You are on page 1of 2

‫الواجب‬

‫م‬

‫يعتبر مفهوم الواجب قاطب رحى الفلسفة الخألقاية ‪ ،‬إذ يشكل إحدى المقولتا الساسية التي انبنى عليها التفكير الفلسفي فششي الشششق‬
‫الخألقاي إلى جانب قايم أخأرى كالسعادة و الحرية‪ ...‬والحديث عن الواجب باعتباره أحد هذه القيم يدفعنا للتساؤل‪:‬ما هو الواجب ؟ومششا هششو‬
‫الساس الذي يقوم عليه؟هل يقوم على اللتزام الداخألي المؤسس على الوازع الخألقاي؟أم أنه يقوم على سلطة الكراه واللششزام الخششارجي‬
‫بغض النظر عن مصدره وطبيعته؟وإذا كان الواجب يقوم على اللتزام الداخألي أل يقتضي ذلك ضرورة وجود وعششي أخألقاششي مششن شششأنه أن‬
‫يشكل الساس الذي يقوم عليه الواجب ش إلى جانب أسس أخأرى كالقوانين الوضعية؟وعنششدما نتحششدث عششن الششواجب ‪،‬أل يحششق لنششا أيضششا أن‬
‫نتساءل ‪:‬هل الواجب هو واجب تجاه الذاتا أم تجاه الخأرين؟‬
‫المحور الول‪ :‬الواجب و الكراه‬
‫الحديث عن مفهوم الواجب يجرنا للتساؤل عما إذا كان إلزاما أم التزاما ؟بمعنى آخأر هل ما نقشدمه مشن واجشب هشو صشادر عشن رضشى‬
‫وطيب خأاطر؟أم لننا أرغمنا عليه؟‬
‫يذهب كانط إلى اعتبار الواجب هو القيام بالفعل احتراما للقانون شالقانون الذاتي الخألقاي القائم على الخير السمى‪ ،‬والمؤسس علششى‬
‫العقل والرادة ش وعلى هذا النحو يكون المرجع الساسي الذي يجب أن ينطلق منه الجميع هو العقل لنششه كششوني بالنسششبة للجميششع‪ .‬والحكششم‬
‫الخألقاي إذ يصدر عن الرادة الخيرة الحرة ش التي مصدرها العقل هي الخأرى ش فهو أيضا يمكن توصيفه بالكوني‪.‬‬
‫اهتجس كانط بهاجس الكونية وهو يبني فلسفته النقدية بشكل عام‪ .‬لششذلك وضششع قاششوانين تتسششع رقاعتهششا لتشششمل النسششان كمفهششوم‪ ،‬أي‬
‫النسان في صيغته المطلقة‪ ،‬مركزا على العقل والرادة لطابعهما الكوني والمشترك‪ .‬فالعقششل العملششي إلششى جششانب الرادة همششا المشششرعين‬
‫لمفهوم الواجب‪ ،‬الذي هو إكراه‪ ،‬من حيث هو فعل خأاضع للعقل‪ ،‬وللحرية‪ ،‬لن مصدره الرادة‪.‬‬
‫في حين يرى هيجل أن الطروحة الكانطية مجرد نزعة صورية تفتقر إلى التجلي والتجسد في الواقاششع‪ .‬فششالواجب مششع هيجششل ذو طششابع‬
‫مؤسساتي وغايته هي إقاامة الدولة القوية التي يبتدئ بناء صرحها من الفرد الذي ينصهر في الكل‪ ،‬بلغة صاحب الفينومنولوجيا " يجششب‬
‫على الفرد الذي يؤدي واجبه أن يحقق مصلحته الشخصية أو إشباعه وأن يتحول الشأن العام إلى شأن خأاص بفعل وضعيته داخأل الدولة‪.‬‬
‫فان دل هذا فإنما يدل على أن المصلحة الخاصة تنصهر ضمن المصلحة العامششة بحيششث يضششمن الفششرد حمايتهششا‪" .‬فششالفرد ششش يقششول هيجششل ششش‬
‫الخاضع للواجباتا سيجد في تحقيقها حمايته لشخصه ولملكيته باعتباره مواطنا‪ ،‬وتقديرا لمنفعته وإشباعا لمششاهيته الجوهريششة‪ ،‬واعششتزازا‬
‫بكونه عضوا في هذا الكل؛ وبذلك يغدو الواجب مرتبطا بالدولة ل بالذاتا في وجودها الخالص‪.‬‬
‫وعلى النقيض من ذلك يرى غويو أن الفعل الخألقاي ل يجب أن يصدر عن إلزام و ل عن خأوف من أي جزاء أو عقاب‪ .‬إنمششا يكششون‬
‫هو فعل تأسيسيا لمسار الحياة الششذي ل ينتهششي‪ ،‬و لغايشاتا حششددتها الطبيعششة النسشانية بوصشفها فاعليشة مطلقشة نحشو الحيشاة‪ .‬لكشن الشواجب‬
‫الخألقاي من وجهة النظر الطبيعية هاته التي ليس فيها شيء غيبي‪ ،‬يرتد إلى القانون الطششبيعي الشششامل ‪ ،‬فمصششدره هششو الشششعور الفيششاض‬
‫"بأننا عشنا و أننا أدينا مهمتنا ‪ ...‬و سوف تستمر الحياة بعدنا‪ ،‬من دوننا‪ ،‬و لكن لعل لنا بعض الفضل في هذا الستمرار"‪ .‬و المنحششى‬
‫نفسه يتخذه نيتشه حين يؤسس الخألقا على مبدأ الحياة بوصفها اندفاع خألقا محض‪ .‬إذ الفعل الخألقاي عند نيتشه ما يخدم الحياة ويزيد‬
‫من قاوتها و ليس ما يضعف الحياة و يزيد من محدوديتها‪ .‬هكذا هو الخير و الشر عند نيتشه‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬الوعي الخألقاي‬


‫يعتبر مفهوم الوعي الخألقاي مفهوما مركزيا في الفلسفاتا الخألقاية ‪.‬فما هو الساس الذي يقوم عليه هذا الوعي؟‬
‫يرى روسو أن الوعي الخألقاي إحساس داخألي موطنه وجداننا فنحن نحسه قابل معرفته ‪،‬وهو الذي يساعدنا على التمييز بيششن الخيششر‬
‫والشر ‪،‬والحسن والقبيح‪،‬وهي إحساساتا طبيعية وفطرية يسعى النسان من خأللها إلى تفادي ما يلحق الذى بششه وبششالخأرين‪،‬ويميششل إلششى‬
‫ما يعود عليه وعلى الخأرين بالنفع‪.‬المر الذي يقوي لديه الوعي الخألقاي فيجعله متميز عن باقاي الكائناتا الحيوانية الخأرى‪.‬‬
‫أما هيجل فانع يعتبر الوعي الخألقاي هو الربط بين الواجب والمبادئ الخألقاية‪.‬وفي هذا الطار يميز هيجل بين الواجب بمعنششاه القششانوني‬
‫واجب بمعناه الخألقاي ‪،‬فإذا كان النوع الول من الواجب يعتبر نموذجيا‪،‬فان النوع الثاني يفتقر إلى الطششابع النمششوذجي‪،‬وذلششك لقيششامه علششى‬
‫ادة الذاتية‪.‬لكن ‪،‬سرعان ما سيعكس هيجل هذا الحكم ‪،‬عندما سيعتبر الششواجب القششانوني واجبششا يفتقششر إلششى السششتعداد الفكششري‪،‬علششى عكششس‬
‫جب الخألقاي الذي يستدعي ذلك الستعداد‪،‬ويقتضي أن يكششون مطابقششا للحششق فششي ذاتششه‪.‬وعلششى هششذا النحششو يصششبح للششواجب الخألقاششي قايمششة‬
‫تباره وعيا ذاتيا وليس إلزاما خأارجيا‪.‬‬
‫وفي مقابل هذين التصورين ‪،‬يذهب نيتشه إلى رفض كل التزام أخألقاي ‪ ،‬سواء مششن الناحيشة المبدئيشة أو مشن ناحيشة ادعائنشا القششدرة علشى‬
‫يمه على جميع الذواتا‪.‬إن اعتبار اللتزام الخألقاي أساسيا للفعل الخألقاي ‪،‬هشو فشي نظشره هششو جهششل بالشذاتا وسشوء فهششم لهششا‪ ،‬وخأصوصشا‬
‫ما تدعي تلك الذاتا إمكانية تعميمه على كل الذواتا الخأرى‪ .‬وكبديل لهذا اللتزام‪ ،‬يشدد نيتشه على النانية الذاتيششة‪ ،‬بمششا تعنيششه مششن هنششاء‬
‫وع وتواضع‪ ،‬باعتبارها أساسا للسلوك النساني عوض ذلك اللتزام الخألقاي الزائف‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬الواجب و المجتمع‬
‫ماهي الصلة التي يمكن إقاامتها بين الواجب والمجتمع ؟ وكيف تتحدد واجباتا الفرد تجاه المجتمع والخأرين؟‬
‫يرى دوركهايم بأن المجتمع يشكل سلطة معنوية تتحكم في وجدان الفراد‪ ،‬و يكون نظرتهم لمختلف أنماط السلوك داخأله‪ ،‬و مششن ثمشة‬
‫فالمجتمع يمارس نوعا من القهر و الجبر على الفراد إذ هو الذي يرسم لهم معالم المتثال للواجب الخألقاي و النظم الخألقاية عمومششا‪ ،‬و‬
‫لما كانت الحال كذلك لن الفراد ييسلب منهم الوعي بالفعل الخألقاي‪ ،‬لنه لم يكن نابعا من إرادة حرة و واعية و إنما عششن ضششمير و وعششي‬
‫جمعيين هما المتحكمان في سلوكياتا الفراد‪ .‬و بالتالي فالمجتمع سلطة إلزاميششة "و الششتي يجششب أن نخضششع لهششا لنهششا تحكمنششا و تربطنششا‬
‫بغاياتا تتجاوزنا‪.‬‬
‫و من ثمة فشالمجتمع يتعشالى علشى الراداتا الفرديشة‪ ،‬و يفشرض السشلوكياتا ال تي يجشب أن يكشون بمشا فيهشا السشلوكياتا الخألقاي ة لن‬
‫المجتمع "قاوة أخألقاية كبيرة‪ .‬فيحقق الفراد غاية المجتمع ل غاية ذواتهم و النصاتا لصوته المر لن "تلك المشاعر الششتي تملششي علينششا‬
‫سلوكنا بلهجة آمرة صارمة و ضميرنا الخألقاي لم ينتج إل عن المجتمع و ل يعبر إل عنه‪.‬‬
‫أما ماكس فيبر فينصرف في حديثه عن الواجب الخألقاي و الخألقا عموما إلششى القششول بششأن الخألقا فششي مجملهششا تنقسششم إلشى نمطيششن‬
‫اثنين‪ :‬نمط أول موسوم بأخألقا القاتناع ذاتا المظهر المثالي و المتعالي التي يكون فيهششا الفششرد غيششر متحمششل ليششة مسششؤولية‪ ،‬و إنمششا هششي‬
‫مركونة إلى المؤثراتا و العوامل الخارجية التي ل يتدخأل فيها الفرد‪ ،‬و إنما تطرح فيه بتأثير البعاد الدينية‪ ،‬بما هي صششوتا متعششال يصششدر‬
‫أوامره‪ ،‬حيث إن " أخألقاية القاتناع لن ترجع المسؤولية إلى الفاعل‪ ،‬بل إلى العالم المحيط و إلى حماقاة البشر و إلى مشيئة ا الذي خألق‬
‫الناس على بهذه الصورة‪.‬‬
‫و نمط ثان من الخألقا هو ما أطلق عليه أخألقا المسؤولية‪ ،‬التي تصدر من الذاتا الفردية و تتأسششس علششى الششوعي الفششردي الحششر‪ ،‬إذ‬
‫"نحن مسئولون عن النتائج التي تمكن توقاعها لفعالنا"‪ ،‬و ل ترجع المسؤولية إلى بعد خأارجي قاسري‪ ،‬ل علقاة لهششذه الخألقا بالقششدر أو‬
‫بالحظ‪.‬‬
‫لكن جون راولز صاحب نظرية العدالة في الفكر السياسي المعاصر‪ ،‬فيشذهب الششى أن الشواجب الخألقاشي باعتبششاره نمطششا مشن التضشامن‬
‫الذي يبنيه و يؤسسه الجيل السابق للجيل اللحق‪ ،‬حتى يستطيع الجيل الول أن يوفر كششل إمكانيششاتا العيششش الرغيششد و المريششح‪ .‬فكششل جيششل‬
‫يتحمل على كاهله مسؤولية تأمين المستقبل الذي ل يجعل الجيل اللحق في حالة من الضياع و التشتت‪.‬‬
‫و كثيرة هي المناحي التي ينبثق منها هذا الواجب الخألقاي بما هو تضامن بين الجيال ‪ ،‬و هذا التضامن هو خأدمة للمجتمع عموما و‬
‫تقسيم الثرواتا بشكل عادل‪.‬‬
‫خأاتمة‬
‫انطلقاا مما سبق التطرقا إليه من مواقاف نجد أن الواجب الخألقاي مفهوم يتراوح بين عدة أنظار و مواقاف متباينششة ل تتعششارض أكششثر‬
‫مما تكون صورة بانورامية حوله‪ ،‬فمنهم من جعل من الواجب إرادة حرة و مطلقة في مقابل رأي معاكس إذ يرى النقيض‪ ،‬حيث جعل مششن‬
‫الواجب الخألقاي جزءا ل يجتزئ عن سلطة من السلط إما نفسية أو دينية أو غير ذلك‪...‬‬
‫] لديك إضافة او ملحظة[‬ ‫] لديك موقع مكمل لدرس[‬

You might also like