You are on page 1of 6

‫القائل إذا قال‪" :‬بسم هللا الرحمن الرحيم" ثم افتتح تاليًا سورةً‪ ،‬أن إتباعه "بسم هللا الرحمن‬

‫الرحيم" تالوةَ السورة‪ ،‬يُنبئ عن معنى قوله‪" :‬بسم هللا الرحمن الرحيم" ومفهو ٌم به أنه مريد‬
‫بذلك‪ :‬أقرأ بسم هللا الرحمن الرحيم‪ .‬وكذلك قوله‪" :‬بسم هللا" عند نهوضه للقيام أو عند قعوده‬
‫وسائر أفعاله‪ ،‬ينبئ عن معنى مراده بقوله "بسم هللا"‪ ،‬وأنه أراد ب ِقي ِله "بسم هللا"‪ ،‬أقوم باسم‬
‫هللا‪ ،‬وأقعد باسم هللا‪ .‬وكذلك سائر األفعال‪.‬‬
‫وهذا الذي قلنا في تأويل ذلك‪ ،‬هو معنى قول ابن عباس الذي‪:-‬‬
‫ع َمارة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫بشر بن ُ‬
‫‪138 -‬حدثنا به أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ُ‬
‫أبو َر ْوق‪ ،‬عن الض ّحاك‪ ،‬عن عبد هللا بن عباس‪ ،‬قال‪ :‬إنَّ أول ما نزل به جبري ُل على محمد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"يا محمد‪ ،‬قُل‪ :‬أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم" ثم قال‪" :‬قل بسم هللا الرحمن‬
‫الرحيم"‪ .‬قال‪ :‬قال له جبريل‪ :‬قل بسم هللا يا محمد‪ ،‬يقول‪ :‬اقرأ بذكر هللا ربك‪ ،‬وقم واقعد بذكر هللا‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫والجالب البا َء في‬
‫ُ‬ ‫قال أبو جعفر‪ :‬فإن قال لنا قائل‪ :‬فإن كان تأوي ُل قوله "بسم هللا" ما وصفتَ ‪،‬‬
‫"بسم هللا" ما ذكرتَ ‪ ،‬فكيف قيل "بسم هللا"‪ ،‬بمعنى أقرأ باسم هللا"‪ ،‬أو أقوم أو أقعد باسم هللا؟‬
‫كتاب هللا‪ ،‬فب َع ْون هللا وتوفيقه قراءتُه‪ ،‬وأن كل قائم أو قاعد أو فاع ٍل فعال‬
‫َ‬ ‫قارئ‬
‫ٍ‬ ‫وقد علمتَ أن ك َّل‬
‫فباهلل قيا ُمه وقعودُه وفعلُه‪ .‬و َهال ‪ -‬إ ْذ كان ذلك كذلك ‪ -‬قيل "بسم هللا الرحمن الرحيم" ولم يَقُل‬
‫"بسم هللا"؟ فإن قول القائل‪ :‬أقوم وأقعد باهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬أو أقرأ باهلل ‪ -‬أوض ُح معنى‬
‫لسامعه من قوله "بسم هللا"‪ ،‬إذ كان قوله أقوم "أقوم أو أقعد باسم هللا"‪ ،‬يوهم سام َعه أن قيامه‬
‫غير هللا‪.‬‬
‫وقعوده بمعنى ِ‬
‫غير ما تو َّهمته في نفسك‪ .‬وإنما معنى‬
‫قيل له‪ ،‬وباهلل التوفيق‪ :‬إن المقصو َد إليه من معنى ذلك ُ‬
‫قوله "بسم هللا"‪ :‬أبدأ بتسمية هللا وذكره قبل كل شيء‪،‬‬

‫مختصرا‪ ،‬بهذا اإلسناد ‪ .137‬وفصلنا القول فيه هناك‪.‬‬


‫ً‬ ‫)‪(1‬الحديث ‪ -138‬مضى‬

‫وذكره ‪ -‬ال أنه يعني ب ِقي ِله "بسم هللا"‪ :‬أقوم‬


‫ِ‬ ‫أو أقرأ بتسميتي هللاَ‪ ،‬أو أقوم وأقعد بتسميتي هللاَ‬
‫باهلل‪ ،‬أو أقرأ باهلل‪ ،‬فيكونَ قو ُل القائل‪ :‬أقرأ باهلل‪ ،‬أو أقوم أو أقعد باهلل ‪ -‬أولى بوجه الصواب في‬
‫ذلك من قوله "بسم هللا‪".‬‬
‫فإن قال‪ :‬فإن كان األمر في ذلك على ما وصفتَ ‪ ،‬فكيف قيل‪" :‬بسم هللا" وقد علمتَ أنّ االسم‬
‫س َّميت؟‬
‫مصدر من قولك َ‬
‫ٌ‬ ‫اس ٌم‪ ،‬وأن التسمية‬
‫المصادر مبهمةً على أسماء مختلفة‪ ،‬كقولهم‪ :‬أكرمتُ فالنًا كرامةً‪ ،‬وإنما‬
‫َ‬ ‫العرب قد تخرج‬
‫َ‬ ‫قيل‪ :‬إن‬
‫بنا ُء مصدر "أفعلتُ " ‪ -‬إذا أخرج على فعله ‪" -‬اإلفعا ُل"‪ .‬وكقولهم‪ :‬أهنت فالنًا َهوانًا‪ ،‬وكلّمته‬
‫كال ًما‪ .‬وبناء مصدر‪" :‬فعَّلت" التفعيل‪ .‬ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫المئ َةَ ِ ّ‬
‫الرتَاعَا (‪)1‬‬ ‫ع َطا ِئكَ ِ‬
‫ع ِنّي ‪ ...‬وبعد َ‬ ‫أ َ ُك ْف ًرا بعد َر ِ ّد ال َم ْو ِ‬
‫ت َ‬
‫يريد‪ :‬إعطائك‪ .‬ومنه قول اآلخر‪:‬‬
‫سجيةً ‪ ...‬لقد ُك ْنتُ في َطو ِلي َر َجاءكَ أ َ ْ‬
‫ش َعبَا (‪)2‬‬ ‫َوإن كانَ هذا البُ ْخ ُل م ْنك َ‬
‫يريد‪ :‬في إطالتي رجاءك‪ .‬ومنه قول اآلخر‪:‬‬
‫سال َم تحيَّةً ُ‬
‫ظ ْل ُم (‪)3‬‬ ‫صابَكم َر ُجال ‪ ...‬أ َ ْهدَى ال ّ‬ ‫أَ ُ‬
‫ظلَ ْي ُم إن ُم َ‬
‫يريد‪ :‬إصابتكم‪ .‬والشواهد في هذا المعنى تكث ُ ُر‪ ،‬وفيما ذكرنا كفاية‪ ،‬لمن ُو ِفّق لفهمه‪.‬‬

‫)‪(1‬الشعر للقطامي ديوانه‪ ،41 :‬ويأتي في تفسير آية سورة يوسف‪( 12 :‬ج ‪ 12‬ص ‪ 94‬بوالق) ‪.‬‬
‫يقول لزفر بن الحارث الكالبي‪ ،‬وكان أسره في حرب‪ ،‬فمن عليه وأعطاه مئة من اإلبل‪ ،‬ورد عليه‬
‫ماله‪ .‬يقول‪ :‬أأكفر بما وليتني‪ ،‬وقد أعطيت ما أعطيت‪ .‬والعطاء بمعنى اإلعطاء‪ ،‬ولذلك نصب به‬
‫"المئة"‪ .‬والرتاع جمع راتع‪ :‬يعني اإلبل ترتع في مرعى خصيب تذهب فيه وتجيء‪.‬‬
‫)‪(2‬لم أجد البيت‪ .‬وأشعب‪ :‬الطماع الذي يضرب به المثل في الطمع المستعر‪.‬‬
‫)‪(3‬الشعر للحارث بن خالد المخزومي‪ ،‬األغاني ‪ ،226 -225 :9‬وهذا البيت الذي من أجله‬
‫أشخص الواثق إليه أبا عثمان المازني النحوي‪ ،‬وله قصة‪ .‬انظر األغاني ‪ 234 :9‬وغيره‪ ،‬وفي‬
‫المطبوعة‪" :‬أظلوم"‪ ،‬والصواب من المخطوطة‪ ،‬واألغاني وأمالي الشجري ‪ 107 :1‬وغيرها‪.‬‬
‫وهذه الشواهد السالفة استشهاد من الطبري على أن األسماء تقوم مقام المصادر فتعمل عملها في‬
‫النصب‪ .‬وظليم‪ :‬هي أم عمران‪ ،‬زوجة عبد هللا بن مطيع‪ ،‬وكان الحارث ينسب بها‪ ،‬فلما مات‬
‫زوجها تزوجها‪.‬‬
‫كثيرا‪،‬‬
‫مصادر األفعال على غير بناء أفعالها ‪ً -‬‬
‫َ‬ ‫فإ ْذ كان األمر ‪ -‬على ما وصفنا‪ ،‬من إخراج العرب‬
‫صواب ما قلنا من‬
‫ُ‬ ‫وكان تصديرها إياها على مخارج األسماء موجودًا فاشيًا (‪ ، )1‬فب ِيّنٌ بذلك‬
‫التأويل في قول القائل "بسم هللا"‪ ،‬أن معناه في ذلك عند ابتدائه في فعل أو قول‪ :‬أبدأ بتسمية‬
‫هللا‪ ،‬قبل فعلي‪ ،‬أو قبل قولي‪.‬‬
‫وكذلك معنى قول القائل عند ابتدائه بتالوة القرآن‪" :‬بسم هللا الرحمن الرحيم"‪ ،‬إنما معناه‪ :‬أقرأ‬
‫مبتدئ ًا بتسمية هللا‪ ،‬أو أبتدئ قراءتي بتسمية هللا‪ .‬ف ُج ِعل "االس ُم" مكان التسمية‪ ،‬كما ُجعل الكال ُم‬
‫مكان التكليم‪ ،‬والعطا ُء مكان اإلعطاء‪.‬‬
‫وبمثل الذي قلنا من التأويل في ذلك‪ُ ،‬ر ِوي الخبر عن عبد هللا بن عباس‪.‬‬
‫ع َمارة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو‬
‫‪139 -‬حدثنا أبو كريب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عثمان بن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا بشر بن ُ‬
‫أول ما نزل جبريل على محمد صلى هللا عليه‬
‫َر ْوق‪ ،‬عن الضحاك‪ ،‬عن عبد هللا بن عباس‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫وسلم قال‪" :‬يا محمد‪ ،‬قل‪ :‬أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم"‪ ،‬ثم قال‪" :‬قل‪ :‬بسم هللا‬
‫الرحمن الرحيم‪".‬‬
‫قال ابن عباس‪" :‬بسم هللا"‪ ،‬يقول له جبري ُل‪ :‬يا محمد‪ ،‬اقرأ بذكر هللا ر ِبّك‪ ،‬وقم واقعد بذكر هللا‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وهذا التأويل من ابن عباس ينبئ عن صحة ما قلنا ‪ -‬من أنه يراد بقول القائل مفتت ًحا قراءته‪:‬‬
‫"بسم هللا الرحمن الرحيم"‪ :‬أقرأ بتسمية هللا وذكره‪ ،‬وأفتتح القراءة بتسمية هللا‪ ،‬بأسمائه‬
‫الحسنى وصفاته العُلَى ‪ -‬ويوضح فسا َد قول من زعم أن معنى ذلك من قائله‪ :‬باهلل الرحمن‬
‫أو ِل ك ِ ّل شيء (‪ ، )3‬مع أن العباد‬
‫الرحيم ّ‬

‫)‪(1‬أراد بقوله‪" :‬تصديرها"‪ :‬أي جعلها مصادر تصدر عنها صوادر األفعال‪ ،‬وذلك كقولك‪ :‬ذهب‬
‫ذهابًا‪ ،‬فذهب صدرت عن قولك "ذهاب"‪ ،‬ويعمل عندئذ عمل الفعل‪ .‬وعنى أنهم يخرجون المصدر‬
‫على وزن االسم فيعمل عمله‪ ،‬كقولك "الكالم" هو اسم ما تتكلم به‪ ،‬ولكنهم قالوا‪ :‬كلمته كال ًما‪،‬‬
‫مصدرا على وزن اسم ما تتكلم به‪ ،‬وهو الكالم‪،‬‬
‫ً‬ ‫فوضعوه موضع التكليم‪ ،‬وأخرجوا من "كلم"‬
‫فكان المصدر‪" :‬كال ًما‪".‬‬
‫)‪(2‬الحديث ‪ -139‬مضى هذا الخبر وتخريجه‪ ،‬برقم ‪.137‬‬
‫)‪(3‬قوله‪" :‬يوضح" ساقطة من المطبوعة‪ .‬وفيها مكان‪" :‬أول كل‪" ،" . . .‬في كل‪. . ".‬‬
‫أمورهم بتسمية هللا‪ ،‬ال بالخبر عن عظمته وصفاته‪ ،‬كالذي‬
‫ِ‬ ‫إنما أ ُ ِمروا أن يبتدئوا عند فواتح‬
‫صيد‪ ،‬وعند ال َمطعم وال َمشرب‪ ،‬وسائر أفعالهم‪ .‬وكذلك الذي‬
‫أمروا به من التسمية على الذبائح وال َّ‬
‫ِ‬
‫أمروا به من تسميته عند افتتاح تالوة تنزيل هللا‪ ،‬وصدور رسائلهم وكتبهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫وال خالف بين الجميع من علماء األمة‪ ،‬أن قائال لو قال عند تذكيته بعض بهائم األنعام (‪)1‬‬
‫سنَّ له عند التذكية من‬
‫"باهلل"‪ ،‬ولم يقل "بسم هللا"‪ ،‬أنه مخالف ‪ -‬بتركه قِي َل‪" :‬بسم هللا" ما ُ‬
‫القول‪ .‬وقد عُلم بذلك أنه لم يُ ِر ْد بقوله "بسم هللا" "باهلل"‪ ،‬كما قال الزاعم أن اس َم هللا في قول‬
‫هللا‪" :‬بسم هللا الرحمن الرحيم" هو هللا‪ .‬ألن ذلك لو كان كما زعم‪ ،‬لوجب أن يكون القائل عند‬
‫سنَّ له من القول على الذبيحة‪ .‬وفي إجماع الجميع على أنّ قائ َل‬ ‫تذكيته ذبيحتَه "باهلل"‪ ،‬قائال ما ُ‬
‫سنَّ له من القول على ذبيحته ‪ -‬إ ْذ لم يقل "بسم هللا" ‪ -‬دلي ٌل واضح على فساد ما‬
‫ذلك تارك ما ُ‬
‫ادَّعى من التأويل في قول القائل‪" :‬بسم هللا"‪ ،‬أنه مراد به "باهلل"‪ ،‬وأن اسم هللا هو هللا‪.‬‬
‫وليس هذا الموضع من مواضع اإلكثار في اإلبانة عن االسم‪ :‬أ ُه َو المسمى‪ ،‬أ ْم ُ‬
‫غيره‪ ،‬أم هو صفة‬
‫له؟ فنطيل الكتاب به‪ ،‬وإنما هذا موضع من مواضع اإلبانة عن االسم المضاف إلى هللا‪ :‬أهو اس ٌم‪،‬‬
‫أم مصدر بمعنى التسمية (‪ )2‬؟‬

‫)‪(1‬التذكية‪ :‬النحر والذبح‪ .‬ذكيت الشاة تذكية‪ :‬ذبحتها‪.‬‬


‫)‪(2‬استجاد أبو جعفر رضي هللا عنه خير الرأي لحجته‪ .‬والذي كتبه قبل‪ ،‬وما يأتي بعد‪ ،‬من أقوم‬
‫ما قيل في شرح هذا الموضع الذي لجت فيه العقول واألقالم‪ .‬وبيان ما قال أبو جعفر‪ :‬إن قولك‬
‫"اسم" في "بسم هللا"‪ ،‬إنما هو اسم مصدر (أو اسم حدث) ‪ ،‬أي هو في األصل اسم لما تفعل من‬
‫تسميتك الشيء‪ ،‬مثل "الكالم" اسم حدث لما تفعل من التكليم‪ ،‬ومثل "العطاء" اسم حدث لما تفعل‬
‫من اإلعطاء‪ ،‬ومثل "الغسل"‪ ،‬اسم حدث لما تفعل من االغتسال‪ .‬وكأن أصله من قولك "سموت‬
‫الشيء سموا"‪ ،‬فأماتوا فعله الثالثي وبقي مصدره‪" ،‬سمو"‪ ،‬فحذفوا واوه المتطرفة‪ ،‬فصار "سم"‬
‫فأعاضوه منها ألفًا في أوله‪ ،‬فصار "اسم"‪ ،‬كما كان قولك‪" :‬كالم" من فعل ثالثي هو "كلم كال ًما"‪،‬‬
‫على مثال "ذهب ذهابًا"‪ ،‬فأماتوا الفعل الثالثي وبقي مصدره "كالم"‪ ،‬فجعلوه اسم حدث لما تفعل‬
‫من التكليم‪ ،‬ثم أخرجوا مصدر الرباعي على مخرج اسم هذا الحدث‪ ،‬فقالوا‪" :‬كلم يكلم كال ًما"‪،‬‬
‫بمعنى "كلم يكلم تكلي ًما‪".‬‬
‫مصدرا على مخرج اسم‬
‫ً‬ ‫فكذلك فعلوا في قولهم "سمى يسمى تسمية"‪ :‬أخرجوا لهذا الرباعي‬
‫الحدث وهو "اسم"‪ ،‬فقالوا‪" :‬سمى يسمى اس ًما"؛ بمعنى "سمى يسمى تسمية"‪ .‬فقولك "كالم"‬
‫صدِّرا على مخارج أسماء األحداث‪ .‬وإذن فالمضاف‬
‫بمعنى "تكليم" وقولك "اسم" بمعنى "تسمية" ُ‬
‫إلى اسمه تعالى في قولك "بسم هللا" وأشباهها‪ ،‬إنما هو مصدر صدر على مخرج اسم الحدث‪ ،‬وهو‬
‫اسم‪ ،‬من فعل رباعي هو "سمى يسمي"‪ ،‬فكان بمعنى مصدره وهو "تسمية"‪ .‬وهو في هذا المكان‬
‫وأمثاله بمعنى المصدر "تسمية"‪ ،‬ال بمعنى اسم الحدث لما تفعل من التسمية‪( .‬انظر‪،124 -123 :‬‬
‫كالم الطبري في "أله‪") .‬‬
‫وهذا الذي قاله أبو جعفر رضي هللا عنه أبرع ما قيل في شرح هذا الحرف من كالم العرب‪ .‬وقد‬
‫أحسن النظر وأدقه‪ ،‬حتى خفي على جلة العلماء الذين تكلموا في شرح معنى "اسم" في "بسم هللا"‬
‫وأشباهها‪ ،‬فأغفلوه إغفاال لخفائه ووعورة مأتاه‪ ،‬وإلفهم للكالم في الذي افتتحوه من القول في‬
‫"االسم"‪ ،‬أهو المسمى أم غيره‪ ،‬أم هو صفة له‪ ،‬وما رسمه وما حده؟ وهذا باب غير الذي نحن فيه‪،‬‬
‫صا‪ ،‬وهو أرجح اآلراء عندنا وأوالها بالتقديم‪،‬‬ ‫فخلطوا فيه خل ً‬
‫طا‪ ،‬فجاء الطبري فمحص الحق تمحي ً‬
‫لمن وفق لفهمه‪ ،‬كما يقول أبو جعفر غفر هللا له‪ .‬وسيذكر بعد من الحجة ما يزيد المعنى وضو ًحا‬
‫وبيانًا‪ .‬ولوال خوف اإلطالة‪ ،‬ألتيت بالشواهد على ترجيح قول الطبري الذي أغفلوه‪ ،‬على كل رأي‬
‫سبقه أو أتى بعده‪.‬‬

You might also like