You are on page 1of 7

‫‪1‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫من أبي موسى بن إسحاق بن موسى ومحمد بن خالد خذار خذاه وعبد هللا بن أيوب أبي‬
‫سمير ومحمد بن حماد كاتب راشد والحسن بن إبراهيم بن رباح وأبي الخيار وأبي الرنال وخاقان‬ ‫ُ‬
‫ي المعروف بمشرطة وعلك بن الحسن ومحمد بن‬ ‫بن حامد وعبد هللا بن الهيثم بن خالد اليزيد َّ‬
‫ّ‬
‫هارون كبّة وإخوانهم المستمتعين بالنعمة والمؤثرين للذة المتمتعين بالقيان وباإلخوان المعدين‬
‫لوظائف األطعمة وصنوف األشربة والراغبين بأنفسهم عن قبول شيء من الناس أصحاب الستر‬
‫والستارات والسرور والمراوءات‪.‬‬

‫الحس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إلى أهل الجهالة والجفاء وغلظ الطبع وفساد‬

‫سالم من وفق لرشده وآثر َّ‬


‫حظ نفسه وعرف قدر النعمة فإنّه ال يشكر النعمة من لم يعرفها‬
‫ويعرف قدرها وال يزاد فيها من لم يشكرها وال بقاء لها على من أساء حملها‪.‬‬

‫ي ِّ أشد من حمل الفقير ومؤونة الشكر أضعف من مشقة الصبر‪.‬‬


‫وقد كان يقال‪ :‬حمل الغن ّ‬
‫جعلنا هللا وإياكم من الشاكرين‪.‬‬

‫ق بها ال برهان له محقّا ً في‬ ‫ت عن حجته مبطالً في اعتقاده وال ك ُّل ناط ٍ‬ ‫أ ّما بعد فإنه ليس ك ُّل صام ٍ‬
‫صل القضاء دون استقصاء ُحجج الخصماء و دون أن‬ ‫ْ‬
‫يعجل بف ْ‬ ‫انتحاله‪ .‬والحاكم العادل من لم‬
‫يحول القول فيمن حضر من الخصماء واالستماع منه وأن تبلغ الح ّجة مداها من البيان ويشرك‬ ‫ّ‬
‫القاضي الخصمين في فهم ما اختصما فيه حتى ال يكون بظاهر ما يقع عليه من حكمه أعلم منه‬
‫بسره‪ .‬ولذلك ما استعمل أهل الحزم والرويّة من‬ ‫بباطنه وال بعالنية ما ي ُْفلج الخصام منه أطبَّ منه ِّ ّ‬
‫القضاة طول الصمت وإنعام التف ُّهم والتم ُّهل ليكون االختيار بعد االختيار والحكم بعد التبيُّن‪.‬‬

‫َّ‬
‫الحق مكتفٍ بظهوره‬ ‫وقد ُكنّا ممسكين عن القول بح ّجتنا فيما تض َّمنه كتابنا هذا اقتصارا ً على أن‬
‫بظاهر على باطن وعلى‬
‫ٍ‬ ‫مستغن عن أن يُستد َّل عليه بغيره إ ْذ كان إن َّما يُستد ُّل‬
‫ٍ‬ ‫ُم ٌ‬
‫بين عن نفسه‬
‫الجوهر بالعرض وال يُحتاج أن يستد َّل بباطن على ظاهر‪.‬‬

‫موهوا وزخرفوا غير بالغين للفلج والغلبة عند ذوي العدْل دون‬ ‫أن خصماءنا ْ‬
‫وإن ّ‬ ‫وعلمنا ّ‬
‫وأن ك َّل دعوى ال يفلُ ُج صاحبها بمنزلة ما لم يكن بل هي على المدَّعي ك ٌّل وكربٌ‬
‫االستماع منّا َّ‬
‫سرة النُّجح أو راحة اليأس‪.‬‬ ‫حتَّى تؤدِّّيه إلى م ّ‬

‫صبر وانتهى إلينا عيب عصاب ٍة لو أمس ْكنا عن اإلجابة عنها واالحتجاج‬ ‫أن تفاقم األمر وعيل ال َّ‬‫إلى ْ‬
‫بأن من شأن الحاسد تهجين ما يحسد عليه ومن ُخلق المحروم ذ َّم ما ُحرم وتصغيره‬ ‫فيها علما ً َّ‬
‫فإن الحسد عقوبةٌ موجبة للحاسد بما يناله منه ويشينه‬ ‫والطعن على أهله كان لنا في اإلمساك سعة‪ّ .‬‬ ‫َّ‬
‫صعُدا ً‬
‫سخط لقدره مع الكرب الالزم والحزن الدائم والتنفس ُ‬ ‫من عصيان ربّه واستصغار نعمته وال َّ‬
‫أمر محدو ٍد يكون شكره والذي يحسد‬ ‫َّ‬
‫والتشاغل بما ال يُدرك وال يُحصى‪ .‬وأن الذي يشكر فعلى ٍ‬
‫فعلى ما ال حد له يكون حسده‪ .‬فحسده متَّسع بقدر تغيُّر اتّساع ما جسد عليه‪ .‬ألنّا خفنا أن يظنّ‬
‫أن إمساكنا عن اإلجابة إقرار بصدق العضيهة وأن إغضاءنا لذي الغيبة عجز عن دفعها‪.‬‬ ‫جاهل َّ‬

‫فوضعنا في كتابنا هذا ُحججا ً على من عابنا بملك القيان وسبَّنا بمنادمة اإلخوان ونقم علينا إظهار‬
‫الحق فصيح ‪ -‬ويروي "‬ ‫ّ‬ ‫ال ِّنّعم والحديث بها‪ .‬ورجونا النّصر إذ قد بدينا والبادي أظلم وكاتب‬
‫الحق فصيح " ‪ -‬ون ْفس المحرج ال يُقام لها وصولة الحليم المتأني ال بقاء بعدها‪.‬‬
‫ّ ِّ‬ ‫ولسان‬
‫‪2‬‬

‫محرم وال ريبة ثم وص ْفنا فضل النعمة علينا ونقضْنا أقوال‬ ‫َّ‬ ‫اطراح الغيرة في غير‬‫فبيَّنَّا الح ّجة في ِّ ّ‬
‫شرح واإلفهام ومهما أدمجنا وطوينا‬ ‫موجز جامعٍ لما قصدْنا‪ .‬فمهما أطنبنا فيه فلل َّ‬
‫ٍ‬ ‫خصمائنا بقو ٍل‬
‫ي يُنشر واألصول‬ ‫َّ‬
‫صر والملخص يختصر والمطو َّ‬ ‫المطول يق َّ‬
‫ّ‬ ‫فليخف حمله‪ .‬واعتمدنا على َّ‬
‫أن‬ ‫َّ‬
‫تتفرع وباهلل الكفاية والعون‪.‬‬

‫إن الفروع ال محالة راجعةٌ إلى أصولها واألعجاز الحقةٌ بصدورها والموالي تب ٌع ألوليائها وأمور‬ ‫ّ‬
‫سحاب‬‫سحاب وال َّ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫العالم ممزوجة بالمشاكلة ومنفردة بالمضادَّة وبعضها ِّعلة لبعض كالغيث علة ال َّ‬
‫والزرع علَّته الحبّ والدَّجاجة علَّتها البيضة والبيضة‬
‫الزرع َّ‬‫والرطوبة وكالحبّ ِّعلّته َّ‬
‫علَّة الماء ُّ‬
‫علَّتها الدجاجة واإلنسان علّته اإلنسان‪.‬‬

‫والفلك وجميع ما تحويه أقطار األرض وك ُّل ما ت ُقلُّه أكنافها لإلنسان خو ٌل ومتا ٌ‬
‫ع إلى حين‪.‬‬
‫س ِّ ّخر له من روحه وألطفه عند نفسه " األُنثى " فإنّها ُخلقت له ليسكن إليها‬ ‫إالّ ّ‬
‫أن أقرب ما ُ‬
‫و ُجعلت بينه وبينها مودّة ورحمة‪.‬‬

‫أحق وأولى بها من سائر ما ُخ ّ ِّول إ ْذ كانت مخلوقةً منه‪.‬‬


‫ووجب أن تكون كذلك وأن يكون َّ‬
‫وكانت بعضا ً له وجزءا ً من أجزائه وكان بعض الشيء أشكل ببعض وأقرب به قُربا ً من بعضه‬
‫رزق لما ُجعل رزقا ً له من الحيوان‪.‬‬‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حرث للرجال كما النبات‬ ‫ببعض غيره‪ .‬فالنساء‬

‫حرم وتحليل ما أح ّل وتخليص المواليد من ُ‬


‫شبهات االشتراك‬ ‫ولوال المحنة والبلوى في تحريم ما َّ‬
‫فيها وحصول المواريث في أيدي األعقاب لم يكن واحدٌ َّ‬
‫أحق بواحدةٍ منهن من اآلخر كما ليس‬
‫سحاب من بعض ولكان األمر كما قالت المجوس‪ :‬إن للرجل‬ ‫أحق برعْي مواقع ال َّ‬‫سوام َّ‬‫بعض ال َّ‬
‫فخص المطلق كما فعل‬
‫َّ‬ ‫أن الفرض وقع باالمتحان‬ ‫منهن‪ .‬إال ّ‬
‫ّ‬ ‫األقرب فاألقرب إليه رحما ً وسببا ً‬
‫بالزرع فإنّا مرعى لولد آدم ولسائر الحيوان إال ما منع من التحريم‪.‬‬ ‫َّ‬

‫محرما ً في كتاب هللا وسنّة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فمبا ٌح ُمطلق‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وك ُّل شيءٍ لم يُوجد‬
‫قياس ما لم نخرج من التحريم دليالً على حسنه وداعيا ً إلى‬‫ٌ‬ ‫وليس على استقباح الناس واستحسانهم‬
‫حالله‪.‬‬

‫ولم نعلم للغيرة في غير الحرام وجها ً ولوال وقوع التحريم لزالت الغيرة ولزمنا قياس من ُّ‬
‫أحق‬
‫هن بمنزلة المشا ّم والتُّفَّاح الذي يتهاداه‬
‫بهن من أحد وإنَّما َّ‬
‫بالنساء فإنَّه كان يقال‪ :‬ليس أحدٌ أولى َّ‬
‫المقربين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫منهن على‬ ‫وفرق الباقي‬ ‫َّ‬
‫منهن َّ‬ ‫الناس بينهم‪ .‬ولذلك اقتصر من له العدَّة على الواحدة‬
‫غير أنّه لما عزم الفريضة بالفرق بين الحالل والحرام اقتصر المؤمنون على الح ِّدّ المضروب لهم‬
‫ور ّخصوه فيما تجاوزه‪ .‬فلم يكن بين رجال العرب ونسائها حجابٌ وال كانوا يرضون مع سقوط‬
‫الحجاب بنظرة الف ْلتة وال لحظة ال ُخ ْلسة دون أن يجتمعوا على الحديث والمسامرة ويزدوجوا في‬
‫الزير المشتَّق من الزيارة‪ .‬وك ّل ذلك بأعين‬ ‫المناسمة والمثافنة ويس َّمى المولع بذلك من الرجال ِّ ّ‬
‫األولياء وحضور األزواج ال ينكرون ما ليس بمنكر إذا أمنوا المنكر حتّى لقد حسك في صدر‬
‫أخي بُثينة من جميل ما حسك من استعظام المؤانسة وخروج العذر عن المخالطة وشكا ذلك إلى‬
‫شمه فكمنا لجمي ٍل عند إتيانه بثينة ليقتاله فلما دنا لحديثه وحديثها سمعاه يقول‬ ‫زوجها َّ‬
‫وهزه ما ح ّ‬
‫الرجال والنساء فيما يشفي غليل العشق ويُطفئ نائرة الشوق‬ ‫ممتحنا ً لها‪ :‬هل لك فيما يكون بين ِّ ّ‬
‫إن الحبَّ إذا نكح فسد! فأخرج سيفا ً قد كان أخفاه تحت ثوبه فقال‪ :‬أ ّما‬ ‫قالت‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬ولم قالت‪َّ :‬‬
‫وهللا لو أ ْنعمت لي لمألته منك! فل َّما سمعا بذلك وثقا بغيبه وركنا إلى عفافه وانصرفا عن قتله‬
‫وأباحاه النظر والمحادثة‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ي‬ ‫الرجال يتحدثون مع النساء في الجاهلية واإلسالم حتَّى ُ‬


‫ضرب الحجاب على أزواج النب ّ‬ ‫فلم يزل ِّ ّ‬
‫صة‪.‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم خا َّ‬

‫وقيس ولُبنى‬
‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫وعزة‬ ‫عروة وكث ِّيّر‬
‫وتلك المحادثة كانت سبب الوصلة بين جمي ٍل وبثينة وعفراء و ُ‬
‫وأسماء وم ِّقّش وعبد هللا بن عجالن وهند‪.‬‬

‫للرجال للحديث ولم يكن النظر من بعضهم إلى بعض عارا ً‬


‫ثم كانت الشرائف من النساء يقعدن ِّ ّ‬
‫في الجاهلية وال حراما ً في اإلسالم‪.‬‬

‫وكانت ضباعة من بني عامر بن قُرط بن عامر بن صعصعة تحت عبد هللا بن ُجدعان زمانا ً ال‬
‫شيخ الكبير الذي ال يولد له قولي‬ ‫ي‪ :‬ما تصنعين بهذا ال َّ‬ ‫تلد فأرسل إليها هشام بن المغيرة المخزوم ُّ‬
‫تتزوجي هشام بن المغيرة‪.‬‬ ‫يطلّقك‪ .‬فقالت لعبد هللا ذلك فقال لها‪ :‬إ ِّنّي أخاف عليك أن َّ‬ ‫له حتّى ِّ‬
‫أتزوجه‪.‬‬
‫قالت‪ :‬ال ّ‬
‫قال‪ :‬فإن فعلت فعليك مائة من اإلبل تنحرينها في الحزورة وتنسجين لي ثوبا ً يقطع ما بين‬
‫عريانة‪.‬‬‫األخشبيْن والطواف بالبيت ُ‬
‫قالت‪ :‬ال أطيقه‪.‬‬
‫قريش في‬ ‫ٍ‬ ‫يكرثك وأنا أيسر‬ ‫هشام فأخبرتْه الخبر فأرسل إليها‪ :‬ما أيسر ما سألك وما ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬
‫وأرسلت إلى‬
‫المال ونسائي أكثر نساء رجل من قريش وأنت أجمل النِّّساء فال تأب َّْي عليه‪.‬‬
‫ي ما قلت‪.‬‬ ‫فإن تزوجت هشاما ً فعل َّ‬ ‫طلّ ْقني ْ‬ ‫فقالت البن ُجدعان‪ِّ :‬‬
‫فتزوجها هشا ٌم فنحر عنها ماءة ً من ال ُج ُزر وجمع نساءه فنسجن ثوبا ً يسع‬ ‫َّ‬ ‫فطلَّقها بعد استيثاقه منها‬
‫عريانةٌ‬ ‫المطلب بن أبي وداعة‪ :‬لقد أبصرتها وهي ُ‬ ‫َّ‬ ‫عريانة فقال‬ ‫ما بين األخشبين ثم طافت بالبيت ُ‬
‫أدبرت وأستقبلها إذا أقبلت فما رأيت شيئا ً مما خلق هللا أحسن‬ ‫ْ‬ ‫تطوف بالبيت وإنِّّي لغال ٌم أتْبعها إذا‬
‫ناظر‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫منها واضعةً يدها على ركبها وهي تقول‪ :‬اليوم يبدو بعضه أو كلُّه فما بدا منه فال أحلُّه كم‬
‫إن النساء إلى اليوم من بنات الخلفاء وأ ّمهاتهن فمن‬ ‫أخثم مثل الق ْعب با ٍد ظلُّه قال‪ :‬ثم َّ‬ ‫فيه فما يملُّه ْ‬
‫شفات الوجوه ونحو ذلك ال يكمل ح ٌّج إال به‪.‬‬ ‫دونهن يطفن بالبيت مك ّ‬‫َّ‬
‫وأعرس عمر بن الخطاب رضي هللا عنه بعاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نُفيل وكانت قبله عند عبد‬
‫تتزوج بعده أبدا ً على أن نحلها قطعةً من ماله‬ ‫هللا بن أبي بكر فمات عنها بعد أن اشترط عليها أال َّ‬
‫سوى اإلرث فخطبها عمر بن الخطاب رضي هللا عنه وأفتاها بأن يعطيها مثل ذلك فأقسمت ال‬
‫ينفك جلدي أغبرا فلما ابتنى بها عمر بن الخطاب رضي هللا عنه أولم‬ ‫تنفك عيني سخينةً عليك وال ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ي بن أبي طالب عليه السالم قصد لبيت حجلتها فرفع‬ ‫ودعا المهاجرين واألنصار فل َّما دخل عل ُّ‬
‫ينفك جلدي أصفرا فخجلت‬ ‫تنفك عيني سخينةً عليك وال ُّ‬ ‫سِّجف ونظر إليها فقال‪ :‬فأقسمت ال ُّ‬ ‫ال ّ‬
‫ي ٍ إياها بنقض ما‬ ‫وتشورها عند تعيير عل ّ‬ ‫ُّ‬ ‫فأطرقت وساء عمر رضي هللا عنه ما رأى من خجلها‬
‫فارقت عليه زوجها فقال‪ :‬يا أبا الحسن رحمك هللا ما أردت إلى هذا فقال‪ :‬حاجةٌ في نفسي‬
‫قضيتها‪.‬‬
‫هذا‪.‬‬
‫ي صلى هللا عليه وسلم‬ ‫َّ‬
‫وأنتم تروون أن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه كان أغير الناس وأن النب َّ‬
‫قال له‪ " :‬إني رأيت قصرا ً في الجنة فسألت‪ :‬لمن هذا القصر فقيل‪ :‬لعمر بن الخطاب‪.‬‬
‫فلم يمنعني من دخوله إالّ لمعرفتي بغيرتك "‪.‬‬
‫ي هللا!‪.‬‬‫ُغار يا نب َّ‬ ‫فقال عمر رضي هللا عنه‪ :‬وعليك ي ُ‬
‫فلو كان النظر والحديث والدُّعابة يُغار منها لكان عمر المقدَّم في إنكاره لتقدُّمه في شدَّة الغيرة‪.‬‬
‫شك في زهده وورعه وعلمه وتفقُّهه‪.‬‬ ‫ولو كان حراما ً لمنع منه إذ ال َّ‬
‫الزبير يهواها‬ ‫تزوج حفصة ابنة عبد الرحمن وكان المنذر بن ُّ‬ ‫وكان الحسن بن علي عليهما السالم َّ‬
‫‪4‬‬

‫تتزوجه وقالت‪ :‬ش َّهرني!‪.‬‬ ‫فبلغ الحسن عنها شيء فطلَّقها فخطبها المنذر فأبت أن َّ‬
‫فتزوجها فرقَّى المنذر عنها شيئا ً فطلَّقها‬ ‫َّ‬ ‫وخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه‬
‫تزوجيه ليعلم الناس أنَّه كان يعضهك‪.‬‬ ‫وخطبها المنذر فقيل لها‪َّ :‬‬
‫لنستأذن عليها المنذر فندخل إليها‬ ‫ْ‬ ‫فتزوجتْه فعلم الناس أنَّه كذب عليها فقال الحسن لعاصم‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ُّ‬
‫فنتحدَّث عندها فاستأذناه فشاور أخاه عبد هللا بن الزبير فقال‪ :‬دعهما يدخالن‪.‬‬
‫عاصم أكثر نظرا ً منها إلى الحسن وكان أبسط للحديث‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فدخال فكانت إلى‬
‫فقال الحسن للمنذر‪ :‬خذ بيد امرأتك‪.‬‬
‫فأخذ بيدها وقام الحسن وعاص ٌم فخرجا‪.‬‬
‫وكان الحسن يهواها وإن َّما طلَّقها لما رقَّى إليه المنذر‪.‬‬
‫وقال الحسن يوما ً البن أبي عتيق‪ :‬هل لك في العقيق فخرجا فعدل الحسن إلى منزل حفصة فدخل‬
‫إليها فتحدَّثا طويال ثم خرج ثم قال البن أبي عتيق‪ :‬هل لك في العقيق قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ُ‬
‫مرة أخرى‪ :‬هل لك في العقيق فقال‪ :‬يا ابن أ ِّ ّم أال تقول‪ :‬هل لك‬ ‫فنزل بمنزلة حفصة ودخل فقال له َّ‬
‫في حفصة!!‪.‬‬
‫وكان الحسن في ذلك العصر أفضل أهل دهره‪.‬‬
‫الزبير ولم‬ ‫إليهن حراما ً وعارا ً لم يفعله ولم يأذن فيه المنذر بن ُّ‬ ‫َّ‬ ‫فلو كان محادثة النساء والنَّظر‬
‫الزبير‪.‬‬ ‫ُشر به عبد هللا بن ُّ‬ ‫ي ْ‬
‫األول حرام والثاني حرام ألنَّه ال‬ ‫أن النظر َّ‬ ‫وهذا الحديث وما قبله يُبطالن ما روت ال ُحشويّة من َّ‬
‫تكون محادثةٌ إالَّ ومعها ما ال يحصى عدده من النَّظر‪.‬‬
‫المحرمة النَّظر إلى الشعر والمجاسد وما تخفيه الجالبيب مما يح ُّل‬ ‫َّ‬ ‫إالَّ أن يكون عني بالنظرة‬
‫ي ِّ ويحرم على غيرهما‪.‬‬ ‫للزوج والول ّ‬ ‫ّ‬
‫ي من‬ ‫َّ‬
‫ي وهو في قُبّ ٍة له مجلل ٍة بوشى معه فيها امرأته فقال‪ :‬يا شعب ُّ‬ ‫شعب َّ‬‫الزبير ال َّ‬ ‫ودعا مصعب بن ُّ‬
‫سِّجف فإذا هو بعائشة ابنة طلحة‪.‬‬ ‫معي في هذه القبّة فقال‪ :‬ال أعلم أصلح هللا األمير! فرفع ال ّ‬
‫ي فقيه أهل العراق وعالمهم ولم يكن يستح ُّل أن ينظر إن كان النَّظر حراما ً‪.‬‬ ‫والشعب ُّ‬
‫طرق داره ثم خطب ذلك‬ ‫يكلّم جاريةً المرأته فاختة بنت قرظة في بعض ُ‬ ‫ورأى معاوية كاتبا ً له ِّ‬
‫شِّدة في تعبئة عطر لعرس‬ ‫فزوجها منه فدخل معاوية إلى فاختة وهي متح ّ‬ ‫الكاتب تلك الجارية َّ‬
‫هوني عليك يا ابنة قرظة فإني أحسب االبتناء قد كان منذ حين!‪.‬‬ ‫جاريتها فقال‪ِّ ّ :‬‬
‫ظن وحسبان لم‬ ‫يقين وإنَّما ح َّل مح َّل ٍّ‬
‫ومعاوية أحد األئ ّمة فلما لم يقع عنده ما رأى من الكالم موقع ٍ‬
‫يقض به ولم يوجبْه ولو أوجبه لحدَّ عليه‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫فيجردها من ثيابها بحضرة جلسائه ويضع القضيب على ركبها ثم‬ ‫ِّ ّ‬ ‫بالجارية‬ ‫يؤتى‬ ‫معاوية‬ ‫وكان‬
‫ع لو وجد متاعا ً! ثم يقول لصعصعة بن صوحان‪ :‬خذها لبعض ولدك فإنّها ال تح ُّل‬ ‫يقول‪ :‬إنَّه لمتا ٌ‬
‫ليزيد بعد أن فعلت بها ما فعلت‪.‬‬
‫ولم يكن يُعدم من الخليفة ومن بمنزلته في القدرة والتأ ِّت ّي أن تقف على رأسه جارية تذبُّ عنه‬
‫مجلس عا ٍ ّم بحضرة الرجال‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتروحه وتعاطيه أخرى في‬ ‫ّ ِّ‬
‫ُسره فلما‬ ‫فمن ذلك حديث الوصيفة التي اطلعت في كتاب عبد الملك بن مروان إلى الح ّجاج وكان ي ُّ‬ ‫َّ‬
‫أن وشاة الرجا ل ال يتركون أديما ً صحيحا فال‬
‫ً‬ ‫فشا ما فيه رجع على الح ّجاج باللَّوم وتمثَّل‪ :‬ألم تر َّ‬
‫فإن لك ِّّل نصيحٍ نصيحا ثم نظر فوجد الجارية كانت تقرأ فن َّمت عليه‪.‬‬ ‫سرك إالَّ إليك َّ‬ ‫فش َّ‬ ‫ت ُ ِّ‬
‫بشعر وبمث ٍل‬‫ٍ‬ ‫ومن ذلك حديثه حين نعس فقال للفرزدق وجرير واألخطل‪ :‬من وصف نُعاسا ً‬
‫يُصيب فيه ويُحسن التمثيل فهذه الوصيفة له‪.‬‬
‫فقال الفرزدق‪ :‬رماه الكرى في الرأس حتَّى كأنه أميم جالمي ٍد تركن به وقرا فقال‪ :‬شدختني ويلك‬
‫َّ‬
‫يا فرزدق! فقال جرير‪ :‬رماه الكرى في الرأس حتَّى كأنَّه يرى في سواد الليل قُنبرة سقرا فقال‪:‬‬
‫ويلك تركتني مجنونا ً! ثم قال‪ :‬يا أخطل فقل‪.‬‬
‫تروى بين ندمانه خمرا ثم لم يزل للملوك واألشراف‬ ‫قال‪ :‬رماه الكرى في الرأس حتَّى كأنَّه ندي ٌم َّ‬
‫إما ٌء يختلفن في الحوائج ويدخلن في الدواوين ونسا ٌء يجْ لسْن للناس مثل خالصة جارية الخيزران‬
‫‪5‬‬

‫س َّكر وتركيَّة جاريتي أ ِّ ّم جعفر ودقاق جارية العبَّاسة وظلوم‬ ‫وعتْبة جارية ريطة ابنة أبي العباس و ُ‬
‫ي ِّ بن شاهك‬ ‫سِّند ّ‬‫وحمدونة أ ّمة نصر بن ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫وقسطنطينة جاريتي أم حبيب وامرأة هارون بن جعبويه‬
‫منكر وال عابه عائب‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫كن وأشبه ما يتزي ََّّن به فما أنكر ذلك‬ ‫يبرزن للناس أحسن ما َّ‬ ‫ْ‬ ‫كن‬ ‫ثم ّ‬
‫ي أ ُّم جعفر‬ ‫ْ‬
‫غضبت عل َّ‬ ‫سكر فقال‪ :‬أ ُح َّرة أنت أم مملوكة قالت‪ :‬ال أدري إذا‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ولقد نظر المأمون إلى ُ‬
‫رضيت قالت‪ :‬أنت ُح َّرة‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫قالت‪ :‬أنت مملوكة وإذا‬
‫ساعة فاسأليها عن ذلك‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فاكتبي إليها ال َّ‬
‫جعفر ما‬ ‫ٍ‬ ‫جعفر ذلك فعلمت أ ُّم‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬
‫طائر من ال ُهدَّى كان معها أرسلته تعلم أ َّم‬ ‫ٍ‬ ‫فكتبت كتابا ً وصلته بجناح‬ ‫ْ‬
‫فكتبت إليها‪ " :‬أنت ُح َّرة "‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫أراد‬
‫َّ‬
‫فتزوجها على عشرة آالف درهم ثم خال بها من ساعتها فواقعها وخلى سبيلها وأمر بدفع المال‬ ‫ّ‬
‫إليها‪.‬‬
‫للرجال فال تحتشم من‬ ‫أن المرأة المعنَّسة تبرز ِّ ّ‬ ‫هن ليس بحرام َّ‬ ‫كل َّ‬ ‫ّ‬ ‫أن النَّظر إلى النساء ِّ‬ ‫والدَّليل على َّ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫أمر أفرط فيه المتعدُّون حدَّ الغيرة إلى سوء‬ ‫ست ولكنَّه ٌ‬ ‫ع ِّنّ ْ‬ ‫ٌ‬
‫فلو كان حراما ً وهي شابَّة لم يح َّل إذا ُ‬
‫كالحق الواجب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ال ُخلق وضيق العطن فصار عندهم‬
‫ّ‬
‫وكذلك كانوا ال يرون بأسا ً أن تنتقل المرأة إلى عدّة أزواج ال ينقلها عن ذلك إال الموت ما دام‬
‫الرجال يريدونها‪.‬‬
‫الحرة إذا كانت قد نكحت زوجا ً‬ ‫ّ‬ ‫وهم اليوم يكرهون هذا ويستسمجونه في بعض ويعافون المرأة‬
‫واحدا ً ويلزمون من خطبها العار ويُلحقون به اللَّوم ويع ِّيّرونها بذلك ويتحظون األمة وقد تداولها‬
‫َّ‬
‫من ال يُحصى عدده من الموالي‪.‬‬
‫وهن أ ّمهات األوالد وحظايا‬ ‫َّ‬ ‫سن هذا في اإلماء وقبَّحه في الحرائر! ولم ل ْم يغاروا في اإلماء‬ ‫فمن ح َّ‬
‫الملوك وغاروا على الحرائر‪.‬‬
‫يغرن على‬ ‫لضعفهن أولع حتى ْ‬ ‫َّ‬ ‫حرم هللا فهي باط ٌل وأنَّها بال ِّنّساء‬ ‫جاوزت ما ّ‬ ‫ْ‬ ‫أن الغيرة إذا‬ ‫أال ترى َّ‬
‫ْ‬
‫الظ ّن والحلم في النَّوم‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وسريته‪.‬‬ ‫وتغار المرأة على أبيها وتعادي امرأته ِّ ّ‬
‫ولم تزل القيان عند الملوك من العرب والعجم على وجه الدَّهر‪.‬‬
‫والروم فلسفةً‪.‬‬ ‫وكانت فارس تعُدُّ الغناء أدبا ً ُّ‬
‫وكانت في الجاهليّة الجرادتان لعبد هللا بن ُجدعان‪.‬‬
‫جوار يتغنَّيْن وغالك ٌم يقال له " بديع " يتغنَّى فعابه بذلك الحكم بن‬ ‫ٍ‬ ‫وكان لعبد هللا بن جعفر ّ‬
‫الطيار‬
‫ي أن آخذ الج ِّيّد من أشعار العرب وألقيه إلى الجواري فيترنَّمن به ويشذِّّرنه‬ ‫ُ‬ ‫مروان فقال‪ :‬وما عل َّ‬
‫ّ‬
‫ونغمهن!‪.‬‬ ‫َّ‬
‫بحلوقهن‬
‫وسمع يزيد بن معاوية الغناء‪.‬‬
‫سماع فقال الشاعر في إذا ما َّ‬
‫حن‬ ‫َّ‬
‫عليهن لل َّ‬ ‫واتَّخذ يزيد بن عبد الملك حبابة وسالَّمة وأدخل الرجال‬
‫نيام وقال في‬ ‫الكرام وأصغوا نحوه اآلذان حتَّى كأنّهم وما ناموا ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ت دونه أُذن‬ ‫مزهرها إليها وحنَّ ْ‬
‫بت في صوتها كيف تصن ُع تردُّ نظام القول حتَّى تردَّه‬ ‫طر ْ‬ ‫شرها إذا َّ‬ ‫سالَّمة‪ :‬ألم ترها وهللا يكفيك َّ‬
‫برده ثم يقول‪ :‬أطير! فتقول حبابة‪ :‬ال‬ ‫شق ُ‬ ‫ص ٍل من حلقها يتر َّج ُع وكان يسمع فإذا طرب َّ‬ ‫صل ُ‬ ‫إلى ُ‬
‫تطير فإن بنا إليك حاجة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ثم كان الوليد بن يزيد المتقدِّّم في اللهو والغزل والملوك بعد ذلك يسلكون على هذا المنهاج وعلى‬ ‫َّ‬
‫األول‪.‬‬ ‫هذا السبيل ّ‬
‫َّ‬
‫وكان عمر بن عبد العزيز رضي هللا عنه قبل أن تناله الخالفة يتغنى‪.‬‬
‫نز ْر سعادا لقرب مزارها ودعا البعادا وله‪ :‬عاود القلب سعادا‬ ‫ي ُ‬ ‫فم ّما يعرف من غنائه‪ :‬أ َّما صاحب َّ‬
‫مكسوا ً نغما ً‪ :‬فما كان منه صدقا ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫سهادا وال نرى بالغناء بأسا إذا كان أصله شعرا‬ ‫الطرف ال ُّ‬ ‫فقال َّ‬
‫فحسن وما كان منه كذبا ً فقبيح‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫حسن وقبيحه قبيح "‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وقال عمر بن الخطاب رضي هللا عنه‪ " :‬الشعر كال ٌم فحسنه‬
‫‪6‬‬

‫يضره ذلك وال يزيل منزلته من‬ ‫ُّ‬ ‫وال نرى وزن الشعر أزال الكالم عن جهته فقد يوجد وال‬
‫الحكمة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫فإن وزنه وتقفيته ال يوجبان تحريما لعلة من العلل‪.‬‬ ‫محرم ّ‬‫َّ‬ ‫أن الكالم غير‬ ‫فإذا وجب ّ‬
‫ً‬
‫وإن الترجيع له أيضا ال يخرج إلى حرام‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وإن وزن الشعر من جنس وزن الغناء وكتاب الموسيقي وهو من كتاب حدّ النُّفوس تحدُّه األلسن‬ ‫ّ‬
‫بحدًّ مقنع وقد يعرف بالهاجس كما يعرف باإلحصاء والوزن‪.‬‬ ‫ْ‬
‫فال وجه لتحريمه وال أصل لذلك في كتاب هللا تعالى وال سنّة نب ِّيّه عليه السالم‪.‬‬
‫يحرمه ألنه يُلهى عن ذكر هللا فقد نجد كثيرا ً من األحاديث والمطاعم والمشارب‬ ‫فإن كان إن ّما ِّ ّ‬
‫والرياحين واقتناص الصيد والتشاغل بالجماع وسائر اللذات تصدُّ وتُلهى عن‬ ‫والنَّظر إلى الجنان َّ‬
‫ذكر هللا‪.‬‬
‫ُّ‬
‫لمن أمكنه أفضل إال أنّه إذا أدَّى الرجل الفرض فهذه األمور كلها له‬‫ّ‬ ‫أن قطع الدَّهر بذكر هللا ْ‬ ‫ونعلم ّ‬
‫صر عنه لزمه المأثم‪.‬‬ ‫مباحة وإذا ق َّ‬
‫ولو سلم من اللَّهو عن ذكر هللا أحدٌ لسلم األنبياء عليهم السالم‪.‬‬
‫شمس فعرقبها‬ ‫صالة حتّى غابت ال ّ‬ ‫هذا سليمان بن داود عليهما السالم ألهاه عرض الخيل عن ال َّ‬
‫وقطع رقابها‪.‬‬
‫َّ‬
‫فإن الرقيق تجارة ٌ من التجارات تقع عليه المساومات والمشاراة بالثمن ويحتاج البائع‬ ‫وبعد َّ‬
‫والمبتاع إلى أن يستشفَّا العلق ويتأ ّماله تأ ُّمالً بيّنا ً يجب فيه خيار الرؤية المشترط في جميع‬
‫البياعات‪.‬‬
‫وزن وال عد ٍد وال مساحة فقد يُعرف بالحسن والقبح‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وإن كان ال يُعرف مبلغه بكي ٍل وال‬
‫فإن أمر الحسن‬ ‫َّ‬
‫وال يقف على ذلك أيضا ً إالّ الثاقب في نظره الماهر في بصره الطبُّ بصناعته ّ‬
‫وأرق من أن يدركه ك ُّل من أبصره‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫أدق‬ ‫ُّ‬
‫وكذلك األمور الوهميّة ال يُقضى عليها بشهادة إبصار األعين ولو قُضي عليها بها كان ك ُّل من‬
‫رآها يقضى حتّى النَّعم والحمير يحكم فيها لك ِّّل بصير العين يكون فيها شاهدا ً وبصيرا ً للقلب‬
‫ومؤديا ً إلى العقل ثم يقع الحكم من العقل عليها‪.‬‬
‫وأنا مبين لك الحسن‪.‬‬
‫هو التمام واالعتدال‪.‬‬
‫ولست أعني بالتمام تجاوز مقدار االعتدال كالزيادة في طول القامة وكدقة الجسم أو عظم‬
‫الجارحة من الجوارح أو سعة العين أو الفم مما يتجاوز مثله من الناس المعتدلين في الخلق فإن‬
‫وإن عدت زيادة في الجسم‪.‬‬ ‫هذه الزيادة متى كانت فهي نقصان من الحسن ْ‬
‫والحدود حاصرة ٌ ألمور العالم ومحيطة بمقاديرها الموقوتة لها فك ُّل شيءٍ خرج عن الح ِّدّ في ُخلُق‬
‫حتّى في الدين والحكمة الذين هما أفضل األمور فهو قبي ٌح مذموم‪.‬‬
‫وأما االعتدال فهو وزن الشيء ال الكمية والكون كون األرض ال استواؤها‪.‬‬
‫ووزن النفوس في أشباه أقسامها‪.‬‬
‫فوزن خلقة اإلنسان اعتدال محاسنه وأالّ يفوت شيء منها شيئا ً كالعين الواسعة لصاحب األنف‬
‫ضيِّّقة والذَّقن الناقص والرأس الضخم والوجه‬ ‫الصغير األفطس واألنف العظيم لصاحب العين ال َّ‬
‫َّ‬
‫والظهر الطويل لصاحب الفخذين القصيرتين والظهر القصير‬ ‫َّ‬ ‫الفخم لصاحب البدن المدَّع ال ِّنّضو‬
‫لصاحب الفخذين الطويلتين وكسعة الجبين بأكثر من مقدار أسفل الوجه‪.‬‬
‫ثم هذا أيضا ً وزن اآلنية وأصناف الفُ ُرش والو ْشي واللباس ووزن القنوات التي تجري فيها المياه‪.‬‬
‫وإنما نعني بالوزن االستواء في الخرط والتركيب‪.‬‬
‫سح في خضرته واالستنشاق من‬ ‫الزرع والغرس والتف ُّ‬ ‫فال بدَّ م ّما ال يمنع الناظر من النظر إلى َّ‬
‫روائحه‪.‬‬
‫ويس ّمى ذلك كلُّه له ِّحالًّ ما لم يمد له يدا‪ً.‬‬
‫فإذا مدّ يدا ً إلى مثقال حبّ ٍة من خردل بغير ح ِّقّها فعل ما ال يح ُّل وأكل ما يحرم عليه‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫عليهن للتَّقليب‬
‫َّ‬ ‫سالم ووضع اليد‬ ‫َّ‬
‫ومصافحتهن لل َّ‬ ‫َّ‬
‫ومفاكهتهن ومغازلتهن‬ ‫وكذلك مكالمة القيان‬
‫والنظر حال ٌل ما لم يشبْ ذلك ما يحرم‪.‬‬
‫وقد استثنى هللا تبارك وتعالى اللَّمم فقال‪ " :‬الذين يجتنبون كبائر اإلثم والفواحش إال اللمم ّ‬
‫إن ربَّك‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫واسع المغفرة "‪.‬‬
‫فإن تقدَّم ففاحشة‬ ‫سئل عن تأويل هذه اآلية فقال‪ :‬إذا دنا الرجل من المرأة ْ‬ ‫قال عبد هللا بن مسعود و ُ‬
‫وإن تأ َّخر فلم ٌم‪.‬‬
‫ْ‬
‫َّ‬
‫صحابة‪ :‬القبلة والل ْمس‪.‬‬‫وقال غيره من ال َّ‬
‫وقال آخرون‪ :‬اإلتيان فيما دون الفرج‪.‬‬
‫حرم هللا!‪.‬‬
‫ي حين سئل ع ّما نال من عشيقته فقال‪ :‬ما أقرب ما أحل هللا مما َّ‬ ‫وكذلك قال األعراب ّ‬
‫يخ ُل رج ٌل‬‫فرقوا بين أنفاس الرجال وال ِّنّساء " وقال‪ " :‬ال ْ‬ ‫فإن قال قائل‪ :‬فيما روى من الحديث‪ّ ِّ " :‬‬
‫الرجال والقيان ما دعا‬ ‫وإن في الجمع بين ِّ ّ‬ ‫إن حموها الموت " ّ‬ ‫ت وإن قيل حموها إال َّ‬ ‫بامرأة في بي ٍ‬
‫تضطر إلى الفجور وتحميل‬ ‫ُّ‬ ‫إلى الفسق واالرتباط والعشق مع ما ينزل بصاحبه من الغُلمة التي‬
‫ضر لذلك ال لسماع وال ابتياع‪.‬‬ ‫ضر إن ّما يح ُ‬ ‫وأن أكثر من يح ُ‬ ‫على الفاحشة َّ‬
‫يكلف هللا العباد الحكم على الباطن والعمل على‬ ‫ّ‬ ‫قلنا‪ :‬إن األحكام إنّما على ظاهر األمور ولم ِّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النيَّات فيُقضى للرجل باإلسالم بما يظهر منه ولعله ملحد فيه ويُقضى أنّه ألبيه ولعله لم يلدْه األب‬
‫مشهور باالنتماء إليه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قط إالَّ أنّه مولود على فراشه‬ ‫الذي ادَّعى إليه ّ‬
‫ولو ُك ِّلّف من يشهد لرج ٍل بواح ٍد من هذين المعنيين على الحقيقة لم تقم عليه شهادة‪.‬‬
‫ومن يحضر مجالسنا ال يظهر نسبا ً مما ينسبونه إليه ولو أظهر ث َّم أغضينا له عليه لم يلح ْقنا في‬
‫ذلك إثم‪.‬‬

You might also like