You are on page 1of 61

‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬

‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫نصائح ُمنهجية‬
‫لطالب ُعلم‬
‫السنة ُالنبوية‬
‫تأليف‬
‫الشريف ُحاتم ُبن ُعارف‬
‫العوني‬
‫جدول ُالمحتويات‬
‫تمهيد‪6.........................................................................................................‬‬
‫شرف ُعلم ُالحديث ُوشرف ُحملته‪8.....................................................‬‬
‫أهم ُمميزات ُعلم ُالحديث ُوأوضح ُخصائصه‪14..................................‬‬
‫فمن ُالسأباب ُالتي ُيستعان ُبها ُفي ُحفظ ُالحديث‪31...................:‬‬
‫الول ُحسن ُالنية‪31................................................................................:‬‬
‫الثاني‪ُ :‬اجتناب ُارتكاب ُالمحرمات ُومواقعة ُالمحظورات‪32........:‬‬
‫الثالث‪ُ :‬العمل ُبالحديث ُالذي ُيرويه ُويحفظه‪32..............................:‬‬
‫الرابع‪ُ :‬اغتنام ُالوقات ُالمناسأبة ُفي ُاليوم ُللحفظ‪33..................:‬‬
‫الخامس‪ُ :‬اغتنام ُفترة ُالصبا ُوالشباب‪33..........................................:‬‬
‫السادس‪ُ :‬اختيار ُالماكن ُالمناسأبة ُللتحفظ‪34................................:‬‬
‫السابع‪ُ :‬الجهر ُبقراءة ُما ُيراد ُحفظه‪34............................................:‬‬
‫الثامن‪ُ :‬إحكام ُالحفظ ُبكثرة ُتكريرة‪34...............................................‬‬
‫التاسأع‪ُ :‬تعهد ُالمحفوظ‪ُ ،‬بإعادة ُالنظر ُفيه ُوتكريره‪ُ ،‬في ُأوقات‬
‫مختلفة‪35..................................................................................................:‬‬
‫ولهذه ُالطريقة ُمميزات ُوعيوب‪38.................................................... :‬‬
‫وأما ُالطريقة ُالثانية ُللحفظ‪38...........................................................:‬‬
‫الميزة ُالثالثة‪ُ :‬ولك ُفي ُسأيرة ُالعلماء ُقدوة‪42...............................:‬‬
‫الميزة ُالرابعة‪ُ :‬منهج ُالقراءة ُوالتعلم لكتب ُالحديث ُوالمصطلح‬
‫‪47‬‬

‫‪1‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫مقدمة‬
‫إن الحمععد للععه نحمععده ونسععتعينه ونسععتغفره‪ ،‬ونعععوذ‬
‫بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله‬
‫فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إلععه إل‬
‫الله وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا ا عبده ورسوله‪.‬‬
‫وصلى الله أفضل صلةا وأكمل تسليم على سيد ولععد‬
‫آدم المبعوث رحمععة للععالمين محمععد عبععد اللععه ورسععوله‪،‬‬
‫وعلى آله وأصحابه والتابعين‪:‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإن طلب العلم من أعظم العبادات‪ ،‬وثععوابه‬
‫يفضل ثواب أكثر القربات‪ ،‬وسبل تحصععيله سععبل الجنععات‪،‬‬
‫تظلععه الملئاكععة فيهععا بأجنحتهععا خاضعععات‪ ،‬وتنععزل علععى‬
‫مجالسه السكينة والرحمات‪.‬‬
‫فرضععي اللععه عععن سععهر تلععك الليععالي فععي الجععد‬
‫والتحصيل‪ ،‬وأنعم بتلك الخطى في طلععب علععوم التنزيععل‪،‬‬
‫وأعظععم بالزاهعععدين إل فععي ميعععراث النبععوةا‪ ،‬الهعععاجرين‬
‫المضاجع والوطان الخذين الكتاب بقوةا‪.‬‬
‫فإن عجب أحععد مععن هععذا الثنععاء القليععل‪ ،‬فععي طععالب‬
‫العلم الجليل ؛ سألته بالله‪:‬‬
‫هل دبت على وجه الرض خطى أشععرف مععن خطععى‬
‫طالب علم ؟!‬
‫وهل حوت السحار والبكععار أجععد منععه فععي طلبععه ؟!‬
‫وهل مر على السماع ألذ مععن دندنععة المتحفظيععن وزجععل‬
‫القارئاين ؟! وهل امتلت القلوب هيبععة لمثععل منكععب علععى‬
‫كتاب ؟! وهل انشرحت الصدور إل في مجالس الععذكر ؟!‬
‫وهل انعقدت المال جميعها إل على حلق التعليم ؟! وهععل‬
‫نزلت السكينة والرحمة على مثل الدارسععين لكتععاب اللععه‬
‫العظيم ؟! وهل تضععاءلت عععروش الملععوك إل عنععد منععابر‬
‫العلماء ؟! وهل عمرت المساجد في غير أوقات الصلوات‬
‫بمثل مجالس التعليم ؟!‬
‫أخبروني ؟ بالله عليكم!!!‬

‫‪2‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫ثم أسألكم بالله‪ :‬هل تعلمون خيرا ا من شاب في هذا‬


‫العصر‪ ،‬هجر الدنيا وزهد ملذاتها‪ ،‬ونأى بعيدا ا عن شععهواتها‪،‬‬
‫وانعععزل عععن فتنهععا الععتي تسععتفز الحليععم‪ ،‬وانقطععع عععن‬
‫إغواءاتها التي تستخف بالرزين‪ ،‬وترك الناس على دنيععاهم‬
‫يتكالبون‪ ،‬وهجر من أهله وإخوانه تنافسعهم علععى القصعور‬
‫والموال والمناصب‪ ،‬فإن مر على اللغععو مععر مععر الكععرام‪،‬‬
‫وإن تعرض له الجاهلون أعععرض وقععال‪ :‬سععلم ؛ وهععو مععع‬
‫ذلك شاب في عنفوان الشباب‪ ،‬أمععامه مسععتقبل عريععض‪،‬‬
‫وعليه مسئولية بناء جديد‪ ،‬وينظر إلى الفق البعيععد نظععرةا‬
‫ملؤها المال والحلم‪ ،‬تفور فيه غرائاز الشهوات‪ ،‬ويجيععش‬
‫فؤاده بالعواطف‪ ،‬وتتفجر دماؤه حماسا ا ؛ ثم هععو هععو ذلععك‬
‫الذي تجاوز هذا كله!! وجعله وراءه ظهريععاا!! وأقبععل علععى‬
‫العلم‪ ..‬على مرارته‪ ،‬وانكب علععى الكتععاب‪ ..‬علععى مللتععه‪،‬‬
‫وإذا حن إلى عناق كاعب‪..‬خالفته يدا كععاتب‪ ،‬وإذا اشععتهت‬
‫شفتاه أن يرتشف الرضاب‪ ..‬تمتععم ملتععذا ا بقععراءةا كتععاب ؛‬
‫قطع اليععام فععي التحصععيل‪ ،‬وسععهر الليععالي علععى الععدرس‬
‫والترتيل ؛ يقرأ حتى تزوغ عينععه‪ ،‬ويكتععب حععتى تكععل يععده‪،‬‬
‫ويدرس حتى يكد ذهنه!!!‬
‫أخبروني‪ ..‬من أفضل من هذا ؟!!‬
‫مع ذلك فإنه يرى أن الذي هو فيعه‪ :‬هعو الحيععاةا حقعاا‪،‬‬
‫وجنة دار الفناء صدقاا‪ ،‬يرحم أهل الدنيا‪ ،‬ويحنو علععى أبنععاء‬
‫الملذات ؛ لنععه يعععرف أنععه علععى برنامععج العلمععاء‪ ،‬ومنهععج‬
‫الولياء‪ ،‬وخطة الفقهاء‪ ،‬وغاية الكبراء‪ ،‬ومعارج التقياء‪.‬‬
‫فيترنم بقول القائال ‪:‬‬
‫لمحبرةا تجالسني نهاري‬
‫أحب إلي من أنس الصديق‬
‫ورزمة كاغد في البيت عندي‬
‫أحب إلي من عدل الدقيق‬
‫ولطمة عالم في الخد مني‬
‫ألذ لدي من شرب الرحيق‬

‫‪3‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫ولست أنععا بالععذي يععذكر فضععل طععالب العلععم‪ ،‬إذ قععد‬


‫رددت ذلععك المحععاريب وأصععداؤها‪ ،‬وضععجت بععه أروقععة‬
‫المساجد وقبابها‪ ،‬وتعبد بترتيله المتهجدون‪ ،‬وتقرب بتدبره‬
‫أهل العلم الراسخون ؛ وقبل ذلك نزل بععه الععروح الميععن‪،‬‬
‫على قلب سيد المرسلين صلى الله عليععه وسععلم ؛ وقبععل‬
‫ذلك تكلم بععه اللععه الععذي ل إلععه إل هععو الرحمععن الرحيععم ؛‬
‫فقال تعالى ‪ :‬في الحث على سؤال التعلم – الذي هو أول‬
‫درجاته – )فسئلوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون( ]النحععل‪:‬‬
‫‪ ،[43‬وقال عز وجل في المر بالرحلة لطلب العلم‪) :‬ومععا‬
‫كان المؤمنون لينفروا كافة فلول نفر من كل فرقة منهععم‬
‫طائافة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم‬
‫لعلهم يحذرون( ]التوبة‪ ،[122:‬وما أمر سبحانه نبيه صععلى‬
‫الله عليه وسلم بطلب الزيادةا فععي شععععيء فععي الععدنيا‪،‬إل‬
‫من العلم‪ ،‬فقال تعالى‪) :‬وقل رب زدني علماا( ]طه‪[114:‬‬
‫؛ وأشاد سبحانه – أيما إشادةا! – بفضل أهل العلععم‪ ،‬ورفععع‬
‫من شأنهم‪ ،‬وأعلععى مععن قععدرهم‪ ،‬بمععا يعجععز عععن بيععانه إل‬
‫البيان المبين‪ ،‬من كلم رب العالمين‪ ،‬فقال عز مععن قائاععل‬
‫)شهد الله أنه ل إله إل هو والملئاكععة وأولععوا العلععم قائامععا ا‬
‫بالقسط ل إله إل هععو العزيععز الحكيععم( ]آل عمععران‪،[18 :‬‬
‫وقععال سععبحانه وتعععالى‪) :‬إنمععا يخشععى اللععه مععن عبععاده‬
‫العلماء( ]فاطععر‪ ،[28 :‬وقعال سعبحانه )يرفعع اللعه العذين‬
‫ءامنوا والذين أوتوا العلم درجات( ]المجادلة‪ ،[11 :‬وقععال‬
‫عععز شعععانه )قععل هععل يسععتوى الععذين يعلمععون والععذين ل‬
‫يعلمون( ]الزمر‪.[9 :‬‬
‫فلما كانت لطالب العلم مكانته الععتي نوهنععا ببعضععها‪،‬‬
‫تبين أنه على صغر سنة طععالب جليععل‪ ،‬وعلععى قلععة عملععه‬
‫بسلوكه مسالك الطلب استحق التبجيل‪.‬‬
‫ومن حق هذا الذي يقفو آثار العظمععاء‪ ،‬ويلععوث علععى‬
‫رأسه عمامة العلمععاء ؛ أن يكععون لععه نصععيب مععن التععوجيه‬
‫كبير‪ ،‬وحظ من النصح وفير‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫ولما طلععب منععي مكتععب التوعيععة بمكععة المكرمععة أن‬


‫ألقععي كلمععة علععى منهععج القععراءةا فععي كتععب الحععديث‬
‫والمصععطلح‪ ،‬ورأيععت أن الرفععض ل يسعععني‪ ،‬أجبتهععم إلععى‬
‫رغبتهم‪ ،‬على ضعف وعجز‪ .‬لكني من حين أجبت‪ ،‬عزمععت‬
‫على أن أجعل المنهج المطروح منهجا ا مستقى من مناهععج‬
‫العلماء‪ ،‬ودربا ا نص الئامة علععى أنهععم قععد سععاروا عليععه‪ ،‬أو‬
‫دلت سيرهم وأخبارهم وعلومهم علععى أنهععم قععد طرقععوه‪.‬‬
‫وإنما عزمت على هذا العزم‪ ،‬لن منهج تعلم أي علم يجب‬
‫أن يؤخذ عن العلمععاء بععذلك العلععم‪ ،‬الععذين عرفععوا دروبععه‪،‬‬
‫وأحععاطوا بسععبله‪ ،‬وملتهععم الخععبرةا بععه بصععيرةا بالسععلوب‬
‫الصحيح في تلقيه‪ ،‬وأشبعتهم فنونه بالوسائال المبلغة إليه‪.‬‬
‫وتم ما أعددته لتلك الكلمة في الشهر الول من عام‬
‫)‪1418‬هع(‪ ،‬وألقيتها في هذا التاريخ‪.‬‬
‫ثم تكرر إلى الطلب بنشرها مكتوبة‪ ،‬حسن ظن مععن‬
‫الطالبين‪ ،‬فرأيت أن إجابة سؤالهم فيه تحقيععق فائاععدةا وإن‬
‫صغرت‪ ،‬وتوجيه نصيحة لطلبة العلم ل تخلو من نفع‪.‬‬
‫وعلى هععذا فهععذه الرسععالة فععي أصععلها كلمععة ملقععاةا‪،‬‬
‫ضمن سلسة من الكلمععات نظمتهععا إدارةا مكتععب التوعيععة‬
‫بمكة المكرمة مشكورةا مأجورةا إن شاء الله تعععالى‪ .‬وقععد‬
‫سععبقت هععذا الكلمععة كلمععات حععول آداب العلععم وطلبععه‬
‫ومناهجه عموماا‪ ،‬ثم خصصت علوم الحديث بالدرس الذي‬
‫أقوم بنشره اليوم‪ .‬وعلى هذا فرسالتنا هذه مسععبوقة بمععا‬
‫يغني عن تكراره هنا‪ ،‬ولععذلك فقععد جععاءت مقتصععرةا علععى‬
‫الوسائال المبلغة لطالب العلم إلى أن يصبح محدثا ا عارفععا ا‬
‫بسععنة النععبي صععلى اللععه عليععه وسععلم‪ ،‬دون التطععرق إلععى‬
‫أبواب العلم الخرى على جللتها وفضلها‪.‬‬
‫فأسععأل اللععه عععز وجععل أن ينفععع بهععذه الورقععات وأن‬
‫يسععتخرج بهععا مععن قلععب مععؤمن بظهععر الغيععب دعععوات‬
‫صالحات‪ ،‬وأن يجعلها في موازين الحسنات‪ ..‬آمين‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫والحمد لله وحده والصلةا والسلم علععى مععن ل نععبي‬


‫بعده‪ ،‬وعلى آله وأصحابه أجمعين‪ ،‬والتابعين لهم بإحسععان‬
‫إلى يوم الدين‪.‬‬
‫وكتب‬
‫الشريف حاتم بن عارف بن ناصر العبدلي العوني‬

‫‪6‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫تمهيد‬

‫هناك مبادئ عامة ينصح بها كل طالب علععم‪ ،‬ليضعععها‬


‫أمام عينيععه عنععد أول مععا ينععوي السععير فععي طريععق العلععم‬
‫الطويل‪ .‬وبعض هذه المبادئ العامة سععوف تكععون مععدخلنا‬
‫إلى الجععواب عععن السععؤال الععذي يسععأل عنععه قععارئ هععذه‬
‫الورقات‪ ،‬وهو‪ :‬كيف أصبح محدثا ا عارفا ا بسنة النبي صععلى‬
‫الله عليه وسلم ؟‬
‫فل شك أن أول مععا يلععزم مععن أراد أن يكععون طععالب‬
‫علم )أي علم من العلععوم(‪ ،‬أن يتعععرف علععى العلععوم مععن‬
‫جهة موضوعاتها وغاياتها والثمرةا الناتجة عنها‪ .‬لنععه بععذلك‬
‫يعرف شرف كل علم وفضله‪ ،‬ومنقبععة حملععة ذلععك العلععم‬
‫ورفعة قدرهم‪ .‬وهذا يجعله قادرا ا على ترتيب العلوم علععى‬
‫حسب أهميتها‪ ،‬ووضعها في مراتبها من أولوية التعليم‪.‬‬
‫فإذا ما ابتدأ طلب علععم مععن العلععوم بعععد ذلععك‪ ،‬وقععد‬
‫عرف أنه فضائاله ومناقب حملته‪ ،‬وعرف إنما ابتدأ به لنه‬
‫أحق من غيره ببداية التعلم‪ ،‬وأولى مما سععواه بععأن يكععون‬
‫باكورةا الطلب ؛ زاده ذلك إقبال ا على العلم‪ ،‬وحرصا ا عليه‪،‬‬
‫وصبرا ا في تحصيله‪ ،‬وثقة بصواب خطواته‪ ،‬واطمئنانا ا على‬
‫صحة منهجه‪ .‬فل يزيده بعد ذلك طععول الطريععق إل جلععداا‪،‬‬
‫ةا‪ ،‬ول تعب جسده‬ ‫ول وعورته إل جداا‪ ،‬ول صعوبته إل مثابر ا‬
‫فيه إل راحة نفسه‪ ،‬ول اغترابه مععن أجلععه إل أنسععا ا بععه‪ ،‬ول‬
‫قلة ذات يده إل فرحا ا بالسععتكثار منععه‪ .‬حععتى يبلععغ المنععى‪،‬‬
‫ويحصد الجنى‪.‬‬
‫لذلك حرصت أن ل تخلو هذه الورقات مععن إلماحععات‬
‫عن شرف علم الحديث وبيان فضل المحععدثين؛ وهععذا هععو‬
‫العنوان الول بعد هذا التمهيد‪.‬‬
‫وبعد أن تعرف طعالب العلعم علعى معا سعبق‪ ،‬ينبغعي‬
‫عليه أن يستنصح أهل العلم الذي رأى أن يبدأ به‪ ،‬ويطلب‬
‫منهم أن يوقفوه على خصائاص ذلك العلم التي تميزه عععن‬
‫غيره من العلوم‪ ،‬وأن يقععرأ بعععض مععا ألععف فععي التعريععف‬

‫‪7‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫بذلك العلم وفي بيان مميزاته الععتي تختععص بععه‪ .‬حيععث إن‬
‫لكععل علععم ملمععح كععبرى تفععارقه عععن غيععره مععن العلععوم‪،‬‬
‫وقسمات خاصة به كالتي تباين بين الشخاص المختلفيععن‪.‬‬
‫وهذه الملمح والقسمات هي في الحقيقة سر كععل علععم‪،‬‬
‫وكاشف لغز كل فن‪ ،‬ومفتاح كنوز دقائاق العلععوم‪ .‬وتظهععر‬
‫آثار العلععم بهععذه الملمععح )أو عععدم العلععم بهععا( علععى كععل‬
‫مسععألة جزئايععة منععه‪ ،‬لن بصععماتها ل تخلععوا منهععا جميععع‬
‫جزئاياته‪.‬‬
‫وتعععرف أهميععة البتععداء بععإدراك خصععائاص علععم مععا‪،‬‬
‫وضرورةا فهم مزاياه من أول القبععال عليععه ؛ مععن جهععتين‬
‫اثنتين‪:‬‬
‫الولععى‪ :‬أن تلععك المزايععا والخصععائاص تمكععن طععالب‬
‫العلم من أن يقدر إن كان باستطاعته استيعاب ذلك العلم‬
‫وأن يبرع فيه‪ ،‬أول يستطيع ؛ على حسب مواهبه الفطرية‬
‫وميععوله العلميععة‪ .‬وذلععك فيمععا إذا وازن طععالب العلععم –‬
‫بصععدق وموضععوعية – بيععن تلععك المميععزات وقععدرته علععى‬
‫التعلم‪ .‬فكم من طالب علم تعثر في حياته العلمية بسبب‬
‫عدم قيامه بهذه الموازنة‪ ،‬وكم من طالب علععم لععو حععاول‬
‫إدراك تلك المميزات للعلوم لوضع قدمه في أول الطريق‬
‫الصحيح لعلم منها‪ ،‬ثم برع وأبدع فيه بعد ذلك‪.‬‬
‫الثانيععة‪ :‬أن تلععك الخصععائاص والمميععزات الكععبرى لي‬
‫علم من العلوم تستلزم أسلوبا ا خاصا ا فععي طلبععه ؛ ولكععل‬
‫خصيصة منها منهج معين في التحصيل بمواجهتها‪ .‬فإدراك‬
‫طالب ذلععك العلععم‪ ،‬يجعلععه واعيععا ا للسععلوب الصععحيح فععي‬
‫طلب ذلك العلم‪ ،‬عارفا ا بعقبعات علمعه وبوسعائال تجاوزهعا‬
‫بسرعة ؛ فهو بهذا الوعي والمعرفععة محيععط بالغايععة الععتي‬
‫يريععد‪ ،‬حععتى كععأنه بلغهععا )وإن لععم يبلغهععا(‪ ،‬لشععدةا وضععوح‬
‫طريقها أمامه‪ ،‬ولعدم خوفه من حواجز تحول بينه وبينها‪.‬‬
‫وهذا ما جعلني أثني )بعد ذكععر شععرف علععم الحععديث‬
‫وشرف أهله( بأربع مميزات لعلم الحديث‪ ،‬هي فععي ظنععي‬

‫‪8‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫أهم خصائاصه‪ ،‬وأوضح ملمحه‪ ،‬تسععتوجب تجاههععا طريقععة‬


‫خاصة في الطلب ومنهجا ا معينا ا في تعلم علم الحديث‪.‬‬
‫ثم ختمت هذه الورقات بذكر خطععة دراسععية منهجيععة‬
‫مختصرةا للحديث النبوي الشريف ولعلومه‪ ،‬حاولت خللها‬
‫وضع مستويات دراسععية مرتبععة علععى نظريععة التععدرج فععي‬
‫طلب العلععم‪ ،‬مععن البدايععة بععالمجملت إلععى الوصععول إلععى‬
‫المفصلت الموسعات من كتب العلم‪.‬‬
‫ومن خلل هذه العناصر أحسب أني قد ساهمت فععي‬
‫الجابة على سؤال يقول‪ :‬كيف أصبح محععدثا ا عارفععا ا بسععنة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وإليك الجابة )بعون الله تعالى(‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫شرف ُعلم ُالحديث ُوشرف ُحملته‬


‫ل يشععك مسععلم مععن المسععلمين أن القععرآن الكريععم‬
‫وعلومه أشرف العلععوم علععى الطلق‪ ،‬وأنععه أنفععع العلععوم‬
‫وأجلها وأعظمها بل استثناء‪.‬‬
‫وأهم علوم القرآن الكريم وأعظمهععا‪ ،‬ومععا مععن أجلععه‬
‫أنزل‪ ،‬هو تدبر آياته‪ ،‬وفهم معانيه ؛ لن الغاية العظمى من‬
‫إنعععزال القعععرآن هعععي العمعععل بعععه‪ ،‬والعتبعععار بمعععواعظه‪،‬‬
‫والستضاءةا بحكمه ؛ وذلك ل يحصل أبدا ا قبل فهم معععانيه‬
‫وتدبر آياته ؛ وإل فكيف يعمل بالقرآن من لم يفهم القرآن‬
‫؟!‬
‫ول يتععم فهععم كلم اللععه تعععالى‪ ،‬ول يمكععن أن نععدرك‬
‫معاني كتاب الله المجيد‪ ،‬وإل بسنة النبي صلى اللععه عليععه‬
‫وسلم وعلومها‪ ،‬لن السنة هي الشععرح النظععري والعملععي‬
‫للقرآن الكريم‪.‬‬
‫ومن هنععا نععدخل إلععى أعظععم مععا يععبين مكععانه السععنة‬
‫وعلومها‪ ،‬وإلى منزلتها بين العلوم على الطلق ؛ وهو أنععه‬
‫ل سععبيل إلععى فهععم القععرآن الكريععم‪ ،‬وإلععى معرفععة ديععن‬
‫السلم الذي ل يقبععل اللععه تعععالى سععواه‪ ،‬إل بسععنة النععبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وعلومها!!‬
‫أو بعبععارةا أخععرى‪ :‬بمععا أن القععرآن الكريععم أشععرف‬
‫العلوم‪ ،‬وأشرف علومه فهم معععانيه ل يكععون إل بالسععنة ؛‬
‫فالسنة إذا أشرف علوم القرآن‪ ،‬أو قل‪ :‬أشرف العلوم!!‬
‫قال الله تعالى‪) :‬وأنزلنا إليك الذكر لتععبين للنععاس مععا‬
‫نزل إليهم ولعلهم يتفكرون( ]النحععل‪ ،[44:‬فمنطععوق هععذه‬
‫الية الكريمة يخبر أن إنزال القرآن الكريم كان مععن أجععل‬
‫بيععان النععبي صععلى اللععه عليععه وسععلم لععه ؛ بسععنته القوليععة‬
‫والفعليععة والتقريريععة!! وهععذا المنطععوق غريععب جععدا ا لمععن‬
‫تأمله‪ ،‬لنه يخالف المتبادر إلى الذهن‪ ،‬من أن سععنة النععبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إنما كانت من أجل أن تبين القععرآن‬
‫الكريم‪ ،‬أي أن القرآن هععو الغايععة الععتي مععن أجلهععا جععاءت‬

‫‪10‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫السنة‪ ،‬أما الية فقد قالت بضد ذلك‪ ،‬حيععث جعلععت السععنة‬
‫وبيانها غاية من أجلها انزل القرآن!!!‬
‫وهذا من إعجاز القععرآن فععي الشععادةا بمكانععة السععنة‬
‫من القرآن‪ ،‬وفي التأكيد على عدم استغناء القععرآن عنهععا‪،‬‬
‫بل وعلى بطلن مثل ذلك الستغناء‪ ..‬إن زعم!!‬
‫ولهذه المنزلة العليا للسنة‪ ،‬ولعلقتها القوية الوشائاج‬
‫والصععلت بععالقرآن الكريععم‪ ،‬كععان يقععول غيععر واحععد مععن‬
‫السلف‪ ،‬منهععم مكحععول الشععامي )ت ‪ 118‬هععع(‪) :‬القععرآن‬
‫أحععوج للسععنة مععن السععنة للقععرآن( )‪ .(1‬وذلععك لن إجمععال‬
‫القرآن يحتاج إلى تفصيل السنة‪ ،‬ومتشابه القرآن تفسععره‬
‫السععنة ؛ فععي حيععن أن السععنة – غالبععا ا – مفصععلة مبينععة‬
‫واضحة‪.‬‬
‫ولهذا يصح أن يقععال عمععن يتعلععم السععنة‪ :‬إنععه يتعلععم‬
‫القرآن‪ ،‬ولمن يقرأ السنة‪ :‬إنه يقرأ تفسير القرآن!!‬
‫وقد كععان ذلععك واضععحا ا تمععام الوضععوح عنععد السععلف‪،‬‬
‫ولهذا لما قيل لمطرف بن عبععد اللععه بععن الشععخير )ت ‪95‬‬
‫هع(‪) :‬ل تحدثونا إل بالقرآن‪ ،‬قعال مطعرف‪ :‬والل ه معا نريعد‬
‫ل‪ ،‬ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا ( )‪.(2‬‬ ‫بالقرآن بد ا‬
‫ويجب التنبه إلى أن تفسير السنة للقععرآن ليععس هععو‬
‫وحده التفسير الصريح لمعانيه من النبي صععلى اللععه عليععه‬
‫وسلم‪ ،‬كأن يععذكر النععبي صععلى اللععه عليععه وسععلم آيععة ثععم‬
‫يشععرحها شععرحا ا مباشععراا‪ .‬نعععم هععذا مععن تفسععير السععنة‬
‫للقرآن‪ ،‬لكن الخضم العظععم منععه هععو جميععع سععنة النععبي‬
‫صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية والتقريرية وسيرته‬
‫ومغازيه وحياته‪ .‬ولهذا لما سئلت عائاشة – رضي الله عنها‬
‫– عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أرشععدت السععائال‬
‫إلى النظر في القرآن‪ ،‬عندما قالت‪) :‬كعان خلق ه القعرآن(‬

‫‪ُ ()1‬جامع ُبيان ُالعلم ُوفضله‪ُ :‬لبن ُعبد ُالبر‪ُ .‬بتحقيق ُأبي ُالشبال ُ‬
‫الزهيري‪ُ .‬دار ُابن ُالجوزي‪ُ :‬الدمام‪ُ ،‬الطبعة ُالولى ُ)‪ُ 1414‬هـ(= ُ)رقم‬
‫‪ُ ،2352‬وانظر ُرقم ُ‪.(2354ُ –ُ 2351‬‬
‫‪ُ ()2‬بيان ُجامع ُالعلم ُوفضله ُلبن ُعبد ُالبر ُ)رقم ُ‪.(2349‬‬

‫‪11‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫)‪ (3‬وعلى هذا يحق لمعن س أل ععن القعرآن أن يحعال إلعى‬


‫سنة النععبي صععلى اللععه عليععه وسععلم‪ ،‬كمععا أحععالت عائاشععة‬
‫السائال عن السنة إلى القرآن!‬
‫وهعذا أكعبر معا يعبين مكانعة السعنة‪ ،‬وعظعم أهميتهععا‪،‬‬
‫وأولويتها على غيرها من العلوم‪.‬‬
‫ولقد بين الله عععز وجععل مكانععة السععنة وشععرفها فععي‬
‫القرآن العظيم‪ ،‬في آيات كثيرات؛ منهععا آيععات كععثيرةا فععي‬
‫المر بطاعة النبي صلى اللععه عليععه وسععلم والتحععذير مععن‬
‫مخالفته عليه أفضل الصلةا وأتم التسععليم‪ .‬كقععوله تعععالى‪:‬‬
‫)وأطيعععوا اللععه والرسععول لعلكععم ترحمععون( ]آل عمععران‪:‬‬
‫‪ ،]132‬وكقوله عز وجل‪) :‬مععن يطععع الرسععول فقععد أطععاع‬
‫الله( ]النساء‪ ،[80 :‬وكقوله سبحانه‪) :‬فل وربك ل يؤمنون‬
‫حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجععدوا فععي أنفسععهم‬
‫حرجا ا مما قضيت ويسلموا تسليماا( ]النساء‪ ،[65:‬وكقععوله‬
‫عز شأنه‪) :‬قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكععم الله‬
‫ويغفر لكعععم ذنوبكم والله غفور رحيم( ]آل عمران‪،[31 :‬‬
‫وكقوله عز من قائال‪) :‬فليحذر العذين يخععالفون عععن أمععره‬
‫أن تصععيبهم فتنععة أو يصععيبهم عععذاب أليععم( ]النععور‪،[63 :‬‬
‫وكقوله عز حكمه‪) :‬وما ءاتكم الرسول فخذوه وما نهععاكم‬
‫عنه فانتهوا( ]الحشر‪ ،[7:‬وكقوله ل رب سواه‪) :‬لقععد كععان‬
‫لكم فى رسععول الله أسوةا حسنة لمن كععان يرجعععوا اللععه‬
‫واليوم الخر وذكر الله كثيراا( ]الحععزاب‪ ،[21:‬فععي غيرهععا‬
‫من آيات مباركات كثيرات‪.‬‬
‫ففي هذه اليات حث على تعلم سنة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬بتعلم أصولها ومصطلحها ‪ ،‬مععن العلععوم الععتي‬
‫يميز بها صحيح السنة من سقيمها‪ .‬لن المر بطاعة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم والترغيب في القتععداء بععه ل يمكععن‬
‫امتثاله )بعد وفاةا النبي صلى الله عليه وسععلم( إل بالنقععل‬
‫والسناد اللذين اجتمعت فيهما شععروط القبععول‪ ،‬وشععروط‬
‫القبول )تحققهععا أو عععدم تحققهععا( فععي النقععل عععن النععبي‬
‫‪ُ ()3‬أخرجه ُمسلم ُفي ُصحيحه‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫صلى الله عليه وسلم ل يمكن أن يتوصععل إلععى إدراكععه إل‬


‫بععالعلوم الععتي تخععدم ذلععك‪ ،‬وهععي علععوم الحععديث‪ :‬أصععوله‬
‫ومصطلحه‪ .‬إذن فععالمر اللهععي بطاعععة النععبي صععلى اللععه‬
‫عليه وسلم والقتععداء بععه متضععمن أمععرا ا إلهيععا ا بتعلععم علععم‬
‫الحععديث‪ ،‬لنععه ل سععبيل إلععى امتثععال المععر الول إل بعععد‬
‫امتثال المر الثاني‪ ،‬وما ل يتم الواجب إل به فهو واجب‪.‬‬
‫وإذا كععان فهععم القععرآن الكريععم‪ ،‬وطاعععة اللععه تعععالى‬
‫ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والعلم بأحكام هععذا الععدين‬
‫)ديععن السععلم( وشععرائاعه وآدابععه = ل يكععون إل بعلععوم‬
‫الحديث ؛ علمت ما هي مكانة هذه العلوم!! وفي أي قمة‬
‫مععن مراتععب العلععوم تكععون!! ثععم علمععت شععرف أهععل‬
‫الحديث!! وعظيم فضلهم وكبير أثرهم في المة!!!‬
‫وقد جاءت السنة نفسععها ببيععان فضععل أهععل الحععديث‬
‫وشرفهم‪ ،‬في أحاديث كثيرةا وآثار ذوات عدد؛ حتى صععنف‬
‫الخطيععب البغععدادي ) ت ‪463‬هععع( كتابععا ا فععي ذلععك بعنععوان‬
‫)شرف أصحاب الحديث(‪.‬‬
‫ومععن هععذه الحععاديث قععول النععبي صععلى اللععه عليععه‬
‫وسلم‪) :‬ل تزال طائافة من أمتي علععى الحععق ظععاهرين‪ ،‬ل‬
‫يضرهم من خذلهم‪ ،‬حتى تقوم الساعة( )‪.(4‬‬
‫قال عبد الله بععن المبععارك )ت ‪ 181‬هععع(‪ ،‬ويزيععد بععن‬
‫هععارون )ت ‪206‬هععع(‪ ،‬وعلععي ابععن المععديني )ت ‪ 234‬هععع(‪،‬‬
‫وأحمععد بععن حنبععل )ت ‪241‬هععع(‪ ،‬والبخععاري )ت ‪ 256‬هععع(؛‬
‫قال هؤلء الئامة كلهم في بيان الطائافععة المنصععورةا‪) :‬هععم‬
‫أصحاب الحديث( )‪ .(5‬بل عبارةا المععام أحمععد‪ ،‬وقبلععه يزيععد‬
‫بن هارون‪) :‬إن لم يكونوا أصحاب الحععديث فل أدري مععن‬
‫هم(‪.‬‬
‫وأي طائافة أحق بأن يكونوا هم تلك الطائافة الظاهرةا‬
‫المنصورةا‪ ،‬من الذين حفظوا الدين‪ ،‬ونقلوا الملة‪ ،‬ونشروا‬
‫السنة‪ ،‬وقمعوا البدعة ؛ وهم أصحاب حععديث النععبي صععلى‬
‫‪ُ ()4‬حديث ُصحيح ُمتفق ُعليه‪ُ ،‬صح ُعن ُجمع ُمن ُالصحابة ُرضي ُالله ُعنهم‪.‬‬
‫‪ُ ()5‬انظر‪ُ :‬شرف ُأصحاب ُالحديث‪ُ ،‬للخطيب‪ُ .‬تحقيق ُمحمد ُسأعيد ُخطيب ُأو‬
‫غلي‪ُ ،‬الطبعة ُالولى‪ُ ،‬نشر ُدار ُإحياء ُالسنة ُالنبوية ُ)رقم ُ‪.(51ُ –ُ 46‬‬

‫‪13‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫الله عليه وسلم‪ ،‬وحراسه‪ ،‬أهدى الناس بالسععنة‪ ،‬وأتبعهععم‬


‫للسوةا الحسنة‪ ،‬بقية الصحاب‪ ،‬ومرآةا الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم!! فلول هم لما كان هناك فقيه ول مفسععر‪ ،‬ول‬
‫عععالم ول فاضععل!! بععل لععولهم لمععا كععان هنععاك مسععلم‬
‫موحد!!!‬
‫ولما قعال النععبي صعلى اللعه عليعه وسعلم‪) :‬إن أولعى‬
‫الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلةا( )‪ ،(6‬وذكععر أهععل‬
‫العلم أن أسعد الناس بهذا الحديث هم المحدثون!‬
‫قال ابن حبان )ت ‪354‬هع( بعد إخراجه هععذا الحععديث‬
‫في صحيحه‪) :‬في هذا الخععبر دليععل علععى أن أولععى النععاس‬
‫برسععوله صععلى اللععه عليععه وسععلم فععي القيامععة أصععحاب‬
‫الحديث‪ ،‬إذ ليس من هذه المة قوم أكثر صلةا عليه صلى‬
‫الله عليه وسلم منهم( )‪.(7‬‬
‫وقال أبو نعيم الصبهاني )ت ‪430‬هع(‪) :‬وهععذه منقبععة‬
‫شريفة يختص بها رواةا الثار ونقلتها‪ ،‬لنه ل يعرف لعصابة‬
‫من العلماء من الصلةا على رسول اللععه صععلى اللععه عليععه‬
‫وسلم أكثر مما يعرف لهذه العصابة نسخا ا وذكراا( )‪.(8‬‬
‫ومن تردد في هذا الذي ذكراه )عليهما رحمععة اللععه(‪،‬‬
‫فليوازن بين صفحة أو صفحات مععن صععحيح البخععاري مثل ا‬
‫وصفحة أو صفحات من أي كتاب في أحد العلوم الفاضععلة‬
‫)مما سوى الحديث(‪ ،‬كالتفسير والفقه وأصوله والعقيععدةا‪،‬‬
‫لتظهر مصداقية قول ذينك المامين )عليهما رحم ة اللعه(‪،‬‬
‫ليعرف حقا ا أن أهل الحديث هم أولى الناس بععالنبي صعلى‬
‫الله عليه وسلم يوم القيامة!!‬
‫و )الجزاء من جنس العمل(‪ ،‬فكما كان أهل الحععديث‬
‫أهل حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الععدنيا‪ ،‬وأولعى‬
‫الناس به صلى الله عليه وسععلم فيهععا ؛ كععانوا أيضععا ا أولععى‬
‫الناس به يوم القيامة!!‬
‫‪()6‬‬
‫ ُأخرجه ُالترميذي ُوحسنه ُ)رقم ُ‪ُ ،(484‬وابن ُحبان ُفي ُصحيحه ُ)رقم ُ‪ُ (911‬؛ ُوحسنه ُوصححه ُغير ُما ُواحد ُمن ُالئمة‪ُ ،‬كما ُ‬

‫تراه ُفي ُتخريج ُالحسان‪ُ ،‬والمعجم ُالكبير ُللطبراني ُ)‪ُ 10/21‬رقم ُ‪(9800‬‬

‫ ُالحسان ُبترتيب ُصحيح ُابن ُحبان ُ)رقم ُ‪(911‬‬


‫‪()7‬‬
‫ ُشرف ُأصحاب ُالحديث ُللخطيب ُ)‪.(35‬‬
‫‪()8‬‬

‫‪14‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫ويععاله مععن شععرف ومكانععة وفضععل!! ل يععدانيه شععيء‬


‫أبداا!!!‬
‫ولله در القائال‪:‬‬
‫ديعن النبي محعمد أخبععار‬
‫نعم المطية للفتى‬
‫الثععار‬
‫ل تخعدعن عن الحديث وأهله‬
‫فالرأي ليل والحديث‬
‫نهعار‬
‫ولربما غلط الفتى سعبل الهدى‬
‫والشمس بازغة لها‬
‫)‪(9‬‬
‫أنعوار‬
‫ورحم الله القائال‪:‬‬
‫دين الرسعععول وشرعه أخباره‬
‫وأجععل علم يقتنى‬
‫آثاره‬
‫من كان مشتعل ا بها وبنشرهعععا‬
‫بين البرية ل عععفت‬
‫آثاره‬
‫ثم إن مكانة السنة تزداد أهمية فععوق معا سعبق كلعه‪،‬‬
‫وتشتد حاجة المة لها زيععادةا علععى مععا تقععدم‪ ،‬عنععد ظهععور‬
‫الفتن وكثرةا البدع والمحدثات‪.‬‬
‫ولععذلك لمععا أوصععى النععبي صععلى اللععه عليععه وسععلم‬
‫أصععحابه‪ ،‬ووعظهععم موعظععة بليغععة‪ ،‬وجلععت منهععا القلععوب‬
‫وذرفت لها العيععون ؛ قععال فععي وصععيته تلععك عليععه الصععلةا‬
‫والسلم‪:‬‬
‫)فإنه من يعش منكععم بعععدي فسععيرى اختلفععا ا كععثيراا‪،‬‬
‫فعليكععم بسععنتي وسععنة الخلفععاء الراشععدين المهععدبين‪،‬‬

‫‪ُ ()9‬شرف ُأصحاب ُالحديث ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(163‬‬

‫‪15‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫تمسععكوا بهععا‪ ،‬وعضععوا عليهععا بالنواجععذ‪ ،‬وإيععاكم ومحععدثات‬


‫المور‪ ،‬فإن كل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة( )‪.(10‬‬
‫ويقول أحد أتباع التععابعين‪ ،‬وهععو يحيععى بععن يمععان )ت‬
‫‪189‬هع(‪) :‬ما كان طلب الحديث خيرا ا منه اليوم‪ .‬قيععل لععه‪:‬‬
‫يا أبا عبد الله‪ ،‬إنهم يطلبونه وليس لهم نية ؟ قال‪ :‬طلبهم‬
‫إياه نية( )‪.(11‬‬
‫فينبه هذا المام )رحمه الله( على ازدياد فضل طلب‬
‫الحديث في زمانه‪ ،‬عن الزمععان الععتي سععبقته ؛ وهععو مععن‬
‫أتباع التابعين!! وفي القععرون الفاضععلة!! فكيععف بزماننععا!!‬
‫وقد عمت الفتن‪ ،‬وكثرت‪ ،‬وتتععابعت‪ ،‬واسععتحكمت الهععواء‬
‫والبدع وطمت‪ ،‬واحلولكت ليالي المة‪ ..‬وإلى الله الملتجععأ‬
‫وهو المستعان!‬
‫وأمععا قععوله )رحمععه اللععه( لمععن قععال لععه عععن أهععل‬
‫الحديث‪) :‬إنهم يطلبونه وليس لهم نية‪ ،‬فقال‪ :‬طلبهم إيععاه‬
‫نية(‪ ،‬فهو ينبه إلى فقععه دقيععق‪ ،‬إذ يجيععب ذاك الععذي اتهععم‬
‫طلبة الحديث بقلة الخلص في طلبهم‪ ،‬بأن مجرد طلبهععم‬
‫للحديث عمل فاضل يؤجرون عليه بععإذن اللععه تعععالى‪ .‬لن‬
‫العمال الفاضلة‪ ،‬وخاصة التي يتعدى نفعها نفس العامععل‪،‬‬
‫إذا لم يكن الدافع للقيام بها نية سععيئة‪ ،‬كالريععاء والسععمعة‬
‫ومطامع الدنيا‪ ،‬فإن صاحبها مأجور بالعمل نفسععه إذا كععان‬
‫الدافع للقيام به محبة العمل والتعلق بععه )وهععو عنععد أهععل‬
‫الحديث شهوةا الحديث ومحبته(‪ ،‬مثاب وإن غفععل العامععل‬
‫عن الخلص لله تعالى وابتغععاء ثععوابه!! وذلععك لن العمععل‬
‫ذاته فاضل مصلح‪ ،‬ل يخلو من أن ينتفع به غيععره‪ ،‬وتتعععدى‬
‫فائادته إلى من سواه‪.‬‬
‫أو لعله يقصد أن طلععب الحععديث يوصععل إلععى حسععن‬
‫النية ويلجئ صاحبة إلى الخلص‪ ،‬كما كان يقول غير واحد‬

‫ ُحديث ُأخرجه ُأصحاب ُالسنن‪ُ ،‬وصححه ُالترمذي ُوغيره‪ُ .‬وهو ُمن ُأصول ُالدين‪ُ ،‬ومن ُقواعد ُالسنة‪.‬‬
‫‪()10‬‬
‫ ُالجامع ُللخطيب ُ)رقم ‪.(779‬‬
‫‪()11‬‬

‫‪16‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫من السلف‪) :‬طلبنا العلم لغير الله‪ ،‬فأبى أن يكون إل لله(‬


‫)‪.(12‬‬
‫وأي المعنيين قبلت – وكلهما مقبول – فهو وجه آخر‬
‫لشرف أهل الحديث!!‬
‫والنصوص في هذا المعنععى كععثيرةا‪ ،‬أكتفععي منهععا بمععا‬
‫سبق‪.‬‬

‫‪ُ ()12‬انظر ُالجامع ُالخطيب ُ)رقم ُ‪ُ ،(782-780‬والمدخل ُإلى ُالسنن ُ‬


‫للبيهقي ُ)رقم ‪ُ ،(522ُ –ُ 520‬والموقظة ُللذهبي ُ)‪.(65‬‬

‫‪17‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫أهم ُمميزات ُعلم ُالحديث‬


‫وأوضح ُخصائصه‬
‫تقدم في )التمهيد( أن لكل علم خصائاص‪ ،‬وأن للعلم‬
‫بهذه الخصائاص فائادتين‪ ،‬ذكرناهما هناك‪ .‬ويهمنا هنا إحععدى‬
‫الفائادتين‪ ،‬وهي‪ :‬أن العلم بخصائاص علم مععا يوقفنععا علععى‬
‫السلوب الصحيح في تحصيله‪ ،‬وعلى العوائاق الحائالة دون‬
‫بلوغ غايتنا منععه‪ ،‬وعلععى وسععائال تجاوزهععا ؛ لن كععل ميععزةا‬
‫لذلك العلم ينبه إدراكها إلى سبيل احتوائاهععا‪ ،‬فععي حيععن أن‬
‫عدم إدراكها أكبر عقبععة )أو يكععاد يكععون كععذلك( دون فهععم‬
‫ذلك العلم والوصول إلى مرادنا منه‪.‬‬
‫وقد تنبهت إلى أربع خصائاص لعلم الحععديث‪ ،‬أحسععبها‬
‫أهععم خصائاصععه‪ ،‬فععأحببت لفععت نظععر طلب العلععم إليهععا‪،‬‬
‫ليبتدئاوا طلب علععم الحععديث بالسععلوب والمنهععج الصععحيح‬
‫اللئاق بهذا العلم‪ ،‬ولكي ل تتعثر خطععاهم ويضععيعوا أزمانععا ا‬
‫)ل تقدر بثمن( قبل إدراك ذلك المنهج الصحيح‪.‬‬
‫وإليك هععذه المميععزات الربعععة‪ ،‬تحععت عنععاوين أربعععة‬
‫فيما يلي ؛ متبعا ا كل ميزةا منها بالمنهج الذي تستلزمه في‬
‫الطلب‪ ،‬وبأسلوب التحصيل الصععحيح فععي مواجهتهععا‪ ،‬ومععا‬
‫هي وسائال احتوائاها دون أن تصبح عقبة كأداء فععي طريععق‬
‫علم الحديث‪.‬‬
‫الميزة ُالولى‪:‬‬
‫من أهم مميزات علم الحديث أنه علم شديد المأخذ‪،‬‬
‫صعب المرتقى‪ ،‬دقيق المسالك‪ ،‬بعيد الغور‪ .‬ولذلك فليس‬
‫من السهل فهمه‪ ،‬ول مععن اليسععير تعلمععه‪ ،‬ول يقععدر علععى‬
‫فقهه كل أحد‪ ،‬ول يستطيعه كثير أناس‪.‬‬
‫ولهععذا كععان المععام الزهععري )ت ‪ 124‬هععع( يقععول‪:‬‬
‫)الحديث ذكر‪ ،‬يحبه ذكور الرجال‪ ،‬ويكرهععه مؤنثععوهم( )‪.(13‬‬
‫ومعنى هذا أن الحديث يحتاج إلععى عقععل فحععل فععي عععزم‬
‫ديث ُلبن ُقتيبة ُ)‪ُ ،(64‬والمحدث ُالفاصل ُللرامهرمزي ُ)‪ُ 179‬رقم ُ‪ُ ،(32ُ –ُ 31‬والمجروحين ُ‬
‫‪ُ ()13‬انظر‪ُ :‬تأويل ُمختلف ُالح‬
‫لبن ُحبان ُ)‪ُ ،(1/62‬والكامل ُلبن ُعدي ُ)‪ُ ،(59–ُ 1/58‬والمدخل ُإلى ُالكليل ُللحاكم ُ)‪ُ ،(27‬وحلية ُالولياء ُلبي ُنعيم ُ)‪ُ ،(3/365‬‬

‫وشرف ُأصحاب ُالحديث ُللخطيب ُ)رقم ‪ُ ،(151ُ ،150‬ومسألة ُالعلو ُوالنزول ُلبن ُطاهر ُ)رقم ُ‪ُ ،(9‬وترجمة ُالزهري ُمن ُتاريخ ُ‬

‫دمشق ُ– ُالترجمة ُالمطبوعة ُالمفردة ُ– ُ)‪(150‬‬

‫‪18‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫وحزمععه وإصععراره وقععوته‪ ،‬ول ينفععع معععه العقععل الضعععيف‬


‫المتردد المتحير الملول ؛ وهذا غير الذكاء وسرعة الفهععم‪،‬‬
‫فربما كان العقل ذكيا ا لكنه ليس ذكراا!!‬
‫ولذلك فقد قل من ينجب في علععم الحععديث ويتميععز‪،‬‬
‫يوم أن كان طالبو الحديث ألوفاا! ويوم كانت ألععوفهم مععن‬
‫الطراز الول من طلبة العلم!!‬
‫يقععول شعععيب بععن حععرب )ت ‪ 197‬هععع(‪) :‬كنععا نطلععب‬
‫الحديث أربعة آلف‪ ،‬فما أنجب منا إل أربعة( )‪.(14‬‬
‫ولما كثر من يطلب الحديث في زمن العمش‪ ،‬قيععل‬
‫له‪) :‬يا أبا محمد‪ ،‬ما ترى ؟! مععا أكععثرهم!! قععال‪:‬ل تنظععروا‬
‫إلى كععثرتهم‪ ،،‬ثلثهععم يموتععون‪ ،‬وثلثهععم يلحقععون بالعمععال‬
‫)يعنى الوظععائاف الحكوميععة(‪ ،‬وثلثهععم مععن كععل مائاععة يفلععح‬
‫واحد( )‪.(15‬‬
‫ولهذا العمق في علم الحديث نهى نقاد الحديث عععن‬
‫شرح كثر من علععل الروايععات إل عنععد أهععل الحععديث‪ ،‬لمععا‬
‫يخشى من شرح ذلك علععى غيععر أهععل الحععديث أن يكععون‬
‫سببا ا في أن يفتتنوا أو يفتنوا!! من باب‪) :‬حدثوا الناس بما‬
‫يعقلون‪ ،‬أتريدون أن يكذب الله ورسوله( )‪ ،(16‬وباب‪) :‬إنك‬
‫لسععت محععدثا ا قومععا ا بحععديث ل تبلغععه عقععولهم‪ ،‬إل كععان‬
‫لبعضهم فتنة( )‪!!(17‬‬
‫يقول المام أبععو داود السجسععتاني )ت ‪275‬هععع( فععي‬
‫)رسالته إلى أهععل مكععة(‪) :‬وربمععا أتوقععف عععن مثععل هععذه‬
‫)يعني‪ :‬إبراز العلل(‪ ،‬لنه ضععرر علععى العامعة لهعم كععل مععا‬
‫كان من هذا الباب فيمععا مضععى مععن عيععوب الحععديث‪ ،‬لن‬
‫علم العامة يقصر عن ذلك )‪.(18‬‬

‫ ُالجامع ُللخطيب ُ)رقم ‪.(93‬‬


‫‪()14‬‬
‫ ُالجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪(96‬‬
‫‪()15‬‬
‫ي‬
‫ ُأثر ُصحيح ُعن ُعلي ُبن ُأبي ُطالب ُ– ُرضي ُالله ُعنه ُ‪ُ :-‬أخرجه ُالبخاري ُ)رقم ُ‪ُ ،(127‬والب هقي ُفي ُالمدخل ُإلى ُالسنن ُ‬
‫‪()16‬‬
‫)رقم ُ‪ُ ،(610‬والخطيب ُفي ُالجامع ُ)رقم ُ‪.(1355‬‬

‫ي‬
‫ ُأثر ُصحيح ُعن ُعبد ُالله ُبن ُمسعود ُ– ُرضي ُالله ُعنه ُ‪ُ :-‬أخرجه ُمسلم ُفي ُمقدمة ُصحيحة ُ)‪ُ ،(1/11‬والب هقي ُفي ُ‬
‫‪()17‬‬
‫دخل ُإلى ُالسنن ُ)رقم ُ‪ُ ُ (611‬وابن ُعبد ُالبر ُفي ُجامع ُبيان ُالعلم ُ)رقم ُ‪ُ ،(888‬والخطيب ُفي ُالجامع ُ)رقم ُ‪.(1358‬‬
‫الم‬
‫ ُرسأالة ُأبي ُداود ُإلى ُأهل ُمكة ُ)‪(32-31‬‬
‫‪()18‬‬

‫‪19‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫ويقعععول الخطيعععب البغعععدادي )ت ‪463‬هعععع(‪) :‬أشعععبه‬


‫الشععياء بعلععم الحععديث معرفععة الصععرف ونقععد الععدنانير‬
‫والدراهم‪ ،‬فإنه ل تعرف جععودةا الععدينار والععدرهم بلععون ول‬
‫مس‪ ،‬ول طراوةا ول يبس‪ ،‬ول نقععش‪ ،‬ول صععفة تعععود إلععى‬
‫صغر أو كبر‪ ،‬ول إلى ضيق أو سعععة ؛ وإنمععا يعرفععه الناقععد‬
‫عنعععد المعاينعععة‪ ،‬فيععععرف البهعععرج الزائاعععف والخعععالص‬
‫والمغشوش‪ .‬وكذلك تمييز الحديث‪ ،‬فإنه علم يخلقععه اللععه‬
‫تعالى في القلوب‪ ،‬بعد طول الممارسة له‪ ،‬والعتنععاء بععه(‬
‫)‪.(19‬‬
‫وقلبهما يقول عبد الرحمن بععن مهععدي )ت ‪198‬هععع(‪:‬‬
‫)معرفة الحديث إلهام( )‪ ،(20‬ويقول أيضاا‪) :‬إنكارنا الحععديث‬
‫عند الجهال كهانة( )‪ .(21‬ولما أنكععر ابععن مهععدي حععديثا ا رواه‬
‫رجل‪ ،‬غضب للرجل جماعة‪ ،‬وقالوا لبن مهدي‪) :‬مععن أيععن‬
‫قلت هذا في صاحبنا؟!( فلم يبين لهم العلة الحديثية الععتي‬
‫جعلته ينكر على ذلك الرجل‪ ،‬وإنما قععال لهععم‪) :‬أرأيععت لععو‬
‫أن رجل ا أتى بععدينار إلعى صععيرفي‪ ،‬فقعال‪ :‬انتقععد لعي هععذا‪،‬‬
‫فقال الصيرفي‪ :‬هو بهرج‪ ،‬يقول له‪ :‬من أين قلت لععي إنععه‬
‫بهرج ؟ )فأجاب ابن مهدي علععى لسععان الصععيرفي(‪ :‬الععزم‬
‫عملي هذا عشرين سنة حتى تعلم منه ما أعلم( )‪.(22‬‬
‫ويؤكد أيضا ا أحمد بن صالح المصري )ت ‪248‬هععع( أن‬
‫علععم الحععديث ل يفهمععه إل أهلععه‪ ،‬عنععدما قععال‪) :‬معرفععة‬
‫الحديث بمنزلة معرفة الذهب‪ ،‬إنما يبصره أهله( )‪.(23‬‬
‫وبذلك يقرر هؤلء العلماء وغيرهم من أئامة السنة أن‬
‫علم الحديث علم تخصصععي‪ ،‬ل يفهمععه إل مععن وفقععه اللععه‬
‫تعالى إلى صععرف الهمععة كلهععا لععه‪ ،‬ووقععف الجهععد جميعععه‬
‫عليه‪ ،‬وقصر الحياةا على تعلمه وتحصيله ؛ وما ذلك إل لنه‬
‫علم شديد العمق بعيد الغور‪ ،‬كما سبق‪.‬‬
‫‪ُ ()19‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1835‬‬
‫ ُعلل ُالحديث ُلبن ُأبي ُحاتم ُ)‪ُ ،(1/9‬و ُمعرفة ُعلوم ُالحديث ُللحاكم ُ)‪ُ ،(113‬والجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1837‬‬
‫‪()20‬‬
‫‪()21‬‬
‫ ُعلل ُالحديث ُلبن ُأبي ُحاتم ُ)‪(1/9‬‬

‫ ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1838‬‬


‫‪ ()22‬لجامع‬ ‫ ُا‬

‫ ُالجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪(1839‬‬


‫‪()23‬‬

‫‪20‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫ومع ذلك‪:‬‬
‫ل يؤيسعععنك معععن مجعععد‬
‫تباعده‬
‫فإن للمجد تدريجا ا وترتيبا ا‬
‫إن القناةا التي شععاهدت‬
‫رفعتها‬
‫تسمو فتنبت أنبوبا ا فأنبوبا‬
‫وقال آخر‬
‫اصبر على مضععض الدلج‬
‫بالسحر‬
‫وبالرواح على الحاجات والبكر‬
‫ل تعجعععزن ول يضعععجرك‬
‫مطلبها‬
‫فالنجح يتلف بين العجز والضجر‬
‫إني رأيععت – وفععي اليععام‬
‫تجربة ‪-‬‬
‫للصبر عاقبة محمودةا الثععععر‬
‫وقععل مععن جععد فععي أمععر‬
‫يطالبعه‬
‫واستصحب الصبر إل فاز بالظفعر‬
‫ومن رحمة الله تعالى ولطفه بعباده أن قرن بصعوبة‬
‫علم الحديث وشدته لذةا وشهوةا ومتعة عارمة‪ ،‬تملك فؤاد‬
‫طالبه‪ ،‬وتجعله ينسى الدنيا بمععا فيهععا‪ ،‬وتععتركه بيععن ريععاض‬
‫السنة جذلن هيمان‪ .‬إنها )شهوةا الحععديث(‪ ،‬تلععك الشععهوةا‬
‫التي صنعت المستحيلت‪ ،‬وتضاءلت أمامها كععل العقبععات‪.‬‬
‫ولععول هععذه الشععهوةا لمععات علععم الحععديث قبععل أن يولععد‪،‬‬
‫ولتفتت همم الرجال على سفوح جباله‪ ،‬ولساحت العزائام‬
‫العظام في صحاريه‪ ،‬ولغرقعت عقعول العبعاقرةا فعي لجعج‬
‫بحاره‪ .‬لقععد بلغععت هععذه الشععهوةا الحديثيععة إلععى درجععة أن‬
‫خاف بعض الئامة على أنفسعهم معن أن تتجعاوز بهعم إلعى‬

‫‪21‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫طرف مذموم من الغلو في التعمق‪ ،‬إلععى درجععة التقصععير‬


‫في حقوق الخالق أو المخلوقين أو حق النفس‪ ،‬حيث إنهععا‬
‫شععهوةا تفععوق ولععه العاشععقين )وهععي أطهععر(‪ ،‬وقععد فعلععت‬
‫بأصحابها من عجائاب الفاعيل‪ ،‬ما قيععدته حقععائاق التاريععخ ؛‬
‫فلئن هام العاشقون على وجععوههم فععي الصععحاري‪ ،‬فلقععد‬
‫كععانت الصععحارى بعععض مععا قطعععه المحععدثون فععي طلععب‬
‫الحديث‪ ،‬ولئن تعرض الولهعون لغيعرةا أهعل المحبوبعة معن‬
‫أجل نظععرةا عععابرةا منهععا‪ ،‬فلقععد ركععب المحععدثون الهععوال‬
‫وعاشوا مع الخطار مععن أجععل كتابععة حععديث بإسععناد عععال‬
‫ل‪ ،‬ولئععن تغععرب المععدنفون وراء مرابععع‬ ‫كانوا قد كتبععوه نععاز ا‬
‫الحباب‪ ،‬فلقععد هجععر المحععدثون الهععل والولد والوطععان‬
‫إلععى غيععر رجعععة‪ ،‬ولئععن كععان )مجنععون ليلععى( وأضععرابه‬
‫بالعشرات‪ ،‬فإن أهل الحديث بعشرات اللوف!!‬
‫إنها شهوةا الحديث‪ :‬التي حفظ الله تعالى بها الععدين‪،‬‬
‫وحمى بها السنة!!‬
‫يقععول سععفيان الثععوري )ت ‪161‬هععع(‪) :‬فتنععة الحععديث‬
‫أشد من فتنة الذهب والفضة()‪.(24‬‬
‫فعععأنعم بهعععذه الفتنعععة العععتي يحتقعععر معهعععا العععدينار‬
‫والدرهم!!!‬
‫ولصعوبة علم الحععديث قععل أهلععه العععارفون بععه كمععا‬
‫سبق!‬
‫يقول المام البخاري )ت ‪256‬هع(‪) :‬أفضل المسلمين‬
‫رجل أحيى سنة مععن سععنن رسععول اللععه صععلى اللععه عليععه‬
‫وسلم قد أميتت ؛ فاصععبروا يععا أصععحاب السععنن )رحمكععم‬
‫الله(‪ ،‬فإنكم أقل الناس(‪.‬‬
‫فقععال الخطيععب عقبععه‪) :‬قععول البخععاري‪ :‬إن أصععحاب‬
‫السنن أقعل النعاس عنعى بعه الحفععاظ للحععديث‪ ،‬الععالمين‬
‫بطرقه‪ ،‬المميزين لصحيحه من سقيمه‪ ،‬وقد صدق )رحمه‬
‫الله( في قوله ؛ لنك إذا اعتبرت لم تجععد بلععدا ا مععن بلععدان‬

‫‪ُ ()24‬شرف ُأصحاب ُالحديث ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(277‬‬

‫‪22‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫السلم يخلو من فقيه أو متفقه يرجععع أهععل مصععره إليععه‪،‬‬


‫ويعولون فتاواهم عليه‪ ،‬وتجد المصعار الكعثيرةا خاليعة معن‬
‫صاحب حديث عارف به‪ ،‬مجتهد فيه‪ ،‬ومععا ذاك إل لصعععوبة‬
‫علمه وعزته‪ ،‬وقلة من ينجب فيه من سامعيه وكتبته‪ .‬وقد‬
‫كان العلم في وقععت البخععاري غضععا ا طريععاا‪ ،‬والرتسععام بععه‬
‫محبوبا ا شهياا‪ ،‬والدواعي إليه أكبر‪ ،‬والرغبة فيه أكثر‪ ،‬وقعال‬
‫هذا القععول الععذي حكينععاه عنععه!!! فكيععف نقععول فععي هععذا‬
‫الزمععان ؟!! مععع عععدم الطععالب‪ ،‬و قلععة الراغععب!! وكععأن‬
‫الشاعر وصف قلة المتخصصين من أهل زماننا في قوله‪:‬‬
‫وقد كنا نعدهم قليل ا‬
‫فقععد صععاروا أقععل مععن‬
‫)‪(25‬‬
‫القليل‬
‫وأقول‪ :‬رحم الله الخطيب! فقد قامت المناحة علععى‬
‫أهل الحديث مععن قععرون!!! ومععا عععادوا قليل ا ول أقععل مععن‬
‫القليل ‪ ،‬بل هم عععدم مععن دهععور‪ ،‬تكععاد – واللععه ‪ -‬آثععارهم‬
‫تنمحي‪ ،‬وأخبارهم تنسى‪) :‬والله غععالب علععى أمععره ولكععن‬
‫أكثر الناس ل يعلمون( ]يوسف‪.[21 :‬‬
‫لكننا ننتزع من كلمة الخطيب السابقة الروح التي قد‬
‫تبعععث مععوتى أهععل الحععديث‪ ،‬وتنشععرهم مععن القبععور ؛ إنععه‬
‫التخصص الدقيق العميق في علم الحععديث‪ .‬إذ إن صعععوبة‬
‫علم الحديث وشععدةا مأخععذه‪ ،‬ل يواجههععا إل التخصععص‪ ،‬ول‬
‫يجاوزنا عقبتها إل جمع الهمععة كلهععا فععي تحصععيله والتفععرغ‬
‫الكامل له‪.‬‬
‫وقبل الحديث عن حاجة علم الحديث إلععى التخصععص‬
‫فيه‪ ،‬وأنه علم يستعصي على من قرن به غيعره‪ ،‬ول يقبععل‬
‫له عند طالبه ضرةا‪ ،‬كالليل والنهار والععدنيا والخععرةا ؛ قبععل‬
‫ذلك أتكلم عن أهمية التخصص فععي جميععع العلععوم‪ ،‬وبيععان‬
‫أن التخصص منهج ضروري ل حياةا ول بقاء للعلوم إل به‪.‬‬
‫وقد نبععه العلمععاء قععديما ا علععى أهميععة التخصععص فععي‬
‫العلوم‪ ،‬فقال الخليل ابن أحمععد الفراهيععدي )ت ‪170‬هععع(‪:‬‬
‫‪ُ ()25‬الجامع ُللخطيب ُ)‪ُ 1/168‬رقم ُ‪.(91‬‬

‫‪23‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫)إذا أردت أن تكععون عالمععا ا فاقصععد لفععن مععن العلععم‪ ،‬وإذا‬


‫أردت أن تكون أديبا ا فخذ من كل شيء أحسنه( )‪.(26‬‬
‫وقال أبو عبيد القاسععم بععن سععلم )ت ‪224‬هععع(‪) :‬مععا‬
‫ناظرني رجل قععط وكعان مفننععا ا فععي العلععوم إل غلبتععه‪ ،‬ول‬
‫ناظرني رجل ذو فن واحد إل غلبني في علمه ذلك( )‪.(27‬‬
‫إن هععذه العبععارات وأمثالهععا مععن الئامععة الدالععة علععى‬
‫فضل المتخصعص فعي علعم واحعد علعى الجعامع لطعراف‬
‫العلوم )أو على رأي الخليل بن أحمد‪ :‬الدالععة علععى فضععل‬
‫العالم على الديب المتفنن(‪ ،‬جاءت لتؤكد أن كل علم من‬
‫العلععوم بحععر مععن البحععور‪ ،‬ل يعرفععه ويصععل إلععى كنععوزه‬
‫وخفاياه إل من غاص أعماقه‪ ،‬وقصععر حيععاته علعى الغععوص‬
‫فيه‪ .‬أما من اكتفى بالسباحة على ظهر كل بحر من بحععور‬
‫العلم‪ ،‬فإنه إنما عرف ظواهر تلك البحور‪ ،‬وما عععرف مععن‬
‫كنوزها شيئاا‪.‬‬
‫وأخص بالذكر أهل عصععرنا‪ ،‬فععإن العلععوم قععد ازدادت‬
‫تشعباا‪ ،‬وعظم كل علم عما كان‪ ،‬بمؤلفات أهله فيععه علععى‬
‫امتععداد العصععور السععابقة‪ ،‬وبزيععادةا اختلفهععم وأدلععة كععل‬
‫صاحب قول منهم ؛ ومع ذلك فقد ضعفت الهمم‪ ،‬ونقصت‬
‫القدرات عمععا علمنععاه مععن أئامتنععا السععالفين ؛ وذلععك بيععن‬
‫واضح لمن عععرف سععيرهم وأخبععارهم ووازن بينهمععا وبيععن‬
‫حالنععا؛ أولئععك كععانوا بمععا تعلمععوا وعلمععوا وألفععوا وجاهععدوا‬
‫وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر كأن أعمععارهم ليسععت‬
‫بيععن السععتين والسععبعين وإنمععا بيععن مائاععة وسععتين ومائاععة‬
‫وسبعين!! بل والله أكثر!!! أولئك كانت حيععاتهم كرامععة‪ ،‬و‬
‫وجهععدهم معجععزةا خارقععة للعععادات!!! فععأين نحععن مععن أن‬
‫نحوي علومهم ؟! وأنى لنععا أن نسععتوعب علععم مععا خلفععوه‬
‫لنععا ؟! ومععع ذلععك فقععد تكلععم هععؤلء أنفسععهم عععن فضععل‬
‫التخصععص فععي العلععم‪ ،‬فمععا أجهلنععا إن حسععبنا أننععا بغيععر‬
‫التخصص سنفهم علما ا من العلوم!!!‬
‫ ُجامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبد ُالبر ُ)رقم ُ‪(850‬‬
‫‪()26‬‬
‫‪()27‬‬
‫ ُجامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبد ُالبر ُ)رقم ُ‪.(852‬‬

‫‪24‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫ولقد سبرت بعض أحوال المتعلمين‪ ،‬فوجدت أكثرهم‬


‫علما ا وإنصافا ا وتواضعععاا‪ ،‬وأدقهععم نظععرا ا وفهمععاا‪ ،‬وأحسععنهم‬
‫تأليفا ا وإبداعاا‪ :‬هم أصحاب التخصصات‪ .‬فععي حيععن وجععدت‬
‫أقلهععم علمععا ا وإنصععافاا‪ ،‬وأكععثرهم كععبرا ا وتعاليععا ا وتعالمععاا‪،‬‬
‫وأبعدهم عن الفهم والتدقيق وعن البععداع والحسعان فععي‬
‫التأليف‪ :‬المتفننين أصحاب العلوم‪ ،‬أو سععمهم بععالمثقفين ؛‬
‫إل من رحم ربك‪.‬‬
‫ومن فضل صاحب التخصص الفضععل الظععاهر‪ ،‬الععذي‬
‫يقرني عليه المنصف‪ ،‬أن صاحب التخصص ل يععثرب علععى‬
‫المتفنععن‪ ،‬بععل يععراه أكععثر أهليععة منععه فععي أمععور كإلقععاء‬
‫المحاضرات والدعوةا ومواجهة العامة‪ ،‬ويعتبره بذلك علععى‬
‫ثغرةا من ثغرات السلم‪ ،‬ويرى أن المععة فععي حاجععة إلععى‬
‫أمثاله‪ .‬وأما أصحاب الفنون‪ ،‬فعلى الضععد مععن ذلععك‪ ،‬فهععم‬
‫أكثر الناس تثريبا ا وعيبا ا على المتخصصععين‪ ،‬ول يععرون لهععم‬
‫فضل ا عليهم ول في العلم الذي تخصصوا فيه‪ ،‬وينععازعونهم‬
‫مسائالة )وهم بها جهلء(‪ ،‬ويشنعون عليهم لعدم معرفتهععم‬
‫ببعض ما لم يتخصصوا فيه‪.‬‬
‫ولك بعد هذا أن تحكم‪ ،‬أي الفريقين أدخععل اللععه فععي‬
‫قوله تعالى )إن الله يحب المقسطين( )‪.(28‬‬
‫وللععه مععا يلقيععه أصععحاب التخصصععات مععن إخععوانهم‬
‫المتفننيععن!! مععن عععدم فهععم الخيريععن لتخصصععاتهم‪ ،‬مععع‬
‫كلمهم فيهععا ومنععازعتهم أهلهععا‪ ،‬بععل قععد يصععل المععر إلععى‬
‫استغلل أصحاب الفنون علقتهم بالعامة والغوغاء‪ ،‬وانبهار‬
‫هؤلء بهم‪ ،‬فيتطعاولون علععى أصععحاب التخصصععات وعلعى‬
‫علومهم‪ ،‬بما ل يؤلم العالم شيء مثله‪ ،‬وهو الكلم بجهععل‪،‬‬
‫وتشويه العلوم‪.‬‬
‫ومن فضل صاحب التخصص إذا وفقه الله تعالى‪ ،‬أنه‬
‫مععن أكععثر النععاس لقالععة )ل أدري(‪ ،‬إذا سععئل عععن غيععر‬
‫تخصصه‪ .‬ولهذه القالة بركة ل يعرفها إل قليل‪ ،‬فهععي بععاب‬

‫‪ُ ()28‬المائدة ُ)‪ُ ،(42‬والحجرات ُ)‪ُ ،(9‬والممتحنة ُ)‪ُ (8‬‬

‫‪25‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫التواضع الكبير‪ ،‬وباب للعلععم أكععبر‪ .‬وأمععا صععاحب الفنععون‪،‬‬


‫فهو عن )ل أدري( أبعد ؛ لنه يضرب في كل علععم بسععهم‪،‬‬
‫وبكثير جوابه على أسئلة العامة وأنصاف المتعلمين‪ ،‬الععتي‬
‫هي – في الغالب – سؤالت عن الواضحات وعععن ظععواهر‬
‫العلععوم ؛ فينسععى مععع طععول المععدةا )ل أدري(‪ ،‬ول يعتععاد‬
‫لسانه عليها‪ ،‬ول تنقهر نفسه لها ؛ لذلك فهععو عععن بركاتهععا‬
‫ليس بقريب!!‬
‫ثم إن للعلم دقائاق ل يعرف المتفننون عنها شيئاا‪ ،‬أما‬
‫المتخصصون فقد خبروها‪ ،‬وق ادتهم إلعى دقعائاق العدقائاق‪.‬‬
‫فهم فقهاء العلوم حقاا‪ ،‬وأطباء الفنون صدقاا‪.‬‬
‫يقول الحسن بن محمد بن الصباح الزعفرانععي تلميععذ‬
‫الشافعي )ت ‪260‬هع(‪) :‬سمعت الشافعي يقول‪ :‬من تعلم‬
‫علما ا فليدقق‪ ،‬لكيل يضيع دقيق العلم( )‪.(29‬‬
‫كذا نصائاح الئامة‪ ،‬نور على نور!!‬
‫وأما الشافعي فقد كان آمنا ا مععن ضععياع جليععل العلععم‬
‫وعظمه‪ ،‬خائافا ا مععن ضععياع دقيقععة‪ .‬أمععا نحععن الن فنقععول‪:‬‬
‫)مععن تعلععم علمععا ا فليععدقق‪ ،‬لكيل يضععيع جليععل العلععم ( ؛‬
‫فدققوا يا بني إخوتي مععا شععئتم مععن التععدقيق‪ ،‬فنحععن مععع‬
‫تدقيقكم هذا لعلى جليل العلم وجلون!!!‬
‫وهنععا أنبععه علععى أن مطالبتنععا بالتخصععص ل يعنععي أن‬
‫نطالب بذلك علععى حسععاب فععروض العيععان مععن العلععوم‪،‬‬
‫كتصحيح العقيدةا وعلم التوحيععد الجملعي‪ ،‬ومعا يحتعاج إلي ه‬
‫من فقه العبادات‪ ،‬وما شععابهها مععن الفععروض العينيععة مععن‬
‫العلوم ؛ فهذا مععا ل يجععوز علععى مسععلم جهلععه‪ ،‬فضععل ا عععن‬
‫طالب العلم ؛ بل نحن نطالب طالب العلم بما فوق ذلععك‪،‬‬
‫وهو أن ل يكون جعاهل ا بنفعع كعل عل م نعافع )ول أقعول أن‬
‫يكون عالما ا بكل علم نافع‪ ،‬فهذا ضد ما أحث عليععه ( ؛ لن‬
‫الجهل بنفع علم ذي علم فائادةا دنيوية أو أخروية يدعو إلى‬
‫معاداةا ذلك العلم‪ ،‬على قاعععدةا‪ :‬مععن جهععل شععيئا ا عععاداه ؛‬

‫‪ُ ()29‬النساب ُالمتفقة ُلبن ُطاهر ُالمقدسأي ُ)‪ُ .(3‬‬

‫‪26‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫ويقبح بطالب العلم أن يعادي علما ا نافعاا‪ ،‬مهمععا قععل نفعععه‬


‫في رأيه‪ ،‬فإنه ل ينقص على أن يكون فرضا ا كفائاياا‪.‬‬
‫ومععا أجمععل وصععية خالععد بععن يحيععى بععن برمععك )ت‬
‫‪165‬هع( لبنه‪ ،‬عندما قال له‪) :‬يا بنععي‪ ،‬خععذ مععن كععل علععم‬
‫بحظ‪ ،‬فإنك إن لم تفعل جهلت‪ ،‬وإن جهلت شيئا ا من العلم‬
‫عاديته‪ ،‬وعزيز علي أن تعادي شيئا ا من العلم( )‪.(30‬‬
‫وأخععص مععن العلععوم ممععا يقبععح بطععالب العلععم جهلععه‬
‫العلوم السلمية جميعععاا‪ ،‬كعلععم الفقععه وأصععوله والتفسععير‬
‫وأصوله والعقيععدةا وعلعوم اللعة معن نحعو وصععرف وبلغععة‬
‫وأدب‪ ،‬مما ينبغي على طالب علم الحديث المتخصععص أن‬
‫يحصل شيئا ا منها‪ .‬وضابط تحصععيله لهععذه العلععوم )حععتى ل‬
‫يناقض ذلك مطالبتي لععه بالتخصععص( أن يجعععل مقصععوده‬
‫من طلبه لهذه العلوم تكميل اسعتفادته لتخصصععه وعميععق‬
‫فهمه له ؛ حيث إن العلوم السلمية بينهععا ترابععط كععبير‪ ،‬ل‬
‫يمكن من أراد التخصص فععي علععم منهععا أن يكععون جععاهل ا‬
‫تمام الجهل بما سواه‪ .‬بل ربما قادته مسألة دقيقععة فععي‬
‫ل( إلى التدقيق فععي مسععألة مععن مسععائال‬ ‫علم الحديث )مث ا‬
‫أصععول الفقععه أو غيععره‪ ،‬حععتى يخععرج بنتيجععة فععي مسععألته‬
‫الحديثيععة‪ .‬وليععس ذلععك بغريععب علععى مععن عععرف العلععوم‬
‫السلمية‪ ،‬وقوةا ما بينها من أواصر القربى العلمية‪.‬‬
‫ولزيععد المععر إيضععاحا ا أقععول‪ :‬كيععف يتسععنى لطععالب‬
‫الحديث أن يعرف الصواب في إحدى مشععاهير مسععائاله ؟‬
‫وهي مسألة الرواية عن أهل البععدع وحكمهععا‪ ،‬إذا لععم يكععن‬
‫عارفا ا بالسنة والبدعة‪ ،‬وبصنوف البدع وأقسععام المبتدعععة‪،‬‬
‫وبالغالي منهم ومن بدعته غليظة ومن يكفر ببدعته ممععن‬
‫هو بخلف ذلك ؛ وهذا كله باب من أبواب العقيدةا عظيم‪.‬‬
‫وكيف يمكن لطالب الحديث أن يميععز بيععن الروايععات‬
‫المختلفععة‪ ،‬مثععل زيععادات الثقععات‪ :‬مقبولهععا ومردودهععا‪،‬‬
‫والشاذةا منها والمنكرةا‪ ،‬والناسخة والمنسوخة‪ ،‬والراجحععة‬
‫والمرجوحة‪ ،‬إذا لم يكن عنده أصول الفقه والقععدرةا علععى‬
‫‪()30‬‬
‫ ُجامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبد ُالبر ُ)رقم ُ‪.(853‬‬

‫‪27‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫الستنباط والفهم للنصوص ما يتيح له الحكم في ذلك كله‬


‫؟!‬
‫المهم أن يأخذ من العلععوم الععتي لععم يتخصععص فيهععا‪،‬‬
‫بقدر ما يخدم العلم الذي تخصص فيه‪ ،‬ول يزيد على ذلك‪،‬‬
‫وإل لم يصبح متخصصاا‪ ،‬وإنما يكون متفنناا‪.‬‬
‫وطريقة تحصيله لتلك العلوم التي ل ينوي التخصععص‬
‫في واحد منها‪ ،‬مما ل يخرجه عن حععد التخصععص إلععى حععد‬
‫التفنععن‪ ،‬هععي أن يععدرس مختصععرا ا مععن مختصععرات تلععك‬
‫العلوم‪ ،‬تمكنه من مراجعة مطولت تلك الفنععون‪ ،‬فيمععا إذ‬
‫أحععوجه علمععه الععذي تخصععص فيععه إلععى ذلععك‪ ،‬كمععا سععبق‬
‫التمثيععل لععه‪ .‬وعليععه أيضععا ا أن ل يقطععع صععلته بعلمععاء تلععك‬
‫العلوم المتخصصين فيها‪ ،‬وأن يصوب فهمععه مععن علععومهم‬
‫عليهععم‪ ،‬وأن ل يسععتبد بشععيء مععن علمهععم دون الرجععوع‬
‫إليهم‪.‬‬
‫وأما التخصص في علم الحديث‪ ،‬فقد سععبق أنععه مععن‬
‫أحوج العلوم إلى التخصص فيه‪ ،‬لشدةا عمقه وسعة بحععور‬
‫وامتداد آفاقه‪ .‬مع ذلك فعنععدي فععي مشععروعية التخصععص‬
‫فيه )ولو على حساب الفقه!( سععنة ثابتععة وحععديث صععحيح‬
‫مشهور! وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬نضر الله‬
‫امرأ ا سمع منا مقالة فحفظها‪ ،‬فأداهععا كمععا سععمعها‪ ،‬فععرب‬
‫حامل فقه ل فقه له‪ ،‬ورب حامل فقه إلععى مععن هععو أفقععه‬
‫منه( )‪.(31‬‬
‫و )نضععر( بتخفيععف الضععاد وتشععديدها‪ :‬مععن النضععارةا‪،‬‬
‫وهي الحسععن والرونععق والبهععاء‪ .‬فععالنبي صععلى اللععه عليععه‬
‫وسلم يدعو لراوي الحديث بالحسععن والبهععاء مطلقعاا‪ ،‬فععي‬

‫‪ُ ()31‬حديث ُصحيح ُمشهور‪ُ ،‬أخرجه ُأصحاب ُالسنن‪ُ ،‬وصححه ُابن ُحبان ُ‬
‫والحاكم ُوغيرهما ُ‪ُ .‬وروي ُمن ُحديث ُنحو ُثلثين ُصحابياا‪ُ .‬ولبي ُعمرو ُ‬
‫أحمد ُبن ُمحمد ُبن ُإبراهيم ُبن ُحكيم ُالمديني ُ)ت ‪333‬هـ( ُجزء ُحديثي ُ‬
‫عنون ُبه‪ُ .‬وللشيخ ُعبد ُالمحسن ُالعباد ُ)دراسأة ُحديث ُ)نضر ُالله ُأمرأ ُسأمع‬
‫مقالتي( ُرواية ُودراية(‪ُ .‬‬

‫‪28‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫الدنيا والخرةا‪ .‬وقيل إن المعنى‪ :‬أبلغه اللععه تعععالى نضععارةا‬


‫الجنة‪.‬‬
‫وراوي الحديث الذي دعا لععه النععبي صععلى اللععه عليععه‬
‫وسلم بالنضارةا‪ :‬هو رواية بعاللفظ‪ ،‬ولعو ك ان ل يفهعم كعل‬
‫معاني الحديث )ورب حامل فقه إلى مععن هععو أفقععه منععه(‬
‫ولو كان ل فهم له في الحديث أبدا ا )رب حامل فقه ل فقه‬
‫له(!!‬
‫وهذا يدل على مشععروعية روايعة الحععديث دون فقعه‪،‬‬
‫بل يدل على استحباب ذلك؛ ويدل على أن رواي الحععديث‬
‫دون علمه بفقهه محمود غير مذموم‪ ،‬وأنه مستحق بفعلععه‬
‫هذا دعوةا النبي صلى الله عليه وسلم له‪.‬‬
‫وقد تعقب الرامهرمزي )ت ‪360‬هع( هذا الحديث في‬
‫كتععابه )المحععدث الفاصععل بيععن الععراوي والععواعي( بقععوله‪:‬‬
‫)ففععرق النععبي صععلى اللععه عليععه وسعلم بيععن ناقععل السععنة‬
‫وواعيها‪ ،‬ودل على فضل الواعي بقوله‪) :‬فرب حامل فقععه‬
‫إلععى مععن هععو أفقععه منععه‪ ،‬ورب حامععل فقععه غيععر فقععه(‪.‬‬
‫وبوجوب الفضل لحدهما يثبت الفضل للخععر )‪ (32‬؛ ومثععال‬
‫ذلك أن تمثل بين مالك بن أنس وعبيد الله العمري‪ ،‬وبيععن‬
‫الشافعي وعبد الرحمن بن مهدي‪ ،‬وبين أبي ثور وابن أبي‬
‫شيبة )‪ ،(33‬فعإن الحعق يقعودك إلعى أن تقضعي لكعل واحععد‬
‫منهم بالفضل‪.‬‬
‫وهذا طريق النصاف لمن سلكه‪ ،‬وعلععم الحععق لمععن‬
‫أمه ولم يتعده( )‪.(34‬‬
‫ورحم الله السلف! فقعد ك انوا أسعبق إلعى كعل خيعر‬
‫وعلم وإنصاف ؛ ولهذا لما روى مطر بععن طهمععان الععوراق‬
‫)ت ‪125‬هع فيما يقال( حديثاا‪ ،‬وسئل عن معنععاه‪ ،‬قععال‪) :‬ل‬
‫‪ُ ()32‬ما ُأحسن ُقوله‪)ُ :‬وبوجوب ُالفضل ُلحدهما ُيثبت ُالفضل ُللخر(! ُ‬
‫فإنك ُإن ُذكرت ُفضل ُالفقيه‪ُ ،‬قلنا ُلك‪ُ :‬وهل ُتفقه ُالفقيه ُإل ُبما ُرواه ُله ُ‬
‫المحدث ُوميز ُله ُصحيحه ُمن ُسأقيمه ُ؟! ُوإن ُذكرت ُفضل ُالمحدث‪ُ ،‬قلنا ُ‬
‫لك‪ُ :‬وهل ُيكون ُللرواية ُفائدة ُإل ُبفقهها ُللعمل ُبما ُفيها ُ؟! ُ ُ‬
‫ ُهذه ُالمثلة ُالثلثة‪ُ ،‬ذكر ُفي ُكل ُواحد ُمنها ُقرينين ُ‪ُ ،‬الول ُمنهما ُإمام ُفي ُالفقه ُوالثاني ُ=إمام ُفي ُالحديث ُ؛ ُفمن ُ‬
‫‪()33‬‬
‫ينتقص ُأحد ُالمامين ُ؟!! ُأمن ُيستطيع ُذلك ُ؟!!!‬

‫‪ُ ()34‬المحدث ُالفاصل ُللرامهرمزي ُ)‪.(170ُ –ُ 169‬‬

‫‪29‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫أدري‪ ،‬إنما أنععا زاملععة(‪ ،‬فقععال لععه السععائال – وكععان عععاقل ا‬


‫منصععفا ا – )جععزاك اللععه خيععراا‪ ،‬فععإن عليععك مععن كععل‪ :‬حلععو‬
‫وحامض( )‪.(35‬‬
‫وانظر إلى إجلل السلف لرواةا الحديث‪ ،‬في العبععارةا‬
‫التالية‪ :‬يقول محمد بن المنكدر )ت ‪130‬هع(‪) :‬ما كنا ندعو‬
‫الراوية إل رواية الشعر‪ ،‬وما كنا نقول للذي يروي أحععاديث‬
‫الحكمة إل‪ :‬عالم( )‪.(36‬‬
‫ومما سبق إليععه السععلف مععن العلععم والخيععر والحععق‪،‬‬
‫التنبيه إلى أن علم الحديث علم ل يقبل الشركة ول توزيع‬
‫الهمة على غيره معه‪.‬‬
‫يقول الربيع بن سليمان المرادي )ت ‪270‬هععع( تلميععذ‬
‫الشافعي‪) :‬مر الشافعي بيوسف بن عمرو بن يزيد )وكان‬
‫من كبار فقهاء المالكية‪) :‬ت ‪250‬هع(‪ ،‬وهو يذكر شيئا ا مععن‬
‫الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬يا يوسف‪ ،‬تريد أن تحفظ الحديث وتحفظ‬
‫الفقه ؟!! هيهات!!!")‪.(37‬‬
‫وقد قدم الخطيععب هععذه الكلم مععن الشععافعي‪ ،‬وهععو‬
‫يصف الذي يبرع في علم الحديث بقوله‪" :‬أن يعاني علععم‬
‫الحديث دونما سواه لنه علم ل يعلق إل بمن وقف نفسععه‬
‫عليه‪ ،‬ولم يضم غيره من العلوم إليه" )‪.(38‬‬
‫ثم أخرج الخطيب عقب ذلك العبارتين التاليتين‪:‬‬
‫يقول أبو يوسف القاضي )ت ‪182‬هع(‪" :‬العلعم شععيء‬
‫ل يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك وأنععت إذا أعطيتععه كلععك‬
‫من إعطائاه البعض على غرر" )‪.(39‬‬
‫ويقععول أبععو أحمععد نصععر بععن أحمععد العياضععي الفقيععه‬
‫السععمرقندي‪" :‬ل ينععال هععذا العلععم إل مععن عطععل دكععانه‪،‬‬
‫وخرب بستانه‪ ،‬وهجر إخوانه‪ ،‬ومات أقرب أهله إليععه فلععم‬

‫‪ُ ()35‬جامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبد ُالبر ُ ُ)رقم ُ‪ُ ،(1944‬والجامع ُلخلقا ُ‬
‫الراوي ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1371‬‬
‫‪ُ ()36‬جامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبد ُالبر ُ)رقم ُ‪.(1533‬‬
‫‪ُ ()37‬الجامع ُللخطيب ُ)‪ُ 2/251‬رقم ُ‪.(1569‬‬
‫‪ُ ()38‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1569‬‬
‫‪ُ ُ ()39‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1570‬‬

‫‪30‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫يشععهد جنععازته")‪.(40‬فععإن كععانت هاتععان العبارتععان حقععا ا فععي‬


‫العلععوم جميعهععا‪ ،‬فهععي فععي علععم الحععديث أولععى أن تقععال‬
‫وأحق‪ .‬وهذا هو ما قصده الخطيب‪ ،‬عندما ساقها في ذلععك‬
‫السياق‪.‬‬
‫وللتخصص في كل العلوم معناه‪ ،‬وفي علم الحديث لععه‬
‫معنععاه الخععاص بععه ؛ فهععو تخصععص ل يقبععل النقطععاع إلععى‬
‫غيره‪ ،‬مهما طال زمن التفععرغ فععي تحصععيله‪ ،‬ومهمععا ظععن‬
‫طععالبه أنععه تمل منععه وتضععلع‪ .‬لنععه خععبرةا دقيقععة وحاسععة‬
‫لطيفة‪ ،‬ل تدوم إل مع بقاء اللتصاق بالعلم‪ .‬وسععرعان مععا‬
‫تفسععد تلععك الخععبرةا‪ ،‬وتتعطععل تلععك الحاسععة‪ ،‬إذا انقطععع‬
‫الطالب عن العلم فترةا يسيرةا‪.‬‬
‫يقععول فععي بيععان ذلععك عبععدالرحمن بععن مهععدي )ت‬
‫‪198‬هع(‪" :‬إنما مثل صاحب الحديث بمنزلة السمسععار‪ ،‬إذا‬
‫غاب عن السوق خمسة أيام تغير بصرةا )‪.(41‬‬
‫وبلسععان أهععل عصععرنا‪ :‬إنمععا مثععل صععاحب الحععديث‬
‫بمنزلة تاجر العملت‪ ،‬ل يستطيع أن يستفيد ويربععح‪ ،‬إل إذا‬
‫كان متابعععا ا لسععواق العملت‪ ،‬دون انقطععاع ؛ فععإذا انقطععع‬
‫يوما ا واحداا‪ ،‬أصبح كالجاهل بهذا السععوق تمامععاا‪ ،‬وكععأنه لععم‬
‫يكن عليما ا به يوما ا من اليام! لنععه ل يسععتطيع أن يشععتري‬
‫أو يبيع‪ ،‬لعدم علمه بععاختلف أسعععار العملت الععذي يتبععدل‬
‫كل ساعة‪.‬‬
‫ولععذلك لعم يجعععل المععام أحمععد )ت ‪241‬هععع( لطلعب‬
‫الحديث زمنععا ينتهععي عنععده‪ ،‬ولععم يععوقت لععه فععترةا يجعلهععا‬
‫حده ؛ عندما سععئل‪" :‬إلععى مععتى يكتععب الرجععل الحععديث ؟‬
‫قال‪ :‬حتى يموت )‪.(42‬‬
‫فإن قيل‪ :‬قد جاءت عبارات كععثيرةا فععي كتععب العلععم‪،‬‬
‫تدل على ذم من لم يجمع مع الحععديث فقهععاا‪ ،‬أو علععى ذم‬
‫إفناء العمر في جمع طرق الحاديث وتتبع السانيد‪.‬‬
‫فمن الول‪ ،‬قول القائال‪:‬‬
‫‪ُ ُ ()40‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1571‬‬
‫‪ُ ُ ()41‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1909‬‬
‫‪ُ ()42‬شرف ُأصحاب ُالحديث ُ)رقم ُ‪.(145‬‬

‫‪31‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫زوامل للسفار ل علم عندهم‬


‫بجيدها إل كعلم الباعر‬
‫لعمرك ما يدري البعير إذا غدا‬
‫بأحماله أو راح ما في الغرائار‬
‫ومن الثاني‪ :‬قصة حمزةا بن محمععد الكنععاني الحععافظ‬
‫)ت ‪357‬هع(‪ ،‬قال‪" :‬خرجت حديثا ا واحدا ا عععن النععبي صععلى‬
‫الله عليععه وسععلم مععن مععائاتي طريععق‪ ،‬أو مععن نحععو مععائاتي‬
‫طريق‪ ،‬فداخلني من ذلك الفرح غير قليل‪ ،‬وأعجبت بذلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فرأيت ليلة من الليالي يحيى بن معيععن فععي المنععام‪،‬‬
‫فقلت له‪ :‬يا أبا زكريا‪ ،‬خرجت حديثا ا واحدا ا عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم مععن مععائاتي طريععق! قععال‪ :‬فسععكت عنععي‬
‫ساعة‪ ،‬ثم قال‪ :‬أخشى أن يدخل هذا تحت )ألهكم التكاثر(‬
‫)‪.(44) " (43‬‬
‫فما هو معنى تلك العبارات ؟ مع مععا نععدعو إليععه مععن‬
‫التخصص في علم الحديث‪.‬‬
‫فأقول‪ :‬أما ما جاء في ذم من لم يجمع مععع الحععديث‬
‫فقهاا‪ ،‬فل يعارض كلم مععن كععان مععن النععاس بقععوله النععبي‬
‫صلى الله عليه وسلم الذي سععبق ذكععره‪ ،‬ممععا يععدل علععى‬
‫مشروعية بل استحباب ما عابه ذلك العائاب‪.‬‬
‫ثم إن الذي صدر منه ذلك الذم أحد رجليععن‪ :‬إمععا أنععه‬
‫من أهل العلم والفضل‪ ،‬وحينها يحمل كلمه علععى ذم مععن‬
‫قصر فيما ل يجوز التقصير فيه من الفقه بالفروض العينية‬
‫ونحوها‪ ،‬مما تقدم ذكره‪ .‬وإما أن هذا الذام من أهل الرأي‬
‫وأصحاب البدع‪ ،‬الذين يعادون السنة وأهلها‪ ،‬وينفرون مععن‬
‫علومها ؛ وهععؤلء ل وزن لمععدحهم وذمهععم‪ ،‬بععل ربمععا كععان‬
‫ذمهم مرجحا ا كفة المذموم على الممدوح منهم!!‬
‫وأما ما ورد مععن عيععب إفنععاء العمععر فععي تتبععع طععرق‬
‫الحاديث وجمع السانيد‪ ،‬فليس المر على إطلقه‪.‬‬

‫‪ُ ()43‬التكاثر ُ)‪.(1‬‬


‫‪ُ ()44‬جامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبدالبر ُ)رقم ُ‪.(1988‬‬

‫‪32‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫فهذا يحيى بععن معيععن الععذي رآه حمععزةا الكنععاني يععذم‬


‫فعله في ذلك‪ ،‬يقول يحيى بن معيععن هععذا‪" :‬لععو لععم نكتععب‬
‫الحديث من ثلثين وجها ما عقلناه" )‪.(45‬‬
‫ويقول المام أحمد‪" :‬الحديث إذا لم تجمع طرقه لععم‬
‫تفهمه‪ ،‬والحديث يفسر بعضه بعضاا" )‪.(46‬‬
‫وقال علي بن المديني‪" :‬الباب إذا لععم تجمععع طرقععه‪،‬‬
‫لم يتبين خطؤه" )‪.(47‬‬
‫إذن مععا هععو المععر المعيععب فععي تتبععع الطععرق وجمععع‬
‫السانيد ؟‬
‫أجاب عن ذلك الخطيب البغعدادي فعي كتبعه‪ ،‬وحصععر‬
‫سبب عيب ذلك في أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬جمععع الحععاديث وقطععع العمععار فععي كتابتهععا‪،‬‬
‫صحيحها وضعيفها وموضوعها‪ ،‬دون تمييععز الصععحيح بمزيععد‬
‫اعتنعععاء‪ ،‬ول معرفعععة الضععععيف بعلتعععه‪ ،‬ول التنعععبيه علعععى‬
‫المكععذوب والباطععل ؛ فهععو جمععع وتصععنيف علععى الهمععال‬
‫والغفال‪ ،‬يضر أكثر مما ينفع‪.‬‬
‫يقععول الخطيععب فععي )الجععامع لخلق الععراوي وآداب‬
‫السامع(‪" :‬ينبغي للمنتخب أن يقصد تخير السانيد العالية‪،‬‬
‫والطعععرق الواضعععحة‪ ،‬والحعععاديث الصعععحيحة‪ ،‬والروايعععات‬
‫المسععتقيمة‪ .‬ول يععذهب وقتععه فععي الترهععات‪ ،‬مععن تتبععع‬
‫الباطيل والموضوعات‪ ،‬وتطلععب الغرائاععب والمنكععرات …‬
‫)ثم قال( والغرائاب التي كره العلماء الشتغال بها‪ ،‬وقطععع‬
‫الوقععات فععي طلبهععا‪ ،‬إنمععا هععي مععا حكععم أهععل المعرفععة‬
‫ببطلنععه‪ ،‬لكععون رواتععه ممععن يضععع الحععديث‪ ،‬أو يععدعي‬
‫السماع‪ .‬أما ما استغرب لتفععرد روايععة بععه‪ ،‬وهععو مععن أهععل‬
‫الصدق والمانة‪ ،‬فذلك يلزم كتبه‪ ،‬ويجب سماعه وحفظه"‬
‫)‪.(48‬‬

‫‪ُ ()45‬التاريخ ُلبن ُمعين ُ)رقم ُ‪ُ ،(4330‬والجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1699‬‬
‫‪ُ ()46‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1700‬‬
‫‪ُ ()47‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1701‬‬
‫‪ُ ()48‬الجامع ُللخطيب ُ)‪ُ 227ُ –ُ 126‬رقم ُ‪.(1528ُ ،1523‬‬

‫‪33‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫وقال الخطيب أيضاا‪" :‬ولو لم يكن في القتصار علععى‬


‫سععماع الحععديث وتخليععده الصععحف‪ ،‬دون التمييععز بمعرفععة‬
‫صععحيحة مععن فاسععده‪ ،‬والوقععوف علععى اختلف وجععوهه‪،‬‬
‫والتصرف في أنواع علععومه‪ ،‬إل تلقيععب المعتزلععة القدريععة‬
‫من سلك تلك الطريقة بالحشوية ؛ لععوجب علععى الطععالب‬
‫النفة لنفسه‪ ،‬ودفع ذلك عنه وعن أبناء جنسه" )‪.(49‬‬
‫الثاني‪ :‬يقول في بيانه الخطيب في )شععرف أصععحاب‬
‫الحديث(‪" :‬إنما كره مالك وابععن إدريععس وغيرهمععا الكثععار‬
‫من طلب السانيد الغريبة والطرق المسععتنكرةا‪ ،‬كأسععانيد‪:‬‬
‫)حديث الطائار‪ ،‬وطععرق حععديث المغفععر‪ ،‬وغسععل الجمعععة‪،‬‬
‫وقبض العلععم‪ ،‬وإن أهععل الععدرجات‪ ،‬ومععن كععذب علععي‪ ،‬ول‬
‫نكاح إل بععولي‪ ..‬وغيععر ذلععك‪ ،‬ممععا يتتبععع أصععحاب الحععديث‬
‫طرقه‪ ،‬ويعنون بجمعة ؛ والصحيح من طرقه أقلهععا‪ .‬وأكععثر‬
‫من يجمع ذلك‪ :‬الحداث منهم‪ ،‬فيتحفظونها ويذاكرون بها‪.‬‬
‫ولعل أحدهم ل يعرف من الصحاح حديثا ا وتععراه يععذكر مععن‬
‫الطرق الغريبععة والسععانيد العجيبععة الععتي أكثرهععا موضععوع‬
‫وجلها مصنوع‪ ،‬ما ل ينتفع به‪ ،‬وقد أذهب من عمععره جععزءا ا‬
‫في طلبه‪ .‬وهذه العلة هععي الععتي اقتطعععت أكععثر مععن فععي‬
‫عصرنا من طلبه الحديث عن التفقه به‪ ،‬واستنباط ما فيععه‬
‫من الحكام‪ .‬وقد فعل متفقهة زماننا كفعلهم‪ ،‬وسلكوا في‬
‫ذلك سبيلهم‪ ،‬ورغبععوا عععن سععماع السععنن مععن المحععدثين‪،‬‬
‫وشغلوا أنفسهم بتصانيف المتكلمين‪ .‬فكل الطائافتين ضيع‬
‫ما يعنيه‪ ،‬وأقبل على مال فائادةا فيه" )‪.(50‬‬
‫فبين الخطيععب أن سععبب كراهععة مالععك وغيععره لتتبععع‬
‫الطععرق وجمععع السععانيد مععن طلبععة الحععديث‪ ،‬ل لنععه تتبععع‬
‫وجمع وحسب‪ ،‬ولكنه جمع لطرق أحععاديث صععحيحة أصعع ا‬
‫ل‪،‬‬
‫وليس هناك أي فائاععدةا زائاععدةا مععن تتبععع أسععانيدها الخععرى‬
‫ل‪ .‬ومثععال ذلعك فععي‬ ‫التي قععد يكعون أغلبهعا ضععيفا ا أو بععاط ا‬
‫عصععرنا‪ :‬ذاك الععذي سععود صععفحات طععويلت فععي تخريععج‬

‫‪ُ ()49‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1599‬‬


‫‪ُ ()50‬شرف ُأصحاب ُالحديث ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(304‬‬

‫‪34‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫حديث واحد‪ ،‬متوسعا ا غاية التوسع في ذكر مصعادر الععزو‪،‬‬


‫من مسانيد ومعاجم ومشععيخات وأجععزاء وتواريععخ‪ ،‬مععع أن‬
‫الحديث صححه الشيخان معن قبعل‪ ،‬ولعلعه وافقهمعا علعى‬
‫تصععحيحه أئامععة آخععرون‪ ،‬ول مخععالف لهععم فععي تصععحيحه ؛‬
‫فيخرج أخونا هذا‪ ،‬دون أي فائادةا زائادةا على ما كان قد بدأ‬
‫بععه‪ ،‬عنععدما عععزا الحععديث للصععحيحين ‪ ،‬وهععو أن الحععديث‬
‫صحيح!!‬
‫ثععم إنععه ل تتحقععق كراهيععة ذلععك الجمععع للسععانيد إل‬
‫بشرط‪ ،‬وهو إذا ما كان الجامع لها من أحداث طلبة العلععم‬
‫وصغارهم‪ ،‬ممن لم يصلوا إلى درجة معرفة قدر جيععد معن‬
‫صحيح السنة‪ ،‬فتنقطع أعمارهم فععي جمععع تلععك السععانيد‪،‬‬
‫ولعل أحدهم ل يعرف حديثا ا صحيحا ا )كما يقول الخطيععب(‪،‬‬
‫فذهب عمره فيما ل ينتفع به‪ .‬فمثععل هععذا ل تخصععص فععي‬
‫الحديث‪ ،‬ول تعلععم الفقععه ؛ ولععذلك عععاب عليهععم الخطيععب‬
‫انشغالهم عن الفقه بمععا هععم فيععه‪ ،‬فععالفقه أجععل وأشععرف‬
‫بكثير مما هم فيه‪.‬‬
‫ولععذلك قععال علععي بععن المععديني‪) :‬إذا رأيععت طععالب‬
‫الحععديث أول مععا يكتععب الحععديث يجمععع‪ :‬حععديث الغسععل‪،‬‬
‫وحديث من كذب علي ؛ فاكتب على قفاه‪ :‬ل يفلح " )‪.(51‬‬
‫أما إذا كان الجامع لطععرق الحععديث )ولععو كععان أصععل‬
‫الحععديث صععحيحا ا بأقععل تلععك الطععرق أو بواحععد منهععا( مععن‬
‫الئامة الكبار في السنة‪ ،‬الععذين هععم أول ا أئامععة فععي الطلع‬
‫على صحيح السنة والثابت منها‪ ،‬وفي تمييز المقبععول مععن‬
‫المردود‪ ،‬وهم ثانيععا ا لععم يقطعععوا أعمععارهم فععي جمععع تلععك‬
‫السانيد‪ ،‬بدليل إمامتهم واطلعهم العظيععم علععى السععنة ؛‬
‫فهؤلء لو جمعوا أسانيد حديث صحيح بأحد تلععك السععانيد‪،‬‬
‫أي لو قاموا بمثععل مععا عبنععاه علععى الحععداث الصععغار فععي‬
‫العلم‪ ،‬لما عبناهم بذلك‪ ،‬بل نفععرح بجهععدهم هععذا‪ ،‬ونعتععبره‬
‫من النفائاس والعلق؛ وذلك لن جمعهم السانيد لم يكععن‬
‫علععى حسععاب كمععال علمهععم بالسععنة‪ ،‬ولععم يشععغلهم عمععا‬
‫‪ُ ()51‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪(1986‬‬

‫‪35‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫ينتفعون به من الحاديث الصحيحة وتمييزها عن السقيمة‪.‬‬


‫ولذلك فإن الحاديث الععتي مثععل بهععا الخطيععب ممععا يعععاب‬
‫على الحععداث جمعععه‪ ،‬ل يكععاد يوجععد حععديث منهععا إل قععام‬
‫بجمع طرقه حفاظ كبار وأئامة أعلم ممن يقتدي بهم‪.‬‬
‫فحديث الطير للمام الذهبي فيه مصنف‪.‬‬
‫وحديث غسل الجمعة جمع طرقه الحافظ ابن حجععر‪،‬‬
‫كما نقله الزبيدي في )لقط الللي المتناثرةا(‪.‬‬
‫وحديث )من كذب علي( جمع طرقه الطبراني وابععن‬
‫الجوزي‪.‬‬
‫وحديث )ل نكاح إل بولي( جمع طرقععه شععرف الععدين‬
‫الدمياطي‪.‬‬
‫بل إن الخطيب نفسه ذكر جععل هععذه الحععاديث‪ ،‬فععي‬
‫سياق ما ينصح بجمعه‪ ،‬اقتداء بالمحدثين الذين جمعوا تلك‬
‫الحاديث )‪ .(52‬ومن قبله ذكرها الحاكم فعي كتعابه )معرفعة‬
‫علوم الحديث(‪ ،‬في نوع خاص بها )‪.(53‬‬
‫وخلصة ما سبق‪ ،‬فيما يلم عليه طالب الحديث ومععا‬
‫ل يلم عليه من التدقيق في العلم‪ ،‬هو أنه يلم فعي قضعاء‬
‫العمر‪ :‬في جمع الباطيععل والمنععاكير‪ ،‬وعععدم تمييزهععا عععن‬
‫الصحاح المشاهير ؛ وفي تتبع أسانيد حععديث صععحيح بأحععد‬
‫تلععك الطععرق‪ ،‬ول فائاععدةا فععي تتبععع السععانيد الخععرى‪ ،‬إل‬
‫انقضاء الحياةا دون معرفععة قععدر كععبير مععن صععحيح السععنة‬
‫وتعلم علوم الحديث‪.‬‬
‫أما اللوم على التدقيق فععي العلععم مطلقععاا‪ ،‬فهععو مععن‬
‫أعظم الصواد عن العلم‪ ،‬ومن أكبر الدواعي إلى الجهععل ؛‬
‫وإل فمتى يصل طالب العلم إلى مصاف العلماء ؟ إذا لععم‬
‫يدقق التدقيق الذي بحسب مرتبته من العلععم‪ ،‬والععذي هععو‬
‫من باب الترقي في التعلععم والتععدرج فيععه ؛ مععن هععو فهععم‬
‫رؤوس المسائال‪ ،‬إلى فهم فروع المسائال‪ ،‬إلى التفقه في‬
‫العلم وأدلته وأصوله‪ ،‬إلى الجتهععاد فيععه والسععتنباط‪ .‬وقععد‬

‫‪ُ ()52‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1983‬‬


‫‪ُ ()53‬معرفة ُعلوم ُالحديث ُللحاكم ُ)‪.(254ُ –ُ 250‬‬

‫‪36‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫سبقت عبارةا المام الشافعي‪ ،‬التي يقول فيها‪) :‬من تعلععم‬


‫علما ا فليدقق‪ ،‬لكيل يضيع دقيق العلم(‪.‬‬
‫وإنما أطلت هذه الطالة في الحث علععى التخصععص‪،‬‬
‫وفي علم الحديث خاصة‪ ،‬لكععثرةا مععن يعيععب ذلععك!! وفععي‬
‫هؤلء العائابين من نحسن به الظععن‪ ،‬وغععالبهم مععن إخواننععا‬
‫المتفننين‪ ،‬كما سبق!!‬
‫وأطلت هذه الطالة أيضاا‪ ،‬لمزيد احتياج علم الحديث‬
‫إلى التخصص الدقيق حقيقة‪ ،‬وإلى التعمق فيععه ؛ وخاصععة‬
‫في هذه العصار ؛ فأين هم نقاده وصيارفته ؟! وأيععن هععم‬
‫أطباء علله ؟!!‬
‫الميزة ُالثانية‪:‬‬
‫أنه علم مع كععثرةا أجزائاععه وتشعععب أطرافععه‪ ،‬وإل أنععه‬
‫علم مترابط بقوةا‪ ،‬متداخل الصعول والقواعععد‪ ،‬فتجعد كعل‬
‫جزئاية منه تنبني وتتصل بأغلب أو بكثير من أصول وفععروع‬
‫العلم كله‪ .‬وهذه الميزةا في الحقيقة هي صورةا من صععور‬
‫الميزةا الولى‪ ،‬فهي صورةا من صور صعوبة علم الحععديث‬
‫وشدةا مأخععذه‪ .‬فهععي لععذلك تععواجه أيضععا ا بالتخصععص‪ ،‬كمععا‬
‫ذكرناه سابقاا‪.‬‬
‫لكنهععا تسععتلزم اتبععاع أسععلوب معيععن فععي التخصععص‪،‬‬
‫واستخدام طريقة خاصة في التعلم‪.‬‬
‫فإن تشعب أطراف العلم وكثرتها‪ ،‬مع قوةا ترابط مععا‬
‫بينهععا‪ ،‬وتععداخلها بأصععول العلععم وقواعععده ؛ ل يععواجه ذلععك‬
‫ويتجاوز هذه العقبة إل الستحضار الواسع في الذهن لتلك‬
‫الطراف والصول الكثيرةا المتشعبة‪ ،‬وهذا مععال يكععون إل‬
‫بالحفظ والفهم‪.‬‬
‫ولهمية هذا الستحضار الععذهني لمسعائال هععذا العلععم‬
‫وجزئاياته‪ ،‬حرص علماء الحديث على أن ينبهوا إلى أهميععة‬
‫الحفععظ وضععرورته فععي علععم الحععديث‪ ،‬ووضعععوا مناهععج‬
‫للحفظ‪ ،‬وبينوا السباب التي يستعين بهععا طععالب الحععديث‬
‫في الحفظ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫ولذلك تميععز المحععدثون بعالحفظ دون علمعاء الفنععون‬


‫الخععرى جميعععا ا ؛ ويقععول الخطيععب فععي التععدليل لععذلك‪:‬‬
‫)الوصف بالحفظ على الطلق ينصرف إلى أهععل الحععديث‬
‫خاصععة‪ ،‬وهععو سععمة لهععم ل تتعععداهم‪ ،‬ول يوصععف بععه أحععد‬
‫سواهم ؛ لن الراوي يقول‪ :‬حدثنا فلن الحععافظ‪ ،‬فيحسععن‬
‫منه إطلق ذلك‪ ،‬إذ كان مستعمل ا عندهم يوصف به علمععاء‬
‫أهل النقل ونقاده‪ .‬ول يقول القارئ‪ :‬لقنني فلن الحععافظ‪،‬‬
‫ول يقول الفقيه‪ :‬درسني فلن الحافظ‪ ،‬ول يقول النحععوي‪:‬‬
‫علمنععي فلن الحععافظ‪ .‬فهععي أعلععى صععفات المحععدثين‪،‬‬
‫وأسمى درجات الناقلين" )‪.(54‬‬
‫وحث المحدثون على الحفظ‪ ،‬حتى قال عبععد الععرزاق‬
‫الصععنعاني )ت ‪211‬هععع(‪" :‬كععل علععم ل يععدخل مععع صععاحبه‬
‫الحمععام )يعنععي يكععون محفوظععا ا فععي الصععدر(‪ ،‬فل تعععده‬
‫علماا")‪.(55‬‬
‫وأنشد قائالهم‪:‬‬
‫ليس بعلم ما حوى القمطر‬
‫ما العلم إل ما حواه الصدر‬
‫فذاك فيه شرف وفخر‬
‫وزينة جليلة وقدر‬

‫فمن ُالسأباب ُالتي ُيستعان ُبها ُفي ُحفظ‬


‫الحديث‪:‬‬
‫الول ُحسن ُالنية‪:‬‬
‫فإنهععا مفتععاح كععل خيععر‪ ،‬وسععبب التوفيععق والتيسععير‬
‫والبركة في العلم‪.‬‬
‫وأورد الخطيب في هذا الباب أثر ابن عباس – رضععي‬
‫الله عنهما – أنه قال‪) :‬إنما يحفظ الرجل على قععدر نيتععه(‬
‫)‪.(56‬‬

‫‪ُ ()54‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1564‬‬


‫‪ُ ()55‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1818‬‬
‫‪ُ ()56‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1843‬‬

‫‪38‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫وقال معمر بن راشععد )ت ‪154‬هععع(‪" :‬كععان يقععال‪ :‬إن‬


‫الرجل ليطلب العلم لغيععر اللععه فيععأبى عليععه العلععم‪ ،‬حععتى‬
‫يكون لله عز وجل" )‪.(57‬‬
‫الثــاني‪ُ :‬اجتنــاب ُارتكــاب ُالمحرمــات ُومواقعــة‬
‫المحظورات‪:‬‬
‫قال عبد الله بن مسعود – رضععي اللععه عنععه ‪" :-‬إنععي‬
‫لحسب الرجل ينسى العلم‪ ،‬بالخطيئة يعلمها" )‪. (58‬‬
‫وقال رجل للمام مالك‪" :‬يا أبا عبد اللععه‪ ،‬هععل يصععلح‬
‫لهذا الحفظ شيء ؟ قال‪ :‬إن كان يصلح لععه شععيء‪ ،‬فععترك‬
‫المعاصي" )‪.(59‬‬
‫وفي البيات المشهورةا‪:‬‬
‫شعععكوت إلعععى وكيعععع سعععوء‬
‫حفظي‬
‫فأرشدني إلى ترك المعاصي‬
‫وقال بأن حفظ العلم نور‬
‫ونور الله ل يؤتاه عاصي‬
‫الثالث‪ُ :‬العمل ُبالحديث ُالذي ُيرويه ُويحفظه‪:‬‬
‫قال سفيان الثوري‪) :‬العلم يهتف بالعمل‪ ،‬فإن أجععابه‬
‫وإل ارتحل( )‪.(60‬‬
‫وقال جماعة من السلف‪ ،‬منهم الشعبي ووكيع‪) :‬كنععا‬
‫نستعين على حفظ الحديث بالعمل به( )‪.(61‬‬
‫والسبب الذي مععن أجلععه كععان العلععم بالحععديث مثبتععا‬
‫الحفظ‪ ،‬يظهر جليا ا في أن العمل بالحععديث يجعععل معععاني‬
‫الحديث واقعا ا عملياا‪ ،‬والمحسوسات أثبت في الععذهن مععن‬

‫‪ُ ()57‬الجامع ُلمعمر ُ– ُبذيل ُمصنف ُعبد ُالرزاقا ُ– ُ)‪ُ ،(11/256‬والمدخل ُإلى‬
‫السنن ُللبيهقي ُ)رقم ُ‪.(519‬‬
‫‪ُ ()58‬أخرجه ُالبيهقي ُفي ُالمدخل ُإلى ُالسنن ُ)رقم ُ‪ُ ،(487‬وابن ُعبد ُالبر ُ‬
‫في ُجامع ُبيان ُالعلم ُوفضله ُ)رقم ُ‪ُ ،(1195‬والخطيب ُفي ُالجامع ُ)رقم‬
‫‪ُ ،(1850‬وانظر ُتخريجه ُفي ُالمصدرين ُالولين‪.‬‬
‫‪ُ ()59‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1846‬‬
‫‪ُ ()60‬جامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبد ُالبر ُ)رقم ُ‪.(1274‬‬
‫‪ُ ()61‬انظر ُجامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبد ُالبر ُ)رقم ُ‪ُ ،(1286ُ ،1284‬والجامع ُ‬
‫للخطيب ُ)رقم ُ‪.(1852ُ ،1851‬‬

‫‪39‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫المعنويات‪ .‬وأهم من ذلك أن العمل بالعلم سععبب لتوفيععق‬


‫الله تعععالى إلععى العلععم والزيععادةا منععه‪ ،‬وكمععا قععال تعععالى‪:‬‬
‫)واتقوا الله ويعلمكم الله ( )‪.(62‬‬
‫الرابــع‪ُ :‬اغتنــام ُالوقــات ُالمناسأــبة ُفــي ُاليــوم‬
‫للحفظ‪:‬‬
‫وهذا أمر يختلف فيععه الشععخاص‪ ،‬بععاختلف أحععوالهم‬
‫وظروف طلبهم للمعاش وغير ذلك‪ .‬غيععر أن الععذي يععذكره‬
‫أهل التجربة‪ ،‬هو أن أفضل الوقات للحفظ‪ :‬الليل عموماا‪،‬‬
‫والفجر ‪ ،‬ويخصععون مععن الليععل آخععره وهععو وقععت السععحر‪،‬‬
‫بشرط أن يكون طالب العلم قد نام من أول الليل‪ ،‬وأخععذ‬
‫حاجته من النوم‪.‬‬
‫ومن جميل الوصايا في ذلك‪ ،‬ما ذكععر مععن أن المنععذر‬
‫قال للنعمان ابنععه "يععا بنععي‪ ،‬أحععب لععك النظععر فععي الدب‬
‫بالليل‪ ،‬فإن القلععب بالنهععار طععائار‪ ،‬وبالليععل سععاكن‪ ،‬وكلمععا‬
‫أوعيت فيه شيئا ا علقه" )‪.(63‬‬
‫فتعقب الخطيب البغدادي هععذه الوصععية بقععوله "إنمععا‬
‫اختاروا المطالعة بالليل لخلو القلب‪ ،‬فإن خلوه يسرع إليه‬
‫الحفظ‪ ،‬ولهذا )لما( قيل لحماد بن زيد‪ :‬مععا أعععون الشععياء‬
‫على الحفععظ ؟ قععال‪ :‬قلععة الغععم‪) .‬قععال الخطيععب) وليععس‬
‫تكون قلة الغم إل مععع خلععو السععر وفععراغ القلععب‪ ،‬والليععل‬
‫أقرب الوقات إلى ذلك" )‪. (64‬‬
‫وقال إسماعيل بن أبي أويس‪" :‬إذا هممت أن تحفظ‬
‫شيئاا‪ ،‬فنم‪ ،‬ثم قم عند السحر‪ ،‬فأسرج‪ ،‬وانظر فيععه‪ ،‬فإنععك‬
‫ل تنساه – بعد إن شاء الله"( ‪. )65‬‬

‫‪ُ ()62‬البقرة ُ)‪.(282‬‬


‫‪ُ ()63‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1872‬‬
‫‪ُ ()64‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1872‬‬
‫‪ُ ()65‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1873‬‬

‫‪40‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫الخامس‪ُ :‬اغتنام ُفترة ُالصبا ُوالشباب‪:‬‬


‫واشتهرت كلمة الحسععن البصععري الععتي يقععول فيهععا‪:‬‬
‫"طلب الحديث في الصغر كالنقش في الحجععر" )‪ ،(66‬وذاد‬
‫بعضهم ما معناه‪ :‬والعلم في الكبر كالنقش في النهر )‪.(67‬‬
‫ولذلك كععان السععلف يبكععرون بععأولدهم إلععى مجععالس‬
‫الحععديث‪ ،‬حععتى قععال عبععد اللععه بععن داود الخريععبي )ت‬
‫‪213‬هععع(‪" :‬ينبغععي للرجععل أن يكععره ولععده علععى سععماع‬
‫الحديث" )‪.(68‬‬

‫وقال علقمة بن قيس النخعععي )ت ‪62‬هععع(‪ ،‬فععي بيععان‬


‫قععوةا حافظععة الشععاب ورسععوخ حفظععه‪" :‬مععا حفظععت وأنععا‬
‫شاب‪ ،‬فكأني أنظر إليه في قرطاس أو ورقة" )‪.(69‬‬
‫السادس‪ُ :‬اختيار ُالماكن ُالمناسأبة ُللتحفظ‪:‬‬
‫وصععفة المكععان المناسععب‪ :‬أن يكععون مريحععاا‪ ،‬ل يشععق‬
‫علععى النفععس المكععث بععه‪ .‬وأن يكععون هادئاععاا‪ ،‬بعيععدا ا عععن‬
‫الصوات العالية‪ .‬وأن يكون خاليا ا من الملهيات وما يلفععت‬
‫النظععار ؛ فل يجلععس فععي حديقععة‪ ،‬ول فععي ممععر النععاس‬
‫وأسععواقهم ‪ .‬بععل يختععار مقصععورةا أو حجععرةا فععي منزلععه‪،‬‬
‫يتحفظ فيها )‪.(70‬‬
‫السابع‪ُ :‬الجهر ُبقراءة ُما ُيراد ُحفظه‪:‬‬
‫ولذلك حكمة‪ ،‬بينها والد الزبير بععن بكععار القرشععي )ت‬
‫‪256‬هع( عندما رأى ابنه يتحفظ سرا‪ ،‬فقال له‪ " :‬إنما لععك‬
‫من روايتك هذه )أي‪ :‬تحفظك سععراا( مععا أدى بصععرك إلععى‬
‫قلبععك‪ .‬فععإذا أردت الروايععة )أي‪ :‬الحفععظ(‪ ،‬فععانظر إليهععا‪،‬‬
‫‪ُ ()66‬جامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبد ُالبر ُ)رقم ُ‪ُ ،(482‬والمدخل ُإلى ُالسنن ُ‬
‫للبيهقي ُ)رقم ُ‪.(640‬‬
‫‪ُ ()67‬انظر‪ُ :‬المدخل ُإلى ُالسنن ُللبيهقي ُ)رقم ُ‪ُ ،(641‬وجامع ُبيان ُالعلم ُ‬
‫لبن ُعبدالبر ُ)رقم ُ‪.(481‬‬
‫‪ُ ()68‬شرف ُأصحاب ُالحديث ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(139-137‬‬
‫‪ُ ()69‬جامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبد ُالبر ُ)رقم ُ‪ُ ،(483‬والجامع ُللخطيب ُ)رقم‬
‫‪.(683‬‬
‫‪ُ ()70‬الحث ُعلى ُحفظ ُالعلم ُلبن ُالجوزي ُ)‪.(50‬‬

‫‪41‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫واجهر بها ؛ فإنه يكون لك ما أدى بصرك إلععى قلبععك‪ ،‬ومععا‬


‫أدى سمعك إلى قلبك" )‪.(71‬‬
‫)وهذا تعبير رائاععع صععحيح‪ ،‬وهععذا مععا يقععول فيععه علمععاء‬
‫التربية وعلم النفس‪ :‬كلما كثرت الحواس المشععاركة فععي‬
‫تلقي موضوع أو تعلمه‪ ،‬كان حفظه أسرع وأيسر( )‪.(72‬‬
‫الثامن‪ُ :‬إحكام ُالحفظ ُبكثرة ُتكريرة‪.‬‬
‫يقول ابن الجععوزي فععي )الحععث علععى حفععظ العلععم (‪:‬‬
‫"الطريق إلى إحكامه كثرةا العادةا‪ .‬والناس يتفاوتون فععي‬
‫ذلك‪ ،‬فمنهم مععن يثبعت مععه المحفععوظ معع قلعة التكععرار‪،‬‬
‫ومنهععم مععن ل يحفععظ إل بعععد التكععرار الكععثير‪ .‬وكععان أبععو‬
‫إسحاق الشيرازي )ت ‪476‬هععع( يعيععد الععدرس مائاععة مععرةا‪،‬‬
‫وكان إلكيا الهراسي )‪504‬هع( يعيد سبعين مرةا‪ .‬وقال لنععا‬
‫الحسن بن أبي بكر النيسابوري الفقيه‪ :‬ل يحصععل الحفععظ‬
‫إلي حتى يعاد خمسين مرةا‪ .‬وحكى لنععا الحسععن أن فقيهععا‬
‫أعاد الدرس في بيته مرارا ا كثيرةا‪ ،‬فقععالت لععه عجععوز فععي‬
‫بيته‪ :‬قد – والله – حفظتععه أنععا! فقععال‪ :‬أعيععديه‪ ،‬فأعععادته ؛‬
‫فلما كان بعد أيام‪ ،‬قال‪ :‬يععا عجععوز‪ ،‬أعيععدي ذلععك الععدرس‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬ما أحفظه‪ ،‬قال‪ :‬إني أكرر عند الحفظ لئل يصيبني‬
‫ما أصابك")‪.(73‬‬
‫التاسأــع‪ُ :‬تعهــد ُالمحفــوظ‪ُ ،‬بإعــادة ُالنظــر ُفيــه‬
‫وتكريره‪ُ ،‬في ُأوقات ُمختلفة‪:‬‬
‫إذ الحافظة مهما كانت قوية لبد أن تسهو‪ ،‬فالنسععيان‬
‫جبلة النسان‪ .‬ول يحافظ على ما في الصدر من العلم‪ ،‬إل‬
‫مراجعته من حين لخر‪ ،‬وعدم التكال على الحفظ الول‪.‬‬
‫قيل للصمعي‪" :‬كيف حفظت ونسي أصحابك ؟! قال‪:‬‬
‫درست وتركوا" )‪.(74‬‬

‫‪ُ ()71‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1874‬‬


‫‪ُ ()72‬تعليق ُللدكتور ُمحمد ُعجاج ُالخطيب ُعلى ُالمصدر ُالسابق‪.‬‬
‫‪ُ ()73‬الحث ُعلى ُحفظ ُالعلم ُلبن ُالجوزي ُ)‪.(49-48‬‬
‫‪ُ ()74‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪ُ ،(1879‬وجامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبد ُالبر ُ)رقم‬
‫‪.(641‬‬

‫‪42‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫وقال علقمة النخعي‪ " :‬أطيلوا كر الحععديث ل يععدرس"‬


‫)‪ ،(75‬أي‪ :‬ليكل يبلى وينسى‪.‬‬
‫وعلى طالب العلم أن يجعل له جدول ا معينععا ا لمراجعععة‬
‫ل‪ :‬يجعععل فععي نهايععة كععل أسععبوع يومععا ا‬ ‫محفوظععة ؛ فمث ا‬
‫لمراجعة ما حفظة في ذلك السبوع‪ ،‬وفي نهاية كل شععهر‬
‫يوما ا أو يومين لمراجعة محفوظه خلل الشعهر كل ه‪ ،‬وفعي‬
‫نهاية السنة أسبوعا ا أو أسبوعين لمراجعة محفععوظه خلل‬
‫السنة جميعها …‪ .‬وهكذا‪ .‬العاشر‪ :‬المذاكرةا‪:‬‬
‫والمذاكرةا اصطلح يسععتخدمه المحععدثون‪ ،‬يعنععون بهععا‬
‫مطارحات علمية ومساجلت حديثية‪ ،‬يعرض فيها الجلساء‬
‫من حفاظ الحديث وطلبته لذكر فوائاد الحععاديث وغرائاععب‬
‫السانيد وخفي التعليلت‪ ،‬يسأل بعضععهم بعضععا ا عععن ذلععك‪،‬‬
‫ويفيد الواحد منهم الخر ما غاب عنه‪ .‬وقد كانت المذاكرةا‬
‫هذه من أبرز سمات المحدثين في عصععوره الولععى )مثععل‬
‫الرحلععة فععي طلععب الحععديث(‪ ،‬ولهععا آدابهععا وشععروطها‬
‫المنصوص عليها وفوائادها‪ ،‬وأخبارها المروية فيها )‪.(76‬‬
‫وللمذاكرةا مع القران وغيرهم – على المعنى السابق‬
‫– فائادةا عظيمععة فععي تثععبيت الحفععظ‪ ،‬مععن جهععة أنععه تعهععد‬
‫للمحفوظ بتكريره ومراجعته خلل المذاكرةا‪ ،‬وتععذكير لمععا‬
‫نسي منه‪ ،‬ودون إملل أو إضجار‪ ،‬بل في جو من النشععاط‬
‫والتنافس العلمي البناء‪.‬‬
‫ولذلك قال عبدالله بن بريدةا‪ " :‬قال لي علععي بععن أب‬
‫طالب – رضي الله عنه ‪ :-‬تزاوروا‪ ،‬وتذاكروا هذا الحععديث‪،‬‬
‫فإنكم أن لم تفعلوا يدرس علمكم" )‪ ،(77‬أي‪ :‬يبلى ويخلق‪.‬‬
‫وقال أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – "تحدثوا‪،‬‬
‫فإن الحديث يهيج الحديث" ‪.‬‬
‫)‪(78‬‬

‫‪ُ ()75‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1875‬‬


‫‪ُ ()76‬انظر‪ُ :‬معرفة ُعلوم ُالحديث ُللحاكم ُ)‪ُ ،(146-140‬والجامع ُللخطيب ُ)‬
‫‪.(421-2/404‬‬
‫‪ُ ()77‬جامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبدالبر ُ)رقم ُ‪ُ ،(687ُ ،623‬وشرف ُأصحاب ُ‬
‫الحديث ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(203-202‬‬
‫‪ُ ()78‬جامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبد ُالبر ُ)رقم ُ‪ُ ،(626‬وشرف ُأصحاب ُالحديث ُ‬
‫للخطيب ُ)رقم ُ‪ُ ،(208-207‬والجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1883-1882‬‬

‫‪43‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫وقععال جماعععة مععن السععلف عبععارةا أصععبحت شعععارا ا‬


‫للمذاكرةا‪ ،‬وهي قولهم‪" :‬إحياء الحديث مذاكرته" )‪.(79‬‬
‫ومععن فوائاععد المععذاكرةا أيضععاا‪ :‬أنهععا سععبب كععبير وداع‬
‫عظيم للتنافس المحمود بين طلبة العلععم‪ .‬والتنععافس فععي‬
‫الخير هو المل الجاهد لبلوغ الغايات العظععام‪ ،‬ولععوله لمععا‬
‫سعى للعلياء ماجد‪ ،‬ولما سما للرفعة طامح‪.‬‬
‫ولشدةا التنافس أثناء المذاكرةا بيععن المحععدثين كععانت‬
‫من لذائاععذ علعم الحعديث ومعن متععه الجليلعة ؛ حععتى قععال‬
‫الوزير ابن العميد‪ " :‬ما كنت أظن أن في الدنيا حلوةا ألععذ‬
‫من الرئااسة والوزارةا التي أنا فيها‪ ،‬حتى شاهدت مععذاكرةا‬
‫سليمان بن أحمد الطبراني وأبي بكر الجعععابي بحضععرتي‪،‬‬
‫)ثم ذكر تلك المذاكرةا‪ ،‬التي غلب فيها الطععبراني أبععا بكععر‬
‫الجعععابي‪ ،‬ثععم قععال‪" :‬فععوددت فععي مكععاني أن الععوزارةا‬
‫والرئااسة ليتها لم تكن لي وكنت الطبراني‪ ،‬وفرحت مثععل‬
‫الفرح الذي فرح به الطبراني " )‪.(80‬‬
‫وقال علي بن المديني‪" :‬ستة كادت تععذهب عقععولهم‬
‫عند المذاكرةا‪ :‬يحيى القطععان‪ ،‬وعبععد الرحمععن بععن مهععدي‪،‬‬
‫ووكيع‪ ،‬وابن عيينة‪ ،‬وأبععو داود الطيالسععي‪ ،‬وعبععد الععرزاق ؛‬
‫من شدةا شهوتهم له‪ .‬وتذاكر وكيع وعبد الرحمن ليلة فععي‬
‫المسجد الحرام‪ ،‬فلم يزال حتى أذن المؤذن أذان الصبح "‬
‫)‪.(81‬‬
‫وقال عبد الله بن المبارك‪:‬‬
‫ما لذتي إل رواية مسندا‬
‫ت قيدت بفصاحة اللفاظ‬
‫ومجالس فيها تحل سكينة‬
‫ومذاكرات معاشر الحفاظ‬
‫نالوا الفضيلة والكرامة والنهى‬

‫‪ُ ()79‬انظر‪ُ :‬جامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبدالبر ُ)رقم ُ‪ُ ،(639ُ ،631ُ ،627‬‬
‫وشرف ُأصحاب ُالحديث ُللخطيب ُ)رقم ُ‪ُ ،(215ُ ،214ُ ،212‬والجامع ُ‬
‫للخطيب ُ)رقم ُ‪.(1885-1884‬‬
‫‪ُ ()80‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1900‬‬
‫‪ُ ()81‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪ُ ،(1899‬بتصرف ُيسير‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫من ربهم برعاية وحفاظ‬


‫لظوا برب العرش لما أيقنوا‬
‫أن الجنان لعصبة لواظ‬
‫ومن فوائاد المذاكرةا أيضععا ا ومععن آدابهععا‪ :‬إفععادةا طلبععة‬
‫العلععم بعضععهم بعضععا‪ ،‬وفععي ذلععك اسععتعجال لجععر وثععواب‬
‫التعليم‪ ،‬قبل بلوغ الدرجة الععتي يحععق فيهععا لطععالب العلععم‬
‫جلوس مجالس المعلمين‪ .‬وما أدرى طالب العلععم ؟ لعلععه‬
‫يموت قبل أن يصل إلى أن تتحلق حوله الطلبة!!‪.‬‬
‫يقول عبدالله بن المبارك‪" :‬إن أول منفعععة الحععديث‪:‬‬
‫أن يفيد بعضكم بعضاا" )‪.(82‬‬
‫ويقول المام مالععك‪" :‬بركععة الحععديث‪ :‬إفععادةا بعضععهم‬
‫بعضاا" )‪.(83‬‬
‫ويقول سفيان الثععوري‪" :‬يععا معشععر الشععباب‪ ،‬تعجلععوا‬
‫بركععة هععذا العلععم‪ ،‬فععإنكم ل تععدرون‪ ،‬لعلكععم ل تبلغععون مععا‬
‫تؤملون منه‪ ،‬ليفد بعضكم بعضاا" )‪.(84‬‬
‫هذه هي أهععم وسععائال حفععظ العلععم‪ ،‬وأظهععر أسععباب‬
‫تثبيته وعدم نسيانه‪.‬‬
‫ولكعن ممعا ينبغععي التنععبيه عليعه هنععا‪ ،‬هعو أن للحفعظ‬
‫طريقتين‪ ،‬ل يعجز عن إحداهما جميع الناس‪ .‬ولكل طريقة‬
‫منهما مميزاتها وعيوبها ؛ فيحسععن أن نععذكرهما‪ ،‬بمععا لهمععا‬
‫مععن محاسععن وعيععوب‪ .‬الطريقععة الولععى )وهععي أشععهر‬
‫الطريقتين(‪:‬‬
‫وهععي أنفععع للصععغار والشععباب ومععن أوتععي موهبععة‬
‫الحفظ‪ :‬وهي بأن يقرر الطالب على نفسه لكل يوم جزءا ا‬
‫يسيرا ا مععن العلععم‪ ،‬كععأن يكععون حععديثا ا أو حععديثين أو أكععثر‪،‬‬
‫ويستحسن أن يكون قدرا ا يسيراا‪ ،‬فإن القليل يثبت والكثير‬
‫ل يحصل )‪ (85‬؛ فيتحفظ هذا المقرر يومياا‪ ،‬حتى يغيبععه فععي‬
‫‪ُ ()82‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(885‬‬
‫‪ُ ()83‬المدخل ُإلى ُالسنن ُللبيهقي ُ)رقم ُ‪ُ ،(1493‬ولبن ُمعين ُعبارة ُ‬
‫نحوها ُفي ُالجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1494‬‬
‫‪ُ ()84‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1492‬‬
‫‪ُ ()85‬انظر‪ُ :‬الحث ُعلى ُحفظ ُالعلم ُلبن ُالجوزي ُ)‪.(50‬‬

‫‪45‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫صدره ؛ ويسععتمر علععى ذلععك فععترةا طويلععة‪ ،‬هععي سععنوات‬


‫طلبه للعلم ؛ مع تعهد المحفوظ دائاماا‪ ،‬على المنهععج الععذي‬
‫ذكرناه سابقا ا في التعهد‪.‬‬
‫ولهذه ُالطريقة ُمميزات ُوعيوب‪:‬‬
‫فمن مميزاتها‪ :‬أنها طريقة منهجيععة منضععبطة‪ ،‬يمكععن‬
‫للطالب مع التزامها والمداومة عليها حفععظ كتععب برمتهععا‪،‬‬
‫وتغيب مصنفات كاملة‪.‬‬
‫ومن مميزاتها أيضاا‪ :‬أنها أسععرع حفظععا ا مععن الطريقععة‬
‫التالية‪ ،‬إذ قد ل يجلس الطالب للتحفععظ إل ربععع سععاعة أو‬
‫نصفها‪.‬‬
‫ومن عيوبها‪ :‬أنها أسرع في التفلت من الطريقة التالية‪،‬‬
‫وأنها أحوج ما تكون للتعهد للمحفوظ والمراجعة له دائامععاا‪،‬‬
‫وعدم النقطاع عنه من فترةا لخرى‪.‬‬
‫ومن عيوبها‪ :‬أن الذي يلععتزم بهععا الغععالب أضععيق فععي‬
‫الطلع مععن صععاحب الطريقععة التاليععة‪ ،‬لن الطععالب معهععا‬
‫مقيد بمقرر معين‪.‬‬
‫وأما ُالطريقة ُالثانية ُللحفظ‪:‬‬
‫وهي أنفع لكبار السن‪ ،‬ولمن لم يؤت موهبة الحفظ‪:‬‬
‫وتتلخص في إدمان مجالسة كتب السنة‪ ،‬وإدامععة القععراءةا‬
‫فيها‪ ،‬والجلد في ذلك والصبر عليه‪ ،‬مع الكثار مععن النسععخ‬
‫والكتابة‪ ،‬وتعويد اليد على ذلك‪.‬‬
‫ولذلك لما قيل للمام البخاري‪ :‬ما البلذر ؟ وهو دواء‬
‫كانوا يظنون قديما ا أنه يقوي الذاكرةا وينشط الععذهن علععى‬
‫الحفظ‪ ،‬فأجاب المععام البخععاري‪ ،‬صععارفا ا لهععم إلععى البلذر‬
‫حقاا‪ ،‬حيث قال‪" :‬هو إدامة النظر في الكتب" )‪.(86‬‬
‫وقال عبدالله بععن المبععارك‪" :‬مععن أحععب أن يسععتفيد‪،‬‬
‫فلينظر في كتبه" )‪.(87‬‬
‫وقععال الحععافظ أبععو مسعععود أحمععد بععن الفععرات )ت‬
‫‪258‬هععع(‪" :‬لععم نععزل نسععمع شععيوخنا يععذكرون أشععياء فععي‬

‫‪ُ ()86‬جامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبدالبر ُ)رقم ‪.(2414‬‬


‫‪ُ ()87‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ‪.(1813‬‬

‫‪46‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫الحفظ‪ ،‬فأجمعوا أنه ليس شيء أبلغ فيه من كثرةا النظر"‬


‫)‪.(88‬‬
‫وأما الكتابة وأثرها في الحفظ‪ ،‬فقععد سععبق أن ذكرنععا‬
‫أن المحفوظ كلما اشترك فيه أكثر من حاسة‪ ،‬كلمععا كععان‬
‫ذلك أقوى له وراسخ‪ .‬فإذا نظر القارىء‪ ،‬وجهععر بععالقراءةا‪،‬‬
‫ثم كتب ؛ فإنه – على حععد تعععبير والععد الزبيععر ابععن بكععار –‬
‫يكون له مععا أدى بصععره إلععى قلبععه‪ ،‬ومععا أدى سععمعة إلععى‬
‫قلبه‪ ،‬وما أدت يده إلى قلبه ؛ فل ينسى بإذن اللععه تعععالى‪،‬‬
‫لنه اشترك في تحفظه ثلث حواس‪.‬‬
‫وقد قال الحسن بن علي – رضي الله عنهما – لبنيععه‬
‫وبني أخيه‪:‬‬
‫"تعلموا العلم‪ ،‬فإنكم صععغار قععوم‪ ،‬يوشععك أن تكونععوا‬
‫كبارهم غداا‪ ،‬فمن لم يحفظ منكم فليكتب" )‪.(89‬‬
‫وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ " :‬ما سمعت شععيئا ا‬
‫إل كتبته‪ ،‬ول كتبته إل حفظته‪ ،‬ول حفظته إل نفعني " )‪.(90‬‬
‫ولهذه الطريقة في الحفظ مميزات وعيوب‪:‬‬
‫فمعععن مميزاتهعععا‪ :‬أن صعععاحبها بطيىعععء النسعععيان‬
‫لمحفوظه‪ ،‬لن طريقة حفظه تتضمن التعهد معها‪ ،‬بل هععو‬
‫إنما حفظ بالتعهد الكبير!!‬
‫ومععن مميزاتهععا‪ :‬أن صععاحبها أوسععع استحضععارا ا مععن‬
‫صاحب الطريقة السابقة‪ ،‬لنه أوسع اطلعاا‪.‬‬
‫ومن عيوبها‪ :‬أن صاحبها ل يستطيع الجزم بأنه يحفظ‬
‫كتابا ا ما‪ ،‬خاصة المطولت‪ .‬وأيضا ا ل يستطيع في كثير مععن‬
‫الحيان أن يؤدي ما حفظ باللفظ‪ ،‬وإنمععا يععؤديه بععالمعنى ؛‬
‫وللرواية بالمعنى شروط‪ ،‬وتحوم حولها أخطار‪.‬‬
‫ومن عيوبها‪ :‬أنها تستلزم وقتا ا طويل ا للحفععظ‪ ،‬وجلععدا ا‬
‫وصععبراا‪ ،‬وانقطاعععا ا كععامل ا ؛ إذا أراد صععاحبها أن ينععافس‬
‫صاحب الطريقة الولى‪.‬‬
‫‪ُ ()88‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ‪.(1873‬‬
‫‪ُ ()89‬جامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبدالبر ُ)رقم ‪ُ ،(484‬والمدخل ُإلى ُالسنن ُ‬
‫للبيهقي ُ)رقم ُ‪.(632،772‬‬
‫‪ُ ()90‬جامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبدالبر ُ)رقم ُ‪.(447‬‬

‫‪47‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫وأمععا مععن جمععع بيععن طريقععتي الحفععظ هععاتين فهععو‬


‫الحافظ الكامل‪ ،‬الذي جمع بين محاسن الحفظ‪ ،‬ونجا مععن‬
‫عيوبه كلها‪.‬‬

‫الميزة ُالثالثة‪:‬‬
‫أن علم الحديث علم ل تضبط جميععع جزئايععاته قواعععد‬
‫مطردةا دائاماا‪ ،‬ول توزن مسائاله بمقععاييس رياضععية ؛ وإنمععا‬
‫قواعده وأصوله أغلبيععة‪ .‬بععل فععي كععثير مععن مسععائال علععم‬
‫الحديث يصرح المحققعون معن أهعل العلعم أنعه ليعس لهعا‬
‫قاعععدةا معينععة‪ ،‬وإنمععا يرجععع فععي كععل جزئايععة منهععا إلععى‬
‫ملبساتها وقرائانها‪ ،‬ثم يكون الحكم عليها بناء على حالتهععا‬
‫الخاصععة تلععك‪ .‬وذلععك فععي مثععل مسععألة )ريععادةا الثقععة(‪ ،‬و‬
‫)التفععععرد بأصععععل(‪ ،‬و)العتضععععاد والتقععععوي بالمتابعععععات‬
‫والشواهد(‪ ،‬وما إلى ذلك من أعظم مسائال علم الحديث‪.‬‬
‫وليععس عععدم شععمول قواعععد علععم الحععديث لجميععع‬
‫جزئاياته‪ ،‬ول عدم وجود قواعد أصل ا لبعض مسائاله‪ ،‬بسععبب‬
‫تقصير في تقنين هذا العلم وفي تأصيله من علماء المة ؛‬
‫بل سععببه هععو بلععوغهم بععه أقصععى غايععات التقعيععد السععليم‬
‫والتأصيل الصحيح!! وذلك أن علععم الحععديث مععادته الخععام‬
‫هي البشر ونقولهم وأخبارهم‪ ،‬وللبشععر بععاختلف مععواهبهم‬
‫الخلقيعععة‪ ،‬وبتبعععاين دوافعهعععم وعقائاعععدهم وسعععلوكياتهم‪،‬‬
‫وباضطراب أحوالهم من وقت لخر‪ ،‬وبما يطرأ عليهم مععن‬
‫عوامععل تغييععر نفسععية وخارجيععة ؛ بععذلك كلععه ل يمكععن أن‬
‫يكون لنقعول هعؤلء وأخبعارهم ضعوابط حس ابية ومعوازين‬
‫رياضية‪ ،‬بععل لبععد مععن التعامععل مععع تلععك المععادةا المتباينععة‬
‫الجزاء‪ ،‬الكثيرةا التغيرات في كل جزء منها‪ ،‬بمععا يتناسععب‬
‫وذلك ؛ وهذا هو ما فعله أئامة الحديث فععي عصععور تكععوين‬
‫علمهم …‪ .‬رضي الله عنهم وأرضاهم!!‬
‫المهم أن تعلم أن هذه إحععدى أعظععم مميععزات علععم‬
‫الحديث‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫وهععذه الميععزةا تعععتي‪ :‬أن تعلععم قواعععد علععم الحععديث‬


‫ودراسة مصطلحه ليس سوى الخطوةا الولععى فععي طلععب‬
‫علععم الحععديث‪ ،‬مهمععا تعمععق الععدارس فععي تحصععيل تلععك‬
‫القواعد والصول‪ .‬وما جنى على علم الحديث شععيء فععي‬
‫العصععر الحععديث مثععل الغفلععة عععن هععذه الحقيقععة‪ ،‬وذلععك‬
‫بالتعامل مع الروايات الحديثية بتلك القواعععد معاملععة مععن‬
‫معه قعوالب يصعب فيهعا معادته الخعام ومعاملعة معن مع ه‬
‫ختوم جاهزةا يطبع بها كل مسألة جزئاية‪ ،‬دون أن يتنبه إلى‬
‫أن لكل قاعدةا شذوذات‪ ،‬بل يختلق القواعد لمععا ليععس لعه‬
‫قاعدةا‪ ،‬لعدم استطاعته إل التعامل مع القوالب الجاهزةا!!‬
‫وهذه الميزةا تعني أيضاا‪ :‬أن علم الحديث علم حععي ل‬
‫يعيش وينمو في صدر رجععل إل بالممارسععة لععه والتطععبيق‬
‫العملي لقواعده‪ .‬لن شذوذات القواعد )وهي كثيرةا وإنما‬
‫سميت شذوذات لنها بخلف القاعععدةا المنصععوص عليهععا(‪،‬‬
‫والمسائال التي ل قواعد لها‪ ،‬ل يحسن الوقوف عليهععا‪ ،‬ول‬
‫يعععرف المآخععذ والسععس الععتي تبنععى عليهععا أحكامهععا‪ ،‬ول‬
‫يلحظ الملبسععات والقرائاععن الخاصععة بكععل مسععألة جزئايععة‬
‫منها ؛ إل من عاش علم الحديث تطبيقععا ا عمليععا ا وممارسععة‬
‫عميقة فترةا طويلة من عمره‪.‬‬
‫وعلى هذا فعلم الحديث يحتاج كل الحتياج لممارسة‬
‫طويلة‪ ،‬وتطبيق عملي عميق‪ ،‬ليمكن طالب الحععديث بعععد‬
‫مرور زمن طويعل معن ذل ك أن يتنبعه لشعذوذات القواعععد‬
‫وملبسععاتها‪ ،‬وأن يقععف بنفسععه علععى مآخععذ الحكععام فععي‬
‫المسععائال الععتي ل قواعععد لهععا وإنمععا يرجععع فيهععا للقرائاععن‬
‫الخاصة بكل مسألة‪.‬‬
‫يقول الخطيب البغدادي‪ ،‬منبها على أهمية الممارسة‬
‫العملية في علم الحديث‪" :‬قل ما يتمهر في علم الحديث‪،‬‬
‫ويقف على غوامضه‪ ،‬ويستنير الخفي من فوائاععده‪ ،‬إل مععن‬
‫جمع بين متفرقه‪ ،‬وألف متشتته‪ ،‬وضم بعضععه إلععى بعععض‪،‬‬
‫وانشغل بتصنيف أبوابه‪ ،‬وترتيب أصنافه‪ .‬فإن ذلععك الفعععل‬
‫مما يقوي النفس‪ ،‬ويثبت الحفظ‪ ،‬ويذكي القلععب‪ ،‬ويشععحذ‬

‫‪49‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫الطبع‪ ،‬ويبسط اللسان‪ ،‬ويجيد البيععان‪ ،‬ويكشععف المشععتبه‪،‬‬


‫ويوضح الملتبس‪ ،‬ويكسب أيضا ا جميل الذكر‪ ،‬وتخليده إلى‬
‫آخر الدهر "‪ .‬ثم أسند الخطيب إلى عبد الله بن المبععارك‪،‬‬
‫أنه قال‪" :‬صععنفت مععن ألععف جععزء جععزءاا‪ ،‬ومععن نظععر فععي‬
‫الدفاتر فلم يفلح‪ ،‬فل أفلح هو أبداا" )‪.(91‬‬
‫وهيئة هذه الممارسة الععتي نطععالب بهععا طععالب علععم‬
‫الحععديث‪ ،‬هععي‪ :‬أن يقععوم الطععالب بمععا يشععبه التصععنيف‬
‫والتأليف‪ ،‬إما بتخريععج أحععاديث كتععاب مععا أو أحععاديث بععاب‬
‫فقهي معيععن‪ ،‬أو بالترجمععة لععرواةا كتععاب لععم يخععدم رواتععه‬
‫بالترجمععة‪ ،‬أو بالعنايععة بععالرواةا المختلععف فيهععم‪ ،‬أو بجمععع‬
‫أقوال الئامة وتطبيقاتهم حول قاعدةا من علم الحععديث أو‬
‫حول أحد مصطلحاته‪ ..‬ونحو ذلك من الموضوعات الكثيرةا‬
‫جداا‪ .‬والفضل أن ينوع فععي طبيعععة بحععوثه‪ ،‬حععتى يسععتفيد‬
‫فائادةا أعم وأشمل‪.‬‬
‫وبالطبع ل يكون غرضه من هعذه البحعوث هعو تعأليف‬
‫كتاب يخرجه للناس‪ ،‬خاصععة فععي مرحلععة تكععوينه العلمععي‪،‬‬
‫وإنما يكون غرضه من ذلك التعلم والتمرن‪ ،‬للفوائاععد الععتي‬
‫ذكرها الخطيب في كلمه السابق عن الممارسععة العمليععة‬
‫في علم الحديث‪.‬‬
‫ول يمنع ذلك من أن يبتدىء طالب الحديث مشروعا ا‬
‫علميا ا كبيراا‪ ،‬من صغر سنه وبدايات طلبه‪ ،‬يجمع له ويرتب‬
‫ويناقش ويستنبط ويستدل‪ ،‬ويقضي فععي ذلععك عمععرا ا مععن‬
‫عمره‪ ،‬وبشرط أن ل يخعرج مشعروعه هعذا إل بععد بلعوغه‬
‫من العلم ما يكون قد وصل بععه إلععى درجععة الفععادةا‪ ،‬كععأن‬
‫يشهد له شيوخه وأقرانه باستحقاقه أن يدلي بجهععده فععي‬
‫تأليف كتاب‪.‬‬
‫بل إني لشدد في النصح لطلبة العلم بابتداء مشاريع‬
‫من هذا القبيل‪ ،‬ول يستخفوا بأنفسععهم ؛ فقععد كععان المععام‬
‫الزهععري يقععول للفتيععان والشععباب‪" :‬ل تحقععروا أنفسععكم‬
‫لحداثة أسنانكم‪ ،‬فإن عمر بععن الخطععاب كععان إذا نععزل بععه‬
‫‪ُ ()91‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(1914ُ ،1913‬‬

‫‪50‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫المععر المعضععل دعععا الفتيععان‪ ،‬فاستشععارهم‪ ،‬يبتغععي حععدةا‬


‫عقولهم" )‪.(92‬‬
‫ولك ُفي ُسأيرة ُالعلماء ُقدوة‪:‬‬
‫فقد بدأ المام البخاري تصنيفه للتاريخ الكبير وله من‬
‫العمر ثمانية عشر عاماا‪ ،‬وبقي في تصنيفه وتحسينه غالب‬
‫حياته‪ .‬أما )صحيحه( فمكث في تصنيفه ستة عشر عاماا‪.‬‬
‫وابتدأ ابن عساكر تصنيف )تاريععخ دمشععق( بمجلععداته‬
‫الثمانين من صباه‪ ،‬واستمر في جمعه إلى أن شاخ‪.‬‬
‫وأفنى الطبراني عمره المديد )فقد عمر مائاععة سععنة(‬
‫في معجمه الوسط‪.‬‬
‫فعليك يا طالب العلم أن تختار مشروعا ا علميا ا حديثيا ا‬
‫نافعاا‪ ،‬واستشر العلماء والمأمونين في اختيارك‪ ،‬وابدأ في‬
‫الجمع له والتأليف من فترةا مبكرةا‪ ،‬ول تفععوت العمععر‪ .‬ثععم‬
‫أنت خلل هذا الجمع تمارس علم الحديث عملياا‪ ،‬وتطبقععه‬
‫واقعيا ا ؛ فتستفيد فائادتين‪ ،‬بل فوائاد‪ ،‬وتعلي همتك‪ ،‬وتقوي‬
‫عزمععك‪ ،‬وتبععذل جهععدك فعي طلبععك العلععم‪ ،‬وتطعرد الملععل‬
‫والسأم وقلة الصبر‪ ،‬بما يتجدد لك فععي بحثععك مععن فوائاععد‪،‬‬
‫تنظر قطف ثمرتها في مسععتقبل حياتععك العلميععة إن شععاء‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫الميزة ُالرابعة‪:‬‬
‫أنه علم مترامي الطراف‪ ،‬ل ساحل لبحوره‪ ،‬ول قاع‬
‫لعماقععة‪ .‬هععذا وصععف حقيقععي مطععابق لواقععع حععال علععم‬
‫الحديث‪ ،‬وليس كلمععا ا أدبيععا ا مجازيعاا‪ .‬وتحقيعق ذلعك عنععدك‬
‫وتأكيععده لععديك يظهععر‪ :‬بتععذكرك لعظيععم تشعععب أسععانيد‬
‫الحاديث وكثرتها‪ ،‬ولتناثر تراجم رواةا وتعععديلهم العتي فعي‬
‫غير مظنتها‪ ،‬ولتباعد ما بين تعليلت الئامة للحديث الواحد‬
‫فععي مصععادر هععذا العلععم ؛ ممععا ل يجمععع ذلععك كتععاب‪ ..‬بععل‬
‫مكتبة‪ ،‬ول يحويه مكان واحد‪.‬‬

‫‪ُ ()92‬جامع ُبيان ُالعلم ُوفضله ُلبن ُعبدالبر ُ)رقم ُ‪.(506ُ ،505‬‬

‫‪51‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫ولهذه الميزةا فإن طالب الحععديث فععي حاجععة ماسععة‬


‫إلى مكتبة عامرةا بالكتب‪ ،‬مكتبععة ضععخمة بمعنععى الكلمععة‪،‬‬
‫تكون بين يديه وقتما يشععاء‪ ،‬مكتبععة تنمععو وتزيععد كععل يععوم‬
‫بالجديد من المطبوعات والمقدور عليه من المخطوطات‪،‬‬
‫ول تقف عن النمو ما دام صاحبها حي العلم والروح‪ .‬حيث‬
‫إن تلععك الميععز ل يحععل إشععكالها‪ ،‬ول يمكععن مواجهتهععا‪ ،‬إل‬
‫بالمكتبة الجامعععة لكتععب السععنة‪ ،‬والمقربععة لطععراف هععذا‬
‫العلم المترامية‪ ،‬المعينة على اسععتيعاب جععل أو كععثير مععن‬
‫جزئاياته المتفرقة المتشعبة‪.‬‬
‫ولذلك فعلى طالب العلم أن يتحلى بالبذل والسععخاء‬
‫في اقتناء الكتب‪ ،‬وأن يقععدم شععراء الكتععاب علععى طعععامه‬
‫وملبسععه وملععذاته‪ ،‬وأن يحععرص كععل الحععرص علععى أن ل‬
‫يفوت كتابا ا صغر أو كبر في علم الحديث‪ ،‬في أي فن مععن‬
‫فنونه‪.‬‬
‫ومععن نصععائاح ذي النععون المصععري )ت ‪245‬هععع( فععي‬
‫ذلك‪" :‬ثلثة من أعلم الخير في المتعلععم‪ :‬تعظيععم العلمععاء‬
‫بحسن التواضع لهم‪ ،‬والعمى عن عيوب الناس بالنظر في‬
‫عيب نفسه‪ ،‬وبذل المال في طلعب العلععم إيثععارا ا لععه علععى‬
‫متاع الدنيا" )‪.(93‬‬
‫ولذلك قال غير واحد من أهل العلم‪ ،‬منهم شعبة بععن‬
‫الحجاج‪" :‬من طلب الحديث أفلس" )‪ ،(94‬وقال الفضل بععن‬
‫موسى السيناني‪" :‬طلععب الحععديث حرفععة المفععاليس")‪،(95‬‬
‫ولما سأل سفيان بن عيينة رجل ا عن حرفته فأجابه الرجل‬
‫بأنها طلب الحديث‪ ،‬فقال سفيان‪" :‬بشر أهلعك بعالفلس"‬
‫)‪ ،(96‬وقععال شعععبة‪" :‬إذا رأيععت المحععبرةا فععي بيععت إنسععان‬
‫فارحمه‪ ،‬وإن كععان فععي كمععك شععيء فععأطعمه" )‪ ،(97‬ولمععا‬

‫‪ُ ()93‬المدخل ُإلى ُالسنن ُللبيهقي ُ)رقم ُ‪.(685‬‬


‫‪ُ ()94‬جامع ُبيان ُالعلم ُلبن ُعبدالبر ُ)رقم ُ‪ُ ،(597‬والجامع ُللخطيب ُ)رقم‬
‫‪.(56ُ ،55ُ ،54‬‬
‫‪ُ ()95‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(58‬‬
‫‪ُ ()96‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(57‬‬
‫‪ُ ()97‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(60‬‬

‫‪52‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫أثنت امرأةا على رجل بخيعر‪ ،‬وقععالت فععي ثنائاهععا‪" :‬ل يتخععذ‬
‫ضرةا‪ ،‬ول يشتري جارية"‪ ،‬أجابتها زوج ذلك الرجل بقولهععا‪:‬‬
‫"والله لهذه الكتب أشد علي من ثلث ضرائار" )‪.(98‬‬
‫أما طالب العلم )بزعمه( الععذي يقععول يغنينععي كتععاب‬
‫في السنة وعلومها عععن كتععاب فععي ذلععك‪ ،‬فليععس بطععالب‬
‫علم! ول يريد أن يكون طالب علععم‪ .‬فععإني ل أقععول إنععه ل‬
‫يغني كتاب عن كتاب فقط‪ ،‬بل أكاد أقول‪ :‬ل تغنععي طبعععة‬
‫عن طبعة أخرى له!!!‬
‫وأما طالب العلم الذي بقععول‪ :‬ل أشععتري كتابععا ا حععتى‬
‫أقرأ وأدرس الكتاب الذي عندي‪ ،‬فل يفلح في العلم أبععداا!‬
‫فإن شراء الكتب وحده عبادةا يؤجر عليها فاعلها‪ ،‬لوجععوه‪،‬‬
‫منها أنها مما ل ينقطع العمل به بععد المعوت‪ ،‬تبقعى ينتفعع‬
‫بها من بعده‪.‬‬
‫ثم إن تكوين المكتبة العامرةا يشبه طلب العلععم مععن‬
‫جهتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬كما أن طلب العلم ل يكون جملععة‪ ،‬فععي أيععام‬
‫وليالي‪ ،‬كذلك تكوين المكتبة‪ ،‬ل يمكن أن يتم إل من خلل‬
‫متابعة للجديد من الكتب في عالم المطبوعات ؛ حيععث إن‬
‫الكتب في السنة وعلومها كثيرةا جداا‪ ،‬قلععة مععن الغنيععاء –‬
‫ممن يعرف قيمة الكتععب – مععن يسععتطيع شععراء الموجععود‬
‫منها دفعة واحدةا‪ .‬وهناك كتعب نعادرةا‪ ،‬وكتعب سعرعان معا‬
‫تنفد من السواق‪ ،‬فمن لم يبادر بشععرائاها فععاتته‪ ،‬وسععيندم‬
‫حين ل ينفع الندم‪ ،‬وسيندم إن كان فيععه بقيععة مععن طععالب‬
‫علم‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن طلب العلم الصادق يلجيععء طععالب العلععم‬
‫إلى دراسة مسائال ما كععان يظععن قبععل ذلععك أنععه سععيحتاج‬
‫دراستها‪ ،‬وكععذلك تكععوين المكتبععة ؛ فععإن شععراءك الكتععاب‬
‫ومعرفتك لما فيه يدلك على كتاب آخر‪ ،‬ربما لم تسمع به‪،‬‬
‫وربما سمعت بععه ولععم تظععن أنععك محتععاج إليععه ؛ فالحاجععة‬
‫للكتب تنمو مع نمو طلبك للعلم‪ .‬وكم من كتععاب مععا كنععت‬
‫‪ُ ()98‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪.(61‬‬

‫‪53‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫أظن أني سأنظر إليه‪ ،‬أصععبح بعععد فععي حجععري ل أسععتغني‬


‫عنه ما دمت أبحث في العلم‪ .‬فمن كان يجمع الكتععب مععن‬
‫بدايات طلبه للعلم‪ ،‬سيحمد ذلععك عنععدما يعععرف قيمععة مععا‬
‫جمع‪ .‬وأما مععن كععان ل يشععتري حععتى يقععرأ مععا جمععع فععإن‬
‫انصلح شأنه‪ ،‬فسيندم على سوء سياسععته تلعك بعععد حيععن‪،‬‬
‫ولت حين مندم‪.‬‬
‫ولو تصفحت تراجم كبار الئامعة‪ ،‬والعلمععاء المععبرزين‪،‬‬
‫لوجععدت أن القاسععم المشععترك بينهععم هععو حععب الكتععب‬
‫والشغف بها‪ ،‬وأنهم من أصحاب المكتبات العظيمععة‪ .‬وأمععا‬
‫رحلتهم مععع الكتععاب وقصععتهم معععه‪ ،‬فهععي قصععص تملؤهععا‬
‫العاطفة والتفاني والبذل واحتقار الدنيا وملذاتها‪ :‬فكم من‬
‫عالم رضي بالجوع دهرا ا ليقتني الكتب‪ ،‬وكم من عالم آخر‬
‫باع ثوبه الذي علعى جسعده أو داره العتي يسعكنها ليمتلعك‬
‫كتاباا‪ ،‬وكم من عالم رضي ببكاء أهله وأولده عريا ا وحرمانا ا‬
‫ولم يرض بيع كتاب له‪ ،‬وكم من إمععام بكععى وغلععب حزنععه‬
‫)‪(99‬‬
‫صبره لما فاته كتاب‪ ..‬وكم وكم!!‬
‫ومن عجائاب ذلك قصععة الحععافظ أبععي العلء الحسععن‬
‫بن احمد بن سهل الهمذاني العطار )ت ‪569‬هع(‪ ،‬وكان قد‬
‫جمع كتبا ا كثيرةا‪ ،‬ورحل إلى البلدان من أجل ذلععك‪ ،‬وعمععل‬
‫دارا ا للكتب وخزانة‪ ،‬ووقف جميع كتبه فيها لطلبة العلم!‬
‫ومن غرائاب ما حصل له في جمعه للكتب‪ :‬أنه كععان‬
‫مرةا ببغععداد‪ ،‬ونععودي بععالمزاد علععى كتععب لبععن الجععواليقي‬
‫بمبلغ كععبير‪ ،‬فاشععتراها أبععو العلء العطععار‪ ،‬علععى أن يععوفي‬
‫الثمن بعد أسبوع‪ ،‬ولم يكن لديه ثمنها‪ .‬فخرج إلععى طريععق‬
‫همذان‪ ،‬فرحل‪ ،‬إلععى أن وصععلها – فععأمر بععأن ينععادى علععى‬
‫داره بالبيع!!! فلما بلغت السعر الذي اشععترى بععه الكتععب‪،‬‬
‫قال للمنادي‪ :‬بيعوا‪ ،‬فقال له المنادي‪ :‬تبلغ أكثر مععن ذلععك‪،‬‬
‫فلم ينتظر خشية أن ينتهي أمععد وفععاء ثمععن الكتععب‪ ،‬فبععاع‬

‫‪ُ ()99‬وفي ُكتاب ُ)صفحات ُمن ُصبر ُالعلماء( ُلعبدالفتاح ُأبو ُغدة ُأمثلة ُ‬
‫وافرة ُمن ُذلك‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫داره‪ ،‬ثم ركب إلى بغداد‪ ،‬فععوفى الثمععن‪ ،‬ولععم يشعععر أحععد‬
‫بحاله إل بعد مدةا!!!‬
‫ولما توفي هذا المام رؤي في المنام وهو في مدينة‬
‫جميع جدرانها مبنية بالكتب‪ ،‬وحععوله كتععب ل تحصعى‪ ،‬وهعو‬
‫مشتغل بمطالعتها!! فقيععل لععه‪ :‬مععا هععذه الكتععب ؟! قععال‪:‬‬
‫سألت ربي أن يشغلني بمععا كنععت أشععتغل بععه فععي الععدنيا‪،‬‬
‫فأعطاني!!‬
‫فعلى طلبة الحديث أن يبدؤوا في تكوين مكتبععة مععن‬
‫بداية طلبهم‪ ،‬شيئا ا فشيئا ا ؛ فإنهم إن استمروا في الطلععب‬
‫فسيجدون غب ما جمعوا خيرا ا وفائادةا واستغناء وسعادةا!‬

‫‪55‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫منهج ُالقراءة ُوالتعلم‬


‫لكتب ُالحديث ُوالمصطلح‬
‫بعععد ذكععر المميععزات السععابقة لعلععم الحععديث‪ ،‬ومععا‬
‫تستلزمه كل ميزةا منها من أسلوب معيععن تععواجه بععه فععي‬
‫الطلب والتحصيل ؛ بقي وضع تصور عععام لمنهععج القععراءةا‬
‫والتعلم في كتب الحديث وعلومه‪:‬‬
‫ولن أكون في هذا المنهج بعيدا ا عن الواقع‪ ،‬فأطععالب‬
‫جيل اليععوم بمععا كععان يلععزم بععه السععلف طلب العلععم فععي‬
‫زمانهم ؛ كما سئل المام أحمععد "عععن الرجععل يكععون معععه‬
‫مائاة ألف حديث‪ ،‬يقال إنه صاحب حديث ؟ قععال‪ :‬ل‪ ،‬قيععل‪:‬‬
‫عنده مائاتا ألف حديث‪ ،‬يقال له صاحب حععديث ؟ قععال‪ :‬ل‪،‬‬
‫قيل له‪ :‬ثلثمائاة ألف حععديث ؟ فقعال بيععده يمنععة ويسعرةا"‬
‫)‪ .(100‬وقال أبو بكر ابن أبي شيبة‪" :‬من لم يكتب عشععرين‬
‫ألف حديث إملء لم يعد صاحب حديث" )‪.(101‬‬
‫بل لن أزن طلب اليوم بعرف أهل العلم في القععرن‬
‫الثععامن الهجععري!! فقععد قععال تععاج الععدين السععبكي )ت‬
‫‪771‬هععع(‪" :‬إنمععا المحععدث مععن عععرف السععانيد والعلععل‬
‫وأسماء الرجال والعالي والنازل‪ ،‬وحفععظ مععن ذلععك جملععة‬
‫مستكثرةا من المتون‪ ،‬وحفظ البعض من السانيد‪ ،‬وسععمع‬
‫الكتععب السععتة ومسععند أحمععد وسععنن الععبيهقي ومعجععم‬
‫الطبراني‪ ،‬وضم إلععى هععذا القععدر ألععف جععزء مععن الجععزاء‬
‫الحديثية‪ ،‬هذا أقل درجاته ؛ فإذا سععمع مععا ذكرنععاه‪ ،‬وكتععب‬
‫الطباق‪ ،‬ودار على الشيوخ‪ ،‬وتكلععم فععي العلععل والسععانيد‪،‬‬
‫كان في أول درجات المحدثين‪ ،‬ثم يزيد الله مععن شععاء مععا‬
‫شاء" )‪.(102‬‬
‫فهذا كله بحسععب عرفهععم!! لكععن )لكععل زمععان دولععة‬
‫ورجال(‪ .‬فلععن أخععاطب إل أهععل زمععاني‪ ،‬بضعععف هممهععم‪،‬‬

‫‪ُ ()100‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪(2‬‬


‫‪ُ ()101‬الجامع ُللخطيب ُ)رقم ُ‪ُ ،(3‬وأدب ُالملء ُوالسأتملء ُللسمعاني ُ‬
‫)رقم ُ‪.(28‬‬
‫‪ُ ()102‬معيد ُالنعم ُومبيد ُالنقم ُللسبكي ُ)‪.(83-82‬‬

‫‪56‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫وكثرةا الصوارف لهم عن طلب العلم‪ ..‬وفععي اللععه الخلععف‬


‫وهو المستعان!‬
‫فأول ما يلزم طالب الحديث‪ :‬هعو إدمعان النظعر فعي‬
‫الصحيحين )صحيح البخاري وصحيح مسلم(‪ ،‬بل ينبغععي أن‬
‫يضع الطالب لنفسه مقدارا ا معينععا ا مععن الصععحيحين يقععرؤه‬
‫كل يوم‪ ،‬ليختم الصحيحين قراءةا في كععل سععنة مععرةا فععي‬
‫ل‪ ،‬خلل‬ ‫أقل تقععدير‪ ،‬ويسععتمر علععى ذلععك أربععع سععنوات مث ا‬
‫دراسععته الجامعيععة أو الثانويععة ؛ فل يتخععرج إل وقععد قععرأ‬
‫الصحيحين عععدةا مععرات‪ ،‬ليكععون مستحضععرا ا غععالب متععون‬
‫الصحيحين‪.‬‬
‫ثم ينتقل بعد ذلك إلععى بقيععة الكتععب الععتي اشععترطت‬
‫الصحة‪ ،‬كصحيح ابن خزيمععة‪ ،‬وصععحيح ابععن حبععان‪ ،‬وموطععأ‬
‫مالك‪ ،‬ومنتقى ابن الجارود‪.‬‬
‫ويتمععم هععذه بسععنن أبععي داود والنسععائاي‪ ،‬وجععامع‬
‫الترمععذي‪ ،‬وسععنن الععدارمي‪ ،‬وسععنن الععدارقطني‪ ،‬والسععنن‬
‫الكبرى للبيهقي‪.‬‬
‫فيقرأ الطالب هذه الكتب‪ ،‬بعناية وتدقيق‪ ،‬ويكثر مععن‬
‫القراءةا فيها‪ ،‬وخاصة التي اشترطت الصحة‪ ،‬وعلى رأسها‬
‫الصحيحان‪.‬‬
‫فإن كان طالب العلم هذا ممن أوتي موهبة الحفععظ‪،‬‬
‫فليجمع عزمه على ما يستطيعه من هذه الكتععب‪ .‬ويمكنععه‬
‫أن يبدأ بحفظ )الربعين النووية( وما ألحقه ابن رجععب بهععا‬
‫لتمععام خمسععين حععديثاا‪ ،‬ثععم ينتقععل إلععى )عمععدةا الحكععام(‬
‫لعبدالغني بن عبدالواحد المقدسي‪ ،‬ثم إلى )بلوغ المععرام(‬
‫لبن حجر‪ ،‬أو )اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان(‬
‫لمحمد فؤاد عبدالباقي‪ ،‬ثم إلى الصععحيحين ؛ ثععم مععا شععاء‬
‫مما يععوفقه اللععه تعععالى إليععه مععن الكتععب‪ .‬وأنصععحه أن أل‬
‫يضيف إلى محفوظه إل ما حكم عليه بالصحة والقبول من‬
‫إمام معتبر‪ ،‬إل بعد أن يستوعب ذلك‪.‬‬
‫ويمكن طالب الحديث أن يكمل قراءته لكتب السععنة‬
‫بقععراءةا شععروح مختصععرةا لكتععب الحععديث‪ ،‬مثععل )أعلم‬

‫‪57‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫الحععديث( فععي شععرح صععحيح البخععاري للخطععابي‪ ،‬وشععرح‬


‫النووي لصحيح مسلم‪ ،‬وشرح الطيبي لمشكاةا المصععابيح‪،‬‬
‫وفيض القدير للمنععاوي‪ .‬وأسععهل مععن ذلععك كلععه‪ ،‬أن يضععع‬
‫الطالب بجواره أثناء قراءتعه لكتععب السعنة كتععاب )النهايععة‬
‫في غريب الحديث والثععر( لبععن الثيععر‪ ،‬لنععه كتععاب يعنععى‬
‫بتفسير الكلمات الغريبة لغويا ا الواردةا في الحاديث والثار‬
‫؛ ليستطيع من خلل ذلك أن يفهم المعنى العام للحععديث‪،‬‬
‫وأن ل يروي ما ل يععدري‪ .‬فععإن أراد التوسععع‪ :‬فعليععه بمثععل‬
‫)التمهيد( لبن عبدالبر‪ ،‬و)طرح التثريب( للعراقععي‪ ،‬و)فتععح‬
‫الباري( لبن حجر‪.‬‬
‫أما ُبالنسبة ُلكتب ُعلوم ُالحديث ُوالمصــطلح‪:‬‬
‫فإن ُكان ُالطالب ُصغير ُالسن ُ)في ُمثل ُالمرحلــة‬
‫الدراسأية ُالمتوسأطة( ُفيبدأ ُبالبيقونيــة ُأو ُ)نخبــة‬
‫الفكر( ُلبن ُحجر‪ُ ،‬مع ُشرح ُميسر ُلهــا؛ ُوإن ُكــان‬
‫في ُالمرحلة ُالثانوية ُأو ُبدايــة ُالجامعــة ُفيبــدأ ُبـــ‬
‫)نزهة ُالنظر ُفي ُتوضيح ُنخبة ُالفكر( ُلبن ُحجــر‪،‬‬
‫أو ُ)الباعث ُالحثيث ُشرح ُاختصــار ُعلــوم ُالحــديث‬
‫لبن ُكثير( ُلحمد ُمحمــد ُشــاكر‪ُ ،‬أو ُ)الغايــة ُشــرح‬
‫الهدايــة( ُللســخاوي‪ُ .‬ثــم ُينتقــل ُإلــى ُكتــاب ُابــن‬
‫الصلح ُفي ُعلوم ُالحديث‪ُ ،‬ويضم ُإليه ُشروحه ُكـــ‬
‫)التقييد ُواليضاح( ُللعراقي ُو)النكت ُعلى ُكتــاب‬
‫ابــن ُالصــلح( ُلبــن ُحجــر‪ُ ،‬ويتلــو ُذلــك ُكتــاب‬
‫)الموقظــة( ُللــذهبي‪ُ .‬ثــم ُينتقــل ُإلــى ُالكتــب‬
‫الموسأــعة ُفــي ُعلــوم ُالحــديث‪ُ ،‬مثــل ُ)تــدريب‬
‫الراوي( ُللسيوطي‪ُ ،‬و)فتــح ُالمغيــث( ُللســخاوي‪،‬‬
‫و)توضيح ُالفكــار( ُللصــنعاني‪ُ .‬ثــم ُيــدرس ُبعمــق‬
‫كتـــاب ُ)الكفايـــة( ُللخطيـــب‪ُ ،‬و)معرفـــة ُعلـــوم‬
‫الحديث( ُللحــاكم‪ُ ،‬و)شــرح ُعلــل ُالترمــذى( ُلبــن‬
‫رجب‪ُ ،‬ومقدمة ُ)التمهيد( ُلبن ُعبــدالبر‪ُ ،‬ومقدمــة‬
‫)الرشاد( ُللخليلي‪ُ .‬ثم ُينتهي ُبــالتفقه ُفــي ُكلم‬
‫الشافعي ُفــي ُ)الرسأــالة(‪ُ ،‬ومســلم ُفــي ُمقدمــة‬

‫‪58‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫)الصــحيح(‪ُ ،‬وأبــي ُداود ُفــي ُ)رسأــالته ُإلــى ُأهــل‬


‫مكة(‪ُ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫وبعد تعلمه لع )نزهة النظر( أو ما ذكرناه في درجتها‪،‬‬
‫وأثناء قراءته لكتاب ابن صلح‪ ،‬عليه أن يكثر مطالعة كتب‬
‫التخريج‪ ،‬مثل )نصب الراية( للزيلعي‪ ،‬و)البدر المنير( لبن‬
‫الملقن‪ ،‬و)التلخيص الحبير( لبن حجر‪ ،‬و)تنقيععح التحقيععق(‬
‫لبن عبد الهععادي‪ ،‬والسلسععلتين و)إرواء الغليععل( لللبععاني‪.‬‬
‫ويحاول خلل هذه القععراءةا أن يععوازن بيععن مععا عرفععه مععن‬
‫كتب المصطلح وما يقرؤه في كتععب التخريععج تلععك‪ ،‬ليععرى‬
‫نظريععا ا طريقععة التطععبيق العملععي لتلععك القواعععد ومعععاني‬
‫المصطلحات‪.‬‬
‫وإذا مععا توسععع فععي قععراءةا كتععب التخريععج السععابقة‪،‬‬
‫ويدرس كتابا ا من الكتب الحديثة في أصول التخريععج‪ ،‬مثععل‬
‫)أصععول التخريععج ودراسععة السععانيد( للععدكتور محمععود‬
‫الطحان‪ .‬ثم يدرس كتابا ا أو أكثر في علم الجرح والتعديل‪،‬‬
‫مثععل )الرفععع والتكميععل( للكنععوي‪ ،‬وأحسععن منععه )شععفاء‬
‫العليل( لبي الحسععن المصععري‪ .‬ويععدرس أيضععا ا كتابععا ا مععن‬
‫الكتعععب العععتي تععععرف بمصعععادر السعععنة‪ ،‬كعععع)الرسعععالة‬
‫المستطرفة (للكتاني‪ ،‬و)بحوث في تاريععخ السععنة النبويععة(‬
‫للدكتور أكرم ضياء العمري‪.‬‬
‫ثم يبدأ بالتخريج ودراسة السانيد بنفسه‪ ،‬وكلما بكععر‬
‫في ذلك )ولو مععن أوائاععل طلبععه( كععان ذلععك أعظععم فائاععدةا‬
‫وأكبر عائادةا ؛ لن ذلك يجعله يطبععق القواعععد فل ينسععاها‪،‬‬
‫ويتعععرف علععى مصععادر السععنة ومناهجهععا‪ ،‬ويتمععرن فععي‬
‫ساحات هذا العلم‪ .‬والغرض من هذا التخريج – كمععا سععبق‬
‫– هو الممارسة للتعلم‪ ،‬ل للتأليف ؛ وقد تقدم الحديث عن‬
‫أهمية هذه الممارسة في علم الحديث‪.‬‬
‫وأثنععاء قيععامه بالتخريععج‪ ،‬عليععه أيضععا ا أن يخععص علععم‬
‫الجععرح والتعععديل التطععبيقي بمزيععد عنايععة كععذلك ؛ وذلععك‬
‫بقراءةا كتبه الكبععار‪ ،‬مثععل‪) :‬تهععذيب التهععذيب( لبععن حجععر‪،‬‬
‫و)ميزان العتدال( للذهبي ؛ وكتبه الصول‪ ،‬مثل‪) :‬الجععرح‬

‫‪59‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫والتععععديل( لبعععن أبعععي حعععاتم‪ ،‬و)الضععععفاء( للعقيلعععي‪،‬‬


‫و)المجروحين( لبن حبعان‪ ،‬و)الكامععل( لبعن ععدي‪ ،‬وكتبعه‬
‫التي هي أصععول الصععول‪ ،‬مثععل‪ :‬تواريععخ يحيععى بععن معيععن‬
‫وسععؤالته هععو والمععام أحمععد‪) ،‬التاريععخ الكععبير( للبخععاري‪،‬‬
‫ونحوهععا‪ .‬وهععو خلل قراءتععه هععذه يحععاول أن يععوازن بيععن‬
‫اسععتخدام الئامععة للفععاظ الجععرح والتعععديل ومععا ذكععر عععن‬
‫مراتب هذه اللفاظ في كتب المصطلح‪ .‬وإن مععر بععه أحععد‬
‫الععرواةا الععذين كععثر الختلف فيهععم‪ ،‬فعليععه أن يطيععل فععي‬
‫دراسعععته‪ ،‬فعععإن هعععؤلء العععرواةا معععادةا خصعععبة للدراسعععة‬
‫والستفادةا‪.‬‬
‫وما يزال الطالب في الترقي العلمي في قراءةا كتب‬
‫علععوم الحععديث‪ ،‬فل يععدع منهععا شععاردةا ول واردةا‪ ،‬وفععي‬
‫التوسع في التخريج‪ ،‬وفي تمحيص علم الجرح والتعععديل ؛‬
‫حتى يصل إلى منزلة يصبح قادرا ا فيها علععى دراسععة كتععب‬
‫العلل‪ ،‬مثل‪) :‬العلل( لبن المديني‪ ،‬والترمععذي‪ ،‬وابععن أبععي‬
‫حاتم‪ ،‬وأجلها )علل الحاديث( للدارقطني‪ .‬فيقععرأ الطععالب‬
‫هذه الكتب قععراءةا تععدقيق شععديد‪ ،‬وتفقععه عميععق ؛ ليععدري‬
‫بعضععا ا مععن أسععاليب الئامععة فععي عععرض علععل الحععاديث‪،‬‬
‫وطرائاععق اكتشععاف تلععك العلععل‪ ،‬وقواعععد الحكععم علععى‬
‫الحاديث‪.‬‬
‫فإذا وصل طالب الحديث إلى هذه المرحلة‪ ،‬فلبد أن‬
‫رأسه قد أمتل بالمشاريع العلمية والبحوث الحديثية‪ ،‬الععتي‬
‫تزيده تعمقا ا في علععم الحععديث‪ .‬فليبععدأ )علععى بركععة اللععه(‬
‫مشوار العلم الطويل‪ ،‬منتفعا ا ونافعا ا مستفيدا ا مفيداا‪.‬‬
‫فإن بلغ طالب الحديث هذه الرتبة‪ ،‬وأسبغ اللعه عليعه‬
‫نعم توفيقه وتسديده‪ ،‬ومد عليه عمره في عافية‪ ،‬وطععالت‬
‫ممارسته لهذا العلم ؛ فيععا بشععرى العععالم السععلمي‪ ،‬فقععد‬
‫ولد له محدث!!‬
‫وأنبه – أخيرا ا – أن هذه المنهج التعليمي إنما نطرحععه‬
‫للطالب الذي لم يجد من يوجهه‪ .‬أما من وجد عالما ا ربانيععا‬
‫يعتني به توجيها ا وتعليماا‪ ،‬فعليه أن يقبل عليععه بكليتععه‪ ،‬وأن‬

‫‪60‬‬
‫ة ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫سن قي ي ق‬
‫ر ُال ي‬
‫ع ُالددمر ق‬
‫ق ع‬
‫و ق‬
‫م و‬
‫م‬
‫‪www.dorar.net‬‬

‫يلزم عتبة داره ؛ فهو على خير عظيم‪ ،‬وعلى معارج العلم‬
‫يترقى‪ ،‬ما دام جاثيا ا في حلقة ذلك العالم‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫وآخعر دعوانععا أن الحمعد للعه رب الععالمين‪ ،‬والصعلةا‬
‫والسععلم علععى أشععرف النبيععاء والمرسععلين‪ ،‬وعلععى آلععه‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫وكتب‬
‫الشريف حاتم بن عارف بن ناصر العبدلي العوني‬

‫‪61‬‬

You might also like