You are on page 1of 26

‫وجهــات نظر‬

‫حــول فلســفة تعليــم العلــوم‬


‫المدرســية فــي ســورية‬

‫مقاربــة إطاريــة للتحديــات واالحتياجــات‬

‫د‪ .‬محمــد ســعيد الطاغوس‬


‫نيسان‪/‬أبريل‪2019‬‬
‫مداد ‪...‬‬

‫العامة‬
‫ّ‬ ‫تأسست عام ‪ ،2015‬مق ّرها مدينة دمشق‪ ،‬تُعنى بالسياسات‬ ‫ٌ‬
‫بحثية مستق ّلة ّ‬ ‫ٌ‬
‫مؤسسة‬
‫والشؤون اإلقليمية والدولية‪ ،‬وقضايا العلوم السياسية واالجتماعية والثقافية واالقتصادية‬
‫ّ‬
‫الشامل (نظر ّيًا‪ ،‬وتطبيق ّيًا)‪،‬‬ ‫المعرفي‬
‫ّ‬ ‫والقانونية والعسكرية واألمنية‪ ،‬وذلك بالمعنى‬
‫باإلضافة إلى عنايتها بالدراسات المستقبلية‪/‬االستشرافية‪ ،‬وتركيزها على السياسات‬
‫والقضايا ال ّراهنة‪ ،‬ومتابعة فاعلي السياسة المحلية واإلقليمية والدولية‪ ،‬على أساس النّقد‬
‫والتقييم‪ ،‬واستقصاء التداعيات المحتملة والبدائل والخيارات الممكنة حيالها‪.‬‬

‫جميع حقوق النشر محفوظة © ‪2019‬‬

‫سورية ‪ -‬دمشق ‪ -‬مزة فيالت غربية ‪ -‬خلف بناء االتصاالت ‪ -‬شارع تشيلي ‪ -‬بناء الحالق ‪85‬‬

‫‪www.dcrs.sy‬‬

‫‪info@dcrs.sy‬‬
‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬
‫مقاربة إطارية للتحديات واالحتياجات‬
‫محمد سعيد الطاغوس‬

‫مركزدمشق لألبحاث والدراسات‬

‫ِمداد‬

‫‪1‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫املحتويات‬
‫مقدمة‪3.................................................................................................................‬‬
‫ا‬
‫أوال‪ -‬صورة العلم واملعرفة العلمية‪6..........................................................................‬‬
‫ا‬
‫ثانيا‪ -‬آليات نقل املعرفة العلمية‪9.............................................................................‬‬
‫ا‬
‫ثالثا‪ -‬صعوبات تعليم العلوم‪12................................................................................‬‬
‫‪ .1‬طبيعة املصطلح العلمي‪12..................................................................................................‬‬
‫‪ .2‬الصورنة أو "الشكالنية ‪ "formalism -‬في العلم‪13.............................................................‬‬
‫‪ .3‬تأثير التمثيالت العقلية والحسية في التعليم‪14.................................................................‬‬
‫‪ .4‬الدافع املدرس ي‪15................................................................................................................‬‬
‫ا‬
‫رابعا‪ -‬دوراملدرسة والبرامج التعليمية‪17...................................................................‬‬
‫‪ .1‬دور املدرسة‪17.....................................................................................................................‬‬
‫‪ .2‬محتوى وهيكلية برامج التعليم املدرس ي‪18.........................................................................‬‬
‫الخاتمة‪21.............................................................................................................‬‬
‫مراجع مستفاد منها‪23.............................................................................................‬‬

‫‪2‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫مقدمة‬
‫وقطعية ّ‬
‫ونهائية عن األسئلة التي تطرحها بقدر‬ ‫ّ‬ ‫إجابات حصرّية‬
‫ٍ‬ ‫ال تهدف هذه الورقة إلى تقديم‬
‫ُّ‬
‫والتغير والتطور‪ ،‬فهي قديمة جديدة في الوقت ذاته‬ ‫ّ‬
‫التحول‬ ‫ما تحاول مقاربة مشكلة تتسم أنها دائمة‬
‫ّ‬
‫بخاصة‪ ،‬يمثالن أحد التحديات‬ ‫وعاملي‪ ،‬إذ َّإن التعليم ّ‬
‫بعامة وتعليم العلوم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫محلي‬ ‫وموضوع جدال‬
‫ً‬ ‫نعلم؟ كيف ّ‬ ‫ّ‬
‫وألي غاية ووصوال ألي مستوى؟‬ ‫الكبرى والدائمة للمجتمعات ولرؤيتها املستقبلية‪ .‬ماذا‬
‫أسئلة ال َّبد من أن ّ‬
‫نجدد إجاباتنا عنها على دوام حياة املجتمعات طاملا أردنا لهذه املجتمعات أن تصبح‬
‫أكثر إنسانية‪ .‬بطبيعة الحال‪ّ ،‬‬
‫قدم باحثون كثر إجابات متنوعة عن هذه األسئلة‪ ،‬مستندين إلى‬
‫معطيات إبستمولوجية وسيكولوجية وتربوية‪ .‬ولن ّ‬
‫يتم في هذه الورقة تناول موضوع التعليم ٍ‬
‫بوجه‬
‫خاص؛ ذلك الستخالص نتائج‬‫ّ‬ ‫بوجه‬
‫ٍ‬ ‫عام بقدر ما سيتم تقديم مقاربة نقدية تطال تعليم العلوم‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫معينة تفيد في إظهار بعض القضايا واملشكالت التي ال َّبد من معالجتها ضمن األسئلة املطروحة هنا‬
‫عن التعليم‪.‬‬
‫ملاذا تعليم العلوم؟ َّإن اختيار هذا املوضوع ال يجد مبرراته فقط في الضرورة ّ‬
‫امللحة إلكساب‬
‫الطالب املعارف العلمية األساسية‪ ،‬وال في تسليط الضوء فقط على األهمية الكبيرة لضرورة استثمار‬
‫ً‬
‫العلم في املجاالت غير العلمية‪ ،‬نظرا ملا له من دور في تطوير التفكير العالي املجرد (بواسطة املفاهيم)‬
‫ّ‬
‫املركزية ضمن إطار التكوين املعر ّفي‬ ‫ّ‬
‫النقدي واملحاكمة املنطقية‪ ،‬األمر الذي يمنحه املكانة‬ ‫والتفكير‬
‫األساس الذي يحيل بذاته إلى رؤية جمعية لدور تعليم العلوم في التطور والنمو الشخص ي واملجتمعي‪،‬‬
‫ً‬
‫إضافة إلى ّ‬ ‫ّ‬
‫املبررات السابقة هو الوقوف على التحديات‬ ‫إنما الدافع املباشر لتناول هذا املوضوع‪،‬‬
‫ّ‬
‫العلمي لألهداف التي وضع لها‪.‬‬ ‫والصعوبات التي تقف عقبات وعوائق في طريق تحقيق التكوين‬

‫العلمي املدرس ّي في سورية‪ ،‬سواء في‬


‫ّ‬ ‫هذا‪ ،‬ورغم األهمية املتزايدة التي يشهدها التعليم‬
‫التشريعات والقوانين الناظمة واملعايير والتوصيات الخاصة بالعملية التعليمية‪ ،‬أو في مضمون‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫موثوقة في‬
‫ٍ‬ ‫ات‬
‫املناهج الدراسية التي تؤكد وتدعم مثل هذا االهتمام‪ ،‬إال أنه يمكن استنادا إلى خبر ٍ‬
‫الشخصية للباحث– الحكم َّ‬
‫بأن‬ ‫ّ‬ ‫متعددة –ومنها الخبرة‬‫صية ّ‬ ‫ّ‬
‫تخص ّ‬ ‫مجال التدريس على مستويات‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫املدرسية‪.‬‬ ‫هناك حالة تعث ٍر في تحقيق الغاية من تعليم العلوم في املرحلة‬

‫‪3‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫أما مؤشرات هذه الحالة املتعثرة فيمكن أن نقرأها في اآلتي‪:‬‬

‫ّ‬ ‫ً‬
‫العلمي لدى الطالب‪.‬‬ ‫‪ .1‬املستويات الضعيفة عموما في بعض مهارات التفكير‬
‫‪ .2‬النقص املتزايد باهتمام الطالب بالعلم‪.‬‬
‫ّ‬
‫العلمي في األغلب مع الظواهر واألحداث في الحياة اليومية‬ ‫‪ .3‬انعكاسات ذلك في التعامل غير‬
‫لدى الغالبية العظمى من الطالب‪.‬‬

‫َّ‬ ‫أال يدفعنا ذلك إلى استنتاج َّأن‬


‫إن تسليط الضوء على بعض الصعوبات التي‬
‫املحاوالت الجادة واملتكررة من أجل تحسين‬
‫يعاني منها التعليم في املدارس السورية يندرج‬
‫املناهج والبرامج التعليمية‪ ،‬وضمان تكوين‬
‫ضمن إطار رفد العملية املستمرة الهادفة إلى‬ ‫ً‬
‫علمي أكثر تكيفا مع متطلبات املجتمع‬‫ّ‬
‫تغيير وتطوير املناهج في املؤسسات التربوية‬
‫املعاصر‪ ،‬لم تنجح حتى اآلن في تحقيق‬
‫والتعليمية السورية حتى في أصعب الظروف‪.‬‬
‫أهدافها املعلنة؟ فالنقص امللحوظ في الثقافة‬
‫العلمية‪ ،‬وليس في بعض املضامين كما يظن بعضهم‪ ،‬وضعف املعارف والقدرات األساسية في العلوم‪،‬‬
‫ّ‬
‫مركبة تصل إلى ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫اإلشكالي‪ .‬وينبغي‬ ‫الحد‬ ‫يقدمان مؤشرا واضحا على َّأن تعليم العلوم يعاني من مشكلة‬
‫التأكيد مرة أخرى على أن املشكلة التي يحاول البحث توصيفها ال تمس مسألة صحة أو عدم صحة‬
‫ما يتم تدريسه من حيث املضمون العلمي الذي يتلقاه الطالب بقدر ما ترتبط بإخفاق هذه املضامين‬
‫ّ‬
‫والطرائق التي تنقل بوساطتها لتحقيق األهداف املتوخاة من تدريس العلوم‪ ،‬واألسباب الكامنة وراء‬
‫هذا اإلخفاق‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العلمي واالستراتيجيات املفترضة لتحقيق مثل‬ ‫نحو مركز أسس التكوين‬
‫يمس سؤالنا إذن على ٍ‬
‫هذا التكوين‪ .‬ومن أجل تفصيل املشكلة التي نود معالجتها‪ ،‬سنحاول تناول بعض الصعوبات التي لها‬
‫ً‬
‫عالقة مع تعليم العلوم في سورية بغية إبراز بعض التأثيرات املهمة في العملية التعليمية‪ .‬نقف أوال‬
‫عند الصعوبات املرتبطة بطبيعة املعرفة العلمية ومراحل واستراتيجيات نقلها‪ ،‬ثم نتناول بعض‬
‫الصعوبات املتعلقة بتعليم العلوم ودور املدرسة‪ ،‬باإلضافة إلى املشكالت الخاصة بمحتوى وهيكلية‬
‫ً‬
‫البرامج واملناهج التعليمية املدرسية‪ .‬ال تطمح هذه الورقة املبدئية التي تفترض أوراقا تفصيلية تتبعها‪،‬‬
‫إال إلى اإلشارة إلى الطابع املعقد واملتعدد األبعاد ملشكلة تعليم العلوم‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫وليس في هذه اإلشارة نفسها تجاهل لطبيعة الظروف الراهنة (خروج مدارس عن الخدمة‪،‬‬
‫وازدحام الصفوف‪ ،‬واألوضاع الصعبة للمعلمين وغيرها)‪ ،‬ذلك َّأن تسليط الضوء على بعض‬
‫ّ‬
‫السورية يندرج ضمن إطار رفد العملية املستمرة‬ ‫الصعوبات التي يعاني منها التعليم في املدارس‬
‫ّ‬
‫السورية حتى في أصعب الظروف‪.‬‬ ‫الهادفة إلى تغيير وتطوير املناهج في املؤسسات التربوية والتعليمية‬

‫‪5‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫ا‬
‫أوال‪ -‬صورة العلم واملعرفة العلمية‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫العلمي؛ بل أيضا الطريقة التي‬ ‫ليس مضمون املادة التعليمية وحده من يؤثر في تكوين الطالب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وبخاصة النماذج املضمرة التي يستعرضها ويستعين بها في تدريس تخصصه‪ .‬هذا‬ ‫يعلم فيها املعلم‪،‬‬
‫األمر يدفعنا إلى البدء بالسؤالين اآلتيين‪ :‬ما الصورة التي ّ‬
‫يكونها الطالب اليوم عن العلم عبر مسار‬
‫العملية التعليمية؟ هل تتوافق مع الصورة املعاصرة للعلم؟‬

‫َّإن املراقب لالستراتيجيات التربوية التي يعتمدها املعلمون لدينا‪ ،‬سواء عن وعي أو غير وعي‪ ،‬في‬
‫تدريس موادهم العلمية‪ ،‬يجد بأنها تقوم على النقاط اآلتية‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ا‬
‫أوال‪ ،‬تتبنى عموما مفهوما تجريبيا استقرائيا وصورة تقليدية عن العلم متأخرة جدا (تعود ربما‬
‫إلى القرن الثامن عشر) عن الصورة التي يحملها العلم اليوم‪ .‬يفترض هذا املفهوم أن النماذج‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والنظريات العلمية تتشكل تدريجيا من الوقائع التي تقدمها املالحظة بدون دور ألي فروض‪ ،‬إذ تمثيال‬
‫فإنها تقدم وكأن العالم أو املالحظ وحده قام بمالحظة وقائع‪،‬‬‫ال حص ًرا‪ ،‬عندما تعرض نظرية ما‪ّ ،‬‬

‫واستطاع بعبقريته الفذة فقط صياغتها‪ ،‬بمعزل عن أي سياق تاريخي اجتماعي وحيثيات رافقت‬
‫تكوين وبناء هذه النظرية‪ .‬على هذا النحو‪ ،‬يبدو املنهج العلمي وكأنه مجرد إجراء موحد تستقرأ أو‬
‫تشتق القوانين والنظريات فيه من املالحظة الدقيقة للوقائع‪ .‬يستبعد مثل هذا املفهوم الصفة‬
‫البنائية للعلم‪ ،‬ويقلل من دور الفروض والنظريات‪ ،‬ويعطي املالحظ قيمة وهمية تخفي خاصيته‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ا‬
‫النسبي للنظريات وللنماذج التي يقترحها العلم لصالح تقديمها‬ ‫ثانيا‪ ،‬يغيب في املناهج الطابع‬
‫في صورتها املطلقة‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬عندما يتم تدريج املعرفة في أحد الفروع العلمية توزع املراحل التي‬
‫اجتازتها نظريات هذا الفرع على سنوات متتالية‪ ،‬لكن في كل مرة ال يراعى فيها إظهار الصيغة النسبية‬
‫السعة أو العمق لهذه النظرية أو تلك‪ .‬يعيق مثل هذا العرض فهم‬ ‫املؤقتة التي ستتغير‪ ،‬إما من حيث َّ‬
‫الطالب لإلمكانيات وللحدود التي تقترحها هذه النماذج على الفعل والتجارب الجديدة‪ ،‬كما أنه يقصر‬
‫دور املجرب على البرهنة؛ بينما يكون دوره األساس في التعامل مع النماذج النظرّية الختبار حدودها‬
‫وقدراتها‪.‬‬
‫العلمي الذي يقدم للطالب إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫مجرد تمرين سطحي يقوم على تطبيق خطي‬ ‫ثالثا‪ ،‬يختزل املنهج‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لسلسلة من املراحل املحددة مسبقا‪ .‬ونادرا ما تعرض هذه التمارين في صورة منهج لحل املشكالت‪.‬‬

‫‪6‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫لذلك َّ‬
‫فإن ما يهم الطالب هي النتيجة املحصلة‪ ،‬وليس املسار الذي يقود إليها‪ .‬ويسهم هذا في خلق‬
‫غموض لدى الطالب بين الصيغ البروتوكولية التي يعرض بموجبها منهج البحث العلمي واملسار‬
‫ّ‬
‫الفعلي للبحث نفسه‪.‬‬ ‫التجريبي‬
‫ا‬
‫ابعا‪ ،‬املالمح اإليديولوجية املضمرة في الصورة التي ّ‬
‫تقدم عن العلم والتي لديها تأثير كبير في‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫العلموية التي تعرض العلم والنظرية‬ ‫ّ‬
‫العلمي‪ ،‬وال سيما النزعة‬ ‫ّ‬
‫االجتماعية والثقافية للتكوين‬ ‫القيم‬
‫العلمية منتزعة من سياقها التار ّ‬
‫يخي‪ ،‬وكأنها آخر ما يمكن أن يقال في العلم‪ .‬تظهر هذه النزعة في األمثلة‬
‫املدرسون وطبيعة اللغة العلمية في الحوار‬ ‫املختارة في املقررات والتصورات واملواقف التي يتبناها ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫داخل الصف‪ .‬ويمكن أن نضيف شكال آخر من اإليديولوجيا املضمرة في تدريس العلوم يتمثل في‬
‫تقدم العلوم التي تختصر مفهوم‬ ‫فكرة ّ‬
‫إن تجاهل املظاهر الثقافية والتاريخية للعلم‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫التقدم إلى بعد واحد‪ ،‬وتقيم تفاوتا هرميا بين‬
‫يمكن أن يؤدي إلى إضعاف البعد اإلنساني‬
‫معرفة املتخصص وأنماط املعارف األخرى‪،‬‬
‫للمنهج العلمي وعدم تقدير األبعاد الفلسفية‬ ‫ً‬
‫مغفلة على هذا النحو املعايير املستخدمة في‬
‫والتاريخية واالجتماعية والثقافية للعلم أو‬
‫بناء املعرفة العلمية التي تأتي من قرارات‬
‫حتى تأويلها على نحو يعيق الغايات التعليمية‪.‬‬
‫ّ‬
‫وحياتي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وتاريخي‬ ‫ّ‬
‫اجتماعي‬ ‫مرتبطة بسياق‬
‫وليس من عقالنية كلية شاملة‪ ،‬أو منطق‬
‫إلزامي صارم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا‬
‫عملي‬ ‫نفعي‬ ‫خامسا‪ ،‬امليل إلى تقديم العلوم بصورة خالصة حيادية‪ ،‬بعيدة عن أي غرض‬
‫ّ‬
‫حياتي‪ ،‬يقود إلى الفصل املصطنع بين العلم والتكنولوجيا واملجتمع‪ .‬إن املنظور االجتماعي للعلم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العلمي غير مدرج في البرامج واملناهج الدراسية السورية‪ ،‬والواقع‬ ‫والتكنولوجيا كمبدأ منظم للنشاط‬
‫ً‬ ‫أن إدراجها يفترض ضرورة تغيير جذر ّي في اختيار وتنظيم املضامين التي ّ‬
‫درست تقليديا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ا‬
‫سادسا‪ ،‬النقص الواضح في معارف معظم املدرسين عن طبيعة وتاريخ العلم والتكنولوجيا‪،‬‬
‫وإهمالهم لألبعاد الفلسفية واألخالقية واالجتماعية والتاريخية لتطور العلوم‪ .‬ولهذا بالتأكيد تأثير في‬
‫التصورات التي تعاني من نقص شديد‪ ،‬إن لم نقل إنها غير مالئمة لدى الطالب عن العلم ومسار بناء‬
‫املعرفة‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫الصعوبة املرتبطة بصورة العلم واملعرفة‬‫النتيج ــة األولية التي يمكن أن نسجلها بخصوص ّ‬
‫ّ‬
‫التكويني في التأكيد على األبعاد الثقافية والتاريخية للعلم‪ ،‬عالوة‬ ‫العلمية تتعلق بأهمية دور املعلمين‬
‫أهمية العناية ببرامج تكوين املعلمين أنفسهم على املستوى الثقافي والتاريخي ّ‬
‫بعامة من جهة‬ ‫على ّ‬
‫ّ‬
‫بخاصة‪ .‬إن تجاهل املظاهر الثقافية والتاريخية للعلم يمكن أن يؤدي إلى إضعاف‬ ‫ارتباطه بمادتهم‬
‫ّ‬
‫العلمي وعدم تقدير األبعاد الفلسفية والتاريخية واالجتماعية والثقافية‬ ‫ّ‬
‫اإلنساني للمنهج‬ ‫البعد‬
‫ّ‬
‫الضيق الذي‬ ‫للعلم أو حتى تأويلها على نحو يعيق الغايات التعليمية‪ .‬إن الخطر الكامن في املنظور‬
‫يقدم به العلم‪ ،‬هو توليد شكل من أشكال الدوغمائية أو اليقينية القطعية املدافعة عن املاهية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثابتة التي تعزز الفكر املتعصب واإلقصائية املعارضة ألي تطوير للتفكير النقدي الذي يقبل ٍ‬
‫بقدر‬
‫ً‬ ‫ًّ‬
‫صدقية أعلى وتمثيال أفضل‪ ،‬كما يعكس العوامل‬ ‫ما من الزيادة والنقصان في القيم املقاسة ليمنحها‬
‫املختلفة الذاتية واملوضوعية التي تفترض التسامح واالنفتاح على اآلخر‪.‬‬
‫ً‬
‫إذا كنا نرى َّأن من الضرور ّي إعطاء الطالب صورة أكثر اكتماال عن النشاط العلمي والسياق‬
‫ّ‬
‫والتاريخي الذي أنتجه‪ ،‬فسيترتب علينا توخي توضيح وتعريف املبادئ واملعارف األساسية‬ ‫ّ‬
‫االجتماعي‬
‫التي سيمتلكها املعلمون املستقبليون للقيام بمهامهم التعليمية على نحو أكثر مالءمة‪ .‬وهذا يدعونا‬
‫إلى التوجه بالسؤال إلى صانعي السياسات التعليمية واملشرفين على تطوير املنهاج في بالدنا‪ :‬أال يبدو‬
‫ا‬
‫ضروريا االهتمام أكثر بتاريخ وفلسفة العلوم‪ ،‬وأن تتضمن املناهج التعليمية للعلوم األساسية‬
‫ا‬
‫تعريفا بتاريخ العلوم والتكنولوجيا ودراسة لطبيعة املعرفة العلمية والتيارات واملؤسسات‬
‫الكبرى التي أنتجت العلم؟ أال يتطلب ذلك دعم تكوين املعلمين التخصص ي بمجاالت تطور‬
‫الثقافة العلمية واإلبستمولوجية إلى جانب املعارف التخصصية املالئمة للتربية العلمية؟‬

‫‪8‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫ا‬
‫ثانيا‪ -‬آليات نقل املعرفة العلمية‬

‫العلمي إلى َّأن إنتاج العلم لم يعد نتاج أعمال أفراد معزولين بقدر ما هو‬
‫ّ‬ ‫تشير صيرورة التطور‬
‫نتاج تعاون وتكامل خبراء‪ .‬هذه الخاصية االجتماعية البارزة للعلم تعارض الخاصية الفردية‬
‫الكتساب املعارف العلمية في سياق املدرسة العادي‪ .‬املدرسة ال توفر للطالب الفرصة في تبادل‬
‫معارفهم ووجهات نظرهم في إطار حاالت واقعية لحل املشكالت‪ ،‬ألن الصيغة التعليمية التي مازالت‬
‫إلى اليوم هي الصيغة التقليدية التي يتم بموجبها نقل املعارف ممن يعرف إلى من ال يعرف دون العناية‬
‫ً‬
‫بمسارات التواصل في املمارسة العلمية‪ .‬يخلق هذا األمر مصدرا إلشكالية التمييز بين العلم كما أنتج‬
‫ّ‬
‫والعلم الذي نعلمه في املدارس‪ .‬وإذا كان هدف التعليم ليس فقط نقل املضامين للطالب‪ ،‬وإنما‬
‫ّ‬
‫االجتماعي في مسار‬ ‫ّ‬
‫التفاعلي‬ ‫تمكينهم من املنهج العلمي‪ ،‬فمن املؤكد أننا بحاجة إلى عدم إغفال البعد‬
‫بناء املعارف الجديدة عبر تبادل األفكار وتصادم وجهات النظر‪.‬‬

‫في تأكيدنا على خطورة التباين بين الخاصية االجتماعية للعلم املنتج والخاصية الفردية للعلم‬
‫ّ‬
‫املدرس ي‪ ،‬ال نود في الواقع الدفاع عن فكرة أن املعرفة القابلة ألن تعلم في املدرسة مجرد نسخ بسيطة‬
‫عن املعرفة العلمية املحترفة‪ ،‬ألن هذه األخيرة ال يمكن أن تقدم بكليتها أو كما هي‪ ،‬بل من الضروري‬
‫ً‬
‫أن يتم تنقيتها وتعديلها وفقا لألهداف التكوينية الخاصة للتعليم‪ ،‬والستخدامها بطريقة مختلفة عن‬
‫بعدة تصفيات منظمة‪ ،‬مثل‪ :‬فرزونمذجة‬ ‫تلك التي ميزت سياق إنتاجها‪ ،‬يمكن لهذا االنتقال أن يتم ّ‬

‫املعارف‪ .‬وهذا يتطلب الدخول في نقاشات ترتبط بالسياسات التعليمية بين مجموعات من‬
‫اختصاصات مختلفة‪ ،‬ومن بينها الهيئة العلمية املعنية بصياغة املعرفة املدرسية ووضع املناهج‪.‬‬

‫َّإن ما ينبغي التنبيه إليه بخصوص آلية االنتقال من املعرفة املحترفة إلى املعرفة املدرسية هو‬
‫أنه رغم الفائدة التي نحصل عليها من هذا االنتقال في تسهيل عملية تعليم الطالب‪ ،‬إال َّأن هذه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫العملية يمكن أن تسهم أيضا في خلق فجوة‪ ،‬وربما تخلق تناقضا في بعض الحاالت بين هذين النمطين‬
‫من املعرفة؛ ذلك عندما تحول طبيعة املعرفة عبر إضمار أو إزاحة األسئلة التي تتيح اإلجابة أو تبدل‬
‫مواقعها أو تعدل الشبكة العالئقية التي تربطها بغيرها من املفاهيم‪ .‬وهذا يؤدي في بعض األحيان إلى‬
‫انتزاع املفاهيم من سياقها الشخص ي والتاريخي‪ .‬األمر الذي يتطلب من مصممي املناهج تدقيق‬
‫األهد اف واملهام التي تندب لها املعرفة العلمية الخاصة بعملية التعليم‪ ،‬ألن املعرفة ذاتها يمكن أن‬
‫تلبي غايات مختلفة بحسب السياق الذي تعرض فيه واألهداف التي تندب لتحقيقها‪ ،‬واضعين نصب‬
‫أعينهم ضرورة اإلجابة عن السؤال اآلتي‪ :‬كيف تكون املعارف العلمية مالئمة للتعليم ووفق أي غاية؟‬

‫‪9‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫هذا‪ ،‬وفي سياق محاولة املساعدة في اإلجابة عن مثل هذا السؤال يمكن القول‪ :‬إن أحد‬
‫األهداف األساسية في تعليم العلوم هو توجيه الطالب إلى تطبيق املعرفة العلمية املكتسبة باملدرسة‬
‫في سياقات أخرى خارج املدرسة‪ .‬لكن كيف يمكن تحقيق هذا الهدف؟ ال شك في أن الفارق بين‬
‫ً‬
‫الثقافات املدرسية والثقافات خارج املدرسة يجعل عملية نقل املعارف من سياق إلى آخر صعبة جدا‪.‬‬
‫ولذلك هناك عدد كبير من الطالب الذي يعانون من صعوبة استخدام املعارف العلمية املكتسبة في‬
‫املدرسة في ميادين أخرى غير السياق الصوري الذي اكتسبوا فيه هذه املعارف‪ .‬الرياضيات تدل‬
‫بوضوح على هذه الصعوبة‪ ،‬وما ذاك إال‬
‫إذا كان على املعرفة العلمية أن تنتزع من‬
‫لوجود انفصال بين طبيعة الرياضيات التي‬
‫السياق الذي أنتجت فيه لتصبح قابلة لتلبية‬
‫ا‬ ‫يتلقاها ويستخدمها الطالب في املدرسة‬
‫أغراض التعليم في املدارس‪ ،‬فإن عليها أيضا أن‬
‫واالستخدام املمكن للمعارف الرياضية في‬
‫تكون متوطنة في سياقها الجديد على نحو‬
‫ميادين مختلفة من الحياة اليومية‪ّ .‬إن غياب‬
‫يحفظ خصائصها وقواعدها الخاصة‪.‬‬
‫مثل هذه القدرة لدى الطالب يعكس‬
‫الخاصية الجامدة وغير الوظيفية للمعارف‬
‫املدرسية‪.‬‬
‫باملقابل‪ ،‬هناك العديد من املهارات الرياضية واملنطقية التي يلجأ إليها الطالب ملعالجة ّ‬
‫وحل‬
‫ّ‬
‫اليومية (مثل القدرة املكتسبة من املحيط ربما في استخدام معلومات‬ ‫الكثير من املشكالت في الحياة‬
‫ّ‬
‫خاص على ما هو عام أو العكس)‬ ‫سابقة في الوصول إلى استنتاجات جديدة‪ ،‬أو في قراءة قياس ما هو‬
‫ً‬ ‫في حين أن هؤالء الطالب أنفسهم يظهرون ً‬
‫أداء ال يستثمر مثل هذه املهارات املكتسبة عفويا حيال‬
‫املعارف الرياضية واملنطقية املتضمنة في األجواء املدرسية‪ .‬كل ذلك يقتض ي التنبيه إلى أمرين‪:‬‬

‫‪ .1‬ضعف إسهام املعارف املدرسية في حل املشكالت‪ ،‬واالستخدام غير املدرس ّي للمعارف‪،‬‬


‫واكتساب معارف جديدة خارج املدرسة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .2‬والثاني عدم استثمار املعارف املكتسبة عفويا خارج املدرسة في دعم التعليم املدرس ّي‪.‬‬

‫لعل النتيجة التي يمكن تسجيلها بخصوص اآلليات التي رصدناها هي َّأن مشكلة نقل املعارف‬‫َّ‬
‫التعليمي التربو ّي ليس فقط‬
‫ّ‬ ‫من ميدان إلى آخر تثير تساؤالت تعليمية وتربوية أساسية‪ .‬إن الهدف‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫جعل املعلومات قابلة ألن تعلم؛ بل أيضا ينبغي إعطاؤها داللة عملية قابلة لالستخدام والنقل إلى‬
‫سياقات مختلفة غير تلك التي اكتسبت فيها‪ .‬وبالنتيجة إذا كان على املعرفة العلمية أن تنتزع من‬

‫‪10‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫ً‬
‫السياق الذي أنتجت فيه لتصبح قابلة لتلبية أغراض التعليم في املدارس‪ ،‬فإن عليها أيضا أن تكون‬
‫ّ‬
‫متوطنة في سياقها الجديد على نحو يحفظ خصائصها وقواعدها الخاصة‪َّ .‬إن املعرفة املكتسبة في‬
‫املدرسة ال َّبد من أن تمنح الطالب القدرة على إعطاء معنى جديد للوقائع اليومية‪ ،‬وعليها أن تسهم‬
‫في تغيير وإثراء وتنظيم معارف التجربة الشخصية واملجتمعية‪ .‬بهذا املعنى‪ ،‬يمكن النظر إلى التعليم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بوصفه مسارا تراكميا تدريجيا يكون فيه اكتساب املعارف وسيلة لتطويع املعارف والقدرات التي ال‬
‫ّ‬
‫الفيزيقي الذي استخدمت فيه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫والثقافي أو‬ ‫ّ‬
‫االجتماعي‬ ‫يمكننا عزلها عن سياقها‬

‫‪11‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫ا‬
‫ثالثا‪ -‬صعوبات تعليم العلوم‬
‫ً‬ ‫ينبغي الوقوف عند بعض الصعوبات التي تكتنف ّ‬
‫عملية تعليم العلوم في سورية عموما‪ ،‬ذلك‬
‫ُّ‬
‫التبص ر في طبيعتها للعمل على تذليلها ما أمكن‪ .‬أولى هذه الصعوبات يعود إلى العقبات‬ ‫بهدف زيادة‬
‫ً‬
‫التي تقف عائقا أمام فهم الطالب للمفاهيم التي ينظر إليها عادة على أنها تأسيسية‪ .‬في الفيزياء‬
‫ً‬
‫والكيمياء مثال‪ ،‬كثير من الطالب الذين يستطيعون اجتياز االختبارات والتمارين املدرسية بنجاح ال‬
‫ً‬
‫نحو مالئم املبادئ التي تعلموها‪ ،‬ويواجهون غالبا صعوبة في تأويل مشكلة أو تقدير‬ ‫يفهمون على ٍ‬
‫سالمة إجراء ما أو حل‪ .‬يمكن أن نقول بلغة علم نفس اإلد اك ّإنهم لم يطوروا املعارف ّ‬
‫"التكيفية"‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫التي تسمح لهم بمعرفة متى وكيف وملاذا نستخدم هذه املعرفة عوضا عن استخدام معرفة أخرى‬
‫بخصوص مشكلة ما‪َّ .‬إن معرفة بعض املبادئ أو بعض العمليات غير كاف لضمان االستخدام الناجح‬
‫ّ‬
‫لها‪ .‬ولعل ذلك ناجم عن أن هذه الصعوبات حيال تعلم املبادئ أو املفاهيم مرتبطة بعدة عوامل‪:‬‬
‫طبيعة املصطلح العلمي‪ ،‬صورية العلم‪ ،‬تأثير التمثيل الحدس ي (العقلي والحس ي) في التعلم‪ ،‬الدافع‬
‫املدرس ّي‪.‬‬

‫‪ .1‬طبيعة املصطلح العلمي‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫يتطلب تعليم العلوم السائد في املدرسة أن يحفظ الطالب عددا هائال من املفاهيم واملبادئ‬
‫ً‬
‫بغض النظر عن مدى وضوح داللتها بالنسبة إليه‪ .‬وطبيعة املصطلح العلمي ذاته تفرض قيودا خاصة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫على الذاكرة‪ ،‬ألن خاصيته الداخلية الحصرية تشكل عائقا أساسا يعاند فهم الطالب‪ .‬والواقع َّأن‬
‫ً‬
‫هناك فرقا بين الذاكرة الداللية املفاهيمية والذاكرة املعجمية التي تعنى بشكل الكلمة ورسمها‪.‬‬
‫بإمكان الطالب في الواقع حفظ مفردات علمية عبر امتالك معرفة لفظية عنها دون أن يطور‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫مفاهيميا أو دالليا مناسبا لها‪ .‬كذلك من الصعوبات أيضا أن للمفردة ذاتها دالالت‬ ‫بالضرورة فهما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مختلفة جدا بين اللغة العادية واللغة العلمية‪ ،‬وهذه التعددية في الداللة تخلق عائقا أمام الفهم‬
‫والسيما في مادة الفيزياء‪.‬‬

‫ليس الحفظ ببساطة إعادة عن ظهر قلب‪ ،‬لكنه بالتأكيد يفترض القدرة على الفهم الذي‬
‫ّ‬
‫يخوله القيام باستنتاجات وتعميم اإلجابات على أسئلة أخرى‪ .‬وهذا يتطلب تنظيم املفاهيم بشكل‬
‫صحيح في الذاكرة الداللية التي كلما اغتنت باملعلومات زادت قدرتها على ّ‬
‫تقبل معلومات جديدة‪.‬‬
‫لذلك ومن أجل تعزيز فهم املصطلحات العلمية‪ ،‬نقترح على واضعي املناهج األخذ بالحسبان النقاط‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫‪12‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫‪ -‬التأكد من كفاية ذخيرة الطالب املعرفية في إتاحة االستيعاب‪.‬‬
‫‪ -‬تطوير آلية لربط املصطلحات بعضها مع بعض‪ ،‬وترتيبها حسب األولوية‪ .‬من األدوات التربوية‬
‫والتعليمية املهمة بهذا الخصوص‪ :‬استخدام شبكات أو بطاقات املفاهيم واملماثلة‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مفاهيمي معين‪ ،‬وتتيح‬
‫ٍ‬ ‫واالستعارة‪ .‬شبكة املفاهيم‪ ،‬تمثيال ال حصرا‪ ،‬تسمح بمعاينة مجال‬
‫تحديد العالقات املختلفة التي تقوم بين عدة مفاهيم إما على أساس درجة العمومية‬
‫والخصوصية‪ ،‬أو على أساس العالقة بين الجنس والنوع‪ ،‬أو على أساس الشمول والتضمن‬
‫ً‬
‫(مثال‪ ،‬مفهوم الذرة وعالقته بمكوناته مثل اإللكترون والبروتون وعالقته بمفاهيم تشمله‬
‫كالجزيء)‪ .‬ويمكن أن نشير إلى عدة أنواع لشبكات‪:‬‬
‫‪ -‬شبكة الدائرة‪( :‬تحديد وتعريف)‬
‫شبكة الفقاعة‪( :‬وصف)‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬الفقاعة املزدوجة‪( :‬مقارنة واالختالف)‬
‫‪ -‬شبكة الشجرة‪( :‬تصنيف)‬
‫‪ -‬شبكة التحليل‪( :‬قسمة)‬
‫‪ -‬شبكة التدفق‪( :‬تتابع وتسلسل)‬
‫‪ -‬شبكة التدفق املتعدد‪( :‬سبب ونتيجة)‬
‫‪ -‬شبكة الجسر‪( :‬متشابهات)‬

‫‪ .2‬الصورنة أو "الشكالنية ‪ "formalism -‬في العلم‬


‫َّإن الخاصية الصورية املجردة للمعارف العلمية والدور املركزي الذي يعطى فيها للنمذجة‬
‫ً‬
‫الرياضية يشكل مصدرا آخر من مصادر صعوبات تعليم العلوم‪ .‬فالعدد األكبر من الطالب ال يجيد‬
‫استخدام املفاهيم واألدوات واملسارات املجردة الضرورية لتعلم العلوم‪ .‬هل يمكن حل املشكلة‬
‫ّ‬
‫النقدي وأدوات منطقية رياضية خاصة بالتفكير الصوري؟ الواقع‬ ‫بإضافة برامج تعزز تطور الفكر‬
‫َّأن األمر ليس بهذه البساطة‪َّ ،‬‬
‫ألن مثل هذه األنماط من التفكير ال يمكن أن تكتسب مستقلة‪ ،‬وبمعزل‬
‫عن املضامين التي تحمل عليها‪.‬‬

‫َّإن تعليم الرياضيات والعلوم التي تعزز املحاكمة املنطقية وتطوير قدرات التجريد الخاصة‬
‫ّ‬
‫بالفكر العملياتي الصوري يمكن أن يقوما بهذه املهمة‪ .‬لكن الطريقة التي تعلم بموجبها هذه العلوم‬
‫تعاني من خلل‪ .‬فاإلصرار على التحديد الدقيق للنتائج في حل مسألة رياضية أكثر من التنبيه إلى‬

‫‪13‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫ً‬ ‫النقدي‪ .‬عندما ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يقدم مثال‬ ‫النوعي الذي تقوم عليه هذه النتائج يضر بتطوير التفكير‬ ‫االستدالل‬
‫البرهان على أن مجموع زوايا املثلث تساوي ‪ 180‬درجة ال تتم اإلشارة إلى أن مثل هذا البرهان ممكن‪،‬‬
‫ً‬
‫استنادا إلى مسلمات إقليدس في الهندسة ووفق استدالل يقوم على أساس فرض ي استنباطي ونسقي‪.‬‬
‫على هذا النحو‪ ،‬يهمل التفكير الرياض ي املنطقي والعمليات العقلية املرتبطة به في تعليم العلوم‬
‫الرياضية لصالح تعليم بعض املحتويات واملهارات التقنية‪ ،‬ويتعلم الطالب تطبيق املعادالت وتنفيذ‬
‫حسابات دون أن يطور قدرات االستدالل التي تتيح تصنيف املشكالت واختزال نطاق العمليات‬
‫املمكنة‪ .‬من هنا يواجه الطالب صعوبة كبيرة مع البرهان في الهندسة املستوية‪ ،‬العتماد البرهان فيها‬
‫على أسلوب منطقي يحتاج تنفيذه إلى مهارات استداللية فرضية ومنطقية ونسقية‪.‬‬

‫‪ .3‬تأثيرالتمثيالت العقلية والحسية في التعليم‬


‫ّ‬
‫الصورية أو املجردة‬ ‫ليست الخاصية‬
‫إن كل تعليم ال بد من أن يرتبط بمفاهيم حركية‬ ‫للمفاهيم العلمية هي املسؤولة فقط عن‬
‫قابلة لتحويلها من الطالب لتأويل املعلومات‪،‬‬ ‫صعوبات التعامل مع املعارف العلمية‪ ،‬بل‬
‫بمعنى‪ :‬أنه هذه املفاهيم مرنة ونسبية وغير‬ ‫ً‬
‫أيضا عن غياب املطابقة أو املقاربة بين‬
‫نهائية؛ بل تقريبية يمكن تعديلها‪ ،‬وتتيح إضافة‬ ‫الصورّية املجردة والحدس العقلي‬
‫اللغة ّ‬
‫معلومات جديدة على تلك القديمة‪.‬‬ ‫و‪/‬أو الحس ي‪ .‬عند غياب مثل هذه املطابقة‬
‫ال يكون أمام الطالب إال محاولة الربط بين‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫معارفه التي اكتسبها عفويا واملعارف التي تعلمها باملدرسة‪ .‬والواقع َّأن املعارف والخبرات العفوية غالبا‬
‫ما تعارض أو حتى تناقض النماذج التي تم تدريس املادة بواسطتها وال سيما في الفيزياء والكيمياء وعلم‬
‫األحياء‪ .‬املثال األبرز في علم األحياء على هذه املشكلة هو مفهوم التطور ونظرية دارون ومعارضتها‬
‫ملفهوم الخلق وفكرة أن النبي آدم أول البشر‪ ،‬وكذلك مشكلة السببية والتصورات التي تعارضها لدى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الطالب‪ .‬تقود هذه املعارف العفوية أحيانا إلى تشويه بعض املفاهيم‪ ،‬وتصل أحيانا أخرى إلى أن‬
‫ّ‬
‫العلمية‪ ،‬رغم تناقضها أو تعارضها ودون أن‬ ‫تتعايش في ذهن الطالب تصوراته العفوية مع التصورات‬
‫يكون على وعي بهذا التعارض أو التناقض‪ .‬في الحياة اليومية تسود تصوراته ومعارفه العفوية على‬
‫التصورات واملعارف التي تلقاها في املدرسة‪ ،‬ويعاني الطالب من صعوبة املالءمة في املعرفة العلمية‬
‫ً‬
‫التي تلقاها في املدرسة دون أن يعطيها معنى‪ ،‬استنادا إلى معارفه السابقة والعفوية‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫َّإن االهتمام باملعارف السابقة لدى الطالب مرتبط باملقاربة البنائية للمعرفة التي ال تنظر إلى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫التعليم فقط بوصفه مسار مراكمة املعلومات املنقولة من املعلم؛ بل بوصفه مسارا فاعال وانتقائيا‬
‫يعالج املعلومات ويغيرها بواسطة املعلومات املكتسبة‪ .‬ومن أجل مالءمة الطالب مع داللة املفاهيم‬
‫ً‬
‫العلمية ال بد من أن يقوم تحت إرشاد املعلم بإعادة بنائها تدريجيا باستخدام معارفه وتمثيالته‬
‫ً‬
‫املكتسبة مسبقا‪ .‬إن كل تعليم ال بد من أن يرتبط بمفاهيم حركية قابلة لتحويلها من الطالب لتأويل‬
‫املعلومات‪ ،‬بمعنى أنه هذه املفاهيم مرنة ونسبية وغير نهائية؛ بل تقريبية يمكن تعديلها وتتيح إضافة‬
‫معلومات جديدة على تلك القديمة‪ ،‬لكن األهم هو أن تتضمن اإلضافة قابلية تغيير دائمة على‬
‫املفاهيم‪.‬‬

‫‪ .4‬الدافع املدرس ي‬
‫ُّ‬ ‫ً‬
‫يخص الدافع أو ردود‬ ‫يوجد من األبعاد األخرى املهمة أيضا واملرتبطة بعملية تعليم العلوم بعد‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الشعورية وحاالت الطالب إزاء االختصاصات العلمية‪ .‬من املعروف جيدا حاالت القلق النفس ّي‬ ‫الفعل‬
‫املتولدة من التعامل مع الرياضيات وبعض العلوم األخرى‪ ،‬فاالهتمام والدافع الذي يتكون عند‬
‫ً‬
‫الطالب ال يعود فقط إلى األسلوب الجذاب املستخدم في تعليم هذه العلوم؛ بل يرتبط أيضا بالصورة‬
‫ً‬ ‫التي يقدم بها هذا العلم أو ذاك والصورة التي ّ‬
‫يكونها الطالب أنفسهم عنه‪ .‬وهنا نجد أن طالبا كثيرين‬
‫يميلون إلى املبالغة في تقدير الصعوبات التي تواجههم مع التخصصات العلمية‪ ،‬كما يميلون لالعتقاد‬
‫غير الدقيق‪َّ ،‬أن هذه الصعوبات تنتج عن عدم امتالكهم القدرات العقلية الالزمة للنجاح في هذه‬
‫العلوم‪.‬‬
‫َّإن مثل هذه الرؤية النخبوية تؤدي إلى أن يسود االعتقاد ب َّ‬
‫أن العلم غير متاح للجميع‪ ،‬ألنه‬
‫يفترض توافر مهارات ال يمتلكها الجميع‪ .‬حاالت الرسوب املدرس ي لدى العديد من الطالب تعزز بشكل‬
‫ّ‬ ‫واسع الشعور بعدم القدرة‪ ،‬وتشكل بدورها مصدر قلق اتجاه التعليم ّ‬
‫بعامة‪ .‬تولد مثل هذه‬
‫اإلخفاقات مواقف انهزامية وانسحابية لدى العديد من الطالب‪ .‬تشير بعض الدراسات إلى أن‬
‫اإلخفاق في مادة الرياضيات وبعض العلوم األخرى ال يعزى فقط للخاصية الصورية املجردة لهذه‬
‫ً‬
‫العلوم‪ ،‬كما أنه ال ينتج فقط عن ضعف املناهج التعليمية‪ ،‬بل ينتج أيضا عن نقص في االهتمام الذي‬
‫يبدو هو ذاته كنتيجة ضمنية للشعور باإلخفاق املتولد عن االصطدام بهذه العلوم‪َّ .‬إن مدارك‬
‫الطالب عن الصعوبات الداخلية لتعلم العلوم وعن قدراته الخاصة ليست على األغلب دقيقة‪ .‬لذلك‬
‫ال بد من التأكيد على ضرورة مكافحة األوهام التي ّ‬
‫تقوض ثقة الطالب بالعلم وبقدراتهم الخاصة‪.‬‬

‫‪15‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫يمكن استخالص النتائج التي يمكن أن نسجلها بخصوص مجموع تلك الصعوبات‪ ،‬وفق اآلتي‪:‬‬
‫ا‬
‫أوال‪ ،‬ال يمكن اختزال تعليم العلوم إلى تقديم نماذج جاهزة أو استبدال التمثيالت التي لدى‬
‫الطالب املعدودة بوصفها غير مالئمة بتمثيالت علمية‪ .‬إنما يقوم التعليم على أساس تعزيز عملية‬
‫تغيير مفاهيمية‪ ،‬وإيجاد استراتيجيات مالئمة لتطوير التمثيالت الحسية لدى الطالب‪ .‬هذه العملية‬
‫ً‬
‫تتطلب املرور ببعض التمثيالت أو النماذج االنتقالية التي رغم صحتها تربويا ال بد أن تكون تقريبية‬
‫من الناحية العملية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ا‬
‫ثانيا‪ ،‬من الضروري أيضا توفير فهم لآلليات التي تتدرج عبرها هذه التمثيالت الرتباطها‬
‫بالعملية املقترحة لبناء املعرفة‪.‬‬
‫ا‬
‫ثالثا‪ ،‬هذا املنظور يمس شكل ودور املعلم‪ ،‬ويطرح أسئلة حول أدواته في التعامل مع‬
‫التمثيالت‪ ،‬وتشخيصها وتقييمها والتعامل معها‪ ،‬كما يركز على دور املعلم واألهل في تحفيز الدافعية‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫لدى الطالب باتجاه موادهم العلمية عمال بالقاعدة التي تقول‪ :‬ال تعلم بدون دافعية‪.‬‬
‫السابق‪ .‬وهذا بدوره يتطلب تطوير معرفة تربوية ّ‬ ‫ّ‬
‫التعلم ّ‬
‫متعددة‬ ‫التعلم = الدافع ‪ +‬مستوى‬
‫ّ‬
‫التخصصات‪.‬‬

‫‪16‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫ا‬
‫رابعا‪ -‬دوراملدرسة والبرامج التعليمية‬

‫‪ .1‬دوراملدرسة‬
‫ُّ‬
‫أصبحت مصادر تعلم العلوم والتربية العلمية اليوم متعددة لدرجة تتجاوز بكثير حدود‬
‫ّ‬
‫االجتماعي‪ ،‬وبدرجة أقل املكتبات‪،‬‬ ‫املدرسة‪ ،‬إذ َّإن اإلذاعة والتلفاز‪ ،‬اإلنترنت ومواقع التواصل‬
‫والصحف واملجالت العلمية التخصصية والعامة‪ ،‬الجمعيات العلمية وغيرها‪ ،‬كلها تسهم اليوم في‬
‫ّ‬
‫العلمي عند من لديه مثل هذا الفضول‪ ،‬وتثير اهتمام غير املهتمين بالعلم والفكر‬ ‫تلبية الفضول‬
‫النقدي والثقافة العلمية‪ .‬تتيح هذه "املدارس املوازية" إمكانات عديدة‪ ،‬وت ّغير من الدور التقليدي‬
‫للمدرسة بوصفها املكان األفضل للتعليم‪ .‬ال يمكن للمدرسة تجاهل أو منافسة هذه األماكن‪ ،‬كما ال‬
‫يمكنها إهمال املكتسبات التي امتلكها الطالب في نطاق تجاربهم ومبادراتهم خارج املدرسة‪ .‬وينبغي عليها‬
‫إذن أن تأخذ بالحسبان املصادر املختلفة‬
‫ال َّبد من االنتباه إلى الخيارات بخصوص ما‬ ‫للمعلومات املتاحة للطالب من منظور‪ّ ،‬أن‬
‫يجب تعليمه في املدرسة واألهداف املرجوة‬ ‫ً‬
‫دورها أصبح مرتبطا بعالقتها بتلك املؤسسات‬
‫منها‪َّ ،‬‬
‫ألن هذه األهداف ال َّبد أن تركز على‬ ‫األخرى‪ ،‬ال سيما وأن املناهج الجيدة في‬
‫إكساب املعارف األساسية ملمارسة املهنة‬ ‫املدارس السورية تفترض مشاركة الطالب عبر‬
‫املستقبلية‪ ،‬وإرشاد الطالب الكتساب القدرة‬ ‫البحث عن طريق شبكة اإلنترنت عن‬
‫على إدارة معارفه و إثراء محاكماته العقلية‪.‬‬ ‫املعلومات‪ ،‬في حين‪ ،‬أنها لم تطور آلية مناسبة‬
‫ومضبوطة لتنفيذ هذا اإلجراء‪.‬‬

‫وال ّبد ضمن هذا اإلطار من االنتباه إلى الخيارات بخصوص ما يجب تعليمه في املدرسة‬
‫بعامة ال َّبد أن تركز على إكساب املعارف األساسية ملمارسة‬ ‫واألهداف املرجوة منها‪َّ ،‬‬
‫ألن هذه األهداف ّ‬
‫املهنة املستقبلية‪ ،‬وتعزيز الثقافة العلمية واعتياد املنهجية العلمية‪ ،‬وإرشاد الطالب الكتساب‬
‫القدرة على إدارة معارفه وإثراء محاكماته العقلية‪.‬‬
‫ً‬
‫أما األهداف وراء تعليم العلوم‪ ،‬فيمكن أن تكون متعددة جدا ومن مستويات مختلفة‪ :‬مهنية‪،‬‬
‫اجتماعية‪ ،‬عملية‪ ،‬فكرية‪ ،‬أخالقية‪ ،‬وحتى للمتعة‪ .‬وألنه من غير املمكن تعليم كل ش يء‪ ،‬ال بد من‬
‫القيام باختيارات خاضعة للغايات املوضوعة للتربية العلمية‪ .‬نعتقد أن أحد أهم التحديات التربوية‬
‫األساسية في تعليم العلوم هو‪:‬‬

‫‪17‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫‪ .1‬تكامل املعارف‪ ،‬بمعنى تشييد روابط بين املواد وطرق التعليم املدرسية‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫الروابط بين تعليمهم املدرس ّي والواقع خارج املدرسة‪ ،‬وبالتالي تطوير آليات تضمن التفاعل‬
‫الصحيح بين التعليم املدرس ّي والتعليم املواز ّي من مصادر غير مدرسية‪ ،‬دون أن يكون‬
‫ً‬
‫أحدها بديال عن اآلخر‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .2‬تعزيز تطوير معرفة ذات داللة (تربطها بمعارف الطالب السابقة) وهيكلية (تعكس تنظيما‬
‫ً‬
‫متماسكا)‪ ،‬وقابلة للنقل (يمكن تطبيقها في سياقات أخرى غير املدرسة)‪.‬‬
‫‪ .3‬االهتمام بتطوير القدرات واملهارات األساسية أكثر من العناية بتلقين عدد أكبر من‬
‫املضامين‪ ،‬والعناية أكثر بالتطور الفكر ّي للطالب‪.‬‬
‫‪ .4‬السؤال عن قدرة املناهج سواء باملضمون أو الهيكلية أو باملقاربة التربوية على االستجابة‬
‫املالئمة لهذه األهداف في التكوين العام؟‬

‫‪ .2‬محتوى وهيكلية برامج التعليم املدرس ي‬


‫َّ‬
‫لعل التحدي األول في هذا املجال مرتبط بالقيود التي تفرضها املناهج الدراسية‪ .‬إن الزمن‬
‫املخصص للدوام املدرس ّي ال يتناسب مع التوسع الضروري في املحتوى وتنوعاته‪ .‬هذه القيود املرتبطة‬
‫باملضامين الدراسية ّأدت إلى تركيز االهتمام على حفظ عدد كبير من التعريفات واملعادالت‬
‫نحو يعارض أي مقاربة تركز على تطوير القدرة على حل املشكالت وتطوير‬ ‫والخوارزميات‪ ،‬لكن على ٍ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫املهارات والقدرات‪ .‬وهذا بدوره خلق ميال إلى تجاوز عملية تعلم الطالب عبر تزويدهم بإجابات ناجزة‪،‬‬
‫بغض النظر عن التساؤالت التي يطرحونها‪ ،‬وخفض العملية التقييمية إلى ما يمكن تقييمه بسهولة‪،‬‬
‫أي النسخ‪.‬‬

‫َّإن التحدي اآلخر مرتبط بالهيكلية أو ببنية البرامج‪ .‬فقد فصلت املناهج بموجب املنطق‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫التخصص ي الصلب واملغلق‪ ،‬بمعنى أن املواد تقدم منفصلة ومعزولة عن بعضها بعضا دون أي‬
‫تقاطعات أو أدوار‪ ،‬رياضيات‪ ،‬فيزياء‪ ،‬كيمياء‪ ،‬وغيرها‪ ،‬دون التنبيه إلى التداخالت والتفاعالت املمكنة‬
‫والقائمة بين الرياضيات والفيزياء أو غيرها من العلوم‪ .‬األمر الذي أدى إلى تقطيع املضامين بحسب‬
‫ً‬
‫التخصصات وداخل كل تخصص‪ .‬في الرياضيات مثال‪ ،‬ال وجود ألي اهتمام بربط فروع الرياضيات‬
‫ً‬
‫ببعضها بعضا وتفاعلها ضمن هذا العلم‪ .‬وبالتالي نتج عن ذلك إهمال تكامل املعارف والتفاعل‬
‫التعليمي بين االختصاصات املختلفة‪ ،‬كما أدى الطابع التجزيئي لبرامج تدريس العلوم إلى أن تتعارض‬
‫ً‬
‫هذه األخيرة‪ ،‬وتتناقض أحيانا مع امليل املعاصر لتفاعل التخصصات في املقاربة العلمية للظواهر‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫ففي حين تكاد تتالش ى الحواجز والحدود في العلم املنجز‪ ،‬تبقى العلوم املدرسية مجزأة إلى ّ‬
‫حد كبير‬
‫ٍ‬
‫لدرجة يمكن معها القول‪ :‬إن املعرفة تتعرض لعملية "بلقنة أو صوملة"‪ .‬وهنا تبرز بعض التساؤالت‬
‫املهمة وفق اآلتي‪:‬‬

‫‪ -‬أليس من األفضل عدم التوسع في املضامين لصالح تعميق أكبر ملا هو موجود؟‬
‫‪ -‬أال يجب أن نضحي بالقليل من االكتمال لصالح املزيد من الدقة؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ال تقتصر خيارات من هذا القبيل على تعديالت بسيطة؛ بل تتطلب نهجا جديدا يركز على‬
‫تعميق وتمكين عدد أقل من املفاهيم املركزية واملتكاملة‪ .‬وبغض النظر عن املقاربة املنهجية املقترحة‪،‬‬
‫ً‬
‫أي مناهج تغطية عدد كبير من املوضوعات املجزأة وضمن م ّدة‬ ‫دائما أن نطلب من ّ‬ ‫يبقى املحظور‬
‫زمنية قصيرة‪ ،‬ألن النتيجة املباشرة ملثل هذا الطلب ستكون بالضرورة دفع الطالب إلى حفظ‬
‫املصطلحات العلمية والخوارزميات التي ال تفيد إال في حل املشكالت املعروضة في املقرر أو اإلجابة‬
‫عن أسئلة االمتحان‪.‬‬
‫ً ّ ً‬
‫ملحة ليس فقط‬ ‫بينما في املقاربة التكاملية لتعليم العلوم‪ ،‬تبرز ضرورة التغيير‪ ،‬بوصفها مهمة‬
‫في املضامين؛ بل في مناهج التعليم وهيكليتها‪.‬‬
‫ال تنحصر مهمة املعلم في نقل املعلومات؛ بل‬
‫ّ‬
‫املفاهيمي‪ ،‬أي‬ ‫وإذا كنا نريد تطوير التفكير‬
‫تمتد إلى تنظيم حاالت التعليم وتصميم‬
‫بناء شبكة مفاهيم قابلة للتوسيع التدريجي‬
‫استراتيجيات التدخل التي تعزز عملية تطوير‬
‫عبر دمجها بمفاهيم جديدة‪ ،‬من الضروري‬
‫املفاهيم لدى املتعلم‪.‬‬
‫إعادة النظر في املناهج باتجاه يجعلها أكثر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تماسكا وانسجاما‪.‬‬

‫َّإن النتيجة التي نختم بها هذا البند من الصعوبات هي أنه ال يمكن تغيير النهج باتجاه تعددية‬
‫ضمن التخصص وتكامل أكبر للمعرفة بوساطة تغيير البرامج فقط؛ بل يستلزم األمر تعديل مهمة‬
‫ّ‬
‫مدعو ملهمة مزدوجة بخصوص املادة التي يدرسها‪،‬‬ ‫املعلم وعالقته باملادة التي يدرسها‪ .‬فهذا األخير‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫ألن عليه أال يكون كالطبيب األخصائي فقط؛ بل عليه أيضا أن يكون طبيبا عاما يساعد الطالب في‬
‫ً‬
‫توجيه معارفه وترسيخها‪ ،‬وإقامة الروابط التي تعطيها مغزى أعمق‪ .‬ينبغي عليه أيضا أن يفهم‬
‫التمثيالت والتصورات التي يمتلكها الطالب قبل التعليم والنظر في ضرورة عدم الفصل بين املعرفة‬
‫الشخصية واملعرفة املدرسية‪ .‬لذلك ال تنحصر مهمة املعلم في نقل املعلومات؛ بل تمتد إلى تنظيم‬

‫‪19‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫ّ‬
‫حاالت التعليم وتصميم استراتيجيات التدخل التي تعزز عملية تطوير املفاهيم لدى املتعلم‪ .‬أعود‬
‫ألقول من جديد باستعارة من فضاء آخر‪َّ ،‬إن على املعلم أن يكون كاملهندس القادر على اإلبداع‬
‫ّ‬
‫كالفني الذي يطبق بتشدد سلسلة اآلليات الثابتة التي‬ ‫واالبتكار في ظروف متغيرة باستمرار‪ ،‬وليس‬
‫تعلمها‪ّ .‬‬
‫فتنوع املشكالت التي يواجهها املحترف تتطلب إجراء تعديالت مستمرة تفترض توافر مرونة‬
‫وقدرة على ُّ‬
‫التكيف‪.‬‬

‫‪20‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫الخاتمة‬

‫كل بند أو فقرة من فقراتنا‬ ‫ّ‬


‫الفرعية التي استخلصناها في نهاية ّ‬ ‫لو تأملنا مجموع النتائج‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫السابقة‪ ،‬لوجدنا أنها تمس الفلسفة الصريحة أحيانا واملضمرة أحيانا أخرى للتعليم عموما في‬
‫مدارسنا‪ .‬الفكرة املركزية لهذه الفلسفة هي املوقف من قضية التفكير ومهاراته واالستراتيجيات‬
‫التربوية املعمول بها في املناهج التربوية املرتبطة بهذه القضية‪.‬‬

‫هل يمكن تعليم التفكير؟ يبدو َّأن االستراتيجيات التربوية التي وضعت بموجبها املناهج‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الدراسية لم تتوقف طويال أمام هذا السؤال املرتبط بفلسفة التعليم‪ ،‬فالسؤال يبدو عبثيا من وجهة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نظر من يعتقد َّأن التفكير يتطور آليا عن طريق النضج‪ ،‬أو عفويا عن طريق املناهج الدراسية‪.‬‬
‫والواقع أنه يمكن إضافة مثل هذا الرأي لالئحة املعوقات التي رصدناها في هذه الورقة‪ ،‬ويمكن‬
‫إجمالها على النحو اآلتي‪:‬‬
‫ّ‬
‫إضافي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والذاتي ملهارات التفكير دون بذل أي جهد‬ ‫ّ‬
‫التلقائي‬ ‫‪ .1‬االعتقاد غير الدقيق حول التعلم‬
‫والنظر إلى أن اكتساب هذه املهارات نتيجة حتمية لعملية التعليم‪.‬‬
‫ّ‬
‫العلمي‪ ،‬وعدم تقدير األبعاد الثقافية واالجتماعية أو تأويلها‬ ‫‪ .2‬تجاهل البعد اإلنساني للمنهج‬
‫على نحو يعيق العملية التعليمية‪.‬‬
‫‪ .3‬اقتصار تركيز النظام التربو ّي املدرس ّي على تحقيق األهداف واملها ات املعرفية ّ‬
‫الدنيا مثل‪:‬‬ ‫ر‬
‫(الحفظ والتذكر واالنتباه) على حساب تطوير مهارات التفكير العليا مثل‪( :‬التفكير النقدي‬
‫واإلبداعي وما وراء املعرفي املرتبط بعمليات التخطيط واملراقبة والتقويم)‪ ،‬وكذلك انحسار‬
‫العملية التربوية والتقويمية على تحصيل النتائج النهائية دون العناية باملسارات واآلليات التي‬
‫أفضت إليها‪ ،‬وسيادة الطابع التجزيئي للبرامج‪.‬‬
‫‪ .4‬تجاهل التكوين السابق للمتعلم ومدى مالءمته ملا يكتسب في املدرسة‪ ،‬وباملقابل إضمار‬
‫الداللة العلمية التي تجعل املعلومات املدرسية قابلة للنقل إلى سياقات مختلفة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وتدني مستوى العناية باألوهام التي ّ‬
‫تقوض ثقة‬ ‫‪ .5‬عدم العناية بمستوى الدافعية واإلنجاز‪،‬‬
‫الطالب بقدراته وبجدوى املعارف التي اكتسبها‪.‬‬
‫ّ‬
‫املعلمون في الطرائق واالستراتيجيات الالزمة‬ ‫‪ .6‬انخفاض مستوى التدريب الكافي الذي يتلقاه‬
‫لتعليم التفكير ومهارته‪ ،‬وانحساره في التركيز على ثنائية املرسل واملستقبل‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫ّ‬
‫بخاصة‬ ‫أمام هذه العوامل املعيقة‪ ،‬ال يسعنا إال أن نطالب بمراجعة فلسفتنا لتعليم العلوم‬
‫وللتعليم ّ‬
‫بعامة‪ ،‬ومراجعة مسلماتنا اإلطارية باتجاه تصورات أكثر مرونة تخرج التعليم من الدائرة‬
‫املفرغة‪.‬‬

‫‪22‬‬ ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫مراجع مستفاد منها‬

‫باللغة العربية‬
‫ "العالقة بين مستوى مهارات االستقصاء وقدرات‬.‫ منى وعبد هللا أمبوسعيدي‬،‫ العفيفية‬.1
‫ مجلة جامعة النجاح ألبحاث العلوم‬،"‫التفكير املنطقي لدى طلبة الصف العاشر‬
.2014 ،28 ‫ املجلد‬،‫اإلنسانية‬
ّ ‫ "االستدالل املنطقي وعالقته‬.‫ غسان‬،‫ املنصور‬.2
،‫ مجلة جامعة دمشق‬،"‫بحل املشكالت‬
.2012 ،‫ العدد األول‬،28 ‫املجلد‬
‫ مجلة جامعة‬،"‫ "التحصيل في الرياضيات وعالقته بمهارات التفكير‬.‫ غسان‬،‫ املنصور‬.3
.2011 ،‫ العدد الثالث والرابع‬،27 ‫ املجلد‬،‫دمشق‬

‫باللغة الفرنسية‬
4. Legendre, Marie-Françoise. "Problématique de l’apprentissage et de
l’enseignement des sciences au secondaire". un état de la question, Revue des
sciences de l’éducation, Volume 20, numéro 4, 1994.
5. Prignon, Pascale et Muriel Ruol. "Les enjeux pédagogiques, philosophiques et
sociaux de l'éducation à la citoyenneté", Centre Interfaces - Pôle de Pédagogie
Charnière et Pôle de Philosophie et Action Sociale, juin 2004.
6. Reboul, Olivier. La philosophie de l"éducation. éd. PUF, col. QSJ n°2441, 1989.
7. Reboul, Olivier. Qu’est-ce qu’apprendre?. Paris : Ed PUF, collection l’éducateur,
1980, 10 ème édition, 2010.

23 ‫حول فلسفة تعليم العلوم املدرسية في سورية‬


‫سورية ‪ -‬دمشق ‪ -‬مزة فيالت غربية ‪ -‬خلف بناء االتصاالت ‪ -‬شارع تشيلي ‪ -‬بناء الحالق‪85‬‬

‫‪Damascus - syria‬‬
‫‪Te l : + 9 6 3 1 1 6 1 1 4 7 7 6‬‬
‫‪Fax: +963 116 114 731‬‬

‫‪w w w. d c r s . s y‬‬
‫‪info@dcrs.sy‬‬

You might also like