِ‬ ‫« ُك ّ‬ ‫التنكر ملفهوم اإلصالح يف الثورة الفرنسية‬
‫وضمائد»‪ .‬لكنهما لم يقوال شيئا‪ .‬بل صاحت‬ ‫مسترشي حيث تُميل الدولة عىل الفرد مساره‬
‫ا ُملم ّرضة‪« :‬قل للمريض بأنني الوحيدة القادرة‬ ‫املهني‪ .‬كما أن هناك تنكر للثورة البابوية‬ ‫عمل للفنان الصيني فانغ ليجون‪ .‬بدون‬
‫عىل رعايته‪ ،‬وإن فعلت فسوف أمنحك جواز‬ ‫حيثما تفرض دولة كلوية سلطة مطلقة‪.‬‬ ‫عنوان‪ ،‬نقش عىل اللوح‪.2003 ،‬‬
‫سفر‪ ،‬وبطاقات إضافية ألقساط التموين‬ ‫‪© Fang Lijun / photo Centre Pompidou, MNAM-CCI,‬‬
‫وتذاكر مجانية لألوبرا‪ .‬وإن قلت له أي يشء‬ ‫يدفع اليوم الفرد املوهوب ثمن غرور أمثاله‬ ‫‪Dist. RMN-Grand Palais / Georges Meguerditchian‬‬

‫آخر‪ ،‬فسوف أخرب الرشطة»‪ .‬أما املريض‬ ‫عىل مدى قرنني‪ .‬الشعراء ليسوا بمُرشّ عي‬
‫«بشوني بأنني يف صحة‬ ‫فيتوسل يف هذيانه‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫العالم الذين تم تجاهلهم‪ ،‬بل لم يكونوا كذلك‬
‫أوفر لكم شقة ذات طابقني‬ ‫جيّدة‪ ،‬وسوف ّ‬ ‫أبدا‪ ،‬ويُستحسن أن نسعى إلقناعهم بذلك‪.‬‬
‫والذين دافعوا عن مذهب الفن للفن أو النظرية‬
‫وعشيقة جميلة‪ .‬وإن كنتما غري قادرين عىل‬
‫القائلة بأن الفن مادّة كمالية‪ ،‬كانوا أقرب إىل‬
‫فرد من األفراد‪ ،‬وسط‬
‫ذلك‪ ،‬فلن أنصت إىل ما تقوالن»‪.‬‬
‫الحقيقة بكثري ولكن‪ ،‬ما كان لهم أن يروا يف‬
‫الحشد العاملي‬
‫لو كان الشاعر يُحب فعال املريض وا ُملم ّرضة‬ ‫العبثية النسبية ملواهبهم حجة عىل تفوّقهم‬ ‫تسعى ثورتنا يف القرن العرشين ملنح الجسم‬
‫مثلما يحب نفسه‪ ،‬فلع ّله الزم الصمت وذهب‬ ‫الذهني عىل العامل الصالح عديم املوهبة‪.‬‬ ‫الفردي حرية اقتناء ما يُرضيه‪ ،‬وما يضمن له‬
‫لجلب املاء الساخن‪ .‬لكنه طاملا يُواصل اإلنشاد‪،‬‬ ‫يف الواقع‪ ،‬يتقاسم الرقيب العرصي والفنان‬ ‫االزدهار والصحة الجيّدة‪ .‬شخصيتها الرمزية‬
‫فسوف يبقى ممتثال للوصيّة التي تميل عليه‬ ‫الرومنيس نفس الرأي‪ :‬كالهما يرى أن الفن‬ ‫هي اإلنسان العاري املجهول الحامل للوحة‬
‫بـ«أال يديل بشهادة زور ضد الغري»‪.‬‬ ‫أهم ممّ ا هو يف الواقع‪.‬‬ ‫هوية م ّ‬
‫ُرقمة‪ ،‬والذي ال ينتمي بع ُد إىل أي‬
‫مجتمع وال إىل أي تجمّ ع‪ ،‬لكنه فقط فرد من‬
‫بني آخرين وسط الحشد العاملي‪.‬‬
‫وهذا ما يفرس انشغال عرصنا بالطب‬
‫و‪ .‬ه‪ .‬أودن (‪ )1907-1973‬شاعر‪ ،‬وكاتب‬ ‫واالقتصاد‪ ،‬وتحركاته املضادة وعداوته لحرية‬
‫** وضع ا ُملصلح الربيطاني ويليام بفريدج سنة ‪1942‬‬
‫مرسحي‪ ،‬وناقد‪ ،‬وملحن أنجليزي‪-‬أمريكي‪ ،‬من‬ ‫عىل رأس األولويات الرضورية ملجابهة املشاكل الكربى‬ ‫التعبري والفكر التي حققتها الثورة الفرنسية‪،‬‬
‫الشخصيات األدبية املرموقة للقرن العرشين‪ .‬هاجر‬ ‫التي تواجهها بريطانيا العظمى‪ ،‬التحرر من االحتياج‬ ‫باعتبارها تهديدا لإلجماع‪ .‬الجميع سواسية‬
‫إىل الواليات املتحدة سنة ‪ 1939‬حيث د ّرس يف‬ ‫والقضاء عليه بإعادة توزيع املداخيل صلب الطبقات‬ ‫عىل املستوى البدني من حيث الحاجيات‪ ،‬أما‬
‫الكادحة‪ .‬وقد تو ّلت حكومة كليمنت أتيل التابعة لحزب‬
‫العديد من الجامعات قبل الحصول عىل الجنسية‬ ‫العمّ ال تطبيق أجزاء هامّ ة من هذا اإلصالح إبان الحرب‬ ‫الفوارق الفردية من حيث املزاج أو املوهبة‪ ،‬فال‬
‫األمريكية سنة ‪.1946‬‬ ‫العاملية الثانية‪.‬‬ ‫قيمة لها‪.‬‬

‫‪45‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫ضيفتنا‬

‫ضيفنا‬
‫واحدة من بني مائة مع ّلقة حول‬
‫موضوع «واحد من أجل الجميع‬
‫والجميع من أجل واحد!» من‬
‫رسام من كل‬ ‫تصميم مائة ّ‬
‫أنحاء العالم‪ ،‬بمناسبة االحتفال‬
‫بالذكرى السبعني لإلعالن العاملي‬
‫لحقوق اإلنسان‪ .‬حملة أطلقتها‬
‫بوسرت فور تومورو (معلقات من‬
‫أجل الغد)‪.‬‬
‫‪© posterfortomorrow 2018‬‬
‫‪Frank Arbelo‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪46‬‬


‫ضيفنا‬

‫عبد الله أحمدالنعيم‬


‫حقوق اإلنسان‪ ،‬والدولة‬
‫العلمانية والرشيعة اليوم‬

‫أجرت املقابلة رشاز سيدهفا‬

‫يسعى عبد الله أحمد النعيم‪ ،‬وهو خبري‬


‫يف مجال حقوق اإلنسان من منظور‬
‫متعدد الثقافات‪ ،‬إىل التوفيق بني هويته‬
‫كمسلم سوداني والتزامه بحقوق‬
‫اإلنسان الكونية‪ .‬ويرى أنه ينبغي تركيز‬
‫حقوق اإلنسان عىل املواطنني‪ ،‬وليس‬
‫عىل الدولة‪ .‬ونظرا لوعيه بأن آراءه مثرية‬
‫للجدل‪ ،‬يؤكد النعيم أنه مستعد ملواجهة‬
‫عبد الله أحمد النعيم‪.‬‬
‫منتقديه‪ ،‬قائال‪« :‬بدون آراء معارضة‪،‬‬
‫© بموافقة كريمة من معهد الحقوق‬
‫لهذا السبب‪ ،‬يبقى الالجئون والعمال‬ ‫بجامعة إيموري‪.‬‬ ‫أفقد قدرتي عىل اإلبالغ»‪.‬‬
‫املهاجرون‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬محرومني من‬
‫الحقوق التي يمنحها لهم اإلعالن العاملي‬
‫ويشري «املضمون» إىل كل ما تجسده هذه‬ ‫عندما تشري إىل الكلمات الثالث التي تبدأ‬
‫لحقوق اإلنسان‪ .‬أما حقوق املواطنني واملقيمني‬
‫الحقوق‪ ،‬وهنا علينا التسليم بأننا ال زلنا‬ ‫بحرف «امليم» يف ما يتعلق بحقوق اإلنسان‪،‬‬
‫بصفة رشعية‪ ،‬فإن الدولة هي التي تحددها‬
‫بعيدين عن الهدف املنشود‪ ،‬وأن حقوق‬ ‫ما الذي تعنيه بالضبط؟‬
‫وتقوم بمراجعتها باستمرار‪ .‬كما أن الدولة‬
‫اإلنسان ما زالت غائبة عن السياسات العامة‪.‬‬
‫هي التي تقرر التفاوض مع دول أخرى‪،‬‬ ‫أشري يف بعض األحيان إىل هذه الكلمات‬
‫واملصادقة عىل املعاهدات الدولية ذات الصلة أو‬ ‫ويطرح «املقام» مسألة تطبيق مبادئ حقوق‬ ‫ّ‬
‫ألبي أبعاد حقوق اإلنسان‪ ،‬أال وهي املفهوم‪،‬‬
‫تجاهلها‪ ،‬وتحديد رشوط ونطاق حماية حقوق‬ ‫اإلنسان عىل أرض الواقع‪ ،‬ومدى تمتع‬ ‫واملضمون واملقام‪.‬‬
‫األشخاص الخاضعني لواليتها القضائية‪.‬‬ ‫األشخاص املعنيني بهذه الحقوق‪ .‬ما معنى‬
‫حقوق اإلنسان بالنسبة للذين يقبعون تحت‬ ‫«املفهوم» هو الطابع الكوني‪ ،‬حيث أننا‬
‫إن مجال حقوق اإلنسان خاضع بأكمله لسلطة‬ ‫نتحدث عن حقوق اإلنسان باعتبارها حقوق‬
‫الدولة‪ .‬وال يدّعي القانون الدويل إجبار أي دولة‬ ‫أعباء فقر مدقع ودائم يف القاهرة أو كراتيش أو‬
‫الغوس؟ هل ساهمت تلك الحقوق يف تحسني‬ ‫البرش أيّا ً كانوا‪ ،‬ولكن ماذا نعني بالضبط؟‬
‫عىل القيام بعمل ما‪ .‬إن منظمة األمم املتحدة‬ ‫هل يف مقدورنا حقا حماية حقوق البرش يف‬
‫وسائر املنظمات الدولية مكونة من عضوية‬ ‫ظروف حياتهم؟‬
‫حد ذاتها؟ وما هي الدولة التي تقوم بذلك؟‬
‫ومسية من طرفها‪ .‬لذلك ليس يف مقدور‬‫ّ‬ ‫الدول‬ ‫ما هو الدور الذي ينبغي للدولة أن تضطلع‬ ‫إن الحقيقة‪ ،‬مع األسف‪ ،‬هي عكس ذلك‪،‬‬
‫هذه املنظمات سوى العمل حسبما تقتضيه‬ ‫به لحماية حقوق اإلنسان؟‬ ‫ألن الدول تستخدم خطاب حقوق اإلنسان‬
‫الدول‪ ،‬وما تمليه عليها من رشوط‪.‬‬
‫ما أالحظه‪ ،‬يف كل البلدان‪ ،‬هو أن الدولة تقوم‬ ‫كسالح تشهره يف ما بينها لشيطنة سياساتها‬
‫بحماية حقوق مواطنيها‪ ،‬أي األفراد الذين‬ ‫السلطوية‪ ،‬بدال ً من اعتبارها مبادئ كونية‬
‫يعيشون بصفة رشعية عىل أرضها‪ ،‬وليس‬ ‫تستند إليها السياسات العامة لحماية كرامة‬
‫حقوق الكائنات البرشية عىل وجه العموم‪.‬‬ ‫جميع الكائنات البرشية‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫ضيفنا‬

‫هذا األمر الواقع يتطابق‪ ،‬بدون شك‪ ،‬مع‬


‫املستوى الذي بلغته التنمية البرشية يف الوقت‬
‫الراهن‪ ،‬غري أنه ليس مؤاتيا لحماية حقوق‬
‫اإلنسان‪ .‬وأرى تناقضا يف التنظيم الذاتي الذي‬
‫تمارسه الدول‪ ،‬بما أن الحقوق األساسية من‬
‫املفرتض أن تكون خارج نطاق سيطرة الدولة‬

‫‪© MOMA, New York / SCALA, Florence‬‬


‫ومناوراتها‪.‬‬
‫كيف يمكن إذا ضمان احرتام حقوق‬
‫اإلنسان؟‬
‫أنا ال أقول إننا لسنا بحاجة لحقوق اإلنسان‪،‬‬
‫أو أن حماية هذه الحقوق ال يمكن تحقيقها‪.‬‬
‫أريد التأكيد عىل رضورة بلورة فكرة واضحة‬
‫حول األصول التي تتجذر فيها حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫وحول كيفية تحديد معنى هذه الحقوق‬
‫وطريقة تطبيقها‪.‬‬
‫يف رأيي‪ ،‬ينبغي أوال أن يتوىل تحديد معنى‬
‫حقوق اإلنسان األشخاص الذين يعرتفون‬
‫بها ويطبقونها عىل أرض الواقع‪ ،‬وأن ال يُرتك‬
‫للسلطات االستعمارية السابقة مجاال لفرضها‬
‫عىل مستعمراتها القديمة‪ ،‬أو ملندوبي دول ما‬
‫بعد االستعمار‪ ،‬أوللبريوقراطيني الدوليني‪.‬‬
‫عندما انتقلت عام ‪ 1995‬إىل أتالنتا بوالية‬ ‫يف السودان‪ ،‬قامت السلطات الربيطانية بتعديل‬ ‫ثانياً‪ ،‬يجب تطبيق معايري حقوق اإلنسان من‬
‫جورجيا يف الواليات املتحدة لإلقامة هناك‬ ‫القانون الجنائي فأصبح ينص عىل معاقبة‬ ‫خالل اتباع مراحل سياقية واقعية تتناسب مع‬
‫(علما وأن يف الواليات املتحدة‪ ،‬القانون‬ ‫تشويه األعضاء التناسلية للنساء بالسجن ملدة‬ ‫احتياجات املجتمعات املعنية ومواردها‪ ،‬ال من‬
‫العائيل صادر عن األقاليم وليس عن النظام‬ ‫عامني‪ ،‬وذلك يف عام ‪ ،1946‬أي العام الذي‬ ‫خالل َس ّن ترشيعات مدوية معروضة يف إطار‬
‫الفيدرايل)‪ ،‬كانت ممارسة اللواط تُعترب جريمة‬ ‫وُلدت فيه‪ .‬وها أني بلغت من العمر ‪ 72‬سنة‪،‬‬ ‫اجتماعات عقيمة تعقدها منظمات دولية أو‬
‫ُعاقب عليها بالسجن‪ .‬أما يف عام ‪ ،2015‬فقد‬ ‫ي َ‬ ‫وما زالت ممارسة تشويه األعضاء التناسلية‬ ‫مؤتمرات دبلوماسية أو أكاديمية‪.‬‬
‫أصبح زواج املثليني حقا ً دستوريا‪ً.‬‬ ‫للنساء سارية املفعول‪ ،‬وذلك بنسبة تفوق‬ ‫ثالثاً‪ ،‬يجب أن ترتبط اسرتاتيجيات التنفيذ‬
‫‪ %90‬من السكان‪  .‬وحسب معلوماتي‪ ،‬لم يتم‬ ‫ارتباطا ً وثيقا ً بالسياق‪ ،‬وأن توضع دائما تحت‬
‫وعندما نفكر يف الرسعة التي حدث بها هذا‬
‫تقديم أي كان للمحاكمة‪ .‬وينطبق ذلك عىل‬ ‫رقابة األشخاص املعنيني بهذه الحقوق‪.‬‬
‫التطور‪ ،‬يتبني لنا أنه ال يجب البدء بتغيري‬
‫جرائم «الرشف»‪ .‬ومن الواضح أنه ال بد من‬
‫القانون‪ .‬إن التحول عىل املستويني الثقايف‬ ‫هل لك أن ترضب لنا مثالً عىل ذلك؟‬
‫إحداث تغيري يف هذين املجالني‪.‬‬
‫واالجتماعي صلب املجتمعات هو الذي يشكل‬
‫القوة املحركة للتغيري‪ ،‬وليس نتيجته‪.‬‬ ‫ما هو أفضل سبيل إلحداث التغيري؟‬ ‫إن أردت‪ ،‬مثال‪ ،‬مكافحة تشويه األعضاء‬
‫التناسلية للنساء يف السودان‪ ،‬لن أتمكن‬
‫عندما تشري إىل ثقافة حقوق اإلنسان التي‬ ‫علينا أن نتحرر من كبت األفكار البريوقراطية‪،‬‬ ‫من القيام بذلك من خالل إصدار بيان يف‬
‫يمكن تعزيزها من خالل الخطاب الداخيل‬ ‫بغية إلهام مخيلة الناس ودفع عجلة التغيري‪.‬‬ ‫جنيف‪ .‬وال حتى بموجب قانون تسنّه الدولة‬
‫والحوار بني الثقافات‪ ،‬ما الذي تعنيه‬ ‫يف بعض األحيان‪ ،‬يمتنع الناس عن إحداث‬ ‫السودانية‪ .‬ال بد يل من السعي لتغيري العقليات‬
‫بالضبط؟‬ ‫التغيري ألنهم يظنّون األمر مستحيل‪ .‬لكنهم‬ ‫عىل الصعيد املجتمعي‪ .‬هذا هو الحل الوحيد‪.‬‬
‫حني أتحدث عن ثقافة حقوق اإلنسان‪ ،‬أشري إىل‬ ‫مخطئون‪ .‬لننظر إىل ما توفقت إليه حركة‬
‫القيم التي أفعِ منا بها منذ التنشئة االجتماعية‬ ‫الدفاع عن املثليني بفضل عزمها عىل تغيري‬
‫يف مرحلة الطفولة املبكرة‪ ،‬والتي نستمر يف‬ ‫األوضاع‪.‬‬
‫تعزيزها طوال حياتنا‪ .‬ومن شأن هذه القيم‬
‫تيسري احرتام حقوق الغري وحمايتها‪ ،‬حتى يف‬
‫حالة عدم تحديد تلك الحقوق بنفس العبارات‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪48‬‬


‫ضيفتنا‬

‫إن التحول عىل املستويني الثقايف‬


‫واالجتماعي صلب املجتمعات هو الذي‬
‫يشكل القوة املحركة للتغيري‪ ،‬وليس‬
‫نتيجته‬

‫ويف ما يتعلق باملسار اإلصالحي لإلسالم‬ ‫عىل املستوى الشخيص‪ ،‬كيف كان لك أن‬
‫والدراسات اإلسالمية‪ ،‬فقد توصلت إىل التوفيق‬ ‫تهتم بحقوق اإلنسان من منظور إسالمي؟‬
‫بني التزامي بالدفاع عن مفهوم الدولة‬
‫خالل ستينيات القرن املايض‪ ،‬ملا تو ّلد‬
‫العلمانية من منظور إسالمي‪ ،‬مثلما قمت‬
‫لديّ رصاع داخيل بني عقيدتي اإلسالمية‬
‫به قبل ذلك فيما يخص الدفاع عن حقوق‬
‫ومعارضتي للرشيعة‪ ،‬أسعفني الحظ بلقاء‬
‫اإلنسان‪ ،‬وبني عقيدتي الدينية‪.‬‬
‫األستاذ محمود محمد طه‪  .‬ووجدت يف‬
‫ودعوت‪ ،‬من خالل موقع ومدونة عىل اإلنرتنت‪،‬‬ ‫تفسرياته لإلسالم صبغة ابتكارية حثتني عىل‬
‫إىل إجراء نقاش عمومي عىل الصعيد العاملي‬ ‫التوفيق بني معتقداتي الدينية والتزامي بدعم‬
‫بشأن األفكار الواردة يف كتابي الصادر‬ ‫حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫عام ‪ 2008‬تحت عنوان «اإلسالم والدولة‬ ‫وكان األستاذ طه مهندسا ً سودانيا ً ومُصلحا ً‬
‫العلمانية»‪.‬‬
‫يف مجال التصوف اإلسالمي‪ .‬وقد شارك يف‬
‫وإني عىل قناعة بأن مفهوم حقوق اإلنسان‬ ‫النضال من أجل استقالل السودان خالل‬
‫ذي موسك (الجامع)‪ ،‬عمل فني للرسام‬
‫واملواطنة هو أقرب ملبادئ اإلسالم من تطبيق‬ ‫أربعينيات القرن املايض‪ ،‬كما أنه ُسجن‬
‫السوداني إبراهيم الصالحي‪ ،‬لوحة زيتية عىل‬
‫ما يدّعي البعض بأنه الرشيعة‪ ،‬من طرف دولة‬ ‫بسبب آرائه السياسية يف فرتة اإلدارة األنجلوـ‬
‫القماش‪.1964 ،‬‬
‫إسالمية مزعومة‪ .‬أعرض يف هذا الكتاب الحجج‬ ‫مرصية االستعمارية‪ .‬لقد أسس وترأس الحزب‬
‫اإلسالمية لصالح فصل الدين اإلسالمي عن‬ ‫الجمهوري‪ ،‬الحزب الذي ناضل من أجل إقامة‬
‫الدولة‪ ،‬وتنظيم الروابط بني اإلسالم والشؤون‬ ‫جمهورية ديمقراطية يف السودان‪ .‬وبعد قضاء‬ ‫لدى اإلنسان ويف إطار كل املجتمعات البرشية‪،‬‬
‫السياسية‪ .‬كما أبني أن قيام الدولة بفرض‬ ‫مدة طويلة يف السجن‪ ،‬عقبتها فرتة ك ّرسها‬ ‫ثمة ميوالت الحرتام كرامة الغري‪ ،‬وسعي‬
‫تطبيق الرشيعة إنما يُعد إخالال ً بتأكيد القرآن‬ ‫للدراسات الدينية‪ ،‬عاد األستاذ طه يف عام‬ ‫لتحقيق الوئام الجماعي‪ ،‬والتعايش والرتابط‬
‫القوي عىل اعتناق اإلسالم بشكل طوعي‪ .‬من‬ ‫‪ 1951‬حامال تفسريا إصالحيا لإلسالم‪.‬‬ ‫املتبادل‪.‬‬
‫املمكن التوفيق بني التقوى الفردية والهوية‬
‫وعقب تنفيذ حكم اإلعدام املأساوي يف طه‬ ‫ويف رأيي‪ ،‬كل هذه القيم هي نفس القيم‬
‫الدينية الجماعية‪ :‬حتى أكون مسلما ً عن قناعة‬
‫عام‪ ،1985 ‬وقمع حركته اإلصالحية يف‬ ‫املؤسسة لحقوق اإلنسان‪ ،‬رغم أنها غري واردة‬
‫واختيار حر‪ ،‬وهو السبيل الوحيد كي أكون‬
‫السودان‪ ،‬غادرت وطني إىل املنفى لكني ثابرت‬ ‫يف حد ذاتها يف الخطابات السائدة‪ .‬لقد أكدت‪،‬‬
‫مسلما ً حقا‪ ،‬فإني أطالب بإقامة دولة علمانية‬
‫يف تعميق تفكريي الشخيص وتطبيق املنهجية‬ ‫منذ ثمانينيات القرن املايض‪ ،‬عىل رضورة‬
‫تتسم بالحيادية يف املجال الديني‪ ،‬ويف نفس‬
‫اإلصالحية التي وضعها أستاذي‪ ،‬ساعيا ً إىل‬ ‫إرساء ثقافة حقوق اإلنسان صلب كل مجتمع‪،‬‬
‫الوقت تعزز املمارسة الدينية الحقيقية‪.‬‬
‫اإلقتداء به‪.‬‬ ‫باعتبارها نقطة انطالق لتعميق وتنمية‬
‫هل لك أن تحدثنا عن مرشوعك «مستقبل‬ ‫اإلجماع الدويل يف إطار الثقافات‪ ،‬وكذلك الحوار‬
‫باحث ومؤلف سوداني ‪ -‬أمريكي مختص يف‬ ‫الرشيعة»؟‬ ‫بني الثقافات‪ .‬وهذا ما يتناوله الكتاب الذي‬
‫القانون‪ ،‬مشهور عىل الصعيد العاملي‪ ،‬يشغل‬
‫أرشفت عليه يف عام ‪ 1992‬والذي يحمل عنوان‬
‫يجمع مرشوع «مستقبل الرشيعة» عدة‬ ‫«حقوق اإلنسان من منظور متعدد الثقافات‪:‬‬
‫عبد الله أحمد النعيم منصب أستاذ كريس‬
‫مواضيع كنت تناولتها يف بحوثي األكاديمية‬ ‫سعي من أجل تحقيق اإلجماع»‪.‬‬
‫تشارلز هوارد كاندلر يف معهد الحقوق بجامعة‬
‫ويف دعوتي إىل إحداث تغيري اجتماعي‪.‬‬
‫إيموري يف أتالنتا (الواليات املتحدة)‪ ،‬كما أنه أستاذ‬
‫لقد تطور تفكريي يف هذه املسائل‬
‫مشارك يف كلية إيموري للفنون والعلوم‪ ،‬وباحث‬
‫منذ فرتة دراستي يف القانون‪ ،‬يف ستينيات‬
‫رئييس يف مركز دراسة القانون والديانت يف جامعة‬
‫القرن املايض‪.‬‬
‫إيموري‪.‬‬

‫‪49‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫األحداث‬

‫األحداث‬

‫خلود‪ ،‬نحت للفنان األرمني‬


‫جيفورغ تاديفوسيان‪.‬‬
‫)‪© Gevorg Tadevosyan (tadevosyan.org‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪50‬‬


‫األحداث‬

‫هوفهانيس‬
‫تومانيان‬
‫شاعر ولوع برسد القصص‬
‫مقدمة‬
‫بقلم كريكور ِبليديان‬

‫لقد م ّر أكثر من تسعني عاما ً عىل وفاة‬


‫هوفهانيس تومانيان‪ ،‬غري أن قصائده لم‬
‫تفقد أيّ ذرة من قيمتها االبداعية وال من‬
‫شحنتها العاطفية وال من قدرتها عىل‬
‫إثارة التفكري‪ .‬يف بداية القرن العرشين‪،‬‬
‫ابتكر هذا الكاتب أسلوبه الشخيص‪،‬‬
‫مستلهما من التقاليد الشفهية األرمنية‪،‬‬
‫لينظم قصائد قصصية م ّ‬
‫ُقفاة‪ .‬ومن بني‬
‫اآلثار الفنية التي استلهمت من شعره‪،‬‬
‫نذكر عىل وجه الخصوص‪ ،‬أوبرا «أنوش»‬
‫ألرمني ديكرانيان‪ ،‬وأوبرا «أملاست»‬
‫‪© Domaine public‬‬

‫أللكسندر سبنداريان‪.‬‬

‫ً‬
‫مساهمة منها يف‬ ‫تنرش الرسالة هذا املقال‬
‫االحتفال بذكرى مرور مائة وخمسني سنة‬
‫هوفهاناس تومانيان حوايل سنة ‪.1910‬‬ ‫عىل ميالد هوفهانيس تومانيان‪ ،‬بمشاركة‬
‫منظمة اليونسكو‪ ،‬وباليوم العاملي للشعر‪،‬‬
‫‪ 21‬مارس‪.‬‬

‫«وُلدت أمي وترعرعت يف الجبال‪ .‬لقد كانت‬ ‫يقدم هوفهانيس تومانيان (‪1869‬ـ‪)1923‬‬
‫بنتا ً من الجبال»‪ ،‬هذا ما كتبه الحقا ً هذا‬ ‫يف مذكراته يف الجزء املخصص لفرتة الطفولة‪،‬‬
‫الشاعر الذي نظم أبياتا جميلة يصف فيها‬ ‫شخصية والده تري ماتيوس‪ ،‬باعتباره ال فقط‬
‫الجبال الوعرة يف أرمينيا‪ ،‬وهي األبيات التي‬ ‫راعي كنيسة أرمنية يرتل األناشيد الطقوسية‬
‫ننرش مقتطفات منها يف نهاية هذا املقال‪.‬‬ ‫املعتادة‪ ،‬وإنما أيضا ً بوصفه شاعرا ً ينشد‬
‫قصائد ملحمية‪ ،‬مصحوبا بالتشونكور‪ ،‬اآللة‬
‫وباإلضافة إىل هذه الصورة املثالية‪ ،‬تنسب‬
‫املوسيقية الشعبية ذات األوتار املشدودة‪.‬‬
‫القصص العائلية أصل األسالف إىل أرسة أمراء‬
‫وإن أردنا معرفة مصدر انبهار تومانيان‬
‫ماميكونيان العظيمة‪ ،‬الذين تولوا قيادة الجيوش‬
‫عندما كان طفالً بالشعر القصيص وتأثريه‬
‫األرمنية طيلة عدة قرون‪ .‬وسواء تعلق األمر‬
‫يف مخيلته‪ ،‬علينا البحث يف هذه البيئة التي‬
‫برواية عائلية أو قصة أسطورية‪ ،‬فإن تومانيان‬
‫نشأ‪ ‬فيها‪.‬‬
‫كان متيقنا من أنها الحقيقية‪ ،‬ولو أن بحثه يف‬
‫أصول ساللته لم تفض إىل النتيجة املنشودة‪.‬‬ ‫أما شخصية األم‪ ،‬سونا‪ ،‬فهي توحي للطفل‬
‫تومانيان باملناظر الطبيعية يف قرية ديسيغ‪،‬‬
‫قىض الشاعر طفولته يف عالم رائع يزخر‬
‫مسقط رأسه‪ ،‬الشبيهة‪ ،‬رغم طابعها الربي‪،‬‬
‫بالقصص واألساطري التي حفظها عن والده‪.‬‬
‫بمناظر جبال األلب‪.‬‬
‫وقد كان والده مشحونا بطاقة مزدوجة من‬
‫القداسة والعلمانية‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫األحداث‬

‫العبارة املناسبة‬ ‫إذ أن الفتى تزوج يف غضون تلك الفرتة وأصبح‬ ‫وهذا ما يفرس كيف استوعب ه‪ .‬تومانيان يف‬
‫أبا ً لعرشة أطفال‪.‬‬ ‫ما بعد رسد القصص كطريقة للتفكري ونقل‬
‫نالت أول مجموعة أ ّلفها ه‪ .‬تومانيان التي تحمل‬ ‫تقاليد األسالف والعادات الشعبية‪.‬‬
‫كان هوفهانيس عصاميا ً مستنريا ً ومولعا ً‬
‫عنوان «أشعار» والتي نُرشت يف موسكو عام‬
‫‪ ،1890‬نجاحا ً باهرا ً يف أوساط النقد األدبي‪ .‬ويف‬ ‫باملطالعة‪ .‬فانغمس يف الثقافة سواء كانت‬
‫أرمنية أو أجنبية‪ ،‬وقرأ لشعراء روسيني‬ ‫بحثا عن مجاالت أدبية أخرى‬
‫ما بعد‪ ،‬حملت جميع دواوينه الشعرية نفس‬
‫العنوان‪ ،‬فيما عدا «نغمات»‪ ،‬وهو ديوان نُرش يف‬ ‫(لرمونتوف‪ ،‬بوشكني)‪ ،‬وأملان (غوتة)‪،‬‬ ‫كان عىل الشاب هوفهانيس‪ ،‬الذي وُلد يف‬
‫تبلييس سنة ‪ .1896‬ويتناول كل جزء من هذه‬ ‫وإنجليز (بايرون‪ ،‬ميلتون‪ ،‬شكسبري)‪،‬‬ ‫فرباير ‪ 1869‬يف قرية ديسيغ بمقاطعة لوري‬
‫الدواوين عددا ً من القصائد التي سبق نرشها‪،‬‬ ‫وأمريكيني (لونغفلو) وغريهم كثريون‪ ،‬كما‬ ‫الواقعة شمال جمهورية أرمينيا الحالية‪ ،‬أن‬
‫فضالً عن قصائد جديدة‪.‬‬ ‫ترجم وكيّف للغة األرمنية البعض من أعمالهم‪.‬‬ ‫يرتك هذا الفردوس األصيل ليواصل الدراسة‬
‫وقد تأثر بالفلكلور الغربي والرشقي عىل حد‬ ‫يف ستيبانافان الواقعة عىل بُعد حوايل أربعني‬
‫وبعد تلك الفرتة الشعرية الوجيزة من ‪1890‬‬ ‫السواء‪ .‬يف متحف تومانيان يف يريفان عاصمة‬ ‫كيلومرتا من قريته‪ ،‬ثم يف تبلييس‪ ،‬عاصمة‬
‫إىل ‪ ،1896‬أضفى الشاعر عىل قصائده الرسدية‬ ‫أرمينيا‪ ،‬حيث تم االحتفاظ بمكتبته وجزء من‬ ‫جورجيا ومنارة الثقافة يف منطقة القوقاز‬
‫نغمة جديدة غري مألوفة يصعب تصنيفها يف أيّ‬ ‫مَ خطوطاته‪ ،‬يمكن تقييم مدى اتساع نطاق‬ ‫بأرسها (أرمينيا‪ ،‬أذربيجان‪ ،‬جورجيا)‪ ،‬حيث‬
‫نوع من األنواع األدبية املوجودة‪.‬‬ ‫مطالعته واالطالع عىل جزء من الوثائق التي‬ ‫قىض كل حياته تقريباً‪.‬‬
‫أتت كافة مرسحياته األدبية الجديدة عىل شكل‬ ‫كان يعتربها الشاعر رضورية لِنظم قصائده‬
‫مقفى‪ ،‬منظوم يف حلقات ـ وذلك‬‫رسد شعري ّ‬ ‫وتأليف قِ صصه النثرية‪.‬‬ ‫إثر وفاة والده‪ ،‬اضطر عىل االنقطاع عن‬
‫هو القاسم املشرتك بينها ـ حيث يتناول املؤلف‬ ‫الدراسة وغادر مدرسة نريسيسيان الثانوية‪.‬‬
‫ومن املرجح أن تكون مطالعة مؤلفات بوشكني‬ ‫فرشع يف العمل ابتدا ًء من عام ‪ 1887‬كأمني يف‬
‫الخرافات واألساطري والقصص املشهورة األرمنية‬ ‫هي التي أكدت أفكاره حول الصياغة الشكلية‬
‫أو القوقازية‪ ،‬يف صياغة أخرى ترمي بكل وضوح‬ ‫أسقفية الكنيسة األرمنية‪.‬‬
‫للقصص‪ ،‬يف حني أنه من املحتمل أن يكون‬
‫إىل طبعها ببعد رمزي‪.‬‬ ‫«شبح» شكسبري هو الذي ثناه عن نرش‬ ‫غري أنه ترك وظيفته‪ ،‬مشمئزا من البيئة‬
‫مرسحياته التي انتهى به األمر إىل إتالفها‪.‬‬ ‫املتصنّعة التي كانت تسود املكان‪ .‬بعد ذلك‪،‬‬
‫حاول قدر املستطاع وبكثري من املعاناة‬
‫وما عدى هذا التأثري غري املبارش‪ ،‬فإن اآلداب‬ ‫الحصول عىل بعض املداخيل لتسديد حاجيات‬
‫األجنبية ال تُلمس يف نصوصه‪ ،‬ولم تتعد دورها‬ ‫أرسته املتعددة األفراد‪.‬‬
‫املتمثل يف توفري االحتكاك الرضوري يف تكوين‬
‫الشاعر بالنماذج األدبية املبتكرة‪ ،‬نظرا لغياب‬
‫مثل تلك النماذج يف محيطه املبارش‪.‬‬ ‫عرض أوبرا «أنوش» ألرمان تيغرانيان‪،‬‬
‫بمرسح نانتار‪-‬أمنديي (فرنسا)‪ ،‬سنة ‪.2013‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪52‬‬


‫األحداث‬

‫كان نادي «فريناتون» يختلف اختالفا جوهريا‬ ‫مرحلة النضج األدبي‬ ‫وعندما ألف ه‪ .‬تومانيان «الكلب والقطة»‪،‬‬
‫عن العديد من الصالونات األدبية والفنية يف‬ ‫و«التجار الذين لم يسعفهم الحظ»‪ ،‬و«دير‬
‫تبلييس‪ ،‬إذ كان يهدف إىل توفري فضاء للكتّاب‪،‬‬ ‫ويف بداية القرن العرشين‪ ،‬أصبح ه‪ .‬تومانيان‬ ‫الحمامة»‪ ،‬أو أيّة قصة أخرى يعرفها كل أرمني‬
‫بما فيهم الذين يزورون املدينة بصفة عابرة‪،‬‬ ‫متم ّكنا بصفة فائقة من أسلوب الرسد الشعري‬ ‫عن ظهر قلب منذ سن الطفولة‪ ،‬فإن قدرته‬
‫للقاء وتبادل األفكار‪.‬‬ ‫املنظوم‪ ،‬السيما من خالل قصيدتي «أنوش»‬ ‫اإلبداعية ال تكمن يف املواد التي يستخدمها بقدر‬
‫و«حصار حصن تموك»‪.‬‬ ‫ما تكمن يف الطريقة التي ينتهجها يف قيادة‬
‫ومىض ه‪ .‬تومانيان يف تحقيق هذا الهدف من‬
‫وتتألف «أنوش»‪ ،‬وهي ملحمة رعوية تدور‬ ‫األحداث نحو فكرة أساسية ال يكشفها ّإل يف‬
‫خالل إنشاء رابطة الكتّاب األرمن يف القوقاز‪.‬‬
‫أحداثها يف األجواء الرائعة ملنطقة لوري‪ ،‬من‬ ‫نهاية الرسد‪.‬‬
‫وظلت هذه الرابطة مركزا لألدب األرمني حتى‬
‫قيام ثورة أكتوبر ‪.1917‬‬ ‫ستة أناشيد تسبقها مقدمة موسيقية‪.‬‬ ‫وفعال‪ ،‬تعرض كل قصة حيوانات أو أشخاصا‬
‫وقد ألهمت قصة الحب املنكود هذه‪ ،‬التي‬ ‫يف خضم أحداث تتطور حسب نسق دقيق‪،‬‬
‫كما انخرط ه‪ .‬تومانيان بنفس الحماس يف املجال‬
‫تتضمن جميع مقومات مأساة شعرية‬ ‫لتصل بهم إىل الذروة‪ :‬العربة األساسية‬
‫السيايس‪ .‬وخالل النزاع األرمني ـ التتاري الذي‬
‫منظومة‪ ،‬املوسيقار أرمني ديكرانيان‬ ‫املقصودة‪ ،‬يف صيغة مخترصة‪.‬‬
‫نشب عام ‪ ،1905‬اضطلع بدور املفاوض بني‬
‫األطراف املتنازعة وتوصل إىل منع انتشار الرصاع‬ ‫(‪1879‬ـ‪ )1950‬بوجه خاص‪ ،‬الذي أ ّلف أوبرا‬ ‫وقد جعل هذا املنهج األدبي املتميّز من ه‪.‬‬
‫يف مقاطعة لوري‪ .‬وقد حاول أن يقوم بنفس‬ ‫تحمل نفس االسم‪ ،‬وهي أوبرا يتم عرضها‬ ‫قصاصا ً ال نظري له‪ ،‬متم ّكنا بصفة‬‫تومانيان ّ‬
‫الدور عند نشوب الحرب األرمنية ـ الجورجية‬ ‫بانتظام يف دور األبرا يف جميع أرجاء‪ ‬العالم‪.‬‬ ‫فائقة من القافية والكلمة عىل السواء‪ .‬وهذا‬
‫التي دامت لفرتة قصرية يف عام ‪ .1919‬ويف تلك‬ ‫املنهج هو ثمرة عمل دؤوب نجد آثاره يف‬
‫أما قصيدة «حصار حصن تموك» فهي تتناول‬
‫الفرتة‪ ،‬ظهرت أول أعراض املرض الذي أودى‬ ‫املسودات العديدة والصيغ املتتالية لنفس‬
‫واقعة تاريخية‪ :‬انخِ داع زوجة األمري تاتول‬
‫بحياته يف مارس ‪ .1923‬وقد أدى هذا النشاط إىل‬ ‫النصوص‪.‬‬
‫بوعود ملك بالد فارس نادر شاه‪ ،‬وخيانتها‬
‫اعتقاله مرتني‪ ،‬يف عام ‪ 1908‬وعام ‪.1911‬‬ ‫لزوجها وتسليمها الحصن إىل العدو‪ .‬أما‬ ‫وكثريا ً ما يعيد الشاعر كتابة نصوصه حتى‬
‫وأثناء جريمة اإلبادة الجماعية التي اقرتفت بحق‬ ‫ِ‬
‫املنتص‪ ،‬فبعد أن دمّ ر كل يشء‪ ،‬انقلب عىل‬ ‫تلك التي سبق نرشها‪ ،‬ليحوّرها بشكل عميق‪،‬‬
‫ظم ه‪ .‬تومانيان عمليات‬ ‫األرمن يف عام ‪ ،1915‬ن ّ‬ ‫الخائنة وأمر بقطع رأسها‪ .‬وتكتيس هذه‬ ‫ومن الواضح أنه كان يسعى إىل صياغة التعبري‬
‫إغاثة لالجئني األرمن الذي ف ّروا من املدن والقرى‬ ‫القصيدة بعدا سياسيا أكثر وضوحا ً باملقارنة‬ ‫األكثر بساطة ونجاعة‪ .‬وخالفا للعديد من‬
‫املدمرة‪ .‬وتقع هذه التجربة األليمة يف صميم‬ ‫بقصيدة «أنوش»‪ .‬وقد ألهمت أوبرا «أملاست»‬ ‫نظرائه الذين كانوا ّ‬
‫يفضلون اإلطناب‪ ،‬فقد‬
‫أجمل قصيدتني من تأليفه‪« :‬صالة الجنازة»‬ ‫أللكساندر سبنداريان‪1871(  ‬ـ‪.)1928‬‬ ‫جعل ه‪ .‬تومانيان من االختصار‪ ‬والتلميح‬
‫و«إىل وطني»‪ ،‬وهي قصائد خالية من املغاالة‬ ‫واليوم‪ ،‬ينتصب تمثال برونزي للشاعر بالقرب‬ ‫والعبارة املناسبة والداللة الواضحة منهجا ً‬
‫يف العواطف ومن مشاعر البغضاء‪ ،‬رغم أن مثل‬ ‫من تمثال امللحن‪ ،‬يف ساحة أوبرا يريفان‪ ،‬وهي‬ ‫شعريا ً حقيقياً‪.‬‬
‫هذه العواطف واملشاعر كانت سائدة إىل حد كبري‬ ‫الساحة األكثر رمزية يف العاصمة األرمنية‪،‬‬
‫آنذاك يف هذا النوع من األدب‪.‬‬ ‫كأن فيهما تذكري بأن القصص التي خ ّلدتها‬
‫مؤلفاتهما ما زالت صالحة يف الوقت الراهن‪.‬‬
‫وإن صح قول ه‪ .‬تومانيان بأن «الشاعر يُمثل‪،‬‬
‫أوال ً وقبل كل يشء‪ ،‬قلب شعبه النابض»‪ ،‬فيصح‬ ‫ويف نفس تلك الفرتة‪ ،‬رشع ه‪ .‬تومانيان يف‬
‫أيضا ً القول بأن الشعب األرمني سوف يحتفظ يف‬ ‫كتابة «داود الساسوني» ـ وهي ملحمة‬
‫وجدانه إىل األبد بالقصائد الخالدة لهذا الشاعر‪.‬‬ ‫لم ينرش منها سوى مقطعا واحدا ـ وقد‬
‫وبعد مرور سنوات عديدة عىل وفاته‪ ،‬ال زالت‬ ‫اقتبسها من مؤ َّلف مشهور يف التقاليد األدبية‬
‫أصداء صوت ه‪ .‬تومانيان ترتدد بني منحدرات‬ ‫األرمنية‪ ،‬لتبليغ مبادئ اهتم بها كل االهتمام‪،‬‬
‫الجبال يف بالدنا‪:‬‬ ‫أال وهي‪ :‬االحرتام املتبادل بني الشعوب‪ ،‬ونبذ‬
‫كافة أشكال العنف‪ ،‬ورفض جميع أساليب‬
‫الطريق مظلم‪ ،‬الطريق حالك‬ ‫االضطهاد‪.‬‬
‫قاتم هو الليل الطويل‬
‫ليل هائل ال نهاية له‬
‫نحن صاعدون إىل القمم‬ ‫شاعر قادر عىل التحرك العميل‬
‫يف الجبال الوعرة‬
‫ظل هذا العمل غري مكتمل‪ ،‬شأنه شأن قصيدته‬
‫جبال أرمينيا [‪]...‬‬
‫«طائر النار» بسبب أنشطة الشاعر العمومية‬
‫وتبحث أنظارنا عبثا ً يف الظلمات‬
‫التي أصبحت تأخذ منه قدرا ً متزايدا ً من‬
‫عن نور‬
‫الوقت‪.‬‬
‫وفجر ال بد أن يبزغ‬
‫يف الجبال الخرضاء‬ ‫إذ أن الشاعر ه‪ .‬تومانيان كان يف نفس‬
‫جبال أرمينيا‬ ‫الوقت رجال قادرا عىل التحرك العميل‪،‬‬
‫رافضا أن يقترص نشاطه عىل الرتدد عىل‬
‫كريكور بليديان‪ ،‬شاعر وروائي فرنيس من أصل‬ ‫األندية األدبية‪ ،‬حتى ولو أنشأ يف بيته نادي‬
‫أرمني‪ ،‬وُلد يف بريوت (لبنان) ويقيم يف باريس منذ‬ ‫«فريناتون» (الغرفة العليا)‪ ،‬مع مجموعة من‬
‫عام ‪ .1967‬ألف دواوين شعرية عديدة ودراسات‪،‬‬ ‫أصدقائه الكتّاب مثل أفيتيس أهارونيان‪،‬‬
‫فضالً عن مجموعة من القصص حول سريته‬ ‫إساهاكيان‬‫وألكساندر شريفانزاده‪ ،‬وأفتيك ّ‬
‫‪© Pierre Grosbois‬‬

‫الذاتية باللغة األرمنية الغربية‪ .‬ونُرشت أعماله يف‬ ‫ونيكول‪ ‬أغباليان‪.‬‬


‫أرمينيا وفرنسا ولبنان والواليات املتحدة‪.‬‬

‫‪53‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫األحداث‬

‫براعم يوم جديد‬


‫النوروز‪:‬‬
‫بقلم سلفاتوري دونوفريو‬
‫يت ّم االحتفال بالنوروز‪ ،‬عيد رأس السنة‪،‬‬
‫يف فصل الربيع‪ ،‬يف كل من أذربيجان‪،‬‬
‫وأفغانستان‪ ،‬وأوزباكستان‪ ،‬وإيران‬ ‫تستند العديد من الطقوس عىل رمزية براعم النباتات‪ ،‬كما هو الشأن يف عبادة‬
‫(جمهورية ـ اإلسالمية)‪ ،‬وباكستان‪،‬‬ ‫أوزوريس الراكدة يف مرص القديمة‪ ،‬ويف االحتفاالت بانقالب الشمس يف الصيف يف‬
‫وتركمانستان‪ ،‬وتركيا‪ ،‬وطاجيكستان‪،‬‬
‫رسدينيا‪ ،‬مرورا بالقديسة بربارة لدى املارونيني يف لبنان‪ ،‬ومراسم تقديم التمنيات‬
‫والعراق‪ ،‬وقريغيزستان‪ ،‬وكازاخستان‬
‫والهند‪ .‬وقد ت ّم تسجيل هذا العيد‪ ،‬سنة‬ ‫يف مجتمع برياماالي كالر يف منطقة تاميل نادو يف جنوب الهند‪ .‬كما أن براعم حبوب‬
‫‪ ،2009‬كأحد عنارص الرتاث الثقايف الالمادّي‬ ‫القمح والشعري والعدس تمثل محور عيد النوروز‪ ،‬املوافق لرأس السنة بالنسبة‬
‫للبرشية الذي يجب صيانته‪ .‬علما وأنه تم‬
‫توسيع التسجيل لدول أخرى سنة ‪.2016‬‬ ‫للشعوب التي كانت تُمثّل جزءا من االمرباطورية الفارسية‪ ،‬والذي يحتفل به كل ربيع‬
‫صص يوم ‪ 21‬مارس كيوم النوروز‬ ‫ُ‬
‫وخ ّ‬ ‫حوايل ‪ 300‬مليون نسمة عرب العالم‪ .‬لكن‪ ،‬ما هي رمزية إلقاء الرباعم يف املاء؟‬
‫الدويل منذ عام ‪.2010‬‬

‫يف اليونان القديمة‪ ،‬يف القرن الخامس‪ ،‬يتم‬ ‫يف كل بيت‪ ،‬تنتصب مائدة «األشياء السبعة»‬ ‫يف معتقدات كافة شعوب العالم‪ ،‬عند حلول‬
‫غرس الحبوب يف حاويات من الطني أو من‬ ‫(هافت سني)‪ ،‬بما يف ذلك بيوت اإليرانيني‬ ‫سنة جديدة وانتهاء الحقبة الزمنية السابقة‪،‬‬
‫السالل‪ ،‬تُسمّ ى حدائق أدونيس‪ .‬وملا تينع‬ ‫القاطنني يف املهجر‪ .‬كل أسماء األشياء السبعة‬ ‫تتع ّرض اإلنسانية إىل خطر الفناء‪ .‬لذلك وجب‬
‫الرباعم‪ ،‬تستعمل يف طقوس أدونيس التي تقام‬ ‫تبدأ بحرف السني‪ :‬السبزاح (براعم القمح‬ ‫آداء طقوس تسمح بتجاوزها‪ .‬من هنا جاءت‬
‫يف منتصف يوليو من كل سنة‪ ،‬تكريما لعاشق‬ ‫والشعري والعدس و بذرات أخرى)‪ ،‬السري‬ ‫أعياد رأس السنة التي كثريا ما يُحتفل بها عند‬
‫آلهة الحب أفروديت‪.‬‬ ‫(الثوم)‪ ،‬السيب (التفاح)‪ ،‬السماق‪ ،‬السنجد‬ ‫ُبش بعودة رسيان الحياة‬‫قدوم الربيع الذي ي ّ‬
‫(العناب)‪ ،‬الرسكه (الخ ّل)‪ ،‬والسامانو (عصيد‬ ‫يف رشايني الطبيعة ‪ .‬نوروز‪ ،‬الذي يعني حرفيّا‬
‫يف املقابل‪ ،‬ال يُوجد أي أثر لطقوس الرباعم‬
‫براعم القمح املطحونة)‪.‬‬ ‫اليوم الجديد‪ ،‬هو واحد من هذه األعياد‪.‬‬
‫يف األفستا‪ ،‬وال يف الكتابات الفارسية املتعلقة‬
‫بالنوروز‪ ،‬وال حتى لدى الفارسيني معتنقي‬ ‫أحيانا‪ ،‬تُضاف عىل املائدة مرآة (إيني)‪،‬‬ ‫أصل هذا العيد الذي يعود إىل ألفي سنة عىل‬
‫الديانة الزرادشتية الذين ف ّروا بأفواج متتالية‬ ‫ومرطبات أو قطع من النقود‪ .‬كما يجد كتاب‬ ‫األقل‪ ،‬ال زال غامضا‪ ،‬لكنه بقي تقليدا حيّا يف‬
‫إىل الهند‪ ،‬بسبب الغزو العربي‪-‬اإلسالمي‬ ‫القرآن مكانه عىل الطاولة (بعد أن عوّض‬ ‫كل الدول التي كانت تنتمي إىل االمرباطورية‬
‫إىل فارس‪ ،‬يف الفرتة ما بني القرنني السابع‬ ‫األفستا‪ ،‬الكتاب ا ُملقدّس للديانة الزردشتية)‪،‬‬ ‫الفارسية‪.‬‬
‫والعارش‪.‬‬ ‫وأيضا مؤلفات شعرية‪ ،‬مثل ديوان حافظ‪،‬‬
‫يف إيران‪ ،‬قلب بالد فارس القديمة‪ ،‬يبدأ اإلعداد‬
‫ذلك الشاعر الصويف املشهور بحفظه للقرآن‬
‫مع ذلك‪ ،‬بقيت الرباعم اليانعة تحتل الصدارة‬ ‫لالحتفاالت قبل موعد رأس السنة بأسبوعني‬
‫عن ظهر قلب‪ ،‬والذي كثريا ما كان يُستعمل‬
‫عىل مائدة «األشياء السبعة» التي يجتمع‬ ‫أو ثالثة‪ :‬ترشع النساء يف «خض» بيوتهن‪ ،‬أي‬
‫للتنجيم‪.‬‬
‫حولها‪ ،‬يف كل ربيع‪ ،‬حوايل ‪ 300‬مليون نسمة‬ ‫تنظيفها بالكامل‪ .‬ويف يوم الثالثاء الذي يسبق‬
‫عرب العالم‪.‬‬ ‫وجبة الطعام العائلية تتكون من سمك وأرز‪،‬‬ ‫ظم الرجال ألعابا تتمثّل يف القفز عىل‬ ‫العيد‪ ،‬يُن ّ‬
‫أما الطبق الرئييس فيبقى السبزاح املطبوخ‬ ‫النريان‪ .‬أما األطفال‪ ،‬فيضعون أقنعة ويذهبون‬
‫ويجوز االحتمال بأن التقليد املتصل بالرباعم‬
‫بالرباعم النابتة عن البذور التي زرعتها النساء‬ ‫يف جماعات صغرية لطرق أبواب املنازل‪ ،‬حيث‬
‫قد انترش انطالقا من جنوب الهند‪ ،‬حيث‬
‫يف صحون داخل املنزل‪ ،‬عند بداية االحتفاالت‪،‬‬ ‫تنتظرهم الحلويات وبعض النقود‪ .‬يُذ ّكرنا‬
‫ال‪ ‬يزال استعمالها ساريا يف االحتفاالت‪ .‬وحسب‬
‫وقامت بسقيها بانتظام حتى تكون مخرضة‬ ‫هذا التقليد بهالوين‪ ،‬ذلك العيد الذي أصبح‬
‫عالم األجناس الفرنيس لوي دومون‪ ،‬لدى‬
‫يوم نوروز‪.‬‬ ‫اليوم مُرتبطا بعيد القديسني يف العالم األنجلو‬
‫شعب براماالي كالر يف منطقة تاميل نادو‪،‬‬
‫ساكسوني والسلتي‪ ،‬كما يُذ ّكرنا بكوليدا‪،‬‬
‫تنظم النساء الالتي يُردن تحقيق أمنياتهن‪،‬‬
‫العيد الساليف الذي اندمج مع مرور الزمن يف‬
‫موكبا يحملن فيه أوعية مليئة بأشياء مختلفة‪،‬‬ ‫ملاذا هذه الرباعم؟‬ ‫االحتفال بعيد ميالد املسيح‪.‬‬
‫من بينها براعم «أينعت يف الظالم من سبعة أو‬
‫تسعة بذور‪ ،‬طيلة أسبوع‪ ،‬يف إناء عادي»‪.‬‬ ‫ليس من السهل استعادة أصول الطقوس‬ ‫لنعد إىل إيران‪ ،‬حيث يت ّم اإلعالن عن بداية‬
‫املرتبطة بالرباعم‪ .‬وتعود أقدم مظاهرها‬ ‫االحتفاالت‪ ،‬يوم االعتدال الربيعي‪ ،‬عىل وقع‬
‫«أرسة أوزوريس» (أو أوزوريس‬ ‫ّ‬ ‫املؤكدة إىل‬ ‫طبل حاجي فريوز‪ ،‬وهو بمثابة مُضحك امللك‬
‫الراكد) يف مرص البطلمية‪ ،‬يف تقليد يتمثّل‬ ‫ذي البرشة املطلية بالسواد‪.‬‬
‫يف وضع تماثيل صغرية يف القبور‪ ،‬يف وضع‬
‫ممدود‪ ،‬ترمز إىل آلهة األموات وانبعاث الحياة‬
‫الخالدة‪ .‬وكانت تلك التماثيل مصنوعة من‬
‫عجني طيني‪ ،‬مخلوط باملاء وحبوب الشعري‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪54‬‬


‫األحداث‬

‫‪© Nozim Kalandarov/TASS/ABACAPRESS.COM‬‬

‫االحتفال بالنوروز حذو قلعة مدينة حصار يف‬


‫طاجيكستان‪ ،‬سنة ‪.2018‬‬
‫يف إيران‪ ،‬ويف اليوم الثالث عرش الذي ييل‬ ‫القربان املقدس حسب الطقوس الكاثوليكية‪.‬‬
‫النوروز‪ ،‬يذهب الجميع لقضاء يوم يف الهواء‬ ‫أما املجتمع اليهودي يف روما‪ ،‬فهو يواصل‬
‫الطلق حيث يأكلون ويلعبون ويُغنّون ويُؤدّون‬ ‫تقليد استعمال الرباعم الذي يعود إىل القرون‬ ‫يف التقليد اليهودي‪-‬املسيحي‬
‫آخر مرحلة من طقوسهم‪ :‬رمي الرباعم يف املياه‬ ‫الوسطى‪ ،‬عند االحتفاالت بروش عشانه‬
‫الجارية‪ ...‬وذلك‪ ،‬بعد أن برمت الفتيات ضفائر‬ ‫وكيبور‪.‬‬ ‫وتحتل الرباعم أيضا مكانة مركزية يف شتى‬
‫من بعض الرباعم‪ ،‬معربة عن أملهن يف الزواج‬ ‫االحتفاالت يف أوروبا‪ .‬من تقاليد منطقة‬
‫وتنتهي جولتنا األوروبية يف ‪ 21‬يونيو‪ ،‬يوم‬ ‫بروفانس الواقعة جنوب فرنسا‪ ،‬يف يوم ‪4‬‬
‫أثناء السنة الجديدة‪.‬‬
‫انقالب الشمس الصيفي‪ ،‬يف مدينة باري‬ ‫ديسمرب املوافق ليوم القديسة بربارة‪ ،‬يتم‬
‫يعترب النوروز من بني الطقوس التي تمثل‬ ‫رسدو الصغرية الواقعة يف رسدينيا‪ .‬نشاهد‬ ‫زرع حبوب قمح من الحصاد السابق يف‬
‫قاسما مشرتكا بني مجتمعات يفرقها املكان‬ ‫أفواجا من النساء يحملن عىل رؤوسهن براعم‪،‬‬ ‫ثالثة أكواب‪ ،‬كي تنمو لتُوضع عىل مائدة‬
‫والزمان‪ ،‬ويجمعها اعتبار العودة املوسمية‬ ‫تُسمّ ى «نينريي»‪ ،‬يف حاويات يعلوها هيكل من‬ ‫«العشاء الفاخر» مساء يوم ‪ ،24‬ث ّم يف مهد‬
‫للنبات رمزا الن ِبعاث الحياة من جديد‪ .‬وإذا‬ ‫ُرصف بمهارة وغالل‬ ‫القصب مُحاط بخبز م ّ‬ ‫امليالد‪ .‬نفس التقليد يُوجد أيضا يف لبنان‪ ،‬عند‬
‫كان بروز الرباعم يرمز إىل التجديد‪ ،‬فإن البذرة‬ ‫موسمية‪ .‬وتسري النساء عرب األنهج يف اتجاه‬ ‫املسيحيني املارونيني ذوي األصل العربي‪،‬‬
‫تحمل يف طياتها سلبيات السنة املنقضية‪.‬‬ ‫البحر‪ ،‬حيث يُلقني النينريي‪.‬‬ ‫ويف جزيرة صقلية‪ ،‬عند سكان كاستلبونو يف‬
‫وهذه الخصوصية املزدوجة للرباعم هي التي‬ ‫مقاطعة‪ ‬بالريمو‪.‬‬
‫تفرس إرادة التخلص منها‪ ،‬لتجرفها املياه‪.‬‬
‫اليوم الثالث عرش‬ ‫لسكان صقلية عادة أخرى تتمثّل يف استعمال‬
‫الرباعم يوم ‪ 19‬مارس‪ ،‬إلعطاء رونق‬
‫يف الهند الجنوبية أيضا‪ ،‬تسري النساء يف موكب‪،‬‬
‫سلفاتوري دونوفريو أستاذ بجامعة بالريمو‬ ‫لـ«طاوالت سان جوزيف» التي توضع فوقها‬
‫وهن يحملن عىل رؤوسهن الرباعم‪ ،‬ويف نهاية‬
‫(إيطاليا) وعضو بمخرب علم األنثروبولوجيا‬ ‫أطباق يصل عددها إىل ‪ ،101‬لالحتفاء يف ذات‬
‫املسار االحتفايل‪ ،‬يرقصن حولها قبل غمرها‬
‫االجتماعية التابع ملعهد فرنسا حيث ّ‬
‫يتول مهمة‬ ‫الوقت بفضائل الفقر التي يُمثّلها القدّيس‪،‬‬
‫يف املاء‪.‬‬
‫منسق لِكراسات األنثروبولوجيا االجتماعية ولفريق‬ ‫وبفضائل الثراء التي يُمثّلها القمح والخبز‬
‫العمل حول «أرشيف رأس السنة يف باريس»‪ .‬وهو‬ ‫ويف اليونان القديمة‪ ،‬يتم رمي حدائق أدونيس‬ ‫بالخصوص الذي يت ّم إعداده باملناسبة حسب‬
‫مؤلف كتاب «صباح اآللهة‪ .‬من النوروز اإليراني إىل‬ ‫يف النوافري أو يف البحر‪ ،‬بعد حملها فوق‬ ‫وصفات يف غاية اإلتقان‪.‬‬
‫السطوح‪ ،‬تماما كما يفعل اليوم اإليرانيون من‬
‫الفصح املسيحي»‪.2018 ،‬‬ ‫ويف جنوب إيطاليا‪ ،‬يف يوم الخميس ا ُملقدّس‬
‫ذوي الديانة املزدكية يف يزد‪ ،‬ويف غريها من‬
‫الذي يسبق عيد الفصح‪ ،‬تُوضع الرباعم يف‬
‫املناطق اإليرانية‪.‬‬
‫مذبح املستودع يف الكنيسة‪ ،‬حيث يُحفظ‬

‫‪55‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫األحداث‬

‫التصرف في حالة ارتياب‪:‬‬


‫مسألة األمن املائي‬

‫بقلم هوارد س‪ .‬ويرت‬

‫عمل فني من مجموعة «فايند أو واي أور‬ ‫تُؤثّر املخاطر ا ُملتّصلة باملوارد املائية عىل ‪ %80‬من سكان العالم‪ ،‬وتلوح يف أفق سنة‬
‫مايك وان»‪ ،‬للمُصوّرة السويرسية‪-‬الروسية‬ ‫‪ 2070‬أزمة مائية جسيمة‪ .‬واملوقف الداعي إىل الترصف عىل النحو املعتاد غري مقبول‪.‬‬
‫أناستازيا ميتيوكوفا‪ ،‬أُنجز من‬
‫املواد ا ُمل ّ‬ ‫إن الترصّ ف يف املياه شأن علمي‪ ،‬لكنه أيضا شأن سيايس‪ ،‬وهو مرتبط بالحوكمة‬
‫توفرة‪ :‬صور قديمة‪ ،‬كامريا واب‪،‬‬
‫كتب‪ ،‬جرائد‪ ،‬بلور‪.‬‬ ‫وبالقيم املجتمعية‪ .‬علم جديد يتجاوز التخصصات يفرض نفسه اليوم بإلحاح‪.‬‬

‫تنرش الرسالة هذا املقال مساهمة منها يف‬


‫االحتفال باليوم العاملي للمياه‪ 22 ،‬مارس‪.‬‬

‫تهديدات عىل الصعيد العاملي‬ ‫يف القرن الحادي والعرشين‪ ،‬سوف تخضع‬
‫املوارد العاملية من املياه الصالحة للرشاب إىل‬
‫يتع ّرض حوايل ‪ %80‬من سكان العالم إىل‬ ‫ضغوطات غري مسبوقة‪ ،‬ذلك أن ارتفاع عدد‬
‫مستويات مرتفعة من التهديدات من حيث‬ ‫سكان العالم والتطور االقتصادي سوف‬
‫األمن املائي‪ .‬وتُمثّل املناطق الحرضية والفالحة‬ ‫يؤديان إىل استغالل مُتزايد للموارد املائية‪.‬‬
‫مصدرين لتلوّث املياه‪ ،‬ممّ ا يُهدّد الحياة يف‬ ‫وقد تم تسجيل انخفاض يف تدفق األنهار‪،‬‬
‫الوسط املائي ويضغط عىل النظم البيئية‬ ‫واختفاء البحريات واملناطق الرطبة وانخفاض‬
‫للماء العذب‪ .‬يف سنة ‪ ،2010‬وحسب تقديرات‬ ‫يف منسوب املياه الجوفية‪ ،‬جراء االستعمال‬
‫ّ‬
‫األخصائيني‪ ،‬يبلغ عدد أنواع املياه العذبة التي‬ ‫ا ُملكثّف للمياه‪.‬‬
‫انقرضت‪ ،‬أو التي أصبحت مُهدّدة باالنقراض‪،‬‬
‫ما بني ‪ 10‬و‪ 20‬ألف نوع‪.‬‬ ‫املثال األكثر داللة عىل هذه الظاهرة هو‬
‫االختفاء شبه التام لبحر آرال‪ ،‬يف آسيا‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬سوف يتحتّم‪ ،‬يف أفق‬ ‫الوسطى‪ ،‬الذي كان يعد سابقا البحرية املالحة‬
‫‪ ،2050‬الزيادة يف إنتاج املواد الغذائية بنسبة‬ ‫الرابعة يف العالم‪ .‬لقد تصحّ ر يف غضون أربعني‬
‫‪ %70‬للتمكن من االستجابة إىل الطلب‪،‬‬ ‫سنة ولم يعد يمسح سوى ‪ %10‬من مساحته‬
‫حسب الدراسات املستقبلية التي أنجزتها سنة‬ ‫األصلية بسبب استخراج املياه من املنابع التي‬
‫‪ 2012‬منظمة األمم املتحدة لألغذية والزراعة‪.‬‬ ‫كانت تنصب فيه‪.‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬ال مناص من احتداد الضغوطات التي‬
‫تُمارس عىل املحيط املائي‪ ،‬لتلبية احتياجات‬ ‫بصفة عامة‪ ،‬فإن تداعيات النشاط البرشي‬
‫عدد متزايد من سكان العالم‪ ،‬يف مجايل التغذية‬ ‫عىل األنظمة الطبيعية قد تفاقمت إىل درجة أن‬
‫والطاقة‪.‬‬ ‫عبارة «أنثروبوسني» صيغت للتعريف بالعرص‬
‫الجيولوجي الحايل [انظر عدد مجلتنا أهال‬
‫ُ‬
‫وحسب دراسة أنجزت سنة ‪ 2013‬حول‬ ‫بكم يف األنثروبوسني‪ ،‬ابريل‪-‬يونيو ‪.]2018‬‬
‫ندرة املياه‪ ،‬والتي ت ّم نرشها يف املجلة العلمية‬ ‫التحض (أكثر من نصف سكان العالم‬ ‫ّ‬ ‫كما أن‬
‫هيدرولوجي آند إيرث سيستم ساينس‬ ‫يعيشون يف املدن)‪ ،‬وإزالة الغابات‪ ،‬والتنمية‬
‫(الهيدرولوجيا وعلوم نظام األرض)‪ ،‬فإن‬ ‫الفالحية (‪ 1،5‬مليار هكتار من مساحة الكرة‬
‫حوايل نصف سكان العالم سوف يعيشون‬ ‫األرضية)‪ ،‬كان لها انعكاسات هامة عىل‬
‫وضعية توتّر مائي خطري بني ‪ 2071‬و‪.2100‬‬ ‫خصائص املاء وكمّ ياته‪.‬‬
‫لقد تسببت التغيريات التي أدخلها اإلنسان‬
‫عىل البيئة يف تفاقم تهديدات املاء عىل حياته‪،‬‬
‫وعىل ممتلكاته وعىل البنية التحتية عموما‪ ،‬كما‬
‫بيّنته فيضانات هيوستن يف تكساس (الواليات‬
‫املتحدة) سنة ‪.2017‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪56‬‬


‫األحداث‬

‫وأدّى احرتار املناخ يف الفرتة األخرية إىل‬ ‫يف تلك املنطقة التي تطوّرت رغم مخاطر‬
‫تغيات عميقة يف البيئة املائية‪ .‬من ذلك النسق‬ ‫ّ‬ ‫الفيضانات املعروفة‪ ،‬ترضّ رت حوايل‬
‫الرسيع لتق ّلص أنهار الجليد يف سلسلة الجبال‬ ‫‪ 300.000‬من املنشآت ممّ ا أدى إىل إخالء‬
‫الصخرية الكندية‪( ،‬ومن املنتظر أن تضمح ّل‬ ‫مئات اآلالف من األشخاص وتسبب يف خسائر‬
‫تماما يف نهاية القرن)‪ ،‬علما وأنها تُغ ّذي‬ ‫مادّية ُقدّرت بـ‪ 125‬مليار دوالر‪.‬‬

‫التزام كافة األطراف‬ ‫أه ّم األنهار التي تصب يف املحيطات الهادئ‬


‫واألطليس والشمايل‪.‬‬
‫يف عالم مرتابط أكثر فأكثر‪ ،‬ال تقف انعكاسات‬
‫الفيضانات والجفاف عىل املستوى ّ‬
‫املحل‪.‬‬

‫الفاعلة هو رضورة‬ ‫كما تدنت غابات غرب كندا أساسا بسبب‬


‫اجتياحها من طرف حرشات تتغذى من‬
‫وقد خلف الفيضان الذي شهدته تايالندا سنة‬
‫‪ 2011‬خسائر اقتصادية‪ ،‬جراء اضطراب‬
‫مسالك التموين اإللكرتونية العاملية‪ ،‬بلغت‬
‫وليس خيارا‬ ‫الخشب‪ ،‬وقد تكاثرت تلك الحرشات بفعل‬
‫ارتفاع درجة الحرارة بصفة غري عادية يف‬ ‫‪ 46.5‬مليار دوالر حسب تقديرات البنك‬
‫فصل الشتاء‪.‬‬ ‫العاملي‪ .‬كما أن موجة الحر التي عمت روسيا‬
‫سنة ‪ ،2010‬والتي أثّرت عىل إنتاج القمح وعىل‬
‫ولنئ كانت املنطقة الغربية لكندا مثاال للوضع‬ ‫أسعار املواد الغذائية العاملية‪ ،‬قد تكون‪ ،‬حسب‬
‫عىل الصعيد الجهوي‪ ،‬يجدر التذكري بأن نصف‬ ‫صحيفة ذي إيكونوميست‪( ،‬فرباير ‪،)2012‬‬
‫سكان العالم يعتمدون عىل مياه املناطق‬ ‫أحد عوامل االضطرابات االجتماعية املرتبطة‬
‫الباردة التي هي معرضة لتأثري االحرتار‬ ‫بـ«الربيع العربي»‪.‬‬
‫املناخي بصفة مماثلة‪.‬‬
‫‪© ECAL / Anastasia Mityukova‬‬

‫‪57‬‬ ‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪| 2019‬‬


‫األحداث‬

‫من أجل دعم الروابط بني العلم والسياسة‬


‫وهذا يدل عىل مدى أهميّة اعرتاف العلماء بأن‬ ‫ضمان الحصول عىل املاء وعىل التطهري للجميع وتأمني إدارة مستدامة للموارد املائية‪ ،‬ذلك‬
‫التزام كافة األطراف الفاعلة إنما هو رضورة‬ ‫هو الهدف السادس من أهداف التنمية املستدامة املنصوص عليها يف جدول أعمال ‪ 2030‬الذي‬
‫وليس خيارا‪ .‬وال بد أن يتضمّ ن النموذج‬ ‫اعتمدته منظمة األمم املتحدة يف سبتمرب ‪.2015‬‬
‫الجديد للبحث العلمي معرفة معمّ قة للتحوالت‬
‫ظمت اليونسكو‪ ،‬يف ‪ 14‬يونيو ‪،2018‬‬ ‫ويف إطار نشاطها الرامي إىل تحقيق هذه األهداف‪ ،‬ن ّ‬
‫االجتماعية التي تحدث بالتوازي مع التزام‬
‫فعّ ال – ومتبادل – للعلم والسياسة‪.‬‬ ‫الندوة األوىل حول القاسم املشرتك بني علوم املياه واملجال السيايس‪ ،‬التي جمعت أحد عرش‬
‫وزيرا ونائبا برملانيا‪ ،‬باإلضافة إىل ممثيل الدول األعضاء والخرباء‪ .‬والهدف من هذه الندوة هو‬
‫ذلك أن األطراف املح ّلية املعنية تُمثّل مصدرا‬ ‫النظر يف كيفية مساهمة الربنامج الدويل للمياه التابع لليونسكو يف بلورة حلول ترتكز عىل‬
‫هامّ ا للمعرفة‪ .‬فالشعوب األصلية‪ ،‬مثال‪،‬‬ ‫العلم‪ ،‬وسيَاسات ناجعة وممارسات جيّدة‪ .‬ويعد هذا الربنامج األرضية الوحيدة املشرتكة بني‬
‫مُتم ّكنة من معارف تناقلتها أجيال متتالية عن‬ ‫خصصة للبحث وتدعيم القدرات والترصّف يف املوارد‬‫الحكومات صلب منظمة األمم املتحدة ا ُمل ّ‬
‫أرضهم وتفاعالتها مع القوى الطبيعية [انظر‬ ‫املائية‪.‬‬
‫ملف زاوية كربى يف هذا العدد]‪ .‬وال بد أن‬
‫يستفيد العلم من هذه املعارف‪ .‬لذلك‪ ،‬ويف إطار‬ ‫والندوة هي األوىل يف سلسلة الندوات التي ستلتئم كل سنتني يف إطار الدورات املنتظمة‬
‫برنامج غلوبال واتر فيوترشز (مستقبل املاء‬ ‫للمجلس الحكومي املشرتك للربنامج الدويل للمياه‪ .‬وسوف تعرض نتائجها خالل اجتماع‬
‫الشامل) يف كندا‪ ،‬قمنا يف شهر أبريل ‪2018‬‬ ‫موازي يف إطار املنتدى السيايس رفيع املستوى حول التنمية املستدامة الذي سيلتئم من ‪ 9‬إىل‬
‫ببعث مرشوع مع جماعات السكان األصليني‬ ‫‪ 18‬يوليو ‪ 2019‬بمقر األمم املتحدة يف نيويورك‪.‬‬
‫يف كندا للعمل معا عىل وضع اسرتاتيجية بحث‬ ‫وسوف تعقد اليونسكو يف مايو ‪ 2019‬مؤتمرا شامال حول املياه‪.‬‬
‫تُساعد عىل حل املشاكل املتعلقة باملاء التي‬
‫تُواجهها تلك الجماعات‪.‬‬
‫ويف آخر املطاف‪ ،‬تبقى التحديات الكربى لألمن‬ ‫اليشء الوحيد ا ُملؤكد بالنسبة للمستقبل هو‬ ‫وحسب دراسة نرشت يف مجلة كليماتيك‬
‫املائي متعلقة بالحوكمة‪ .‬إن تحديد الجهة‬ ‫أن مسألة املناخ وتفاعالته مع النمو البرشي‬ ‫ّ‬
‫(التغي املناخي) يف فرباير ‪،2016‬‬ ‫شانج‬
‫التي تتّخذ القرارات وكيفية اتخاذها هي إذن‬ ‫عىل املستويني االقتصادي واالجتماعي سوف‬ ‫سوف يتع ّرض يف ‪ 2050‬ما بني ‪ 0،5‬و‪3،1‬‬
‫مسألة‪ ‬حاسمة‪.‬‬ ‫تبقى غري مؤكدة‪ .‬لذلك ال بد من الترصف‬ ‫مليار نسمة إىل احتداد نقص املياه بفعل‬
‫ّ‬
‫التغيات املائية والتكهّ ن بها‬ ‫إن كان فهم‬ ‫بأخذ هذا الغموض يف االعتبار‪ .‬ونظرا إىل‬ ‫ّ‬
‫التغي‪ ‬املناخي‪.‬‬
‫بطريقة علمية يطرحان تحديات علمية‬ ‫تعقيد األنظمة املائية وارتباطها املتبادل‬
‫باألرض‪ ،‬والطاقة واألنظمة الغذائية‪ ،‬عىل عديد‬
‫هامة‪ ،‬فإن التحديات التي يطرحها الترصّ ف‬
‫األصعدة من املحيل إىل العاملي‪ ،‬فإن الترصف‬
‫اسرتاتيجيات جديدة‬
‫يف املوارد املائية ال تقل أهمية‪ .‬وبما أن األمن‬
‫املائي يف القرن الحادي والعرشين مسألة‬ ‫يف غياب التأكد سوف يتط ّلب اسرتاتيجيات‬ ‫ما عىس أن تكون ردة فعل العلماء املختصني‬
‫علمية ومجتمعية يف آن واحد‪ ،‬من الرضوري‬ ‫أكثر مالءمة ومرونة من ذي قبل‪ .‬لم تعد أمثلة‬ ‫يف املوارد املائية‪ ،‬حتى يأتوا باملعارف واآلليات‬
‫إيجاد مقاربة جديدة تجمع بني اختصاصات‬ ‫املايض صالحة حتى نستعني بها كدليل موثوق‬ ‫للمساعدة عىل اتخاذ القرارات الرضورية لرفع‬
‫متعددة‪ ،‬وتكون قادرة عىل الربط بني العلوم‬ ‫للتنبؤ‪ ‬باملستقبل‪.‬‬ ‫هذه التحدّيات؟ إن اكتفى هذا املجال العلمي‬
‫الصحيحة والطبيعية والعلوم االجتماعية‪.‬‬ ‫علينا أن نحلل مواطن الضعف وأن نتبنّى‬ ‫بتطور روتيني وبخطى مُتأنّية‪ ،‬فلن يكون‬
‫اسرتاتيجيات تدفع إىل الصمود أي قدرة نظام‬ ‫يف مستوى املهمّ ة‪ .‬واملوقف الداعي إىل ترك‬
‫وخالصة القول‪ ،‬إن أردنا التحسب ألزمة مائية‬ ‫األوضاع عىل حالها غري مقبول‪ .‬لقد أصبح من‬
‫حادّة‪ ،‬فنحن بحاجة إىل تنمية معارف علمية‬ ‫ما عىل امتصاص الصدمات‪ ،‬واملواصلة يف‬
‫التجدّد دون أن تتغري حالته‪.‬‬ ‫الرضوري إيجاد مقاربة اسرتاتيجية جديدة‬
‫جديدة إلدراك تطوّر األنظمة املائية املتأثر‬ ‫عىل الصعيد العاملي‪.‬‬
‫بالعالقة بني اإلنسان والطبيعة‪ ،‬وإىل وضع‬
‫أشكال جديدة للتعاون العلمي يجمع بني‬ ‫منهجية متعددة االختصاصات‬ ‫علينا أوال تعميق فهمنا للمُحيط املائي يف‬
‫إختصاصات متعددة الستيعاب ترابط هذه‬ ‫سياق التحوّل غري املسبوق الذي طرأ عىل‬
‫األنظمة وتداعياتها املجتمعية‪ ،‬وإىل إدماج‬ ‫هناك اتفاق واسع‪ ،‬مثال‪ ،‬حول وجود فجوة‬ ‫البيئة واملجتمع‪ .‬ولهذه املسائل بعد متعدد‬
‫املعارف املحلية يف البحث العلمي لالستجابة‬ ‫بني اإلنتاج العلمي يف مجال تقييم آثار املناخ‪،‬‬ ‫االختصاصات‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬يتطلب التنبؤ‬
‫عىل أحسن وجه الحتِياجات املنتفعني‪ ،‬وإىل‬ ‫وتخطيط الترصف يف املوارد املائية عىل املدى‬ ‫بفيضان األنهار يف غرب كندا معرفة كيفية‬
‫وضع آليات أكثر نجاعة لرتجمة املعارف‬ ‫الطويل‪ ،‬أو التكيّف املناخي‪ .‬بصفة عامة‪ ،‬حتى‬ ‫تفاعل األنظمة البيئية والفالحة مع ّ‬
‫تغي املناخ‪.‬‬
‫العلمية إىل عمل مجتمعي فعيل‪.‬‬ ‫يكون العل ُم قادرا عىل تقديم حلول ناجعة‪،‬‬
‫وحتى نتمكن من وضع توقعات لتطوّر املناخ‪،‬‬
‫يجب أن يتناول املسائل التي ته ّم أصحاب‬ ‫ّ‬
‫القرار‪ ،‬وأن ّ‬ ‫التغيات التي تطرأ حاليا عىل‬ ‫ال ب ّد من فهم‬
‫يوفر لهم نتائج وأدوات يف الوقت‬
‫التبادل بني سطح األرض والجو‪ ،‬مثل انتشار‬
‫هوارد س‪ .‬ويرت (اململكة املتحدة) خبري دويل‬ ‫املناسب وبشكل قابل لالستغالل‪ ،‬تتضمن‬
‫األشجار وكثافتها يف توندرا الشمال‪ :‬تتكاثر‬
‫يف املياه واملوارد املائية‪ .‬وهو أستاذ بمعهد البيئة‬ ‫إسهامات املستعملني‪ .‬وهذه النقطة األخرية‬ ‫وخاصة منها ّ‬
‫الشجريات‪ ،‬التي من‬ ‫ّ‬ ‫النباتات‪،‬‬
‫واالستدامة بجامعة ساسكاتشيوان بكندا‪ ،‬وأستاذ‬ ‫هي التي تفيض عىل النتائج العلمية املصداقية‬
‫تمتص أكثر فأكثر الطاقة الشمسية‬ ‫ّ‬ ‫شأنها أن‬
‫فخري يف علوم املياه باإلمبرييل كولدج يف لندن‪،‬‬ ‫والرشعية الرضورية لحل املشاكل الخالفية‬
‫وتساهم بذلك يف احرتار املناخ‪.‬‬
‫اململكة املتحدة‪.‬‬ ‫عىل املستوى السيايس والهامة عىل املستوى‬
‫االجتماعي‪ ،‬التي يثريها اليوم الترصف يف‬
‫املوارد املائية‪.‬‬

‫رسالة اليونسكو • يناير ‪ -‬مارس ‪2019‬‬ ‫|‬ ‫‪58‬‬


‫منشورات اليونسكو‬
‫‪www.unesco.org/publishing‬‬ ‫ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ‬
‫ﻟﻠﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‬
‫‪publishing.promotion@unesco.org‬‬

‫التقرير العاملي للعلوم االجتماعية‬ ‫التقرير العاملي لرصد التعليم ‪2019‬‬ ‫تحويل املستقبل‬
‫تحدي حاالت عدم املساواة‪ :‬مسارات من أجل‬ ‫(ملخص)‬ ‫التوقع يف القرن ‪21‬‬
‫عالم يسوده العدل‬ ‫الهجرة والنزوح والتعليم‪ :‬بناء الجسور ال‬ ‫ردمك ‪978-92-3-600075-6‬‬
‫ردمك ‪978-92-3-600049-7‬‬ ‫الجدران‬ ‫‪ 276‬صفحة‪ 234x156 ،‬مم‬
‫‪ 362‬صفحة‪ 280×215 ،‬مم‬ ‫‪ 74‬صفحة‪ 215 x 280 ،‬مم‪PDF ،‬‬ ‫منشورات اليونسكو‪/‬مركز أسبار للدراسات‬
‫‪ 45‬أورو‬ ‫ّ‬
‫متوفر عىل املوقع‬ ‫والبحوث واإلعالم‬
‫‪http://unesdoc.unesco.org‬‬ ‫‪ 30‬يورو‬
‫أصبحت مسألة الالمساواة تحتل مرتبة‬
‫مركزية يف مجاالت اهتمام املسؤولني‬ ‫توقع املستقبل مفيد للبحث عن طرق أفضل‬
‫وفقا للتقرير العاملي لرصد التعليم ‪،2019‬‬
‫السياسيني يف جميع أنحاء العالم‪ ،‬كما أنها‬ ‫لتحقيق االستدامة والشمول واالزدهار‬
‫ارتفع عدد األطفال املهاجرين والالجئني يف‬
‫أصبحت موضوعا أساسيا يف البحوث يف العلوم‬ ‫والرفاهية والسالم‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪،‬‬
‫سن الدراسة يف العالم بنسبة ‪ %26‬منذ سنة‬
‫االجتماعية‪.‬‬ ‫فإن الطريقة التي يتم بها فهم املستقبل‬
‫‪ ،2000‬ويمثل عددهم اليوم ما يمأل نصف‬
‫يعتمد هذا التقرير عىل معارف حوايل مائة من‬ ‫مليون قاعة دراسة‪.‬‬ ‫واستخدامه تتغري يف جميع املجاالت تقريبًا‪ ،‬من‬
‫ّ‬
‫األخصائيني يف العلوم االجتماعية واملفكرين‬ ‫العلوم االجتماعية إىل الحياة اليومية‪.‬‬
‫كما يُلقي التقرير الضوء عىل إنجازات‬
‫املؤثّرين من كافة أنحاء العالم‪ ،‬من مختلف‬
‫الدول وإخالالتها يف ما يتع ّلق بحق األطفال‬ ‫يقدم هذا الكتاب نتائج البحوث الهامة‬
‫االختصاصات‪ ،‬ليعرض الحلول التي من شأنها‬
‫املهاجرين والالجئني يف التمتّع بتعليم جيّد‪،‬‬ ‫التي أجرتها اليونسكو مع عدد من الرشكاء‬
‫تغيري حاالت عدم املساواة عىل جميع األصعدة‪،‬‬
‫وهو حق يستفيد منه‪ ،‬يف آن واحد‪ ،‬ا ُملتع ّلمون‬ ‫الكتشاف وتعريف وممارسة توقع املستقبل‬
‫من القاعدة إىل الحوكمة العاملية‪.‬‬
‫والتجمّ عات التي يعيشون فيها‪.‬‬ ‫يف جميع أنحاء العالم اليوم‪ .‬ويستخدم مفهوم‬
‫«تعليم مادة املستقبل» كأداة لتحديد فهم‬
‫األنظمة والعمليات االستباقية ‪ -‬املعروف ً‬
‫أيضا‬
‫باسم «مادة التوقع»‪.‬‬
‫ عالم واحد‬،‫أصوات متعددة‬
،‫اليونسكو باللغات الرسمية الست للمنظمة‬ ‫تصدر رسالة‬
.‫وكذلك بالبرتغالية واإلسبيرانتو والسردينية والصقلية‬
.‫ندعوكم لمطالعتها والتعريف بها عبرالعالم‬

urrier
Co
LE
s 2018
r-mar
janvie

S CO
’UNE
DE L
:
ucationne
Éd ête d'u ire
u a
en q e nécess
i
utop
ESCO
© UN

https://en.unesco.org/courier • https://fr.unesco.org/courier • https://es.unesco.org/courier • https://ru.unesco.org/courier • https://ar.unesco.org/courier • https://zh.unesco.org/courier

You might also like