You are on page 1of 7

‫مقدمة و طرح مشكلة ‪ :‬ان ما وصلت اليه النسانية من ازدهار و تطور و تقدم يرجع الي الرقي الكبير‬

‫الذي وصل اليه الفكر البشري بافضل الخاتراع و الباتكار وهو في السأاس يعود الي الباداع الذي يعني في‬
‫الصطلح الفلسأفة تأليف شيئ جديد من عناصر موجودة سأاباقا فهو القدرة العقلية المدعمة باالذكاء على‬
‫تركيب صور جديدة ‪ ،‬غير ان شروط الباداع اثارت موجة اخاتلفا باين الفلسأفة و مفكرين وتضارب‬
‫وجهات نظرهم فالبعض يرجعه الي شروط ذاتية نفسية و عقلية و البعض الخار يرجعه الي شروط‬
‫موضوعية اجتماعية ‪ :‬فأي الرأيين علي صواب ؟ وهل الباداع وليد عوامل نفسية ام اجتماعية ؟‬

‫محاولة حل مشكلة ‪:‬‬

‫) شروط الباداع نفسية وعقلية (‬ ‫الطروحة‪:‬‬

‫يري باعض الفلسأفة و المفكرين أمثال )بارغسون ‪ ،‬فرويد ‪ ،‬الغزالي ‪ ،‬ريبو ‪ ،‬وروني باواريل( ان الباداع‬
‫مرتبط باشروط نفسية و عقلية اي أنه يتوقف على عوامل ذاتية يتمتع باها المبدع‬

‫ودليلهم في ذلك ‪:‬‬

‫أن المبدع شخص يتمتع باعقل ناقد ورأي ثاقب وخايال خاصب وذكاء متميز و موهبة فائقة وعبقرية فذة‬
‫وعزيمة قوية وصبر و قدرة التحمل حيث يظهر حماسأا فياضا و اندفاعا قويا و ما يثبت دور حالت‬
‫الوجدانية النفعالية في عملية الباداع ان التاريخ يثبت على حد قول بارغسون " ان كبار العلماء و الفنانين‬
‫يبدعون وهم في حالة انفعال قوي " ويقول بايار جاني " ان اصرار المبدعين و المخترعين علي متاباعة‬
‫اعمالهم علي الرغم من معارضة المجتمع لهم اهم دليل علي ان الباداع يرجع الي الحالة النفسية التي يعيشها‬
‫المبدع او المخترع و شعوره باالرغبة الملحة في انجاز عمله " ذلك ان معطيات علم النفس كشفت ان‬
‫النفعالت و العواطف القوية تنشط المخيلة التي هي المسؤولة عن عملية الباداع و باالفعل فأروع الباداعات‬
‫الفنية و الفكرية تعبر عن حالت وجدانية فلقد اجتمعت عواطف المحبة و الحزن عن الخنساء فأبادعت في‬
‫رثاء و مثال ذلك ايضا اباداع مفدي زكريا في إلياذة الجزائر و هو في سأجن بارباروس فعبر عن سأخطه على‬
‫السأتعمار الفرنسي غاشم كما أن أرخاميدس )‪ 212-287‬ق‪.‬م( خارج من الحمام عاريا لشدة فرحه عندما‬
‫اكتشف قانون طفو الجسام و أخاذ يصرخ في شوارع أثينا وجدتها وجدتها‪ ،‬و قد رقص العالم البريطاني و‬
‫الفيزيائي دافي ) ‪ (1829-1778‬في مخبره عندما اكتشف البوتاسأيوم ان اسأتقراء حياة المبدعين في‬
‫مختلف الميادين يكشف ان هؤلء المبدعين انما يمتزون باخصائص نفسية و قدرات عقلية هيئتهم لوعي‬
‫المشاكل القائمة و ايجاد الحلول لها وهذا كلود بارنارد الذي لحظ أن باول الرانب صافي و حامض ‪،‬‬
‫وكان يعلم أن آكلت العشاب يكون باولها عكر وقاعديا ‪ ....‬ان هذا التناقض باين السأباب و النتائج ‪ ،‬وقع‬
‫كلورد بارنارد في مشكلة فعمل على تفسيرها و تحقيق من هذا للتفسير تجريبيا ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫كما يرى ريبوا ان ابادع المهندس الفرنسي للبندقية المتعددة الطلقات يعود الي تأثره العميق باالخطاب‬
‫عنيف لبيسماكس العدو اللدود للفرنسيين لهذا يرى الغزالي ان اللهام كا الضوء من سأراج الغيب يقع على‬
‫قلب صافا لطيف فارغ " وأكد عالم الطبيعة الفرنسي )جوس ( نفس الفكرة حيث قال ‪ " :‬وأخايرا ‪ ...‬نجحت‬
‫ل لنني باذلت جهودا مضنية ‪ ,‬ولكن باهبة من ال كأن إشراقا حدث فجأة وحل اللغز ‪ ".‬إذن اللهام لحظات‬
‫قصيرة تتفتق فيها عبقرية النسان عن إباداعات قد تحدث في لحظات مغايرة للمنطق فتكون أثرا ل يقاس‬
‫على مثال ‪.‬فقد ذكر أفلطون في محاورة ) أيون ( والتي تحدث فيها عن اللياذة وهوميروس ‪ " :‬إن الشاعر‬
‫كائن أثيري مقدس ‪ ,‬ذو جناحين ل يمكن أن يبتكر قبل أن يلهم ‪ ,‬فيفقد صواباه وعقله ‪ ,‬ومدام النسان‬
‫يحتفظ باعقله فانه ل يستطيع أن ينظم الشعر "‪ .‬و يقال أن )فاجنر ( سأمع في منامه اللحن السأاسأي الذي‬
‫يتردد في افتتاحية رائعته الموسأيقية ) ذهب الرين ( ‪ .‬ويحكى عن الشاعر النجليزي )كولردج ( أنه كان‬
‫يطالع ذات صباح فغلبه النعاس ثم أفاق من نومه وأخاذ يخط باسرعة قصيدته المشهورة ) كوبالخاان ( حتى‬
‫وصل إلى البيت ‪ 54‬منها ‪...‬ثم خامدت نار اللهام فكف عن الكتاباة وترك القصيدة ولم يعد لها قط ‪ .‬غير أن‬
‫الموهبة واللهام بادون عمل وجهد ل معنى لهما ‪ .‬فلقد عبر) باوانكريه ( عن اكتشافاته الرياضية باأنها بادت‬
‫له فجأة وفي مناسأبات لم يكن يفكر أثناءها في هذه الموضوعات لكن حدث هذا باعد جهود السنين الطوال‬
‫فتظهر له الحلول فجأة في صورة الهام غير متوقع لذلك قال ‪ " :‬إن الحظ يحالف النفس المهيأة " وكان‬
‫ابان سأينا كثيا ما يتوصل الي حل مسائل الصعبة في النوم او الصلة ‪ ،‬وهذا شاعر نزار قباني يصرخ في حوار‬
‫اذاعي ان كل ما كتبه من قصائد شعرية كان قوامها اللهام حيث يقول " ان القصيدة تكتبني ول اكتبها " ‪.‬‬
‫ويؤكد الفيلسوفا الفرنسي ) هنري بارغسون ( أن لعملية الباداع أصول نفسية عميقة ‪ ,‬وهي كثيرا ما تكون‬
‫مصحوباة بامظاهر انفعالية حادة إذ ذكر ‪ " :‬أن العظماء الذين يتخيلون الفروض ‪ ,‬و الباطال ‪ ,‬والقديسين‬
‫الذين يبدعون المفاهيم الخالقية ‪ ,‬ل يبدعونها في حالة جمود الدم ‪ ,‬وإنما يبدعون في جو حماسأي و تيار‬
‫ديناميكي تتلطم فيه الفكار " ‪ .‬و تذهب مدرسأة التحليل النفسي إلى بايان أن الباداع ظاهرة نفسية لشعورية‬
‫فقد اعتبر فرويد ان الباداع محاولة للتعبير عن المكبوتات و الرغبات الدفينة و الشباع الخيالي حيث قال "‬
‫ان الباداع مصدره الشعور ‪ ،‬انه تنفيس عن المكبوتات و ذكريات أليمة " ويقول ففرويد يرى أن التسامي هو‬
‫المسئول عن كل النجازات الحضارية التي قام باها النسان "ان الصراعات الجنسية الطفيلية و الرغبات‬
‫العدوانية التي تؤدي الي السلوك العصاباي لدى من يستطيعون حلها حل سأويا ‪ ،‬هي نفسها التي يحلها المبدع‬
‫عن طريق التسامي او العلء فينشأ عن ذلك اشكال النشاط الباداعي المختلفة " ويقول ديموسأييه " ل شيء‬
‫كألم العظيم يجعلنا عظماء ونحن مدينون لللم باأحسن اثار الفن و الباداع "‬

‫اضافة الي ان المبدع يتصف بادرجة عالية من الذكاء و العبقرية لن الذكاء يساعد المبدع على طرح‬
‫المشاكل طرح صحيحا ىو ايجاد الحلول الجديدة لها يقول روني باوريل " ان الخاتراع ل يتحقق في غياب‬
‫عقل قادر عليه و ان كانت البنيات الثقافية للمجتمع ملئمة مثال ذلك الرسأام اليطالي دافينشي كان‬
‫رياضيا و أدبايا و رسأاما في نفس الوقت كما ان الجانب الرادي فيتمثل في الرادة ) حاول ايديسون ‪1000‬‬
‫‪2‬‬
‫محاولة لخاتراع المصباح ‪ ،‬الصبر ) دافينشي اسأتغرق ‪ 4‬سأنوات لرسأم موناليزا ( و كذا الشجاعة و روح‬
‫المغامرة و يعطينا تاريخ العلم مثال على ذلك وهو غاليلي الذي كان يعلم ان كل من يخالف الكنيسة‬
‫سأيكون مصيره الموت رغم ذلك خاالفها فيما يتعلق باشكل الرض فكانت الكنيسة تقر باان الرض مستوية فيما‬
‫غاليلي رفض هذا العتقاد و اقر باان الرض كروية الشكل ولقد تعرض للسجن و التعذيب و حقيقة ل يمكن‬
‫ان ننكر اهمية العوامل النفسية في عملية الباداع ولكن قد تتوفر مختلف الفاعليات النفسية ال ان الباداع ل‬
‫يحدث لغياب الظروفا الجتماعية المؤلمة فهذا التجاه تجاهل اهمية العوامل النفسية وليس كل من يفعل‬
‫يبدع فالسواء العظم من الناس ال ما تهيجوا خالفوا ورائهم آآثار السلبية من شتم و تخريب ‪ ،‬بايارجاني‬
‫يصنف الهيجان باانه سألوك مخرب ومشوش علي مستوى الحسي و النفسي ليس كل ما باكيت يبدع فالكبت قد‬
‫يكون سأبل للعقد النفسية و النحرافا في السلوك كما ان الهام و القدرات العقلية و الصبر ليست متوفرة‬
‫عند جميع الناس وهو عدم تعجل النتائج فهناك من البحوث ما يستدعي وقت طويل حتي قيل " العبقرية‬
‫صبر طويل "و لنا في التاريخ السألمي نموذج على ذلك وهو المام البخاري الذي اسأتعرقت رحلته في‬
‫البحث عن الحاديث النبوية الشريفة ) نقد ‪ ،‬جمعا ‪،‬تمحيصا و تصنيفا ( ‪ 16‬سأنة و اخاراج كتاباه صحيح‬
‫البخاري الذي جمع الف حديث يقول "صنفت كتاباي الصحيح ل ‪ 16‬سأنة و اخارجته من ‪600‬الف حديث‬
‫وجعلته حجة قيما بايني و باين ال‬

‫ول يمكن انكار الجانب النفعالي الميل و الرغبة و الهتمام الشديد حيث رباط بارغسون الباداع باالنفعال قائل‬
‫" ان العلماء ‪ ....‬ل يبدعون في حالة جمود الدم بال في تيار نفسي ديناميكي "‬

‫النقد ‪:‬‬
‫صحيح أن العوامل الذاتية ل غنى عنها في الباداع لكنها ل تكفي وحدها في غياب محيط اجتماعي مناسأب لن‬
‫باعض المجتمعات تقتل روح الباداع و تحول دون تفتق المواهب و ظهورها و ما يثبت ذلك ظاهرة هجرة‬
‫الدمغة من الدول الفقيرة التي ل توفر لمبدعيها ما يحتاجونه الى الدول الغنية المتطورة التي تقدر المبدع‬
‫و تعطيه الولوية مقارنة باالفراد العاديين و خاير مثال على ذلك الرسأام الهولندي الشهير فان غوغ )‬
‫‪ Van Gogh (1890-1853‬الذي مات منتحرا و الحسرة تملئ قلبه لنه لم يستطع أن يكسب رضا النقاد‬
‫و لم يبع أي لوحة و هو حي حتى أن إحدى السيدات اشترت لوحة له باعد وفاته بافترة قصيرة لكي تسد باها‬
‫فجوة كانت في سأقف بايتها ثم باعدما بادأ الناس يقدرون أعماله الفنية‪-‬باعد فوات الوان‪ -‬نزعتها من السقف و‬
‫بااعتها باثرة طائلة تجاوزت المليين‪ .‬و المبدع أيضا مهما كان يملك من صفات ذاتية تدل على عبقريته فانه‬
‫يخضع رغما عنه لثقافة المجتمع الذي يعيش فيه و ما يحمله من قيم و مبادئ أخالقية تحدد نوع الباداع و‬
‫مجاله كما هو الحال مع فني الرسأم والنحت الذين دار حولهما جدال كبير باين علماء السألم باين محرم و‬
‫مباح جعل من وتيرة تطور هذين الفنيين متحفظة في المجتمعات السألمية مقارنة باما وصل إليه فن الرسأم‬
‫في أوروباا ‪ ،‬إضافة الى أن العوامل الذاتية التي ل تجد المناخ الجتماعي و الثقافي المناسأبين مصيرها الزوال‬

‫‪3‬‬
‫فهي تبقى مجرد طاقات كامنة في المبدع كالبذرة التي تذبال و تموت حين ل تجد الترباة الصالحة و‬
‫الرعاية الملئمة لنموها‪.‬‬

‫)شروط الباداع اجتماعية (‬ ‫نقيض الطروحة ‪:‬‬

‫في المقابال يرى علماء الجتماع و على رأسأهم الفرنسي دور كايم )‪ Durkheim (1917-1858‬أن‬
‫الباداع ظاهرة اجتماعية باالدرجة الولى و هي تقوم على ما يوفره المجتمع من شروط مادية و معنوية‬
‫للمبدع فالنسان حسبهم كائن اجتماعي باطبعه وأن جميع وظائفه العقلية و منها التخيل الباداعي ل تنمو إل‬
‫في المجتمع و أن الباداع يرتبط بادرجة نمو المجتمع و حاجاته فالمبدع يبدع لمجتمعه ل لنفسه ‪.‬‬

‫الحجج و البراهين‪:‬‬
‫فالباداع مظهر من مظاهر الحياة الجتماعية لنه يحدث إما لجلب منفعة أو دفع ضرر فالحاجة الجتماعية‬
‫هي التي تدفع الى الباداع حتى قيل ‪» :‬الحاجة أم الخاتراع « إذ تظهر الحاجة في شكل مشكلة اجتماعية‬
‫ملحة تتطلب حل فإباداع كارل ماركس )‪ (1883-1818‬لفكرة الشتراكية إنما هو حل لمشكلة طبقة‬
‫اجتماعية مهضومة الحقوق و هي الطبقة العمالية التي كانت خااضعة لقهر و ظلم الرأسأماليين‪ ،‬واكتشافا‬
‫العالم الفيزيائي و الرياضي اليطالي تورشيلي )‪ (1647-1608‬لقانون الضغط الجوي جاء كحل لمشكلة‬
‫زراعية و اجتماعية طرحها الفلحون عند تعذر ارتفاع الماء ﺇلى أكثر من ‪10.33‬م فقد شاعت فكرة‬
‫لرسأطو باين الناس تقول أن الطبيعة تخشى من الفراغ أي أن الطبيعة تمل الفراغ في كل الحوال ‪،‬و من‬
‫جهة أخارى سأجل تورشيلي ما لحظه سأقاؤوا فلورنسا) مدينة في ايطاليا ( في حيرة من أمرهم من أن الماء‬
‫ل يرتفع في المضخات الفارغة أكثر من ‪10.33‬م و أمام هذه الوضعية اضطر تورشيلي الى الفصل في‬
‫القضية فإما أن يأخاذ بافكرة أرسأطو و يرفض حادثة امتناع الماء عن الصعود في المضخات أو العكس فقد‬
‫حتم عليه الموقف دراسأة الظاهرة و تفسير طبيعتها و أثبت أن وجود قوة الضغط الجوي هي السبب في‬
‫تحديد ارتفاع الماء في النبوب فكلما كان الضغط أقوى كان ارتفاع الماء أعلى باالتالي وجد مخرجا لهذه‬
‫المشكلة الجتماعية‪ .‬ﺇن عملية الباداع ترتبط باحالة العلم و الثقافة السائدة في المجتمع فالبيئات الجتماعية‬
‫و الثقافية المتشاباهة تؤدي إلى ظهور نفس الباداعات و لعل هذا ما يفسر لنا تشاباه الخاتراعات و الباداعات‬
‫المعرفية في أوروباا في القرن الثامن عشر فقد اكتشف نيوتن النجليزي )‪ (1727-1642‬و ليبنتز‬
‫اللماني )‪ ( 1716-1646‬حساب اللنهائيات في الرياضيات في زمان واحد من غير أن يكون لحدهما صلة‬
‫باالخار‪ ،‬ونفس الحدث تقريبا وقع مع ريمان و هو عالم رياضي ألماني )‪ (1866-1826‬و العالم الرياضي‬
‫الروسأي لوبااتشيفسكي )‪ ( 1856-1793‬باخصوص إباداع هندسأات جديدة مخالفة لهندسأة إقليدس القديمة و‬
‫في ذلك يقول الفيلسوفا الفرنسي جاك بايكار ‪ »: Jacques Picard‬ل يمكن حصول كشف علمي أو‬
‫اخاتراع جديد إل إذا كانت حالة العلم نسمح باذلك‪ ،‬فإذا سأمحت حالة العلم باذلك تولد الخاتراع و نما‬
‫باالضرورة‪ ،‬و كثيرا ما يتوصل العلماء ﺇلى اخاتراعات واحدة في زمان واحد «‪.‬هذا من الناحية اليجاباية لدور‬
‫‪4‬‬
‫المجتمع منة خالل توفير شروط الباداع الملئمة‪ .‬أما ﺇن لم تكن شروط الباداع متوفرة في المجتمع فانه‬
‫لن يحصل و لن يتحقق و ما يثبت ذلك أنه من المحال و المستحيل أن يكتشف المصباح الكهرباائي في القرن‬
‫الساباع ميلدي لنه كاخاتراع يقوم على نظريات علمية فيزيائية لم تكن متوفرة و معروفة في ذلك الوقت‬
‫و لم يكن ممكنا اكتشافا الهندسأة التحليلية قبل عصر ديكارت لن الجبر و الهندسأة لم يبلغا من التطور ما‬
‫يسمح باالتركيب باينهما ثم ان العالم ماكسوال لم يكن ليكتشف الكهرو مغناطيسية و سأرعة انتشارها في‬
‫القرون الولي لن الجو لم يكن ملئما في تلك القرون ‪ ،‬كما ان اخاتلع التلغرافا ارتبط باثلثة علماء في‬
‫ان واحد دون ان يكون باينهم اي اتصال وهذا لتشاباه المجتمعات التي يعيشون فيها و لم يبدع شعراء كبار‬
‫مثل امرؤ القيس ‪،‬و زهير بان أباي سألمى‪ ،‬وعنترة بان شداد الشعر المسرحي في عصرهم لن المسرح كفن لم‬
‫يكن معروفا حينذاك و لنه يقوم على المسارح و هي باناءات كبيرة و العرب في الجاهلية كانوا يسكنون‬
‫الخيام و كانوا دائمي الترحال و التنقل ‪ ،‬وتعذر على المخترع الندلسي و العالم الفلكي عباس بان فرناس‬
‫)توفي سأنة ‪ 887‬م( الطيران لن ذلك يقوم على نظريات علمية لم تكتشف في ذلك العصر؛ فقد عمد عباس‬
‫بان فرناس الى تغطية جسمه باالريش كما مد له جناحين طار باهما في الجو مسافة باعيدة ثم سأقط فتأذى في‬
‫ظهره و نحن نعرفا الن في عصرنا أن عضلت النسان ل تكفي للقيام بامهمة الطيران‪ .‬كما أن التنافس باين‬
‫المجتمعات و سأعيها الى إثبات وجودها يجعل كل مجتمع يحفز أفراده على الباداع و يوفر لهم شروط‬
‫ذلك‪ ،‬فالتنافس العسكري باين الو‪.‬م‪.‬أ و التحاد السوفياتي سأاباقا أثناء الحرب الباردة أدى الى الباداع في‬
‫مجال التسلح و اخاتراع القنبلة النووية‪ ،‬ونفس الشيء في غزو الفضاء‪ ،‬و أيضا الياباان لم تكن شيئا يذكر باعد‬
‫الحرب العامية الثانية فقد خارجت منها مدمرة لكن تنافسها القتصادي مع الو‪.‬م‪.‬أ و أوروباا الغرباية جعل منها‬
‫قوة اقتصادية خالقة و مبدعة) صناعة السيارات؛ اللكترونيات؛ صناعة الرسأوم المتحركة…(‪ .‬يرتبط الباداع‬
‫أيضا باالتحفيز و التشجيع و المكافآت التي تقدمها الدول لمبدعيها حيث يكثر الباداع لدى الدول التي‬
‫تخصص ميزانيات ضخمة للبحث العلمي كالياباان؛ و الو‪.‬م‪.‬أ ؛و ألمانيا و ؛فرنسا ‪،‬فالوليات المتحدة‬
‫المريكية مثل تسخر المليير من الدولرات في باناء المخابار و تجهيزها بامختلف الوسأائل الحديثة و‬
‫المتطورة و التي تمكن علمائها من الكتشافا باالتالي الرقي و الزدهار للمجتمع المريكي‪ ،‬وما المستوى و‬
‫المكانة التي تحتلها في العالم ﺇل دليل على ذلك‪ .‬إضافة الى أن الشعراء في أزهى عصور الحضارة السألمية‬
‫كانوا يأخاذون ذهبا مقابال أشعارهم‪ .‬ﺇن البيئة الجتماعية ل تكتفي باحمل العلماء على الخاتراع فقط بال تهيؤ‬
‫لهم الحلول التي يجب أن يتبعوها و النماط التي يجب أن ينسجوا على منوالها أباحاثهم‪ ،‬فالمجتمع إذن ينظم‬
‫خايال المبدع لذا قال لكومب )فيلسوفا فرنسي من أصل بالجيكي توفي سأنة ‪ » :(1904‬ﺇن الخاتراع تنظيم‬
‫اجتماعي للتخيل التلقائي و غرض هذا التنظيم يلخص باأمرين ‪ :‬أولهما أنه يقيد العقل باهدفا اجتماعي فيفكر‬
‫العالم في نفع الجماعة و يفكر الفنان في إثارة عواطفها و إرضائها‪ ،‬و ثانيهما نقد التراكيب الجديدة التي‬
‫ولدها التفكير التلقائي و حذفا ما ل يتفق منها مع الهدافا الجتماعية «‪ .‬زيادة على أن كل عمل إباداعي و‬
‫فني إنما ينتج عن تأثير العرق و البيئة و الزمان حيث يقول الفيلسوفا الفرنسي تين )‪»: (1893-1828‬‬

‫‪5‬‬
‫ﺇن ﺇنتاجات الفكر البشري كانتاجات الطبيعة الحية‪ ،‬ل توضح ال باتأثير البيئة‪ ،‬ﺇنك ل تفهم أثرا فنيا أو‬
‫فنانا‪ ،‬أو جملة من الفنانين ﺇل ﺇذا تصورت منازع الفكر العامة و اتجاهات الخالق و العادات في زمانهم «‪.‬و‬
‫من الذين أيدوا وجهة النظر هذه نجد الفيلسوفا الفرنسي و عالم الجتماع ليفي باويل )‪(1939-1857‬‬
‫الذي اعتبر أن الدين و الخالق و العلم والفن آثار اجتماعية باالذات و أن كل تبدل في هذه الوضاع إنما‬
‫ينشأ عن تأثير التبدلت الجتماعية‪ ،‬فإباداع المثل الخالقية يتولد من الحوادث الجتماعية و الدليل على ذلك‬
‫أن القيم الخالقية الجديدة كالحرية و حقوق النسان قد تولدت في صدر المسيحية و السألم و عصر‬
‫النهضة و الثورة الفرنسية و الثورة الصناعية و غيرها من ثورات القرن التاسأع عشر و العشرين و ما ينطبق‬
‫على تولد المثل الخالقية ينطبق أيضا على تولد الخاتراعات فالعوامل التي تبعث عليها عوامل اجتماعية‪.‬‬

‫فالنسان حسب هذا الموقف ل يبدع ىمن العدم و انما يبدع انطلقا من ظروفا الجتماعية محيطة باه و التي‬
‫تمثل الطار الثقافي و الترباة الخصبة التي تنمو فييها الفكار الجديدة كما ان الحاجات الجتماعية تلعب دور‬
‫مهما في تحديد طبيعة الباداع لذلك قيل الحاجة ام الخاتراع " فانتشار داء الكلب او ما يعرفا باالجمرة‬
‫الحبيثة ادي الي عالم فرنسي لويس بااسأتور في اباتكار لقاح مضاد له ‪ .‬و يأكد دوركايم ان الباداع في اي‬
‫مجال علمي او تقني او فلسفي و فني يتوقف على درجة تطور الجتمع من جهة و على متطلباته من جهة‬
‫ثانية و مثال ذلك ان صناعة السألحة كانت بادافع الحاجة للدفاع عن النفس و كذلك الباداع يتأثر باحالة‬
‫العلم التقنية و الفلسفة و الفن فهي تطرح امام المبدع المشكلة طرحا اجتماعيا و تستفزه باإباداع و مثال‬
‫ذلك ان اخاتراع القنبلة الذرية يرجع الي التطور كبير الذي وصلت اليه الفيزياء الذرية‬

‫ان المجتمعات التي تشهد رقيا اقتصاديا يكون افرادها اكثر بانوغا و اباداعا علي اعتبار انها توفر الظروفا‬
‫الملئمة للمبدع ومن تلك تخصيص ميزانية للبحث العلمي ‪ ،‬تقدم التحضيرات مادية و المعنوية للمبدع و‬
‫توفير وسأائل الباداع هو باسمة المجتمعات المتطورة اقتصاديا مثل ‪ :‬وليات امريكية و الياباان و كندا باينما‬
‫دول العالم الثالث ل توفر الشروط للمبدع وهذا ما يجعله يتوجه نحو الغرب ) هجرة الدمغة ( فان ما‬
‫يصدق علي المجتمع يصدق على السأرة فهذه الخايرة التي توفر للفراد وسأائل الباداع مثل ‪ :‬اللعاب‬
‫التركيبية و للعاب اللغاز و مواقع و الحاسأوب و النترنات يكون الفرادها اكثر نبوغا و اباداعا‬

‫النقد ‪:‬‬
‫صحيح أن للبيئة الجتماعية أهمية كبيرة في توفير شروط الباداع‪ ،‬لكن الخاتراع الجديد كثيرا ما كان‬
‫ثورة على الوضاع القديمة و أن المجتمع كثيرا ما يكون عائقا أمام المبدع لن المجتمع نتيجة تأثير‬
‫العادات و التقاليد يكره كل تجديد و تبديل و المبدع باطبعه يحاول تجاوز الواقع حيث يقول العالم الفرنسي‬
‫لوروي )‪ »: Le Roy (1759-1686‬كل تركيب جديد يتولد من تحليل نقدي سأاباق «‪ ،‬فالناس ل‬
‫يرتاحون للجديد لنهم ألفوا القديم" ويقول لوروي أيضا‪ » :‬يتراءى للمعاصرين أن المخترع مصاب باالمس‪،‬‬

‫‪6‬‬
‫وذلك على قدر ما يخترع و على نسبة ما يحتاج ﺇلى تصورات ل وجود لها في الفكار المنتشرة في زمانه «‪،‬‬
‫و مما يلفت النظر أن مخترعي نظريات ما باعد الطبيعة يحشرون مع المجانين و أن المبدعين الجتماعيين‬
‫)في علم الجتماع( و الخالقيين يعدون ثوريين و فوضويين‪ ،‬و أن المبدعين في الفن يعتبرون غير متزنين‬
‫حتى أن العلماء أنفسهم ل يفهم كلمهم أحد عند إتيانهم باالفكار الجديدة فيتهمون بامخالفة نظرياتهم‬
‫للحس السليم و عدم معقوليتها و ما حدث لسقراط و غاليلي الذين قتلوا باسبب أفكارهم لخير مثال على‬
‫ذلك ‪ .‬و لو كان الباداع راجعا لعوامل اجتماعية فقط لكان كل الفراد الذين يعيشون في بايئة واحدة و‬
‫متشاباهة مبدعين و الواقع يكذب ذلك‪ ،‬ﺇذ كثيرا ما يظهر مبدعون في بايئات اجتماعية متخلفة و غير مناسأبة‬
‫و العكس قد يحصل أحيانا فدول الخليج رغم امتلكها اموال الطائلة ال ان افرادها ل يبدعون فقد تكون‬
‫الظروفا الجتماعية سأبيل للتحدي و الباداع و كما ان المجتمع قد تقف لعائق امام الفكار الجديدة و باقتل‬
‫روح المبادرة و الباداع‪.‬‬

‫التركيب ‪ :‬ان المبدع هو انتاج و محصلة التفاعل و التكامل باين النوعين من الشروط الولى نفسية ناباغة‬
‫من ذات الفرد و الثانية اجتماعية و مايحيط باه تتجاوز الفرد يقول كاسأتون باوتول " انه ل تفكير دون ذات‬
‫مفكرة ول اخاتراع دون مخترع " فعوامل الخاتراع يجب ان توجد كامل وظائف الفرد النفسية اذا ل يمكن‬
‫تصورها دون الحياة الجتماعية التي تعمل علي التعبير عنها وهذا ما عبر عنه ريبوا في قوله " مهما كان‬
‫الباداع فرديا ال ان له نصيبا اجتماعيا "‬

‫خااتمة ‪ :‬نستخلص عملية الباداع ل ترتبط باالشروط النفسية فقط و ل باعول الجتماعية ايضا و انما باهما‬
‫معا فحدوث اباداع مرتبط باتوفر عوامل نفسية و اجتماعية معا فإباداع النسان مرهون باقدرات النفسية و‬
‫العقلية التي يتميع باها الفرد و باالظروفا التي يوفرها المجتمع ‪.‬‬

‫‪7‬‬

You might also like