You are on page 1of 18

‫املوضوع‪ :‬مفهوم القانون الدستوري‬

‫الـخ ـطـة‬
‫املقدمة‬
‫املبحث األول ‪ :‬تعريف القانون الدستوري أهميته وهدفه‪.‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬تعريف القانون الدستوري‪.‬‬
‫املطلب الثاني ‪ :‬أهمية القانون الدستوري‪.‬‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬هدف القانون الدستوري‪.‬‬
‫املبحث الثاني ‪ :‬عالقة القانون الدستوري بالقوانين األخرى وطبيعته وقواعد مصادره‪.‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬عالقة القانون الدستوري بالقوانين األخرى‪.‬‬
‫املطلب الثاني ‪ :‬طبيعة قواعد القانون الدستوري‪.‬‬
‫املطلب الثالث ‪ :‬مصادر القانون الدستوري‪.‬‬
‫الخــاتـمة‪.‬‬
‫املقدمة ‪:‬‬
‫اإلنسان اجتماعي بطبيعته ال يستطيع أن يعايش ظروف الحياة بمفرده ‪ ،‬وإنما يجب أن‬
‫ينخرط ضمن جماعة من الناس ‪ ،‬وهذا ما يستتبع بالضرورة دخول اإلنسان الفرد مع الجماعة التي‬
‫يعيش فيها ومعها في عالقات ومعامالت عديدة يستطيع من خاللها إشباع حاجاته ‪.‬‬
‫إال أن قيام مثل هذه العالقات بين اإلنسان الفرد مع الجماعة وأفرادها‪ ،‬يؤدي إلى قيام التعارض‬
‫بين مصلحته كفرد‪ ،‬ومصلحة اآلخرين هذا التعارض من شأنه أن يخلق الفوض ى واإلضطراب في‬
‫املجتمع‪.‬ومن ثم كان من الواجب وضع تنظيم للعالقات التي يجريها اإلنسان الفرد مع غيره‪ ،‬وذلك‬
‫رغبة في إيجاد نوع من التوازن بين املصالح املعارضة ‪ ،‬وتنظيم هذه العالقات ال يكون إال من خالل‬
‫وضع القواعد القانونية امللزمة لتحديد حقوق األفراد قبل الجماعة التي يعيشون فيها وقبل بعضهم‬
‫البعض ‪ ،‬وكذا تحديد الواجبات التي تلقى على كاهل كل واحد منهم لصالح الجماعة أو لصالح‬
‫األفراد اآلخرين‪ ،‬ولتحديد ضوابط سلوك كل فرد في عالقته مع الجماعة أو أفرادها ‪ ،‬مع فرض‬
‫الصفة اإللزامية للقواعد حتى يتعين على األفراد احترامها والخضوع لها ‪.‬‬
‫ومن هذا تبدو الحاجة املاسة للقانون فهو الذي يقيم التوازن بين مصالح األفراد املعارضة أو‬
‫التوفيق بينها ‪ ،‬مما يؤدي إلى اإلستقرار في املجتمع وعدم اإلضطراب في السلوك االجتماعي لإلنسان‬
‫كل ذلك يؤدي إلى صدق هذا القول‪ ،‬أن ال إنسان اجتماعي بدون جماعة‪ ،‬وال جماعة مستقرة‬
‫ومنظمة بدون قانون ‪.‬‬
‫تعـريف القانـون ‪:‬‬
‫للقانون مدلوالت عديدة ومتنوعة فقد يقصد بالقانون كل قاعدة مطردة مستقرة ‪ ،‬يفهم منها نتائج‬
‫معينة وهذا هو املقصود العام للقانون‪ ،‬وهو لفظ يستعمل في املجاالت املختلفة ‪ ،‬العلمية‬
‫والرياضية ‪ ،‬واالقتصادية ‪ ،‬واالجتماعية كأن يقال قانون (الطفو) أو قانون (الجاذبية) أو قانون‬
‫(العرض والطلب) …إلخ‪.‬‬
‫وقد يقصد بالقانون بمجموعة القواعد القانونية التي تصدرها السلطة التشريعية‪ ،‬يقصد‬
‫تنظيم مسألة معينة مثالها ‪ ،‬قانون الوظيفة العامة ‪ ،‬الذي يبين كيفية تعيين املوظف وترقيته ‪،‬‬
‫وعزله وإحالته إلى التقاعد ‪ ،‬أو قانون تنظيم الجامعات أو املحاماة ‪.‬‬
‫وقد يقصد بالقانون كذلك لتدليل على فرع معين من فروع القانون‪ ،‬فيقال على سبيل‬
‫املثال القانون املدني ‪،‬أو القانون التجاري ‪،‬أو قانون تنظيم الجامعات ‪ ،‬أو املحاماة‪.‬‬
‫و قد يقصد بالقانون أخيرا ‪ ،‬بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تحكم سلوك األفراد في املجتمع ‪،‬‬
‫و التي يتعين عليهم الخضوع لها و لو جبرا اذا اقتض ى األمر ذلك ‪.‬‬
‫في الواقع أننا ال يمكن إعتماد املدلول األول للقانون ‪ ،‬على أساس أن هذا املدلول ال ينطبق‬
‫إال على الظواهر الطبيعية كما رأينا عند وضعه ‪ ،‬و األمر كذلك ‪ ،‬بالنسبة للمدلول الثاني على‬
‫أساس أن التشريع الذي تضعه السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة ليس إال مصدر من‬
‫مصادر القانون ‪ ،‬مع أن للقانون مصادر عديدة كما و أن ال يعرف بمصادره التي يستقي منها‬
‫قواعده ‪.‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬تعريف القانون الدستوري ‪:‬‬
‫و هو مجموعة القواعد التي تحدد طبيعة نظام الحكم في الدولة ‪ ،‬و تبين السلطات العامة فيها و‬
‫اختصاص كل منها و عالقاتها مع بعضها البعض‪ ،‬كما تبين حقوق األفراد السياسية و ما يجب‬
‫لحرياتهم من ضمانات ‪.‬‬
‫و يعتبر القانون الدستوري في طليعة فروع القانون العام الداخلي فهو أساس كل تنظيم في‬
‫الدولة ‪ ،‬حيث يضع األسس التي تقوم عليها الدولة ‪ ،‬وعلى هذا فإنه ال يجوز مخالفة هذا القانون‬
‫بقانون آخر يصدر داخل الدولة ‪ ،‬ألن كل القوانين األخرى أقل منه في املرتبة ‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬أهمية القانون الدستوري‬


‫إذا كانت الدولة تهتم بالتوفيق بين الحرية و املصلحة العامة فإن مهمة القانون الدستوري‬
‫هي تنظم التعايش السلمي بين السلطة و الحرية في إطار الدولة و هذا لن يأتي إال بالتوفيق بين‬
‫فردية اإلنسان و أنانيته التي تبين حقوق الفرد و حرياته وواجبات الدولة إتجاه الجماعة حتى أن‬
‫األستاذ (بريلو) يقول بأن القانون الدستوري أداة السلطة أو تقنية السلطة ‪ .‬فالقانون الدستوري‬
‫حسب وجهة نظره هو ظاهرة السلطة العامة في مظاهرها القانونية ‪.‬‬
‫املطلب الثالث الهدف من القانون الدستوري‬
‫املسائل التي ينظمها القانون الدستوري ‪:‬‬
‫من التعريف السابق للقانون الدستوري ‪ ،‬يتبين أن املسائل التي ينظمها و يعتني في تحديد أحكامها‬
‫هي ‪:‬‬
‫أوال‪ -:‬يبين نظام الدولة السياس ي ‪ ،‬ملكية أم جمهورية ‪ ،‬ديمقراطية أم دكتاتورية نيابية أم غير‬
‫نيابية ‪ ،‬بسيطة أم اتحادية إلخ‬
‫ثانيا ‪ -:‬يبين السلطات العامة في الدولة السلطة القضائية السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية‬
‫و يبين الهيئات التي تباشرها فالسلطة القضائية تقوم بها املحاكم و املجالس القضائية على نطاق‬
‫الواليات في الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ‪ ،‬و املجلس األعلى الذي يقوم مقام محكمة‬
‫النقض و مركزه الجزائر العاصمة أماال السلطة التشريعية فيقوم بها املجلس الوطني الشعبي أما‬
‫السلطة التنفيذية فيقوم بها رئيس الجمهورية و يعاونه في ذلك الوزراء كما يبين القانون الدستوري‬
‫في هذا الخصوص عالقات السلطة العامة بعضها مع بعض ‪ ،‬و يبين ما إذا كانت هذه السلطات‬
‫منفصلة عن بعضها أم أن لكل سلطة منها الحق بالتدخل في نشاط السلطتين األخيرتين و ما حدود‬
‫هذا التدخل ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ - :‬و يحدد القانون الدستوري حقوق األفراد في الدولة و كما يقرر الحريات التي يتمتع بها كل‬
‫فرد‪ ،‬و ترجع هذه الحقوق و هذه الحريات إلى حقين جوهريين الحرية و املساواة فالحرية تشمل‬
‫الحرية في التملك ‪ ،‬الدين و العقيدة ‪ ،‬السكن‪ ،‬و الحرية الشخصية‪ ،‬و التعليم ‪ ،‬أما املساواة فهي‬
‫تتضمن املساواة في الحقوق و الواجبات ‪ ،‬أي املساواة في ما تخوله الدولة من مزايا و تكاليف‬
‫كاملساواة في تولي الوظائف العامة وواجب أداء الخدمة الوطنية أو أداء الضرائب ‪.‬‬
‫أنواع الدساتير ‪:‬‬
‫تنقسم الدساتير من حيث املصدر الذي تخرج منه ‪ ،‬إلى قسمين ‪:‬‬
‫القسم األول ‪ :‬عندما يكون الدستور منحة من الحاكم أو السلطات إلى شعبه ‪ ،‬ينزل فيه عن بعض‬
‫سلطاته للشعب ‪ ،‬و القسم الثاني عندما يصدر الدستور عن الشعب ‪ ،‬أي يكون الشعب هو مصدر‬
‫الدستور ‪ ،‬وهذا هو ما تم بالنسبة للدستور الجمهورية الجزائرية الشعبية الجديد عندما طرح‬
‫لإلستفتاء على الدستور‪.‬‬
‫و تنقسم الدساتير كذلك من حيث قوة أحكامها وأماكن تعديلها إلى دساتير مرنة و دساتير غير مرنة‬
‫و تسمى بالدساتير الجامدة ‪ .‬و الدساتير املرنة هي الدساتير التي يجوز تعديل أحكامها بقانون عادي‬
‫‪ ،‬و مثال ذلك الدستور اإلنجليزي ‪ ،‬حيث يمكن تعديل أي حكم فيه بقانون عادي يصره البرملان أما‬
‫الدساتير الجامدة فهي التي ال يمكن تعديلها بقانون عادي و إنما البد لتعديلها من إتخاذ إجراءات‬
‫خاصة كأن يكون لرئيس الجمهورية أو البرملان طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور ‪.‬‬
‫املبحث الثاني ‪:‬‬
‫املعاني املختلفة للدستور ‪:‬‬
‫يتفق أغلب الفقه على أن القانون هو ذلك املوضوع الذي ينظم العالقات االجتماعية بين األفراد‬
‫من أجل ضمان العدالة بينهم ‪ ،‬ومن املعروف أن القانون ينقسم إلى قسمين ‪ :‬القانون الخاص ‪privé‬‬
‫والقانون العام أو العمومي ‪public .‬‬
‫فالقانون الخاص ينظم العالقات الخاصة بين األفراد كعالقات البائع مع املشتري واملؤجر مع‬
‫املستأجر ‪ ،‬أما القانون العام فهو الذي ينظم العالقات التي يمكن أن تقوم بين أحد األشخاص‬
‫املعنوية العمومية ‪ Personnes morales publiques‬وأحد األشخاص الخاصة الطبيعيين أو‬
‫األشخاص املعنوية العمومية (شخص واحد أو أكثر) ومن األمثلة على هذه التصرفات قيام الدولة‬
‫بنزع ملكية شخص من أجل تحقيق منفعة عامة أو تعاقدها مع مقاول للقيام بأشغال لصالحها‪ ،‬أو‬
‫توريد أشياء لها مقابل مبلغ معين‪ ،‬أو نقل ملكية من شخص إلى آخر كما هو الشأن بالنسبة لنقل‬
‫طريق مملوك للوالية أو البلدية إلى الدولة أو العكس‪ .‬ومن بين فروع القانون العام الدستوري الذي‬
‫يحدد شكل النظام السياس ي للدولة والذي يجد أهم قواعده في الدستور الذي يحمل معاني مختلفة‬
‫لغوية وسياسية وقانونية‬
‫‪-1‬املعنى اللغوي ‪:‬‬
‫نعتقد مع جميع الفقهاء العرب أن عبارة " دستور" ليست عربية وأن معناها هو القانون‬
‫األساس ي‪ ،‬غير أن هذا اإلصطالح العربي اختلف بشأنه‪ ،‬فنجد بعض الدول قد استعملته للداللة‬
‫على معنى الدستور كالعراق مثال في دستور ‪ 1925‬وإيران في دستور ‪ 1979‬في حين أن البعض اآلخر‬
‫يستعمله للداللة على قوانين ال تصل إلى مرتبة الدستور‪ ،‬ولكنها تعد أساسية بإعتبارها تتضمن‬
‫مبادئ عامة تتناولها بالشرح أو التفسير قوانين أخرى ومثل ذلك القوانين األساسية في الجزائر‬
‫(القانون األساس ي العام للعامل مثال)‬
‫والحقيقة أن مصطلح الدستور اآلن في معظم الدول العربية يقابله بالفرنس ي واإلنجليزي مصطلح‬
‫‪ Constituion‬الذي يعني التأسيس أي النظام أو القانون األساس ي ونتيجة لهذا اإلختالف يفضل‬
‫استعمال اصطالح الدستور ملا يحمله من معاني السمو ومظاهر االحترام‬
‫فالدستور لغة هو اذن مجموعة القواعد األساسية التي تبين كيفية تكوين وتنظيم الجماعة‪ ،‬وال‬
‫يشترط فيه أن يكون مكتوبا أو عرفيا‪ ،‬لذلك فان الدستور بهذا املعنى يوجد في كل جماعة‪ ،‬من‬
‫األسرة حتى الدولة ‪ ،‬وأن هذا املعنى الواسع غير محدد وغير دقيق لكونه يحتوي على معاني يمكن أن‬
‫تنصرف إلى كل تنظيم يمس أية مجموعة بشرية‪ ،‬في حين أن املعنى الحقيقي للدستور هو الوثيقة‬
‫املنظمة للدولة وشؤون الحكم ‪.‬‬
‫‪-2‬املعنى السياس ي واملذهب الدستوري‪:‬‬
‫لقد تضمن إعالن حقوق اإلنسان واملواطن لسنة ‪ 1789‬شروطا معينة يجب توافرها في‬
‫الدستور وتتمثل في تضمينه لحقوق اإلنسان وحرياته وضمانات ممارستها إلى جانب ضرورة األخذ‬
‫بمبدأ الفصل بين السلطات حتى ال تتداخل اختصاصاتها و تقتض ي على السلطة املطلقة و ذلك‬
‫تأثرا باملذهب الدستوري ‪ Constitutionnalisme‬الداعي إلى قرار التوفيق ين السلطة و الحرية ‪.‬‬
‫و يقصد باملذهب الدستوري تلك الحركة التي ظهرت في عصر النهضة األوربية وحلت محل األعراف‬
‫السائدة آنذاك غير الواضحة و التي تركت مجاال واسعا للملك ملمارسة السلطة التقديرية ‪ ،‬فظهرت‬
‫الدساتير املكتوبة للحد من إطالق السلطة و استبدادية امللوك ‪ ،‬و لذلك طالب األحرار بتحديد‬
‫أنماط اسناد ممارسة السلطة السياسية بموجب نص واضح دفعا ألي إطالقا للسلطة ‪ ،‬ومن ثمة‬
‫فالدستور في مفهومه الشكلي يتعارض مع التعسف ‪ ،‬ألنه يحدد دولة القانون التي يمكن أن يكون‬
‫فيها سواء ما هو مطابق للقواعد التي يضعها ذلك الدستور ‪.‬‬
‫و املعلوم أن املذهب الدستوري يجد مصدره في فكرة العقد املعارضة الطالق السلطة و التي‬
‫ظهرت بوادر لها في القرن ‪ 16‬و سيطرت في القرن ‪ 18‬والتي دفعت إلى إنشاء املجتمع املدني في قالب‬
‫عقد بين مختلف األطراف بعيدا عن تأثير العوامل الدينية‪ ،‬وأعتبر الدستور شكال قيدا على‬
‫السلطة املطلقة للملوك‪ ،‬وبالتطور أصبح ألغلب الدول دستور في مفهومه الشكلي إال أن املمارسة‬
‫السياسية لم تكن في كل األحوال متماشية مع الدستور وهو ما تسبب في اختالل بين النصوص‬
‫الدستورية واملمارسات السياسية‪ ،‬وإن كان هذا االختالل ليس من ذات الطبيعة الواحدة والدرجة‬
‫واألثر في كل األنظمة ‪.‬‬
‫ومن هنا فإن أي نظام السيما إذا كان رسميا‪ ،‬مثلما هو في الدستور‪ ،‬كان دائما له معنى اجتماعي‬
‫لكونه تعبيرا عن عالقات قوى موجودة ضمن نظام سياس ي في مرحلة معينة‪ ،‬األمر الذي يدفعنا إلى‬
‫التساؤل حول ما إذا كانت كل قاعدة دستورية تحمل في طياتها فكرتها املضادة باملفهوم الهيغلي أو‬
‫املاركس ي‪ ،‬ذلك أنه وإن كانت الحرية مقررة دستوريا إال أنها عمليا صعبة التحقيق وسهلة التقييد‬
‫وحتى اإللغاء الوقتي ال سيما من حيث تنظيمها قانونا‪ ،‬وعليه فإن التفسير التناقض ي السالف‬
‫الذكر يعني رفض النظرة املنسجمة للمذهب الدستوري ‪.‬‬
‫واملؤكد أن الطبقة البورجوازية استعملت املذهب الدستوري لتقييد السلطة املطلقة واعتبرت‬
‫نفسها املعبر عن رأي واردة الشعب في مواجهة تلك السلطة‪ ،‬وهي الفكرة التي تبنتها طبقات مختلفة‬
‫كاملجاهدين‪ ،‬والجيش والبورجوازية في الدول النامية حيث اعتبرت نفسها هي الشعب واملعبر‬
‫الحقيقي الوحيد عن الشعب ودفع بها ذلك املوقف إلى اعتبار أن كل ما يخالف وجهة نظرها‬
‫ومصلحتها‪ ،‬ولو كان ذلك واردا من الشعب يعتبر مرفوضا يجب محاربته ورفضه‪ ،‬وهو ما يطرح‬
‫تساؤال في هذه األنظمة حول ماإذا الدستور في النهاية هو أداة للدعاية داخليا وخارجيا للنظام عما‬
‫هو قائم‪ ،‬األمر الذي قد يؤدي إلى أن يصبح الدستور يحمل معنى شعاريا أكثر من كونه ذو معنى‬
‫اجتماعي سياس ي‪ ،‬ومهما يكن من رأي حول املذهب الدستوري ونتائج األخذ به فإن املعنى السياس ي‬
‫للدستور رسميا ونظريا يقصد به تلك الوثيقة التي تتناول كيفية تنظيم السلطة السياسية في‬
‫الدولة على أساس الفصل بين السلطات‪ ،‬وتتضمن حقوق وحريات األفراد وضمانات ممارستها‬
‫باعتبارها قيودا على سلطة الحكام عليهم احترامها وعدم االعتداء عليها ‪.‬‬
‫‪-3‬املعنى القانوني ‪:‬‬
‫من املعروف أن األفراد في حاجة إلى قواعد قانونية تنظم العالقات فيما بينهم‪ ،‬وكذلك‬
‫الحال بالنسبة للدولة‪ ،‬فهي في حاجة إلى قواعد قانونية تنظم شؤونها وعالقتها‪ ،‬وأن الحكام عندما‬
‫يمارسون وظائفهم واختصاصاتهم ال يفعلون ذلك باعتبارهم يمارسون حقوقا أو امتيازات‬
‫شخصية‪ ،‬وإنما اختصاصات أو وظائف منظمة ومحددة بقواعد دستورية تستمد منها القواعد‬
‫القانونية األخرى وجودها وشرعيتها ‪.‬‬
‫ومن املعلوم أن للدستور مفهومين أحدهما شكلي واألخر موضوعي ‪:‬‬
‫املفهوم الشكلي ‪ :‬ويقصد باملفهوم الشكلي مجموعة القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة‬
‫الدستورية‪ ،‬وعليه فإن املفهوم الشكلي ينحصر فيما هو وارد من أحكام في الوثيقة الدستورية‪،‬‬
‫املوضوعة من طرف جهة مختصة دون أن يمد إلى غير ذلك من القواعد ‪.‬‬
‫والذي الشك فيه أن اإلعتماد على هذا املفهوم ال يتماش ى والواقع ألن في ذلك انكار لوجود‬
‫دساتير عرفية كدستور انجلترا فضال عن الدساتير تتضمن بعض القواعد التي ال صلة لها بالتنظيم‬
‫السياس ي مثل النص في الدستور الجزائري على ان اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية‪ ،‬ونص‬
‫الدستور الفرنس ي لسنة ‪ 1848‬على إلغاء عقوبة اإلعدام في الجرائم السياسية‪ ،‬والغرض من ذلك‬
‫هو كفالة ثباتها واستقرارها أكثر باملقارنة مع القوانين العادية فتصبح بعيدة عن التأثيرات‬
‫السياسية ‪.‬‬
‫وباملقابل فإن هناك قواعد دستورية بطبيعتها التتضمنها الوثيقة الدستورية مثل قوانين االنتخابات‬
‫وقوانين تشكيل وتنظيم البرملان ونظمها الداخلية‪ ،‬واألخذ باملفهوم الشكلي يعني ابعادها من‬
‫الدستور خالفا للواقع‪.‬‬
‫املفهوم املوضوعي ‪:‬أما املفهوم املوضوعي فيقصد به مجموعة القواعد التي تنظم شكل‬
‫الدولة ونظام الحكم وطبيعة العالقة بين السلطات واختصاصاتها‪ ،‬وكذلك القواعد التي تبين‬
‫حقوق األفراد وحرياتهم وضماناتها دون نظر إلى ما إذا كانت مدرجة ضمن الوثيقة الدستورية أو‬
‫وثيقة قانونية أخرى مهما كان مصدرها وتدريجها في الهرم القانوني أو كانت عرفية ‪ .‬ونتيجة الختالف‬
‫املفهومين فإن الفقهاء اختلفوا حول املعيار الذي يمكن االعتماد عليه بشأن تعريف الدستور‪.‬‬
‫فمنهم من اعتمد املعيار الشكلي بحيث يسند على الوثيقة الدستورية‪ ،‬أي النصوص املدونة فيها‬
‫والهيئة واإلجراءات التي اتبعت في وضعها واملصادق عليها‪ ،‬ومنهم من استند على املعيار املوضوعي‬
‫الذي يعتمد على جوهر نظام الحكم ومضمون الدستور ‪.‬‬
‫وعليه يعرف أنصار املعيار الشكلي الدستور بأنه مجموعة القواعد التي تضعها هيئة خاصة وتتبع‬
‫في ذلك إجراءات خاصة تختلف عادة عن إجراءات وضع القوانين العادية‪ ،‬أما أنصار املعيار‬
‫املوضوعي فيعرفون الدستور بأنه مجموعة القواعد األساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام‬
‫الحكم فيها وتبين سلطتها العامة وعالقتها ببعضها وعالقة األفراد بها‪ ،‬كما تقرر حقوق الفرد وحرياته‬
‫املختلفة وضمانتها ‪.‬‬
‫أما املدرسة االشتراكية فتعرفه بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تثبت وفقا ملصالح الشغيلة‬
‫النظام االجتماعي والسياس ي في الدولة وكذلك مبادئ تنظيم هيئات السلطة ونشاطها وأسس‬
‫الوضع القانوني لألفراد في الدولة االشتراكية ويرى الدكتور نوري لطيف بأن القانون الدستوري هو‬
‫مجموعة القواعد القانونية التي تثبت نظام الحكم في دولة موافقا ملصالح الطبقات والفئات‬
‫االجتماعية السائدة في ضوء فكرة قانونية معينة ‪.‬‬
‫وقد رجح معظم الفقهاء التعريف املوضوعي عن التعريف الشكلي ملا له من احاطة أكبر باملوضوع‬
‫نظرا ألن املعيار الشكلي يعاب عليه كونه ال يشمل بعض املوضوعات ذات الصفة الدستورية‪ ،‬وغير‬
‫املدونة مثلما ذكرنا آنفا‪ .‬فضال عن أن استناده على الدستور ونصوصه يجعلنا عاجزين على إيراد‬
‫تعريف الدستور في الدول التي ليس لها دساتير مكتوبة‪ ،‬وأخيرا فإن التعريف الذي يستند على‬
‫املعيار الشكلي ال يمكن األخذ به في جميع الدول نظرا الختالف دساتيرها‪ ،‬وبالتالي فإن التعريف ال‬
‫يكون واحد بل متعددا‬
‫التفرقة بين القانون الدستوري وبعض االصطالحات األخرى ‪:‬‬
‫بجانب اصطالح القانون الدستوري مصطلحات أخرى تشبهه‪ ،‬وهي قريبة منه لكنها ليس لها ذات‬
‫املعنى‪ ،‬ونقصد بذلك الدستور والنظام الدستوري‪ ،‬ونظرا للتشابه اللغوي واالختالف في املعنى بين‬
‫هذه االصطالحات والقانون الدستوري‪ ،‬يتوجب علينا التميز بين مفاهيم هذه التسميات ‪:‬‬
‫‪-1‬فالدستور بمفهومه املوضوعي موجود في كل الدول ولو أنه شكال غير موجود في بعضها‪ ،‬ألنه ال‬
‫يتصور قيام مجتمع سياس ي دون دستور‪.‬‬
‫وفضال عن ذلك فإن املفهوم الشكلي للدستور يجعل منه مصدرا من بين مصادر القانون‬
‫الدستوري‪ ،‬وأن كان هو الذي يحتل املرتبة األولى ‪.‬‬
‫‪-2‬أما النظام الدستوري فيقصد به ذلك النظام الحر أي الحكومة الدستورية في الدولة‪ ،‬ولكي‬
‫تكون كذلك يشترط الفقه الفرنس ي الضفاء صفة النظام السياس ي على دولة معينة واعتباره نظاما‬
‫دستوريا أن تكون الحكومة خاضعة لقواعد قانونية دستورية أعلى منها‪ ،‬ال يجوز لها التحلل منها‬
‫والخروج عنها‪ ،‬وإنما عليها التقيد وااللتزام بما هو وارد فيها من قيود وفصل بين السلطات تكون‬
‫الغلبة في هذا النظام للبرملان املنتخب من طرف الشعب‪.‬‬
‫ومن هنا فإن الحكومة االستبدادية واملطلقة والحكومة الفعلية تتنافى وفقا لهذا الرأي مع قيام‬
‫النظام السياس ي النتقاء الشروط السابق ذكرها فيها‪ ،‬والحقيقة أن هذا الرأي لم يعد مقبوال في‬
‫عصرنا الحاضر لكونه يتنافى مع املفهوم الحديث للدستور الذي يقصد به الوثيقة املتضمنة نظام‬
‫الحكم في الدولة دون نظر إلى أساس هذا النظام وشكله كما أن التعريف الشائع للقانون‬
‫الدستوري باعتباره القواعد الخاصة بنظام الحكم لم يعد يهتم بشكل النظام وال أساسه أيضا ‪.‬‬
‫نخلص مما سبق إلى أن القانون الدستوري أوسع من النظام الدستوري وبالتالي فإن‬
‫انعدام هذا األخير في الدولة إذا أخذناه بمفهومه السابق ال يحول دون وجود القانون الدستوري‪،‬‬
‫فاملرحلة املمتدة من ‪ 19‬جوان ‪ 1965‬إلى سنة ‪ 1976‬تاريخ وضع الدستور الثاني (الدستور األول كان‬
‫في سنة ‪ )1963‬ال تعني أنها مرحلة إنعدم فيها وجود القانون الدستوري أنها مرحلة تميزت بأسلوب‬
‫حكم ونظام خاص معتمد على املشروعية الثورية واحترام النصوص القانونية التي وضعها النظام‬
‫سواء كانت باملواضيع التي تدخل ضمن القانون الدستوري أو غيره ‪.‬‬
‫املبحث الثاني ‪:‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬عالقة القانون الدستوري بالقوانين األخرى ‪:‬‬
‫يمكن القول باختصار شديد أن العالقة بين القانون الدستوري وفروع القانون العام األخرى تتمثل‬
‫في اآلتي ‪:‬‬
‫لعل أهم القوانين اتصاال بالقانون الدستوري هو القانون اإلداري ملا لهما من عالقة وطيدة‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فالقانون الدستوري أسمى من القانون اإلداري من جهة‪ ،‬حيث يقرر القواعد واملبادئ‬
‫األساسية لكل فروع القانون العام بما فيها القانون اإلداري الذي يقتصر دوره على وضع هذه‬
‫املبادئ والقواعد موضوع التنفيذ‪ ،‬ومن جهة ثانية فالقانون الدستوري يتناول نشاط الدولة‬
‫السياس ي‪ ،‬في حين أن القانون اإلداري يهتم بتحديد النشاط اإلداري في الدولة ‪.‬‬
‫وإذا كان القانون الدستوري ينظم السلطات العامة في الدولة ويحدد الحقوق والحريات العامة‬
‫لألفراد وضمانات حمايتها‪ ،‬فان القانون اإلداري ال يهتم إال بالوظيفة اإلدارية للسلطة التنفيذية‪،‬‬
‫معتمدا في ذلك على مبادئ وقواعد الدستور ‪.‬‬
‫وفيما يخص عالقة الدستور بعلم املالية‪ ،‬فإنها أيضا متينة بين االثنين‪ ،‬ولذلك فإن علم‬
‫املالية يهتم بالتشريع املالي بقصد تنظيم وإدارة أمالك الدولة‪ ،‬وأن كان البعض ال يسلم باستقاللية‬
‫هذا العلم والقانون الحتوائه على مجالين األول خاص بوضع التشريع املالي أي امليزانية وهو مجال‬
‫يدخل في ميدان التشريع‪ ،‬اما املجال الثاني فهو صرف هذه األموال أو تحصيل الضرائب والرسوم‬
‫وهو عمل إداري‪ ،‬وبالتالي فال وجود لقانون مالي منفصل عن التشريع أو القانون اإلداري ‪.‬‬
‫وللقانون الدستوري عالقة بالقانون الجنائي‪ ،‬الذي هو اآلخر يستمد ويستلهم أحكامه من القواعد‬
‫واملبادئ الدستورية‪ ،‬وغايته هي حماية نظام الحكم ككل من اإلعتداء عليه من قبل األفراد أو‬
‫الحكام‪ ،‬فيحدد الجرائم والعقوبات املقابلة لها‪ ،‬وال أدل على ذلك من نص الدساتير على العديد من‬
‫القواعد العامة التي يتناولها القانون الجنائي بالتفاصيل مثل قاعدة عدم جواز القبض على‬
‫األشخاص إال طبقا الحكام القوانين وحق الدفاع ‪.‬‬
‫وهناك أيضا عالقة بين القانون الدستوري والقانون الدولي العام‪ ،‬نظرا ألن األول هو الذي ينظم‬
‫كيفية ابرام املعاهدات وإجراءات التمثيل في الخارج‪ ،‬كما يبين مدى أخذه بمبادئ أحكام القانون‬
‫الدولي كميثاق األمم املتحدة‪ ،‬وال أدل على تلك العالقة من ضمين الدساتير الحديثة أحكاما تتعلق‬
‫بمدى القوة القانونية للمعاهدات الدولية التي تبرمها الدول فيما بينها‪ ،‬واحترام الدول وسيادتها‬
‫وعدم التدخل في شؤونها واحترام حقوق اإلنسان ‪.‬‬
‫املطلب الثاني ‪:‬‬
‫طبيعة قواعد القانون الدستوري ‪:‬‬
‫اختلف الفقه بشأن مدى الزامية القواعد الدستورية‪ ،‬وانقسم إلى اتجاهين األول إنجليزي بزعامة‬
‫أستن ‪ Austin‬والثاني فرنس ي بزعامة ديجي ‪Duguit .‬‬
‫‪-1‬املدرسة اإلنجليزية ‪:‬تعتمد هذه املدرسة في تحديد مدى طبيعة القواعد القانونية والزاميتها على‬
‫مدى توافر عنصر الجزاء املتبدي في اإلكراه املادي‪ contrainte matérielle‬الذي تضمن السلطة‬
‫العامة توقيعه بما لها من وسائل ‪.‬‬
‫ومن هنا يقول زعيم هذه النظرية الفقيه أستن أن قواعد القانون الدستوري ال تعدون أن تكون‬
‫مجرد قواعد آداب مرعية تحميها جزاءات أدبية بحتة ذلك أن الحاكم لدى مخالفته لقاعدة‬
‫دستورية يوصف عمله بأنه غير دستوري لكنه ال يكون مخالفا لقاعدة باملعنى الصحيح‪ ،‬مما‬
‫يستتبع عدم وصفه بأنه غير قانوني‪.‬‬
‫تقدير الرأي ‪ :‬إذا كانت هذه املدرسة قد اعتمدت في التمييز بين قواعد القانون الدستوري والقانون‬
‫الدولي من جهة القانون العادي من جهة أخرى على املحاكم الذي يضفي على األخير الصفة‬
‫اإللزامية بتوقيع الجزاء على مخالفيه ملا يملك من وسائل وهي املنعدمة في القانون الدستوري‬
‫والقانون الدولي‪ ،‬فإن الذي غاب على أنصار هذه املدرسة هو أن بعض القواعد القانونية العادية ال‬
‫نجد لها جزاءا ماديا يترتب على عدم احترامها‪ ،‬لكونها مفسرة أو أنها مجيزة لتصرف أو تصرفات‬
‫معينة‪ ،‬مثل حق املالك في االيصاء بأمواله‪ ،‬كما أن هذه املدرسة ال تعير أي اهتمام للقواعد الدينية‬
‫باعتبارها أساسا أو جزءا ال يتجزأ من القواعد القانونية لبعض الدول كالدول اإلسالمية ‪.‬‬
‫‪-2‬املدرسة الفرنسية ‪:‬‬
‫ترى هذه املدرسة بأنه ينبغي االعتداد بالجزء املعنوي‪ ،‬ألن كل قاعدة تحتوي على جزاء يتمثل في رد‬
‫الفعل االجتماعي ‪ contrecoup social‬على حد قول زعيم املدرسة ديجي‪ ،‬وبهذا فإن كل قاعدة لها‬
‫جزاءها وان كان االختالف بين القواعد القانونية يبدو واضحا من حيث ذلك الجزاء الذي يبدأ من‬
‫املعنوي املتمثل في رد الفعل االجتماعي إلى العقاب الجسماني الذي توقعه السلطة العامة في الدولة‪،‬‬
‫وعليه فإن أصحاب وأنصار هذه املدرسة يقرون بأن قواعد القانون الدستوري هي قواعد قانونية‬
‫باملعنى الصحيح ‪.‬‬
‫تقدير هذا الرأي ‪ :‬بالنظر إلى ما وصلت إليه األنظمة القانونية الحديثة وتطور الحكم الديمقراطي‬
‫يمكن القول بأن القواعد القانونية الدستورية ينبغي ان تحترم من قبل ممارس ي السلطة إذا أريد‬
‫لهم أن يحترموا من قبل الشعب صاحب السيادة‪ ،‬فهذه القواعد تحدد كيفيات ممارسة السلطة‬
‫من قبل مؤسسات الدولة والتي يحق لكل منها ‪ ،‬اعتمادا على ما ورد في الدستور ‪ ،‬أن توقف غيرها‬
‫عند حدود اختصاصاتها و سلطاتها مما يعد جزاءا يترتب على كل تجاوز لإلختصاص و السلطات ‪،‬‬
‫بل و قد يمتد عدم احترامها إلى حد تدخل الشعب إلجبار مؤسسة أو مؤسسات على إحترام أحكام‬
‫الدستور ‪ ،‬و ذلك اما ردعها بالوسائل املختلفة كالضغوط و املظاهرات أو التجمهر وإجبارها على‬
‫القيام بتصرف معين او اإلمتناع عنه بما يثبت تراجعها واالعتراف بخطئها‪ ،‬بل وقد يصل ذلك إلى حد‬
‫اإلطاحة بها مثلما الحظنا في مصر سنة ‪ 1952‬وليبيا سنة ‪ 1969‬وإيران سنة ‪ 1979‬وما حدث في‬
‫الواليات املتحدة األمريكية للرئيس السابق نكسون لدليل على دور الشعب في فرض احترام احكام‬
‫الدستور‪ ،‬فقد استقال في ‪ 9‬أوت ‪ 1974‬نتيجة قيامة بأفعال مخالفة ألحكام الدستور‪ ،‬وعرفت‬
‫باسم فضيحة واترقايت ‪Watergate .‬‬
‫املطلب الثالث ‪:‬مصادر القانون الدستوري ‪:‬‬
‫تعتبر املصادرات ذات أهمية بالغة في النظرية العامة للقانون ألنها منبع القواعد القانونية‬
‫فاملقصود باملصدر لغة هو املكان الذي ظهر فيه الش يء بعد أن كان خفيا‪ ،‬اما في موضوعنا فإن‬
‫املقصود باملصدر له عدة معان ما يهمنا منها هو املصدر الرسمي الذي يضفي على القاعدة القانونية‬
‫الصفة اإللزامية واملصدر املوضوعي (أو املادي أو الحقيقي) الذي تستمد القاعدة القانونية منه‬
‫مضمون خطابها أو موضوعها ‪.‬‬
‫والقول بهذا يعني أن املصدر الرسمي يأتي دائما بعد املصدر املوضوعي أو املادي ألن القاعدة ال‬
‫تكتسب الصفة اإللزامية إال إذا مرت بمراحل معينة تختلف بإختالف املجتمعات وتأثير العوامل‬
‫عليها‪ .‬واملتفق عليه كما سبق أن رأينا أن سلوك األفراد يتطور بتطور املجتمع‪ ،‬فقد يتحول إلى عرف‬
‫ثم يتحول إلى قاعدة مكتوبة بظهور الدولة‪ .‬وإذا كانت األعراف هي السائدة في املاض ي كقواعد تحكم‬
‫العالقات بين األفراد فإن تدخل الدولة قد كان عامال مؤثرا في اإلكثار من سن القوانين لتنظيم أمور‬
‫املجتمع السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مما أستتبع تراجع العرف إلى املرتبة الثانية واحتالل‬
‫التشريع للمرتبة األولى كمصدر أول للقوانين وسوف لن نخوض في التفاصيل ونقتصر على التعرض‬
‫ألهم املصادر املتمثلة في التشريع والقضاء والعرف والفقه ‪.‬‬
‫‪-1‬التشريع ‪ :‬يقصد به النصوص القانونية املدونة والصادرة عن هيئة خاصة وفقا إلجراءات معينة‬
‫وعادة ما تسمى هذه السلطة بالسلطة أو املؤسسة التشريعية على أن القواعد التشريعية هي‬
‫األخرى تخضع ملبدأ التدرج إذا كنا بصدد دستور جامد‪ ،‬ذلك أن تعديله يخضع إلجراءات خاصة‬
‫تختلف عن تعديل التشريع العادي مما يضفي على التعديل األول صبغة قانونية أسمى من التعديل‬
‫الثاني‪ ،‬وعليه فإن التشريع العادي يضع للتشريع غير العادي‪ ،‬وقد إزادت أهمية التشريع كمصدر‬
‫للقوانين نتيجة لتزايد تدخل الدولة وتعقيد نشاطها بالتالي وزيادة ارتباطها باألفراد والجماعات‬
‫والدول‬

‫هو تلك املجموعة من األحكام التي أصدرتها املحاكم بشأن تطبيق القانون على ما يعرض عليها من‬
‫منازعات ‪.‬‬
‫وتنقسم أحكام القضاء إلى قسمين ‪:‬‬
‫القسم األول ‪ :‬وهو الذي ال يخرج عن كونه تطبقا للقانون ويسمى باألحكام العادية‪.‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬وهو الذي يتضمن مبادئ لم يتعرض لها القانون أو تضع حدا لخالف في القانون‬
‫وتسمى األحكام األساسية ‪.‬‬
‫وإذا قلنا بأن القضاء مصدر من مصادر القانون الدستوري‪ ،‬فان علينا أن نميز بين الدول ذات‬
‫الدساتير العرفية كإنجلترا‪ ،‬والدول ذات الدساتير املكتوبة كالجزائر وفرنسا‪ ،‬ففي إنجلترا يعتبر‬
‫القضاء مصدرا رسما ملا ينشئه من سوابق قضائية بشأن القضايا املطروحة أمامه أو التي تطبق‬
‫فيما بعد على القضايا املشابهة لها من طرف املحاكم ذات الدرجة الواحدة أو األدنى منها‪ .‬ومن‬
‫الدول التي تأخذ بالسوابق القضائية‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية واستراليا ونيوزلندا ‪ ،‬أما في فرنسا‬
‫فإن القضاء كمصدر ضعيف جدا في املجال الدستوري‪ ،‬نظرا ألن املحاكم غير مقيدة باحكامها‬
‫السابقة وال باألحكام التي تصدرها تلك األعلى منها في الدرجة ‪.‬‬
‫‪ -3‬العــرف ‪:‬‬
‫يقصد بالعرف " اتباع الناس سلوكا معينا في موضوع معين بصفة مطردة وملدة طويلة يجعل الناس‬
‫يشعرون بقوته االلزامية كالقانون املكتوب"‬
‫ويتضح مما سبق أن هناك ركنان للعرف ‪ :‬مادي ومعنوي ‪.‬‬
‫فالركن املادي يفيد اتباع األفراد سلوكا معينا في تصرفاتهم بصفة مطردة أما الركن املعنوي فيعني‬
‫استقرار اإلحساس في ضمير الجماعة بأن ذلك السلوك أصبح ملزما لهم‪ ،‬فبغير االعتقاد بالزاميته‬
‫ال نكون بصدد عرف بمعناه القانوني ويشترط في العرف ان يكون عاما وقديما وثابتا‪ ،‬وأن ال يكون‬
‫مخالفا للقوانين واآلداب العامة‪ ،‬وإذا كان العرف هو ما سبق ذكره باختصار‪ ،‬فإن الفقه اختلف‬
‫بشأن مدى الزاميته فقد ذهب انصار املذهب الشكلي املتطرفين ومن بينهم الفقيهان اإلنجليزي‬
‫والفرنس ي كارى دمالبرغ إلى أن العرف ال قيمة له إال أقره التشريع او القضاء‪ ،‬أما املعتدلون من هذا‬
‫املذهب فيعترفون له بالصفة اإللزامية ‪ ،‬وبالنسبة للمذهب املوضوعي فيرى أنصاره وعلى رأسهم‬
‫ديجي ‪ Duguit‬وجوي ‪ Guet‬بأن القانون ما هو إال تعبيرا عن ضمير الجماعة الذي يمثل العرف‪،‬‬
‫ولذلك يقولون بأنه مصدر رسمي للقانون وبعد أن عرفنا قيمة العرف كمصدر للقانون نبحث اآلن‬
‫دوره في العرف الدستوري‪ ،‬لقد تأثر فقهاء القانون الدستوري بفقه القانون الخاص بشأن أركان‬
‫العرف‪ ،‬فالركن املادي يتمثل في وجود قاعدة مستقرة ومطردة التطبيق من قبل السلطات العامة في‬
‫الدولة‪ ،‬وهذا يعني الثبات وتوافر مدة معقولة غير أن الحقائق تثبت أن املدة ال يمكن تحديدها‬
‫نظرا لظهور أعراف دستورية في مدة قصيرة مثل بعض سلطات رئيس الدولة ورئيس الوزراء في‬
‫فرنسا التي نظمت بمقتض ى عرف نشأ بعد الحرب العاملية األولى في حين أن مسؤولية الوزارة في‬
‫إنجلترا تقررت بعرف يعود إلى القرن الثامن عشر‪ .‬أما الركن املعنوي فيشترط فيه صفة االلزام التي‬
‫يردها البعض إلى اإلرادة املفروضة للمشرع بينما يردها البعض اآلخر إلى إرادة الجماعة املتمثلة في‬
‫السلطات واألفراد‪ .‬والعرف إما يكون مفسرا أو مكمال أو معدال ‪.‬‬
‫أ‪-‬العرف املفسر‪ :‬هو الذي يهدف إلى تفسير نص من نصوص الدستور‪ ،‬فدوره هنا ليس انشاء أو‬
‫تعديل قاعدة دستورية‪ ،‬وإنما يبين كيفية تطبيق قاعدة معينة غامضة إال أن هذا التفسير يصبح‬
‫جزءا من الدستور فيكتسب صفة اإللزام‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك جريان العرف أن لرئيس‬
‫الجمهورية الفرنسية طبقا لدستور ‪ 1875‬أن يصدر اللوائح استناد إلى املادة التي تنص على أن‬
‫رئيس الجمهورية يكفل تنفيذ القوانين ‪.‬‬
‫ب‪-‬العرف املكمل ‪ :‬هو الذي ينظم موضوعات لم يتناولها الدستور حيث يسد الفراغ املوجود في‬
‫الدستور‪ ،‬ونظرا لكونه كذلك فانه يختلف عن العرف املفسر في كونه ال يستند على نص دستوري‬
‫في ظهوره‪ ،‬ومثل ذلك نشوء قاعدة في فرنسا تمنع من ابرام عقد قرض عمومي إال إذا صدر قانون‬
‫يأذن بذلك‪ ،‬إذا كان القانون والدستور الصادران في ‪ 1815‬ينصان على تلك القاعدة فإن الدساتير‬
‫التي تلتها لم تنص عليها غطالقا ومع ذلك استمر تطبيقها إلستقرارها عرفيا فغدت بذلك عرفا‬
‫دستوريا مكمال ونص دستور ‪ 1875‬على أن اإلنتخاب يتم على أساس اإلقتراع العام دون أوضاع‬
‫هذا االنتخاب فكمله العرف بأن جعله على درجة واحدة‬
‫ج‪-‬العرف املعدل‪ :‬يراد به تلك القواعد العرفية التي تغير بأحكام الدستور إضافة أو حذفا ومن‬
‫امثلة العرف املعدل في شكل إضافة ما جرى به العمل في االتحادات الفيديرالية من زيادة في‬
‫سلطات الحكومات املركزية على حساب السلطات املحلية وأن يتولى رئاسة في لبنان ماروني والوزارة‬
‫سني والبرملان شيعي رغم ان الدستور ال ينص على طائفية في لبنان فجاء العرف بها مكمال‬
‫الدستور‪.‬أما العرف املعدل في صورة حذف فمثله إمتناع رئيس الجمهورية من حل مجلس النواب‬
‫في ظل دستور ‪ 1875‬الذي يمنح له ذلك الحق ولم يستعمل إال من طرف الرئيس ماكماهون سنة‬
‫‪ 1877‬ثم لم يمارس ذلك الحق حتى سنة ‪ 1940‬عندما أحتلت أملانيا فرنسا فنتج عنه أن نشأة‬
‫قاعدة عرفية ألغت أو حذفت نصا دستوريا والسبب في ذلك يعود إلى أن ماكماهون عندما لجأ إلى‬
‫حل مجلس النواب كان هدفه الحصول على تغيير في األغلبية إال أن االنتخابات أدت إلى عودت‬
‫األغلبية السابقة وهي الجمهوريون فصرح بعد ذلك خلفه ‪ Grevy‬ألنه سينصاع إلى إدارة األمة وانه‬
‫لن يلجأ إلى حل البرملان بعد ذلك وتبعه في ذلك سلفه مما أدى إلى نشوء ذلك العرف املعدل حذفا في‬
‫النص الدستوري وكذلك حدث في سنة ‪ 1969– 1962‬في نفس البلد أين قدم رئيس الجمهورية‬
‫مباشرة مشروعين لتعديل الدستور دون عرضهما على املجلسين لتصويت املسبق مع أن هناك‬
‫نصوص صريحة خاصة بكيفية تعديل الدستور ‪.‬‬
‫والحقيقة أن هذا النوع من العرف موجود ومطبق وان إنكار الصفة الدستورية عنه من جهة‬
‫واالعتراف به من جهة ثانية ليس له ما يبرره وهو يتناقض واملنطق والواقع ‪.‬‬
‫‪-4‬الفـقـه ‪ :‬يقصد بالفقه الدراسات والبحوث التي قام او جاء بها فقهاء القانون والفقه ال‬
‫يعتبر مصدرا رسميا للدستور وإنما مصدر تفسيرا يستأنس به في تفسير دستور وبيان كيفيات سنه‬
‫فضال عن قيام رجال الفقه بشرح وتبيان محاسن وعيوب هذه الدساتير كما أنه يهتم بدراسة‬
‫وتحليل األحكام القضائية ملا لها من تأثير على مسار قواعد دستورية والذي ال شك فيه انه وغن‬
‫كانت اآلراء الفقهية غير ملزمة إال أنها تلعب دورا هاما في تفسير النصوص القانونية وكثيرا ما يتأثر‬
‫به القضاء في إصدار أحكامه أو املشرع أثناء سن القوانين والقواعد الدستورية وهو ما يكسب تلك‬
‫اآلراء سمعه أدبية كثيرا ما تلقى احترام من قبل املشرع الدستوري ومن ذلك روح القوانين والعقد‬
‫االجتماعي أو السياس ي لكل من مونتسكيو وجان جاك وروسو وجون لوك ‪.‬‬
‫أساليب نشأة الدساتير ونهايتها ‪:‬‬
‫تنشأ الدساتير وتنتهي بأساليب مختلفة ومتعددة وقبل تعرض ألساليب نشأتها ونهايتها يتوجب علينا‬
‫بحث أسباب نشأة الدساتير والتطور الذي عرفته بفعل تزايد مهام الدولة ‪.‬‬
‫أسباب والدوافع األساسية لوضع الدستور ‪:‬‬
‫إن انهيار الحكم امللكي املطلق بعد ثورات األوربية وسيطرت البورجوازية على السلطة إلى جانب‬
‫ظهور فكرة القومية وانحصار االستعمار كانت من األسباب والدوافع الرئيسية في دسترة أنظمة‬
‫الحكم وكان غرض شعوب األنظمة إثبات سيادتها داخلية واستغال ليتها وذلك بواسطة تنظيم‬
‫الحياة السياسية بوضع دستور يبن السلطات وعالقاتها في دولة الجديدة وعالقاتها باملحكومين‬
‫والدول األخرى وأن هذه الدول بوضع دستور تؤهل نفسها إلقامة حوار بين السلطة والحرية فكأنها‬
‫تعلن للغير بأنها وصلت إلى مرحلة النضج السياس ي ولها الحق في االنضمام للمجتمع الدولي ألنها إن‬
‫طالبت بذلك ‪.‬‬

‫الخاتمة ‪:‬‬
‫يسري القانون القديم على كل اآلثار التي تترتب على املراكز القانونية التي نشأت في ظله ‪ ،‬و ال يسري‬
‫القانون الجديد و لو صدر معدال من هذه اآلثار ‪ ،‬و إال أعتبر ذلك سريانا على املاض ي فلو كان‬
‫القانون القديم يجعل انتقال ملكية العقار بمجرد انعقاد العقد ثم صدر بعد أن أبرم عقد البيع‬
‫قانون جديد يجعل انتقال ملكية العقار مرهونا بإجراءات تسجيل ‪ ،‬ففي هذه الحالة يضل القانون‬
‫القديم هو الذي يسري على العقد و انتقال العقار دون القانون الجديد ‪.‬‬
‫أما إذا تحقق اآلثار القانونية التي يرتبها أحد املراكز القانونية يحتاج إلى وقت طويل‪ ،‬فنفرق بين أثار‬
‫ترتبت في ظل القانون القديم وهي تظل خاضعة ألحكامه وبين أثار لم تترتب بعد إال بعد صدور‬
‫القانون الجديد فتخضع له‪ ،‬فمثال لو وقع طالق في ظل القانون القديم‪ ،‬ثم صدر قانون جديد‬
‫يعدل من النفقة أو الحضانة فإن ما تم في ظل القانون القديم يظل يخضع له‪ ،‬وما تم في نطاق‬
‫القانون الجديد يخضع له ‪.‬‬
‫ويستثني أصحاب النظرية الحديثة من مبدأ عدم رجعية القوانين االستثنائيين اآلتيين بحث يسمح‬
‫فيهما تطبيق القوانين الجديدة بأثر فورى على الوقائع واملراكز القانونية التي تمت في ظل القانون‬
‫القديم وهما‪ :‬إذا نص القانون الجديد على رجعيته بصراحة النص‪ ،‬وفي حالة صدور قوانين‬
‫تفسيرية ملا صدر من قوانين في ظل القانون القديم‪ ،‬وبهذا تكون النظرية الحديثة‪ ،‬قد تشابهت‬
‫بهذين االستثنائيين على مبدأ عدم رجعية القوانين ‪ ،‬بينما ال تأخذ النظرية الحديثة باالستثنائيين‬
‫اآلخرين التي قالت بهما النظرية التقليدية واملتعلقين ‪ ،‬بالقوانين الجنائية األصلح للمتهم ألن‬
‫تطبيقهم على املاض ي ال يكون وفقا ملبدأ عدم رجعية القوانين ‪ ،‬وإنما وفقا لألثر املباشر للقانون‬
‫الجديد ‪ ،‬أما القوانين املتعلقة بالنظام العام فال يكفي لكونها كذلك‪ ،‬أن تنطبق بأثر رجعي ‪ ،‬ألن‬
‫ذلك من شأنه أن يهدر الحريات ويبعث في املعامالت االضطراب ‪.‬‬

‫املراجع ‪:‬‬
‫‪ .1‬سعيد بوشعير‪ ،‬القانون الدستوري والنظم السياسية املقارنة‪ ،‬الجزء األول‪،‬ديوان‬
‫املطبوعات الجامعية‪،‬الجزائر‪.1999 ،‬‬
‫‪ .2‬خليل احمد حسن قدادة‪ ،‬شرح النظرية العامة للقانون في القانون الجزائري‪ ،‬ديوان‬
‫املطبوعات الجامعية‪،‬الجزائر‪.2002 ،‬‬

You might also like