You are on page 1of 6

‫االعتكاف‬

‫التّعريف به ‪ -‬مشروعيّته ‪ -‬والحكمة منه ‪ -‬بيان أنواعه ‪ -‬شروطه ‪ -‬مدّته ‪ -‬مبطالته ‪ -‬ما يُباح للمعتكف فعلُه‬
‫األول‬ ‫‪.‬التّعريف باالعتكاف ‪:‬المبحث ّ‬
‫ْي َم ْعكُوفا‬ ‫شرا‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪َ {:‬وا ْل َهد َ‬ ‫وحبس النّفس عليه‪ ،‬خيرا كان أو ّ‬ ‫ُ‬ ‫لغة‪ :‬االعتكاف هو لزوم الشّيء‬
‫أ َ ْن يَ ْبلُ َغ َم ِحلَّه}‪ ،‬قال قتادة رحمه هللا‪ :‬أي محبوسا‪.‬‬
‫اجد}‪ ،‬أي مقيمون‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪َ {:‬ما َه ِذ ِه‬ ‫س ِ‬‫ش ُروهُنَّ َوأ َ ْنت ُ ْم عَا ِكفُونَ فِي ا ْل َم َ‬ ‫وقال عز وجل‪َ {:‬وال تُبَا ِ‬
‫الت َّ َماثِي ُل الَّتِي أ َ ْنت ُ ْم لَ َها عَا ِكفُونَ }‪ ،‬أي‪ :‬مالزمون لها مقيمون عليها‪ ،‬وقال سبحانه‪َ {:‬وا ْنظ ْر إِلَى إِلَ ِهكَ الَّذِي‬
‫ُ‬
‫علَ ْي ِه عَا ِكفا}‪ ،‬أي‪ :‬مقيما عليه مالزما له‪.‬‬ ‫َظ ْلتَ َ‬
‫والتاء في االعتكاف تفيد ضربا من المعالجة والمزاولة‪ ،‬ألن فيه كلفة‪ ،‬كما يقال‪ :‬عمل واعتمل‪ ،‬وقطع‬
‫واقتطع‪.‬‬
‫التقرب إلى هللا عز وجل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫شرعا‪ :‬هو لزوم المسجد واإلقامة فيه بنيّة‬
‫صالة‪ ،‬أ ّما االعتكاف فهو أع ّم من ذلك‪.‬‬ ‫الرباط بنيّة انتظار ال ّ‬ ‫الرباط أنّ ّ‬ ‫والفرق بينه وبين ّ‬
‫ظمه‪ ،‬كما كان المشركون‬ ‫قال شيخ اإلسالم رحمه هللا‪ ":‬ول ّما كان المرء ال يلزم ويواظب إالّ من يحبّه ويع ّ‬
‫يعكفون على أصنامهم وتماثيلهم‪ ،‬ويعكف أهل الشّهوات على شهواتهم‪ ،‬شرع هللا ألهل اإليمان أن يعكفوا‬
‫وأخص البقاع بذكر اسمه سبحانه والعبادة له بيوته المبنية لذلك‪ ،‬فلذلك كان‬ ‫ّ‬ ‫على ربّهم سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫االعتكاف لزوم المسجد لطاعة هللا "‪.‬‬
‫سو ُل هللاِ صلى هللا‬ ‫ويُس ّمى االعتكاف ِج َوارا؛ لما رواه البخاري عن عائشة رضي هللا عنها قالت‪ ":‬كَانَ َر ُ‬
‫س ِج ِد‪ ،‬فَأ ُ َر ِ ّجلُهُ َوأَنَا َحائِض "‪.‬‬ ‫سهُ َو ُه َو ُم َجا ِور فِي ال َم ْ‬ ‫ص ِغي ِإلَ َّي َرأْ َ‬‫عليه وسلم يُ ْ‬
‫الخدري رضي هللا عنه أَنَّ النَّ ِب َّي صلى هللا عليه وسلم قَالَ‪ِ (( :‬إ ِنّي ُك ْنتُ‬ ‫ّ‬ ‫وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد‬
‫اخ َر ))‪.‬‬‫أ ُ َجا ِو ُر َه ِذ ِه ال َعش َْر‪ ،‬ث ُ َّم َبدَا ِلي أ َ ْن أ ُ َجا ِو َر ال َعش َْر األ َ َو ِ‬
‫وروى عبد الرزاق في "المصنّف" والبيهقي في "الكبرى" عن ابن عبّاس وابن عمر رضي هللا‬
‫ص ْوم "‪.‬‬ ‫ار ِإالَّ بِ َ‬
‫عنهما قاال‪ ":‬الَ ِج َو َ‬
‫وكره العلماء تسميته خلوة‪ ،‬قال ابن هبيرة ‪ -‬كما في " مطالب أولي النّهى " (‪ ":-)228/2‬وهذا االعتكاف‬
‫المشروع ال يح ّل أن يس ّمى خلوة "‪ .‬قال‪ :‬وكأنّه نظر إلى قول بعضهم‪:‬‬
‫إذا خلوت الدّهر يوما فال تقل *** خلوت ولكن قلي علي رقيب‬
‫قال ابن مفلح رحمه هللا في "الفروع" ( ‪ ":)147/3‬ولع ّل الكراهة أولى "‪.‬‬
‫المبحث ال ّثاني‪ :‬مشروعيّته‪:‬‬
‫اجد}‪ ،‬ولفعل‬ ‫س ِ‬ ‫ش ُروهُنَّ َوأ َ ْنت ُ ْم عَا ِكفُونَ فِي ا ْل َم َ‬ ‫أجمع العلماء على مشروعيّة االعتكاف؛ لقوله تعالى‪َ {:‬وال ت ُ َبا ِ‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬ ‫ّ‬
‫طائِ ِفينَ‬‫س َما ِعي َل أ َ ْن َط ِ ّه َرا بَ ْيتِ َي ِلل َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واالعتكاف من الشرائع القديمة‪ ،‬كما قال تعالى‪َ {:‬وع َِه ْدنا إِلى إِب َْرا ِهي َم َوإِ ْ‬
‫َوا ْلعَا ِك ِفينَ }‪ ،‬وقال تعالى عن مريم‪{:‬فَات َّ َخذَتْ ِم ْن دُونِ ِه ْم ِح َجابا}‪.‬‬
‫محررة له‪ ،‬وكانت‬ ‫ّ‬ ‫قال شيخ اإلسالم رحمه هللا‪ ":‬وألنّ مريم عليها السالم قد أخبر هللا سبحانه أنّها جعلت‬
‫مقيمة في المسجد األقصى في المحراب‪ ،‬وأنّها انتبذت من أهلها مكانا شرقيا‪ ،‬فاتخذت من دونهم‬
‫حجابا‪ ،‬وهذا اعتكاف في المسجد واحتجاب فيه "اهـ‪.‬‬
‫ف فِي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ع َم َر رضي هللا عنه نذ َر فِي ال َجا ِه ِليَّ ِة أن يَ ْعت ِك َ‬ ‫عمر رضي هللا عنه‪ :‬أنّ ُ‬ ‫َ‬ ‫وروى البخاري عن ابن‬
‫ْ‬
‫ف بِنذ ِركَ ))‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سو ُل هللاِ صلى هللا عليه وسلم‪ (( :‬أ ْو ِ‬ ‫س ِج ِد ا ْل َح َر ِام لَ ْيلَة‪ ،‬قَا َل لهُ َر ُ‬
‫َ‬ ‫ا ْل َم ْ‬
‫المبحث ال ّثالث‪ :‬الحكمة من تشريع االعتكاف‪.‬‬
‫فإنّ االعتكاف ‪ -‬وإن كان قربة ‪ -‬لم يرد في فضله حديث صحيح‪ ،‬قال أبو داود رحمه هللا‪ :‬قلت ألحمد رحمه‬
‫هللا‪ :‬تعرف في فضل االعتكاف شيئا ؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬إالّ شيئا ضعيفا‪.‬‬
‫ومن األحاديث الّتي ال تص ّح في الباب‪ ":‬من اعتكف ليلة كان له كأجر عمرة‪ ،‬ومن اعتكف ليلتين كان له‬
‫كأجر عمرتين "‪.‬‬
‫ويظهر لنا فضل االعتكاف من خالل معرفة ِحكْمة مشروعيّته‪ ،‬فقد قال ابن القيّم رحمه هللا في " زاد المعاد‬
‫"(‪:)82/2‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫" ل ّما كان صالح القلب واستقامته على طريق سيره إلى هللا تعالى متوقفا على جمعيّته على هللا‪ ،‬ول ِ ّم شعثه‬
‫بإقباله بالكلّية على هللا تعالى‪ ،‬فإنّ شعث القلب ال يل ّمه إالّ اإلقبال على هللا تعالى‪.‬‬
‫ول ّما كان فضول الطعام والشّراب‪ ،‬وفضول مخالطة األنام‪ ،‬وفضول الكالم‪ ،‬وفضول المنام‪ ،‬مما ّ يزيده شعثا‪،‬‬
‫ض ِعفُه أو يَعُوقُه ويُوقِفُه‪ ،‬اقتضت رحمة العزيز‬ ‫سي ِْره إلى هللا تعالى‪ ،‬أو يُ ْ‬ ‫ويشتّته في ك ّل واد‪ ،‬ويقطعه عن َ‬
‫الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشّراب‪،‬ويستفرغ من القلب أخالط‬ ‫ّ‬
‫المعوقة له عن سيره إلى هللا تعالى‪ ،‬وشرعه بقدر المصلحة بحيث ينتفع به العبد في‬ ‫ّ‬ ‫الشّهوات‬
‫يضره وال يقطعه عن مصالحه العاجلة واآلجلة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫دنياه وأخراه‪ ،‬وال‬
‫وشرع لهم االعتكاف الّذي مقصوده وروحه عكوف القلب على هللا تعالى‪ ،‬وجمعيّته عليه والخلوة به‬
‫واالنقطاع عن االشتغال بالخلق واالشتغال به وحده سبحانه‪ ،‬بحيث يصير ذكره وحبه واإلقبال بدلها‪ ،‬ويصير‬
‫سه باهلل بدال عن‬ ‫قرب منه‪ ،‬فيصير أ ُ ْن ُ‬ ‫اله ّم كلّه به‪ ،‬والخطرات كلّها بذكره‪ ،‬والتفكّر في تحصيل مراضيه وما يُ ِ ّ‬
‫أنسه بالخلق‪ ،‬فيُ ِعدّه بذلك ألنسه به يوم الوحشة في القبور حين ال أنيس له‪ ،‬وال ما يفرح به سواه‪ ،‬فهذا‬
‫مقصود االعتكاف األعظم "اهـ‪.‬‬
‫المبحث ال ّرابع‪:‬في ذكر أنواعه‪:‬‬
‫مستحب‪ ،‬وواجب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫االعتكاف نوعان‪:‬‬
‫بالرسول صلوات هللا‬ ‫تقربا إلى هللا‪ ،‬وطلبا لثوابه‪ ،‬واقتداء ّ‬ ‫تطوع به المسلم ّ‬ ‫المستحب‪ :‬ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ) فاالعتكاف‬
‫سنة‪.‬‬ ‫وسالمه عليه‪ ،‬وذلك في جميع أيّام ال ّ‬
‫آخ َر العَش ِْر ِم ْن ش ََّوال ))‪.‬‬ ‫َف ِ‬ ‫النبي صلى هللا عليه وسلم (( اِ ْعتَك َ‬ ‫ّ‬ ‫روى البخاري ومسلم أنّ‬
‫‪ -‬ويتأكّد استحبابُه في شهر رمضان؛ لما رواه البخاري عن أبي هريرةَ رضي هللا عنه قال‪ ":‬كَانَ‬
‫َف ِعش ِْرينَ‬ ‫ض فِي ِه ا ْعتَك َ‬ ‫عش َْرةَ أَيَّام‪ ،‬فَلَ َّما كَانَ ا ْل َعا ُم الَّذِي قُ ِب َ‬ ‫ف فِي ُك ِ ّل َر َمضَان َ‬ ‫النَّ ِبي صلى هللا عليه وسلم يَ ْعت َ ِك ُ‬
‫َي ْوما "‪.‬‬
‫بن ع َم َر رضي هللا‬ ‫‪ -‬وأحسنه وأفضله في العشر األواخر من رمضان‪ ،‬لما رواه البخاري ومسلم عن عب ِد هللاِ ِ‬
‫اخ َر ِم ْن َر َمضَانَ ‪ .‬قَا َل نَافِع‪ :‬وق ْد أ َ َرانِي عب ُد‬ ‫ف ا ْل َعش َْر ْاأل َ َو ِ‬ ‫سو ُل هللاِ صلى هللا عليه وسلم يَ ْعت َ ِك ُ‬ ‫عنه قال‪ :‬كَانَ َر ُ‬
‫يعتكف فيه رسو ُل هللا صلى هللا عليه وسلم من المسجدِ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫هللاِ رضي هللا عنه المكانَ الّذي كان‬
‫ف ا ْل َعش َْر‬ ‫بي صلى هللا عليه وسلم كانَ َي ْعت َ ِك ُ‬ ‫وروى البخاري ومسلم أيضا عن عائشةَ رضي هللا عنها أنّ النّ َّ‬
‫َف أ َ ْز َوا ُجهُ ِم ْن َب ْع ِدهِ‪.‬‬ ‫اخ َر ِم ْن َر َمضَانَ َحتَّى ت َ َوفَّا ُه هللاُ‪ ،‬ث ُ َّم ا ْعتَك َ‬ ‫ْاأل َ َو ِ‬
‫َف رسو ُل هللاِ صلى هللا عليه‬ ‫الخدري ِ رضي هللا عنه قال‪ :‬ا ْعتَك َ‬ ‫ّ‬ ‫وروى البخاري ومسلم أيضا عن أبي سعيد‬
‫َف ا ْل َعش َْر‬ ‫ب أ َ َما َمكَ ‪ ،‬فَا ْعتَك َ‬ ‫عش َْر ْاأل ُ َو ِل ِم ْن َر َمضَانَ ‪َ ،‬وا ْعت َ َك ْفنَا َم َعهُ‪ ،‬فَأَتَا ُه ِجب ِْري ُل فَقَا َل‪ِ :‬إنَّ الَّذِي ت َ ْطلُ ُ‬ ‫وسلم َ‬
‫ب أ َ َما َمكَ ‪.‬‬ ‫ْاأل َ ْو َ‬
‫س َط فَا ْعت َ َك ْفنَا َمعَهُ‪ ،‬فَأَتَاهُ ِجب ِْري ُل فَقَا َل‪ :‬إِنَّ الَّذِي ت َ ْطلُ ُ‬
‫ب) واالعتكاف الواجب‪ :‬ما أوجبه المرء على نفسه‪:‬‬
‫علَ ّي أن أعتكف كذا يوما‪.‬‬ ‫إ ّما بالنّذر المطلق‪ ،‬مثل أن يقول‪ :‬هلل َ‬
‫أو بالنّذر المعلّق كقوله‪ :‬إن شفا هللا مريضي العتكفنّ كذا يوما‪.‬‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪َ (( :‬م ْن نَذَ َر أ َ ْن يُ ِطي َع هللاَ فَ ْليُ ِط ْعهُ ))‪ ،‬ومنه حديث‬ ‫ّ‬ ‫وفي صحيح البخاري أنّ‬
‫سابق ونذره في الجاهليّة‪.‬‬ ‫عمر رضي هللا عنه ال ّ‬
‫المبحث الخامس‪ :‬شروط االعتكاف‪.‬‬
‫بالزمان‪.‬‬ ‫لالعتكاف شرطان مه ّمان‪ ،‬أحدهما يتعلّق بالمكان‪ ،‬والثّاني ّ‬
‫األول ‪-‬‬
‫اج ِد{‪:‬تعالى أن يكون في المسجد‪ ،‬لقوله ‪:‬الشّرط ّ‬
‫س ِ‬‫ش ُروهُنَّ َوأ َ ْنت ُ ْم عَا ِكفُونَ فِي ال َم َ‬
‫‪}.‬والَ تُبَا ِ‬
‫َ‬

‫ف في المساج ِد‬ ‫االعتكاف في العش ِْر األواخر‪ ،‬واالعتكا ُ‬ ‫ِ‬ ‫قال اإلمام البخاري رحمه هللا في "صحيحه"‪ ":‬باب‬
‫ّللاِ فَ َال ت َ ْق َربُو َها َكذَ ِلكَ يُ َب ِيّنُ َّ‬
‫ّللاُ آ َياتِ ِه‬ ‫اج ِد تِ ْلكَ ُحدُو ُد َّ‬‫س ِ‬‫ش ُروهُنَّ َوأ َ ْنت ُ ْم عَا ِكفُونَ فِي ا ْل َم َ‬ ‫ك ِلّها؛ لقوله تعالى‪َ {:‬و َال ت ُ َبا ِ‬
‫اس لَ َعلَّ ُه ْم َيتَّقُونَ } "‪.‬‬‫ِللنَّ ِ‬
‫يخص تحري َم‬ ‫ّ‬ ‫قال الحافظ ابن حجر رحمه هللا‪ ":‬ووجه الدّاللة من اآلية‪ :‬أنّه لو ص ّح في غير المسجد لم‬
‫المباشرة به‪ ،‬ألنّ الجماع منافلالعتكاف باإلجماع‪ ،‬فعلم من ذكر المساجد أن المراد أنّ االعتكاف ال يكون إالّ‬
‫فيها "‪.‬‬
‫شرع في المساجد كلّها ؟‬ ‫وهل يُشترط مسجد بعينه‪ ،‬أو أنّه يُ َ‬
‫أ) فالجمهور على أنّه في ك ّل مسجد تقام فيه صالة الجماعة‪ ،‬إلطالق اآلية‪.‬‬
‫ب) ومنهم من اشترط كونَه جامعا‪ ،‬أي‪ :‬تُقام فيه الجمعة أيضا؛ لما رواه أبو داود بسند جيّد عن عائشة‬
‫امع "‪.‬‬ ‫س ِجد َج ِ‬‫َاف إِ َّال فِي َم ْ‬ ‫قالت‪َ ":‬ال ا ْعتِك َ‬
‫ضطر للخروج منه لصالة الجمعة‪ ،‬فإنّ الخروج لها واجب عليه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولع ّل ذلك لكي ال يُ‬
‫صى‪.‬‬ ‫بوي‪ ،‬والمسجد األق َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ج) ومنهم من اشترط أن يكون أح َد المساجد الثالثة‪ :‬المسجد الحرام‪ ،‬والمسجد الن ّ‬
‫وهو قول حذيفة بن اليمان رضي هللا عنه‪ ،‬وسعيد بن المسيّب‪.‬‬
‫اج ِد الثَّالَث َ ِة ))‪ ،‬ور ّجح المحدّثون وقفه‪ ،‬ولو ص ّح ل ُح ِمل‬ ‫س ِ‬‫َاف إِالَّ فِي ال َم َ‬‫ومنهم من استد ّل بحديث‪ (( :‬الَ ا ْعتِك َ‬
‫على نفي كمال األجر‪.‬‬
‫اعتكاف إال في مسجد‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وقد روى ابن أبي شيبة وابن حزم بسند صحيح عن سعيد بن المسيّب قال‪ ":‬ال‬
‫نبي "‪.‬‬
‫ّ‬
‫د) ومنهم من قال‪ :‬ال اعتكاف إالّ في الحرمين‪.‬‬
‫ّ‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم لم يعت ِكف إال به‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المدني؛ ألنّ‬
‫ّ‬ ‫صه بالحرم‬ ‫هـ) ومنهم من خ ّ‬
‫صواب؛ لما‬ ‫ّ‬
‫شرع في ك ّل ما يُطلق عليه لفظ مسجد حتّى مسجد الدّار‪ ،‬ولكنه خالف ال ّ‬ ‫و) ومنهم من قال‪ :‬يُ َ‬
‫رواه البيهقي عن ابن عبّاس رضي هللا عنه قال‪ ":‬إنّ أبغض األمور إلى هللا البدع‪ ،‬وإنّ من البدع االعتكاف‬
‫في المساجد الّتي في الدّور "‪.‬‬
‫التّرجيح‪:‬‬
‫صواب ‪ -‬إن شاء هللا ‪ -‬هو مشروعيّته في ك ّل مسجد تُقام فيه الجماعة؛ لعموم اآلية‪.‬‬ ‫وال ّ‬
‫ض اعتكافه إذا خرج إلى الجمعة‪ ،‬فيَ ِرد عليهم االعتكاف سائر األيّام‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الجام َع كيال يُنقَ َ‬ ‫ِ‬ ‫أ ّما من اشترط المسجد‬
‫بيوم الجمعة لكان له وجه‪،‬أ ّما أنّه يُشترط ثابت في جميع األيّام‪.‬‬ ‫صوا ذلك ِ‬ ‫ولو خ ّ‬
‫بالزمان‪ ،‬فهو‪:‬‬ ‫هذا فيما يتعلّق بالمكان‪ ،‬أ ّما ما يتعلّق ّ‬
‫الشّرط الثّاني‪ :‬مراعاة مدّة االعتكاف‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء أيضا في أق ِ ّل زمن لالعتكاف على أقوال‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنّ أق ّل مدّته يوم‪ .‬وهو رواية عن أبي حنيفة‪ ،‬وبه قال بعض المالكية‪.‬‬ ‫‪ -‬القول ّ‬
‫‪ -‬القول الثاني‪ :‬أن أق ّل مدّته يوم وليلة‪ .‬وهو مذهب جمهور المالكيّة ‪.‬‬
‫‪ -‬القول الثالث‪ :‬أن أقل مدته عشرة أيام‪ .‬وهو رواية عن اإلمام مالك ‪.‬‬
‫َ‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم اعتكافه صحيحا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اعتكاف عمر رضي هللا عنه ليلة‪ ،‬وع ّد‬ ‫ُ‬ ‫يرد عليها‬ ‫وهذه األقوال ِ‬
‫الرابع‪ :‬أنّ أق ّل مدّته لحظة‪ .‬وهو قول كثير من العلماء‪.‬‬ ‫‪ -‬القول ّ‬
‫عربي مبين‪ ،‬وبالعربية الّتي خاطبنا‬ ‫ّ‬ ‫واستدلّوا بإطالق اآلية‪ ،‬قال ابن حزم (‪ ":)179/5‬فالقرآن نزل بلسان‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬واالعتكاف في لغة العرب اإلقامة ‪ ...‬فك ّل إقامة في مسجد هلل تعالى بنيّة‬
‫يخص القرآن والسنّة عددا من عدد‪ ،‬ووقتا من‬ ‫ّ‬ ‫التقرب إليه اعتكاف ‪ ...‬م ّما ق ّل من األزمان أو كثر؛ إذ لم‬ ‫ّ‬
‫وقت " اهـ‪.‬‬
‫ّ‬
‫الرزاق وابن أبي شيبة عن يعلى بن أميّة رضي هللا عنه قال‪ ":‬إني ألمكث في‬ ‫واستدلّوا أيضا بما رواه عبد ّ‬
‫ساعة‪ ،‬وما أمكث إال ألعتكف "‪.‬‬ ‫المسجد ال ّ‬
‫التّرجيح‪:‬‬
‫صحيح ‪ -‬وهللا أعلم ‪ -‬أنّ أق ّل مدّة االعتكاف يوم أو ليلة‪ ،‬وذلك ألمرين اثنين‪:‬‬ ‫لع ّل القول ال ّ‬
‫صحابة‪ ،‬واشتهر‬ ‫النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وأمر به ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫األول‪ :‬أنّه لو ش ُِرع االعتكاف أق ّل من يوم‪ ،‬لثبت عن‬ ‫ّ‬
‫صالة‪،‬‬ ‫صحابة رضي هللا عنهم كانوا يجلسون في المسجد النتظار ال ّ‬ ‫عنهم؛ ِلتَكر ِر مجيئهم إلى المسجد‪ .‬فال ّ‬
‫وسماع الخطبة أو العلم‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬ولم يَ ِر ْد عنهم قص ُد االعتكاف‪.‬‬
‫الثّاني‪ :‬أنّه سيأتي أنّ االعتكاف ينتقض بالخروج من غير حاجة‪ ،‬فلو كان أق َّل من يوم لما كان هناك حرج‬
‫على المعتكف في أن يخرج من المسجد متى شاء‪ ،‬ث ّم يعود وين ِوي االعتكاف !‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫إذا أراد أن يعتكف ليلة فإنّه يبدأ مع الغروب‪ ،‬وإذا أراد أن يعتكف يوما فيدخل المسجد مع صالة الفجر‪.‬‬
‫سابق ذكره قالت ‪ -‬كما في صحيح‬ ‫اعتكاف أكثر من ذلك فإنّه يدخل مع الفجر لحديث عائشة ال ّ‬ ‫َ‬ ‫أ ّما إذا أراد‬
‫ُ‬
‫صلَّى ا ْلفَجْ َر ث َّم َد َخ َل ُم ْعت َ َكفَهُ )‪.‬‬‫ف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مسلم ‪ ( :-‬كَانَ رسو ُل هللاِصلى هللا عليه وسلم إِذا أ َرا َد أ ْن يَ ْعت َ ِك َ‬
‫صوم في االعتكاف ؟‬ ‫( فصل ) هل يُشترط ال ّ‬
‫طعام‪ ،‬و ِذكْر هللا يُذهب عنه فضول الكالم‪ ،‬والقيام يذهب عنه فضول‬ ‫صوم أنّه يُذ ِهب فضو َل ال ّ‬ ‫والحكمة من ال ّ‬
‫المنام‪.‬‬
‫صوم لالعتكاف على قولين‪:‬‬ ‫وقد اختلف العلماء في اشتراط ال ّ‬
‫األول‪ :‬أنّه شرط‪ :‬وهو مذهب أبي حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأحمد ‪ -‬في رواية ‪ ،-‬وهو قول عائشة وابن‬ ‫‪ -‬القول ّ‬
‫عبّاس وابن عمر‪ .‬وح ّجتهم‪:‬‬
‫خص االعتكاف برمضان‪ ،‬ولم يثبت عنه غير ذلك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫النبي صلى هللا عليه وسلم‬ ‫ّ‬ ‫أ) أنّ‬
‫صوم في اآلية‪.‬‬ ‫ب) اقتران االعتكاف بال ّ‬
‫س‬‫ازة‪َ ،‬و َال َي َم َّ‬ ‫ش َه َد َجنَ َ‬ ‫ف أ َ ْن َال َيعُو َد َم ِريضا‪َ ،‬و َال َي ْ‬ ‫علَى ا ْل ُم ْعت َ ِك ِ‬ ‫ج) قول عائشة في سنن أبي داود‪ ":‬السنَّةُ َ‬
‫َاف ِإ َّال فِي َم ْ‬
‫س ِجد‬ ‫ص ْوم‪َ ،‬و َال ا ْع ِتك َ‬ ‫ش َر َها‪َ ،‬و َال َي ْخ ُر َج ِل َحا َجة ِإ َّال ِل َما َال بُ َّد ِم ْنهُ‪َ ،‬و َال ا ْع ِتك َ‬
‫َاف ِإ َّال ِب َ‬ ‫ام َرأَة‪َ ،‬و َال يُ َبا ِ‬ ‫ْ‬
‫امع "‪.‬‬ ‫َج ِ‬
‫قال اإلمام ابن القيم رحمه هللا في " زاد المعاد "‪:‬‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم أنّه اعتكف مفطرا‪ ،‬بل قد قالت عائشة‪ ":‬ال اعتكاف إالّ بصوم "‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫" ولم يُنقل عن‬
‫الراجح في‬ ‫صوم‪ ،‬فالقول ّ‬ ‫صوم‪ ،‬وال فَ َعلَه صلى هللا عليه وسلم إالّ مع ال ّ‬ ‫االعتكاف إالّ مع ال ّ‬
‫َ‬ ‫ولم يذكر سبحانه‬
‫صوم شرط في االعتكاف‪ ،‬وهو الّذي كان ير ّجحه شيخ اإلسالم أبو‬ ‫سلف أنّ ال ّ‬ ‫الدّليل الذي عليه جمهور ال ّ‬
‫العباس ابن تيمية "اهـ‪.‬‬
‫‪ -‬القول ال ّثاني‪ :‬أنّه ال يُشترط‪:‬‬
‫وعلي رضي هللا عنهما‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّافعي وأحمد ‪ -‬في رواية أخرى ‪ -‬وهو قول ابن مسعود‬ ‫وهو قول الش ّ‬
‫ويد ّل على قولهم‪:‬‬
‫َ‬
‫شوال‪ ،‬فقد روى مسلم عن عائشة رضي هللا‬ ‫األول من ّ‬ ‫النبي صلى هللا عليه وسلم اعتكف في َّ‬ ‫ّ‬ ‫أ) أنّ‬
‫َف صلى هللا عليه وسلم فِيا ْلعَش ِْر ْاأل َ َّو ِل ِم ْن ش ََّوال‪.‬‬ ‫عنها قالت‪ ":‬ا ْعتَك َ‬
‫صوم؛ ألنّه يوم عيد‪.‬‬ ‫شوال ليس محالّ لل ّ‬ ‫أول ّ‬ ‫ووجه الدّاللة أنّ ّ‬
‫ّ‬
‫ف بِنذ ِركَ ))‪ ،‬ولم ينذر عمر إال أن يعتكف ليلة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب) أنّه صلى هللا عليه وسلم قال لعمر رضي هللا عنه‪ (( :‬أ ْو ِ‬
‫صوم‪.‬‬ ‫واللّيل ليس محالّ لل ّ‬
‫كالرباط‪.‬‬ ‫صيام ّ‬ ‫ج) أنّ االعتكاف عبادة مستقلّة ال تفتقر إلى ال ّ‬
‫مستحب وليس واجبا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫واألظهر أنّ ال ّ‬
‫صوم‬
‫المبحث السادس‪ِ :‬‬
‫مبطالت االعتكاف‪.‬‬
‫يبطل االعتكاف بأحد أمرين‪:‬‬
‫‪.‬الجماع ‪1-‬‬

‫فإذا انصرف المعت ِكف إلى بيتِه لحاجة‪ ،‬فإنّه ال يح ّل له أن يواقِع أهله‪ ،‬وهذا بإجماع العلماء؛‬
‫اج ِد}‪.‬‬
‫س ِ‬‫ش ُروهُنَّ َوأ َ ْنت ُ ْم عَا ِكفُونَ فِيا ْل َم َ‬
‫لقوله تعالى‪َ {:‬و َال تُبَا ِ‬
‫فحرم‬
‫قال ابن عبّاس رضي هللا عنه‪ ":‬هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان أو في غير رمضان‪ّ ،‬‬
‫هللا عليه أن ينكح النساء ليال ونهارا حتى يقضي اعتكافه "‪.‬‬
‫الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد‪ ،‬جامع إن شاء‪ ،‬فقال‬ ‫وقال الضحاك ومجاهد وقتادة وغيرهم‪ :‬كان ّ‬
‫اج ِد} أي‪ :‬ال تقربوهنّ ما دمتم عاكفين في المسجد‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫ش ُروهُنَّ َوأ َ ْنت ُ ْم عَا ِكفُونَ فِي ا ْل َم َ‬‫هللا تعالى‪َ {:‬وال تُبَا ِ‬
‫‪ -‬أ ّما القبلة والمعانقة‪ :‬فإن كانت بشهوة فال يح ّل له ذلك‪ ،‬وهو آ ِثم باتّفاق العلماء‪.‬‬
‫صحابة‬ ‫طل إالّ إذا أنزل؛ ألنّ اآلية على تفسير جميع ال ّ‬ ‫طل اعتكافُه ؟ جمهور العلماء على أنّه ال يب ُ‬ ‫ولكن هل ي ْب ُ‬
‫لم تشمل إالّ الجماع‪.‬‬
‫بري عن ابن عبّاس رضي هللا عنهما قال‪ ":‬المباشرة‪ :‬الجماع‪ ،‬ولكنّ هللا كريم يُ َكنِّي ما شاء بما‬ ‫ط ّ‬ ‫روى ال ّ‬
‫شاء "‪.‬‬
‫قال ابن كثير رحمه هللا‪ ":‬وليس له أن يُقَ ِبّل امرأتَه‪ ،‬وال يض ّمها إليه‪ ،‬وال يشتغل بشيء سوى اعتكافِه "‪.‬‬
‫‪ -2‬الخروج من المسجد بجميع البدن‪ ،‬بال عذر‪:‬‬
‫فهذا يبطل اعتكافه باتّفاق األئ ّمة كذالك؛ لمنافاته لركن االعتكاف‪.‬‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم ‪َ -‬ال َي ْد ُخ ُل‬
‫ّ‬ ‫وقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي هللا عنها‪ ( :‬كَانَ ‪ -‬أي‪:‬‬
‫ا ْلبَيْتَ إِ َّال ِل َحا َجة إِذَا كَانَ ُم ْعت َ ِكفا ))‪.‬‬
‫["فتح القدير" (‪ ،)396/2‬و"الدر المختار" (‪ ،)447/2‬و"الشرح الكبير وحاشيته" (‪ ،)543/1‬و"األم"‬
‫(‪ ،)108/2‬و"المجموع" (‪ ،)500/2‬و"روضة الطالبين" (‪ ،)404/2‬و"كشاف القناع" (‪ ،)362/3‬و"المحلى"‬
‫(‪.])188/5‬‬
‫وهل يح ّل له الخروج لألكل والشّرب ؟‬
‫طعام والشّراب فال يح ّل له الخروج‪ .‬وإالّ جاز له‪.‬‬ ‫فإن كان هناك من يأتيه بال ّ‬
‫المبحث السابع‪ :‬ما يُباح للمعتكف‪.‬‬
‫‪ -1‬الخروج ألمر ال ب ّد له منه طبعا أو شرعا‪:‬‬
‫فما ال ب ّد منه طبْعا‪ :‬الخروج لقضاء الحاجة‪ ،‬واألكل أو الشّرب إن تعذّر عليه دون الخروج‪ ،‬وما أشبه ذلك‬
‫كالخروج للقيء‪ ،‬أو غسل نجاسة‪.‬‬
‫قال ابن المنذر رحمه هللا‪ ":‬وأجمعوا على أنّ للمعتكف أن يخر َج عن ُمعت َ َك ِفه للغائط والبول " [" اإلجماع "‬
‫البن المنذر (ص ‪.])54‬‬
‫وقال ابن هبيرة رحمه هللا‪ ":‬وأجمعوا على أنّه يجوز لإلنسان الخروج إلى ما ال ب ّد منه كحاجة اإلنسان‬
‫‪ "[ "...‬اإلفصاح " (‪.])259/1‬‬
‫لكن إن طال مكثه بعد حاجته فسد اعتكافه‪ "[ .‬فتح القدير " (‪ ،)396/2‬و" المجموع " (‪ ،)502/6‬و" شرح‬
‫العمدة " (‪.])835/2‬‬
‫قال ابن كثير رحمه هللا‪ ":‬ولو ذهب إلى منزله لحاجة ال ب ّد له منها‪ ،‬فال يح ّل له أن يتلبَّث فيه إالّ بمقدار ما‬
‫مار في طريقه‬ ‫يفرغ من حاجته تلك‪ ،‬من قضاء الغائط‪ ،‬أو أكل ‪ ...‬وال يعود المريض‪ ،‬لكن يسأل عنه وهو ّ‬ ‫ُ‬
‫"اهـ‪.‬‬
‫وما ال ب ّد منه شرعا‪ :‬االغتسال من الجنابة‪.‬‬
‫سرح‪.‬‬ ‫سل ويُ َّ‬ ‫سه من المسجد؛ ليُغ َّ‬ ‫خرج رأ َ‬ ‫‪ -2‬ويجوز له أن يُ ِ‬
‫سهُ َو ُه َو [ ُم ْعت َ ِكف] فِي‬ ‫علَ َّي َرأْ َ‬
‫سو ُل هللاِ صلى هللا عليه وسلم لَيُد ِْخ ُل َ‬ ‫قالت عائشة رضي هللا عنها‪َ :‬وإِ ْن كَانَ َر ُ‬
‫ب َوأَنَا َحائِض ‪-‬‬ ‫سلُهُ‪َ ،‬و ِإنَّ بَ ْينِي َوبَ ْينَهُ لَعَتَبَةَ البَا ِ‬ ‫س ِج ِد [ َوأَنَا فِي حُجْ َرتِي]‪ ،‬فَأ ُ َر ِ ّجلُهُ ‪ -‬وفي رواية‪ :‬فَأ َ ْغ ِ‬ ‫ال َم ْ‬
‫ان إِذَا كَانَ ُم ْعت َ ِكفا‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫اإل ْن َ‬
‫‪َ ،‬وكَانَ الَ يَ ْد ُخ ُل البَيْتَ إِالَّ ِل َحا َج ِة ِ‬
‫[رواه الشيخان‪ ،‬وابن أبي شيبة‪ ،‬وأحمد‪ ،‬والزيادة لهما]‪.‬‬
‫‪ -3‬وله أن يتّخذ خيمة صغيرة في مؤ ّخرة المسجد يعتكف فيها؛ ألنّ عائشة رضي هللا عنها كانت تضرب‬
‫للنبي صلى هللا عليه وسلم خباء إذا اعتكف‪ ،‬وكان ذلك بأمره صلى هللا عليه وسلم‪[ .‬رواه الشيخان]‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪ -4‬وله أن يضع فراشه أو سريره فيها‪:‬‬
‫ح‬ ‫ط ِر َ‬ ‫َف‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫ع َمر رضي هللا عنه عَن النَّبِ ّي ِ صلى هللا عليه وسلم‪ ( :‬أنَّهُ كَانَ ِإذَا ا ْعتَك َ‬ ‫ابن ُ‬ ‫لما رواه ابن ماجه عن ِ‬
‫ط َوانَ ِة الت َّ ْوبَ ِة )‪.‬‬ ‫س ُ‬ ‫س ِرير َو َرا َء ا ْ‬ ‫ض ُع لَهُ َ‬ ‫لَهُ فِ َراش‪ ،‬أ َ ْو يُو َ‬
‫‪ -5‬ويجوز للمرأة أن تزور زو َجها وهو في معتكفه‪ ،‬وأن يشيّعها إلى باب المسجد‪:‬‬
‫لما رواه الشّيخان وغيرهما عن ص ِفيَّةَ رضي هللا عنها قالت‪ :‬كَانَ النَّبِي صلى هللا عليه وسلم ُم ْعت َ ِكفا [ فِي‬
‫لَيْال [ َو ِع ْن َدهُ‬ ‫أ َ ُز ُ‬
‫ورهُ‬ ‫َر َمضَانَ ]‪،‬فَأَت َ ْيتُهُ‬ ‫ِم ْن‬ ‫األ َ َو ِ‬
‫اخ ِر‬ ‫العَش ِْر‬ ‫فِي‬ ‫س ِج ِد‬ ‫ال َم ْ‬
‫ب‪ [ ،‬فَقَالَ‪:‬‬ ‫ساعَة ]‪ ،‬ث ُ َّم قُ ْمتُ ِأل َ ْنقَ ِل َ‬ ‫أ َ ْز َوا ُجهُ‪ ،‬فَ ُرحْ نَ ]‪ ،‬فَ َح َّدثْتُهُ [ َ‬
‫س ِج ِد ] فَ َم َّر َر ُجالَ ِن ِم ْن‬ ‫ب ال َم ْ‬ ‫ف َمعَ ِك ))] فَقَا َم َم ِعي ِليَ ْق ِلبَنِي‪َ [ ،‬حتَّى ِإذَا كَانَ ِع ْن َد بَا ِ‬ ‫(( الَ ت َ ْع َج ِلي َحتَّى أ َ ْن َ‬
‫ص ِر َ‬
‫س َرعَا !‬ ‫ص ِار‪ ،‬فَلَ َّما َرأَيَا النَّبِ َّي صلّى هللا عليه وسلّم أ َ ْ‬ ‫األ َ ْن َ‬
‫سو َل هللاِ !‬ ‫س ْب َحانَ هللاِ يَا َر ُ‬ ‫ص ِفيَّةُ ِب ْنتُ ُحيَ ّي )) فَقَاالَ‪ُ :‬‬ ‫س ِل ُك َما‪ِ ،‬إنَّ َها َ‬ ‫علَى ِر ْ‬ ‫فَقا َ َل النَّ ِبي صلى هللا عليه وسلم‪َ (( :‬‬
‫ِف فِي قُلُوبِ ُك َما ش ًَّرا ‪ -‬أو قال‪-‬‬ ‫ان َمجْ َرى ال َّد ِم‪َ ،‬وإِ ِنّي َخشِيتُ أ َ ْن يَ ْقذ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ش ْي َطانَ يَجْ ِري ِمنَ ِ‬
‫اإل ْن َ‬ ‫قَالَ‪ (( :‬إِنَّ ال َّ‬
‫شيْئا ))‪.‬‬ ‫‪َ :‬‬
‫[أخرجه الشيخان وأبو داود والزيادة األخيرة له]‪.‬‬
‫وأه ّم آداب االعتكاف‪:‬‬
‫صالة‪ ،‬وتالوة القرآن‪ ،‬والذّكر‪،‬‬ ‫‪ -‬أن يُش ِغل نفسه بالمقصود منه‪ ،‬وهو‪ :‬االجتهاد في طاعة هللا باإلكثار من ال ّ‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وتفسير القرآن‪ ،‬ودراسة الحديث‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫صالة على‬ ‫واالستغفار‪ ،‬والدّعاء‪ ،‬وال ّ‬
‫‪ -‬ويكره له أن يُش ِغل نفسه بما ال يفيد من األقوال واألفعال‪ ،‬أو أن يتّخذ مكان االعتكَاف للكالم عن الدّنيا‪،‬‬
‫النبي صلى هللا عليه‬ ‫ّ‬ ‫للزائرين‪ ،‬واألخذ بأطراف الحديث‪ ،‬فهذا االعتكاف في واد‪ ،‬واعتكاف‬ ‫ويجعله مجلبة ّ‬
‫وسلم في واد آخر‪.‬‬

You might also like