You are on page 1of 235

‫‪1‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫اإلهــداء‬

‫إىل من سهرت من أجيل وربتني صغريا‬


‫إىل من رباين وعلمني وأرشدين‬

‫إىل أمي وأيب الغاليني‬

‫إليكام أهدي هذا‬

‫الكتاب‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪6‬‬
‫‪7‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫تقديم فضيلة الشيخ الفقيه العالمة‬


‫محيد بن قاسم عقيل حفظه اهلل تعاىل‬

‫وبعد حمد الله والصالة والسالم على رسول الله‪ ،‬وعلى آله وأصحابه‬
‫ومن تبعهم إلى يوم الدين‪ ،‬فلقد اطلعت على بحث الولد البار األستاذ الشيخ‪:‬‬
‫صالح الدين بن أحمد محمد عامر‪ ،‬فوجدته بحث ًا نافع ًا للمبتدي والمتوسط‪ ،‬وال‬
‫يستغني عنه المنتهي‪ ،‬أسأل الله العلي القدير أن ينفع به اإلسالم والمسلمين‪،‬‬
‫وأن يوفق صاحب هذا البحث‪ ،‬وأن يجعله في ميزان حسناته‪ ،‬وأن يبلغه آماله‪،‬‬
‫وأن يطيل بعمره نفع ًا لإلسالم والمسلمين‪ ،‬وأن يزيدنا من أمثاله‪ ،‬إنه سبحانه‬
‫على كل شيء قدير‪ ،‬وباإلجابة جدير‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪8‬‬

‫تقديم فضيلة األستاذ الدكتور‬


‫حسن بن حممد مقبويل األهدل رمحه اهلل تعاىل‬
‫رئيس قسم أصول الفقه واحلديث‪ ،‬كلية الرشيعة والقانون بجامعة صنعاء‬
‫وأستاذ الفقه واملقاصد بجامعة اإليامن‬

‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف المرسلين‪ ،‬وعلى‬


‫آله وصحابته أجمعين وبعد‪..‬‬
‫فإن علم الفلك علم يعرف به مواقيت العبادات‪ ،‬واآلجال‪ ،‬والعقود‪،‬‬
‫وأحكام ِ‬
‫العدد‪ ،‬ومواسم الزراعة‪ ،‬وقد نص الفقهاء أن هذا الجانب من علم‬
‫الفلك ينبغي للفقيه أن يعرفه‪ ،‬لضرورة توقف األحكام على معرفته في هذه‬
‫الجوانب‪.‬‬
‫وأما المنهي عنه شرع ًا فهو ما يتعلق بالتنجيم ِ‬
‫والعرافة‪ ،‬وربط الحوادث‬ ‫ُّ‬
‫بدوران األفالك والنجوم وتأثيرها على الحوادث األرضية‪ ،‬وهذا محظور‬
‫شرع ًا ال يجوز تع ُّلمه‪ ،‬أو االشتغال به‪.‬‬
‫وإن الباحث الشيخ‪ :‬صالح الدين بن أحمد محمد عامر كتب بحثه المفيد‬
‫في علم الفلك‪ ،‬وتطرق فيه إلى ما يباح معرفته‪ ،‬أو ما هو ضروري من علم‬
‫الفلك في معرفة األوقات‪ ،‬وأحكام القبلة‪ ،‬ومنازل القمر‪ ،‬وما يتعلق بذلك من‬
‫األحكام‪.‬‬
‫وقد أجاد الباحث في بحثه‪ ،‬واعتمد على الكتب األصيلة‪ ،‬والمراجع‬
‫والمصادر المهمة في هذا الفن‪ ،‬وقد أفاد وأجاد فجزاه الله خير ًا على ما كتب‬
‫وقصد‪،‬‬
‫‪9‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫وقد وجدت هذا البحث مفيد ًا‪ ،‬كما أتمنى له التوفيق والسداد في أبحاثه‬
‫األخرى‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪10‬‬

‫تقديم فضيلة األستاذ الدكتور‬


‫عبد الرمحن اخلمييس‬
‫أستاذ احلديث املشارك بكلية الرتبية بجامعة صنعاء‬
‫وعميد كلية اإليامن بجامعة اإليامن‬

‫الحمد لله والصالة والسالم على رسول الله‪ ،‬وآله وصحبه وسلم‪،‬‬
‫وبعد‪..‬‬
‫فقد اطلعت على الرسالة التي كتبها الباحث‪ ،‬المحقق الشيخ‪ :‬صالح الدين‬
‫بن أحمد محمد عامر بعنوان‪« :‬علم المواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتين‪:‬‬
‫الشرعية والفلكية» فوجدتها رسالة ق ِّيمة في بابها‪.‬‬
‫وقد حقق الباحث األوقات الخمسة للصلوات بطريق الحساب تحقيق ًا‬
‫دقيق ًا خاصة في وقتي العشاء والعصر‪ ،‬والذي انتهي إليه الباحث في هذين‬
‫الوقتين وغيرهما هو الحق إن شاء الله تعالى‪ ،‬وأي أداء للصالة قبل هذين‬
‫الوقتين المحددين فهي باطلة‪ ،‬وفق الله الجميع لما يحب ويرضى‪ ،‬وصلى الله‬
‫وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫تقديم فضيلة الشيخ الدكتور‬


‫فلكي الكويت واخلليج صالح العجريي‬
‫حفطه اهلل تعاىل‬

‫الحمد لله رب العالمين وبه نستعين‪..‬‬


‫علم الفلك من ِّ‬
‫أجل العلوم وأقدمها‪ ،‬وأول علم استقرأ اإلنسان أسسه‬
‫رقي البشرية‪ ،‬ومن ذلك اتساع مداركنا ومعارفنا‬
‫وقواعده‪ ،‬فصار له األثر في ّ‬
‫عن الكون الفسيح المحيط بنا‪.‬‬
‫واليوم وفي جزئية من هذا العلم والمعرفة وبالذات فيما يخص بحسابات‬
‫واستقراء واستنباط مواقيت الصالة‪ ،‬واتجاه القبلة نظريات وحسابات أجدني‬
‫قد تصفحت كتاب «علم المواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتين‪ :‬الشرعية‬
‫والفلكية»من تأليف وتصنيف وإصدار الفقيه المبدع الشيخ األستاذ الدكتور‪:‬‬
‫صالح الدين أحمد عامر‪ ،‬الذي حوى ما يلزم من معرفة تتعلق بهذا العلم‪ ،‬زاده‬
‫الله علم ًا على علم‪ ،‬وفض ً‬
‫ال على فضل‪.‬‬
‫ويقيني أنه سدَّ جزء ًا من الفراغ الملموس في هذا الباب في المكتبة‬
‫العربية‪ ،‬أسأل من هو على كل شيء قدير أن نلمس ونشاهد المزيد من تآليفه‬
‫الخ ِّيرة المفيدة‪ ،‬التي تخدم األمة والوطن‪ ،‬وباألخص الدارسين والمهتمين‬
‫بهذا الجانب من الدراسات الفلكية‪.‬‬
‫وفقه الله تعالى إلى جالئل األعمال وأنبل الغايات‪ ،‬وأكرم المقاصد‪،‬‬
‫وأحيي فيه روح العلم‪ ،‬وعميق المعرفة‪ ،‬وبالله التوفيق‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪12‬‬

‫تقديم الدكتور‬
‫شفيق عبدالدايم كحيل‬
‫دكتوراه يف علوم الفلك‪ ،‬باحث مساعد بمعهد البحوث الفلكية بمرص‬
‫وبمركز علوم الفلك بالكويت‬

‫قال تعالى‪ :‬ﭽﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬


‫ﮡﭼ [الفرقان‪.]٦١ :‬‬
‫وتحرر بصره من النظر إلى األرض‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫إن اإلنسان منذ أن وقف منتصب القامة‬
‫وهو يجول بناظريه في السماء مندهش ًا ومراقب ًا ومدقق ًا‪ ...‬وكان من نتيجة هذا‪،‬‬
‫علم الفلك أول علم عند اإلنسان‪ ،‬ال‪ ..‬بل نلحظ أنه لم تقم حضارة في الماضي‬
‫إال وللفلك دور بارز فيها‪.‬‬
‫وقد أصبح علم الفلك علم ًا كوني ًا م ِ‬
‫عتمد ًا على نظريات كونية وحسابات‬ ‫ُ‬
‫دقيقة واستكشافات أعطت اليقين في نتائجها‪ ،‬وجرى استخدامها في الصعود‬
‫إلى الفضاء‪ ،‬وفي إطالق المركبات الفضائية واألقمار الصناعية‪ ،‬وفي معرفة‬
‫تحديد مسارات الكواكب ال سيما المجموعة الشمسية ومنها الشمس والقمر‪.‬‬
‫ومن أبرز ما اشتهر به علم الفلك أنه تُحدَّ د به أوقات عباداتنا من صالة وصيام‬
‫وغير ذلك مما نحتاج إلى الدقة في تحديده وذلك بتعين وقت اقتران القمر‬
‫بالشمس ووقت والدة الهالل بعد االقتران‪.‬‬
‫وشرفت بأن تلقيت تكليف ًا بمساندة الفقيه األستاذ الدكتور‪:‬‬
‫وقد سعدت بل ُ‬
‫صالح الدين أحمد عامر؛ لتوضيح األسس العلمية التي يستند عليها أهل الفلك‬
‫‪13‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫في حساباتهم؛ يقين ًا مني بأن مؤلفات المواقيت واألهلة ال بد وأن تُجمع على‬
‫يد أهل الشرع والفلك مع ًا‪ ،‬وقد جاء مؤ َّلفه الموسوم بـ‪« :‬علم المواقيت والقبلة‬
‫واألهلة من الناحيتين‪ :‬الشرعية والفلكية»‪ ،‬مؤ َّلف ًا علمي ًا رصين ًا‪ ،‬معتمد ًا على‬
‫التقريرات الشرعية‪ ،‬والحسابات الفلكية المعتمدة عند أهل الفلك‪.‬‬
‫و ُأثني عليه قدرته على تبسيط المفاهيم والمصطلحات العلمية والشرعية؛‬
‫ليصل بمؤلفه إلى العامي وإلى أهل االختصاص‪ ،‬داعي ًا المولى عز وجل أن‬
‫يجعل هذا العمل في ميزان حسناته وينفع به المسلمين‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪14‬‬

‫تقديم إدارة علوم الفلك والفضاء‬


‫بالنادي العلمي الكويتي‬

‫قال تعالى‪ :‬ﭽﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ ﰓ‬


‫ﰔ ﰕﭼ [المجادلة‪ .]١١ :‬أما بعد‪..‬‬
‫فقد كانت لدى المسلمين بواعث عملية ودينية لالهتمام بعلم الفلك‪،‬‬
‫فاتساع األرض اإلسالمية يحتاج لمعرفة النجوم والسير على هداها‪ ،‬كما‬
‫أن تعيين أوقات الصلوات في كل بلد يستلزم معرفة الموقع الجغرافي طوالً‬
‫وعرض ًا‪ ،‬وموقع الشمس في فلكها‪ ،‬كما يقتضي تحديد القبلة معرفة موقع‬
‫البالد‪ ،‬وكذلك يوجب تحديد صيام رمضان ونهايته معرفة طرق رؤية الهالل‬
‫في ظل الظروف التي قد ال تكفي العين المجردة للقيام باألمر‪.‬‬
‫وقد تلقت إدارة علوم الفلك والفضاء بالنادي العلمي مؤ َّلف الدكتور‪:‬‬
‫صالح الدين أحمد عامر‪ ،‬والموسوم بـ «علم المواقيت والقبلة واألهلة من‬
‫الناحيتين‪ :‬الشرعية والفلكية» وقامت بمراجعة المادة العلمية من الناحية‬
‫الفلكية من ِقبل المتخصصين من أهل الفلك بالنادي العلمي‪ ،‬فقد جمع فضيلته‬
‫بين الشرع والفلك في مؤ َّلف علمي اعتمد على الحسابات العلمية‪ ،‬والتقريرات‬
‫ميسر‪ ،‬وهو جدير باالستفادة منه‪،‬‬ ‫الفلكية المعتمدة بلغة سهلة‪ ،‬وأسلوب ّ‬
‫وحقيق باالنتفاع به في بابه‪ ،‬داعين المولى عز وجل أن يجعل هذا العمل في‬
‫ميزان حسناته‪.‬‬
‫األمين العام‬
‫د‪ .‬آدم عبد الله المال‬
‫‪15‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الـمـقـدمـة‬

‫ومقسمها إلى ِق َسم‪ ،‬جعل الليل‬


‫ِّ‬
‫الحمد لله بديع ِ‬
‫الحكَم‪ ،‬خالق األزمان‬
‫الشمس في منطقة‬ ‫ُ‬ ‫لباس ًا والنهار معاش ًا‪ ،‬أحمده بجميع المحامد ما دامت‬
‫المن َ‬
‫َازل فعاد بإحكام وتقدير‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال الله‬ ‫القمر َ‬
‫ُ‬ ‫البروج تسير‪ ،‬و َع َب َر‬
‫والز َّهاد‪ ،‬وأشهد‬
‫حسب بها من األبرار ُّ‬ ‫شهادة أنتظم بها في سلك أهل ِ‬
‫الوداد‪ ،‬و ُأ َ‬
‫أن سيدنا محمد ًا عبده ورسوله خير الورى وأفصح من نطق بالضاد‪ ،‬صلى‬
‫الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه صالة وسالم ًا دائمين متالزمين إلى يوم‬
‫الدين‪..‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫ِ‬
‫والحج في‬
‫ِّ‬ ‫والصيام‬
‫ِّ‬ ‫َفلعل ِم الفلك بالعلوم الشرعية تعلقات‪ ،‬في َّ‬
‫الصالة‬
‫سائر األوقات‪ ،‬ولقد برع فيه الكثير من السلف ال ِّثقات‪ ،‬وبينوا ما له تعلق بأمور‬
‫ووضحوا من علومه كل المهمات‪.‬‬
‫العبادات؛ َّ‬
‫ب هذا العلم على كثير من الطالب‪ ،‬و َع ُس َر على بعض المشايخ‬
‫ولما َص ُع َ‬
‫َّ‬
‫مسائل الفلك والحساب‪ ،‬مما له تعلق بشريعة رب األرباب‪ ،‬ال سيما وقد وصل‬
‫ِ‬
‫هذا العلم لدقة ت ُْذهل ُ‬
‫الح َّساب‪ ،‬و ُت ْبهر ذوي العقول واأللباب‪..‬‬
‫أردت أن أكتب فيه محتسب ًا النية‪ ،‬وقاصد ًا رضى رب البر َّية‪ُ ،‬أ َس ِّهل لطالب‬
‫وفك كل ٍ‬
‫رمز وإشارة‪ُ ،‬أ َو ِّضح‬ ‫العلم َم ْو ِر َده‪ ،‬و ُأ َع ِّبدُ لهم َم ْسلكَه‪ ،‬بتوضيح العبارة‪ِّ ،‬‬
‫بالرق ِم وصريح العبارة‪..‬‬
‫فيه المقصو َد َّ‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪16‬‬

‫ِ‬
‫الم َك َّلفين‪ ،‬وما هو ٌ‬
‫نافع لنا في الدنيا‬ ‫مقتصر ًا على ما له تعلق بعبادات ُ‬
‫والدين‪ ،‬وما لنا به رضى رب العالمين‪ ،‬مازج ًا فيه طريقة فقهاء المسلمين‬
‫بحسابات الفلكيين‪.‬‬

‫للتواصل مع المؤلف‬
‫‪salahamer27@hotmail.com‬‬
‫‪17‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫التـمهـيد‬

‫لقد بلغ هذا الف ُّن اليوم شأن ًا عظيم ًا‪ ،‬وأصبحت الحسابات الفلكية أكثر دقة‬
‫وتوصل العلماء إلى ما لم يتوصل إليه من قبلهم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وتوصيف ًا‪،‬‬
‫وهذا كله يحتِّم علينا أن نأخذ هذا التطور العلمي وأن نضعه موضع‬
‫الخادم لديننا ودنيانا‪ ،‬ال سيما وأن بعض عباداتنا تتعلق به؛ كأوقات الصلوات‪،‬‬
‫واستقبال القبلة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والحج‪.‬‬
‫تصح به عباداتهم من هذا العلم‪ ،‬وما‬
‫ُّ‬ ‫وهذا كله يحتِّم على األ َّمة تع ُّلم ما‬
‫يقيم دنياهم على وجه الواجب الكفائي‪ ،‬ال سيما وأن ُر َّواد هذا العلم هم من‬
‫وطوروه ووصلوا إلى مراتب كبيرة لم يصل‬
‫علماء المسلمين الذين برعوا فيه‪َّ ،‬‬
‫ُعرف ببعضهم(‪ (١‬في بداية هذا‬
‫إليها بشر قبلهم‪ ،‬ونرى أنه من حقهم علينا أن ن ِّ‬
‫الكتاب ليعرف القارئ الكريم أن هذا العلم ليس غريب ًا علينا نحن المسلمين‪،‬‬
‫وال منكر ًا فينا‪ ،‬بل نحن ُر َّواده وآباؤه وأجداده‪:‬‬
‫الصوفي الرازي (ت ‪376‬هـ‪986-‬م)‪:‬‬
‫عبدالرحمن بن عمر بن محمد بن سهل الصوفي الرازي‪ (((،‬أبو الحسين‪،‬‬
‫عاصر عضد الدولة الذي أدرك فض َله‪ ،‬وأواله برعاية عظيمة‪،‬‬
‫الري‪َ ،‬‬
‫من أهل َّ‬
‫وكان يقول عنه‪( :‬إنه مع ِّلمه في الكواكب الثابتة وأماكنها)‪ ،‬ويقول القفطي عنه‪:‬‬

‫(‪ (١‬ذكر مجلة منهم الدكتور عبداهلل حجازي وتكلم عنهم كالم ًا مقارن ًا بام توصل إليه الفلك‬
‫املعارص بمقالة بعنوان‪ :‬من مشاهري علامء املسلمني يف الفلك‪ ،‬ونحن نذكر طرف ًا منها‪.‬‬
‫((( انظر إخبار العلامء بأخبار احلكامء ‪.75‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪18‬‬

‫ُ‬
‫الفاضل الكامل النَّبيه النبيل)‪.‬‬ ‫(إنه‬
‫نبغ الصوفي في ال َفلك‪ ،‬و َأ َّدت الدراسة الحديثة في تاريخ علم الفلك‬
‫منزلة الصوفي تقع ما بين بطليموس وأرغلندر ‪( Argelander‬ت‬ ‫ِ‬ ‫إلى اعتبار‬
‫(‪١(9‬هـ‪١875-‬م)‪ ،‬وإلى اعتبار الصوفي ثالث ثالثة من العظماء الذين كتبوا‬
‫في الكواكب الثابتة‪ ،‬وكان ‪ H.C.F.C.Schjellerup‬ممن أبرز منزل َة الصوفي‬
‫الرفيعة‪.‬‬
‫من آثاره كتاب‪:‬‬
‫«الكواكب الثابتة» الذي بناه على كتاب «المجسطي» لبطليموس‪ ،‬ولم‬
‫نجما‪ ،‬وع َّين أماكنَها‬ ‫ِ‬
‫نجما ً‬‫الصوفي بمتابعته‪ ،‬بل رصد النجوم كلها‪ً ،‬‬
‫ُّ‬ ‫يكتف‬
‫وصفه لنجوم السماء‪ ،‬مما‬ ‫ِ‬ ‫بدقة تثير اإلعجاب‪ ،‬ولقد اعترف له ِ‬
‫بدقة‬ ‫وأقدارها ٍ‬

‫ساعد على فهم التطورات التي تطرأ على النجوم‪.‬‬


‫و ُي َعد كتابه هذا أحدَ الكتب الرئيسة الثالثة التي اشتهرت في علم ال َفلك‬
‫عند المسلمين‪ ،‬أما الكتابان اآلخران‪ ،‬فأحدهما البن يونس المصري (‪398‬هـ‪-‬‬
‫‪١007‬م)‪ ،‬واآلخر ألولغ بك (ت ‪84١‬هـ‪١437-‬م)‪.‬‬
‫يمتاز كتاب «الكواكب الثابتة» برسومه الملونة لألبراج‪ ،‬وبقية الصور‬
‫األناسي والحيوانات‪ ،‬وذكر أسماءها العربية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫السماوية‪ ،‬وقد م َّثلها على هيئة‬
‫بعضها مستعم ً‬
‫ال حتى الوقت الحاضر‪ ،‬مثل‪ :‬الدُّ ب األكبر‪ ،‬والدب‬ ‫التي ال يزال ُ‬
‫األصغر‪ ،‬والحوت‪ ،‬والعقرب‪.‬‬
‫ابن الهيثم (ت ‪432‬هـ‪1041-‬م)‪:‬‬
‫الحسن (أو محمد‪ ،‬كما ورد في األعالم) بن الحسن بن الهيثم‪.‬‬
‫من أجالَّء الرياضيين وال َفلكيين والفيزيائيين المسلمين‪ ،‬وبا ُعه في علم‬
‫‪19‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫عظيم؛ فإن ربع مصنفاته يبحث في ال َفلك وما يتعلق به‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫الهيئة‬
‫خرج الفيزيائي األلماني (‪ )Schramm‬من خالل دراسته لبعض‬ ‫وقد َ‬
‫مؤلفات ابن الهيثم في علم الهيئة ‪ -‬برأي مفاده ‪ -‬كما ينقل عنه سزكين ‪ -‬أن‬
‫الميزة البارزة في هذه المؤلفات أنها تربط الفيزيا َء األرسطاطاليسية بالرياضيات‬
‫التطبيقية في علم الهيئة التقليدي والضوء‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪ :‬فقد حاول ابن الهيثم‬
‫يوحد الفلسف َة الطبيعية األرسطاطاليسية ونظرية الكواكب‬
‫بشكل رئيسي أن ِّ‬
‫البطليموسية‪.‬‬
‫المؤ َّل َ‬
‫ف ال َفلكي الرئيسي؛‬ ‫و ُي َعد ُمؤ َّلف ابن الهيثم «مقالة في هيئة العالم»‪َ ،‬‬
‫علم الهيئة العربي‬
‫إذ كان له أهميته وفعله فيما بعد في التطور الذي حظي به ُ‬
‫والغربي على السواء‪.‬‬
‫توصل من خاللها إلى‬
‫ويكفي أن ُي ْستَشهد بدراسة هارتنر ‪ Hartner‬التي َّ‬
‫أن نظرية ‪ novae planetum‬التي تنسب إلى بويرباخ ‪ Peurbach‬النمساوي‬
‫أثر بالغ في رجيومونتان ‪Regiomontan‬‬
‫(ت‪8٦٦:‬هـ‪١4٦١-‬م)‪ ،‬التي كان لها ٌ‬
‫تلميذ بويرباخ‪ ،‬وعلى كوبرنيكوس ‪ -‬ما هي إال نسخة أخرى لنظرية ابن الهيثم‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويرى كول ‪ Kohl‬أن ما ذكره ابن الهيثم في «مقالة في ضوء القمر» ُي َعد‬
‫لدراسة فيزيائية َفلكية مسهبة‪ ،‬بل ويستنتج كول من خالل دراسته‬‫ٍ‬ ‫أول محاولة‬
‫َ‬
‫الباحث الطبيعي الحقيقي‪ ،‬وأنه‬ ‫لهذه المقالة وما تضمنته ‪ -‬أن ابن الهيثم يعد‬
‫مؤسس البحث الطبيعي الحديث‪ ،‬وأن روجر بايكون (ت (‪٦9‬هـ‪١(9( /‬م)‬
‫نقل طريقتَه إلى بالد الغرب بشكل آخر إلى حدٍّ ما؛ ولهذا فإن الشهر َة التي‬
‫اكتسبها روجر بايكون على أنه مؤسس الطريقة االستقرائية‪ ،‬اكتسبها بغير وجه‬
‫حق‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪20‬‬

‫ومن الجدير بالذكر بهذا الصدد أنه أطلق على ابن الهيثم لقب «بطليموس‬
‫ِ‬
‫إلبداعه في علم الهيئة وعنايته به‪ ،‬فقد أ َّلف في هذا الموضوع ‪-‬كما‬ ‫الثاني»؛‬
‫يذكر ابن أبي أصيبعة‪ -‬أربعا وعشرين مقالة‪ ،‬لم ِ‬
‫يص ْل منها سوى سبع ْ‬
‫عشرة‬ ‫ً‬
‫مقالة‪ ،‬تحدَّ َ‬
‫ث فيها عن أبعاد األجرام السماوية وأحجامها‪ ،‬وكيفية رؤيتها‪ ،‬وعن‬
‫الرصد النجومي‪ ،‬وعن ارتفاع القطب‪ ...‬نذكر منها‪« :‬مقالة في علم الهيئة»‪،‬‬
‫و«مقالة في كيفية الرصد»‪ ،‬و«مقالة في ضوء القمر»‪ ،‬و«جواب عن سؤال‬
‫السائل عن المجرة‪ :‬هل هي في الهواء أو في جسم السماء؟»‪ ،‬و«مقالة في حل‬
‫شكوك حركة االلتفات»‪ ،‬و«مقالة في صورة الكسوف»‪ ،‬و«مقالة في حركة‬
‫القمر»‪ ،‬و«مقالة في سمت القبلة»‪.‬‬
‫(‪(١‬‬

‫أبو الريحان ال َب ْي ُرونِي (ت ‪440‬هـ‪1048-‬م)‪:‬‬


‫محمد بن أحمد‪ ،‬أبو الريحان‪ ،‬ال َب ْي ُروني الخوارزمي‪ ،‬من أهل خوارزم‪،‬‬
‫السند‪.‬‬
‫وينسب إلى بيرون‪ ،‬وهي مدينة في ِّ‬
‫ال بالعلوم الحكمية‪ ،‬فاض ً‬
‫ال في علم الهيئة والنجوم‪ ،‬وكان‬ ‫كان مشتغ ً‬
‫منهجا يقوم‬
‫ً‬ ‫يتلمس الحقيقة‪ ،‬بعيدً ا عن التعصب المضلل أو الوهم‪ ،‬اتَّخذ لنفسه‬
‫ِ‬
‫والتجربة‪.‬‬ ‫على المالحظة الدقيقة‬
‫أجاد ال َب ْي ُرونِي عدة لغات‪ :‬العربية والفارسية والسنسكريتية واليونانية‬
‫خير عون في دراساته العلمية؛ فا َّطلع على مراجع تلك‬
‫والسريانية‪ ،‬فكانت له َ‬
‫الثقافات المختلفة دون أن يعتمد على ما تُرجم منها‪.‬‬

‫(‪ (١‬من مشاهري علامء املسلمني يف الفلك‪ .‬د‪ .‬عبداهلل حجازي‪ .‬مقال بتاريخ‬
‫‪(0١(/١١/١0‬م ‪ ١433/١(/(5 -‬هـ‪ ،‬عىل موقع األلوكة‪http://www.alukah. :‬‬
‫‪./46278/0/net/library‬‬
‫‪21‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫ويفضلها على غيرها من اللغات‪،‬‬


‫ِّ‬ ‫وقد كان ال َب ْي ُرونِي مح ًّبا للغة العربية‪،‬‬
‫كل مؤ َّلفاته تقري ًبا‪ ،‬وبذلك رفع من شأنها‪ ،‬وح َّبب الناس فيها‪ ،‬ودا َف َع‬
‫فكتب بها َّ‬
‫عنها ضد كل تيار فارسي أو أعجمي‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد ُأطلق على البيروني لقب األستاذ‪ ،‬وكان له منزلة رفيعة عند‬
‫ملوك عصره‪.‬‬
‫من أهم كتبه الفلكية‪« :‬كتاب القانون المسعودي» في الهيئة والنجوم‬
‫والجغرافية‪ ،‬أ َّلفه للسلطان مسعود بن محمود بن ُس ُبكْتِ ِكين‪.‬‬
‫ضخم يشتمل على إحدى ْ‬
‫عشرة مقالة تتوزع على مائة واثنين‬ ‫ٌ‬ ‫والكتاب‬
‫ِ‬
‫َّظريات الفلكية في ذلك الوقت‪ ،‬إلى‬ ‫وأربعين با ًبا‪ُ ،‬ت َغ ِّطي جميع األرصاد والن‬
‫جانب ما توصل إليه علما ُء الحضارات السابقة والعلماء المعاصرون للبيروني‪.‬‬
‫وكان منهج البيروني في تصنيفه أن يتح َّقق بنفسه إذا ما استشكل عليه ٌ‬
‫أمر‬
‫من األمور‪ ،‬أو إن وجد تضار ًبا بين نتائج العلماء اآلخرين؛ وذلك إما بإعادة‬
‫األرصاد‪ ،‬أو أن يقوم بالحسابات بنفسه مرة أو مرات‪ ،‬ومع كل هذا فكان ال‬
‫واضحا في قياس محيط‬
‫ً‬ ‫يستأثر بالفضل كله‪ ،‬من ذلك مث ً‬
‫ال أنه وجد تضار ًبا‬
‫األرض بين قياسات علماء اليونان وعلماء الهند والعلماء المسلمين إبان عهد‬
‫المأمون‪ ،‬فأراد أن يحذو حذو علماء المسلمين وأن ُيعيدَ القياس بنفسه‪ ،‬وكان‬
‫«وجدت في الهند جب ً‬
‫ال‬ ‫ُ‬ ‫له ذلك؛ كما ورد في «كتاب المسعودي» إذ قال‪:‬‬
‫مشر ًفا على صحراء مستوية الوجه‪ ،‬ناب استواؤها عن مالمسة سطح البحر‪،‬‬
‫فقست على ذروته ملتقى السماء واألرض ‪-‬أعني دائرة األفق‪ -‬فوجدتُه‬
‫ُ‬
‫منح ًّطا في اآللة عن خط المشرق والمغرب‪ ،‬أنقص قلي ً‬
‫ال من ثلث وربع جزء‪،‬‬
‫فأخذته أرب ًعا وثالثين دقيقة‪ ،‬واستخرجت عمود الجبل بأخذ ارتفاع ذروته في‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪22‬‬

‫موضعين‪ ،‬هما مع أصل العمود على خط مستقيم»‪ ،‬ومن ذلك استنتج نصف‬
‫ُقطر األرض‪ ،‬وكانت نتيجتُه قريب ًة من نتيجة العلماء المسلمين‪ ،‬فلم َّ‬
‫يتمس ْك‬
‫يركب مركب الغرور‪ ،‬بل اعترف بالفضل لهم‪ ،‬حيث قال‪« :‬فقد‬
‫ْ‬ ‫بنتيجته‪ ،‬ولم‬
‫القلب إلى ما ذكروه فاستعملناه؛‬
‫ُ‬ ‫قارب ذلك وجود القوم‪ ،‬بل الصقه‪ ،‬وسكن‬
‫وأشق»‪.‬‬
‫َّ‬ ‫إذ كانت آالتهم َّ‬
‫أدق‪ ،‬وتع ُبهم في تحصيله أشدَّ‬
‫ومن أهم بحوث البيروني الفلكية‪ ،‬ما كتبه عن حركة أوج الشمس‪ ،‬وهو‬
‫أبعدُ المواقع السنوية بين الشمس واألرض؛ فقد كان الرأي السائد في األوساط‬
‫ثابت في الفضاء‪ ،‬أما‬
‫الفلكية رأي بطليموس الذي يفيد أن موقع أوج الشمس ٌ‬
‫البيروني فقد ح َّلل أقوال بطليموس وأرصاد من جاء بعده‪ ،‬ثم قام بأرصاده‬
‫الخاصة مستخد ًما وسائل رياضية عالية‪ ،‬مما جعله يثبت قط ًعا أن األوج‬
‫متحر ٌك‪ ،‬وأن األمر فيه‬
‫ِّ‬ ‫متحرك‪« :‬وقد اتَّضح من جميع ما تقدم‪ ،‬أن أوج الشمس‬
‫ظه َر لبطليموس»‪.‬‬
‫بخالف ما َ‬
‫ٍ‬
‫موضوعات فلكي ًة غير القانون‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬ ‫وللبيروني كتب أخرى تعالج‬
‫«تمهيد المستقر‪ ،‬لتحقيق معنى الممر»‪ ،‬و«تحديد نهايات األماكن‪ ،‬لتصحيح‬
‫مسافات المساكن»‪ ،‬و«رسالة في تصوير الكواكب والبلدان في أي دائرة‬
‫أردنا»‪ ،‬و«استيعاب الوجوه الممكنة في صنعة اإلسطرالب»‪ ،‬و«اآلثار الباقية‪،‬‬
‫(‪(١‬‬
‫من القرون الخالية» وغيرها‪.‬‬
‫هذه نبذة مختصرة عن بعض علماء المسلمين في هذا الفن‪ ،‬آثرنا االقتصار‬
‫عليهم واالختصار في تراجمهم؛ حتى ال نطيل في هذه التقدمة‪ ،‬فيكفي من‬
‫السوار ما أحاط بالمعصم‪ ،‬ومن القالدة ما أحاط بالعنق‪ ،‬وإال فإن التصانيف‬

‫(‪ (١‬املصدر السابق‪.‬‬


‫‪23‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫من بعدهم قد كثرت نظم ًا ونثر ًا‪ ،‬وشرح ًا واختصار ًا‪ ،‬واخت ُِرعت اآلالت الفلكية‬
‫الم َج َّيب‪ ،‬واالسطرالب وغير ذلك مما هو اليوم ال زال‬
‫وطورت كآلة الربع ُ‬
‫ِّ‬
‫مشاهد ًا وقائم ًا يشهد بطول باعهم ورجاحة عقولهم‪.‬‬
‫الس ْفر‪ ،‬أود أن ِّ‬
‫أنوه إلى‬ ‫وقبل أن أترك القارئ الكريم ليلج في ثنايا هذا ِّ‬
‫أنني مزجت في كتابة هذه األسطر بين الحسابات الفلكية القديمة والحديثة‪،‬‬
‫معتمد ًا على ما كتبه علماء المسلمين قديم ًا(‪ ،(١‬وعلى ما توصل إليه الفلكيون‬
‫اليوم حديث ًا حيث استفدت من كثير من علماء وأساتذة الفلك المعاصرين في‬
‫اليمن والكويت ومصر‪.‬‬
‫وال أنسى أن أشكر شيخي الشيخ العالمة الفقيه الشافعي‪َ :‬حميد((( بن‬
‫قاسم عقيل ‪-‬حفظه الله تعالى‪ ،‬وأمتعنا به‪ -‬الذي أرشدني لدراسة طرف من‬
‫هذا العلم ودلني عليه‪ ،‬وكان أول من درست على يديه بعض كتب الفلك‬

‫(‪ (١‬من األمثلة عىل ذلك ما ييل‪:‬‬


‫• رشح ثمرات الوسيلة املسمى باملواهب اجلزيلة يف األزهار اخلميلة تأليف حممد ياسني‬
‫عيسى الفاداين‪.‬‬
‫• املخترص يف معرفة السنني والربع املشتهر‪ ،‬مجع أمحد عبد هلل دحالن‪.‬‬
‫• آللئ الطل الندية رشح الباكورة اجلنية يف عمل اجليبية‪ ،‬تأليف العالمة حممد بن يوسف‬
‫اخلياط‪.‬‬
‫• وسيلة الطالب يف علم الفلك بطريقة احلساب للعالمة حييى بن حممد احلطاب‪.‬‬
‫• جني الثمر رشح منظومة منازل القمر ملحمد ياسني بن عيسى الفاداين األندنويس‪.‬‬
‫• كنز الثقات يف علم األوقات‪ ،‬للشيخ عبد الواسع بن حييى الواسعي‪.‬‬
‫محيد بن قاسم عقيل العديني‪ ،‬من أزهد من رأت عيني‪ ،‬أحد مشايخ وأعالم‬ ‫((( هو الشيخ‪َ ِ :‬‬
‫مدينة جبلة بمحافظة إب‪ ،‬فقيه شافعي‪ ،‬لغوي‪ ،‬درس عىل مشايخ جبلة‪ ،‬ودرس يف تعز‬
‫زمن اإلمام حييى وابنه أمحد‪ ،‬ومن أبرز مشاخيه الشيخ الفقيه الفلكي الشهري والفريض‬
‫البارع‪ :‬سعيد بن غالب املخاليف‪ ،‬املشهور يف تأليفه يف علم الفرائض‪ ،‬والفلك‪ ،‬صاحب‬
‫كتاب حتفة املبتدي‪ ،‬واجلدول املشهور يف علم الفرائض‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪24‬‬

‫القديمة لعلمائنا األوائل كالفاداني‪ ،‬والبقري وغيرهما‪ ،‬وكذلك أشكر شكرا‬


‫جزيال مركز علوم الفلك وأبحاث الفضاء بدولة الكويت‪ ،‬وأستاذي في الفلك‬
‫‪-‬المصري‪ -‬األستاذ‪ :‬شفيق كحيل عبدالعزيز ‪-‬حفظه الله تعالى‪ -‬الذي درست‬
‫على يديه ُأسس هذا العلم بطرقه المعاصرة ومعادالته الرياضية‪.‬‬
‫وأشكر أيض ًا شيخي الشيخ العالمة فلكي الكويت والخليج الدكتور‪:‬‬
‫تشرفت أيض ًا بدراسة‬
‫صالح العجيري ‪-‬حفظه الله تعالى وأمتعنا به‪ -‬الذي َّ‬
‫(‪(١‬‬

‫طرف من هذا العلم على يديه‪ ،‬وبعض كتبه على وجه التحديد‪.‬‬
‫وقد جاء الكتاب مشتم ً‬
‫ال على ثالثة فصول‪:‬‬
‫األول‪ :‬أوقات الصلوات‪ ،‬والثاني‪ :‬القبلة واالتجاهات‪ ،‬والثالث‪ :‬في‬
‫األهلة والمطالع‪.‬‬
‫فكل ذلك مما يصنفه أصحاب الفن بالعلم الواجب (أعني الواجب‬

‫(‪ (١‬هو الشيخ الدكتور‪ :‬صالح حممد صالح عبد العزيز العجريي املولود يف ‪ (3‬يونيو ‪١9(0‬‬
‫فلكي الكويت الشهري‪ ،‬قدم الكثري لعلم الفلك وحمبي علم الفلك‪ ،‬وجاب األرض رشق ًا‬
‫وغرب ًا ذهاب ًا وإياب ًا‪ ،‬باحث ًا عن كل جديد ومبتكر يف هذا العلم‪ ،‬فقد قدم هذا العلم عىل‬
‫طبق من ذهب ألبنائه من العرب واملسلمني املتخصصني والباحثني واهلواة‪ ،‬وقدم‬
‫الكثري من اإلضافات العلمية يف جمال علم الفلك من خالل أبحاثه العلمية والعديد من‬
‫الكتب واملؤلفات والندوات واملحارضات‪ ،‬التي قدمها يف املراكز العلمية املتخصصة‬
‫واألندية العلمية واملشاركة بفعالية متميزة يف املؤمترات العلمية املحلية والدولية‪ ،‬حصل‬
‫عىل شهادة علمية فلكية تفيد بتخصصه يف علم الفلك من االحتاد الفلكي املرصي يف‬
‫أول من أكتوبر عام (‪١95‬م استمر يف القاهرة يف طلب علم الفلك من خالل البحث‬
‫واالطالع والرصد واالستكشاف ومراسلة املراصد العلمية واملؤسسات العلمية الفلكية‬
‫املتخصصة‪ ،‬وزار كثري ًا من دول العامل منها الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وسوريا‪ ،‬ولبنان‬
‫واألردن‪ ،‬وفلسطني‪ ،‬والسعودية‪ ،‬والسودان‪ ،‬وتونس‪ ،‬واجلزائر‪ ،‬وسويرسا‪ ،‬وأملانيا‪،‬‬
‫وفرنسا‪ ،‬وتركيا‪ ،‬والعراق وإيران‪ ،‬كام شارك يف كثري من املؤمترات الفلكية العربية‬
‫والدولية‪ .‬انظر‪ :‬جملة علوم الفلك والفضاء عىل‪http://www.astronomyland.com :‬‬
‫‪25‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫وغيره من علوم الفلك‪ ،‬إما مندوب‪ ،‬أو مباح‪ ،‬أو مكروه‪ ،‬أو حرام‪.‬‬
‫الكفائي)‪ُ .‬‬
‫فالمندوب؛ مثل تع ُّلم ما ُيهتدى به في األسفار‪ .‬والمباح؛ مثل االستدالل‬
‫بالنجوم على منازل القمر وعروض البلدان ونحوه‪ .‬والمكروه؛ وهو ما يعرف‬
‫به الكسوف والخسوف ونحو ذلك لما فيه من مضيعة الوقت من غير فائدة‪.‬‬
‫وأما الحرام؛ فهو ما يتعلق بالداللة على وقوع األشياء المغيبة وربط حركة‬
‫األفالك بأفعال العباد واعتقاد تأثيرها فيهم‪.‬‬
‫وحيث إنني اقتصرت في هذا المختصر على ما هو واجب تع ُّلمه في‬
‫حال االضطرار إليه‪ ،‬وعدم وجود المجتهد الذي يجوز تقليده‪ ،‬أو حال السفر‬
‫واالنفراد‪ ،‬أو ما ع َّبر عنه بعضهم بكونه واجب ًا كفائي ًا فإنني أستطيع القول‪ :‬إن‬
‫طالب العلم إذا أدرك ذلك وتع َّلمه‪ ،‬فقد حاز شيئ ًا عظيم ًا من علم الفلك‪ ،‬وما‬
‫تب َّقى منه فهو يسير بالنسبة لما تعلم‪.‬‬
‫بدأت هذه الفصول الثالثة بتقريرات الشرع وكالم الفقهاء حولها؛‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫لتكون بمنزلة القاعدة التي نقف عليها ونبني عليها كالم الفلكيين وحساباتهم‪،‬‬
‫فعلم الفلك إنما هو خادم لعلوم الشريعة بالمقام األول‪.‬‬
‫المؤلف‬
‫د‪ .‬صالح الدين أحمد عامر‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪26‬‬
‫‪27‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الفصل األول‬
‫أوقات الصلوات‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪28‬‬
‫‪29‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫تـمهـيد‬

‫على العلماء والدعاة بيان الحق والهدى إبرا ًء للذمة‪ ،‬وإسقاط ًا للواجب‬
‫الملقى على عواتقهم‪ ،‬وطلب ًا لنفع األمة والفوز برضا الله جل وعال‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﭽﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﭼ [البقرة‪.]١59 :‬‬
‫فالفقهاء كما هو معلوم يشترطون في المؤذن أن يكون عالم ًا بالوقت‪،‬‬
‫ودليلهم ما رواه أبو ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ال َّل ِه صلى الله‬
‫اإل َما ُم َض ِام ٌن‪ ،‬اللهم أرشد األَ ِئ َّم َة‪َ ،‬وا ْغ ِف ْر‬
‫عليه وسلم‪« :‬ا ْل ُم َؤ ِّذ ُن ُم ْؤت ََم ٌن‪َ ،‬و ِ‬
‫(‪(١‬‬
‫لِ ْل ُم َؤ ِّذنِي َن»‪.‬‬
‫وال يمكن للمؤذن القيام باألمانة ما لم يكن عالم ًا بها‪ ،‬عارف ًا بأحكامها‪،‬‬
‫وهذا ما حاولنا في ثنايا هذه األوراق القيام به من ناحيتين مهمتين‪:‬‬
‫‪ -‬من الناحية الشرعية بمعرفة األدلة على أوقات العبادات‪ ،‬وتحديد أولها‬
‫وآخرها‪ ،‬وبيان األحكام المتعلقة بذلك‪.‬‬
‫‪ -‬ومن الناحية الفلكية بيان الطرق التي بها نستطيع حساب وضبط تلك‬
‫وتجنُّب الوقوع في األخطاء التي يمكن‬
‫األوقات التي حددها الشارع الحكيم‪َ ،‬‬
‫أن تقع نظر ًا الختالف المكان أو الزمان‪.‬‬
‫فنقول وبالله التوفيق‪:‬‬

‫(‪ (١‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ 377/‬برقم ‪ ،889٦‬وصححه األلباين يف صحيح اجلامع‬


‫الصغري ‪ 500/١0‬برقم ‪.4553‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪30‬‬

‫الوقت رشط لصحة الصالة‬

‫يعدُّ الفقهاء دخول الوقت شرط ًا من شروط صحة الصالة‪ ،‬وذلك ألن‬
‫اف إ َل ْي ِه؛ َو ِه َي ‪َ -‬أ ِي ْ ِ‬ ‫وب الص َال ِة هو ا ْلو ْق ُت‪ِ ،‬‬
‫وألَن ََّها ت َُض ُ‬
‫اإل َضا َف ُة‪ -‬تَدُ ُّل‬ ‫َ‬ ‫َس َبب ُو ُج ِ َّ‬
‫وب ْاألَ َد ِاء‬
‫ب ُو ُج ِ‬ ‫وب‪ ،‬إذ َس َب ُ‬ ‫س ا ْل ُو ُج ِ‬ ‫ب َن ْف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َببِ َّية َو َت َتك ََّر ُر بِ َتك َُّر ِره‪ ،‬وهو َس َب ُ‬
‫على َّ‬
‫اب‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﭼ‬ ‫ِ‬
‫ا ْلخ َط ُ‬
‫[النساء‪ ]١03:‬أي فرض ًا مؤقت ًا‪.‬‬
‫وللمواقيت إشارة في كتاب الله تعالى‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢﭼ [الروم‪ ،]١7 :‬أي صلوا لله (حين تمسون)‪ ،‬المراد به‬
‫العصر‪ ،‬وعند بعضهم المغرب‪( ،‬وحين تصبحون) أي الفجر‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭼ‬
‫[الروم‪ ،]١8 :‬فقوله‪( :‬وعشيا) أي العشاء‪ ،‬وقوله‪( :‬وحين تظهرون) أي الظهر‪.‬‬
‫وقال الله تعالى‪ :‬ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ [اإلسراء‪ ،]78 :‬قال ابن عباس رضي الله‬
‫تعالى عنهما‪ :‬دلوك الشمس‪ :‬الزوال‪ ،‬فالمراد به الظهر‪ .‬وقال ابن مسعود رضي‬
‫الله تعالى عنه‪ :‬دلوكها غروبها‪ ،‬والمراد المغرب‪ ،‬إلى غسق الليل المراد‪:‬‬
‫العشاء‪ ،‬وقوله‪( :‬وقرآن الفجر)‪ ،‬أي صالة الفجر‪.‬‬
‫وقال الله تعالى‪ :‬ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘﭼ [البقرة‪ ،](38 :‬الصالة الوسطى أي‪ :‬صالة العصر‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫وقال الله تعالى‪ :‬ﭽﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ‬


‫ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙﭼ [هود‪ ،]١١4 :‬قال الحسن‪ :‬الفجر (وزلف ًا من‬
‫الليل) قال محمد بن كعب رضي الله تعالى عنه‪ :‬المغرب والعشاء(‪.(١‬‬
‫وقد أجمع المسلمون على أن الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة‬
‫حاح ِجيا ٌد(((‪.‬‬ ‫ُ ِ‬
‫أحاديث ص ٌ‬ ‫محدودة وقد ورد في ذلك‬
‫فمن صلى خارج الوقت كانت صالته باطلة عند المذاهب األربعة(‪،(3‬‬
‫سواء كانت قبل دخول الوقت‪ ،‬أو بعد خروجه؛ ألن الوقت شرط‪ ،‬والشرط كما‬
‫هو معروف‪ :‬ما يتوقف عليه الشيء وليس منه‪ ،‬كالطهارة للصالة؛ وفي الدرر‪:‬‬
‫الشرط ما يتوقف عليه وجود الشيء وال يدخل فيه(‪ (4‬وقيل‪ :‬الشرط تعليق شيء‬

‫(‪ (١‬املبسوط‪ ١4١ /١ ،‬تأليف‪ :‬شمس الدين الرسخيس‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار املعرفة – بريوت‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬تفسري الطربي ‪.50(/١5‬‬
‫((( املغني يف فقه اإلمام أمحد بن حنبل الشيباين‪ ((4/ ١،‬تأليف‪ :‬عبد اهلل بن أمحد بن قدامة‬
‫املقديس أبو حممد‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار الفكر ‪ -‬بريوت ‪ ،١405 -‬الطبعة‪ :‬األوىل‪.‬‬
‫(‪ (3‬انظر بدائع الصنائع ‪ ١(١/١‬للكاساين املتوىف ‪587‬هـ دار الكتب العريب بريوت‪،‬‬
‫ط‪ /‬الثانية (‪١98‬م وانظر الفواكه الدواين عىل رسالة ابن أيب زيد القريواين‪،١٦4/١،‬‬
‫تأليف‪ :‬أمحد بن غنيم بن سامل النفراوي املالكي‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار الفكر‪ -‬بريوت– ‪،١4١5‬‬
‫وانظر كفاية األخيار يف حل غاية االختصار‪ 94/١،‬تأليف‪ :‬تقي الدين أيب بكر بن حممد‬
‫احلسيني احلصني الدمشقي الشافعي‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار اخلري‪ -‬دمشق‪ ،١994 -‬الطبعة‪:‬‬
‫األوىل‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل عبد احلميد بلطجي وحممد وهبي سليامن‪ ،‬وانظر‪ :‬اإلنصاف يف‬
‫معرفة الراجح من اخلالف عىل مذهب اإلمام أمحد بن حنبل‪ ،4(9/١ ،‬تأليف‪ :‬عيل‬
‫بن سليامن املرداوي‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب‪ -‬بريوت‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حامد‬
‫الفقي‪.‬‬
‫(‪ (4‬انظر‪ .‬أنيس الفقهاء يف تعريفات األلفاظ املتداولة بني الفقهاء‪ ،84/١ ،‬تأليف‪:‬‬
‫قاسم بن عبد اهلل بن أمري عيل القونوي‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار الوفاء‪ -‬جدة‪ ،١40٦ -‬الطبعة‪:‬‬
‫األوىل‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬أمحد بن عبد الرزاق الكبييس‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪32‬‬

‫بشيء بحيث إذا وجد األول وجد الثاني(‪.(١‬‬


‫فمن صلى خارج الوقت‪ ،‬كان كمن صلى بغير طهارة‪ ،‬أو إلى غير القبلة‬
‫من جهة معنى الشرطية؛ ألن دخول الوقت والطهارة والقبلة شروط من شروط‬
‫صحة الصالة‪ ،‬ال تصح الصالة إال بها‪.‬‬
‫وما نريد تقريره هنا هو أن شروط الصالة عند الفقهاء تحمل معنى‬
‫التجوز أو التسامح‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الشرطية‪ ،‬ولم يكن تصنيفهم هذا من باب‬

‫(‪ (١‬انظر التعريفات ج‪/١‬ص‪ ،١٦٦‬تأليف‪ :‬عيل بن حممد بن عيل اجلرجاين‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار‬
‫الكتاب العريب‪ -‬بريوت‪ ،١405 -‬الطبعة‪ :‬األوىل‪ ،‬حتقيق‪ :‬إبراهيم األبياري‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫أوالً‪ :‬وقت صالة الظهر‬

‫وإنما بدأنا بوقت الظهر وجعلناها األولى‪ ،‬لِ ُبدَ ا َء ِة ِج ْب ِر َيل بها َل َّما صلى‬
‫بالنبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ومن اللطيف أيض ًا أن الفلكيين يبدأون بحساب وقت الظهر‪ ،‬ويجعلونه‬
‫كالقاعدة لمعرفة أوقات بقية الصلوات‪.‬‬
‫* تعريف الظهر‪:‬‬
‫وال ُّظ ْه ُر ساعة الزوال‪ ،‬ولذلك قيل صالة الظهر وقد يحذفون على َّ‬
‫الس َعة‪،‬‬
‫فيقولون هذه ال ُّظ ْهر يريدون صالة الظهر‪ ،‬قال الجوهري‪ :‬الظهر بالضم‪ :‬بعد‬
‫الزوال ومنه صالة الظهر‪ ،‬وال َّظ ِهير ُة الهاجرة‪ ،‬يقال َأتيته َحدَّ ال َّظ ِهيرة‪ ،‬وحين قا َم‬
‫قائم ال َّظ ِهيرة‪ ،‬وفي الحديث ذكر صالة ال ُّظ ْهر‪ ،‬قال ابن األَثير‪ :‬هو اسم لنصف‬
‫النهار‪ ،‬سمي به من َظ ِهيرة الشمس وهو شدّ ة حرها‪ ،‬وقيل ُأضيفت إِليه ألَنه َأ ْظ َه ُر‬
‫أل ْب ِ‬
‫صار‪ ،‬وقيل َأ ْظ َه ُرها َح ّر ًا‪ ،‬وقيل ألَنها َأ َّول صالة ُأظهرت‬ ‫َأوقات الصلوات ل َ‬
‫حر نصف النهار(‪.(١‬‬ ‫وص ِّليت‪ ،‬وقد تكرر ذكر ال َّظ ِهيرة في الحديث وهو شدّ ة ّ‬ ‫ُ‬
‫ثم إن الشارع قد جعل لوقت الصالة‪ ،‬أوالً تبدأ عنده‪ ،‬وآخر ًا تنتهي إليه‪،‬‬
‫فكل صالة لها وقت تبدأ عنده‪ ،‬ووقت تنتهي إليه‪.‬‬

‫(‪[ (١‬لسان العرب ‪ -5(0/4‬ابن منظور]‪ :‬حممد بن مكرم بن منظور األفريقي املرصي‪،‬‬
‫النارش‪ :‬دار صادر– بريوت الطبعة األوىل‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪34‬‬

‫* أول وقت صالة الظهر‪:‬‬


‫يبدأ أول وقت صالة الظهر ‪-‬باإلجماع‪ (١(-‬بعد أن تزول الشمس عن‬
‫كبد السماء‪ ،‬أو عن بطن السماء‪ ،‬كما في بعض الروايات وهو ما يسمى بوقت‬
‫الزوال مع اعتبار فيء الزوال‪.‬‬
‫هذا التقرير مأخوذ من النصوص الواردة في صالة الظهر‪ ،‬والتي منها‪:‬‬
‫حديث جبريل المعروف‪ ،‬وهذا الحديث هو العمدة في باب األوقات‬
‫كما يقول الفقهاء‪.‬‬
‫اس ‪-‬رضي الله عنهما‪َ -‬أ َّن النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫فعن ابن َع َّب ٍ‬
‫ت َم َّر َت ْي ِن َف َص َّلى ال ُّظ ْه َر في ْاألُو َلى ِمن ُْه َما‬‫قال‪َ :‬أمنِي ِجب ِر ُيل عليه الس َالم ِعنْدَ ا ْلبي ِ‬
‫َْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫اك‪ُ ،‬ث َّم صلى ا ْل َع ْص َر حين كان ك ُُّل َش ْي ٍء ِم ْث َل ظِ ِّل ِه‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫الشر ِ‬ ‫ِ‬
‫حين كان ا ْل َف ْي ُء م ْث َل ِّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صلى ا ْلم ْغ ِرب حين وجب ِ‬
‫اب‬ ‫الصائ ُم‪ُ ،‬ث َّم صلى ا ْلع َشا َء حين َغ َ‬ ‫الش ْم ُس َو َأ ْف َط َر َّ‬
‫ت َّ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ َ‬
‫الص ِائ ِم‪َ ،‬و َص َّلى‬ ‫الش َف ُق‪ُ ،‬ث َّم صلى ا ْل َف ْج َر حين َب َر َق ا ْل َف ْج ُر َو َح ُر َم ال َّط َعا ُم على َّ‬ ‫َّ‬
‫س‪ُ ،‬ث َّم صلى‬ ‫ا ْلمر َة ال َّثانِي َة ال ُّظهر حين كان ظِ ُّل كل َشي ٍء مثله لِو ْق ِ‬
‫ت ا ْل َع ْص ِر بِ ْاألَ ْم ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫ا ْل َع ْص َر حين كان ظِ ُّل كل َش ْي ٍء ِم ْث َل ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم صلى ا ْل َم ْغ ِر َب لِ َو ْقتِ ِه ْاألَ َّول‪ُ ،‬ث َّم صلى‬
‫الص ْب َح حين َأ ْس َف َرت ْاألَ ْر ُض‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ُث ُل ُث ال َّل ْي ِل‪ُ ،‬ث َّم صلى ُّ‬ ‫ا ْلع َشا َء ْاآلخ َر َة حين َذ َه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يما‬ ‫ُث َّم ا ْل َت َف َت إلي ج ْب ِر ُيل فقال‪ :‬يا محمد هذا َو ْق ُت ْاألَنْبِ َياء م ْن َق ْبل َك‪َ ،‬وا ْل َو ْق ُت ف َ‬
‫بين َه َذ ْي ِن ا ْل َو ْق َت ْي ِن‪.‬‬
‫ِ‬
‫يسى الترمذي‪ :‬وفي ا ْل َباب عن أبي ُه َر ْي َر َة َو ُب َر ْيدَ َة َو َأبِي ُم َ‬
‫وسى‬ ‫قال أبو ع َ‬
‫َس(((‪.‬‬ ‫يد َو َجابِ ٍر َو َع ْم ِرو بن َح ْز ٍم َوا ْل َب َر ِاء َو َأن ٍ‬
‫ود و َأبِي س ِع ٍ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫َو َأبِي َم ْس ُع َ‬
‫(‪ (١‬انظر املغني البن قدامة املقديس ‪.4١( / ١‬‬
‫((( أخرجه الرتمذي يف السنن ج‪/١‬ص‪ (78‬برقم ‪ ،١49‬و أبو داود ج‪/١‬ص‪١07‬وأمحد‬
‫يف املسند ج‪/١‬ص‪ 333‬برقم ‪ ،308١‬وغريهم‪ ،‬وقد صححه األلباين كام يف السلسلة =‬
‫‪35‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الز َيا َدة‪َ ،‬و ُه َو َب ْعد‬ ‫اجع ِمن النُّ ْق َصان إِ َلى ِّ‬ ‫والمقصود با ْل َفيء‪ :‬أي ال ِّظ ّل الر ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫الز َوال ِم ْثل ِش َراك النَّ ْعل‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الش َراك َأ َحد ُس ُيور النَّ ْعل ا َّلتِي‬ ‫الش َراك )‪َ :‬ق َال ا ْبن ْاألَثِير‪ِّ :‬‬ ‫قوله‪َ (:‬قدْ ر ِّ‬
‫الش ْمس‬ ‫اهنَا َل ْي َس َع َلى َم ْعنَى الت َّْح ِديد َو َل ِك ْن َز َوال َّ‬ ‫هها َو َقدْ ره َه ُ‬ ‫َتكُون َع َلى َو ْج َ‬
‫َان ِحين َِئ ٍذ بِ َمكَّة َه َذا ا ْل َقدْ ر‪َ ،‬وال ِّظ ّل َي ْخت َِلف‬‫َال َيبِين إِ َّال بِأقل َما ُي َرى ِم ْن ال ِّظ ّل َوك َ‬
‫ف ْاألَ ْز ِمنَة َو ْاألَ ْم ِكنَة‪َ ،‬وإِن ََّما َي َت َب َّين َذلِ َك فِي ِم ْثل َمكَّة ِم َن ا ْلبِ َالد ا َّلتِي َي ِق ّل‬
‫اختِ َال ِ‬
‫بِ ْ‬
‫الش ْمس َف ْوق ا ْل َك ْع َبة َل ْم ُي َر بِ َشيء ِم ْن‬ ‫است ََوت َّ‬ ‫َان َأ ْط َول الن ََّهار َو ْ‬ ‫فِ َيها ال ِّظ ّل َفإِ َذا ك َ‬
‫اال ْستِ َواء َو ُم َعدَّ ل الن ََّهار َيكُون ال ِّظ ّل‬
‫جوانِبها ظِ ّل‪َ ،‬فك ُّل ب َلد يكُون َأ ْقرب إِ َلى َخ ّط ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫الش َمال َيكُون ال ِّظ ّل َأ ْط َول اِ ْنتَهي‪َ .‬وا ْل ُم َراد‬ ‫فِ ِيه َأ ْق َصر‪َ ،‬وك ُّل َما َب ُعدَ َعن ُْه َما إِ َلى ِج َهة ِّ‬
‫الز َوال(‪.(١‬‬ ‫ِمنْ ُه َو ْقت ال ُّظ ْهر ِحين َي ْأ ُخذ ال ِّظ ّل فِي ِّ‬
‫الز َيا َدة َب ْعد َّ‬
‫فالحاصل أنه صالها بعد أن زالت الشمس‪ ،‬وبدأ الظل بالزيادة ثم قدّ ر‬
‫تلك الزيادة بأنها تساوي شراك النعل‪ ،‬وهذا التقدير ال يلزم أن نلتزمه‪ ،‬وذلك‬
‫ألنه خاص بمكان محدد‪ ،‬وزمان محدد؛ ألن كل بلد يختلف فيه قدر ذلك‬
‫الظل‪ ،‬بحسب موقعه من خط االستواء كما هو معلوم‪.‬‬
‫وقد ذكر الفقهاء قديم ًا((( تقدير الزوال فقالوا‪ :‬زوال الشمس أي ميلها‬
‫= الصحيحة ‪ ،(٦8/١‬برقم ‪.(49‬‬
‫(‪ (١‬عون املعبود رشح سنن أيب داود‪ ،4١/( ،‬تأليف‪ :‬حممد شمس احلق العظيم آبادي‪ ،‬دار‬
‫النرش‪ :‬دار الكتب العلمية‪ -‬بريوت‪١995 -‬م‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪.‬‬
‫((( منهم اإلمام الشافعي رمحه اهلل تعاىل حيث قال‪ :‬وظل الشمس يف الصيف يتقلص حتى‬
‫ال يكون ليشء قائم معتدل نصف النهار ظل بحال وإذا كان ذلك فسقط للقائم ظل‪ ،‬ما‬
‫كان الظل فقد زالت الشمس‪ ..‬والظل يف الشتاء والربيع واخلريف خمالف له فيام وصفت‬
‫من الصيف وإنام يعلم الزوال يف هذه األوقات بأن ينظر إىل الظل ويتفقد نقصانه فإنه إذا‬
‫تناهى نقصانه زاد فإذا زاد بعد تناهي نقصانه فذلك الزوال وهو أول وقت الظهر‪ .‬انتهى‬
‫كتاب األم ‪.90/١‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪36‬‬

‫عن وسط السماء ويعرف ذلك بزيادة الظل؛ ألن الظل في أول النهار يكون‬
‫ممتدا وال يزال ينقص ما دامت الشمس في جهة المشرق إلى أن تصير الشمس‬
‫في وسط السماء‪ ،‬فإذا مالت الشمس إلى جهة المغرب أخذ الظل في الزيادة‪،‬‬
‫وذلك هو الزوال‪ ،‬وال بد أن يزيد الظل زيادة بينة فحينئذ يدخل وقت الظهر‪،‬‬
‫فإن الزوال عند أهل الميقات يحصل بميل مركز الشمس عند خط وسط‬
‫السماء‪ ،‬والزوال الشرعي إنما يحصل بميل قرص الشمس عن خط وسط‬
‫السماء‪ ،‬وكذلك للغروب ميقاتي وشرعي‪ ،‬فالميقاتي غروب مركز الشمس‪،‬‬
‫والشرعي غروب جميع قرص الشمس‪ ،‬وكذلك الشروق الميقاتي هو شروق‬
‫مركز الشمس‪ ،‬والشرعي شروق أول حاجب الشمس‪ ،‬ويحصل الشرعي من‬
‫ذلك كله بعد االصطالحي بنحو نصف درجة‪ ،‬وذلك قدر قراءة‪ :‬ﭽقل هو الله‬
‫أحدﭼ ثالثين مرة‪ ،‬قراء ًة معتدل ًة مع البسملة في كل مرة‪ ،‬وإذا تبينت زيادة الظل‬
‫(‪(١‬‬
‫فقد مضى هذا المقدار يقينا‪.‬‬
‫وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهاجرة‪،‬‬
‫ار‪ِ ،‬ق َيل ُس ِّم َي ْت بِ َذلِ َك ِمن ا ْل َه ْج ِر َو ُه َو‬ ‫ف الن ََّه ِ‬‫اجر ُة اِ ْشتِدَ اد ا ْلحر فِي نِص ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ ِّ‬
‫ِ‬
‫َوا ْل َه َ‬
‫ف ِحين َِئ ٍذ لِ ِشدَّ ِة ا ْل َح ِّر َو َي ِقي ُل َ‬ ‫ِ‬
‫ون(((‪ ،‬وليس في‬ ‫ُون الت ََّص ُّر َ‬ ‫الت َّْر ُك؛ ألَ َّن الن َ‬
‫َّاس َيت ُْرك َ‬
‫هذا معارضة للحديث السابق‪ ،‬فإن المقصود أنه صلى الظهر بعد زوال الشمس‬
‫وحرها ال يزال في أشده‪ ،‬وهو المع َّبر عنه بـ ( الهاجرة )؛ كما روى َأن َُس ْب ُن َمالِ ٍك‬ ‫ّ‬
‫الش ْم ُس َف َص َّلى الظ ْه َر‬
‫ُّ (‪(3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول ال َّله َص َّلى ال َّل ُه َع َل ْيه َو َس َّل َم َخ َر َج حي َن َزا َغت َّ‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬
‫(‪ (١‬مواهب اجلليل رشح خمترص خليل ‪.383/١‬‬
‫((( فتح الباري رشح صحيح البخاري‪ ،(١/( ،‬تأليف‪ :‬أمحد بن عيل بن حجر أيب الفضل‬
‫العسقالين الشافعي‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار املعرفة‪ -‬بريوت‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمب الدين اخلطيب‪.‬‬
‫(‪ (3‬صحيح البخاري (‪ (00/‬رقم ‪ ،5١5‬اجلامع الصحيح املخترص‪ ،‬تأليف‪ :‬حممد بن‬
‫إسامعيل أيب عبد اهلل البخاري اجلعفي‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار ابن كثري‪ ،‬الياممة‪ -‬بريوت‪= -‬‬
‫‪37‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫وورد أنه َص َّلى ال َّل ُه َع َل ْي ِه َو َس َّل َم كان ُي َص ِّلي ال ُّظ ْه َر إِ َذا َد َح َضت َّ‬
‫الش ْم ُس(‪ ،(١‬أي‬
‫مالت‪ ،‬وفيه دليل على استحباب تقديمها وبه قال الحنفية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬والحنابلة‬
‫عند شدة الحر ‪.‬‬
‫((( (‪(3‬‬

‫* آخر وقت صالة الظهر‪:‬‬


‫ينتهي وقت الظهر عند جمهور العلماء(‪ (4‬عند مصير ظل كل شيء مثله‬
‫سوى ظل فيء الزوال‪ ،‬وهو أول وقت العصر فقد روى َع ْبد ال َّل ِه ْبن َع ْم ٍرو َعن‬
‫النَّبِ ِّي َص َّلى ال َّل ُه َع َل ْي ِه َو َس َّل َم أنه َق َال‪َ :‬و ْق ُت ال ُّظ ْه ِر َما َل ْم َي ْح ُضر ا ْل َع ْص ُر(‪.(5‬‬
‫وقد ب َّين النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جبريل متى يدخل‬
‫وقت العصر بقوله‪ُ :‬ث َّم صلى ا ْل َع ْص َر حين كان ك ُُّل َش ْي ٍء ِم ْث َل ظِ ِّل ِه‪ ،‬فيكون هذا‬
‫الحديث قد ب َّين إجمال حديث َع ْب ِد ال َّل ِه ْب ِن َع ْم ٍرو‪ ،‬فيتع َّين العمل به‪.‬‬
‫وقد ورد في حديث ابن عباس السابق َأ َّن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫ت َم َّر َت ْي ِن‪ ،‬وقال فيه‪َ :‬و َص َّلى ا ْل َم َّر َة ال َّثانِ َي َة ِحين‬‫َأمنِي ِجب ِر ُيل عليه السالم ِعنْدَ ا ْلبي ِ‬
‫َْ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ت ا ْل َع ْص ِر بِ ْاألَ ْم ِ‬
‫س(‪.(٦‬‬ ‫صار ظِ ُّل كل َشي ٍء مثله لِو ْق ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬

‫= ‪ ،١987-١407‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬مصطفي ديب البغا‪.‬‬


‫(‪ (١‬رواه مسلم ‪ ،43( /١‬برقم ‪.٦١8‬‬
‫((( صحيح مسلم برشح النووي‪.١(١ /5 ،‬‬
‫(‪ (3‬انظر‪ :‬االختيار لتعليل املختار ‪ ،38/١‬وعمدة السالك وعدة الناسك ‪ ،3٦‬والروض‬
‫املربع ‪.٦8‬‬
‫(‪ (4‬انظر منح اجلليل رشح خمترص خليل ‪ ،١80 /١‬و مغني املحتاج ‪ ،(99 /١‬ومغني ابن‬
‫قدامة ‪.4١5/١‬‬
‫(‪ (5‬صحيح مسلم‪ ،4(7 /١،‬تأليف‪ :‬مسلم بن احلجاج أيب احلسني القشريي النيسابوري‪،‬‬
‫دار النرش‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب‪ -‬بريوت‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬
‫(‪ (٦‬اجلامع الصحيح سنن الرتمذي‪ ،(79 /١ ،‬تأليف‪ :‬حممد بن عيسى أيب عيسى الرتمذي‬
‫السلمي‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب‪ -‬بريوت‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد حممد شاكر =‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪38‬‬

‫إذ ًا ينتهي وقت الظهر عند مصير ظل كل شيء مثله‪ ،‬وهو بداية وقت‬
‫العصر‪ ،‬ولكن يبقى أن نخرج فيء الزوال إن كان هناك فيء؛ ألنه زائد لم نعتبره‬
‫وقت الظهر فكذلك هنا‪.‬‬
‫وأما الحنفية فقد قال صاحب البدائع‪ :‬وأما آخره فلم يذكر في ظاهر‬
‫الرواية نصا‪ ،‬واختلفت الرواية عن أبي حنيفة‪ ،‬روى محمد عنه إذا صار ظل‬
‫كل شيء مثله سوى فيء الزوال‪ ،‬والمذكور في األصل وال يدخل وقت العصر‬
‫حتى يصير الظل قامتين ولم يتعرض آلخر وقت الظهر‪ ،‬وروى الحسن(‪ (١‬عن‬
‫أبي حنيفة أن آخر وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال‪ ،‬وهو قول‬
‫أبي يوسف ومحمد وزفر والحسن والشافعي‪ ،‬وروى أسد بن عمرو عنه إذا‬
‫صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال خرج وقت الظهر‪ ،‬وال يدخل وقت‬
‫العصر ما لم يصر ظل كل شيء مثليه‪ ،‬فعلى هذه الرواية يكون بين وقت الظهر‬
‫والعصر وقت مهمل كما بين الفجر والظهر‪ ،‬والصحيح رواية محمد عنه‪ ،‬فإنه‬
‫روي في خبر أبي هريرة‪ ،‬وآخر وقت الظهر حين يدخل وقت العصر وهذا ينفي‬
‫الوقت المهمل‪.‬‬
‫(((‬

‫والخالصة‪:‬‬
‫أن وقت الظهر يبدأ بعد زوال الشمس عن كبد السماء بعد إخراج فيء‬
‫الزوال‪ ،‬وينتهي عند مصير ظل كل شيء مثله مع إخراج ظل فيء الزوال أيض ًا‪،‬‬
‫وهو أول وقت العصر‪.‬‬

‫= وآخرون‪.‬‬
‫(‪ (١‬هو احلسن بن زياد اللؤلؤي صاحب أيب حنيفة تويف ‪(04‬هـ انظر‪ :‬اجلواهر املضية يف‬
‫طبقات احلنفية ‪.١94/١‬‬
‫((( بدائع الصنائع للكاساين ‪.١(( / ١‬‬
‫‪39‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫حسابات الفكليني لوقت صالة الظهر‬

‫للفلكيين عدة طرق في حساب وقت الظهر‪ ،‬ونحن نذكر أهمها بأساليب‬
‫مبسطة‪ ،‬وتقريرات مفصلة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬معرفة وقت الظهر عن طريق الحساب‪:‬‬
‫وهي طريقة حساب شروق الشمس وغروبها بمعلومية وقت الشروق‬
‫والغروب‪:‬‬
‫إذا أردنا الرجوع إلى القواعد الفلكية في ذلك لضبط المؤقت بما يسمى‬
‫اليوم بالساعة والدقيقة‪ ،‬فإن هناك قاعدة كلية في ذلك وهي كما قال العالمة عبد‬
‫الواسع بن يحيى الواسعي رحمه الله‪:‬‬
‫«واعلم أنك إذا أردت أن تعرف ساعات الظهر بقاعدة كلية فاعرف كم‬
‫ساعات الليل‪ ،‬ثم خذ نصف الباقي وضم إليه خمس دقائق (فيء الزوال) ثم‬
‫ضم الجميع إلى جملة ساعات الليل‪ ،‬ستجد ذلك وقت ساعة الظهر ودقائقه‬
‫وهذه الخمس الدقائق هي الزيادة لفيء الزوال لخروج الوقت المكروه»(‪.(١‬‬
‫ولبيان ذلك نقول عليك اتباع الخطوات التالية‪:‬‬
‫عليك أن ترقب غروب الشمس ثم ترصد ذلك وكذا طلوعها وترصده‬
‫أيض ًا؛ عند ذلك تعرف كم ساعات الليل‪.‬‬

‫(‪ (١‬كنز الثقات يف علم األوقات صفحة (() ط‪ ،‬اخلامسة‪ ،‬مطبعة حجازي بالقاهرة سنة‪،‬‬
‫‪١3٦7‬هـ‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪40‬‬

‫بعد أخذ ساعات الليل فإنه سيتبين لك ساعات النهار‪ ،‬وذلك بطرح‬
‫ساعات الليل من ‪ (4‬ساعات اليوم كامالً‪.‬‬
‫بعد معرفة ساعات الليل وساعات النهار نأخذ ساعات النهار ونقسمها‬
‫على «(» اثنين ونضيفها إلى ساعات الليل‪.‬‬
‫نضيف إلى كل ذلك خمس دقائق‪ ،‬وهي التي تمثل الخروج من وقت‬
‫الزوال المكروه‪ ،‬وناتج الكل هو بداية وقت الظهر‪ ،‬وتبدأ العدَّ من وقت‬
‫الغروب‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪:‬‬
‫وقت غروب الشمس ‪.٦:40‬‬
‫وقت شروق الشمس ‪.5:(0‬‬
‫ناتج مجموع ساعات الليل ‪.١0:40‬‬
‫المتبقي من ساعات اليوم والذي يتكون من ‪ (4‬ساعة هو ‪ ١3:(0‬وهي‬
‫ساعات النهار‪.‬‬
‫نقسم هذا المتبقي من ساعات النهار على اثنين فينتج ‪ ٦:40‬وهو نصف‬
‫ساعات النهار‪.‬‬
‫نجمع ناتج القسمة السابق مع ساعات الليل‪ ،‬فينتج ‪ ١7:(0‬حاصل جمع‬
‫ساعات الليل مع نصف ساعات النهار‪.‬‬
‫نضيف إلى كل ذلك خمس دقائق للخروج من فيء الزوال ‪ ١7:(5‬عند‬
‫ذلك نكون قد خرجنا بساعات ودقائق وقت الظهر وهي ‪.١7:(5‬‬
‫‪41‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫نبدأ العدّ من وقت غروب الشمس (‪ )٦:40‬فحيث وصل بنا العدّ َف َث ّم‬
‫وقت الظهر‪ ،‬فيوافق الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق ‪.١(:5‬‬
‫مالحظة‪:‬‬
‫ال يقال إنه قد يختلف وقت الظهر من فصل إلى آخر فكيف تجعل وقته‬
‫محدد ًا؛ ألنا نقول نحن اعتمدنا على مدار الشمس واعتبار طول الليل والنهار‬
‫وقصرهما‪ ،‬أو طول أحدهما وقصر اآلخر‪ ،‬وذلك بحساب وقت الغروب‬
‫والشروق وهذا يحتم علينا أن نجري الحساب مرة أخرى في كل فصل لمعرفة‬
‫اختالفهما‪ ،‬بل كل يوم؛ ألن الشمس كل يوم تشرق من مكان غير المكان الذي‬
‫أشرقت منه في اليوم السابق‪.‬‬
‫وأبسط من ذلك‪:‬‬
‫أن تقسم ساعات النهار نصفين فهذا هو وقت الزوال‪ ،‬فإذا قدرنا أن‬
‫الشمس تطلع في الساعة السادسة وتغيب في الساعة السادسة‪.‬‬
‫فالزوال‪ :‬الساعة الثانية عشرة‪ ،‬وإذا كانت تخرج في الساعة السابعة‪،‬‬
‫وتغيب في الساعة السابعة‪ ،‬فالزوال الساعة الواحدة وهكذا(‪ ،(١‬ثم تزيد خمس‬
‫دقائق للخروج من وقت الكراهة‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬معرفة وقت الظهر بطريق حساب خطوط الطول وفارق التوقيت‪:‬‬
‫وإذا أردنا معرفة وقت الظهر عن طريق معرفة خطوط الطول للبلدان‬
‫والزمن المعدل لها فإنه يكون عن طريق الخطوات التالية‪:‬‬

‫(‪ (١‬انظر الرشح املمتع (‪.9٦/‬‬


‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪42‬‬

‫* معرفة معادلة وقت الظهر وهي‪:‬‬


‫(‪ + ١‬فرق خط الطول ( س ) ‪ -‬معادلة الزمن‪.‬‬
‫معنى المعادلة‪:‬‬
‫(‪ ١‬هو‪ :‬رقم ثابت يم ِّثل منتصف اليوم‪.‬‬
‫فرق خط الطول ( بالساعات) هو‪:‬‬
‫حاصل معادلة خط الطول األوسط (وهو فارق التوقيت بين بلدك‬
‫وجرنتش بالساعات) و ُيعرف بمعادلة سنعرفها بعد قليل‪ ،‬وحاصلها ضرب‬
‫فارق التوقيت في ‪( ١5‬وفارق التوقيت هو مقدار اختالف التوقيت بين بلدك‬
‫وساعة جرنتش)‪.‬‬
‫ثم نطرح منه(أي من حاصل الضرب السابق)‪ ،‬خط طول الموقع الجغرافي‬
‫للبلد المراد معرفة وقت الصالة فيه‪.‬‬
‫ثم نقسم الناتج على ‪ ،١5‬ومن ثم نضرب الحاصل في ‪ ٦0‬وهي عدد‬
‫دقائق الساعة‪ ،‬فالناتج هو فارق خط الطول المطلوب في المعادلة‪.‬‬
‫حيث إن‪:‬‬
‫(‪Time‬‬ ‫(‪(١‬‬
‫فرق خط الطول‪ :‬قسمت الكرة األرضية إلى حزم زمنية‬
‫‪ ،)Zones‬عرض الواحد منها ‪ ١5‬درجة ولكل حزمة زمنية خط طول يسمى خط‬
‫الطول األوسط‪ ،‬حيث تفترض جميع الدول الواقعة ضمن حزمة زمنية معينة أن‬
‫خط طولها يساوي خط الطول األوسط لهذه الحزمة الزمنية‪ ،‬وهذا االفتراض‬
‫سيؤدي لوجود فرق زمني بين الوقت الحقيقي للمنطقة وبين الوقت المعتمد‪،‬‬

‫(‪ (١‬السامء يف الليل ‪ ١54‬د‪ .‬عيل عبده‪ ،‬و د‪ .‬عبدالقادر عابد‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ -‬بريوت‪،‬‬
‫‪١985‬م‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫ويسمى هذا الفرق بفرق خط الطول‪ ،‬ويمكن الحصول على قيمة فرق خط‬
‫الطول من المعادلة التالية‪:‬‬
‫فرق خط الطول (بالساعات)= (خط الطول األوسط ‪ -‬خط طول الموقع)‬
‫‪١5‬‬
‫* وأما معادلة الزمن فهي‪:‬‬
‫فارق الوقت الحقيقي لدوران الشمس في مسارها السنوي‪ ،‬والوقت‬
‫المتوسط الذي قرره علماء الفلك لسيرها في ذلك المسار على مدار العام‪،‬‬
‫ولمعرفة ذلك طريقان‪ :‬األولى‪ :‬عن طريق الجدول‪ .‬والثاني‪ :‬عن طريق‬
‫استخراجها بمعادالت رياضية‪ ،‬ويحسب الناتج في القانون بالدقائق‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬تطبيق القانون بعد أن أوجدنا قيمه‪:‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫وقت صالة الظهر ليوم ‪ 9‬ديسمبر في دولة الكويت‪.‬‬
‫المطلوب للحل هو‪:‬‬
‫‪ -١‬معرفة القانون وهو‪ + ١( :‬فرق خط الطول (س) ‪ -‬معادلة الزمن‪.‬‬
‫(‪ -‬معرفة خط طول البلد الحقيقي وهو‪ 48 :‬خط طول الكويت‪.‬‬
‫‪ -3‬معرفة خط الطول األوسط وهو‪ :‬فارق التوقيت المدني بين الكويت‬
‫وخط جرنتش‪ ،‬ويعرف باآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬معرفة كم فارق الوقت بالساعة بين الكويت وجرنتش وهو ‪ 3‬ساعات‬
‫موجب‪.‬‬
‫‪ -‬نقوم بضرب فارق الوقت ‪ 3‬في ‪ ١5‬وهو رقم التحويل بين الوقت‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪44‬‬

‫وخطوط الطول‪.‬‬
‫‪ -‬الحاصل من الضرب السابق هو خط الطول األوسط ويساوي ‪.45‬‬
‫‪ -4‬نقوم بالمعادلة التالية لنعرف فارق التوقيت بين خط الطول الحقيقي‬
‫وخط الطول األوسط‪:‬‬
‫فرق خط الطول (بالساعات)= (خط الطول األوسط ‪ -‬خط طول الموقع)‬
‫‪١5‬‬
‫فرق خط الطول (بالساعات)= (‪3- = (48 - 45‬‬
‫‪١5‬‬
‫= ‪0.( -‬‬ ‫‪3-‬‬ ‫فرق خط الطول (بالساعات)=‬
‫‪١5‬‬
‫‪ ١( - = ٦0 × 0.(-‬دقيقة سالب هو فارق خط الطول بالدقائق‪.‬‬

‫ال بد من مالحظة أن الناتج كان بالسالب‪.‬‬


‫‪-5‬معرفة معادلة الزمن وتعرف بالدخول على اليوم المراد من خالل‬
‫الجدول المعد لها كما سيأتي قريب ًا وهي‪. 9.3 :‬‬
‫‪45‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫جدول معادلة الزمن وامليل االستوائي للشمس‬


‫وال ختتلف هذه القيم من عام آلخر بنسب كبرية وتعطي قي ًام تقريبية‪:‬‬

‫امليل‬ ‫معادلة‬ ‫امليل‬ ‫معادلة‬


‫اليوم‬ ‫الشهر‬ ‫اليوم‬ ‫الشهر‬
‫االستوائي‬ ‫الزمن‬ ‫االستوائي‬ ‫الزمن‬
‫‪(3.١‬‬ ‫‪3.9-‬‬ ‫‪١‬‬ ‫‪(3-‬‬ ‫‪3.(-‬‬ ‫‪١‬‬

‫‪((.7‬‬ ‫‪4.٦-‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪((.7-‬‬ ‫‪5.١-‬‬ ‫‪5‬‬

‫(‪((.‬‬ ‫‪5.4-‬‬ ‫‪١0‬‬ ‫‪((-‬‬ ‫‪7.3-‬‬ ‫‪١0‬‬


‫يوليو‬

‫يناير‬
‫‪(١.4‬‬ ‫‪٦-‬‬ ‫‪١5‬‬ ‫‪(١.(-‬‬ ‫‪9.(-‬‬ ‫‪١5‬‬

‫‪(0.٦‬‬ ‫‪٦.3-‬‬ ‫‪(0‬‬ ‫‪(0.(-‬‬ ‫‪١0.8-‬‬ ‫‪(0‬‬

‫‪١9.5‬‬ ‫‪٦.5-‬‬ ‫‪(5‬‬ ‫‪١9.١-‬‬ ‫‪١(.(-‬‬ ‫‪(5‬‬

‫‪١7.9‬‬ ‫‪٦.3-‬‬ ‫‪١‬‬ ‫‪١7.(-‬‬ ‫‪١3.5-‬‬ ‫‪١‬‬

‫‪١٦.8‬‬ ‫‪5.9-‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪١٦.١-‬‬ ‫‪١3.9‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪١5.4‬‬ ‫‪5.3-‬‬ ‫‪١0‬‬ ‫‪١4.5-‬‬ ‫‪١4.(-‬‬ ‫‪١0‬‬


‫أغسطس‬

‫فرباير‬

‫‪١3.9‬‬ ‫‪4.4-‬‬ ‫‪١5‬‬ ‫‪١(.8-‬‬ ‫‪١4.(-‬‬ ‫‪١5‬‬

‫‪١(.3‬‬ ‫‪3.3-‬‬ ‫‪(0‬‬ ‫‪١١.١-‬‬ ‫‪١3.8-‬‬ ‫‪(0‬‬

‫‪١0.٦‬‬ ‫‪(-‬‬ ‫‪(5‬‬ ‫‪9.3-‬‬ ‫‪١3.(-‬‬ ‫‪(5‬‬

‫‪8.١‬‬ ‫‪١‬‬ ‫‪١‬‬ ‫‪7.4-‬‬ ‫‪١(.3-‬‬ ‫‪١‬‬

‫‪٦.٦‬‬ ‫‪١.4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪5.9-‬‬ ‫‪١١.4-‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪4.8‬‬ ‫‪3.١‬‬ ‫‪١0‬‬ ‫‪3.9-‬‬ ‫‪١0.(-‬‬ ‫‪١0‬‬


‫سبتمرب‬

‫مارس‬

‫‪(.8‬‬ ‫‪4.9‬‬ ‫‪١5‬‬ ‫‪١.9-‬‬ ‫‪8.9-‬‬ ‫‪١5‬‬

‫‪0.9‬‬ ‫‪٦.7‬‬ ‫‪(0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪7.4-‬‬ ‫‪(0‬‬

‫‪١-‬‬ ‫‪8.4‬‬ ‫‪(5‬‬ ‫(‬ ‫‪5.9-‬‬ ‫‪(5‬‬


‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪46‬‬

‫امليل‬ ‫معادلة‬ ‫امليل‬ ‫معادلة‬


‫اليوم‬ ‫الشهر‬ ‫اليوم‬ ‫الشهر‬
‫االستوائي‬ ‫الزمن‬ ‫االستوائي‬ ‫الزمن‬
‫‪3.4-‬‬ ‫‪١0.4‬‬ ‫‪١‬‬ ‫‪4.7‬‬ ‫‪3.8-‬‬ ‫‪١‬‬

‫‪4.9-‬‬ ‫‪١١.7‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪٦.3‬‬ ‫‪(.٦-‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪٦.8-‬‬ ‫‪١3.١‬‬ ‫‪١0‬‬ ‫‪8.١‬‬ ‫‪١.(-‬‬ ‫‪١0‬‬

‫أكتوبر‬

‫أبريل‬
‫‪8.7-‬‬ ‫‪١4.3‬‬ ‫‪١5‬‬ ‫‪9.9‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪١5‬‬

‫‪١0.5-‬‬ ‫‪١5.3‬‬ ‫‪(0‬‬ ‫‪١١.7‬‬ ‫(‪١.‬‬ ‫‪(0‬‬

‫‪١(.3-‬‬ ‫‪١٦‬‬ ‫‪(5‬‬ ‫‪١3.3‬‬ ‫‪(.١‬‬ ‫‪(5‬‬

‫‪١4.٦-‬‬ ‫‪١٦.4‬‬ ‫‪١‬‬ ‫(‪١5.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪١‬‬

‫‪١5.8-‬‬ ‫‪١٦.4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪١٦.4‬‬ ‫‪3.3‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪١7.3-‬‬ ‫‪١٦.١‬‬ ‫‪١0‬‬ ‫‪١7.7‬‬ ‫‪3.٦‬‬ ‫‪١0‬‬


‫نوفمرب‬

‫مايو‬
‫‪١8.٦-‬‬ ‫‪١5.4‬‬ ‫‪١5‬‬ ‫‪١9‬‬ ‫‪3.7‬‬ ‫‪١5‬‬

‫‪١9.8-‬‬ ‫‪١4.3‬‬ ‫‪(0‬‬ ‫‪(0.١‬‬ ‫‪3.5‬‬ ‫‪(0‬‬

‫‪(0.8-‬‬ ‫‪١(.9‬‬ ‫‪(5‬‬ ‫‪(١‬‬ ‫‪3.١‬‬ ‫‪(5‬‬

‫‪(١.9-‬‬ ‫‪١0.9‬‬ ‫‪١‬‬ ‫‪((.١‬‬ ‫(‪(.‬‬ ‫‪١‬‬

‫‪((.4-‬‬ ‫‪9.3‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪((.٦‬‬ ‫‪١.5‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪(3-‬‬ ‫‪7.١‬‬ ‫‪١0‬‬ ‫‪(3‬‬ ‫‪0.5‬‬ ‫‪١0‬‬


‫ديسمرب‬

‫يونيه‬

‫‪(3.3-‬‬ ‫‪4.8‬‬ ‫‪١5‬‬ ‫‪(3.3‬‬ ‫‪0.5-‬‬ ‫‪١5‬‬

‫‪(3.4-‬‬ ‫‪(.3‬‬ ‫‪(0‬‬ ‫‪(3.4‬‬ ‫‪١.٦-‬‬ ‫‪(0‬‬

‫‪(3.4-‬‬ ‫‪0.(-‬‬ ‫‪(5‬‬ ‫‪(3.4‬‬ ‫‪(.٦-‬‬ ‫‪(5‬‬

‫نقوم بتطبيق القانون وهو كالتالي‪:‬‬


‫(‪ ١‬س ‪ +‬فرق خط الطول ( س ) ‪ -‬معادلة الزمن‬
‫(‪١‬س ‪ ١( -‬د ‪ 9.3 -‬د = ‪١١‬س و ‪ 39‬د و ‪ 3‬ث ( ‪ ) ١١.39.3‬وهو‬
‫وقت الظهر المطلوب‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫ال بدَّ من المالحظة أننا عدَّ لنا بتطبيق القانون حيث هو ينص على أن يكون‬
‫(‪ + ١‬فارق خط الطول وهو ‪ ،١(-‬ولكننا جعلنا المعادلة بالسالب فكانت‬
‫كالتالي‪١( :‬س ‪١( -‬د؛ وذلك ألن (‪ ١‬كانت بالسالب‪.‬‬
‫وضربنا ‪ + × -‬فكان الناتج ‪.-‬‬
‫وأيضا ال بد من مالحظة أننا حسبنا فارق التوقيت في القانون دقائق‪،‬‬
‫وكذلك معادلة الزمن حسبناها بالدقائق‪ ،‬وأنقصناها من (‪١‬ساعة كما في‬
‫القانون‪.‬‬
‫مثال آخر‪:‬‬
‫المطلوب وقت صالة الظهر ليوم ‪ ١‬يناير في مدينة صنعاء؟‬
‫مطلوبات الحل‪:‬‬
‫خط طول صنعاء وهو (‪44.‬‬
‫خط الطول األوسط وهو ‪.45 =١5×3‬‬
‫فارق خط الطول األوسط عن الحقيقي هو ‪ ١5/ 44.( - 45‬ضرب‬
‫‪3.١9 = ٦0‬‬
‫معرفة معادلة الزمن وهي ‪3.(-‬‬
‫نطبق القانون كما يلي‪:‬‬
‫(‪١(.0.١7 = 3.( - 3.١9 + ١‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪48‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬معرفة وقت الظهر عن طريق ظل الشمس(‪:(١‬‬


‫وإذا أردت معرفة وقت الظهر بطريقة الشاخص مع الدائرة بطريقة عملية‪،‬‬
‫فعليك أن تتبع الخطوات اآلتية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تبحث عن سطح مستو تمام ًا ثم ترسم عليه دائرة‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬تبحث عن شاخص مستقيم ويكون طوله نصف محيط الدائرة‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬تضع الشاخص في مركز الدائرة غير مائل عنه‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬عند وصول ظل الشاخص إلى محيط الدائرة تُع ِّلم على محيطها‬
‫ويكون ذلك قبل وقت الظهر بزمن‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬تنتظر إلى أن يصل ظل الشاخص إلى محيط الدائرة المقابل‬
‫لألول ويكون ذلك بعد الظهر بزمن يقرب من العصر‪ ،‬وتُع ِّلم على محيطها‪.‬‬
‫سادس ًا‪ :‬تصل بين العالمتين بوتر مستقيم‪.‬‬
‫سابع ًا‪ :‬تنصف الوتر ثم ترسم قطر ًا لهذه الدائرة ابتدا ًء من مركزها يمر‬
‫بمنتصف الوتر ويصل إلى محيطها‪ ،‬وهذا القطر يشير إلى الشمال الحقيقي أو‬
‫الشمال الجغرافي‪ ،‬ويسميه علماء الفلك خط االستواء‪ ،‬أي استواء الشمس في‬
‫كبد السماء‪ ،‬ولو مددته من المركز إلى محيط الدائرة المقابل فإن الخط سيمثل‬
‫منتصف النهار عند الفكليين‪.‬‬

‫(‪ (١‬ذكر معنى هذه الطريقة عدد من الفلكيني القدماء منهم البتاين يف كتابه الزيج الصابئ‬
‫ص‪ .١9‬والبريوين يف كتابه إفراد املقال يف أمر الظالل‪ .‬وهذه الطريقة هي ما سوف يطلق‬
‫عليه بعد أقل من قرن (طريقة الدائرة اهلندية)‪ ،‬انظر‪ :‬علم الفلك الرشعي للدكتور‬
‫الفلكي جالل الدين خانجي صـ ‪.٦9‬‬
‫‪49‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫مالحظة‪:‬‬
‫هذا الخط (خط االستواء) إذا وصلت الشمس وكانت عليه تمام ًا فإن‬
‫الوقت حينئذ وقت استواء الشمس في كبد السماء‪ ،‬لذلك سمي خط االستواء‪.‬‬
‫ثامن ًا‪ِّ :‬‬
‫نقسم خط االستواء إلى أقسام متساوية بحسب ما نتوقع أن يصل‬
‫فيء الزوال إليه‪.‬‬
‫تاسع ًا‪ :‬عند مشاهدتك ظل الشاخص على سمت خط االستواء فإن طول‬
‫هذا الظل وقصره على الخط هو فيء الزوال‪ ،‬ألن الشمس في ذلك الوقت في‬
‫كبد السماء والمفترض أن ال ظل للشاخص؛ ألن الشمس عمودية على األشياء‪،‬‬
‫فالظل الموجود حينذاك إذ ًا هو فيء الزوال فاعرفه‪ ،‬واعرف موقع وصوله على‬
‫الخط في أي قس ٍم منه‪.‬‬
‫عاشر ًا‪ :‬بخروج ظل الشاخص وميالنه عن سمت خط االستواء نحو‬
‫الشرق يكون أول وقت الظهر قد بدأ‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪50‬‬

‫ثم ال بد من معرفة أن مسار الشمس يختلف من فصل آلخر‪ ،‬وبسببه يتغير‬


‫فيء الزوال زيادة أو نقصان ًا‪ ،‬انظر األشكال‪ )4( ،)3( ،)(( ،)١( :‬اآلتية‪:‬‬

‫الشكل (‪ )١‬منظر جانبي وعلوي لمسار الشمس‬


‫‪51‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫* ظل الزوال والفصول‪:‬‬
‫يتعلق طول ظل الزوال (وهو أقصر طول للظل في يوم ما)‪ ،‬بارتفاع‬
‫الشمس وقت الزوال‪ ،‬ونظر ًا الختالف ارتفاع الشمس وقت الزوال من يوم‬
‫إلى آخر‪ ،‬يختلف تبعا لذلك طول ظل الزوال‪ ،‬فيبدو طويال في الشتاء‪ ،‬قصيرا‬
‫في الصيف‪ ،‬ويختلف باختالف الفصول‪ ،‬فيأخذ أكبر طول له في يوم االنقالب‬
‫الشتوي‪ ،‬وأقصر طول له في يوم االنقالب الصيفي‪ ،‬انظر الشكلين (‪:((( ،)١‬‬

‫الشكل (() يبين ظل الزوال في فصلي الشتاء والصيف‪.‬‬


‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪52‬‬

‫الشكل (‪ )3‬يبين ارتفاع الشمس عبر مختلف الفصول‬

‫الشكل (‪ )4‬يبين طول الفيء بمختلف الفصول‬


‫‪53‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫وفيما يلي رسم توضيحي يبين كيف يمكن أن نعرف وقت الظهر وفيئ‬
‫الزوال عن طريق ظل الشمس‪:‬‬

‫شكل (‪(5‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪54‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬وقت صالة العرص‬

‫* تعريف العصر‪:‬‬
‫العصر‪ :‬الدهر‪ ،‬قال الله تعالى‪ :‬ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭼ‬
‫الفراء‪ :‬العصر الدهر أقسم الله تعالى به‪ ،‬وقال ابن عباس‪:‬‬
‫[العصر‪ ،]( - ١ :‬قال َّ‬
‫العصر ما يليه المغرب من النهار‪ ،‬وقال قتادة‪ :‬هي ساعة من ساعات النهار(‪(١‬؛‬
‫والعصر‪ :‬الوقت في آخر النهار إلى احمرار الشمس(((‪.‬‬
‫وفي المعجم‪ ( :‬عصر ) العين والصاد والراء أصول ثالثة صحيحة فاألول‬
‫دهر وحين‪ ،‬والثاني ضغط شيء حتى يتحلب‪ ،‬والثالث تعلق بشيء وامتساك به‪.‬‬
‫فاألول‪ :‬العصر وهو الدهر‪ ،‬قال الله‪ :‬ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖﭼ [العصر‪ ،]( - ١ :‬قال الخليل‪ :‬والعصران الليل والنهار‪ ،‬قالوا وبه سميت‬
‫صالة العصر ألنها تعصر‪ ،‬أي تؤخر عن الظهر؛ والغداة والعشي يسميان‬
‫العصرين(‪.(3‬‬
‫وقال في الكليات‪ :‬العصر‪ :‬الدهر‪ ،‬واليوم‪ ،‬والليلة‪ ،‬والعشاء‪ ،‬إلى احمرار‬

‫(‪ (١‬اللسان ‪.575 / 4‬‬


‫((( املعجم الوسيط (‪ ،٦04 /‬تأليف‪ :‬إبراهيم مصطفي‪ ،‬أمحد الزيات‪ ،‬حامد عبد القادر‪،‬‬
‫حممد النجار‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار الدعوة‪ ،‬حتقيق‪ :‬جممع اللغة العربية‪.‬‬
‫(‪ (3‬معجم مقاييس اللغة‪ 340 / 4،‬تأليف‪ :‬أيب احلسني أمحد بن فارس بن زكريا‪ ،‬دار النرش‪:‬‬
‫دار اجليل‪ -‬بريوت‪ -‬لبنان‪١4(0 -‬هـ‪١999 -‬م‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد السالم‬
‫حممد هارون‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الشمس(‪.(١‬‬
‫كما رأينا فإن لفظ العصر يطلق على عدة معان‪ ،‬ولكن المقصود هنا هو‬
‫الوقت في آخر النهار إلى احمرار الشمس الذي تكون فيه الفريضة المعروفة‪.‬‬
‫* أول وقت صالة العصر‪:‬‬
‫يبدأ وقت العصر عند الجمهور عند مصير ظل كل شيء مثله سوى فيء‬
‫الزوال(((‪.‬‬
‫وأما عند الحنفية َّ‬
‫فلخص الكاساني اختالفهم فقال‪ :‬وأما أول وقت‬
‫العصر فعلى االختالف الذي ذكرنا في آخر وقت الظهر‪ ،‬حتى روي عن أبي‬
‫يوسف أنه قال‪ :‬خالفت أبا حنيفة في وقت العصر فقلت‪ :‬أوله إذا دار الظل على‬
‫قامة اعتمادا على اآلثار التي جاءت‪ (3(.‬فأبو حنيفة إذ ًا يرى أن بداية وقت العصر‬
‫يكون عند مصير ظل كل شيء مثليه(‪.(4‬‬
‫وقد وردت روايات كثيرة في الوقت الذي تصلى فيه‪ ،‬ففي حديث جبريل‬
‫عند مصير ظل الشيء مثله‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪ُ :‬ث َّم صلى ا ْل َع ْص َر حين‬
‫كان ك ُُّل َش ْي ٍء ِم ْث َل ظِ ِّل ِه‪ ،‬وهذا واضح‪ ،‬والمقصود بعد إخراج فيء الزوال‪ ،‬فقد‬
‫الشر ِ‬
‫اك‬ ‫روى النسائي هذا الحديث وزاد ( ُث َّم صلى ا ْل َع ْص َر حين كان ا ْل َف ْي ُء َقدْ َر ِّ َ‬
‫الر ُج ِل)(‪.(5‬‬ ‫ِ‬
‫َوظ ِّل َّ‬
‫(‪ (١‬الكليات معجم يف املصطلحات والفروق اللغوية ‪ ،٦5( /١‬تأليف‪ :‬أيب البقاء أيوب بن‬
‫موسى احلسيني الكفوي‪ ،‬دار النرش‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪-‬بريوت ‪١4١9-‬هـ ‪١998-‬م‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عدنان درويش ‪ -‬حممد املرصي‪.‬‬
‫((( انظر منح اجلليل ‪ ،١80/١‬ومغني املحتاج ‪ ،(99/١‬ومغني ابن قدامة ‪.4١7/١‬‬
‫(‪ (3‬بدائع الصنائع ‪.١(3 / ١‬‬
‫(‪ (4‬انظر االختيار لتعليل املختار‪.38/١‬‬
‫(‪ (5‬املجتبى من السنن‪ ،(٦١ /١ ،‬تأليف‪ :‬أمحد بن شعيب أيب عبد الرمحن النسائي‪ ،‬دار =‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪56‬‬

‫وورد أنه صلى العصر والشمس بيضاء نقية(‪ ،(١‬وورد أيض ًا أنه صالها‬
‫الش ْم ُس ُم ْرت َِف َع ٌة َب ْي َضا ُء ن َِق َّي ٌة(((‪ .‬وورد عن أبي بردة أنه قال‪ :‬كان َ ُي َص ِّلي النبي‬ ‫َو َّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ا ْل َع ْص َر ُث َّم َي ْر ِج ُع َأ َحدُ نَا إ َلى َر ْح ِل ِه في َأ ْق َصى ا ْل َم ِدين َِة‬
‫الش ْم ُس َح َّي ٌة(‪ ،(3‬وورد أنه كان ُي َص ِّلي ا ْل َع ْص َر َو َّ‬
‫الش ْم ُس بيضاء َح َّي ٌة‪َ ،‬و َح َيات َُها‬ ‫َو َّ‬
‫َأ ْن تجد َح َّر َها(‪.(4‬‬
‫فالناظر لهذه الروايات وغيرها قد يتوهم فيها التعارض‪ ،‬وليست كذلك‬
‫فإن كل هذه الروايات تفيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها في وقتها‪،‬‬
‫ويؤخرها أخرى‪ ،‬كما كان يصنع ابن عمر فيما روى‬ ‫ِّ‬ ‫يعجلها مرة‬
‫ولكنه كان ِّ‬
‫الش ْم ُس بيضا ُء ن َِق َّي ٌة ُي َع ِّج ُل َها َم َّرةً‪،‬‬
‫نَافِع عنه قال‪ :‬كان ابن ُع َم َر ُي َص ِّلي ا ْل َع ْص َر َو َّ‬
‫َو ُي َؤ ِّخ ُر َها ُأ ْخ َرى(‪.(5‬‬
‫وكل تلك الروايات ليس فيها تصريح بأول وقتها‪ ،‬وغاية ما فيها أنه كان‬
‫يصليها في تلك األوقات‪ ،‬أما أول وقتها فقد ورد التصريح به في حديث جبريل‬

‫= النرش‪ :‬مكتب املطبوعات اإلسالمية‪ -‬حلب‪ ،١98٦ -١40٦ -‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫عبد الفتاح أبو غدة‪.‬‬
‫(‪ (١‬السنن الكربى‪ ،4٦9/١‬تأليف‪ :‬أمحد بن شعيب أيب عبد الرمحن النسائي‪ ،‬دار النرش‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ -‬بريوت‪ ،١99١ -١4١١ -‬الطبعة‪ :‬األوىل‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪.‬عبد الغفار‬
‫سليامن البنداري‪ ،‬سيد كرسوي حسن‪.‬‬
‫((( سنن ابن ماجه‪ ،(١9/١‬تأليف‪ :‬حممد بن يزيد أيب عبداهلل القزويني‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار‬
‫الفكر‪ -‬بريوت‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬
‫(‪ (3‬املصنف يف األحاديث واآلثار‪ ،(8١/١‬تأليف‪ :‬أيب بكر عبد اهلل بن حممد بن أيب شيبة‬
‫الكويف‪ ،‬دار النرش‪ :‬مكتبة الرشد‪ -‬الرياض‪ ،١409 -‬الطبعة‪ :‬األوىل‪ ،‬حتقيق‪ :‬كامل‬
‫يوسف احلوت‪.‬‬
‫(‪ (4‬املصدر السابق ‪.(88 /١‬‬
‫(‪ (5‬املصدر السابق ‪.(88 /١‬‬
‫‪57‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫السابق‪ ،‬ال سيما أنه صلى به في يومين متتاليين‪ ،‬مبين ًا أول الوقت في اليوم‬
‫األول‪ ،‬وآخره في اليوم الثاني‪ ،‬حيث قال‪ :‬يا محمد هذا و ْقت ْاألَنْبِي ِ‬
‫اء من َق ْب ِل َك‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫يما بين َه َذ ْي ِن ا ْل َو ْق َت ْي ِن‪ ،‬ال سيما وهذا الحديث ورد لبيان بدايات أول‬‫ِ‬
‫َوا ْل َو ْق ُت ف َ‬
‫(‪(١‬‬
‫أوقات الصالة‪ ،‬ونهاياتها‪.‬‬
‫* آخر وقت صالة العصر‪:‬‬
‫أما عن آخر وقتها‪ :‬فقد اختلف الفقهاء فيه أيض ًا‪ :‬فمن قائل آخرها إلى أن‬
‫يصير ظل كل شيء مثليه(((‪ ،‬ومن قائل إلى غروب الشمس(‪ ،(3‬ومن قائل إن‬
‫لها وقت اختيار‪ ،‬وهو إلى ظل المثلين‪ ،‬ووقت جواز أو ضرورة‪ ،‬وهو غروب‬
‫الشمس(‪.(4‬‬

‫(‪ (١‬يقول ابن حزم ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ -‬وهو يرجح قول اجلمهور ويضيف لنا فائدة يف معرفة‬
‫قدر الوقت ومقارنته‪ :‬والذي من أول الزوال إىل أن يبلغ ظل كل يشء مثله ‪-‬يف كل‬
‫زمان ومكان‪ -‬أكثر مما يف حني زيادة الظل عىل املثل إىل غروب الشمس‪ ،‬والذي أخذ به‬
‫كل طائفة أقل مما أخذنا ويف احلديث اآلخر «إنام بقي من النهار يشء يسري؟» نظر املحىل‬
‫(‪.(١0/‬‬
‫((( مذهب املالكية‪ ،‬ورواية عند احلنابلة‪ ،‬انظر مواهب اجلليل ‪ ،389/١‬مواهب اجلليل‬
‫لرشح خمترص خليل‪ ،‬تأليف‪ :‬حممد بن عبد الرمحن املغريب أيب عبد اهلل‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار‬
‫الفكر‪ -‬بريوت‪ ،١398 -‬الطبعة‪ :‬الثانية‪ .‬وانظر أيض ًا اإلنصاف يف معرفة الراجح من‬
‫اخلالف عىل مذهب اإلمام أمحد بن حنبل‪ ،433 /١‬تأليف‪ :‬عيل بن سليامن املرداوي أيب‬
‫احلسن‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب‪ -‬بريوت‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد حامد الفقي‪.‬‬
‫(‪ (3‬مذهب احلنفية‪ ،‬انظر بدائع الصنائع ‪.١(3 /١‬‬
‫(‪ (4‬مذهب الشافعية‪ ،‬ورواية عند احلنابلة‪ ،‬انظر كفاية األخياريف حل غاية االختصار‪،84 ١‬‬
‫تأليف‪ :‬تقي الدين أيب بكر بن حممد احلسيني احلصني الدمشقي الشافعي‪ ،‬دار النرش‪ :‬دار‬
‫اخلري‪ -‬دمشق‪ ،١994 -‬الطبعة‪ :‬األوىل‪ ،‬حتقيق‪ :‬عيل عبد احلميد بلطجي وحممد وهبي‬
‫سليامن‪ ،‬وانظر أيض ًا اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف عىل مذهب اإلمام أمحد بن‬
‫حنبل‪.433 /١‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪58‬‬

‫أما األولون فاستدلوا بحديث جبريل السابق‪ ،‬إذ فيه قوله‪َ :‬و َص َّلى ا ْل َم َّر َة‬
‫ال َّثانِ َي َة ا ْل َع ْص َر حين كان ظِ ُّل كل َش ْي ٍء ِم ْث َل ْي ِه‪ ،‬وهذا واضح‪ ،‬إذ أن حديث جبريل‬
‫غايته بيان أول الوقت وآخره‪.‬‬
‫وأما من أطال مدة العصر إلى غروب الشمس‪ ،‬فيستدل بما روى أبو هريرة‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم‪َ ،‬أ َّن ُه قال‪ :‬من َأ ْد َر َك َر ْك َع ًة من ا ْل َع ْص ِر قبل َأ ْن‬
‫الش ْم ُس َف َقدْ أدركها(‪ ،(١‬و ما روى ا ْب ُن ُع َم َر رضي ال َّل ُه عنهما عن النبي‬ ‫َت ْغ ُر َب َّ‬
‫الش ْم ُس ِم ْن َغ ْي ِر‬ ‫ِ‬
‫صلى الله عليه وسلم َأ َّن ُه قال‪َ « :‬م ْن ت ََر َك ا ْل َع ْص َر َحتَّى تَغ َ‬
‫يب َّ‬
‫ُع ْذ ٍر‪َ ،‬فك ََأن ََّما ُوتِ َر َأ ْه َل ُه َو َما َل ُه»(((‪.‬‬
‫فتكون هاتان الروايتان فيهما زيادة على ما في حديث جبريل‪ ،‬فيتعين‬
‫العمل بالزيادة ما لم تكن منافية‪.‬‬
‫أما من جعل لها وقت اختيار ووقت جواز أو ضرورة‪ ،‬فكأنه رام الجمع‬
‫بين الروايات‪ ،‬وهو جمع حسن إذ فيه العمل بجميع الروايات‪ ،‬والجمع أولى‬
‫من الترجيح ما أمكن‪ ،‬لكن ينبغي التنبه إلى أنهم جعلوا وقت الغروب وقت‬
‫ضرورة أو عذر؛ وعليه فإنه ال ينبغي تأخير الصالة إلى هذا الوقت بدون عذر أو‬
‫ضرورة‪ ،‬السيما أنه قد وردت روايات تبين أنها وقت صالة المنافق‪ ،‬فقد جاء‬
‫ول ال َّل ِه‬
‫َس بن َمالِ ٍك قال سمعت َر ُس َ‬ ‫عند أحمد كما في المسند من حديث َأن ِ‬
‫َث مر ٍ‬
‫ات َي ْج ِل ُس َأ َحدُ ُه ْم‬ ‫ِِ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬يقول‪ :‬تِ ْل َك َص َ‬
‫ال ُة ا ْل ُمنَافقي َن َثال َ َ َّ‬
‫(‪ (١‬أخرجه البخاري يف صحيحه ‪ (١١/١‬برقم ‪ ،554‬ومسلم ‪ 4(5/١‬برقم ‪٦08‬‬
‫وغريمها‪.‬‬
‫((( مل خيرجه هبذا اللفظ إال ابن أيب شيبة يف مصنفه ‪ 30١/١‬برقم ‪ ،3443‬وأمحد يف املسند‬
‫بزيادة متعمد ًا بدل قوله من غري عذر (‪١3/‬برقم‪ ،4٦(١‬وأخرجه الشيخان بدون قوله‬
‫حتى غربت الشمس من غري عذر‪ ،‬البخاري ‪ (03/١‬برقم ‪ ،5(7‬ومسلم ‪435/١‬‬
‫برقم ‪.٦(٦‬‬
‫‪59‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫َت بين قرني َشي َط ٍ‬


‫ان‪ ،‬قام َن َق َر َأ ْر َبع ًا الَ َي ْذك ُُر ال َّل َه‬ ‫ت َّ‬
‫الش ْم ُس َوكَان ْ‬ ‫حتى إذا اص َفر ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َّ‬
‫فيها اال َق ِليالً‪ ،(١(.‬وعند مسلم‪« :‬تلك صالة المنافق‪ ،‬يجلس يرقب الشمس حتى‬
‫إذا كانت بين قرني الشيطان‪ ،‬قام فنقرها أربعا‪ ،‬ال يذكر الله فيها إال قليال»‪.‬‬
‫(((‬

‫(‪ (١‬مسند أمحد ‪ 49١/١9‬برقم ‪ ،١(5١0‬وقال شعيب األرنؤوط‪ :‬إسناده صحيح عىل‬
‫رشط مسلم‪.‬‬
‫((( مسلم ‪434/١‬برقم ((‪.٦‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪60‬‬

‫حسابات الفلكيني لوقت صالة العرص‬

‫اعلم أن وقت العصر يبدأ عند مصير ظل الشيء مثله بعد إخراج فيء‬
‫الزوال‪ ،‬وبه يكون قد خرج وقت الظهر‪ ،‬هذا عند الجمهور كما هو معروف‪:‬‬
‫مالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وصاحبي أبي حنيفة؛ خالف ًا ألبي حنيفة كما هو‬
‫مشهور عنه؛ إذ يبدأ وقت العصر عنده عند مصير ظل كل شيء مثليه كما بينا‬
‫سابق ًا‪.‬‬
‫وهذا الوقت هو ما ُيع َّبر عنه عند الفلكيين بالدائر بين الظهر والعصر‪،‬‬
‫وهو ما يدوره الفلك من زوال الشمس إلى أن يزيد الظل قامة‪ ،‬أو قامتين على‬
‫الخالف السابق‪.‬‬
‫ووقت العصر ال يختلف فيه الناس كثير ًا نتيجة لوضوحه‪ ،‬وعلماء الفلك‬
‫قديما يقيسون وقته فلكي ًا عن طريق آلة الربع المجيب‪ ،‬ويحسبون سمت الرأس‬
‫يحولون الدرجات إلى دقائق‬
‫وزاوية الشمس كل ذلك بآلة الربع المجيب‪ ،‬ثم ِّ‬
‫بضرب الدرجة الواحدة في أربعة‪ ،‬وشرح ذلك يحتاج إلى آلة الربع المجيب‪.‬‬
‫(‪(١‬‬

‫(‪ (١‬هي آلة ربع دائرة وفيها تقسيامت وأرقام وشاقول ومؤرش‪ ،‬هبا يعرف ارتفاع الشمس‬
‫وميالهنا وغري ذلك‪ ،‬وأول من أدخلها للكويت كام ذكر أستاذنا الدكتور‪ :‬صالح العجريي‬
‫هو‪ :‬عبد الرمحن احلجي‪ ،‬وأخذها عنه أستاذنا العجريي واستعملها يف حسابات التقاويم‬
‫واالجتاهات واملسافات من سنة ‪١93٦‬م إىل سنة (‪١95‬م قبل استخدام اآلالت احلديثة‪.‬‬
‫وهلذه اآللة متون ورشوح عند علامئنا القدامى‪ .‬راجع رشح ثمرات الوسيلة‪ ،‬ملحمد‬
‫ياسني عيسى ص‪ 38‬وما بعدها‪ .‬وراجع كذلك آليل الظل الندية رشح الباكورة اجلنية‪،‬‬
‫ملحمد ابن يوسف اخلياط ص‪ 34‬وغريها‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫واأليسر أن يقتصر الناس على الظل‪ ،‬كما هو واضح من حديث جبريل‬


‫فال يدخل وقت العصر إال عند مصير ظل كل شيء أو ظل الشاخص مثله بعد‬
‫فيء الزوال وهذا واضح‪.‬‬
‫والفلكيون المعاصرون يقيسون وقته بمعرفة سمت الرأس‪ ،‬وحساب‬
‫زاوية الشمس بمعادالت حساب المثلثات كما سيأتي‪.‬‬
‫وسنتكلم عن طريقتين لمعرفة وقت العصر‪ ،‬األولى‪ :‬طريقة عملية تعتمد‬
‫على ظل الشمس وقياسه كما جاء في حديث جبريل‪ ،‬ولكن لمن كان يعرف‬
‫قياس الظل‪ ،‬ويعرف إخراج فيء الزوال‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬طريقة حسابية بحساب زاوية العصر وسمت الرأس‪ ،‬وخط‬
‫العرض عند الفلكيين المعاصرين وتحويلها للساعة والدقيقة‪.‬‬
‫الطريقة األولى‪ :‬معرفة العصر عن طريق ظل الشاخص أو الشمس‪:‬‬
‫فإنك تبني على ما سبق الخطوات اآلتية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬من المقرر عند الجمهور أن وقت العصر يدخل عند مصير ظل كل‬
‫شيء مثله‪ ،‬خالف ًا ألبي حنيفة فعنده يدخل عند مصير ظل كل شيء مثليه‪.‬‬
‫قسمناه إلى أقسام‪ ،‬وع َّلمنا على‬
‫ثاني ًا‪ :‬عرفنا مما سبق أن خط االستواء قد َّ‬
‫ظل فيء الزوال على ذلك الخط بقدر تلك التقسيمات‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬نقوم بعمل أقواس تسمى أقواس العصر وذلك خارج محيط الدائرة‬
‫جهة الشرق‪ ،‬بعد العالمة التي ع َّلمناها على محيط الدائرة سابق ًا عند مخرج‬
‫الظل‪ ،‬وهذه األقواس عددها بعدد التقسيمات في خط االستواء والمسافة بين‬
‫هذه األقواس هي أيض ًا نفس المسافة بين تلك التقسيمات على خط االستواء‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪62‬‬

‫رابع ًا‪ :‬عندما نريد معرفة وقت دخول العصر عن طريق ظل الشاخص فإن‬
‫المفترض أن يكون ظل الشاخص وقت دخول العصر مماس ًا لمحيط الدائرة؛‬
‫ألن طول الشاخص يساوي نصف محيطها وهو على مركزها‪ ،‬لكن يبقى لنا‬
‫فيء الزوال‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬لنخرج من فيء الزوال انظر كم قدره على خط االستواء وقت‬
‫وأض ْفه على ظل الشاخص الذي وصل إلى محيط الدائرة‬‫استواء الشمس ِ‬

‫ليخرج بذلك إلى أقواس العصر خارج الدائرة‪.‬‬


‫سادس ًا‪ :‬انظر إلى ظل الشاخص مع حساب زيادة فيء الزوال يكون بذلك‬
‫أول وقت العصر‪ ،‬ويكون الظل قد وصل إلى تلك األقواس خارج الدائرة‪،‬‬
‫ولتوضيح ذلك انظر الرسم السابق شكل (‪.(5‬‬

‫شكل ( ‪ ) ٦‬يبين وقت العصر وفيء الزوال‬


‫‪63‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الطريقة الثانية‪ :‬معرفة وقت العصر عن طريق خطوط الطول ودوائر‬


‫العرض وميل الشمس‪:‬‬
‫وإذا أردنا معرفة وقت العصر عن طريق ميل الشمس وموقع الراصد فإن‬
‫علينا أن نتبع الخطوات التالية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬المطلوب إيجاده‪:‬‬
‫‪ -١‬وقت الظهر لليوم المراد‪.‬‬
‫(‪ -‬خط عرض الموقع‪.‬‬
‫‪ -3‬الميل االستوائي للشمس‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬كيفية الحساب‪:‬‬
‫بعد معرفة خط عرض المدينة المراد الحساب لها‪ ،‬وكذلك معرفة ميل‬
‫الشمس االستوائي نقوم بتطبيق المعادلة التالية‪:‬‬
‫هـ = ‪ - 90‬جا‪( = 1-‬جا (خط العرض) × جا (الميل) ‪ +‬جتا (خط العرض) ×‬
‫جتا (الميل)‪.‬‬
‫وكيفية التطبيق بأن نقوم باآلتي‪:‬‬
‫‪ -١‬نقوم بالتعويض في القانون وذلك بإيجاد القيم‪.‬‬
‫(‪ -‬نقوم بإيجاد الجا أوالجتا للقيم‪.‬‬
‫‪ -3‬نضرب الناتج للقيم الجا مع الجا‪ ،‬والجتا مع الجتا‪ ،‬فينتج لنا ناتجان‪،‬‬
‫ناتج ضرب الجا مع الجا‪ ،‬وناتج ضرب الجتا مع الجتا‪.‬‬
‫‪ -4‬نجمع بين ناتج ضرب الجا مع الجا‪ ،‬والجتا مع الجتا‪.‬‬
‫‪ -5‬نوجد قيمة جا‪ ١-‬وذلك بضغط ‪ shift‬ثم ‪ sin‬على اآللة الحاسبة ينتج‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪64‬‬

‫قيمة الزاوية هـ‪.‬‬


‫‪ -٦‬ثم نطرح الناتج من ‪.90‬‬
‫‪ -7‬ثم ننظر على أي المذهبين نحسب‪ ،‬على مذهب الجمهور‪ ،‬أم على‬
‫مذهب األحناف على حسب المعادلتين التاليتين‪:‬‬
‫مذهب الجمهور‪:‬‬
‫س = ظا‪ + 1 ( 1-‬ظا ( هـ ) )‪.‬‬
‫مذهب أبي حنيفة‪:‬‬
‫س = ظا‪ + 2 ( 1-‬ظا ( هـ ) )‪.‬‬
‫حيث ستكون ( س ) هي زاوية سمت الرأس‪.‬‬
‫‪ -8‬فنبدأ بإيجاد قيمة ظا هـ‪ ،‬بالضغط على زر ‪ tan‬على اآللة الحاسبة‪ ،‬ثم‬
‫نجمعها مع رقم (‪ )١‬إن كنا سنحسب على مذهب الجمهور‪ ،‬ورقم (() إن كنا‬
‫سنحسب على مذهب الحنفية‪.‬‬
‫‪ -9‬ثم نأخذ الناتج ونوجد قيمة ظا‪ ١-‬وذلك بضغط على ‪ shift‬ثم ‪tan‬‬
‫على اآللة الحاسبة‪.‬‬
‫‪ -١0‬ينتج بعد ذلك قيمة (س) التي هي سمت الرأس‪.‬‬
‫‪ -١١‬نكون بذلك قد أوجدنا زاوية سمت الرأس‪ ،‬وبعد ذلك نطبق قانون‬
‫الحساب لصالة الفجر والعشاء كما فعلنا هناك‪ ،‬وفي نهاية المعادلة نجمع‬
‫الناتج مع وقت الظهر ينتج وقت العصر‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫مثال تطبيقي‪:‬‬
‫المطلوب‪ :‬إيجاد وقت صالة العصر لمدينة الكويت بتاريخ ‪ ١5‬يناير؟‬
‫أوالً‪ :‬المعطيات‪:‬‬
‫وقت الظهر لليوم المطلوب = ‪١١.57‬‬
‫خط العرض= ‪(9.33‬‬
‫ميل الشمس= ‪١(.(-‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬تطبيق المعادلة‪:‬‬
‫هـ = ‪ - 90‬جا‪ ( = ١-‬جا ( خط العرض ) × جا ( الميل ) ‪ +‬جتا ( خط‬
‫العرض ) × جتا ( الميل )‪.‬‬
‫هـ = ‪ - 90‬جا‪ ( = ١-‬جا (‪ × )(9.33‬جا (‪ + )(١.(-‬جتا (‪× ((9.33‬‬
‫جتا (‪.((١.(-‬‬
‫هـ = ‪ - 90‬جا‪× (0.87١8 ( + )0.3٦١٦-( × (0.4898( = ١-‬‬
‫(‪( 0.93(3‬‬
‫ناتج ضرب الجا مع الجا هو‪(0.١77١١-( :‬‬
‫ناتج ضرب الجتا مع الجتا هو‪(0.8١(77( :‬‬
‫نقوم اآلن بجمع الناتجين‪:‬‬
‫هـ = ‪ - 90‬جا‪(0.8١(77( + )0.١77١١-( = ١-‬‬
‫هـ ‪ - 90‬جا‪ ) 0.٦35٦٦ ( = ١-‬ثم نوجد قيمة جا‪ ١-‬لهذا الرقم ينتج‪:‬‬
‫جا‪ ) 39.4٦895( = ١-‬ثم ننقص هذا الناتج من ‪ 90‬كما يلي‪:‬‬
‫هـ = ‪(50.53١05( = ( 39.4٦895( -90‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪66‬‬

‫الزاوية هـ = (‪(50.53١05‬‬
‫مذهب الجمهور‪:‬‬
‫س = ظا‪ + ١ ( ١-‬ظا ( هـ ) )‪.‬‬
‫س= ‪(.(١443 = ١ + ١.(١443‬‬
‫س = ظا‪٦5.٦9٦90 = (.(١443 ١-‬‬
‫سمت الرأس هو = ‪٦5.٦9٦90‬‬
‫وبهذا العمل نكون قد أوجدنا عامل سمت الرأس‪ ،‬لندخل بعد ذلك‬
‫بمعادلة وقتي الفجر والعشاء كما يلي‪:‬‬
‫جتا الزاوية الساعية= جتا (سمت الرأس) ‪ -‬جا (خط العرض) × جا (الميل االستوائي)‬

‫جتا (خط العرض) × جتا (الميل االستوائي)‬

‫نقوم بالتعويض‪:‬‬
‫جتا الزاوية الساعية= جتا (‪ - )٦5.٦9٦90‬جا (‪ × )(9.33‬جا (‪(١(.(-‬‬

‫جا(‪ × )(9.33‬جتا (‪(١(.(-‬‬

‫جتا الزاوية الساعية= ( ‪(0.3٦١٦-( × (0.4898( - (0.4١١5‬‬

‫(‪(0.93(3( × (0.87١8‬‬

‫جتا الزاوية الساعية= ( ‪(0.١77١-( - (0.4١١5‬‬

‫(‪(0.8١(7‬‬

‫( ‪(0.588٦‬‬ ‫جتا الزاوية الساعية=‬

‫(‪(0.8١(7‬‬

‫جتا الزاوية الساعية= (‪0.7(4‬‬


‫‪67‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫ثم نوجد قيمة الزاوية الساعية جتا‪ ١-‬بضغظ ‪ shift‬ثم ‪ cos‬ينتج‪:‬‬


‫قيمة الزاوية الساعية‪(.90٦( = ١5 ÷ ( 43.593 ( :‬‬
‫(‪((.54.37( = ( + 54.37 = ٦0 × ( 90٦( ( = ( - (.90٦‬‬
‫وقت الظهر = ‪ ١4.5١.37 = (.54.37 + ١١.57‬وهو وقت العصر‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪68‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬وقت صالة املغرب‬

‫* تعريف المغرب‪:‬‬
‫الم ْغ ِرب في األصل موضع الغروب‪ ،‬ثم استعمل في المصدر والزمان‪،‬‬
‫َ‬
‫والم ْس ِجد‪.‬‬
‫كالم ْش ِرق َ‬
‫وقياسه الفتح ولكن استعمل بالكسر َ‬
‫وال ُغ ُر ْو ُب‪ :‬غيوب الشمس‪ ،‬تقول غربت الشمس تغرب غروب ًا و ُم َغ ِير َبان ًا‬
‫غابت في المغرب(‪ ،(١‬والغرب والمغرب بمعنى واحد‪ ،‬قال ابن سيده‪ :‬الغرب‬
‫خالف الشرق وهو المغرب‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭼ [الرحمن‪ ]١7 :‬أحد المغربين‪،‬‬
‫أقصى ما تنتهي إليه الشمس في الصيف‪ ،‬واآلخر أقصى ما تنتهي إليه في الشتاء‪،‬‬
‫وأحد المشرقين أقصى ما تشرق منه الشمس في الصيف‪ ،‬وأقصى ما تشرق منه‬
‫في الشتاء‪ ،‬وبين المغرب األقصى والمغرب األدنى مائة وثمانون مغربا(((‪.‬‬
‫والمقصود هنا‪ :‬هو وقت الغروب وزمنه؛ لتع ُّلق الفريضة به ال جهة‬
‫الغروب أو موضعه كما هو معلوم‪.‬‬
‫* أول وقت صالة المغرب‪:‬‬
‫يبدأ وقت المغرب بعد غروب الشمس كما هو واضح من حديث جبريل‬
‫الص ِائ ُم‪.‬‬
‫الش ْم ُس َو َأ ْف َط َر َّ‬
‫ت َّ‬‫السابق‪ ،‬إذ قال‪ُ :‬ثم صلى ا ْلم ْغ ِرب حين وجب ِ‬
‫َ ََ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬

‫(‪ (١‬اللسان ‪.٦38 /١‬‬


‫((( املصدر السابق‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫قوله (وجبت الشمس) أي غابت(‪ ،(١‬قال الخطابي‪ :‬أصل الوجوب في‬


‫اللغة السقوط‪ ،‬قال الله تعالى ( َفإِ َذا َو َج َب ْت ُجنُو ُب َها َف ُك ُلوا ِمن َْها) الحج‪ ،3٦‬وهي‬
‫أن تميل فتسقط‪ ،‬وإنما يكون ذلك إذا َز َه َق ْت َن ْف ُس َها‪ ،‬ويقال للشمس إذا غابت‬
‫قد وجبت الشمس(((‪ ،‬وفي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪« :‬إن للصالة أوالً وآخر ًا‪ ،‬وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس‪ ،‬وإن‬
‫آخر وقتها حين يغيب األفق»(‪.(3‬‬
‫قال ابن قدامة‪ :‬أما دخول وقت المغرب بغروب الشمس فإجماع أهل‬
‫العلم‪ ،‬ال نعلم بينهم خالف ًا فيه واألحاديث دا َّلة عليه(‪.(4‬‬
‫ولكن ال بدّ من الحرص في تحري غروب الشمس السيما في رمضان‪،‬‬
‫وهذا ال ينافي حديث تعجيل الفطر؛ ألن المقصود هو تعجيل اإلفطار متى‬
‫تحقق الغروب؛ وألن أصل الغروب ال ُبعد‪ ،‬يقال غرب بفتح الراء إذا َب ُعد والمراد‬
‫تكامل الغروب‪ ،‬ويعرف في العمران بزوال الشعاع من رؤوس الجبال وإقبال‬
‫الظالم من المشرق كما في الحديث اآلخر‪« :‬إذا أقبل الليل من هاهنا‪ ،‬وأدبر‬
‫النهار من هاهنا‪ ،‬وغربت الشمس‪ ،‬فقد أفطر الصائم»(‪ .(5‬وعليه فإن من يفطر‬
‫قبل غروب الشمس وذهاب النهار فقد استعجل بفطره‪ ،‬وفرق بين التعجيل‬
‫واالستعجال‪.‬‬

‫(‪ (١‬خمتار الصحاح ‪ ،(95/١‬وانظر اللسان ‪.794/١‬‬


‫((( عون املعبود ‪.(٦١/8‬‬
‫(‪ (3‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ ،(3(/‬برقم (‪ ،7١7‬والرتمذي ‪ ،(84/١‬برقم ‪،(85‬‬
‫وصححه األلباين يف السلسة ‪ (7(/4‬برقم ‪.١٦9٦‬‬
‫(‪ (4‬املغني ‪.(30/١‬‬
‫(‪ (5‬أخرجه البخاري يف صحيحه (‪ ٦9١/‬برقم ‪ ،١353‬ومسلم (‪ ،77(/‬برقم ‪،١١00‬‬
‫وغريمها‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪70‬‬

‫* آخر وقت صالة المغرب‪:‬‬


‫وأما آخر وقت المغرب‪ :‬فإن الفقهاء رحمهم الله تعالى اختلفوا فيه‪،‬‬
‫فمن قائل‪ :‬إن لها وقت ًا واحد ًا وهو بمضي قدر زمن وضوء‪ ،‬وستر عورة‪ ،‬وأذان‬
‫وإقامة‪ ،‬وخمس ركعات؛ ألن جبريل صالها في اليومين في وقت واحد‪،‬‬
‫بخالف غيرها(‪(١‬؛ ومن قائل‪ :‬إن وقتها يستمر إلى غياب الشفق(((؛ لحديث عبد‬
‫ب‬‫«و ْق ُت َص َال ِة ا ْل َم ْغ ِر ِ‬ ‫ال َّل ِه بن َعم ٍرو َأ َّن رس َ ِ‬
‫ول ال َّله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬
‫الش َف ُق»(‪.(3‬‬
‫ب َّ‬ ‫ما لم َي ِغ ِ‬
‫فيكون في هذا الحديث زيادة على ما في حديث جبريل‪ ،‬األخذ بها أولى‬
‫من تركها مع ما في ذلك من التيسير على المك َّلفين‪.‬‬
‫أي شفق هو؟ فقال‬ ‫واختلف القائلون إن آخر وقتها غياب الشفق‪ّ ،‬‬
‫الجمهور‪ :‬هو األحمر‪ ،‬وهو قول صاحبي أبي حنيفة‪ ،‬والمالكية‪ ،‬والشافعية‪،‬‬
‫والحنابلة وهو قول ابن عمر وابن عباس‪ ،‬وعطاء‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وسعيد بن جبير‪،‬‬
‫والزهري‪ ،‬والثوري‪ ،‬وابن أبي ليلى وإسحاق‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬هو األبيض‪،‬‬
‫(‪(4‬‬
‫وهو قول أبي بكر ومعاذ وعائشة رضي الله عنهم وثعلب‪.‬‬

‫(‪ (١‬وهو قول عند املالكية‪ ،‬ومذهب الشافعي يف اجلديد‪ ،‬انظر مواهب اجلليل لرشح خمترص‬
‫خليل ‪ ،393/ ١‬وانظر مغني املحتاج ‪.١(3/١‬‬
‫((( وهو القول اآلخر للاملكية‪ ،‬ومذهب الشافعي يف القديم واملفتى به‪ ،‬واحلنابلة‪ ،‬ولكنهم‬
‫اختلفوا أي شفق فقال اجلمهور األمحر‪ ،‬وقال احلنفية األبيض‪ ،‬انطر املبسوط للرسخيس‬
‫‪ ،١44/١‬وانظر مواهب اجلليل ‪ ،393/١‬وانظر مغني املحتاج ‪ ،١(3/١‬والكايف‬
‫‪.9٦/١‬‬
‫(‪ (3‬أخرجه مسلم ‪ 4(7/ ١‬برقم (‪.٦١‬‬
‫(‪ (4‬انظر االختيار لتعليل املختار ‪ ،39/١‬واملبسوط للرسخيس ‪ ،١44 /١‬وانظر مواهب‬
‫اجلليل ‪ ،393/ ١‬وانظر مغني املحتاج ‪ ،١(3/ ١‬والكايف ‪.9٦/ ١‬‬
‫‪71‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫وسيأتي مزيد من الكالم واالستدالل عند الكالم على أول وقت العشاء؛‬
‫ألن نهاية وقت المغرب هو بداية وقت العشاء‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪72‬‬

‫حسابات الفلكيني لوقت صالة املغرب‬

‫يبدأ وقت المغرب بعد غروب الشمس‪ ،‬لكن يراعى في ذلك تحقق‬
‫الغروب ال مجرد االختفاء وراء جبل‪ ،‬أو بغيم فإن هذا ليس بغروب حقيقة بل‬
‫اختفاء‪.‬‬
‫أما عند الفلكيين فيحسبون زاوية غروب الشمس من سمت رأس الراصد‬
‫واألفق كما سيأتي‪.‬‬
‫ويستمر وقت المغرب إلى غياب الشفق األحمر‪ ،‬وبغيابه يبدأ وقت‬
‫العشاء إال عند اإلمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى‪ ،‬فال ينتهي المغرب عنده إال‬
‫عند غياب الشفق األبيض وبه يبدأ وقت العشاء كما سبق‪.‬‬
‫ومعلوم أن الشفق األحمر هو ذلك االحمرار الذي يكون في جهة الغرب‬
‫مرتفع ًا قليالً‪ ،‬بعد غياب قرص الشمس وشعاعها‪.‬‬
‫أما الشفق األبيض فال يغيب إال بعد غياب الشفق األحمر بنحو درجتين‬
‫عند الفلكيين‪ ،‬وتساوي نحو ثمان دقائق تقريب ًا(‪.(١‬‬
‫وسنذكر طريقيتين لمعرفة وقت المغرب‪ ،‬طريقة عملية وطريقة حسابية‬
‫على النحو التالي‪:‬‬
‫الطريقة األولى‪ :‬معرفة وقت المغرب عن طريق النجم‪:‬‬
‫وقد ذكر بعض الفلكيين أن وقت المغرب يمكن أن يعرف عن طريق‬

‫(‪ (١‬راجع رشح ثمرات الوسيلة ص‪ 43‬وما بعدها‪.‬وراجع أيض ًا‪ :‬آللئ الطل الندية ص‪.3٦‬‬
‫‪73‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫ار ِّي قال‪ :‬صلى بِنَا‬‫النجم‪ ،‬وهو الشاهد كما ورد في حديث أبي َب ْص َر َة ا ْل ِغ َف ِ‬

‫ص(‪ (١‬فقال‪«:‬إِ َّن هذه َّ‬


‫الص َ‬
‫ال َة‬ ‫رسول ال َّل ِه صلى الله عليه وسلم ا ْل َع ْص َر بِا ْل ُم َخ َّم ِ‬
‫ُع ِر َض ْت على من كان َق ْب َلك ُْم َف َض َّي ُع َ‬
‫وها‪َ ،‬ف َم ْن َحا َف َظ عليها كان له َأ ْج ُر ُه َم َّر َت ْي ِن‪،‬‬
‫الش ِ‬
‫اهدُ ‪ :‬الن َّْج ُم»(((‪.‬‬ ‫«و َّ‬ ‫وال ص َال َة بعدَ َها حتى ي ْط ُلع َّ ِ‬
‫الشاهدُ »‪َ .‬‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ولتوضيح ذلك يقول علماء الفلك إن من الكواكب ما هو ليلي ال يظهر إال‬
‫في الليل‪ ،‬ومنها ما هو نهاري يظهر في النهار‪ ،‬فالنهاري هي الزهرة‪ ،‬المشتري‪،‬‬
‫العلب‪ ،‬السماك‪ ،‬وبعض العلماء جعل عوض السماك المريخ‪ ،‬التفاقهما في‬
‫الحمرة‪ ،‬والليلي ما عدا ذلك‪ ،‬فالكوكب الليلي إذا ُر ِئي وقت المغرب فقد دخل‬
‫المغرب‪ ،‬أما النهاري فال عبرة برؤيته وقت المغرب‪.‬‬
‫وعلى كالم العلماء أن من لم يعرف الكوكب النهاري ورأى خمسة‬
‫كواكب فقد رأى الكوكب الليلي؛ ألن النهارية أربعة‪ ،‬واختلفوا كما سبق في‬
‫الرابع ما هو وقد نظم ذلك بعضهم فقال‪:‬‬
‫ِِ‬ ‫َِ‬ ‫ِه َي ُّ‬ ‫ـــــار بِ ْ َ ِ‬
‫ِ‬
‫ـــــرت ْي وا ْلعل ْ‬
‫ب‬ ‫الز ْه َر ُة ا ُْمل ْش‬ ‫هم‬
‫إمجاع ْ‬ ‫ن ُُجـــــو ُم الن ََّه‬
‫ِـــــرب‬
‫ْ‬ ‫ـــــم فِ ْي ِه َام ت َْض َطـ‬
‫ْ‬ ‫َف َأ ْق َو ُاهل ُ‬
‫وأمـــــا الســـــام ُك ِ‬
‫وم ِّر ْخي ُُه ْم‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫وقالوا الكوكب الليلي ال يظهر إال بعد غروب الشمس‪ ،‬فال تعارض حينئذ‬
‫مع األحاديث األخرى التي فيها أن وقت المغرب بعد غروب الشمس(‪.(3‬‬
‫مالحظة‪:‬‬
‫ال بدَّ من الحرص في تحري غروب الشمس‪ ،‬السيما في رمضان وهذا‬

‫(‪( (١‬املخمص) هو بميم مضمومة وخاء معجمة ثم بميم مفتوحة‪ :‬موضع معروف‪ .‬رشح‬
‫النووي عىل مسلم ‪.١١3/٦‬‬
‫((( أخرجه مسلم ‪ 5٦8 /١‬برقم ‪ 830‬وغريه‪.‬‬
‫(‪ (3‬انظر كنز الثقات يف علم األوقات ‪.١7‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪74‬‬

‫ال ينافي حديث تعجيل الفطر؛ ألن المقصود هو تعجيل اإلفطار متى تحقق‬
‫الغروب؛ وألن َ‬
‫أصل الغروب ال ُبعد‪ ،‬يقال غرب بفتح الراء إذا بعد‪ ،‬والمراد‬
‫تكامل الغروب‪ ،‬ويعرف في العمران بزوال الشعاع من رؤوس الجبال‪ ،‬وإقبال‬
‫الظالم من المشرق كما في الحديث اآلخر‪« :‬إذا أقبل الليل من هاهنا؛ وأدبر‬
‫النهار من هاهنا‪ ،‬وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»(‪(١‬؛ وعليه فإن من يفطر‬
‫قبل غروب الشمس وذهاب النهار‪ ،‬فقد استعجل بفطره وفرق بين التعجيل‬
‫واالستعجال‪.‬‬
‫الطريقة الثانية‪ :‬حساب وقت المغرب وكذلك الشروق بطريق خطوط‬
‫الطول ودوائر العرض وغروب قرص الشمس‪:‬‬
‫يحسب وقت المغرب وكذلك الشروق بمعادلة واحدة بحسب خط‬
‫عرض المكان‪ ،‬وغروب نصف قطر الشمس الظاهري‪ ،‬أو شروقه عن طريق‬
‫المعادلة التالية‪:‬‬
‫صالة((( المغرب= ‪+90‬نصف قطر الشمس الظاهري‪+‬االنكسار= ‪90.83333‬‬
‫المطلوب إيجاده‪:‬‬
‫‪ -١‬وقت الظهر لليوم المطلوب‪.‬‬
‫(‪ -‬الميل االستوائي للموقع‪.‬‬
‫‪ -3‬معرفة الزاوية التي سوف تحسب عليها لوقت غروب أو شروق قرص‬

‫(‪ (١‬أخرجه البخاري يف صحيحه (‪ ٦9١/‬برقم ‪ ،١353‬ومسلم (‪ ،77(/‬برقم ‪،١١00‬‬


‫وغريمها‪.‬‬
‫((( سنحسب باملعادلة التي هي مشهورة واألبسط‪ ،‬وهناك معادالت أخرى تعتمد عىل‬
‫عوامل أخرى يمكن أن تؤثر يف احلساب فيضيفون هذه العوامل ملزيد من الدقة وتكون‬
‫هذه املعادلة كالتايل‪+90 :‬نصف القطر ‪ +‬االنكسار ‪ +‬انخفاض األفق – اللوص األفقي‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الشمس واالنكسار وهي ‪ 90‬درجة ‪ 90.83333 = 0.83333 +‬درجة‪.‬‬


‫‪ -4‬المعادلة‪.‬‬
‫‪١-‬‬
‫‪ -5‬بعد إيجاد ناتج المعادلة نوجد قيمة الزاوية‪ ،‬والتي يرمز لها بـ جتا‬
‫وذلك بكتابة ناتج المعادلة على اآللة الحسابة ثم نضعط على ‪ shift‬ثم ‪cos‬‬
‫وسينتج المطلوب وهو جتا ‪.‬‬
‫‪(١( ١-‬‬

‫‪ -٦‬ثم نقسم الناتج على ‪ ١5‬للتحويل الزمني(((‪.‬‬


‫‪ -7‬ثم نطرح من الناتج العدد الصحيح(‪ ،(3‬للتخلص منه‪ ،‬وليبقى فقط‬
‫الكسر لنعرف عدد الدقائق‪.‬‬
‫‪ -8‬ثم نضرب الكسر × ‪ ٦0‬وذلك لتحويل الكسر للدقائق(‪.(4‬‬
‫‪ -9‬ثم نضيف العدد الصحيح الذي طرحناه سابق ًا مضاف ًا لناتج ضرب‬
‫الكسر × ‪٦0‬؛ ليكون العدد الصحيح هو الساعات‪ ،‬وناتج ضرب الكسر × ‪٦0‬‬
‫هو الدقائق‪.‬‬
‫‪ -١0‬ثم تجمع الناتج من وقت الظهر لذلك اليوم نفسه‪ ،‬ينتج وقت‬
‫المغرب المطلوب بالساعة والدقيقة‪.‬‬
‫‪ -١١‬إن أردنا وقت الشروق فعلينا أن نطرح الناتج من وقت الظهر‪ ،‬ينتج‬
‫الوقت المطلوب‪.‬‬

‫(‪ (١‬ناتج جتا‪ ١-‬هو قيمة ذات الزاوية‪.‬‬


‫((( ألن ‪ ١5‬خط طول يمثل ساعة واحدة زمنية‪.‬‬
‫(‪ (3‬الذي يمثل عدد الساعات‪.‬‬
‫(‪ (4‬ألن عدد الدقيقة ‪ ٦0‬ثانية‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪76‬‬

‫مثال تطبيقي‪:‬‬
‫صالة المغرب ليوم ‪ ١8‬من ديسمبر لمدينة الكويت‪.‬‬
‫صالة المغرب= ‪+90‬نصف قطر الشمس الظاهري‪+‬االنكسار= ‪90.83333‬‬
‫صالة المغرب= جتا (سمت الرأس) ‪ -‬جا (خط العرض) × جا (الميل االستوائي)‬

‫جتا (خط العرض) × جتا (الميل االستوائي)‬

‫جتا غروب الشمس= جتا ( ‪ - )90.83‬جا (‪ × )(9.33‬جا (‪((3.3-‬‬

‫جتا(‪ × )(9.33‬جتا (‪((3.3-‬‬

‫جتا المغرب= (‪(0.395-( × (0.489( - (0.0١44-‬‬

‫(‪(0.9١8( × (0.87١‬‬

‫جتا المغرب= (‪(0.١93-( - (0.0١44-‬‬

‫(‪(0.799‬‬

‫جتا المغرب= (‪(0.١78٦‬‬

‫(‪(0.799‬‬

‫جتا المغرب= ‪0.((35‬‬

‫جتا‪77.083 = ١-‬‬
‫‪5.8.33 =5+ 8.33 =٦0 × 0.١38 =5 -5.١38 = ١5 ÷ 77.083‬‬
‫‪77‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫‪4.53.33 = 5.8.33 +١١.45‬‬


‫الساعة‪ :‬الرابعة‪ ،‬والدقيقة‪ :‬الثالثة والخمسون‪ ،‬والثانية‪ :‬الثالثة والثالثون‪،‬‬
‫وهو وقت أذان المغرب‪.‬‬
‫وإن أردت وقت الشروق فاطرح(‪ً (١‬‬
‫بدال من الجمع كما يلي‪:‬‬
‫‪ ٦.37.33 = 5.8.33 - ١١.45‬وهو وقت الشروق لليوم‪.‬‬

‫(‪ (١‬الرس يف ذلك أن الوقت ما بني الظهر واملغرب هو ذات الوقت بني الظهر والرشوق‬
‫لذات اليوم‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪78‬‬

‫رابع ًا‪ :‬وقت صالة العشاء‬

‫* تعريف العشاء‪:‬‬
‫العين والشين والحرف المعتل أصل صحيح يدل على ظالم‪ ،‬وقلة وضوح‬
‫في الشيء‪ ،‬ثم يفرع منه ما يقاربه من ذلك العشاء‪ ،‬وهو أول ظالم الليل وعشواء‬
‫الليل‪ :‬ظلمته(‪.(١‬‬
‫وقيل‪ :‬هو من صالة المغرب إلى العتمة‪ ،‬و ِ‬
‫العشاءان‪ :‬المغرب والعتمة‪،‬‬
‫قال األزهري‪ :‬يقال لصالتي المغرب والعشاء العشاءان‪ ،‬واألصل العشاء فغلب‬
‫على المغرب‪ ،‬كما قالوا األبوان وهما األب واألم ومثله كثير‪ ،‬قال األزهري‪:‬‬
‫صالة العشاء هي التي بعد صالة المغرب‪ ،‬ووقتها حين يغيب الشفق وهو‬
‫(((‬

‫قوله تعالى‪( :‬ومن بعد صالة العشاء) سورة النور ‪.58‬‬


‫* أول وقت صالة العشاء‪:‬‬
‫أي‬
‫اتفق الفقهاء(‪ (3‬على أن وقت العشاء‪ :‬بعد مغيب الشفق‪ ،‬ثم اختلفوا ّ‬
‫شفق هو؟ إذ أن الشفق يطلق على الحمرة‪ ،‬والبياض(‪ ،(4‬فقال بعضهم الشفق‬
‫األبيض(‪ ،(5‬وهو البياض الذي بعد الحمرة‪ ،‬وذلك ألن الحمرة أثر الشمس‪،‬‬
‫والبياض أثر النهار‪ ،‬فما لم يذهب كل ذلك ال يصير إلى الليل مطلق ًا‪ ،‬وصالة‬
‫(‪ (١‬معجم مقاييس اللغة ‪.3((/4‬‬
‫((( اللسان ‪.٦0/١5‬‬
‫(‪ (3‬انظر مغني ابن قدامة ‪.(30/١‬‬
‫(‪ (4‬انظر اللسان ‪.١80/١0‬‬
‫(‪ (5‬وهو قول أيب حنيفة‪ .‬انظر املبسوط للرسخيس ‪.١44/١‬‬
‫‪79‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫العشاء صالة الليل كيف وقد جاء في الحديث أن رج ً‬


‫ال سأل الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ :‬متى أصلي العشاء اآلخرة؟ قال‪« :‬إذا مأل الليل بطن كل واد»‪ (١(.‬أي‬
‫ظالم الليل‪ ،‬وهو ال يكون إال بعد غياب الشفق األبيض‪.‬‬
‫الص َال ِة‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫وقد قال النعمان بن بشير‪« :‬و ِ‬
‫الله إِنِّي َألَ ْع َل ُم الن ِ‬
‫َّاس بِ َو ْقت َهذه َّ‬ ‫َ‬
‫وط‬‫الله ص َّلى الله َع َلي ِه وس َّلم‪ ،‬يص ِّليها لِس ُق ِ‬‫ول ِ‬ ‫ص َال ِة ا ْل ِع َش ِ‬
‫اء ْاآل ِخ َر ِة‪ ،‬ك َ‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫ُ ْ َ َ َ ُ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ا ْل َق َم ِر ل َثال َثة»(((‪ ،‬وعن أبي مسعود قال‪ :‬رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يصلي هذه الصالة حين َي ْس َو ُّد األُ ُفق(‪ ،(3‬فسقوط القمر لثالثة‪ ،‬وسواد األفق دليل‬
‫على أن المراد غير الشفق األحمر‪ ،‬إذ ال يسو ّد األفق إال بعد ذهاب البياض‪،‬‬
‫وسقوط القمر ليلة ثالثة يكون بعد مضي سبع الليل ونصف السبع(‪ ،(4‬في قول‬

‫(‪ (١‬أخرجه أمحد يف املسند ‪ 3٦5/5‬برقم ‪ ،(3١44‬وقال شعيب األرنؤوط‪ :‬إسناده ضعيف‪.‬‬
‫وقال اهليثمي يف جممع الزوائد‪ :‬رواه أمحد ورجاله موثقون‪.393/١ .‬‬
‫((( أخرجه أمحد يف املسند ‪ 3٦5/30‬برقم ‪ ،١84١5‬وقال شعيب األرنؤوط‪ :‬إسناده‬
‫صحيح‪ .‬وأخرجه أيض ًا‪ :‬أبو داود يف السنن ‪ ١١4/١‬برقم ‪ ،4١9‬وقال األلباين‪:‬‬
‫صحيح‪ .‬وأخرجه أيض ًا‪ :‬النسائي يف سننه الكربى (‪ (0١/‬برقم ‪ ،١5(3‬والدارقطني‬
‫يف سننه ‪ ،508/١‬واحلاكم يف املستدرك‪ ،308/١ ،‬برقم ‪ ٦98‬وقال‪ :‬إسناده صحيح‬
‫ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫(‪ (3‬أخرجه أبو داود يف السنن ‪ ١07/١‬برقم ‪ ،394‬وحسنه األلباين يف صحيح سنن أيب داود‬
‫‪ ،394 / ١‬برقم ‪ .394‬وابن حبان يف صحيحه ‪ (98/١‬برقم ‪ ،١449‬وابن خزيمة يف‬
‫صحيحه ‪ ١8١/١‬برقم (‪.35‬‬
‫(‪ (4‬قال ابن حزم يف الرد عىل االستدالل هبذا احلديث‪ :‬والقمر يغيب ليلة ثالثة يف كل زمان‬
‫ومكان بعد ذهاب ساعتني ونصف ساعة ونصف سبع ساعة من ساعات تلك الليلة‬
‫املجزأة عىل اثنتي عرشة ساعة‪ ،‬والشفق الذي هو البياض يتأخر‪ ،‬والشفق الذي هو‬
‫احلمرة يغيب قبل سقوط القمر يف الليلة الثالثة بحني كبري جدا مغيبة بعد سقوط القمر‬
‫ليلة ثالثة ساعة ونصفا من الساعات املذكورة‪ .‬فليس يف هذا اخلرب ‪-‬لو صح‪ -‬حجة يف‬
‫يشء أصال مما خيتلف‪ -‬وباهلل تعاىل التوفيق‪ .‬املحىل البن حزم (‪.(١4/‬‬
‫وحساب ابن حزم هذا أذهلني بحق‪ ،‬فقد قسم الليل إىل (‪ ١‬ساعة يف الليل املستوي مع‬
‫النهار وقد عاش يف القرن اخلامس حيث تويف‪45٦ :‬هـ‪ ،‬ثم حسب سقوط القمر ليلة =‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪80‬‬

‫بعض الفلكيين كما سنعرف الحق ًا(‪.(١‬‬


‫وقال آخرون بل المراد الشفق األحمر(((‪ ،‬واحتجوا بوجهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬إن الغوارب ثالثة‪ :‬الشمس والشفقان‪ .‬والطوالع ثالثة‪ :‬الفجران‬
‫والشمس؛ والحكم يتعلق بالوسط من الطوالع‪ ،‬فكذلك يتعلق بالوسط من‬
‫الغوارب‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عن الخليل بن أحمد أنه قال‪ :‬راقبت البياض فوجدته يبقى إلى‬
‫ثلث الليل‪ ،‬وقيل إلى نصف الليل‪ ،‬فلو رتَّب الحكم عليه للزم تأخير العشاء إلى‬
‫نصف الليل‪ ،‬أو آخره(‪.(3‬‬
‫وقد روت عائشة رضي الله عنها‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم َأ ْعت ََم‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول ال َّله َص َّلى الل ُه َع َل ْيه َو َس َّل َم بِالع َشاء َحتَّى نَا َدا ُه ُع َم ُر‪َّ :‬‬
‫الص َ‬
‫الةَ‪ ،‬نَا َم الن َِّسا ُء‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ض َغ ْي ُرك ُْم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬والَ‬ ‫ان‪َ ،‬ف َخ َر َج‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ما َينْتَظِ ُر َها َأ َحدٌ ِم ْن َأ ْه ِل األَ ْر ِ‬ ‫الص ْب َي ُ‬
‫َو ِّ‬
‫الش َف ُق إِ َلى ُث ُل ِ‬ ‫ِ‬ ‫يص َّلى يوم ِئ ٍذ إِ َّال بِا ْلم ِدين َِة‪ ،‬وكَانُوا يص ُّل َ ِ‬
‫ث‬ ‫يب َّ‬ ‫يما َب ْي َن َأ ْن َيغ َ‬
‫ون ف َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ َ‬
‫ال َّل ْي ِل األَ َّو ِل(‪.(4‬‬
‫فقولها‪َ « :‬أ ْعت ََم» أي على غير عادته‪ ،‬حتى نام النساء والصبيان وليس فيه‬
‫«وا ْل ِع َشا َء َأ ْح َيانًا‬
‫بيان أول الوقت‪ ،‬يؤيد ذلك حديث جابر رضي الله عنه‪ ،‬قال‪َ :‬‬

‫= ثالثه حساب ًا بالدقيقة والثانية يف غاية الدقة ومل خيطئ إال يف أقل من نصف من الثانية‪.‬‬
‫انظر جدول حسابنا للقمر يف الفصل الثالث من هذا الكتاب‪.‬‬
‫(‪ (١‬يف الفصل الثالث‪.‬‬
‫((( وهو قول أيب يوسف وحممد من أصحاب أيب حنيفة‪ ،‬واملالكية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬واحلنابلة‪،‬‬
‫انظر‪ :‬املبسوط للرسخيس ‪ .١44/١‬مواهب اجلليل ‪ ،397/١‬مغني املحتاج ‪،١(3/١‬‬
‫وانظر مغني ابن قدامة ‪.(3١/١‬‬
‫(‪ (3‬مواهب اجلليل ‪.397 / ١‬‬
‫(‪ (4‬أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،(08/١ ،‬برقم ‪ 544‬وغريه‪.‬‬
‫‪81‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫آه ْم أبطؤوا َأ َّخ َر»(‪.(١‬‬


‫اجت ََم ُعوا َع َّج َل وإذا َر ُ‬ ‫َو َأ ْح َيانًا‪ ،‬إذا َر ُ‬
‫آه ْم ْ‬
‫وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‪« :‬وقت المغرب ما لم يسقط َف ْو ُر‬
‫الشفق»(((‪ ،‬وروي‪« :‬ثور الشفق»‪ .‬قال ا ْل َخ َّطابِ ُّي‪ :‬هو َب ِق َّي ُة ُح ْم َر ِة َّ‬
‫الش َف ِق في ُاألْ ُف ِق‬
‫ان ُح ْم َرتِ ِه(‪.(3‬‬ ‫وع ِه‪ ،‬و َث ْو ُر َّ‬
‫الش َف ِق هو َث َو َر ُ‬ ‫وسمي َفورا بِ َفورانِ ِه وس ُط ِ‬
‫َ ُ ِّ َ ْ ً َ َ َ ُ‬
‫وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أنه قال‪« :‬الشفق الحمرة‪،‬‬
‫فإذا غاب الشفق وجبت العشاء»(‪.(4‬‬
‫فسر الشفق بحسب اجتهاده‪ ،‬واللغة تحتمل األمرين‬
‫فالحاصل أن كل فريق َّ‬
‫مع ًا ولكن الظاهر أن من َّ‬
‫فسره بالحمرة أصوب؛ لقوة ما استندوا إليه من حيث‬
‫األثر وعلم الهيئة؛ ولضعف استدالل خصومهم ال سيما من علم الهيئة(‪.(5‬‬

‫(‪ (١‬أخرجه البخاري يف صحيحه ‪ (05/١‬برقم‪ ،535‬ومسلم ‪ ،44٦/١‬برقم ‪،٦4٦‬‬


‫وغريمها‪.‬‬
‫((( أخرجه أبو داود يف السنن ‪ ،١09/١‬برقم ‪ ،39٦‬ورواية ثور بالثاء‪ ،‬ملسلم ‪،4(7/١‬‬
‫برقم (‪.٦١‬‬
‫(‪ (3‬حتفة األخوذي ‪.39٦ / ١‬‬
‫(‪ (4‬أخرجه البيهقي يف السنن الكربى ‪ ،373/١‬برقم ‪ ،١٦(١‬وصحح وقفه عىل ابن عمر‪،‬‬
‫والدارقطني يف السنن ‪ ،١٦9/١‬وضعفه األلباين يف السلسلة الضعيفة ‪ ،١٦١/8‬برقم‬
‫‪.3759‬‬
‫(‪ (5‬قلت‪ :‬قد أبطل ابن حزم قول أيب حنيفة ومن وافقه بحجج فلكية متينة غاية يف القوة‬
‫أرسدها ألمهيتها كاملة وملا فيها من فوائد فلكية خمتلفة‪ ،‬قال ابن حزم‪:‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ ،‬وعبد اهلل بن املبارك‪ ،‬واملزين‪ ،‬وأبو ثور‪ :‬ال خيرج وقت املغرب وال‬
‫يدخل وقت العتمة إال بمغيب البياض؟ قال عيل‪ :‬قد صح أن رسول اهلل ‪-‬صىل اهلل عليه‬
‫وسلم‪ -‬حد خروج وقت املغرب‪ ،‬ودخول وقت العتمة بمغيب نور الشفق؛ والشفق‪:‬‬
‫يقع يف اللغة عىل احلمرة‪ ،‬وعىل البياض‪.‬‬
‫فإذ ذلك كذلك؛ فال جيوز أن خيص قوله ‪-‬عليه السالم‪ -‬بغري نص وال إمجاع؛ فوجب‬
‫أنه إذا غاب ما يسمى شفقا فقد خرج وقت املغرب‪ ،‬ودخل وقت العتمة ومل يقل ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬قط‪ :‬حتى يغيب كل ما يسمى شفقا؟‪ .‬وبرهان قاطع؛ وهو‪ :‬أنه قد ثبت أن =‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪82‬‬

‫إذا ثبت هذا فإنه إن كان في مكان يظهر له األفق‪ ،‬و َيبِ ْين له مغيب الشفق‬
‫= رسول اهلل ‪-‬صىل اهلل عليه وسلم‪ -‬حد وقت العتمة بأن‪ :‬أوله إذا غاب الشفق‪ ،‬وآخره‪:‬‬
‫ثلث الليل األول‪ ،‬وروي أيضا‪ :‬نصف الليل‪.‬‬
‫وقد علم كل من له علم باملطالع‪ ،‬واملغارب‪ ،‬ودوران الشمس‪ :‬أن البياض ال يغيب إال‬
‫عند ثلث الليل األول؛ وهو الذي حد ‪-‬عليه السالم‪ -‬خروج أكثر الوقت فيه‪ ،‬فصح‬
‫يقينا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل األول بيقني‪ ،‬فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب‬
‫الشفق‪ ،‬الذي هو البياض بال شك فإذ ذلك كذلك فال قول أصال إال أنه‪ :‬احلمرة بيقني؛‬
‫إذ قد بطل كونه‪ :‬البياض‪.‬‬
‫واحتج من قلد أبا حنيفة بأن قال‪ :‬إذا صلينا عند غروب البياض فنحن عىل يقني‬
‫‪-‬بإمجاع‪ -‬أننا قد صلينا عند الوقت‪ ،‬وإن صلينا قبل ذلك‪ ،‬فلم نصل بيقني إمجاع يف‬
‫الوقت؟ قال عيل‪ :‬هذا ليس شيئا؛ ألنه إن التزموه؟ أبطل عليهم مجهور مذهبهم فيقال‪:‬‬
‫مثل هذا يف الوضوء بالنبيذ‪ ،‬ويف االستنشاق‪ ،‬واالستنثار‪ ،‬وقراءة أم القرآن‪ ،‬والطمأنينة‪،‬‬
‫وكل ما اختلف فيه مما يبطل الصوم واحلج‪ ،‬ومما جتب فيه الزكاة؟ فيلزمهم أن ال يؤدوا‬
‫عمال من الرشيعة إال حتى ال خيتلف اثنان يف أهنم قد أدوه كام أمروا‪.‬‬
‫ومع هذا ال يصح هلم من مذهبهم جزء من مائة جزء بال شك وذكروا حديث النعامن بن‬
‫بشري‪« :‬أنه ‪-‬عليه السالم‪ -‬كان يصيل العتمة لسقوط القمر ليلة ثالثة»‪.‬‬
‫ولو كان لكان أعظم حجة لنا؛ ألن الشفق األبيض يبقى بعد هذه مدة طويلة بال خالف‪،‬‬
‫واحتج بعضهم باألثر «أن رسول اهلل ‪-‬صىل اهلل عليه وسلم‪ -‬كان يصيل العشاء اآلخرة‬
‫إذا اسود الليل» وبقاء البياض يمنع من سواد األفق‪.‬‬
‫قال عيل‪ :‬وهذا خطأ؛ ألنه يصيل العتمة مع بياض القمر‪ ،‬وهو أمنع من سواد األفق عىل‬
‫أصوهلم‪ :‬من البياض الباقي بعد احلمرة‪ ،‬الذي ال يمنع من سواد األفق؛ لقلته ودقته؟‪.‬‬
‫وذكروا حديث النعامن بن بشري‪« :‬أنه ‪-‬عليه السالم‪ -‬كان يصيل العتمة لسقوط ليلة‬
‫ثالثة»‪ ،‬وهذا ال حجة هلم فيه؛ ألننا ال نمنع من ذلك‪ ،‬وال من تأخريها إىل نصف الليل‪،‬‬
‫بل هو أفضل؛ وليس يف هذا املنع من دخول وقتها قبل ذلك؟ وذكروا حديثا ساقطا‬
‫موضوعا‪ ،‬فيه «أنه ‪-‬عليه السالم‪ -‬صىل العتمة قبل غروب الشفق» وهذا لو صح‬
‫‪-‬ومعاذ اهلل من ذلك‪ -‬ملا كان فيه إال جواز الصالة قبل وقتها؛ وهو خالف قوهلم وقولنا‬
‫وذكروا عن ثعلب‪ :‬أن الشفق‪ :‬البياض قال عيل‪ :‬لسنا ننكر أن الشفق‪ :‬البياض‪ ،‬والشفق‪:‬‬
‫احلمرة؛ وليس ثعلب حجة يف الرشيعة إال يف نقله؛ فهو ثقة‪ ،‬وأما يف رأيه فال؟ وأظرف‬
‫ذلك احتجاج بعضهم‪ :‬بأن الشفق‪ :‬مشتق من الشفقة‪ ،‬وهي الرقة؛ ويقال‪ :‬ثوب شفيق‬
‫إذا كان رقيقا‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬والبياض أحق هبذا؛ ألهنا أجزاء رقيقة تبقى بعد احلمرة قال عيل‪ :‬وهذا هوس =‬
‫‪83‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫فمتى ذهبت الحمرة وغابت دخل وقت العشاء‪ ،‬وإن كان في مكان يستتر عنه‬
‫األفق بالجدران والجبال استظهر حتى يغيب البياض ليستدل بغيبته على مغيب‬
‫الحمرة‪ ،‬فيعتبر غيبة البياض لداللته على مغيب الحمرة ال لنفسه(‪ ،(١‬وهذا القول‬
‫إنما يستقيم لمن لم يكن لديه طرق يعرف بها حساب وقت غروب الشفق‪ ،‬إال‬
‫مجرد المشاهدة‪.‬‬
‫* آخر وقت صالة العشاء‪:‬‬
‫وأما آخر وقتها فقد اختلفوا فيه أيض ًا‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬إلى ثلث الليل األول؛‬
‫وهو قول المالكية في المشهور عنهم(((‪ ،‬واستدلوا على ذلك بحديث جبريل‬
‫ب ُث ُل ُث ال َّل ْي ِل‪ ،‬أي في اليوم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السابق‪ ،‬إذ قال‪ُ :‬ث َّم صلى ا ْلع َشا َء ْاآلخ َر َة حين َذ َه َ‬
‫الثاني‪ ،‬وفيه بيان الوقت أوله وآخره‪.‬‬

‫= ناهيك به فإن قيل هلم‪ :‬بل احلمرة أوىل به؛ ألهنا تتولد عن اإلشفاق واحلياء‪ ،‬وكل هذا‬
‫ختليط هو يف اهلزل أدخل منه يف اجلد؟ وقال بعضهم‪ :‬ملا كان وقت صالة الفجر يدخل‬
‫بالفجر الثاين‪ :‬وجب أن يدخل وقت صالة العتمة بالشفق الثاين؟ فعورضوا بأنه ملا كان‬
‫الفجر فجرين‪ ،‬وكان دخول وقت صالة الفجر يدخل بالفجر الذي معه احلمرة‪ :‬وجب‬
‫أن يكون دخول وقت العتمة بالشفق الذي معه احلمرة‪.‬‬
‫وقالوا أيضا‪ :‬ملا كانت احلمرة التي هي مقدمة طلوع الشمس ال تأثري هلا يف خروج وقت‬
‫صالة الفجر‪ :‬وجب أن يكون أيضا ال تأثري هلا يف خروج وقت املغرب؟ فعورضوا بأنه‬
‫ملا كانت الطوالع‪ :‬ثالثة‪ ،‬والغوارب ثالثة‪ ،‬وكان احلكم يف دخول وقت صالة الصبح‬
‫لألوسط من الطوالع وجب أن يكون احلكم يف دخول صالة العتمة لألوسط من‬
‫الغوارب وهذه كلها ختاليط ودعاوى فاسدة متكاذبة؛ وإنام أوردناها ليعلم من أنعم‬
‫اهلل تعاىل عليه بأن هداه إلبطال القياس يف الدين‪ :‬عظيم نعمة اهلل تعاىل عليه يف ذلك؛‬
‫وليتبرص من غلط فقال به وما توفيقنا إال باهلل تعاىل‪ .‬املحىل (‪ ((4/‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ (١‬مغني ابن قدامة ‪.(3١/١‬‬
‫((( مواهب اجلليل ‪.398 /١‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪84‬‬

‫وقال بعضهم‪ :‬وقت العشاء إلى طلوع الفجر الصادق وهو قول الحنفية(‪(١‬؛‬
‫لما َر َوى أبو قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪َ « :‬أ َما إِ َّن ُه‬
‫الص َال َة َحتَّى َي ِجي َء َو ْق ُت‬ ‫َل ْي َس فِي الن َّْو ِم َت ْف ِر ٌ‬
‫يط‪ ،‬إِن ََّما ال َّت ْف ِر ُ‬
‫يط َع َلى َم ْن َل ْم ُي َص ِّل َّ‬
‫الص َال َة ْاألُ ْخ َرى»(((‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وقال آخرون‪َّ :‬‬
‫إن لها وقت اختيار وهو إلى ثلث الليل األول‪ ،‬أو نصف‬
‫الليل‪ ،‬ووقت جواز أو ضرورة وهو إلى طلوع الفجر الصادق وهو قول‬
‫الشافعية‪ ،‬والحنابلة(‪.(3‬‬
‫أما ثلث الليل فلحديث جبريل السابق‪ ،‬وأما نصف الليل فلحديث أنس‬
‫بن مالك قال‪ :‬أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صالة العشاء إلى نصف‬
‫ول ال َّل ِه صلى الله عليه وسلم َع َلى َأ ْص َحابِ ِه‬ ‫الليل(‪ .(4‬وحديث َجابِ ٍر َق َال َخ َر َج َر ُس ُ‬
‫َّاس َو َر َقدُ وا َو َأ ْنت ُْم َتنْتَظِ ُرون ََها‪َ ،‬أ َما‬ ‫ات َلي َل ٍة وهم ينْتَظِر َ ِ‬
‫ون ا ْلع َشا َء‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ص َّلى الن ُ‬ ‫َذ َ ْ َ ُ ْ َ ُ‬
‫يف َأ ْو ِك َب ُر ا ْلكَبِ ِير‬
‫الض ِع ِ‬ ‫ف َّ‬ ‫وها‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ « :‬ل ْوال َض ْع ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إِ َّنك ُْم في َصالة َما ا ْن َت َظ ْرت ُُم َ‬
‫الصال َة إِ َلى َش ْط ِر ال َّل ْي ِل»(‪.(5‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ألَ َّخ ْر ُت َهذه َّ‬

‫(‪ (١‬انظر بدائع الصنائع ‪.١(4/١‬‬


‫((( أخرجه مسلم ‪ 473/١‬برقم ‪ ،٦8١‬وغريه‪.‬‬
‫(‪ (3‬انظر‪ ،‬مغني املحتاج ‪ ،١(4/١‬وكفاية األخيار ‪ ،85/١‬وانطر املغني البن قدامة‬
‫‪.(3( /١‬‬
‫(‪ (4‬أخرجه البخاري يف صحيحه ‪ (09/١‬برقم ‪ ،54٦‬ومسلم عن ابن عمر ‪4(7/١‬‬
‫برقم(‪ ،٦١‬وغريمها‪.‬‬
‫(‪ (5‬أخرجه أبو داود يف سننه ‪١١4/١‬برقم ((‪ ،4‬وابن حبان يف صحيحه ‪39٦/4‬برقم‬
‫‪ ،١5(9‬وابن خزيمة يف صحيحه ‪ ١١7/١‬برقم‪ ،345‬وغريهم‪ ،‬وصححه األلباين يف‬
‫صحيح سنن أيب داود ‪ 4((/١‬برقم ((‪.4‬‬
‫‪85‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫وأما تأخيرها إلى الفجر الصادق فلعموم حديث‪« :‬إنما التفريط على من‬
‫لم يصل الصالة حتى يجيء وقت الصالة األخرى»‪ ،‬وال ّ‬
‫شك أن تأخيرها إلى‬
‫ثلث الليل أو نصفه ثابت كما رأيت بأحاديث صحيحة صريحة‪ ،‬أما تأخيرها‬
‫إلى ما هو أبعد من ذلك‪ ،‬فإنما هو مستفاد من عموم حديث التفريط السابق‪ ،‬لذا‬
‫جعلوه وقت ضرورة‪ ،‬أو وقت عذر فتنبه لذلك‪.‬‬
‫والله أعلم ‪،،،‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪86‬‬

‫حسابات الفلكيني لوقت صالة العشاء‬

‫وقت العشاء يبدأ كما عرفنا بعد غياب الشفق على االختالف الفقهي بين‬
‫لما صعب على كثير من الناس اليوم رؤية غياب الشفق‬
‫األحمر واألبيض‪ ،‬ولكن َّ‬
‫لكثرة المحدثات في هذا الزمان‪ ،‬من إضاءات وأنوار وما يمكن أن يحول دون‬
‫لما كان ذلك كان لزام ًا على العلماء بيان المدة‬
‫رؤيته من جبال وغيوم وغيرها؛ ّ‬
‫الزمنية التي ال يغيب الشفق دونها وهذا ما قام به علماء الفلك‪.‬‬
‫ولقد حسب علماء الفلك زاوية غياب الشفق األحمر‪ ،‬وتوصلوا لعدة‬
‫نتائج أشهرها ‪º ١8‬وهي أشهر ما عليه العمل اليوم في غالبية التقاويم المعاصرة‪،‬‬
‫وبعضهم حسبها بأقل من ذلك أو أكثر بقليل‪.‬‬
‫فقرر علماء الفلك أن وقت صالتي الفجر والعشاء يحين عندما يكون‬
‫مركز الشمس منخفضا بمقدار ‪ º ١8‬تحت األفق‪ ،‬وهذا هو المعتمد في المراجع‬
‫والكتب الفلكية‪ ،‬إال أن بعض الدول اإلسالمية تفضل استخدام زاوية أخرى‪،‬‬
‫فالعديد من الجهات اإلسالمية في الواليات المتحدة األمريكية مثال تفضل‬
‫استخدام الزاوية ‪ ،º ١5‬وفي مصر يعتمدون الزاوية ‪ º ١9.5‬للفجر و‪º ١7.5‬‬
‫(‪(١‬‬
‫للعشاء‪.‬‬

‫(‪ (١‬من املسائل التي ساد فيها اخلطأ‪ ،‬أن الفارق الزمني لكل درجة هو ‪ 4‬دقائق زمنية‪ ،‬وهذا‬
‫غري صحيح‪ ،‬وقد استدل أصحاب هذا االعتقاد عىل هذا األمر بأن الزمن الالزم لكي‬
‫تدتور األرض حول نفسها درجة واحدة يبلغ ‪ 4‬دقائق فقط‪ ،‬وذلك بقسمة ‪ 3٦0‬درجة‬
‫عىل ‪ (4‬ساعة‪ ،‬ولكن هذه الدرجة ختتلف عن تدرجة انخفاض الشمس عن األفق‬
‫وقت الفجر‪ ،‬فمسار الشمس الظاهري عىل األفق ليس عامودي ًا (فهذا صحيح عىل خط =‬
‫‪87‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫ولو أردنا التحقيق فسنصل إلى أنه ال يوجد حتى اآلن بحث علمي حقيقي‬
‫من متخصصين يبين أن بداية وقت صالتي الفجر والعشاء يحين عندما تكون‬
‫قيمة الزاوية غير الزاوية التي ذكرناها وهي ‪ ،º ١8‬فالزاوية ‪ º ١8‬قد تم التوصل‬
‫إليها بعد دراسة علمية دقيقة(‪ ،(١‬وعليها العمل في كثير أو أكثر البلدان اإلسالمية‬
‫اليوم‪ ،‬وال نستطيع التحول عن اعتماد هذه الزاوية إال بيقين نستطيع به دفع يقين‬
‫هذه الزاوية‪ ،‬وإال فإن االجتهاد ال ُينقض بمثله‪.‬‬
‫وقد قرر علماء الفلك قديم ًا هذه الزاوية أو قريب ًا منها‪ ،‬قال في ثمرات‬

‫= االستواء فقط)‪ ،‬بل هو مائل‪ ،‬وبالتايل فإن الشمس جيب أن تسري أكثر من درجة واحدة‬
‫حتى تقرتب من األفق درجة واحدة‪ ،‬ومقدار الزمن الالزم حتى تقرتب الشمس من‬
‫األفق درجة واحدة خيتلف باختالف الفصول‪ ،‬وخيتلف بشكل ملحوظ باختالف خط‬
‫عرض البلد‪ .‬وفيام ييل جدول يبني الزمن الالزم لكي تقرتب الشمس من األفق درجة‬
‫واحدة (من ‪ ١8‬إىل ‪ )١7‬بالنسبة خلط العرض‪ 0.30.45.٦0‬ملختلف فصول السنة‪:‬‬
‫الشتاء‬ ‫اخلريف‬ ‫الصيف‬ ‫الربيع‬ ‫خط العرض‬

‫‪4‬دقائق و‪ (4‬ثانية‬ ‫‪4‬دقائق متام ًا‬ ‫‪4‬دقائق و‪(4‬ثانية‬ ‫‪ 4‬دقائق متام ًا‬ ‫‪0‬‬
‫‪4‬دقائق ‪5١‬ثانية‬ ‫‪4‬دقائق و‪43‬ثانية‬ ‫‪٦‬دقائق و‪١0‬ثواين‬ ‫‪4‬دقائق و(‪ 4‬ثانية‬ ‫‪30‬‬
‫‪5‬دقائق و‪ 53‬ثانية‬ ‫‪٦‬دقائق وثانية‬ ‫‪١3‬دقيقة و‪١9‬ثانية‬ ‫‪5‬دقائق و‪ 57‬ثانية‬ ‫‪45‬‬
‫ال تصل الشمس‬
‫‪8‬دقائق و‪ (١‬ثانية‬ ‫‪9‬دقائق و‪ 48‬ثانية‬ ‫‪9‬دقائق و‪ 33‬ثانية‬ ‫‪٦0‬‬
‫للزاوية ‪١8‬‬

‫وهدفنا من هذا اجلدول هو توضيح أن الزمن بني مؤيدي الزاوية ‪ ١8‬والزاية ‪ ١5‬قد‬
‫يصل يف بعض املناطق إىل زمن يزيد عن ‪ 40‬دقيقة ! فاملسألة ليست هينة وجيب دراستها‬
‫بعناية ودقة‪ .‬انظر‪ :‬إشكاليات فلكية وفقهية حول حتديد مواقت الصالة‪ ،‬بحث مقدم‬
‫ملؤمتر اإلمارات الفلكي الثاين‪ ،‬ملحمد شوكت عودة‪ .‬ص‪.١7‬‬
‫‪)١( Explanatory Supplement to the Astronomical Almanac, P. Kenneth‬‬
‫‪Seidelmann, U.S. Naval Observatory, 1992.‬‬
‫وانطر أيض ًا‪ :‬املرشوع اإلسالمي لرصد األهلة عىل الشبكة العنكبوتية‪:‬‬
‫‪http://www.icoproject.org/article/2001_salat.html‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪88‬‬

‫الوسيلة‪:‬‬
‫«يدخل وقت العشاء عند األئمة الثالثة‪ ،‬بانحطاط الشمس تحت األفق‬
‫بقدر(يز)(‪ (١‬درجة‪ ،‬وهو غيوب الشفق األحمر‪ ،‬وعند أبي حنيفة بقدر (يط)‬
‫درجة وهو غيوب الشفق األبيض»‪.‬‬
‫(((‬

‫وقال العالمة النتيني‪« :‬الشفق عند ُر ّصاد أئمة هذا الفن يغيب بانحطاط‬
‫الشمس تحت األفق سبع عشرة درجة»(‪ ،(3‬وقال ذلك أيض ًا المحققون من علماء‬
‫الفلك مثل نصير الدين الطوسي‪ ،‬والمؤيد الفوضي‪ ،‬وأبي الوفاء اليوزجاني‪،‬‬
‫وأبي الريحان البيروني(‪ ،(4‬والشيخ أبي عبدالله الرباطي(‪.(5‬‬
‫وقال أبو زيد عبد الرحمن بن عمر السوسي البوعقيلي الشهير بابن‬
‫المفتي المتوفى‪١003( :‬هـ) في باب ساعات مغيب الشفق وطلوع الفجر وما‬
‫في مديتهما من أدراج‪« :‬ومنهم من جعل للشفق يز (‪ )١7‬وللفجر يط (‪،)١9‬‬
‫فتكون على هذا مدة الفجر أوسع من مدة الشفق وذلك أن الشفق هو الحمرة‬
‫كما علمت‪ ،‬والحمرة قبل الشروق كالحمرة بعد الغروب وللفجر ضياء يبدو‬
‫قبل الحمرة فكانت المدة أوسع من المجة ولكن االحتياط لدخول الوقت‬
‫وتبينه هو على رأي من جعل لهما يح (‪ )١8‬وهو الذي عليه العمل كثير ًا وال‬
‫(‪(٦‬‬
‫يخفى كون ذلك احتياط ًا والله أعلم»‪.‬‬

‫اجلمل‪ ،‬وكذا ( يط ) يعنون هبا ‪.١9‬‬


‫(‪ (١‬قوله ( يز ) يعنون هبا ‪ ،١7‬بحساب احلروف َ‬
‫((( انظر رشح ثمرات الوسيلة ‪ ،4١‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ (3‬آللئ الطل الندية ‪.3٦‬‬
‫(‪ (4‬رشح ثمرات الوسيلة (‪.4‬‬
‫(‪ (5‬املصدر السابق (‪.4‬‬
‫(‪ (٦‬انظر‪ :‬إشكاالت فقهية وفلكية يف أوقات الصالة‪ ،‬حممد شوكت عودة‪ ،‬منشور يف موقع‬
‫الفلك الدويل عىل الشبكة العنكبوتية‪ .‬صـ ‪.48‬‬
‫‪89‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫فهؤالء إذ ًا علماء الفلك قديما وحديث ًا يقررون أن زاوية غروب الشفق‬


‫األحمر‪ ،‬وكذا زاوية الفجر الصاق تكون بقدر سبع عشرة درجة أو ثمان عشرة‬
‫درجة تحت األفق‪ ،‬وتسع عشرة درجة للشفق األبيض‪ ،‬ويقال لهذا العشاء الثاني‬
‫وللسابق األول‪ ،‬فنثبت عليها‪ .‬وسيأتي حساب زاوية الشفق مع حساب زاوية‬
‫الفجر الصادق كونهما يحسبان بمعادلة حسابية واحدة‪ ،‬وزاويتهما أيض ًا واحدة‬
‫كما سبق بيانه‪ ،‬وهي الزاوية ‪.º ١8‬‬
‫وفيما يلي جدول يبين االختالف في تحديد الزاوية للفجر والعشاء‪:‬‬

‫مكان التطبيق‬ ‫زاوية العشاء‬ ‫زاوية الفجر‬ ‫اسم اهليئة‬ ‫م‬


‫رابطة العامل‬
‫رشق آسيا‪ ،‬وبعض‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬وقرار‬
‫‪١7‬‬ ‫‪١8‬‬ ‫‪1‬‬
‫أوربا‬ ‫جممع الفقه التابع‬
‫للرابطة‬
‫مرص‪ ،‬بعض افريقيا‪،‬‬
‫اهليئة املرصية‬
‫سوريا‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫‪١7.5‬‬ ‫‪١9.5‬‬ ‫‪2‬‬
‫للمساحة‬
‫العراق‪ ،‬ماليزيا‬
‫باكستان‪ ،‬بنجالدش‪،‬‬
‫جامعة العلوم‬
‫اهلند‪ ،‬أفغانستان‪،‬‬ ‫‪١8‬‬ ‫‪١8‬‬ ‫‪3‬‬
‫اإلسالمية بكراتيش‬
‫بعض أوروبا‬
‫أمريكا‪ ،‬كندا‪ ،‬بعض‬
‫اجلمعية اإلسالمية‬
‫بريطانيا‪ ،‬بعض‬ ‫‪١5‬‬ ‫‪١5‬‬ ‫‪4‬‬
‫ألمريكا الشاملية‬
‫أوروبا‬
‫فرنسا‪ ،‬بريطانيا‪،‬‬ ‫احتاد املنظامت‬
‫(‪١‬‬ ‫(‪١‬‬ ‫‪5‬‬
‫أغلب شامل أوروبا‪.‬‬ ‫اإلسالمية يف فرنسا‬
‫وزارة األوقاف‬
‫دولة الكويت‬ ‫‪١7.5‬‬ ‫‪١8‬‬ ‫والشؤون اإلسالمية‬ ‫‪6‬‬
‫بدولة الكويت‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪90‬‬

‫وفيما يلي صورة توضح الشفق األحمر من البر وصورة أخرى من البحر‪:‬‬

‫الشكل‪ )7( :‬الشفق األحمر منظر من البر‬

‫شكل‪ )8( :‬الشفق األحمر منظر من البحر‬


‫‪91‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫خامسا‪ :‬وقت صالة الفجر‬

‫* تعريف الفجر‪:‬‬
‫الفجر ضوء الصباح‪ ،‬وهو حمرة الشمس في سواد الليل‪ ،‬وهما فجران‬
‫سمى َذنَب ِّ‬
‫الس ْر َحان ـ الذئب‪ ،‬واآلخر‬ ‫أحدهما المستطيل‪ ،‬وهو الكاذب الذي ُي ّ‬
‫المستطير وهو الصادق المنتشر في األفق‪ ،‬وهو الذي تتعلق به األحكام الشرعية‪،‬‬
‫وال يكون الصبح إال الصادق‪.‬‬
‫قال الجوهري‪« :‬الفجر في آخر الليل كالشفق في أوله‪ .‬وقال ابن سيده‪:‬‬
‫وقد انفجر الصبح وتفجر وانفجر عنه الليل‪ ،‬وأفجروا دخلوا في الفجر‪ ،‬كما‬
‫تقول أصبحنا من الصبح»(‪.(١‬‬
‫ويسمى أيض ًا الصبح فيكون له اسمان اشتهر بهما‪ ،‬ويكون معنى الصبح‬
‫كما في المعجم‪ ،‬لون ًا من األلوان‪ ،‬قالوا‪ :‬أصله الحمرة‪ ،‬قالوا‪ :‬وسمي الصبح‬
‫صبحا لحمرته‪ ،‬كما سمي المصباح مصباحا لحمرته‪ ،‬قالوا‪ :‬ولذلك يقال وجه‬
‫صبيح‪ ،‬والصباح نور النهار(((‪.‬‬
‫* أول وقت صالة الفجر‪:‬‬
‫أما أول وقتها فقد أجمع الفقهاء على أنه يدخل بطلوع الفجر الثاني(‪،(3‬‬
‫ولكنهم اختلفوا هل يكون ذلك في الغلس أم ُينتظر إلى وقت اإلسفار‪ ،‬وهو‬

‫(‪ (١‬اللسان ‪.45 / 5‬‬


‫((( معجم مقاييس اللغة ‪.3(8 /3‬‬
‫(‪ (3‬املغني البن قدامة ‪.(3( / ١‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪92‬‬

‫انتشار الضوء في السماء‪ ،‬وظهور لون حمرة فيها‪.‬‬


‫ومن أحسن ما وقفت عليه في ذلك هو كالم للشيخ محمد رشيد رضا‬
‫رحمه الله تعالى حيث يقول‪« :‬وما أحسن التعبير عن أول طلوع الفجر‬
‫بالخيطين‪ ،‬والخيط األبيض هو أول ما يبدو من الفجر الصادق‪ ،‬فمتى أسفر ال‬
‫يظهر وجه لتسميته خيط ًا‪ ،‬فما ذهب إليه بعض السلف كاألعمش من أن ابتداء‬
‫(‪(١‬‬
‫الصوم من وقت اإلسفار تنافيه عبارة القرآن»‪.‬‬
‫وقد ورد أيض ًا ما يؤيد ذلك من حديث أبي موسى عن أبيه عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصالة‪ ،‬فلم يرد عليه‬
‫شيئ ًا‪ ،‬قال‪ :‬فأقام الفجر حين انشق الفجر والناس ال يكاد يعرف بعضهم بعضا‪.‬‬
‫(((‬

‫وعليه فإن االعتماد على وقت ال َغ َلس هو الراجح ــ والله أعلم ــ وهو‬
‫مذهب جمهور العلماء قديم ًا وحديث ًا‪ ،‬كما أن العمل عليه عند عموم األمة في‬
‫األمصار في مختلف األعصار(‪.(3‬‬
‫* آخر وقت صالة الفجر‪:‬‬
‫وأما آخر وقتها فقد اختلف الفقهاء فيه‪ ،‬فقال المالكية‪ :‬لإلسفار أي الضوء‬
‫األعلى ـ أي األقوى األظهر الذي ُيرى فيه وجه المقابل في مكان ال غطاء عليه‬
‫بالبصر المتوسط‪ ،‬هذه رواية ابن القاسم وابن عبد الحكم عن اإلمام مالك في‬
‫المدونة‪ ،‬وهو المشهور‪ .‬وقيل‪ :‬يمتد مختار الصبح لطلوع الشمس فال ضروري‬

‫(‪ (١‬تفسري املنار (‪.١78/‬‬


‫((( أخرجه مسلم يف صحيحه ‪ 4(9/١‬برقم ‪ .٦١9‬وغريه‪.‬‬
‫(‪ (3‬من أردا االستزادة واملناقشة الفقهية والفلكية فلرياجع‪ :‬إشكاالت فقهية وفلكية‬
‫يف أوقات الصالة‪ ،‬حممد شوكت عودة‪ ،‬منشور يف موقع الفلك الدويل عىل الشبكة‬
‫العنكبوتية‪.‬‬
‫‪93‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫لها وهي رواية ابن وهب‪ ،‬واألكثر فيها‪ ،‬وعزاها عياض لكافة العلماء وأئمة‬
‫الفتوى‪ ،‬قال‪ :‬وهو مشهور مذهب مالك ‪-‬رضي الله تعالى عنه‪ -‬فكالهما‬
‫(‪(١‬‬
‫مشتهر ولكن األول أشهر‪.‬‬
‫وعند الحنفية‪ ،‬والشافعية والحنابلة أن آخر وقت الفجر هو طلوع‬
‫(((‬
‫الشمس‪.‬‬
‫ولكن الشافعية والحنابلة أن االختيار لوقت هذه الصالة أن ال َّ‬
‫تؤخر عن‬
‫اإلسفار وهو اإلضاءة؛ لخبر جبريل السابق وقوله فيه بالنسبة إليها‪« :‬الوقت ما‬
‫بين هذين» محمول على وقت االختيار(‪.(3‬‬
‫فيقسمون وقت هذه الصالة إلى ستة أوقات‪ :‬وقت فضيلة‬
‫أما الشافعية ِّ‬
‫أول الوقت‪ ،‬ووقت اختيار‪ ،‬ووقت جواز بال كراهة إلى االحمرار‪ ،‬ثم وقت‬
‫كراهة‪ ،‬ووقت حرمة‪ ،‬ووقت ضرورة وهي نهارية؛ لقوله تعالى‪ :‬ﭽﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷﭼ [البقرة‪ ،]١87 :‬ولألخبار الصحيحة في ذلك‪.‬‬
‫(‪(4‬‬

‫ول ال َّل ِه صلى الله عليه وسلم‬ ‫ويستدل الجمهور بحديث أبي ُه َر ْي َر َة َأ َّن َر ُس َ‬
‫الش ْم ُس َف َقدْ َأ ْد َر َك ُّ‬
‫الص ْب َح‪،‬‬ ‫الص ْب ِح قبل َأ ْن َت ْط ُل َع َّ‬ ‫قال‪« :‬من َأ ْد َر َك َر ْك َع ًة من ُّ‬
‫َو َم ْن َأ ْد َر َك َر ْك َع ًة من ا ْل َع ْص ِر قبل َأ ْن َت ْغ ُر َب َّ‬
‫الش ْم ُس َف َقدْ َأ ْد َر َك ا ْل َع ْص َر»(‪ .(5‬وهذا‬
‫الحديث نص في آخر وقتها يجب العمل به‪.‬‬

‫(‪ (١‬منح اجلليل ‪.8(/١‬‬


‫((( انظر االختيار لتعليل املختار ‪ ،38/١‬ومغني املحتاج ‪ ،303/١‬ومغني ابن قدامة‬
‫‪.4(9/١‬‬
‫(‪ (3‬مغنى املحتاج ‪.303/١‬ومغني ابن قدامة ‪.4(9/١‬‬
‫(‪ (4‬مغنى املحتاج ‪.303/١‬‬
‫(‪ (5‬أخرجه البخاري يف صحيحه ‪ (04 /١‬برقم ‪ ،54١‬إال أنه قال سجدة بدل ركعة‪ ،‬وقال‬
‫فليتم صالته‪ ،‬بدل فقد أدرك الصبح‪ ،‬ومسلم ‪ ،4(4 /١‬برقم ‪ ،٦08‬واللفظ ملسلم‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪94‬‬

‫مر؛ إلحاقا لِ َما لم‬


‫والمراد بطلوعها هنا طلوع بعضها بخالف غروبها فيما ّ‬
‫يظهر بما ظهر فيهما‪ ،‬وألن وقت الصبح يدخل بطلوع بعض الفجر‪ ،‬فناسب أن‬
‫يخرج بطلوع بعض الشمس‪.‬‬
‫(‪(١‬‬

‫وقد قسم ابن حزم رحمه الله في القرن الخامس الهجري أوقات الصالة‬
‫باعتبار ساعات الليل والنهار تقسيم ًا دقيق ًا فقال‪:‬‬
‫وقت الظهر أطول من وقت العصر أبدا في كل زمان ومكان؛ ألن الشمس‬
‫تأخذ في الزوال في أول الساعة السابعة‪ ،‬ويأخذ ظل القائم في الزيادة على مثل‬
‫القائم ‪-‬بعد طرح ظل الزوال‪ -‬في صدر الساعة العاشرة؛ أما في خمسها األول‬
‫إلى ثلثها األول‪ :‬ال يتجاوز ذلك أصال في كل زمان ومكان؟ ووقت صالة‬
‫الصبح مساو لوقت صالة المغرب أبدا في كل زمان ومكان؛ ألن الذي من‬
‫طلوع الفجر الثاني إلى أول طلوع الشمس‪ ،‬كالذي من آخر غروب الشمس إلى‬
‫غروب الشفق ‪-‬الذي هو الحمرة أبدا‪ -‬في كل وقت ومكان؛ يتسع في الصيف‪،‬‬
‫ويضيق في الشتاء؛ لكبر القوس وصغره‪.‬‬
‫ووقت هاتين الصالتين أبدا‪ :‬هو أقل من وقت الظهر ووقت العصر؛ ألن‬
‫وقت الظهر هو ربع النهار وزيادة؟ فهو أبدا ثالث ساعات‪ ،‬وشيء من الساعات‬
‫المختلفة ووقت العصر ربع النهار غير شيء فهو أبدا ثالث ساعات‪ ،‬غير شيء‬
‫من الساعات المختلفة‪.‬‬
‫وال يبلغ ذلك وقت المغرب وال وقت الصبح‪ ،‬وأكثر ما يكون وقت‬
‫كل صالة منهما ساعتين‪ ،‬وقد يكون ساعة واحدة وربع ساعة من الساعات‬
‫المختلفة؛ وهي التي يكون منها في أطول يوم من السنة‪ ،‬وأقصر يوم من السنة‪:‬‬

‫(‪ (١‬مغنى املحتاج ‪.303/١‬‬


‫‪95‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫اثنتا عشرة‪ ،‬فهي تختلف لذلك في طولها وقصرها؛ وفي الهيئة أيضا كذلك‪،‬‬
‫وال فرق؟ وأوسعها كلها وقت العتمة؛ ألنه أزيد من ثلث الليل‪ ،‬أو ثلث الليل‬
‫ومقدار تكبيرة في كل زمان ومكان‪ ،‬وبالله تعالى التوفيق‪.‬‬
‫(‪(١‬‬

‫* أوقات الصلوات المفروضة‪:‬‬

‫(‪ (١‬املحىل البن حزم (‪.(((/‬‬


‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪96‬‬

‫حسابات الفلكيني لوقت صالة الفجر‬

‫أما وقت الفجر فإنه يبدأ بطلوع الضوء‪ ،‬أو البياض المعترض ضياؤه‬
‫ويزداد نوره لحظة فلحظة إلى أن يظهر الجميع ويسمى بالفجر الصادق‪ ،‬أما‬
‫الضياء األبيض المستطيل الذي يكون ليس معترض ًا بل كذنب السرحان فإنه‬
‫يظهر أول الضياء األول وقبله ويسمى هذا بالفجر الكاذب؛ ألنه يختفي(‪،(١‬‬
‫والثاني يسمى بالفجر الصادق؛ ألنه يزداد إلى أن يكتمل نوره‪.‬‬
‫ويعتبر الفجر الكاذب ظاهرة فلكية معروفة لدى الفلكيين المسلمين وغير‬
‫المسلمين‪ ،‬تسمى هذه الظاهرة بالضوء البرجي (‪ ،)Zodiacal light‬وهي عبارة‬
‫عن إضاءة بيضاء باهتة تظهر في جهة الشرق قبل طلوع الصادق‪ ،‬وهي تظهر‬
‫على شكل مثلث كبير قاعدته عند األفق ورأسه إلى األعلى‪ ،‬وهي تظهر بفترة‬
‫(‪(3‬‬
‫تترواح ما بين ‪ ٦0-30‬دقيقة((( قبل ظهور الفجر الفلكي ( الصادق )‪.‬‬

‫(‪ (١‬هذا هو املشهور يف كتب الفقهاء عند كالمهم عىل الفجر الكاذب‪ ،‬أنه خيتفي وهلذا سمي‬
‫كاذب ًا‪ ،‬ولكن الفلكيني املعارصين خيطئون هذه املعلومة‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن هذه املعلومة‬
‫ليست صحيحة‪ ،‬بل العكس هو الصحيح‪ ،‬فإضاءة الفجر الكاذب تستمر باالزدياد إىل‬
‫أن يظهر الفجر الصادق ويتداخل معه‪ ،‬وهذا بحسب التجربة والرصد‪ .‬انظر إشكاالت‬
‫فلكية وفقهية ص‪ ،5‬حممد شوكت عودة‪.‬‬
‫((( وقدرها املحقق إسامعيل بن مصطفي الرتكي يف مراصده بأربع دقائق‪ .‬وقدرها العالمة‬
‫الواسعي بنصف ساعة أو ثلث ساعة يف بعض األوقات‪ ،‬قلت وهذا هو املشاهد‪ ،‬أما‬
‫األربع الدقائق فلعلهم يريدون هبا املطلع الفلكي ال الرشعي املشاهد‪ .‬انظر ثمرات‬
‫الوسيلة (‪ ،4‬وكنز الثقات يف علم األوقات ‪.١7‬‬
‫(‪ (3‬إشكاالت فلكية وفقهية حول حتديد مواقيت الصالة صـ ‪ ،4‬حممد شوكت عودة‪.‬‬
‫‪97‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫ولما صعب على كثير من الناس إدراك ضياء الفجر وخاصة في األضواء‬
‫َّ‬
‫واألنوار قدروا له قدر ًا وحسبوا له حساب ًا‪.‬‬
‫الرصاد وعلماء الفلك كما سبق ‪-‬في الحديث عن‬
‫َّ‬ ‫وقد اختلف أئمة‬
‫وقت العشاء‪ -‬في تقديره وحسابه‪ ،‬فمنهم(‪ (١‬من جعل عدد درجات الفجر‬
‫«‪» º ١5‬وال أقل من ذلك إال من ّ‬
‫شذ‪ ،‬ومنهم من جعلها «‪ ،»º ١7‬ومنهم من جعلها‬
‫«‪ »º ١8‬وهو األشهر‪ ،‬ومنهم من جعلها «‪ ،»º ١9‬ومنهم من جعلها «‪،»º ١9.5‬‬
‫وال يوجد من نادى بأكثر من ذلك إال من شذ أيض ًا؛ فخالصة القول‪ :‬إن الزاوية‬
‫التي حولها النقاش تنحصر ما بين زاويتي «‪ »º ١5‬و «‪.((( »º ١9.5‬‬
‫ور ّد بعض العلماء ذلك االختالف إلى اعتبار وقت الغلس أي الظلمة وقلة‬
‫اللمعان‪ ،‬ووقت اإلسفار وهو أكثر اللمعان في محاولة للجمع بين األقوال‪.‬‬
‫والرصاد قديم ًا وحديث ًا وهي‬
‫َّ‬ ‫ولكنا سنثبت على ما قرره أغلب العلماء‬
‫الزاوية ‪ ،º ١8‬إال أن يأتينا يقين بغيرها من متخصصين نرفع به يقين هذه الزاوية‪،‬‬
‫الرصاد‬
‫وإال فإن االجتهاد ال ُينقض بمثله‪ ،‬السيما إن كان هذا هو قول عامة َّ‬
‫من المتقدمين كاإلمام البيروني‪ ،‬ونصير الدين الطوسي (‪٦7‬هـ‪ ،‬والقاضي‬
‫زادة ‪840‬هـ‪ ،‬وأبي الحسن الصوفي ‪37٦‬هـ‪ ،‬وابن الزرقالة ‪493‬هـ‪ ،‬والبتّاني‬
‫‪3١7‬هـ وغيرهم كثير(‪.(3‬‬

‫(‪ (١‬ملعرفة أسامء اهليئات التي اعتمدت بعض هذه الزوايا يراجع اجلدول املذكور عند الكالم‬
‫عىل صالة العشاء‪.‬‬
‫((( إيضاح القول احلق يف مقدار انحطاط الشمس وقت طلوع الفجر وغروب الشفق‪،‬‬
‫األستاذ العالمة الفلكي السيد احلاج حممد بن عبدالوهاب بن عبد الرزاق األندليس‬
‫ألف كتابه هذا سنة ‪١975‬م‪.‬‬
‫(‪ (3‬ذكر هؤالء العلامء وغريهم يف املصدر السابق‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪98‬‬

‫وأما من أيدهم من المعاصرين فكثير جد ًا‪ ،‬وبخاصة تلكم الحمالت التي‬


‫(‪(١‬‬
‫خرجت للرصد والحساب في كل من اليمن وليبيا واألردن وغيرها‪.‬‬
‫(((‬
‫وفيما يلي رسم غير حقيقي يبين زاوية الفجر كيف تتشكل‪.‬‬

‫شكل ( ‪( 9‬‬
‫ولو رجعنا إلى الروايات الواردة عن صالة النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫كيف كان يصليها؟ لوجدناها قريب ًا من اعتماد الزاوية ‪ ،١8‬بخالف غيرها وذلك‬
‫كما يلي‪:‬‬
‫من المقرر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بطوال المفصل في صالة‬
‫الله َص َّلى‬‫ول ِ‬ ‫الفجر؛ فعن أبي هريرة قال‪ :‬ما َص َّل ْي ُت َوراء َأ َح ٍد َأ ْش َب َه َص َال ًة بِرس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫اك‪َ ،‬ف َحدَّ َثنِي ُب َك ْي ُر ْب ُن َع ْب ِد‬ ‫الل ُه َع َل ْي ِه َو َس َّل َم ِم ْن ُف َال ٍن‪ ،‬إِن َْسانًا َقدْ َس َّما ُه‪َ .‬ق َال َّ‬
‫الض َّح ُ‬

‫مفصال بحث الدكتور حممد شوكت عودة «إشكاالت فقهية وفلكية‬ ‫ً‬ ‫(‪ (١‬راجع يف ذلك‬
‫حول أوقات الصلوات»‪.‬‬
‫((( هو رسم تقريبي حلركة الشمس الظاهرية فقط‪ ،‬قام به أحد الزمالء وهو‪ :‬د‪ .‬عبدالرزاق‬
‫املالهي حفظه اهلل ورعاه‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الر ُج ِل َف َر َأ ْي ُت ُه» « ُي َط ِّو ُل‬ ‫ِ‬ ‫ان ْب ِن َي َس ٍ‬ ‫ِ‬


‫ار‪َ ،‬أ َّن ُه َق َال‪َ :‬ص َّل ْي ُت َو َرا َء َذل َك َّ‬ ‫الله‪َ ،‬ع ْن ُس َل ْي َم َ‬
‫ف ا ْل َع ْص َر‪َ ،‬و َي ْق َر ُأ فِي‬ ‫ف ْاآل ِخري ِن‪ ،‬وي ِ‬
‫خ ّ‬ ‫َُ‬ ‫َْ‬
‫الر ْكع َتي ِن ْاألُو َليي ِن ِمن ال ُّظه ِر‪ ،‬وي ِ‬
‫خ ُّ‬ ‫ْ َُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫ار ا ْلم َفص ِل‪ ،‬وي ْقر ُأ فِي ا ْل ِع َش ِ‬ ‫ا ْلم ْغ ِر ِ ِ‬
‫اها َو َما ُي ْشبِ ُه َها‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫س َو ُض َح َ‬ ‫الش ْم ِ‬‫اء بِ َّ‬ ‫ََ َ‬ ‫ب بِق َص ِ ُ َّ‬ ‫َ‬
‫(‪(١‬‬
‫ال ِم َن ا ْل ُم َف َّص ِل »‪.‬‬
‫الص ْب ِح بِال ُّط َو ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْق َر ُأ في ُّ‬
‫ومن المعلوم أنه كان ثمة وقت بين األذان واإلقامة ومع ذلك كله ورد‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفجر وينصرف منها والرجل ال‬
‫يعرف جليسه من شدة الظلمة‪ ،‬وفي روايات أخرى كانت النساء ال يعرفن عند‬
‫َات َي ْش َهدْ َن‬ ‫انصرافهن فقد روت عائشة رضي الله عنها قالت‪ُ « :‬كن نِساء الم ْؤ ِمن ِ‬
‫َّ َ ُ ُ‬
‫ات بِ ُم ُروطِ ِه َّن‪ُ ،‬ث َّم َينْ َق ِل ْب َن‬
‫ال َة ال َفج ِر م َت َل ِّفع ٍ‬
‫ْ ُ َ‬ ‫ول ال َّل ِه َص َّلى الل ُه َع َل ْي ِه َو َس َّل َم َص َ‬
‫م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬
‫س»‪ (((.‬وهذا كله ال‬ ‫الةَ‪ ،‬الَ َي ْع ِر ُف ُه َّن َأ َحدٌ ِم َن ال َغ َل ِ‬
‫الص َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إِ َلى ُب ُيوت ِه َّن حي َن َي ْقضي َن َّ‬
‫يمكن أن يتفق إال على حساب الزاوية ‪ ١8‬تقريب ًا‪ ،‬وليس غيرها‪.‬‬

‫(‪ (١‬أخرجه أمحد يف املسند (‪ 53(/‬برقم ‪ ١0895‬قال شعيب األرنؤوط‪ :‬إسناده قوي عىل‬
‫رشط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخني غري عبداهلل بن احلارث والضحاك بن عثامن‬
‫فمن رجال مسلم‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه ‪ 589/١‬برقم ‪ .578‬وغريه‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪100‬‬

‫الشكل‪ )١0( :‬يبين الخيط األبيض من الخيط األسود من الفجر‬

‫الشكل‪ )١١( :‬يبين صورتي الفجر الكاذب والصادق‬


‫‪101‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الشكل‪ )١(( :‬يبين صورة ذنب السرحان‪ ،‬وأن الفجر الكاذب يكون كهيئته‬

‫مالحظة‪:‬‬
‫الم َح ِّير تحديد المنطقة التي سيتم اعتمادها لحساب مواقيت‬
‫قد يكون من ُ‬
‫الصالة بالنسبة لمدينة واسعة‪ ،‬فهل هي شرق المدينة أم وسطها أم غربها؟‬
‫فإذا اعتمدنا شرق المدينة فهذا يعني أن المؤذن في رمضان مثال سيؤذن‬
‫لصالة المغرب عند غروب الشمس بالنسبة لشرق المدينة‪ ،‬وعندها سيفطر‬
‫الصائمون في غرب المدينة على الرغم من عدم غروب الشمس بعد بالنسبة‬
‫لهم وسيبطل صيامهم‪.‬‬
‫أما إذا تم اعتماد غرب المدينة فهذا يعني أن القاطنين في شرق المدينة‬
‫سيستمرون في السحور في رمضان حتى يؤ َّذن الفجر بالنسبة لغرب المدينة‬
‫على الرغم من بزوغ الفجر في شرق المدينة‪ ،‬وعليه أيض ًا بطل صومهم‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪102‬‬

‫أما إن أجريت الحسابات بالنسبة لوسط المدينة فستبرز كلتا المشكلتين‬


‫السابقتين‪.‬‬
‫و من هنا نرى أن الحل األمثل لهذه المشكلة واألحوط هو حساب موعد‬
‫صالة الفجر وشروق الشمس بالنسبة لشرق المدينة وحساب باقي مواقيت‬
‫الصالة بالنسبة لغرب المدينة وبذلك نضمن صحة صوم وصالة جميع أهل‬
‫المدينة‪.‬‬
‫(‪(١‬‬

‫حساب وقت الفجر عن طريق خط عرض البلد‪ ،‬ودرجة ميالن الشمس‪:‬‬


‫المطلوب إيجاده‪:‬‬
‫* وقت الظهر لليوم المطلوب‪.‬‬
‫* الميل االستوائي للموقع‪.‬‬
‫* معرفة الزاوية التي سوف تحسب عليها لوقتي الفجر والعشاء‪ ،‬وهي‬
‫‪ ١8‬درجة تحت األفق ‪ 90 +‬زاوية سمت الرأس = ‪ ١08‬درجة‪.‬‬
‫* المعادلة‪.‬‬
‫* بعد إيجاد ناتج المعادلة نوجد قيمة الزاوية والتي يرمز لها بـ «جتا‪،»١-‬‬
‫وذلك بكتابة ناتج المعادلة على اآللة الحاسبة ثم نضغط على ‪ shift‬ثم ‪cos‬‬
‫وسينتج المطلوب وهو جتا ‪.‬‬
‫‪((( ١-‬‬

‫(‪ (١‬حممد شوكت عودة‪ :‬رئيس املرشوع اإلسالمي لرصد األهلة ‪ ،ICOP‬رئيس جلنة رصد‬
‫األهلة واملواقيت التابعة للجمعية الفلكية األردنية‪ ،‬عضو مؤسس يف االحتاد العريب‬
‫لعلوم الفضاء و الفلك‪ ،‬عضو اللجنة الرسمية إلثبات األهلة يف األردن و اإلمارات‪.‬‬
‫(‪.(modeh@icoproject.org‬‬
‫((( ناتج جتا‪ ١-‬هو قيمة ذات الزاوية‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫* ثم نقسم الناتج على ‪ ١5‬للتحويل الزمني(‪.(١‬‬


‫* ثم نطرح من الناتج العدد الصحيح(((‪ ،‬للتخلص منه‪ ،‬وليبقى الكسر‬
‫فقط لنعرف عدد الدقائق‪.‬‬
‫* ثم نضرب الكسر × ‪ ٦0‬وذلك لتحويل الكسر للدقائق(‪.(3‬‬
‫* ثم نضيف العدد الصحيح الذي طرحناه سابق ًا مضاف ًا لناتج ضرب‬
‫الكسر × ‪٦0‬؛ ليكون العدد الصحيح هو الساعات‪ ،‬وناتج ضرب الكسر × ‪٦0‬‬
‫هو الدقائق‪.‬‬
‫* ثم نطرح الناتج من وقت الظهر لذلك اليوم نفسه‪ ،‬ينتج وقت الفجر‬
‫المطلوب بالساعة والدقيقة‪.‬‬
‫* وإليجاد وقت العشاء ما عليك إال أن تجمع ناتج المعادلة مع وقت‬
‫الظهر‪.‬‬

‫(‪ (١‬ألن ‪ ١5‬خط طول يمثل ساعة واحدة زمنية‪.‬‬


‫((( والذي يمثل عدد الساعات‪.‬‬
‫(‪ (3‬ألن عدد الدقيقة ‪ ٦0‬ثانية‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪104‬‬

‫مثال تطبيقي‪:‬‬
‫مطلوب وقت الفجر ليوم ‪ ١٦‬من ديسمبر لمدينة الكويت؟‬
‫المعطيات‪:‬‬
‫‪ -١‬وقت الظهر = ‪١١.43‬‬
‫(‪ -‬خط العرض = ‪(9.33‬‬
‫‪ -3‬الميل االستوائي للموقع = ‪(3 .3-‬‬
‫‪ -4‬المعادلة هي‪:‬‬
‫جتا الزاوية الساعية= جتا (سمت الرأس) ‪ -‬جا (خط العرض) × جا (الميل االستوائي)‬

‫جتا (خط العرض) × جتا (الميل االستوائي)‬

‫‪ -5‬التعويض على المعادلة كالتالي‪:‬‬


‫جتا الزاوية الساعية= جتا ( ‪ - )١08‬جا (‪ × )(9.33‬جا (‪((3.3-‬‬
‫جتا(‪ × )(9.33‬جتا (‪((3.3-‬‬

‫جتا الفجر= (‪(0.395-( × (0.489( - (0.3١-‬‬

‫(‪(0.9١8( × (0.87١‬‬

‫جتا الفجر= (‪(0.١١7-( = (0.١93-( - (0.3١-‬‬

‫(‪(0.799‬‬ ‫(‪(0.799‬‬

‫جتا الفجر= ‪0.١4٦-‬‬

‫جتا‪33.٦8 = ٦0 × 0.5٦١ = ٦ - ٦.5٦١ = ١5 ÷ 98.4(0 =١-‬‬


‫نضيف العدد الصحيح ليكون الناتج = ‪٦.33.٦8‬‬
‫‪105‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫ثم نطرح الناتج من وقت ظهر نفس اليوم كالتالي‪:‬‬


‫‪5.9.8 = ٦.33.٦8 - ١١.43‬‬
‫وقت(‪ (١‬الفجر‪ ١٦‬ديسمبر لمدينة الكويت = الساعة ‪ 5‬والدقيقة ‪ 9‬والثانية ‪.8‬‬
‫* حساب وقت صالة العشاء‪:‬‬
‫معادلة وقت العشاء هي ذاتها معادلة وقت الفجر‪ ،‬بكل تفاصيلها‪ ،‬ولكن‬
‫في نهاية المعادلة بدالً من طرح الناتج من وقت الظهر‪ ،‬اجمع الناتج لوقت‬
‫الظهر‪ ،‬بمعنى‪ :‬وقت الفجر تطرح الناتج‪ ،‬ووقت العشاء تجمع الناتج مع وقت‬
‫الظهر‪.‬‬
‫فإذا أردت معرفة وقت العشاء للمثال السابق على نفس الدرجة لحصة‬
‫الفجر التي هي ‪ ١8‬فاجمع ناتج ذات المعادلة السابقة لوقت الظهر بدالً من‬
‫الطرح‪.‬‬
‫فمث ً‬
‫ال على هذه المعادلة سيكون وقت العشاء هو‪٦.33.٦8 + ١١.43 :‬‬
‫= ‪١8.١7.8‬‬
‫(‪ (١‬مالحظات حلل املعادالت‪:‬‬
‫• ال حتاول أن حتل املعادلة كلها مرة واحدة باحلاسبة بأن تضم جتا مع جا مرة واحدة‪ ،‬بل‬
‫أوجد قيمة جتا منفردة‪ ،‬ثم قيمة جا وامجع أو ارضب (بحسب املطلوب) جا مع نظريها‬
‫جا؛ ليتحصل الناتج ثم أكمل احلل مع جتا‪.‬‬
‫• ال بد من االنتباه لإلشارات املوجبة والسالبة يف املعادالت‪ ،‬وترضب هي أيضا‪:‬‬
‫‪ + = - ×-‬وهكذا‪ .‬ويصلح أن ترضب األرقام بإشاراهتا باحلاسبة‪.‬‬
‫• رموز احلاسبة هي كالتايل‪:‬‬
‫• جا = ‪sin‬‬
‫• جتا = ‪cos‬‬
‫• ظا = ‪tan‬‬
‫• جا‪ = ١-‬العدد املطلوب «‪.»sin« »shift‬‬
‫• جتا‪ = ١-‬العدد املطلوب «‪.»cos« »shift‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪106‬‬

‫املنهي عن الصالة فيها‪ ،‬رشعي ًا وفلكي ًا‬


‫ّ‬ ‫فقه األوقات‬

‫ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عقبة بن عامر الجهني‬
‫الله َص َّلى الل ُه َع َل ْي ِه َو َس َّل َم َين َْهانَا‬‫ول ِ‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫ات ك َ‬‫ث سا َع ٍ‬
‫رضي الله عنه قال‪َ :‬ث َال ُ َ‬
‫از َغ ًة َحتَّى ت َْرت َِف َع‪،‬‬ ‫الش ْم ُس َب ِ‬ ‫َأ ْن نُص ِّلي فِ ِيهن‪َ ،‬أو َأ ْن َن ْقبر فِ ِيهن موتَانَا‪ِ :‬‬
‫«حي َن َت ْط ُل ُع َّ‬ ‫َّ َ ْ‬ ‫َُ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َ َ‬
‫وب‬‫الش ْم ُس لِ ْل ُغ ُر ِ‬ ‫ف َّ‬ ‫الش ْم ُس‪َ ،‬و ِحي َن ت ََض َّي ُ‬ ‫َو ِحي َن َي ُقو ُم َق ِائ ُم ال َّظ ِه َير ِة َحتَّى ت َِم َيل َّ‬
‫(‪(١‬‬
‫َحتَّى َت ْغ ُر َب»‪.‬‬
‫وحديث ابن عمر ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬أن رسول الله ‪-‬ص َّلى الله عليه‬
‫س‪َ ،‬و َال ِعنْدَ ُغ ُروبِ َها»(((‪.‬‬ ‫«ال َيت ََح َّرى َأ َحدُ ك ُْم َف ُي َص ِّل َي ِعنْدَ ُط ُلو ِع َّ‬
‫الش ْم ِ‬ ‫وس َّلم‪ -‬قال‪َ :‬‬
‫وورد أيض ًا عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن الصالة بعد صالة الصبح‪،‬‬
‫وعن الصالة بعد صالة العصر من حديث أبي سعيد الخدري ‪-‬رضي الله عنه‪-‬‬
‫الص ْب ِح‬ ‫رسول الله ‪-‬ص َّلى الله عليه وس َّلم‪ -‬يقول‪َ :‬‬
‫«ال َصال َة َب ْعدَ ُّ‬ ‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬وال َصال َة َب ْعدَ ا ْل َع ْص ِر َحتَّى َت ْغ ُر َب َّ‬
‫الش ْم ُس»(‪.(3‬‬ ‫َحتَّى َت ْط ُل َع َّ‬
‫فهذه إذ ًا خمسة أوقات ورد النهي عن الصالة فيها‪ ،‬وهي على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ )١‬بعد الصبح حتى تطلع الشمس‪.‬‬
‫() وقت شروق الشمس حتى ترتفع قدر رمح‪.‬‬
‫(‪ (١‬أخرجه أمحد يف املسند ‪ ١5(/4‬برقم ‪ ،١74١5‬ومسلم يف صحيحه ‪ 5٦8/١‬برقم‬
‫‪ 83١‬وغريمها‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري ‪ ١(١/١‬برقم ‪ ،585‬ومسلم ‪ 5٦7/١‬برقم ‪.8(8‬‬
‫(‪ (3‬أخرجه أمحد يف املسند ‪ (8١/١‬برقم ‪ ،١30‬والبخاري يف صحيحه ‪ ١(8/١‬برقم‬
‫‪.58٦‬‬
‫‪107‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫‪ )3‬حين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس‪.‬‬


‫‪ )4‬بعد صالة العصر حتى تغرب الشمس‪.‬‬
‫‪ )5‬وقت الغروب حتى يكتمل غروبها‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء في تحديد بعض هذه األوقات على وجة الدقة متى‬
‫هي؟ فتباينت األقوال‪ ،‬وتعددت اآلراء ولو أردنا الدقة في معرفة هذه األوقات‪،‬‬
‫فإنه يلزم الرجوع في ذلك إلى أهل الصنعة والفن‪ ،‬وهم أهل الفلك والحساب‪،‬‬
‫فالفقيه من حيث هو فقيه يعرف الحكم الشرعي للصالة في هذه األوقات‪،‬‬
‫ويحقق القول في حقيقة النهي وحكمته وغير ذلك‪.‬‬
‫والفلكي هو الذي يحسب هذه األوقات ويعرف على وجه التحديد‬
‫متى تكون‪ ،‬وفي أي دقيقة وساعة تحصل‪ ،‬ومن هذا الباب سنحاول إيراد هذه‬
‫األوقات على ما قرره علماء الفلك والحساب‪ ،‬إما عن طريق الحساب‪ ،‬أو عن‬
‫طريق التجربة العملية‪ ،‬وبيان هذه األوقات على النحو التالي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬بعد صالة الصبح‬
‫ورد النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الصالة بعد صالة الصبح‪،‬‬
‫رسول الله ‪-‬ص َّلى الله‬
‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫فعن أبي سعيد ُ‬
‫الخدري ‪-‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪:‬‬
‫الص ْب ِح َحتَّى َت ْط ُل َع َّ‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬وال َصال َة َب ْعدَ‬ ‫عليه وس َّلم‪ -‬يقول‪َ :‬‬
‫«ال َصال َة َب ْعدَ ُّ‬
‫ا ْل َع ْص ِر َحتَّى َت ْغ ُر َب َّ‬
‫الش ْم ُس»(‪.(١‬‬
‫والصالة بعد الصبح‪ ،‬أي بعد طلوع الفجر الصادق وتأدية صالة الصبح‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ال تجوز الصالة بعدها‪ ،‬ويستمر النهي كما سيأتي إلى أن تشرق‬ ‫فإنه‬
‫الشمس وترتفع قدر رمح‪.‬‬

‫(‪ (١‬سبق خترجيه قريب ًا‪.‬‬


‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪108‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع‬


‫هذا هو الوقت الثاني من أوقات النهي‪ ،‬وهو وقت طلوع الشمس‪ ،‬أي‬
‫لحظة شروقها‪ ،‬ولحظة شروقها كما يقرر الفلكيون أنها تكون بمقدار دقيقتين‬
‫زمنيتين‪ ،‬ألن قطر الشمس من حافتها اليمنى إلى اليسرى يساوي دقيقتين‬
‫زمنيتين(‪ ،(١‬ولكنا نقول أيض ًا إن الشارع كالمه مصون من أن ينهى عن صالة في‬
‫وقت ال يتسع لها‪ ،‬فنجعل الوقت بمقدار درجة فلكية كاملة‪.‬‬
‫ويستمر النهي حتى ترتفع‪ ،‬وقد جاء في حديث آخر تقدير زمن ارتفاع‬
‫ول ِ‬
‫الله َص َّلى‬ ‫ب رضي الله عنه َق َال‪َ :‬س َأ ْل ُت َر ُس َ‬ ‫الشمس بأنه قدر رمح؛ فعن َك ْع ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ال َّل ْي ِل ْاآلخ ِر» ُث َّم َق َال‪َّ :‬‬
‫«الص َال ُة‬ ‫«ج ْو ُ‬‫الل ُه َع َل ْيه َو َس َّل َم َأ ُّي ال َّل ْي ِل َأ ْس َم ُع؟ َق َال‪َ :‬‬
‫ُون ِقيدَ ُر ْم ٍح‪،‬‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬و َتك َ‬ ‫الص ْب َح‪ُ ،‬ث َّم َال َص َال َة َحتَّى َت ْط ُل َع َّ‬ ‫َم ْق ُبو َل ٌة َحتَّى ت َُص ِّل َي ُّ‬
‫ِ‬
‫الر ْم ِح‪ُ ،‬ث َّم َال َص َال َة َحتَّى‬ ‫َأ ْو ُر ْم َح ْي ِن‪ُ ،‬ث َّم َّ‬
‫الص َال ُة َم ْق ُبو َل ٌة َحتَّى َي ُقو َم ال ِّظ ُّل ق َيا َم ُّ‬
‫ِ‬
‫يب‬ ‫الص َال ُة َم ْق ُبو َل ٌة َحتَّى ت َُص ِّل َي ا ْل َع ْص َر‪ُ ،‬ث َّم َال َص َال َة َحتَّى تَغ َ‬
‫الش ْم ُس‪ُ ،‬ث َّم َّ‬
‫ول َّ‬ ‫ت َُز َ‬
‫(((‬
‫الش ْم ُس»‪.‬‬ ‫َّ‬
‫و حديث ابن عمر ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫س‪َ ،‬و َال ِعنْدَ ُغ ُروبِ َها»(‪.(3‬‬ ‫«ال َيت ََح َّرى َأ َحدُ ك ُْم َف ُي َص ِّل َي ِعنْدَ ُط ُلو ِع َّ‬
‫الش ْم ِ‬ ‫وسلم قال‪َ :‬‬
‫(‪ (١‬مما أفادنيه شيخي العالمة الفلكي الكبري الوالد الدكتور‪ :‬صالح العجريي‪ ،‬خالل‬
‫دراستي عىل يديه‪.‬‬
‫((( أخرجه أمحد يف املسند ‪ 599/(9‬برقم ‪ ،١8059‬وقال شعيب األرنؤوط‪ :‬صحيح‬
‫لغريه دون قوله‪ :‬أيام رجل مسلم أعتق امرأتني مسلمتني كانتا فكاكه من النار جيزى بكل‬
‫عضوين من أعضائهام عضو ًا من أعضائه"‪ ،‬وهذا إسناد ضعيف النقطاعه‪ ،‬سامل بن أيب‬
‫اجلعد مل يسمعه من كعب بن مرة‪ ،‬وقد روي عنه عىل غري هذا الوجه كام سنبينه‪.‬‬
‫وأخرجه أبو داود من حديث عمرو بن عبسة (‪ (5/‬برقم ‪ ،١(77‬وقال األلباين‪:‬‬
‫صحيح دون مجلة جوف الليل‪ ،‬وأخرجه ابن خزيمة يف صحيحه ‪ ١(8/١‬برقم ‪.(٦0‬‬
‫(‪ (3‬سبق خترجيه‪.‬‬
‫‪109‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫وال بدَّ من العلم أن هذا التقدير لموقع الشمس ومكانها بالرمح إنما هو‬
‫بالنسبة للناظر‪ ،‬وليس بالنسبة لموقع الشمس الحقيقي؛ ألن موقع الشمس‬
‫الحقيقي ال نستطيع رؤيته نتيجة النكسار الضوء ولبعد المسافة‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء في تقدير الرمح اختالف ًا كثير ًا‪ ،‬وهذا االختالف راجع‬
‫إلى أن الرماح عند العرب منها ما هو الطويل‪ ،‬ومنها ما هو القصير‪ ،‬ولذلك‬
‫(‪(١‬‬
‫اختلف الفقهاء في تقديرها‪ ،‬فبعضهم قدره باألذرع فقال‪ :‬سبعة أذرع تقريب ًا‬
‫وهو يساوي ‪ 3.(0‬متر‪ ،‬وبعضهم قدره باألشبار فقدره بـ‪ :‬اثني عشر شبر ًا(((‪،‬‬
‫وهو يساوي ‪ 3‬أمتار‪ ،‬وقدره غير واحد بنحو أربعة أذرع(‪ ،(3‬وهو يساوي ‪١.80‬‬
‫(‪(4‬‬
‫متر‪ ،‬وقدره بعضهم بالدرجات فقالوا الرمح يساوي أربع درجات‪.‬‬
‫وأما بعض المعاصرين فمن قائل المراد بالرمح أي قدر متر تقريب ًا‪ ،‬ويقدر‬
‫عندهم بالدقائق باثنتي عشرة دقيقة إلى عشر دقائق أو ربع ساعة(‪ .(5‬وقدرها‬
‫بعضهم بخمس دقائق إلى عشر على األكثر(‪ .(٦‬وقدرها آخرون بعشرين دقيقة‬
‫تقريب ًا(‪ ،(7‬وبعضهم قدره بمقدار قامة إنسان تقريب ًا(‪ ،(8‬وتقدير هذا غير منضبط‬
‫الختالف أطوال الناس‪ ،‬إال أن يقال يؤخذ بأوسط الناس‪.‬‬

‫(‪ (١‬إعانة الطالبني ‪ .١43/١‬وحتفة املحتاج ‪.4٦(/4‬‬


‫السبكي ‪.3(8/4‬‬ ‫((( الدين اخلالص أو إرشاد اخللق إىل دين احلق حممود حممد خطاب ّ‬
‫(‪ (3‬حتفة احلبيب عىل رشح اخلطيب (‪.(97/‬‬
‫(‪ (4‬انظر‪ :‬حاشية البجريومي ‪ ،١59/١‬وحاشية اجلمل عىل املنهج لزكريا األنصاري‬
‫(‪.33 /‬‬
‫(‪ (5‬الشيخ حممد بن صالح العثيمني‪ ،‬انظر الرشح املمتع ‪.١١3/4‬‬
‫(‪ (٦‬الشيخ ابن جربين يف أحد دروسه‪.‬‬
‫(‪ (7‬الشيخ وهبة الزحييل رمحه اهلل تعاىل‪ :‬الفقه اإلسالمي وأدلته ‪.594/١‬‬
‫(‪ (8‬رشح بلوغ املرام لعطية سامل دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة اإلسالمية‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪110‬‬

‫والمالحظ‪ :‬أن هذا االختالف كبير وواضح في تقدير الرمح وقياسه‪،‬‬


‫عرفت إلى اختالف الرماح عند العرب‪ ،‬ولو أخذنا الوسط وهو‬
‫َ‬ ‫وهذا راجع كما‬
‫األعدل وقدرناه بمتر ونصف لكان هو األنسب واألفضل‪ ،‬أخذ ًا بأوسط األمور‪،‬‬
‫ال سيما أن من الفقهاء من قدره بأربع درجات كما عرفت وال تبلغ الشمس هذا‬
‫القدر من الدرج إال باعتماد المتر ونصف أو متر وستون سانتي على األكثر‪،‬‬
‫فتحصل ‪ ١5‬دقيقة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وقد حسبت ذلك بنفسي على ساحل البحر عند الشروق‬
‫وكيفية القياس هو أن تضع الرمح على أرض مستوية ما ّد ًا يدك ممسك ًا‬
‫به‪ ،‬ويكون الرجل الممسك به متوسط الطول‪ ،‬فعند بلوغ الشمس رأس الرمح‬
‫ف َث َّم َت المطلوب؛ ولو أردنا تحويل ذلك للدقائق فإنها ‪ ١5‬دقيقة‪ ،‬على اعتبار‬
‫أن الرمح يساوي متر ًا ونصف‪ .‬وقد قدرها بهذه الطريقة العملية شيخنا الفلكي‬
‫فتحصل على (‪ ،)١5‬وقال‪ :‬إن هذا‬
‫َّ‬ ‫د‪.‬صالح العجيري ‪-‬حفظه الله تعالى‪-‬‬
‫التقدير بالتتبع والتجربة‪.‬‬
‫‪111‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الشكل ( ‪ )١3‬صورة حقيقية توضح كيفية قياس ارتفاع الشمس ومتى تصل‬
‫قدر رمح أجريتها على ساحل بحر الخليج العربي بدولة الكويت‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪112‬‬

‫وهناك طريقة أخرى لمعرفة ارتفاع الشمس قدر رمح‪ ،‬وحاصلها أن نقدر‬
‫الرمح بطول اإلنسان الطبيعي وزيادة بقدر أربعة أصابع ( وهذا هو الوسط في‬
‫تقدير الرمح)‪ ،‬ثم ننتظر الشمس حتى تكون بمقدار ذلك الظل‪ ،‬فإذا وصل الظل‬
‫لهذا المقدار فقد ارتفعت بمقدار رمح‪ ،‬وتقديره بالدقائق من خالل التجربة‬
‫(‪(١‬‬
‫يفيد ‪ ١5‬خمس عشرة دقيقة زمنية‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬حين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل‪:‬‬
‫هذا الوقت المنهي عن الصالة فيه هو وقت استواء الشمس في كبد‬
‫السماء‪ ،‬وقبل أن تزول عنه‪.‬‬
‫قال النووي رحمه الله تعالى‪ :‬قوله‪( :‬حين يقوم قائم الظهيرة) الظهيرة‬
‫حال استواء الشمس ومعناه حين ال يبقى للقائم في الظهيرة ظل في المشرق‬
‫وال في المغرب‪ ،‬وقوله‪( :‬تضيف) أي تميل‪ (((.‬وقول النووي رحمه الله تعالى‪:‬‬
‫حين ال يبقى للقائم في الظهيرة ظل في المشرق وال في المغرب‪ ،‬بمعنى سوى‬
‫فيء الزوال الذي ال يحسب‪.‬‬
‫وأما مقدار هذا الوقت فقد اختلف الناس في تحديده بين إفراط وتفريط‪،‬‬
‫فمن قائل إن الوقت يكون نصف ساعة‪ ،‬أو ربع ساعة‪ ،‬ومن قائل هو لحظة‬
‫وصول الشمس لكبد السماء‪.‬‬
‫وعند التحقيق في الوقت الذي تصل فيه الشمس إلى كبد السماء‪ ،‬نجد أن‬
‫ذلك يقاس عند علماء الفن بوصول مركز قرص الشمس‪ ،‬وعليه فإن مركزها‬

‫(‪ (١‬أفادين هذه الطريقة شيخي العالمة الفلكي الكبري الدكتور‪ :‬صالح العجريي‪ ،‬وقال إهنا‬
‫بالتجربة املستمرة‪.‬‬
‫((( رشح النووي عىل مسلم ‪.5٦8 / ١‬‬
‫‪113‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫يكون في كبد السماء في لحظة زمنية أو دقيقة زمنية باألكثر‪ ،‬وإذا حسبنا قطر‬
‫قرص الشمس فإنها ستكون دقيقتين زمنيتين‪ ،‬وعند النظر في توجيه الشارع‬
‫الحكيم للنهي عن الصالة هذه اللحظة فإننا نصون كالمه أن ينهانا عن صالة‬
‫في زمن ال يتسع لها‪ ،‬وعليه فإننا نقدر هذه اللحظة بدرجة فلكية واحدة‪ ،‬اعتماد ًا‬
‫على تحرك كامل قرص الشمس مع أخذ بعض االحتياط فنقول بالنهي في‬
‫خمس دقائق‪.‬‬

‫شكل (‪ )١4‬صورة تقريبية لوصول الشمس كبد السماء‬

‫رابع ًا‪ :‬بعد صالة العصر‪:‬‬


‫هذا هو الوقت الرابع من األوقات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عن الصالة فيها‪ ،‬كما ورد من حديث أبي سعيد الخدري السابق‪ ،‬والمقصود‬
‫تغيب الشمس» أي وال تجوز الصالة بعد صالة‬
‫َ‬ ‫بقوله‪« :‬وال بعدَ العصر حتى‬
‫العصر‪ ،‬و«حتى» تفيد الغاية‪ ،‬أي إلى غاية سقوط الشمس وغيابها‪ ،‬وهو بداية‬
‫وقت المغرب‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪114‬‬

‫خامس ًا‪ :‬وقت غروب قرص الشمس‪:‬‬


‫وقت غروب الشمس هو وقت سقوط قرصها تحت األفق‪ ،‬وقد ورد‬
‫النهي عن الصالة في هذا الوقت كما في حديث ابن عمر ‪-‬رضي الله عنهما‪-‬‬
‫«ال َيت ََح َّرى َأ َحدُ ك ُْم َف ُي َص ِّل َي ِعنْدَ ُط ُلو ِع‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪َ :‬‬
‫(‪(١‬‬
‫س‪َ ،‬و َال ِعنْدَ ُغ ُروبِ َها»‪.‬‬
‫الش ْم ِ‬
‫َّ‬
‫ووقت السقوط يمكن معرفته بالمشاهدة‪ ،‬ولك َّن النهي قد ورد أيض ًا عن‬
‫الصالة بعد العصر حتى تغرب الشمس كما سبق‪ ،‬فيكون النهي مستمر ًا من بعد‬
‫صالة العصر إلى سقوط قرص الشمس‪ ،‬وبه يبدأ وقت المغرب‪.‬‬
‫ووقت غروب كامل قرص الشمس يكون بدقيقتين زمنيتين‪ ،‬ويمكن أن‬
‫نجبر هذه الدقيقتين كما سبق صونا لكالم الشارع فنقول بالخمس الدقائق‪.‬‬
‫الخالصة‪:‬‬
‫َّ‬
‫إن حساب مواقيت الصالة منضبط بمعادالت رياضية يمكنها حساب‬
‫مواقيت الصالة بدقة عالية‪ ،‬وقد وصلت الحسابات الفلكية اليوم درجة عالية‬
‫من الدقة‪ ،‬حتى تكاد تصل نسبة الخطأ إلى ما يقارب الصفر‪.‬‬
‫ولكن تبقى هناك بعض العوامل التي بحاجة إلى بحث متخصص لبيان‬
‫تأثيرها على مواقيت الصالة‪ ،‬مثل تأثر صالتي الفجر والعشاء باالرتفاع عن‬
‫مستوى سطح البحر وبالعوامل الجوية‪ ،‬ودقة اختيار الزاوية ‪ º ١8‬لتحديد وقت‬
‫صالتي الفجر والعشاء‪.‬‬
‫لذلك فإننا ندعو إلى إجراء دراسات حول هذه اإلشكاالت التي من‬

‫(‪ (١‬سبق خترجيه‪.‬‬


‫‪115‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫شأنها أن تحسم خالفات دامت لسنوات طويلة(‪ ،(١‬وهذا من أوجب الواجبات‬


‫الشرعية على مراكز البحث الفلكية‪ ،‬والهيئات المعنية في الدول اإلسالمية‪ ،‬ال‬
‫سيما مع تطور علم الفلك ووصوله لحسابات عالية الدقة‪.‬‬
‫كما أن الواجب الشرعي يحتم على كل مسلم مخاطب بإقامة الصالة‬
‫التزام الدقة في وقت الصالة‪ ،‬وعدم التهاون أو التقليل من شأنه فإن الله يقول‪:‬‬
‫ﭽﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﭼ [النساء‪ ،]١03 :‬وإن الواجب‬
‫الشرعي أيض ًا يحتم على وزارات األوقاف في البلدان اإلسالمية أن تولي‬
‫العناية والرعاية لهذا األمر‪ ،‬بتأهيل المؤذنين‪ ،‬وعمل التقاويم (الرزنامات) التي‬
‫تتحرى الدقة في أوقات الصالة‪ ،‬وتوليها عناية خاصة‪.‬‬

‫(‪ (١‬حممد شوكت عودة‪ :‬رئيس املرشوع اإلسالمي لرصد األهلة ‪ ،ICOP‬رئيس جلنة رصد‬
‫األهلة واملواقيت التابعة للجمعية الفلكية األردنية‪ ،‬عضو مؤسس يف االحتاد العريب‬
‫لعلوم الفضاء والفلك‪ ،‬عضو اللجنة الرسمية إلثبات األهلة يف األردن واإلمارات‪.‬‬
‫(‪.)modeh@icoproject.org‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪116‬‬
‫‪117‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الفصل الثاين‬
‫يف حتديد القبلة‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪118‬‬
‫‪119‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫استقبال القبلة‬

‫* تعريف القبلة وحكم استقبالها‪:‬‬


‫القبلة لغة‪ :‬الجهة(‪.(١‬‬
‫واصطالح ًا‪ :‬ما يصلى إلى نحوها من األرض السابعة‪ ،‬إلى السماء السابعة‬
‫مما يحاذي الكعبة(((‪ ،‬وسميت قبلة إلقبال الناس عليها في صالتهم‪ ،‬وهي مقبلة‬
‫عليهم أيضا(‪ ،(3‬والمراد هنا استقبال الكعبة‪ ،‬أو جهتها على ما سيأتي‪.‬‬
‫واستقبال القبلة شرط من شروط صحة الصالة عند األئمة األربعة(‪(4‬؛‬
‫لقوله تعالى‪ :‬ﭽﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﭼ [البقرة‪،]١44:‬‬
‫اع ْاألُ َّمة(‪.(5‬‬ ‫ِ‬
‫َو َع َل ْيه ْ‬
‫إج َم ُ‬

‫(‪ (١‬املعجم الوسيط (‪.7١3/‬‬


‫((( الكليات ‪.7(9/١‬‬
‫(‪ (3‬معجم مقاييس اللغة ‪.5(/ 5‬‬
‫(‪ (4‬انظر بدائع الصنائع ‪ ،١١7/ ١‬الرشح الكبري ‪ ،(((/ ١‬معني املحتاج ‪،١4(/ ١‬‬
‫والكايف ‪.١١7/١‬‬
‫(‪ (5‬بدائع الصنائع ‪.١١7 / ١‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪120‬‬

‫ول ال َّل ِه َص َّلى الل ُه َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪َ « :‬ما َب ْي َن‬


‫ولحديث َأبِي ُه َر ْي َرةَ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ْ ْ ِ ِ ِ َ ٌ (‪(١‬‬
‫ا ْل َم ْش ِر ِق َوال َمغرب ق ْبلة»‪.‬‬
‫* من أحكام القبلة‪:‬‬
‫للقبلة أحكام في اإلسالم منها‪:‬‬
‫‪ -١‬يجب أستقبالها في جميع الصلوات‪.‬‬
‫(‪ -‬يجوز ترك استقبالها في السفر على الراحلة‪ ،‬أو في صالة الخوف‪.‬‬
‫‪ -3‬يستحب استقبالها في األذان وتوجيه الميت نحوها‪.‬‬
‫‪ -4‬يحرم استقبالها أو استدبارها في قضاء الحاجة في الفضاء‪.‬‬
‫* والناس في القبلة على ضربين‪:‬‬
‫الم َع ِاي ُن للكعبة‪ ،‬أو من بمكة أو قريب ًا‬
‫منهم من يلزمه إصابة العين وهو ُ‬
‫منها من وراء حائل‪ ،‬فمتى علم أنه مستقبل الكعبة عمل بعلمه‪ ،‬وإن لم يعلم‬
‫كاألعمى والغريب بمكة أجزأه الخبر عن يقين‪ ،‬أو مشاهدة أنه ُم ٍّ‬
‫صل إلى عين‬
‫الكعبة‪.‬‬
‫ومنهم من َف ْر ُضه إصابة جهة الكعبة وهو البعيد عنها‪ ،‬فال يلزمه إصابة‬
‫العين؛ لقوله تعالى‪ :‬ﭽﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﭼ [البقرة‪ ]١44 :‬أي‬
‫ول ال َّل ِه َص َّلى ال َّل ُه َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪َ « :‬ما‬
‫جهته؛ ولحديث َأبِي ُه َر ْي َر َة َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ب ِق ْب َل ٌة»(((؛ وألن اإلجماع انعقد على صحة صالة االثنين‬ ‫الم ْغ ِر ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْش ِرق َو َ‬
‫َب ْي َن َ‬
‫المتباعدين‪ ،‬يستقبالن قبلة واحدة وال يمكن أن يصيب العين إال أحدهما(‪.(3‬‬

‫(‪ (١‬رواه ابن ماجة ‪ ،3(3/١‬برقم ‪ ،١0١١‬وصححه األلباين‪.‬‬


‫((( أخرجه الرتمذي يف السنن ( ‪ ،١7١/‬وابن ماجة يف سننه ‪3(3/١‬برقم ‪ ،١0١١‬واحلاكم‬
‫يف املستدرك ‪ ،3(3/ ١‬برقم (‪ ،74‬وغريهم وصححه األلباين يف صحيح سنن الرتمذي‬
‫‪ 34(/ ١‬برقم (‪.34‬‬
‫(‪ (3‬الكايف البن قدامة ‪.١١7/ ١‬‬
‫‪121‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫َملِ ْن َيـــــرى َو َغـــــريه لِ ِ‬


‫لج َه ِة‬ ‫ني ا ْل َك ْع َب ِة‬
‫اســـــتِ ْق َب ُال َع ْ ِ‬
‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫ورش ُط َها ْ‬
‫َْ‬
‫يقول اإلمام الشافعي (‪204‬هـ)‪:‬‬
‫ومن كان في موضع من مكة ال يرى منه البيت‪ ،‬أو خارجا عن مكة فال‬
‫يدع كلما أراد المكتوبة أن يجتهد في طلب صواب الكعبة بالدالئل‬
‫يحل له أن َ‬
‫من النجوم والشمس والقمر والجبال ومهب الريح‪ ،‬وكل ما فيه عنده داللة على‬
‫القبلة‪ ،‬وإذا كان رجال خارجون من مكة فاجتهدوا في طلب القبلة فاختلف‬
‫اجتهادهم لم يسع واحدا منهم أن يتبع اجتهاد صاحبه‪ ،‬وإن رآه أعلم باالجتهاد‬
‫منه حتى يدله صاحبه على عالمة يرى هو بها أنه قد أخطأ باجتهاده األول‪ ،‬يرجع‬
‫إلى ما رأى هو لنفسه آخر إلى اتباع اجتهاد غيره ويصلي كل واحد منهم على‬
‫جهته التي رأى أن القبلة فيها‪ ،‬وال يسع واحدا منهم أن يأتم بواحد إذا خالف‬
‫(‪(١‬‬
‫اجتهاده اجتهاده‪.‬‬
‫وإذا كان األمر كذلك فإنه يجب على كل مك َّلف أن يعلم جهة القبلة‪ ،‬فإن‬
‫لم يقدر اجتهد‪ ،‬ويكون االجتهاد بالنظر في دالئلها لمن كان يعرفها‪ ،‬فإن لم‬
‫يكن يعرف دالئلها فإنه يجوز تقليد المجتهد في ذلك‪ ،‬لك َّن األحرى واألولى‬
‫أن يتعلم طالب العلم جهة القبلة‪ ،‬وكيف يستدل بما في هذا الكون من العالمات‬
‫عليها السيما في السفر عند اختالط الجهات‪.‬‬
‫يقول اإلمام النووي (‪676‬هـ)‪:‬‬
‫وال يصح االجتهاد إال بأدلة القبلة‪ ،‬وهي كثيرة فيها كتب مصنفة‪ ،‬وأضعفها‬
‫الرياح الختالفها‪.‬‬
‫وأقواها القطب‪ ،‬وهو نجم صغير في بنات نعش الصغرى‪ ،‬بين الفرقدين‬
‫والجدي إذا جعله الواقف خلف أذنه اليمنى‪ ،‬كان مستقبال القبلة إن كان بناحية‬

‫(‪ (١‬األم لإلمام الشافعي رمحه اهلل ‪.١١4/١‬‬


‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪122‬‬

‫(‪(١‬‬
‫الكوفة وبغداد وهمدان وقزوين وطبرستان وجرجان‪ ،‬وما واالها‪.‬‬
‫ويقول اإلمام الصنعاني ((‪١١8‬هـ) في شرحه لحديث أبي هريرة‪ ،‬ما بين‬
‫المشرق والمغرب قبلة‪:‬‬
‫والحديث دليل على أن الواجب استقبال الجهة ال العين‪ ،‬في حق من‬
‫تعذرت عليه العين‪ ،‬وقد ذهب إليه جماعة من العلماء لهذا الحديث‪ ،‬ووجه‬
‫االستدالل به على ذلك‪ :‬أن المراد أن بين الجهتين قبلة لغير المعاين ومن في‬
‫حكمه؛ ألن المعاين ال تنحصر قبلته بين الجهتين المشرق والمغرب‪ ،‬بل كل‬
‫الجهات في حقه سواء متى قابل العين أو شطرها‪ ،‬فالحديث دليل على أن ما‬
‫بين الجهتين قبلة‪.‬‬
‫وأن الجهة كافية في االستقبال‪ ،‬وليس فيه دليل على أن المعاين يتعين‬
‫عليه العين‪ ،‬بل ال بد من الدليل على ذلك وقوله تعالى‪ :‬ﭽﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫﭼ [البقرة‪ ]١44 :‬خطاب له وهو في المدينة‪ ،‬واستقبال العين فيها‬
‫متعسر أو متعذر‪ ،‬إال ما قيل في محرابه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬لكن األمر‬
‫بتوليته وجهه شطر المسجد الحرام عام لصالته في محرابه وغيره‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫ﭽﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﭼ [البقرة‪ ]١44 :‬دال على كفاية الجهة‪ ،‬أو‬
‫العين في كل محل تتعذر على كل مصل‪ ،‬وقولهم‪ :‬يقسم الجهات حتى يحصل‬
‫له أنه توجه إلى العين‪ ،‬تعمق لم يرد به دليل‪ ،‬وال فعله الصحابة‪ ،‬وهم خير قبيل‪،‬‬
‫(((‬
‫فالحق أن الجهة كافية‪ ،‬ولو كان في مكة وما يليها‪.‬‬
‫وطريق معرفة الدالئل على القبلة هو أخذ هذا العلم عن أهله؛ ألن كل‬

‫(‪ (١‬روضة الطالبني ‪.(١7/‬‬


‫((( سبل السالم ‪.(0١/١‬‬
‫‪123‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫علم إنما يرجع فيه إلى أهله‪ ،‬أال ترى أن البائع والمشتري إذا اختلفا في عيب‬
‫الدابة أو العبد‪ ،‬أو السلعة فأشكل األمر وترافعا إلى القاضي أو المفتي فإن‬
‫القاضي والمفتي ال يعرفان بعيب السلعة فيردانها إلى أرباب الخبرة بعيوب‬
‫تلك السلعة‪ ،‬فيحكم القاضي ويفتي المفتي بمقتضى ما أخبر به أهل المعرفة‬
‫بعيوب السلعة‪ ،‬فكذلك القبلة إذا وقع االختالف فيها‪ ،‬إنما يرجع في ذلك إلى‬
‫أهل العلم بأدلة القبلة‪ ،‬دون غيرهم‪ ،‬فالفقيه من حيث هو فقيه إنما يعلم وجوب‬
‫استقبال القبلة في الصالة ال جهة القبلة‪.‬‬
‫وقبل أن نتعلم جهة وسمت القبلة أو الكعبة‪ ،‬ال بدَّ أوالً من معرفة‬
‫االتجاهات‪ ،‬إذ أن معرفة القبلة يتوقف في بعض حساباته على معرفة‬
‫االتجاهات‪ ،‬وهذه االتجاهات على سبيل اإليجاز هي كالتالي‪:‬‬
‫* االتجاهات األصلية‪:‬‬
‫الشمال‪ ،‬الشرق‪ ،‬الجنوب‪ ،‬الغرب‪.‬‬
‫* االتجاهات الفرعية‪:‬‬
‫شمال شرق‪.‬‬
‫جنوب شرق‪.‬‬
‫جنوب غرب‪.‬‬
‫شمال غرب‪.‬‬
‫* اتجاهات فرعية على الفرعية‪:‬‬
‫شمال شمال شرق‪.‬‬
‫شرق شمال شرق‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪124‬‬

‫جنوب جنوب شرق‪.‬‬


‫جنوب جنوب غرب‪.‬‬
‫غرب جنوب غرب‪.‬‬
‫غرب شمال غرب‪.‬‬
‫شمال شمال غرب‪.‬‬

‫شكل ( ‪ )١5‬الجهات األصلية والفرعية والمتفرعة عنها‬


‫‪125‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫أوالً‪ :‬معرفة االتجاهات األصلية‬


‫وضع العلماء عدة طرق(‪ (١‬لمعرفة االتجاهات نوجز أهمها فيما يلي‪:‬‬
‫المز َْو َل ِة‪:‬‬
‫‪ )1‬معرفة االتجاهات بطريقة ِ‬

‫‪ -‬التعريف بالمزولة‬
‫المزولة أو الساعة الشمسية هي‪ :‬اختراع يتم بواسطته حساب الوقت عن‬
‫طريق ظل الشمس‪.‬‬
‫وتعتبر المزولة من أقدم اآلالت العلمية المعروفة في قياس الوقت‪،‬‬
‫وخالل التاريخ بأسره‪ ،‬كان الزمن يقاس من خالل حركة األرض بالنسبة‬
‫للشمس والنجوم‪ ،‬ويرجع تاريخ أول ساعة إلى عام ‪ 3500‬قبل الميالد وهي‬
‫ساعة الظل‪ ،‬وكانت عبارة عن عصا أو مسلة عمودية تلقي بظالل‪ ،‬وما زالت‬
‫توجد ساعة ظل مصرية يرجع تاريخها إلى القرن الثامن قبل الميالد‪ ،‬وفي القرن‬
‫الثالث قبل الميالد‪.‬‬
‫وقد اكتشف المسلمون المزاول إبان توسعهم في العالم اليوناني في القرن‬
‫السابع الميالدي‪ ،‬وقد أكثر العرب من استخدامها في العصور الماضية‪ ،‬وكثر‬
‫وجودها في صحون المساجد والدور وفي القالع والحصون‪ ،‬وكثيرا ما كانت‬
‫تصنع على قطع من الرخام والفسيفساء‪ ،‬وتزخرف بأروع الزخارف اإلسالمية‬

‫(‪ (١‬هناك طرق عند العرب كانوا يستخدموهنا‪ ،‬ولكننا سنقترص عىل ما كان دقيقا‪ ،‬أو‬
‫مشهور ًا‪ ،‬ومن هذه الطرق التي كانت عند العرب عىل سبيل املثال‪ :‬الرياح وهي أضعف‬
‫األدلة‪ ،‬وأصوهلا أربعة‪ :‬الصبا‪ ،‬والدبور‪ ،‬والشامل واجلنوب؛ فالصبا هي اهلواء املتموج‬
‫من املرشق‪ ،‬والدبور من املغرب‪ ،‬والشامل اهلواء املتموج من القطب الشاميل‪ ،‬واجلنوب‬
‫من القطب اجلنويب‪ ،‬ويسمى بالقبلية‪ ،‬لكونه إىل جهة قبلة املدينة املنورة؛ وأما إذا كان‬
‫متوج اهلواء من بني هذه اجلهات‪ ،‬فتسمى النكباء‪ ،‬ومن اجلهات األربع هتب أصول‬ ‫ُّ‬
‫الرياح عند العرب‪ .‬انظر رشح ثمرات الوسيلة ‪ ،48‬وآللئ الطل الندية ‪.44‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪126‬‬

‫وهي تنم على العلم العربي بأصول الفلك‪ ،‬والحساب والجغرافيا والهندسة‪.‬‬
‫وتحمل أغلب المزاول اإلسالمية خطوط ًا للساعات ‪-‬زمنية أو اعتدالية‪-‬‬
‫ولصالتي الظهر والعصر‪ ،‬وبما ّ‬
‫أن َبدْ ء هاتين الصالتين يتحدد بواسطة أطوال‬
‫الظل‪ ،‬فلذلك كان تعيين أوقات الصالة بواسطة المزولة مالئما تماما‪ ،‬وفي‬
‫دمشق في القرن الثاني الهجري‪ /‬الثامن الميالدي‪ ،‬كان الخليفة عمر بن عبد‬
‫العزيز قد استخدم مزولة لتحديد أوقات الصالة النهارية بواسطة ساعات‬
‫(‪(١‬‬
‫زمنية‪.‬‬
‫‪ -‬كيفية عمل ِ‬
‫المز َْو َلة‪:‬‬
‫وقت التنفيذ‪ :‬قبل وقت الزوال بساعة ونصف تقريب ًا‪.‬‬
‫األدوات المستخدمة‪ :‬عصا‪ ،‬ووتَدَ ين‪.‬‬
‫‪ -‬نقوم ّ‬
‫بدق العصا على األرض قبل زوال الشمس بساعة ونصف تقريبا‪.‬‬
‫‪ -‬نقوم برسم دائرة حول العصا مراعين في رسمها أن تكون العصا هي‬
‫مركز الدائرة‪ ،‬أي في منتصفها تماما‪ ،‬وأن يكون نصف قطر الدائرة هو ظل‬
‫العصا‪.‬‬
‫بدق ٍ‬
‫وتد عند نقطة التقاء ظل العصا مع محيط الدائرة‪.‬‬ ‫‪ -‬نقوم ّ‬
‫‪ -‬يقوم الظل (ظل العصا) بعد ذلك بالنقصان نتيجة اقتراب الزوال‪ ،‬ثم‬
‫يأخذ في الزيادة مرة أخرى حتى يالمس الدائرة مرة أخرى‪ ،‬فنقوم بدق وتد عند‬
‫النقطة التي التقى فيها ظل العصا مع محيط الدائرة مرة أخرى‪.‬‬

‫(‪ htm.16/http://www.alargam.com/maths/falak2 (١‬وانظر‪ :‬جملة الكشاف العريب‪-‬‬


‫العدد الثالث‪-١987-‬املنظمة الكشفية العربية‪ ،‬هشام عبدالسالم‪.‬‬
‫‪127‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫‪ -‬نقوم بتنصيف الزاوية المحصورة بين الوتدين ومركز الدائرة فيكون هو‬
‫اتجاه الشمال تمام ًا‪.‬‬

‫شكل ( ‪ ) ١٦‬المزولة ِ‬
‫الم ْزولة توضح الزمن عن طريق قياس زاوية الظل‬
‫ُحدثها الشمس‪ .‬ومعظم المزاول لها أوجه مرقمة باألعداد الرومانية ابتداء‬
‫التي ت ْ‬
‫صباحا‪ ،‬وحتى السابعة مسا ًء‪ .‬عندما تقع أشعة الشمس على‬
‫ً‬ ‫من الساعة الخامسة‬
‫عقارب المزولة‪ ،‬وهي قطعة معدنية مسطحة‪ ،‬تلقي ظ ً‬
‫ال يوضح الزمن‪ .‬والوقت‬
‫الم َو َّضح في الساعة‪ ،‬في الصورة‪ ،‬هو الساعة الثالثة والدقيقة الثالثون مسا ًء‪.‬‬
‫ُ‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪128‬‬

‫وهناك طرق أخرى من طرق المزولة الشمسية من أمثلتها‪:‬‬


‫تسوي سطح ًا من األرض أو‬
‫طريقة ظل الشاخص‪ ،‬وكيفية العمل‪ :‬أن ِّ‬
‫غيرها معتدالً ال ميل فيه ثم تدير عليه دائرة‪ ،‬وتقيم على مركزها شاخص ًا طوله‬
‫نحو نصف قطرها‪ ،‬ثم تع ِّلم على محيطها عالمة لمدخل الظل قبل الزوال‪،‬‬
‫وعالمة لمخرجه بعد الزوال‪ ،‬ثم تمد خط ًا من النصف مار ًا بالمركز‪ ،‬ثم قاطعه‬
‫بخط آخر على زاوية قائمة‪ ،‬فإذا كان الوقت قبل الزوال فحيث يكون الظل‬
‫للشاخص‪ ،‬فهو المغرب وعكسه المشرق واجعل الشمس على خدك األيمن‪،‬‬
‫يكن أمامك الشمال‪ ،‬وعكسه الجنوب‪.‬‬
‫وإذا كان بعد الزوال فإن ظل الشاخص سيكون جهة المشرق‪ ،‬وعكسه‬
‫سيكون المغرب واجعل الشمس على خدك األيسر‪ ،‬يكون الشمال أمامك‬
‫وعكسه الجنوب‪ ،‬بعد ذلك اعرف موقع بلدك من القبلة في أي جهة تقع‪ ،‬وحينئذ‬
‫تكون قد حددت الجهات األربع‪ ،‬وال يخلو بلد عن إحدى تلك الجهات أن‬
‫تكون القبلة نحوها(‪ ،(١‬ولتوضيح ذلك انظر الدائرة في الرسم السابق(((‪.‬‬
‫‪ )2‬معرفة االتجاهات بطريقة الساعة‪:‬‬
‫لهذه الطريقة خطوات البد من اتباعها نوضحها فيما يلي‪:‬‬
‫الخطوة األولى‪:‬‬
‫أن تكون العملية في وضح النهار والشمس ساطعة من دون غيم‪ ،‬حيث‬
‫تعتمد على أشعة الشمس‪.‬‬

‫(‪ (١‬انظر املخترص يف معرفة السنني والربع املشتهر ‪.١8‬‬


‫((( انظر شكل رقم (‪.(5‬‬
‫‪129‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الخطوة الثانية‪:‬‬
‫بعد إحضار ساعة تعمل بنظام العقارب يجب أن نتبع ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬يجب أن تكون الساعة في وضع أفقي على سطح مستوى ونقوم بتوجيه‬
‫عقرب (الساعات) نحو الشمس مستعينين في ذلك بظل دبوس أو إبرة خياطة‬
‫توضع على مركز الساعة مكان التقاء العقارب‪ ،‬بحيث نوجه عقرب الساعات‬
‫عكس الظل الذي سينتج‪.‬‬

‫‪ -‬إذا قمنا بتنصيف الزاوية المحصورة بين عقرب (الساعات) ورقم ((‪(١‬‬
‫سوف يدلنا ذلك على اتجاه الجنوب وبالتالي فإن اتجاه الشمال سيكون في‬
‫االتجاه العكسي‪.‬‬

‫شكل ( ‪ ) ١7‬معرفة االتجاهات عن طريق ساعة العقرب‬


‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪130‬‬

‫‪ )3‬معرفة االتجاهات بطريق المعرفة العامة بموقع الشمس وحركتها‪:‬‬


‫هناك حسابات تقريبية لمعرفة االتجاهات‪ ،‬تعرف عن طريق موقع الشمس‬
‫وقت النظر إليها‪ ،‬وهذه الحسابات تقريبية إذ أن شروق الشمس يختلف من يوم‬
‫آلخر‪ ،‬كما أن الشمس يختلف مكان غروبها من يوم آلخر أيض ًا‪.‬‬
‫وهذا جدول تقريبي يبين موقع الشمس في ساعات النهار‪:‬‬

‫موقع الشمس بالنسبة لألرض‬ ‫الساعة‬ ‫م‬

‫الرشق‬ ‫‪ ٦‬صباحا‬ ‫‪1‬‬


‫رشق اجلنوب الرشقي‬ ‫‪ 7.5‬صباحا‬ ‫‪2‬‬
‫اجلنوب الرشقي‬ ‫‪ 9‬صباحا‬ ‫‪3‬‬
‫جنوب اجلنوب الرشقي‬ ‫‪١0.5‬صباحا‬ ‫‪4‬‬
‫اجلنوب‬ ‫(‪ ١‬ظهرا‬ ‫‪5‬‬
‫جنوب اجلنوب الغريب‬ ‫‪ ١.5‬ظهرا‬ ‫‪6‬‬
‫اجلنوب الغريب‬ ‫‪ 3‬مساء‬ ‫‪7‬‬
‫غرب اجلنوب الغريب‬ ‫‪ 4.5‬مساء‬ ‫‪8‬‬
‫الغرب‬ ‫‪٦‬مساء‬ ‫‪9‬‬

‫ومقدار ما تمر الشمس من جهة ألخرى ‪ ٦‬ساعات تقريب ًا‪ ،‬والجهة الفرعية‬
‫‪ 3‬ساعات‪ ،‬والجهات الفرعية عن الفرعية ‪ ١.5‬تقريب ًا‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫‪ )4‬معرفة االتجاهات عن طريق القمر‪:‬‬


‫تقتصر هذه الطريقة عندما يكون القمر بدر ًا‪ ،‬فإنه مثل الشمس تمام ًا‪ ،‬وعليه‬
‫فإن حسابه سيكون هو ذات حساب الشمس بحسبه‪ ،‬وفي الجدول التالي بيان‬
‫ذلك‪:‬‬

‫موقع القمر بالنسبة لألرض‬ ‫الساعة‬ ‫م‬

‫الرشق‬ ‫‪ ٦‬مساء‬ ‫‪1‬‬


‫رشق اجلنوب الرشقي‬ ‫‪ 7.5‬مساء‬ ‫‪2‬‬
‫اجلنوب الرشقي‬ ‫‪ 9‬مساء‬ ‫‪3‬‬
‫جنوب اجلنوب الرشقي‬ ‫‪ ١0.5‬مساء‬ ‫‪4‬‬
‫اجلنوب‬ ‫(‪ ١‬صباحا‬ ‫‪5‬‬
‫جنوب اجلنوب الغريب‬ ‫‪ ١.5‬صباحا‬ ‫‪6‬‬
‫اجلنوب الغريب‬ ‫‪ 3‬صباحا‬ ‫‪7‬‬
‫غرب اجلنوب الغريب‬ ‫‪ 4.5‬صباحا‬ ‫‪8‬‬
‫يف اجتاه الغرب‬ ‫‪٦‬صباحا‬ ‫‪9‬‬

‫ويسير القمر خلف الشمس‪ ،‬ويتأخر القمر يومي ًا (‪ 5‬دقيقة في الشروق‬


‫عن اليوم السابق‪ ،‬ولمعرفة كيف يدل القمر على الجهات ال بدّ من اعتبار نصف‬
‫الشهر العربي األول‪ ،‬أو النصف الثاني فلكل حسابه‪.‬‬
‫‪ -‬في النصف األول من الشهر العربي‪:‬‬
‫حيث يشير الجزء المضيء منه إلى جهة الغرب وهذا بعد غروب الشمس‪،‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪132‬‬

‫والقرنان يشيران إلى جهة الشرق‪ ،‬ويستمر هذا األمر إلى ما قبل البدر‪.‬‬
‫‪ -‬النصف الثاني من الشهر العربي‪:‬‬
‫فإن الجزء المضيء من القمر يشير إلى جهة الشرق‪ ،‬والقرنان يشيران‬
‫لجهة الغرب‪.‬‬

‫شكل‪ )١8 ( :‬صورة القمر وكيف يتغير‬


‫‪133‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫‪ )5‬معرفة االتجاهات بطريقة النجوم‪:‬‬


‫تكون النجوم أدلة كما ذكر القرآن الكريم فقال تعالى‪ :‬ﭽﭝﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭼ [النحل‪.]١٦ :‬‬
‫وذلك عن طريق تحديد بعض المجموعات النجمية في السماء‪ ،‬ويمكنك‬
‫تحديد اتجاه الشمال وذلك عن طريق التعرف على إحدى المجموعات التي‬
‫تلمع نجومها في السماء والتعرف عن طريقها على النجم القطبي الذي يكون‬
‫في الشمال دائما‪ ،‬وهذه المجموعات التي صورها القدماء وخصوصا العرب‬
‫سنتعرف على ‪ 4‬مجموعات منها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬مجموعة الدب األكبر «بنات نعش الكبرى»‪:‬‬
‫تتكون هذه المجموعة من سبعة نجوم على شكل مغرفة‪ ،‬وهي واضحة‬
‫جد ًا بسبب شدة لمعانها في السماء؛ ولهذا سماها رجال البادية (بالس ّبع) وتتميز‬
‫عن سائر الدببة بذنب بالغ الطول‪ ،‬وهي الدليل الذي يدل الباحث على النجم‬
‫القطبي الذي يكون ثابت ًا دائم ًا في الشمال‪.‬‬
‫فإذا حاولت أن تتصور خط ًا يبدأ امتداد ًا من النجمين (الدليلين) في أسفل‬
‫المغرفة بمقدار خمسة أمثال المسافة بين هذين النجمين (الدليلين)‪ ،‬فإنك‬
‫ستجد نجم ًا المع ًا هو النجم القطبي‪ ،‬والذي يؤلف بدوره مؤخرة ذيل الدب‬
‫األصغر‪.‬‬
‫ب‪ -‬مجموعة الدب األصغر‪:‬‬
‫تتكون هذه المجموعة من سبعة نجوم على هيئة مغرفة أيض ًا‪ ،‬ويكون‬
‫النجم القطبي هو آخر نجم في ذيل هذه المغرفة‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪134‬‬

‫شكل ( ‪ )١9‬يبين نجم الشمال وكيف يستدل عليه‬

‫كيف نعرف القبلة عن طريق النجم القطبي؟‬


‫سمي النجم القطبي بالقطبي؛ لقربه من القطب الحقيقي‪ ،‬ويسمى عند‬
‫ّ‬
‫العوام وتد النجم‪ ،‬وعند الجغرافيين بمسمار الفلك وعند الفلكيين بالجدي‪،‬‬
‫خلف ظهره‪،‬‬
‫َ‬ ‫فيجعله المصلي في اليمن قبال َة وجهه‪ ،‬وفي البالد الشامية‬
‫خلف أذنه اليمنى‪ ،‬والمصرية خلف أذنه اليسرى وقد نظم ذلك‬
‫َ‬ ‫والعراقية‬
‫بعضهم فقال‪:‬‬
‫ف األُ ُذ ْن‬‫الشام بِ َخ ْل ِ‬ ‫ب بِ ْأر ِ‬
‫و َعك ُْســــــ ُه َ ُ‬ ‫ض ال َيم ْن‬ ‫اج َه ال ُق ْط َ‬
‫َم ْن َو َ‬
‫اســـــتِ ْق َبا َله إِ ْن تَدْ ُروا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َقدْ َص َّح َح ْ‬ ‫ــر‬
‫ع َراق ُيمنَى َول ُي ْسـَـــــرى م ْص ُ‬
‫‪135‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫ت‪ -‬مجموعة ذات الكرسي وتسمى باالنجليزية «كاسيوبيا»‪:‬‬


‫ترى بالعين المجردة كمثلثين متالصقين على شكل الرقم أربعة‪ ،‬ومجموع‬
‫نجومهما خمسة نجوم واضحة‪ ،‬فإذا تخيلنا مد خط وهمي من النجم الذي‬
‫ينصف المثلث األوسع فإننا سنقابل على امتداده النجم القطبي دليل الشمال‪.‬‬

‫شكل ( ‪ ) (0‬يبين طريقة ثانية لالستدالل على النجم القطبي عن طريق‬


‫مجموعة ذوات الكرسي (كاسيوبيا)‪.‬‬

‫ث‪ -‬مجموعة الجوزاء أو الج َّبار‪:‬‬


‫الجوزاء أو الج َّبار أو الصياد ‪ Orion or the hunter‬كوكبة ُيرى منها بالعين‬
‫المجردة سبعة نجوم‪ ،‬أربعة منها تشكل مربع ًا‪ ،‬والثالثة الباقية تعرف بنطاق‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪136‬‬

‫الجوزاء‪ ،‬وفوق النطاق يشاهد شريط مضيء هو سيف الجوزاء وبالقرب منه‬
‫سديم الجوزاء‪.‬‬
‫وقد قال عنها الصوفي‪« :‬الج َّبار أو الجوزاء ‪ 38‬كوكبا وهو على صورة‬
‫رجل قائم في ناحية الجنوب على طريق الشمس أشبه شيء بصورة اإلنسان‬
‫له رأس ومنكبان ويدان ورجالن‪ ،‬وسمي الج َّبار ألنه على كرسيين وبيده عصا‬
‫وعلى وسطه سيف‪.‬‬
‫اله ْق َعة وهي‬
‫النجوم الثالثة الصغيرة المتقاربة على الرأس تسميها العرب َ‬
‫إحدى منازل القمر‪ .‬أما الثالثة التي في الوسط فتسمى النِ َطاق (نطاق الجوزاء)‪،‬‬
‫أما القوس المكون من تسعة نجوم على الكُم األيسر فتسمى تاج الجوزاء»‪.‬‬
‫* أهم نجوم هذه المجموعة‪:‬‬
‫‪ -‬ألفا الج َّبار‪ :‬منكب(‪ (١‬الجوزاء ‪ Betelgeuse‬ثاني ألمع نجم بالكوكبة بعد‬
‫نجم ِرجل الج َّبار ‪ ،Rigel‬يشكل كتفه األيمن‪ ،‬وهو نجم أحمر بقطر أكبر من‬
‫مدار المريخ‪ ،‬ويشكل هذا النجم أحد رؤوس مثلث الشتاء‪.‬‬
‫‪ -‬بيتا الج َّبار‪ِ :‬رجل الج َّبار ‪ Rigel‬تشكل ركبة الج َّبار اليسرى‪ ،‬وهو نجم‬
‫كبير بلون أبيض مزرق‪ ،‬يعتبر من ألمع النجوم في السماء‪ ،‬وله ثالثة مرافقين‪،‬‬
‫غير مرئيين للعين المجردة‪.‬‬
‫‪ -‬غاما الج َّبار‪ :‬الناجذ ‪ Bellatrix‬تشكل كتف الج َّبار األيسر‪.‬‬
‫‪ -‬دلتا الج َّبار (المنطقة) ‪ Mintaka‬وأبسليون الج َّبار (النظام) ‪Alnilam‬‬
‫قديام‪:‬‬
‫(‪ (١‬ستالحظ أن التسميات هنا عربية كون العرب واملسلمني هم أصحاب هذا الفن ً‬
‫مثل الكثري النجوم فإن منكب اجلوزاء ‪ ،Betelgeuse‬رجل اجل َّبار ‪ ،Rigel‬السيف ‪،Saiph‬‬
‫النطاق ‪ ،Alnitak‬النظام ‪ ،Alnilam‬املنطقة ‪ Mintaka، Hatsya، Meissa‬كلها أسامء مشتقة‬
‫من اللغة العربية‪.‬‬
‫‪137‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫وزيتا الج َّبار (النطاق) ‪ Alnitak‬تشكل ما يسمى بحزام الج َّبار‪ :‬ثالثة نجوم‬
‫المعة تقع على صف واحد‪ ،‬ومنها نستطيع التعرف على الكوكبة‪.‬‬
‫‪ -‬المبدا الج َّبار‪ )Meissa( :‬تشكل رأس الج َّبار‪.‬‬
‫‪ -‬إيتا الج َّبار‪ :‬تقع ما بين نجم المنطقة ورجل الج َّبار‪.‬‬
‫‪ -‬كابا الج َّبار‪ :‬السيف ‪ Saiph‬تقع على ركبة الج َّبار اليمنى‪.‬‬
‫(‪(١‬‬
‫‪ -‬لوتا الج َّبار‪ Hatsya :‬تشكل طرف سيف الج َّبار‪.‬‬
‫وبما أن دوران نجم المنطقة يكون في العرض األوسط في دائرة االستواء‪.‬‬
‫هذا يعنى أن في لحظة شروقه على األفق تكون نقطة الشروق هذه هي عين‬
‫المشرق‪ .‬أما نقطة غروبه هي عين المغرب‪ .‬بهذا نكون قد علمنا الشرق والغرب‬
‫من خالل محادة النجم المذكور لألفق في النقطتين المذكورتين‪ ،‬خصوصا في‬
‫الليالي ذات السماء الصافية الغير المقمرة في البراري والصحاري والبحار‪.‬‬
‫ومن النجم المنطقة إلى النجم القطبي هناك تقريبا ‪ °.90‬إذن بواسطة‬
‫النجم القطبي و المنطقة نتمكن من رسم كرة السماء و األرض المشكلة‬
‫بخطوط الطول و العرض‪ .‬فنهتدي بذلك إلى الوقت واالتجاهات‪.‬‬
‫(((‬

‫(‪ (١‬انظر‪ :‬اجلمعية الفلكية السورية عىل‪.topic-http://saaa-sy.forumotion.com/t685 :‬‬


‫وانظر أيض ًا‪ :‬الفلك والفضاء‪ ،‬فلكية فضائية ميرسة عىل‪http://astronomyscience.net/ :‬‬
‫‪.57=file.php?f‬‬
‫وانظر أيض ًا‪ :‬وعالمات و بالنجم هم هيتدون‪ ،‬املهندس‪/‬عبد الواحد بلحاج مهندس معامري‬
‫ومتخصص يف علم التوقيت‪.2669/http://quran-m.com/quran/printarticles :‬‬
‫((( املراجع السابقة‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪138‬‬

‫شكل (‪ )(١‬يمثل الصورة التي تخيلها العرب قديما لمجموعة النجوم التي‬
‫أسموها الجوزاء أو الج َّبار‪.‬‬

‫شكل ((() صورتان يوضحان كيف تخيل العرب الرسم من خالل شكل‬
‫النجوم لمجموعة الجوزاء أو الج َّبار‪.‬‬
‫‪139‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫و ُيمكن أن تكون كوكبة الج َّبار(‪ُ (١‬مفيدة في المالحة لتحديد مواقع بعض‬
‫النجوم‪ ،‬ومما يجعلها خيار ًا جيد ًا لتحديد االتجاهات هو وضوحها الشديد‪،‬‬
‫حيث إنها كوكبة كبيرة نسبي ًا إ ْذ ُيمكن العثور على أكثر من نجم بواسطة كوكبة‬
‫خط وهمي عبر نجوم حزام الج َّبار الثالثة ُيمكن العثور على‬ ‫ٍ‬ ‫الج َّبار‪ ،‬فبمدّ‬
‫نجمين‪:‬‬
‫في حال ُمدَّ الخط باتجاه اليمين (وكانت الكوكبة ظاهرة كما هي في‬
‫الرصد من نصف األرض الجنوبي أو الرصد‬‫الصورة‪ ،‬أما لو ُقلبت ‪ -‬في حال َّ‬
‫المعاكس) فبتت ّبعه ُيمكن‬
‫قبيل غروب الكوكبة ‪ -‬فيجب مد الخطوط باالتجاه ُ‬
‫الوصول إلى نجم الدَّ َب َران‪ ،‬أما بتت ّبعه إلى اليسار ف ُيمكن الوصول إلى نجم‬
‫ِّ‬
‫الش ْع َرى اليمانية‪.‬‬
‫خط بين نجمي رجل الج َّبار ومنكب الجوزاء (ألمع نجمين في‬ ‫وبمد ٍ‬

‫الكوكبة‪ ،‬إلى األعلى ُيمكن الوصول إلى نجم رأس التوأم المؤخر‪ ،‬ومن ثم‬
‫إلى رأس التوأم المقدم‪ ،‬و ُيمكن مد خط بين المنكبين باتجاه اليسار للعثور‬
‫على ِّ‬
‫الش ْع َرى الشامية‪ ،‬والمنكبان هما النجمان الالمعان اللذان يقعان في أعلى‬
‫الكوكبة‪ ،‬واسماهما‪ :‬من ِْكب الجو َزاء ِ‬
‫والم ْر َزم‪.‬‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫وأيض ًا ُيمكن العثور على نجم الشمال الحالي بواسطة كوكبة الج َّبار‪،‬‬
‫وهمي بين نجمي المرزم والسيف‪ ،‬ويجب أن يبدأ الخط من‬
‫ّ‬ ‫وذلك بمد خط‬
‫نجم السيف ثم يتجه إلى منكب الجوزاء (أو باإلمكان عند تتبع الخط االتجاه‬
‫إلى األعلى بالنسبة لصورة كوكبة الج َّبار)‪ ،‬سوف يمر الخط على مسافة بعيدة‬

‫(‪ (١‬كوكبة اجلوزاء كام كانت العرب تسميها أو اجل َّبار حديث ًا من املجموعات التي يتميز هبا‬
‫فصل الشتاء وتكون يف مقابلة برج العقرب التي تظهر بالصيف ويستدل هبا عيل اجتاه‬
‫اجلنوب‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪140‬‬

‫قلي ً‬
‫ال من نجم الجدي لكنها تسمح بمالحظته دون صعوبة كبيرة‪.‬‬
‫وهذه الطريقة ُمفيدة ألن كوكبة الج َّبار المعة ومالحظتها سهلة‪ ،‬في حين‬
‫أن نجم الجدي ُيعدّ خافت ًا قلي ً‬
‫ال ورصده صعب في المدن إلى الرأس‪ ،‬فإنه يتجه‬
‫بعد مروره بين نجمين المعين من مجموعة الدب األكبر إلى النجم القطبي‪.‬‬

‫شكل‪ ) (3 ( :‬مجموع الجوزاء أو الج َّبار وفيها رسم للخطوط التي نتوصل‬
‫بها لبعض النجوم األخرى‪.‬‬
‫‪141‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫‪ )6‬معرفة االتجاهات بطريق جهاز ‪:GPS‬‬


‫هذه األحرف الثالثة ‪ GPS‬هي اختصار للكلمات‪Global Positioning :‬‬
‫‪ System‬والتي تعني‪ :‬نظام تحديد المواقع العالمي‪.‬‬
‫وهو عبارة عن شبكة من األقمار الصناعية المتكاملة‪ ،‬وهي منظومة‬
‫تتكون من ‪ (7‬قمر ًا صناعي ًا تدور حول الكرة األرضية‪ ،‬منها ‪ (4‬قمر ًا فعلي ًا‬
‫ومستخدمة‪ ،‬أما الثالثة الباقية فهي احتياطية‪ ،‬وتعمل في حالة تعطل أي من‬
‫األقمار الرئيسة(‪.(١‬‬
‫وكان الهدف األساسي من هذه الشبكة من األقمار الصناعية هدف ًا‬
‫عسكري ًا بحت ًا لوزاة الدفاع األمريكية‪ ،‬ولكن في عام ‪١980‬م سمحت الحكومة‬
‫األمريكية بأن يكون هذا النظام متاح ًا لالستخدامات المدنية‪ .‬ونظام ‪ GPS‬يعمل‬
‫تحت جميع أنواع الظروف الجوية‪ ،‬وفي كل مكان في العالم‪ ،‬وعلى مدار ‪(4‬‬
‫ساعة في اليوم‪ ،‬وال يجب االشتراك من أجل الحصول على هذه الخدمة بل‬
‫هي مجانية‪.‬‬
‫ويستخدم الستقبال اإلشارات والمعلومات من األقمار الصناعية‬
‫وتحليلها إلعطائك اإلحداثيات ألي نقطة على األرض كذلك خطوط الطول‬
‫والعرض واالرتفاعات والزمن وغير ذلك‪ ،‬وتستطيع من خاللها تحديد موقعك‬
‫بدقة ثالثية األبعاد على األرض‪.‬‬
‫ويوجد منه أحجام وأشكال متفاوتة حسب االستخدام فمنه المحمول‬
‫بالهواتف الذكية‪ ،‬ومنه ما يثبت في السيارة وغير ذلك‪.‬‬

‫(‪ (١‬د‪ .‬طارق السباعي‪ -‬خبري تكنولوجي‪.‬‬


‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪142‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬معرفة سمت القبلة‪:‬‬


‫جهة القبلة هي نقطة في دائرة األفق إذا واجهتها كنت مواجه ًا للكعبة‬
‫المشرفة‪ ،‬وسمت القبلة عبارة عن قوس من دائرة األفق فيما بين نقطة الشمال‬
‫والنقطة المذكورة باتجاه عقارب الساعة‪ ،‬ولمعرفة القبلة عدة طرق تختلف من‬
‫ناحية الدقة‪ ،‬وقد ذكر علماء(‪ (١‬الفن أن الدالئل على القبلة كثيرة‪ ،‬بل قد ذكر‬
‫ذلك حتى بعض الفقهاء المسلمين الذين لهم نصيب من علم الهيئة‪:‬‬
‫قال الرازي (‪606‬هـ)‪:‬‬
‫دالئل القبلة‪ :‬اعلم أن الدالئل إما أرضية وهي‪ :‬االستدالل بالجبال‪،‬‬
‫والقرى‪ ،‬واألنهار‪ ،‬أو هوائية وهي‪ :‬االستدالل بالرياح‪ ،‬أو سماوية وهي‪:‬‬
‫(((‬
‫النجوم‪.‬‬

‫(‪ (١‬انظر ثمرات الوسيلة ‪ ،48‬و آللئ الطل الندية ‪ ،44‬واملخترص يف معرفة السنني والربع‬
‫املشتهر ‪ ١8‬بترصف‪.‬‬
‫((( تتمة كالمه‪ :‬أما األرضية واهلوائية غري مضبوطة ضبطا كليا‪ ،‬فرب طريق فيه جبل مرتفع‬
‫ال يعلم أنه عىل يمني املستقبل أو شامله أو قدامه أو خلفه‪ ،‬فكذلك الرياح قد تدل يف‬
‫بعض البالد ولسنا نقدر عىل استقصاء ذلك‪ ،‬إذ كل بلد بحكم آخر يف ذلك‪.‬‬
‫أما الساموية فأدلتها منها تقريبية ومنها حتقيقية‪ ،‬أما التقريبية فقد قالوا‪ :‬هذه األدلة إما‬
‫أن تكون هنارية أو ليلية‪ ،‬أما النهارية فالشمس فال بد وأن يراعى قبل اخلروج من البلد‬
‫أن الشمس عند الزوال أهي بني احلاجبني‪ ،‬أم هي عىل العني اليمنى أم اليرسى‪ ،‬أو‬
‫متيل إىل اجلبني ميال أكثر من ذلك‪ ،‬فإن الشمس ال تعدو يف البالد الشاملية هذه املواقع‪،‬‬
‫وكذلك يراعى موقع الشمس وقت العرص‪ ،‬وأما وقت املغرب فإنام يعرف ذلك بموضع‬
‫الغروب‪ ،‬وهو أن يعرف بأن الشمس تغرب عن يمني املستقبل‪ ،‬أو هي مائلة إىل وجهه‬
‫أو قفاه‪ ،‬وكذلك يعرف وقت العشاء اآلخرة بموضع الشفق‪ ،‬ويعرف وقت الصبح‬
‫بمرشق الشمس‪ ،‬فكأن الشمس تدل عىل القبلة يف الصلوات اخلمس‪ ،‬ولكن خيتلف‬
‫حكم ذلك بالشتاء والصيف‪ ،‬فإن املشارق واملغارب كثرية‪ ،‬وكذلك خيتلف احلكم يف‬
‫هذا الباب بحسب اختالف البالد‪.‬‬
‫وأما الليلية فهو أن يستدل عىل القبلة بالكوكب الذي يقال له اجلدي‪ ،‬فإنه كوكب =‬
‫‪143‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫وقال ابن قدامة (‪620‬هـ)‪:‬‬


‫والمجتهد في القبلة هو العالم بأدلتها‪ ،‬وإن كان جاهال بأحكام الشرع‪،‬‬
‫فإن كل من علم أدلة شيء كان من المجتهدين فيه‪ ،‬وإن جهل غيره‪ ،‬وألنه‬
‫= كالثابت ال تظهر حركته من موضعه‪ ،‬وذلك إما أن يكون عىل قفا املستقبل أو منكبه‬
‫األيمن من ظهره‪ ،‬أو منكبه األيرس يف البالد الشاملية من مكة‪ ،‬ويف البالد اجلنوبية منها‪،‬‬
‫كاليمن وما وراءها يقع يف مقابلة املستقبل فليعلم ذلك وما عرفه ببلده فليعول عليه يف‬
‫الطريق كله‪ ،‬إال إذا طال السفر فإن املسافة إذا بعدت اختلف موقع الشمس‪ ،‬وموقع‬
‫القطر‪ / ،‬وموقع املشارق واملغارب إىل أن ينتهي يف أثناء سفره إىل بلد‪ ،‬فينبغي أن يسأل‬
‫أهل البرصة أو يراقب هذه الكواكب وهو مستقبل حمراب جامع البلد حتى يتضح له‬
‫ذلك فمهام تعلم هذه األدلة فله أن يعول عليها‪.‬‬
‫وأما الطريقة اليقينية وهي‪ :‬الوجوه املذكورة يف كتب اهليئة قالوا‪ :‬سمت القبلة نقطة‬
‫التقاطع بني دائرة األفق‪ ،‬وبني دائرة عظيمة متر بسمت رؤسنا ورؤوس أهل مكة‪،‬‬
‫وانحراف القبلة قوس من دائرة األفق ما بني سمت القبلة دائرة نصف النهار يف بلدنا‪،‬‬
‫وما بني سمت القبلة ومغرب االعتدال متام االنحراف قالوا‪ :‬وحيتاج يف معرفة سمت‬
‫القبلة إىل معرفة طول مكة وعرضها‪ ،‬فإن كان طول البلد مساويا لطول مكة وعرضها‬
‫خمالف لعرض مكة‪ ،‬كان سمت قبلتها عىل خط نصف النهار فإن كان البلد شامليا فإىل‬
‫اجلنوب وإن كان جنوبيا فإىل الشاميل‪ ،‬وأما إذا كان عرض البلد مساويا لعرض مكة‬
‫وطوله خمالفا لطوهلا فقد يظن أن سمت قبلة ذلك البلد عىل خط االعتدال وهو ظن‬
‫خطأ وقد يمكن أيضا يف البالد التي أطواهلا وعروضها خمالفة لطول مكة وعرضها‪ ،‬أن‬
‫يكون سمت قبلتها مطلع االعتدال ومعربه وإذا كان كذلك فال بد من استخراج قدر‬
‫االنحراف ولذلك طرق أسهلها أن يعرف اجلزء الذي يسامت رؤس أهل مكة من فلك‬
‫الربوج وهو (زيح) من اجلوزاء (وكج ح) من الرسطان فيضع ذلك اجلزء عىل خط‬
‫وسط السامء يف االسطرالب املعمول لعرض البلد‪ ،‬ويعلم عىل املرئي عالمة‪ ،‬ثم يدير‬
‫العنكبوت إىل ناحية املغرب إن كان البلد رشقيا عن مكة كام يف بالد خراسان والعراق‬
‫بقدر ما بني الطولني من أجزاء اخلجرة ثم ينظر أين وقع ذلك اجلزء من مقنطرات‬
‫االرتفاع فام كان فهو االرتفاع الذي عنده يسامت ذلك اجلزء رؤوس أهل مكة‪ ،‬ثم‬
‫يرصد مسامتة الشمس ذلك اجلزء فإذا انتهى ارتفاع الشمس إىل ذلك االرتفاع فقد‬
‫سامتت الشمس رؤس أهل مكة فينصب مقياسا وخيط عىل ظل املقياس خطا من مركز‬
‫العمود إىل طرف الظل فذلك اخلط خط الظل فيبني عليه املحراب فهذا هو الكالم يف‬
‫دالئل القبلة‪ .‬مفاتيح الغيب ‪.١0١/4‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪144‬‬

‫يتمكن من استقبالها بدليله‪ ،‬فكان مجتهدا فيها كالفقيه‪ ،‬ولو جهل الفقيه أدلتها‬
‫أو كان أعمى‪ ،‬فهو مقلد وإن علم غيرها‪ .‬وأوثق أدلتها النجوم‪ ،‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫ﭽﭟ ﭠ ﭡﭼ [النحل‪ ]١٦ :‬وقال تعالى‪ :‬ﭽﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫[األنعام‪]97:‬‬ ‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﭼ‬
‫وآكدها القطب الشمالي‪.‬‬
‫(‪(١‬‬

‫وهذه الدالئل عند أهل الفن نذكر أهمها على النحو التالي‪:‬‬
‫* الدليل األول‪ :‬معرفة أطوال البلدان وعروضها‪:‬‬
‫معرفة أطوال البلدان وعروضها تنقسم إلى قسمين رئيسين‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬المعرفة العامة‪:‬‬
‫وذلك من خالل معرفة موقع الكعبة‪ ،‬وموقع المكان المراد من خطوط‬
‫الطول ودوائر العرض‪ ،‬بحيث يستطيع الراصد أن يعرف اتجاه القبلة على سبيل‬
‫التقريب‪ ،‬ولكن ال ُبدَّ من معرفة خطوط الطول ودوائر العرض لكل من مكة‪،‬‬
‫والبلد المراد‪ ،‬وتفصيل ذلك على النحو التالي‪:‬‬
‫نحسب زاوية القبلة عن طريق خطوط الطول ودوائر العرض بالمعرفة‬
‫المجردة لهذه الخطوط والدوائر‪ ،‬و ُيبنى على معرفة خط طول مكة‪ ،‬ودائرة‬
‫عرضها‪ ،‬ومعرفة خط طول ودائرة عرض الراصد‪ ،‬وبعض القوانين التي سنبينها‬
‫كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬طول مكة = ‪ 39.8(3‬شرق‬
‫‪ -‬عرض مكة = ‪ (١.4(33‬شمال‬

‫(‪ (١‬مغني ابن قدامه ‪.3١9/١‬‬


‫‪145‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫مالحظات‪:‬‬
‫أي دولة غرب مكة تكون أقل منها في القيمة مثال ‪ 80‬غرب‪ ،‬يعني ذلك‬
‫أنها أقل من طول مكة‪ ،‬وكذلك ‪ 40‬جنوب أقل من ‪ (0‬شمال وهكذا‪.‬‬
‫وال ُبدَّ من مالحظة أن القيم الموجبة تدل على الشرق والشمال‪ ،‬بينما‬
‫السالبة تدل على الغرب والجنوب‪.‬‬
‫وال بد أيضا من مالحظة أن المكان إذا كان طوله أكبر من خط طول مكة‪،‬‬
‫فيتم حساب الفرق بطرح خط طول مكة من طول المكان‪ ،‬وإن كان الموقع‬
‫غرب مكة فيتم إضافته إلى طول مكة‪.‬‬
‫* اتجاه القبلة‪:‬‬
‫هذه الطرق نستطيع من خاللها معرفة جهة القبلة على سبيل التقريب‪،‬‬
‫باستخدام المعرفة لخطوط الطول ودوائر العرض لمكة‪ ،‬وللموقع الذي فيه‬
‫الراصد وذلك كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كانت مكة أكبر طوال وعرضا فالقبلة بين الشمال والمشرق‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كانت مكة أقل طوال وعرضا فالقبلة بين الجنوب والمغرب‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كانت مكة أكبر طوال وأقل عرضا فالقبلة بين الجنوب والمشرق‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كانت مكة أقل طوالً وأكبر عرض ًا فالقبلة بين الشمال والمغرب‪.‬‬
‫ت ِ‬
‫القبلة‪:‬‬ ‫* َس ْم ُ‬
‫تعامد الشمس على مكة المكرمة‪:‬‬
‫تتعامد الشمس على مكة المكرمة يومي ‪ (8‬مايو و ‪ ١٦‬يوليو من كل عام‪،‬‬
‫بحيث يكون ميل الشمس في هذا اليوم مساوي ًا لخط عرض مكة المكرمة‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪146‬‬

‫فإذا رصدنا الشمس لحظة تعامدها على الكعبة المشرفة فإن مركزها‬
‫يكون في اتجاه الكعبة أي في اتجاه القبلة‪ ،‬وذلك في أي مكان في العالم يمكن‬
‫أن ترى فيه الشمس نهار ًا‪ ،‬ويكون سمت القبلة آنذاك هو وقت الظهر في مكة‬
‫المكرمة وهي لحظة واحدة يمكن حسابها بالتوقيت المحلى ألي مدينة حيث‬
‫تكون الساعة التاسعة وثماني عشرة دقيقة بتوقيت جرينتش ليوم ‪ (8‬مايو‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬حساب سمت القبلة بطريق خطوط الطول ودوائر العرض‪:‬‬
‫تعتبر هذه الطريقة من أدق الطرق ‪-‬إن لم تكن أد َّقها على اإلطالق‪ -‬إذ بها‬
‫نستطيع تحديد زاوية القبلة بدقة عالية جد ًا‪ ،‬ويعتمد حساب سمت القبلة على‬
‫المعادلة الحسابية التالية‪:‬‬
‫جا (طول المكان ‪ -‬طول مكة)‬
‫‪١-‬‬
‫القبلة= ظا‬
‫(جتا(عرض المكان)×ظا(عرض مكة)‪-‬جا(عرض المكان)×جتا(طول المكان ‪ -‬طول مكة)‬

‫خطوات العمل‪:‬‬
‫نقوم بالتعويض في القانون‪.‬‬
‫‪ -١‬نقوم بإيجاد التعويض لـ جا و لـ جتا‪ ،‬في المعادلة‪.‬‬
‫(‪ -‬نبدأ بالبسط في القانون بطرح جا طول المكان ‪ -‬طول مكة‪ ،‬كما هو‬
‫موضح في المعادلة‪.‬‬
‫‪ -3‬نأتي للمقام في المعادلة ونبدأ بالتعويض في الجا والجتا فيها‪.‬‬
‫‪ -4‬نبدأ أوالً بضرب جتا عرض المكان × ظا عرض مكة‪ ،‬ونكتب الناتج‪.‬‬
‫‪ -5‬ننتقل لـ جتا طول المكان ونوجده‪ ،‬ثم نطرحه ‪ -‬طول مكة‪ ،‬ونكتب‬
‫الناتج‪.‬‬
‫‪147‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫‪ -٦‬ثم نأتي لـ جا عرض المكان ونضربه × ناتج جتا طول المكان ‪ -‬طول‬
‫مكة‪.‬‬
‫‪ -7‬ثم نقسم البسط على المقام في المعادلة‪.‬‬
‫‪ -8‬ثم نوجد ظا‪ ١-‬وذلك بالضغظ على ‪ shift‬و ‪ ،tan‬ونكون بذلك قد‬
‫أوجدنا زاوية القبلة‪.‬‬
‫‪ -9‬إذا كانت القبلة‪:‬‬
‫‪ -‬شمال شرق فيكون الناتج هو زاوية القبلة‪.‬‬
‫‪ -‬جنوب شرق نطرح القيمة من ‪.١80‬‬
‫‪ -‬جنوب غرب نضيف على القمية ‪.١80‬‬
‫‪ -‬شمال غرب نطرحها من ‪.3٦0‬‬
‫‪ -١0‬في الناتج النهائي نهمل اإلشارات السالبة والموجبة‪.‬‬
‫‪ -١١‬إن أردنا تحويل الكسر لدقائق نطرح العدد الصحيح‪ ،‬ثم نضرب‬
‫الكسر في ‪ ٦0‬ينتج عدد الدقائق‪ ،‬ثم يضاف إليها العدد الصحيح الذي يمثل‬
‫رقم الزاوية‪.‬‬
‫(‪ -١‬نأخذ رقم زاوية القبلة‪ ،‬ونتجه نحو الشمال ثم ننحرف لجهة الشرق‬
‫بقدر قيمة زاوية القبلة‪ ،‬بمعنى أن نقطة الشمال هي نقطة الصفر‪ ،‬ونبدأ بالتحرك‬
‫منها بقدر زاوية القبلة‪ ،‬أي باتجاه عقارب الساعة‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪148‬‬

‫مثال تطبيقي‪:‬‬
‫أوجد زاوية القبلة لمدينة الكويت التي تقع على خط طول= ‪ ،48‬ودائرة‬
‫عرض = ‪ (9.33‬؟‬
‫المطلوب‪:‬‬
‫طول مكة = ‪ 39.8(3‬شرق‬
‫عرض مكة = ‪ (١.4(33‬شمال‬
‫طول مدينة الكويت = ‪48‬‬
‫عرض مدينة الكويت = ‪(9.33‬‬
‫الحل‪:‬‬

‫جا (طول المكان ‪ -‬طول مكة)‬


‫‪١-‬‬
‫القبلة= ظا‬
‫جتا(عرض المكان)×ظا(عرض مكة)‪-‬جا(عرض المكان)×جتا(طول المكان ‪ -‬طول مكة)‬

‫جا (‪(39.8(3 - 48‬‬


‫‪١-‬‬
‫القبلة= ظا‬
‫جتا ( ‪ ×)(9.33‬ظا (‪ -)(١.4(33‬جا ( ‪ ×) (9.33‬جتا (‪(39.8(3 - 48‬‬

‫‪0.١4((3‬‬
‫‪١-‬‬
‫القبلة= ظا‬
‫‪0.9898 × 0.4898 -0.39(3 ×0.87١8‬‬

‫‪0.١4((3‬‬
‫‪١-‬‬
‫القبلة= ظا‬
‫‪0.4848 - 0.34(0‬‬

‫‪0.١4((3‬‬
‫‪١-‬‬
‫القبلة= ظا‬
‫‪0.١4(8-‬‬
‫‪149‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫القبلة= ظا‪0.99٦0 - ١-‬‬


‫القبلة = ‪44.885١‬‬
‫نضيف إليها ‪ ١80‬ألن القبلة في الكويت جنوب غرب فيكون الناتج =‬
‫‪((4.885١‬‬
‫نحول الكسر للدقائق بعد إهمال العدد الصحيح‪53 = ٦0 × 885١ :‬‬
‫دقيقة‪.‬‬
‫فالناتج = ‪((4.53‬‬
‫وهذه هي زاوية القبلة في مدينة الكويت نحسبها ابتداء من نقطة الشمال‬
‫باتجاه حركة عقارب الساعة‪.‬‬
‫* الدليل الثاني‪ :‬معرفة القبلة بطريقة البوصلة‪:‬‬
‫يمكن معرفة القبلة مع الدائرة الهندية (البوصلة) وغيرها من األشكال‬
‫الهندسية‪ ،‬وتعتبر البوصلة من أدوات القياس القديمة فقد استخدمها المسلمون‬
‫منذ قديم الزمان في تحديد االتجاهات كبديل عن النجوم‪.‬‬
‫وقد كانت هذه النجوم تغيب في النهار وال تظهر في األيام الغائمة‪ ،‬وهذه‬
‫تتكون من سهم‬
‫ّ‬ ‫البوصلة بدورها هي (بوصلة تحديد القبلة)‪ ،‬وهي بوصلة‬
‫ومؤشر يشير إلى جهة الشمال‪ ،‬باإلضافة إلى ّ‬
‫أن األرقام‬ ‫ّ‬ ‫يشير إلى اتجاه القبلة‬
‫والمستخدم‪،‬‬
‫الموجودة عليها بشكل دائري تكون مكتوبة حسب لغة البلد ُ‬
‫وتدل هذه األرقام على اتجاه القبلة‪ ،‬حيث يتم إرفاق دليل يربط كل رقم مع‬
‫اتجاه القبلة في كل دولة مع البوصلة‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪150‬‬

‫طريقة استخدام البوصلة لتحديد القبلة‪:‬‬


‫‪ -‬قم باإلمساك بالبوصلة بيدك بطريقة حرة واألفضل أن تكون متجه ًا إلى‬
‫جهة الشمس‪.‬‬
‫‪ -‬قم بتحديد الرقم الذي يشير إلى اتجاه القبلة من خالل الدليل المرفق‬
‫مع البوصلة‪.‬‬
‫‪ -‬قم بتدوير البوصلة مع عقارب الساعة أو عكسها حتّى يوازي ّ‬
‫مؤشر‬
‫الشمال رقم اتجاه القبلة‪ ،‬عندها سوف يشير السهم الخاص باتجاه القبلة إلى‬
‫اتجاه القبلة الصحيح في تلك المنطقة‪.‬‬
‫ومن األفضل عند استخدام البوصلة لتحديد االتجاهات الوقوف في‬
‫ّ‬
‫المؤشر الذي هو عبارة عن‬ ‫وخاصة الحديد‪ ،‬ذلك ّ‬
‫ألن‬ ‫ّ‬ ‫مكان يخلو من المعادن‬
‫إبرة مغناطيس ّية كما ذكرنا يتأ ّثر وينجذب إليه وبالتالي ال تعطي البوصلة قراءة‬
‫صحيحة‪.‬‬

‫شكل‪ )(4 ( :‬صورة للبوصلة‬


‫‪151‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫* الدليل الثالث‪ :‬معرفة القبلة عن طريق الساعة‪:‬‬


‫تعتبر نفسك في مركز الساعة ‪ -‬في المنتصف كما هو موضح في‬
‫الشكل(‪ - )(5‬ثم تجعل ضابط الساعة إلى خارج جهة الصدر ثم تضبط مؤشر‬
‫الساعات إلى جهة الشمس بالضبط (وهذا شيء مهم وأساسي)‪.‬‬
‫ثم تقوم بتنصيف (تقسيم) المسافة بين مؤشر الساعات الذي ضبطته إلى‬
‫جهة الشمس بالضبط وبين رقم اثني عشر ((‪ )١‬على الساعة ومنتصف هذه‬
‫المسافة يشير مباشرة الى جهة القبلة‪.‬‬

‫شكل ( ‪ ) (5‬يوضح عملية االستدالل بالساعة على جهة القبلة‬


‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪152‬‬

‫أي هذه الطرق أقوى في االستدالل‪:‬‬


‫وقد اختلف العلماء ّ‬
‫فقال قوم إن أقواها معرفة األطوال والعروض‪ ،‬ثم معرفة النجم القطبي‪،‬‬
‫وقال آخرون بل أقواها معرفة القطب أو النجم القطبي‪ ،‬ثم األطوال والعروض‬
‫(‪(١‬‬
‫مع الدائرة الهندية أو غيرها من األشكال الهندسية‪.‬‬
‫* الدليل الرابع‪ :‬معرفة القبلة عن طريق قوقل إيرث‪:‬‬
‫مع تطور علم الفلك والفضاء وإرسال السفن الفضائية واألقمار الصناعية‬
‫أصبح بمقدور المصلي أن يحدد القبلة عبر هذه األقمار الصناعية‪ ،‬وذلك يكون‬
‫من خالل برنامج مخصص لهذا األمر (‪ ،)Google Earth‬وهو برنامج خرائطي‬
‫وجغرافي معلوماتي‪ ،‬له القدرة على إظهار صورة ثالثية األبعاد للمباني‬
‫والجسور وغيرهما‪ ،‬وفيه قياسات للمسافات وتحديد لألبعاد وغير ذلك‪.‬‬
‫ويمكن ألي مسلم أن يستخدم هذا البرنامج لمعرفة جهة القبلة بالنسبة‬
‫ألي مكان في األرض‪ ،‬بيته أو مسجده أو غير ذلك‪.‬‬
‫وقد استخدم((( هذا البرنامج لمعرفة دقة قبلة مسجد صنعاء الكبير الذي‬
‫بناه الصحابي الجليل وبر بن يحنس الخزاعي بأمر من الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قد حدد له جهة قبلة المسجد‬
‫بأن يجعله نحو جبل خارج صنعاء يقال ضين‪ ،‬فعن وبر بن عيسى الخزاعي‪:‬‬
‫قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‪« :‬إِ َذا َبنَ ْي َت َم ْس ِجدَ َصنْ َعا َء‪َ ،‬ف ْ‬
‫اج َع ْل ُه َع ْن‬

‫(‪ (١‬انظر آللئ الطل الندية ‪.44‬‬


‫((( استخدمه فضيلة العالمة الشيخ‪ /‬عبد املجيد الزنداين ببحث خاص اسمه‪ :‬األقامر‬
‫الصناعية تشهد بصدق الرسول صىل اهلل عليه وسلم‪ .‬شاهده يف اليوتيوب وشبكة‬
‫املعلومات العاملية‪.‬‬
‫‪153‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫َي ِم ِ‬
‫ين َج َب ٍل‪ُ ،‬ي َق ُال َل ُه‪ِ :‬ضين»‪.‬‬
‫(‪(١‬‬

‫ففعل وبر ما أمره به الرسول صلى الله عليه وسلم‪ .‬واليوم قام عدد من‬
‫الباحثين في صنعاء بإثبات دقة هذا التحديد عبر هذا البرنامج (‪،)Google Earth‬‬
‫وظهرت معجزة النبي صلى الله عليه وسلم ‪-‬الذي ال ينطق عن الهوى‪ -‬تشهد‬
‫بدقة هذا التحديد النبوي الكريم‪.‬‬

‫(‪ (١‬أخرجه الطرباين يف األوسط ‪ (53/١‬برقم ‪ .83١‬قال اهليثمي يف «املجمع» (‪:١(/‬‬


‫رواه الطرباين يف األوسط؛ وإسناده حسن‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪154‬‬

‫شكل (‪ )(٦‬الصورة األولى تبين دقة قبلة مسجد صنعاء التي حددها الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم لوبر بن يحنس الخزاعي‪ .‬والصورة الثانية فيها صورة‬
‫للمسجد وصورة لجبل ضين وصورة للكعبة في خط متواز‪.‬‬
‫‪155‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫* االنحراف عن القبلة‪:‬‬
‫بعد أن تعلمنا كيف نعرف الدالئل على القبلة‪ ،‬سواء كانت دالئل كونية‬
‫أم حسابية عبر المعادالت الرياضية وخطوط الطول ودوائر العرض‪ ،‬بعد كل‬
‫ذلك نريد أن نقرر مسألة وهي‪:‬‬
‫يجب على المسلمين في عصرنا التحري بمختلف الدالئل واآلالت‪ ،‬وأن‬
‫أمر‬
‫يبنوا مساجدهم على يقين في التوجه نحو القبلة بقدر المستطاع‪ ،‬وهو اليوم ٌ‬
‫في غاية الدقة والسهولة فإذا ُعلم عين القبلة تحديد ًا أو ما يدل عليها‪ ،‬فحينئذ‬
‫يجب التوجه نحوها وال يجوز االنحراف عنها؛ ألنهم في حكم المشاهد وال‬
‫ضرورة لهم في االنحراف‪.‬‬
‫ولكنه يتبقى لنا مسألة وهي‪ :‬ما حكم االنحراف عن القبلة يسير ًا؟ وما‬
‫درجة االنحراف المسموح بها التي ال تخرج المصلي عن جهة القبلة؟ إذا‬
‫كان المصلي قد تحرى واجتهد‪ ،‬أو كان المسلمون قد بنوا مسجد ًا منحرف ًا عن‬
‫القبلة؟‬
‫وللجواب عن هذه المسألة نقول‪:‬‬
‫إن االنحراف المسموح به هو ما لم يتجه المصلي نحو الجهة األخرى‬
‫المغايرة يمين ًا أو يسار ًا‪ ،‬وإن المطلوب من المصلي البعيد هو االتجاه نحو‬
‫الجهة ال عين الكعبة‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪ :‬ﭽﮰ ﮱ ﯓﭼ [البقرة‪،]١44:‬‬
‫وشطره‪ :‬نحوه وتلقاؤه وهو سبحانه أمره بأن يولي وجهه شطر المسجد الحرام‬
‫و«المسجد الحرام» هو الحرم كله‪ ،‬كما في قوله‪« :‬فال يقربوا المسجد الحرام‬
‫بعد عامهم هذا»‪ ،‬وليس ذلك مختصا بالكعبة وقد ثبت في الصحيحين عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم «أنه صلى في قبلة الكعبة ركعتين وقال‪ :‬هذه القبلة»(‪.(١‬‬
‫(‪ (١‬أخرجه البخاري ‪ ١88/١‬برقم ‪ ،398‬ومسلم (‪ 9٦8/‬برقم ‪.١330‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪156‬‬

‫وثبت عنه في الصحيحين أنه قال‪« :‬ال تستقبلوا القبلة بغائط وال بول؛ وال‬
‫تستدبروها؛ ولكن شرقوا أو غربوا»(‪ (١‬فنهى عن استقبال القبلة بغائط أو بول‬
‫وأمر باستقبالها في الصالة فالقبلة التي نهى عن استقبالها واستدبارها بالغائط‬
‫والبول هي القبلة التي أمر المصلي باستقبالها في الصالة‪ ..‬فالمقصود أن من‬
‫صلى إلى جهتها فهو مصل إلى عينها وإن كان ليس عليه أن يتحرى مثل هذا‪.‬‬
‫(((‬

‫وقد أخرج ابن أبي شيبة في «المصنف» عن ابن عمر رضي الله عنهما‬
‫يسارك فما بينهما ِقبل ٌة ألهل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫والمشرق عن‬ ‫َ‬
‫يمينك‬ ‫المغرب عن‬
‫َ‬ ‫قال‪« :‬إذا َجع ْل َت‬
‫(‪(3‬‬
‫الشمال»‪ .‬ومثله عن علي وابن عباس رضي الله عنهما‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وقد وضح العالمة الدردير مقدار االنحراف الكثير بقوله‪« :‬واالنحراف‬
‫(‪(4‬‬
‫نص عليه في المدونة»‪.‬‬
‫يغرب‪ّ ،‬‬
‫الكثير أن يشرق أو ّ‬
‫أما االنحراف اليسير فال حرج فيه‪ ،‬وقد حدده العالمة ابن عابدين الحنفي‬
‫فقال‪[ :‬ف ُع ِل َم أن االنحراف اليسير ال َي ُض ُّر‪ ،‬وهو الذي يبقى معه الوجه أو شي ٌء‬
‫ِمن جوانبه مسامتًا لعين الكعبة أو لهوائها‪ ،‬بأن يخرج الخط ِمن الوجه أو ِمن‬
‫مستقيما‪ ،‬وال يلزم أن يكون الخط‬ ‫ً‬ ‫بعض جوانبه ويمر على الكعبة أو هوائها‬
‫خارجا ِمن جبهة المصلي‪ ،‬بل منها أو ِمن جوانبها كما َد َّل‬
‫ً‬ ‫الخارج على استقامة‬

‫(‪ (١‬أخرجه البخاري ‪ 88/١‬برقم ‪ ،394‬ومسلم ‪ ((4/١‬برقم ‪.(٦4‬‬


‫((( وال يقال ملن صىل كذلك أنه خمطئ يف الباطن معفو عنه؛ بل هذا مستقبل القبلة باطنا‬
‫وظاهرا وهذا هو الذي أمر به؛ وهلذا ملا بنى أصحاب رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬
‫مساجد األمصار كان يف بعضها ما لو خرج منه خط مستقيم إىل الكعبة لكان منحرفا‬
‫وكانت صالة املسلمني فيه جائزة باتفاق املسلمني‪ .‬انظر جمموع فتاوى ابن تيمية رمحه‬
‫اهلل ((‪.(١٦/‬‬
‫(‪ (3‬مصنف ابن أيب شيبة (‪ ١40/‬برقم ‪ .7434‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ (4‬يف الرشح الكبري ‪.((7/١‬‬
‫‪157‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫عليه قول «الدرر» من «جبين المصلي»؛ فإن الجبين طرف الجبهة وهما جبينان‪،‬‬
‫وعلى ما قررناه يحمل ما في الفتح والبحر عن الفتاوى من أن االنحراف المفسد‬
‫أن يجاوز المشارق إلى المغارب‪ .‬فهذا غاية ما ظهر لي في هذا المحل‪ ،‬والله‬
‫(‪(١‬‬
‫تعالى أعلم]‪.‬‬
‫وقد ُأثر عن الشافعي عدم القول بجواز االنحراف‪ ،‬وأن الواجب هو إصابة‬
‫العين‪ ،‬ولكن قد نُقل عنه موافقه الجمهور في عدم اشتراط عين الكعبة لمن كان‬
‫بعيد ًا‪ ،‬وهو األوفق قال‪ :‬أبو إسحاق الشيرازي‪[ :‬وفى فرضه (أي الغائب عن‬
‫فرضه إصاب ُة العين؛ ألن من لزمه ُ‬
‫فرض القبلة لزمه‬ ‫مكة) قوالن‪ :‬قال في «األم»‪ُ :‬‬
‫الفرض هو الجهة؛ ألنه لو كان‬
‫َ‬ ‫إصابة العين كالمكي‪ .‬وظاهر ما نقله المزني‪ّ :‬‬
‫أن‬
‫خرج عن‬ ‫الفرض هو العين َل َما صحت صالة الصف الطويل؛ ألن فيهم َمن َي ُ‬
‫الجهة لِ َم ْن َب ُعدَ‬
‫ِ‬ ‫العين]‪ (((.‬وهو كذلك عند الحنابلة‪ ،‬قال المرداوي‪[ :‬وإصاب ُة‬
‫ُ‬
‫المعمول به‬ ‫جمهور األصحاب‪ ،‬وهو‬‫ُ‬ ‫َص عليه‪ ،‬وعليه‬‫المذهب‪ ،‬ن َّ‬
‫ُ‬ ‫عنها‪ ،‬وهذا‬
‫في المذهب]‪ (3(.‬وهو المنقول عن عامة الفقهاء‪.‬‬
‫*مقدار االنحراف بالزاوية‪:‬‬
‫وهذا االنحراف المسموح به يكون في معدل الجهة الصغرى‪ ،‬وهي‬
‫تساوي ‪ 45‬درجة يمين ًا أو يسار ًا‪ ،‬وأما أكثر من هذا المعدل من االنحراف فإنه‬
‫يجعل المصلي متجها لجهة غير جهة القبلة‪ ،‬بحيث يكون متجها للقبلة بجنبه‬
‫ال وجهه وصدره‪ ،‬فمن صلى بانحراف أكثر من تلك الدرج كانت صالته لغير‬
‫القبلة‪.‬‬

‫(‪ (١‬رد املحتار عىل الدر املختار‪.430/١‬‬


‫((( املهذب يف فقه الشافعي‪.(05/3‬‬
‫(‪ (3‬اإلنصاف(‪.9/‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪158‬‬

‫وقد فهم بعضهم من كالم ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه يقول بذلك‬
‫وأنه اشترط أال يخرج المصلي عن أن يكون مستقب ً‬
‫ال للقبلة بجزء من وجهه‬
‫أو صدره أو بطنه‪ ،‬إذ يقول رحمه الله تعالى‪ :‬بل لو كان منحرفا انحرافا يسيرا لم‬
‫يقدح ذلك في االستقبال‪.‬‬
‫واالسم إن كان له حد في الشرع رجع إليه وإال رجع إلى حده في اللغة‬
‫والعرف واالستقبال هنا دل عليه الشرع واللغة والعرف‪.‬‬
‫وأما الشارع فقال‪« :‬ما بين المشرق والمغرب قبلة» ومعلوم أن من كان‬
‫بالمدينة والشام ونحوهما إذا جعل المشرق عن يساره والمغرب عن يمينه فهو‬
‫مستقبل للكعبة ببدنه؛ بحيث يمكن أن يخرج من وجهه خط مستقيم إلى الكعبة‬
‫ومن صدره وبطنه؛ لكن قد ال يكون ذلك الخط من وسط وجهه وصدره‪.‬‬
‫(‪(١‬‬
‫فعلم أن االستقبال بالوجه أعم من أن يختص بوسطه فقط والله أعلم‪.‬‬
‫وهذا التقرير من الدرج والتحديد يرجع إلى أن األرض شبه كروية‬
‫ومجموع محيط الدائرة يساوي ‪ 3٦0‬درجة‪ ،‬مقسمة على الجهات األربع‬
‫(شمال‪ ،‬شرق‪ ،‬جنوب‪ ،‬غرب)‪ ،‬ولو قسمنا محيط الدائرة على الجهات األربع‬
‫‪ 90 = 4 ÷ 3٦0‬درجة‪.‬‬
‫فكل جهة تساوي ‪ 90‬درجة وال تخلو القبلة أن تكون في إحدى الجهات‬
‫األربع‪ ،‬وعليه فإن جهة القبلة ستكون بزاوية ‪ 90‬درجة فقط‪ ،‬وليس ‪ ١80‬درجة‪.‬‬
‫فإذا انحرف المصلي يمين ًا (‪ )45‬درجة وهي نصف الزاوية ‪ 90‬فال يزال‬
‫في جهة القبلة‪ ،‬وكذلك من انحرف يسار ًا‪ .‬وأما من انحرف بأكثر من نصف‬
‫زاوية القبلة (‪ )4٦‬فإنه سيكون قد جاوز جهة القبلة‪.‬‬

‫(‪ (١‬جمموع الفتاوى ((‪.(١٦/‬‬


‫‪159‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫وعلى هذا ُيحمل كالم الفقهاء جميع ًا؛ ألن كالمهم يشير نحو الجهة‪،‬‬
‫والجهة تساوي ربع الدائرة ‪ 90‬درجة‪.‬‬
‫والله أعلم‪،،‬‬

‫شكل ( ‪ )(7‬يبين تقسيمات محيط الدائرة بالدرجات‪.‬‬


‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪160‬‬

‫شكل ( ‪ ) (8‬يبين الجهة الكبرى والجهة الصغرى‪.‬‬


‫‪161‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الشكل ( ‪ )(9‬نموذج تطبيقي على القبلة لدولة الكويت مستفاد من‬


‫كتاب علم الفلك الشرعي لالستاذ الدكتور الفكلي‪ :‬جالل الدين خانجي‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪162‬‬
‫‪163‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الفصل الثالث‬
‫يف معرفة األهلة‬
‫واملطالع والتقويم اهلجري‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪164‬‬
‫‪165‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الشهور القمرية وعالقتها باألحكام الرشعية‬

‫السنة عند العرب تتكون من اثني عشر شهر ًا قمري ًا‪ ،‬وهو ما تقرره األية‬
‫الكريمة في قوله تعالى‪ :‬ﭽﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟﯠ ﯡﯢﯣﯤ ﯥ ﯦﯧﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﭼ [التوبة‪.]3٦ :‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﭽﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯﭼ [يونس‪.]5 :‬‬
‫وقد بينت السنة النبوية الكيفية لتحديد بداية الشهر العربي كما في حديث‬
‫أبي ُه َر ْي َر َة رضي الله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال‪ :‬قال أبو‬
‫«صو ُموا لِ ُر ْؤ َيتِ ِه َو َأ ْفطِ ُروا لِ ُر ْؤ َيتِ ِه‪َ ،‬فإِ ْن ُغ ِّب َي َع َل ْيك ُْم َف َأك ِْم ُلوا ِعدَّ َة َش ْع َب َ‬
‫ان‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َقاس ِم‪ُ :‬‬
‫َث َالثِي َن»(‪.(١‬‬
‫فالرؤية البصرية للهالل هي َم ْن تحدد بداية الشهر العربي؛ واستمر‬
‫العرب والمسلمون على هذا العمل ردح ًا من الدهر‪ ،‬ولكن مع تطور علم‬
‫الفلك والحساب بدأ المسلمون بالنظر في اعتماد الحساب إلى جانب الرؤية‬
‫في تحديد بداية الشهر العربي‪ ،‬ونتج عن ذلك خالف فقهي قديم وحديث في‬
‫جواز هذا األمر من عدمه كما سنبين فيما بعد‪.‬‬
‫(‪ (١‬أخرجه البخاري (‪ ٦74/‬برقم ‪ ،١8١0‬ومسلم (‪ 7٦(/‬برقم ‪.١88١‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪166‬‬

‫وهذا االهتمام بالشهور القمرية مرده إلى الشريعة اإلسالمية إذ علقت‬


‫بها بعض األحكام الشرعية‪ ،‬بل بعض أركان اإلسالم كالصيام والزكاة والحج‬
‫ومن األحكام ِ‬
‫العدد‪ ،‬والديون‪ ،‬وال يمكن ضبط هذه األحكام إال بالرجوع إلى‬
‫الشهور العربية ومعرفة دخولها وخروجها‪.‬‬
‫* تعريف الهالل‪:‬‬
‫الهاء والالم أصل صحيح يدل على رفع صوت‪ ،‬ثم يتوسع فيه فيسمى‬
‫الشيء الذي ُي َص َّوت عنده ببعض ألفاظ الهاء والالم‪ ،‬ثم ُي َش َّبه بهذا المسمى غيره‬
‫َّ‬
‫واستهل الصبي‬ ‫(أه َّل بالحج) رفع صوته بالتلبية‪،‬‬
‫فيسمى به‪ ،‬واألصل قولهم‪َ :‬‬
‫سمي به إلهالل الناس‬
‫صوت عند والدته‪ ،‬فالهالل الذي في السماء ّ‬
‫صارخا‪ّ :‬‬
‫عند نظرهم إليه‪ ،‬مكبرين وداعين‪ ،‬ويسمى هالالً ّأو َل ليلة والثانية والثالثة‪ ،‬ثم‬
‫هو قمر بعد ذلك‪ ،‬ويقال أهل الهالل واستهل(‪.(١‬‬
‫* األهلة مواقيت للناس‪:‬‬
‫وقد جعل الله األهلة مواقيت للناس‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽﮮ ﮯ ﮰﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﭼ‬
‫[البقرة‪ ،]١89 :‬وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي ُه َر ْي َر َة رضي‬
‫ِ‬
‫الله عنه قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال‪ :‬قال أبو ا ْل َقاس ِم‪ُ :‬‬
‫«صو ُموا‬
‫ان َث َالثِي َن»(((‪.‬‬
‫لِ ُر ْؤ َيتِ ِه َو َأ ْفطِ ُروا لِ ُر ْؤ َيتِ ِه‪َ ،‬فإِ ْن ُغ ِّب َي َع َل ْيك ُْم َف َأك ِْم ُلوا ِعدَّ َة َش ْع َب َ‬

‫(‪ (١‬معجم مقاييس اللغة ‪.١١ / ٦‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ٦74/‬برقم ‪ ،١8١0‬ومسلم (‪ 7٦(/‬برقم ‪.١88١‬‬
‫‪167‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫فع َّلق الصيام على رؤية الهالل‪ ،‬وكذا الفطر من رمضان‪ ،‬وبه يعرف أول‬
‫الشهر العربي‪ ،‬وباكتماله أو اكتمال نوره يعرف نصف الشهر؛ ولما كان الشارع‬
‫قد علق عليه بعض العبادات‪ ،‬بل بعض أركان اإلسالم كالصيام والحج‪ ،‬كانت‬
‫معرفة األهلة فرض ًا على األمة؛ لتعلقها بتلك الفروض من حيث اإلجمال‪.‬‬
‫كما أن الفقهاء قد اختلفوا من حيث التفصيل في رؤية الهالل‪ ،‬إذا ُر ِئ َي في‬
‫بلد هل يلزم بقية بلدان المسلمين أم ال؟‬
‫أما من حيث علم الفلك في هذه المسألة فإن علماء الفلك يثبتون اختالف‬
‫المطالع بحسب موقع البلد وتوقيته‪ ،‬ويبقى الخالف بين علماء الشريعة في‬
‫اعتبار هذا االختالف من عدمه‪.‬‬
‫* تغير شكل القمر‪:‬‬
‫القمر يتغير شكله أثناء دورانه حول األرض‪ ،‬وذلك ألن القمر غير ملتهب‬
‫ذاتي وإنما يعكس لنا ضوء الشمس‪.‬‬
‫وليس له ضوء ٌّ‬

‫شكل (‪ )30‬يوضح دورة القمر حول األرض وتغير شكله خالل شهر عربي‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪168‬‬

‫* دوران القمر حول األرض‪:‬‬


‫يدور القمر حول األرض مرة واحدة كل ‪ (9.5‬يوم ًا تقريب ًا كمتوسط‪،‬‬
‫بالم َحاق [ بتثليث الميم]‪ ،‬ومرور ًا‬
‫وأثناء دورانه هذا نراه بأطوار مختلفة‪ :‬مبتدئًا ُ‬
‫بالهالل المتزايد‪ ،‬ثم التربيع األول واألحدب المتزايد‪ ،‬ثم البدر واألحدب‬
‫المتناقص‪ ،‬ثم التربيع الثاني‪ ،‬ثم الهالل المتناقص‪ ،‬وعودة مرة أخرى إلى‬
‫المحاق‪.‬‬
‫ُ‬
‫والقمر يشرق كل يوم في موعد يعتمد على طوره؛ فعندما يكون القمر‬
‫محاق ًا فإنه يشرق مع الشمس ويغيب معها تقريب ًا‪.‬‬
‫وعندما يكون تربيع ًا َّأول فإنه يشرق عند منتصف النهار ويغيب عند‬
‫منتصف الليل تقريب ًا‪.‬‬
‫وأما عندما يكون بدر ًا فإنه يشرق مع غروب الشمس ويغرب مع شروق‬
‫الشمس‪ .‬وعندما يكون هالالً جديد ًا (متزايد ًا) فإنه يشرق بعد شروق الشمس‬
‫بقليل ويغرب بعد غروب الشمس بقليل‪.‬‬
‫‪169‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫شكل (‪ )3١‬رسم توضيحي يبين دوران القمر حول األرض وكيف يتغير‬
‫كل أسبوع بفعل اقترابه من الشمس أو بعده عنها‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪170‬‬

‫شكل ((‪ )3‬يوضح سبب تغير شكل القمر بسبب دورانه حول األرض‬
‫وانعكاس ضوء الشمس عليه وأسماء أطواره‪.‬‬

‫وهذا التغيير ناتج عن ُقربه وب ِ‬


‫عده عن الشمس‪ ،‬فيكون أقرب ما يكون في‬ ‫ْ ُ‬
‫حال المحاق‪ ،‬ويكون أبعد ما يكون في حال البدر‪ ،‬ففي المحاق يكون القمر‬
‫بين األرض والشمس‪ ،‬فيكون المضيء هو المواجه للشمس‪ ،‬ونصفه المظلم‬
‫هو المواجه لألرض فال نرى شيئ ًا منه‪ ،‬وبالعكس من ذلك في حال البدر‪.‬‬
‫إذ ًا فالقمر يتغير شكله بحسب قربه وموقعه على سمت الشمس كما ترى‬
‫في الصورة التالية‪:‬‬
‫‪171‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫شكل (‪ )33‬يوضح كيف يتغير القمر بسبب قربه وبعده عن الشمس‪.‬‬

‫* حساب غياب القمر من الليل‪:‬‬


‫عند بعض علماء الفلك أن القمر يغيب ليلة إهالله لنصف سبع الليل‪،‬‬
‫والليلة الثانية لسبع الليل‪ ،‬والثالثة لسبع ونصف وهكذا يزيد كل ليلة على وقت‬
‫مغيبه في الليلة التي قبله بنصف سبع الليل حتى ليلة أربعة عشر‪ ،‬فيغيب عند‬
‫طلوع الشمس‪ ،‬وفي ليلة خمسة عشر يطلع لنصف سبع الليل‪ ،‬وليلة ستة عشر‬
‫لسبع الليل‪ ،‬وهكذا كما كان يزيد كل ليلة بعد إهالله نصف سبع‪ ،‬ينقص بعد‬
‫أربعة عشر كل ليلة نصف سبع‪ ،‬إلى أن يطلع عند طلوع الشمس‪ ،‬ليلة ثمان‬
‫وعشرين‪.‬‬
‫وعند غالب علماء الفلك إذا أردت أن تعلم متى يغيب القمر من الليل‬
‫فإذا كان في النصف األول من الشهر فاضرب ما مضى من الشهر في ستة( ‪(٦‬‬
‫واقسم الحاصل على سبعة ( ‪ ) 7‬فخارج القسمة‪ ،‬ساعات ماضية من الليل عند‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪172‬‬

‫غروبه‪ ،‬وإن بقي كسر فانسبه للمقسوم عليه(‪ ،(١‬وفي ليلة خمسة عشر يطلع بعد‬
‫غروب الشمس ويغيب نحو طلوعها؛ وإن كان في النصف الثاني فخذ ما زاد‬
‫على النصف‪ ،‬واضربه في ستة ( ‪ ) ٦‬واقسم الحاصل على سبعة ( ‪ ) 7‬فحاصل‬
‫القسمة ساعات ماضية قبل طلوعه‪ ،‬وإن بقي كسر فانسبه للمقسوم عليه أيض ًا(((‪.‬‬
‫ومقدار بعده كل ليلة عن الشمس هو قدر حركته في اليوم والليلة‪ ،‬حتى‬
‫ليلة أربعة عشر‪ ،‬فيبعد عنها غاية البعد ويطلع مقاب ً‬
‫ال لها‪ ،‬فيكمل نوره األربعة‬
‫عشر جزء ًا‪ ،‬ثم يأخذ في النقصان والقرب من الشمس مقدار ما كان يبعد ويزيد‪،‬‬
‫فسبحان مس ّيرهما على الدوام‪ ،‬وخالق األفالك العظام(‪.(3‬‬
‫وقد حسب علماء الفلك المعاصرون أن القمر يتأخر عن الشمس في‬
‫الطلوع كل يوم ‪ 53‬دقيقة تقريب ًا‪.‬‬
‫انظر الجدول التالي الذي يبين مكث القمر بعد طلوعه في النصف األول‬
‫من الشهر‪ ،‬ووقت طلوعه في النصف الثاني من الشهر إذا كان الليل والنهار‬
‫متساويين‪:‬‬

‫(‪ (١‬مثال ذلك أن تقول‪ :‬مىض من الشهر أربعة أيام‪ ،‬فترضب أربعة يف ستة فينتج أربعة‬
‫وعرشون‪ ،‬فتقسمها عىل سبعة فيكون خارج القسمة ثالث ساعات وثالثة أسباع ساعة‪،‬‬
‫فهذا الوقت هو الذي يغيب فيه القمر يف تلك الليلة‪ .‬اهـ أماله شيخنا الفقيه العالمة‬
‫َمحيد قاسم عقيل حفظه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫((( مثال ذلك أن تقول‪ :‬مىض من الشهر مخسة وعرشون يوم ًا‪ ،‬فترضب أحد عرش يف ستة‬
‫فينتج ستة وستون‪ ،‬فتقسمها عىل سبعة فيكون طلوع القمر لتسع ساعات‪ ،‬ومخس ساعة‪،‬‬
‫تقريب ًا مىض من الليل‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬فإن مىض من الشهر أربعة عرش يوم ًا‪ :‬فارضهبا يف ستة‪ ،‬تكون أربعة وثامنني‪ ،‬ثم‬
‫اقسمها عىل سبعة‪ ،‬خيرج اثنا عرش وذلك عند طلوع الشمس يغرب القمر‪ .‬أهـ أماله‬
‫شيخنا الفقيه العالمة َمحيد قاسم عقيل حفظه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫(‪ (3‬املخترص يف معرفة السنني والربع املشتهر ‪ ١0‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪173‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫ساعة‬ ‫دقيقة‬ ‫دقائق طلوع اهلالل من الليل‬ ‫اليوم‬

‫‪0‬‬ ‫‪5١‬‬ ‫‪5١.43‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪١‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪١0(.8٦‬‬ ‫‪2‬‬
‫(‬ ‫‪34‬‬ ‫‪١54.(9‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪(٦‬‬ ‫‪(05.7١‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪١7‬‬ ‫‪(57.١4‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪308.57‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪٦‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪3٦0.00‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪٦‬‬ ‫‪5١‬‬ ‫‪4١١.43‬‬ ‫‪8‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪4٦(.8٦‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪8‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪5١4.(9‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪9‬‬ ‫‪(٦‬‬ ‫‪5٦5.7١‬‬ ‫‪11‬‬
‫‪١0‬‬ ‫‪١7‬‬ ‫‪٦١7.١4‬‬ ‫‪12‬‬
‫‪١١‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪٦٦8.57‬‬ ‫‪13‬‬
‫(‪١‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪7(0.00‬‬ ‫‪14‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪174‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪5١‬‬ ‫‪5١.43‬‬ ‫‪15‬‬


‫‪١‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪١0(.8٦‬‬ ‫‪16‬‬
‫(‬ ‫‪34‬‬ ‫‪١54.(9‬‬ ‫‪17‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪(٦‬‬ ‫‪(05.7١‬‬ ‫‪18‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪١7‬‬ ‫‪(57.١4‬‬ ‫‪19‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪308.57‬‬ ‫‪20‬‬
‫‪٦‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪3٦0.00‬‬ ‫‪21‬‬
‫‪٦‬‬ ‫‪5١‬‬ ‫‪4١١.43‬‬ ‫‪22‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪4٦(.8٦‬‬ ‫‪23‬‬
‫‪8‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪5١4.(9‬‬ ‫‪24‬‬
‫‪9‬‬ ‫‪(٦‬‬ ‫‪5٦5.7١‬‬ ‫‪25‬‬
‫‪١0‬‬ ‫‪١7‬‬ ‫‪٦١7.١4‬‬ ‫‪26‬‬
‫‪١١‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪٦٦8.57‬‬ ‫‪27‬‬
‫(‪١‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪7(0.00‬‬ ‫‪28‬‬

‫* أوصاف الهالل‪:‬‬
‫هالل أول الشهر يقع إلى الجنوب من المكان الذي غطست فيه الشمس‬
‫بعد الغروب‪ ،‬أما هالل آخر الشهر فتستحيل رؤيته بعد غروب الشمس وإنما‬
‫يغطس قبل الشمس إلى الشمال قلي ً‬
‫ال من المكان الذي ستغطس فيه الشمس‬
‫‪175‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫بعده‪.‬‬
‫ويكون قرنا هالل أول الشهر إلى األعلى ويتجهان جنوب ًا‪ ،‬أما هالل آخر‬
‫الشهر فإن أمكنت رؤيته قبيل الغروب في جهة الغرب فإن قرنيه يتجهان إلى‬
‫األسفل والشمال‪.‬‬
‫وقد حسب علماء الفلك المعاصرون أن القمر يتأخر عن الشمس في‬
‫الطلوع كل يوم ‪ 53‬دقيقة تقريب ًا‪.‬‬
‫* الشروط الفلكية لرؤية الهالل‪:‬‬
‫قرر علماء الفلك لرؤية الهالل شروط ًا من دونها تستحيل‪ ،‬أو تتعذر رؤيته‬
‫وهذه الشروط تنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫شروط تستحيل رؤية الهالل من دون توفرها‪.‬‬
‫شروط تتعذر رؤية الهالل من دونها‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬استحالة رؤية الهالل‬
‫لرؤية هالل الشهر الجديد ال ُبدَّ أن ُي ْر َقب في السماء الغربية‪ ،‬فنقوم ّ‬
‫بتحري‬
‫الهالل في اليوم التاسع والعشرين من الشهر الهجري‪ ،‬وال بد من توفر شرطين‬
‫أساسيين تستحيل رؤية الهالل بغياب أحدهما‪:‬‬
‫* الشرط األول‪:‬‬
‫أن يكون القمر قد وصل مرحلة المحاق (االقتران) قبل غروب شمس يوم‬
‫الرؤية؛ ألننا نبحث عن الهالل‪ ،‬وهي مرحلة تلي المحاق‪ ،‬فإن لم يكن القمر‬
‫قد وصل مرحلة المحاق فال جدوى إذن من البحث عن الهالل‪ ،‬فالمحاق أو‬
‫االقتران يسبق ميالد الهالل‪ ،‬فال هالل قبل االقتران أو المحاق‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪176‬‬

‫المقصود باالقتران‪:‬‬
‫خط واحد بحيث يكون القمر‬ ‫هو وقوع الشمس والقمر واألرض على ٍّ‬
‫واقع ًا بين األرض والشمس‪ ،‬ويسمى القمر في هذه الحالة ِ‬
‫(محاق ًا) إذ يكون في‬
‫أكثر األطوار عتمة ويكون نصفه المظلم باتجاه األرض‪.‬‬
‫واالقتران هو لحظة كونية واحدة بالنسبة لجميع أنحاء األرض‪ ،‬وال‬
‫تختلف فيها أقوال الفلكيين أو حساباتهم؛ فهي من السنن الكونية الربانية في‬
‫تسيير هذا الكون‪.‬‬
‫(‪(١‬‬

‫ويجدر التنويه إلى أن علماء الفلك ال يختلفون في تحديد وقت االقتران‪،‬‬


‫بل الحساب في ذلك في غاية الدقة؛ وما يوجد من اختالف في بعض التقاويم‬
‫لبداية الشهور الهجرية ناتج عن أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬إن هذه التقاويم ليست حجة على الفلك‪ ،‬فالتقاويم قد يصنعها غير‬
‫المتخصص في علم الفلك‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إن االختالف ال يمكن أن يكون في تحديد وقت االقتران فهو‬
‫محسوب بدقة متناهية‪ ،‬بل قد يكون االختالف في وقت إمكانية الرؤية بعد‬
‫التولد‪ ،‬التي فيها الخالف حاصل فعالً‪ ،‬فالعلماء مختلفون في الوقت الذي‬
‫ينبغي أن يمر بعد التولد حتى تدخل الرؤية ح ِّيز الممكن‪.‬‬
‫ودليل االتفاق في تحديد وقت االقتران وأنه منضبط‪ ،‬هو حسابات‬
‫الفلكيين للكسوف والخسوف‪ ،‬فكما نالحظ دقتهم في ذلك بالدقيقة والثانية‪،‬‬
‫فكذلك حساب االقتران للهالل؛ ألن الجميع على نفس الحساب‪.‬‬

‫(‪ (١‬األهلة بني الرشع والفلك‪« .‬بترصف وزيادات» أستاذنا شفيق كحيل عبد العزيز‪،‬‬
‫الباحث الفلكي بالنادي العلمي الكويتي‪.‬‬
‫‪177‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫* الشرط الثاني‪:‬‬
‫أن يغرب القمر بعد غروب الشمس؛ ألن تحري الهالل يبدأ فور بداية‬
‫اليوم الهجري الجديد عند غروب الشمس‪ ،‬فإذا كان القمر سيغيب أص ً‬
‫ال قبل‬
‫غروب الشمس أو معها؛ فهذا يعني أنه ال يوجد هالل في السماء نبحث عنه بعد‬
‫الغروب‪.‬‬
‫فإذا حصل االقتران قبل غروب الشمس لليوم المراد‪ ،‬وكان القمر سيغرب‬
‫بعد الشمس فهل هذا يعني إمكانية رؤية الهالل؟‬
‫َّ‬
‫إن حدوث االقتران قبل غروب الشمس‪ ،‬وغروب القمر بعد غروب‬
‫الشمس ليس كافي ًا حتى تصبح رؤية الهالل ممكنة؛ ألن إمكانية الرؤية ال تتوفر‬
‫إال أن يكون القمر بعيد ًا عن الشمس ومرتفع ًا في األفق حتى ال يؤثر عليه ضوء‬
‫الشمس ووهجها‪.‬‬
‫فإذا غرب القمر بعد الشمس بدقائق على سبيل المثال‪ ،‬فهل يعني إمكانية‬
‫الرؤية؟‬
‫بالطبع ال‪ ،‬وذلك ألسباب عدة منها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬غروب القمر بعد فترة وجيزة جدا من غروب الشمس يعني أنه ما‬
‫زال قريب ًا من قرص الشمس‪ ،‬وأن طور ِ‬
‫المحاق (االقتران) قد حدث قبل فترة‬
‫قصيرة من غروب الشمس؛ فعند الغروب لم يكن القمر قد ابتعد ظاهريا في‬
‫السماء مسافة كافية عن الشمس حتى تبدأ حافته بعكس ضوء الشمس ل ُيرى‬
‫على شكل الهالل‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬إذا نظرنا إلى جهة الغرب لحظة الغروب فسنالحظ الوهج الشديد‬
‫للغسق قرب المنطقة التي غربت عندها الشمس؛ فإذا ما وقع القمر في تلك‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪178‬‬

‫المنطقة فإن إضاءة الغسق الشديدة ستحجب إضاءة الهالل النحيل‪.‬‬


‫ثالث ًا‪ :‬إن وقوع قرص القمر قرب قرص الشمس وقت الغروب يعني أن‬
‫القمر قريب جدًّ ا من األفق وقت رصده‪ ،‬ووقوع القمر قرب األفق سيؤدي إلى‬
‫خفوت إضاءته بشكل كبير جدًّ ا؛ فال نستطيع النظر إلى الشمس وقت الظهيرة‪،‬‬
‫في حين أنه يمكن النظر إليها وقت الغروب بارتياح أحيان ًا؛ وذلك ألن أشعة‬
‫الشمس وقت الغروب تسير مسافة أكبر في الغالف الجوي؛ مما يؤدي إلى‬
‫توهين وتشتّت أشعتها وال يصلنا منها إال القليل‪.‬‬
‫‪179‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫ٍ‬
‫رصد لغروب القمر بعد الشمس ببضع دقائق (‪4‬دقائق)‪،‬‬ ‫وفيما يلي صور‬
‫من دولة الكويت ‪ (9‬شعبان ‪ ١439‬هجرية الموافق ‪ ١5‬مايو ‪ (0١8‬ميالدية‪،‬‬
‫عبر برنامج ‪ star walk‬بالحسابات الفلكية‪ ،‬وقد تعذرت رؤية الهالل في ذلك‬
‫التاريخ؛ لقربه من الشمس وانخفاضه في األفق‪.‬‬

‫شكل ( ‪( 33‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪180‬‬

‫وفيما يلي أيض ًا رصد لهالل اليوم التالي من الرصد السابق وقد مكث‬
‫القمر أكثر من ‪ 40‬دقيقة‪ ،‬وأمكن رؤيته‪:‬‬

‫شكل (‪ )34‬صور عبر برنامج ‪ star walk‬لغروب الشمس والقمر ‪ 30‬شعبان‬


‫‪١439‬هجرية الموافق ‪ ١٦‬مايو ‪(0١8‬م وكان الفارق بين غروب الشمس‬
‫وغروب القمر ‪ 40‬دقيقة‪ ،‬وأمكن رؤية الهالل لبعده عن الشمس ورارتفاعه‬
‫في األفق‪.‬‬
‫‪181‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫وفيما يلي صورة تقريبية توضح اختالف أماكن رؤية الهالل من على‬
‫سطح األرض‪.‬‬

‫شكل (‪ )35‬يوضح اختالف مناطق رؤية الهالل من على سطح األرض‬

‫ثاني ًا‪ :‬إمكانية رؤية الهالل‪:‬‬


‫تعتمد إمكانية رؤية الهالل على توافر شروط الرؤية عند علماء الفلك‪،‬‬
‫إضافة للشرطين السابقين اللذين يستحيل رؤية الهالل من دونهما‪ ،‬فتصبح‬
‫الشروط خمسة‪:‬‬
‫اثنان منها يستحيل من غيرهما الرؤية وتكلمنا عنهما فيما سبق‪ ،‬وثالثة‬
‫تتعذر الرؤية من دونها‪ ،‬وهذه الثالثة الشروط هي كالتالي‪:‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪182‬‬

‫‪ُ -١‬عمر الهالل‪.‬‬


‫(‪ -‬ال ُبعد الزاوي عن األفق‪.‬‬
‫‪ -3‬ال ُبعد الزاوي عن الشمس‪.‬‬
‫الشرط األول‪ :‬عمر الهالل‪:‬‬
‫وعمر الهالل‪ :‬هو الفترة الزمنية المحصورة بين لحظة والدة الهالل‬
‫(مفارقة قرص القمر لقرص الشمس بعد االقتران) ولحظة غياب الشمس خلف‬
‫األفق‪ ،‬ويرى علماء الفلك المهتمون بهذا الجانب من العلم أمثال الدكتور‬
‫حميد النعيمي وغيره أن الدراسات العلمية والتجارب العملية تبين أن الهالل‬
‫تستحيل رؤيته بالعين المجردة إذا كان عمره أقل من ‪ ١5‬ساعة‪ ،‬وتستحيل رؤيته‬
‫حتى بأفضل أنواع التلسكوبات إذا كان عمره أقل من (‪ ١‬ساعة‪ ،‬هذا وقد ذهب‬
‫بعض الباحثين إلى أن إمكانية الرؤية تبدأ فقط عندما يكون عمر الهالل ((‬
‫ساعة تزيد أو تنقص ساعتين تبع ًا لظروف الرؤية‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬البعد الزاوي عن األفق‪:‬‬
‫والبعد الزاوي عن األفق معناه‪ :‬الزاوية المحصورة بين الخط الواصل بين‬
‫الراصد واألفق والخط الواصل بين الراصد والهالل‪ ،‬وقد ذهب أكثر الباحثين‬
‫إلى أن إمكانية الرؤية تبدأ عندما يكون البعد الزاوي يساوي ‪ 5‬درجات وتستحيل‬
‫(‪(١‬‬
‫دونها‪ ،‬ألن ضوء الشفق سوف يؤثر على رؤيته‪.‬‬

‫(‪ (١‬وقد صدر يف ذلك قرار يف مؤمتر توحيد التقويم اهلجري الدويل بإسطانبول املنعقد‬
‫يف الفرتة ‪ (3 – (١‬شعبان ‪١437‬هـ املوافق ‪ 30 – (8‬مايو ‪(0١٦‬م‪ :‬أن يبدأ الشهر‬
‫اهلجري إذا كان حتقق الرشط التايل يف أي مكان يف العامل قبل الساعة الثانية عرش ليال‬
‫بتوقيت غرينتش‪ .‬أن يكون البعد الزاوي بني القمر والشمس (االستطالة) وقت غروب‬
‫الشمس ثامين درجات أو أكثر‪ ،‬وأن يكون ارتفاع القمر عن األفق وقت غروب الشمس‬
‫مخس درجات أو أكثر‪.‬‬
‫‪183‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الشرط الثالث‪ :‬البعد الزاوي عن الشمس‪:‬‬


‫والبعد الزاوي عن الشمس هو‪ :‬الزاوية المحصورة بين الخط الواصل‬
‫بين الراصد والشمس والخط الواصل بين الراصد والقمر‪ ،‬وقد اشترط العلماء‬
‫إلمكانية الرؤية أن تكون الزاوية تساوي ‪ 8‬درجات‪.‬‬
‫(‪(١‬‬

‫وعلى هذا فإنه ال تمكن رؤية الهالل إذا لم تتحقق فيه الشروط التالية‪:‬‬
‫عمر الهالل = ‪ ١5‬ساعة للعين المجردة‪ ،‬أو (‪ ١‬ساعة للتلسكوب‬
‫البعد الزاوي عن األفق = ‪ 5‬درجات‬
‫البعد الزاوي عن الشمس = ‪ 8‬درجات‪.‬‬
‫إضافة للشرطين السابقين وهما‪:‬‬
‫حدوث االقتران قبل غروب شمس يوم الرؤية‪.‬‬
‫أن يغيب القمر بعد مغيب الشمس ليوم الرؤية‪.‬‬

‫(‪ (١‬املصدر السابق‪.‬‬


‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪184‬‬

‫شكل (‪ )3٦‬رسم توضيحي لما تحققت فيه شروط إمكانية رؤية الهالل‬

‫شكل (‪ )37‬رسم توضيحي لبعد الهالل عن األفق وعن الشمس‬


‫‪185‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫اختالف املطالع عند الفقهاء‬

‫المطالع جمع مطلع بكسر الالم وفتحها‪ ،‬وهو موضع الطلوع‪ ،‬ثم اعلم أن‬
‫نفس اختالف المطالع ال نزاع فيه‪ ،‬بمعنى أنه قد يكون بين البلدتين ُبعدٌ بحيث‬
‫يطلع الهالل ليلة كذا في إحدى البلدتين دون األخرى‪ ،‬وكذا مطالع الشمس؛‬
‫ألن انفصال الهالل عن شعاع الشمس يختلف باختالف األقطار‪ ،‬حتى إذا زالت‬
‫الشمس في المشرق‪ ،‬ال يلزم أن تزول في المغرب وكذا طلوع الفجر وغروب‬
‫الشمس‪ ،‬بل كلما تحركت الشمس درجة فتلك طلوع فجر لقوم وطلوع شمس‬
‫آلخرين‪ ،‬وغروب لبعض ونصف ليل لغيرهم‪.‬‬
‫وإنما الخالف في اعتبار اختالف المطالع(‪ ،(١‬بمعنى أنه هل يجب على‬
‫كل قوم اعتبار مطلعهم‪ ،‬وال يلزم أحدا العمل بمطلع غيره‪ ،‬أم ال يعتبر اختالفها‬
‫بل يجب العمل باألسبق رؤية ؟‬
‫حتى لو ُرئي في المشرق ليلة الجمعة وفي المغرب ليلة السبت‪ ،‬وجب‬
‫على أهل المغرب العمل بما رآه أهل المشرق‪.‬‬
‫أقول هذه مسألة مشهورة عند الفقهاء‪ ،‬وقد اختلفوا فيها على ستة أقوال‪،‬‬
‫المشهور منها قوالن(((‪:‬‬

‫مثال ما جاء يف الفتاوى الفقهية الكربى‬ ‫(‪ (١‬يرتتب عىل القول باختالف املطالع أحكام‪ ،‬منها ً‬
‫البن حجر اهليتمي (‪ ،٦0/‬أن أخوين أحدمها باملرشق واآلخر باملغرب ماتا يف يوم واحد‬
‫وقت الزوال أجاب اجلميع فيها بأن املغريب يرث املرشقي بناء عىل اختالف املطالع‪.‬‬
‫الر ْؤ َي ِة‪ ،‬رابعها‪ :‬يلزم من َوا َف َق ُه ْم يف ا َْمل ْط َلعِ‪ ،‬خامسها‪َ :‬ي ْل َز ُم ك َُّل‬
‫((( ثالثها‪َ :‬ي ْل َز ُم َأ ْه َل إقلي ِم َب َلد ُّ‬
‫ِ‬
‫ض‪ ،‬سادسها‪َ :‬ي ْل َزم من عىل ُدون َم َسا َفة ا ْل َق ْرص‪ .‬انظر =‬ ‫ار ٍ‬ ‫َب َل ٍد َال ُيت ََص َّو ُر َخ َف ُ‬
‫اؤ ُه َعن ُْه ْم بِ َال َع ِ‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪186‬‬

‫القول األول‪ :‬يقضي بأن رؤية الهالل في بلد من بلدان المسلمين يلزم بقية‬
‫بالد المسلمين وهو قول الحنفية‪ ،‬والمالكية ‪ ،‬والحنابلة(‪ ،(١‬واستدلوا بظاهر‬
‫قول الله تعالى‪ :‬ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﭼ [البقرة‪ ،]١85 :‬وقول النبي‬
‫الشهر من‬
‫َ‬ ‫أن تصو َم هذا‬ ‫َ‬
‫أمرك ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم لألعرابي لما قال له‪ :‬آلله‬
‫نعم»‪.‬‬
‫(((‬
‫«اللهم ْ‬
‫ّ‬ ‫السنة؟ قال‪:‬‬
‫وأجمع المسلمون على وجوب صوم شهر رمضان‪ ،‬وقد ثبت أن هذا‬
‫اليوم من شهر رمضان بشهادة الثقات‪ ،‬فوجب صومه على جميع المسلمين؛‬
‫وألن شهر رمضان ما بين الهاللين‪ ،‬وقد ثبت أن هذا اليوم منه في سائر األحكام‬
‫من حلول الدَّ ين ووقوع الطالق والعتاق ووجوب النذور‪ ،‬وغير ذلك من‬
‫األحكام‪ ،‬فيجب صيامه بالنص واإلجماع؛ وألن البينة العادلة شهدت برؤية‬
‫الهالل فيجب الصوم كما لو تقاربت البلدان‪ ،‬فأما حديث كريب فإنما دل على‬
‫أنهم ال يفطرون بقول كريب وحده ونحن نقول به(‪.(3‬‬
‫القول الثاني‪ :‬يقضي بأن لكل بلد رؤيته(‪ (4‬وهو ما رحجه اإلمام النووي‪،‬‬
‫إال فيما ال تتباعد فيه البلدان‪ ،‬واختلفوا في المسافة التي بها يكون ال َب َلدان‬
‫متباعدين‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬االعتبار أن يكون طلوع الفجر‪ ،‬أو الشمس أو‬
‫= الفتاوى الفقهية الكربى(‪.ِ 89 /‬‬
‫(‪ (١‬انظر االختيار ‪ ،١74/١‬وحاشية ابن عابدين (‪ ،38١/‬و انظر بلغة السالك ‪،١55/ ١‬‬
‫واملغني ‪ ،5 / 3‬والفروع ‪، 9 / 3‬‬
‫((( أخرجه أمحد يف املسند ‪ ١38/(0‬برقم ‪ ،١(7١9‬والبخاري يف صحيحه ‪ (3/١‬برقم‬
‫‪.٦3‬‬
‫(‪ (3‬انظر مغني ابن قدامة ‪.5/3‬‬
‫(‪ (4‬وهو القول الذي رجحه النووي يف املذهب الشافعي‪ ،‬انظر مغني املحتاج ‪.4((/١‬‬
‫وهناك أقوال أخرى تؤيده ملجتهدين يف املذهب احلنفي‪ ،‬وبقية املذاهب ‪ ،‬انظر حاشية‬
‫ابن عابدين (‪ 393/‬وغريه من كتب املذاهب‪.‬‬
‫‪187‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الكواكب‪ ،‬أو غروبها في محل متقدما على مثله في محل آخر أو متأخرا عنه(‪.(١‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬يقدر ذلك بمسيرة شهر فأكثر((( وقال بعضهم مسافة القصر؛‬
‫ألن الشرع علق بها كثير ًا من األحكام‪ ،‬وقدرها بعضهم بأقل من أربعة وعشرين‬
‫فرسخا ‪.‬‬
‫(‪(4( (3‬‬

‫وقيل بعدم اعتبار المسافة‪ ،‬بل لكل بلد رؤيته طالت المسافة بين بلد‬
‫الرؤية وبلد عدم الرؤية أم قصرت(‪(5‬؛ ألن أمر الهالل ال تعلق له بمسافة القصر؛‬
‫ب‪َ ،‬أ َّن‬ ‫وقياس ًا على طلوع الفجر والشمس وغروبهما؛ ولما روى مسلم َع ْن ك َُر ْي ٍ‬
‫الشا َم‪َ ،‬ف َق َض ْي ُت‬ ‫الشا ِم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َق ِد ْم ُت َّ‬ ‫او َي َة بِ َّ‬ ‫ار ِ‬
‫ث‪َ ،‬ب َع َث ْت ُه إِ َلى ُم َع ِ‬ ‫ُأ َّم ا ْل َف ْض ِل بِن َْت ا ْل َح ِ‬
‫الشا ِم‪َ ،‬ف َر َأ ْي ُت ا ْل ِه َال َل َل ْي َل َة ا ْل ُج ُم َع ِة‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫است ُِه َّل َع َل َّي َر َم َض ُ‬
‫ان َو َأنَا بِ َّ‬ ‫اجت ََها‪َ ،‬و ْ‬ ‫َح َ‬
‫اس َر ِض َي الل ُه َعن ُْه َما‪،‬‬ ‫الشه ِر‪َ ،‬فس َأ َلنِي َعبدُ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الله ْب ُن َع َّب ٍ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َقد ْم ُت ا ْل َمدينَ َة في آخ ِر َّ ْ‬
‫ْت‬ ‫ُث َّم َذك ََر ا ْل ِه َال َل َف َق َال‪َ :‬متَى َر َأ ْيت ُُم ا ْل ِه َال َل؟ َف ُق ْل ُت‪َ :‬ر َأ ْينَا ُه َل ْي َل َة ا ْل ُج ُم َع ِة‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أن َ‬
‫او َي ُة‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ل ِكنَّا َر َأ ْينَا ُه َل ْي َل َة‬
‫َّاس‪َ ،‬و َصا ُموا َو َصا َم ُم َع ِ‬ ‫َر َأ ْي َت ُه؟ َف ُق ْل ُت‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬و َرآ ُه الن ُ‬
‫ت‪َ ،‬ف َال ن ََز ُال ن َُصو ُم َحتَّى ُنك ِْم َل َث َالثِي َن‪َ ،‬أ ْو ن ََرا ُه‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬أ َو َال َت ْكت َِفي بِ ُر ْؤ َي ِة‬ ‫السب ِ‬
‫َّ ْ‬
‫الله َص َّلى الل ُه َع َل ْي ِه َو َس َّل َم» َو َش َّك‬ ‫ول ِ‬ ‫او َي َة َو ِص َي ِام ِه؟ َف َق َال‪َ :‬ال‪َ ،‬هك ََذا َأ َم َرنَا َر ُس ُ‬ ‫ُم َع ِ‬
‫َي ْح َيى ْب ُن َي ْح َيى فِي َن ْكت َِفي َأ ْو َت ْكت َِفي(‪.(٦‬‬

‫(‪ (١‬إعانة الطالبني ( ‪.(١9/‬‬


‫((( انظر حاشية ابن عابدين (‪.393/‬‬
‫(‪ (3‬الفرسخ‪ :‬يساوي باملرت‪ 5544 :‬مرت ًا‪ ،‬وبالكيلو‪ 5.544 :‬كيلو مرت ًا‪ .‬انظر‪ :‬اإليضاحات‬
‫العرصية للمقاييس واملكاييل واألوزان‪ ،‬ملحمد صبحي حسن حالق رمحه اهلل تعاىل‬
‫ص‪.٦4‬‬
‫(‪ (4‬انظر مغني املحتاج ‪.4((/١‬‬
‫(‪ (5‬املصدر السابق‪.‬‬
‫(‪ (٦‬أخرجه مسلم ( ‪ 7٦5/‬برقم ‪ ،١087‬وغريه‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪188‬‬

‫* حكم تعلم اختالف المطالع‬


‫يتجه أن يكون كتعلم أدلة القبلة حتى يكون فرض عين في السفر‪ ،‬وفرض‬
‫كفاية في الحضر(‪ ،(١‬وذلك لتعلقه ببعض العبادات‪ ،‬بل ببعض أركان اإلسالم‪.‬‬

‫(‪ (١‬إعانة الطالبني ( ‪.((0/‬‬


‫‪189‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫حساب الفلكيني يف اختالف املطالع‬

‫سبق أن ذكر أئمة الشافعية أن رؤية الهالل تختلف باختالف المطالع على‬
‫ِ‬
‫البلدان متفقين في‬ ‫األصح الذي جرى عليه اإلمام النووي‪ ،‬وقالوا ال يكون‬
‫المطلع إال إذا لزم من رؤيته في أحدهما رؤيته في اآلخر‪ ،‬ولم يذكروا قاعدة‬
‫دقيقة يعلم بها اتفاقهما أو اختالفهما كما رأينا؛ والذي حرره العالمة‪ /‬عبد الله‬
‫ابن عمر بامخرمة في بغية المسترشدين‪ :‬أنه إذا كان تفاوت الغروب في البلدين‬
‫ثماني درج فأقل من قوس الليل والنهار‪ ،‬فهما متفقان في المطلع‪ ،‬وإن كان أكثر‬
‫من ذلك ولو في بعض فصول السنة فمختلفان أو في حدود الشك‪ ،‬كما أفاده‬
‫الجمال الشريف محمد الشيلي؛ وإنما اعتبرت الثمان الدرج ألنها أقل ما ضبط‬
‫به مكث الهالل بعد غيبوبة الشمس(‪.(١‬‬
‫وعليه فإنه إذا ُرئي الهالل في بلد غربي بلدك عند الغروب‪ ،‬فمن الالزم أن‬
‫يرى في بلدك إذا كان بين بلدك وبلد الرؤية تفاوت في الغروب بقدر ثمان درج‬
‫فأقل‪ ،‬وأنهما يشتركان في الرؤية في آن واحد‪.‬‬
‫* واألدق في معرفة اختالف المطالع هو‪:‬‬
‫أن نحسب المدة الزمنية من وقت االقتران إلى غروب شمس يوم الرؤية‪،‬‬
‫فإذا لم يتجاوز ‪ ١5‬ساعة فحينئذ تستحيل الرؤية في ذلك البلد بالعين المجردة‪،‬‬
‫و(‪ ١‬ساعة بالتليسكوبات‪.‬‬

‫(‪ (١‬انظر رشح ثمرات الوسيلة ‪ .٦3‬والثامن الدرجات تساوي (‪ 3‬دقيقة؛ ألن الدرجة‬
‫تساوي ‪ 4‬دقائق عىل وجه التقريب‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪190‬‬

‫حيث إن توقيت االقتران يكون بالتوقيت العالمي (ساعة جرنتش)‪ ،‬وكل‬


‫بلد يختلف عن البلد اآلخر في توقيته بالنظر لهذا التوقيت العالمي‪ ،‬فعند إعالن‬
‫لحظة اقتران القمر في التوقيت العالمي يحسب كل بلد اختالف توقيته عن‬
‫توقيت جرنتش‪ ،‬ثم يحسب ‪١5‬ساعة بعد االقتران‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫ال تستطيع رؤية الهالل يوم إهالله إال في المناطق المستوية‪ ،‬التي ال‬
‫حاجب فيها يحول دون رؤيته‪ ،‬وكذا ال أنوار فيها‪ ،‬وال يتوفر ذلك إال في المناطق‬
‫الساحلية‪ ،‬أما إذا كان في اليوم الثالث وما بعده فإنه سيكون مرتفع ًا ويمكن‬
‫ألصحاب المدن أن يروه لكونه مرتفع ًا وكبير ًا‪ ،‬على ما كان عليه في أول يوم‬
‫من الشهر‪ ،‬ويسمى هالالً في اليوم األول والثاني والثالث فقط‪ ،‬وبعدها يسمى‬
‫قمر ًا‪.‬‬
‫‪191‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫اختالف املطالع وتوحيد التقويم عند الفقهاء املعارصين‬

‫نادى العديد من العلماء المعاصرين بالعمل بقول الجمهور بعدم اعتبار‬


‫اختالف المطالع‪ ،‬وأن هذا القول هو االيسر على الناس نظر ًا النتشار المسلمين‬
‫في أصقاع األرض‪ ،‬وفي شتى قاراتها وظهور العديد من اإلشكاالت في‬
‫عباداتهم ال سيما الصيام في البالد غير اإلسالمية التي ال سلطان للمسلمين‬
‫فيها يكون له سلطة اإللزام‪.‬‬
‫فقد اختلف المسلمون في تلك البلدان تبع ًا الختالف االجتهادات الفقهية‬
‫القاضية بوحدة المطالع أو اختالفها‪ ،‬ونشأ عن هذا االختالف فرقة كبيرة بين‬
‫المسلمين في مساجدهم وفي تجمعاتهم في أوروبا وغيرها من قارات العالم‪.‬‬
‫فتدارس علماء المسلمين هذه النازلة في المجامع الفقهية وعقدوا لها‬
‫المؤتمرات الدولية‪ ،‬وكان آخرها مؤتمر إسطنبول الذي اختتم يوم االثنين ‪30‬‬
‫أيار‪ /‬مايو ‪(0١٦‬م‪ ،‬بتنظيم من رئاسة الشؤون الدينية في تركيا‪ ،‬ومشاركة مركز‬
‫الفلك الدولي والمجلس األوروبي لإلفتاء والبحوث والعديد من المجامع‬
‫(‪(١‬‬
‫الفقهية والعلمية ولجان الفتوى في أكثر من ‪ ٦0‬دولة في العالم‪.‬‬

‫(‪ (١‬شارك يف املؤمتر ممثلون عن العديد من املؤسسات الفلكية واملؤسسات التي تصدر‬
‫التقاويم يف العديد من البلدان‪ ،‬وأمهها املرشوع اإلسالمي لرصد األهلة وتقويم أم‬
‫القرى واهليئة املرصية العامة للمساحة‪ ،‬واالحتاد اإلسالمي بأمريكا الشاملية‪ ،‬باإلضافة‬
‫إىل ممثيل مؤسسات الفتوى يف العديد من الدول العربية واإلسالمية واألوروبية‬
‫واألمريكتني وأسرتاليا وروسيا وغريها‪ .‬وهبذه املشاركة الواسعة يعد املؤمتر من أكرب‬
‫املؤمترات العلمية فيام يتعلق بدراسة احلساب الفلكي والرؤية وتوحيد التقويم‪ ،‬وقد‬
‫سبقه جهد حتضريي استمر أكثر من ‪ 3‬سنوات عقدت خالهلا ‪ 5‬ندوات حتضريية‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪192‬‬

‫وكان المؤتمر يهدف ‪-‬حسب البيان الختامي‪ -‬إلى «توحيد المسلمين‬


‫في شعائرهم‪ ،‬بحيث يكون هناك تقويم هجري معتمد واحد‪ ،‬يجمع المسلمين‬
‫على الصيام‪ ،‬واألعياد‪ ،‬والمناسبات الدينية المختلفة‪ ،‬بدال من التقاويم الخاصة‬
‫بكل بلد»‪ ،‬وهذا يعني إهمال القول باختالف المطالع واعتماد قول الجمهور‬
‫بوحدة مطالع المسلمين كافة‪ ،‬وهذا إن تم فإنه سيحقق مقصد ًا شرعي ًا واضح ًا‬
‫وهو وحدة المسلمين في شعائرهم وعباداتهم في جميع أنحاء العالم‪ ،‬ويقضي‬
‫على الخالف والتشتت الحاصل كل عام‪.‬‬
‫وقد خلص المؤتمرون بأبحاثهم المقدمة في المؤتمر إلى مشروعين‬
‫رئيسيين‪:‬‬
‫المشروع األول‪:‬‬
‫أن يكون هناك تقويم واحد للعالم كله شرقه وغربه‪ ،‬تكون فيه بدايات‬
‫الشهور القمرية موحدة في أنحاء العالم‪ ،‬وينطلق هذا المشروع من القول الفقهي‬
‫المشهور الذي أجمع عليه جمهو العلماء بأنه «ال عبرة باختالف المطالع»‪،‬‬
‫فمتى ُرئي الهالل في بلد لزم جميع المسلمين العمل على تلك الرؤية‪.‬‬
‫وهذا في الواقع سيكون له أثر في توحيد العالم اإلسالمي كافة‪ ،‬ولك َّن هذا‬
‫القول سيكون من الزمه أن ُيرقب الهالل في األفق الغربي من البالد الغربية‪،‬‬
‫وأوضح وأقرب األماكن للرؤية في العالم ستكون هي‪ :‬أمريكا الشمالية‪،‬‬
‫وسيكون على العالم اإلسالمي الصيام على رؤية أمريكا الشمالية‪ ،‬وهذا من‬
‫وجهة نظر بعض الفقهاء فيه مخالفة لنص قول النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫«صوموا لرؤيته»(‪ ،(١‬فصيام أهل مكة ً‬
‫مثال سيكون لرؤية أمريكا الشمالية بناء‬

‫(‪ (١‬سبق خترجيه‪.‬‬


‫‪193‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫على هذا التقويم‪ ،‬وليس لرؤيتهم في مكة؛ وهو مخالف أيض ًا لقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪« :‬فإن ُغ َّم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثالثين»‪ ،‬إذ أن الهالل سيكون‬
‫غائب ًا عنهم مث ً‬
‫ال ولكنهم سيصومون لرؤية أمريكا الشمالية‪.‬‬
‫وهذه االعتراضات في الحقيقة يمكن الجواب عنها كما يلي‪:‬‬
‫أما االعتراض األول‪ :‬فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم‪« :‬صوموا‬
‫أمر لألمة كلها‪ ،‬والمسلمون في أمريكا الشمالية منهم‪ ،‬بل َّ‬
‫إن في‬ ‫لرؤيته»‪ ،‬هو ٌ‬
‫فإن المسلمين جميع ًا مأمورون‬
‫هذا الحديث دليال للقائلين بهذا التقويم(‪َّ ،(١‬‬
‫بالصيام لرؤية الهالل والمسلمون في أمريكا الشمالية قد رأوه فيجب الصيام‬
‫على جميع المسلمين؛ ألن المسليمن كالجسد الواحد كما قال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وأما االعتراض الثاني‪ :‬فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم‪« :‬فإن ُغ َّم‬
‫عليكم‪ ،»..‬خطاب لألمة كلها والمسلمون في أمريكا الشمالية لم ُيغم عليهم‪،‬‬
‫بل رأوه فيجب الصيام لرؤيتهم‪.‬‬
‫وفي الحقيقة َّ‬
‫إن هذ القول جدير باالعتبار‪ ،‬بل هو الذي يجب المصير‬
‫إليه‪ ،‬ال سيما َّ‬
‫وإن توحيد التقويم للعالم اإلسالمي كله سيحقق للمسلمين‬
‫مصالح كثيرة ال تقتصر فقط على توحيد صيامهم‪ ،‬بل تتعدى ذلك إلبراز هوية‬
‫العالم اإلسالمي بتقويم واحد يكون قاب ً‬
‫ال للتطبيق في مختلف المؤسسات‬
‫والحكومات‪ ،‬وهذا القول قد يبدوا مستغرب ًا ولكنني على يقين إنه الذي سيؤول‬
‫إليه الفقهاء ولو بعد حين‪ ،‬ال سيما وإن المجامع الفقهية((( بدأت باستشعار‬
‫(‪ (١‬وهذا هو ما يسمى عند الفقهاء بقلب الدليل‪ :‬وهو أن تأخذ دليل اخلصم فتجعله دليله‬
‫عليه‪.‬‬
‫((( من قرارات جممع الفقه اإلسالمي التابع ملنظمة التعاون اإلسالمي قرار رقم‪= .(3/٦(١8 :‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪194‬‬

‫أهمية األمر فكان من ضمن توصياتها وقراراتها هو عدم اعتبار اختالف‬


‫المطالع‪ ،‬وأن الهالل إذا ُرئي في بلد وجب على المسلمين االلتزام بها؛ لعموم‬
‫الخطاب باألمر بالصوم واإلفطار‪.‬‬
‫المشروع الثاني‪:‬‬
‫فيقسم العالم إلى قسمين‪ :‬شرقي يضم قارة آسيا وأستراليا وأفريقيا‬
‫وأوروبا وفيه جميع دول العالم اإلسالمي‪ ،‬وغربي يضم األمريكتين الشمالية‬
‫والجنوبية‪ .‬بحيث إذا أمكنت رؤية الهالل في أي بقعة من األمريكتين فقط فإنه‬
‫يلزم سكان األمريكتين وال يلزم بقية دول النطاق الشرقي‪ .‬وهذا يرجح القول‬
‫باختالف المطالع‪ ،‬ولكن يجعله في نطاق ضيق جد ًا‪ ،‬حيث إنه حدد للكرة‬
‫األرضية مطلعان فقط‪.‬‬
‫وبناء على هذا التقسم فإن التوافق بين النطاقين الشرقي والغربي في‬
‫تحديد بدايات الشهور سيتحقق بنسبة ‪ 75‬بالمئة من األشهر وسيختلفان في‬
‫‪ (5‬بالمئة منها تقريبا‪ ،‬والتي ستسبق فيها دول األمريكتين بقية الدول في فواتح‬
‫الشهور بيوم واحد‪.‬‬
‫وعند النظر في هذا التقسيم نجد إنه روعي فيه االعتبارات العاطفية‬
‫والنفسية وليست العلمية‪ ،‬فقد رام القائلون به فيما اعتقد أن يسيروا بالفقهاء‬
‫خطوة لتحجيم الخالف وحصره في مطلعين للوصول للتقويم الموحد‪.‬‬
‫وقد حظي المشروع األول (التقويم األحادي) بأغلبية الثلثين تقريبا من‬
‫أصوات الحضور‪ ،‬وخرج المؤتمر بعدة توصيات أهمها اعتماد الحسابات‬
‫الفلكية القائمة على إمكانية الرؤية‪ ،‬وأن تعمل رئاسة الشؤون الدينية التركية‬

‫= انظر جملة جممع الفقه ع ‪ ،3‬ج( صـ‪.8١١‬‬


‫‪195‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫بالتواصل مع الرئاسة التركية على عرض مشروع التقويم على منظمة المؤتمر‬
‫اإلسالمي العتماده‪.‬‬
‫وبنا ًء على هذا القرار فقد تبنت تركيا‪ ،‬ومجلس اإلفتاء األوربي القول‬
‫بوحدة المطلع لألرض كلها بما أصبح يسمى «التقويم الموحد»‪ ،‬في حين لم‬
‫يتابعهم على ذلك أحد(‪ ،(١‬واستمر الخالف((( بين المسلمين في أوروبا والبلدان‬
‫العربية واإلسالمية ولم يؤت المؤتمر ثماره المرجوة من وحدة المسلمين‪،‬‬
‫ولكنه تقدم خطوة لألمام في دراسة األبحاث وتقديم البدائل والدراسات التي‬
‫يمكن أن تؤسس لوحدة إسالمية شاملة بإذن الله تعالى‪.‬‬

‫(‪ (١‬إىل هذا التاريخ رمضان سنة ‪١439‬هجري املوافق مايو ‪(0١8‬ميالدي‪.‬‬
‫((( وقد اختلف املسلمون يف رمضان سنة ‪ ١439‬هجرية يف حتديد بداية رمضان‪ ،‬فالذين‬
‫عملوا بالتقويم املوحد وهم تركيا‪ ،‬وجملس اإلفتاء األورويب كان شعبان ‪ (9‬يوم ًا فقط‬
‫باعتبار أن هالل رمضان ُرئي يف أمريكا الشاملية‪ ،‬وبقية الدول اإلسالمية كان شعبان ‪30‬‬
‫يوم ًا باعتبار أن اهلالل مل ُير إال يف اليوم التايل‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪196‬‬

‫واقع الدول اإلسالمية يف رؤية اهلالل‬

‫‪ -‬تدعو بعض الدول اإلسالمية المواطنين لتحري الهالل؛ فإذا جاء من‬
‫يشهد برؤية الهالل قبلت شهادته حتى لو دلت الحسابات الفلكية على أن رؤية‬
‫الهالل مستحيلة أو غير ممكنة؛ وهو ما يحصل حال ّي ًا في العديد من الدول‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وهذا غريب في هذا العصر الذي تقدمت فيها الحسابات الفلكية‬
‫ووصلت لدقة متناهية يحصل معها اليقين في حين تظل الرؤية ظن‪ ،‬وتقديم‬
‫اليقين أو القريب منه بال شك هو المتعين‪.‬‬
‫‪ -‬في دول إسالمية أخرى ترد شهادة الشاهد إذا كانت رؤية الهالل‬
‫مستحيلة ولكنها تقبلها حتى لو كانت غير ممكنة‪ ،‬وهذه الدول قريبة من‬
‫سابقتها‪ ،‬ولكنها تقدم خطوة لألمام نحو اعتماد الحسابات الفلكية‪.‬‬
‫‪ -‬وفي معظم الدول اإلسالمية اليوم(‪ (١‬تدعو المواطنين لتحري الهالل‪،‬‬
‫وتقبل شهادة أي مواطن برؤية الهالل‪ ،‬مع العلم أن هذا الشاهد قد ال يكون‬
‫على علم بوقت ومكان الهالل وال حتى بشكله‪ ،‬فإذا ما شاهد أي جرم في‬
‫السماء اعتقده الهالل‪ ،‬وهذا جري على القديم‪ .‬فعلى سبيل المثال صام ماليين‬
‫المسلمين في بلد إسالمي عام ‪١984‬م ‪ (8‬يوما فقط؛ ألن أحد الشهود رأى‬
‫كوكبي عطارد والزهرة فاعتقدهما الهالل!‬
‫(((‬

‫(‪ (١‬احتدث إىل عام ‪١439‬هجري املوافق ‪ (0١8‬ميالدي‪.‬‬


‫((( رؤية اهلالل بني املمكن واملستحيل حممد شوكت عودة ‪ .‬وأيضا‪ :‬األهلة بني الرشع‬
‫والفلك بترصف أستاذنا شفيق كحيل عبد العزيز‪ ،‬الباحث الفلكي بالنادي العلمي‬
‫الكويتي‪.‬‬
‫‪197‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫وكل تلك الدول تعمل باختالف المطالع‪ ،‬وال تقبل إال أن ُيرى الهالل من‬
‫داخل أراضيها خالف ًا لقول الجماهير من الفقهاء‪.‬‬
‫‪ -‬وفي المقابل هناك بعض الدول اإلسالمية ال تعتمد رؤية الهالل أصالً؛‬
‫بل تعتمد شروط ًا فلكية معينة‪ ،‬وال تعتمد رؤية الهالل؛ بل يبدأ الشهر الهجري‬
‫عندهم إذا حدث االقتران قبل الفجر‪ ،‬وفي هذا مخالفة واضحة للنص الذي‬
‫علق الحكم الشرعي (الصوم) بالرؤية وليس بحدوث االقتران‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك دول إسالمية هي اآلن في تزايد مستمر‪ ،‬ال تعتمد حساب االقتران‬
‫بل تعتمد حساب الرؤية ( بمعنى يحسبون إمكانية الرؤية )‪ ،‬في أي مكان وبالد‬
‫ُرئي‪ ،‬حتى ولو في أمريكا الشمالية ويعملون بناء على التقويم الموحد الذي‬
‫يعتمد قول الجمهور من الفقهاء القاضي بوحدة المطالع‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪198‬‬

‫اختالف الفقهاء يف إثبات دخول الشهر هل يكون‬


‫بالرؤية أم باحلسابات الفكلية‬

‫اختلف العلماء(‪ (١‬في جواز العمل بالحسابات الفلكية إلثبات دخول الشهر‬
‫العربي من عدمها‪ ،‬وكثرت في هذا األمر النقاشات‪ ،‬وعقدت له المؤتمرات‬
‫الدولية وصدرت بذلك قرارات من مختلف مجامع الفقه اإلسالمي‪ ،‬وال زالت‬
‫المسألة تراوح مكانها بين فقهاء العالم اإلسالمي إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫ونريد أن نقف على طرف من هذه النقاشات‪ ،‬وبعض االستدالالت لعلنا‬
‫نخطو ولو خطوة واحدة نحو وعي شرعي‬
‫َ‬ ‫نقدم لك ملخص ًا مفيد ًا نستطيع به أن‬
‫وفلكي‪ ،‬والذي بدأ بالفعل يتشكل عبر عشرات المؤتمرات الدولية والندوات‬
‫الفقهية والعديد من البحوث والدراسات الشرعية والفلكية مع ًا‪ .‬والتي ملخصها‬
‫أن العلماء اختلفوا في اعتبار الحسابات الفكلية إلى عدة فرق أهما ما يلي‪:‬‬
‫* الفريق األول‪ :‬لم ُيجز استخدام الحساب الفلكي ال في النفي وال في‬
‫اإلثبات‪:‬‬
‫لم يعتمد هذا الفريق من العلماء الحسابات الفلكية في إثبات الرؤية أو‬
‫نفيها‪ ،‬بل توقف على الرؤية البصرية فقط‪.‬‬

‫(‪ (١‬لست بصدد استقصاء األقوال وعرض أدلتها‪ ،‬فهي مبسوطة يف بحوث جمامع الفقه‬
‫وكثري من الدراسات املعارصة وكذلك يف بعض املجالت العلمية‪ ،‬ولكنني أريد التعريج‬
‫عىل طرف من تلك األقوال وذكر بعض من قال هبا؛ ليقف القارئ عىل طرف املسألة‬
‫التي كثر فيها النقاش وطال فيها الكالم‪.‬‬
‫‪199‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫فإذا جاء من يشهد برؤية الهالل ‪-‬وهو أهل للشهادة‪ُ -‬قبلت شهادته‪ ،‬حتى‬
‫وإن ُو ِجدت حسابات فلكية تدل على أن القمر لم يكن موجود ًا في السماء في‬
‫(‪(١‬‬
‫ذلك الوقت‪.‬‬
‫وقد استدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة أهمها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -١‬أن في اعتبار الحسابات الفلكية إسقاط ًا للعلة الشرعية الموجبة للصوم‬
‫واإلفطار وهي الرؤية البصرية‪.‬‬
‫فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‪« :‬صوموا لرؤيته وأفطروا‬
‫لرؤيته‪ ،‬فإن ُغ ّم عليكم فاقدروا له ثالثين»‪ (((.‬وقال صلى الله عليه وآله وسلم‪:‬‬
‫«ال تقدموا الشهر حتى تروا الهالل‪ ،‬أو تكملوا العدة‪ ،‬ثم صوموا حتى تروا‬
‫وقال صلى الله عليه وآله وسلم‪« :‬إذا رأيتم‬ ‫(‪(3‬‬
‫الهالل‪ ،‬أو تكملوا العدة»‪.‬‬
‫(‪(4‬‬
‫الهالل فصوموا‪ ،‬وإذا رأيتموه فأفطروا‪ ،‬فإن ُغ َّم عليكم فصوموا ثالثين يوم ًا»‪.‬‬
‫واألحاديث في هذا كثيرة ‪ ،‬وهي تدل على أن المعتبر في ذلك هو رؤية الهالل‬
‫أو إكمال العدة‪.‬‬
‫وليس المقصود من هذه األحاديث أن يرى كل واحد الهالل بنفسه‪ ،‬وإنما‬
‫المراد بذلك شهادة البينة العادلة‪ ،‬فقد صح عن ابن عمر ‪-‬رضى الله عنهما‪-‬‬

‫قديام وحديث ًا إىل يومنا هذا‪.‬‬


‫(‪ (١‬وهو قول اجلامهري من الفقهاء ً‬
‫((( سبق خترجيه قريب ًا‪.‬‬
‫(‪ (3‬أخرجه أبو داود يف سننه (‪ (98/‬برقم ‪ ،(3(٦‬وقال األلباين‪ :‬إنه صحيح‪ ،‬كام يف‬
‫صحيح سنن أيب داود‪ ،‬وأخرجه أيض ًا النسائي ‪ ١35/4‬برقم ‪ ،(١(٦‬ابن حبان يف‬
‫صحيحه ‪ (38/8‬برقم ‪ ،3458‬وقال شعيب األرنؤوط‪ :‬إسناده عىل رشط الشيخني‪.‬‬
‫(‪ (4‬أخرجه أمحد يف املسند من حديث أيب هريرة (‪ 48٦/١‬برقم ‪ ،75١٦‬وقال شعيب‬
‫األرنؤوط‪ :‬إسناده صحيح عىل رشط الشيخني‪ ،‬وأخرجه أيض ًا مسلم يف صحيحه‬
‫(‪ 7٦(/‬برقم ‪.١08١‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪200‬‬

‫قال ‪« :‬تراءى الناس الهالل‪ ،‬فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني‬
‫(‪(١‬‬
‫رأيته‪ ،‬فصام وأمر الناس بالصيام»‪.‬‬
‫وفي االعتماد على الحساب الفلكي إهدار للعلة الشرعية‪ ،‬وإسقاط‬
‫لحجية الرؤية الشرعية والحجية القضائية لحكم المحاكم الشرعية‪ ،‬واعتبار لما‬
‫ألغاه الشرع وهو الحساب الفلكي‪ ،‬وشذوذ عن اتفاق من يعتد به من أهل العلم‬
‫وفقهاء المذاهب الذين ُحكي عنهم اإلجماع على عدم جواز العمل به‪.‬‬
‫(‪ -‬في اعتبار الحسابات الفلكية إحداث ع َّلة للصوم والفطر لم يشرعها‬
‫الله وهو الحساب الفلكي وإضفاء الحجية عليها ‪.‬‬
‫وبيان ذلك‪:‬‬
‫أن الله سبحانه وتعالى ربط أحكامه بعلل وأسباب شرعية‪ ،‬فإذا ُو ِجدت‬
‫العلة الشرعية ُو ِجد حكم الله‪ ،‬وإذا انتفت انتفى حكم الله‪ ،‬وال يملك أحد أن‬
‫ُيغ ِّير هذه العلل وال أن يبدِّ لها‪ .‬وقد ثبت بالكتاب والسنة أن علة وجوب الصوم‬
‫(‪(3‬‬
‫والفطر هي المشاهدة((( ورؤية الهالل بصري ًا‪.‬‬
‫* الفريق الثاني‪ :‬أجاز اعتماد الحساب الفلكي في النفي فقط‪:‬‬
‫وحاصل هذا القول‪ :‬إنه يجوز االعتماد على الحسابات الفلكية في حالة‬
‫نفي الرؤية فقط‪ ،‬كون هذا النفي سيكون قطعي ًا‪ ،‬بينما الرؤية ستكون ظنية ألنه‬
‫خبر آحاد‪ ،‬والقطعي يقدم على الظني‪ .‬بمعنى أنه إذا جاء من يشهد برؤية الهالل‪،‬‬

‫(‪ (١‬أخرجه الدارمي يف سننه (‪ ١05(/‬برقم ‪ ،١733‬وابن حبان يف صحيحه ‪(3١/8‬‬


‫برقم ‪ ،3447‬وقال شعيب األرنؤوط‪ :‬إسناده صحيح عىل رشط مسلم‪.‬‬
‫((( يف اعتبار الرؤية علة رشعية نظر‪ ،‬إذ من املتجه أن تكون سبب ًا ال علة‪.‬‬
‫(‪ (3‬رؤية اهلالل بني الرؤية الرشعية والفلكية من حوار جملة اهلجرة مع الشيخ حممد بن‬
‫إسامعيل املقدم‪ .‬انظر‪ 3htm/https://saaid.net/mktarat/ramadan :‬موقع صيد الفوائد‪.‬‬
‫‪201‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫ودلت الحسابات الفلكية على أن رؤية الهالل مستحيلة أو غير ممكنة؛ فإن هذه‬
‫الشهادة ترد‪.‬‬
‫السبكي وهو من كبار الفقهاء‬
‫ومن أشهر القائلين بهذا الرأي‪ ،‬تقي الدين ُّ‬
‫السبكي في‬
‫الشافعية في النصف األول من القرن الثامن الهجري؛ فقد ذكر ُّ‬
‫فتاواه أن الحساب إذا نفى إمكانية الرؤية البصرية؛ فالواجب على القاضي أن‬
‫يرد شهادة الشهود‪ ،‬قال‪ :‬ألن الحساب قطعي‪ ،‬والشهادة والخبر ظنيان‪ ،‬والظني‬
‫ال عن أن ُي َقدم عليه»‪ .‬وذكر أيض ًا‪ :‬أن من شأن القاضي‬
‫ال يعارض القطعي فض ً‬
‫أن ينظر في شهادة الشاهد عنده‪ ،‬في أي قضـية من القضايا؛ فإن رأى الحس أو‬
‫العـيان يكذبها ردهـا وال كـرامة‪ .‬قال‪ :‬والبينـة شـرطها أن يكون ما شهدت به‬
‫ال وشرع ًا‪ ،‬فإذا ُفرض داللة الحساب قط ًعا على عدم اإلمكان‪،‬‬
‫ممكن ًا حس ًا وعق ً‬
‫اسـتحال القول شر ًعا؛ السـتحالة المشــهود به‪ ،‬والشرع ال يأتي بالمستحيالت‬
‫أما شهادة الشهود فتحمل على الوهم أو الغلط أو الكذب(‪ .(١‬وقد أيد السبكي‬

‫(‪ (١‬فتاوى السبكي ‪.(09/١‬‬


‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪202‬‬

‫جماعة(‪ (١‬من الفقهاء‪.‬‬


‫(((‬

‫* الفريق الثالث‪ :‬أجاز اعتماد الحساب الفلكي في النفي واإلثبات مع ًا‪:‬‬


‫يجيز هذا الفريق من العلماء االعتماد على الحسابات الفلكية مطلق ًا‪،‬‬
‫وعدم التوقف على مجرد الرؤية‪.‬‬
‫(‪(3‬‬

‫دل احلساب القطعى عىل‬ ‫(‪ (١‬فقال القليوبى من الشافعية‪« :‬قال العالمة العبادى‪ :‬إنه إذا ّ‬
‫عدم رؤيته مل ُيقبل قول العدول لرؤيته وترد شهادهتم هبا‪ ،‬انتهى‪ .‬وهوظاهر جىل والجيوز‬
‫الصوم حينئذ‪ ،‬وخمالفة ذلك معاندة أو مكابرة‪ .‬وقال ابن حجر اهليثمى املكى رمحه اهلل‬
‫دل احلساب عىل كذب الشاهد بالرؤية؛ والذى‬ ‫تعاىل‪ :‬ووقع تر ّدد هلؤالء وغريهم فيام لو ّ‬
‫يتجه منه أن احلساب إن اتفق أهله عىل أن مقدماته قطعية‪ ،‬وكان املخربون منهم بذلك‬
‫دل‬‫عدد التواتر ُر ّدت الشهادة وإال فال‪.‬وهذا أوىل من إطالق السبكى إلغاء الشهادة إذا ّ‬
‫احلساب القطعى عىل استحالة الرؤية‪.‬‬
‫السبكى رمحه اهلل تعاىل مل يقل بر ّد الشهادة إال بعد أن يثبت كون احلساب‬‫ّ‬ ‫والواقع أن‬
‫قطعيا‪ ،‬وعىل هذا‪ ،‬فال منافاة بني قوله وقول ابن حجر املكى رمحه اهلل تعاىل‪ .‬انظر‪ :‬قبول‬
‫الشهادة برؤية اهلالل وموانعها إعداد القاىض حممد تقى العثامنى نائب رئيس دار العلوم‬
‫كراتشى ‪ ،(009/٦/١٦‬بحث أعدّ للعرض عىل مؤمتر مقرتح من قبل رابطة العامل‬
‫اإلسالمى بمكة املكرمة‪.‬‬
‫((( وقد عقدت ندوة بعنوان ‪ :‬األه َّلة واملواقيت والتقنيات الفلكية يف الكويت خالل املدة‬
‫ما بني ‪ (١‬إىل ‪ (3‬رجب ‪ ١409‬هـ ‪ ،‬وشارك فيها عدد من فقهاء الرشيعة وعلامء الفلك‪،‬‬
‫وقد أصدرت الندوة التوصيات العلمية التالية‪:‬‬
‫‪ -١‬إذا ثبت رؤية اهلالل يف بلد وجب عىل املسلمني االلتزام هبا وال عربة باختالف‬
‫املطالع لعموم اخلطاب باألمر بالصوم واإلفطار‪.‬‬
‫(‪ -‬يؤخذ باحلسابات املعتمدة يف حالة النفي ‪-‬أي القطع باستحالة رؤية اهلالل‪ -‬وتكون‬
‫احلسابات الفلكية معتمدة إذا قامت عىل التحقيق الدقيق (ال التقريب) وكانت مبنية‬
‫عىل قواعد فلكية مسلمة وصدرت عن مجع من الفلكيني احلاسبني الثقات بحيث يؤمن‬
‫وقوع اخللل فيها‪ .‬فإذا شهد الشهود برؤية اهلالل يف احلاالت التي يتعذر فلك ًيا رؤيته فيها‬
‫ترد الشهادة ملناقضتها للواقع ودخول الريبة فيها‪.‬‬
‫(‪ (3‬وكيفية اعتامد احلساب يف هذا القول هو حساب وقت الرؤية‪ ،‬كام دل عليها النص‪ ،‬ال‬
‫حساب وقت االقرتان‬
‫=‬ ‫وقد ذهب بعض الفلكيني إىل اعتامد حساب االقرتان ويكون كام ييل‪:‬‬
‫‪203‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫وقد زاد مؤيدو هذا الرأي على أصحاب الرأي السابق أنه إذا د َّلت‬
‫الحسابات الفلكية على وجود القمر بعد غروب الشمس بوضع يسمح برؤيته‬
‫كهالل؛ فإنه يؤخذ بالحسابات الفلكية(‪ ،(١‬ويكون اليوم التالي أول أيام الشهر‬
‫= يقوم بعض الفلكيني بإجراء احلسابات الفلكية؛ فإذا ما وجدوا أن القمر يغيب بعد‬
‫الشمس ولو بدقيقة‪ ،‬وأن االقرتان (املِحاق) قد حدث قبل غروب الشمس ولو بدقيقة‬
‫اعتربوا اليوم التايل أول أيام الشهر اهلجري اجلديد‪.‬‬
‫واحتجوا يف ذلك بقول الفقهاء الذين أجازوا استخدام احلساب الفلكي يف اإلثبات‬
‫والنفي‪ ،‬ولكن يف احلقيقة إن هذا االحتجاج ال يصلح أبد ًا؛ ألن الفقهاء الذين أجازوا‬
‫استخدام احلسابات الفلكية لإلثبات أجازوها عندما تدل احلسابات الفلكية عىل‬
‫أن القمر قد أصبح يف طور اهلالل‪ ،‬وليس والقمر يف طور املحاق! فحدوث االقرتان‬
‫(املِحاق أو ما يسميه البعض تو ُّلد اهلالل) ال يعني أن القمر قد أصبح يف طور اهلالل!‬
‫بل عىل العكس متاما فاالقرتان (املِحاق أو تولد اهلالل) هو وصول القمر لذروة طور‬
‫املِحاق! وحيتاج القمر إىل (‪ ١8-١‬ساعة تقريبا بعد االقرتان (املِحاق أو تولد اهلالل)‬
‫لينتقل من طور املِحاق إىل اهلالل‪.‬‬
‫ففي احلقيقة القول ببدأ الشهر بمجرد االقرتان ال تؤيده النصوص؛ ألن ربط بداية‬
‫الشهر اهلجري بحدوث االقرتان هو ربط ملواقيت املسلمني بطور املحاق وليس اهلالل!‬
‫واآلية الكريمة قد رصحت بوضوح أن مواقيت املسلمني مرتبطة باهلالل وليس املحاق؛‬
‫فقال تعاىل‪ :‬ﭽﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭﭼ [البقرة‪.]١89 :‬‬
‫الش ّخري (ت ‪78‬هـ) أول من قال باحلساب‬ ‫(‪ (١‬لقد كان التابعي اجلليل ُم َط ّرف بن عبد اهلل ِّ‬
‫طريقا رشعيا إلثبات الرؤية‪ ،‬ثم قال بذلك بعده ابن مقاتل الرازي (من أصحاب حممد‬
‫بن إسحاق الشيباين تلميذ أيب حنيفة)‪ ،‬والقايض عبد اجلبار (املعتزيل)‪ ،‬وابن قتيبة‬
‫الدينوري (ت ‪(7٦‬هـ)‪ ،‬وابن رشيح الشافعي (ت ‪30١‬هـ) الذي اعترب جمدد املئة الثالثة‬
‫وأول من قال من الشافعية باحلساب‪ ،‬وتلميذه القفال الكبري الشايش الشافعي‪ ،‬ثم ابن‬
‫دقيق العيد‪ ،‬فالسبكي الشافعي (‪75٦‬هـ ) الذي ألف بحثا مستقال سامه ‪“ :‬العلم املنشور‬
‫يف إثبات الشهور”‪ ،‬دافع فيه بقوة عن رأيه يف رد الشهادة بالرؤية إذا خالفت مقتىض‬
‫احلساب الصحيح‪ ،‬وقد رجح هذا القول كثري من الشافعية وهو قول عند املالكية‪.‬‬
‫أما من املعارصين فالشيخ طنطاوي جوهري له رسالة يف املوضوع بعنوان «اهلالل»‪،‬‬
‫يذهب فيها إىل هذا القول‪ ،‬والشيخ مصطفي املراغي ذهب مذهب السبكي يف ترجيح =‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪204‬‬

‫(‪(١‬‬
‫الهجري دون اشتراط رؤيته بالعين المجردة‪.‬‬
‫وقد استدلوا بعدة أدلة نوجزها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -١‬إن القول بالحساب هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم‪« :‬صوموا‬
‫فالراجح في تفسير‬ ‫(((‬
‫لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليكم فاقدروا له»‬
‫التقدير‪ ،‬أي ما قدره الله من المنازل والسير فيها‪ ،‬وهذا التفسير هو الذي خال‬
‫من التناقض والتعارض على عكس األقوال األخرى‪ ،‬وال ُيعترض عليه بقوله‬

‫= احلساب عىل الرؤية عند التعارض‪ ،‬وللشيخ حممد بخيت املطيعي مؤلف ضخم بعنوان‪:‬‬
‫«إرشاد أهل امللة إىل إثبات األهلة»‪.‬‬
‫ومن أشهر من تبنى هذا الرأي الشيخ رشيد رضا صاحب املنار‪ ،‬وكذلك العالمة‬
‫املحدث األثري أمحد شاكر يف رسالته‪« :‬أوائل الشهور العربية هل جيوز إثباهتا باحلساب‬
‫الفلكي؟»‪ ،‬واحلافظ الغامري أمحد بن الصديق‪.‬‬
‫(‪ (١‬لقد كان الشيخ طنطاوي جوهري أول من أثار املسألة يف القرن العرشين‪ ،‬معتربا احلساب‬
‫يف اإلثبات حجة‪ ،‬وصنف رسالة «اهلالل» يستدل فيها عىل رأيه عام ‪١9١3‬م‪ ،‬وكان‬
‫للشيخ حممد مصطفى املراغي (رئيس املحكمة الرشعية العليا) رأي كرأي السبكي يرد‬
‫شهادة الشهود إذا نفى احلساب إمكانية الرؤية (حوايل ‪١9(5‬م)‪ .‬ثم تبنى السيد حممد‬
‫رشيد رضا عام ‪١9(7‬م العمل باحلساب ودافع عنه‪ ،‬وجاء الشيخ حممد بخيت املطيعي‬
‫وصنف يف ذلك كتابا ضخام عام (‪١933‬م) بعنوان‪:‬‬ ‫َ‬ ‫(مفتي احلنفية) فاقتفى تلك اآلثار‬
‫«إرشاد أهل امللة إىل إثبات األهلة»‪ ،‬ثم احلافظ ابن الصديق الغامري ‪١953‬م‪ ،‬الذي‬
‫صنف كتابا أسامه «توجيه األنظار لتوحيد املسلمني يف الصوم واإلفطار»‪.‬‬
‫كام يعترب أمحد حممد شاكر (املحدث) أشهر من قال باحلساب يف رسالته املدونة‪« :‬أوائل‬
‫الشهور العربية هل جيوز إثباهتا باحلساب الفلكي؟» عام ‪١939‬م‪ ،‬واشتهر من بعده‬
‫عدد من كبار الفقهاء املعارصين‪ ،‬من أمثال العلامء‪ :‬حممد فتحي الدريني‪ ،‬ومصطفى‬
‫أمحد الزرقا‪ ،‬ويوسف القرضاوي‪ .‬ولكن هذا السند للقول باحلساب الفلكي يبدو –يف‬
‫الواقع– ضئيال إذا ما قيس إىل الفقهاء الذين ال يعتدون باحلساب الفلكي‪ ،‬ويتوقفون‬
‫عند حدود الرؤية العيانية؛ فعددهم يند عن احلرص‪ .‬انظر‪ :‬قراءة تارخيية لتطور علم‬
‫الفلك يف حتديد األشهر القمرية ص‪ ،4‬حممد العصريي‪.‬‬
‫((( سبق خترجيه قريب ُا‪.‬‬
‫‪205‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى (فأكملوا العدة ) فهذا خطاب للعا َّمة ممن‬
‫خصه الله تعالى بهذا‬
‫ليس عندهم علم بالحساب والمنازل‪ ،‬والتقدير خطاب َّ‬
‫العلم‪.‬‬
‫وهكذا فسره ابن سريح وابن عربي والطحاوي إال أنه ادعى نسخه بدون‬
‫دليل‪ ،‬ووافقه على ذلك ابن رشيد الكبير‪ .‬وأما رواية (فاقدروا له الثالثين)‬
‫(‪(١‬‬
‫فذلك خطأ من الرواة وتصرف منهم كما أوضح ذلك الحافظ في الفتح‬
‫بإسهاب وبيان‪.‬‬
‫(‪ -‬القياس على الصالة‪:‬‬
‫فكما أنه يعتمد قول الحاسب في مواقيت الصالة في سائر مساجد‬
‫المسلمين فكذلك يعتمد في دخول الشهر وخروجه‪ ،‬أما القول ببطالن الحساب‬
‫في الصوم واعتماده في الصالة فهذا تناقض ظاهر((( وب ِّي ٌن ال تقبله الشريعة‪.‬‬
‫‪ -3‬الرؤية وسيلة وليس مقصد ًا‪:‬‬
‫الرؤية ليست مقصد ًا للشارع‪ ،‬بل هي وسيلة إلثبات وجود الهالل وتحقق‬
‫دخول الشهر‪ ،‬والوسائل ليس لها تعلق باألحكام الشرعية في ذاتها‪ ،‬وليس‬
‫ثمة حرج شرعي البتة أن تتغير الوسائل بتغير األزمان واألعصار‪ ،‬ال سيما إن‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ من األخذ‬ ‫كانت الوسائل قد تقدمت وتطورت‪ ،‬وإذا علم هذا فال حرج‬

‫(‪ (١‬فتح الباري ‪.١((/4‬‬


‫((( قد ذكر القرايف يف الفروق الفرق بني العمل باحلساب يف الصالة وعدم العمل به يف‬
‫الصوم وخالصته أن العالمة الرشعية يف الصوم هي رؤية اهلالل «صوموا لرؤيته» وليس‬
‫وجود اهلالل فلم يقل صوموا لوجوده ‪ ،‬واحلساب يدل عىل وجود اهلالل فال يعمل به‬
‫بينام يف الصالة فالعالمة الرشعية إذا طلع الفجر أو إذا زالت الشمس أو إذا صار ظل‬
‫اليشء مثله أو غربت الشمس أو غاب الشفق ‪ ،‬ومل يقل إذا رأيتم طلوع الفجر أو زوال‬
‫الشمس ‪..‬فإذا بأي وسيلة علمنا طلوع الفجر صلينا الفجر ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪206‬‬

‫بالوسائل التي بها نستطيع الوصول لمعرفة الحكم الشرعي وإن اختلفت عما‬
‫كانت عليه زمن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ال سيما إن كانت أكثر دقة‪.‬‬
‫‪ -5‬واستدلوا أيض ًا بظاهر قوله تعالى‪ :‬ﭽﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗﭼ [البقرة‪ ]١89 :‬حيث جعل األه ّلة نفسها مواقيت دون‬
‫رؤيتها‪ ،‬وقوله تعالى‪ :‬ﭽﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ﭽﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬ ‫[يونس‪]5 :‬‬ ‫ﯯﭼ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃﭼ [يس‪ ]40 - 39 :‬وقوله تعالى‪ :‬ﭽﮂ ﮃ ﮄﭼ [الرحمن‪]5:‬‬
‫(‪(١‬‬
‫والله سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬
‫التوفيق بين األقوال‪:‬‬
‫من خالل النظر في كل ما سطره الفقهاء‪ ،‬وما قرره علماء الفلك يمكننا‬
‫الخروج بالنتائج التالية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ال تعارض بين الحسابات الفلكية والنصوص الشرعية‪:‬‬
‫ال تعارض((( بين الحسابات الفلكية وما قرره النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫(‪ (١‬انظر‪ :‬قبول الشهادة برؤية اهلالل وموانعها إعداد القاىض حممد تقى العثامنى نائب رئيس‬
‫دار العلوم كراتشى ‪ ،(009/٦/١٦‬بحث أعدّ للعرض عىل مؤمتر مقرتح من قبل رابطة‬
‫العامل اإلسالمى بمكة املكرمة‪.‬‬
‫معلال عند بعضهم بعدم‬ ‫قديام يف نفي احلساب الفلكي إنام كان ً‬
‫((( ما ورد من كالم للفقهاء ً‬
‫دقة احلساب وأنه كان حدس ًا وختمين ًا يف زمنهم‪ ،‬بل بعضهم جعل علامء الفلك بمثابة‬
‫املنجمني‪ ،‬وال شك أن احلساب اليوم وصل لدقة متناهية عام كان عليه سابق ًا‪ ،‬وهبذا ُيعلم‬
‫أن تقليد أقوال الفقهاء القدماء يف هذه املسألة يف زمننا مع تغري دقة احلساب ليس دقيق ًا‪.‬‬
‫فقد حكى الزرقانى عن النووى رمحهاماهلل تعاىل قوله‪« :‬إن عدم البناء عىل حساب‬
‫=‬ ‫املنجمني ألنه حدس وختمني‪ ،‬وإنام يعترب منه ما يعرف به القبلة والوقت‪».‬‬
‫‪207‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫في حديثه بقوله‪« :‬صوموا لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن ُغ َّم عليكم فاقدروا له»‪،‬‬
‫إذ هو قول صريح في وجوب التقيد في الصوم والفطر بالرؤية ‪-‬أي رؤية الهالل‬
‫بعد غروب الشمس‪ -‬ويجب علينا معشر المسلمين التمسك بذلك والعض‬
‫عليه بالنواجذ وترك ما يخالفه‪.‬‬
‫ولكننا نقول‪ :‬ما هي الرؤية التي أمرنا بالتقيد بها في صومنا وفطرنا؟ ال شك‬
‫أن اإلخبار برؤية الهالل شهادة‪ ،‬والشهادة يشترط لقبولها مجموعة شروط‪ ،‬من‬
‫أهمها‪ :‬أن تكون الشهادة منفكة عما يكذبها‪ ،‬فإذا كان علم الفلك يقرر أن الهالل‬
‫قد غرب قبل الشمس من مكان ادعاء الرؤية فكيف تصح من الشاهد شهادته‬
‫بالرؤية؟! حيث إن شهادته تعني رؤيته الهالل بعد غروب الشمس وعلم الفلك‬
‫يقرر قرار ًا قطعي ًا أن الهالل قد غاب قبل الشمس بزمن‪ ،‬أليست هذه الشهادة‬
‫مرتبطة بما يكذبها؟ فهذه الشهادة مردودة إذن؛ لعدم انفكاكها عما يكذبها عق ً‬
‫ال‬
‫وحس ًا‪.‬‬
‫َّ‬
‫ونحن بر ّدها لم نر ّد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «صوموا لرؤيته»‪.‬‬
‫وإنما رددنا الشهادة ألنها باطلة‪ ،‬فهي مرتبطة بما يكذبها‪ .‬وجمع ًا بين تقيدنا‬

‫= وكذلك حكى احلافظ ابن حجر عن ابن بزيزة قوله‪:‬‬


‫«وهو (أى اعتباراحلساب) مذهب باطل‪ ،‬فقد هنت الرشيعة عن اخلوض ىف علم النجوم‪،‬‬
‫ألهنا حدس وختمني ليس فيها قطع وال ظن غالب‪».‬‬
‫وقال اإلمام ابن تيمية رمحه اهلل تعاىل‪:‬‬
‫«إن اهلل سبحانه مل جيعل ملطلع اهلالل حسابا مستقيام‪ ،‬بل اليمكن أن يكون إىل رؤيته‬
‫طريق مطرد إال الرؤية‪ ،‬وقد سلكوا طرقا كام سلك األولون منهم من مل يضبطوا سريه إال‬
‫احلساب عىل أنه غري مطرد‪ ،‬وإنامهو تقريب»‪ .‬انظر‪ :‬قبول الشهادة‬ ‫بالتعديل الذي يتفق ّ‬
‫برؤية اهلالل وموانعها إعداد القاىض حممد تقى العثامنى نائب رئيس دار العلوم كراتشى‬
‫‪ ،(009/٦/١٦‬بحث أعدّ للعرض عىل مؤمتر مقرتح من قبل رابطة العامل اإلسالمى‬
‫بمكة املكرمة‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪208‬‬

‫بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته‪ .‬وبين أخذنا بالحساب‬
‫الفلكي الذي َّ‬
‫دل عليه القرآن الكريم‪ (١(.‬وهذا ال شك نظر راجح إذ به يوفق بين‬
‫الرأيين‪ ،‬ويؤلف بين النص الشرعي‪ ،‬والنظر العقلي‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬نفي جواز األخذ بالرؤية‪ ،‬أو بالحسابات الفلكية بإطالق‪:‬‬
‫تختلف أحوال الهالل‪ ،‬وأحوال الرائي‪ ،‬وأحوال الحسابات الفلكية نفي ًا‬
‫وإثبات ًا‪ ،‬ولذلك ال يمكن الجزم بتقديم الحسابات الفلكية بإطالق‪ ،‬وال الرؤية‬
‫بإطالق وتفصيل ذلك متوقف على اعتبار الحاالت التالية‪:‬‬
‫الحالة األولى‪:‬‬
‫الشمس قبل الهالل‪ ،‬و ُيرى الهالل بعد غروب الشمس‪ ،‬فهذه‬
‫ُ‬ ‫أن تغرب‬
‫الحالة يثبت فيها دخول الشهر باالعتبارين الشرعي والفلكي‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪:‬‬
‫الشمس بعد غروب الهالل‪ ،‬ولم يتقدَّ م أحدٌ بدعوى الشهادة‬
‫ُ‬ ‫أن تغرب‬
‫برؤية الهالل بعد غروب الشمس‪ ،‬فهذه الحالة اتفق النظر الشرعي مع الواقع‬
‫الفلكي على نفي الرؤية‪ ،‬واعتبار هذه الليلة ليلة آخر يوم من الشهر الحالي‪.‬‬
‫الحالة الثالثة‪:‬‬
‫الشمس قبل غروب القمر‪ ،‬ولم يتقدَّ م أحدٌ بدعوى رؤية الهالل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أن تغرب‬
‫فهذه الحالة اختلف فيها الواقع الفلكي مع النظر الشرعي‪ ،‬حيث َّ‬
‫إن الواقع‬
‫الفلكي يثبت دخول الشهر‪ ،‬والنظر الشرعي ينفي دخوله حيث لم يشهد أحدٌ‬

‫(‪ (١‬الشيخ عبداهلل بن سليامن املنيع عضو هيئة كبار العلامء عضو جلنة تقويم أم القرى‬
‫من مقال له يف جريدة الرياض بتاريخ‪ :‬األربعاء ‪ ١4‬مجادى اآلخر ‪١4(9‬هـ‪١8 -‬‬
‫يونيو‪(008‬م‪ -‬العدد ‪١4٦04‬هـ‪.‬‬
‫‪209‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫برؤية الهالل (إما لحصول غيم أو نحوه)‪ ،‬ففي هذه الحالة ُينظر هل رأى أحدٌ‬
‫من المسلمين الهالل في بلده وهل أعلنت إحدى الدول ذلك؟ فإن ثبت رؤية‬
‫أحد منهم الهالل أو أعلنت دولة ما فإنه يجب العمل به اعتماد ًا على اتحاد‬
‫ٍ‬
‫حينئذ نكمل عدة الشهر‬ ‫المطالع‪ ،‬وإن لم يره أحدٌ ولم تُعلن دولة ذلك فإننا‬
‫لحالي‪ ،‬وال نعتبر الحساب إذ يستحيل أن ال يرى الهالل كل العالم اإلسالمي‬
‫وأن ُيغم عليهم جميع ًا‪ .‬استجابة للنصوص الشرعية من كتاب الله تعالى وسنة‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كقوله تعالى‪ :‬ﭽﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﭼ‬
‫[البقرة‪ ،]١85 :‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪« :‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»‪.‬‬
‫النحصار اإلثبات الشرعي في الرؤية فقط بعد الوالدة؛ ولعدم وصول الحساب‬
‫(‪(١‬‬
‫الفلكي إلى دقة في هذه الجزئية بالتحديد‪.‬‬
‫الحالة الرابعة‪:‬‬
‫أن يغرب القمر قبل غروب الشمس‪ ،‬ويأتي من يشهد برؤية الهالل بعد‬
‫غروب الشمس‪ ،‬فهذه الحالة اختلف الواقع الفلكي مع دعوى الرؤية قبل‬
‫الوالدة‪ ،‬حيث َّ‬
‫إن دعوى الرؤية تقول بدخول الشهر‪ ،‬والواقع الفلكي ينفي‬
‫دخول الشهر؛ لغروب القمر قبل الشمس ففي هذه الحال يجب األخذ بالواقع‬
‫الفلكي حيث إن الهالل لم يولد إال بعد غروب الشمس فكيف ُيرى بعد غروبها‬

‫(‪ (١‬جيب األخذ باحلسابات الفلكية عند النفي فقط حلصول اليقني يف هذه اجلزئية بدقة‬
‫ٍ‬
‫لضبط أكثر دقة يف‬ ‫احلسابات النافية ‪ ،‬وأما يف اإلثبات فإن األمر حيتاج من علامء الفلك‬
‫حتديد الوقت الذي جيب أن يمر بعد االقرتان حتى تدخل الرؤية حتت دائرة اإلمكان‪،‬‬
‫وهم إىل اليوم خمتلفون يف عمر اهلالل الذي حتصل له الرؤية‪ ،‬ناهيك أن األمر خيتلف‬
‫باختالف العوامل اجلوية واجلغرافية للراصد ومكان الرصد وغري ذلك من العوامل‬
‫التي هلا تأثري يف إمكانية الرؤية‪ ،‬والتي حتتاج ملزيد من التدقيق والدراسة للحصول عىل‬
‫نتائج يقينية أو حتى قريبة من اليقينة‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪210‬‬

‫والحال أن الشمس غربت قبل والدته؟!‬


‫فالهالل متقدم عليها نحو الغرب وغاب قبلها وهي متخلفة عنه نحو‬
‫الشرق‪ ،‬فالرؤية التي تقدم بها أصحابها شهادة‪ ،‬ومن شروط قبول الشهادة أن‬
‫ّ‬
‫تنفك عما يكذبها‪ ،‬وهذه الشهادة لم تنفك عما يكذبها حيث إن ما يكذبها مالزم‬
‫لها فيجب ر ُّد هذه الشهادة مهما كان الشاهد بها ومهما تعدد شهودها‪ (١(.‬وهذا‬
‫معنى قولهم‪ :‬يجب األخذ بالحساب الفلكي فيما يتعلق بالنفي دون اإلثبات‪.‬‬
‫(((‬

‫توصية‪:‬‬
‫يدخل الشهر العربي برؤية الهالل‪ ،‬وبدخول الشهر تجب أحكام شرعية‬
‫كثيرة كالصيام في رمضان‪ ،‬ووجوب الزكاة عند حوالن الحول‪ ،‬والخروج من‬
‫ِ‬
‫العدَّ ة للمرأة الصغيرة أو اليائس أو الحامل وغيرها من األحكام الشرعية التي‬
‫علقها الشارع بدخول الشهر‪.‬‬
‫ومن هنا يتبين لنا أهمية معرفة دخول الشهر‪ ،‬وعظيم أثره في األحكام‬
‫الشرعية التي يمثل بعضها ركنا من أركان اإلسالم؛ وعليه فإن التثبت والتدقيق‬
‫في ذلك من الواجبات‪ ،‬ويجعل التسرع في ذلك أو التساهل من التفريط في دين‬
‫الله تعالى‪.‬‬

‫(‪ (١‬املصدر السابق بترصف يسري‪.‬‬


‫((( وهذا ما أوىص به املجلس األورويب لإلفتاء والبحوث ‪ 08‬شعبان ‪ ١435‬هـ‪0٦ -‬‬
‫يونيو ‪(0١4‬م‪ :‬حيث جاء فيه ‪ –5 :‬يويص املجلس أعضاءه وأئمة املساجد وعلامء‬
‫الرشيعة يف املجتمعات اإلسالمية وغريها بالعمل عىل ترسيخ ثقافة احرتام ما انتهى إليه‬
‫القطعي من علوم احلساب الفلكي عندما يقرر عدم إمكانية الرؤية‪ ،‬بسبب عدم حدوث‬
‫االقرتان‪ ،‬وأن ال ُيدعى إىل ترائي اهلالل‪ ،‬وال يقبل ا ِّدعاء رؤيته‪ .‬انظر موقعه عىل الشبكة‬
‫العنكبوتية‪.‬‬
‫‪211‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫فعلى الحكومات اإلسالمية‪ ،‬ووالة األمور إيالء هذا األمر عظيم االهتمام‪،‬‬
‫وكبير العناية ‪-‬وهذا متحصل في بعض الدول‪ -‬بانتداب الحذاق العالمين‬
‫باألهلة‪ ،‬وأن يكون عددهم كافي ًا‪ ،‬وأن ُيعمل لهم من الدورات التعليمية ما‬
‫يزيد في تأهيلهم ودقة نظرهم في إثبات األهلة ومواقعها‪ ،‬وأن تكون الرؤية‬
‫للهالل جماعية بحسب المستطاع؛ طلب ًا للوصول لنفي الشك وحصول اليقين‬
‫وطمأنينة القلب‪ ،‬فال اعتبار عند التحقيق والنظر فيمن شهد برؤية الهالل‪ ،‬في‬
‫حين أن علماء الفلك يثبتون على جهة القطع عدم حصول االقتران أصالً‪ ،‬أو‬
‫أن القمر قد غرب قبل غروب الشمس‪.‬‬
‫كما أنه يجب على علماء الفلك‪ ،‬وبخاصة المسلمين منهم المزيد من‬
‫العناية في حسابات األهلة‪ ،‬حيث من المعلوم أن لحظة االقتران تعتبر بالحساب‬
‫من األمور القطعية‪ ،‬ولكن تبقى إمكانية رؤية الهالل محل اجتهاد عند الفلكيين‬
‫أنفسهم‪ ،‬وهم يختلفون في عمر الهالل إلمكانية الرؤية بين (‪ ١‬أو ‪ ١8‬أو ‪(0‬‬
‫ساعة‪ ،‬والبعض ال يشترط أصالً‪ ،‬واختالفهم في الدقائق التي يشترط أن يمكثها‬
‫الهالل بعد الغروب إلمكانية الرؤية‪ ،‬ناهيك عن االعتبارات الجوية والجغرافية‬
‫للراصد ومكان الرصد‪.‬‬
‫والله تعالى أعلم‪،،‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪212‬‬
‫‪213‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫التاريخ اهلجري هوية أمة اإلسالم‬

‫* تاريخنا هويتنا‪:‬‬
‫لكل أمة وحضارة هوية وتاريخ تميزها عن غيرها‪ ،‬بها تعتز ومن خاللها‬
‫توثق أحداثها‪ ،‬وكل أمة تنظر لمستقبلها من خالل النظر في تاريخها‪ ،‬فمن ال‬
‫تاريخ له ال مستقبل له‪.‬‬
‫وقد كره الصحابة عند وضع التاريخ الهجري أن يتابعوا النصارى أو‬
‫الفرس في تاريخهم وما ذلك إال حفاظ ًا على هوية هذه األمة‪ ،‬والرتباط عباداتهم‬
‫باألشهر العربية دون سواها‪ ،‬ولذا ربطوا تاريخهم بأشرف مخلوق ومحبوب‬
‫لديهم وهو نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومن هنا يظهر لنا أن التاريخ‬
‫الهجري ليس مجرد أرقام تعرف بها السنوات‪ ،‬بل هوية أمة وشعار حضارة‬
‫وسجلت األحداث ووثقتها به‪ ،‬وإن التخلي عن‬
‫ّ‬ ‫حكمت العالم مئات السنين‪،‬‬
‫هذا التاريخ تخلي عن حضارة ومجد‪ ،‬بل وتضييع وتفريط ببعض شعائر ديننا‬
‫الحنيف الرتباط بعض أركان اإلسالم به كالصيام والزكاة والحج به‪.‬‬
‫* عدد أيام السنة الهجرية تختلف عن الميالدية‪:‬‬
‫يتكون التقويم الهجرى من (‪ ١‬شهر ًا قمريا أي أن السنة الهجرية تساوي‬
‫‪ 354‬يوما تقريبا‪ ،‬بالتحديد ‪ 354.3٦705٦‬يوم ًا‪ ،‬والشهر فى التقويم الهجري‬
‫إما أن يكون ‪ (9‬أو ‪ 30‬يوما (ألن دورة القمر الظاهرية تساوى ‪(9.530588‬‬
‫يوم ًا)‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪214‬‬

‫وبما أن هناك فارق ًا (‪ ١١.‬يوم ًا تقري ًبا بين التقويم الميالدي الشائع‬
‫والتقويم الهجري‪ ،‬فإن التقويمين ال يتزامنان مما يجعل التحويل بين التقويمين‬
‫أكثر صعوبة‪.‬‬
‫وقد اعتمد المسلمون التقويم العربى؛ ليكون تقويم الدولة اإلسالمية‪،‬‬
‫ونظر ًا العتماده الهجرة النبوية الشريفة بداية له فقد سمي بالتقويم الهجري‪،‬‬
‫وقد اعتمد بعد سنتين ونصف السنة من خالفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪،‬‬
‫فى ربيع األول من عام ‪ ١٦‬للهجرة‪ ،‬سنة ((‪٦‬م وكان يوم ‪ ١‬المحرم من عام ‪١7‬‬
‫للهجرة بداية أول سنة هجرية بعد اعتماد التقويم الهجري‪.‬‬
‫فهجرة النبى صلى الله عليه وآله إلى المدينة المنورة لم تكن فى بداية شهر‬
‫األول وبالتحديد ‪8‬‬
‫محرم الحرام‪ ،‬بل كانت بعد شهرين‪ ،‬أي فى بداية شهر ربيع ّ‬
‫ربيع األول‪( ،‬عام ((‪٦‬م)(‪.(١‬‬
‫* كان العرب يؤرخون باألحداث‪:‬‬
‫وقد كان العرب قديم ًا يؤرخون ببناء إبراهيم وإسماعيل الكعبة حتى‬
‫تفرقوا وخرجوا من تهامة‪ ،‬فكان الخارجون يؤرخون بخروجهم‪ ،‬والباقون بآخر‬
‫الخارجين منهم حتى طال األمد فأرخوا بعام رئاسة عمرو بن ربيعة المعروف‬
‫بعمرو بن لحي‪ ،‬وهو الذي يقال‪ :‬إنه بدّ ل دين إبراهيم‪.‬‬
‫ثم أرخوا بعام موت كعب بن لؤي إلى عام الغدر‪ ،‬وهو الذي نهب فيه بنو‬
‫يربوع ما أنفذه بعض ملوك حمير((( إلى الكعبة من الكسوة‪ ،‬ووثب بعض الناس‬

‫(‪ (١‬للمؤلف دراسة وحتقيق يف حتديد وصول النبي صىل اهلل عليه وسلم قباء من الناحية‬
‫التارخيية والفلكية‪ ،‬رجحت أنه ‪ 8‬من ربيع األول عام ((‪٦‬م ‪.‬‬
‫((( ملوك محري هم ملوك اليمن واجلزيرة‪ ،‬وكانوا هم من يكسون الكعبة وقد ورد يف مسند‬
‫أمحد قوله صىل اهلل عليه وسلم‪« :‬ال تسبوا تبع ًا فإنه أول من كسى الكعبة»‪ .‬وقد أورد =‬
‫‪215‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫على بعض في الموسم‪.‬‬


‫ثم أرخوا بعام الغدر إلى عام الفيل‪ ،‬ثم أرخوا به إلى تاريخ الهجرة‪ ،‬وبعض‬
‫العرب كانوا يؤرخون بالوقائع المشهورة واأليام المذكورة الكائنة بينهم‪ ،‬كالتي‬
‫الفجار وحلف الفضول‪ ،‬وكذلك كانت حمير وبنو قحطان‬ ‫لقريش مثل يوم ِ‬

‫تؤرخ بتبابعتها(‪ (١‬وهم ملوك اليمن(((‪.‬‬


‫وقد ورد أن المسلمين أطلقوا أسماء على السنوات التي عاشها المصطفى‬
‫‪-‬صلى الله عليه وآله وسلم‪ -‬بالمدينة‪ ،‬فقال المطهر المقدسي‪ :‬وكانت سنوات‬
‫الهجرة عشر سنين‪ :‬السنة األولى سنة الهجرة‪ ،‬والثانية سنة األمر بالقتال‪ ،‬والثالثة‬
‫سنة التمحيص‪ ،‬والرابعة سنة الترفيه‪ ،‬والخامسة سنة الزالزل‪ ،‬والسادسة سنة‬
‫االستئناس‪ ،‬والسابعة سنة االستغالب‪ ،‬والثامنة سنة االستواء‪ ،‬والتاسعة سنة‬
‫البراءة‪ ،‬والعاشرة سنة حجة الوداع‪ .‬ثم دخلت سنة إحدى عشرة من الهجرة‬
‫مضى منها شهران واثنا عشر يو ًما ولحق بربه ‪-‬صلى الله عليه وسلم(‪.(3‬‬
‫* ذكر مبدأ التاريخ الهجري‪:‬‬
‫اختلف القول في أول من ّأرخ أو أمر بالتاريخ من الهجرة النبوية على‬
‫قولين‪:‬‬

‫= ابن كثري يف البداية والنهاية قصة تبع أسعد الكامل أبو كرب كيف أنه هو أول من كسى‬
‫الكعبة وكان قد أسلم ‪ .‬وقد كان ملوك اليمن هم أصحاب الدولة يف اجلزيرة العربية‬
‫وكان بقية العرب عبارة عن قبائل متفرقة‪.‬‬
‫بعضا كلام َهلك‬
‫بعضهم ً‬ ‫(‪ (١‬التَّبابِع ُة‪ :‬ملوك اليمن‪ ،‬واحدهم ُت َّبع‪ ،‬سموا بذلك؛ َألنه َي ْت َبع ُ‬
‫واحد قام َمقامه آخر تاب ًعا له عىل مثل ِسريته و«قيل‪ :‬كان ال يسمى تُب ًعا حتى يملك‬
‫حرضموت وسبأ ومحري» [النهاية يف غريب احلديث واألثر البن األثري‪.](4٦8/١( ،‬‬
‫((( اآلثار الباقية عن القرون اخلالية للبريوين‪ ،‬ص(‪ )35-34‬باختصار‪.‬‬
‫(‪ (3‬البدء والتاريخ للمقديس‪.(١80/4( ،‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪216‬‬

‫القول األول‪ :‬أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬


‫فقد أخرج ابن عساكر «أن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ّ -‬أرخ‬
‫التاريخ حين قدم المدينة في شهر ربيع األول»(‪ .(١‬قال ابن عساكر‪ :‬هذا أصوب‬
‫والمحفوظ أن اآلمر بالتاريخ عمر(((‪.‬‬
‫وقال السيوطي‪ :‬وقفت على ما يعضده فرأيت بخط ابن القماح في مجموع‬
‫له‪ :‬قال ابن الصالح‪ :‬وقفت على كتاب في الشروط لألستاذ أبي طاهر ابن‬
‫محمش «الزيادي» ذكر فيه‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخ بالهجرة‬
‫حين كتب الكتاب لنصارى نجران وأقر عليا أن يكتب فيه «إنه كتب لخمس من‬
‫الهجرة»‪.‬‬
‫فالمؤرخ إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر تبعه‪ ،‬وقد يقال‪ :‬هذا‬
‫صريح في أنه أرخ سنة خمس والحديث األول فيه أنه أرخ يوم قدم المدينة؟!‬
‫ويجاب بأنه ال منافاة فإن الظرف وهو قوله‪« :‬يوم قدم المدينة» ليس‬
‫متعلقا بالفعل وهو «أمر» بل بالمصدر وهو «التاريخ» أي أمر بأن يؤرخ بذلك‬
‫اليوم ال أن األمر في ذلك اليوم فتامله فإنه نفيس(‪.(3‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪.‬‬
‫فقد ذكر ابن كثير رحمه الله في وقائع السنة األولى من الهجرة قصة نشأة‬

‫(‪ (١‬تاريخ دمشق‪ 37/١ ،‬وقال‪« :‬هي مرسلة»‪ .‬وقال ابن حجر‪ :‬وقد روى احلاكم يف‬
‫اإلكليل من طريق بن جريج عن أيب سلمة عن بن شهاب الزهري أن النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم ملا قدم املدينة أمر بالتاريخ فكتب يف ربيع األول وهذا معضل واملشهور خالفه‬
‫‪.(٦8/7‬‬
‫((( تاريخ دمشق البن عساكر ‪.38/١‬‬
‫(‪ (3‬الشامريخ يف علم التاريخ للسيوطي صـ‪.١5‬‬
‫‪217‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫هذا التاريخ العظيم فقال‪:‬‬


‫اتفق الصحابة رضي الله عنهم في سنة ست عشرة‪ -‬وقيل سنة سبع عشرة‪،‬‬
‫أو ثماني عشرة‪ -‬في الدولة العمرية على جعل ابتداء التاريخ اإلسالمي من‬
‫سنة الهجرة‪ ،‬وذلك أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رفع إليه صك‪ -‬أي‬
‫حجة‪ -‬لرجل على آخر وفيه‪ ،‬أنه يحل عليه في شعبان‪ ،‬فقال عمر‪ :‬أي شعبان؟‬
‫أشعبان هذه السنة التي نحن فيها أو السنة الماضية‪ ،‬أو اآلتية؟ ثم جمع الصحابة‬
‫فاستشارهم في وضع تأريخ يتعرفون به حلول الديون وغير ذلك‪ ،‬فقال قائل‪:‬‬
‫أرخوا كتاريخ الفرس فكره ذلك‪ ،‬وكانت الفرس يؤرخون بملوكهم واحدا بعد‬
‫واحد‪.‬‬
‫وقال قائل‪ :‬أرخوا بتاريخ الروم‪ ،‬وكانوا يؤرخون بملك إسكندر بن فلبس‬
‫المقدوني فكره ذلك‪ .‬وقال آخرون أرخوا بمولد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وقال آخرون بل بمبعثه‪ ،‬وقال آخرون بل بهجرته‪ ،‬وقال آخرون بل بوفاته‬
‫عليه السالم‪ .‬فمال عمر رضي الله عنه إلى التأريخ بالهجرة لظهوره واشتهاره‪،‬‬
‫واتفقوا معه على ذلك(‪.(١‬‬
‫وقد استدل السهيلي على ما أقدم عليه الصحابة من اختيار الهجرة بداية‬
‫للتاريخ بقوله تعالى‪ :‬ﭽﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅﭼ[التوبة‪،]١08:‬‬
‫أي من أول يوم حلول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة‪ ،‬وهو أول يوم من‬
‫التاريخ(((‪.‬‬

‫(‪ (١‬البداية والنهاية البن كثري ‪.(0٦/3‬‬


‫((( املصدر السابق‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪218‬‬

‫وال شك أنه لو ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد ّأرخ أو أمر‬
‫بالتاريخ لتوافرت الدواعي على نقل ذلك في أحاديث صحاح‪ ،‬ولك َّن المشهور‬
‫أن اآلمر بذلك هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه‪.‬‬
‫* األشهر العربية‪:‬‬
‫للسنة الهجرية اثنا عشر شهر ًا كما ذكر الله تعالى في كتابه فقال‪ :‬ﭽﮤ‬
‫ﮥﮦ ﮧﮨﮩﮪ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬﭼ [التوبة‪.]3٦ :‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫أن الله وصف التوقيت بالهالل وأن الشهور القمرية إذا بلغت هذا الرقم‬
‫سميت سنة وهذا معنى عدة الشهور‪.‬‬
‫وتعتمد األشهر الهجرية على القمر كما ذكر ذلك القرآن الكريم فقال‬
‫تعالى‪ :‬ﭽﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﭼ [البقرة‪.]١89 :‬‬
‫وجه الداللة‪:‬‬
‫أن الله جعل الهالل عالمة على بداية الشهر ونهايته‪ ،‬فبطلوع الهالل يبدأ‬
‫شهر وينتهي آخر فتكون األهلة بمعنى المواقيت وهذا يدل على أن الشهر قمري‬
‫الرتباطه باألهلة وهي منازل القمر‪.‬‬
‫وهذه األشهر سماها العرب كما يلي‪:‬‬
‫الح َرام) وهو أول شهور السنة الهجرية ومن األشهر‬ ‫المحرم‪ُ :‬‬
‫(الم َح َّرم َ‬ ‫ّ‬
‫يحرمون القتال فيه‪.‬‬
‫المحرم ألن العرب قبل اإلسالم كانوا ّ‬
‫ّ‬ ‫الحرم‪ُ :‬س ِّمي‬
‫‪219‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫صفر‪ :‬سمي صفر ألن ديار العرب كانت تصفر أي تخلو من أهلها فيه‬
‫للحرب وقيل ألن العرب كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صفر المتاع‪.‬‬
‫ربيع األول‪ :‬سمي بذلك ألن تسميته جاءت في الربيع فلزمه ذلك االسم‪.‬‬
‫األول‪.‬‬
‫المسمى بربيع ّ‬
‫ّ‬ ‫ربيع اآلخر‪ :‬سمي بذلك ألنه تبع ّ‬
‫الشهر‬
‫جمادى األولى‪ :‬كانت تسمى قبل اإلسالم باسم جمادى خمسة‪ ،‬وسميت‬
‫جمادى لوقوعها في الشتاء وقت التسمية حيث جمد الماء وهي مؤنثة اللفظ‪.‬‬
‫المسمى بجمادى األولى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الشهر‬ ‫َ‬
‫بذلك ألنّه تبع ّ‬ ‫جمادى اآلخرة‪ :‬سمي‬
‫رجب‪ :‬وهو من األشهر الحرم‪ :‬سمي رجب ألنه من األشهر الحرم وكانت‬
‫العرب ترجب رماحها فيه أي تنزع النصل من الرمح وتكف الناس عن القتال‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬رجب أي التوقف عن القتال‪.‬‬
‫شعبان‪ :‬ألنه ِشعب بين رجب ورمضان‪ ،‬وقيل سمي شعبان ألن الناس‬
‫تتفرق فيه ويتشعبون طلبا للماء‪ .‬وهناك رأي يقول إنه ربما سمي شعبان ألن‬
‫العرب كانوا يتشعبون فيه ويفترقون للحرب بعد قعودهم عنها في شهر رجب‪.‬‬
‫الصوم عند المسلمين‪ُ .‬س ّمي بذلك لرموض الحر‬
‫رمضان‪ :‬وهو شهر ّ‬
‫وشدة وقع الشمس فيه وقت تسميته‪ ،‬حيث كانت الفترة التي سمي فيها بذلك‬
‫شديدة الحر‪.‬‬
‫شوال‪ :‬وهو الشهر الذي يقع فيه عيد الفطر‪ ،‬وسمي بذلك لشوالن النوق‬
‫تشولت اإلبل‪ :‬إذا هزلت‬
‫فيه بأذنابها إذا حملت «أي هزلت وجف لبنها»‪ ،‬فيقال َّ‬
‫وجف لبنها‪.‬‬
‫ّ‬
‫ذو القعدة‪ :‬وهو من األشهر الحرم‪ :‬سمي ذو القعدة ألنه أول األشهر‬
‫الحرم وفيه تقعد الناس عن الحرب‪.‬‬
‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬ ‫‪220‬‬

‫ذو الحجة‪ :‬وفيه موسم الحج وعيد األضحى ومن األشهر الحرم‪ ،‬وقد‬
‫سمي بذلك ألن العرب قبل اإلسالم يذهبون للحج في هذا الشهر‪.‬‬
‫ونظرا العتماد التقويم الهجري على حركة القمر‪ ،‬فإن السنة الهجرية‬
‫تتقدم كل عام ‪ ١١‬يوما‪ ،‬لذلك فإن األشهر الهجرية قد تقع في مواسم تختلف‬
‫عن المواسم التي سميت بها وقت اعتمادها‪.‬‬
‫* شهر محرم هو بداية السنة الهجرية‪:‬‬
‫عن ابن سيرين أن رجال من المسلمين قدم من اليمن فقال لعمر‪ :‬رأيت‬
‫باليمن شيئا يسمونه التاريخ يكتبون من عام كذا وشهر كذا فقال عمر‪ :‬إن هذا‬
‫لحسن فأرخوا‪.‬‬
‫فلما أجمع على أن يؤرخ شاور فقال قوم‪ :‬بمولد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وقال قوم‪ :‬بالمبعث وقال قوم‪ :‬حين خرج مهاجرا من مكة وقال قائل‪:‬‬
‫من الوفاة ‪ -‬حين توفى ‪.-‬‬
‫فقال‪ :‬عمر أرخوا خروجه من مكة إلى المدينة‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬بأي شهر نبدأ فنصيره أول السنة؟؟ فقالوا‪ :‬رجب فإن أهل الجاهلية‬
‫كانوا يعظمونه ‪ ...‬وقال آخرون‪ :‬شهر رمضان وقال بعضهم‪ :‬ذو الحجة فيه‬
‫الحج‪ ..‬وقال آخرون‪ :‬الشهر الذي خرج فيه من مكة وقال آخرون‪ :‬الشهر الذي‬
‫قدم فيه‪.‬‬
‫فقال عثمان رضي الله عنه‪ :‬أرخوا من المحرم أول السنة ‪ -‬أول السنة‬
‫المحرم‪ -‬وهو شهر حرام وهو أول الشهور في العدّ (‪ (١‬وهو منصرف الناس عند‬

‫(‪ (١‬يشري إىل قوله تعاىل‪ :‬ﭽﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﭼ‬


‫[التوبة‪.]3٦ :‬‬
‫‪221‬‬ ‫علم املواقيت والقبلة واألهلة من الناحيتني‪ :‬الرشعية والفلكية‬

‫الحج‪ .‬فيصير أول السنة المحرم‪ .‬وكان ذلك سنة سبع عشرة ويقال سنة ست‬
‫عشرة في نصف ربيع األول(‪.(١‬‬
‫‪«-‬وا ْل َف ْج ِر»‪-‬‬
‫وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال في قوله تعالى َ‬
‫قال‪« :‬الفجر شهر المحرم هو فجر السنة»(((‪.‬‬
‫وروى عن عبيد بن عمير‪ .‬قال‪ :‬إن المحرم شهر الله وهو رأس السنة‬
‫يكسى البيت‪ ،‬ويؤرخ به الناس‪ ،‬ويضرب فيه الورق‪.‬‬
‫وقال أحمد‪ :‬عن عمرو بن دينار قال‪ :‬إن أول من ورخ الكتب يعلى بن أمية‬
‫باليمن‪ ،‬وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في ربيع األول وإن‬
‫الناس أرخوا ألول السنة(‪.(3‬‬
‫وقد قال ابن حجر ‪-‬رحمه الله تعالى‪ -‬في ذكر سبب إعراض الصحابة‬
‫رضوان الله تعالى عليهم عن التاريخ بمولد النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو‬
‫بمبعثه أو بوفاته‪ ،‬وسبب البدء بشهر محرم واإلعراض عن ربيع األول فقال‬
‫رحمه الله تعالى‪:‬‬
‫فرجح عندهم جعلها من الهجرة ألن المولد والمبعث ال يخلو واحد‬
‫منهما من النزاع في تعيين السنة‪ ،‬وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما توقع بذكره‬
‫من األسف عليه‪ ،‬فانحصر في الهجرة‪.‬‬
‫وإنما أخروه من ربيع األول إلى المحرم ألن ابتداء العزم على الهجرة كان‬
‫في المحرم‪ ،‬إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة‪ ،‬فكان أول‬
‫هالل استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هالل المحرم‪ ،‬فناسب أن يجعل‬

‫(‪ (١‬الشامريخ يف علم التاريخ للسيوطي صـ‪.١5‬‬


‫((( أخرجه البيهقي يف شعب اإليامن ‪ 3١9/5‬برقم ‪ ،3494‬وقال السيوطي‪ :‬هو حسن‪.‬‬
‫(‪ (3‬البداية والنهاية البن كثري ‪.(07/3‬‬

You might also like