Professional Documents
Culture Documents
Chuch PDF
Chuch PDF
دار
ـر
يـم
مـ
مدخـل لتاريخ الفقـه وأصـولـه
لل�صف الثالث الثانوي
لهذا الكتاب قيمة مه ّمة وفائدة كبيرة فلنحافظ عليه ولنجـعـل نظافتـه ت�شـهـد على ح�سـن �سلوكـنا مـعـه...
�إذا لم نحتفظ بهذا الكتاب في مكتبتنا الخا�صـة في �آخـر العــام لال�ستفادة فلنجعـل مكتبة مدر�ستنا تحتفظ به...
حقوق الطبع والن�شر محفوظة لوزارة التربية والتعليم ـ المملكة العربية ال�سعودية
�إن الحـمــد هلل نـحـمــده ون�سـتـعـيـنه ،ونـعــوذ بـاهلل مـن �شــرور �أنـفـ�س ـنــا ومـن �سيـئــات �أعـمــالـنــا،
﴾ (�سورة الأعراف .)178 : ﴿
ون�شهد �أن ال �إله �إال اهلل وحده ال �شريك له ون�شهد �أن محمد ًا عبده ور�سوله �صلى اهلل عليه
وعلى �آله الطيبين و�أ�صحابه والتابعين � ...أما بعد :
فقد �أ�سند �إلينا ت�أليف كتاب في مدخل تاريخ الفقه و�أ�صوله ،وفق المنهج المقرر على طالبات
ال�صف الثالث من المرحلة الثانوية لمدار�س تحفيظ القر�آن الكريم ،وقد توخينا في هذا المنهج
عدة �أمور من �أهمها :
1ـ ـ ال�سهولة في العبارة بقدر الإمكان .
2ـ ـ الإيجاز المفيد في كل م�س�ألة نتعر�ض لبيانها .
3ـ ـ ذكر نماذج من الأ�سئلة عقب كل مبحث �أو ف�صل وذلك لتدريب الطالبات على
معرفة ما يوجه �إليهن ،ولكي ت�ستعين بها مد ِّر�سة المادة في عمل حوار بينها وبين
الطالبات.
ولقد راعينا من وراء هذه الدرا�سة تحقيق الأهداف التالية :
مي�سرة عن �أهمية الت�شريع و�أنه �أمر البد منه لحفظ كيان الجماعة
1ـ ـ �إعطاء الطالبة فكرة ّ
وحماية الأفراد وتحقيق العدالة والم�ساواة فيما بينهم .
2ـ ـ تعريف الطالبة بمبادئ تاريخ الت�شريع الإ�سالمي ومقا�صده والثمار المرجوة منه .
3ـ ـ �إعانة الطالبة على فهم القر�آن وال�سنة ومعرفة المنهج الحقيقي لكل منهما في بيان
الأحكام ال�شرعية.
4ـ ـ تمكين الطالبة من فهم مادة الفقه الإ�سالمي ومعرفة كيف يمكن التو�صل �إلى حكم
م�س�ألة م�ستحدثة تتطلب بيان حكمها ال�شرعي .
� – 5إعانة الطالبة على فهم ودرا�سة المواد الدينية مثل التف�سير والحديث والفقه وغير
ذلك من علوم ال�شريعة الإ�سالمية .
هذا ولما كان الت�شريع �سابق ًا في �أدواره يعتمد على الفقه ،كما �أن الفقه م�أخوذ من الت�شريع
وم�ستمد منه ،ر�أينا �أنه من المنا�سب �أن نقدم الحديث عن الت�شريع �أو ًال ثم عن الفقه ثاني ًا .
وندعو اهلل العلي القدير �أن ينفع به الجميع �إنه نعم المولى ونعم الن�صير .
الم�ؤلـفـون
.
الفصل الدراسي األول
الباب األول :
المبحث األول
الحـديـث عن :
تعريف تاريخ الت�شريع
ومعنى الت�شريع و�أهميته
والغر�ض من درا�سته
ون�ش�أته ،وتطوره ،و�أدواره
تـــاريخ الت�شـــريــــع
تاريـخ التشريـع :علم يبحث فيه عن أحوال التشريع في عصر الرسالة وأطوار الفقه فيما بعده من
العصور من حيث تعيين األزمنة التي أنشئ فيها ،ومصادره وطرقه ،وسلطته وما طرأ عليها وعن أحوال
المجتهدين وما كان لهم من شأن .
الراء» كالشرع ،مصدر شرع بتخفيف الراء المفتوحة.شرع « ،بتشديد ِ التشريـع في اللغـة :مصدر َّ
وفـي االصطالح الشرعـي :وضع القواعد وبيان النظم وإظهار األحكام التي تسير عليها األفراد
والجماعات .
فإن كان مصدر هذا التشريع هو الله سبحانه وتعالى بواسطة رسله وكتبه سمي شرع ًا أو تشريع ًا
إالهي ًا ،وإن كان مصدره الناس أفراد ًا كانوا أم جماعات سمي قانون ًا وضعي ًا .
التشريع أمر البد منه وذلك لحفظ كيان الجماعة وحماية األفراد باستقرار األمن وتحقيق العدالة
والمساواة بينهم ،فإن النفوس البشرية جبلت على حب الذات ،وقد قضت الفطرة التي فطر الله تعالى
الناس عليها منذ بدء الخليقة أن الفرد وحده ال ينهض بشؤون نفسه ،بل هو محتاج إلى معاونة بني
جنسه في تحصيل حاجاته وتكميل أسباب حياته من األمور التي يعجز هو عنها .
10
وبهذا كانت الحياة اإلنسانية حياة جماعية يسد كل فرد منها ثغرة في بناء المجتمع فتتكون من
مجهودات الجميع حياة سعيدة طيبة ينعم بها الجميع .
فلو ُترك الناس وشأنهم يستبد كل منهم برأيه تبع ًا لشهواته دون أن يكون هناك شرع يميز الخبيث
من الطيب ،وينظم العالقة فيما بينهم لفسدت حياتهم وعمت الفوضى فيهم ،وصارت حياة الفرد حياة
بهيمية وحياة الجماعة حياة شيطانية متمردة يموت فيها الحق وينهض فيها الباطل وتقوم األنانية مقام
المساواة لكل هذا كان البد من تشريع سماوي يضعه الحق تبارك وتعالى يحيط بكل ما يحتاجه الناس
في حياتهم وآخرتهم .
الغـرض من دراسـة تـاريـخ التشـريـع هـو معرفـة مبـادئـه وأهـدافـه ونتـائجـه كـي تتحـقـق
االستفـادة مـنـه .
11
ن�شـ�أة الت�شريــع -وتطور الفقــه و�أدواره
وهذا العهد يسمى عهد اإلنشاء والتكوين ،وقد بدأ من بعثة الرسول ﷺ وانتهى بوفاته ﷺ ،ومدة
هذا العهد لم تزد على ( )22سنة وبضعة أشهر ،ومع ذلك فقد كانت آثاره جليلة ألنه خ ّلف نصوص
األحكام في القرآن والسنة ،كما خلف مجموعة كبيرة من األصول التشريعية الكلية ،ووضع عدة مصادر
ودالئل يرجع إليها حين إرادة معرفة حكم واقعة ال نص على حكمها ،فهو بهذا خلف أسس التشريع
اإلسالمي الكامل .وقد كان هذا العهد فترتين :
الفترة الأولى :فترة وجود الرسول ﷺ بمكة ومدتها ( 12سنة) وبضعة أشهر من بعثته إلى هجرته،
وتميزت هذه الفترة بالدعوة إلى توحيد الله وتحويل وجوه الناس عن عبادة األوثان .
الفترة الثانية :هي مدة وجود الرسول ﷺ في المدينة وقدرها عشر سنوات تقريب ًا ،من هجرته
إلى وفاته .وتميزت هذه الفترة بعز اإلسالم وكثرة عدد المسلمين وتكوين أمة أصبح لها شأن بين
األمم ،كما تميزت بوجود التشريع العملي إلصالح حياة الناس ،وكانت مصادر التشريع في هذا
العهد القرآن والسنة .
ابتدأ هذا العهد بوفاة الرسول ﷺ سنة 11هـ وانتهى بوفاة الخليفة علي بن أبي طالب سنة 40هـ .وقد
تولي الفتيا التشريعية في هذا العصر العلماء من الصحابـة .ومصادر الفقه في هذا العهد ثالثة :القرآن
الكريم ،والسنة ،واجتهاد الصحابة رضي الله عنهم.
12
ثـالثـ ًا :الفـقــه فـي عهـد التـابعـيـن :
ابتدأ هذا العهد بوفاة الخليفة الرابع «علي بن أبي طالب » في شهر رمضان سنة 40هـ وانتهى
بأوائل القرن الثاني الهجري .
وقد تولى السلطة التشريعية في هذا العهد العلماء المبرزون من الصحابة وكبار التابعين وكانت
طريقتهم في الفتيا متمثلة في االقتصار على ما تدعو إليه الحاجة وعدم سبق الحوادث بالتشريع لها.
وتميز هذا العهد بأن التشريع فيه كان يصدر عن أفراد بخالف التشريع في عهد الصحابة رضي الله
عنهم ،فكان أغلبه يصدر عن جماعة ،كما تميز هذا العهد بكثرة الخالف في الفروع الفقهية ،وقد خلف
هذا العهد فتاوى مختلفة للصحابة وكبار التابعين .
وكانت مصادر الفقه في هذا العهد الكتاب والسنة واإلجماع واالجتهاد بالقياس أو بأي طريقة من
طرق االستنباط.
هذا العهد من أوائل القرن الثاني الهجري وانتهى في منتصف القرن الرابع الهجري ،فمدته تقريب ًا
مائتان وخمسون سنة هجريـة ،ويتميز هذا العهد بنشاط حركـة الفتيا وظهور المذاهب الفقهية .
وقد تولى الفتيا وغيرها في هذا العهد الفقهاء وكان أكثرهم في هذا العهد يقومون بتدريس العلوم
الشرعية ورواية الحديث ومنهم من ولي القضاء ،ومصادر التشريع في هذا العهد هي الكتاب والسنة
واإلجماع واالجتهاد بالقياس أو بأي طريقة من طرق االستنباط .
الطور الأول :وبدأ هذا العهد من منتصف القرن الرابع الهجري وانتهى في منتصف القرن السابع
الهجري ،ويتميز هذا العهد بظهور التقليد فيه بين الفقهاء ،فلم يوجد فيه مجتهد كأبي حنيفة واإلمام
مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأقرانهم.
13
وقد تولى الفتيا وغيرها في هذا العهد الفقهاء الكبار التابعون لألئمة السابقين في العهد الرابع
من عهود الفقه ،وذلك بتدريسهم كتب األئمة السابقين ،وإفتائهم فيما ينزل من الحوادث والقضاء
فيما يرفع إليهم من النوازل ،وكان ذلك واجب ًا عليهم ،ألنهم هم القادرون على تبليغ أحكام الشريعة
لقدرتهم على فهم كتب األئمة السابقين .
الطور الثـانــي :وقد ابتدأ هذا العهد من منتصف القرن السابع الهجري واستمر حتى اآلن.
ويتميز هذا العهد بأن غلب فيه التقليد لمذاهب األئمة األربعة رضي الله عنهم ،ولم يكن تقليد
هذه المذاهب بإلزام من أئمتها للناس بأن يتبعوها دون غيرها من المذاهب واستمر األمر على هذا
حتى عادت الحركة العلمية مرة ثانية بتوفيق الله ،ثم بجهود العلماء المخلصين الذين عملوا بمقاصد
التشريع اإلسالمي في تحقيق المصالح والمحافظة عليها وإثبات مسايرة الشريعة اإلسالمية لكل زمان
إلى أن يرث الله األرض ومن عليها .
14
�أدوار الت�شــريـــع والفقــــه
تنحصر أدوار التشريع اإلسالمي والفقه في خمسة أدوار هي :
1ـ ـ الدور الأول :وهو التشريع في عهد الرسول ﷺ وفي عهد الصحابة رضي الله عنهم .
2ـ ـ الدور الثاني :وهو دور تأسيس الفقه ويبدأ من سنة 41هـ حتى سنة 132هـ .
3ـ ـ الدور الثالث :وهو دور نهضة الفقه وتدوينه ،وجعله علم ًا مثل سائر العلوم وتأسيس المذاهب
وتدوين الحديث وفيه ظهر األئمة العظام أصحاب المذاهب المدونة ،أبو حنيفة ،ومالك،
والشافعي ،وأحمد رضي الله عنهم .
4ـ ـ الدور الرابع :وهو دور التقليد وسد باب االجتهاد وهذا بعد استقرار المذاهب الفقهية وفيه
عكف الناس على المذاهب األربعة المعروفة عند أهل السنة .
5ـ ـ الدور الخام�س :وهو دور اليقظة الفقهية وحركة اإلصالح الديني في الوقت الحاضر من أجل
فتح باب االجتهاد وإثبات أن الشريعة اإلسالمية صالحة لكل زمان ومكان إلى يوم القيامـة.
أسئـلــة
15
المبحث الثاني
16
ال�شـريـعـة الإ�ســالمـيــــة
تحتل الشريعة اإلسالمية مكانـة مرموقـة عالية بين الشرائع السمـاويـة األخرى ألنها جاءت وافيـة
بجمي�ع مطال�ب الحياة اإلنس�انية تس�د عوزها ،وتحق�ق لها أهداف العمران من ش�تى جوان�ب حياتها
االجتماعيـة واالقتصاديـة والسياس�يـة ،فاإلسلام عقيدة وعبادة وخلق وتشريع ،وحكم وقضاء ،وهو
علم وعمل ،فالشريعـة اإلسالمية ليست كبقية الشرائع السابقة ،ألنه إذا كانت الشرائع قاصرة على أقوام
معينين بمعنى أن شريعة كل نبي قاصرة على قومه ،خاصة في إصالح ما فسد من عقائدهم وأخالقهم،
17
والعمـ�ل على تهذيب نفوس�هم وأرواحهم ع�ن طريـق إرجاعهم إلى فطـ�رة التوحيـد وهي التـي فطر
اللـه الناس عليها ففطرهم على اإليمان بـه ،فالشريعة اإلسالمية ليست كذلك فهي شريعة عامة للناس
كافة وصالحة لكـل زمان ولكـل مكـان ولكل أنـاس ،قـال تعالى ﴿ :
﴾ (سورة األعراف اآليـة.)158 :
وقـد اكتسبت نصوص الشريعة اإلسالمية من المرونة والعموم ما جعل قواعدها صالحة لجميع
النـاس في كل العصور ،تساير عوامل النمو واالرتقاء وتقود الحضارة اإلنسانيـة إلى معالـم الحق
وسبل الرشاد ،ويكفي الشريعة اإلسالمية أن تكون خاتمة الشرائع السماوية ،فبها أتم الله علينا نعمته
﴾ وأكمل بها دينه حيث يقول ﴿ :
(سورة المائدة اآليـة .)3 :
إذا كان هذا هو شأن الشريعة مع بقية الشرائع السماوية وأنها تحتل تلك المكانة السامية ،فمن باب
أولى أن تحتل الصدارة واالرتقاء بالنسبة للقوانين الوضعية ويكفي في بيان تلك المكانـة أنها من عند
الله والقانون الوضعي من صنع البشر .
18
مميزات ال�شريعة الإ�سالمية وخ�صائ�صها
تمتاز الشريعة اإلسالمية بأنها جاءت من عند الله تبارك وتعالى وأنها خاتمة الشرائع السماوية ،كما
تمتاز بأنها وحي إلهي منزه عن الميل للنزوات واألهواء وهي تنزيل من حكيم حميد الذي يعلم أحوال
عباده ،وما يصلح معاشهم ومعادهم وما يكفل لهم الخير في الدنيا واآلخرة ،وكذلك تمتاز بأنها لم تأت
لقوم دون قوم ،بل أتت لكل الناس ولكل العصور .
ومن أهم خصائص الشريعة اإلسالمية أنها تتناول اإليمان بالله ورسوله وعالم الغيب وصلة العبد
بربه وسلوكه األخالقي وأنظمة الحياة كلها ،كما أن الشريعة اإلسالمية تنبثق من فكرة الحالل والحرام،
واإليمان بالدار اآلخرة وتربي الضمير اإلنساني كي يكون رقيب ًا على المسلم في السر والعلن فهي تقيم
من داخل النفس البشرية رقابة على تعاليمها األمر الذي يجعل المسلم يراعي هذه التعاليم ويحافظ
عليها في كل وقت حتى ولو كان في جوف الليل ،فإتباعه لها مستمر وقائم في كل وقت وحين .
أسئـلــة
1ـ ب ِّيني على ضوء ما درستيه مفهوم الشريعة اإلسالمية .
2ـ تحدثي عن مكانة الشريعة اإلسالمية بين الشرائع والقوانين الوضعية .
3ـ اذكري ما تعرفينه عن مميزات الشريعة اإلسالمية وخصائصها .
19
المبحث الثالث
20
م�صـادر الت�شـريـع الإ�سـالمــي
إن الكالم عن مصادر التشريع اإلسالمي يستوجب منا أن نتحدث عنها حسب عهود التشريع
اإلسالمية أي عهد الرسول ﷺ وعهد الصحابة وعهد التدوين وعهد التقليد .
ففي عهد الرسول ﷺ كان للتشريع مصدران ،الوحي اإللـهي واجتهاد الرسول نفسه ،فإذا حدث ما
يستوجب تشريع ًا ،أوحى الله تعالى إلى رسوله ﷺ بآية أو آيات فيها حكم ما أريد معرفة حكمه وبلغ
الرسول ما أوحي الله إليه وكان تشريع ًا واجب ًا اتباعه ،وإذا حدث ما يقتضي تشريع ًا ،ولم يوح الله إلى
تعرف الحكم وما أداه إليه اجتهاده قضى به
الرسول بآية أو آيات تبين الحكم اجتهد الرسول ﷺ في ّ
وعرفه للناس ،وكان ما صدر عن اجتهاده تشريع ًا واجب ًا اتباعه مع قانون الوحي اإللهي -والمتتبع آليات
َّ
القرآن الكريم يتضح له ذلك ،قال تعالى﴿ :
﴾ (سورة البقرة اآليـة .)219 :
كما أن المتتبع أحاديث األحكام وما رواه المحدثون من أسباب ورودها يتبين له ذلك أيض ًا ،فقد
روى أبو هريرة قال( :سأل رجل رسول الله ﷺ فقـال :يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا
القليل من الماء فإن توضأنـا بـه عطشنا أفنتوضأ بماء البحر ،فقال الرسول ﷺ « :هو الطهور مـاؤه
الحـل ميتتـه ») (رواه الخمسة وقال الترمذي حديث حسن صحيح) (.)1
فكل ما شرع من األحكام في عهد الرسول ﷺ كان مصدره الوحي اإللهي أو االجتهاد النبوي،
وكان صدوره نتيجة لحاجة تشريعية اقتضته وكانت وظيفة الرسول ﷺ بالنسبة لما شرع بالمصدر
﴾ (سورة المائدة اآليـة .)67 : األول تبليغه وتبيينه تنفيذ ًا لقوله تعالى﴿ :
( )1نيل األوطار ،جزء 1ص ،17 :باب طهورية ماء البحر.
21
﴾ (سورة النحل اآليـة .)44 : وقال تعالى ﴿ :
وبالنسبة لما صدر عن المصدر الثاني فتارة التعبير عن إلهام إلهي أي أن الرسول ﷺ إذا أخذ في
االجتهاد ألهمه الله حكم ما أراد معرفة حكمه ،وتارة عن طريق االستنباط واستمداد الحكم مما تهدى
إليه المصلحة ومقاصد التشريع .
واألحكام التشريعية التي يلهم الله بها الرسول أحكام إلهية دور الرسول فيها التعبير عنها بقوله أو
فعله ،أما األحكام االجتهادية التي لم يلهم بها رسوله ،بل صدرت عن بحث منه ونظر فهي أحكام نبوية
بمعانيها وعباراتها وهذه األحكام ال يقره الله عليها إال إذا كانت صواب ًا ،وأما إذا لم يوفق الرسول فيها
إلى الصواب فإن الله يرده إلى الصواب -ومثال ذلك حادث افتداء أسرى بدر الذي يبين الله لرسوله
الصواب فيه بقوله تعالى ﴿ :
﴾ (سورة األنفال االيـة .)67 :
فمن هذا نستنتج أن مصدر التشريع في عهد الرسول كان إلهي ًا كله .وفي عهد الصحابة -رضي الله
عنهم -كانت مصادر الفقه ثالثـة :القرآن الكريم -والسنة -واجتهاد الصحابـة .
فكانوا إذا عرضت حادثة أو وقعت خصومة ينظرون في كتاب الله تعالى أو ً
ال ،فإن وجدوا فيه نص ًا
على حكمها حكموا به ،وإن لم يجدوا في كتاب الله ،ذهبوا إلى سنة رسول الله ﷺ فإن وجدوا فيها
منشدهم وتبينوا الحكم فيها أمضوه وحكموا به ،وإن لم يجدوا في الكتاب أو السنة اجتهدوا في معرفة
حكمها واستنبطوه قياس ًا على ما ورد فيه النص أو بما تقتضيه روح التشريع ومصالح الناس .
أما بالنسبة لمصادر الفقه في عهد التدوين واألئمة المجتهدين فهي أربعة :القرآن الكريم -السنة -
اإلجماع -القياس؛ فإذا وقعت واقعة بحث عن حكمها في كتاب الله تعالى ،فإن وجد فيه نص يدل
على حكمها عمل به ،وإن لم يوجد بحث في السنة ،فإن وجد فيها نص يدل على حكمها حكم به
ووجب اتباعه ،وإن لم يكن هناك إجماع اجتهد فيها واستخرج الحكم الشرعي لها عن طريق القياس
فيلحق ما لم ينص على حكمه بما ورد فيه نص .
22
أما عن مصادر الفقه في عهد التقليد فالحقيقة أن مصادره تمثلت في أقوال األئمة السابقين وعباراتهم
ألنه نصوص الشارع ومبادؤه العامة ،ولعل السبب في ذلك هو فتور الهمم عن االجتهاد والرجوع إلى
المصادر السابقة ،القرآن والسنة واإلجماع والقياس .
أسئـلــة
س 1ـ تحدثي بإيجاز مفيد عن مصادر التشريع اإلسالمي في عهد الرسول ﷺ ومصادر
الفقـه في عهد الصحابة رضوان الله عليهم .
س 2ـ مـا هي مصادر الفقـه اإلسالمي في عهد التدويـن واألئمـة المجتهـدين وفي عهد
التقلـيـد؟
23
المبحث الرابـع
24
ن�ش�أة الفقه الإ�سالمي وتطوره ومميزاته
الفقـه في اللغة هو الفهم مطلـق ًا ،وفي اإلصـالح «العلم باألحكام الشرعـيـة العملـيـة المكتسـبـة
من األدلـة التفصيلية » (.)1
والفقه بهذا المعنى لم يكن موجود ًا قبل اإلسالم ،بل ما كان عند العرب قبل اإلسالم ما هو إال
مجموعة قليلة من الضوابط ال يطلق عليها مسمى الفقه اصطالحـ ًا .
فلمـا جـاء اإلسالم لـم يجـد لـدى األمـة العربيـة فقه ًا كـافيـ ًا سماويـ ًا وال وضعيـ ًا بل وجـدها
في ظلمـة الجهل بالحقـوق ،فأفـاض عليهـا نور التشريـع وهـذب األخـالق وصـان الحـقـوق
وحـررها ،فأصبحـت األمـة على علم بالفقـه اإلسالمـي المؤسس بالوحـي اإللهي المبين في آيات
القـرآن العظيم وسنـة النبي الكـريـم علـيـه أفضل صـالة وأتـم تسلـيـم قـال تعـالـى :
﴾ (سورة النحل اآليـة .)89 : ﴿
وما خرج أصحاب رسول الله ﷺ من جزيرة العرب فاتحين بالد الفرس والروم إال وهم فقهاء،
ومن هنا بدأ الفقه يتطور ،فبدأ بطور الطفولة وهو ما يسميه الكثير من المؤلفين «عصر التشريع» ثم تاله
الطور الثاني وهو «طور الشباب» عصر االجتهاد ،ففيه صار الفقه شاب ًا قوي ًا كام ً
ال سوي ًا ،حيث امتد
اإلسالم وكثرت الفتوحات ،وكثرت القضايا التي تحتاج إلى بيان ألحكامها الشرعية ،وظهر الفقهاء
المفتون والقضاة العادلون ،فصار للفقه مكان واعتبار حيث اجتهد الفقهاء واستنبطوا اآلراء ،وأسسوا
المبادئ وقعدوا القواعد ورووا السنن وفسروا القرآن فعمموا وخصصوا وأطلقوا وقيدوا ،وتوصلوا
إلى الكثير من األصول التي جعلوها علوم ًا وصناعات تحتاج إلى المزيد من الممارسات والمهارات
كي ينضبط بذلك الفقه.
25
وينتظم أمر االجتهاد الذي توقف عليه تقدم األمة وصون حقوقها ،وفي هذا الطور صار الفقه مدار
سياسة أهل هذا العصر وروح حياتهم .
وبعد ذلك انتقل الفقه إلى الطور الثالث وهو «طور الكهولة» وفي هذا الطور توقف الخط البياني
للفقه عن الصعود بمعنى أنه لم تضف إلى الفقه في هذا الطور أي إضافات جديدة بحركة االجتهاد ،إذ
أن حركته بدأت تضعف وأصبح الفقهاء يدورون في إطار المذاهب السابقة ويشمل هذا الطور القرنين
الهجريين الثالث والرابع .
وبعد هذا الطور انحدر الفقه إلى طوره الرابع وهو «طور الشيخوخة والهرم» وهذا العنوان يتحدث
عن مضمونه فهو ال يحتاج إلى بيان وتفصيل ،ألن الهمم قعدت عن االجتهاد واشتغل المثقفون بالقشور
عن اللباب ونقد أساليب الفقهاء فيه نقد ًا الذع ًا ،ومع كل هذا فيجب أال ننسى أنه رغم ما في هذه المرحلة
من جمود كانت توجد ومضات من نور وضياء تتمثل في بعض المصلحين من العباقرة الفقهاء الذين
كسروا هذا الجمود باجتهادهم وفكرهم الثاقب وبصيرتهم وعلمهم بعد توفيق الله وخرجوا بالفقه إلى
دوره الحقيقي في معالجة قضايا المجتمع وتحقيق مصالح الناس .
هذا وللفقه مميزات كثيرة �أهمها ما ي�أتي :
– 1أن الفقه اإلسالمي جامعة ورابطة لألمة اإلسالمية وهو حياتها تدوم بدوامه وتنعدم بعدمه،
وهو جزء ال يتجزأ من تاريخ حياة األمة اإلسالمية ،وهو مفخرة من مفاخرها حيث لم يكن ألي أمة من
األمم السابقة عليها مثله .
– 2الفقه اإلسالمي نظام عام للمجتمع البشري ال اإلسالمي فقط ،تام األحكام لم يدع شاردة وال
واردة ،وهو التشريع األساسي لدول اإلسالم واألمة اإلسالمية جمعاء .
– 3أن الفقه اإلسالمي أسس على روح العدل والمساواة واحترام الحقوق الخاصة والعامة والنظام
األمثل ،وقد اعتبر درء المفاسد مقدم ًا على جلب المصالح وسد الذرائع ،والمصالح المرسلة وال ضرر
وال ضرار ،وتقديم األهم على المهم وبنيت أحكامه على االعتدال ال إفراط وال تفريط ،كما أنه اعتبر
األعراف الصحيحة والعادات السليمة .
26
المــذاهــب الفقهــيـــة
ظهرت المذاهب الفقهية في العصر الرابع من عصور التشريع وهو الذي بدأ في أوائل القرن الثاني
الهجري وانتهى بمنتصف القرن الرابع الهجري ،وأشهر المذاهب التي ظهرت في هذا العصر ولها
أتباع دونوها وشرحوها وأخذوا بها وعملوا على نشرها :
– 1مذهب الحنفية .
– 2مذهب المالكية .
– 3مذهب ال�شافعية .
– 4مذهب الحنابلة .
27
1ـــ مـذهـب الحـنـفـيــة
ينسب هذا المذهب إلى اإلمام أبي حنيفة النعمان ،وقد نشأ هذا المذهب في الكوفة ،ثم
تدارسه العلماء في بغداد ،ثم انتشر بعد ذلك في أكثر البالد اإلسالمية ،فدخل مصر والشام ،والهند،
وباكستان وتركيا ووسط آسيا والصين واألفغان ،وأول من أدخله مصر القاضي الحنفي إسماعيل
ابن اليسع الكوفي حين ولي قضاء مصر في عهد المهدي ،وانتشر المذهب ألن أبا يوسف صاحب
أبي حنيفة قد ولي القضاء في عهد الرشيد ،ألنه كان ال يتم تولية أي قاضي في بالد العراق والشام
ومصر ،وغيرها من البالد إلى أقصى بالد أفريقية ،إال من أشار بـه أبو يوسف وكان على مذهبه،
فاضطر العامة إلى تعرف أحكام القضاء وفتاوى أهل الرأي من علماء المذهب الحنفي ،وبهذا انتشر
المذهب انتشار ًا عظيم ًا .
األصول التي استمد منها اإلمام أبو حنيفة مذهبه سبعة هـي :
3ـ أقوال الصحابـة 4 .ـ اإلجماع . 2ـ السنـة. 1ـ القرآن الكريم .
7ـ العــرف. 6ـ االستحسـان . 5ـ القيـاس .
هذه هي األصول التي اعتمد عليها اإلمام أبو حنيفة في استنباطه لألحكام أما قواعد مذهبه ما قاله
اإلمام أبو حنيفة عن نفسه ( :إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته ،فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسوله ﷺ
واآلثار الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات ،فإذا لم أجد في كتاب الله وال سنة رسوله ﷺ أخذت
بقول أصحابه من شئت وأترك قول من شئت ثم ال أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم ،فإذا انتهى األمر على
إبراهيم النخعي وعامر الشعبي وسعيد بن المسيب -وعدد منهم رجا ًال ،فلي أن اجتهد كما اجتهدوا) (.)1
( )1الفكـر السامي في تاريخ الفقـه اإلسالمي جزء 1ص .354
28
�أ�شهر الكتب التي �ألفت في مذهب الحنفية :
1ـ ـ كتـاب الخـراج :كتبه أبو يوسف صاحب أبي حنيفة للرشيد في مالية الدولة فبين فيه المصادر
المالية للدولة .
2ـ ـ كتاب اختالف �أبي حنيفة وابن �أبي ليلى :وهو ألبي يوسف أيض ًا وجمع فيه مسائل اختلف فيها
أبو حنيفة مع ابن أبي ليلى وكان ينتصر ألبي حنيفة في أغلبها.
3ـ ـ كتاب المب�سوط :وهذا الكتاب ألفـه محمد بن الحسـن وفيـه جمـع المسائـل التي أفتى فيها
اإلمام أبـو حنيفة .ثم ذكر المسائل التي خالـف فيهـا أبو حنيفة أبا يوسف وطوائـف من المسائل
التي ليس فيها خالف.
4ـ ـ كتاب الجامع ال�صغير :لمحمـد بن الحسن ،وجمـع فيـه المسائل التي رواها عن أبي يوسف
عـن أبي حنيفة .
5ـ ـ كتاب الجامع الكبير :لـه أيض ًا ،وفيه جمع المسائل التي رواها عن أبي يوسف عن أبي حنيفة،
وزاد عليها ما تلقاه من سائر فقهاء العراق.
6ـ ـ كتاب الكافي في فروع الحنفية :تأليف الحاكم أبي الفضل محمد بن أحمد المروزي وهو
مؤلف مختصر يتضمن معاني كتب محمد بن الحسن رحمه الله وحذف المكرر من مسائله
ترغيب ًا للمقتبسين .
7ـ ـ كتاب مخت�صر القدوري في فروع الحنفيـة :تألـيف أبـي الحسين أحمد بـن محمـد القدوري
البغـدادي الحنفي ،ويعتبر هـذا الكتاب أول المتـون األربعـة المعتمـدة في المـذهب الحنفي
عند المتأخرين.
8ـ ـ كتاب بدائع ال�صنائع في ترتيب ال�شرائع :تـأليف عالء الدين أبي بكـر الكاساني وهـذا الكتاب
من الفقه الحنفـي الذي يهتم بعرض مسائـل الفـروع الفقهية وذكـر الخـالف فيها بين الفقهاء
األحناف وغيرهم من فقهاء المذاهب األخرى واالستدالل لكل مذهب بطريقـة موجـزة ،ثم
يرجح واحـد ًا منها.
29
9ـ ـ كتاب البداية في الفقه :تأليف أبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل بن برهان الدين
المرغيناني الرشداني ،وفيه جمع مؤلفه مسائل القدوري والجامع الصغير لمحمد بن الحسن
وشرحهما في نحو ثمانين مجلد ًا وسماه كفاية المنتهى .
10ـ ـ كتاب الهداية :ومؤلفه هو صاحب كتاب البدايـة في الفقـه ،وفيـه شرح المؤلف كتاب البدايـة
السابق ذكره .
11ـ ـ كتاب فتح القدير :تأليف الكمال بن الهمام محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود
السيراسي -وهو من أكبر شروح الهداية وأوسعها ،وهو غزير في مادته العلمية ،كما أنه ليس
بالمعقد في تراكيبه .
2ـ ـ النوادر :وهي المسائل التي تضمنتها غير كتب ظاهر الرواية لمحمد بن الحسن وغيره
من أصحاب أبي حنيفة ،وهذا القسم أقل في المرتبة من القسم األول ،ولذا لو تعارضت
األصول والنوادر في حكم مسألة يؤخذ برواية األصول ألنها هي المعتبرة أص ً
ال للمذهب
وهي أقوى سند ًا.
3ـ ـ الفتاوى في الواقعات :وهي مسائل استنبطها المجتهدون المتأخرون فيما سئلوا عنه من
مسائل واقعة لم يجدوا فيها رواية ألهل المذهب المتقدمين وهذا القسم أنزل من األصول
والنوادر ألن األصول والنوادر أقوال أصحاب المذهب ،أما الفتاوى فهي تخريج على
أقوالهم.
30
2ـــ مـذهـب المــالكـيــة
ينسب هـذا المـذهـب إلى اإلمام مالك بن أنس بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن عثمان بن
جثيل بن عمرو بن الحارث وكنيته أبو عبد الله وهو من قبيلة حمير من اليمن ،وينسب إليها .
وقد نشأ هذا المذهب بالمدينة ،ثم نقله أصحابه إلى أمصار اإلسالم ،ثم نقله عنهم غيرهم ممن
تلقاه من العلماء ،وبهذا أخذ هذا المذهب في االنتشار حتى غلب في مصر وأفريقيا واألندلس
والمغرب األقصى ،كما غلب على البصرة وبغداد وغيرهما من بالد المشرق وإن كان قد ضعف
أمره في بعضها بعد ذلك وأول من أدخل فقه اإلمام مالك إلى مصر ،عثمان بن الحكم الجذامي،
وعبدالرحيم بن خالد بن يحيى ،واستمرت شهرة هذا المذهب بمصر حتى قدم إليها الشافعي ويعد
زياد بن عبد الرحمن أول من أدخل المذهب إلى األندلس ،وبقي المذهب غالب ًا على بالد المغرب
األقصى وال يزال كذلك حتى اليوم .
31
وحقيقة القول في بيان قواعد هذا المذهب :أن قواعد المذهب تفرعت عن هذه األصول واإلمام
مالك لم ينص على كل قاعدة ،وإنما ذلك مأخوذ من طريقته وطريقة أصحابه في االستنباط .
1ـ ـ كتاب الموط�أ :وهذا الكتاب ألفه اإلمام مالك بنفسه وهو أول كتاب دون في الفقه والحديث.
2ـ ـ كتـاب المدونة :وهذا الكتاب صنفه سحنون التنوخي وراجعه علي بن القاسم وفي هذا الكتاب
والمخرجة على أصوله ،وبعض آراء الصحابة وبعض
ّ جمعت آراء اإلمام مالك المروية عنه،
اآلثار واألحاديث التي وردت في مسائل الفقه المالكي .
3ـ ـ كتاب الوا�ضحة :لعبد الملك بن حبيب ،وهذا الكتاب يعتبره بعض الناس أص ً
ال ثابت ًا للفقه
المالكي بعد المدونة.
4ـ ـ كتاب الموازنـة :لمحمد بن إبراهيم بن زياد االسكندري المعروف « بابن المواز » وقد بين فيه
كيفية بناء الفروع الفقهية التي ذكرها أصحاب المذهب على أصولهم .
5ـ ـ كتاب المخت�صر في الفقه المالكي :تأليف العالمة الشيخ خليل بن إسحاق المالكي وهو كتاب
لمسائل المذهب في أسلوب وجيز محكم اشتغل به العلماء تدريس ًا وتأليف ًا .
6ـ ـ كتاب مواهب الجليل ل�شرح مخت�صر ال�شيخ خليل :تأليف أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن
المكي المعروف بالخطاب ،وفيه شرح المؤلف مختصر الشيخ خليل وتكلم عن جميع مسائله
مع ذكر ما تحتاج إليه كل مسألة من تقييدات وفروع مناسبة وتتمات مفيدة من ضبط وغيره .
7ـ ـ ال�شرح الكبير على مخت�صر �سيدي خليل :تأليف أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي
المالكي الخلوي الشهير بالدردير ،وفيه شرح مؤلفه مختصر خليل شرح ًا موجز ًا ،اقتصر فيه
مؤلفه على حل غامضه ،وتقييد مطلقه ،كما ألزم نفسه بذكر المعتمد من أقوال المذهب.
32
8ـ ـ حا�شية الد�سوقي على ال�شرح الكبير :تأليف محمد بن أحمد بن عرقة الدسوقي ذكر مؤلفه أنها
تقييدات على شرح الشيخ أحمد الدردير وأنه اقتبسها من كتب األئمة السابقين .
9ـ ـ المجموع الفقهي في مذهب الإمام مالك :تأليف محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر بن
عبد العزيز المعروف باألمير .
وفيه راعـى المـؤلف تدوين المفتى به من اآلراء ،عند المتأخرين سواء في ذلك المشهور وما
جرى بـه العمل.
33
3ـــ مـذهـب ال�شــافـعـيــة
ينسب هذا المذهب إلى اإلمام الشافعي وقد نشأ مذهب الشافعية في الحجاز ،وانتشر في
العراق ومصر والشام ،ومرو ،واسفراين ،وخراسان ،وقد نشره اإلمام الشافعي بنفسه في الحجاز
والعراق ،ومصر بتدريسه ،ونشر كتبه فيها ،وقام أصحابه من بعده بتدريسه والتأليف فيه ،وهو اآلن
غالب في القطر المصري ،ماعدا بالد الصعيد ،وغالب على بالد فلسطين ،وبالد الكرد ،وأرمينية،
وأكثر أهل السنة من أهل فارس شافعية ،ومسلموا جزية سيالن ،وجزائر الفلبين وما جاورها من
الجزائر والهند الصينية وأستراليا والسنيون في اليمن وعدن كلهم شافعية عدا عدن فإن بها بعض ًا
من الحنفية ،وهذا المذهب يلي مذهب الحنفية في االنتشار ببالد العراق ويتبعه في الهند نحو
مليون مسلم .
األصول التي اعتمد عليها اإلمام الشافعي في فقهه أربعـة وهي :
1ـ القـرآن الكريـم .
2ـ السـنـة .
3ـ اإلجـمـاع .
4ـ القـيـاس .
وقد ترك اإلمام الشافعي االستحسان الذي قال به الحنفية والمالكية وأنكر االحتجاج به وقال «من
شرع» كما رد المصالح وأنكر االحتجاج بعمل أهل المدينة. استحسن فقد ّ
وفي بيان قواعد هذا المذهب ذكر الشافعي في كتابه األم ما نصه « :األصل قرآن وسنة ،فإن لم
يكن فقياس عليهما ،وإذا تصل الحديث عن رسول الله ﷺ وصح اإلسناد منه فهو سنة ،واإلجماع
34
أكبر من الخبر المفرد ،والحديث على ظاهره ،وإذا احتمل المعاني مما أشبه منها ظاهره أوالها به،
وإذا تكافأت األحاديث فأفصحها إسناد ًا أواله ًا ،وليس المنقطع بشيء ماعدا منقطع ابن المسيب،
وال يقاس على أصل وال يقال لألصل لم وكيف وإنما يقال للفرع لم فإذا صح قياسه على األصل
صح وقامت به الحجة» فمن هذا النص يتبين لنا أن القرآن والسنة عند اإلمام الشافعي في التشريع
سواء ويليهما اإلجماع ثم القياس .
1ـ ـ كتاب الحجة :أمـاله اإلمام الشافعي على تالميـذه بالعـراق ويطلق على مسائـله أنها مذهب
الشافعـي القديـم (.)1
2ـ ـ كتاب الأم :أمـاله اإلمام الشافعـي عـلى تالميذه بمصر وتمثل مسائـل هذا الكتاب مذهب
الشافعـي الجديد (.)2
3ـ ـ كتاب الر�سالة في �أ�صول الفقه :وهو أول كتاب ظهر في أصول الفقه يتناولها مستقلة عن الفروع
الفقهية -حتى نسب إلى الشافعي -أنـه الواضع ألصول الفقه .
4ـ ـ كتاب المهذب :تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ،ويعتبر هذا الكتاب من
أهم كتب الشافعية .
5ـ ـ كتاب التنبيه في فروع ال�شافعية :للمؤلف السابق وهو الشيرازي وهو من الكتب الخمسة
المشهورة المتداولة بين الشافعية .
6ـ ـ كتاب الب�سيط في فروع المذاهب :لحجة اإلسالم أبي حامد الغزالي .
7ـ ـ كتاب فتح العزيز في �شرح الوجيز :تأليف أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي ،وفيه شرح
مؤلفه كتاب الوجيز للغزالي .
35
8ـ ـ كتاب منهاج الطالبين :تأليف أبي زكريا محي الدين يحيى بن شرف النووي ،وهذا الكتاب
اختصار لكتاب المحرر ،الذي ألفه الرافعي ،ويمتاز بما تضمنه من التنبيه على قيود بعض
المسائل محذوفة عن األصل .
9ـ ـ كتاب تحفة المحتاج ل�شرح المنهاج :تأليف أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي ،وفي هذا
الكتاب يستمد مؤلفـه كثير ًا من حاشية شيخه عبد الحق في شرح المنهاج للجالل المحلي .
10ـ ـ كتاب نهاية المحتاج في �شرح المنهاج :تأليف شمس الدين الجمال ،محمد بن أحمد بن
حمزة الرملي ،ولقد اشتهر هذا الكتاب عن المتأخرين ونال من الثقة والتقدير ما جعله المعتمد
المتفرد في المذهب .
36
4ـــ مـذهـب الحنــابـلـــة
ينسب هذا المذهب إلى اإلمام أحمد بن حنبل ،وقد نشأ هذا المذهب ببغداد موطن اإلمام أحمد بن
حنبل ،ثم انتقل إلى غيرها من البالد ،وقد كثر أتباعه ببغداد في القرن الرابع ،وظهر هذا المذهب بمصر
وهو أظهر ما يكون في نجد ،وهو الغالب على الحجاز ،مع مذهب الشافعية والنجديون هم الذين
نقلوا مذهب اإلمام أحمد إلى الحرمين الشريفين ،وإلى سائر ربوع الحجاز ،ودخل المذهب فلسطين،
ودخل الشام وغيرها من بالد المسلمين شأنـه في ذلك شأن المذاهب السابقة .
األصول التي اعتمد عليها اإلمام أحمد بن حنبل وجعلها قواعد في بناء مذهبه تتمثل في اآلتي :
1ـ القـرآن الكريم .
2ـ السنـة .
3ـ فتـاوى الصحابـة رضي الله عنهم .
4ـ اإلجـمـاع .
5ـ القـيـاس .
6ـ االستصحاب .
7ـ المصالـح المرسلـة .
8ـ ســد الذرائـع .
37
�أهـم الكتب التي �ألفت في هـذا المـذهـب :
اشتهر عن اإلمام أحمد أنه كان يكره أن يدون عنه تالمذته غير الحديث ،مخافة أن يشتغلوا بآرائه
ال يؤخذ منه مذهبه ،ولكن وفتاويه عن حديث الرسول ﷺ ،ولذلك لم يصنف كتاب ًا في الفقه يعد أص ً
شهرة اإلمام أحمد خاصة بعد محنته في القول بخلق القرآن -دعت إلى نشر آرائـه والتصنيف فيها،
وأشهر ما صنف في الفقه على مذهب اإلمام أحمد كتابان جليالن هما :
1ـ ـ كتاب الجامع الكبير :صنفه أبو بكر الخالل أحمد بن محمد بن هارون ،وذلك بعد أن جمعه
عن أصحاب اإلمام أحمد .
2ـ ـ كتاب مخت�صر الخرقي :ألفه عمر بن الحسين الخرقي ،وهذا المختصر أشهر كتاب في فقه الحنابلة
-ولذلك تناوله العلماء بالشرح والتعليق عليه -حتى أصبح له أكثر من ثالث مئة شرح.
وهناك كتب أخرى كثيرة وهي أكبر من أن تحصى إال أننا اقتصرنا على ذكر األشهر منها فقط لمناسبة
المقام الذي نتحدث فيه .
3ـ ـ كتاب �شرح الخرقي :تأليف القاضي أبي يعلى محمد بن الحسن بن الفراء البغدادي ،وفيه يذكر
المؤلف المسألة من الخرقي ،ثم يذكر من خالف فيها ثم يقول ودليلنا ،فيفيض في إقامة الدليل
من الكتاب والسنة والقياس على طريقة الجدل ،وهذا تحقيق لما هو في المتن من مسائل مع
ذكر األدلة ومذاهب المخالفين فيها .
4ـ ـ كتاب الهداية :تأليف أبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوزاني ،وفيه يذكر المؤلف المسائل
الفقهية والروايات عن اإلمام أحمد .
5ـ ـ كتاب المقنع :تأليف موفق الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة وقد اجتهد
المؤلف في جمع هذا الكتاب وترتيبه وإيجازه وتقريبه وهو وسط بين القصير والطويل .
6ـ ـ كتاب العمدة :البن قدامة هو كتاب مختصر في الفقه وجرى فيه المؤلف على ذكر قول واحد
مما اختاره من أقوال اإلمام أحمد وهو سهل العبارة يصلح للمبتدئين .
38
7ـ ـ كتاب المغني :البن قدامة وفيه شرح مسائل الخرقي وأوفاه في عشر مجلدات وهو من الكتب
التي يعتمد عليها اعتماد ًا أصي ً
ال في مذهب الحنابلة.
8ـ ـ كتاب ال�شافي « ال�شرح الكبير » :تأليف عبد الرحمن بن اإلمام أبي عمرو محمد بن أحمد بن
قدامة المقـدسـي ،وفيـه شرح المؤلف كتـاب المقنـع ،كما ذكر أنـه اعتمد في جمعه على
كتـاب المغني.
9ـ كتاب الإقناع في فقه الإمام �أحمد بن حنبل :تأليف موسى بـن أحمد بن موسى بن سـالم بن
عيسى بن سالم الحجـاوي المقـدسي ،وهو ثانـي الكتب المعتمدة في المذهب عند متأخري
الحنابلة .
10ـ ـ كتاب �شرح منتهى الإرادات :تأليف منصور بن يونس بن إدريس البهوتي ،وهو شرح لكتاب
منتهى اإلرادات جمع المقنع مع التنقيح وزيادات للفتوحي المشهور بابن النجار ،ويمتاز هذا
الكتاب بالعرض المفصل والتدليل والتعليل لما يذكره من مسائل في أسلوب سهل مبسط
خال من التعقيد.
أسئـلــة
س : 1تحدثي بإيجاز مفيد عن نشأة الفقه اإلسالمي وتطوره .
س :2للفقه اإلسالمي مميزات كثيرة ،فما هي ؟
س : 3اذكري ما تعرفينه عن مذهب الحنفية مع بيان أصول هذا المذهب وأشهر الكتب المؤلفة فيه.
س : 4بيني مذهب المالكية وأهم مصادره ،وأماكن انتشاره .وأهم مؤلفاته .
س :5لمن ينسب مذهب الشافعية ؟ وما أهم مصادره؟ وفي أي البقاع غلب انتشاره؟ ولماذا؟
س :6لمن ينسب مذهب الحنابلة ؟ وما هي األصول التي اعتمد عليها هذا المذهب؟ وفي أي
األماكن انتشر هذا المذهب؟ وما أهم الكتب المؤلفة فيه؟
39
المبحث الخامس
40
�أ�سباب االختالف بين المذاهب الفقهية
يجب أن نعلم أن اختالف اآلراء ظاهرة طبيعية نتيجة اختالف األغراض والطبائع ،وهذا واضح في
عادات الناس وأعرافهم ،وكل أمر يستقل به اإلنسان يظهر فيه االختالف وهذا ما سلمت منه الشريعة
اإلسالمية في أصولها عامة ،عقائد ،وعبادات ،ومعامالت.
كما يجب أن نعلم أن ما حدث من اختالف بين المذاهب راجع للمجتهدين واختالف أنظارهم
وتطبيقهم النصوص على الوقائع .
وفيما يلي بيان ألهم أسباب االختالف بين الفقهاء :
فـقد تـرد عن الرسول ﷺ قـراءات بطرق متواترة ،فيكون ورودها سبب ًا لالختالف في األحكام
المستنبطة ،فمن ذلك المثال التالي :قال تعالى﴿ :
﴾ (سورة النساء اآليـة .)43 :
قرأ حمزة والكسائي (أو لمستم) بغير ألف( )1وقرأ الباقون «أو لـمستم» بألف فكان اختالف القراءة
سبب ًا في االختالف بين الفقهاء هل هو الجماع أو اللمس باليد فقد روى ابن جرير الطبري رحمه الله
تعالى عن طائفة أنه الجماع وروى عن آخرين أنه اللمس باليد ( )2فمن قرأ «لـمستم» بألف قال :إنـه
الجماع ومن قرأ «أو لمستم» بغير ألف قال :إنـه اللمس باليد .
( )1الكشف عن وجوه القراءات السبع :لمكي بن أبي طالب ج ، 1ص .392-391
( )2انظري تفسير الطبري جـ ،8ص 389وما بعدها.
41
ال�سبب الثاني :عدم االطالع على الحديث :
لم يكن الصحابة رضي الله عنهم على درجة واحدة من االطالع على سنة رسول الله ﷺ من قول
أو فعل ،بل كانوا على درجات متفاوتـة وكان لهذا التفاوت في االطالع على الحديث أثر كبير في
االختالف في كثير من المسائل الفقهية ،نذكر منها مثا ً
ال واحد ًا وهو :عدة الحامل المتوفى عنها زوجها
:فلقد كان علي وابن عباس وغيرهما يفتون بأن المتوفي عنها زوجها إذا كانت حام ً
ال فعدتها أبعد
األجلين عم ً
ال بالعموم الوارد في اآليتين الكريمتين :قوله تعالى ﴿ :
لقد كانت ظاهرة الشك في ثبوت الحديث من األسباب التي أدت إلى االختالف في كثير من
المسائل ،نذكر منها المسألة التالية «ثبوت الشفعة للجار» ،اختلف الفقهاء في ثبوت حق الشفعة
بالجوار ،فذهب الشافعي ومالك وأحمد إلى أنه ال شفعة لغير الشريك ،وذهب أبـو حنيفة وأصحابـه
وابن أبي ليلى إلى ثبوت حق الشفعة بالجوار ،والسبب في هذا االختالف هو أن الحديث الذي استدل
بـه األحناف غير ثابت عند الشافعية ومن معهم كما أن الحديث الذي استدل به الشافعية ومن معهم غير
ثابت عند األحناف ،فكان الشك في ثبوت الحديث سبب ًا من أسباب االختالف بين الفقهاء .
42
ال�سبب الرابع :االختالف في فهم الن�ص وتف�سيره :
فلقد كان هذا السبب أيض ًا مؤدي ًا إلى االختالف بين الفقهاء في مسائل فقهية كثيرة نذكر منها على
سبيل المثال فقط ما يأتي :
1ـ زكاة الخليطين .
2ـ تقسيم األراضي التي فتحت عنوة بين المقاتلين .
وإنمـا ذكرنا هـاتين المسألتين دون تفصيل لطـول البحـث فيهما بمـا ال يتفـق ومـا نحـن بصـدد
الحديـث عنـه.
للفظ العربي عدة أقسام من حيث الداللة على المعنى منها «المشترك» وهو اللفظ الموضوع
لكل واحد من معنيين فأكثر كالعين ،والظهر وغيرهما ،واالشتراك يقع في األسماء كما في األلفاظ،
ويقع في األفعال مثل عسعس ،فإنها تطلق على أقبل وعلى أدبر ،ومثل قضى فإنها تطلق بمعنى حكم
وبمعنى أمر وحتم ،ويقع االشتراك في الحروف ،ولقد استعمل القرآن الكريم والسنة المطهرة ألفاظ ًا
مشتركة فكان ذلك سبب ًا من أسباب االختالف بين الفقهاء ،كاختالفهم في عدة الحائض المطلقة هل
هي بالحيض أو بالطهر وذلك بسبب التعبير بلفظ « القرء » في القرآن الكريم .
﴾ (سورة البقرة اآليـة .)228 : وقال تعالى ﴿ :
من أسباب االختالف بين الفقهاء تعارض األدلة فيما يتراءى لنا ،وقلنا فيما يتراءى لنا ألنه في
الحقيقة ال تعارض بين األدلة ألنها كلها آتية من مصدر واحد ،هو الله تعالى ،إال أنه قد تكتنف النصوص
عوامل فتظهر وقد حدث بينهـا من التعارض ما يدعو المجتهد إلى أن يقف أمامها مرجح ًا بعضها على
بعض ،وذلك حسب ما يظهر له من أدلة أخرى .
43
ولقد كان للتعارض بين األدلة أثر كبير في االختالف في الفروع الفقهية لدرجة أنه يندر أن نجد
باب ًا من أبواب الفقه إال ونجد فيه مسألة أو أكثر كان االختالف فيها وليد التعارض بين األدلة ،مثل
نكاح المحرم بالحج أو العمرة فقد ذهب الشافعي ومالك وأحمد رضي الله عنهم إلى أنه ال يصح
«ال َي ْن ِك ُح المح ِر ُم وال ُي ْن َك ُح وال َي ْخ ُطب»( )1وذهب
نكاح المحرم واستدلوا على ما ذهبوا إليه بحديث َ
أبو حنيفة إلى جواز هذا النكاح ،واستدل على ذلك بما رواه ابن عباس أن النبي ﷺ تزوج ميمونـة
وهو محرم .
فهنا نجد تعارض ًا بين ما استدل به الفريق األول وما استدل به الفريق الثاني ،وكل واحد من الفريقين
يرجح دليله على دليل اآلخر ،فالفريق األول يرجح دليله برواية صاحبة القصة ميمونة ،أن الرسول ﷺ
تزوج بها وهو حالل ،ورجح الفريق الثاني دليله بأن الحديث رواه ابن عباس وهو أكثرهم فقه ًا وعلم ًا
فهو أرجح رواية من غيره ،فالمجتهد تجاه هذين الدليلين مطالب بترجيح واحد على اآلخر بمرجح
مقبول ،وعليه فالراجح قول الفريق األول ألن رواية صاحبة القصة أولى بالقبول .
ال�سبب ال�سابع :عدم وجود ن�ص في الم�س�ألة التي يراد معرفة حكمها :
وهذا السبب من أبرز أسباب االختالف بين الفقهاء ،وله أثر كبير جد ًا في االختالف في المسائل
الفقهية كميراث الجد مع األخوة ،وقتل الجماعة بالواحد وغير ذلك .
أسئـلــة
يرجع اختالف الفقهاء إلى عدة أسباب ،المطلوب التحدث بإيجاز مفيد عنها .
44
المبحث السادس
45
التعريف ب�أ�شهر �أئمة المذاهب الفقهية
سـوف نذكر فيما يأتي نبـذة موجـزة في ترجمة ألشهـر أئـمة المذاهب الفقهية وأهـل الفتوى
واالجتـهاد.
ا�ســــمــــه :
ولد بالكوفـة سنة 80هـ -وتربى وعاش فيها أكثر حياته ،حيث نشأ تاجر ًا يتاجر في الخز
بالكوفة ،وهي في هذا الوقت حافلة بالعلماء والفقهاء ،فما لبث أبو حنيفة حتى مال إلى مجالسة العلماء
والفقهاء واألخذ عنهم ،وأقبل على الفقه فأخذه عن حماد بن أبي سليمان من أشهر أهل الرأي آنذاك،
وسار أبو حنيفة على طريقة شيخه حماد حتى ُعدّ من أهل الرأي ونبغ في الفقه إلى أن بلغ فيه منزلة لم
يصل إليها أحد من معاصريه وال من أتى بعدهم .
46
مكــانتــــه :
لقد شهد لإلمام أبي حنيفة أقرانه ومعاصروه بعلو مكانته وارتقاء منزلته بينهم في الفقه ،فقال سفيان
الثوري ألحد أصحابه :من أين جئت؟ فقال له « :جئت من عند أبي حنيفة » فقال له سفيان« :جئت من
عند أفقه أهل األرض» .وقال الشافعي « :الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة» .
ويضاف إلى تلك المكانة السامية ما كان عليه أبو حنيفة من فطنة وقوة حجة وكثرة علم وأمانة وورع
وزهد وتقوى وعبادة الله عز وجل ،فمناقبه كثيرة وعظيمة ومفاخره جليلة تناولها العلماء بالتأليف تارة
ضمن كتب التراجم وتارة في كتب مستقلـة .
تــالمــيــذه :
كان ألبي حنيفة تالميذ تلقوا عنه مذهبه ودونوه وعرفوا بأصحاب أبي حنيفة واشتهر من هؤالء
األصحاب أربعة وهم :
1ـ أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم األنصاري .المتوفى سنة 182هـ .
2ـ محمد بن الحسن الشيباني .المتوفى سنة 198هـ .
3ـ الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي .المتوفى سنة 204هـ
4ـ زفر بن الهذيل بن قيس الكوفي .المتوفى سنة 158هـ .
وكان لهؤالء أيض ًا أتباع وتالميذ لهم فضل في القيام على المذهب ونشره .
لإلمام أبي حنيفة أثر عظيم في الفقه اإلسالمي ،فينسب إليه « الفقه األكبر » وأنه حوى ستين
ألف مسألة أو أكثر وقيل إنه من تأليف أصحابه ،ولإلمام أبو حنيفة دور هام في ظهور ما يسمى بالفقه
47
التقديري وهو اإلفتاء في مسائل لم تقع بل يقدر وقوعها ،وهذا منه من باب االستعداد للبالء قبل نزوله،
فإذا وقع عرف الدخول إليه والخروج منه ،وهذا ما ذكره هو بنفسه عندما سأل قتادة عن مسألة فقال له
قتادة :هل وقعت ،قال أبو حنيفة :ال فقال له قتادة :فلم تسألني عما لم يقع؟ فقال أبو حنيفة :إنا نستعد
للبالء قبل نزوله ،فإذا وقع عرفنا الدخول إليه والخروج منه.
وفــــــــاتــــــه :
توفي اإلمام أبو حنيفة رحمة الله تبارك وتعالى عليه في بغداد سنة مئة وخمسين من الهجرة ودفن
بها فجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء .
48
ثـانـيـ ًا :الإمــام مـالــك
ا�ســــمــــه :
هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامـر بن عمرو بن الحارث بن عثمان بن جثيل بن عمرو بن
«الحميري» ،وينسب
ّ الحارث .وكنيته أبو عبد الله ،وهو من قبيلة حمير من اليمن ،وينسب إليها فيقال له
أيض ًا إلى قبيلة « ذي أصبح » ويقال له « األصبحي » ،ألنـه كان بين قبيلة حمير وقبيلة ذي أصبح ،حلف
على التعاون والتناصر ،فهو أصبحي بوالء الحلف ،حميري ،صليبة ،وينسب إلى « المدينة » دار الهجرة
النبويـة ،فيقال لـه « المدني » ألن أحد أجداده قدم إلى المدينـة وسكنها ،وأنجب فيها ذريـة صالحـة،
كان منها اإلمام مالك .
ولد بالمدينة المنورة سنة ثالث وتسعين من الهجرة ،وتربى فيها ،ولم يرحل عنها إلى غيرها
من البالد.
وكانت المدينة المنورة في هذا الوقت مهد العلم ،ومبعث النور ،ومنهل العرفان ،فطلب اإلمام
مالك العلم على علمائها ،وكان أول من الزمـه منهم عبد الرحمن بن هرمز ،فاستمر معه نحو سبع
سنوات ،ثم صار بعد ذلك يتنقل بين شيوخ المدينة يأخذ عنهم أصول العلم وفروعه ويجمع أحاديث
الرسول ﷺ حتى صار -إمام ًا في الحديث بارع ًا ثبت ًا ،ثقة مأمون ًا وفقيه ًا مجتهد ًا -صاحب مذهب نشره
تالميذه في جميع اآلفاق ،شهد له بذلك شيوخـه وأقرانـه وعارفوا علمه وفضله .
49
مكــانتــــه :
لإلمام مالك مكانة سامية ومنزلية رفيعة بين أهل عصره وفي بيان هذه المكانة وتلك المنزلة قال
الشافعي « : مالك حجة الله تعالى -على خلقه بعد التابعين»(.)1
وقال ابن حبان « :كان مالك أول من انتقى الرجال بالمدينة .وأعرض عمن ليس بثقة في الحديث،
ولم يكن يروي إال ما صح وال يحدث إال عن ثقة ،مع الفقه والدين والنسك ،وبه تخرج الشافعي،
رضي الله عنهما» ،وقال ابن مهدي « :ما رأيت أحد ًا أتم عق ً
ال ،وأشد تقوى من مالك» (.)2
وقال الليث بن سعد « :مالك عالم تقي ،علم مالك أمان لمن أخذ به من األنام» ،وقد نصب نفسه
للتدريس بعد أن شهد له شيوخه بالحديث والفقه وكان ذا هيبة ال يتكلم أحد في مجلسه ،فمناقبه
عظيمة كلها وفضائله جمة وكثيرة .
�شــيـــــــوخـــــه :
كان لإلمام مالك شيوخ كثيرون ،أخذ عنهم الفقه والحديث من أشهرهم :
1ـ عبد الرحمن بن هرمز .
2ـ محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري .
3ـ نافع مولى ابن عمر .
4ـ أبو الزناد عبد الله بن ذكوان .
5ـ يحيى بن سعيد األنصاري .
6ـ ربيعة بن عبد الرحمن ،المشهور بربيعة الرأي .
50
تــالمــيــذه :
كان لإلمام مالك تالميذ كثيرون يتعذر حصرهم أخذوا عنه الفقه والحديث وعلوم أخرى ،ودونوا
عنه ،ونقلوا مذهبه إلى بالدهم وعملوا على نشره ،ومن أشهر هؤالء التالميذ :
1ـ عبد الله بن وهب .
2ـ عبد الرحمن بن القاسم .
3ـ أشهب بن عبد العزيز القيسي العامري .
4ـ أسد بن الفرات بن سنان .
5ـ عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون .
6ـ عبد الله بن عبد الحكـم بن أعين .
وفــــــــاتــــــه :
توفي اإلمام مالـك بن أنس سنة مـائـة وتسع وسبعين من الهجرة -ودفن بالبقيع -وعمره
خمس وثمانون سنـة ،قضاها في التعلم والتعليم وشرح الفقـه رحمه الله رحمة واسعة وأسكنـه فسيح
جناتـه .
51
ثالث ًا :الإمام ال�شافعي
ا�ســــمــــه :
محمـد بن إدريس بـن العباس بـن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب
ابن عبد مناف بن قصي ،يلتقي نسبه مع النبي ﷺ في عبد مناف بن قصي .وكنيته «أبو عبد الله» وينسب
إلى «شافع بن السائب» فيقال له الشافعي واشتهر بذلك حتى غلب على اسمه .
ولد اإلمام الشافعي بمدينة غزة من الشام يتيم ًا سنة مائة وخمسين من الهجرة وليست غزة
موطن آبائه وإنما خرج إليها أبوه إدريس في حاجة ،فمات فيها ،وولد له ابنه محمد ،ثم انتقلت به أمه
إلى مكة موطن آبائه ،فنشأ بها يتيم ًا في حجر أمه وظهرت ألمعيته في وقت مبكر ،فحفظ القرآن الكريم
في صباه ،ثم خرج إلى قبيلة هذيل بالبادية ليتعلم كالمها ويأخذ طبيعتها وكانت أفصح العرب فرحل
برحيلهم ،ونزل بنزولهم والزمهم في كل أحوالهم ،حتى صار في العربية كواحد منهم ،وبجانب ذلك
تعلم وهو في البادية الرماية حتى أجادها ،وبهذا استكمل تربيته في الدين واللغة وأعمال الفروسية .
أخذ اإلمام الشافعي العلم على فقهاء مكة ومحدثيها ،ثم رحل إلى المدينة المنورة حيث اإلمام
مالك بن أنس الذي اشتاق الشافعي إليه ،فقرأ له الموطأ وتفقه عليه ،وظل مالزم ًا له حتى مات ،ثم سافر
إلى اليمن مع واليها وعمل بنجران وظهرت مواهبه ووضح ذكاؤه ،وكتب الله له النجاة مما دبره له
األعداء في اليمن وانتهت محنته فيها سنة 184هـ وكان في الرابعة والثالثين من عمره ،فخرج من تلك
52
المحنة عاكف ًا على دراسة العلم وخدمته ،فذهب إلى بغداد حيث محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة،
فأخذ الشافعي عنه فقه العراقيين وقرأ كتبه ،وبذلك اجتمع له فقه الحجاز ،وفقه العراق ،أي الفقه الذي
يغلب عليه النقل ،والفقه الذي يغلب عليه العقل ،ثم عاد من بغداد إلى مكة عالم ًا جلي ً
ال ،اتخذ مكانه
في جوار مقام إبراهيم في فناء زمزم وأخذ يلقي دروسه في الحرم المكي ،ويلتقي بكبار العلماء في
موسم الحج ،فالتقى باإلمام أحمد بن حنبل ،وظل في مكة ،حتى سافر إلى بغداد مرة ثانية ،التف حوله
فيها العلماء والمتفقهون ،وأهل الرأي جميع ًا ،ولم يطب المقام لإلمام الشافعي في بغداد ،فانتقل إلى
مصر بدعوة من العباس بن عبد الله القرشي الهاشمي ،ونشر بمصر علمه وآراؤه الفقهية وظل بها إلى
أن لقي ربه تبارك وتعالى .
مــــواهــبـــه :
لقد وهب الله تعالى اإلمام الشافعي حظ ًا وفير ًا من المواهب ،فلقد كان قوي المدارك ،حاضر
البديهة ،ثاقب الفكر ،فصيح اللسان ،بعيد الفهم يعتمد على الضوابط العامة ،والقواعد الكلية في معرفة
الجزئيات والفروع وكان قوي البيان نافـذ البصيرة قوي الفراسة ،مخلص ًا لله في كل شيء .
�شــيــوخـــــــه :
تلقى اإلمام الشافعي الفقه والحديث على شيوخ تباعدت أماكنهم ،واختلفت طرائقهم في استنباط
األحكام من أدلتها فأخذ عن شيوخ مكة ،والمدينة ،واليمن ،والعراق ،فمن مكة :مسلم بن خالد
الزنجي ،وسفيان بن عيينه وغيرهم .ومن المدينة :اإلمام مالك بن أنس ،وإبراهيم بن سعد األنصاري،
وغيرهم ،ومن اليمن :مطرف بن مازن وهشام بن يوسف قاضي صنعاء ،وغيرهم ،ومن العراق :وكيع
ابن الجراح الكوفي ،وأبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي وغيرهم .
53
تــالمــيــذه :
كان للشافعي تالميذ كثيرون نقلوا فقهه ورووا عنه مذهبه وتداولوا كتبه ونشروها بين الناس،
من أشهرهم أبو بكر الحميدي ،وأبو علي الحسن الصباح الزعفراني ،وحرملة بن يحيى بن حرملة
وغيرهم ،ولم يكن هؤالء من بلد واحد ،بل كانوا من بلدان متفرقة ،فمنهم من كان بمكة ،ومن كان
ببغداد ،ومن كان بمصر .
وفــــــــاتــــــه :
توفي اإلمام الشافعي رضي الله تعالى عنه بمصر في آخر شهر رجب سنة 204هجرية ،وقد بلغ من
العمر أربعة وخمسين عام ًا .
54
رابع ًا :الإمام �أحمد بن حنبل
ا�ســــمــــه :
هو أحمد بن محمد بن حنبل بن هالل بن أسد بن إدريس بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن
قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبه .وكنيته «أبو عبد الله» وينسب إلى «شيبان بن ذهل» فيقال له
الشيباني ،وينسب إلى «مرو» فيقال له «المروي» وإلى بغداد فيقال له «البغدادي».
ن�شــ�أتـــــه :
ولد اإلمام أحمد بن حنبل ببغداد ،سنة 164هـ مائة وأربع وستين من الهجرة ،وقد مات أبوه
وهو طفل فقامت أمه على تربيته ،واستعانت في نفقتها بما تركه أبوه من عقار ببغداد ،وقد ساهم نسبه
الرفيع ويتمه في نشأته على سمو نفسه ،وذكائه وعلو همته ،ونمو مواهبه ،وتعرفه على أحوال مجتمعه
الذي نشأ فيه .وكانت بغداد في هذا الوقت حاضرة العالم اإلسالمي وفيها وجدت العلوم المختلفة،
الشرعية ،واللغوية ،والعقلية ،فكانت مليئة بكل أنواع المعارف والعلوم ،وقد وفق الله تعالى أسرة
اإلمام أحمد أن تتخير له منذ نعومة أظفاره أن يتجه نحو خدمة الدين ،فحفظ القرآن الكريم وتزود من
علومه ،ولمع بين رفاقه ،وتميز بالتقوى واالستقامة وحسن الخلق.
وجد اإلمام أحمد أمامه في بغداد منهجين لطلب الشريعة األول منهج الفقه ،والثاني منهج
الحديث ،فبدأ بطريق الفقهاء على مذهب أهل الرأي ،وأخذ عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة ثم مال
إلى طريق المحدثين ،فانصرف إلى الحديث ،ولكنه كان على صلة أيض ًا بالفقه ،ويدل مسنده على أنه
55
أخذ الحديث عن علماء العراق ،والشام ،والحجاز ،فأخذ الحديث عن شيوخ بغداد هذا أو ً
ال ،ثم رحل
إلى البصرة ،ومنها إلى الكوفة ،والحجاز واليمن والتقى اإلمام أحمد باإلمام الشافعي وأخذ عنه وكان
ذلك بالحجاز ،ثم التقى به مرة ثانية في بغداد فوعى فقهه وأصوله ،والتقى بعبد الرزاق بن همام وأخذ
عنه الفقه وذلك بعد مشقة وتعب في لقائه .
واهتم اإلمام بتدوين ما يسمع من أحاديث وآثار ،ولم يكتف بالحفظ ،وكان يحمل في رحالته
حقائب كتبه على ظهره ،وال يحدث إال من كتاب مخافة أن ينسى ،وهذا منه تورع ًا وتقوى ،مع مالحظة
أنه كان جيد الحفظ ،قوي الذاكرة .
ولما بلغ اإلمام أحمد الحد الذي استوثق هو من نفسه وتيقن من علمه بعد رحالته العلمية الشاقة
جلس للتحديث والفتوى وتميز مجلسه بالوقار والسكينة ،وكان يتحرى النقل من كتبه غالب ًا حينما
يسأل عن األحاديث المروية في موضوع ما ،دون أن يعتمد في ذلك على الحفظ وحده ،وكان يرى َّ
أن
علم الكتاب والسنة يمثل علم الدين ،وكان ال يسمح بتدوين فتاواه الفقهية ويعتبر تدوين آراء الناس في
الدين من البدع .
مكــانتــــه :
لقد شهد لإلمام أحمد بن حنبل بعلو مكانته وارتقاء منزلته في الدين والعلم والحديث والفقه أقرانه
وعارفوا فضله فقال فيه إبراهيم الحربي « :رأيت أحمد كأن الله قد جمع له علم األولين واآلخرين».
وقـال الشافعي حين ارتحل إلى مصر « :خـرجت مـن بغـداد وما خلفت فيها أتـقى وال أفـقه من
ابن حنبل».
وقـال العماد الحنبلي « :كان أحمد بن حنبل إما ًما في الحديث وضروبـه ،إمـا ًما في الفـقه ودقائقـه،
إمـا ًما في السنـة ودقـائـقهـا ،إما ًمـا في الورع وغوامضـه ،إما ًمـا في الزهـد وحقائقـه» فمناقبه كثيرة
وجليلة .
56
�شيـــوخــــــــه :
بعد أن حفظ اإلمام أحمد القرآن وتعلم اللغـة والكتابة توجـه إلى أخذ الحديث عن علماء بغداد،
وأول شيوخه منهم ،هشيم بن بشير بن أبي حازم الواسطي ،وقد الزمه أحمد مدة طويلة تقدر بنحو
أربعين عام ًا ،ثم رحل بعد وفاة شيخه بمدة إلى الحجاز واليمن والبصرة ،والكوفة وتكررت رحالته
إلى هذه البالد لقي فيها اإلمام الشافعي وأبو يوسف صاحب أبي حنيفة ،وغيرهم .
تــالمــيــذه :
كان لإلمام أحمد تالميذ كثيرون منهم من أخذ عنه الحديث ومنهم من أخذ عنه الحديث والفقه،
وقد دونوا ما أخذوه ،كما عملوا على نشره والعمل بـه ،ومن أشهرهم :صابح بن أحمد بن حنبل،
وعبدالله بن أحمد بن حنبل ،وأبو بكر األثرم أحمد بن محمد بن هاني ،وعبد الملك بن عبد الحميد بن
مهران الميموني ،وإبراهيم بن إسحاق الحري وغيرهم .
وفــــــــاتــــــه :
توفي اإلمام أحمد بن حنبل عليه رحمة الله ببغداد في شهر ربيع األول سنة 241هـ ،وكانت جنازته
بعد منصرف الناس من صالة الجمعة ،ودفن في قبره ببغداد ،فرضي الله عنه .
57
أسئـلــة
س : 1من هو اإلمام أبو حنيفة؟ ومتى ولد؟ وأين نشأ؟ وما هي مكانته بين العلماء؟ ومن أشهر
تالميذه؟ وما أثره في الفقه اإلسالمي؟
س : 2تحدثي بإيجاز مفيد عن اإلمام مالك من ناحية اسمه ومولده ونشأته ومنزلته العلمية،
وأشهر شيوخه وتالميذه.
س : 3من هو اإلمام الشافعي؟ ومتى ولد؟ وأين نشأ؟ وكيف طلب العلم؟ ومن هم شيوخه
وتالميذه؟
س : 4ما اسم اإلمام أحمد بن حنبل؟ وأين ولد؟ وأين نشأ؟ وكيف طلب العلم؟ وما مكانته
وآراء العلماء فيه؟ ومن أشهر شيوخه؟ ومتى توفي؟ وأين ؟
58
الفصل الدراسي الثاني
الباب الثاني :
�أ�صـــــــول الفقــــــه
التمهيد :وي�شتمل على فكرة مي�سرة عن تعريف علم �أ�صول الفقه ،ون�ش�أته وتدوينه ،وا�ستمداده،
و�أهميته ،والغاية من درا�سته .
الف�صل الأول :في �إعطاء فكرة مي�سرة عن الأحكام ال�شرعية .
الف�صل الثاني :في الكالم عن الأدلة ال�شرعية .
الف�صل الثالث :في الحديث عن القواعد الأ�صولية الت�شريعية .
60
التمهيد في :
تعريف علم �أ�صول الفقه .
ن�ش�أة علم �أ�صول الفقه .
تدوين علم �أ�صول الفقه .
ا�ستمداد علم �أ�صول الفقه .
�أهمية علم �أ�صول الفقه .
61
تمهـــيــــــــد
بعد االنتهاء من الحديث عن الباب األول ،ننتقل بعون الله تعالى إلى الباب الثاني في «أصول
الفقه» فنقول وبالله التوفيق ....
علم أصول الفقه من أهم العلوم الشرعية ،فبه تعرف أحكام الله تعالى في كتابه الكريم ،وفي
سنة نبيه األمين ﷺ ،فهو قاعدة هذه األحكام كما أنه أساس الفتاوى الفرعية التي بها صالح
المسلمين في الدنيا واآلخرة .
62
تــعــريــف علــم �أ�صــول الفــقـــــه
عرف علماء األصول «أصول الفقه» بتعريفين ،أحدهما اعتبار التركيب أي باعتبار كون أصول الفقه
ّ
مركب ًا إضافي ًا من كلمتي «أصول وفقه» وثانيهما باعتباره اسم ًا على علم مخصوص .
وفيما يلي توضيح كل تعريف على حدة :
( )1من الممكن أن نطلق على هذا التعريف أصول الفقـه قبل أن يجعل علم ًا على فن األصــول.
63
التعـريـف الثــانــي :
تعريف علم �أ�صول الفقـه باعتبار كونه علماً على فن الأ�صول :
هو معرفـة دالئل الفقـه إجما ً
ال ،وكيفيـة االستفادة منها ،وحـال المستفيد وفيما يلي شرح موجـز
لهذا التعريـف :
«معرفـة دالئل الفقـه إجما ًال» المعرفـة :الكثير فيها أن تتعلق بالمفرد فتتعدى إلى مفعول واحد
ويكون معناها التصور ،فتقول عرفت أصول الفقه أي تصورته ويقل ويندر في المعرفة تعلقها بالنسب،
وإذا كان هذا هو شأن المعرفة ،فشأن العلم على العكس منها ،إذ أن الكثير فيه أن يتعلق بالنسب ويكون
معناه التصديق فنقول علمت أن العلم نور ،أي صدقت بنورانية العلم ،ويقل ويندر تعلق العلم بالمفرد.
والمعرفة جنس في التعريف يشمل معرفة األدلة ،ومعرفة األحكام ،ومعرفة غيرهما .
«دالئل الفقـه» الـدالئـل :جمع دليل ،والدليل هو ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم
بمطلوب خبري ،ودالئل مضاف والفقه مضاف إليه ،وفائدة هذه اإلضافة العموم ،ألن الجمع حينما
يضاف فإنه يفيد العموم ،وعليه تكون أصول الفقه معرفة جميع أدلة الفقه ومن ثم ال تسمى معرفة بعض
أدلة الفقه أصول فقه والمقصود من معرفة دالئل الفقه :معرفة األحوال المتعلقة بهذه األدلة كأن يعرف
أن األمر للوجوب وأن النهي للتحريم .
«إجما ًال» وردت فيه أقوال كثيرة أصحها أنها حال من األدلة واغتفر فيه التذكير لكونه مصدر،
ألن المراد من األصول المعرفة التفصيلية لألدلة اإلجمالية والمراد من األدلة اإلجمالية األدلة الكلية
«وكيفية االستفادة منها» هذا القول معطوف على دالئل فيكون لفظ معرفة متوجه ًا إليه ،والمعنى معرفة
كيفية االستفادة منها .
64
وعليه يكون المعنى استفادة الفقه من تلك الدالئل ،أي استنباط األحكام الشرعية من األدلة واستفادة
األحكام من األدلة تكون بمعرفة شرائط االستدالل كتقديم النص على الظاهر ،وتقديم المتواتر على
اآلحاد وغير ذلك .
«وحال المستفيد» بالجر عطف ًا على دالئل ،أي معرفة حال مستفيد الدليل الصحيح من بين األدلة
عند االستنباط ،واستفادة الدليل التفصيلي ليس باألمر الهين أو اليسير ،بل هو أمـر جـد خطير يحتاج
إلى توفر شروط في الشخص الذي يقوم بهذا العمل ،وهذا ما أطلق عليه علماء األصول «شرائط
االجتهاد» والمستفيد هو من يطلب الحكم من الدليل ،والذي يطلب الحكم من الدليل هو المجتهد،
لذا يكون المستفيد هو المجتهد .
وبهذا نجد أن أصول الفقه مكون من معارف ثالث هي :معرفة دالئل الفقه إجما ً
ال ،ومعرفة كيفية
استفادة األحكام من هذه الدالئل ،ومعرفة حال مستفيد هذه األحكام وهو المجتهد .وبهذا يتم تعريف
علم أصول الفقه .
65
نـ�شـــ�أة عـلــم �أ�صــول الفــقـــه
ل�م يك�ن الن�اس ف�ي حاج�ة إل�ى أص�ول الفقه ف�ي عه�د الرس�ول ﷺ ،وكذل�ك عه�د الصحابة
والتابعين.
أما عدم احتياجهم إليه في عهد الرسول ﷺ فيرجع إلى وجود الرسول ﷺ ،فمنه كان الناس
يأخذون األحكام وذلك بما يوحى إليه من القرآن الكريم وبما يبينـه ﷺ بقولـه أو فعلـه أو تقريـره.
وفي عهد الصحابة يرجع عدم احتياج الناس إلى أصول الفقه إلى تولي الصحابة منصب اإلفتاء
والقضاء بين الناس ،فهم الذين عايشوا رسول الله ﷺ ،وعايشوا نزول الوحي ،وتلقي الرسالة من
المصطفى ﷺ ،لكل هذا لم تكن هناك حاجة لهذا العلم في ذلك العهد .
ولم يختلف عهد التابعين عن عهد الصحابة في هذا األمر ،فالناس في هذه العهد كانوا في غنية
تامة عن هذا العلم ،غاية األمر أن هذا العهد كثرت فيه الوقائع الناتجة عن كثرة الفتوحات ،فأفتى فيها
التـابعون بما ورد في كتاب الله تعالى وسنة رسولـه ﷺ ،أو بما أفتى به الصحابة رضي الله عنهم ،وإذا
لم يجدوا في كتاب الله وال في سنة رسول الله اجتهدوا واستنبطوا ،دون احتياج إلى قواعد جديدة
يسيرون على ضوئها في استنباط األحكام من مصادرها ،فهذه المصادر عربية وهم عرب ،والعرب
أدرى الناس بفهم لغتهم ،ثم جاء عهد تابعي التابعين وأول عهد األئمة المجتهدين ،وفي هذا العهد
بدأت بعض الضوابط والكليات العامة تذكر في عملية االستدالل على األحكام عرض ًا ،دون أن تذكر
كقواعد عامة لالستنباط ،وإنما كانت تجري على ألسنة المجتهدين أثناء جدلهم ودفاعهم عن أرائهم
ال غير ألن القائمين بالفتوى واالجتهاد كانوا مماثلين للسابقين عليهم في معرفة اللغة العربية وغير
ذلك مما أغناهم عن علم األصول واستمر األمر هكذا حتى قرب القرن الثاني الهجري ،حيث اتسعت
66
رقعة الدولة اإلسالمية وكثرت الفتوحات واختلط العرب بالعجم ودخل العربية كثير من المفردات
واألساليب غير العربية ،وفقدت الملكة اللسانية سالمتها وكثرت االشتباهات واالحتماالت في فهم
النصوص ،وتشعبت طرق المجتهدين ،عند ذلك وجد الفقهاء أنهم في حاجة ماسة إلى وضع قواعد
وقوانين تصون العقول من الخطأ في استخالص األحكام من مصادرها ،ولتكون أساس ًا يتبع بعد ذلك
في هذه العملية ،فاستعانوا في هذا األمر بما قرره أئمة اللغة من قواعد وضعوها لحماية اللغة العربية
من الضياع فاستقرأ الفقهاء األساليب العربية ،كما استعانوا في استخراج قواعدهم باستعماالت
األلفاظ الشرعية ،وبالمقاصد الشرعية .
67
دون �أ�صــول الفقـــــه
�أول من َّ
كان أول من دون قواعد علم أصول الفقه اإلسالمي مجموعة مستقلة مرتبـة مضبوطة ومؤيد ًا
كل ضابط فيها بالبرهان والحجة هو :اإلمام محمد بن إدريس الشافعي ،الذي أملى في علم أصول
الفقه رسالته المشهورة ،التي رواها عنه صاحبه الربيع المرادي وكانت تلك الرسالة أول كتاب دون
في علم أصول الفقه ،ووصل إلى العلماء خاص ًا بهذا العلم ،ولهذا اشتهر بين العلماء أن أول من
دون علم أصول الفقه هو اإلمام الشافعي ، وقد تكلم الشافعي في رسالته عن القرآن الكريم
وبيانه وعن السنة الطاهرة ومقامها بالنسبة للقرآن الكريم وأقام األدلة على حجية السنة بوجه لم
يسبقه إليه غيره وتكلم عن الناسخ والمنسوخ وعلل األحاديث واالحتجاج بخبر الواحد وما يجوز
فيه الخالف وما ال يجوز وغير ذلك من الموضوعات التي أبرزت معالم هذا العلم وبينت كثير ًا من
أصوله وقواعده.
ثم تتابع العلماء في التأليف في هذا العلم فكتب اإلمام أحمد بن حنبل في طاعة الرسول ﷺ ،وفي
الناسخ والمنسوخ والعلل ،وكتب فقهاء الحنفية فحققوا قواعده التي منها ما يرجع إلى أحوال األدلة
ومنها ما يرجع إلى كيفية داللة األلفاظ على معانيها اللغوية كما كتب فيه المتكلمون وغيرهم ،وقد
اختلفت طريقة هؤالء في التأليف في هذا العلم نظر ًا لتباين مشاربهم وتعدد أفكارهم وتنوع أغراضهم،
وأسفر هذا االختالف عن ظهور ثالث طرق في التأليف في هذا العلم هي :
68
1ـــ طريقة ال�شافعية وبع�ض المتـكلمين :
سميت بهذا االسم ألن أكثر المؤلفين فيها من علماء الكالم ،وسميت أيض ًا بطريقة الشافعية
ألن أول من ألف بهذه الطريقة هو اإلمام الشافعي .وتمتاز هذه الطريقة بتقرير القواعد األصولية
وتحقيقها تحقيق ًا منطقي ًا نظري ًا أساسه الحجة والبرهان ،مع تمحيص ما فيها من خالف من غير
تعصب لمذهب معين ،فما قام الدليل على صحته وأيده العقل فهو الضابط عندهم وافق الفروع في
ذلك أو لم يوافقها .
�أ�شهر الكتب التي �ألفت ح�سب هذه الطريقة :
– 1كتاب العمدة ـ للقاضي عبد الجبار .
– 2كتاب البرهان ـ ألبي المعالي عبد الملك الجويني النيسابوري الشافعي .
– 3كتاب المستصفى ـ ألبي حامد محمد بن محمد الغزالي الشافعي .
– 4كتاب المعتمد ـ لمحمد بن محمد المشهور بأبي الحسين البصري .
سميت هذه الطريقة بذلك ألن الذين التزموا التأليف بها هم علماء الحنفية .
وتمتاز هذه الطريقة بتقرير القواعد األصولية التي ظنوا أن أئمة المذهب ساروا عليها في اجتهاداتهم
وتفريع المسائل الفقهية وإبداء الحكم فيها وعمدتهم في تقرير القواعد هو الفروع الفقهية المنقولة عن
أولئك األئمة ،فالقواعد األصولية في هذه الطريقة تابعة للفروع الفقهية المنقولة عن أئمة المذهب ،فما
كان من القواعد موافق ًا لتلك الفروع أقروه ،وما كان منها مخالف ًا هجروه ولم يعترفوا به.
�أ�شهر الكتب التي �ألفت ح�سب هذه الطريقة :
1ـ كتاب األصول ألبي بكر أحمد بن علي الرازي المعروف بالجصاص .
2ـ كتاب تقويم األدلة ألبي زيد عبد الله بن عمر الدبوسي .
69
3ـ كـتاب كشـف األسـرار وهو شـرح لكـتاب األصـول للبـزدوي والشـارح هـو عبد العزيز بن
أحمد البخاري .
وسميت هذه الطريقة بهذا االسم ألن الذين كتبوا بها جمعوا بين الطريقتين السابقتين ،وتمتاز هذه
الطريقة بميزتين :
األولى :تحقيق القواعد وتمحيصها باألدلة الشرعية مع إقامة البراهين عليها والدفاع عنها .
الثـانـية :تطبيق القواعد على الفروع المذهبية وربطها بها .
�أ�شهر الكتب التي �ألفت ح�سب هذه الطريقة :
لقد ألف حسب هذه الطريقة كتب كثيرة منها ما يأتي :
– 1العدة في أصول الفقـه :ألبي يعلى الحنبلي .
– 2المحصول :البن العربي .
– 3البحر المحيط :للزركشي .
– 4كتاب التحرير -لكمال الدين محمد بن عبد الواحد الشهير بالكمال بن الهمام .
– 5كتاب إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول -للشوكاني .
70
()1
«ا�ستمداد علـم الأ�صـــول»
يستمد علم أصول الفقـه من ثالثـة علـوم هـي :
فإن كثير ًا من المباحث المشتركة بينهما كالكالم على التواتر واآلحاد والقراءات الشاذة والجرح
والتعديل والناسخ والمنسوخ والكالم على متن األحاديث أو طريقها مما استمده األصوليون منهما .
وذلك ألن األدلة الكلية من الكتاب والسنة عربية ،واالستدالل بها على األحكام الشرعية يتوقف
على معرفة اللغة العربية من حيث العموم والخصوص واإلطالق والتقييد والمنطوق والمفهوم وغير
ذلك من المباحث اللغوية التي لها أثر في استنباط األحكام من األدلة .
إذ إن األمثلـة التي يمثل بـها األصولـيون مستمدة من الفـروع الفقهيـة أو أدلتها التفصيليـة من
الكتـاب والسنـة .
( )1المقصود باستمداد علم األصول هي العلوم التي اعتمد عليها في التأليف في هذا العلم.
71
�أهمية علم �أ�صول الفقه والغاية من درا�سته
لعلم أصول الفقه اإلسالمي أهمية عظيمة وهي تتمثل فيما يأتي :
1ـ حاجة الناس إلى قواعد وأسس يمكن الرجوع إليها في استنباط األحكام الشرعية من أدلتها،
وذلك في الوقت الذي ضعفت فيه مدارك الناس ،وفسد طريق االجتهاد بسبب ظهور الكثير
من مدعي االجتهاد وهم في الحقيقة بعيدون عنه كل البعد .
2ـ يعيـن هذا العلم على معرفـة األحكام الشرعـية التي يترتب عليها الفـوز والسعـادة في الدنيا
واآلخـرة.
3ـ يجعـل الفقيـه على بصيرة تامـة بما يتعرض له من مسائل وأبحاث فقهية يكون بصدد إظهار
حكم الشارع فيها .
4ـ يعطـي القاضي المقـدرة التامـة على الحكم بما يحقق للناس مصالحهم ،وتوصيل كل حق
إلى صاحبـه.
5ـ يستفيد منه المفتـي فائـدة عظيمة ال تدانيها فائدة حيث يجعله على درايـة كاملة بما هو بصدد
اإلفتـاء عنه وبيان حكم الشارع فيـه ،وذلك عن طريق قواعد هذا العلم ومباحثـه التي تتضافر
في إتمام ذلك .
تقل الغاية من تدريس هذا العلم لطالبات وطالب المراحل التعليمية المختلفة ،خاصة هذا وال ّ
من يدرسون المواد الدينية والشرعية ،عن أهميته السابق بيان أهم ثمارها وفوائدها ،ويمكننا أن نجمل
الغاية من دراسته فيما يأتي :
1ـ يعين الطالبـة على فهم كتاب الله تعالى وسنـة رسوله ﷺ ومعرفة منهج كل منهما في بيان
األحكام الشرعـية .
72
2ـ يعطي الطالبة القدرة على فهم مادة الفقه اإلسالمي ومعرفة كيف يمكن التوصل إلى حكم مسألة
جديدة لم ينص على حكمها الشرعي .
3ـ يوقف الطالبة على حقيقة العمل الجليل الذي قام به األئمة المجتهدون لحفظ قواعد الشريعة
اإلسالمية وتحقيق صالحيتها لكل زمان ومكان ومسايرتها لجميع الحوادث إلى أن يرث الله
األرض ومن عليها.
4ـ يعين الطالبة في دراسة المواد الدينية مثل التفسير والحديث وغيرهما من علوم الشريعة اإلسالمية
وذلك عن طريق مباحثه التي لها عالقة وثيقة بذلك .
وهناك من الفوائد الكثير والكثير ،ولكن اقتصرنا على ذكرنا أهمها سائلين الله العلي القدير أن ينفع
الدارسين والدارسات بهذا العلم وأن يوفق الجميع إلى مرضاتـه.
أسئـلــة
س : 1عرفي علم أصول الفقه باعتبار كونه مركب ًا إضافي ًا .
س :2تحدثي بإيجاز مفيد عن نشأة علم أصول الفقه .
س : 3من أول مدون لعلم أصول الفقه؟ وما اسم مؤلفه في ذلك؟ وكيف سار األصوليون في
التأليف في هذا العلم ؟
س : 4ما ذا تعرفين عن استمداد علم أصول الفقه وأهميته ؟
73
الفصل األول
74
تعــريـف الحــكــم ال�شــرعـــــي
والعلم ِ
والحلم ،وأصله المنع العدْ ل ِالحكم في اللغة :هو القضاء ،ويطلق على الحكمـة ،وهي َ
يقال حكمت عليه بكذا إذا منعته من خالفه ،فلم َي ْقتدر على الخروج من ذلك ،وحكمت بين القوم،
مت الرجل بالتشديد أي فوضت َّ
وحك ُ وح َكم ،والجمع ُح َّكام ،أو حاكمون،
فصلت بينهم ،فأنا حاكم َ
َ
وأحك ْمت الشيء يعني أتقنـتـه. الحكم إليه،
خطاب الله تعالى :الخطاب معناه توجيه الكالم نحو الغير لإلفهام ،فيقال خاطب فالن فالن ًا ،أي
وجه اللفظ المفيد إليه بحيث يسمعه ،فالخطاب هو التوجيه ،وخطاب الله تعالى توجيه ما أفاد إلى
المستمع أو من في حكمه والخطاب مضاف ولفظ الجاللـة مضاف إليه ،وبإضافة الخطاب إلى لفظ
الجاللـة يخرج خطاب المالئكة واإلنس والجن ،فهذه ال تسمى أحكام ًا ،ومن ذكر أن األحكام الثابتة
ال في هذا التعريف ،يجاب عليه بأن هذه بقول الرسول ﷺ وبفعله وباإلجماع ،والقياس ليس داخ ً
األحكام داخلة في التعريف ألن الحكم هو خطاب الله تعالى مطلق ًا وهذه األربعـة أي أقوال الرسول
وأفعالـه واإلجماع والقياس معرفات للحكم ال مثبتات لـه .
التعـلـق :معناه االرتباط ،وعليه يكون معنى المتعلق أي المرتبط وورود التعلق في التعريف له
فائـدة هي الداللـة على شأن الخطاب وحالـه أي إنشاء الخطاب هو أنه البد وأن يكون متعلق ًا بشيء،
75
وهذا المتعلق هو أفعال المكلفين ،و«األفعال» جمع فعل ،والمراد بفعل المكلف هو كل ما يصدر عن
المكلف من قول أو فعل أو اعتقاد ،والمكلفين جمع مكلف ،والمكلف في الحقيقة هو الشخص البالغ
العاقل الذي بلغتـه الدعـوة وهذا ما عرفـه بـه األصوليين والفقهاء .
االقت�ضاء :معناه الطلب ،والطلب إما أن يكون طلب فعل أو طلب ترك ،وطلب الفعل إن كان
جازم ًا فهو اإليجاب ،وإن كان غير جازم فهو الندب ،وطلب الترك إن كان جازم ًا فهو التحري ،وإن كان
غير جازم فهو الكراهة .
والتخيير :معناه التسويـة بين الفعل والترك من غير ترجيح ألحدهما على اآلخر ،ويسمى اإلباحة،
وبذلك تناولت كلمتي االقتضاء والتخيير األحكام الخمسة ( )1التكليفيـة .
�أو الو�ضع :الوضع معناه الجعل على نحو خاص مثل جعل الشيء سبب ًا أو شرط ًا أو مانع ًا أو صحيح ًا
أو فاسد ًا .وهذا ما يعرف باألحكام الوضعية .
5ـ اإلباحة . 4ـ الكراهة . 3ـ التحريم . 2ـ الندب. ( )1وهـي 1 :ـ اإليجاب.
76
�أقـ�سـام الحـكـم ال�شـرعـي
··
ينقسم الحكم الشرعي إلى قسمين :
الأول :التكلـيفـي .
·
الثاني :الو�ضـعـي(. )1
الحـكـم التكـليفــي :
هو «خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين باالقتضاء أو التخيير» .
1ـ ـ الإيجـاب :هـو خطاب الله تعالـى الطالب للفـعـل طلب ًا جازمـ ًا .مـثـل قـولـه تـعـالـى:
﴾ (سورة البقرة اآليـة .)43 : ﴿
2ـ ـ الندب :هـو خطاب اللـه تعالى الطالـب للفـعل طلـبـ ًا غـيـر جـازم .مثل قـولـه تعالى:
﴾ (سورة البقرة اآليـة . )282 : ﴿
3ـ ـ التحريم :هو خطاب الله تعالى الطالب لترك الفعل طلب ًا جازم ًا .مثل قوله تعالى:
﴾ (سورة األنعام اآليـة .)151 : ﴿
4ـ ـ الكـراهـة :هي خطاب الله تعالى الطالب لترك الفعل طلب ًا غير جازم .مثل قول الرسول ﷺ :
حـرم عقوق األمهات ووأد البنات ومنع ًا وهات وكره لكم :قيل وقال وكثرة السؤال، «أن الله َّ
وإضاعـة المال » ( .)2والكراهة قد تكون كراهة تحريم.
المخير بين الفعل والترك .مثل قوله تعالى:
َّ 5ـ ـ الإباحة :هي خطاب الله تعالى
﴾ ( سورة المائدة اآليـة . )2 : ﴿
( )2بلوغ المرام مع شرح سبل السالم ،جـ ، 4ص .252
( )1وسيأتي تعريفه ص (.)81
77
�أق�سام الحكم التكليفي باعتبار متعلقـه :
ينقسم الحكم التكليفي باعتبار متعلقـه أي باعتبار الفعل الذي تعلق به إلى األقسام التالية :
1ـ ـ ـ الواجب :وهو الفعل الذي طلبه الشارع طلب ًا جازم ًا .مثل « الصالة » فالشارع طلب فعلها طلب ًا
﴾ (سورة البقرة اآليـة . )43 : جازم ًا ،والدليل على ذلك قوله تعالى﴿ :
2ـ ـ ـ المندوب :وهو الفعل الذي طلبه الشارع طلب ًا غير جازم .مثل كتابة الد ْي ِن فالشارع طلب فعلها
طلبـ ًا غـيـر جـازم .بدلـيل قوله تعالى ﴿ :
﴾ (سورة البقرة اآليـة . )282 :
3ـ ـ ـ المحرم �أو الحرام :وهو الفعل الذي طلب الشارع تركه طلب ًا جازم ًا مثل السرقة ،فالشارع طلب
تركها طلـب ًا جازمـ ًا بدليل قوله تعالى﴿ :
﴾ (سورة المائدة اآليـة .)38 :
4ـ ـ المكروه :وهو الفعل الذي طلب الشارع تركه طلب ًا غير جازم .مثل كراهة السؤال عن األشياء
المباحـة ،فالشـارع طلـب ترك هذا الفعل طلب ًا غير جازم بدليل قوله تعالى﴿ :
﴾ (سورة المائدة اآليـة .)101 :
5ـ ـ المباح :وهـو مـا دل الدليل السمعي على تخيير المكلف فيه بين الفعل والترك ،مثل إباحة
االنتشـار في األرض بعد صـالة الجمعة ودلـيل ذلـك قولـه تعالـى ﴿ :
﴾ (سورة الجمعة اآليـة .)10 :
78
�أق�سام الحكم التكليفي باعتبار موافقته للدليل وعدم موافقته :
ينقسم الحكم التكليفي من حيث موافقته للدليل وعدم موافقته له إلى قسمين :
�أ ـ ـ رخـ�صـة .
ب ـ ـ وعـزيـمـة .
�أو ًال :الــرخــ�صــة :
الرخ�صة في اللغة :التيسير والتسهيل ،فيقال رخص السعر إذا تيسر وفي الشرع :هي الحكم الثابت
على خالف الدليل لعذر ،مثل قصر الصالة الرباعية للمسافر (سفر طاعة ال سفر معصية) وإباحة الفطر
في نهار رمضان للمريض والمسافر ،وإباحة أكل الميتة للمضطر .
79
حكـم هـذا النوع :أنـه األفضل إذا كـان في فعلـه مشقة لقولـه تعالـى ﴿ :
﴾ (سورة البقرة اآليـة .)185 :
العزيمة في اللغة :مصدر عزم على األمر عزم ًا وعزيمة ،إذا قصد األمر قصد ًا مؤكد ًا .
وفـي اال�صطـالح :هي األحكام الكلية التي شرعها الله تبارك وتعالى ابتداء ليعمل بها المكلفون
بموجب دليل ثبتت على وفقه أو على خالفه لغير عذر .
مثل وجوب الصالة الزكاة والصوم والحج وغير ذلك من بقية التكاليف التي ألزمنا الله تعالى بها.
80
�أنـــــــواع العــــــزيمـــــة:
81
الحــاكــــم
الحديث عن مسألة الحاكم في كتب األصول يدور حول اإلجابة عن سؤالين هما :
1ـ ـ من هو الحاكم ؟
2ـ ـ بم يعرف الحكم ؟
ولإلجابـة عن السؤال األول نقول وبالله التوفيق :
اتفقت كلمة علماء اإلسالم جميع ًا سلف ًا وخلف ًا على أن الحاكم ،أي منشئ الحكم ومشرعه هو الله
عز وجل ،فال حاكم سوى الله تعالى وال شرع إال من الله تبارك وتعالى .قال تعالى﴿ :
﴾ (سورة األنعام اآليـة .)57 :وهذا فيما يتعلق بالتشريع.
أمـا اإلجابـة عـن السؤال الثانـي ،هو :بما يعـرف الحكم؟ فنقول :اختلـف العلمـاء في ذلك على
ثالثـة أقـوال :
القول الأول :
يرى أصحابـه أن األحكام الشرعية ال تعرف إال عن طريق الرسل عليهم السالم.
القول الثاني :
يرى أصحابـه أن العقل وحـده يستطيع إدراك األحكام .
القول الثالث :
يرى أصحابـه أن العقل وحده ال يستطيع إدراك األحكام ،بل البـد من االستعانـة بطريق
الرسل فـي ذلك .
الراجـح :هو القول األول :فاألحكام لها مصادر هي [ :الكتاب ـ والسنة بفهم سلف األمـة].
82
المحكــــــــوم فيــــــه
ويقال لـه المحكوم بـه وهو :الفعل الذي تعلق به خطاب الشارع الحكيم وخطاب الشارع -
سواء كان من قبيل الحكم التكليفي أو من قبيل الحكم الوضعي -يتعلق بفعل المكلف إال أنه إذا
كان الخطاب من قبيل الحكم التكليفي فالمحكوم فيه ال يكون إال فع ً
ال ،أما إذا كان من قبيل الحكم
ال وقد يكون ما ارتبط بالفعل. الوضعي فقد يكون المحكوم فيه فع ً
�شروط المحكوم فـيـه :يجب أن يتوفر في المحكوم فيه شرطين وهما :
ال�شـرط الأول :أن يكون المحكوم فيه معلوم ًا للمكلف علم ًا تام ًا ،وذلك لكي يستطيع المكلف
القيام بما طلب منه على الوجه الذي يرضي الله تعالى ويرضي رسوله ﷺ والذي
يجعل أداءه لما طلب منه صحيح ًا.
ال ممكن ًا ،ليستطيع المكلف أن يأتي به وأن يتركه حسبال�شـرط الثانـي :أن يكون المكلف به فع ً
الخطاب الموجه إليـه .
المحكــــــــوم عـلـيــــــه
وهو المكلف الذي تعلق بفعله حكم الشارع وتوجـه خطابـه إليه .
ال�شروط الواجب توافرها في المحكوم عليه :
يشترط في المحكوم عليه ثالثة شروط وهي :
ال�ش ــرط الأول :أن يكون المكلف قادر ًا على فهم دليل التكليف .
ال�شرط الثاني :أن يرد الخطاب الشرعي الذي يفيد التكليف .
ال لما يكلف بـه .ال�شرط الثالث :أن يكون المكلف أه ً
83
أسئـلــة
س : 1اذكري تعريف الحكم الشرعي في اللغة وفي اصطالح علماء األصول ،ثم اشرحي بإيجاز
تعريف األصوليين .
س : 2ما هي أقسام الحكم التكليفي باعتبار ذاته ؟ وما تعريف كل قسم مع التمثيل ؟
س : 3ما هو تعريف الرخصة لغة واصطالح ًا؟ وما أنواعها؟ مع التمثيل وما حكم كل نوع؟
س : 4اذكري تعريف العزيمة ،ثم بيني أنواعها مع التمثيل.
س : 5مـا هو المحكوم فـيه؟ وما شرطـه؟ ومن هو المحكوم علـيـه؟ وما الشروط الواجب
تـوافرها فـيـه؟
84
الفصل الثاني
85
الأدلــــــة ال�شــرعيـــــــة
قبل الحديث عن األدلة الشرعية -يجب أن نعلم أن األدلة الشرعية منها ما هو متفق على حجيته،
ومنها ما هو مختلف في حجيته .
أما بالنسبة لما اتفق على حجيته فيتمثل في القرآن الكريم والسنة واإلجماع ،والقياس ،وماعدا
ذلك من األدلة كاالستحسان والمصالح المرسلة والعرف واالستصحاب وغير ذلك فمن قبيل األدلة
المختلف فيها.
وفيما يلي بيان ذلك :
وهو غني عن التعريف غير أن علماء األصول اهتموا بتعريفه ليتبين ما تجوز به الصالة وما ال تجوز
بـه ،وما يكون حجة في استنباط األحكام وما ال يكون ،وما يكفر جاحده وما ال يكفر.
وقد وردت فيه تعاريف كثيرة نختار منها التعريف التالي :القرآن الكريم هو « :كالم الله تعالى
المنزل على نبينا محمد ﷺ باللفظ العربي ،المنقول بالتواتـر ،والمكتوب في المصاحف المبدوء
بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس».
خ�صــائ�صــــــه :
من التعريف يمكننا معرفة خصائص القرآن الكريم التي يمتاز بها عن الكتب السماوية السابقة وعن
األحاديث الواردة عن الرسول ﷺ ،والتي إذا فقدت واحدة منها لم يسم كتاب ًا وال قرآن ًا ،وفيما يلي بيان
تلك الخصائص :
86
1ـ أن القرآن الكريم منزل باللسان العربي ،وبهذه الخاصية يمتاز القرآن الكريم عن الكتب السابقة
عليه كالتوراة ،واإلنجيل .
2ـ أن معاني القرآن الكريم وألفاظه العربية كالهما منزل من عند الله عز وجل ووظيفة الرسول ﷺ
في ذلك إنما هي تلقيه عن الله تعالى بواسطة جبريل عليه السالم ،وتبليغه إلى الناس وبيان ما
يحتاج منه إلى البيان ،وبهذه الخاصية يمتاز عن األحاديث الصادرة عن الرسول ﷺ سواء كانت
قدسيـة أم نبويـة .
3ـ أن القرآن الكريم منقول بطريق التواتر ،وهو ثابت للقرآن كتابة ومشافهة في جميع العصور.
والنقل بالتواتـر يفيـد القطـع واليقين بصحـة المنقـول ،لذا كانت نصوصـه قطعيـة الثبـوت بـال
خـالف.
اتفـق المسلمون جميعـ ًا على أن القرآن حجـة يجب العمل بـما ورد فيـه ،وال يجوز العدول
عنه إلى غيره من األدلة إال إذا لم يوقف فيه على حكم الحادثة التي يراد الوقوف على حكمها،
وذلـك العتقادهم الحق بأن القرآن كالم الله الذي ال يأتيـه الباطل من بين يديـه وال من خلفـه
تنزيـل من حكيم حميـد.
يشغل القـرآن الكريم المرتبـة األولى من بين مراتب االستدالل ،فال يجـوز العـدول عنـه إلى
غيره مـن األدلـة إال إذا بحثنا فيه عن حكم الحادثـة التي يراد الوقوف على حكمـها فلم نجـده،
وإنما شغـل القرآن المرتبـة األولى في االستدالل العتقـاد المسلمين وهو اعتقاد حق -أنـه كـالم
الله تعالـى .
87
وجـوه �إعجـاز القر�آن الكريـم :
لقد أعجـز القرآن الكريم الناس عن أن يأتوا بمثله ،ولم يقتصر اإلعجاز على ناحيـة معينـة ،وإنما
أعجزهـم من نواحي متعددة ،لفظيـة ومعنويـة وروحيـة ،تسانـدت وتجمعت فأعجزت الناس على أن
يعارضـوه ولم تصـل العقول إلى إدراك نـواح اإلعجـاز كلها ،بل وصلت إلى بعضها فقط نذكر منها
مـا يلي :
88
4ـ ـ ف�صاحة القر�آن الكريم وبالغته وقوة ت�أثيره :
ِ
وأطلت النظر فيه ال تجدي لفظ ًا ينبو عنه السمع وال يقبله الذوق وال إنك مهما بحثت في القرآن
يتسق مع سابقه والحقه ولن تجدي في القرآن إال المطابقة لمقتضى األحوال وال أدل على ذلك من
شهادة ألد أعداء المسلمين وهو الوليد بن المغيرة حيث يقول في القرآن «إن له لحالوة وإن عليه
لطالوة وإن أعاله لمثمر وإن أسفله لمغدق وما هو بقول بشر » (.)1
أما قوة تأثير القرآن في النفوس وسلطانه الروحي على القلوب فذلك مما يقف القلم عاجز ًا أمام
عظمته فال منصف إال ويشعر بشدة تأثيره ،وليس هنا صاحب وجدان صادق إال ويحس بهيمنة القرآن
وسلطانـه على المشاعر واألحاسيس ،وعلى القلب والعقل والبدن.
من المعلوم لنا جميع ًا أن القرآن الكريم أساس الشريعة اإلسالمية وأصلها األول وأن الله عز وجل جعله
﴾ تبيـان ًا لكـل شـيء ويدل على ذلك قـولـه جـل شأنـه ﴿:
(سورة النحل اآليـة .)89 :
إال أن بيان القرآن لألحكام على سبيل اإلجمال ال التفصيل وعلى نحو كلي ال جزئي كما دل
على ذلك االستقراء والتتبع ،فالصالة والزكاة والحج ذكرت في القرآن ،ولكن ال نجد فيه بيان عدد
الركعات في الصالة وال كيفية القراءة فيها ،كذلك ال نجد بيان أفعال الحج وكيفيته ،وإنما المرجع في
بيان كل ذلك إلى السنة المطهرة ،على أن القرآن قد تعرض لبيان بعض األحكام على وجه التفصيل
مثل أحكام معقولة ولكن مصالحها ثابته ال تتغير تبع ًا لتغير الزمن وال تختلف تبع ًا الختالف البيئات،
وحكمة مجيء التشريع في القرآن هكذا هي جعل قواعد الشريعة ونصوصها مرنة وشاملة بحيث تتسع
لحاجات الناس في أي زمان وفي أي مكان ،فالقواعد ال تختلف باختالف األزمنة واألمكنة ،وإنما
الذي يختلف هو الجزئيات .
89
�أ�سلوب القر�آن في بيان الأحكام :
للقرآن الكريم في بيان األحكام أساليب متنوعة ،فتارة يدل عليها بصيغة األمر بالفعل أو النهي عنه
﴾ (سورة البقرة اآليـة .)43 : مثل قولـه تعالى ﴿ :
﴾ (سورة األنعام اآليـة .)151 : وقـولـه تعالـى ﴿ :
وتارة يدل عليها باإلخبار بأن الفعل مكتوب أو مفروض أو بأنه حالل أو حرام أو خير أو موصل إلى
البر ،أو بأنـه شر ًا وليس من البر مثل قولـه عز وجل :
﴾ (سورة النساء اآليـة .)103 : ﴿
﴾ وقولـه تعالى ﴿ :
(سورة المائـدة اآليـة .)5 :
﴾ وقولـه تعالى ﴿ :
(سورة آل عمران اآليـة .)180 :
وتـارة يـدل عليها بما يرتبه على الفعـل في العاجل أو اآلجـل من خير أو شـر أو نفع أو ضرر
﴾ (سورة المؤمنون اآليـة .)2 ،1 : كقولـه تعالـى ﴿ :
﴾ وقولـه عـز وجـل ﴿ :
(سورة البقرة اآليـة .)245 :
إلى غير ذلك من األساليب الكثيرة التي نوعها الشارع الحكيم في كتابه ترغيب ًا لعباده وترهيب ًا وتقريب ًا
إلى أفهامهم وعلى هذا يجب على من يريد استنباط األحكام الشرعية مراعاة هذه األساليب المتنوعة
والصيغ المختلفة مع االستعانة في ذلك بما يقارن تلك الصيغ من وعد أو وعيد ،وبما جرى عليه عرف
العرب في االستعمال .
90
الدليل الثـانـي :ال�سنــــة
( )1رواه البخاري ،ج ،1ص ،7كتاب بدء الوحي ،ورواه مسلم ،ج ،13ح ( )1907واللفظ لمسلم.
91
قصا ما حدث للرسول ﷺ فقال أحدهما وأعاد الصالة ولم يتوضأ اآلخر ولم يعد الصالة ،فلما رجعا َّ
للذي توضأ وأعاد « :لك األجر مرتين ،وقال للذي لم يتوضأ ولم يعد الصالة أصبت السنة وأجزأتك
صالتك» ،فكان هذا تقرير ًا من الرسول ﷺ لفعل كل واحد منهما .
ومن ذلك إقرار الرسول ﷺ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن فقال له « :بم تقضي؟ قال :أقضي
بكتاب الله ،قال :فإن لم تجد؟ قال :فبسنة رسول الله ،قال فإن لم تجد؟ قال :أجتهد رأيي وال آلو (أي
ال أقصر في اجتهادي) فضرب الرسول ﷺ على صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله
لما يرضي الله ورسولـه»رواه أحمد وأبو داود والترمذي .فهذا إقرار من الرسول ﷺ لقول معاذ .
أجمع المسلمون على أن ما صدر عن الرسول ﷺ من قول أو فعل أو تقرير ،وكان مقصود ًا بـه
التشريع واالقتداء ،ونقل إلينا بسند صحيح يفيد القطع أو الظن الراجح ،بصدقـه يكون حجة على
المسلمين .ومصدر ًا تشريعي ًا يستنبط منه المجتهدون األحكام الشرعية ألفعال المكلفين ،ومن هذا
نأخذ أن األحكام الواردة في السنة الطاهرة تكون مع األحكام الواردة في القرآن الكريم تشريع ًا يجب
إتباعه والعمل بـه .
92
﴾ وقال ﴿ :
(سورة النساء اآليـة .)59 :
﴾ وقـال ﴿ :
(سورة األحزاب اآليـة .)36 :
﴾ (سورة الحشر اآليـة .)7 : وقـال عز من قائل ﴿ :
2ـ إجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في حياة الرسول ﷺ وبعد وفاته على وجوب إتباع
سنته ،فكانوا في حياته يمضون أحكامه ويمتثلون ألوامره ونواهيه وتحليله وتحريمه وال يفرقون
في وجوب اإلتباع بين حكم أوحي إليه في القرآن وحكم صدر عنـه ﷺ نفسـه .
3ـ أن القرآن الكريم فرض الله فيه على الناس عدة فرائض مجملة غير مبينة ،لم تفصل أحكامها وال
كيفية آدائها مثل :أقيموا الصالة ،وآتوا الزكاة ،وكتب عليكم الصيام ،ولله على الناس حج البيت،
ولم يبين كيفية أداء كل ذلك وقد بين الرسول ﷺ هذا اإلجمال بسنته الطاهرة ،فهذا يدل على أنها
حجة ،إذ لو لم تكن حجة لما بينت مجمل القرآن لكنها بينته ،فهذا يدل على أنها حجة.
تتنوع نسبـة السنـة إلى القرآن تبع ًا لتـنوع جهـة السنـة :
فنسبة السنة إلى القرآن من جهة االحتجاج بها والرجوع إليها في استنباط األحكام الشرعية ،فهي
في المرتبة التالية للقرآن في ذلك ،فالمجتهد ال يرجع إلى السنة في االستدالل على حكم واقعة إال
إذا لم يجد في القرآن الدليل الدال عليها ،ألن القرآن أصل التشريع ومصدره األول ،فإذا نص القرآن
على حكم وجب اتباعه وإذا لم ينص على حكم الواقعة انتقل المجتهد إلى المصدر الثاني وهو السنة
فإن وجد فيها حكمـه اتبعه وعمل بـه .أما نسبتها إلى القرآن من جهة ما ورد فيها من األحكام فإنها إما
أن تكون سنة مقررة ومؤكدة لما جاء في القرآن ،وإما أن تكون سنة مفصلة ومفسرة لما جاء في القرآن
ال أو مقيدة لما جاء فيه مطلق ًا ،أو مخصصة لما جاء فيه عام ًا ،وإما أن تكون سنة مثبتـة ومنشئة مجم ً
حكم ًا سكت عنه القرآن الكريم فيكون هذا الحكم ثابـت ًا بالسنـة .
93
�أقـ�ســــام ال�ســنـــة:
94
3ـ ـ �سـنــة الآحـ ــاد :
مـا رواها عن الرسول ﷺ عدد ال يبلغ حد التواتر من الصحابة ،ثم رواها عن هذا العدد ٌ
عدد ال يبلغ
حد التواتر من التابعين ،ثم نقلها عن هؤالء عدد ال يبلغ حد التواتر من تابعي التابعين ،ومعظم السنة
من هذا النـوع .
حكـم �سـنـة الآحــاد :
أنها تفيد الظن أي الظن الراجح وقد تفيد القطع بالقرائن ويجب العمل بها بجميع ما صح منها
في مسائل الدين كلها االعتقادية والعملية ،والظن الراجح معتبر في الشرع ،ورجحان الظن كاف في
وجوب العمل ،لهذا يقضي بشهادة الشاهد وهي إنما تفيد رجحان الظن بالمشهود به ،وتصح الصالة
بالتحري في استقبال القبلة .
تعـريـفـه :
يطلق اإلجماع في اللغة على معنيين :األول العزم والتصميم ،والثاني االتفاق ،فيقال أجمع القوم
على هذا األمر إذا اتفقوا عليه .
وعند علماء األصول هـو :اتفاق المجتهدين من أمـة محمد ﷺ بعد وفاته في عصر من العصور
على حكم شرعي في واقـعـة من الوقـائـع .
1ـ ـ ـ الركن الأول :وجود عدد من المجتهدين في العصر الذي وقعت فيه المسألـة المراد معرفة
حكمـها الشرعي .
فلـو خال عصر وقوع المسألـة من عدد من المجتهدين بحيث وجد مجتهد واحد فقط أو لم
يوجـد أحد أص ً
ال ال ينعقد اإلجماع .
95
2ـ ـ الركن الثاني :أن يكون االتفاق على الحكم الشرعي صادر ًا من جميع المجتهدين في العصر
الذي وقعت فيه المسألـة.
3ـ ـ الركن الثالث :أن يكون االتفاق من جميع المجتهدين في عصر وقوع المسألة بإبداء كل واحد
منهم رأيه صريح ًا في الواقعة المراد معرفة حكمها الشرعي سواء كان إبداؤه بطريق القول أو
بطريق الفعل .
4ـ ـ الركن الرابع :أن يكون االتفاق من جميع المجتهدين في عصر وقوع المسألة على حكم
شرعي كالحل والحرمة والصحة والفساد وغير ذلك .
إذا تحقق اإلجماع على حكم مسألة من المسائل ،وعلم ذلك اإلجماع صار الحكم الذي أجمعوا
عليه ثابت ًا قطع ًا وال تجوز مخالفته وخرجت المسألة التي اتفقوا على حكمها عن أن تكون مح ً
ال لالجتهاد
والنزاع بعد ذلك اإلجماع .واألدلة على حجية اإلجماع كثيرة نذكر منها ما يأتي :
ً
أوال :قـول اللـه تعـالـى ﴿ :
﴾ (سورة النساء اآليـة .)115 :
96
ووجه الداللة على حجية اإلجماع يتمثل في أن الله تعالى توعد من اتبع غير سبيل المؤمنين
بدخول جنهم ،وسوء المصير ،فكان ذلك دلي ً
ال على أن سبيل غير المؤمنين باطل،وأن سبيل المؤمنين
حق ،وما اتفق عليه أهل االجتهاد من المؤمنين هو سبيل المؤمنين فيكون هو الحق الذي يجب اتباعه،
وال تجوز مخالفته .
ثـانـيـ ًا :قول الرسول ﷺ « :ال تجتمع أمتي على خطأ» وقولـه « :لم يكن الله ليجمع أمتي على
الضاللة» ،ووجـه الداللة من الحديثين الشريفين هو داللتها على عصمة األمة من الخطأ ،وذلك ألن
اتفاق جميع هؤالء المجتهدين على حكم واحد في الواقعة مع اختالف أنظارهم وبيئتهم المحيطة بهم
وتحقق عدة أسباب الختالفهم دليل على أن وحدة الحق والصواب هي التي جمعت كلمتهم ومنعت
وقوع االختالف بينهم وأصبح الحكم الذي اتفقت عليه آراء جميع المجتهدين من أمة محمد ﷺ هو
في الحقيقة حكم األمة ممثلة في مجتهديها الذين أجمعوا على هذا الحكم.
ذهبت طائفة من العلماء إلى أن اإلجماع ال يمكن انعقاده ،لتعذر تحقق أركان اإلجماع ،لعدم وجود
معيار حقيقي به يتعرف على الشخص ويحكم عليه بأنه وصل إلى مرتبة االجتهاد أو لم يصل إليها ،فمعرفة
المجتهد من غيره متعذرة ،ومع فرض وجود مجتهدين وتيسر معرفتهم فالوقوف على أرائهم جميع ًا في
مسألة من المسائل بطريق يفيد اليقين أمر متعذر لتفرقهم بتفرق بالدهم في قارات متباعدة األمر الذي
يتعذر معه تحقيق اإلجماع ،فمن أجل ذلك حكم بعدم إمكانية انعقاد اإلجماع .
وذهب جمهور العلماء إلى القول بأن اإلجماع يمكن انعقاده عادة ،وما ذكره منكروا انعقاد اإلجماع
مجرد تشكيك في أمر واقع بالفعل ،وذكروا أمثله لما ثبت انعقاد اإلجماع عليه كخالفة أبي بكر ،وقتال
مانعي الزكاة ،وتحريم شحم الخنزير ،وغير ذلك من أحكام جزئية وكلية انعقد اإلجماع على إثباتها .
والذي نراه راجح ًا هو أن اإلجماع يمكن انعقاده وذلك بحيث تخصص جهات معينة يتعرف من خاللهم
على أن الشخص بلغ مرتبة االجتهاد أو ًال ،ويمكنها أيض ًا التعرف على آراء المجتهدين وتكثيف االتصاالت بين
مجتهدي كل بلد ،وبهذا يمكن انعقاد اإلجماع ،ويكون الحكم المجمع عليه حكم ًا شرعي ًا واجب االتباع .
97
الدليل الـــرابــع :القــيــــــا�س
وفي اصطالح علماء األصول يعرف بأنه :إلحاق أمر لم ينص على حكمه فـي الكتاب أو السنة أو
اإلجماع بأمر نص على حكمه في أحدهما الشتراكهما في علة الحكم .
وإذا أردنا بيان هذا التعريف نقول :إنه إذا دل الكتاب « القرآن الكريم» أو السنة أو اإلجماع على
حكم وعرف المجتهد علة تشريع هذا الحكم عن طريق من طرق معرفة علل األحكام ،ثم طرحت
عليه مسألة لم ينص على حكمها في واحد من األدلة الثالثة ،ولكن توجد فيها العلة التي وجدت في
المنصوص عليه فإنه والحالة هذه يجمع بينهما في العلة وعندئذ يلحق ما لم يرد فيه نص بما ورد فيه
نص ويسوى بينهما في الحكم ،فهذا اإللحاق يسمى قياس ًا في اصطالح األصوليين ،وما ورد النص
بحكمه يسمى عندهم باألصل أو المقيس عليه ،وما لم يرد النص بحكمه يسمى بالفرع أو المقيس،
والمعنى الذي ألجله شرع الحكم في المنصوص عليه يسمى بالعلة .
فهذه اآلية الكريمة دلت على حكم الخمر وهو التحريم لعلة وهي اإلسكار ،فكل شيء ماثل الخمر
في العلة وهي اإلسكار يسوى بالخمر ويلحق بها في الحكم وهو التحريم سواء كان هذا الشيء مشروب ًا
كالخمر أو غير مشروب .المهم وجود العلـة فيـه .
98
�أركـــــان القــيـــــــــا�س :
المقصود بأركـان الشيء أجـزاؤه التي ال يتحقق بدونها ،والقياس كذلك البد لتحققـه من أركان
وهذه األركـان أربعــة وهـي :
:وهو ما ثبت الحكم فيه بالنص ( )1أو اإلجماع . 1ـ األصـل
:وهو ما لم يرد بحكمه نص وال إجماع . 2ـ الفـــرع
3ـ حكم األصل :وهو الحكم الشرعي الثابت لألصل ،ويراد إثباته للفرع بطريق القياس .
:وهي المعنى الذي ألجله شرع الحكم في األصل . 4ـ العلـــة
أما الحكم الذي ثبت في الفرع بطريق القيـاس فـال يعد ركنـ ًا من أركـان القياس وإنما هو نتيجـة
القيـاس وثمرتـه .
كما أن للقياس أركانـ ًا فلـه أيض ًا شروط ال يصح إال بتحققها ،وهذه الشروط في الحقيقة ألركان
القيـاس ،وفيما يلي بيان تلـك الشروط :
99
ثانياً � :شروط حكم الأ�صل :
يشترط في حكم األصل ما يأتـي :
1ـ أن يكون حكم األصل حكم ًا شرعي ًا عملي ًا ثابت ًا بالنص .
2ـ أن يكون للحكم علة يستطيع العقل إدراكها ،ألن القياس يقوم على وجود علة لحكم األصل،
وإدراك العقل لها ،كي يمكن أن ينقل الحكم إلى الفرع الذي يشترك مع األصل في هذه العلة،
فإذا لم يكن للعقل سبيل إلى إدراك العلة التي ألجلها شرع حكم األصل امتنع القياس.
3ـ أال يكون حكم األصل مختص ًا به ،ألن االختصاص ال يثبت إال بدليل شرعي يدل عليه ،فإذا
دل الدليل على االختصاص ،كان إثبات الحكم للفرع بالقياس مخالف ًا لذلك الدليل ،والقياس
المخالف للدليل الشرعي باطل .
100
4ـ أال تكون العلة وصف ًا قاصر ًا على األصل ،ومعنى هذا أن يكون الوصف الذي علل به حكم
األصل مما يمكن وجوده في غيره من األفراد والمحال أما إذا كان الوصف الذي علل به حكم
األصل قاصر ًا عليه وال يوجد في غيره ،فال يتحقق القياس ألن القياس البد فيه من اشتراك
األصل والفرع في علة الحكم ،فإذا كانت علة الحكم قاصرة على األصل وال توجد في غيره،
لم يتحقق القياس النعدام العلة في الفرع .
مثل إباحة الفطر في رمضان للمسافر والمريض ،فعلة اإلباحة لذلك هي السفر والمرض ،وكل
منهما وصف قاصر على األصل ال يتعداه إلى غيره ألن السفر ال يوجد إال في مسافر والمرض
ال يكون إال في مريض ،فال يقاس على ذلك صاحب الصنعة الشاقة النعدام علة الحكم فيه .
101
ال من 2ـ ومن السنة ما ثبت عن النبي ﷺ أنـه استخدم القياس في كثير من المسائل منها :أن رج ً
خثعم جاء إلى رسول الله ﷺ فقال :إن أبي أدركه اإلسالم ،وهو شيخ كبير ال يستطيع ركوب
الرحل ،والحج مكتوب عليه ،أفأحج عنه؟ قال ﷺ :أنت أكبر ولده؟ قال :نعم ،قال ﷺ :
أرأيت لو كان على أبيك دين ،فقضيته أكان يجزئ ذلك عنه؟ قال :نعم ،قال ﷺ :فحج عنه .
فهذا بيان من الرسول ﷺ للحكم بطريق القياس( ،وهو) قياس دين الله تعالى الحج على دين
الخلق في صحة القضاء ،وتجزيئه عن الغير ،وهذا دليل على حجية القياس ألنه لو لم يكن حجة لما
استخدمه الرسول ﷺ ،ولكنه استخدمه فدل هذا على أنه دليل وحجة يرجع إليه في استنباط األحكام
الشرعـيـة.
ويجاب عن هذا بأن الظن المنهي عن اتباعه في الكتاب هو الظن المذموم والمرجوح.
102
أما األحكـام العمليـة الشرعيـة فالظن فيها يكفي باالتفاق بين العلماء ،وال أدل على ذلك من أننا
مكلفون بالعمل بخبر الواحد ،وهو يفيد الظن الراجح ،وعليه فالقياس ليس منهي ًا عنه ،فيكون
حجة ويصلـح ألن يرجـع إليه في استنباط األحكام الشرعيـة ،وبذلك يكون الدليل الثاني أيض ًا
مردود كالدليل األول.
ولو نظرنا في أدلة كل فريق تبين لنا بجالء ووضوح رجحان مذهب الجمهور القائل بحجية
القياس وذلك لسالمة أدلتهم من المناقشات والردود األمر الذي جعلها صالحة إلثبات رأيهم
بخالف أدلة الفريق الثاني فهي لم تسلم من الردود والمناقشات األمر الذي نال من قوتها
وجعلها غير صالحة إلثبات رأيهم في حجية القياس.
* وبعد االنتهاء من الحديث عن األدلة التي أتفق على أنها حجة يستدل بها على األحكام
الشرعية ،ننتقل إلى الحديث عن بعض األدلة المختلف في حجيتها .وفي الصفحات التالية
إيضاح لذلك إيضاح بإيجاز مفيد .
تعـريـفـه :
االستحسان في اللغة عد الشيء حسن ًا .وعند علماء األصول :هو « عدول المجتهد عن قياس جلي
إلى قياس خفي أو عن حكم كلي إلى حكم استثنائي لدليل أنقدح في عقله رجح إليه هذا العدول».
فإذا عرضت مسألة ال نص فيها وال إجماع واختلف النظر فيها إلى وجهتين مختلفتين إحداهما
ظاهرة تقتضي حكم ًا واألخرى خفية تقتضي حكم ًا آخر ،ولكن قام بنفس المجتهد دليل رجح وجهة
النظر الخفية فعدل عن الوجهة الظاهرة إلى الخفية ،فهذا العدول هو االستحسان -وكذلك إذا كان
الحكم كلي ًا قام بنفس المجتهد دليل يقتضي استثناء جزئية من هذا الحكم الكلي والحكم عليها بحكم
آخر ،فهذا أيض ًا يسمى شرع ًا استحسان ًا .
103
حجـيــــة اال�ستحـ�ســـان :
الأدلــــــــــــــــة :
﴾ (سورة الزمر اآليـة .)18 – 17( : 2ـ قـال تعالى ﴿ :
ووجه الداللـة :يتمثل في أن اآلية الكريمة ذكرت في مقام المدح والثناء على المتبعين ألحسن
القول ،والمدح على الفعل إن كان مع العقاب على الترك ،كان واجب الفعل ،وإن كان مع عدم
العقاب على الترك كان مندوب ًا هكذا قال علماء األصول .
فقد دار العمل باالستحسان بين الوجوب والندب ،ويقوي جانب الوجوب اآلية األولى فيكون
العمل باالستحسان واجب ًا وهذا ما ندعيه .
104
فيهما ترك األمـر فيه إلى استنتاج الحكم من القياس عليهما ،قـال تعالـى ﴿ :
﴾ (سورة النساء اآليـة ،)59 :فـإن كان االستحسان من الكتاب أو السنـة فال
داعي لذكـره ،وإن كان خارج ًا عنهما فالواجب طرحه وعـدم االلتفات إليـه ،وإال كـان مناقض ًا
لآليـة الكريمة .
2ـ تأمر اآليـة القرآنية بطاعة الله وطاعة رسولـه ﷺ ،وتنهى عن اتباع الهوى .وتأمر المؤمنين عند
التنازع في شيء أن يـردوه إلى اللـه والرسول ،قـال تعالى ﴿ :
105
الدليل ال�ساد�س :الم�صــالــح المــر�سـلــة (: )1
تعريـفـهـا :
هي المصالح التي لم يقم دليل من الشرع على اعتبارها أو إلغائها ،وسميت مرسلة ألنها لم تقيد
بدليل اعتبار أو دليل إلغاء ،وأمثلة المصالح المرسلة أكثر من أن تحصى ،فمنها إنشاء الدواوين لرعاية
مصالح األمة ،وضرب النقود وتوثيق الزواج وكتابة المصحف ،كل ذلك لمصالح تترتب عليها ،ولم
يوجد عن الشارع نص باعتبارها أو إلغائها .
اختلف األصوليون في اعتبار المصالح المرسلة أدلة تثبت بها األحكام الشرعية على ثالثـة أقوال :
الأول :أنها ليست بحجـة مطلقـ ًا .
الثاني :أنها حجـة مطلقـ ًا .
الثالث :أنها حجة إذا كانت المصالح التي تترتب عليها ضروريـة قطعيـة كليـة ،وليست بحجة إن
فقد واحد من هذه األمور الثالثـة .
وقد اشترط القائلون بحجية المصالح المرسلة عدة شروط البد من توافرها في تلك وهي :
1ـ أن تكون مصلحة حقيقية وليست مصلحة وهمية .
2ـ أن تكون مصلحة عامة وليست مصلحة شخصية .
3ـ أن ال يعارض التشريع لهذه المصلحة حكم ًا أو مبدأ ثبت بالنص أو اإلجماع .
واسـتدل القائلون بأنها حجـة بدليلين :
الأول :أن مصالح الناس تتجدد بتجدد الزمان والمكان والناس ،فهي ال تنتهي .فلو لم تشرع
واقتصر التشريع على المصالح التي اعتبرها الشارع فقط ،لترتب على ذلك تعطيل الكثير
( )1المراد بكلمة المصالح أي األوصاف المناسبة لما يراد تشريعه من أحكام ومعنى المرسلة أي المطلقة عن دليل اعتبار أو إلغاء.
106
من مصالح الناس في مختلف األزمنة واألمكنة ،ووقف التشريع عن مسايره ومواكبة
حياة الناس ومصالحهم وهذا ال يتفق وما قصد بالتشريع من تحقيق مصالح الناس .
الثاني :أن من تتبع فقه الصحابة والتابعين واألئمة المجتهدين يظهر له بوضوح أنهم أفتوا بأحكام
كثيرة تهدف إلى تحقيق مطلق المصلحة ،ال لوجود شاهد من الشرع باالعتبار ،واألمثلة
على ذلك كثيرة منها جمع أبي بكر للصحف والرقاع واأللواح التي دون فيها القرآن
الكريم ومحاربته لمانعي الزكاة ،ومنها منع عمر سهم المؤلفة قلوبهم من الصدقات،
وغير ذلك مما يدل على إعمالهم لتلك المصالح وتشريعهم األحكام بناء عليها وهذا
دليل على أنها حجة .
وأظهر المنكرون لحجيتها عدة شبه لدعم قولهم إال أنها نوقشت من قبل القائلين بحجية
المصالح المرسلة وأسفرت عن ردها وعدم اعتبارها األمر الذي من أجله رجح القول
بحجية المصالح المرسلة.
العـرف :هو ما تعارفـه الناس واستقروا عليه من قول أو فعل ،مثل تعارفهم على أنهم ال يطلقون
على السمك لحم ًا .
وتعارفهم على أن الصداق بعضـه مقدم ،والبعض اآلخـر مؤجل ،فإذا اضطرب العرف ولم يستقروا
عليـه فال اعتبـار لـه .
أما العـرف الفاسـد :فهو ما تعارفه الناس لكنـه يخالف الشرع أو يحل المحرم أو يبطل الواجب،
كتعارف الناس كثير ًا من المنكرات في الموالد والمآتم وتعارفهم أكل الربا ،وعقود المقامرة ،فكل
ذلك عرف فاسد ال يعتد بـه وال اعتبار لـه شرع ًا .
ال نزاع بين العلماء في أن العرف إذا كان مخالف ًا ألدلة الشرع وأحكامه الثابتة التي ال تتغير باختالف
البيئات والعادات ال يلتفت إليه وال يعتد به بل يجب إلغاؤه فور ًا ،كتعارف الناس شرب الخمر ولعب
الميسر ،والتعامل بالربا ،وغير ذلك من األعراف الفاسدة التي حرمتها الشريعة اإلسالمية لما يترتب
عليها من المفاسد الدينية واالجتماعية .
108
الدليل الثامـن :اال�ست�صحــاب :
اال�ست�صحـاب :هو جعل الحكم الثابت في الماضي باقي ًا إلى الحال لعدم العلم بالمغير .
مثال ذلـك :الملـك الذي ثبت بعقد البيع في الماضي ،فإنـه يبقى فـي الحـال إلى أن يقـوم دليل
على تغيـيـره.
وكذلك الطهارة في الماضي فإنها تبقى في الحال إلى أن يقوم دليل على زوالها .
حجــيـــتــه :
ال مستق ً
ال وإنما وتجاه هذه األقوال الثالثة يمكن القول بأن الحقيقة هي أن االستصحاب ليس دلي ً
هو إبقاء لداللة الدليل الدال على الحكم ،حتى يقوم دليل على تغييره .
من أجل ذلك قال العلماء « :أن االستصحاب آخر ما يلجأ إليه المجتهد» .
109
أسئـلــة
س : 1تحدثي بالتفصيل المفيد عن خصائص القرآن الكريم وحجيته وأسلوبه في بيان األحكام.
س : 2ما هي حقيقة السنة في اللغة وفي اصطالح علماء األصول؟ وما أنواعها؟ وما هي آراء
العلماء في حجيتها؟
س : 3عرفي اإلجماع ،ثم اذكري أركانـه ،وأنـواعـه ،وما هي آراء العلمـاء في حجيتـه؟
س : 4ما هي أركان القياس ؟ وما هي شروطه؟ وما هي آراء العلماء في حجيتـه ؟
س : 5تحدثي بإيجاز مفيد عن آراء العلماء في حجية االستحسان مع االستدالل على كـل رأي.
س : 6ما هي حقيقـة العـرف؟ وما هي آراء العلماء في االستدالل بـه على األحكام الشرعية؟
110
الفصل الثالث
111
القـواعـد الأ�صـولـيـة الت�شـريـعـيـة
المقصود بالقواعد األصولية التشريعية هي القواعد التي استمدها علماء أصول الفقه تمهيد :
اإلسالمي من خالل تتبعهم األحكام الشرعية ومن استقراء عللها وحكم مشروعيتها ومن النصوص
المقررة للمبادئ التشريعية العامة واألصول التشريعية الكلية ،وهذه القواعد كما تجب مراعاتها في
عملية استخراج األحكام من األدلة ،فكذلك تجب مراعاتها في عملية استنباط األحكام من األدلة،
فكذلك تجب مراعاتها في عملية استنباط األحكام فيما ال نص فيه ،من أجل تحقيق المقاصد التي
قصدها التشريع اإلسالمي ليحقق مصالح الناس ويقيم العدل بينهم .
المقاصد جمع مقصد ،والمقصد العام للشارع من تشريع األحكام هو تحقيق مصالح العباد في
هذه الحياة ،وذلك بجلب المنفعة لهم ودفع المضرة عنهم ،ألن مصالح العباد تتكون من أمور ضرورية
لهم ،وأمور حاجية ،وأمور تحسينية فإذا توافرت لهم الضروريات والحاجيات والتحسينات تحققت
مصالحهم.
ولتحقيق هذه المصالح شرع الشارع الحكيم أحكام ًا في مختلف أبواب أعمال اإلنسان كي يحقق
ما تتكون منه هذه المصالح من ضروريات وحاجيات وتحسينات للفرد وللجماعة دون إهمال لواحد
منها ،فما من حكم شرع إال وتجد فيه حفظ لواحد من هذه الثالثـة .
وفيما يلي تعريف الضروريات والحاجيات والتحسينيات مع ذكر مثال لكل منها :
112
�أو ًال :ال�ضـــروريـــــات :
هي األمور التي ال تستقيم حياة الناس بدونها ،ويترتب على فقدهـا اختالف نظام الحياة وشيوع
الفوضى بين الناس وضياع مصالحهم واألمور الضرورية لنا بهذا المعنى ترجع إلى المحافظة على
خمسة أشياء هي :الدين ،النفس ،العقل ،النسل ،المال.
وللمحافظة على الدين :فقد شرع اإلسالم أحكام ًا تكفل حفظه وصيانته مثل أحكام الجهاد لمحاربة
من يقف عقبة في سبيل الدعوة إليه ،وتشريع عقوبة المرتد عن دينه ،وعقوبة من يبتدع ويحدث في
الدين أمر ًا ليس منه .
وفي سبيل تحقيق المحافظة على النفس :التي هي نعمة من الله تعالى وال يمتلك أحد أخذها فقد
﴾ (سورة البقرة اآليـة . )179 : شرع اإلسالم القصاص ،قال تعالى ﴿ :
كما شرع منع االعتداء عليها وعلى األطراف أو أي جزء من أجزاء الجسم وشرع كذلك حد القذف،
وحرية العمل والرأي واإلقامة وشرع كذلك ما يكون سبب ًا في وجودها مثل مشروعية النكاح من أجل
التوالد والتناسل .
أمـا العقل :فقد شرع اإلسالم للمحافظة عليه وحمايته من التلف ،عقوبة شارب الخمر وغيرها من
المخدرات قياس ًا عليها .
والنسل :أيض ًا شرع اإلسالم للمحافظة عليه عقوبة الزنا وشدد عليها ،كما منع من إشاعة الفاحشة
بين الناس ،وكذلك شرع النكاح وشرع كل ما يكفل حماية الحياة الزوجية ويساعد على استمرارها،
حرم القذف وعاقب عليه كل ذلك لتحقيق المحافظة على النسل . وكذلك ّ
والمال :شرع اإلسالم للمحافظة عليه وحمايته أحكام ًا كثيرة مثل تحريم السرقة والمعاقبة عليها،
وتحريم الربا وتحريم أكل أموال الناس بالباطل ،وتحريم الغش والخيانة وأوجد ضمان المتلفات إلى
غير ذلك من التشريعات التي حققت المحافظة على المال .
113
ثـانـيــ ًا الحـاجــيـــات :
األمور الحاجية هي ما يحتاج إليه الناس لليسر والسعة ،واحتمال مشاق التكاليف ،وأعباء الحياة.
وإذا فقد األمر الحاجي فال يترتب على فقدانه اختالل نظام الحياة ،كما ال تعم الفوضى في حياة الناس
بسبب فقدانه وللمحافظة على األمور الحاجية شرع اإلسالم في مختلف أبواب العبادات والمعامالت
والعقوبات مجموعة من األحكام لتحقيق المقصود منها وهو رفع الحرج عن الناس والتيسير لهم .
ففـي العـبـادات :شرع اإلسالم الرخص تحقيق ًا وتيسير ًا على المكلفين فأباح الفطر في رمضان
للمريض والمسافر سفر طاعة ،كما شرع قصر الصالة الرباعية للمسافر .
وفي المعامالت :شرع اإلسالم كثير ًا من أنواع العقود والتصرفات التي تتطلبها وتقتضيها حاجات
الناس ،مثل :السلم ،واالستصناع ،والمزارعة ،والمساقاة ،وغير ذلك مما جرى عليه عرف الناس
ودعت إليه حاجاتهم .
وفـي العقوبـات :جعل اإلسـالم الديـة على العاقـل تخفيـفـ ًا عن القـاتـل خطأ ،وشـرع درء
الحـدود بالشبهات.
وهي األمور التي تقتضيها المروءة واآلداب وسير األمور على المنهاج القويم .
وال يترتب على فقدانها اختالل نظام حياة الناس ،كما ال ينالهم حرج من فقدانه وترجع األمور
التحسينية إلى مكارم األخالق ومحاسن العادات وإلى كل ما يقصد به سير الناس في حياتهم على
أحسن منهاج ولقد شرع اإلسالم أحكام ًا تهدف إلى التحسين والتجميل وتعود الناس أحسن العادات
وترشدهم إلى المنهاج الطيب الحسن .
114
ففـي العـبـادات :مث ً
ال شرع الطهارة للبدن ،والثوب والمكان وستر العورة واالحتراز عن النجاسات،
وندب أخذ الزينة عند كل مسجد .
تعريف الن�سخ :هو بيان انتهاء حكم شرعي بطريق شرعي( )1آخر متراخ عنه(.)2
فحقيقـة النسخ :أن يثبت بدليل شرعي تعلق حكم شرعي بفعل المكلف خالي ًا عن قرينة التأبيد أو
التوقيت ،ثم يأتي الشارع بدليل يبين به أن الزمن المحدد في علمه -لتعلق هذا الحكم قد انتهى ويسمى
الحكم األول منسوخ ًا ،والثاني ناسخ ًا .مثال ذلك :أن الله تعالى قد أباح الخمر في أول اإلسالم ،وكان
في علمه أن يحرمها بعد مدة ،ولكن لم يقل لنا :إني أبيح الخمر إلى مدة معينة ،بل أطلق اإلباحة ،فكان
في زعمنا بقاء هذه اإلباحة إلى يوم القيامة ،ثم لما جاء التحريم بعد ذلك كان بيان ًا من الشارع بانتهاء
زمن اإلباحة الذي كان في علمه ،وتبدي ً
ال لإلباحة بالحرمـة.
115
�شــــروط النـ�ســــــخ :
116
هذا وإن لم يعرف الناسخ والمنسوخ ،فإن أمكن الجمع بينهما عمل به ،وإن لم يمكن الجمع بينهما،
وجب التوقف عن العمل بهما لتعارضهما ،ألن العمل بأحدهما ترجيح من غير مرجح ،وهو تحكم،
ينافي مقتضى العقل .
هو األحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين ،أما األحكام الشرعية المتعلقة بأصول الدين فال
نسخ فيها ،وكذلك األخبار الماضية أو المستقبلية الخاصة باألمم أو بأحوال اآلخرة .
ينحصـر زمـن النسـخ فـي الفـترة الزمنية الواقـعـة بين بعثـة الرسـول ﷺ ووفاتـه ،فـال نسخ بـعـد
وفـاتــه ﷺ .
بـعـد ثبوت النسخ يترك الحكم المنسـوخ ويعمل بمـا دل عليـه الناسخ وذلك باإلجمـاع .
التعار�ض هو :تقـابـل الدليليـن على سبيل الممانعـة بحيـث يـدل أحـدهما علـى خـالف مـا يـدل
عليـه اآلخـر .
هـذا ويقع التعارض بين األدلـة بالنسبـة لنا لجهلنا بالناسخ والمنسوخ إذ البد أن يكون الناسخ
متأخر ًا عن المنسـوخ فإذا لم يعلم التاريخ بين المتقدم والمتأخر يقع التعارض بينهما ظاهر ًا فإنه ال
تعارض في نفس األمـر.
117
�أقــ�ســـــام التعــــــار�ض :
118
والمرجحات هي األمور التي يظهر بها قوة أحد الدليلين على اآلخر ،وهي كثيرة نذكر منها على
سبيل المثال :
119
�شــــروط المجـتـهــد :
البد في المجتهد أن يكون مكلف ًا متمكن ًا من استخراج األحكام من أدلتها ويتحقق له التمكن من
ذلك بالشروط التالية :
1ـ معرفة نصوص الكتاب والسنـة المتعلقة باألحكام .
2ـ معرفة المسائل المجمع عليها ،حتى ال يفتى بخالف ما وقع عليه اإلجماع .
3ـ معرفة القياس وما يتعلق به من المباحث ،ألنه قاعدة االجتهاد والموصل إلى تفاصيل األحكام
التي ال حصر لها .
4ـ معـرفـة كيفية النظـر ،وذلك بأن يعرف الحدود والبراهين وما يتعلق بها ،ليأمن من الخطأ في النظر.
5ـ معرفة علوم اللغة العربية ،من نحو وصرف ومعان وبيان ،وما في علم أصول الفقه من مباحث
العام والخاص والمطلق والمقيد ،والمجمل والمبين واألمر والنهي ،وغير ذلك مما له دور في
عملية استنباط األحكام ألن نصوص الكتاب والسنة عربية ،فال يمكن االستنباط فيها إال بفهم
كالم العرب إفراد ًا وتركيب ًا .
6ـ معرفة الناسخ والمنسوخ ،والراجح والمرجوح ،وأسباب النزول ،كي ال يحكم بالمنسوخ ويترك
الناسخ ،أو بالمرجوح ويترك الراجح ،وألن سبب النزول يعينه على فهم المراد من النص.
7ـ معرفة حال الرواة من قوة وضعف ومعرفة طرق الجرح والتعديل ليعمل بالصحيح ويترك
الضعيف ،ويمكنـه الترجيح عند التعارض .
120
والمذهب الثاني هو المذهب المختار لقوله ﷺ « :إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ
فله أجر» متفق عليه .
وبعد نسأل الله تعالى العلي القدير أن يجعل عملنا خالص ًا لوجهه الكريم وقصدنا ابتغاء مرضاته،
فله الحمد في األولى واآلخرة وله الحكم وإليه المصير والصالة والسالم على رسولنا محمد وعلى
آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أسئـلــة
121
أهم المراجع
122
الفهــرس
ال�صفحة المـــــــو�ضـــــــــوع
4 المقدمة
الف�صل الدرا�سي الأول
8 الباب الأول :تاريخ الت�شريع والفقه الإ�سالمي
ـ ـ المبحث الأول :تعريف تاريخ الت�شريع ومعنى الت�شريع و�أهميته والغر�ض من درا�سته،
9 ون�ش�أته وتطوره و�أدواره
16 ـ ـ المبحث الثاني :بيان مفهوم ال�شريعة الإ�سالمية ،ومكانتها ،ومميزاتها وخ�صائ�صها
20 ـ ـ المبحث الثالث :م�صادر الت�شريع الإ�سالمي
ـ ـ المبحث الرابع :تعريف الفقه الإ�سالمي وتطوره ومميزاته وظهور المذاهب الفقهية
24 و�أ�صولها و�أ�شهر م�ؤلفاتها
40 ـ ـ المبحث الخام�س � :أ�سباب االختالف بين المذاهب الفقهية
45 ـ ـ المبحث ال�ساد�س� :أ�شهر �أئمة المذاهب الفقهية و�أهل الفتوى واالجتهاد
الف�صل الدرا�سي الثاني
60 الباب الثاني �« :أ�صـول الفـقــه»
61 ـ ـ تمهيد :تعريف علم �أ�صول الفقه ون�ش�أته ،وتدوينه وا�ستمداده و�أهميته
74 ـ ـ الف�صل الأول � :إعطاء فكرة مي�سرة عن الأحكام ال�شرعية
75 ـ ـ تعريف الحكم ال�شرعي
77 ـ ـ �أق�سام الحكم ال�شرعي
77 ـ ـ �أق�سام الحكم التكليفي باعتبار ذاته
78 ـ ـ �أق�سام الحكم التكليفي باعتبار متعلقـه
79 ـ ـ �أق�سام الحكم التكليفي باعتبار موافقته للدليل وعدم موافقته له
79 ـ ـ تعريف الرخ�صة و�أنواعها
80 ـ ـ تعريف العزيمة و�أنواعها
82 ـ ـ الحاكم
83 ـ ـ المحكوم فيه
83 ـ ـ المحكوم عليه
85 ـ ـ الف�صل الثاني :الكالم عن الأدلة ال�شرعية
86 ـ ـ الدليل الأول :القر�آن الكريم وخ�صائ�صه
87 ـ ـ حجية القر�آن الكريم ومنزلته في اال�ستدالل
123
ال�صفحة المـــــــو�ضـــــــــوع
88 وجوه �إعجاز القر�آن الكريم
89 بيان القر�آن الكريم للأحكام
91 -الدليل الثاني :ال�سنة – تعريفها ,و�أنواعها
92 حجية ال�سنة
93 ن�سبة ال�سنة�إلى القر�آن
94 �أق�سام ال�سنة
95 -الدليل الثالث :الإجماع
95 �أركان الإجماع و�أنواعه
96 حجية الإجماع
97 �إمكان انعقاد الإجماع
98 -الدليل الرابع :القيا�س
99 �أركان القيا�س و�شروطه
101 حجية القيا�س
103 -الدليل الخام�س :اال�ستح�سان
104 حجية اال�ستح�سان
106 -الدليل ال�ساد�س :الم�صالح المر�سلة
106 حجية الم�صالح المر�سلة
107 -الدليل ال�سابع :العرف
107 �أنواع العرف وحجيته
109 -الدليل الثامن :اال�ست�صحاب
109 حجية اال�ست�صحاب
111 الف�صل الثالث :الحديث عن القواعد الأ�صولية الت�شريعية
112 -القاعدة الأولى :المقا�صد العامة من ت�شريع الأحكام
115 -القاعدة الثانية :في الحديث عن الن�سخ
117 -القاعدة الثالثة :في الحديث عن التعار�ض والترجيح
119 -القاعدة الرابعة :في الحديث عن االجتهاد والتقليد
122 � -أهم المراجع
124