You are on page 1of 295

Withe

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻛﺘﺐ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﺷﻬﺮﻳﺔ ﻳﺼﺪرﻫﺎ‬


‫اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻨﻮن واداب ‪ -‬اﻟﻜﻮﻳﺖ‬
‫ﺻﺪرت اﻟﺴﻠﺴﻠـﺔ  ﻳﻨﺎﻳﺮ ‪1978‬‬
‫أﺳﺴﻬﺎ أﺣﻤـﺪ ﻣﺸـﺎري اﻟﻌﺪوا )‪ (1990-1923‬ود‪ .‬ﻓﺆاد زﻛﺮﻳﺎ )‪(2010-1927‬‬

‫ﺣﺮب واﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ‬
‫ﻧﻬﻮج وﻣﻔﺎﻫﻴﻢ )اﻟﺠﺰء اول(‬

‫ﺗﺄﻟﻴﻒ‪:‬‬
‫ﺟﻮزﻳﻒ ﻫﻴوﺗﲔ‬
‫أوﻟﻴﻔﻴﻴﻪ ﺷﻤﻴﺖ‬
‫ﺳﺘﻴﻔﺎن ﺗﺎ ّﻳﺎت‬
‫ﺗﺮﺟﻤﺔ‪ :‬أﳝﻦ ﻣﻨ‬

‫ﻣﺎﻳﻮ ‪2019‬‬
‫‪472‬‬
‫سلسلة شهرية يصدرها‬
‫اجمللس الوطني للثقافة‬
‫والفنون واآلداب‬

‫أسسها‬
‫أحمد مشاري العدواين‬
‫د‪ .‬فــــؤاد زكـــريـــــا‬

‫املشرف العام‬
‫األمني العام‬

‫مستشار التحرير‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬محمد غانم الرميحي‬
‫‪rumaihimg@gmail.com‬‬
‫هيئة التحرير‬
‫ترسل االقرتاحات عىل العنوان التايل‪:‬‬ ‫أ‪ .‬جاسـم خالد السعــدون‬
‫السيد األمني العام‬ ‫أ‪ .‬خليل عيل حيدر‬
‫د‪ .‬سعداء سعد الدعاس‬
‫للمجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‬
‫د‪ .‬عيل زيد الزعبي‬
‫ص‪ .‬ب‪ - 28613 :‬الصفاة‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬عيىس محمد األنصاري‬
‫الرمز الربيدي ‪13147‬‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬طارق عبداملحسن الدويسان‬
‫دولة الكويت‬ ‫أ‪ .‬منصور صالح العنزي‬
‫هاتف‪)965( 22431704 :‬‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬ناجي سعود الزيد‬
‫‪www.kuwaitculture.org.kw‬‬
‫مديرة التحرير‬
‫التنضيد واإلخراج والتنفيذ‬ ‫عالية مجيد الرصاف‬
‫وحدة اإلنتاج يف املجلس الوطني‬ ‫‪a.almarifah@nccalkw.com‬‬
‫‪ISBN 978 - 99906 - 0 - 638 - 6‬‬ ‫سكرتيرة التحرير‬
‫هلل فوزي املجيبل‬
‫العنوان األصلي للكتاب‬

Guerre et stratégie
Approaches et concepts

By
Stephane Taillat, Joseph Henrotin & Olivier Schmitt
PUF, 2015

Copyright © Press University de France/ Humensis, Guerre et


stratégie, Approaches et concepts

‫ُطبع من هذا الكتاب ثالثة وأربعون ألف نسخة‬

2019 ‫ هـ ــ مايو‬1440 ‫رمضان‬


‫ا‬

‫المواد المنشورة في هذه السلسلة تعبر‬


‫عن رأي كاتبها وال تعبر بالضرورة عن رأي المجلس‬

‫‪6‬‬
‫احملتوى‬

‫‪11‬‬ ‫مقدمة املرتجم‬

‫‪15‬‬ ‫افتتاحية‬

‫‪25‬‬ ‫مقدمة‬

‫اجلزء األول‬

‫‪35‬‬ ‫إطار الفعل‬

‫الفصل األول‬

‫‪37‬‬ ‫تاريخ التفكري االسرتاتيجي‬

‫الفصل الثاين‬

‫‪51‬‬ ‫االستدالل االسرتاتيجي‬

‫الفصل الثالث‬

‫‪63‬‬ ‫األطراف الفاعلة يف العملية االسرتاتيجية‬

‫الفصل الرابع‬

‫‪81‬‬ ‫النظام الدويل والرهانات االسرتاتيجية‬

‫‪7‬‬
‫الفصل اخلامس‬

‫‪97‬‬ ‫التاريخ العسكري أداةً للتحليل‬

‫الفصل السادس‬

‫املَعالِم املكانية للفعل االسرتاتيجي‪ :‬الوضعية‬

‫‪105‬‬ ‫واملساهمة اجليواسرتاتيجية‬

‫الفصل السابع‬

‫مفهوم الثقافة االسرتاتيجية يف الدراسات‬

‫‪123‬‬ ‫االسرتاتيجية‬

‫الفصل الثامن‬

‫‪135‬‬ ‫الرأي العام والفعل االسرتاتيجي‬

‫الفصل التاسع‬

‫‪153‬‬ ‫األخالق والفعل االسرتاتيجي‬

‫اجلزء الثاين‬

‫‪175‬‬ ‫حتليل اسرتاتيجي‬

‫‪8‬‬
‫الفصل العاشر‬

‫‪177‬‬ ‫حتليل عسكري‬

‫الفصل احلادي عشر‬

‫‪191‬‬ ‫حتليل القدرة والتسليح ودور التكنولوجيا‬

‫الفصل الثاين عشر‬

‫مستويات احلرب‪ :‬مفهوم احلرب على الطريقة‬

‫‪205‬‬ ‫األمريكية‬

‫الفصل الثالث عشر‬

‫أمناط احلرب‪ :‬االسرتاتيجيات غري النظامية‬

‫‪219‬‬ ‫واالسرتاتيجيات اخملتلطة‬

‫‪233‬‬ ‫الهوامش‬

‫‪281‬‬ ‫ببليوغرافيا‬

‫‪9‬‬
‫مقدمة املرتجم‬

‫مقدمة‬
‫املرتجم‬

‫يعد كتاب «حرب واسرتاتيجية‪ ..‬مقاربات‬


‫ومفاهيم» أول كتاب باللغة الفرنسية يتعرض‬
‫لقضية الدراسات االسرتاتيجية‪ ،‬وهي الدراسات‬
‫التي تحظى باهتامم املؤسسات الكربى يف الدول‬
‫العظمى‪ ،‬وذلك ملا تتمتع به من صلة وثيقة‬
‫مبجريات السياسات الدولية‪ُ .‬تشارك الدراسات‬
‫االسرتاتيجية بفاعلية كاملة يف مرشوع «فهم العامل‬
‫من أجل تغيريه» كام أكد ذلك بيري فافر ‪Pierre‬‬
‫‪ .Favre‬وال تتعلق القضية األساسية بالتفسري‪،‬‬ ‫«يضم هذا الكتاب بني دفتيه أفكار‬
‫مجموعة من أفضل الخرباء الفرنسيني‬
‫بل بالتغيري من خالل إحداث تغيريات عسكرية‬ ‫وغري الفرنسيني‪ ،‬الذين اجتهدوا يف‬
‫تقديم نظرة شاملة عن الدراسات‬
‫وسياسية واقتصادية واجتامعية‪ ،‬إلخ‪.‬‬ ‫االسرتاتيجية‪ .‬ويتبنى إمكانات بحث‬
‫تعتمد النظرة الغربية لهذه الدراسات عىل‬ ‫اسرتاتيجيات شاملة من أجل معالجة‬
‫التهديدات األمنية التي تستهدف‬
‫معادالت تتشابك فيها الحرب مع اسرتاتيجية‬ ‫البرش والدول»‬

‫‪11‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫الحرب‪ .‬يكفي ْأن نلتَفت إىل عبارة «إذا أردت السلم فعليك بالحرب» التي ُتنسب إىل‬
‫فيغيس ‪ Végèce‬ليك نالحظ أن الظالل التي خ ّلفتها معادلة تشابك الحرب مع اسرتاتيجية‬
‫الحرب ال ميكن أن تقترص أبدا عىل العمليات يف زمن الحرب فقط وال عىل العوامل‬
‫العسكرية وحدها‪ :‬فاالسرتاتيجية إذن هي «فن خلق القوة»‪ .‬لقد عمدت الدراسات‬
‫االسرتاتيجية‪ ،‬منذ سقوط االتحاد السوفييتي‪ ،‬إىل تقديم تفسريات مقنعة ومرشدة‪ ،‬يف‬
‫غاية األهمية‪ ،‬عن اإلرهاب الجهادي ومدى انتشاره‪ ،‬وعن االسرتاتيجيات املعنية ببناء‬
‫التحالفات والحفاظ عىل االئتالفات‪ ،‬وحول العمليات األمريكية يف العراق وأفغانستان‪،‬‬
‫ودينامكية التمرد‪ ،‬والحفاظ عىل القدرات العسكرية الكبرية للدول (وطبيعتها أيضا)‪،‬‬
‫وعن بناء االسرتاتيجية السيربانية كموضوع وهدف للعالقات الدولية‪ ،‬والحفاظ عىل‬
‫القدرات النووية‪ ،‬وأيضا عن التوترات املتصاعدة يف بحر الصني الجنويب وعىل نطاق أوسع‬
‫يف آسيا‪ ،‬باإلضافة إىل أمور أخرى كثرية‪.‬‬
‫يتناول هذا الكتاب مفاهيم كثرية لالسرتاتيجية‪ ،‬سنحاول فيام ييل اإلشارة إىل‬
‫مجموعة من أبرز هذه املفاهيم‪ .‬يتحدث كارل فون كالوزفيتز ‪Carl von Clausewitz‬‬
‫عن االسرتاتيجية بوصفها نظرية استخدام االشتباك بغرض الوصول إىل الحرب‪ .‬أما ليدل‬
‫هارت ‪ ،Liddell Hart‬فيتعرض لالسرتاتيجية من خالل طرائق استخدام القوة العسكرية‬
‫لتحقيق األهداف السياسية‪ .‬ووفقا لتعريف لورانس فريدمان ‪،Lawrence Freedman‬‬
‫تعني االسرتاتيجية «فن خلق القوة»(‪ ،)1‬إذ إنها تدخل يف صميم تحليل العالقات بني‬
‫الكيانات السياسية (الدول والرشكات متعددة الجنسيات‪ ...‬إلخ) التي تشكل املشهد‬
‫الدويل‪ .‬ميكن مالحظة أن هذه املفاهيم وغريها تربط االسرتاتيجية بالحرب بشكل مبارش‪،‬‬
‫وذلك بغرض تحقيق أهداف الدولة القوية‪.‬‬
‫يضم هذا الكتاب بني دفتيه أفكار مجموعة من أفضل الخرباء الفرنسيني وغري‬
‫الفرنسيني الذين اجتهدوا يف تقديم نظرة شاملة عن الدراسات االسرتاتيجية‪ .‬ويتبنى‬
‫إمكانات بحث اسرتاتيجيات شاملة من أجل معالجة التهديدات األمنية التي تستهدف‬
‫البرش والدول‪ِ .‬من خالل أبواب الكتاب الثالثة‪ ،‬ناقش الباحثون جملة من املواضيع‬
‫تتعلق بإطار الفعل االسرتاتيجي (حيث يهتم الجزء األول من هذا الكتاب بعملية‬
‫انتشار الدراسات االسرتاتيجية وكيفية التعامل مع الجهات الفاعلة والنظر إىل مواقفها‬
‫ومرجعياتها)؛ والتحليل االسرتاتيجي (يحلل الجزء الثاين سلسلة من وسائل التعبري‬
‫‪12‬‬
‫مقدمة املرتجم‬

‫االسرتاتيجية لهذه الجهات الفاعلة من خالل مجموعة من املفاتيح التي تتيح تقديم‬
‫تحليل مقارن)؛ واملفاهيم االسرتاتيجية (يقدم الجزء األخري تحديدا دراسة دقيقة عن‬
‫املراجع املتخصصة‪ ،‬بشكل مستمر‪ ،‬املرتبطة مبامرسات القوى العسكرية)‪.‬‬
‫يقع موضوع هذا الكتاب‪ ،‬الدراسات االسرتاتيجية‪ ،‬يف صلب الحقل املنهجي‬
‫للعالقات الدولية‪ ،‬ويختص يف املقام األول بالقدرة عىل إدارة جميع املوارد وتوظيفها‬
‫لتحقيق أفضل عائد يف ظل الظروف املتاحة خصوصا عندما يتعلق األمر باستخدام القوة‬
‫يف الحرب واآلثار التدمريية املرتتبة عليها‪ .‬فالحرب باعتبارها ظاهرة عسكرية لها ظروفها‬
‫الخاصة التي تنشأ عنها إشكاليات اجتامعية وسياسية واقتصادية وبيئية‪.‬‬
‫يف الوقت الذي تتزايد فيه األزمات التي تهدد سالمة العامل عىل نطاق مل يسبق‬
‫يتعي عىل الباحثني وصانعي السياسات والعسكريني‬‫له مثيل منذ نهاية الحرب الباردة‪َّ ،‬‬
‫أن يعملوا معا لتبادل املعارف واستيعاب طبيعة التحوالت السياسية التي قد تؤدي إىل‬
‫نشوب نزاعات بأشكال مختلفة واندالع الحروب‪ .‬لطاملا كان اندالع الحروب هو املوضوع‬
‫الذي شغل مساحة كبرية ضمن الكتابات األدبية التي يعود تاريخها إىل آالف السنني‬
‫وتشمل جميع الحضارات‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الجانب االسرتاتيجي عىل وجه التحديد‪ ،‬أي‬
‫الجانب الذي يهتم باستخدام القوة يف الغرض السيايس أو الذي يسعى إىل وضع نظرية‬
‫الحرب‪ ،‬رسعان ما عرف تطورا كبريا ُيستعرض عىل صفحات هذا الكتاب‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫افتتاحية‬

‫افتتاحية‬

‫هل يجب اخلوف‬


‫من االسرتاتيجية؟‬

‫باسكال فانسون ‪Pascal Vennesson‬‬

‫مارس التفكري االسرتاتيجي بأشكال مختلفة‬


‫– واليزال ‪ -‬تأثريا كبريا عىل دراسة مجموعة‬
‫متنوعة من الظواهر االجتامعية والسياسات‬
‫املحلية والدولية‪ .‬من هذا املنطلق‪ ،‬يتعني علينا‬
‫إمعان النظر‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬يف أعامل رميون‬
‫آرون ‪ Raymond Aron‬وميشيل كروزيري‬
‫‪ Michel Crozier‬وتوماس شيلنغ ‪Thomas‬‬
‫‪ Schelling‬وميشيل فوكو ‪Michel Foucault‬‬ ‫«يساعد التفكري االسرتاتيجي عىل فك‬
‫وألربت هريتشامن ‪Albert Hirschman‬‬ ‫شفرة العالقات االجتامعية والسياسية‪،‬‬
‫كام ميكنه أيضا أن يكون جزءا من‬
‫وميشيل دي سريتو ‪Michel de Certeau‬‬ ‫مرشوع نقدي يحلل الوضع الراهن‬
‫ويغري من موازين القوى‪ .‬وخالفا‬
‫وجيمس سكوت ‪ James Scott‬وفريدريك‬ ‫للفكرة الخاطئة الشائعة عن عدم‬
‫وجود أي توافق بني عملية البحث عن‬
‫جورج باييل ‪،Frederick George Bailey‬‬ ‫تحرير اإلنسانية ومنطق االسرتاتيجية‬
‫وحديثا أعامل كل من جيمس جاسبري ‪James‬‬ ‫فإن العكس هو الصحيح»‬

‫‪15‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫‪ Jasper‬ومارشال غانز ‪ .)1(Marshall Ganz‬تظهر نصوص هذا الكتاب أفكار جيل‬


‫جديد من الباحثني أفاد من هذا الرتاث وبنى عليه وحدَّث وجهات النظر حول‬
‫املوضوع‪ ،‬بأسلوب جذاب‪ ،‬ووسيلة متميزة‪ .‬سيكون من الخطأ متاما استنتاج أن هناك‬
‫توافقا يتعلق بأهمية وجدوى االسرتاتيجية عىل العكس‪ ،‬قد ُيساء فهم استخدامات‬
‫وأغراض االسرتاتيجية‪ ،‬وقد يسبب ذلك إثارة تحفظات جدية يف هذا الصدد‪.‬‬
‫عاد ًة ما يتخوف املتشككون من العقالنية واملادية «واملامرسات العملية» التي‬
‫تقرتحها االسرتاتيجية والتفكري االسرتاتيجي بالتايل‪ .‬إن مفهوم املعرفة بالدراسات‬
‫االسرتاتيجية يخضع بشكل حرصي للعقالنية كام تفرسها نظرية املنفعة املتوقعة‪،‬‬
‫وذلك بتجنب تعدد مظاهر وحدود العقالنية وتداخل عوامل غري عقالنية‪ :‬وهذه‬
‫هي الخطيئة األوىل الكربى الفرتاضية املتشككني(‪.)2‬‬
‫االفرتاض الثاين يجعل من التفكري االسرتاتيجي تفكريا ماديا بحيث ال يقبل عىل‬
‫وجه الحقيقة إال املادة(‪ .)3‬أخريا ُتتهم االسرتاتيجية بأنها تتبنى بعفوي ٍة مذهب‬
‫«املامرسات العملية»‪ :‬علم السلوك الفعال الذي اليزال يتمتع بالطابع اإلجرايئ‪،‬‬
‫أي العلم التطبيقي الذي يتميز عن العلوم االجتامعية ذات الطابع التفسريي(‪.)4‬‬
‫مثة دافع يحثنا عىل التقدم خطوة إىل األمام عن طريق إثارة الشكوك حول القادة‬
‫واملنظرين االسرتاتيجيني ‪ -‬الذين يتخيلون أنفسهم بشكل عفوي عىل الحياد ‪ -‬مبا يف‬
‫ذلك العمل عىل تحقيق مصالح املهيمنني وخدمة األنظمة الحالية بشكل عشوايئ‬
‫وتربير الحرب والقدرات العسكرية(‪ .)5‬كل واحدة من هذه األفكار السابقة ال‬
‫تستعيص عىل التحليل‪ ،‬كام أن الغرض من هذه االفتتاحية هو تجاوز هذه املعوقات‬
‫عن طريق املعرفة واالستعانة باالسرتاتيجية‪.‬‬

‫االسرتاتيجية والعقل‬
‫يعود ارتباط املنطق العقالين بالتفكري والفعل االسرتاتيجيني إىل فرتة طويلة‬
‫متتد إىل زمن ما قبل الردع النووي ونظرية االختيار العقالين اللذين غالبا ما كانا‬
‫يشكالن مالمح العقل األكرث متيزا منذ أواخر العام ‪ .1940‬إن الرسد الذي يقدمه‬
‫ثوسيديدس ‪(Thucydide‬٭) عن الحرب البيلوبونيسية ‪(Péloponnèse‬٭٭)‪،‬‬
‫عىل سبيل املثال‪ ،‬يستند إىل املنطق االسرتاتيجي الذي يهدف إىل وضع توضيح‬
‫‪16‬‬
‫افتتاحية‬

‫جيد للعالقة التي تربط العقل بعلوم الهندسة والتقنيات املتعلقة بالتحصينات‬
‫والتسليح وفق ما يذكر فوبان ‪ Vauban‬يف كتابه‪ .‬ليس من قبيل املصادفة أن‬
‫يكون عرص التنوير هو أيضا عرص إعادة خلق مصطلح ومفهوم االسرتاتيجية‪ .‬أن‬
‫تشن الحرب‪ ،‬كام يقول بول جيديون جويل دو ميزوري ‪Paul-Gédéon Joly de‬‬
‫‪ ]...[« :Maizeroy‬يعني أن تفكر وأن تجمع بني األفكار وأن تتوقع وأن تتدبر‬
‫بعمق وأن توظف الوسائل[‪.»)6(]...‬‬
‫تتمثل إحدى املس َّلامت الرئيسة يف التفكري والفعل االسرتاتيجيني يف أن يتهيأ‬
‫الفاعلون للترصف بعقالنية أو‪ ،‬تحديدا‪ ،‬باللجوء إىل املنطق‪ .‬إذ يتعني عليهم بذل‬
‫قصارى الجهد من أجل وضع تقييم يقارن بني توقعاتهم عن الربح‪ ،‬أي الرهان‪،‬‬
‫وفرص الفوز به ومدى إمكانية التغلب عليه‪ ،‬وبني املخاطر التي يواجهونها‪ ،‬وهذا‬
‫يعني احتامل دفع تكاليف العمليات املخطط لها بهدف الحصول أو الحفاظ عىل‬
‫الرهان رغام عن خصومهم(‪.)7‬‬
‫هل تنطوي العقالنية االسرتاتيجية عىل شكل من أشكال «التيار العقالين»؟(‪ )8‬من‬
‫املعروف أن العديد من الظواهر الدولية‪ ،‬مبا يف ذلك ظاهرة الردع والحرب‪ُ ،‬تنا َقش‬
‫و ُتدرس باالتفاق ضمن ما ُيسمى بنظرية الحرب كنوع من التفاوض املبني عىل‬
‫أساس نظرية االختيار العقالين (خاصة نظرية املنفعة املتوقعة) والنمذجة ونظرية‬
‫األلعاب(‪ .)9‬مهام كانت أبعاد هذه اإلشكالية تحديدا‪« ،‬التي هي يف األصل عقالنية»‪،‬‬
‫فإن الخلط بينها وبني االسرتاتيجية إجامال‪ ،‬وهو ما ال ميكن عىل اإلطالق‪ ،‬يعني أن‬
‫يحمل الجزء عىل الكل‪.‬‬
‫مادمنا نتكلف عناء مشقة دراستها من كثب‪ ،‬فإننا ندرك أن العالقة بني‬
‫االسرتاتيجية والعقالنية دقيقة للغاية أكرث مام توحي االنتقادات التي تتوقف عند‬
‫حد استنكار املظاهر الخارجية للعقالنية يف شكلها الرصيح‪ .‬فالعالقات الوثيقة بني‬
‫االسرتاتيجية والعقل ال يقصد بها «التيار العقالين» أو حتى مسلمة أساسية من‬
‫مسلامت العقالنية(‪.)10‬‬
‫(٭) ثوسيديدسيس (‪ 460‬ق‪.‬م‪ 395 – .‬ق‪.‬م‪ ).‬مؤرخ إغريقى شهري‪ ،‬صاحب كتاب تاريخ الحرب البيلوبونيسية‪ ،‬ويعد‬
‫أول املؤرخني اإلغريق الذين أعطوا العوامل االقتصادية واالجتامعية أهمي ًة خاصة‪[ .‬املحرر]‪.‬‬
‫(٭٭) نسبة إىل جزيرة بيلوبونيسيا يف اليونان‪[ .‬املحرر]‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫قد نجد من بني القادة االسرتاتيجيني من يوجه انتقادات بالغة الحدة للتيار‬
‫العقالين‪ ،‬ويقدم تقييامت الذعة جدا لحدود العقل االسرتاتيجي‪.‬‬
‫كتب أمري منطقة ليني يف منتصف القرن الثامن عرش عن سبب‬
‫وفاة الحارس الشخيص‪ :‬سقوط من فوق الحصان‪ ،‬وقال آخر‪ ،‬بطريقة‬
‫خاطئة يف نطق واحدة من اللغات الرسمية التي تتحدث بها قواتنا‬
‫عىل وجه الخصوص‪ ،‬الوقوع دفعة واحدة‪ ،‬أهو جنون العبقرية أم إنه‬
‫حسابات عقلية(‪.)11‬‬
‫يعارض كارل فون كالوزفيتز بشد ٍة غري العقالنيني من معارصيه‪ ،‬أمثال هايرنيش‬
‫فون بولوف ‪ Heinrich von Bülow‬الذي يدعي أن االسرتاتيجية تنزع إىل أن‬
‫تكون مجرد عملية حسابية هندسية‪ .‬فالحرب بالنسبة إليه ال تندلع تتم إال من‬
‫خالل مجموعة من التفاهامت‪ :‬أي تفاعل العواطف مع الحسابات واالحتامالت‬
‫الفنية العسكرية‪ ،‬وأيضا مع الغاية العقالنية التي تشمل الفعل‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪،‬‬
‫احتل مفهوم «التوتر» (أو االحتكاك) مكانة جوهرية يف النسق املفاهيمي بغرض‬
‫تحديد العوامل غري املتوقعة‪ ،‬مثل النقص يف املعرفة وعدم اليقني املتعلق بالتسليح‬
‫الشخيص وبتسليح العدو واالفتقار إىل الوضوح املكاين والزماين‪ ،‬أو ما يتعلق‬
‫باملقاومة املرتبطة بخصائص املنظامت‪ ،‬األمر الذي يتداخل مع الحسابات العقالنية‬
‫للجهات الفاعلة السياسية والعسكرية ومدى تنفيذها(‪ .)12‬حتى إن توماس شيلنغ‬
‫‪ - Thomas Schelling‬من أجل عرض منوذج متداول عن املنظر االسرتاتيجي‪ ،‬وهو‬
‫النموذج الخاطئ الذي يتبناه أيضا أنصار التيار العقالين املتطرف ‪ -‬مل يخلط قط‬
‫بني اإلجراء املستنري واإلجراء العقالين للحرب(‪ .)13‬بيد أن مفهومه عن العقالنية ميتد‬
‫إىل أفعال تبدو غري عقالنية‪ ،‬وميتد أيضا إىل تأثرياتها غري العقالنية إىل درجة أن‬
‫بعض املنارصين لنظرية األلعاب‪ ،‬مثل جون هارساين ‪ ،John Harsanyi‬يأخذون‬
‫عليه متييعه هذا املفهوم‪ .‬تكمن اإلضافة الرئيسة لشيلنغ ‪ Schelling‬يف عدم اعتبار‬
‫عقالنية والعقالنية الالعبني من املكتسبات بصورة نهائية‪ ،‬كام تكمن هذه اإلضافة‬
‫أيضا يف مقرتح له يتعلق بدراسة الديناميكيات الخاصة بالتفاعل االسرتاتيجي فيام‬
‫ميكن التحكم فيه وما ميكن أن يكون مثريا للقلق‪ .‬يتناول شيلنغ القرارات املشرتكة‬
‫التي تؤدي إىل رشاكات يعرتيها قصور أو مواجهات عدائية غري مكتملة‪ .‬فمن غري‬
‫‪18‬‬
‫افتتاحية‬

‫املمكن ألبتة التنبؤ باملواقف واالسرتاتيجيات‪ ،‬كام ال ميكنها أيضا أن تتصف باالستقرار‬
‫كام يعتقد الفاعلون أو املراقبون‪ .‬إن إشعال فتيل الحرب‪ ،‬حتى عندما يراد لها أن‬
‫َ‬
‫ومسيطرا عليها‪ ،‬ال ميكن أبدا أن يتحول إىل نشاط ميكن التحكم فيه‬ ‫تكون محدودة‬
‫متاما‪ ،‬لهذا فإن األطراف الفاعلة ميكن أن تستغل احتامل إفالت زمام األمور تحديدا‬
‫لعمل نوع من التأثري املتبادل‪.‬‬
‫عالوة عىل ذلك‪ ،‬أشار إدوارد لوتواك ‪ Edward Luttwak‬إىل أن البحث‬
‫املنهجي للسلوك الفعال ‪ -‬العقالين عىل ما يبدو ‪ -‬ال يعترب دامئا فعاال من الناحية‬
‫االسرتاتيجية ألنه قابل للتنبؤ يف كثري من األحيان‪ ،‬وميكن توقعه أو تحييده أو‬
‫االلتفاف عليه(‪ .)14‬إن منطق النتائج موجود بقوة يف التفكري والفعل االسرتاتيجي‪،‬‬
‫ولكنه من دون مسار خطي‪ :‬يبحث القادة االسرتاتيجيون عن عنرص املفاجأة‬
‫واالبتكار الذي يح ِّول ما يبدو أنه مستحيل من الناحية العقالنية إىل فعل ممكن‪.‬‬
‫يف املجمل‪ ،‬يتحدث القادة واملنظرون االسرتاتيجيون عن أن مستوى املقياس املعريف‬
‫مببادئ الحرب والرغبة يف العقالنية عند صناع القرار ال يضمن عىل اإلطالق تجنب‬
‫أخطاء التقييم والتواصل غري املكتمل أو خطورة االنخراط طواعية يف عملية قد‬
‫تكون غري قابلة للسيطرة‪ ،‬كام أنه ال يضمن أيضا احتامل الوقوع يف قلب الفعلني‬
‫السيايس والعسكري‪ .‬ولهذا السبب‪ ،‬وبالتوازي مع النامذج املنطقية واللوغاريتمية‬
‫مثل أنظمة املعادالت عند فريدريك النتشيسرت ‪ Frederick Lanchester‬ولويس‬
‫ف‪ .‬ريتشاردسون ‪ ،Lewis F. Richardson‬يظل البحث امليداين وتاريخ النزاعات‬
‫ودراسات الحاالت واألصول االسرتاتيجية يظل من املكونات األساسية للدراسات‬
‫االسرتاتيجية ومناهجها‪ .‬فبينام توجد طرائق مختلفة لتناول العقالنية االسرتاتيجية‬
‫ودراستها من الناحية النظرية والتجريبية‪ ،‬يشري بيري فيندريز ‪Pierre Vendryès‬‬
‫ضمنيا إىل االستدالل العقالين واالحتاميل‪ ،‬وإىل الدور الذي متارسه الحسابات‬
‫وا ُمل َفاهامت بشكل أسايس(‪.)15‬‬
‫إن بعض املفاهيم االسرتاتيجية مستوحى من منوذج العقالنية لنظرية املنفعة‬
‫املتوقعة‪ .‬والبعض اآلخر‪ ،‬األكرث اتصاال بسلوك القادة االسرتاتيجيني‪ ،‬مستوحى من‬
‫منوذج «العقالنية املحدودة» أو من النموذج «اإلجرايئ» لهربرت سيمون ‪Herbert‬‬
‫‪ .)16(Simon‬يف املجمل‪ ،‬ال يتجاهل التفكري االسرتاتيجي «املصادفة التي ال ميكن أبدا‬
‫‪19‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫أن تفقد قانونها‪ ،‬فعىل الرغم من اإلجراءات الجيدة التي تعتمد عىل مجموعة من‬
‫القواعد العامة فإن هناك دامئا حالة من الريبة تتعلق باألحداث الجارية(‪.»)17‬‬

‫االسرتاتيجية‪ :‬مادية أم مثالية؟‬


‫يعود التيار املادي‪ ،‬الذي تقرتحه االسرتاتيجية والتفكري االسرتاتيجي‪ ،‬يف جزء من‬
‫أصله النظري إىل العالقة القوية مع الواقعية والواقعية الجديدة(٭)‪ ،‬أي تأثري التقاليد‬
‫البحثية عند دراسة العالقات الدولية القامئة بشكل كبري يف املادية‪ ،‬التي تشدد من‬
‫الناحية التجريبية عىل أهمية التسليح‪ ،‬وبشكل أعم عىل أهمية الوسائل العسكرية‪.‬‬
‫تشري الحتمية التكنولوجية األساسية إىل أن طبيعة األسلحة الحديثة سوف تعمل عىل‬
‫تغيري طريقة فهم االسرتاتيجية‪ .‬عندما ُيربط بني هذا الواقع التكنولوجي الحتمي‬
‫ومفهوم «الحارضية» فيام يتعلق بقضية الحداثة أو تيار التطور الساذج‪ ،‬ميكن أن‬
‫نستنتج برسعة‪ ،‬تتسم بالبساطة والسذاجة‪ ،‬أن التفكري االسرتاتيجي «القديم» يفقد‬
‫أهميته من حيث السيطرة عىل الحروب الحالية واملستقبلية‪.‬‬
‫إن دمج االسرتاتيجية مع «التيار املادي»‪ ،‬ال معنى له‪ ،‬يف الواقع‪ .‬يف كثري من‬
‫األحيان يضع املفكرون االسرتاتيجيون يف صميم أنظمتهم املفاهيمية عوامل أخرى‬
‫غري املادية‪ .‬وعىل الرغم من شيوع هذه الفكرة مسبقا‪ ،‬فإن كالوزفيتز يرص عىل‬
‫تضمني مفهوم املعنويات (للجيش) أو القوى املعنوية يف النظرية االسرتاتيجية‪ .‬إن‬
‫القدرات األخالقية الثالث التي يبني عليها كالوزفيتز نظريته تعتمد عىل األخالق‬
‫العسكرية للجيش‪ ،‬والحامس الشعبي‪ ،‬وعبقرية القائد العسكري(‪.)18‬‬
‫فيام يتعلق بالحرب‪ ،‬يؤكد نابليون أن ثالثة أرباع عوامل النرص تعتمد‬
‫عىل القوى املعنوية والربع األخري لتوازن القوى الحقيقية(‪ .»)19‬ففي النظرية‬
‫(٭) الواقعية الجديدة (أو الواقعية البنيوية) هي نظرية يف العالقات الدولية تقول إن السلطة هي العامل األكرث‬
‫أهمية يف العالقات الدولية‪ .‬ذكر ذلك مبدئيا كينيث والتز يف العام ‪ 1979‬يف كتابه «نظرية السياسة الدولية»‪ .‬تعترب‬
‫الواقعية الجديدة والتحريرية الجديدة أكرث النُّهج املعارصة تأثريا يف العالقات الدولية‪ ،‬وهيمنت وجهتا النظر االثنتان‬
‫هاتان عىل نظرية العالقات الدولية يف العقود الثالثة املاضية‪ .‬خرجت الواقعية الجديدة إىل النور من منهج أمريكا‬
‫الشاملية يف العلوم السياسية وأعادت صياغة تقاليد الواقعية الكالسيكية لكل من دوارد هاليت كار وهانز مورغنثاو‬
‫وراينهولد نيبور‪ .‬وكام هي الحال مع جميع النظريات فإن هناك العديد من األشياء التي فشلت الواقعية الجديدة‬
‫يف توضيحها‪ .‬يف الحقيقة معظم أنواع سلوك الدولة وتفاعل الدولة ال ميكن أن تعلل بشكل مفيد بواسطة نظرية‬
‫والتز غري املكتملة‪ .‬الواقعية الجديدة تقسم إىل واقعية جديدة دفاعية وواقعية جديدة هجومية «التعريف كام يرد‬
‫يف ويكيبيديا»‪[ .‬املحرر]‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫افتتاحية‬

‫الواقعية الهجومية‪ ،‬املادية إىل حد كبري‪ ،‬تعترب االسرتاتيجية أحد أهم العوامل‬
‫غري املادية القادرة عىل إزالة تأثريات التوازن البسيط للسلطة‪ .‬يؤكد فرديناند‬
‫فوش ‪ Ferdinand Foch‬أن «االستخدام املشرتك للعوامل املعنوية واملادية من‬
‫مميزات املامرسات االسرتاتيجية(‪ .)20‬كام أن الدمج بني االسرتاتيجية والتيار املادي‬
‫يعني اتهامها بعدم فهم االنقسام الحاصل بني القادة واملنظرين االسرتاتيجيني‪،‬‬
‫فمنهم من يفضل الحقائق الفنية واملادية‪ ،‬ومنهم من يويل اهتامما بالقوى‬
‫املعنوية‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬إن االنتقاد املوجه ملفهوم «الثورة فيام يخص الشؤون‬
‫العسكرية» عند ستيفن بيدل ‪ Stephen Biddle‬ومفهوم القوة الناتجة عن ذلك‬
‫يعتمد عىل املفهوم غري املادي للكفاءة أو املهارة من خالل اللجوء إىل التشتت‬
‫والتمويه واملناورة ملواجهة آثار قوة النريان(‪.)21‬‬

‫االسرتاتيجية‪ :‬املامرسة العملية يف ظل الوضع الراهن‬


‫االفرتاض الثالث الذي ينبغي استبعاده هو التحول الحتمي ملسار االسرتاتيجية‬
‫إىل الجانب العميل‪ ،‬وبالتايل بغض النظر عن طريقتها يف التحليل أو يف االستنتاج‬
‫املبني ليس فقط عىل الناحية املهنية «والرباغامتية» ولكن أيضا عىل التحيز الذي‬
‫يهدف إىل الحفاظ عىل الوضع الراهن(‪ ،)22‬فإن القادة واملنظرين االسرتاتيجيني‬
‫يناقشون منذ فرتة طويلة عالقة االسرتاتيجية بالجانبني العميل والنظري(‪.)23‬‬
‫من خالل التفكري يف الفعل والتفكري الناتج عن الفعل‪ ،‬تحافظ االسرتاتيجية‬
‫عىل عالقة وثيقة مع مامرسات الجهات الفاعلة السياسية والعسكرية‪ .‬لقد ُبني‬
‫هذا التقارب الفكري والدعوة إليه‪ :‬بيد أن خطر التيار الفكري يصطدم مع من‬
‫يكتفي بدراسة الفعل ويفضل البقاء عىل مسافة آمنة من منطق الفعل وقيوده‪.‬‬
‫تتساءل االسرتاتيجية وتفكر يف الفعل واملامرسات‪ ،‬كام أنها تساعد يف إعادة بناء‬
‫نسق العمليات العقلية املستحدثة وتنفيذ الفعل السيايس العسكري‪.‬‬
‫دعونا نالحظ‪ ،‬بداي ًة‪ ،‬أن هذه العالقة مع املامرسات العملية ال تختص بالعمل‬
‫العسكري فقط‪ ،‬بل متيز أيضا العمل السيايس‪ ،‬وأنصار التيارات الحزبية‪ ،‬أو تنظيامت‬
‫الحركات االجتامعية‪ ،‬أو حتى السعي إىل تحقيق الربح االقتصادي‪ ،‬عىل سبيل املثال‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬وبشكل جوهري‪ ،‬فالثابت أنه ال ميكن اختزال االسرتاتيجية بأي حال من‬
‫‪21‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫األحوال يف مامرسة نقية أو براغامتية مطلقة تعتمد عىل إلهام اللحظة‪ .‬فتاريخ‬
‫التفكري االسرتاتيجي ال يتسم فقط‪ ،‬بغياب النظرية أو التنظري‪ ،‬بل برفض النتائج‬
‫غري املخطط لها الناجمة عن مامرسات عن طريق رفض منظومات األفعال اإلرادية‪.‬‬
‫يجتهد املامرسون واملفكرون (يف املجال العسكري أو غريه من املجاالت) يف استخالص‬
‫مامرسات متنازع عليها ومتعارضة وغري منتظمة من سياق مامرسات أخرى منتظمة‬
‫تسمح لهم‪ ،‬يف ظل ظروف معينة‪ ،‬بوضع نظريات الحرب أو االسرتاتيجية(‪ .)24‬يعترب‬
‫القادة االسرتاتيجيون يف كثري من األحيان مامرسني بالسليقة مثل توماس إدوارد‬
‫لورانس (يعرف باسم لورانس العرب أيضا) ‪ ،Thomas Edward Lawrence‬الذي‬
‫هُ يئ يف البداية بشكل مبسط ملامرسة دور سيايس أو عسكري وذلك بانغامسه‬
‫يف متابعة االنتفاضات العربية‪ ،‬ثم برشوعه يف االنخراط يف الفعل بوضع نظرية‬
‫الحرب األنسب لشعب ولجغرافية منطقة الحجاز‪ ،‬والتي أدت إىل نتائج ال تتفق مع‬
‫الوسائل البسيطة التي ُمنحت له‪ .‬االسرتاتيجية إذن هي مرشوع للمعرفة وللتنظري‬
‫وليست مجرد فعل أو مامرسة‪ ،‬إنها تعتمد عىل الحوار بني التجربة والنظرية‪ ،‬وبني‬
‫املثالية وما ميكن تطبيقه عمليا‪.‬‬
‫فعندما يتميز أسلوبها يف التفكري ويتحدد نطاقها الزمني‪ ،‬لن يكون يف مقدور‬
‫الذين يفكرون يف الفعل وال املامرسني املنخرطني يف هذا الفعل أن ينفضوا عن‬
‫أنفسهم النظريات التي تتسم بعدم الوضوح يف بعض األحيان‪ .‬فاملامرسة العملية‬
‫االسرتاتيجية تعني إذن العمل املفاهيمي املستمر‪.‬‬
‫يساعد التفكري االسرتاتيجي عىل فك شفرة العالقات االجتامعية والسياسية‪،‬‬
‫وميكنه أيضا أن يكون جزءا من مرشوع نقدي يحلل الوضع الراهن ويغري من‬
‫موازين القوى‪ .‬وخالفا للفكرة الخاطئة الشائعة عن عدم وجود أي توافق بني عملية‬
‫البحث عن تحرير اإلنسانية ومنطق االسرتاتيجية‪ ،‬فإن العكس هو الصحيح‪ .‬حيث مل‬
‫تتوقف التقاليد املاركسية واملاركسية الجديدة‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬منذ إنجلز ‪Engels‬‬
‫وماركس ‪ ،Marx‬مرورا بلينني ‪ Lénine‬وتروتسيك ‪ Trotsky‬وماو تيس تونغ ‪Mao‬‬
‫‪ Zedong‬وتيش جيفارا ‪ ،Che Guevara‬عن التفكري معا يف اضطراب العالقات‬
‫االجتامعية والسياسية واالسرتاتيجية‪ .‬سيكون من الخطأ اعتقاد أن املسلامت‬
‫العقالنية ونظرية األلعاب ستؤدي حتام إىل نتائج تضفي رشعية عىل الحرب والقوة‬
‫‪22‬‬
‫افتتاحية‬

‫العسكرية‪ .‬من زاوية أخرى‪ ،‬يف ‪ ،1950‬عمد كينيث بولدينغ ‪Kenneth Boulding‬‬
‫وأناتول رابوبورت (‪( ،Anatol Rapoport‬وكذلك كارل دويتش «‪»Karl Deutsch‬‬
‫أو يوهان جالتونغ «‪ ،»Johan Galtung‬كل وفقا ملنهجه) إىل تنفيذ حقيقي‬
‫للمجموعة املفاهيمية واملنهجية نفسها‪ ،‬ويف بعض األحيان استخدام مزيد من‬
‫املكونات الرياضية بغرض إدانة سباق التسلح والردع النووي وحيازة األسلحة‪ ،‬كام‬
‫أنهام اقرتحا وسائل أخرى للتنبؤ بوقت اندالع الحرب العاملية الثالثة‪ .‬من بني أولئك‬
‫الذين يدرسون االسرتاتيجية‪ ،‬يرتبط البعض بالسياسة وبأوساط القادة‪ ،‬مثل هرني‬
‫كيسنغر‪ ،Henry Kissinger‬والبعض اآلخر يبتعد أكرث فأكرث وهو ينتقد الحقل‬
‫السيايس‪ ،‬مثل رميون آرون‪ .‬يف واقع األمر‪ ،‬وبدال من االرتباط املتني باألقوياء ُتعترب‬
‫االسرتاتيجية‪ ،‬من زاوية أخرى‪ ،‬من ضمن موارد الضعفاء نسبيا ومن يحارب يف وضع‬
‫غري متميز ومن يحيط به األعداء أو من يكون طموحه غري محسوب‪ .‬يجب عليهم‬
‫جميعا محارصة قوات العدو واستغالل نقاط ضعفه من خالل االستجابة للمنطق‬
‫املتناقض والذي يبدو يف حد ذاته مناقضا لالسرتاتيجية(‪.)25‬‬
‫يف نهاية املطاف‪ ،‬ميكن لالسرتاتيجية أن تسهم بشكل فعال يف إعادة النظر يف‬
‫الوضع الراهن ويف اضطراب عالقات القوة القامئة‪.‬‬
‫ال ميكن أن نزعم‪ ،‬يف حدود ما ورد يف هذه االفتتاحية‪ ،‬اإلملام بجميع جوانب‬
‫العالقة بني التفكري االسرتاتيجي والعلوم االجتامعية أو حل جميع الصعوبات‪ ،‬بل‬
‫عىل العكس متاما‪ ،‬لقد بدأنا يف الكشف عن مجموعة من األفكار السائدة التي‬
‫ُتعترب عقبة يف طريق املعرفة االسرتاتيجية ويف تفاعلها مع العلوم االجتامعية‪،‬‬
‫السيام علم االجتامع والعلوم السياسية‪ .‬من الواجب عىل املبادئ والقوانني التي‬
‫صاغها االسرتاتيجيون عىل اختالف توجهاتهم‪ ،‬وبينها عىل سبيل املثال تلك األدوات‬
‫املتعلقة برتكيز الجهود وأفعال األقوياء باللجوء إىل استخدام القوة وقرار الحرب‬
‫عىل مرسح العمليات يف شكل دفاعي هجومي (كالوزفيتز) وتشتيت الخصم‬
‫باستخدام النهج غري املبارش (ليدل هارت)‪ ،‬أن تساعد يف إثراء الطريقة التي ينتهجها‬
‫املتخصصون يف العلوم االجتامعية من أجل دراسة التفاعالت بني الجهات الفاعلة‪.‬‬
‫وبإمكان املتخصصني استكامل استفادتهم عندما ينتهجون نهج القادة االسرتاتيجيني‪،‬‬
‫وحني يستثمرون يف إثراء إنتاجهم املفاهيمي الذي وضعوه مثل القطبية وصعود‬
‫‪23‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫العنف إىل أقىص مدى (كالوزفيتز) وحرية الفعل (ميار ‪ Maillard‬وفوش وبيوفر‬
‫‪ ،)Beaufre‬والنهج غري املبارش لليدل هارت‪ ،‬أو التوقعات السياسية االسرتاتيجية‬
‫لبوارييه ‪ .Poirier‬وإجامال‪ ،‬وعىل عكس أوهام التوسع املفرط يف «الدراسات األمنية‬
‫الجديدة»‪ ،‬فإن االسرتاتيجية تذكر املتخصصني يف العلوم االجتامعية بالطبيعة غري‬
‫العادية لقوى العنف وللقيود املادية‪ ،‬كام أنها تذكرهم بالحاجة املاسة إىل دراسة‬
‫هذه الطبيعة واالستفهام عن عواقبها السياسية‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬ميكن أن يساعد‬
‫االستدالل االسرتاتيجي املتميز يف دراسة مجموعة واسعة من الظواهر االجتامعية‬
‫والسياسية‪ .‬وسوف تتوافر بني دفتي هذا الكتاب عدة فصول توضح بصورة جلية‬
‫أهمية وحيوية مثل هذه الربامج البحثية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫مقدمة‬

‫مقدمة‬

‫االسرتاتيجية‪ :‬دراسات‬
‫وحتليالت اسرتاتيجية‬

‫جوزيف هيرنوتني ‪Joseph Henrotin‬‬


‫وأوليفييه شميت ‪Olivier Schmitt‬‬
‫وستيفان تا ّيات ‪Stéphane Taillat‬‬

‫تتموضع الدراسات االسرتاتيجية‪،‬‬


‫موضوع هذا الكتاب‪ ،‬يف ُصلب الحقل‬
‫املنهجي للعالقات الدولية والذي يختص يف‬
‫املقام األول بالقوة‪ ،‬أي القدرة عىل إدارة‬
‫املوارد مهام كانت ويف ظل الظروف املتاحة‬
‫«إن املرشوع الذي يتبناه أي علم ‪-‬‬
‫خصوصا عندما يتعلق األمر باستخدام‬ ‫من الناحية اإلنسانية ‪ -‬يعني إحراز‬
‫تقدم عن طريق املعرفة والفعل‪:‬‬
‫القوة(‪ .)1‬لقد برز منهج العالقات الدولية يف‬ ‫فالطبيب أو االقتصادي ال يفكران إال‬
‫أعقاب الحرب العاملية األوىل عندما ُطرحت‬ ‫يف أعاملهام‪ .‬وبذلك فإن الدراسات‬
‫االسرتاتيجية تشارك بفاعلية كاملة يف‬
‫قضية الظروف املحيطة باندالع وبقرار‬ ‫مرشوع فهم العامل من أجل تغيريه»‬

‫‪25‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫الحرب وبالرصاع الدويل‪ .‬ثم ظهرت الدراسات االسرتاتيجية يف وقت الحق‪ ،‬يف‬
‫أثناء الحرب العاملية الثانية‪ ،‬خصوصا يف ظل أعامل كوينيس رايت ‪Quincy‬‬
‫‪ Wright‬وإدوارد ميد ايرل ‪ .)2(Edward Mead Earle‬وحتى ذلك الحني‪ ،‬كانت‬
‫الحرب تعترب «الصندوق األسود» يف أدبيات األساتذة األكادمييني الذين عهدوا‬
‫إىل املؤلفني العسكريني مبهمة التفكري يف اندالع رشارة الحرب‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬
‫هذه املقدمة عن الدراسات االسرتاتيجية تجعل من املمكن إلقاء مزيد من‬
‫الضوء عىل ظروف اندالع الحرب واتخاذ قراره‪ ،‬والقيود التي تفرضها الحرب‬
‫عىل الوضع السيايس الراهن‪ .‬فاالسرتاتيجية‪ ،‬وفقا لتعريف لورانس فريدمان‬
‫‪ ،Lawrence Freedman‬تعني «فن خلق القوة»(‪ ،)3‬إذ إنها تدخل يف صميم‬
‫تحليل العالقات بني الكيانات السياسية (الدول والرشكات متعددة الجنسية‪...‬‬
‫إلخ) التي تشكل املشهد الدويل‪.‬‬
‫من املناسب أن من ّيز‪ ،‬كام ذكر هرييف كوتو ‪ -‬بيجاري ‪Hervé Coutau-‬‬
‫‪ ،Bégarie‬بني القائد االسرتاتيجي وا ُملنَظر االسرتاتيجي(‪ .)4‬فالقائد االسرتاتيجي‬
‫ينتج اسرتاتيجية عسكرية ويقود الحرب – هو إذن مامرس لهذا الفن‪ .‬يستطيع‬
‫هذا القائد أن يستفيد مام أنتجه اآلخرون قبله‪ ،‬وقد تنحرص وظيفته‪ ،‬يف نهاية‬
‫األمر‪ ،‬يف إدارة املعركة وتغذية املكتبة االسرتاتيجية باملعلومات‪ ،‬كام ذكر لوسيان‬
‫نظر االسرتاتيجي وذلك الذي‬ ‫بوارييه ‪ .)5(Lucien Poirier‬وباملقارنة – فإن ا ُمل ِّ‬
‫يدرس الحرب طبقا للمبادئ العلمية التي ُتط ّبق عىل العلوم االجتامعية والعلوم‬
‫اإلنسانية‪ .‬من املمكن أن يكون ا ُملن َِّظر االسرتاتيجي رجال مدنيا وليست لديه‬
‫معرفة بإطالق النريان وميكن أن يكون رجال عسكريا ُمتمرسا‪ ،‬األمر إذن ليس‬
‫من األهمية مبكان‪ :‬وألن مجال تخصصه ينحرص يف تحليل ما يسمى «الصندوق‬
‫األسود» وتحليل مكوناته‪ ،‬فإن ما يجب أن يأخذه يف االعتبار فقط هو كفاءة‬
‫العمل الذي ُينجز‪ .‬قليلة جدا هي حاالت القادة االسرتاتيجيني الذين يكونون‬
‫نظرين اسرتاتيجيني‪ :‬الكتابة وحدها ليست كافية‪« ،‬فمن النادر أن تكون‬ ‫أيضا ُم ِّ‬
‫[لألعامل] ذات الطبيعة التوضيحية قيمة نظرية استثنائية»(‪ .)6‬يعكس القادة‬
‫نظرون االسرتاتيجيون بشكل محدد الطبيعة التجريدية املزدوجة لالسرتاتيجية‬ ‫وا ُمل ِّ‬
‫عىل اعتبار أنها فن وعلم‪ ،‬عىل حد سواء‪ ،‬يخص العلوم االجتامعية والعلوم‬
‫‪26‬‬
‫مقدمة‬

‫اإلنسانية‪ ،‬وهذا ما يجعلها «فنا قامئا عىل العلم»‪ ،‬األمر الذي ُي َق ّرب االسرتاتيجية‬
‫من الطب أكرث من قربها من الفيزياء من دون شك‪.‬‬

‫عن مدى مالءمة الهدف‬


‫إن دراسة «الصندوق األسود» للحرب تتطلب منهجا متعدد التخصصات‪،‬‬
‫حيث […] ُيبحث ضمن الحقل النظري لواحدة من التخصصات اآلنية‪ ،‬ومن َثم‬
‫العمل عىل تطوير اإلشكاليات والفرضيات التي تتقاطع بشكل جزيئ مع اإلشكاليات‬
‫والفرضيات األخرى التي يضعها تخصص آخر‪ .‬يتعلق األمر إذن […] بالتمحور حول‬
‫املعارف التي تتطلب‪ ،‬من خالل جملة املقاربات ا ُملتتابعة كام هي الحال يف أدب‬
‫الحوار‪ ،‬إعادة تنظيم جزيئ للحقول النظرية اآلنية(‪.)7‬‬
‫من الرضوري إذن اللجوء إىل العلوم السياسية والعالقات الدولية والتاريخ‬
‫– يف مختلف الحقول الفرعية املتخصصة وكذلك االنطالق نحو التاريخ القديم‬
‫وحتى التاريخ االجتامعي وأيضا التاريخ العسكري ‪ -‬والقانون واالقتصاد والجغرافيا‬
‫وعلم االجتامع وأيضا‪ ،‬عىل سبيل املثال ال الحرص‪ ،‬علم األعراق البرشية‪ .‬فيام وراء‬
‫هذه الطائفة من التخصصات العريقة جدا‪ ،‬تهتم الدراسات االسرتاتيجية بالرضورة‪،‬‬
‫مبا يعني أنه الرشط األسايس الذي يستند إىل طبيعة وجودها‪ ،‬بدراسة الحرب‬
‫واحتامل اندالع رشارتها كمامرسة برشية‪ ،‬وهو ما يصفه األدب األنجلوسكسوين‬
‫بالدراسات الحربية‪ .‬يجب أن ُتضاف إىل كل هذا دراسة املجال العسكري‪ ،‬من‬
‫الناحية االجتامعية السياسية‪ ،‬يف شكل فرع للدراسات العسكرية‪.‬‬
‫ال ميكن لنا أن نتصور تاريخا عسكريا «كامال»‪ -‬يتجاوز مجرد العرض التاريخي‬
‫ملعركة وحيدة قدمية(‪ُ - )8‬يه ِمل دراسة التكتيكات أو دراسة االسرتاتيجية ويتجاهل‬
‫دراسة عالقات القوة بني الجهات الفاعلة االسرتاتيجية (سواء تعلق األمر بالدول‬
‫أو بالجهات الدولية الفاعلة الفرعية)‪ .‬إن هذا الوضع ال ميكن أن ُيف َهم من دون‬
‫االستعانة بالتفكري االسرتاتيجي واالسرتاتيجية العسكرية والفن العمليايت والعقائد‬
‫الوطنية‪ ،‬إضافة إىل التكتيكات واملصطلحات التي تؤثر تأثريا بالغا يف التاريخ‬
‫العسكري‪ .‬تعمل عمليات الردع واإلكراه واالستهداف الفكري والحرب الخاطفة‬
‫وحرب العصابات أو االسرتاتيجية البحرية‪ ،‬عىل سبيل املثال ال الحرص‪ ،‬عىل تشكيل‬
‫‪27‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫الكثري من الوقائع االجتامعية بصورة جيدة وتعترب مثرة مسارات تاريخية خاصة‬
‫ترتبط بعنارص مفرسة للرصاعات وأيضا ألطراف الرصاع الفاعلة الذين ُيطيلون أمد‬
‫قصونه أو يجعلونه أكرث أو أقل تعقيدا‪.‬‬ ‫هذا الرصاع أو ُي ّ‬
‫وبالتايل فإنه يبدو من غري ا ُملجدي الحديث عن التحليل الشامل الستقالل كينيا‬
‫وللحرب يف فيتنام أو لنشاط تنظيم القاعدة يف بالد املغرب اإلسالمي (‪ )AQMI‬يف‬
‫نطاق منطقة الساحل من دون األخذ بعني االعتبار‪ ،‬جملة أمور أخرى من بينها‪،‬‬
‫مفاهيم العملية النفسية والرصاع املزدوج وتنوع األعامل التي لها طابع العمليات‬
‫الحسبان‪،‬‬‫غري املنتظمة أو عمليات املقاومة غري النظامية أو‪ ،‬من دون أن نأخذ يف ُ‬
‫الخصوصيات االجتامعية السياسية وأيضا الثقافية ملختلف القوات املحاربة‪ .‬لنحاول‬
‫إعادة صياغة ما قاله كارل فون كالوزفيتز عن الحرب من حيث إنها تعد استمرارا‬
‫للعملية السياسية بوسائل أخرى‪ ،‬ومن ثم ميكن أن تشتعل‪ ،‬يف الوقت نفسه‪ ،‬بسبب‬
‫منطقها الخاص‪ ،‬ولهذا سيكون من غري املفيد بل والخطري تجنب االستدالل العقيل‪.‬‬
‫وألن االسرتاتيجية مرتبطة وجوديا بالسياسة‪ ،‬فإن العلوم السياسية التي تتجاهل‬
‫االسرتاتيجية والدراسات االسرتاتيجية تدين نفسها بوضع حد إلثراء ولدقة تحليالتها‪.‬‬
‫مام ال شك فيه أن هذا االندماج الخاص بالعوامل العسكرية يف املجال البحثي‬
‫يعترب أحد األسباب الرئيسية إلهامل الدراسات االسرتاتيجية‪ ،‬األمر الذي يسمح‬
‫بالتمييز بني الدراسات االسرتاتيجية ونوعني آخرين من املناهج‪ .‬من ناحي ٍة‪ ،‬تركز‬
‫الدراسات األمنية ‪ security studies‬عىل دراسة الرصاعات باملعنى الشامل‪ ،‬كام أنها‪،‬‬
‫أيضا‪ ،‬تركز عىل مفهوم األمن وكذا االهتامم بالعوامل غري العسكرية وفق العالقات‬
‫القامئة عىل القوة‪ .‬وفقا لهذا النهج‪ ،‬يجب أن يكون التعاون والرتابط بني مختلف‬
‫الجهات الفاعلة يف النظام الدويل متينا لتاليف انتشار الرصاعات التي يجب السيطرة‬
‫عليها‪ ،‬يف نهاية األمر‪ ،‬مبوجب القانون‪ .‬إذا مل ُيستبعد استخدام القوة‪ ،‬فإن تجنب‬
‫الرصاع يتطلب إيجاد حلول دامئة‪ .‬نعم‪ ،‬ال يوجد تناقض بني الدراسات االسرتاتيجية‬
‫والدراسات األمنية‪ ،‬حيث يشري تشارلز فيليب دايفيد ‪Charles Philippe David‬‬
‫يف العام ‪ 2000‬إىل أن القادة االسرتاتيجيني واألمنيني يف حالة تنافر‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬
‫تحليل الحروب [‪ ]...‬يحتاج إىل تضافر الجهود‪ ،‬كام أنه يحتاج أيضا إىل دمج املعارف‬
‫الخاصة بهذه املجاالت الدراسية(‪.)9‬‬
‫‪28‬‬
‫مقدمة‬

‫األصح من الناحية األدبية أن يعد هذا التمييز من الفوارق املصطنعة بشكل‬


‫جزيئ‪ .‬من الرضوري االهتامم باملفاهيم املتصلة بالدولة وببناء األمة أو بالقضايا‬
‫األمنية التي تطرحها تدفقات الهجرة أو االحتباس الحراري من جانب الدراسات‬
‫االسرتاتيجية‪ ،‬السيام أن لهذه الدراسات تأثريا مبارشا يف العقائد العسكرية‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬يركز علم السالم(٭) بشكل ف ّعال عىل العوامل التي تقود إىل‬
‫السالم والحفاظ عليه مبا يف ذلك اإلشكاليات املتعلقة بنزع السالح‪ .‬بهذه املناسبة‪،‬‬
‫فإن هذا الفرع من العلوم ال يتجاهل االهتامم بالعوامل العسكرية مادامت‬
‫هذه العوامل تسمح له بتنفيذ برنامجه كام يتضح من بعض األعامل املرتبطة‬
‫(‪)11‬‬
‫باالسرتاتيجيات البديلة(‪ )10‬أو ما يطلق عليه بشكل مجحف «عمليات السالم»‬
‫يؤجج الرصاعات‪ .‬تؤكد هذه‬ ‫أو انتشار األسلحة الذي يعد يف حد ذاته خطرا ّ‬
‫االسرتاتيجيات التعاون وحل النزاعات‪ ،‬حتى لو كانت نزاعات كامنة‪ ،‬كام ُتركز عىل‬
‫أهمية مفاوضات ما بعد الرصاع وعمليات املصالحة‪ .‬ومع ذلك تستحوذ الدراسات‬
‫االسرتاتيجية عىل هذه القضايا سواء تعلق األمر مبعايري الثقة ونزع السالح والتسليح‬
‫واآلثار السياسية واالسرتاتيجية أو ما يتعلق بآثار الرصاعات يف املوروثات الشعبية‬
‫ونتائجها عىل تطور الثقافات االسرتاتيجية للجهات الفاعلة‪.‬‬
‫ُتشكل الدراسات االسرتاتيجية واألمنية وعلم السالم ثالثة منهجيات سائدة‬
‫تتعلق بدراسة الرصاعات يف منهج العالقات الدولية‪ .‬بيد أن التمييز بينها ال يستند‬
‫كثريا إىل مواضيع ميكن أن ُيعول عليها بشكل أسايس وال إىل افرتاضات منهجية‬
‫ونظرية (أو حتى أيديولوجية) لباحثني متخصصني‪ .‬يالحظ آرثر جون ريتشارد غروم‬
‫ّ‬
‫«املنظرين االسرتاتيجيني» مييلون إىل أن‬ ‫‪ Arthur John Richard Groom‬أن‬
‫نظرين واقعيني يف مجال العالقات الدولية‪ ،‬يف حني يكون الباحث يف مجال‬ ‫يكونوا ُم ِّ‬
‫الرصاعات ليرباليا‪ ،‬يف األغلب‪ ،‬ويكون الباحث يف علم السالم من أنصار النظرية‬
‫البنيوية واملثالية(‪.)12‬‬
‫بعيدا عن مظاهر االستياء التي ميكن تفهمها جيدا فيام يخص الحرب نفسها‪،‬‬
‫فمن دون شك‪ ،‬يجب البحث من خالل هذه الحدود الفاصلة عن النامذج الفكرية‬
‫(٭) أبحاث السالم‪ ،‬أحد فروع علم الدراسات األمنية‪[.‬املحرر]‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫األقل جاذبية يف املجتمع األكادميي (عىل األقل يف محيط القارة األوروبية) فيام‬
‫نظرين الواقعيني يف العالقات‬‫للم ِّ‬
‫يتعلق بالدراسات االسرتاتيجية‪ ،‬حيث مل يعد ُ‬
‫الدولية هيمنة (وهو ما مل يحدث من قبل) عىل هذه الدراسات خصوصا منذ نهاية‬
‫الحرب الباردة‪ .‬ومع ذلك‪ُ ،‬تظهر املامرسة أن هناك حلقات منوذجية فكرية تتجاوز‬
‫املنهج األوحد يف العالقات الدولية وتأخذ بعني االعتبار نتائج تطور الرصاعات(‪.)13‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فقد ُطعن يف رشعية الدراسات االسرتاتيجية يف أثناء الحرب الباردة‪،‬‬
‫عىل عكس املشاريع املتبادلة‪ ،‬من خالل دراسات السالم التي ترى أن الدراسات‬
‫االسرتاتيجية غري قادرة عىل وضع نهاية للمواجهة بني الرشق والغرب‪ ،‬أو حتى‬
‫املخاطرة بدخول العامل يف هذه املواجهة‪ .‬وإذا كانت الدراسات األمنية قد هيمنت‬
‫عىل املشهد األكادميي إىل حد بعيد‪ ،‬منذ سقوط االتحاد السوفييتي وصوال إىل أحداث‬
‫‪ 11‬سبتمرب‪ ،‬فإن الدراسات االسرتاتيجية‪ ،‬منذ ذلك الحني‪ ،‬قد استعادت رشعيتها‪،‬‬
‫حيث إنها عمدت إىل تقديم تفسريات مقنعة ومرشدة يف غاية األهمية عن اإلرهاب‬
‫الجهادي ومدى انتشاره‪ ،‬وعن االسرتاتيجيات املعنية ببناء التحالفات والحفاظ عىل‬
‫االئتالفات‪ ،‬وعن العمليات األمريكية يف العراق وأفغانستان‪ ،‬وعن ديناميكية التمرد‬
‫وعن الحفاظ عىل القدرات العسكرية الكبرية للدول (وعن طبيعتها أيضا)‪ ،‬وعن بناء‬
‫االسرتاتيجية السيربانية باعتبارها موضوعا وهدفا للعالقات الدولية‪ ،‬وعن الحفاظ‬
‫عىل القدرات النووية وأيضا عن التوترات املتصاعدة يف بحر الصني الجنويب وعىل‬
‫نطاق أوسع يف آسيا وعن أمور أخرى كثرية‪.‬‬

‫املوضوع واملنهج‬
‫لقد عانت الدراسات االسرتاتيجية أيضا بسبب طبيعة مرشوعها الجامعي‪.‬‬
‫فعندما تسعى الدراسات االسرتاتيجية إىل فهم ديناميكيات عالقات القوة ‪ -‬عىل وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬وليس فقط عندما يتعلق األمر بالقوة العسكرية – فإنها تهدف بذلك‬
‫إىل التأثري املبارش يف سياسة الجهات الفاعلة‪ ،‬كنوع من السيادة املطلقة‪ ،‬من أجل‬
‫التدخل يف سياسات الجهات الفاعلة من جانب ِّ‬
‫املنظرين‬ ‫البقاء‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن هذا ّ‬
‫االسرتاتيجيني أصبح محل انتقاد مبا أنه جعل ا ُمل ِّ‬
‫نظر االسرتاتيجي وحقله االسرتاتيجي‬
‫نظر إليها عىل أنها أقل جودة من حيث العملية‬ ‫يرتاجع ملصلحة بيوت الخربة التي ُي َ‬

‫‪30‬‬
‫مقدمة‬

‫البحثية‪ .‬يف الجانب العميل‪ ،‬ال بد من اإلشارة إىل أن هذا الطموح يف املامرسة العملية‬
‫غالبا ما يحدث يف إطار العلوم السياسية خصوصا عندما يتعلق األمر بالسياسات‬
‫العامة‪ .‬يضاف إىل ذلك أن املرشوع الذي يتبناه أي علم – من الناحية اإلنسانية ‪-‬‬
‫يعني إحراز تقدم عن طريق املعرفة والفعل‪ :‬فالطبيب أو االقتصادي ال يفكران إال‬
‫يف أعاملهام‪ .‬عىل هذا النحو‪ُ ،‬تشارك الدراسات االسرتاتيجية بفاعلية كاملة يف مرشوع‬
‫«فهم العامل من أجل َتغيريه» كام أكد ذلك بيري فافر ‪ Pierre Favre‬فيام يتعلق‬
‫بال ِعلم السيايس(‪ )14‬بغرض زيادة األدلة عىل الرتابط الوجودي بني هذه املناهج‪ .‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬تفرض الرهانات الدولية ووسائل الدفاع رؤيتها‪ ،‬مبا يف ذلك الرؤية اإلعالمية‬
‫املهمة جدا‪ ،‬التي تتعلق باملخاطرة من جذب النفعيني وأصحاب املصالح املتعجلني‪.‬‬
‫ميكن مالحظة أن العديد من املنشورات الرسمية يف فرنسا متيل إىل إجراء دراسات‬
‫اسرتاتيجية ليس فقط بغرض تفعيل القدرة املعلوماتية واالستباقية ولكن أيضا‪،‬‬
‫وهذا هو املدهش‪ ،‬من أجل التعبري عن السياسة الوطنية نفسها أو بغرض جعل‬
‫نظر االسرتاتيجي هو املمثل للموقف الوطني الرسمي(‪.)15‬‬ ‫ا ُمل ِّ‬
‫األطر‪ ،‬أن التحليل يسبق الفعل وأن‬ ‫نالحظ‪ ،‬يف هذا اإلطار أو يف غريه من ُ‬
‫الغموض الوحيد الذي يلف مفاهيم «التفكري االسرتاتيجي» و«االستباقية» وأحيانا‬
‫«النقاش االسرتاتيجي» هو لألسف الغموض نفسه الحاصل بني البحوث األساسية‬
‫والبحوث التطبيقية الذي يصيب حقل الدراسات االسرتاتيجية وكل الحقول املنهجية‬
‫األخرى‪ .‬ومبا أن الغموض قائم بني هذه املفاهيم بسبب نقص املعرفة يف األغلب‬
‫فإن هذا الوضع يتطلب كلامت توضيحية‪ .‬لهذا يهتم النقاش االسرتاتيجي بتطور‬
‫العالقات الدولية وبالرصاعات التي تعمل عىل إنعاش هذا النقاش‪ ،‬ومن ثم إدراجه‬
‫يف مجال البحث التطبيقي‪ ،‬يف حني ينطلق التفكري االسرتاتيجي من سلسلة من‬
‫املفاهيم ا ُمل ِ‬
‫رتسبة واملرتبطة بالرتاث الذي َخ َّلفه مؤلفون ميكن اعتبارهم ممن أحرزوا‬
‫تقدما ملصلحة هذا الحقل املنهجي الذي يدخل ضمن إطار البحوث األساسية‪.‬‬
‫لنقرأ ما ييل‪« :‬مل يعد لدى فرنسا أي تفكري اسرتاتيجي‪ ،‬وألن التفكري اسرتاتيجي كان‬
‫الضحية لهزمية ‪ 1940‬وللعقيدة النووية التي جرى تبنيها يف فرتة الستينيات من‬
‫القرن املايض»(‪ ،)16‬فإنه يشكل يف الوقت نفسه خروجا عن املسار ‪ -‬عىل الرغم من‬
‫أن هزمية ‪ 1940‬والحقيقة النووية ال تنفيان الدور الذي لعبه كل من فوالر ‪Folard‬‬
‫‪31‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫وميزوري ‪ Maizeroy‬وجراندميزون ‪ Grandmaison‬وكاستيكس ‪ Castex‬وديغول‬


‫‪ de Gaulle‬وترينكييه ‪ Trinquier‬وجوان ‪ Juin‬وأيضا بوارييه الذي يعد من بني‬
‫املهتمني األساسيني مبفهوم الردع ‪ -‬كام أنه يشكل أيضا نوعا من الغموض الشديد‬
‫الحاصل بني البحوث التطبيقية والبحوث األساسية(‪.)17‬‬
‫الصحيح أيضا أن البحوث االسرتاتيجية يف فرنسا تتميز تاريخيا بتحليالتها‬
‫العميقة وتنوع مناهجها البنيوية‪ ،‬سواء يف مجال البحث أو فيام يخص نرش نتائجه‪،‬‬
‫وقد أدى ذلك إىل نشاطها‪ ،‬أحيانا‪ ،‬وفتورها‪ ،‬أحيانا أخرى‪ ،‬وفقا لألوضاع السياسية(‪.)18‬‬
‫وهكذا‪ ،‬اختفت معظم املجالت العسكرية يف حقبة الستينيات نتيجة لفشل‬
‫العسكريني بعد انقالب الجزائر‪ .‬وقد اتصفت هذه املجالت أيضا بعدم االعرتاف‬
‫األكادميي الرسمي بها‪ .‬يتضح املشهد األخري يف هذا الشأن من خالل محاولة إنشاء‬
‫قسم لعلم الجرمية يتبع املجلس الوطني للجامعات ويعمل عىل تطوير التوصيات‬
‫التي يتضمنها تقرير‪« :‬كشف ودراسة وتدريب»‪ .‬لقد فشل املسار الجديد للبحث‬
‫االسرتاتيجي(‪ )19‬تقريبا بعد أكرث من خمسة أشهر من الرشوع فيه يف العام ‪ .2012‬يف‬
‫الواقع‪ ،‬كان املرشوع‪ ،‬من وجهة النظر املنهجية‪ ،‬معيبا من الناحية الوجودية نتيجة‬
‫للتقارب الذي حصل بني علم الجرمية نفسه – بحكم أنه تابع للعلوم اإلنسانية‪/‬‬
‫االجتامعية املتعلقة بالسلوك الجانح – وما ميكن أن يتَّصف «بالبحث االسرتاتيجي»‬
‫من دون وضع أي تعريف له‪ُ .‬نوقشت التهديدات واملخاطر ضمن مقررات «األمن‬
‫العاملي» بغرض تخفيض املظاهر االسرتاتيجية مقارنة مبا يتعلق بجوانب األمن‬
‫الداخيل‪ .‬إن عدم املعرفة التامة‪ ،‬غري املقبول نهائيا‪ ،‬باألعامل املنجزة يف هذا الحقل‬
‫يؤدي إىل ارتباك ال يريض القانونيني أو الباحثني يف قضايا األمن الداخيل‪ ،‬وال العاملني‬
‫يف مجال القضايا الدولية‪.‬‬
‫من املمكن إضافة خاصية أخرى إىل هذه السامت الخاصة بالدراسات االسرتاتيجية‬
‫يف فرنسا والتي ترتبط جزئيا بالتقسيم البنيوي للبحث‪ .‬بيد أن هذه الخاصية ترتكز عىل‬
‫أوجه التباين الشديد فيام يخص األعامل املنجزة وأحيانا عىل عدم األخذ بأساسيات‬
‫املنهج العلمي يف االعتبار‪ .‬وألنها تتصل بالعلوم االجتامعية ‪ -‬عىل الرغم من املناقشات‬
‫التي تدور حول مدى جدواها العلمية ‪ -‬فإن الدراسات االسرتاتيجية ال ميكن أن ُته ِمل‬
‫هذه األساسيات‪ .‬هذا‪ ،‬عىل وجه الخصوص‪ ،‬هي الحال عند تناول مفهوم التّناص أو عند‬

‫‪32‬‬
‫مقدمة‬

‫التحقق من مستويات التطور الحاصل كأساس للتقدم يف الحقل املنهجي‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫فعندما يتعرض هذا الحقل املنهجي ألي خلل يف أثناء مناقشات االسرتاتيجية الوطنية‪،‬‬
‫عندئذ ميكن نرش هذه املناقشات‪ ،‬بحكم تعريفها‪ ،‬عىل املستوى العاملي‪ ،‬ورمبا بشكل‬
‫أوسع من العلوم االجتامعية األخرى‪ ،‬وهكذا تتم عملية الدمج ضمن منظومة العالقات‬
‫الدولية بحيث تكون معظم النصوص ذات الصلة قابلة للنرش أيضا يف الخارج‪.‬‬
‫عندما يقل االعتامد عىل عملية التناص‪ ،‬يظهر التمركز حول كل ما هو فرنيس –‬
‫أي الرتكيز عىل آليات الدفاع الفرنسية بإشكالياتها الخاصة‪ ،‬وبوصفها تعبريا عن الدراسات‬
‫االسرتاتيجية باعتبارها دليال عىل الخربة – عىل الرغم مام يسببه ذلك من طرح ملشاكل‬
‫خطرية تتعلق بالتأثريات املبارشة يف السياسات املتبعة‪ .‬إن عدم االهتامم باألدب وباملناقشات‬
‫العاملية يؤدي إىل لون من الخلل‪ ،‬بيد أن عملية نقل هذه األدبيات إىل فرنسا س ُيظهر مالمح‬
‫التأخر عدة سنوات وسيؤدي إىل انتكاسة‪ .‬أما عن املناقشات األمريكية املتعلقة بالثورة يف‬
‫مجال الشؤون العسكرية‪ ،‬والتي اتخذت شكال رسميا منذ نهاية العام ‪ ،1991‬فلم ُيهتم بها‬
‫بجدية إال بعد العام ‪ .2000‬ومع ذلك‪ ،‬ففي أعقاب هجامت ‪ 11‬سبتمرب‪ ،‬مل تعد الواليات‬
‫املتحدة تهتم بهذه املناقشات‪ ،‬يف حني اعتمدت باريس‪ ،‬مع عواصم دول أوروبية أخرى‪،‬‬
‫مفاهيم التحول التي تعترب مبنزلة استعراض عميل يف داخل القوات املسلحة‪ ،‬للمناقشات‬
‫األمريكية التي متت يف تسعينيات القرن املايض‪.‬‬
‫يبدو هذا املثال متطرفا‪ ،‬ولكن قد تكون هناك حاالت أخرى ميكن االستعانة بها من‬
‫خالل مجاالت متخصصة جدا وتقنية مثل تلك التي تتعلق بنظام الدفاع املضاد للصواريخ‬
‫الوطنية‪ ،‬وملفهوم العربات املدرعة أو ما يتعلق باملناقشات السياسية واالسرتاتيجية‬
‫واألخالقية حول الطائرات من دون طيار‪ ...‬إلخ‪ .‬وتجدر اإلشارة إىل أن هناك إشكالية‬
‫تتعلق مبفهوم األدب الفرنيس غري املتاح االستفادة منه يف كثري من األحيان وبشكل كاف‬
‫من ِق َبل الباحثني‪ .‬وبعيدا عن خطر التأخر عن «املسرية املفهومية لهذا العامل» التي‬
‫ُتعرض لها بالفعل‪ ،‬فقد يقل االعتامد عىل عملية التناص حتى يعاود الباحثون واملحللون‬
‫باستمرار إعادة إنتاج النتائج التي يعتقد أنها جديدة‪ ،‬يف حني يكون قد ع ّفى عليها‬
‫الزمن بالفعل وغدت بعيدة عن التطبيق منذ فرتة طويلة‪ .‬قد مييل البحث الفرنيس إىل‬
‫«الالمباالة» وعدم التكيف‪ ،‬ما يسبب فقدان رشعيته والشعور بعدم الفائدة منه‪ .‬يف‬
‫الواقع‪ ،‬فإن «املعرفة الفنية» تقع يف قلب التناص‪ ،‬نطاق واسع من األبحاث حول مسألة‬

‫‪33‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫محددة والتي تسمح بالتايل مبواصلة مسار الجدل بطريقة مالمئة إذ تسمح بتطور‬
‫«املنهج ‪ -‬فرع املعرفة» وعدم تراجعه‪.‬‬
‫من الناحية العملية‪ ،‬يتميز اإلنتاج االسرتاتيجي الفرنيس يف العادة بالعامل التجريبي‪،‬‬
‫األمر الذي ميكن تقديره إن وجد‪ ،‬ولكن يف كثري من األحيان ُيقدم باعتباره عمال بحثيا‬
‫بشكل مبالغ فيه(‪.)20‬‬
‫يتعلق هذا الوضع‪ ،‬عىل األرجح‪ ،‬ببنيوية حقل الدراسات االسرتاتيجية يف فرنسا‪:‬‬
‫ففي غياب االعرتاف األكادميي الرسمي (عىل سبيل املثال من قبل قسم املجلس الوطني‬
‫للجامعات الذي يتبعه هذا الحقل)‪ ،‬يقترص البحث عىل بيوت الخربة؛ عىل الرغم من‬
‫املشاكل التي تعرض لها يف السابق بالفعل‪ :‬فمن اعتامد النتائج عىل احتاملية الوفرة‬
‫املالية واملزاج السيايس إىل تأخري يف استيعاب املفاهيم الغريبة‪ ،‬وكذلك استحالة تحديد‬
‫مصطلحات النقاش األكادميي الدويل وغياب إرسال الكتب العلمية للطالب‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وهكذا تستحكم الحلقة حول حقل الدراسات االسرتاتيجية‪ :‬وألنه غري ُمعرتف‬
‫بها عىل هذا النحو‪ ،‬فإن الدراسات االسرتاتيجية مل تحاول عمل بحوث منهجية‬
‫أساسية تتطلب‪ ،‬يف املقابل‪ ،‬إنتاجا متواضعا قد يؤدي إىل نزع الرشعية عنها يف الوسط‬
‫األكادميي‪ .‬لعل القصد الذي أردناه‪ ،‬من خالل هذا الكتاب‪ ،‬أن نقدم للقارئ املهتم‬
‫مستوى التقدم الحاصل لعدد من املظاهر األكرث جاذبية يف املجال املنهجي‪ .‬ال يتعلق‬
‫األمر بتقديم نظرة شاملة للعمل الذي ُأنجز يف هذا املجال‪ ،‬ولكن بوضع سلسلة‬
‫واألطر املفهومية املركزية املرتبطة بالدراسات‬‫من املبادئ التوجيهية حول النُهج ُ‬
‫االسرتاتيجية‪ .‬لذلك‪ ،‬وبديال من اللجوء إىل بيوت الخربة الفنية‪ ،‬فإن حقل الدراسات‬
‫االسرتاتيجية يعد من الناحية األكادميية ثروة كبرية تسمح بإثراء املناقشات العلمية‬
‫الوطنية يف مجال العلوم السياسية والتاريخ وعلم االجتامع (ومجاالت أخرى يف‬
‫تخصصات العلوم االجتامعية واإلنسانية) رشيطة أن يهتم األساتذة الجامعيون به‪.‬‬
‫يهتم الجزء األول من هذا الكتاب بعملية انتشار الدراسات االسرتاتيجية وكيفية‬
‫التعامل بشكل أسايس مع الجهات الفاعلة والنظر إىل مواقفها ومرجعياتها‪ .‬ويحلل‬
‫الجزء الثاين سلسلة من وسائل التعبري االسرتاتيجية لهذه الجهات الفاعلة من خالل‬
‫مجموعة من املفاتيح التي تتيح تقديم تحليل ُمقارن‪ .‬أخريا‪ ،‬يقدم الجزء األخري‬
‫دراسة دقيقة عن املراجع املتخصصة‪ ،‬املرتبطة مبامرسات القوى العسكرية‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫اجلزء األول‬
‫إطار الفعل‬
‫تاريخ التفكري االسرتاتيجي‬

‫‪1‬‬

‫تاريخ التفكري االسرتاتيجي‬

‫جوزيف هيرنوتني ‪Joseph Henrotin‬‬


‫وأوليفييه شميت ‪Olivier Schmitt‬‬
‫وستيفان تا ّيات ‪Stéphane Taillat‬‬

‫لطاملا كان اندالع الحروب هو املوضوع‬


‫الذي شغل مساحة كبرية ووافرة يف كتابات‬
‫أدبية يعود تاريخها إىل آالف السنني وتشمل‬
‫جميع الحضارات(‪ .)1‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الجانب‬
‫االسرتاتيجي عىل وجه التحديد‪ ،‬أي الجانب‬ ‫«إن استخدام العلم يعد عنرصا أساسيا‬
‫يف تحديد الهوية العسكرية كتخصص‬
‫الذي يهتم باستخدام القوة يف غرض سيايس أو‬ ‫احرتايف‪ .‬يف كثري من األحيان تعد الرتبية‬
‫العلمية‪ ،‬باإلضافة إىل اعتقاد أن الحرب‬
‫الذي يسعى إىل وضع نظرية الحرب‪ ،‬رسعان ما‬ ‫ميكن أن ُتد َرس كعلم‪ ،‬من العوامل‬
‫عرف تطورا كبريا‪ .‬تجدر اإلشارة إىل أن مصطلح‬ ‫التي تسمح بخلق الهوية املهنية‬
‫العسكرية عن طريق فصل العسكريني‬
‫«اسرتاتيجية»‪ -‬الذي يرجع إىل األصل اليوناين‬ ‫عن املدنيني»‬

‫‪37‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫‪( agein‬أي نرش القوات يف ميدان القتال) واستُخدم يف القرن الخامس قبل امليالد‬
‫‪ -‬مل ُيعاود الظهور إال يف عرص التنوير‪ .‬وألن االسرتاتيجية تعترب العامل األكرب يف فن‬
‫الحرب (حيث يفضل موريس دي ساكس ‪ Mauricede Saxe‬والكونت دي غيربت‬
‫‪ Guibert‬الحديث عن «املكونات الكربى للحرب»)‪ ،‬فقد حدث توسع يف الفكرة‬
‫تدريجيا بحيث ُتغطي كل أبعاد القوة والرصاع(‪.)2‬‬
‫ليس املقصود من هذا الفصل تناول كل هذه الكتابات‪ ،‬بل أن يقترص العرض يف‬
‫املقام األول عىل الفكر الغريب (يف األساس األورويب واألمرييك)‪ ،‬ثم نتعرض يف املقام‬
‫الثاين‪ ،‬لهؤالء املفكرين الذين أثروا بشكل ُمستدام الطريقة املهيمنة عىل التخطيط‬
‫للحرب واالسرتاتيجية(‪.)3‬‬
‫وألنه ال ميكن للمرء التشكيك يف إضفاء الطابع الشمويل عىل قضية التفكري يف‬
‫فن الحرب‪ ،‬فمن الرضوري إعادة التفكري يف الطابع الخاص لهذا الفن عند تناول‬
‫األدب الغريب له‪ ،‬وتحديدا يف ظل التوتر القائم بني البحث عن ِعلم للحرب يسعى‬
‫إىل وضع قوانني ُيكن تطبيقها بشكل شامل ومستدام‪ ،‬وتيار «روايئ» اسرتاتيجي‬
‫يستند إىل الخربة والدراسة التاريخية(‪ .)4‬يف الواقع‪ ،‬وبسبب التداخل بني املعارف‬
‫النظرية والتطبيقية‪ ،‬فإن التفكري االسرتاتيجي متيز بأهدافه التي ترتكز عىل الفعل‪.‬‬
‫وبطريقة ما‪ ،‬يستند التفكري االسرتاتيجي إىل التأمل التطبيقي املرتبط باألحداث‬
‫وكيفية التأثري فيها‪.‬‬
‫ّإن التفكري االسرتاتيجي ال يشتمل عىل الطابع الفني فقط‪ ،‬بل والسيايس‬
‫واألخالقي أيضا‪ .‬وهذا هو السبب يف ظهور وتطوير التفكري االسرتاتيجي الغريب‬
‫الحديث الذي يستند إىل أربعة تطورات تاريخية‪ .‬يتعلق أولها بظهور التفكري‬
‫منحى ميتافيزيقيا‪ .‬أما الثاين‪،‬‬
‫ً‬ ‫العلامين‪ ،‬مبا يعني تجنب أي تفسري لألحداث ينحو‬
‫فهو تطور شكل التنظيم السيايس واالجتامعي الخاص بالدولة‪ ،‬باإلضافة إىل تط ّور‬
‫التسليح ألغراض الحرب(‪ .)5‬يف حني أن التطور الثالث يعتمد عىل تعقيد الفن‬
‫العسكري الذي مل َي ُعد محصورا يف التكتيكات وحدها‪ ،‬بل امتد إىل رضورة األخذ‬
‫بعني االعتبار الجوانب املرتبطة بالتكنولوجيا والخدمات اللوجستية والتوسع املكاين‬
‫للعمليات‪ .‬ويتعلق التطور الرابع‪ ،‬أخريا‪ ،‬بظهور تفكري علمي يهدف إىل تصنيف‬
‫وتنظيم وعقلنة األنشطة البرشية‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫تاريخ التفكري االسرتاتيجي‬

‫التفكري االسرتاتيجي ما قبل املَفاهيمي‬


‫عىل الرغم من أن إعادة ظهور وتعميم مصطلح االسرتاتيجية يرجع إىل النصف‬
‫الثاين من القرن الثامن عرش وبداية القرن التاسع عرش‪ ،‬فسيكون من املهم أن‬
‫نأخذ بعني االعتبار املخطوطات التي تسبق هذا التاريخ‪ .‬و ُتشكل هذه املخطوطات‬
‫األساس الضمني والرصيح لألفكار واملفاهيم التي تؤسس للنهج النظري واملنهجي‬
‫الذي شاع بعد ذلك‪ .‬عند التط ُّرق إىل األدب القديم‪ ،‬اليوناين والروماين‪ ،‬نجد أنه يتميز‬
‫بالرتكيز عىل الجوانب التكتيكية وعىل النهج الربغاميت لفن الحرب‪ .‬يتعلق األمر يف‬
‫معظم األحيان بإعالن قواعد الحرب وباملبادئ التقنية وبالتنظيم‪ ،‬مبا يف ذلك البيئات‬
‫الحرضية‪ ،‬بالتطرق إىل بنود املعاهدة االسرتاتيجية العسكرية لإلمرباطور البيزنطي‬
‫موريكيوس )‪ Maurice (602-539‬وأيضا فيلون(‪ .Philon )6‬ونجد أن معظم هذه‬
‫بالخدع الحربية‪ .‬ومن دون شك‪ُ ،‬ي َعدُّ‬‫البنود تستند إىل املؤلفات األدبية املرتبطة ُ‬
‫القائد الروماين فرونتني واحدا من أهم املؤلفني املؤثرين يف األجيال الالحقة‪ ،‬حينام‬
‫توىل حكم بريتاين ‪ Bretagne‬يف نهاية القرن األول امليالدي‪ ،‬ومنها وصلت إلينا‬
‫مخطوطته الوحيدة عن فن الحرب‪ ،‬كام تعد مخطوطة فيغيس ‪ Végèce‬عن‬
‫«الفنون العسكرية الرومانية» ‪ Epitoma Rei Militaris‬يف نهاية القرن الرابع من‬
‫أكرث املخطوطات التي يجري االستشهاد بها والتعليق عليها وتحليلها حتى العرص‬
‫الحديث‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد اكتشف املؤرخون القدماء أبعادا أخرى متميزة تتعلق بفن‬
‫الحرب خصوصا العالقة بني فن الحرب والسياسة(‪.)7‬‬
‫يتعرض ثوسيديدس ‪ Thucydide‬للقضية التي ُنطلق عليها «اسرتاتيجية» من‬
‫زاوية املهارة السياسية ورضوراتها(‪.)8‬‬
‫بتحليله للحرب البيلوبونيسية باعتباره مؤرخا‪ ،‬يسعى ثوسيديدس إىل تسليط‬
‫الضوء عىل الحدود والقيود املفروضة عىل النشاط االسرتاتيجي‪ .‬فهو ال يرى حتمية‬
‫التفسري القديم للحرب بني أسربطة وأثينا التي دارت رحاها يف الفرتة من ‪431‬‬
‫إىل ‪ 404‬قبل امليالد‪ .‬فإذا كانت القوة املتنامية للمدينة القدمية ُتثري مخاوف‬
‫الصدام ترجع إىل البحث يف اسرتاتيجية اإلدارة عن تحالفات‬ ‫أسربطة‪ ،‬فإن أسباب ِ‬
‫بقيادة املدينتني «الكبريتني» ‪ ،‬فمن جهة‪ ،‬كان هناك االقرتاح الذي قدمته كروسري‬
‫(‪)9‬‬

‫‪ Corcyre‬للدخول يف التحالف األثيني‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬قدمت كورنث ‪Corinthe‬‬


‫‪39‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫مجموعة الطلبات التي دفعت أسربطة إىل إظهار مزيد من الحزم‪ .‬ويبني ثوسيديدس‬
‫كيف أن هذه التفاعالت ولعبة الجامعات ُتقلل من هامش مناورات القادة‬
‫وتؤدي إىل التصعيد‪ .‬بالطريقة نفسها‪ ،‬يربز تحليله السرتاتيجية بريكليس ‪Périclès‬‬
‫مثالب هذه االسرتاتيجية‪ .‬ولرغبته يف استنزاف قوة أسربطة من أجل تعزيز جانب‬
‫املصالحة‪ ،‬ال يقبل القائد االسرتاتيجي النظر يف فعل مبارش ضد مدينة ليستامونيا‬
‫‪ Lacedaemonian‬مفضال املناوشات البحرية‪ .‬بيد أن الغارات التي شنتها أسربطة‬
‫ضد املدينة القدمية قد أرهقت أثينا بأرسع مام كان ُيتصور ود ّعمت موقف الحلفاء‬
‫واملستعمرات واملعارضني السياسيني لربيكليس‪ ،‬يف حني أن سياسة ضبط النفس‬
‫التي التزم بها بريكليس كانت السبب يف إضعاف مدينته‪ .‬أخريا‪ ،‬يؤكد ثوسيديدس‬
‫يف مخطوطته أهمية البالغة والرسد فيام يتعلق بالحرب عىل اعتبار أنهام ميثالن‬
‫رضورة حتمية يف املداوالت السياسية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن هذه املخطوطة ال تضع‬
‫نظرية اسرتاتيجية متميزة بالقدر الذي قدمه الخرباء التكتيكيون القدماء يف العصور‬
‫الوسطى‪ ،‬وألن هناك استدالال اسرتاتيجيا منصوصا عليه يف عموم املخطوطة‪ ،‬فمن‬
‫الرضوري إعادة النظر فيها ُمجددا ليك تتضح الفائدة منها(‪.)10‬‬
‫توضح مخطوطة فلورنتني نيكوالس ميكيافييل ‪Florentin Nicolas‬‬
‫)‪(Machiavel- (1527-1469‬٭) كيف عرف التفكري االسرتاتيجي أول تطور مع نشأة‬
‫الدولة الحديثة‪ ،‬كام أنها تسلط الضوء (مبا أن الحديث يتعلق باألمري) عىل رضورة‬
‫وضع القوات املسلحة يف خدمته‪ ،‬وذلك لضامن استقالله الخارجي أو لتعزيز سيادته‬
‫الداخلية‪ .‬يف الواقع‪ ،‬عندما يركز فن الحرب عىل مبادئ تجميع وتنظيم وتسيري‬
‫القوات املسلحة – وألن املؤلف يتبنى الدعوة إىل تشكيل ميليشيات من املواطنني‬
‫يف أماكن وجود املرتزقة الكوندوتيري ‪ - condottiere‬فإن هذه التدابري تضمن‪ ،‬يف‬
‫املقابل‪ ،‬الطابع املدين والوالء لألمري والعمل عىل تعزيز رشعيته(‪ .)11‬يف كتابه الرئييس‪،‬‬
‫ّ‬
‫ميكيافيل (باإليطالية‪)Niccolò di Bernardo dei Machiavelli :‬‏ (‪ 3‬مايو ‪- 1469‬‬ ‫(٭) نيكولو دي برناردو دي‬
‫‪ 21‬يونيو ‪ )1527‬ولد وتويف يف فلورنسا‪ ،‬كان مفكرا وفيلسوفا سياسيا إيطاليا إبان عرص النهضة‪ .‬أصبح ميكيافييل‬
‫الشخصية الرئيسية واملؤسس للتنظري السيايس الواقعي‪ ،‬والذي أصبحت فيام بعد عصب دراسات العلم السيايس‪.‬‬
‫أشهر كتبه عىل اإلطالق‪ ،‬كتاب األمري‪ ،‬والذي كان عمال هدف ميكيافييل منه إىل أن يكتب تعليامت لحكام‪ُ ،‬نرش‬
‫الكتاب بعد موته‪ ،‬وأيد فيه فكرة أن ما هو مفيد فهو رضوري‪ ،‬والتي كان عبارة عن صورة مبكرة للنفعية والواقعية‬
‫السياسية‪ .‬ولقد فصلت نظريات ميكيافييل يف القرن العرشين‪[ .‬املحرر]‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫تاريخ التفكري االسرتاتيجي‬

‫«األمري»‪ ،‬يصف ميكيافييل نفسه با ُملن َِّظر االسرتاتيجي الذي يستويل ويحافظ عىل‬
‫السلطة(‪ .)12‬هنا تالحظ األجيال املعارصة يف هذا الفعل التداخل بني الفضيلة (التي‬
‫تعني الخبث والدهاء) والرثوة (التي تعني املصادفة) وبني التفسريات الحديثة‬
‫التي ترى أن هذه األمور تتعلق‪ ،‬أوال وقبل كل يشء‪ ،‬بالتأسيس «لعلم الطاعة»‬
‫الذي يستند بشدة إىل مامرسة القوة واملكر وصوال إىل القسوة «مرة واحدة وإىل‬
‫األبد»‪ ،‬ومن ثم البحث يف نهاية املطاف عن القبول(‪ .)13‬بهذا املعنى‪ ،‬يضع ميكيافييل‬
‫االسرتاتيجية يف صلب الفلسفة السياسية الحديثة‪.‬‬

‫املفاهيمية واملنهجية والتنظريية‬


‫بعدم تجاهلهم لهذه التطورات‪ ،‬فقد اهتم الكتاب العسكريون يف القرن‬
‫السابع عرش وبداية القرن الثامن عرش األول بتطوير التفكري التكتييك العميق‪،‬‬
‫انطالقا من موريس دو ناسو )‪ Maurice de Nassau (1625-1567‬إىل مونتكوكويل‬
‫)‪Montecucculi (1680- 1609‬مرورا بتورين )‪ Turenne (1675-1611‬وفوالر‬
‫‪ Folard (1752-1669)،‬كام يوجد كاتب آخر هو املارشال ساكس )‪.Saxe(1750-1696‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فقد برز ال ُبعد االسرتاتيجي يف القرن الثامن عرش من خالل التطور‬
‫املفاهيمي الذي أظهر كثافة التفكري الواضح جدا عند أزار غات ‪ .)14(Azar Gat‬يأيت‬
‫هذا ال ُبعد يف أعقاب النقاش التكتييك الذي أدى إىل تحفيز الضباط األوروبيني عىل‬
‫َتبني أفضل التدريبات من أجل التغلب عىل االنسداد الناتج عن قنوات االتصال‬
‫اإللكرتونية وتعميم استخدام األسلحة النارية(‪ .)15‬أيضا‪ ،‬يأيت هذا ال ُبعد ضمن عملية‬
‫تقسيم وتعبئة الجيوش التي تسمح بأداء مهامت عىل نطاق واسع من مرسح‬
‫العمليات‪ ،‬وبالرتكيز عىل التفاعل الذي يجب أن يحدث بني الصدمة واملناورة‪.‬‬
‫تؤخذ االسرتاتيجية بعني االعتبار عىل ثالث مراحل‪ .‬يف املرحلة األوىل‪ ،‬تعتمد‬
‫الظروف الجديدة للقتال أسلوب التمييز بني التكتيكات من جهة‪ ،‬و«التكتيكات‬
‫الكبرية» التي تركز عىل تجميع الوحدات وعمل مناورات لها(‪ )16‬من جهة أخرى‪.‬‬
‫هنا يبدأ التفكري اإلجرايئ األول الذي عُ ِّب عنه يف أثناء االستخدام النابليوين للمناورة‬
‫وتركيز القوات‪ .‬أما يف املرحلة الثانية‪ ،‬فيميل التفكري العسكري إىل التنظريية‬
‫واملنهجية‪ .‬نجد هذا األمر أيضا عند غيبري ‪ -‬الذي يسعى إىل جعل التكتيكات من‬
‫‪41‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫ضمن العلوم الخالدة – وأيضا عند جويل دو ميزوري ‪ Joly de Maizeroy‬الذي أعاد‬
‫إدخال مصطلح اسرتاتيجية يف نظريته عن الحرب التي ُن ِشت يف ‪.1777‬‬
‫عىل املستوى اإلجرايئ‪ ،‬فإن النهج الهنديس لهرني لويد ‪ - Henry Lloyd‬الذي‬
‫ُينسب إليه اخرتاع مصطلح «خطوط العمليات» يف مذكراته العسكرية التي ُنرشت‬
‫يف ‪ - 1781‬ثم من خالل مذكرات ديرتيتش فون بولو ‪Dietrich von Bülow‬‬
‫«عن روح نسق الحرب الحديثة يف ‪ ،»1799‬فقد حدث تبني تأسيس مبادئ‬
‫رياضية وهندسية وبالتايل إرساء املبادئ الحربية التي ال تتغري(‪ .)17‬إن النهج العلمي‬
‫لالسرتاتيجية الناشئة يتعلق أساسا بتخطيط وتنظيم القوات لغرض القتال وليس من‬
‫أجل اختيار شكل وتوقيت إدارة دفة املعركة‪.‬‬
‫يف املرحلة الثالثة‪ ،‬يبدأ الرشوع يف تأمل «املستوى األعىل من التفكري العسكري»‪،‬‬
‫أي ما يتعلق باملستوى السيايس‪ .‬ميكن استخالص هذا التفكري‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬من‬
‫الطرح الذي قدمه غيبري عن معاهدة القوات العامة التي ُنرشت بعد وفاته يف‬
‫‪ ،)18(1790‬وفيها طور املؤلف تأمالته عن الحروب الجامعية ‪ -‬بينام يرى تورين أنه‬
‫من الصعب االستفادة من جيش مكون من أكرث من ‪ 25‬ألف رجل‪ ،‬يف حني ستشهد‬
‫الثورة جيوشا مكونة من أكرث من ‪ 100‬ألف رجل‪ -‬وأيضا ما يتعلق بتأمالته عن‬
‫الجيوش الوطنية‪ ،‬هي إذن ُرؤية متعددة الزوايا‪ .‬إن هذا التجاوز لحدود املجال‬
‫العسكري الوحيد‪ ،‬يف حال ظل هامشيا يف أغلب املخطوطات التي تتعرض للتقنيات‬
‫العملياتية‪ ،‬يعترب متوسط األجل بشكل أسايس عندما يتعلق األمر بالتطورات‬
‫املفهومية التي تم تبنيها بعد حروب الثورة واإلمرباطورية(‪.)19‬‬
‫من بني جميع األعامل املنشورة‪ ،‬يبدو أن مخطوطة كارل فون كالوزفيتز هي‬
‫األكرث إتقانا وغزارة وشهرة ‪ -‬حتى لو مل تكن‪ ،‬يف وقت إصدارها‪ ،‬األكرث مقروئية‪ .‬لقد‬
‫ُنرشت مخطوطة عن الحرب بعد وفاة الجرنال الربويس‪ ،‬وفيها يتناول «كالوزفيتز»‬
‫بداية عواقب االضطرابات الناجمة عن هذه األحداث التاريخية التي ارتبطت‬
‫بإدارة دفة الحرب‪ ،‬ليس فقط عىل املستوى العسكري ولكن بشكل أوسع عىل‬
‫مستوى العالقات الدولية‪.‬‬
‫الجهد املشرتك الذي‬
‫باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬تندرج هذه املخطوطة العظيمة ضمن ُ‬
‫أسهم يف إعادة بناء الدولة يف بروسيا‪ :‬من هذه الزاوية‪ ،‬تستند هذه املخطوطة إىل‬
‫‪42‬‬
‫تاريخ التفكري االسرتاتيجي‬

‫تأمالت ميكيافييل وغيبري‪ .‬ولهذا فإن فائدتها تتجاوز العرص الذي صدرت فيه لتصبح‪،‬‬
‫يف الواقع‪ ،‬املرشوع الرائد للتفكري االسرتاتيجي املعارص عىل مستويات متعددة(‪.)20‬‬
‫يعتقد كالوزفيتز أن الحرب تشبه النشاط االجتامعي السيايس ومن خالله‬
‫يتضح أن االستخدام الجديل للعنف – حيث يتحدث كالوزفيتز عن «قانون الفعل‬
‫املتبادل» ‪ -‬هو غاية األهداف السياسية‪«( ،‬فالحرب تعني مواصلة السياسة بوسائل‬
‫أخرى»)‪ .‬هنا نستنتج مفهومه عن االسرتاتيجية‪ ،‬إذ إن التعريف الذي يقدمه‬
‫(ويخص «النظرية املرتبطة باستخدام التعهدات ملصلحة الحرب») اليزال يحرصه‬
‫يف املجال العسكري‪ ،‬علام بأن إرصاره عىل عالقته بالسياسة ال يخلو من نتائج‪ .‬من‬
‫جهة فإن الحرب لديها قواعدها الخاصة وتستجيب ملنطق سيايس‪ ،‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫فإن التفاعل الدينامييك بني مجموعة العنارص التي يطلق عليها «الثالثية الالفتة‬
‫لالنتباه» (العواطف وحرية اللعب باالحتامالت والفرص والعقل السيايس) تفرتض‬
‫نشوب حرب خطرية‪ .‬من هنا دعت الحاجة إىل إخضاع األغراض العسكرية ألهداف‬
‫الحرب ولكن أيضا إىل التخطيط االسرتاتيجي الدقيق‪ .‬يؤكد كالوزفيتز بشكل دقيق‬
‫أن العالقة بني الغايات والوسيلة لن تكون متناسبة بالرضورة‪ ،‬بيد أنه من املهم‬
‫أن يكون التفاعل السيايس بني املتحاربني عىل درجة التوترات نفسها بينهم‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫يدرك كالوزفيتز ‪ Clausewitz‬وجوميني ‪ Jomini‬أن أهداف الحرب – التي يفرتض‬
‫أن تكون مبنزلة إرشاد لالسرتاتيجية ‪ -‬هي أهداف خارجة عن املجال العسكري‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن تفكري كالوزفيتز يشتمل بالرضورة عىل متاثل بني األغراض العسكرية‬
‫(أهداف من داخل أرض املعركة) واألهداف السياسية (أهداف الحرب)‪ .‬ليس‬
‫بالرضورة أن تكون هذه األهداف األخرية قابلة للقياس وواقعية مقارنة باألغراض‬
‫العسكرية‪ ،‬باستثناء إبادة الخصم باعتباره كيانا سياسيا‪ .‬هذا ما يفرس تناول‬
‫كالوزفيتز لقضية االنتصار خصوصا يف املجال العسكري‪ ،‬ال سيام من خالل املفاهيم‪،‬‬
‫التي التزال ُتستخدم حتى اليوم يف مجال التخطيط ويف التحليل العسكري‪« ،‬كنقطة‬
‫االنهيار» و«ذروة النرص»(‪ )21‬و«مركز ال ِث َقل»(‪.)22‬‬
‫هذه النقطة الجوهرية املتعلقة بنظرية الحرب تعترب واحدة من األسباب التي‬
‫تكشف عن مدى قبولها وتفسريها من ِق َبل ا ُمل ِّ‬
‫نظرين العسكريني واالسرتاتيجيني يف‬
‫النصف الثاين من القرن التاسع عرش(‪ .)23‬تبنى مولتك األكرب ‪ Moltke‬رئيس أركان‬
‫‪43‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫بروسيا منذ العام ‪ 1857‬رضورة إخضاع االسرتاتيجية العسكرية لألهداف السياسية‪.‬‬


‫وألنه ُيرص عىل خصوصية الجوانب الفنية واللوجستية املرتبطة بإدارة دفة الحرب‪،‬‬
‫فإنه مييل نحو استقاللية املجال العسكري بشكل كبري‪ .‬جدير بالذكر أن مفهومه‬
‫قائم عىل إبادة ساحة معركة العدو من خالل مناورة االلتفاف التي تجعل من‬
‫َيخ ُل ُفه ‪ -‬بدءا من شليفن ‪ُ – Schlieffen‬ي ِعن النظر يف املستوى اإلجرايئ املستقل‬
‫عن السياسة(‪ .)24‬هذا النهج االسرتاتيجي‪ ،‬الذي منع التفاعل املستمر بني قواعد‬
‫ومنطق الحرب‪ ،‬نتج عنه بشكل طبيعي تضارب الغايات مع الوسائل التي متيزت‬
‫بها خطط الحملة األملانية عشية الحرب العاملية األوىل‪.‬‬
‫بشكل عام‪ ،‬فإن معظم الكتاب العسكريني الفرنسيني واألملان ال يتذكرون‬
‫كالوزفيتز إال من خالل بعض سامته البارزة‪ .‬اليزال توصيفه للحرب‪ ،‬يأيت يف‬
‫املرتبة األوىل‪ ،‬مصدرا للقلق يف الوقت الحارض‪ .‬فالعمليات العسكرية تتأثر «بشح‬
‫وغموض املعلومات الحربية»‪ ،‬األمر الذي يجعل أي تحليل وأي قرار ميكن أن‬
‫ُيتخذ حساسا للغاية و ُيسهم يف انعدام اليقني العام‪ .‬هذه هي حالة العمليات‬
‫التي نادرا ما تتم بسالسة‪ ،‬أو لن ُقل أيضا إن هذه هي حال الفعل الذي ُيحتَمل أن‬
‫تعيقه توترات‪ .‬لقد أسقط هؤالء الكتاب من اعتباراتهم أهمية املعركة الحاسمة‬
‫والوصول إىل أعىل مستوياتها‪ ،‬كمرتبة ثانية‪ ،‬طبقا ملا يذكره كالوزفيتز الربويس‬
‫عن أهمية الدفاع أو كيفية التعامل مع املناوشات الحربية‪ .‬بالطريقة نفسها‪ ،‬هُ م‬
‫يتجاهلون التمييز بني نوعني من الحروب ويرصون عىل طابعهام الكيل‪ .‬كام أن‬
‫وجه اتهامه إىل كالوزفيتز بهذه‬ ‫باسيل ليدل هارت ‪ Basil Liddell Hart‬رمبا ُي ّ‬
‫االنطباعات السيئة عن نزف الدم الذي حدث يف الفرتة ‪ ،1918 1914-‬بقوله‬
‫ننس دور الكيانات السياسية واالجتامعية املعارصة وحدي ِثهم عن‬ ‫يجب علينا أال َ‬
‫الحرب الشاملة واسرتاتيجيات اإلفناء ‪.‬‬
‫(‪)25‬‬

‫يضاف إىل هذا اإلرث طابع التفكري عند كالوزفيتز الذي يتفق مع إنجلز‬
‫وماركس‪ .‬بالنسبة إليهام‪ ،‬فإن تبعية الحرب كأداة سياسية تعني اعتامدها عىل‬
‫العوامل االجتامعية‪ .‬أما عن لينني ‪ ،Lénine‬فالحرب هي الرشط الطبيعي للروابط‬
‫االجتامعية التي تؤدي إىل تغيري يف عالقة الحرب بالسياسة(‪ .)26‬وبالتايل فإن لها‬
‫تأثريا مبارشا ليس فقط يف الكتّاب السوفييت من ‪ 1920‬إىل ‪ 1930‬ولكن أيضا يف‬
‫‪44‬‬
‫تاريخ التفكري االسرتاتيجي‬

‫الحرب الباردة‪ .‬لقد سقطت املفاهيم واألفكار واملبادئ النظرية املستمدة من‬
‫تفكري كالوزفيتز يف خضم تطور التفكري االسرتاتيجي الجوي األول‪( ،‬حيث ُيحدد‬
‫«مركز ال ِث َقل» يف وقت مبكر جدا عىل حساب الروح املعنوية للسكان املدنيني)‪،‬‬
‫والبحري (عند كوربيت ‪ Corbett‬خاصة)‪ ،‬ويف خضم النظريات التي تتناول حرب‬
‫العصابات فيام يتعلق باالسرتاتيجية النووية‪ .‬مع ظهور «السالح املطلق» كانت‬
‫هناك الحاجة إىل تجاوز قيود األمر الواقع وإىل فرض قيود جديدة عن طريق‬
‫النفوذ السيايس ا ُملحكم‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬يبقى الخوف من التبسيط السيايس فيام يتعلق ُمبجريات‬
‫العمليات العسكرية ثابتا‪ .‬لهذا كان سعي لوديندورف ‪ Ludendorff‬نحو‬
‫إخضاع جميع القدرات االقتصادية األملانية إىل العقالنية العسكرية خالل الحرب‬
‫العاملية األوىل‪ .‬أما عن الثقافة االسرتاتيجية األمريكية‪ ،‬فالتزال تتصف بقطع‬
‫الروابط‪ ،‬وليس باستمرارها‪ ،‬بني الحرب والسياسة‪ .‬فبمجرد استيفاء التعهدات‬
‫التي يقدمها السيايس‪ ،‬لن يكون هناك تدخل نهايئ مع العسكريني‪ ،‬وهذا ما‬
‫ميكن فهمه كنتيجة ملا كتبه جوميني عن العالقة بني الحرب والسياسة(‪ .)27‬يف‬
‫عرصنا الحارض‪ ،‬تتجدد اإلشكالية بسبب وجود فجوة كبرية تتعلق باملهارات‬
‫االسرتاتيجية بني الكيان العسكري والكيان السيايس‪ ،‬األمر الذي يؤدي إىل عالقات‬
‫معقدة للغاية وتوترات تكنوقراطية‪.‬‬

‫من العلوم العسكرية إىل العلوم االسرتاتيجية‬


‫سيكون كالوزفيتز (يف أقرب وقت َم َحل اهتامم عديد من الرتجامت وستصبح‪ ،‬يف‬
‫العام ‪ ،1870‬االسرتاتيجية مكونا أساسيا يف تأهيل الضباط ‪ -‬عىل الرغم من أنها كانت‬
‫هامشية جدا فيام مىض ‪ -‬وسوف تكون التجربة النابليونية ُمل ِهمة أيضا ألعامل‬
‫أنطوان دو جوميني ‪ .)28((1869-1779) Antoine de Jomini‬قد يختلف النهج‬
‫الذي ُيعتمد‪ :‬مل تعد القضية تتعلق بفلسفة الحرب أو بدراسة شاملة للعمليات‪،‬‬
‫ولكنها تتعلق‪ ،‬بالتأكيد‪ ،‬بخطوط العمليات وتشكيالت نرش القوات والخدمات‬
‫اللوجستية (حقيقة «اإلمدادات العسكرية») وتتعلق أيضا بالغموض والصدمة‬
‫وأهمية معرفة العدو واملبادرة والهجوم والرتكيز عىل تدمري العدو‪ .‬بهذا املعنى‪،‬‬
‫‪45‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫يندفع جوميني إىل البحث‪ ،‬الذي اليزال جاريا حتى اآلن‪ ،‬عن «مبادئ الحرب» غري‬
‫املادية والتي سيكون مفهومها الوطني ُمتباينا بشكل ملموس(‪.)29‬‬
‫سوف ُيركز جون فريدريك تشارلز فولر ‪John Frederick Charles Fuller‬‬
‫)‪ ،(1966- 1878‬بشكل خاص‪ ،‬عىل هذه الدراسة مع االهتامم بعنارص القيادة‬
‫والهجوم واملفاجأة والحشود والتوزيع والسالمة والحركة والتحمل والتصميم(‪.)30‬‬
‫نظر عملية االخرتاق التي تطرح مفهوم اآللة الرئيسية (الدبابة‬ ‫يضاف إىل ذلك‪ ،‬أنه ُم ِّ‬
‫الهجومية)‪ .‬فبينام يضغط فرديناند فوش )‪ Ferdinand Foch (1929-1851‬هذه‬
‫املبادئ يف ثالثة عنارص ‪ -‬حرية الفعل واقتصاد القوات واملفاجأة‪ -‬تعتمد‬
‫العقيدة األمريكية ما بعد العام ‪ 1990‬عىل املبادئ العملياتية باإلضافة إىل‬
‫مبادئ الحرب‪.‬‬
‫وألن فولر يف غاية األهمية‪ ،‬وألنه ينتقد كالوزفيتز ويعتربه مسؤوال عن الحروب‬
‫الشاملة يف القرن العرشين ‪ -‬حتى لو كان طابع هذه الحروب اليزال محل جدال –‬
‫فإنه يفتح الطريق أمام مفهوم العمليات املحدودة‪ .‬وألن أهدافهم مل تعد مطلقة‬
‫(البقاء أو التدمري) وبالتايل مل يعد هناك ما ي ِّربر تعبئة جميع موارد الوطن‪ ،‬فقد شاع‬
‫استخدام موضوع الحرب املحدودة عند ليدل هارت (وأيضا يف فرنسا عند أندريه‬
‫بوفر (‪ André Beaufre )1975-1902‬بتوسع أكرب‪ ،‬خالل حروب إنهاء االستعامر‪.‬‬
‫يف الحقيقة‪ ،‬ال يستبعد كالوزفيتز بأي حال من األحوال إمكانية حرب محدودة‪.‬‬
‫بيد أنه عندما يتحدث عن «الوصول إىل أعىل املستويات»‪ ،‬فإنه يعترب الديناميكية‬
‫الطبيعية للحرب من الناحية النظرية غري ُمت ََح َكم فيها‪ ،‬أي أنها تشبه الحالة التي‬
‫ال ميكن السيطرة عليها إال من خالل التعهد بقوة نووية ضخمة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬
‫الرغبة يف الوصول إىل أعىل املستويات «يرتبط» بالسياسة‪ ،‬مع العلم بأن الوظيفة‬
‫األساسية للقوات العسكرية هي تحقيق مكاسب‪ ،‬بغض النظر عن طبيعتها‪ ،‬األمر‬
‫الذي يستبعد التدمري الكامل‪.‬‬
‫يف هذا اإلطار‪ ،‬يالحظ مفكر بريطاين آخر‪ ،‬هذه املرة يف املجال البحري‪ ،‬نقطة‬
‫التحول الكبري يف االسرتاتيجية‪ ،‬حيث يوضح جوليان كوربيت (‪Julian)1922-1854‬‬
‫‪ Corbett‬العالقة بني السياسة الوطنية واالسرتاتيجية الوطنية واسرتاتيجية البيئة‬
‫البحرية واسرتاتيجية الحرب البحرية استنادا إىل املنطق االستمراري‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫تاريخ التفكري االسرتاتيجي‬

‫من خالل هذه القراءة الدقيقة لكالوزفيتز‪ ،‬يعتقد كوربيت الربيطاين بوجود‬
‫انحراف يف ديناميكية الحرب نتيجة للسياسة التي تعمل عىل تغيري مجرى العمليات‬
‫وأيضا نتيجة للخيارات دون املستوى التي ميكن العمل بها‪َ .‬ق ْبل ليدل هارت بوقت‬
‫طويل – حيث كان التيار األديب مييل إىل جانب التشكيك بشكل متزايد(‪ - )31‬يضع‬
‫كوربيت يف مقدمة اهتامماته‪ ،‬ليس فقط العمليات املحدودة (من دون التنبؤ‬
‫بنهاية العمليات ألغراض مطلقة)‪ ،‬ولكن أيضا مفهوم االسرتاتيجية الوطنية (أي‬
‫االسرتاتيجية الكربى لليدل هارت)‪ .‬من ضمن االعتبارات الرضورية يف هذا السياق‪،‬‬
‫يأيت الرتكيز عىل جميع عوامل القوة الواضحة‪ ،‬بشكل خاص‪ ،‬األمر الذي ال ميكن ْأن‬
‫يقترص فقط عىل الجوانب العسكرية‪ .‬هذه الرؤية‪ ،‬التي تضع السياسة عىل رأس‬
‫املهامت التحكيمية يف ظل موارد محدودة للغاية وأمام تعقيد سياسات القوة‪ ،‬تجد‬
‫نفسها أيضا ضمن مفاهيم «االسرتاتيجية العامة» (عند كاستكس‪ ،‬مفكر اسرتاتيجية‬
‫الحرب البحرية) و«االسرتاتيجية التامة» عند بوفر(‪ .)32‬وألنها تعترب مفيدة يف زمن‬
‫الحرب بشكل خاص‪ ،‬فقد حل مفهوم «االسرتاتيجية الكاملة» محل «االسرتاتيجية‬
‫التامة» عند لوسيان بوارييه (‪ Lucien Poirier )2013-1918‬التي تعترب صالحة عىل‬
‫الدوام‪ ،‬حيث إنها تأخذ يف االعتبار االسرتاتيجيات العامة الديبلوماسية واالقتصادية‬
‫وأيضا الثقافية وبالتأكيد العسكرية (التي تتضمن االسرتاتيجيات املعلنة العملياتية‬
‫واسرتاتيجية الوسائل‪ ،‬باإلضافة إىل اسرتاتيجيات الحرب البحرية الخاصة والجوية‬
‫والفضاء الجوي واإلنرتنت)‪.‬‬
‫إن دميومة هذا املفهوم مهم للغاية نتيجة للطابع الذي ا ُّتخذ يف العمليات‬
‫العسكرية يف القرن العرشين وأيضا نتيجة ملختلف العوامل االسرتاتيجية الواضحة‪.‬‬
‫إن إعداد قوات بغرض القتال يعني أخذ البعد الزمني بعني االعتبار حيث مل يعد‬
‫من املمكن االعتامد عىل «معرفة كيفية التعبئة»‪ ،‬يف حني أصبح االعتامد منصبا‬
‫عىل معرفة اإلعداد للحرب يف زمن السلم‪ .‬يف الواقع‪ ،‬منذ نهاية القرن التاسع عرش‪،‬‬
‫أخذ املفهوم املادي طابعا اسرتاتيجيا ‪ -‬حني تحدث بيكام ‪ Becam‬عن «املناورة‬
‫املسلحة» وتحدث بوارييه بعد ذلك عن «اسرتاتيجية الوسائل التي تط َّرق إليها‬
‫نظر البحري الربيطاين‪ ،‬وذكرها أيضا‬ ‫ريغنالد كوستانس ‪ Reginald Custance‬ا ُمل ِّ‬
‫فولر‪ .‬فالتسليح النووي يعمل عىل تعظيم امتداد زمن السلم اسرتاتيجيا االسرتاتيجي‪،‬‬
‫‪47‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫حيث ُيعد خالل هذه الفرتة ملناورة الردع (والقمع أيضا كنتيجة طبيعية) وتجريبه‪.‬‬
‫يبدو أن تعريف االسرتاتيجية الكاملة أصبح حتمية ُمط َلقة‪ .‬هذا هو الوضع الدائم‬
‫اآلن مع تزايد العمليات مبستوياتها املختلفة‪ ،‬األمر الذي يفرض االستغناء التام عن‬
‫املنطق الخطي «كزمن السالم‪ /‬واألزمة‪ /‬والحرب‪ /‬والخروج من الحرب» بغرض‬
‫التنبؤ بعقالنية مستدمية الحتاملية إجراء عملية تكون لها نتائج مبارشة تتعلق‬
‫بإعداد وحجم وتكيف القوات يف ظل تهديدات الوقت الراهن‪ .‬الحقيقة هي أن‬
‫عديدا من املؤلفني تعرضوا لهذه القضية‪ ،‬ولهذا يكفي أن نلتفت إىل عبارة إذا أردت‬
‫السلم فعليك بالحرب التي ُتنسب إىل فيجيس ‪ Végèce‬يك نالحظ أن الظالل التي‬
‫خلفتها االسرتاتيجية ال ميكن أن تقترص أبدا عىل العمليات يف زمن الحرب فقط وال‬
‫عىل العوامل العسكرية وحدها‪ :‬فاالسرتاتيجية إذن هي «فن خلق القوة» حيث‬
‫تعلق األمر بديناميكية دامئة‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فالتزال االسرتاتيجية‪ ،‬من خالل رحلتها املفهومية عرب القرون تحاول‬
‫الكشف عن مصدر التوتر املستمر بني الفن والعلم‪ .‬أحدث األمثلة عىل ذلك حتى‬
‫اآلن هي املناقشات املتعلقة بالثورة يف مجال الشؤون العسكرية والتي تتمحور‬
‫حول التكنولوجيا (خصوصا الحاسب اآليل والذخائر الدقيقة وأجهزة االستشعار)‪،‬‬
‫وتكشف عن عدم جدوى النهج الذي يركز عىل القضاء عىل الثوابت مثل انعدام‬
‫اليقني وشح وغموض املعلومات الحربية‪ .‬من هذا املنطلق‪ ،‬تعترب التكنولوجيا أداة‬
‫ننس ‪ -‬خطر الخلط بني الغايات والوسائل ‪-‬‬ ‫مفيدة عىل الرغم من أنه يجب أال َ‬
‫فأولوية التأمل تعني أن النظرية بسيطة‪ ،‬أما عن وسيلة تنفيذها فهي ليست كذلك‪.‬‬
‫هذا يعنى ّأن توصيف كالوزفيتز للحرب بالحرباء يحظى بأهمية كبرية‪.‬‬

‫الحالتان التقليديتان والهجني ال ِتقني رومانيس‬


‫ميكن النظر إىل تاريخ التفكري االسرتاتيجي بوصفه التاريخ الذي يناقش املكانة‬
‫التي يجب أن تحتلها العلوم (خصوصا العلوم األساسية) يف أثناء وضع النظرية‬
‫العسكرية‪ .‬وقد كان البحث عن القوانني العامة للحرب وفقا للنموذج اإليجايب‬
‫(ا ُمل َؤ َّسس عىل القاعدة التجريبية وعىل التعميامت) يف مواجهة دامئة مع الجانب‬
‫الرومانيس الذي يضع يف املرتبة األوىل العوامل غري القابلة للقياس باعتبارها معيارا‬
‫‪48‬‬
‫تاريخ التفكري االسرتاتيجي‬

‫للنجاح العسكري‪ :‬املعنويات واإلبداع و«املراقبة» واإلرادة والشجاعة‪ ...‬إلخ‪ .‬من‬


‫خالل هذين املحورين للنظرية العسكرية ظهر هجني تقني رومانيس للنظرية‬
‫االسرتاتيجية التي متيل بالتناوب بني الجانب الرومانيس والجانب العلمي وفقا‬
‫للعامل الزمني‪ .‬فنظريات الحرب الصناعية اآللية (كام طورها فولر عىل سبيل املثال)‬
‫ترشح هذا التوتر بشكل كامل؛ حيث ترغب هذه النظريات‪ ،‬يف الوقت نفسه‪ ،‬يف‬
‫أن تكون ِعل ِمية (عىل اعتبار أن الرشكات هي املصانع‪ ،‬كام أن اإلنتاج الصناعي هو‬
‫املستهدف الرئييس‪ ،‬يف حني ُتعترب التقنيات الجديدة مركزا للنرص النهايئ) ورومانسية‬
‫(عن طريق االهتامم الفائق باإلرادة والقوى املعنوية كعوامل رئيسة إلحراز النرص)‪.‬‬
‫إن استخدام العلم ُيعترب عنرصا أساسيا يف تحديد الهوية العسكرية كتخصص‬
‫احرتايف‪ .‬يف كثري من األحيان‪ُ ،‬تعد الرتبية العلمية‪ ،‬باإلضافة إىل االعتقاد يف أن الحرب‬
‫ميكن أن ُتدرس باعتبارها ِع ْلام‪ ،‬من العوامل التي تسمح بخلق الهوية املهنية‬
‫العسكرية عن طريق فصل العسكريني عن املدنيني‪ ،‬خصوصا قبل الحرب العاملية‬
‫األوىل‪ .‬لقد أتاح اختصاص العسكريني يف « ِع ْلم» الحرب بخلق فضاء مستقل لتوليد‬
‫املعرفة من دون تدخل من املدنيني‪ ،‬وبالتايل لتعزيز قوتهم يف جهاز الدولة‪ .‬واليوم‪،‬‬
‫أصبح مليزان الهجني االسرتاتيجي داللة أخرى‪ ،‬حيث مل َي ُعد إتقان « ِع ْلم» الحرب‬
‫َي ْك ُمن يف أي من العنارص الرئيسية للهوية املهنية العسكرية‪ ،‬ولكن يف طرح متقدم‬
‫للقيم األخالقية (كالشجاعة والقوة العقلية والخربة بالنريان) التي تتطلب الخربة‬
‫التخصصية يف حقل الدراسات االسرتاتيجية‪ .‬إنه املرشوع العسكري املعني بتبنيه‬
‫للخربة االسرتاتيجية من خالل تقديم تعريف «ل ِع ْلم» الحرب أو من أجل تعزيز‬
‫القيم األخالقية الرومانسية التي تتميز باملثالية التي يطرحها «كبار املفكرين»‬
‫نظر إىل التأمل االسرتاتيجي عىل أنه َخ ْلق نوع من التفرد‬ ‫االسرتاتيجيني‪ .‬ومن َثم ُي َ‬
‫املتميز (عند كالوزفيتز وفولر وفوش وجون بويد ‪ ...John Boyd‬إلخ) بدراسة تاريخ‬
‫نظ ِرين األوائل ووصوال إىل نوع من التأمل يتعلق أساسا‬ ‫الحرب بأكمله مرورا با ُمل ِّ‬
‫بالعلوم التاريخية وبالتجربة الخاصة‪ .‬من خالل هذه الرؤية الساذجة للوضعية‬
‫وضعت يف إطار عرض كبري يحدد قوانني‬ ‫ال ِعلمية‪ ،‬يتضح أن النظرية العسكرية قد ِ‬
‫الحرب املتكررة وصعوبة تطبيقها ملواجهة التحديات املستقبلية‪ .‬من هذا املنظور‪،‬‬
‫ُيفهم ال ِع ْلم عىل أنه إنجاز وليس مجرد مرحلة إجرائية تستهدف عبقرية رجل‬
‫‪49‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫عظيم‪ :‬علام بأنه ال يوجد فريق بحثي وال مخترب وال تقييم ميكن أن يتحقق بني‬
‫النظراء‪ ...‬إلخ‪ .‬إن تاريخ النظرية االسرتاتيجية يشكل إىل حد كبري خليطا ما بني‬
‫األسطورة الرومانسية لكبار املفكرين والبحث عن املبادئ العلمية للحرب من خالل‬
‫فهم ساذج لهذه الوضعية‪ .‬هذه الرؤية التي تتعلق بتطور التفكري االسرتاتيجي تتفق‬
‫متاما مع مفهوم التاريخ العسكري الذي يقترص عىل استخدامات القادة الكبار التي‬
‫عفى عليها الزمن من الناحية العلمية منذ أكرث من نصف قرن‪ ،‬ولكنها كانت دامئا‬
‫والتزال محل تقدير بني العسكريني‪.‬‬
‫إن تاريخ االسرتاتيجية ميثل بدرجة كبرية التأمل املعريف الذي يدور حول طريقة‬
‫دراسة الحرب‪ ،‬ومن ثم ُينتج النص الهجيني التقني الرومانيس بحيث يحدث‬
‫التناوب‪ ،‬وفق كل عرص‪ ،‬بني املحور العلمي واملحور الرومانيس‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬أتاح‬
‫تطوير العلوم االجتامعية بعد الحرب العاملية الثانية أتاح خلق أدوات منهجية‬
‫ومفهومية محددة تعمل عىل إدراك الظواهر االجتامعية مبا يف ذلك الظاهرة األكرث‬
‫تط ُّرفا مثل الحرب‪ ،‬األمر الذي يسمح للدراسات االسرتاتيجية بأن تتخلص من القيود‬
‫الفكرية للتاريخ العسكري‪ ،‬عىل الرغم من أن هذا األخري ُيعترب املنهج الذي ال غنى‬
‫كاف‪.‬‬
‫عنه ولكنه غري ٍ‬
‫وبفضل هذه التأمالت املتطورة عن املفاهيم التي تتعلق بالسببية والعامل‬
‫وا ُمل َك ِّون وبأدوات منهجية مختلفة (ترتاوح بني النهج الكمية‪/‬اإلحصائية والنهج‬
‫النوعية املقارنة)‪ ،‬أتاحت العلوم االجتامعية ظهور أدبيات اسرتاتيجية خصبة‬
‫تتنوع ما بني التجريبية الغنية واملفهومية املتطورة عىل حد سواء‪ .‬وألن الهجني‬
‫التقني ‪ -‬الرومانيس موجود دامئا‪ ،‬وألنه التزال هناك محاوالت لجعل الحرب‬
‫تكنولوجية بشكل مبالغ فيه أو لجعلها مثالية ألجل اختبار اإلرادة القامئة‪ ،‬فإن‬
‫دمج الدراسات االسرتاتيجية ضمن عائلة العلوم االجتامعية الكبرية يعد الطريق‬
‫الثالث الواعد لتطويرها‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫االستدالل االسرتاتيجي‬

‫‪2‬‬

‫االستدالل االسرتاتيجي‬

‫لور باردييه ‪Laure Bardiès‬‬

‫ُي َعد االستدالل االسرتاتيجي من املواضيع‬


‫التي قلام تتناولها الدراسات االسرتاتيجية‪ .‬إن‬
‫ما يسرتعي انتباه املؤلفني يف العادة‪ ،‬مهام كان‬
‫مدى تأهيلهم أو توجهاتهم املنهجية‪ ،‬هو تلك‬
‫املوضوعات التي تتعلق باألفكار والنظريات‬
‫واملذاهب االسرتاتيجية وتاريخها واألسئلة‬
‫واملشكالت التي تطرحها‪ .‬عندما نتعرض‬
‫ملوضوع تحليل وتأمل االستدالل االسرتاتيجي‪،‬‬
‫يكون الطرح يف هذه املرة عن طريق اإلدراك‬ ‫«يشري االستدالل إىل اإلجراء املعريف‬
‫وإىل مجموعة العمليات العقلية‬
‫والتفكري يف هذه الظواهر التي تقع يف نطاق‬ ‫واملنطقية والذرائعية التي تسمح‬
‫االسرتاتيجية‪ ،‬األمر الذي مينح هذا الطرح املعنى‬ ‫بتنفيذ وتطوير التحليل االسرتاتيجي»‬

‫‪51‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫وي ِّكنه من الفعل وهذا هو ما ُي ِهمنا‪ .‬حتى لو كان علم االجتامع السيايس‬ ‫املقصو َد ُ َ‬
‫واملعريف هو ا ُمل َو ِّجه يف األساس لهذا الطرح‪ ،‬فإن دراسة االستدالل االسرتاتيجي ال‬
‫تنتمي إىل أي منهج‪ .‬إن موضوع هذه الدراسة ال ميكن اختزاله يف أي من وجهات‬
‫الكتَّاب املشهورين‪،‬‬‫النظر املتعددة التي ميكن لها أن ُترثي املعرفة‪ .‬لقد تعرض بعض ُ‬
‫عسكريني أو أكادمييني مثل كارل فون كالوزفيتز وسون تزو ‪ ،Sun Tsu‬والجرنال‬
‫لوسيان بوارييه ورميون آرون وتوماس شيلينغ لالستدالل االسرتاتيجي‪ ،‬بآراء‬
‫حاسمة‪ ،‬ولكن من دون وضع صياغة واضحة تتعلق بتناولهم موضوعاتها من زاوية‬
‫االستدالل‪ .‬ال ميكن تجاهل مدى أهمية االستدالل املرتبط بالدراسات االسرتاتيجية‪،‬‬
‫وكذلك بالنسبة إىل املامرسني والضباط والقادة السياسيني‪ ،‬عىل سبيل املثال‪.‬‬
‫يشري االستدالل إىل اإلجراء املعريف وإىل مجموعة العمليات العقلية واملنطقية‬
‫والذرائعية التي تسمح بتنفيذ وتطوير التحليل االسرتاتيجي‪ .‬وليك يكون فعاال‪ ،‬يجب‬
‫أن يستوعب االستدالل بشكل مناسب املوضوع الذي يتعرض له‪ ،‬وأن يتهيأ لتبني‬
‫عب عن ذلك بطريقة منطقية مع مراعاة صفاته‪ .‬إن االستدالل بالعقل‬ ‫خصائصه وأن ُي ِّ‬
‫عىل الفعل الجامعي يف حاالت الحرب‪ ،‬يف الوقت الذي ميكن أن يؤدي فيه الرصاع‬
‫السيايس إىل اندالع الحرب‪َ ،‬يفرتض أن يكون قادرا عىل استيعاب السامت املستقرة‬
‫الرئيسة لظاهرة الرصاع‪ ،‬أي كل ما له عالقة بطبيعتها‪ ،‬وقادرا عىل معرفة كيفية‬
‫اكتشافها يف ظل املظاهر التاريخية املتغرية‪ ،‬وقادرا أيضا عىل متييزها عن العنارص‬
‫الفردية التي تجعل من كل حالة للحرب مظهرا فريدا للنشاط االجتامعي القديم‬
‫ِقدَم وجود املجتمعات نفسها‪ .‬إن دراسة االستدالل االسرتاتيجي ترجع إىل مجال‬
‫املامرسة العملية‪ ،‬أي إىل ِعلم الفعل البرشي‪ ،‬ولكن من خالل االهتامم بالبعد املعريف‬
‫للفعل والرتكيز بشكل خاص عىل هذه القضية وفقا لدرجة الكفاءة والفاعلية(‪.)1‬‬
‫ووفقا لتعريف االسرتاتيجية الرئييس‪ ،‬فإن اتساع حقل الدراسة يتغري تبعا‬
‫لتقدير مستويات خصوصية االستدالل االسرتاتيجي(‪ .)2‬إذا اعتربنا أن االسرتاتيجية‬
‫تعتمد‪ ،‬بشكل كبري‪ ،‬عىل إدخال تعديالت عىل الغايات والوسائل من خالل‬
‫الفعل‪ ،‬فإن االستدالل االسرتاتيجي يعني التنفيذ البسيط للعقالنية الذرائعية(‪.)3‬‬
‫لقد بدأ االهتامم باالستدالل االسرتاتيجي بوصفه موضوعا عندما جرى متييزه‬
‫عن مجرد االستدالل الذرائعي‪ .‬إن التعريف املوضوعي والتوافقي لالسرتاتيجية‬
‫‪52‬‬
‫االستدالل االسرتاتيجي‬

‫يشوبه غموض – حيث إن الخيارات ُتعترب من خصائص التوافقات الذرائعية‬


‫– األمر الذي يستدعي االتفاق التام عىل املدلول الواقعي الذي نتعامل معه‪.‬‬
‫س ُيعتمد التعريف الذي قدمه هرييف كوتاو ‪ -‬بيجاري هنا بسبب اتصافه بالشمول‬
‫والدقة‪ ،‬وأيضا بسبب إرصاره عىل استحضار عنرص الذكاء‪ ،‬أي املواهب العقلية‪:‬‬
‫«فاالسرتاتيجية تعني جدلية الذكاء يف بيئة متنافرة تعتمد عىل استخدام القوة أو‬
‫التهديد باستخدامها لألهداف السياسية(‪.»)4‬‬
‫إذا أخذنا يف االعتبار أن االسرتاتيجية َمع ِنية باملجال البحثي وبطريقة وضع أفضل‬
‫تعريف وتعبري عن الغايات والوسائل يف سياق هذا الرصاع‪ ،‬فإن الطابع التفاعيل‬
‫الحتمي والدينامييك والجديل لالستدالل العقيل يبدو كام ييل‪ :‬سوف َتصطدم اإلرادة‬
‫بإرادة العدو التي ينبغي علينا أن نفهمها وأن نتغلب عليها‪ ،‬وس ُيوجه الفعل ضد‬
‫الفعل اآلخر‪ ،‬وستُط َّور و ُتعدَّل اإلرادات واألفعال املتبادلة بشكل دائم‪ .‬إذا أضفنا إىل‬
‫ذلك‪ ،‬استخدام العنف املسلح ضمن إطاره الحقيقي أو االفرتايض(‪ ،)5‬فإن االستدالل‬
‫االسرتاتيجي سيلجأ إىل اعتبار أن العنف ليس وسيلة للفعل املطابق متاما للوسائل‬
‫األخرى‪ .‬ومن املرجح أن تكون للعنف املتبادل نتائج غري متوقعة أو ضارة مثل أي‬
‫تفاعل اجتامعي‪ ،‬ولكن من املحتمل أيضا أن يخضع ملنطق تنامي التطرف الذي‬
‫يكون‪ ،‬يف بعض األحيان‪ ،‬ضد رغبات الفاعلني الذين يكافحون ويتجاهلون مجمل‬
‫هذه األهداف‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬ميكن أن تكون للعنف الجامعي نتائج نفسية‬
‫ورمزية عىل الجهات الفاعلة يف الرصاعات‪ ،‬محاربني أو غري محاربني‪ ،‬حيث ُتق َّيم‬
‫الدوافع وفقا لنسق معياري متغري‪ ،‬وقد يتعلق األمر‪ ،‬قدر اإلمكان‪ ،‬بعملية استباقية‪،‬‬
‫من أجل تو ُّقع أفضل لألحداث‪ ،‬أو بوضع حد لآلثار املرتتبة عىل ذلك‪ ،‬أو عىل العكس‬
‫بإبراز هذه اآلثار‪ .‬إن رشعية الجهات الفاعلة التي تستخدم العنف‪ ،‬ورشعية الغرض‬
‫الذي يزعمون الدفاع عنه‪ ،‬ورشعية األهداف التي يزعمون أنهم يسعون إليها وكذلك‬
‫رشعية أفعالهم‪ ،‬عىل املستوى الوطني والدويل‪ ،‬تجعل من هذه الرشعية الرهان‬
‫األسايس يف أي رصاع بحيث يكون الحصول عليها وسيلة لحرمان الخصم منها‪.‬‬
‫وألن موضوع االستدالل االسرتاتيجي يدخل ضمن إطار الواقع االجتامعي‪ ،‬فال‬
‫فهمه عن طريق القوانني العلمية‪ .‬التاريخ ال ُيعيد نفسه‪ ،‬حتى لو متكنا من‬ ‫ميكن ُ‬
‫اكتشاف محاوالت متكررة‪ ،‬بدرجات متفاوتة‪ ،‬ناتجة من اعتقاد الناس يف تكرار‬
‫‪53‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫فهم تأثري العوامل املختلفة يف‬


‫ُمحتَمل لألحداث‪ .‬األكرث من ذلك‪ ،‬هل ُيكن أن نأمل َ‬
‫حالة ما‪ ،‬واآلثار املرتتبة عىل هذه العوامل‪ ،‬وأن نأمل تحدي َد نسبة من منطق الفعل‬
‫املتكرر الذي يجب اكتشافه‪ ،‬يف بعض األحيان‪ ،‬من خالل مناذج تاريخية مختلفة‪.‬‬
‫إن الحالة التاريخية الطارئة لألنشطة االجتامعية‪ ،‬عندما يتعني وضع دليل الفعل‬
‫االسرتاتيجي‪ ،‬قد تتفاقم بفعل ديناميكيات التفاعل املتنازع عليها ونتائجها‪ ،‬وبفعل‬
‫صعوبة التحكم يف استخدام العنف‪ ،‬وبفعل تأثريات العامل األخالقي(‪ .)6‬إن انعدام‬
‫اليقني فيام يتعلق باآلثار الناتجة عن الفعل واضح للعيان‪ ،‬كام أنه ليس من املمكن‬
‫بتاتا تجاهل املنطق االحتاميل لالستدالل‪.‬‬

‫اإلطار العام لالستدالل االسرتاتيجي‪ :‬الفعل والتفاعل والتفاهم‬


‫لقد أظهرت األعامل التلخيصية والتحليلية املتعلقة باإلنتاج األمرييك والفرنيس‬
‫التي تخص أبحاث العلوم االجتامعية حول العامل العسكري(‪ - )7‬مبا يف ذلك القضايا‬
‫االسرتاتيجية ‪ -‬أن أكرث ال ُّنهُج خصوبة وأكرثها تكيفا مع الحقائق والتي حازت‪ ،‬من خالل‬
‫منافسة األفكار‪ ،‬يف نهاية األمر نجاحا علميا‪ ،‬هي تلك املوروثة املرتبطة بتقاليد كل من‬
‫«فيرب (‪ )1920 – 1864‬وسيمل (‪.wébérienne / simmelienne »)1918 – 1858‬‬
‫هذا التقليد القائم عىل عملية الفهم‪ ،‬أي بناء واستخدام ا ُمل ُثل النموذجية لفهم‬
‫أهدافها‪ ،‬وللرتكيز عىل الفعل والتفاعل االجتامعي‪ ،‬يتجاوز بشكل كبري إطار عمل‬
‫علم االجتامع‪.‬‬
‫إن مثل هذا النَّهج‪ ،‬املبني عىل ِبنية املواقف واملفاهيم التي منحتها لها الجهات‬
‫الفاعلة‪ ،‬يسمح بالتفكري يف كل من الرصاع والتعاون والسلوكيات باعتبارها أعامال‬
‫عقالنية (غايات سياسية ووسائل تكتيكية أو اسرتاتيجية) وغري عقالنية (الطابع‬
‫للمهمة والدوافع واالنتكاسات العنيفة عند الرأي العام واملكونات العاطفية‬ ‫الرفيع ُ‬
‫للوالء املتبادل والتامسك األسايس والعوامل الكاريزمية للقيادة من خالل املواقف‬
‫املأساوية املحتملة – فلن ْك ِ‬
‫تف بهذه األمثلة القليلة) [‪.)8(]...‬‬
‫ميكن للفعل والتفاعل االجتامعي ‪ -‬حتى إن كانت درجة الوعي ُمتغرية –‬
‫أن يتمتعا عن قصد بدالالت يجب العمل عىل توضيحها بدال من الحكم عليها‪،‬‬
‫والغرض من ذلك هو تحقيق أهداف واضحة وثابتة ومشرتكة من الرضوري‬
‫‪54‬‬
‫االستدالل االسرتاتيجي‬

‫تفهمها‪ .‬ولفهم معنى سلوك الجهات الفاعلة‪ ،‬نحدد نوعا معينا من املفاهيم‪:‬‬
‫كا ُملثل النموذجية‪ .‬إن املثال النموذجي (أو النموذج املثايل‪ ،‬املفهوم ليس له أي‬
‫بعد معياري) عبارة عن «جدول يتصف بالسهولة وبالتخطيط ملوضوع البحث‬
‫الذي يقوم عىل املالحظة املنهجية للواقع الذي تجب مواجهته»(‪ .)9‬إن هذا املثال‬
‫يسمح لنا بالتعبري بطريقة مجردة عن املعنى العام (أو املنطقي) لسلوك الجهات‬
‫الفاعلة‪ ،‬األمر الذي يجعل من املمكن تجنب الضياع املستمر يف القوالب الغريبة‬
‫التي تتشكل منها هذه الجهات‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن املثال النموذجي ليس سوى أداة‬
‫للفهم‪ :‬يكون املفهوم مفيدا مادام هو‪ ،‬بالعودة إىل املواقف التاريخية‪ ،‬يساعد عىل‬
‫إبراز هذه املواقف ال أن يحل محلها‪.‬‬
‫إن عرض أفعال أو تفاعالت األفراد أو املجموعات يف سياقات محددة‪ ،‬تفرض‬
‫العديد من القيود واإلمكانات بالنسبة إىل الجهات الفاعلة‪ ،‬حيث تكون هذه‬
‫السياقات بدورها قابلة للتعديل باستمرار من خالل النشاط االجتامعي‪ .‬ولهذا من‬
‫النادر أن تكون نتائج التفاعالت املتنازع حولها‪ ،‬سواء تعلق األمر بتنفيذ العنف‬
‫املسلح أو كان األمر خالف ذلك بحيث ال ميكن تحديد الهوية بدقة‪ُ ،‬متسقة مع‬
‫الن َّيات واألهداف املبدئية ألي من هذه الجهات‪.‬‬
‫إن اآلثار الناشئة عن التداخل التفاعيل ضمن هذا السياق كثريا ما ُتعرب عن‬
‫مجرد اختالف يف الرؤى‪ ،‬أو تسبب أرضارا محددة‪ ،‬أي أنها تتعارض مع األهداف‬
‫املقصودة‪ .‬فإذا مل يكن يف وسع املرء قط أن يتنبأ عىل نحو تام بهذه اآلثار غري‬
‫املرغوب فيها‪ ،‬فاليزال من املمكن محاولة توقعها بأفضل ما ميكن بغرض ضبط‬
‫مشاريعه وترصفاته الجارية ومحاولة إعادة تقييم األهداف إذا اقتىض األمر يف‬
‫أثناء حصول النزاع‪.‬‬
‫لهذا‪ ،‬فإن التمييز الذي وضعه ماكس فيرب بني أخالق االعتقاد وأخالقيات‬
‫املسؤولية (ا ُملثل النموذجية)(‪ُ )10‬يعترب أمرا أساسيا بالنسبة إىل التفكري أو املنطق‬
‫االسرتاتيجي‪ .‬ال يعارض عامل االجتامع األملاين بني االعتقاد – أي النموذج السيايس‬
‫واألخالقي والديني عىل سبيل املثال ‪ -‬واملسؤولية ‪ -‬أي التجاوب ليس فقط مع‬
‫األفعال‪ ،‬بل مع العواقب أيضا‪ .‬إنه ُ َييز بني نوعني «نقيني» ومجردين مرتبطني‬
‫أدوات تحليلية لتحديد وفهم السلوكيات الحقيقية‪.‬‬‫ٍ‬ ‫باألخالق وميكن استعاملهام‬
‫‪55‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫فأخالقيات االعتقاد ترتبط باالعتقاد ارتباطا مطلقا‪ ،‬كام أن أخالقيات املسؤولية‬


‫ترتبط باالعتقاد الذي ُير َّوج له من خالل توقع النتائج املحتملة للفعل‪ .‬وإذا كان‬
‫التعصب هو منتهى ما تصل إليه أخالقيات االعتقاد‪ ،‬فإن ذلك سيؤدي إىل الشلل‬
‫عند اتخاذ القرار أو الفعل‪ ،‬أو إىل التنازالت‪ ،‬األمر الذي س ُيشكل مجمل املخاطر‬
‫الكربى للتفسري املتطرف ألخالقيات املسؤولية‪.‬‬

‫السياسة والعنف‬
‫«وألن استمرار العالقات السياسية يحدث مبساندة أدوات أخرى »‪ ،‬فإن‬
‫(‪)11‬‬

‫استخدام العنف الحريب ُيعترب وسيلة محتملة لفرض إرادة الفرد عىل الخصم يف‬
‫أثناء التفاعل السيايس املتنازع حوله والذي لن يتالىش مبجرد بدء العنف املسلح‪،‬‬
‫بل قد يتغري جزئيا أو كليا من شكله ‪ -‬فالعالقات الديبلوماسية ميكن أن تستمر بني‬
‫األطراف الفاعلة املتصارعة(‪ .)12‬العنف ليس بديال من السياسة‪ ،‬العنف يعني سياسة‪.‬‬
‫لحسن الحظ‪ ،‬ليس من الرضوري دامئا استخدام العنف املسلح يف النزاع‪ .‬إن مجرد‬
‫(‪)13‬‬
‫وجود قوة عسكرية كافية قد تؤدي أحيانا إىل تثبيط (منع) أو إعاقة (إقناع)‬
‫الخصم‪ ،‬وكذلك‪ ،‬إذا لزم األمر‪ ،‬التهديد باللجوء إىل القوة‪.‬‬
‫أخريا‪ ،‬إذا مل يكن الوجود العسكري أو التهديد حاسام‪ ،‬فالتزال هناك إمكانية‬
‫اإلشارة إىل‪ :‬افرتاض التنفيذ املبكر للقوة الحقيقية‪.‬‬
‫ليس من املضمون بتاتا أن توجد غايات سياسية واضحة خالل الرصاع وال حتى‬
‫أن توجد عالقة متامسكة بني تلك الغايات والوسائل التي ُتن َّفذ لتحقيقها‪ .‬فليست‬
‫القضية أن ُنؤكد أن العالقة بني الوسيلة والغاية هي التي تربط العنف املسلح‬
‫بالفعل السيايس‪ ،‬أو أن التقدير السليم لألوضاع واألحجام ا ُملتبادَلة ُيعتَرب من السامت‬
‫ا ُمل َميزة بشكل منهجي لعدد من الظواهر املتنازع عليها مثل تلك التي توجد يف‬
‫الواقع التاريخي‪ ،‬بل ينحرص جوهر القضية يف تأكيد الجدوى العنف إذا كان هو‬
‫الهدف النهايئ‪ ،‬اآلن أو مستقبال‪ ..‬ومن الرضوري أيضا أن ننتبه إىل أن العنف ُي َعد‪،‬‬
‫وفقا لألهداف املنشودة وطبيعة الخصم والظروف الخاصة باملوقف‪ ،‬من الوسائل‬
‫التي ميكن أن تناسب‪ ،‬إىل حد ما‪ ،‬تحقيق اآلثار السياسية املرغوب فيها‪ .‬ونظرا إىل‬
‫أن العنف ُيعترب الحل النهايئ يف العالقات السياسية املتنازع حولها‪ ،‬فليست الحرب‬
‫‪56‬‬
‫االستدالل االسرتاتيجي‬

‫دامئا وسيلة تحقيق األهداف‪ ،‬ولهذا يجب أن يتدخل املنطق االسرتاتيجي بحكمة‬
‫من خالل العنارص األخرى املتاحة للسياسة التي ميكن أن تكون بديلة أو ُمكملة‬
‫الستخدام العنف‪ .‬لن ُيتَعامل مع املشكلة من ِوجهة نظر أخالقية‪ ،‬بل وفق إمكانية‬
‫تحقيق أقرب النتائج املمكنة من بني مجمل النتائج املستهدفة‪.‬‬
‫ال تقترص السياسة عىل العالقات بني الدول‪ ،‬ولن يقترص العنف املسلح عىل‬
‫الجيوش النظامية‪ُ .‬يشري مفهوم السياسة هنا إىل كل ما من شأنه أن يشارك يف وجود‬
‫وتقوية املجتمعات ذات السيادة أو تلك التي تسعى إىل أن تصبح كذلك(‪ .)14‬إن‬
‫طبيعة الدوافع الخاصة التي ُت ْستدعى ذريع ًة لتربير استخدام العنف املسلح‪ ،‬بني‬
‫آن وآخر‪ ،‬ليست لها أهمية عىل هذا املستوى‪ ،‬فهي دوافع سياسية بقدر ما تتضمنه‪،‬‬
‫بدرجات متفاوتة‪ ،‬من رشوط وجود‪ ،‬أو فرض سلطة‪ ،‬للكيانات املنظمة أو تلك التي‬
‫تتطلع إىل ذلك مستقبال‪.‬‬
‫يقودنا الحديث عن الفكرة التقليدية الحتكار العنف املرشوع من ِق َبل الدولة‬
‫من خالل التكوين التدريجي له يف الغرب إىل تحليله بشكل واضح‪ ،‬األمر الذي يؤدي‬
‫إىل خطأ من ناحيتني أساسيتني‪.‬‬
‫ويتعلق الخطأ األول بالخلط بني الدولة والسياسة‪ .‬فمن الواضح أن املفهوم‬
‫يفرتض بشكل قاطع معالجة مسألة التنظيم االجتامعي والسيايس الداخيل للكيانات‬
‫الجامعية يف الفضاء الدويل‪ .‬بيد أن األمر ليس بهذه الصورة‪ :‬حيث إن احتكار‬
‫العنف املرشوع من ِق َبل الدولة ميكن أن ُي َعا َرض يف الداخل‪ ،‬ومع ذلك فال ُيعد هذا‬
‫أمرا مطلقا‪ :‬وهو ما تشهد به حروب االنفصال واالستقالل أو الثورات أو الحروب‬
‫األهلية(‪ .)15‬وقد تدخل الدول أيضا يف نزاعات مع مجموعات غري حكومية ُتعارض‬
‫وجودها أو سلطتها‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن الرشعية – االجتامعية ‪ -‬لالحتكار النسبي للعنف املسلح‬
‫من ِق َبل الدولة ال يعني أن أي إجراء عنيف َتتخذه حكومة رشعية هو أيضا كذلك‪.‬‬
‫لقد ُو ِضع دستور الدول الحديثة يف الغرب عىل أساس املطالبة‪ ،‬من خالل الهيكل‬
‫السيايس ا ُملوحد وأيضا من خالل الهيئات املؤسساتية التابعة له‪ ،‬بحق ووسيلة‬
‫استخدام العنف‪ .‬إذ إن لقيادات الدولة وحدها الحق يف اتخاذ قرار بشأن استخدام‬
‫العنف‪ ،‬عند الرضورة‪ ،‬عىل اعتبار أن الدولة فقط هي من متلك وسائله‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫‪57‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫فإن التوافق الداخيل النسبي حول حرصية الحق النظري املمنوح للدولة يف استخدام‬
‫العنف ال يؤدي بشكل تلقايئ إىل اإلجامع عىل التطبيق الحقيقي لهذا الحق‪ .‬فال‬
‫يوجد ما يسمى باالنتقال التلقايئ من رشعية االحتكار إىل استخدام العنف‪ .‬إن‬
‫رشعية استخدام العنف املسلح أو التهديد به تحتاج إىل السيطرة عليها باستمرار‪.‬‬
‫إنه الرهان الحاسم بالنسبة إىل جميع األطراف الفاعلة يف الرصاع‪ ،‬ولكنه يظل أمرا‬
‫يفتقر إىل الوضوح‪ .‬إذ يسعى كل طرف إىل الحصول عىل أكرب قدر ممكن من الدعم‬
‫السيايس واملعنوي‪ ،‬سواء تعلق األمر مبحيط الفضاء املحيل أو عىل مستوى الساحة‬
‫نظمة ومن الرأي العام‪ .‬هذا هو البعد‬‫الدولية‪ ،‬من الدول ومن مختلف الكيانات ا ُمل ِّ‬
‫األسايس أو لنقل ا ُملهمل أحيانا يف الفعل واالستدالل االسرتاتيجي الذي يؤدي إىل‬
‫أدوات فاعلة إىل حد ما ملختلف القنوات املرشوعة‪ :‬فاألخالق والقانون والكاريزما‬
‫والتاريخ والعدالة السياسية هي التي تقود إىل االنتصار لقضية ما‪ ،‬وقد تكون يف‬
‫وضع املعت ِدي أو ا ُملعتدَى عليه‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ال يتعلق األمر بالغوص يف نسبية أخالقية وسياسية محضة‪ ،‬بل إىل ما هو أبعد‪،‬‬
‫فبافرتاض تكافؤ جميع األطراف الفاعلة‪ ،‬والتساوي بني كل أفعالهم وكل مناقشاتهم‪،‬‬
‫تجدر اإلشارة إىل أنه يف كثري من األحيان يف أثناء الرصاع‪ ،‬وغالبا بعده‪ ،‬يكون الحديث‬
‫عن الكفاح من ِق َبل الجهات الفاعلة والذين يساندونهم مبعنى النضال‪.‬‬

‫املواجهة وانعدام اليقني‬


‫إن العنف الحريب‪ ،‬بقدر ما ُينظر إليه كوسيلة ميكن أن ينضبط من تلقاء نفسه‪،‬‬
‫ويتعلق األمر بالسيطرة عىل التفاعل املتنازع عليه من أجل الوصول إىل النتيجة‬
‫املرجوة(‪ .)16‬وليست هذه الرغبة يف السيطرة مرادفة بالرضورة لحدود العنف‪ ،‬حتى‬
‫لو كان باإلمكان إظهار هذه الرغبة‪ ،‬فمن املمكن التحكم يف الفعل‪ ،‬ومن الوارد‬
‫أيضا أن يكون هذا الفعل مد ِّمرا ألقىص حد‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فعىل الرغم من كل الجهود‬
‫التي ُيحتمل أن تتحقق يف هذا االتجاه‪ ،‬فإن السيطرة عىل التفاعل العنيف يشوبه‬
‫غموض‪ ،‬كام أن انعدام اليقني ُيعترب الطابع الجوهري لالستدالل االسرتاتيجي‪ .‬إن‬
‫الحاالت الفعلية لتنفيذ العنف املسلح ُتثبت أن منوذج السيطرة يصطدم بثالثة‬
‫أنواع من العقبات الرئيسية‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫االستدالل االسرتاتيجي‬

‫تتعلق العقبة األوىل باحتاملية انعدام التوازن بني العنف أو التهديد وبني األهداف‬
‫املنشودة‪ ،‬حيث يظهر هذا الخلل نتيجة لتأ ُّثر االستدالل الفعال باملنطق التنافيس(‪.)17‬‬
‫إنه منطق املواجهة يف شكله املجرد‪ ،‬الذي يعني بطريقة مبسطة النزاع بني إرادتني‪،‬‬
‫أي آلية املزايدات املتبادلة‪ .‬يف الواقع من املمكن لهذه الديناميكية التي ُتعرب عن‬
‫«التطرف املتنامي» أن تتطور عىل حساب األهداف السياسية املرغوب فيها‪ ،‬عندما‬
‫يتعلق األمر بأكرث من كونه انتصارا‪ ،‬من دون النظر إىل العواقب‪ .‬وقد تحدث هذه‬
‫الظاهرة وفقا إلرادة األطراف الفاعلة أو رغام عنهم‪ ،‬بسبب ردود الفعل غري املتناسبة أو‬
‫التي ُيساء فهمها من ِق َبل اآلخرين‪ ،‬ومن املحتمل ‪ -‬بسبب االختالف يف وجهات النظر‬
‫املتعلقة برهانات النزاع ‪ -‬أن يتغري تقدير قيمة موضوع النزاع وفقا للخصوم ومواقفهم‬
‫وطموحاتهم‪ ،‬ومن ثم يكون هذا التقدير املختلف أساسا آخر ملنطق الحرب‪.‬‬
‫العقبة الثانية القوية التي تحد من القدرة عىل السيطرة عىل التفاعل العنيف هي‬
‫املكانة‪ ،‬املتغرية‪ ،‬التي تجعل للعواطف الجامعية تأثريا يف الفعل – بحيث ميكن إثارتها‬
‫إىل حد ما والتحكم فيها وفقا للحاالت‪ .‬إن رهانات النزاعات وكذلك تطور العنف يجعل‬
‫للعواطف (املشاعر والرغبات) تأثريا يف السلوك الذي ال ُيؤخذ دامئا يف االعتبار من ِق َبل‬
‫النظريات أو العقائد االسرتاتيجية‪ .‬عند الحديث عن امليول األيديولوجية وانفعاالت‬
‫دعاة الحروب من الزعامء السياسيني أو الشعوب‪ ،‬وكذلك عن الالمباالة الجامعية‬
‫والخوف والكراهية والغضب والرغبة يف االنتقام من املقاتلني‪ ،‬نالحظ أنه ال ميكن لجهة‬
‫جامعية فاعلة ُقيضت لها مواجهة العنف السيايس‪ ،‬بشكل مبارش أو غري مبارش‪ ،‬أن تكون‬
‫من حيث املبدأ يف معزل عن التأثري النفيس للعواطف‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يكون من املستحيل‬
‫إهامل العامل األخالقي‪ ،‬وقدرته عىل خلق مزيد من القوة أو أن يكون سببا وراء ضعف‬
‫كبري‪ ،‬من جانب التفكري االسرتاتيجي(‪.)18‬‬
‫أما العقبة األخرية القوية‪ ،‬فتتعلق بانعدام اليقني ووجود رابط بني مفهوم‬
‫التوتر ومفهوم «ضباب الحرب» (شح وغموض املعلومات الحربية)‪ .‬ويتسع‬
‫مفهوم التوتر عند كالوزفيتز ليشمل «االحتكاك» الداخيل بني املنظامت الجامعية‬
‫– واملقصود هنا الجيوش – حيث تتدخل كل النواقص التي ال تجعل آللياتها‬
‫الكبرية قدرة ملموسة‪ ،‬ولهذا تكون النتائج التي ال ميكن التنبؤ بها‪ ،‬أحيانا‪ ،‬غري‬
‫متناسبة يف ضوء األسباب التي يذكرونها(‪.)19‬‬
‫‪59‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫ويعرب مفهوم «ضباب الحرب» عن نقص املعلومات ذات الصلة التي‬


‫تصيب دامئا الجهات الفاعلة يف النزاع‪ ،‬ويعوق قدرتها عىل الترصف بأكرث الطرق‬
‫العقالنية املمكنة‪.‬‬
‫ال يقترص األمر عىل املعلومات املتاحة يف توقيت محدد ملجموعة من املتغريات‬
‫التي تفرس وفق املفاهيم العاملية حالة الرصاع‪ ،‬حتى يف حالة وجود نسبة من املتغريات‬
‫الرئيسة التي يصعب تحديدها‪ ،‬لكن يضاف إىل ذلك أن الرتقب الدقيق لتطور هذه‬
‫املعلومات يعد أمرا بعيد املنال وبقدر األهمية القصوى لضباب الحرب‪ ،‬فإن محاولة‬
‫عالج هذا الغموض لدى الخصم تعد مكونا من مكونات الفعل االسرتاتيجي‪.‬‬
‫ولذا فإن تطوير القدرات االستخبارية هو بالتأكيد رصيد ال يستهان به‪ ،‬رشيطة‬
‫أال ننىس أن مفهوم الشفافية التامة يف حالة املواجهة‪ ،‬أي التعبري عن اعتقاد إمكانية‬
‫متتع العقل البرشي بدرجة عالية من الذكاء‪ ،‬يعادل إنكارا تاما ورصيحا لسلبية‬
‫القدرات والنيات فضال عن الطابع ا ُملعقد للسياقات محل النزاع‪.‬‬
‫وهكذا تصطدم جهود التنبؤ والتخطيط بشكل مستمر بجميع النزاعات العنيفة‬
‫التي ميكن اعتبارها التفاعل الدينامييك الجامعي املرتبط بسياق األحداث(‪.)20‬‬

‫الخطأ‬
‫يتسم سياق العمل االسرتاتيجي بطابع النزاع والتوتر والضغط والرسعة يف كثري‬
‫من األحيان والقلق أو الخوف وأحيانا الفوىض‪ ،‬ولهذا يتعرض التفكري االسرتاتيجي‪،‬‬
‫رمبا أكرث من املفاهيم األخرى‪ ،‬لخطر الوقوع يف الخطأ‪ .‬لقد أظهر هريبرت سيمون‬
‫‪ Herbert Simon‬براعة‪ ،‬منذ زمن طويل‪ ،‬عندما قال إن عقالنيتنا محدودة(‪:)21‬‬
‫حيث تخضع قدراتنا عىل التحليل واتخاذ القرار لقيود غري قابلة لالختزال ‪ -‬فمن‬
‫تحديد للكليات املعرفية وتعقيد وتطور البيئات إىل تأثري املعتقدات والقيم يف‬
‫املفاهيم‪ ،‬األمر الذي يجعلها تتشابك بحيث ال تتامىش حلول املشكالت التي‬
‫تواجهنا مع الواقع‪.‬‬
‫من جانبه‪ ،‬اكتشف عامل االجتامع رميوند بودون ‪ Raymond Boudon‬نظرية عامة‬
‫عن العقالنية الكالسيكية التي كان لها الفضل األكرب يف إنتاج مفهوم العقالنية املعرفية‪.‬‬
‫إن العقالنية‪ ،‬حتى إن كانت محدودة وال تقترص عىل النظرية األساسية أو نظرية القيم‪،‬‬
‫‪60‬‬
‫االستدالل االسرتاتيجي‬

‫ترجع إىل متاسك القيم التي يلتزم بها اإلنسان وإىل األفعال‪ .‬إن أي نشاط اجتامعي‪ ،‬مبا يف‬
‫ذلك النشاط االسرتاتيجي‪ ،‬هو مجموعة من املعتقدات الوصفية‪ ،‬سواء أكانت صحيحة أم‬
‫خاطئة‪ ،‬واملعتقدات املعيارية‪ ،‬أي تلك التي تتعلق بالعدالة أو بالظلم‪ .‬إن لدى الجهات‬
‫الفاعلة‪ ،‬يف هذه الحالة دامئا‪ ،‬من الدوافع‪ ،‬التي تبدو يف أعينهم صحيحة‪ ،‬ما يجعلهم‬
‫يعتقدون أن شيئا ما ُيحفز و ُيوجه أفعالهم‪ ،‬حتى لو كانت معتقداتهم خاطئة من الناحية‬
‫املوضوعية‪ .‬تنشأ هذه املعتقدات من خالل الصورة التي ُتثلها الجهات الفاعلة‪ ،‬لذلك‬
‫يجب علينا أن نسعى إىل فهم عقالنية هذه املعتقدات‪ ،‬أي التي تستند إىل العقل‪ ،‬من‬
‫وجهة النظر الذاتية التي تتعلق بالجهات الفاعلة أنفسها (العقالنية الذاتية)‪.‬‬
‫يف سياق هذا النزاع‪ ،‬ال ميكن اعتبار الخصم بالرضورة غري عقالين‪ ،‬مبعنى أنه‬
‫يترصف بشكل عشوايئ‪ ،‬ألننا مل نستطع فهم دوافع معتقداته أو سلوكه‪ .‬ولهذا ُيعترب‬
‫فهم األبعاد الرئيسية لحالته النفسية باإلضافة إىل تحديد صورته الذاتية ومنطقه‬
‫السلويك من رضوريات االستدالل االسرتاتيجي التي يجب أن تتميز عن خاصية تقديم‬
‫رؤيته للعامل أو منارصته له ‪ -‬األمر الذي يشكل غموضا يف الرؤى عىل نطاق واسع‪.‬‬
‫يف موازاة ذلك‪ ،‬أنتج علم النفس املعريف معارف قيمة تخص االستدالل االسرتاتيجي‬
‫بانتظام استنباطنا وأحكامنا وقراراتنا‪ :‬وهي‬
‫ٍ‬ ‫تتعلق باالنحرافات النفسية التي تشوه‬
‫االنحراف املعريف(‪ .)22‬ومع ذلك‪ ،‬يجب نقل تحليالت علامء النفس‪ ،‬التي غالبا ما‬
‫تكون مستمدة من تجارب اصطناعية‪ ،‬إىل الحياة االجتامعية الحقيقية(‪ .)23‬فعىل‬
‫الرغم من أن فهم الخطأ املعريف بطريقة مناسبة ضمن السياق االسرتاتيجي يعد‬
‫أمرا معقدا‪ ،‬أكرث بكثري مام يبدو عىل األرجح‪ ،‬فإن هذا الخطأ املعريف ُيعترب‪ ،‬بني‬
‫أشياء أخرى كثرية‪ ،‬املنهج البحثي ا ُملث ِمر‪ ،‬والعامل الفعال الذي يبدو عىل درجة من‬
‫األهمية كبرية جدا تتعلق باالستدالل والدراسات االسرتاتيجية بشكل عام‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫األطراف الفاعلة يف العملية االسرتاتيجية‬

‫‪3‬‬

‫األطــراف الفاعلــة يف العملية‬


‫االسرتاتيجية‬

‫ستيفان تايات‬

‫تواجه الدراسات االسرتاتيجية تحديا‬


‫مزدوجا عند األخذ بعني االعتبار املواقف التي‬
‫تتبناها الجهات الفاعلة يف بيئة النزاع‪ ،‬وكذلك‬
‫عند تحديد األولويات يف سياق معني‪ .‬تنتج عن‬
‫ذلك ثالث مسائل‪ .‬عندما يتعلق األمر باملتغريات‬
‫التي تعمل عىل تحديد الخيارات واألفعال‬
‫من ناحية‪ ،‬وعندما تكون املسألة مرتبطة‬
‫«إن الفعل االسرتاتيجي يتعارض ليس‬
‫بعملية اتخاذ القرار من ناحية أخرى‪ ،‬يف إطار‬ ‫فقط مع عدم إمكانية التنبؤ بالتنفيذ‬
‫فقط‪ ،‬بل يتعداه أيضا إىل فعل الخصم‪.‬‬
‫ديناميكيات تثقل كاهل التطور االسرتاتيجي يف‬ ‫ومير تطبيق االسرتاتيجية عرب عدة‬
‫مستويات؛ من دائرة صانعي القرار‬
‫نهاية املطاف‪ .‬تشري اإلشكالية األوىل إىل النقاش‬ ‫إىل املخططني واملنفذين‪ ،‬ومن مرسح‬
‫الدائر حول التأثري الخاص للعوامل املرتبطة‬ ‫العمليات إىل مفهوم التعهدات»‬

‫‪63‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫بهيكل أو بصفات الجهات الفاعلة‪ .‬هل ميكن تفسري االسرتاتيجية بشكل أفضل من‬
‫خالل القيود املنهجية والثقافية واملادية التي تضغط عىل األطراف الفاعلة أم أنه‬
‫ميكن تفسريها من خالل منطقهم األسايس؟‬
‫تتعلق اإلشكالية الثانية باالختيار والتناول ملستويات التحليل املختلفة‪ .‬هل‬
‫يعتمد تطوير وتنفيذ اسرتاتيجية معينة عىل عوامل تخص األنظمة السياسية‬
‫واملنافسات البريوقراطية والديناميكيات التنظيمية والعالقات السياسية العسكرية‬
‫وشخصية صانعي القرار؟ وكيف ُتتناول هذه املستويات املختلفة؟‬
‫اإلشكالية الثالثة تهتم بالجوانب املنهجية واالحتاملية‪ .‬ما النصيب الخاص‬
‫باختيارات أحد األطراف الفاعلني أو أحد خصومه‪ ،‬وما الديناميكيات التي ُتحدد من‬
‫خالل تفاعلهم‪ ،‬وما كيفية تناول االسرتاتيجيات للنزاعات التي تعمل عىل عالجها‪،‬‬
‫هل من املمكن إقامة سلسلة للعالقات السببية من أجل تأسيس اسرتاتيجية أو وضع‬
‫تحليل لهذه االسرتاتيجية بأثر رجعي؟ بالطبع تتداخل بقو ٍة هذه املناقشات النظرية‬
‫املختلفة واملسائل املرتبطة بها والفرضيات والنتائج‪ .‬من املحتمل إذن أن يكون‬
‫الجمع بني عوامل ومستويات التحليل أكرث خصوبة من املناهج أحادية األبعاد‪.‬‬
‫يف هذا السياق‪ ،‬من املفيد اإلشارة إىل تفكري كارل فون كالوزفيتز فيام يتعلق‬
‫بثنائية الجانب التحلييل واملعياري‪ .‬وألن االسرتاتيجية مرتبطة بالحرب‪ ،‬فإنها تعتمد‬
‫ليس فقط عىل الظروف السياسية الداخلية والخارجية للجهة الفاعلة‪ ،‬ولكنها تتبع‬
‫بشكل وثيق الوسائل العسكرية ذات األهداف السياسية التي يحددها القادة‪.‬‬
‫تشكل هذه األولوية للسيايس وللسياسة أداة لفهم املحددات االسرتاتيجية‪ ،‬كام أنها‬
‫تعمل عىل وضع توصيف للسيطرة – خصوصا فيام يتعلق بالقوة ‪ -‬وأيضا للبيئة‬
‫الدولية وللعالقات بني املحاور الثالثية أو الدور املحوري لألعامل العسكرية ولآلثار‬
‫السياسية‪ .‬لكن األولوية ال تعني التفرد‪ :‬هذا هو السبب يف رضورة األخذ بعني‬
‫االعتبار هذين القطبني اآلخرين من الثالثية الالفتة لالنتباه وهام املشاعر من جهة‪،‬‬
‫والحظ ولعبة االحتامالت من ناحية أخرى‪.‬‬
‫يعرض هذا العمل بشكل منفصل املناقشات الثالث من أجل إبراز املحددات‬
‫االسرتاتيجية‪ .‬ونظرا إىل اتساع األدبيات التي تتعلق باإلشكاليتني األوىل والثانية‪،‬‬
‫فسيتناول هذا الفصل عىل التوايل قضية املحددات عىل مستوى النظام الدويل‪ ،‬وكذلك‬
‫‪64‬‬
‫األطراف الفاعلة يف العملية االسرتاتيجية‬

‫عىل مستوى تفاعل العوامل الداخلية ضمن عملية صنع القرار‪ .‬يقدم الجزء الثالث‬
‫إشكاليات البحث املتعلقة بدراسة العملية االسرتاتيجية عىل اعتبار أنها مرتبطة‬
‫«بسلوك وبنتائج العالقات اإلنسانية ضمن سياق النزاع املسلح الفعيل أو املحتمل»(‪.)1‬‬

‫االسرتاتيجية وبنية النظام الدويل‬


‫إن التوتر القائم بني التفسريات التي تحدد الخصائص الداخلية للجهات الفاعلة‬
‫وتلك التي ُترص عىل القيود الخارجية يتضح من خالل مناقشة ثنائية العامل والبنية‪.‬‬
‫من دون اختصار يف عرض هذه املناقشة‪ ،‬يعترب الرتكيز عىل املتغري املنهجي يف‬
‫العالقات الدولية تجسيدا للرهانات الرئيسية‪ .‬يتعلق األمر بتوصيف وتفسري الخيارات‬
‫االسرتاتيجية عن طريق استنباطها من بيئة الجهات الفاعلة التي تعمل عىل تغذية‬
‫هذا الطموح بشكل جزيئ‪ .‬تأيت الصيغة األكرث منهجية من األمريكيني أصحاب املذهب‬
‫الواقعي الجديد الذين يرصون‪ ،‬منذ كينيث والتز ‪ ،Kenneth Waltz‬عىل البنية‬
‫الفوضوية للنظام الدويل وعىل المباالة الوحدات اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ باعتبارها ﺮﺸطا أساسيا‬
‫ﻟسلوك الدول فينشأ عدم اليقني املطلق من الحالة الطبيعية للنظام الدويل بجعل‬
‫األمن هو الهدف املشرتك‪ ،‬أي كرشط اسرتاتيجي‪ ،‬وليست التعددية لقيمهم وأنظمتهم‬
‫السياسية‪ .‬عندما يستنتج والتز ‪ Waltz‬أن االسرتاتيجية بشكل افرتايض تعني التوازن‪،‬‬
‫فإن لكل دولة أن تسعى إىل التوازن مع قوة اآلخرين أو الحصول عىل مكاسب نسبية‪،‬‬
‫والبعض اآلخر (مثل روبرت غيلنب ‪ Robert Gilpin‬أو ستيفن والت ‪)Stephen Walt‬‬
‫يعترب أن الدول‪ ،‬عىل العكس من ذلك‪ ،‬تختار التبعية إىل جانب القوى العظمى يف‬
‫ظل ظروف معينة (الهيمنة اآلمنة أو توازن التهديد)(‪ .)2‬وبأسلوب حديث‪ ،‬يستنتج‬
‫جون مريشيمر ‪ John Mearsheimer‬من البنية الفوضوية للنظام الدويل الفرضية‬
‫التي تقول إن الدول تسعى إىل تعظيم قوتها إىل أقىص حد‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وألن هذه‬
‫الدول لن تفضل خيار الحرب إال كحل أخري لالستفادة من االسرتاتيجيات غري املبارشة‬
‫أو من املراهنات‪ ،‬عند مواجهة األعداء املحتملني‪ ،‬فإنهم سيفضلون دامئا نقل التهديد‬
‫إىل دولة أخرى بدال من عمل توازن مع هذه الدولة(‪.)3‬‬
‫بشكل عام‪ ،‬ووفقا لجون مريشيمر فإن الدول تواصل البحث عن الهيمنة‬
‫اإلقليمية‪ ،‬األمر الذي تنشأ عنه اسرتاتيجية أخرى تعنى بالتوازن الخارجي‪ ،‬وهو ما‬
‫‪65‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫يسمح للقوى العظمى بالحفاظ عىل التوازن بني منافسيهم املوجودين يف أي قارة‬
‫أخرى وبتغذية هذه الروح التنافسية بينهم‪.‬‬
‫ومع ذلك كان عىل هذا النهج أن يأخذ بعني االعتبار التطورات الداخلة عىل‬
‫هذا التخصص االسرتاتيجي‪ .‬فمن ناحي ٍة سلطت العودة إىل تفضيل النهج الليربايل‪،‬‬
‫من جديد‪ ،‬الضوء عىل الطابع املؤسيس لهذه البنية االسرتاتيجية‪ .‬ووفقا لهذه الرؤية‪،‬‬
‫تتشكل هذه البنية من معايري وقواعد وتنظيامت ومؤسسات متعددة مرتبطة‬
‫بالتفاعالت بني الدول والظروف التي تستجد‪ .‬ميكن لهذه االسرتاتيجية املحتملة أن‬
‫تستخدم هذه املعايري وتشكلها أيضا‪ .‬يف كتابه األسايس‪ ،‬يؤكد جي جون إيكنبريي ‪G.‬‬
‫‪ John Ikenberry‬عىل أن إنشاء املؤسسات الدولية من قبل الواليات املتحدة بعد‬
‫العام ‪ 1945‬جعل استمرار وضعها ضمن النظام العاملي الجديد أمرا ممكنا‪ .‬فاالرتباط‬
‫بالقواعد املفروضة عىل اآلخرين نفسها (يف النظام الدستوري) يجعل األمريكيني‬
‫مييلون إىل خيار «الهيمنة االسرتاتيجية»‪ .‬تعد أطروحة إيكنبريي من األهمية مبكان‬
‫حيث إنها تس ّلط الضوء ليس فقط عىل أعىل درجات الكفاءة لهذه االسرتاتيجيات‪،‬‬
‫ولكن أيضا عىل أهمية النظام السيايس – الذي يعني هنا الدميوقراطية – بغرض‬
‫رشح هذه الخيارات وكذلك نتائجها الظاهرية(‪ .)4‬يف مواجهة هذا الغموض الكبري‬
‫لفرتة ما بعد الحرب الباردة ‪ -‬يف ظل عدم إعادة التوازن لألحادية القطبية األمريكية‬
‫‪ -‬يتحدث إيكنبريي عن الحفاظ عىل الهيمنة الليربالية‪ ،‬يف حني يتحدث آخرون‬
‫عن هيمنة التوازن الناعم(‪ .)5‬وبعبارة أخرى يحتفظ الفاعلون بدرجة كبرية من‬
‫االستقاللية داخل البنية‪ ،‬خصوصا يف طريقة تجاوبهم مع بيئة جديدة‪ .‬حيث ال‬
‫تندرج االسرتاتيجيات املهيمنة ضمن البنية الوحيدة‪ ،‬ولكنها تعتمد أيضا عىل موافقة‬
‫الجهات الفاعلة‪.‬‬
‫ويف تطور الحق‪ ،‬أسهم اندالع النزعة البنيوية يف إدراك أن البنية أيضا ناتجة‬
‫عن املصالح والتفاعالت وبالتايل اسرتاتيجيات الفاعلني‪ ..‬وتؤكد القراءة العالئقية‬
‫والداخلية واألكرث نظريا للبيئة السياسية الدولية دور الهويات وعالقات السلطة يف‬
‫تحديد الخيارات واتخاذ القرارات االسرتاتيجية‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن أعامل ديفيد ليك ‪ David Lake‬تهتم باسرتاتيجيات السلطة‬
‫الهرمية التي وضعتها بعض الدول والتي ميكن من خاللها‪ ،‬لهذه الدول‪ ،‬أن متارس‬
‫‪66‬‬
‫األطراف الفاعلة يف العملية االسرتاتيجية‬

‫فرض السيطرة املرشوعة عىل جزء مهم‪ ،‬إىل حد ما‪ ،‬من اإلجراءات االقتصادية‬
‫واألمنية والسياسية الخارجية لدولة أخرى‪ .‬تتصل هذه اإلجراءات باسرتاتيجية‬
‫التأثري والتحكم‪ ،‬ولكن مبجرد أن ُيرشع فيها فإنها تعمل عىل تقييد خيارات‬
‫الدولة املسيطر عليها والدولة املسيطرة وذلك‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬عن طريق‬
‫زيادة التحفيز عىل التدخل يف حالة حدوث أزمة لدى الدولة املسيطرة(‪ .)6‬غري‬
‫أن الرتابط بني الجهات الفاعلة والبنية‪ ،‬والتي ميكن‪ ،‬من خاللها‪ ،‬لهذه الجهات‬
‫العمل معا‪ ،‬يؤدي إىل نوع من االعتامد املتبادل‪ .‬ألنه إذا كان من املحتمل أن‬
‫تكون البنية يف حالة مستقرة جدا – مع تحديد واضح لخيارات الجهات الفاعلة‬
‫– عىل الرغم من كون هذه البنية عرضة للتغيري ‪ -‬فإن بعض الدول تعمد إىل‬
‫تنفيذ اسرتاتيجيات غري متوقعة تهدف عىل سبيل املثال إىل إحداث تغيري يف‬
‫الهوية‪ .‬إن مفهوم التنظيم املشرتك بني األطراف العاملة والبنية يؤدي بسهولة‬
‫إىل حلقات مستديرة من النقاش الذرائعي‪ ،‬األمر الذي يجرب معظم الباحثني عىل‬
‫الرتكيز عىل أحد هذه األبعاد‪ .‬ويكمن الحل يف معرفة التمييز وكذلك التكامل‬
‫بني أفعال األطراف العاملة وقوة البنية‪ .‬انطالقا من هذه األخرية يقبل الواقعيون‬
‫الكالسيكيون والكالسيكيون الجدد الخصائص الداخلية للدول كمتغريات وسيطة‪،‬‬
‫يف حني أن الحقل املورفوجيني يعمل عىل تسلسل هذين البعدين عرب مقاييس‬
‫زمنية مختلفة (حيث توفر البنية إطار األفعال الحالية ومن ثم يكون العمل عىل‬
‫تشكيل إطار لألفعال املستقبلية)(‪ .)7‬لهذا تعترب االنطالقة األوىل معنية بالعالقات‬
‫الدولية «السلوكية» التي تحلل مفاهيم البنية عن طريق األطراف العاملة(‪ .)8‬ترص‬
‫بري برومولري ‪ Bear Braumoeller‬عىل أن النموذج الدينامييك ميكن أن يؤدي‬
‫باألطراف العاملة إىل وضع تصور عن البنية يف شكل صياغة ملطالب يعتمدها‬
‫القادة السياسيون من خالل أفعالهم التي تعمل بدورها عىل تحديد شكل البنية‪.‬‬
‫واألهم من ذلك أنها تشري إىل أن التحليل املنهجي الحقيقي ليس بنيويا‪ ،‬ولكنه‬
‫يأخذ يف الحسبان جميع عنارص ومستويات تحليل النسق وكذلك تفاعالته(‪.)9‬‬
‫يف النهاية‪ ،‬إذا كان للبيئة أهمية يف تحديد االسرتاتيجية‪ ،‬فإن ذلك يعتمد‬
‫عىل الفرص والقيود التي تخص السياسة الدولية‪ ،‬من جهة‪ ،‬وعىل الطريقة التي‬
‫يستخدمها الفاعلون يف تصور وفهم السياسة الدولية‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪67‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫عملية اتخاذ القرار‬


‫والصندوق األسود للدولة‬
‫يتطلب التحليل االسرتاتيجي أن نتساءل عن الثوابت واملتغريات املتعلقة‬
‫بعملية اتخاذ القرار‪ .‬ولذلك كان تركيز الجزء األكرب من األدبيات عىل مستوى الشأن‬
‫الداخيل للدول‪ ،‬مع األخذ يف االعتبار أولوية العوامل الداخلية بالنسبة إىل السياق‬
‫الخارجي عند الصياغة االسرتاتيجية‪ .‬فمن املفرتض أال يصدر القرار‪ ،‬بشكل خاص‪،‬‬
‫نتيجة الستجابة ميكانيكية بسيطة لتهديد معني أو ألفعال الخصم‪.‬‬
‫وألن اتخاذ القرار يعتمد عىل مجموعة من العلوم وهي االجتامع واالقتصاد‬
‫والعلوم السياسية والتاريخ‪ ،‬فإن هذا اإلجراء يسهم يف عملية التفكيك التحلييل‬
‫«للصندوق األسود» للدولة‪ .‬كام أنها تربز بشكل خاص الصعوبات التي تواجه‬
‫حتمية السيطرة السياسية عىل العملية االسرتاتيجية‪.‬‬
‫تتناول أدبيات السياسة العامة مسألة مستويات التحليل من خالل إنشاء‬
‫منوذج التخاذ القرار(‪ .)10‬يقسم النموذج هذه العملية إىل عدة مراحل متتالية‬
‫ودورية وعشوائية‪ :‬تبدأ من تأطري للمشكلة وطرح القضية عىل جدول‬
‫األعامل ومراجعة الخيارات إىل القرار والتنفيذ والتقييم‪ .‬وتعرب هذه املرحلة‬
‫عن مستويات املجتمع والحكومة وصانعي القرار‪ .‬وبالتايل سيشهد املجال‬
‫االسرتاتيجي تفاعال بني أطراف اجتامعية معينة (مجموعات من الخرباء‬
‫وجامعات الضغط باإلضافة إىل الرأي العام) والجهات البريوقراطية والحكومية‬
‫(املنظامت العسكرية أو اإلدارات املدنية) والجهات الفاعلة الفردية (القادة)‪.‬‬
‫وهذا النهج يوضح الكيفية التي ُتدمج بها املتغريات املختلفة وطبيعة التعرض‬
‫لألدوار التي يؤديها مختلف الفاعلني‪.‬‬

‫صناع القرار واالختيار العقالين‬


‫كثريا ما تركز بعض املقاربات عىل صانع القرار‪ .‬هذا هو وضع نظريات االختيار‬
‫العقالين عندما تنطلق من الوحدات املفردة إىل النسق‪ ،‬والتي تفرتض اتباع الجهات‬
‫الفاعلة لقواعد السلوك‪ ،‬وخصوصا فيام يتعلق بتعظيم منفعتها الذاتية(‪ .)11‬ويكمن‬
‫الجزء األسايس لهذه املقاربات‪ ،‬عندما يتعلق األمر بالتحليل االسرتاتيجي‪ ،‬يف مفهوم‬
‫‪68‬‬
‫األطراف الفاعلة يف العملية االسرتاتيجية‬

‫استبدال االسرتاتيجيات (يف مواجهة املشكلة نفسها‪ ،‬قد يلجأ صانع القرار إىل أن‬
‫يستبدل أحد الخيارات بخيارات أخرى وفقا للظروف)‪.‬‬
‫أوال يجب عىل صانع القرار أن يأخذ بعني االعتبار مدى توافر (املوارد والقيود‬
‫أو الفرص) باإلضافة إىل الفائدة النسبية لكل خيار (مبقارنة العالقة بني التكاليف‪/‬‬
‫الفوائد)‪ .‬ففي املجال االسرتاتيجي‪ ،‬يوجد بعد إضايف يخص التوقعات املتعلقة‬
‫بسلوك الخصم‪ .‬ثانيا عىل صانع القرار أن يتبع القواعد بغرض اتخاذ القرارات‪ .‬لقد‬
‫سعت املجموعة األوىل من النظريات إىل تشكيل السلوكيات‪ .‬وبالتايل تحاول نظرية‬
‫األلعاب استخالص الخيارات االسرتاتيجية من مناذج القوالب التي تشكل التفاعل‬
‫بني اثنتني من الجهات الفاعلة يف سياق ترتابط فيه هذه الجهات الفاعلة‪ ..‬غري أن‬
‫ُصناع القرار ال تتوافر لهم جميع املعلومات‪ ،‬وال القدرة املطلقة عىل تحديد جميع‬
‫الخيارات املمكنة أو عواقبها‪ .‬وهكذا تقدم النظرية السيربانية العقالنية املحدودة‬
‫(فإن السيربانية هي الدراسة العلمية لكيفية تحكم اإلنسان أو الحيوان أو اآلالت‬
‫بعضها يف بعض) والتي من خاللها متيل الجهات الفاعلة الختيار الخيار األول ا ُملريض‪.‬‬
‫ويناسب هذا الخيار إمكانية الحفاظ عىل العوامل التي تعترب أساسية من منظور‬
‫املعايري املقبولة‪ .‬ويف حال عدم توافر هذا الظرف (أو يف حال اعتباره كذلك) ميكن‬
‫لصانعي القرار حينئذ تعديل خياراتهم‪ ،‬أي اختيار أقرب الجوانب املرضية‪ .‬غري أن‬
‫هذا النموذج ييرس تفسري املنظومات والتعديالت املتقدمة يف زمن السلم‪ ،‬بشكل‬
‫أفضل‪ ،‬األمر الذي يسمح مبراعاة حاالت التكيف االسرتاتيجي يف أثناء النزاع(‪.)12‬‬
‫أما املجموعة الثانية من النظريات‪ ،‬فتعترب أن الفرق بني سلوكيات وتنبؤات‬
‫نظريات االختيار العقالين قد ينجم عنه أخطاء‪ .‬تأيت هذه األخطاء من البيئة‬
‫(الوصول إىل املعلومات)‪ ،‬وكذلك من الخصائص الجوهرية للجهات الفاعلة‪ .‬فعىل‬
‫سبيل املثال‪ ،‬توضح نظرية االحتامالت أن األغلبية العظمى من األفراد يتجنبون‬
‫الخسائر(‪ .)13‬يستخدم هذا النهج بشكل خاص يف تحليل عمليات اإلكراه والردع مع‬
‫األخذ يف االعتبار‪ ،‬عىل وجه الخصوص‪ ،‬االختالفات من وجهة النظر املرجعية (التي‬
‫تسمح بتقييم املكاسب والخسائر) تبعا للظروف(‪.)14‬‬
‫هذه االختالفات متكن من إلغاء مفعول العالقة بني حالة الجهة الفاعلة ودرجة‬
‫ارتباطها بالوضع الراهن‪ ،‬الذي يعتمد عىل تقييم األرباح والخسائر(‪ .)15‬ومن ناحية‬
‫‪69‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫أخرى‪ ،‬فإن إدراك التهديد سيكون له الدور األكرب الذي يفوق دور الفرص عند‬
‫صياغة الخيارات وعند التحفيز عىل الترصف‪.‬‬
‫كام أننا ميكن أن نعزو أسباب هذا الخوف من الخسائر‪ ،‬أخريا‪ ،‬إىل إرصار صانعي‬
‫القرار عىل االستمرار يف الطريق الذي رسموه ألنفسهم بالفعل‪.‬‬
‫فبدال من التفكري يف تعظيم املنفعة أو االطمئنان إىل العوامل األساسية باعتبارها‬
‫قواعد لالختيار مبفردها‪ ،‬يفرتض البعض لجوء صانعي القرار إىل عديد من اآلليات‪.‬‬
‫يف مقالة نرشت يف العام ‪ 1993‬يوضح أليكس مينتز ‪ Alex Mintz‬أن القرار يكون‬
‫عىل مرحلتني‪ :‬أما املرحلة األوىل – التي لن ُتستبدل و ُيعوض عنها ‪ -‬فتتكون من‬
‫إقصاء الخيارات غري املقبولة رصاحة من خالل الرتكيز عىل أحد األبعاد (عىل سبيل‬
‫املثال‪ ،‬جميع الخيارات التي تساوي االعرتاف بالفشل)‪ ،‬يف حني تبحث املرحلة‬
‫الثانية عن البدائل املتبقية من خالل مقارنة الفوائد باملخاطر(‪.)16‬‬

‫االسرتاتيجية بوصفها ناتجا بريوقراطيا حكوميا‬


‫انطالقا من هذه النظريات التي تهتم بعقالنية ُصناع القرار‪ ،‬تجدر اإلشارة‬
‫إىل أهمية إضافة اإلجراءات التي تأخذ بعني االعتبار شخصيتهم أو أسلوبهم عند‬
‫اتخاذ القرار‪.‬‬
‫وبعيدا عن الدراسات التي تتناول التاريخ النفيس لبعض صانعي القرار‪ ،‬فإن كثريا‬
‫من الباحثني األمريكيني وضعوا تصنيفا للرؤساء‪ .‬وتتشابك هذه الدراسات والجوانب‬
‫املعرفية (ممثلة يف التكيف مع البيئة ومعالجة املعلومات والرضا بالوظيفة) مع‬
‫املتغريات السياسية (القدرة عىل التعبئة واستخدام الشبكات)(‪ .)17‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن‬
‫األعامل املرتبطة بنهج صناعة القرار يف السياسة الخارجية األمريكية تهتم أيضا بكيفية‬
‫إدارة صانع القرار لديناميكيات املجموعة وتنظيم املهامت يف ظل هذه البريوقراطية‪.‬‬
‫ويف حني أن هذه النُهج املختلفة ميكن أن تؤدي إىل عمليات دقيقة‪ ،‬فإنها ال تسمح أبدا‬
‫بالتنبؤ بنتائج محددة‪ .‬بينام تتمثل القيود الرئيسية التي تواجههم يف الخلط بني أهمية‬
‫صانعي القرار وتفوق هذه النُّهج أو الزعم بأنها املتغري التفسريي الوحيد‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك‪ ،‬سيكون من الرضوري مراعاة مصالح وأولويات ومتثيالت‬
‫مختلف الجهات الفاعلة التي تعمل عىل وضع تشكيل دقيق لحدود الخيارات‬
‫‪70‬‬
‫األطراف الفاعلة يف العملية االسرتاتيجية‬

‫وكذلك لعمليات ُصنع القرار‪ .‬انطالقا من تحليل أزمة صواريخ كوبا‪ ،‬أشار غراهام‬
‫أليسون (‪ )Graham Allison‬إىل أن هذه الصواريخ ناتجة عن عمليتني‪ .‬عملية‬
‫تنظيمية من ناحية‪ ،‬أي توزيع املهامت املسبقة‪ ،‬من خالل االسرتاتيجية التي تضع‬
‫تعريفا للمشاكل والحلول التي تقرتحها البريوقراطيات‪ .‬وعملية منافسة ومساومة‬
‫بني هذه البريوقراطيات من ناحية أخرى‪ ،‬بسبب وجود متثيالت ومناقشات‬
‫ومصالح متباينة إىل درجة تتضارب فيها هذه املصالح(‪ .)18‬وبالتايل يعد القرار‬
‫االسرتاتيجي مثرة مشرتكة بني السياسات الدنيا والسياسات العليا‪ ،‬عىل الرغم من‬
‫أن الرهانات عىل اختالف طبائعها ميكن أن تعترب حيوية بالنسبة إىل األمن وأيضا‬
‫لبقاء الكيان السيايس‪.‬‬
‫ولهذا لن ُتوضع املصلحة الوطنية أبدا خارج إطار املعاين التي يقصدها صانعو‬
‫القرار‪ .‬يوضح النموذج البريوقراطي‪ ،‬املحدد هنا بشكل خاص‪ ،‬صعوبة التامسك‬
‫بني الغايات والطرائق والوسائل‪ ،‬وأيضا صعوبة مختلف املستويات التي تعمل من‬
‫خاللها االسرتاتيجية (االسرتاتيجية الكربى واسرتاتيجية املرسح والتكتيكات‪ ...‬إلخ)‪.‬‬
‫من جديد يطرح تداخل منطق معني يف ظل وجود متطلبات تنافسية قضية‬
‫درجة التسوية والسيطرة التي متارسها السلطة السياسية‪ .‬ومبا أن االسرتاتيجية‬
‫تعترب الجرس بني الوسائل العسكرية واألهداف السياسية‪ ،‬فإن قضية التسوية‬
‫والسيطرة تطرح نفسها بقوة عندما يتعلق األمر بالقوات املسلحة‪ .‬تفرتض‬
‫النظرية االسرتاتيجية خضوع قضية التسوية والسيطرة للقادة السياسيني‪ ،‬ولكن‬
‫التخصص املهني للنشاط املرتبط بالحرب لن يحل بصورة نهائية مسألة درجة‬
‫وطريقة متكني هذه القضية(‪ .)19‬فإذا كانت أهداف االسرتاتيجية تعتمد بشكل‬
‫وثيق عىل املنطق السيايس‪ ،‬فإن مفهوم وتنفيذ هذه االسرتاتيجية ال ميكن أن‬
‫يتجاهل القواعد الخاصة بالحرب‪ ،‬أي استخدام الوسائل العسكرية‪ .‬وهكذا‪ ،‬وألنه‬
‫ميكن اعتبار هذه الوسائل نوعا من الصدام بني الثقافات أو نوعا من الجوار‬
‫بني مجالني متداخلني‪ ،‬فإن جدلية التداخل بني الخربة الفنية والرشعية السياسية‬
‫تعترب يف صميم العملية االسرتاتيجية(‪ .)20‬ولذلك يركز جزء من البحث عىل قضية‬
‫االندماج بني العقائد العسكرية ومتطلبات السياسة الخارجية‪ .‬ويتعلق األمر‬
‫بقضية تفسري االختالفات وتقييم تأثريها يف الصياغة االسرتاتيجية‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫يفرتض النهج األول أن تكون العالقة السياسية ‪ -‬العسكرية مندمجة يف بنية‬


‫مستقرة نسبيا نتيجة لذلك األمر‪ .‬ولهذا يفرتض باري بوزن ‪ Barry Posen‬وجود‬
‫اختالف كبري يف العقائد السياسية بسبب اإلجراءات الروتينية للمؤسسات العسكرية‪.‬‬
‫فبسبب الطبيعة املحددة ألنشطتها والحاجة إىل البقاء التنظيمي (يف مواجهة‬
‫القوات املسلحة األخرى)‪ ،‬فإن هذه القوات املسلحة متيل إىل تفضيل العقيدة‬
‫الهجومية‪ .‬إن الفصل بني هذه الرغبات ميكن أن يفرس ضعف التكامل بني العقائد‬
‫واألهداف االسرتاتيجية الكربى‪ .‬بالنسبة إىل بوزن‪ ،‬من املرجح أن يتغري هذا الوضع‬
‫عندما يفرض القادة السياسيون تغيري العقيدة‪ ،‬خصوصا عندما متارس البيئة الدولية‬
‫ضغوطا عىل املصلحة الوطنية(‪ .)21‬تكمل إليزابيث كري ‪ Elizabeth Kier‬هذه البنية‬
‫العالئقية من خالل إدخال الثقافة باعتبارها متغريا مستقال عن الخيار اسرتاتيجي‪.‬‬
‫ووفقا لها ميكن تفسري الخيار االسرتاتيجي من خالل التمحور حول معتقدات‬
‫النخب فيام يتعلق بالسياسة الدفاعية والثقافة التنظيمية العسكرية‪ .‬وتشكل‬
‫الثقافة التنظيمية العسكرية الطريقة التي يحدث من خاللها تجاوب املؤسسات‬
‫مع الضغوط السياسية‪ .‬من ناحية أخرى ال يؤثر وجود أو عدم وجود توافق يف اآلراء‬
‫بني النخب الحاكمة يف درجة الرقابة املدنية عىل السياسة الدفاعية فقط‪ ،‬بل يؤثر‬
‫أيضا يف مدى مالءمة هذه السياسة الدفاعية للبيئة الدولية(‪ .)22‬بيد أن العسكريني‬
‫ال تعوزهم املوارد وميكنهم‪ ،‬يف ظل ظروف معينة‪ ،‬االنتصار لسيادة األولويات‬
‫االسرتاتيجية‪ .‬وكام توضح ديبورا أفانت ‪ ،Deborah Avant‬ميكن للعسكريني أن‬
‫يعرقلوا الضغوط السياسية إذا كانت خصائص األنظمة السياسية متنحهم استقالال‬
‫حقيقيا‪ ،‬كام هي الحال مع القوات املسلحة األمريكية بسبب املنافسة التاريخية‬
‫بني الرئيس والكونغرس فيام يتعلق بالشؤون العسكرية(‪ .)23‬عند الحديث عن عدم‬
‫االتفاق املحتمل الذي يشار إليه يف األدبيات عىل نحو كثيف‪ ،‬يصبح من املناسب أن‬
‫نتساءل عن مدى عدم إمكانية الوصول إىل هذا االستقالل بشكل أفضل من خالل‬
‫تشكيل الخطاب واملفاهيم االسرتاتيجية‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬يكمن املورد الرئييس للمؤسسات العسكرية‪ ،‬فيام يتعلق بالخيار‬
‫االسرتاتيجي‪ ،‬يف العقيدة وأيضا يف القدرة عىل دمج قسم كبري من النخب يف املجتمع‬
‫من خالل مهامتهم اإللزامية‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫األطراف الفاعلة يف العملية االسرتاتيجية‬

‫فمن خالل إعادة تأكيد أهمية العالقة بني الزعامء السياسيني واملن ّفذين‬
‫العسكريني‪ ،‬ترتبط مشكلة «الرئييس ‪ -‬الوكيل» مبجموعة من العوائق املطروحة‬
‫عىل طاولة االسرتاتيجية‪ .‬تأيت يف املقام األول تلك العوائق التي يفرضها الوفد عن‬
‫طريق «الرئييس» (الزعيم السيايس) لبعض املهامت املتعلقة باالسرتاتيجية (كالتنظيم‬
‫والتدريب وإعداد القوات والتخطيط وإجراء العمليات العسكرية)‪ .‬وال يحتفظ‬
‫«املنفذ» (الوكيل) بجزء من االستقاللية بسبب توزيع العمل وتخصيص املهامت‪،‬‬
‫فقط‪ ،‬بل ميكنه أيضا السيطرة عىل العالقة التعاقدية التي تربطه بالرئييس (الذي ال‬
‫يتحكم يف كل املعلومات وال يف كل اختصاصات املوفد)‪ .‬وعىل كل األحوال‪ ،‬ال يتأكد‬
‫الزعيم السيايس أبدا من أن الخيارات التي يقرتحها العسكريون تخدم األهداف التي‬
‫حددها عىل أفضل وجه‪ ،‬عىل الرغم من وجود الدوافع التي ميكنه وضعها للحد‬
‫من حالة عدم اليقني‪ .‬يأيت يف املقام الثاين تطبيق منوذج الرئييس ‪ -‬الوكيل يف مجال‬
‫االسرتاتيجية أيضا ليربهن عىل الحاجة إىل تبني حلول توافقية بني مختلف املتطلبات‪.‬‬
‫يتعلق األمر برتتيب األولويات لغرض توزيع املوارد والتمحور حول األدوات‬
‫الديبلوماسية والعسكرية وتحقيق التوازن عىل املدى القصري واملتوسط والطويل‪.‬‬
‫وبصورة أعم تفرتض بنية الرئييس ‪ -‬الوكيل وجود توازنات هشة بني الرقابة والكفاءة‪.‬‬
‫لقد أكد جاكوب شابريو ‪ Jacob Shapiro‬أنه حصل اإليقاع باملنظامت اإلرهابية‬
‫أو غري النظامية يف فخ هذه العوائق‪ .‬وبسبب وجود خالفات تتعلق باألهداف‬
‫وتخصيص املوارد والخيارات التكتيكية‪ ،‬كان عىل قادة هذه الحركات تقديم حل‬
‫توافقي دائم بني الرقابة الداخلية الشديدة واملؤسسية من جهة‪ ،‬وحامية املنظمة‬
‫يف سياق أمني عدايئ من جهة أخرى(‪ .)24‬يف الواقع يوضح ستيفن سيدمان ‪Stephen‬‬
‫‪ Saideman‬وديفيد أويرسولد ‪ David Auerswald‬درجة االحتياطات (التحذيرات)‬
‫التي قدمتها الدول إىل وحداتها املشاركة يف مهمة حلف الناتو يف أفغانستان نتيجة‬
‫لألولويات الفردية التي تتعلق بالسيطرة عىل القوات (التابعة للحكومات الرئاسية)‪،‬‬
‫أو نتيجة ملتطلبات اإلدارة الناجمة عن درجة متاسك االئتالف الحاكم(‪.)25‬‬
‫ففي الدول الدميوقراطية املعارصة‪ ،‬تلتزم إدارة املستويات الصغرى أو آليات‬
‫الرصد الداخيل لدى الزعامء السياسيني باألخذ بعني االعتبار اآلثار املرتتبة عىل‬
‫قدرات أو فعالية الوسائل العسكرية‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫يعترب النهج الثالث أنه ليس من املمكن فهم العقائد والخيارات االسرتاتيجية‬
‫للمنظامت العسكرية إال من خالل ديناميكياتها الداخلية‪ .‬هذه هي حال اإلجراء‬
‫الذي يتبناه املؤسساتيون الجدد عىل وجه الخصوص‪ .‬عندما يتعلق األمر باالستجابة‬
‫لبيئة الرصاع أو للمتطلبات السياسية‪ ،‬ميكن للمؤسسات العسكرية أن تتبنى عقيدة‬
‫خاصة بها عن طريق تقليد املنظامت األخرى (التامثل)‪ ،‬ومبا يتفق مع التفسري‬
‫السائد التابع لخياراتهم السابقة (العقيدة املؤسساتية التاريخية) أو ملهامتهم‬
‫وأدوارهم وهوياتهم وقيمهم (الثقافة التنظيمية)‪ ،‬أو وفقا لعالقات السلطة‬
‫الداخلية داخل املنظمة(‪ .)26‬إن املنظامت العسكرية ليست مجموعات متجانسة‪،‬‬
‫وبالتايل هناك تعددية يف التعبري عن الصوت العسكري‪ .‬ومن مثل هذا الوضع‬
‫ميكن أم نستشف استنتاجات كثرية‪ .‬أوال متيل املؤسسات العسكرية إىل التقارب‬
‫الداخيل‪ :‬ومن املمكن أن تربز عقيدة معينة نتيجة لهذا التقارب (يف شكل إجامع‬
‫محتمل ناتج عن التفاعل بني التحالفات والشبكات)‪ ،‬وميكن أن يكون لها دور يف‬
‫هذا التقارب أيضا‪ .‬ثم إن هذا يعني أن االستجابة للمتطلبات السياسية ال تدل‬
‫من الناحية املنهجية عىل إعاقة أو تجنب أو نزاع‪ .‬كام أن هذه االستجابة تعتمد‬
‫عىل كيفية إدراك أعضاء املنظمة (ونخبها) ملدى رشعيتهم عند السلطة السياسية‪.‬‬
‫يف حالة وجود تهديد محتمل لوضعهم باعتبارهم محاورين متميزين‪ ،‬فقد يسعى‬
‫العسكريون إىل التجاوب مع املتطلبات السياسية وقد يصل األمر إىل تجاوزها‪.‬‬
‫فاالمتثال ملتطلبات التبعية يعتمد عىل االختيار الداخيل يف املؤسسة‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك ميكن أن تصبح التغريات االسرتاتيجية ممكنة‪ .‬تتعلق التغيريات‬
‫املرتبطة باملوقف العقائدي إما بالتخطيط الداخيل (حيث يختار القادة العسكريون‬
‫املبتكرين من بني صغار الضباط‪ ،‬وبالعمل الفوري عىل تشجيعهم لتنفيذ إصالحاتهم‬
‫بالشكل املطلوب)‪ ،‬وإما بنتائج الصدمة الخارجية التي تسمح للتحالفات القامئة‬
‫عىل القادة املدنيني والضباط بإمكانية البدء يف عمل تعديالت(‪ .)27‬وأخريا تطرح هذه‬
‫البحوث تساؤالت عن العالقة بني العقيدة العسكرية وأفضل طريقة الستخدام‬
‫القوة‪ .‬لهذا ال ميكن اعتبار الزعامء السياسيني ضامنني بالرضورة لقضية االنضباط‬
‫االسرتاتيجي‪ ،‬كام أن أهدافهم ال ميكن أن تكون متامسكة استنادا إىل الوسائل‬
‫واملذاهب نافذة املفعول‪ :‬وبعبارة أخرى‪ ،‬قد مييل الزعامء السياسيون إىل استخدام‬
‫‪74‬‬
‫األطراف الفاعلة يف العملية االسرتاتيجية‬

‫القوة بشكل يفوق ميول العسكريني‪ ،‬وقد يسعى هؤالء الزعامء إىل فرض سيطرة‬
‫شديدة عىل االسرتاتيجية من خالل اإلدارة املصغرة‪.‬‬
‫إن خصائص العالقات بني الجهات الفاعلة تؤدي‪ ،‬بالرضورة‪ ،‬إىل أخذ الطابع‬
‫الدينامييك لالسرتاتيجية بعني االعتبار‪ .‬تتيح عملية الرصد املستمر مراقبة التطورات‬
‫والتغيريات وأيضا صعوبة إنتاج اآلثار السياسية املرجوة‪.‬‬

‫االسرتاتيجية بوصفها ديناميكية‪:‬‬


‫السيطرة عىل آثار القوة‬
‫ميكن تربير الطبيعة الديناميكية لالسرتاتيجية بشكل أسايس من خالل محورين‪.‬‬
‫أوال لنعلم أن «كل يشء يف الحرب يعد أمرا بسيطا‪ ،‬ولكن أبسط األمور هذه تعترب‬
‫أمرا صعبا»‪ .‬هذه املالحظة من كالوزفيتز تسمح بالحديث عن مفهوم «التوتر»‬
‫(أو االحتكاك)‪ .‬إن الفعل االسرتاتيجي يتعارض ليس فقط مع عدم إمكانية التنبؤ‬
‫بالتنفيذ فقط‪ ،‬بل يتعداه أيضا إىل فعل الخصم‪ .‬ثانيا إن تطبيق االسرتاتيجية مير‬
‫عرب عدة مستويات (من دائرة صانعي القرار إىل املخططني واملنفذين‪ ،‬ومن مرسح‬
‫العمليات إىل مفهوم التعهدات)‪.‬‬
‫ترتبط هذه املستويات من الناحية النظرية بعضها ببعض‪ ،‬مبعنى أن منطق‬
‫كل منها يعتمد عىل املستوى األعىل ويتحكم يف املستوى األدىن‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬نادرا‬
‫ما تكون هذه الحلقة التسلسلية ‪ -‬الزمنية واملكانية ‪ -‬يف انسجام(‪ .)28‬ولذلك يكون‬
‫أحد التحديات االسرتاتيجية هو ضامن التامسك فيام بينها يف كل األحوال‪ ،‬وضامن‬
‫االتساق بني الوسائل والغايات‪ .‬من هاتني املالحظتني ميكننا استنباط الصعوبة‪ ،‬أو‬
‫لنقل استحالة‪ ،‬التحكم الدقيق يف آثار القوة لتحقيق أهداف محددة‪ .‬وبالتايل فإن‬
‫ديناميكية االسرتاتيجية تعتمد بشكل كبري عىل ديناميكيات الحرب نفسها‪ .‬يف الواقع‬
‫يكون االتجاه املستقبيل للبحث هو دمج ظواهر التغذية املرتدة يف التحليل‪ ،‬سواء‬
‫تعلق األمر باآلثار التي تقوض استمرار اسرتاتيجية محددة (أي االرتجاع السلبي) أو‬
‫تلك التي تساندها تدريجيا (أي االرتجاع اإليجايب)‪ .‬ميكن أن يؤدي تجاهل االرتجاع‬
‫السلبي إىل التقليل من شأن العالقة السببية‪ ،‬يف حني أن تجاهل االرتجاع اإليجايب قد‬
‫يؤدي إىل املبالغة يف تقدير القيمة‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫وألن التحليل ميكن أن ينطلق من جانب األطراف الفاعلة‪ ،‬وألن البحث عن‬
‫خياراتهم يستند إىل وضع معني‪ ،‬فإن تعريف منطق الفعل يجعل من املمكن‬
‫استعادة العقالنية من وجهة نظرهم‪ .‬وبالتايل ميكن تحديد املعنى العام الذي‬
‫يعطيه الفاعل للنضال املسلح‪ ،‬وكذلك ميكن تحليل تطورات هذا املعنى وأيضا‬
‫االختالفات املتعلقة به‪ .‬وبعبارة أخرى ميكن إنتاج فهم ديناميكيات تخص الفاعل‬
‫الجامعي املتورط يف الرصاع‪ .‬تعتمد لور باردييس ‪ Laure Bardiès‬عىل التمحور‬
‫حول الرهانات واألهداف والوسائل القرتاح التمييز بني منطق الحرب الشاملة‬
‫ومنطق الحرب املحدودة‪ .‬فكلام كان الرهان أكرث حيوية‪ ،‬كانت األهداف أكرث‬
‫نزوعا إىل أن تكون محددة من حيث املقاييس املطلقة‪ ،‬وكلام زادت رغبة املرء يف‬
‫تعبئة جميع القوى(‪.)29‬‬
‫وتعد العالقة بني املقاييس الثالثة ديناميكية‪ :‬حيث ميكن للرهانات أن ترتفع‬
‫بشكل مصطنع‪ ،‬وميكن للمجتمع واملؤسسات العسكرية مقاومة التعبئة العامة‬
‫للوسائل‪ ،‬وميكن أن ُتعدّل األهداف صعودا أو هبوطا‪ .‬هذا النموذج التحلييل يجعل‬
‫من املمكن فهم املنطق املوجه إىل الرصاع املتصاعد‪ ،‬وفهم الطريقة التي تنتج‬
‫بها كل من االسرتاتيجية والحرب ديناميكيتها الخاصة‪ .‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬فإن هذا‬
‫النموذج يسلط الضوء عىل حقيقة أن الجهات الفاعلة يف النزاع‪ ،‬والذين ال يعربون‬
‫عن املعنى نفسه عند تناولهم ملفهوم الرصاع‪ ،‬ال مييلون بالرضورة إىل اللجوء إىل‬
‫األسلوب الحريب نفسه‪.‬‬
‫ميكن للمرء أيضا أن يحدد نقطة انطالق النسق االسرتاتيجي من خالل وضع‬
‫تعريف للعالقات بني املتحاربني‪ .‬يف هذه الحالة تعتمد الديناميكيات االسرتاتيجية‬
‫عىل تفاعالتها‪ .‬الحرب ليست معطى ميكن من خالله استخالص االسرتاتيجيات‪ ،‬ولكن‬
‫االسرتاتيجيات بالتأكيد هي التي تتناول قضية الحرب وتعمل عىل إشعال فتيلها‪.‬‬
‫توضح مواجهة منطق الفعل كيف ميكن ألمد الرصاع أن يتفاقم أو أن ميتد‪ ،‬خصوصا‬
‫عندما تتعارض الرهانات غري املتامثلة‪ .‬كام ميكن فهم السقوط يف هوة التدخالت‬
‫الخارجية املعارصة بسبب عدم متاثل هذه الرهانات‪ .‬من ناحية أخرى ‪ -‬وكام يوضح‬
‫توماس شيلينغ بأسلوب شديد اللهجة ‪ -‬ميكن تعريف الوضع االسرتاتيجي بأنه لعبة‬
‫تقوم عىل الرتابط املتبادل بني املتحاربني‪ .‬وبالتايل بقدر ما تدلل أفعالهم االسرتاتيجية‬
‫‪76‬‬
‫األطراف الفاعلة يف العملية االسرتاتيجية‬

‫عىل وجود رصاع فإنها تعرب عن شكل من أشكال التعاون(‪ .)30‬ووفقا لشيلينغ فإنه‬
‫بإنشاء املكونات التي تعمل عىل تشكيل منوذجني الثنني من الالعبني بحيث يتمتع‬
‫كل منهام بخيارين‪ ،‬فليس بالرضورة أن ميثل التقارب بني هذه الخيارات (كنقطة‬
‫مركزية) الحل األمثل‪ ..‬ويكمن تفسري هذا األمر يف ضعف التواصل بشأن نوايا كل‬
‫العب‪ ،‬وأيضا يف انعدام اليقني الناتج عن ذلك‪ .‬من هنا ينتج أمران‪ :‬من ناحية إن‬
‫الخطر الناجم عن ترك عبء القرار عىل الخصم تقابله سيطرة بكلفة أقل‪ .‬كام‬
‫ميكن‪ ،‬من ناحية ثانية استخدام القوة أيضا بوصفها أداة للتفاوض والتأثري‪.‬‬
‫إن االهتامم بالديناميكيات االسرتاتيجية يعني أيضا النظر يف العالقة بني النوايا‬
‫واألفعال وما يتعلق بهام من تأثري‪ .‬فإذا كان دور االسرتاتيجية هو إنتاج هذه التأثريات‬
‫من أجل التحقق من النوايا‪ ،‬فلن يحدث ذلك بالرضورة بطريقة خطية‪ .‬وميكن تفسري‬
‫ذلك‪ ،‬من بداية املرحلة‪ ،‬باستحالة أي عملية تنبؤ تتعلق باستكامل األهداف‪ .‬ويف جميع‬
‫األحوال‪ ،‬ميكن أن يقيس الحساب االسرتاتيجي‪ ،‬بكل تأكيد‪ ،‬احتاملية املخاطر وضامن‬
‫التكلفة املتفق عليها أكرث من حتمية جني املنفعة املتوقعة لفعل معني‪ .‬ويعتمد ذلك‬
‫عىل املنفعة أكرث من اعتامده عىل الكفاءة‪ .‬كام ميكن‪ ،‬يف مرحلة الحقة‪ ،‬أن تسبب‬
‫الظروف املعرفية أو الثقافية إعاقة دمج الوسائل مع الغايات‪ .‬يف هاتني املرحلتني‪،‬‬
‫تعتمد االسرتاتيجية عىل نظرية االنتصار التي وضعها ُصناع القرار‪ ،‬أي املفهوم الذي‬
‫يصوغونه للداللة عىل طريقة إنتاج األفعال العسكرية للعواقب السياسية(‪ .)31‬أخريا‪،‬‬
‫يأيت يف املرحلة الثالثة تطبيق االسرتاتيجية وما يشوبه من مخاطر تنظيمية أو سياسية‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬يعتمد هذا التطبيق أيضا عىل تقديم تنازالت أو إدارة التحالفات أو التكيف‬
‫مع سياق متغري‪ .‬وكام يوضح ريتشارد بيتس ‪ ،Richard Betts‬يجب أن تؤدي كل‬
‫هذه العقبات إىل إعادة النظر يف ما ميكن للقوة أن تحققه بالفعل(‪.)32‬‬
‫يزيد من قوة هذه املالحظة تحليل ديناميكيات الرصاع‪ .‬ففي الوقت الذي‬
‫تتطور فيه أدبيات وفرية تتعلق بهذا املوضوع‪ ،‬يسعى قليل من الباحثني إىل‬
‫استخالص العرب من هذه األدبيات ملصلحة الدراسات االسرتاتيجية‪ .‬هذا هو شأن‬
‫ديفيد كيلكولني ‪ ،David Kilcullen‬عىل سبيل املثال‪ ،‬أو إميل سيمبسون ‪Emile‬‬
‫‪ .Simpson‬بالنسبة إىل ديفيد كيلكولني‪ ،‬ينتج غموض االسرتاتيجية عند التعرض‬
‫للرصاعات املعارصة عن مظاهر متعددة األبعاد وأيضا عن جوانب لالعتامد املتبادل‬
‫‪77‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫تتعلق باملجاالت التي يجب عىل االسرتاتيجية التعامل معها‪ .‬وهكذا تجتمع يف‬
‫العراق يف العام ‪ 2006‬عوامل التمرد والحرب األهلية ووجود املنظمة الجهادية‪.‬‬
‫وألن اتخاذ فعل معني تجاه واحدة من هذه املشاكل وما لهذا الفعل من مردود عىل‬
‫املشاكل األخرى‪ ،‬سيكون من املستحيل حل كل واحدة منها عىل حدة‪ .‬األخطر من‬
‫ذلك‪ :‬أن هذه املشاكل الثالث تعزز بعضها بعضا وتغذي التحدي البنيوي الذي يعد‪،‬‬
‫يف املقابل‪ ،‬رشطا إلمكانية استفحالها يف ظل علمنا بعجز الدولة(‪.)33‬‬
‫أما عن إميل سيمبسون‪ ،‬فإنه يعتمد عىل قراءته لكالوزفيتز عن الحرب‪ :‬إذ يرى‬
‫أن توظيف الحرب بوصفها أداة سياسية يحدث فقط يف حالة غياب املعنى الجوهري‬
‫للقوة مادامت القوة ليس لها معنى جوهري‪ ،‬بل تعتمد عىل التفسري املعطى لها‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإن القدرة عىل تحويل الفعل العسكري إىل نتيجة سياسية تعتمد عىل وجود‬
‫عدو محدد بالقدر الكايف بحيث ُتوضع األهداف يف غري مصلحته‪ .‬إن زيادة االهتامم‬
‫باالسرتاتيجية (من جانب مختصني قادرين عىل تقديم التفسري الرضوري الستخدام القوة‬
‫ووضع تقييم يف مرحلة نهائية) يؤدي إىل وضع قيود عىل توظيف هذه اآللية‪ .‬من ناحية‬
‫أخرى فإن صعوبة وضع تعريف ملعسكرين معروفني ومتعارضني إىل أبعد حد من خالل‬
‫هذه الرصاعات املعارصة تعزز هذه الظاهرة‪ ،‬ومن ثم هي متيل مبارشة إىل الربط بني‬
‫استخدام القوة والتأثريات السياسية‪« :‬فإذا كان بإمكان الجميع أن يدعي النرص من‬
‫الناحية القانونية‪ ،‬فإن الحرب ستصبح أداة غري مجدية متاما من أجل اتخاذ القرار(‪.)34‬‬
‫ونتيجة لذلك تصبح أهمية االسرتاتيجية أمرا نسبيا‪ .‬وسيكون من الصعب تقييم‬
‫التأثري الناجم عن الخيارات املحددة عىل مسار الرصاعات املعارصة‪ .‬فمن ناحية‪،‬‬
‫ميكن لألحداث الطارئة أو للقرارات التي تصدرها بعض الجهات الفاعلة األخرى أن‬
‫تسهم يف وضع تفسري للنتائج التي ُترصد بشكل أفضل بكثري‪ .‬ومن ناحية أخرى‪،‬‬
‫سيكون من املستحيل يف األغلب عزل األفعال الناتجة عن اسرتاتيجية محددة عن‬
‫جميع العوامل التي تنتج ديناميكية معينة(‪ .)35‬ستكون هذه املالحظة صالحة بشكل‬
‫خاص عندما يتعلق األمر باآلثار االسرتاتيجية ملسارح العمليات الخارجية‪ .‬كام أن‬
‫مثة سببا يتعلق بنوع االسرتاتيجية التي ُتنفذ‪ :‬ويتمثل يف طبيعة األهداف السياسية‬
‫املتبعة يف مسارح العمليات املعارصة يستلزم استخدام القوة للتأثري يف الديناميكيات‬
‫السياسية بني األطراف الفاعلة يف الرصاع‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫األطراف الفاعلة يف العملية االسرتاتيجية‬

‫يبالغ هذا النهج يف تقدير القدرة عىل التحكم بفعالية يف تأثريات القوة‪ ،‬من‬
‫جهة‪ .‬وهنا يشكل التصور متعدد األقطاب للنزاع عقبة إضافية‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫يشكل هذا النهج جزءا من الضغوط التي تنتجها رضورات كل من ثنائية املنطق‬
‫السيايس الداخيل والقوى املتداخلة من جانب‪ ،‬إضافة إىل املنطق العسكري عىل‬
‫املرسح‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬ميكن للديناميكيات السياسية الخاصة بالرصاع أن تتخلص‬
‫نهائيا من القيود التي تفرضها اإلرادة والحسابات واألفعال التي تهتم بها القوى‬
‫الخارجية‪ .‬والتزال االسرتاتيجية‪ ،‬والدراسات االسرتاتيجية كذلك‪ ،‬ترتبط بالجهود التي‬
‫تبذلها العقالنية عىل الرغم من عدم وضوح رؤيتها وسعيها إىل اقرتاح تجاوزها‪.‬‬
‫وعىل هذا النحو‪ ،‬فإن التفكري يف األمر باعتباره نسقا غري خطي يعترب خطوة أوىل‬
‫بالتأكيد(‪ .)36‬هناك مجال بحثي آخر يبرش بالخري ويهتم باالستخدام التحلييل املعاكس‬
‫للواقع من أجل تحسني التحكم يف املتغريات وتفاعالتها(‪.)37‬‬
‫يأيت تحليل األطراف الفاعلة والعمليات االسرتاتيجية يف مقدمة التغريات املعرفية‬
‫املعارصة‪ .‬وأهم هذه التغريات عىل اإلطالق هو الوعي بتميز االرتباط املتبادل عىل‬
‫عالقة السببية‪ .‬ففي حني ُتع َّدل العلوم االجتامعية والعلوم السياسية يف عالقة كل‬
‫منهام باملعرفة من خالل النمو املتسارع للبيانات املرادة معالجتها‪ ،‬فإن الدراسات‬
‫االسرتاتيجية يجب أن تتحول بالرضورة إىل االحتاملية إذا كانت تأمل يف الحفاظ‬
‫من جانبها عىل ثنائية القواعد العلمية واملكتسبة‪ .‬وأما التطور الثاين فيتمثل يف‬
‫إعادة التأكيد عىل أولوية الظروف السياسية باعتبارها املحرك الرئييس لصنع القرار‬
‫والتنفيذ االسرتاتيجي‪ .‬إن االستنتاج الذي ميكن أن يستخلص هذا من االسرتاتيجيات‬
‫املعارصة يتعلق بتسليط الضوء عىل صعوبات السيطرة السياسية عىل القوة وآثارها‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ال يجوز الخلط بني العقبات التي تعرتض تنفيذ االسرتاتيجية وبني رفض‬
‫منطقها الخاص‪ ،‬الذي يبدو مثريا للسخرية ومتناقضا بكل تأكيد‪ ،‬عىل رغم استناده‬
‫أيضا إىل أسس دقيقة‪ .‬ومن هذا املنطلق‪ ،‬تظل القراءة واالستخدامات التجريبية‬
‫لتفكري كالوزفيتز نقطة البداية للنظر يف دراسة الحروب وتحليل االسرتاتيجيات أكرث‬
‫من أي وقت مىض‪ .‬أخريا ميكن للبحث الحايل أن يستدل عىل معامله عن طريق‬
‫الرتكيز الحرصي تقريبا عىل الواليات املتحدة (أو الدول الغربية) وأيضا من خالل‬
‫تحليل الكيانات الدولية‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫النظام الدويل والرهانات االسرتاتيجية‬

‫‪4‬‬

‫النظام الدويل والرهانات‬


‫االسرتاتيجية‬

‫فريدريك رامل ‪Frédéric Ramel‬‬

‫ال تقترص قضية مستوى التحليل يف‬


‫العالقات الدولية عىل مسألة املوضوع ذي‬
‫الصلة‪ :‬الدولة واملنظامت الدولية والجهات‬
‫الفاعلة املجتمعية‪ ،‬وقد يتطرق األمر أيضا‬
‫إىل البعد املعريف‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن اختيار‬
‫مستوى التحليل يعادل تحديد العامل‬ ‫«نتيجة عديد من النزاعات الحدودية‬
‫واملالية واالقتصادية‪ ،‬فإن قرار صدام‬
‫التوضيحي‪ .‬هذا ما يجب عىل الباحث أن يدركه‬ ‫حسني بغزو الكويت قبل كل يشء‬
‫يأيت نتيجة النعدام الكفاءة يف تقدير‬
‫متاما عندما يتعرض ملسألة االختيار(‪ .)1‬يتوافق‬ ‫التغيري‪ .‬إن متتع الواليات املتحدة‬
‫بحرية الفعل يجعل القيود التبادلية‬
‫التحليل املنهجي مع أحد مستويات التحليل‬ ‫للنظام الثنايئ القطبية مشلولة؛ إذ‬
‫التي تخص الدراسات االسرتاتيجية‪ .‬يف أطروحة‬ ‫ميكنها تبني اسرتاتيجية مبارشة للحرب‬
‫من دون أن مينعها االتحاد السوفييتي‬
‫الدكتوراه التي نرشها يف العام ‪ 1959‬بعنوان‬ ‫من ذلك»‬

‫‪81‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫«الرجل والدولة والحرب»(‪ ،)2‬يسلط كينيث والتز الضوء عىل ثالث «صور» للتفكري‬
‫يف الحرب‪ ،‬وهي‪ :‬الطبيعة البرشية (املستوى الفردي)‪ ،‬واألنظمة السياسية (املستوى‬
‫الوطني)‪ ،‬والفوىض بني الدول (املستوى الدويل)‪ .‬وبينام يشري إىل رضورة التعبري عن‬
‫املستويات الثالثة يف خامتة أطروحته‪ ،‬إذ به ُيفضل بوضوح املستوى األخري‪ .‬وسوف‬
‫يربر هذا التوجه ويعمقه بعد عرشين عاما من خالل عرضه نظرية النظام الدويل‬
‫الذي يريد له أن يكون أكرث قوة يف النهج الذي يقدمه‪ .‬عىل الرغم من أن التقدم‬
‫الذي أحرزه والتز ال ميكن إنكاره‪ ،‬فإنه ال يخلو من العديد من نقاط الضعف‪.‬‬
‫واليوم‪ ،‬يجب إثراء التحليل املنهجي من خالل املتغريات األخرى من أجل استيعاب‬
‫مفهوم الحرب بشكل كبري‪ :‬وهذا يعني أن استخدام القوة املسلحة ليس مقصورا‬
‫عىل الدول (من حق الدفاع القانوين عن النفس إىل التدخل اإلنساين)‪ ،‬ولكن ميكن‬
‫أن تقوم به الجهات الفاعلة غري الحكومية أيضا‪.‬‬

‫عن بداية التحليل املنهجي‬


‫ُي َعدُّ تطور املذهب املنهجي من مثرات نسق علمي معني يدخل ضمن حقول‬
‫العلوم االجتامعية األمريكية بعد الحرب العاملية الثانية‪ .‬إن الرغبة يف جعل اإلنتاج‬
‫العلمي أكرث رصامة ميكن أن تظهر من خالل تطور املذهب السلويك الذي ُتستَورد‬
‫أدواته من العلوم السياسية‪ .‬يتسع هذا املذهب ليشمل دراسة العالقات الدولية‬
‫يف إطار ما نصفه بـ «النقاش الثاين» يف التاريخ األكادميي بالواليات املتحدة‪ :‬وهو‬
‫النقاش الذي يحتدم بني املحدثني والقدماء‪.‬‬

‫قضية أكادميية‪ :‬املوجة السلوكية يف خمسينيات القرن املايض‬


‫توجد ثالثة مراكز تقف خلف هذا االتجاه الجديد يف العلوم االجتامعية‪ :‬جامعة‬
‫ميشيجان ‪( Michigan‬معهد البحوث االجتامعية)‪ ،‬جامعة كولومبيا ‪Columbia‬‬
‫(مكتب أبحاث العلوم التطبيقية)‪ ،‬وجامعة شيكاغو ‪( Chicago‬مركز أبحاث الرأي‬
‫املجتمعي)‪ .‬ووفقا لفرانسيس بال ‪« ،Francis Balle‬يالحظ املذهب السلويك األشياء‬
‫من الظاهر ويعترب سلوكهم ردود فعل ملطالب مختلفة من البيئة»(‪ .)3‬ومن ثم‪ ،‬فهو‬
‫مبني عىل دراسة ما ميكن مالحظته‪ ،‬أي سلوكيات الفاعلني‪ .‬وتعتمد الطريقة املتفق‬
‫‪82‬‬
‫النظام الدويل والرهانات االسرتاتيجية‬

‫عليها لدراسة السلوكيات عىل كل من البحث الكمي (استطالع الرأي لغرض املعالجة‬
‫اإلحصائية)‪ ،‬والبحث الوصفي (تحليل املحتوى)‪.‬‬
‫يسهم هذا االتجاه البحثي‪ ،‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬يف إدخال التحليل النفيس‪ .‬ومبا‬
‫أنهم يعتزمون تفسري السلوكيات واملواقف القابلة للكشف واملالحظة بشكل مبارش‪،‬‬
‫فإن أصحاب النهج السلويك يستخدمون اإلجراء التايل‪ :‬ا ُملثري‪ /‬االستجابة‪ .‬من هنا كان‬
‫االهتامم بسلوك الفاعل وأنه يف النهاية ليس سوى استجابة ملثري معني‪ .‬من هذا املنظور‪،‬‬
‫فإن املناهج السلوكية تعترب محايدة وغري متحيزة‪ ،‬عندما يتعلق األمر بالحقائق‪.‬‬
‫نظر إليه عىل أنه أكرث من مجرد نظرية‬ ‫وعىل الرغم من أن املذهب السلويك ُي َ‬
‫خاصة تنتمي إىل الحقل املنهجي‪ ،‬فإن السلوكية تشبه التيار الفكري الذي يستثمر‬
‫يف كل العلوم االجتامعية‪ .‬ويستثمر يف العلوم السياسية من املنظور املعريف وأيضا‬
‫الفكري‪ ،‬كام يتضح ذلك من خطاب ديفيد إيستون ‪ David Easton‬يف الذكرى‬
‫الخامسة والستني لجمعية العلوم السياسية األمريكية يف العام ‪.)4(1969‬‬

‫الرواد يف العالقات الدولية‬


‫هذه الرغبة يف أن يكون تحليل الحقائق السياسية أكرث موضوعية ودقة تعمل‪،‬‬
‫يف الوقت نفسه‪ ،‬عىل إثراء العالقات الدولية أيضا‪ .‬ومن بني املدافعني عن األسلوب‬
‫املنهجي الجديد‪ ،‬يوجد العديد من املتخصصني الذين لهم باع كبري‪ :‬مورتون كابالن‬
‫‪ ،Morton Kaplan‬وريتشارد روسكورنس ‪ ،Richard Rosecrance‬وريتشارد هاس‬
‫‪ .)5(Richard Haas‬لقد كان اهتامم الثالثة منصبا عىل مفهوم النظام الدويل ولكن‬
‫باستخدام مصطلحات مختلفة‪.‬‬
‫يركز كابالن عىل نسق الفعل‪ ،‬أي أنه النسق املطابق ملجموعة من املتغريات ‪-‬‬
‫املتميزة عن بيئتها ‪ -‬املرتبطة بطريقة متاثل التكرار السلويك والذي ميكن تحديده‬
‫ليس فقط من حيث إنه ُي ِّيز العالقة الداخلية للمتغريات بعضها عن بعض‪ ،‬ولكن‬
‫أيضا من حيث العالقات الخارجية ملجموعة املتغريات الفردية مع مجموعات من‬
‫املتغريات الخارجية [‪ .]...‬وتتطلب دراسة األنساق دراسة العالقات املتبادلة [‪]...‬‬
‫[بني] املتغريات التالية‪ :‬القواعد األساسية للنسق وقواعد التحويل ومتغريات تصنيف‬
‫الفاعل ومتغريات القدرة ومتغريات املعلومات(‪.)6‬‬
‫‪83‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫يفضل روزكرانس ‪ Rosecrance‬الجانب التاريخي الذي يسمح مبراقبة األنساق‬


‫املتميزة (تسعة بني العامني ‪ 1740‬و‪ ،)1960‬ويقصد بذلك «مجموعات متباينة‬
‫ال ُيحتفظ بأي منها إال فرتة زمنية محدودة وتتميز بتغريات كبرية يف األسلوب‬
‫الديبلومايس»(‪ .)7‬أما بالنسبة إىل هاس ‪ ،Haas‬فهو يقرتح سلسلة من املتغريات‪:‬‬
‫يجب أن تتحقق الدقة املفاهيمية والداللية واإلجرائية عند النظر بعني‬
‫االعتبار إىل‪ - 1 :‬العالقات املتبادلة التي ُحددت‪ ،‬أي طبيعة املدخالت واملخرجات‪.‬‬
‫‪ - 2‬الوحدات املكونة للنسق‪ - 3 .‬بيئة النسق‪ .‬خالف ذلك‪ ،‬ال ميكن اتضاح حدود‬
‫النسق – فمن دون حدود ال يوجد نسق‪ - 4 .‬السامت املهيمنة عىل النسق‪ ،‬أي‬
‫قضية ما إذا كان النسق يف حالة حركة أو يف حالة توازن‪ ،‬أو ما إذا كان مستقرا‬
‫أو ثوريا‪ ،‬وسواء كان مستداما بشكل ذايت أو أنه يستطيع التكيف بطريقة غري‬
‫مسبوقة‪ - 5 .‬البنية التي تسمح للنسق بالعمل‪ .‬وأخريا ‪ - 6‬الوظائف التي من‬
‫املفرتض أن يفي بها النسق(‪.)8‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬وكام يشري مارسيل مريل ‪ ،)9(Marcel Merle‬ميثل نقل مفهوم النسق‬
‫إىل املستوى الدويل خصوصية مزدوج ًة مقارنة باألنساق األخرى‪ ،‬خاصة عندما ُتطبق‬
‫هذه األنساق عىل الفضاء الوطني‪ .‬من ناحية‪ ،‬يخلو هذا النسق من التهيئة البيئية‬
‫باملعنى الدقيق (حيث إنه يتطور يف الفراغ)‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬ال توجد سلطة أعىل‬
‫للدول تسمح بفرض اللوائح‪ .‬يضاف إىل هذه الخصوصيات الصعوبات اإلجرائية‬
‫مبعنى أن هذه التحليالت املنهجية األوىل ال تفرس عىل وجه الحقيقة مدلوالت‬
‫املتغريات (كابالن) أو الروابط بني مختلف األبعاد (هاس)(‪.)10‬‬
‫إن تطور هذا النسق املنهجي يخلق فجوة كبرية بني أنصار الشكل التقليدي‬
‫املنفتح عىل التاريخ والفلسفة من أجل فهم األحداث الدولية وبني املدافعني عن‬
‫النسق املنهجي‪ُ .‬ي َعد هيديل بول ‪ ،Hedley Bull‬الذي ميثل املدرسة اإلنجليزية‪،‬‬
‫أحد أشد املنتقدين لهذا النسق املنهجي(‪ ،)11‬وهو ما ال يجعله يف مأمن من انتقاد‬
‫كابالن بنفسه(‪ .)12‬ومع ذلك‪ ،‬يجب اإلشارة إىل أن املذهب السلويك ال يشكل انشقاقا‬
‫حقيقيا‪ ،‬وال أقل من ذلك‪ ،‬وال حتى ثورة علمية‪ .‬يف نظر هولستي ‪ ،Holsti‬يعمل هذا‬
‫املذهب فقط عىل تطوير التعديالت املنهجية‪ ،‬مع الحرص عىل عدم املساس بجوهر‬
‫الواقعية(‪ .)13‬سيكون من الرضوري انتظار كينيث والتز يك نشاهد التحول الكبري يف‬
‫‪84‬‬
‫النظام الدويل والرهانات االسرتاتيجية‬

‫مجال تحليل النسق املنهجي مقارنة مبا قدمه القدماء من الواقعيني والكالسيكيني‬
‫ورواد مذهب النسق املنهجي‪.‬‬

‫عرص والتز‪ :‬التكريس الشامل‬


‫مع ظهور كتاب كينيث والتز‪ ،‬عىل وجه الخصوص‪ ،‬عن نظرية السياسة‬
‫الدولية(‪ )14‬يف العام ‪ ،1979‬خضعت الواقعية للعديد من التحوالت‪.‬‬
‫ال تقترص إعادة هذا التحول اإلصالحي عىل رفض العامل األنرثوبولوجي‬
‫املهم جدا عند الواقعيني‪ .‬فطموح والتز الرئييس يتمثل يف بناء نظرية‬
‫حقيقية‪ ،‬وهو بذلك يبتعد عن «التفكري الواقعي» الذي ُينظر إليه عىل أنه‬
‫غري إصالحي مبا فيه الكفاية من وجهة نظره وأنه غري قادر‪ ،‬حتى ذلك الحني‪،‬‬
‫عب مرشوع‬ ‫عىل إدخال املكتسبات السلوكية الناتجة عن النقاش الثاين(‪ُ .)15‬ي ِّ‬
‫والتز عن تطوير علم‪ ،‬غري مرتبط باملقوالت األخالقية أو الفلسفية حول‬
‫الطبيعة البرشية‪ ،‬يعي حدوده ويثق باملنهج التجريبي‪ .‬إن تحليل النظام‬
‫الدويل والحرب هو يف صميم استدالله العقيل‪ ،‬الذي [‪ ]...‬يعتمد بشكل‬
‫رئييس عىل متغري مستقل واحد ‪ -‬ميثل أحد قطبي التكوين ‪ -‬ومتغري تابع‬
‫واحد‪ ،‬الحتاملية اندالع حرب بني القوى الكربى(‪.)16‬‬

‫إعادة التمحور حول تأثريات البنية املادية‬


‫يستخلص التحليل الذي أعده والتز عن النسق املنهجي ثالثة مبادئ عىل أساس‬
‫مفهوم الدولة ا ُملت َمح ِورة حول العالقات الدولية‪ ،‬يتوافق املبدأ األول ويعرف باملبدأ‬
‫اآلمر مع الحالة العامة للنظام‪ .‬وألنه ميكن تصنيفه إىل حد ما من الناحية الهرمية أو‬
‫املؤسسية‪ ،‬فاليزال هذا املبدأ يدل بشكل أسايس عىل حالة من الفوىض مبا أنه يفتقر‬
‫إىل سلطة سياسية تفوق الدول‪ .‬بينام يشري الثاين‪ ،‬وهو مبدأ التاميز‪ ،‬إىل التحوالت‬
‫التي ميكن أن تؤثر يف النظام‪ ،‬سواء كان دون النسق املنهجي (تغيري من داخل‬
‫النظام) أو كان ذا طبيعة منهجية (تغيري النظام)‪ .‬فيام يحدد مبدأ التوزيع يف نهاية‬
‫املطاف الوسائل املتاحة لكل فاعل‪ ،‬وبعبارة أخرى القدرة املادية للسلطة‪ :‬الناتج‬
‫املحيل اإلجاميل والحجم الدميوغرايف وخاصة اإلنفاق العسكري‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫يفضل االستدالل العقيل عند والتز املبدأ األخري‪ .‬ولذلك عند تحديد توزيع‬
‫أقطاب القوى يف لحظة معينة‪ ،‬فإنه يعهد إىل النظام ببنية معينة‪ :‬أحادي القطبية‬
‫وثنايئ القطبية أو متعدد األقطاب‪.‬‬
‫يضع والتز العديد من النقاط بني بنية النظام والحرب بني القوى العظمى‪.‬‬
‫كل هذا ُيعترب من إنتاج النهج البنيوي الذي ُيح َّفز إىل أقىص درجة مبا أن نظامه‬
‫يتأ َّلف من مجموعة من القواعد ا ُملل ِزمة التي تحدد سلوك الوحدات عدا ما يتعلق‬
‫بالشخصية وطريقة التنفيذ(‪.)17‬‬
‫أوال‪ُ :‬تعمق الدول مفهوم الضبط االسرتاتيجي حيث ينبغي عىل البنية الفوضوية‬
‫النظر إىل هذا املفهوم بحذر‪ .‬فتسعى هذه الدول إىل تعظيم أمنها وليس إىل‬
‫استعراض قوتها‪ .‬ووفقا لوالتز‪ ،‬تعد العقالنية التي يتبناها هؤالء الفاعلون الدوليون‬
‫يف الدولة مشابهة لتلك التي تطبقها الرشكات يف السوق(‪ .)18‬تسمح هذه العالقة‬
‫األوىل بعدم الربط بني الفوىض وانتشار العنف األعمى‪ ،‬كام أنها تفرسالدعم الذي‬
‫يقدمه والتز لالنتشار النووي(‪ )19‬الذي ُي َعدُّ جزءا من املفهوم املادي للسلطة التي‬
‫متنح األفضلية للبعد العسكري‪ .‬فهو يجمع بني اقتناء السالح النووي وتبني منطق‬
‫الردع (بعبارة أخرى فكرة أن النووي هو املصدر االسرتاتيجي ‪ -‬السيايس وغري‬
‫اإلجرايئ األول وقبل كل يشء)‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يستند تحليل النسق املنهجي عند والتز إىل االرتباط الوثيق بني بنية النظام‬
‫واللجوء إىل القوة املسلحة‪ .‬وتتيح حرب الخليج يف العام ‪ ،1991‬عىل سبيل املثال‪،‬‬
‫فهم هذا األمر‪ .‬إذ يكشف هذا التدخل العسكري‪ ،‬األول يف فرتة ما بعد الحرب‬
‫الباردة‪ ،‬عن تحوالت النظام الدويل‪ ،‬كام أنه يعترب داللة عىل منعطفاته الرئيسية‪.‬‬
‫نتيجة للعديد من النزاعات الحدودية واملالية واالقتصادية‪ ،‬فإن قرار صدام‬
‫حسني بغزو الكويت قبل كل يشء يأيت نتيجة النعدام الكفاءة يف تقدير التغيري‪ .‬إن‬
‫متتع الواليات املتحدة بحرية الفعل تجعل القيود التبادلية للنظام الثنايئ القطبية‬
‫مشلولة‪ .‬إذ ميكنها تبني اسرتاتيجية مبارشة للحرب من دون أن مينعها االتحاد‬
‫السوفييتي من ذلك‪ .‬وفقا للوسيان بوارييه ‪:Lucien Poirier‬‬
‫ُألغي النظام الفرعي القديم بني الواليات املتحدة واالتحاد السوفييتي‪ :‬إن‬
‫حرية الفعل التي متكنت إحدى القوتني العظميني من استعادتها وتتعلق بالقيود‬
‫‪86‬‬
‫النظام الدويل والرهانات االسرتاتيجية‬

‫القطبية الثنائية ُتث ِبت بالدليل‪ ،‬عىل ال َّرغم من وجود متحفظني‪ ،‬أن خروجها من‬
‫الحرب الباردة منترصة ُيدين القوة العظمى ا ُملنا ِفسة بأداء دور ثانوي‪ .‬هذا النرص‪،‬‬
‫املكتسب بالفعل والذي اليزال محل خالف يف الرأي ومن ثم سيكون غري ُمج ٍد من‬
‫عتب بالغ األهمية‬‫الناحية املوضوعية إذا مل ُتد َرس حقيقة حرب الخليج‪ ،‬ميكن أن ُي َ‬
‫يف الظاهر بسبب هذه الحرب(‪.)20‬‬
‫وأخريا‪ ،‬يؤسس والتز لعالقة تربط بني استقرار النظام وعدد الجهات الفاعلة(‪.)21‬‬
‫حيث تكون التوقعات املتعلقة بترصفات اآلخر أسهل يف ِبنية تتأ َّلف من عدد‬
‫محدود من الالعبني‪ .‬ولهذا يفضل والتز الثنائية القطبية التي يصفها بأنها األكرث‬
‫استقرارا من بني جميع أشكال األنظمة الدولية(‪ .)22‬إذ إنها تتطلب تعاونا وثيقا بني‬
‫القوتني العظميني‪ ،‬األمر الذي يحول دون زيادة التطرف‪ ،‬خاصة يف ظل تأثري الردع‬
‫النووي‪ .‬عىل النقيض من ذلك‪ ،‬فإن بنية متعددة األقطاب ال ُي ْحتَفظ فيها باألسلحة‬
‫النووية يف جميع الدول التي تشكل هذه القطبية ُتفضل املفاهيم السيئة؛ ألن‬
‫الحكام ال ميلكون القدرة عىل توقع ترصفات جميع الجهات الفاعلة األخرى‪:‬‬
‫يف عامل متعدد األقطاب بشكل توافقي‪ ،‬تتضاعف الصعوبات ألن دولة ما يجب‬
‫أن ُتقارن قواتها بعدد كبري من الجهات الفاعلة األخرى‪ ،‬ويجب عليها أيضا أن تقدر‬
‫قوة التحالفات املحتملة أو الحالية‪ .‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬يف عامل توافقي‪ ،‬ال ميكن ألي نوع‬
‫من األسلحة أن يهيمن‪ ]...[ .‬يف عامل توافقي‪ ،‬من الصعب تجنب األخطاء الحسابية(‪.)23‬‬
‫هذا هو السبب يف أن تشاؤم والتز الشديد ناتج عن عواقب التخيل عن الثنائية‬
‫القطبية‪ .‬حيث إن نهاية الحرب الباردة تعني العودة إىل شكل من أشكال توازن‬
‫القوى من شأنه تعزيز عدم االستقرار‪.‬‬

‫قيود جوهرية‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن تحليل والتز‪ ،‬ال يخلو من نقاط ضعف‪ .‬يتعلق القيد األول‬
‫بتصنيف البنية التي يقوم عىل إعدادها‪ ،‬إذ ال يقترص األمر عىل عدم تحديد عدد‬
‫الجهات الفاعلة يف التكوين متعدد األقطاب‪ ،‬ولكنه أيضا ال يحدد الفئة املتوسطة‬
‫بني هذه البنية والقطبية الثنائية‪ .‬بيد أن هذا املستوى املتوسط الذي ميكن وصفه‬
‫بالقطب املنفرد وبأنه غري متعدد األقطاب يسمح بتحديد أنظمة معينة‪ .‬ووفقا‬
‫‪87‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫لجني بايشلر ‪ ،Jean Baechler‬فإن هذه األنظمة تتمتع بخصوصية تفضيل الضبط‬
‫االسرتاتيجي املتعلق بالالعبني‪ :‬فال ميكن ألي وحدة سياسية أن تسود مبفردها يف‬
‫مقابل التحالفات األخرى‪ .‬وألنها تتكون من خمسة إىل عرشة العبني‪ ،‬فمن الرضوري‬
‫أن مييل القطب املنفرد إىل مفهوم التعاون‪ ،‬وخصوصا «أن يكون لديه الباعث العام‬
‫عىل احرتام وتطبيق القانون»(‪ .)24‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬يرفض والتز فكرة وجود عامل‬
‫منعدم القطبية‪ ،‬األمر الذي من شأنه أن ُيشكك يف مجموع أعامله النظرية‪ .‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬قد تتعرض ديناميكية االستقطاب نفسها لحالة من الضعف مبا أن إنشاء‬
‫كيانات مستقرة ُتعترب اليوم إشكالية(‪.)25‬‬
‫أما عن القيد الثاين‪ ،‬فيكمن يف التفسري املبالغ فيه لطبيعة القطبية الثنائية‬
‫الثابتة‪ُ .‬يظهر التحليل التاريخي أن الكارثة النووية التزال متثل الهاجس الذي ظل‬
‫يالزم فرتة الحرب الباردة‪ .‬حيث ال تشكل أزمة كوبا ذروة ذلك األمر عىل الرغم‬
‫من أنها تستلزم تبني ديبلوماسية تقوم عىل أساس التشاور الشامل بني القوتني‬
‫العظميني‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬ال تقدم السيادة املشرتكة بني الواليات املتحدة‬
‫واالتحاد السوفييتي مالمح منوذج قوي فرتة طويلة‪ ،‬وهذا مييز التوازن غري املستقر‬
‫للفرتة املمتدة من العام ‪ 1963‬إىل العام ‪.)26(1980‬‬
‫عالوة عىل ذلك‪ ،‬مل يهتم والتز نهائيا مبراحل وآليات التغيري بني األنظمة‬
‫الدولية‪ .‬وهكذا فإن اندماج هذه اآللية الديناميكية يرتبط بروبرت غيلبني‬
‫‪ ،)27(Robert Gilpin‬أحد رواد املذهب الواقعي الجديد‪ .‬وألنه يدعو إىل تنشيط‬
‫االقتصاد السيايس الدويل والواقعية الجديدة‪ ،‬فإن هذه الواقعية الجديدة تعمل‬
‫عىل تحديد دورات تاريخ العالقات الدولية‪ ،‬حيث تتميز كل دورة بالهيمنة التي‬
‫متارسها الدولة (أي التي تتعلق برتكيز وسائل القوة املادية مبا فيها القوة االقتصادية‬
‫والعسكرية عىل حد سواء)‪ .‬وهكذا تتمتع هذه الدولة بالتفوق التكنولوجي بفضل‬
‫االستثامرات الكبرية يف مجال البحث والتطوير‪ .‬يستهدف هذا املرشوع املتطور‬
‫للدولة بناء ومتابعة أدوات الدفاع الفعالة‪ .‬ومع ذلك فإن كل ُمهي ِمن مييل تدريجيا‬
‫إىل جعل قدراته العسكرية يف وضع ُمتميز يفوق االبتكارات التكنولوجية املتقدمة‬
‫عىل الرغم مام ُتض ِفيه التكنولوجيا عىل هذه القدرات من الحضور القوي‪ .‬إن نهاية‬
‫كل دورة من تاريخ العالقات الدولية تنتهي بحرب من أجل فرض الهيمنة بني من‬
‫‪88‬‬
‫النظام الدويل والرهانات االسرتاتيجية‬

‫فس تغيري‬‫يدعي الهيمنة (الذي تتوسع قاعدته يف البحث والتطوير) وا ُملهي ِمن‪ُ .‬ي َّ‬
‫النظام هنا عن طريق تحول مصادر القوة املادية‪ .‬إن تحليل هذا التغيري أيضا‬
‫يعترب يف صميم الربنامج املتجدد للمدرسة اإلنجليزية يف العالقات الدولية‪ ،‬عىل‬
‫الرغم من أنه ُيتَناول من منظور مختلف ألنه يتضمن فكرة املجتمع‪ .‬وبالفعل‬
‫يرص هيديل بول ‪ Hedley Bull‬عىل أن املجتمع الدويل ال يقترص عىل حساب‬
‫التوقعات املرتبطة بترصفات اآلخرين (تأثري النظام)‪ ،‬لكنه يشتمل أيضا عىل القواعد‬
‫واملؤسسات واملصالح املشرتكة‪ .‬بالنسبة إىل باري بوزان ‪ ،Barry Buzan‬أصبح هذا‬
‫املجتمع عامليا أكرث فأكرث(‪.)28‬‬
‫أخريا‪ ،‬من وجهة النظر املعرفية‪ ،‬يصطدم التحليل الذي اقرتحه والتز بعقبتني‪.‬‬
‫أوال أن إعادة الرتكيز عىل تأثريات البنية املادية‪ ،‬أي توزيع قدرات القوة‪ ،‬يؤدي إىل‬
‫صياغة قيد ميكانييك يتعلق بسلوكيات الدول‪ .‬كام ُتعترب تأثريات النظام بعيدة إىل‬
‫حد كبري عن كونها خطية‪ .‬وبقدر أكرب‪ ،‬ميكن «للغة من حيث املتغريات املستقلة‬
‫والتابعة والفعل االستجابة للفعل والقوى والعوامل املنفصلة أن تكون خاطئة عند‬
‫تطبيقها عىل النظام»(‪ .)29‬ثانيا‪ ،‬إن والتز ال يأخذ يف اعتباره التحكم اإلدرايك الحيس‬
‫من أجل وصف تأثريات البنية أو حتى نتائج هذا التحكم بنفسه عىل بنية النظام‪،‬‬
‫وهي العنارص التي يجب أن تؤخذ يف االعتبار (كام يشري كينيث بولدينغ)‪:‬‬
‫تشكل صورة الواقع جزءا حيويا من النظام الدويل‪ ،‬الذي ال ميكن فهمه‬
‫من دونها‪ .‬كل أولئك الذين يتعني عليهم اتخاذ القرارات لديهم صورة معينة‬
‫عن دولهم والدول األخرى‪ :‬القوة الحالية واملحتملة والعداء والصداقة وطبيعة‬
‫التهديدات والتطور املحتمل‪ ...‬إلخ‪ُ .‬تتَّخذ القرارات عىل أساس هذه الصور‪ ،‬وليس‬
‫يف ضوء الواقع(‪.)30‬‬
‫لقد ك ّرس روبرت جريفيس ‪ Robert Jervis‬نفسه لهذه العالقات التي تربط بني‬
‫اإلدراك الحيس والنظام الدويل‪.‬‬
‫َيكمن ضمن إطار هذه األحاديث النقد البنَّاء الذي أطلقه ألكسندر ويندت‬
‫‪ Alexander Wendt‬يف مواجهة والتز‪ .‬فبالنسبة إىل ويندت(‪ ،)31‬ال تعد بنية النظام‬
‫الدويل مادية ولكنها ذات طبيعة تفاعلية‪ ،‬حيث إنها تتكون من قواعد ومعارف‬
‫وتوقعات مشرتكة بشكل أو بآخر تتعلق بدور كل دولة يف النظام الدويل‪.‬‬
‫‪89‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫وبعبارة أخرى‪ ،‬تشري البنية إىل ثقافة الفاعلني (أي الدول بالنسبة إىل ويندت)‬
‫التي تعمل وفقا لدالالت مختلفة‪ .‬فالفوىض ستصبح ليس فقط مجرد معطيات بل‬
‫ستكون ثقافة ناتجة عن تفاعل الدول‪ .‬يتحدث ويندت عن ثالث ثقافات‪ :‬ثقافة‬
‫الفوىض كام روج لها توماس هوبز ‪( Thomas Hobbes‬أي الثقافة القامئة عىل‬
‫فكرة حالة الحرب بني الدول)‪ ،‬وثقافة جون لوك ‪( John Locke‬املبنية عىل أساس‬
‫التنافس) وثقافة إميانويل كانط ‪( Emmanuel Kant‬التي تنبني عىل قيم الصداقة‬
‫وما تتضمنه من ضامنات بعدم قيام أي دولة بشن مواجهة باستخدام األسلحة)‪.‬‬

‫ما وراء تأثريات البنية‬


‫فضل تحليل النسق املنهجي التفاعالت بني الوحدات السياسية‪ .‬ومع ذلك قد‬ ‫ُي ِّ‬
‫يؤ ِّثر التدبري املزدوج يف االستدالل العقيل‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬تنتج هذه التفاعالت حرصيا‬
‫من تقاسم قدرات السلطة‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬فإن الوحدات السياسية ستكون هي‬
‫الجهات الفاعلة الوحيدة‪ .‬ووفقا للقول املأثور بأن النظريات الجيدة تنترش عن‬
‫طريق تبسيط األمور‪ ،‬فقد يشارك هذان الخياران طواعية يف إرجاع هذا الواقع‬
‫الدويل إىل مجرد بعض العوامل التأسيسية‪ .‬ولهذا فإن تحليل النسق املنهجي بوصفه‬
‫مصدرا للتفكري يف الحرب ال ميكن أن يقترص عىل هذه العوامل التأسيسية‪ .‬فالنظام‬
‫الدويل له بعدان آخران‪ :‬خصائص ومكونات‪ ،‬فيتداخل البعدان لفهم حقيقة الحرب‪.‬‬

‫الحروب وطبيعة النظام‬


‫من الصعب وضع ترتيب لنهج العالقات الدولية الذي يقرتحه رميوند آرون ضمن‬
‫التصنيف الحايل‪ ،‬مبا يف ذلك الواقعية (سواء الكالسيكية أو الكالسيكية الجديدة)(‪.)32‬‬
‫يظهر هذا التميز أيضا من خالل طريقة التعامل مع النظام الدويل‪ ،‬حيث ُيقدم‬
‫السالم والحرب بني الدول العديد من األدوات لفهم هذا النظام ولكن‪ ،‬عىل عكس‬
‫والتز عىل سبيل املثال‪ ،‬يرفض آرون تقييد هذا النظام يف الحدود ا ُملكونة لعالقات‬
‫القوة‪ ،‬أي تقسيم السلطة‪ .‬يرص آرون (عىل البعد الثاين بالغ األهمية أيضا يف نظره‬
‫لفهم الحروب‪ :‬أي طبيعتها‪ .‬قد تكون هذه الطبيعة إما متجانسة وإما غري متجانسة‪:‬‬
‫أقول إن األنظمة املتجانسة تعني تلك األنظمة التي تنتمي إليها الدول‬
‫‪90‬‬
‫النظام الدويل والرهانات االسرتاتيجية‬

‫املتشابهة والتي تخضع للمفهوم السيايس نفسه‪ .‬أما األنظمة غري املتجانسة‪ ،‬عىل‬
‫العكس من ذلك‪ ،‬فهي األنظمة التي تنتظم فيها الدول وفقا ملبادئ أخرى وتطالب‬
‫بقيم متناقضة(‪.)33‬‬
‫يهدف هذا البعد إىل تحديد التقارب بني األنظمة السياسية من منطلق القيم‬
‫أو‪ ،‬عىل نطاق أوسع‪ ،‬من حيث الدور الذي متارسه الثقافة أو اآلداب‪ .‬من الصعب‬
‫جدا التعامل مع هذا البعد عىل املستوى املنهجي(‪ .)34‬ومع ذلك‪ ،‬يحدد آرون‬
‫العديد من العالقات‪ .‬فالتجانس ضامن ملزيد من االستقرار‪ ،‬إذ إنه يحد من العنف‬
‫الذي تؤيده الدول‪ .‬كام أنه يحول دون تفاقم الكراهية التي تجعل من اآلخر‬
‫عدوا يستحيل التفاوض معه‪ .‬كام يضمن القدرة عىل التنبؤ مبواقف الحكام‪ .‬وعىل‬
‫العكس يفيض عدم التجانس يفيض إىل اشتعال الحروب من دون أن يكون هناك‬
‫تقاسم لقواعد مشرتكة‪.‬‬
‫إن املثال الذي يجسد تأثري طبيعة النظام الدولية يف التفاعالت االسرتاتيجية‪،‬‬
‫والذي يتوافق مع ما حدث يف القرنني الثامن عرش والتاسع عرش‪ ،‬ميكن تفسريه من‬
‫خالل الحروب الثورية آنذاك وحروب اإلمرباطورية التي نتجت عن عدم تجانس‬
‫النظام الدويل األورويب الذي أدخلته قيم الثورة الفرنسية‪.‬‬
‫يف البداية‪ ،‬مل تسبب الثورة الفرنسية التدخل املسلح كام أكد ذلك إعالن‬
‫الجمعية التأسيسية يف ‪ 22‬مايو ‪ .1790‬ولكن بتأثري من الجريوند ‪،Gironde‬‬
‫ُأصدر مرسوم ‪ 19‬نوفمرب ‪ 1792‬الذي أقر مبدأ األخوة القلبية الذي ُي َعدُّ الباعث‬
‫الرئييس لنرش مبادئ النظام الجديد‪ .‬وقد شكلت هذه الحرب الشاملة ضد‬
‫امللوك رضورة ليس فقط من أجل بعث الجمهورية الشابة‪ ،‬ولكن أيضا‪ ،‬وبشكل‬
‫خاص‪ ،‬من أجل مساعدة «كل الشعوب التي تريد اسرتداد حريتها»‪ .‬وألن الحرب‬
‫مرتبطة بثورة شعبية يف حدود ما يسمح به النظام الجمهوري‪ ،‬فإن هذا القرار‬
‫يكشف عن أهمية العامل األيديولوجي يف اندالع الحروب يف هذه الفرتة‪ .‬يف‬
‫الجانب اآلخر فإن املؤمتر األورويب الذي ُأعلن عنه يف فيينا يف العام ‪ 1815‬عىل‬
‫أنه نظام دويل إمنا يطمح بالدرجة األوىل إىل استعادة التجانس الدويل املفقود‪:‬‬
‫النظام املليك‪ .‬وألنه يسيطر عليه املحافظون‪ ،‬فقد أراد مرتنيش ‪Metternich‬‬
‫أن يكون أكرب مهنديس هذا النظام الجديد الذي يصفه بالحفلة املوسيقية‪ .‬وقد‬
‫‪91‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫جاء اقرتاح فكرة الحفلة بغرض التغلب عىل أي تحالف بسيط من أجل تسليط‬
‫الضوء عىل التضامن من منطلق ِق َيمي‪.‬‬
‫إن دراسة األثر املرتتب عىل طبيعة النظام الدويل فيام يتعلق بالحروب املعارصة‬
‫ليست باألمر السهل؛ ألنه من الصعب وضع توصيف دقيق لهذه الطبيعة‪ .‬ال يتضمن‬
‫النظام العاملي بعدا واضحا سواء كان متجانسا أو غري متجانس‪ .‬وهكذا تؤيد الدول‬
‫الناشئة مثل الصني الرأساملية‪ ،‬حيث يوجد تقارب كبري مع القوى الغربية‪ ،‬يف حني‬
‫أن املؤرخني االقتصاديني يؤكدون منذ عقود عدم التوافق بني قيم الحضارة الصينية‬
‫والرأساملية‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬تقبل هذه الجهات الفاعلة الدولية قواعد اللعبة‬
‫الدولية كام هو محدد يف مبادئ وستفاليان ‪ُ .Westphalian‬تعترب مبادئ االستقالل‬
‫الوطني والسيادة وعدم التدخل يف الشؤون الداخلية أساسية من جانب قادة هذه‬
‫الدول‪ :‬األمر الذي يدل عىل التزام التنشئة االجتامعية بالقيم السياسية الغربية‬
‫النابعة من الحداثة األوروبية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬التزال االزدواجية وحتى حدة التوترات‬
‫ذات داللة معيارية‪ .‬ولهذا تدعو العديد من القوى الغربية إىل إعادة وضع تعريف‬
‫ملربرات التدخالت املسلحة باسم حامية حقوق اإلنسان‪ ،‬كأحد مبادئها التأسيسية(‪.)35‬‬
‫بيد أن الدول الناشئة تعرب عن انتقاداتها لهذه األفعال التي تعترب‪ ،‬من وجهة‬
‫نظرهم‪ ،‬تدخال ُمقنّعا يف صورة تدخالت ألغراض اإلنسانية‪ .‬إن هذه االختالفات يف‬
‫التفسري املرتبطة مبفهوم القانون والقيم تعترب العامل الذي يجب أن ُيؤخذ بعني‬
‫االعتبار لفهم حقيقة الحرب‪.‬‬

‫الحروب و ُمكونات النظام‬


‫وفقا مليشيل بريرش ‪Michael Brecher‬‬
‫من الخطر أن نعتقد أن األفيال أعضاء وحيدة يف النظام‪ ،‬ومن الخطر أيضا أن‬
‫نتجاهل السناجب التي تنخدع يف هذه الفرضية املضللة والتي تقول إن جميع‬
‫أفعالها مرتبطة بأفعال األفيال(‪.)36‬‬
‫عىل عكس املفاهيم املستوحاة من النهج الواقعي‪ ،‬فإن هذه املالحظة تعد‬
‫أمرا رضوريا‪ .‬غالبا ما ُيظهر تاريخ االسرتاتيجية الحاالت التي تتصدى فيها الجيوش‬
‫املنظمة ملقاومة وملواجهة فاعلني أقل يف العدد وأضعف يف القدرات‪ .‬فالقوة ال تصنع‬
‫‪92‬‬
‫النظام الدويل والرهانات االسرتاتيجية‬

‫كل يشء‪ .‬والتزال الحالتان العراقية واألفغانية يف العقد األول من القرن الحادي‬
‫والعرشين توضحان هذه الظاهرة الحديثة‪ .‬إن عدم قدرة الواليات املتحدة عىل‬
‫تحقيق أي انتصار اسرتاتيجي أو سيايس يكشف عن مكمن الضعف لدى الفاعل‬
‫الدويل الذي يتمتع بأفضل املوارد املادية وامليزانية‪ .‬ولذلك ال يشتمل النظام عىل‬
‫دول فقط‪ ،‬أي الوضع الذي يدخل يف نطاق وصف البعد الثالث والذي نقرتح أن‬
‫نسميه «ا ُملك ِّون»‪.‬‬
‫هذا ا ُملك ِّون (من ناحية رقته أو ُسمكه) ال يشري إال إىل عدد الجهات الفاعلة‪.‬‬
‫وألن طبيعته قد تكون سلسة وقد تكون خشنة‪ ،‬فإنها ترتبط أيضا بطبيعة الجهات‬
‫الفاعلة يف النظام الدويل‪.‬‬
‫تعتمد خشونة النظام عىل وجود فاعلني غري دوليني يف اللعبة‪ :‬الرشكات متعددة‬
‫الجنسيات واملنظامت غري الحكومية والجمعيات واملؤسسات والكنائس وحتى عىل‬
‫مستوى األفراد‪ُ .‬يقصد بكل هؤالء الفاعلني «املجتمع املدين» وفقا ملفهومني اثنني‪:‬‬
‫أن ُيوضع تعريف لهذا املجتمع املدين من خالل املصطلحات الحديثة التي يفرضها‬
‫منوذج األنانية الشاملة (أي الترصف وفقا للمصلحة الخاصة ملجموعة ما)‪ ،‬أو أن‬
‫ُيخ َلط بني مصطلح املجتمع املدين ومفهوم املجتمع السيايس (أي الترصف وفقا‬
‫للمصلحة العامة للجامعة‪ ،‬و ُيقصد هنا املصلحة اإلنسانية)‪ .‬يستمر تعداد هذه‬
‫الجهات الفاعلة يف النمو كمنظامت غري حكومية تتمتع بصفة املركز االستشاري‬
‫لدى املجلس االقتصادي واالجتامعي التابع لألمم املتحدة (أقل من ‪ 400‬جهة فاعلة‬
‫يف العام ‪ 1989‬يف حني يبلغ عددها اليوم نحو ‪.)2500‬‬
‫لهذا ا ُملك ِّون ِ‬
‫الخشن تأثريان يف الرهانات االسرتاتيجية املعارصة‪ .‬فأوال‪ ،‬يعمل هذا‬
‫ا ُملك ِّون عىل إثراء‪ ،‬بل يهدف إىل تغيري‪ ،‬أولويات جدول األعامل العاملي ذات الصلة‪.‬‬
‫وعند الحديث عن األنظمة الفرعية (املرتبطة بطبيعة الرهان الذي ُييز النظام‬
‫السيايس االسرتاتيجي)‪ ،‬فإن استنفار هذه الجهات الفاعلة غري الحكومية ُيعزِّز‬
‫وجود عملية ذات مسارين‪ :‬املسار األول يتفق مع توسيع نطاق األمن‪ ،‬أي النظر يف‬
‫التهديدات غري العسكرية (االجتامعية واالقتصادية والبيئية‪ ...‬إلخ)‪ ،‬واملسار الثاين‬
‫يرتبط بتعميق مفهوم األمن‪ ،‬الذي ميكن تلخيصه يف الفكرة التالية‪ :‬مل تعد الدولة‬
‫هي مرجع األمان الوحيد والفريد‪ .‬إن تحرير اإلنسان من الخوف (‪freedom from‬‬
‫‪93‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫‪ )fear‬وتحريره من العوز (‪ )freedom from want‬أصبح الهدف الرئييس‪ُ .‬تشجع‬


‫هذه التحوالت عىل ظهور سياسات تصب يف مصلحة األمن البرشي‪ .‬لقد ُروج لهذه‬
‫السياسات يف تقرير برنامج األمم املتحدة اإلمنايئ (‪ )PNUD‬للعام ‪ 1994‬الذي‬
‫ينص عىل «أن األمر ال يتعلق بقضية التسليح‪ ،‬ولكنه يتعلق بقضية حياة وكرامة‬
‫اإلنسان»(‪ )37‬التي تتطلب‪ ،‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬التعاون بني الدول والجهات الفاعلة‬
‫ذات الطبيعة املتنوعة(‪.)38‬‬
‫األمن البرشي هو أيضا يف صميم مبدأ املسؤولية من أجل الحامية الذي‬
‫صاغته اللجنة الدولية للتدخل وسيادة الدولة يف العام ‪ ،2001‬والتي ُحددت‬
‫خصائصها يف إعالن الجمعية العامة لألمم املتحدة يف العام ‪ .2005‬وبعيدا عن‬
‫كونها مقترصة عىل مصدر جديد للتدخل املسلح‪ ،‬فإن املسؤولية من أجل الحامية‬
‫هي أوال وقبل كل يشء أداة للوقاية يجب عىل الدول دمجها يف سياساتها األمنية‬
‫الداخلية الخاصة بها‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فإن تحليل ُمك ِّون النظام يجعل من املمكن إبراز وجود الجهات‬
‫الفاعلة املتمردة(‪ .)39‬هناك املتمردون وهناك املحتجون عىل النظام الدويل‬
‫الذين يتبنون سلوكيات عنيفة أو إجرامية‪ .‬وبالطريقة نفسها التي يستخدمها‬
‫األقوياء‪ ،‬فإن املحتجني يبثون مفاهيم طموحة(‪ )40‬تستقي مادتها من املراجع‬
‫دخل تعديالت عليها أو من املراجع ا ُملغ ِرضة‪ .‬هذه هي حالة الشبكات‬ ‫التي ُت َ‬
‫اإلسالمية األصولية الجديدة مثل تنظيم القاعدة وفروعه املختلفة (عىل‬
‫الرغم من أن األداء الداخيل يختلف نتيجة للمركزية العقائدية واإلجرائية)‬
‫(‪ )41‬ومن هنا كانت الحاجة إىل التفكري يف اآلثار املرتتبة عىل إدراج (أو عدم‬
‫إدراج) هذه الجهات الفاعلة(‪.)42‬‬

‫ما بعد القطبية األحادية‬


‫منذ تسعينيات القرن املايض‪ ،‬كان أحد النقاشات املركزية املرتبطة بالتحليل‬
‫املنهجي املعارص ُيركز عىل صياغة توصيف للوضع الدويل الحايل‪.‬‬
‫إن مفهوم أحادية القطبية التي ُحوفظ عليها بسبب وجود فرق كبري يف‬
‫القوة يصب يف مصلحة الواليات املتحدة(‪ ،)43‬وأيضا بسبب القيم التي تحملها‬
‫‪94‬‬
‫النظام الدويل والرهانات االسرتاتيجية‬

‫هذه األخرية(‪ُ ،)44‬يعارض سيناريو تعدد األقطاب الذي انتعش من جديد(‪ )45‬أو‬
‫النسق الهجني من األحادي واملتعدد األقطاب(‪ .)46‬ويجب أال تتصف حيوية هذه‬
‫املناقشة بالغموض‪ .‬فبعيدا عن العقبات املنهجية واإلجرائية التي يواجهها أي‬
‫تحليل كيل‪ ،‬يغدو من الرضوري دمج عوامل أخرى مغايرة لتوزيع فاعلية القوة‪،‬‬
‫واجهة من بني أوجه أخرى ميكن من‬ ‫مع األخذ يف االعتبار أن النظام ُيعترب مبنزلة ِ‬
‫خاللها فهم الحرب‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫التاريخ العسكري أداةً للتحليل‬

‫‪5‬‬

‫التاريخ العسكري أداةً للتحليل‬

‫لوران هينينغر ‪Laurent Henninger‬‬

‫ملاذا وبأي كيفية يجب أن يكون التاريخ‬


‫العسكري‪ ،‬اليوم‪ ،‬جزءا من األدوات التحليلية‬
‫الفكرية يف املجال االسرتاتيجي أو فيام يتعلق‬
‫بالفن العسكري؟ الواقع أن الحروب مل تعد‬
‫ُتشبه قط الرصاعات العاملية الكربى يف القرن‬
‫العرشين‪ ،‬أو باألحرى الحروب النابليونية أو‬
‫حتى الحروب السابقة لها‪ .‬فمنذ عدة عقود‬ ‫«أظهرت حروب إنهاء االستعامر أن‬
‫جيوش الدول الغربية وجامعات‬
‫َخ َلت‪ ،‬اليزال الحديث متواصال عن الحروب‬ ‫حرب العصابات كانت يف معظمها‬
‫كاف‪ .‬إضافة إىل‬
‫غري مجهزة بشكل ٍ‬
‫املتعاقبة إلنهاء االستعامر وحروب العصابات‬ ‫ذلك عاد الوضع الراهن للحرب الباردة‬
‫والحمالت اإلرهابية وما يسمى بالرصاعات‬ ‫إىل الواجهة حيث ظل السالح تحت‬
‫سيطرة الجيوش الكالسيكية املعتربة‬
‫«غري املتامثلة» أو ما يسمى بعمليات «حفظ‬ ‫وخصوصا يف أوروبا»‬

‫‪97‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫السالم»‪ ،‬ولكن نادرا ما نتحدث عن االشتباكات بني الجيوش التقليدية‪ .‬إن تقنيات‬
‫األسلحة التي تستخدمها مختلف األطراف املتحاربة لها قوة وقدرة فتَّاكة‪ ،‬ويبدو‬
‫أنها قد خ َّلفت وراءها أسلحة ترجع إىل الحربني العامليتني وميكن لها أن تندرج‬
‫أحيانا ضمن أدب الخيال العلمي‪ .‬وأخريا فإن وجود األسلحة النووية – وما يتعلق‬
‫بها‪ ،‬باإلضافة إىل اسرتاتيجيات الردع ‪ -‬قد يوحي بأن الدول التي متتلكها ال ميكن‬
‫أن تشتبك بعضها مع بعض بشكل مبارش‪ .‬ويبدو أن الجيوش مل تعد لها وظيفة إال‬
‫أن تكون كاألداة «الرشطية املختصة بالعالقات الدولية»‪ .‬ولكن ما الفائدة‪ ،‬إذن‪،‬‬
‫من إعادة النظر يف معارك حرب املائة عام وحمالت بونابرت يف إيطاليا والهجامت‬
‫األملانية يف مارس ‪ 1918‬أو عملية باغراسيون(‪ Bagration )1‬يف يونيو ويوليو ‪1944‬؟‬
‫لقد تغريت أشكال الحرب وتغريت وسائلها أيضا ‪ -‬بشكل جذري ‪ -‬وكذلك ظروفها‬
‫وحتى طبيعتها‪ .‬ملاذا‪ ،‬إذن‪ ،‬يتحمل العقل عبء دراسة «دروس من التاريخ»‪ ،‬وملاذا‪،‬‬
‫يف كل األحوال‪ ،‬يتحمل املخاطرة الجسيمة بسبب اإلعداد لتلك الحرب السابقة؟‬
‫منذ فرتة زمنية طويلة ‪ -‬تصل إىل عدة قرون – كان التاريخ العسكري يعد‪،‬‬
‫عىل وجه الدقة‪ ،‬املنهج الفكري الوحيد الذي يسمح بدراسة االسرتاتيجية وفن‬
‫الحرب انطالقا من بناء أفكار املناورة وصوال إىل التخطيط الكامل للعمليات‪ .‬لقد‬
‫كان التاريخ العسكري حقيقة أداة للتدريس ولبدايات التنظري‪ .‬وكان عىل جميع‬
‫قادة الحروب قراءة الكالسيكيات العسكرية القدمية‪ .‬ويف وقت الحق‪ُ ،‬أضيفت‬
‫دراسة املعارك ومؤلفات كبار القادة يف القرنني السابع عرش والثامن عرش للتاريخ‬
‫العسكري‪ .‬وبطبيعة الحال بعد العام ‪ُ ،1815‬أدرجت دراسة الحمالت واملعارك‬
‫النابليونية باعتبارها نوعا من الدراسات شبه العامة التي يستحيل ال ِفكاك منها‪ .‬ومع‬
‫مرور الوقت وباستمرار الحروب‪ ،‬زادت قامئة األمثلة التاريخية التي تجب دراستها‬
‫بشكل أو بآخر وفقا للظروف اإلقليمية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يف العقود التالية لنهاية الحرب‬
‫العاملية الثانية‪ ،‬شهد التاريخ العسكري‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬تراجعا ملحوظا؛ يصل إىل حد‬
‫االضمحالل التام‪ .‬وميكن مالحظة هذه الظاهرة ليس فقط يف الوسط األكادميي‪،‬‬
‫الذي بدأ بالفعل التخيل عنها يف أعقاب الحرب العاملية األوىل‪ ،‬بل داخل النطاق‬
‫العسكري أيضا‪ .‬لقد انترصت التقنية ومعها الجيوش «الصناعية» وا ُمل َمي َكنَة باإلضافة‬
‫إىل املهندسني واملديرين املغرورين الذين يعتربون أن الزمن قد ع َّفى عىل هذه‬
‫‪98‬‬
‫التاريخ العسكري أداةً للتحليل‬

‫املناهج‪ ،‬إذ إنه عرص مكاتب األبحاث الصناعية وسيناريوهات الحرب النووية التي‬
‫تعتمد عىل الربامج الحاسوبية‪ .‬لقد أظهرت حروب إنهاء االستعامر أن جيوش الدول‬
‫الغربية وجامعات حرب عصابات كانت يف معظمها غري ُمجهزة بشكل كاف‪ .‬إضافة‬
‫إىل ذلك‪ ،‬عاد الوضع الراهن للحرب الباردة إىل الواجهة حيث ظل السالح تحت‬
‫سيطرة الجيوش الكالسيكية ا ُملعتربة وخاصة يف أوروبا‪.‬‬
‫يف الوقت نفسه‪ ،‬انترشت الثورة املعرفية الحقيقية التي ق َلبت املنهج التاريخي‬
‫رأسا عىل َع ِقب يف األوساط األكادميية‪ .‬مل يعد تاريخ الفعل العسكري نفسه كام كان‬
‫ُيارس بطريقة أو بأخرى منذ القرن الثامن عرش من دون تغيري‪ ،‬لقد تم تجاوزه من‬
‫ِق َبل ما يسمى «مبدرسة الحوليات» ومن َث َّم كان االستغناء عن هذا الحقل التاريخي‬
‫داخل أروقة الجامعة ويف مجال األبحاث‪.‬‬
‫من الرضوري اآلن أن ندرك أن ُمعاريض التاريخ العسكري كان لديهم من‬
‫ومبني عىل أسس معرفية‬
‫ّ‬ ‫الحجج القوية ما يسمح لهم مبعارضة منهج غري ُمتطور‬
‫فاشلة‪ :‬يتعلق األمر مبذهب وضعي ليس له أثر عميق يتعرض إلشكاليات ثانوية‬
‫بحيث يسلط الضوء بشكل هزيل عىل أحداث تجري يف غري سياقها؛ إذ إنه يؤمن‬
‫يف كثري من األحيان‪ ،‬وبشكل ساذج‪ ،‬بالدور الذي يتمتع به القائد‪ ...‬إلخ‪ .‬كل ذلك‬
‫خط ّي وكثريا ما يكون مك َّرسا لتقديم «دروس مستفادة»‪ .‬بينام‬ ‫يف خدمة تاريخ ّ‬
‫يف الواقع‪ ،‬أن التاريخ العسكري مل يتجاوز قط النموذج املثايل الذي كان سائدا يف‬
‫العصور الوسطى‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬إذا ُجدِّد املنهج التاريخي اليوم بصورة جوهرية‪ ،‬فقد بدأ التاريخ‬
‫العسكري أعامله الطويلة يف التحديث‪ ،‬إىل حد كبري‪ ،‬ومل يعد من املمكن إزالته من‬
‫الدراسات االسرتاتيجية والعسكرية‪ .‬وألن التاريخ العسكري اليوم ميكن أن يتكيف‬
‫وأن يعمل عىل دمج مساهامت أكرث من مثانني عاما تتعلق «بالتاريخ الجديد»‪ ،‬فقد‬
‫وسع يف حقل دراسة هذا التاريخ بشكل كبري‪ .‬لقد أضحت اإلشكاليات االجتامعية‬ ‫ُت ِّ‬
‫املرتبطة بتاريخ الجيوش وتكويناتها املختلفة محل دراسة أبحاث كثرية – بحيث‬
‫ميكن أن ُيعد هذا النهج بداية لثورة يف مجال التاريخ العسكري تعود إىل سبعينيات‬
‫القرن املايض‪ .‬ولهذا فإن العالقات بني القوة العسكرية والسلطة السياسية‪ ،‬فضال عن‬
‫األدوار االقتصادية والصناعية واملالية للجيوش والحروب‪ُ ،‬تشكل أيضا حقوال خصبة‬
‫‪99‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫للدراسة‪ .‬ميثل التأثري املتبادل بني الجيوش والعامل املدين يف جميع الجوانب موضوعا‬
‫لعدد كبري من األبحاث يف السنوات العرشين املاضية؛ حيث تعلق األمر من جديد‬
‫بإشكاليات النظام االجتامعي والثقايف والفني‪ .‬من هذا املنطلق‪ ،‬فقد م َّهد تاريخ‬
‫التم ُّثالت والعقليات الطريق لدراسات جديدة متخصصة‪ ،‬السيام فيام يتعلق بتصور‬
‫العدو أو العالقة مع املوت‪.‬‬
‫أطلق املؤرخ الربيطاين جون كيغان ‪ John Keegan‬يف العام ‪ ،1976‬يف كتابه‬
‫املوسوم بـ «علم ترشيح املعركة»‪ ،‬أبحاثا تتعلق بقصة ألحد الجنود البسطاء‬
‫يف خضم فوىض حرب ال تنتهي‪ ،‬األمر الذي أدى إىل اغتناء هذه األبحاث حاليا‬
‫باملساهامت التي يقدمها الطب النفيس وكذلك العلوم املعرفية‪ .‬وعىل استحياء‪،‬‬
‫بدأ تاريخ القيادة يف تحرير نفسه من رؤية بطولية من أجل الرتكيز عىل إجراءات‬
‫ُصنع القرار املعقدة‪ ،‬وخاصة عىل املستوى السيايس ‪ -‬العسكري وعىل مستوى‬
‫الدول الكربى‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬فقد ازدهر عرص تاريخ االستخبارات وجهاتها الفاعلة وأفرعها‬
‫وعملياتها‪ .‬لهذا ال ميكن دراسة التسليح فقط من وجهة نظر فعاليته املفرتضة وعملية‬
‫انتشاره‪ ،‬ولكن أيضا من وجهة نظر اإلنتاج الصناعي أو التمثيل الثقايف الذي يحدثه‬
‫هذا التسليح‪ .‬فاملعارك والحمالت والعمليات التي ال يتعرض لها التاريخ العسكري‬
‫الجديد‪ُ ،‬تشكل بدورها موضوعا للبحث ُيغطي جميع العصور‪ ،‬ويف بعض األحيان يعمل‬
‫عىل تجديد معرفتنا بهذه األحداث بشكل جوهري‪ .‬وبطبيعة الحال‪ ،‬فهذه األمور كلها‬
‫ذات صلة بطبيعة القوات الربية وكذلك القوات البحرية والجوية‪ .‬وألن هذا الكم من‬
‫املعارف يف تزايد مستمر‪ ،‬وبال انقطاع – واليزال يأتينا من مصادر تنتمي يف أغلبيتها‬
‫الساحقة إىل العامل األنجلوساكسوين – وألنه من املمكن أو من الرضوري أن تقدم هذه‬
‫املعارف منفعة للخرباء يف مجال الدفاع‪ ،‬فإن البحث عن «دروس» افرتاضية ُتعترب ال‬
‫قيمة لها أو خطرة عىل األرجح مبا أن التاريخ ‪ -‬فضال عن الحرب ‪ -‬ليس علام دقيقا‪.‬‬
‫عىل الرغم من املجازفة بتوضيح ما هو غني عن البيان‪ ،‬فمن املناسب قبل‬
‫أي اعتبار آخر أن ُنذ ِّكر بأن التاريخ العسكري – وحتى التاريخ بشكل عام‪ ،‬مبا أن‬
‫التاريخ العسكري هو يف املقام األول مجرد تاريخ ليس إال – يسمح مبعرفة مرسح‬
‫العمليات بالتوازي مع الجغرافيا (بكل مكوناتها‪ :‬املادية والبرشية واالقتصادية‬
‫‪100‬‬
‫التاريخ العسكري أداةً للتحليل‬

‫والسكانية واالجتامعية والسياسية‪ ...‬إلخ)‪ .‬والدراسة التفصيلية للقوات عىل األرض‬


‫وكذلك أنظمتها يف ميدان املعركة‪ .‬وبذلك ميكن أن يكون هناك اتصال بقامئة‬
‫األدوات الفكرية املعلوماتية مبا يعني وجود مجال للمنهجيات ُمتشابه بشكل قوي‪:‬‬
‫كام يذكر أومربتو إكو ‪« Umberto Eco‬إن كل بحث يتمتع ِب ِبنية ُ َ‬
‫ش ِط ّية»‪ .‬يف هذه‬
‫العبارة السابقة‪ ،‬نستطيع أن نفهم ما تفكر فيه مختلف الجهات الفاعلة يف الرصاع‪،‬‬
‫وخاصة ما يتعلق بالخصوم‪ ،‬من حيث األفكار املسبقة واملعتقدات والشكوك أو‬
‫اليقني والتمثالت العقلية والفكرية واألهداف‪ ...‬إلخ‪ .‬إن املعرفة الذكية بالتاريخ‬
‫ميكن أن تساعد يف منع الخطأ الكبري املزدوج الذي يقع فيه القائد االسرتاتيجي‬
‫والتكتييك‪ :‬إنه نوع من مرض التوحد الذي يسبب بطريقة ُملتوية إخفاء حقيقة‬
‫االسرتاتيجية التي تتعارض مع العديد من الرغبات والتي ال تتضمن االنتشار األمثل‬
‫نسب‬‫آللياتها‪ ،‬وال حتى ما يسميه املحلل النفيس «اإلسقاط» مبا يعني حقيقة أن ُت َ‬
‫إىل اآلخر الصفات الذاتية التي تخصها كالسامت واألداء‪.‬‬
‫وبشكل أكرث واقعية‪ ،‬يجب عىل املرء أن يتساءل عن كيفية عمل املحللني‬
‫االسرتاتيجيني املتخصصني يف شؤون الرشق األوسط إذا مل يكونوا عىل دراية مبا كانت‬
‫عليه اتفاقات سايكس بيكو ‪.Sykes-Picot‬‬
‫إن االعتقاد بوجود «دروس» من التاريخ يعني االعتقاد بوجود «دروس»‬
‫مامثلة من األدب‪ .‬علام بأن هذا األخري يعترب مصدرا للتجربة وليس «للدروس»‪،‬‬
‫وأن التجربة هي ا ُملنتَج الذي ال ُيقدر بثمن يف أي مجال ‪ -‬كفن الحرب ‪ -‬يهتم‬
‫«بالعلم التجريبي عىل الرغم من استحالة إجراء التجارب»(‪ .)2‬ومع ذلك‪ ،‬إذا مل يوجد‬
‫ما ميكن أن يحل محل التجربة الحقيقية‪ ،‬فإن دراسة التاريخ العسكري ميكن أن‬
‫تساعد‪ ،‬إىل حد ما‪ ،‬يف سد هذه الفجوة بشكل ُجزيئ‪ .‬خاصة أن هذه الدراسة توضح‬
‫حقيقة الحرب‪ ،‬كام قال كالوزفيتز‪ ،‬التي ُتشبه الحرباء وحقيقة املظاهر ا ُملتغرية‬
‫التي تتشكل فيها والتي تعترب ال نهائية‪ ،‬فإذا مل يكن هناك سوى الدرس الواحد الذي‬
‫ميكن أن نتذكره من التاريخ‪ ،‬فسيكون من دون شك هذا الدرس‪ .‬عالوة عىل ذلك‪،‬‬
‫يجب اعتبار هذه «التجربة غري املبارشة» مبنزلة توضيح لهذه الصفة الالمتناهية‪،‬‬
‫أي أنها تعني التوضيح الذي يجب أن يخضع للتحليل النقدي‪ :‬ألن الخصوصية التي‬
‫تدعو إليها املامرسة التأريخية تعني البحث املنهجي عن املدلوالت السياقية بحيث‬
‫‪101‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫يستطيع املؤرخ التعرف عىل انفراد كل حالة بخصوصيتها‪ ،‬علام أن البحث عن أوجه‬
‫الشبه السهلة ال فائدة منه‪ ،‬وأن هذه الخصوصية‪ ،‬بطبيعة الحال تشكل يف آن واحد‪،‬‬
‫قوة التاريخ وحدوده‪ .‬فإذا كان املؤرخ يعلم بعدم وجود الحتمية‪ ،‬فإنه يعرف وجود‬
‫محددات َتتَّسم بالقوة إىل حد ما‪ ،‬وأن آثارها ميكن مالحظتها وفقا للظروف الخاصة‪.‬‬
‫وحيث إن األحداث واإلجراءات تشكل موضوع التحليل التاريخي‪ ،‬فمن املناسب‬
‫تجنُّب استخالص الحقائق العامة جدا‪ ،‬فضال عن افرتاض «األدلة»‪.‬‬
‫إن أحد أهم املشاريع التأريخية الواعدة يف السنوات األخرية هو تاريخ العامل‬
‫بترصف إىل الفرنسية عىل أنه «التاريخ الكوين»‪،‬‬ ‫(‪ -)World History‬الذي ُترجم ُّ‬
‫ويف بعض األحيان «التاريخ ا ُملعومل»‪.‬‬
‫يهدف هذا املرشوع إىل دراسة العالقات بكل أنواعها (االقتصادية والثقافية‪...‬‬
‫إلخ) بني مختلف املناطق الحضارية عىل مر التاريخ‪ .‬إذ إن هذه الدراسة ُت ّبي لنا‪،‬‬
‫عىل وجه الخصوص‪ ،‬أن ما نطلق عليه اليوم عوملة كان قد ظهر منذ العرص الحجري‬
‫الحديث‪ ،‬وأن التفاعالت املبارشة أو غري املبارشة بني هذه الفضاءات كانت أكرث بكثري‬
‫مام كنا نعتقد فرتة طويلة‪ .‬كام أنها تذكرنا أيضا بأن تاريخ البرشية ال ميكن اختزاله‬
‫يف تاريخ الغرب‪ .‬يف الوقت الذي تشهد فيه هذه العوملة تسارعا عظيام بحيث يكون‬
‫للدول والشعوب غري الغربية حضور دائم وقوي وتحاول جاهد ًة الطعن يف هذا‬
‫النظام العاملي الذي ُولد قبل بضعة قرون أو حتى ليك تصبح قوى عاملية‪ ،‬تكون‬
‫لعمل هذه املدرسة التاريخية أهمية قصوى‪ .‬يف املجال العسكري‪ ،‬نعلم أن هناك‬
‫فس عىل املستوى االسرتاتيجي‪ ،‬وكذلك‬ ‫ثقافات أخرى للحرب موجودة بحيث ُت َّ‬
‫عىل املستوى التكتييك وأيضا عىل مستوى تكنولوجيا األسلحة‪ .‬أخريا‪ ،‬باملقارنة مع‬
‫النامذج الغربية للحرب‪ُ ،‬تظ ِهر هذه الثقافات منذ أمد بعيد مرونة ‪ -‬وأحيانا تفوقا ‪-‬‬
‫يجب علينا اليوم إعادة اكتشافها إذا أردنا توسيع فهمنا للظاهرة الحربية‪.‬‬
‫يهدف تاريخ األفكار والنظريات العسكرية بالفعل إىل صقل وتحديد وإعادة‬
‫تعريف املفاهيم التي كان ُيعتقد أنها محددة بشكل تام‪ ،‬فضال عن تتبع أصولها‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فمفهوم الحرب الخاطفة (‪ )Blitzkrieg‬الشهري‪ ،‬الذي ْاستُعري من الكتابات‬
‫الصحافية واستخدمه العديد من املؤرخني عىل مدار السنوات العرشين املاضية‬
‫ويجب الخالص منه من الناحية املنهجية‪ُ ،‬يثبت أن مفهوم هذا املصطلح مل يتبلور‬
‫‪102‬‬
‫التاريخ العسكري أداةً للتحليل‬

‫أو يظهر يف الكتابات الحزبية األملانية يف ثالثينيات القرن املايض أو حتى يف خطط‬
‫حملة فريماخت (‪ )Wehrmacht‬يف ربيع العام ‪ .1940‬إن أحدث األبحاث األمريكية‬
‫عن نشأة وتطبيق مفهوم الفن التشغييل (املستوى التنفيذي للحرب) داخل الجيش‬
‫األحمر ثم يف داخل الجيش السوفييتي يسلط الضوء عىل واحد من أعظم االخرتاقات‬
‫النظرية يف تاريخ الفن العسكري‪.‬‬
‫إن مثل هذه األعامل تسمح ليس فقط بإعادة قراءة وإعادة النظر يف أحداث‬
‫القرن املايض بشكل دقيق (بل حتى بشكل غري مبارش)‪ ،‬ولكن أيضا بالتفكري بشكل‬
‫أفضل يف طبيعة وظروف الحرب اآللية الحديثة‪ .‬الدقة الشديدة رضورية بالفعل‬
‫عند تعريف املفاهيم التي نستخدمها يف سياق التحليل االسرتاتيجي أو العسكري‬
‫ويف رفض االمتثال لهذا الرشط الذي ُيسبب ارتباكا يف التفكري‪ ،‬ومن ثم يف االستدالل‬
‫يتعي علينا القيام به نحو مفاهيم ُتستخدم عىل‬ ‫العقيل‪ .‬مازال هناك عمل مامثل َّ‬
‫نطاق واسع اليوم‪ ،‬ولكنها يف الواقع تبدو غامضة وهشة للغاية‪ ،‬ولهذا يجب علينا‬
‫أن نتفحصها بحذر وال سيام تلك املتعلقة «بالحرب الشاملة» و«املعركة الحاسمة»‬
‫و«الثورة العسكرية» أو «حرب العصابات»‪.‬‬
‫عىل الرغم من أن مفهوم «الثورة العسكرية»‪ ،‬يف حد ذاته‪ ،‬يثري الجدل‪ ،‬فإنه‬
‫رمبا ُيثل أحد أغنى وأهم املفاهيم؛ ألنه يفتح النوافذ عىل عديد القضايا‪ ،‬كام يدعو‬
‫إىل خلق تفكري منهجي للظواهر؛ عن طريق تحديد نسب وأولويات ظهور وانتشار‬
‫التقنيات عرب التاريخ‪ ،‬وكذلك من خالل السامح بفهم كيفية عمل هذه األدوات‪،‬‬
‫مع الرتكيز الدائم عىل إمكانية تداخلها املستمر مع ديناميكيات معقدة‪ ،‬حيث‬
‫تتطور التكنولوجيا بالتفاعل العلمي املتواصل مع التكتيك واالسرتاتيجية واالقتصاد‬
‫والسياسة وعلم االجتامع‪ ،‬وحتى مع الثقافة وعلم اإلنسان(٭)‪ ،‬والحقيقة أنه لن‬
‫يكون ممكنا فهم ظهور وانتشار األسلحة النارية منذ مطلع القرن الرابع عرش إذا‬
‫اقترصت الدراسة عىل التقنية فقط‪ ،‬ألن هذه الظاهرة كانت عىل األقل ‪ -‬إن مل‬
‫تكن عىل األكرث ‪ -‬تكتيكية (الصعود املتزايد يف قوة املشاة) واجتامعية (تسليح‬
‫قوات املشاة الشعبية) واقتصادية (إنشاء نظام رضيبي يهدف إىل جمع األموال‬
‫(٭) األنرثوبولوجي‪[ .‬املحرر]‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫الالزمة لرشاء األسلحة الجديدة) وسياسية (تركيز السلطات يف أيدي أجهزة الدولة‬
‫القوية التي كان من الرضوري بناؤها) وإنسانية (إدخال تعديل عىل طبيعة شجاعة‬
‫املحاربني) وثقافية (كيف ميكن تفسري نجاح األسلحة غري الفعالة عىل مستوى العامل‬
‫اليوم مقارنة بأسلحة الرماية األخرى يف ذلك العرص؟)‪.‬‬
‫وهكذا يكشف لنا التاريخ العسكري الجديد إىل أي درجة ميكن للحرب أن‬
‫متثل الظاهرة الشاملة التي يجب التفكري فيها وتحليلها وتصورها بصفتها ظاهرة‪،‬‬
‫مادامت ُتشكل ليس فقط األحداث السياسية بل واملجتمع بكامل مكوناته‪ ،‬وأيضا‬
‫بكل تفاصيله الدقيقة الواقعية التي تشهدها الحياة اليومية‪.‬‬
‫إن هذا التاريخ يثبت لنا أن الظواهر العسكرية والحربية تعترب‪ ،‬يف الوقت نفسه‪،‬‬
‫من ِنتَاج ومن أحد مصادر الخصائص املجتمعية‪ .‬إذ يكشف عن مدى تعقيد الظروف‬
‫و ُيظ ِهر أن املنطق العسكري ليس عسكريا بشكل مطلق‪ .‬من هذه املنطلقات‪ ،‬رمبا‬
‫ميثل التاريخ العسكري أحد أفضل املداخل إىل التفكري االسرتاتيجي‪ .‬وبالنظر إىل هذا‬
‫التاريخ عىل أنه أداة الكتساب رؤية‪ ،‬نجد أن مفهوم «الثورة العسكرية» يساعد أيضا‬
‫عىل إدراك موقعنا يف أثناء وقوع الحدث التاريخي‪ :‬فهل ُيعد التغيري الذي نشهده‬
‫حاليا بالحجم والعمق املامثلني لحجم وعمق ما ُحدِّد من قبل؟ أم أنه مجرد تعديل‬
‫داخل عملية كبرية بدأت بالفعل؟ وبالطريقة نفسها‪ ،‬هل يسمح لنا التاريخ بجعل‬
‫التغيريات من قبيل اليشء النسبي‪ :‬أال ميكن أن يكون اليشء الذي نعتقد أنه جديد‬
‫جدا مجرد حالة إضافية أو ظاهرة لوحظت بالفعل؟ أو‪ ،‬عىل العكس‪ ،‬أال ميكن أن‬
‫يكون اليشء الذي ُيعترب عاديا شيئا جديدا يف واقع األمر؟ من الواضح إذن أن التاريخ‬
‫ميكن أن ُيعترب من دون شك ال ِعلم الذي يدل عىل الحدث الذي يستغرقه الزمن‬
‫الحارض أكرث من مجرد كونه علام يتعلق بالزمن املايض الذي انتهى نهائيا‪.‬‬
‫الواقع أن النهج التاريخي ال يتقهقر‪ ،‬إذ إنه ال َيغوص‪ ،‬كام ُيعتَقد كثريا‪ ،‬يف أعامق‬
‫املايض للبحث عن إجابة عن أسئلة الحارض‪ .‬إنه يرفض اآلراء الحتمية وخاصة املتشابهات‬
‫السهلة أو الرخوة‪ .‬مبشاركة غريه من التخصصات‪ ،‬فإن التاريخ يقدم لنا‪ ،‬عن طريق جلب‬
‫املعارف التي تتعلق بعلم أنساب األشياء أو األحداث‪ ،‬فهام جيدا لطبيعته ولتفاعله مع‬
‫العامل من حوله من أجل أن يكون أكرث قدرة عىل الترصف حياله‪ .‬لكنه ال يسند إىل صيغة‬
‫سحرية تحول دون أن يؤدي ا ُمل َح ِّلل عمله الدؤوب واملنهجي واملتعدد التخصصات‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫املعامل املكانية للفعل االسرتاتيجي‪...‬‬

‫‪6‬‬

‫املعامل املكانية للفعل‬


‫االسرتاتيجي‪:‬‬
‫الوضعية واملساهمة‬
‫اجليواسرتاتيجية‬

‫أوليفييه زاييك ‪Olivier Zajec‬‬

‫ميكن تعريف االسرتاتيجية‪ ،‬وفقا للمفهوم‬


‫املتعارف عليه عند الجرنال أندريه بوفر‬
‫‪ ،André Beaufre‬بأنها «جدلية الرغبات التي‬
‫تنزع إىل استخدام القوة لتسوية رصاعاتها»(‪.)1‬‬
‫حيث تتصادم رغبات األطراف املعنية وكذلك‬
‫استخباراتها وقراراتها وقدرتها عىل استشعار‬
‫توقعات بديهية يف سياق منطق الرصاع املزدوج‪.‬‬
‫فمن خالل هذا الرصاع املزدوج – ووفقا ملفهوم‬
‫«ال ميكن أن تتحرك قطع الشطرنج‬
‫كالوزفيتز عن الرصاع املزدوج (‪Zweikampf‬‬ ‫فوق رقعة الشطرنج‪ ،‬إذ يجب أن نأخذ‬
‫‪ )Clausewitzien‬الذي يحتدم بني الطرفني ‪-‬‬ ‫يف االعتبار تشابك املربعات والخانات‬
‫الفارغة واململوءة واملسافات وامتداد‬
‫يهتم الخصوم‪ ،‬عىل الرغم من شح وغموض‬ ‫املربعات»‬

‫‪105‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫املعلومات الحربية واآلثار غري الخطية «للتوتر» (أو لالحتكاك)(‪ ،)2‬باالحتفاظ‬


‫بحقوقهم يف الرضبة األوىل مع محاولة كل منهم أن يفرض عىل اآلخر الحل السيايس‬
‫الذي يعتربه األكرث انسجاما مع مصالحه الخاصة‪ .‬إن وجهة النظر الحوارية املركزية‬
‫جدا لن تكون كافية لرسم اسرتاتيجية كاملة املعامل‪ :‬فاالسرتاتيجية تعني وجود توازن‬
‫دائم بني «الغايات» السياسية الشهرية والوسائل العسكرية املستخدمة لتجسيد‬
‫هذه الغايات‪ .‬إن «رصاع اإلرادات»‪ ،‬الذي ال ميكن تجسيده‪ ،‬يعترب أيضا مثل النشاط‬
‫رتجم بشكل رسيع عىل أرض الواقع من‬ ‫العميل أو التمرين العنيف الذي يجب أن ُي َ‬
‫خالل الصدمة والنريان واملناورة‪.‬‬
‫وترتبط هذه االسرتاتيجية خالل استخدام القوة التي تضمن خصوصيتها – بعدد‬
‫من االعتبارات ذات طبيعة مادية وإجرائية‪ ،‬كام أنها تأخذ بعني االعتبار أيضا الوضع‬
‫املادي الذي يحدد إىل حد كبري عمل املناورات التي تنمي وتطور االسرتاتيجية‪.‬‬
‫وقد ذكر صن زي ‪ Sun Zi‬منذ خمسة قرون قبل عرصنا الحايل أن «الذي‬
‫ال ميلك تصورات عن الغابات والجبال واملمرات واملستنقعات ال ميكن أن يعزز‬
‫من قدرات قواته»(‪ .)3‬وبعبارة أخرى‪ ،‬ال ميكن أن تتحرك قطع الشطرنج فوق‬
‫رقعة الشطرنج‪ ،‬إذ يجب أن نأخذ يف االعتبار تشابك املربعات والخانات الفارغة‬
‫واململوءة واملسافات وامتداد املربعات‪ .‬مع نهاية الحرب العاملية الثانية‪ ،‬حاول‬
‫رئيس هيئة األركان األمريكية‪ ،‬الذي أصبح مسؤوال عن الطموح االسرتاتيجي‬
‫الكبري عىل املستوى العاملي‪ ،‬تسليط الضوء عىل رضورة مراقبة التطور السيايس‬
‫لألرايض املمتدة األوروآسيوية (‪ )eurasiatique‬باالستخدام األمثل للمعطيات‬
‫املكانية‪ :‬فإذا كانت أوروبا الغربية قد فقدت استقاللها‪ ،‬وفقا لتحذير هيئة‬
‫األركان املشرتكة يف العام ‪ ]...[« ،1946‬فإن أقرص وأكرث الطرق املبارشة ملهاجمة‬
‫أعدائنا ستكون ممنوعة علينا بالتأكيد»(‪ .)4‬سواء تعلق األمر بنطاق صغري‬
‫أو كبري‪ ،‬فإن ما يسمى بالبعد املكاين لالسرتاتيجية يعد مكونا أساسيا‪ ،‬إذ ال‬
‫ميكن استبعاده من قبل القائد االسرتاتيجي الذي يجب عليه أن مينحه املكانة‬
‫البارزة من خالل استدالله العقيل انطالقا من املستوى التكتييك إىل املستوى‬
‫االسرتاتيجي‪ ،‬وأيضا بالتوازي مع الطرائق املنهجية وأدوات التفكيك الخاصة‬
‫بالتشفري التاريخي والثقايف أو التقني‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫املعامل املكانية للفعل االسرتاتيجي‪...‬‬

‫هذه الدميومة الوظيفية للعالقة املكانية‪ -‬الزمانية التي تقع يف صميم العملية‬
‫املعرفية الخاصة باالسرتاتيجية ال متنع من إدراك أن التقدم التقني املتسارع يف هذه‬
‫الفرتة املعارصة يدفعنا إىل توضيح أهمية العامل املكاين عند القيام بتحليل ومامرسة‬
‫االسرتاتيجية اليوم‪ .‬لقد سبب القرن العرشون‪ ،‬مع ظهور األسلحة النووية‪ ،‬إحداث‬
‫قطيعة حقيقية يف هذا املجال‪.‬‬
‫رمبا أرشدت التوقعات التي أفرزها هذا «السالح املطلق» بعض املحللني‬
‫(‪)5‬‬

‫إىل اتخاذ رأي بشأن املسافات التي ُألغيت اآلن تقريبا يف مجال االسرتاتيجية‪،‬‬
‫مبا أن الصواريخ العابرة للقارات قد تحررت بحكم تعريفها من خصائص رقعة‬
‫الشطرنج األرضية غري املتساوية‪ .‬وباملثل‪ ،‬بعد خمسني عاما سوف يستهدف‬
‫منظرو الثورة يف مجال الشؤون العسكرية (‪ )RAM‬الحد قدر اإلمكان من‬
‫االحتكاكات امليدانية وأقنعة مرسح العمليات‪ ،‬وذلك بغرض تحقيق الحلم‬
‫القديم للقادة االسرتاتيجيني‪ :‬انظر «إىل ما وراء التل» من دون أن تتحرك‪ ،‬من‬
‫أجل أن تلعب بحرية مطلقة مع القطعة األسهل باستخدام قدرتك عىل «الرضب‬
‫يف العمق» بدرجة عالية جدا من الدقة‪ .‬لقد تجسد هذا الطموح‪ ،‬يف عدد من‬
‫الجوانب‪ ،‬من خالل بعض النواحي اإلجرائية(‪ .)6‬ومبالحظة الخربات املستفادة‬
‫من الحروب الحديثة األخرية‪ ،‬فهل من املمكن اعتبار درجة التهيئة املكانية‬
‫و«املسافات الشاسعة» مهمني بالقدر نفسه الذي كانا عليه يف زمن صن زي‬
‫وكالوزفيتز أو حتى يف أوقات الحرب الباردة؟ للوهلة األوىل‪ ،‬تكون اإلجابة سلبية‪.‬‬
‫وللحصول عىل معلومات حول تحركات قوات حرس الحدود الروسية خالل‬
‫األزمة األوكرانية العام ‪ ،2014‬ال تحتاج األركان العسكرية األمريكية بالرضورة‬
‫إىل إرسال عدد كبري من عمالء االستخبارات إىل حدود دونباس ‪ ،Donbass‬حيث‬
‫ميكنهم االعتامد عىل دقة القياس التوضيحية املرتية ألقامر املراقبة الخاصة بهم‬
‫والتي ُيتَحكم فيها يف والية فلوريدا أو يف والية فرجينيا‪ .‬وهكذا يبدو واضحا‬
‫أن االعتبارات امليدانية‪ ،‬التي كانت تشكل موضوع التحليل الجغرايف العسكري‬
‫القديم(‪ ،)7‬قد احتفظت بكامل قوتها عىل املستوى التكتييك‪ ،‬ولهذا من الرضوري‬
‫االرتقاء بها والتوسع فيها عىل املستوى االسرتاتيجي بحيث تكون للعامل املكاين‬
‫داللة يف التحليل الحايل‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫التوسع ال يعني وجود الحل‪ .‬تجدر اإلشارة إذن إىل أن عدم ظهور األسلحة‬
‫النووية أو الثورة يف مجال الشؤون العسكرية‪ ،‬علام أن عدم ظهور هذه األسلحة‬
‫ينبع من اسرتاتيجية الردع‪ ،‬كام أن عدم انبعاث هذه الثورة ناتج عن اسرتاتيجية‬
‫العمل «املتغرية»‪ ،‬قد يؤدي بشكل مطلق إىل اإللغاء الفعيل للقيود البيئية عىل‬
‫االسرتاتيجية العامة‪.‬‬
‫وهكذا كان الجنود التابعون لعملية سريفال ‪ Serval‬يف العام ‪ 2013‬ميثلون‬
‫(‪)8‬‬

‫مصالح الطاقة النووية التي تتمتع بوسائل تتعلق بتوفري املعلومة االستخباراتية‬
‫واملراقبة والرصد ‪ )9(SRI‬الفعالة واملستقلة‪ ،‬إضافة إىل أن لديها طائرات مقاتلة قادرة‬
‫عىل التدخل يف بضع ساعات بشكل مبارش انطالقا من القواعد العسكرية للدولة‬
‫الفرنسية‪ .‬وألن عمل االسرتاتيجية الوطنية الفرنسية يقتيض الرد الذي يتناسب مع‬
‫التهديد‪ ،‬فكان من الرضوري لهؤالء الجنود أن يشتبكوا عىل األرض وأن ينفذوا‬
‫مناورتهم وفقا للتصور املكاين واملناخي الخاص بصحراء مايل‪ .‬هنا يتأقلم الرجال‬
‫حيث تكون لديهم القدرة عىل تصعيد حدة القتال من خالل رسعة تحركاتهم‬
‫وقدرتهم عىل االستمرار وتحمل البيئة املعادية‪ ،‬األمر الذي أسهم يف تحديد مصري‬
‫املرحلة األوىل من هذه الحملة التي مثلت نجاحا ملحوظا للجيش الفرنيس‪« .‬نعم‪،‬‬
‫تستخدم الجغرافيا لخوض الحرب»‪ :‬فإذا كان لعبارة إيف الكوست االستفزازية أي‬
‫معنى (يجعله مثريا للشك بنسبة ضئيلة)(‪ ،)10‬فلن يكون باستطاعة املحاربني أن‬
‫ميتنعوا عن إدراج التحليل املكاين يف مجال التخطيط االسرتاتيجي بشكل كامل ال يف‬
‫السابق وال يف الالحق‪.‬‬
‫املنظر االسرتاتيجي األمرييك إدوارد لوتواك ‪،Edward Luttwak‬‬ ‫وكام يالحظ ِّ‬
‫فإن مفهوم «مرسح العمليات» بحد ذاته‪ ،‬من خالل تحديده منطقة للفعل معينة‬
‫(املنطقة والبلد ومجموعة من البلدان)‪ ،‬يربط بشكل تلقايئ بني القوات العسكرية‬
‫واملنظومة املكانية املناطقية‪:‬‬
‫[‪ ]...‬يحدد منطق االسرتاتيجية تفاعل الخصوم مع املعامل املكانية‪ ،‬أي أن‬
‫[هذا املنطق] يؤثر يف جميع العوامل التي لها أهمية عسكرية مثل طول الجبهة‬
‫والعقبات الخاصة بالتضاريس والعمق املناطقي وطرق الوصول وشبكات‬
‫االتصاالت األرضية(‪.)11‬‬
‫‪108‬‬
‫املعامل املكانية للفعل االسرتاتيجي‪...‬‬

‫وألننا ننظر إىل جغرافيا منطقة الفعل بعني االعتبار‪ ،‬وألنها مساحة عرضية‬
‫تسمح بدرجة معينة من التكيف (املناخي والطبوغرايف عىل وجه الخصوص)‪،‬‬
‫فإنها تقدم مفهوما متتابعا عن البيئة‪ :‬هل يقع مرسح العمليات عىل الساحل؟‬
‫هل هو غري ساحيل؟ هل يتكون من مناطق شجرية كثيفة‪ ،‬أو من مساحات‬
‫رطبة كبرية‪ ،‬أو من سالسل جبلية؟ ما هو مقياس الرطوبة؟ هل تتحكم الدول‬
‫املجاورة لهذا املرسح يف املسالك من دخول وخروج؟ هل تسمح هذه الدول‬
‫للقوى الصديقة باستخدام هذه املسالك؟ وبأي مثن؟ تعتمد اإلجابة عن هذه‬
‫األسئلة إىل حد ما عىل االستخدام األمثل لقدرات هذه القوات أو تلك (الربية أو‬
‫الجوية أو البحرية)‪ ،‬وأيضا – وهو البعد األسايس! ‪ -‬للبيئة اللوجستية للعملية‪.‬‬
‫لقد عايشت أفغانستان‪ ،‬من العام ‪ 2001‬إىل العام ‪ ،2014‬الدور املهم الذي‬
‫مارسته عنارص القوات البحرية التابعة لتحالف عملية الحرية الدامئة(‪( )12‬من‬
‫السيطرة عىل املجالني الجوي والبحري يف شامل املحيط الهندي إىل الدعم الجوي‬
‫املخصص للعمليات)‪ .‬ولكن يظل ما هو ثابت‪ ،‬عىل الرغم من أن أفغانستان تبعد‬
‫عن املحيط الهندي بأكرث من ‪ 1000‬كيلومرت‪ ،‬إزاء الدور الرئييس الفعيل‪ ،‬خالل‬
‫السنوات العرش التي استغرقتها هذه العملية‪ ،‬الذي وقع عىل عاتق القوات الربية‪،‬‬
‫وبدعم من القوات الجوية يف إطار مهامت الدعم الجوي القريب(‪ .)13‬من ناحية‬
‫أخرى‪ ،‬فقد كانت طبيعة أفغانستان الجغرافية‪ ،‬التي ال تطل عىل منافذ بحرية‪،‬‬
‫السبب يف جعل التحالف يتعرض ملشكلة يف اإلمداد أدت إىل اعتامده بشكل وثيق‬
‫عىل حسن نوايا باكستان وروسيا‪ ،‬عىل الرغم من أنهام قوتان متقاربتان وليست‬
‫لديهام خلفية مسبقة حول تحركات حلف الناتو وواشنطن يف آسيا الوسطى‪ .‬ففي‬
‫العام ‪ 2014-2013‬اصطدمت عملية انسحاب القوات من خالل ممرات أرضية‬
‫باعرتاض باكستاين‪ ،‬فإسالم آباد ترغب يف مقايضة سياسية تتعلق بالسامح مبرور‬
‫هذه القوات مقابل حقها السيادي يف رصد توغل الطائرات األمريكية من دون‬
‫طيار فوق أراضيها‪ .‬ويف مواجهة مختلف خيارات اإلجالء اللوجستية‪ ،‬اضطرت‬
‫القوات الفرنسية إىل مقارنة تكاليف الطرق املختلفة املمكنة من ‪ 2012‬إىل‬
‫‪ .2014‬وفيام ييل جدول يلخص أقل التقديرات‪:‬‬

‫‪109‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫خيارات مختلفة مقرتحة من أجل االنسحاب من أفغانستان‬


‫مدة الرحلة‬ ‫تكلفة كل حاوية‬ ‫الخطوط‬
‫أقل من ‪72‬‬
‫نحو ‪ 40000‬يورو‬ ‫خط جوي مبارش من كابول أو باجرام إىل فرنسا‬
‫ساعة‬
‫طريق متعدد الخطوط‬
‫أسبوع‬ ‫نحو ‪ 30000‬يورو‬ ‫(خط جوي من كابول إىل دولة اإلمارات العربية‬
‫املتحدة ثم خط بحري إىل تولون)‬
‫تقريبا ستة‬ ‫طريق بري شامال (طريق إىل‬
‫نحو ‪ 7000‬يورو‬
‫أسابيع‬ ‫أوزبكستان ثم بالقطار إىل التفيا) ‪ -‬الخيار األوزبيك‬
‫طريق متعدد الخطوط من اتجاه الشامل (خط جوي‬
‫تقريبا ستة‬
‫نحو ‪ 7000‬يورو‬ ‫من كابول إىل شيمكنت ثم بالقطار‬
‫أسابيع‬
‫إىل التفيا) ‪ -‬الخيار الكازاخستاين‬

‫طريق متعدد الخطوط من اتجاه الجنوب‬


‫تقريبا عرشة‬
‫نحو ‪ 4000‬يورو‬ ‫(طريق بري من كابول إىل كراتيش ثم خط بحري‬
‫أسابيع‬
‫إىل تولون) ‪ -‬الخيار الباكستاين‬

‫املصدر‪ :‬وزارة الدفاع‬


‫وبسبب األمناط املختلفة لالبتزاز الذي متارسه الدول املسيطرة عىل الطرق‬
‫الربية‪ ،‬وعىل الرغم من التكاليف الباهظة فإن الخيارات األكرث استخداما كانت‬
‫يف نهاية املطاف جوية وبحرية (لبعض األقسام) مبساعدة دول مثل روسيا (عن‬
‫طريق استئجار حموالت رشكة الشحن الجوي «أنتونوف»)‪ .‬ال ميكن اعتبار‬
‫النتيجة‪ ،‬من حيث تخصيص املوارد‪ ،‬مثالي ًة من جانب بعض التقارير الرسمية‪،‬‬
‫مثل تلك التابعة للجمعية الوطنية الفرنسية الصادرة يف يوليو ‪ 2012‬والتي‬
‫تنتقد تأخري السلطات الفرنسية يف التفاوض املبديئ مع الدول املتاخمة ملرسح‬
‫استخدام الطرق الربية األقل تكلفة‪:‬‬
‫بدأت املحادثات مع الحكومتني األوزبكية والكازاخستانية يف وقت متأخر‬
‫للغاية ‪ -‬يف وقت تأكيد انسحاب القوات «القتالية» ‪ -‬لتأمني اتفاق عبور قابل‬
‫للتطبيق يف أراضيها املعرتف بها‪ ،‬خاصة أنه من املعروف أن املفاوضات مع هذه‬
‫‪110‬‬
‫املعامل املكانية للفعل االسرتاتيجي‪...‬‬

‫الدول تستغرق مدة طويلة ومعقدة‪ .‬يؤدي هذا التأخري‪ ،‬يف نهاية املطاف‪ ،‬إىل‬
‫إنفاق عرشات املاليني من اليورو من ميزانية الدولة(‪.)14‬‬
‫هذا النص‪ ،‬من بني نصوص أخرى كثرية‪ ،‬يقرتح أن يكون للجغرافيا‪ ،‬مبا تشتمل‬
‫عليه من خصائص عرص ما يسمى «إلغاء املسافات» «ونهاية الحدود»‪ ،‬الدور الذي‬
‫يفرض نوعا من الرشوط عىل االسرتاتيجية‪ ،‬بحيث ُتدمج هذه الرشوط يف بيانات‬
‫املدخالت الخاصة بها‪ .‬وهذا الغرض يقتيض توفري مكون لهذه الرشوط املادية بحيث‬
‫ُته َّيأ من الناحية اإلجرائية‪ .‬أما من وجهة النظر التحليلية‪ ،‬فريجع هذا الدور إىل‬
‫أسلوب النهج‪ :‬الجيواسرتاتيجي‪.‬‬

‫الجيواسرتاتيجية واسرتاتيجيات البيئة‬


‫يتعلق األمر‪ ،‬يف املقام األول‪ ،‬بالتمييز بني الجغرافيا السياسية والجيواسرتاتيجية‪.‬‬
‫لقد أصبحت إشكالية التعريف مثار جدل كبري‪ ،‬حيث أشار مارتن موت ‪Martin‬‬
‫‪ Motte‬إىل املشكلة التي تطرحها الجيواسرتاتيجية وحدها‪:‬‬
‫إذا كان علم أصول الكلامت يجمع بني الجغرافيا واالسرتاتيجية‪ ،‬فمن الصعب‬
‫املحافظة عىل نوع من التوازن يخصهام‪ :‬هل تحدد الجغرافيا بشكل جوهري‬
‫االسرتاتيجية أم أنها تفرض فقط رشوطا من املحيط الخارجي؟ [‪ ]...‬سؤال يلفه‬
‫الغموض ورمبا ال طائل منه‪ ،‬ألن أي نهج اسرتاتيجي يعد من النتاج العميل وليس‬
‫من النتاج النظري‪ .‬مثة إمكانية لطرح محاوالت لتوضيح مفهوم الجيواسرتاتيجية‪ ،‬أي‬
‫أنه ذلكم املفهوم االصطناعي الذي ميكن اختزاله إىل مادة واضحة املعامل(‪.)15‬‬
‫يف الواقع‪ ،‬ووفقا لبعض املنظرين االسرتاتيجيني‪ ،‬بالغي األهمية‪ ،‬فإن مصطلح‬
‫الجيواسرتاتيجية يعني ببساطة التطويل يف أداء املعنى «[‪ ]...‬فاملكان يعترب أحد‬
‫املستويات املعتادة يف التفكري االسرتاتيجي[‪ .]...‬أما الجيواسرتاتيجي فيعني أن تقول‬
‫اليشء نفسه»‪ ،‬كام ذكر الجرنال بوارييه ‪ .)16(Poirier‬صحيح أنه عندما يتعلق األمر‬
‫بهذا املعيار‪ ،‬ملاذا ال نتحدث عن الزمن االسرتاتيجي واملناخ االسرتاتيجي والطبيعة‬
‫االسرتاتيجية والتقنية االسرتاتيجية والرسعة االسرتاتيجية؟ البعض يذهب إىل أبعد من‬
‫ذلك(‪ .)17‬ففي ضوء املنطق عىل املستوى الداليل تكون مالحظة لوسيان بوارييه صحيحة‬
‫عىل ما يبدو من حيث الظاهر؛ إذ إن التطور الصناعي للوسائل الربمائية والطائرات‬
‫‪111‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫الحربية يف القرن العرشين قد أصبح له تأثري كبري يف البيئة البحرية والربية من حيث‬
‫التداخل‪ ،‬األمر الذي طمس معه الحتمية املادية التي تفرتض أن تحتفظ كل بيئة مبكون‬
‫معني‪ .‬ومع بزوغ فجر القرن الحادي والعرشين‪ ،‬يتعدد تداخل املجاالت‪ ،‬إىل درجة‬
‫تصبح معها األرض والجو والبحر والفضاء يف نظر القادة االسرتاتيجيني املعارصين كإطار‬
‫متنام بني‬
‫عمل شبه متالحق‪ ،‬وهي النتيجة التي أدت إىل التواصل املشرتك بشكل ٍ‬
‫الوسائل العسكرية التي تعترب حتى اآلن مقصورة يف األغلب عىل استخدامات قواتهم‪/‬‬
‫بيئتهم املحدودة‪ ،‬وأيضا عىل التطوير املتتايل السرتاتيجيات الوسائل العسكرية املشرتكة‪.‬‬
‫ينتقل إدوارد لوتواك ‪ ،Edward Luttwak‬الذي ُذكر من قبل‪ ،‬إىل نهاية هذا‬
‫االستدالل العقيل من خالل تأكيد أن االسرتاتيجيات البحرية والجوية والنووية تعترب‬
‫«غري اسرتاتيجية» وال تندرج إال تحت الفئات الفرعية التقنية املرشوطة والتي يجب‬
‫أن تخضع بشكل متتابع السرتاتيجية عامة حيث ميثل الفعل األريض دامئا الهدف‬
‫واملظهر املركزي(‪.)18‬‬
‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬فمن حيث اإلشكالية املرتبطة بالتعريف والنظرية املعرفية‬
‫املتناقضة‪ ،‬فإن ما تغطيه وتكشفه الجيواسرتاتيجية يبدو مفيدا للغاية يف مجال‬
‫التحليل االسرتاتيجي‪ ،‬وذلك لسببني عىل األقل‪ ،‬من دون أن تكون هناك عالقة‬
‫باإلشارات الداللية الرصيحة‪ .‬السبب األول هو أن القادة االسرتاتيجيني الجدد مييلون‬
‫أكرث فأكرث إىل التفكري بعقالنية تتسم بشكل تقني مجرد‪ ،‬ويف بعض األحيان ينسون‬
‫الحقيقة التي تجعلهم يهملون عن جهل األهمية الجغرافية والثقافية لألماكن التي‬
‫يستثمرون فيها (حيث كانت أفغانستان والعراق مثالني مؤملني لضياع هذه الذاكرة‬
‫الجغرافية التاريخية‪ ،‬ومن الجائز القول إن التاريخ سيكون قاسيا عىل «املستشارين»‬
‫عىل اختالفهم وتنوعهم‪ ،‬من علامء األنرثوبولوجيا إىل املؤرخني األفذاذ‪ ،‬الذين‬
‫وظفتهم اإلدارة األمريكية لتوفري أساس مفاهيمي السرتاتيجيتها املتعلقة مبكافحة‬
‫التمرد)‪ .‬ماذا قال الجرنال ماكريستال ‪ ،McChrystal‬القائد العام لقوات التحالف‬
‫يف أفغانستان يف ‪ 2010-2009‬عندما غادر مرسح العمليات؟ قال ما ييل‪:‬‬
‫مل نكن نعرف مبا فيه الكفاية‪ ،‬ولن يكون يف مقدورنا أن نعرف ما يكفي [‪.]...‬‬
‫معظمنا ‪ -‬مبن فيهم أنا ‪ -‬كان لدينا فهم سطحي جدا لوضع البالد وتاريخها‪ ،‬وكانت‬
‫لدينا‪ ،‬إىل درجة مخيفة‪ ،‬نظرة مبسطة عن تاريخ الخمسني سنة املاضية(‪.)19‬‬
‫‪112‬‬
‫املعامل املكانية للفعل االسرتاتيجي‪...‬‬

‫إذا كان األمر يتعلق بفهم أفضل «لوضع» املرسح‪ ،‬وفقا للكلمة التي استعارها‬
‫ماكريستال من الحقل املعجمي الجغرايف بخصوص هذا االعرتاف الذي يعترب عىل‬
‫أقل تقدير إخالء للمسؤولية‪ ،‬فإن التذكري بالبادئة «جيو» (‪ )geo‬ال ميكن أن ُيرتك من‬
‫دون أن تكون محل اهتامم االسرتاتيجية‪.‬‬
‫قد ترتبط هذه املالحظة بالحالة الجيواسرتاتيجية والجغرافيا السياسية عىل‬
‫حد سواء‪ ،‬بيد أن هذه األخرية أتاحت الدخول إىل عامل التحليالت األولية للجغرافيا‬
‫البرشية املهمة جدا بالنسبة إىل القائد االسرتاتيجي‪ .‬وعىل الرغم من القلق املضاد‬
‫للتطويل يف أداء املعنى الذي يتقاسمه لوتواك ‪ Luttwak‬والجرنال بوارييه ‪،Poirier‬‬
‫فإننا نخاطر بتقديم تعريف من عندنا وذلك بتفضيل جانب املنطق والبساطة‪ .‬ما‬
‫هي الجغرافيا السياسية؟ هي طريقة للنهج القائم عىل تحليل الديناميكيات املكانية‬
‫بغرض تحسني فهم العالقات الدولية‪ ،‬من حيث القوة والتأثري‪ .‬ومبا أن االسرتاتيجية‬
‫هي املعني للسياسة‪ ،‬فمن املمكن اعتبار الجيواسرتاتيجية حقال فرعيا تطبيقيا تابعا‬
‫للمرجعية الجغرافية السياسية‪ ،‬محور اهتاممها بامتياز تحليل املشكالت املكانية‬
‫التي تؤثر يف مرسح العمليات تحديدا‪.‬‬
‫هذا املحور املتميز‪ -‬عىل الرغم من إدراكنا التام لالنتقادات التي ميكن‬
‫توجيهها إليه – يجعلنا نضيف أن هناك ذريعة أخرى تصب يف مصلحة املرجعية‬
‫الجيواسرتاتيجية‪ :‬فهي تنبع من الخصائص املستدامة لبيئات الفعل االسرتاتيجي‬
‫واملعامل املكانية الناتجة من االستدالل العقيل املصاحب لها عىل حساب املنطق الثابت‬
‫للتسليح املشرتك‪ .‬نحن نقرتح اآلن أن نوضح بإيجاز هذه املشكلة البيئية‪ ،‬قبل العودة‬
‫إىل مسألة املخاوف السياسية من مرسح العمليات‪ ،‬التي سنختم بها هذا الفصل‪.‬‬

‫املعامل املكانية للفعل االسرتاتيجي (‪:)1‬‬


‫الخصائص اإلجرائية لبيئات الفعل‬
‫عىل الرغم من أن الحركة العامة للعوملة تعمل عىل توسيع آفاق فعل القادة‬
‫االسرتاتيجيني‪ ،‬فإن الفكرة ‪ -‬التي ُتنتقد بشدة – تقول إن األرض قد أصبحت «مسطحة»(‪.)20‬‬
‫يجب أال تجعلنا ننىس أن البيئات االسرتاتيجية املختلفة (األرضية والجوية‬
‫والبحرية والفضائية والسيربانية) ال يوجد بينها تداخل يف العالقة البينية وال فيام‬
‫‪113‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫يتعلق مبستوى «التامسك»‪ .‬يؤكد هرييف كوتو‪ -‬بيغاري بوضوح أن أول هذين‬
‫األمرين يتعلق بفرتة رد الفعل الخاصة بكل جيش وطريقته يف القتال‪ :‬عادة ما‬
‫متتد االسرتاتيجية الربية إىل مسافة تقدر بعرشات الكيلومرتات ورمبا يف أحسن‬
‫األحوال إىل مئات الكيلومرتات‪ ،‬يف حني تضع االسرتاتيجية البحرية كام هو معتاد‬
‫مخططات عىل مستوى املحيطات قد تصل إىل آالف الكيلومرتات؛ حيث يكون‬
‫امتدادها أكرب بكثري من االسرتاتيجية الجوية التي ال تصل إىل آالف الكيلومرتات‬
‫إال عندما يتعلق األمر مبعامل محددة كالقصف االسرتاتيجي‪ .‬فبينام تكون األجواء‬
‫مواتية من حيث زمن رد الفعل الذي ُي َقاس ملصلحة الطيارين باليوم وبالساعة‪،‬‬
‫يكون البحر أكرث مالءمة عىل املدى الطويل‪ .‬ويف حالة احتدام القتال عىل األرض‪،‬‬
‫ميكن للمقاتل بشجاعته وإحساسه التكتييك وباستخدامه األفضل للموقع‬
‫العسكري أن يستغني عن بعض حاجاته املادية‪ .‬أما عن القتال يف البحر‪ ،‬فسوف‬
‫يكون األمر عسريا جدا ويكاد يكون تقريبا مستحيال يف هذه األجواء‪ ،‬حيث يغلب‬
‫جانب العامل املادي إىل حد ما(‪.)21‬‬
‫ولذلك فإن إدارة املسافات وفهم الطبيعة املادية ملسارح العمليات تعترب‬
‫إشكالية دقيقة بالنسبة إىل القادة االسرتاتيجيني‪ ،‬كام يعتقد ذلك علامء اللوجستيات‬
‫يف القوات املسلحة عىل وجه الخصوص‪ .‬حيث تعتمد التطبيقات اللوجستية لعملية‬
‫سريفال ‪ Serval‬عىل مسافات طويلة هائلة‪ 3 :‬آالف كيلومرت من فرنسا إىل داكار‬
‫و‪ 1200‬من داكار إىل باماكو‪ .‬ال يشء ميحو هذه الحقيقة‪ ،‬وال حتى عندما تتوافر‬
‫إمكانيات لوسائل النقل البحري والجوي والربي‪ ،‬سواء كانت هذه الوسائل مملوكة‬
‫أو «مستأجرة» من قبل الحلفاء‪ .‬يف مواجهة هذه القيود‪ ،‬ال ميكن لآلليات املستخدمة‬
‫يف املناورة بني الجيوش أن تكون قابلة ألن يحل بعضها محل البعض اآلخر إىل ما ال‬
‫نهاية‪ :‬فالقوات الربية تعتمد اعتامدا وثيقا عىل التغريات عىل األرض عندما تكون‬
‫مكلفة بعمليات لالستيالء واالحتالل‪ ،‬وسيكون من الرضوري لها إجراء تقييم وإعادة‬
‫التفكري يف طرق اإلمدادات وفقا لهذه املتغريات‪ .‬أما عن الطيارين والبحارة‪ ،‬فإنهم‬
‫يخضعون لقيود من نوع خاص‪ .‬يلخص الجدول التايل هذه االختالفات املكانية‬
‫ألدوات الفعل االسرتاتيجي‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫املعامل املكانية للفعل االسرتاتيجي‪...‬‬

‫أبعاد االسرتاتيجية املعارصة‬


‫نسبة العامل‬ ‫مدة رد‬ ‫مقياس‬
‫أبعاد‬ ‫اسرتاتيجية‬
‫املادي‬ ‫الفعل‬ ‫بالكيلومرت‬
‫‪2‬‬ ‫قوي‬ ‫أيام‬ ‫عرشات أو مئات‬ ‫بري‬
‫‪3‬‬
‫فوق أو تحت‬ ‫قوي جدا‬ ‫أسابيع‬ ‫مئات أو آالف‬ ‫بحري‬
‫السطح‬
‫‪2‬‬
‫دعم عىل‬
‫حاسم‬ ‫ساعات‬ ‫مئات أو آالف‬ ‫جوي‬
‫األرض‪،‬‬
‫تفوق جوي‬
‫‪2‬‬
‫فضاء قريب‬
‫آالف أو عرشات‬
‫فضاء بعيد ‪-‬‬ ‫حرصي‬ ‫دقائق‬ ‫فضايئ‬
‫اآلالف‬
‫ثابت بالنسبة إىل‬
‫األرض‬
‫املصدر‪ :‬هرييف كوتو ‪ -‬بيغاري‪« :‬مدخل إىل االسرتاتيجية»‬
‫هناك جانب آخر قد تكون له عالقة باملسافة‪ :‬أي جدلية الدفاع والهجوم‪.‬‬
‫فبينام قد تتمتع بعض الدول بعمق اسرتاتيجي عىل املستوى البحري (مثلام كان‬
‫بحر املانش هو العامل األقوى يف حامية اململكة املتحدة يف العام ‪ 1940‬أكرث من‬
‫سالح الجو املليك)‪ ،‬فإن هذا العمق قد يكون أحيانا عىل مستوى األرض‪ ،‬مثلام‬
‫متتعت «روسيا»‪ ،‬أو خليطا من املستويني مثلام متتعت «الواليات املتحدة األمريكية»‬
‫بامتالكهام ميزة نسبية مقارنة بالواليات «الصغرية» التي يجب عليها أن تتوخى‬
‫الحذر الشديد من حتمية هذه الحالة الجامدة‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬سيحدث االتفاق عىل أن حالة إرسائيل تعترب رمزية انطالقا من‬
‫هذا املنظور ومن اللحظة التي ُتكتَشف فيها إمكانياتها النووية املحتملة وما‬
‫ينتج عنه من انعدام االستخدام النسبي ومن االفتقار إىل العمق االسرتاتيجي‬
‫الذي يدين تل أبيب باستخدامها سياسة الردع التقليدية والسياسة الوقائية‬
‫وسياسة الهجامت املضادة الفعالة بشكل كبري‪ .‬إن «الدفاع املرن»‪ ،‬من وجهة‬
‫‪115‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫النظر الجيواسرتاتيجية‪ ،‬ال تضطلع به إال الجهات الفاعلة التي تستطيع تحمل‬
‫األعباء عالية التكلفة لتبادل الزمن مقابل املكان‪ .‬هذه الجهات الفاعلة تتسم‬
‫بالندرة عىل مستوى الساحة العاملية‪.‬‬
‫من وجهة نظر متاسك األمكنة‪ ،‬ميكننا أن نتوسع يف هذا التأمل التفاضيل من‬
‫خالل مفهوم لورون هيننغر ‪ Laurent Henninger‬الذي يتعارض مع املساحات‬
‫السائلة والصلبة(‪ ،)22‬يف حني أنه يتكيف (من حيث املسافة) مع مقرتحات جيل‬
‫دولوز ‪ Gilles Deleuze‬عن املساحات امللساء والوعرة‪ .‬فاملساحات الصلبة‬
‫«متامسكة»‪ :‬خشنة وقابلة للحياة‪ ،‬ولهذا فهي تختلف عن تلك السائلة التي تعترب‬
‫«سلسة ومتساوية وغري صالحة ألن يسكنها اإلنسان» والتي ميكن أن تنترش فيها‬
‫الشبكات «بسهولة وأن تتحقق القدرات بشكل كامل»‪ .‬إذن‪ ،‬كام يقول هيننغر‪،‬‬
‫ال ميكن أن تكون الفضاءات السائلة هي األهداف النهائية لالسرتاتيجية (ألنه‪ ،‬يف‬
‫النهاية‪ ،‬ما تهدف إليه االسرتاتيجية يوجد ضمن الفضاءات الصلبة‪ ،‬سواء تعلق األمر‬
‫بالرثوة أو األرايض أو السكان)‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬فإن السيطرة «تعترب رشطا ال بد‬
‫منه من أجل فرض السلطة»‪ .‬بالنسبة إىل هيننغر‪ ،‬فإن هذا األمر يعني «التفكري‬
‫بعناية يف أوجه الرتابط القامئة بني هذه الفضاءات»‪ .‬ومن ثم ميكن االعتامد عىل‬
‫مركزية الفضاءات الصلبة يف هذا التحليل (حيث يؤيد هيننغر رأي لوتواك إىل حد‬
‫ما) عىل الرغم من أن هيننغر يرص إرصارا شديدا عىل رضورة السيطرة عىل املمرات‬
‫السائلة والطرق والشبكات‪ ،‬مبا يعني مجموعة من االمتدادات املفصلية والضغوط‬
‫املكانية والزمنية بحيث يكون للبحرية والطريان دور رائد‪.‬‬
‫وبالكشف عن العوامل املرتبطة باملسافة والتامسك‪ ،‬ميكن القول إن التحليل‬
‫الجيواسرتاتيجي ال يقترص عىل هذا املنظور الجغرايف الواسع‪ ،‬بل ينطبق أيضا عىل‬
‫النطاق الجغرايف املتوسط من خالل الكشف عن مدى ال نهاية له من االنحدارات‬
‫يف كل بيئة(‪ .)23‬فالقوات الربية الفرنسية‪ ،‬التي ُط ِّورت يف البيئة الصلبة‪ ،‬تعرتف‬
‫بوجود بيئات فرعية تسبب إشكالية خاصة‪ ،‬األمر الذي «يغري بشكل جذري‬
‫من املبادئ الكالسيكية للمناورة املشرتكة بني الجيوش»(‪ ،)24‬ويستحق اهتامم‬
‫القائد االسرتاتيجي‪ :‬املناطق الحرضية والجبلية واملناطق الشجرية وأيضا املناطق‬
‫الصحراوية (التي تعترب «جنة رجل التكتيك وجحيم رجل اإلمداد والتموين»‪،‬‬
‫‪116‬‬
‫املعامل املكانية للفعل االسرتاتيجي‪...‬‬

‫وفقا ملا رصح به روميل ‪ .)Rommel‬يتعلق األمر إما مبساحات غري واضحة املعامل‬
‫بشكل خاص‪ ،‬وإما مبناطق ذات أبعاد تتميز بامتدادات رئيسية أو متطرفة أو‬
‫معادية‪ .‬ولهذا يجب أن يؤخذ التفكري االسرتاتيجي يف االعتبار ألن «األداء التكتييك‬
‫للقوات الربية يف البيئات املعادية التي يصعب الوصول إليها يعترب أقل مام هو‬
‫عليه يف املناطق املفتوحة»(‪ .)25‬ستكون املعالجة املتمحورة حول هذه االنحدارات‬
‫الجغرافية واحدة من أهم املراحل األساسية يف التخطيط االسرتاتيجي‪ ،‬ويف بعض‬
‫األحيان عىل مستويات تفصيلية‪ ،‬ولها أهمية قصوى‪ :‬يف مثانينيات القرن املايض‪،‬‬
‫كانت مناورات النجم الساطع (‪ )Bright Star‬التي أجريت مع الرشيك املرصي‬
‫قد أتاحت لألمريكيني أن يدركوا أن رمال الرشق األوسط أرق من رمال نيفادا‪،‬‬
‫األمر الذي جعلهم يسعون إىل تطوير مرشحات الرمال املعدلة(‪.)26‬‬
‫وتشتمل الجيواسرتاتيجية‪ ،‬كام قلنا‪ ،‬عىل البعد التحلييل اإلنساين الذي تستمده‬
‫بشكل مبارش من الجغرافيا السياسية عن طريق استخدام إسهامات هذه األخرية يف‬
‫إطار مرسح عمليات محدد‪.‬‬

‫املعامل املكانية للفعل االسرتاتيجي (‪)2‬‬


‫الجمود الثقايف والتفاعالت الجوارية‬
‫مع حلول العرص النووي يف العام ‪ ،1945‬فقد العامل الجغرايف‪ ،‬كام ذكرنا‪،‬‬
‫مصداقيته بشكل جزيئ‪ ،‬حيث يذكر بول كالفال ‪ ]...[« :Paul Claval‬أن الجغرافيا‬
‫السياسية قد ْاخ ُت ِزلت فيام يسمى جيواسرتاتيجية الرتسانات النووية وتوزيع‬
‫منصات اإلطالق والدفع والرسعة ودقة القذف»(‪ .)27‬وبعمل متديد للمنحنيات‪،‬‬
‫تظهر بعض االفرتاضات التي تزعم‪ ،‬بشكل رسيع‪ ،‬استبدال «األرايض» «بالتدفقات»‬
‫والسيولة‪ ،‬ويف السياق نفسه تتنبأ هذه االفرتاضات (األيديولوجية يف بعض األحيان)‬
‫باالنهيار القريب للجيل الجديد من الدول‪ .‬ومن خالل املنطق التقني املوجه‬
‫يصبح االمتداد اسرتاتيجيا بالتوازي أساس السلطة‪ .‬فانهيار جدار برلني اليزال يعمل‬
‫عىل زيادة حدة هذا املنحى‪ :‬فالجيوش الغربية‪ ،‬باعتامدها عىل التفكري اإلجرايئ‬
‫يوجه من قبل الواليات املتحدة)‪ ،‬متيل إىل استخدام التقديرات البنيوية‬ ‫(الذي َّ‬
‫‪117‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫بعد العام ‪ ،1991‬كالرضب هناك‪ ،‬برسعة وبقوة‪ ،‬بهدف جعل العدو يتخذ قراره‬
‫يف أقرص وقت ممكن‪ ،‬حتى لو كان عىل بعد آالف الكيلومرتات‪ ،‬وهو ما يبدو‬
‫يف غاية األهمية بالنسبة إىل الجيوش التي تتخلص شيئا فشيئا من أي منطق له‬
‫داللة مكانية معينة‪ ،‬والتي تبحث عن التكامل التحلييل املتوازن بني «املواقع»‬
‫و«املواقف»‪ .‬هذا التطور الذي مثلته حرب الخليج األوىل يشكل املعيار املثايل‪ ،‬يف‬
‫حني أنه أخفى االتجاه املتزايد إلشكالية القوة األمريكية‪ ،‬وهو االتجاه الذي يتبناه‬
‫حلفاء أمريكا‪ ،‬ويتطلب أن تكون التكنولوجيا والقدرة عىل التحكم يف الشبكات‬
‫مبنزلة النمط البديل للتحليل الجغرايف السيايس وللمنهج الجيواسرتاتيجي‪ .‬وقد‬
‫يكون من املمكن‪ ،‬باسم الكفاءة اإلجرائية‪ ،‬أن نتجاهل أن الحرب لن يكون لها أي‬
‫معنى إذا مل ُتعتَرب‪ ،‬قبل كل يشء‪ ،‬العملي َة السياسية املستمرة بشكل أو بآخر وفقا‬
‫ملا ذكره كالوزفيتز‪ .‬لكن السياسة هي فن التوفيق بني املرغوب فيه واملمكن وفن‬
‫القياس والتوازن‪ ،‬ومن ثم تندرج بشكل طبيعي ضمن عملية التفكري يف القصور‬
‫البرشي الذي يرتبط بأرض وثقافة وزمن معني‪.‬‬
‫تشتعل «الحرب العاملية ضد اإلرهاب» التي ينتهجها املحافظون الجدد‪ ،‬مع‬
‫هذا الخلل الذي يصيب األنظمة التي تعمل عىل إحداث تغيري جذري يف الظروف‬
‫الجغرافية والثقافية‪ ،‬من منطلق أيديولوجي وليس من منطلق اسرتاتيجي‪ .‬ويرتبط‬
‫مفهوم «الرشق األوسط الكبري»‪ ،‬بهذا النهج‪ ،‬من حيث إنه يعمل عىل توضيح هذا‬
‫األمر بالقدر الكايف(‪ .)28‬بالنسبة إىل االسرتاتيجي‪ ،‬يشكل استخدام صفة «العاملية» من‬
‫الناحية األيديولوجية العامل املستديم للتأهب الفكري‪ .‬يف بعض األحيان‪ ،‬يعرب مفهوم‬
‫«عوملة» عن األسلوب األنيق لالعرتاف برضورة التخيل عن تحديد هذه الصفة أو‬
‫توصيفها بشكل واضح‪ .‬حيث يعتقد أنه من السهولة مبكان النظر إىل األبعاد املادية‬
‫للتوسع اإلجرايئ الذي يدعمه املروجون للحرب العاملية ضد اإلرهاب يف الوقت نفسه‬
‫الذي ميكن فيه التغلب عىل الصعوبات اإلنسانية‪ .‬يف حني أنهم تجاهلوا (بالنظر إىل‬
‫هذين الخطأين اللذين ميكن اعتبارهام خطأ واحدا من املنظور االسرتاتيجي) تحقيق‬
‫الهدف األخالقي املحدد من حيث القيم املطلقة‪ ،‬التي قد تصبح غري قابلة للتحقيق‪،‬‬
‫عىل الرغم من التفاين والتضحية املثالية التي تقدمها الجيوش الغربية‪ ،‬مبا يف ذلك‬
‫القوات الفرنسية‪ ،‬التي تنترش منذ عرش سنوات يف هلمند وكابيسا بأفغانستان‪.‬‬
‫‪118‬‬
‫املعامل املكانية للفعل االسرتاتيجي‪...‬‬

‫وأخريا‪ ،‬وألن الزمان واملكان مرتبطان ارتباطا ال ميكن الفكاك منه‪ ،‬فإن غياب التفكري‬
‫الجيواسرتاتيجي قد يفيض إىل عدم التقييد الزمني بعملية الحرية الدامئة‪ :‬تلك التي‬
‫شملت مرسح العمليات األفغانية ملدة أطول من عمليات الجيش األحمر‪ ،‬مع هدف‬
‫سيايس محدود للغاية‪ .‬ولعله سيكون من املمكن تجنب هذه األخطاء التحليلية‬
‫الثالثة يف حال إعادة تأهيل نهج الجغرافيا السياسية الواقعية التي تعترب مفتاح‬
‫التحليل الجيواسرتاتيجي العقالين‪ ،‬ومن خالل احرتام التناسب بني الوسائل املستخدمة‬
‫والهدف املحدد استنادا إىل الخصوصيات التي يتمتع بها مرسح العمليات(‪.)29‬‬
‫هناك صلة بني األبعاد املادية واألبعاد الثقافية متثل أهمية قصوى للقائد‬
‫االسرتاتيجي‪.‬‬
‫وتدخل هذه العالقة يف صميم أعامل املختصني بالجغرافيا السياسية مثل‬
‫نيكوالس سبيكامن (‪ – 1893-Nicholas Spykman (1943‬إذ إن مفاهيمه‬
‫تعترب مهمة جدا للثقافة االسرتاتيجية األمريكية بعد الحرب العاملية الثانية‪ ،‬وقد‬
‫ُط ِّبقت عىل التحليل الجيواسرتاتيجي (خاصة يف العام ‪ ،1942‬يف أعامل االسرتاتيجية‬
‫األمريكية يف السياسة العاملية التي ُك ِّرست لطبيعة الحرب)(‪ .)30‬وميثل هذا الجانب‬
‫أيضا موضوع عمل علامء االجتامع عند جورج سيميل أو روبرت بارك ‪Robert‬‬
‫‪ Park‬اللذين اسرتشد بهام سبيكامن‪ ،‬واللذين كانا يهتامن بالديناميكيات االجتامعية‬
‫املكانية للجوار يف وقت مبكر(‪ .)31‬هذا النوع من التأمل‪ ،‬الذي يعيد إضفاء الطابع‬
‫اإلقليمي عىل مفهوم النزاعات‪ ،‬له أهمية خاصة يف مجال التحليل االسرتاتيجي حيث‬
‫إنه يعمل عىل إعادة التوازن‪ ،‬من خالل االستدالل العقيل‪ ،‬بني التأثريات التكميلية‬
‫عىل املستويات املحلية واإلقليمية والعاملية‪.‬‬
‫من جانب آخر‪ ،‬ينطبق هذا املفهوم يف بعض األحيان عىل الجغرافيا السياسية‬
‫والجيواسرتاتيجية – بهدف عمل تبسيط إىل أقىص حد للواقع املعقد لحدود األرايض‬
‫من خالل نرش خرائط غري شفافة‪ .‬يعترب مؤ َّلف سبيكامن‪ ،‬عند االستشهاد بهذا املثال‬
‫الرمزي‪ ،‬من بني األدلة عىل أن التحليل الجغرايف السيايس والجيواسرتاتيجي ال ميكن‬
‫أن يهمل بأي حال من األحوال مراعاة التوازن مع الجغرافيا البرشية‪.‬‬
‫يف العام ‪ ،1944‬استُكملت الرسومات الكارتوغرافية (الخرائط) الكربى لقلب‬
‫األرض للربيطاين ماكيندر ‪ )32(Mackinder‬عندما وضع منوذجا ملخطط حافة األرض‬
‫‪119‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫تلبية لرغبة البعض يف رؤية األساليب االسرتاتيجية األمريكية لالحتواء التي وضع‬
‫أسسها ترومان ‪ Truman‬يف العام ‪ .)33(1947‬ومام ال شك فيه أن هذا املتخصص يف‬
‫علم االجتامع‪ ،‬الذي يضع السلطة يف مركز اهتاممه عند تحليل العالقات الدولية‪،‬‬
‫ال يتطرق إىل الظروف الجغرافية إال بغرض توضيح مدى تأثريها من خالل أهمية‬
‫التفاعالت الثقافية وكذا التفاعالت بني مناطق الجوار‪ .‬وبالنسبة إىل هذا املتخصص‬
‫يف «الجانب اإلقليمي»‪ ،‬سيكون من الرضوري وجود «أمناط»‪ ،‬وتكرار معني لبعض‬
‫املخططات‪ ،‬تعترب كحلقة الوصل بني التاريخ والجغرافيا والسياسة الخارجية‪.‬‬
‫فاملمرات الربية والقنوات والطرق والجبال واملحيطات ال تخضع ملنطق العقل‪ ،‬كام‬
‫أن التكنولوجيا لن تجعلها تختفي‪ .‬توجد إذن مناذج تشري إىل خلل يجب تحديده‪ ،‬ألنه‬
‫ميكن أن ُيتَن َّبأ بعملية التكرار والظرف التاريخي بأمناطه املختلفة‪ ،‬عن طريق الوظيفة‬
‫االجتامعية واملكانية املرتبطة باألبعاد‪ ،‬والتي متارس دورا مهام‪ .‬هذا التوازن التحلييل‬
‫بني املعطى واملبني (أو كام يقول الدوليون‪« :‬بني العامل والبنية»)‪ ،‬يرشحه سبيكامن‬
‫بشكل دقيق يف العام ‪ 1938‬من خالل املقارنة بني عبارتني لنابليون («سياسات الدول‬
‫يف جغرافيتها»‪« /‬أنا الذي أصنع الظروف»)(‪ .)34‬حيث يشري تكامل املتناقضات املأخوذ‬
‫عن هذه االقتباسات إلله الحرب(‪ )35‬إىل أن املعامل املكانية تعترب من صميم التحليل‬
‫االسرتاتيجي‪ ،‬عىل الرغم من التداخل الكبري للغاية بني االستحالة واإلمكانية‪.‬‬
‫قد يقع االختيار عىل أحد املعسكرات كام يقول بعض املنظرين االسرتاتيجيني‪،‬‬
‫وقد يكون بال هدف(‪ .)36‬ووفقا للصيغة املمتازة ملارتن موت ‪،Martin Motte‬‬
‫«[‪ ]...‬فإن أحد أنصار كالوزفيتز عندما يحتقر الجغرافيا سيكون عاجزا عن تحقيق‬
‫النرص مثله يف ذلك مثل الجيواسرتاتيجي الذي يتجاهل فلسفة الحرب»(‪.)37‬‬
‫فالجيواسرتاتيجية ال تخلط بني التكيف والحتمية‪ .‬أما إذا كان ذلك ممكنا‪ ،‬حيث‬
‫يجب التغلب عىل العقبات املادية‪ ،‬فإن متاسك املناورة ال يحول دون أن تكون هناك‬
‫جرأة‪ :‬ينسب هانيبال ‪ Hannibal‬ذلك إىل الرومان عند عبورهم جبال األلب يف‬
‫العام ‪ 218‬قبل امليالد(‪ ،)38‬مثلام سيوضح ذلك دوليتل ‪ Doolittle‬يف ‪ 18‬أبريل ‪1942‬‬
‫خالل إغارته الشهرية عىل طوكيو(‪ .)39‬من املفهوم جيدا أن التحليل الجيواسرتاتيجي‬
‫سيحدد‪ ،‬يف سياق التخطيط االسرتاتيجي‪ ،‬جانبا من استحالة أو إمكانية املناورة‬
‫املطلوب تنفيذها يف مرسح العمليات املرشوط بتفرده الجغرايف‪ ،‬سواء تعلق األمر‬
‫‪120‬‬
‫املعامل املكانية للفعل االسرتاتيجي‪...‬‬

‫يف هذه الحالة بالعمل يف األرايض الوطنية أو يف بلد ما يقع بعيدا‪.‬‬


‫يقودنا ما سبق ذكره إىل تأمالت ال نهاية لها تتعلق دامئا بالنهج الجيواسرتاتيجي‬
‫وفائدته تجاه التحليل االسرتاتيجي العام‪ .‬وال يتعلق األمر هنا بوضع االسرتاتيجي‬
‫الذي ال يستخدم هذا النهج مبا فيه الكفاية أو ال يستخدمه عىل اإلطالق‪ ،‬بل‬
‫إن األمر مرتبط مبن يدفع بهذا النهج يف االتجاه املعاكس ويعمل عىل تنظيمه‬
‫بشكل كبري؛ وذلك بالرتكيز الشديد عىل الخصائص الجغرافية الثقافية لكل مرسح‬
‫عمليات‪ ،‬واالهتامم بجميع التفاصيل عىل اختالف أهميتها‪ ،‬األمر الذي يؤدي‬
‫بالفعل إىل بعض الخلل االسرتاتيجي‪ .‬فمن خالل تجاوز أي معيار يتعلق بالدراسة‬
‫التصنيفية النوعية‪ ،‬مييل القائد االسرتاتيجي إىل أن يأخذ بعني االعتبار السياق‬
‫بأكمله‪ ،‬حيث إن تجاهل االهتامم بهذا السياق قد ال يعني الكثري يف حد ذاته إذا‬
‫مل ُيراعَ املعنى السيايس للفعل‪.‬‬
‫عند إمعان النظر يف هذا األمر‪ ،‬رمبا يكون هذا هو الخطأ الرئييس الخاص بآخر‬
‫األوراق الفرنسية البيضاء (‪ 2008‬و‪ )2013‬التي تحمل يف طياتها مجمل التهديدات‬
‫وفقا لقامئة منشورات الدراسات اإلقليمية املستهدفة من دون االهتامم باملعنى‬
‫االسرتاتيجي العام ملصالح (وقدرات) فرنسا‪ .‬ويقرتح بعض املعلقني أن تؤدي خالصة‬
‫التفكري الجيد إىل سؤال يطرحه بعض املسؤولني عن األوراق البيضاء للعام ‪2008‬‬
‫يتعلق بجدوى وضع قاعدة عسكرية جديدة عىل مرمى حجر من إيران‪ ،‬وبالعمل‬
‫عىل الحد من التأثري االسرتاتيجي لفرنسا يف أفريقيا عشية زعزعة استقرار هذه القارة‪،‬‬
‫أو بطرح سؤال يتصل بأهمية الربط التلقايئ بني االستقرار يف كابول واألمن الفرنيس‪.‬‬
‫يف الختام‪ ،‬يبدو أن الجهد الذي يتسم باملوضوعية واملعيارية االسرتاتيجية‪ ،‬ويسهم‬
‫يف ترجيح العوامل املكانية بغرض تخطيط وتنفيذ العمليات‪ ،‬يعترب رضوريا جدا يك‬
‫ُيؤخذ بعني االعتبار عندما يتعلق األمر بشكل دائم‪ ،‬بالنسبة إىل صانع القرار السيايس‬
‫والقائد االسرتاتيجي العسكري يف هذا العامل الذي يزداد عدم استقراره بشكل مطرد‪،‬‬
‫بتحقيق أفضل توزيع ممكن للموارد الشحيحة التي تخص الدفاع‪ .‬إنه االستيعاب‬
‫لقضية االستحالة بوصفها الضامن لالقتصاد القوي (والوعي االسرتاتيجي)(‪ :)40‬انطالقا‬
‫من هذا املعيار‪ ،‬تفرض الجيواسرتاتيجيا نفسها بوصفها واحد ًة من أهم األعمدة يف‬
‫التحليل االسرتاتيجي‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫مفهوم الثقافة االسرتاتيجية‪...‬‬

‫‪7‬‬

‫مفهوم الثقافة االسرتاتيجية‬


‫يف الدراسات االسرتاتيجية‬

‫كريستوف واسينسيك‬
‫‪Christophe Wasinski‬‬

‫عرشون عاما تقريبا مضت‪ ،‬واليزال مفهوم‬


‫«الثقافة» يفرض نفسه عىل حقل الدراسات‬
‫االسرتاتيجية واألمنية‪ .‬بشكل عام‪ ،‬ومن خالل‬
‫تأكيد هذا املفهوم‪ُ ،‬أعيد النظر يف املنهج‬
‫التاريخي والرسدي والوصفي الخاص بتحليل‬
‫القضايا االسرتاتيجية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فمن الرضوري‬
‫«من خالل الدراسات ذات الصلة‬
‫مالحظة أن هناك طرائق متعددة للجوء إىل‬ ‫بالجنود‪ ،‬والتي تركز عىل ظروفهم‬
‫املعيشية اليومية‪ ،‬متكن املتخصصون‬
‫مفهوم «الثقافة االسرتاتيجية» (باإلضافة إىل‬ ‫يف علم اإلنسان (األنرثوبولوجي)‬
‫بعض الطرائق األخرى التي تتصل بـ «الثقافة‬ ‫وعلم االجتامع واملؤرخون من فهم‬
‫جيد لكيفية تأثري األفكار والقيم‬
‫األمنية» «والثقافة العسكرية» أو «ثقافة‬ ‫واملعتقدات والتمثيالت يف الرجال»‬

‫‪123‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫الحرب»)‪ .‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬فإن إحدى الصعوبات التي تتعلق باستيعاب هذا املفهوم‬
‫بشكل صحيح تأيت من حقيقة أنه ينحدر من مناهج نظرية متباينة‪ ،‬ويساعد يف‬
‫البحث عن الظواهر املختلفة‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإن هذه الدراسة لها هدف مزدوج‪ .‬فهي تهدف من ناحية‪ ،‬إىل وضع‬
‫تفسري للتسلسل التاريخي ملفهوم الثقافة عند استخدامه يف حقل الدراسات‬
‫االسرتاتيجية بحيث يحدث ذلك عن طريق عرض مختلف األدوات املنهجية لهذا‬
‫املفهوم (وأيضا كل املفاهيم التي تتعلق به)‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬سوف تسعى هذه‬
‫الدراسة إىل تحديد األسئلة الجوهرية التي تتيح لهذا املفهوم أن يتعامل معها‬
‫بطريقة مثمرة‪ .‬هنا أيضا‪ ،‬ستُبحث هذه املشكلة من خالل دراسة األعامل التي تتبع‬
‫مختلف املناهج‪.‬‬

‫أصول الثقافة االسرتاتيجية‬


‫بدايات املفهوم‬
‫رسميا‪ ،‬ظهر مفهوم الثقافة االسرتاتيجية يف سبعينيات القرن العرشين‪ .‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬فإن الرجوع إىل الثقافة من أجل دراسة السلوكيات املتعلقة بالحرب واألمن‬
‫يعترب أمرا قدميا جدا‪ .‬هناك فكرة تقول بوجود أمناط معينة أو أساليب وطنية تخص‬
‫االسرتاتيجية وتوجد بالفعل يف أعامل زينوفون ‪ Xénophon‬أو يف أعامل ميكيافييل‬
‫‪ .Machiavel‬يف القرن التاسع عرش‪ ،‬يشري أيضا األدمريال األمرييك ألفرد ثاير ماهان‬
‫‪ Alfred Thayer Mahan‬إىل «الصفات الوطنية» يف كتابه عن تأثري القوة البحرية‬
‫عرب التاريخ(‪ .)1‬أخريا‪ ،‬سنجد أن عبارة «املنهج يف إدارة دفة الحروب» (طريقة القتال‬
‫أو طريقة الحرب) قد شاع استخدامها عىل يد املؤرخ العسكري الربيطاين باسيل‬
‫هي ليدل هارت ‪ .)2( Basil H. Liddell Hart‬يؤكد املؤلف وجود صفات وطنية‬
‫اسرتاتيجية موروثة من الناحية التاريخية ويؤكد أيضا وجود منط اسرتاتيجي بريطاين‬
‫غري مبارش يستند إىل جملة أمور منها املناورة والتطويق بدال من الهجوم األمامي‪.‬‬
‫سيكون ملفهوم باسيل ليدل هارت الصدى املستديم يف أوساط املؤرخني العسكريني‬
‫الربيطانيني(‪ .)3‬يف الواليات املتحدة األمريكية‪ُ ،‬ر ِّوج ملفهوم األسلوب االسرتاتيجي من‬
‫قبل روسيل ف‪ .‬فيجيل ‪ .Russell F. Weigley‬ويف كتابه الشهري «الطريقة األمريكية‬
‫‪124‬‬
‫مفهوم الثقافة االسرتاتيجية‪...‬‬

‫يف الحرب»‪ ،‬يرشح املؤلف أسلوب الحرب األمريكية املتمحور حول إبادة العدو(‪.)4‬‬
‫سيكون ألعامل فيجيل أيضا تأثري مهم بني أوساط املؤرخني العسكريني(‪ .)5‬حيث‬
‫تعترب أعامله اليوم واحدة من األدوات األساسية ملفهوم الثقافة االسرتاتيجية‪.‬‬
‫تنبع األداة الثانية من العلوم السياسية‪ .‬ففي خالل السبعينيات والثامنينيات‬
‫من القرن العرشين‪ُ ،‬شكك يف تفوق مناهج «الحساب الريايض» القامئة عىل‬
‫مفاهيم صارمة للغاية تتعلق بـ «االختيار العقالين» (مثل نظرية األلعاب‬
‫واألبحاث اإلجرائية) يف الدراسات االسرتاتيجية‪ .‬لقد ُو ِّجهت أصابع االتهام‪ ،‬عن‬
‫صواب أو عن باطل‪ ،‬إىل هذه األدوات ألنها سببت الهزمية يف فيتنام وأدت إىل‬
‫طريق مسدود يف االسرتاتيجية النووية‪ْ .‬استُمع ألصوات كانت تدعو إىل العودة إىل‬
‫التاريخ أو علم االجتامع أو العلوم السياسية فيام يخص الدراسات االسرتاتيجية(‪.)6‬‬
‫ويف هذا السياق يجب علينا تحديد الظهور الرسمي ملفهوم الثقافة االسرتاتيجية‪.‬‬
‫فنحن مدينون بهذا املصطلح لدراسة أجراها جاك سندير ‪ ،Jack Sndyer‬نرشتها‬
‫مؤسسة راند ‪ Rand‬يف العام ‪ .)7(1977‬وألنه استوحى هذا املصطلح من مفهوم‬
‫«الثقافة السياسية»‪ ،‬فإنه يعرف الثقافة االسرتاتيجية بأنها مجموعة من ا ُملثل‬
‫العليا واالستجابات العاطفية املرشوطة وأمناط السلوك املعتادة التي اكتسبها‬
‫أعضاء املجتمع الوطني االسرتاتيجي عن طريق التعليم أو التقليد حيث ُتقتسم‬
‫بينهم عندما يتعلق األمر باالسرتاتيجية النووية(‪.)8‬‬
‫وألن الرجوع إىل «االسرتاتيجية النووية» مرتبط بقضية التحليل‪ ،‬فلن يسهم‬
‫هذا األمر يف الحد من مجال الثقافة االسرتاتيجية يف حني أن البحوث الالحقة تخ ّلف‬
‫وراءها بوضوح وببساطة هذا التعريف األخري‪.‬‬
‫إن علينا تتبع األعامل التي ُتعيد استخدام هذا املصطلح بطريقة مرنة مثل‬
‫املفاهيم التي تحدث عنها كولني إس غراي ‪ ،)9(Colin S. Gray‬حيث إنها تضع‬
‫تعريفا للثقافة االسرتاتيجية التي تستند إىل التقدير الذايت للتجربة التاريخية‬
‫«والصفات الوطنية»‪.‬‬
‫إن الثقافة االسرتاتيجية ستغدو مزيجا من التاريخ والجغرافيا والفلسفة‬
‫السياسية أو لنقل الثقافة املدنية‪ .‬تجدر اإلشارة إىل أن كولني إس غراس غراي‬
‫يفرتض وجود ثقافات اسرتاتيجية وطنية متميزة‪ .‬إنه يعتربها نوعا من البيئة التي‬
‫‪125‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫تؤثر يف عملية صنع القرار‪ .‬يف الوقت نفسه‪ ،‬يربز كل من كني بوث ‪Ken Booth‬‬
‫وديفيد يت‪ .‬توينينغ ‪ David T. Twining‬حقيقة أن الثقافة االسرتاتيجية تجعل‬
‫من املمكن فهم نيات األطراف الفاعلة بشكل أفضل من مجرد دراسة القدرات‬
‫املادية(‪ ،)10‬حيث ُيقدَّ م تحليل البعد الثقايف باعتباره وسيلة لفهم هذه األطراف‬
‫الفاعلة واألخذ بعني االعتبار املثل التي يقدمونها عن أنفسهم أو التي تتعلق‬
‫بأساطريهم‪ .‬يف املجمل‪ ،‬يرى أصحاب هذا الرأي أن تحليل ال ُبعد الثقايف يعترب‬
‫الوسيلة لفهم االتجاهات وليس فقط العوامل املتغرية التي تحدد السلوكيات‬
‫بدقة‪ .‬سوف يضيف كارنيس لورد ‪ Carnes Lord‬بعض العنارص املنهجية‪.‬‬
‫فبالنسبة إليه‪ ،‬تتكون الثقافة االسرتاتيجية من الجغرافيا السياسية والعالقات‬
‫الدولية والثقافة السياسية واأليديولوجية والثقافة العسكرية (التاريخ العسكري‬
‫والتقاليد وتعليم الجنود) والعالقات املدنية العسكرية يف التنظيم البريوقراطي‬
‫والتجهيزات والتسليح والتقنيات املتاحة(‪ .)11‬وإذ يتعلق األمر بقامئة كبرية‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فإنها تخلو من التسلسل الهرمي‪ .‬مهام يكن‪ ،‬فإن هذه األعامل تعمل عىل‬
‫نرش مفهوم الثقافة االسرتاتيجية الذي أصبح له قبول عىل نطاق واسع(‪.)12‬‬

‫مفهوم الثقافة االسرتاتيجية‪...‬‬


‫الثقافوية والتاريخ والعلوم االجتامعية‬
‫بفضل لوسيان فيرب ‪ Lucien Febvre‬ومارك بلوخ ‪ ،Marc Bloch‬بدأ مذهب‬
‫الحوليات يف التاريخ يتشكل بعد التحرير‪ .‬يأيت هذا املذهب ليقدم أطروحات‬
‫لقضايا اجتامعية يف ثنايا منهجه‪ .‬وقد غدا الباحثون الجدد الذين خرجوا من عباءة‬
‫هذا التيار أقل اهتامما بإعادة بناء التفسريات امليكانيكية من الباحثني القدامى‪.‬‬
‫ويهتم تاريخ هذه الحوليات كثريا بتسليط الضوء عىل العمليات الذهنية والتمثيل‬
‫واملعاين‪ .‬سيكون ملدرسة الحوليات التأثري الكبري يف كيفية التفكري وكتابة التاريخ يف‬
‫جميع أنحاء العامل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد لوحظ يف البداية عدم اهتاممها بقضايا الحرب‪.‬‬
‫إذ يرفض تاريخ الحوليات النموذج التأريخي القديم الواقعي املتعلق بالحمالت‬
‫واملعارك‪ .‬بالنسبة إىل منتقديها‪ ،‬فإنهم يرون أنها متنع تطور التاريخ العسكري‪.‬‬
‫كان ال بد من انتظار عدة عقود يك يظهر «تاريخ عسكري جديد» متأثرا بتاريخ‬
‫‪126‬‬
‫مفهوم الثقافة االسرتاتيجية‪...‬‬

‫الحوليات ومهتام بدراسة الرصاعات(‪ ،)13‬والذي سيخرج إىل النور من رحم هذه‬
‫الرصاعات األعامل التي تتعرض للثقافات ولخيال املحاربني‪.‬‬
‫يعد هذا املسار مسارا غري مبارش‪ .‬فخالل األعوام ‪ ،1980 - 1970‬كان هناك‬
‫اهتامم متجدد بالظاهرة العسكرية من قبل املؤرخني‪ .‬يتضح هذا األمر بشكل خاص‬
‫يف البلدان األنجلوساكسونية‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬فقد أدى اإلعجاب باألدوات النظرية‬
‫الرسمية (مثل نظرية اللعبة أو البحث اإلجرايئ)‪ ،‬التي ُأشيد بها كثريا يف أوساط‬
‫املعنيني بالدفاع‪ ،‬إىل املساهمة يف توفري فرصة سانحة لهم‪ .‬يتناول الباحثون سلسلة‬
‫من األسئلة ذات الطابع االجتامعي‪ ،‬السيام تلك املتعلقة بالبريوقراطيات العسكرية‬
‫واملجموعات االجتامعية يف الجيش‪.‬‬
‫وميكن مالحظة هذا االتجاه مع ظهور املجالت املتخصصة مثل مجلة «األمن‬
‫الدويل» ‪ International Security‬أو مجلة «الدراسات االسرتاتيجية» ‪The Journal‬‬
‫‪ ،of Strategic Studies‬حيث متكن قراءة مساهامت املتخصصني يف السياسة وعلم‬
‫االجتامع والتاريخ(‪.)14‬‬
‫من خالل هذا السياق تظهر األعامل املرتبطة بالثقافة التنظيمية والثقافة‬
‫العسكرية‪ .‬حيث ُتقدم يف بعض األحيان عىل أنها تحليالت تاريخية أو اجتامعية‬
‫أو أنها تتعلق بالظاهرة السياسية (أو تعليقات ملامرسني يهتمون بالقضايا النظرية‬
‫واملنهجية بشكل سطحي)(‪ .)15‬نضيف إىل ذلك أن بعض املؤلفني مييزون‪ ،‬اآلن‪،‬‬
‫مفهوم الثقافة التنظيمية والعسكرية عن مفهوم الثقافة االسرتاتيجية‪ .‬حيث ميكن‬
‫فهم الثقافة االسرتاتيجية من خالل الطرح السيايس‪ ،‬يف حني ترتبط الثقافة العسكرية‬
‫بشكل مبارش بأداء املؤسسة العسكرية‪.‬‬
‫أخريا‪ ،‬منذ مثانينيات القرن املايض‪ ،‬ويف املجال التاريخي نالحظ ظهور‬
‫أعامل تتعلق بـ «ثقافة الحرب» و«التخيالت االسرتاتيجية» و«األطر العقلية»‬
‫و«الثقافة االسرتاتيجية»(‪.)16‬‬
‫بدورها‪ ،‬تسرتشد هذه الحقول املعرفية بالقضايا التي تتضمنها مدرسة الحوليات‪،‬‬
‫وبالفكرة االجتامعية التي تهتم ببناء الواقع االجتامعي‪ ،‬ومبفهوم طريقة الحرب‬
‫أو مبفهوم الثقافة السياسية‪ .‬ميكن لهذه املفاهيم أن تعد الفرصة املتاحة للمؤرخ‬
‫لتسليط الضوء عىل الروابط بني املامرسات الحديثة والقدمية‪ ،‬كام ميكن لها أن تكون‬
‫‪127‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫وسيلة لعرض كيفية توجيه املامرسات االسرتاتيجية من خالل التمثيالت (املشوهة‬


‫إىل حد ما) التي تسمح للجهات الفاعلة السياسية أو العسكرية أو حتى للمدنيني‬
‫باالستفادة من فعالية األدوات العسكرية(‪.)17‬‬

‫دور البنائية‬
‫مثة مرحلة إضافية تضمنها منهج العالقات الدولية مع ظهور التيارات النظرية‬
‫البنائية‪ .‬فقد كانت هناك فكرة مفادها أن الواقع االجتامعي الذي هو من مثرات‬
‫البنيوية البينذاتية قد ثبت بالفعل وجوده يف عديد من املناهج مثل الفلسفة‬
‫وعلم النفس‪ .‬أما عن املادية‪ ،‬فامزالت مهيمنة منذ فرتة طويلة عىل مجال دراسة‬
‫السياسة الدولية‪ .‬بيد أنها ستكون موضع شك يف البداية من خالل تحليالت الصور‬
‫والتصورات املتعلقة بالسياسة الدولية‪ .‬ولن يغيب تأثري علم النفس املعريف عن هذه‬
‫التحليالت التي التزال موضوع الدراسة يف حقل العلوم السياسية والتاريخ(‪ .)18‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬فإن دراسة التصورات ليست دليال عىل الشك الكامل يف املادية السائدة‪ .‬حيث‬
‫ينظر إىل هذه التصورات يف األغلب عىل أنها املتغري التوضيحي الذي متكن إضافته‬
‫إىل اآلخرين‪ ،‬باعتبار أن التصورات تؤثر يف السلوكيات‪.‬‬
‫يف الثامنينيات والتسعينيات‪ ،‬خصوصا‪ ،‬ظهرت البنائية االجتامعية يف العالقات‬
‫الدولية‪ .‬حيث فرضت نفسها إىل حد كبري كناقد للواقعية ومادتها‪ .‬ووفقا للبنائية‬
‫االجتامعية‪ ،‬فإن األطراف الفاعلة‪ ،‬من خالل تفاعالتها‪ ،‬تعمل عىل تشكيل حياة‬
‫اجتامعية من خالل سلسلة من القيم واملعايري‪ .‬ثم يتشكل الواقع بطريقة‬
‫بينذاتية من خالل هذه السلسلة‪ .‬ولذلك‪ ،‬يتحتم عىل من يدرس السياسة الدولية‬
‫أن يحلل املعتقدات والنامذج املفاهيمية واملشاعر واألفكار والصور واملعارف‬
‫والدالالت والسلوك العقيل (‪ )mind-sets‬واملعايري والتوجهات والرموز والقيم‬
‫ومتثيالت العامل التي تنتجها الجهات الفاعلة يف السياسة الدولية(‪ .)19‬وفقا لخطة‬
‫محددة بشكل محكم‪ ،‬تتميز املعايري بنوعني من التأثريات‪ - 1 :‬تأثريات تأسيسية‬
‫– حيث تعترب املعايري هي منشأ الهويات التي تعمل عىل تحديد «األدوار»‬
‫االجتامعية (وبهذه الطريقة‪ ،‬فإن املعايري تضع رشوط تشكيل املصالح)؛ ‪- 2‬‬
‫تأثريات التنظيمية – حيث يكون للمعايري تأثري عند وصف أو رفض السلوكيات‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫مفهوم الثقافة االسرتاتيجية‪...‬‬

‫لهذا الغرض‪ ،‬ستمنح البنائية االجتامعية الفرصة للباحثني الستعادة مفهوم‬


‫الثقافة االسرتاتيجية (باإلضافة إىل املفهوم القريب «ثقافة األمن القومي») التي‬
‫ينظر إليها عىل أنها املعرب عن مكون الهوية(‪.)20‬‬
‫وهكذا‪ ،‬بالنسبة إىل أالستري إيان جونستون ‪ ،Iain Johnston‬ومن منظور بنايئ‪،‬‬
‫فإن الثقافة االسرتاتيجية تعترب نظاما متكامال من الرموز (مثل البنية الذرائعية واللغة‬
‫والتشبيهات واالستعارات) التي تعمل عىل وضع األولويات االسرتاتيجية وكيفية‬
‫صياغتها(‪ .)21‬وتتعلق األولويات هنا بدور القوات املسلحة يف الشؤون البيندولية ويف‬
‫املعتقدات املرتبطة بفاعلية هذه القوى‪ .‬متنح الثقافة االسرتاتيجية هذه املفاهيم‬
‫الصورة التي تجعل هذه الخيارات غري قابلة للنقاش وذات فاعلية كبرية‪.‬‬
‫ويضيف املؤلف أن هذه الخيارات تتضح من خالل االسرتاتيجية ولفرتة‬
‫طويلة‪ .‬وأخريا‪ ،‬فإن الثقافة االسرتاتيجية ستكون قادرة عىل رشح ثالثة أنواع‬
‫من االعتبارات‪ - 1 :‬الوظيفة التي تنتسب إىل الحرب يف العالقات الدولية‪- 2 .‬‬
‫الكيفية التي ميكن بها فهم الخصم والتهديد الذي ميثله‪ - 3 .‬اإلشكالية املتعلقة‬
‫بفاعلية القوة ملواجهة التهديد‪.‬‬
‫إىل جانب البنائية االجتامعية‪ ،‬فقد حدث بعد ذلك تطوير رؤيتني متشددتني أكرث‬
‫من البنائية‪ :‬النظرية النقدية وما بعد البنائية‪ .‬النظرية النقدية (املتأثرة بجراميش‬
‫‪ Gramsci‬أو مدرسة فرانكفورت أو بورديو ‪ ،)Bourdieu‬تعترب أن الخطابات هي‬
‫يف الواقع أيديولوجيات‪ .‬إنها تنتج «الحس املشرتك» الذي يخفي عالقات القوة (التي‬
‫تربط العامل املادي البحت بروابط اإلنتاج االقتصادي)‪ .‬ستكون الثقافة‪ ،‬من هذا‬
‫املنطلق‪ ،‬الوسيلة التي يستطيع املهيمنون من خاللها تثبيت قوتهم عن طريق بناء‬
‫«الحقيقة»‪ .‬نتيجة لذلك‪ ،‬فإن فك شفرة الثقافات سيكون الرشط األسايس ألعامل‬
‫التحرر‪ .‬وبصورة عامة‪ ،‬من خالل النظرة النقدية‪ُ ،‬تتصور الثقافة االسرتاتيجية عىل‬
‫أنها سلسلة من الخطابات التي تربر الحفاظ عىل البنية األمنية للدول املسيطرة‬
‫ملصلحة األقلية التي تتحكم يف هذه البنية(‪ .)22‬وألن مرحلة ما بعد البنائية (التي‬
‫غالبا ما تكون مستوحاة من كتابات ميشيل فوكو ‪ )Michel Foucault‬تركز عىل‬
‫الروابط بني الخطاب الذي يهتم بإنتاج املعنى وتأثريات السلطة‪ ،‬فإن هذا النهج‬
‫مييل إىل أن يكون أقل اهتامما مبسألة وجود املهيمنني‪ .‬ولهذا تتناول أبحاث ما بعد‬
‫‪129‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫البنائية قضية تحديد سلوكنا من خالل تكرار الخطابات التي تخلق ما ميكن أن‬
‫نعتربه حقيقيا أو رضوريا أو مالمئا‪ .‬من هنا‪ ،‬تبدو الثقافة االسرتاتيجية قبل كل يشء‬
‫كأنها كانت سلسلة من الخطابات التي تساعد عىل إضفاء الرشعية عىل االعتقاد‬
‫بوجود األعداء وعىل مدى أهمية استخدام الوسائل العسكرية(‪.)23‬‬
‫يف الواقع‪ ،‬تقرتح التيارات البنائية املختلفة‪ ،‬باإلضافة إىل بعض األبحاث‬
‫التاريخية‪ ،‬إعادة تأكيد املفهوم الثقايف يف تفسري املجتمع الدويل لألمن من خالل‬
‫الخطابات واملعايري والقيم واألفكار‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ما القضايا األمنية الخاصة التي ميكن‬
‫أن تطبق عليها هذه االعتبارات الثقافية؟‬

‫القضايا الثقافية االسرتاتيجية‬


‫من الثقافة االسرتاتيجية الوطنية والبريوقراطية‬
‫إىل الثقافة الشعبية عن الحرب‬
‫من الناحية التقليدية‪ ،‬تركز الدراسات املتعلقة بالثقافات االسرتاتيجية عىل‬
‫مجموعات غري محددة عىل الصعيد الوطني‪ .‬تهتم بعض الدراسات‪ ،‬منذ البداية‪ ،‬بوجود‬
‫ثقافات اسرتاتيجية متميزة تخص الواليات املتحدة األمريكية واالتحاد السوفييتي‬
‫وفرنسا والصني(‪ .)24‬كانت القضية يف بادئ األمر تتعلق بتحديد الخصائص التي تعمل‬
‫داخل عموم الدولة (كالثقافة السياسية واأليديولوجية والوضع الجغرايف السيايس‪ ...‬إلخ)‬
‫من أجل إبراز األولويات االسرتاتيجية (عىل سبيل املثال‪ ،‬الرغبات الهجومية أو الدفاعية‬
‫املبارشة أو غري املبارشة العسكرية أو املحايدة)(‪ .)25‬ولهذا‪ ،‬فقد ثبت أن املعرفة التاريخية‬
‫بكل هذه الحاالت تبدو رضورية جدا‪.‬‬
‫يف موازاة ذلك‪ ،‬تسعى هذه األعامل إىل فك رموز وجود الثقافات التنظيمية من خالل‬
‫الرتكيز عىل تحليل التمثيالت التي ُتنقل إىل داخل البريوقراطيات العسكرية (واألمنية)‬
‫الوطنية‪ .‬يف هذا السياق‪ ،‬تشري منشورات العلوم السياسية إىل وجود معايري وخطابات تؤثر‬
‫يف الخيارات االسرتاتيجية عندما يتعلق األمر بالهجوم والدفاع أو بحظر ومتيز بعض تقنيات‬
‫التدمري وتحديد نوع الرصاع الذي يفضل مكافحته أو بصياغة املفاهيم العسكرية(‪ .)26‬من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬فقد أدرجت بعض البحوث قضايا علم االجتامع املهتم بالعلوم والتقنيات يف‬
‫عملية إنتاج املعرفة ضمن جملة معارف أخرى تتعلق بالحقل النووي(‪ .)27‬من جهتهم‪ ،‬فقد‬
‫‪130‬‬
‫مفهوم الثقافة االسرتاتيجية‪...‬‬

‫استمر املؤرخون يف فك رموز التخيالت التي تدعم املامرسات الحربية مثل اسرتاتيجيات‬
‫الفناء يف املستعمرات أو عند اللجوء إىل الطائرات املقاتلة(‪.)28‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬وبعيدا عن األبعاد الوطنية والبريوقراطية‪ ،‬سوف يكون من الرضوري‬
‫أال نتجاهل قضية التمثيالت الحربية داخل املجتمع بأكمله‪ .‬يف الواقع‪ ،‬ميكن للمرء أن‬
‫يتعامل مع سلسلة من الصور التي تدور حول الحرب والتي أنتجها جهاز الدولة‪ ،‬أو‬
‫أنه مل يقم بذلك‪ ،‬والتي توزع خارج حقل املهنيني املشتغلني باالسرتاتيجية والتي تنتهي‬
‫بتشكيل الثقافات‪ .‬لقد دُرست هذه التمثيالت‪ ،‬التي ميكن لها عند الرضورة تشكيل‬
‫«ثقافة الحرب»‪ ،‬بشكل رئييس ضمن مجال التاريخ وعلم اإلنسان والدراسات األدبية‪.‬‬
‫ميكن أن نعرث عىل أثر هذه القضايا يف األعامل التي تتعلق بوجود التمثيالت الشاعرية‬
‫الشعبية واملوروثة من العصور الوسطى‪ .‬لقد ُأسست هذه التمثيالت بشكل ُمستدام‬
‫يف أوروبا(‪ .)29‬هناك أيضا أثر لهذه القضايا يف األبحاث التي تتناول اإلخراج املرسحي‬
‫الحريب من خالل اللوحات الفنية أو الكتب التاريخية أو التامثيل يف عرص لويس الرابع‬
‫عرش(‪ .)30‬من هذا املنطلق ميكن للمرء أيضا أن يذكر األعامل التي ترتبط بوجود الثقافة‬
‫الشعبية الحربية التي سبقت الحرب العاملية األوىل والتي مارست دورا رئيسيا يف رشعية‬
‫الرصاع – عىل الرغم من وجود مناقشات متضاربة تدور حول هذه الثقافة بحيث‬
‫يرى بعض املؤرخني أنها مجرد دعاية رسمية مقنعة(‪ ،)31‬األمر الذي يتيح لكل هذه‬
‫األبحاث أن تتناول بشكل أفضل طريقة إدراك كل املجتمع للحرب‪ .‬تجدر اإلشارة إىل أن‬
‫هذه األبحاث‪ ،‬يف بعض الحاالت‪ ،‬ال تتعرض لتشكيل الثقافات الحربية‪ .‬وقد يبدو لهؤالء‬
‫املؤرخني أهمية التطور الخيايل النقدي ضد املامرسات العسكرية(‪.)32‬‬

‫الثقافة العابرة للحدود الوطنية وثقافة األمن الدويل‬


‫إذا كانت قضية الثقافة االسرتاتيجية والثقافة األمنية تتعلق بالنخب السياسية‬
‫الوطنية وبالثقافات العسكرية داخل مجموعات من الجنود أو بالتمثيالت البريوقراطية‬
‫أو املجتمعية‪ ،‬فإنها أيضا تستند إىل وظيفة املعايري والتمثيالت العابرة للحدود الوطنية‬
‫والدولية‪ .‬انطالقا من هذه النقطة‪ ،‬يجب أوال أن ننتبه إىل أعامل املؤرخني الذين‬
‫يشجعون عىل االعتقاد بأن هناك ثقافة اسرتاتيجية غربية‪ ،‬ظهرت خالل العصور اليونانية‬
‫القدمية‪ ،‬سوف تنترش بعد ذلك يف أوروبا ثم يف جميع أنحاء العامل الغريب‪ .‬ستكون‬
‫‪131‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫هذه الثقافة مستوحاة من منوذج معركة اإلبادة التي نفذها املعسكر الليستاموين‬
‫‪ .)33(Lacedaemonian‬لذلك ينبغي النظر يف إشكالية وجود معيار اسرتاتيجي عسكري‬
‫عابر للحدود الوطنية عندما يتعلق األمر باإلبادة‪.‬‬
‫لقد تناول مؤلفون يف مجال البنائية االجتامعية للعالقات الدولية فكرة املعايري‬
‫العسكرية العابرة للحدود الوطنية‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬يسلط ثيو فاريل ‪Theo Farrell‬‬
‫الضوء عىل الكيفية التي يتبنى بها الجيش األيرلندي الناشئ‪ ،‬الخارج من حرب‬
‫العصابات‪ ،‬تنظيام عسكريا «كالسيكيا» بشكل رسيع(‪ .)34‬وفقا لهذا الباحث‪ُ ،‬تفرس هذه‬
‫الظاهرة من خالل وجود معيار عابر للحدود الوطنية يفضل اعتامد هذا النوع من‬
‫الكيانات املوجودة بني القوى‪ .‬لقد اتضح عند سارة ليونارد ‪ Sarah Léonard‬وتيريي‬
‫بلزاك ‪ Thierry Balzacq‬أن مفهوم الثورة يف الشؤون العسكرية (‪ )RMA‬قد أثر يف‬
‫ثقافة االسرتاتيجية للناتو (‪ )NATO‬يف حقبة ما بعد الحرب الباردة(‪.)35‬‬
‫وأخريا‪ ،‬اهتم باحثون آخرون بالتحقيق يف إمكانية وجود ثقافة اسرتاتيجية‬
‫تخص االتحاد األورويب وناتجة عن عادات التعاون بني أعضائه(‪.)36‬‬
‫يف النهاية‪ ،‬أبرزت األبحاث يف العالقات الدولية وجود ثقافات اسرتاتيجية وأمنية‬
‫«متعددة الجنسيات»‪ .‬لهذا‪ ،‬يدافع مارتن شو ‪ ،Martin Shaw‬من خالل النهج‬
‫االجتامعي للحرب املعارصة‪ ،‬عن األطروحة التي تقول برضورة تصور وجود «أسلوب‬
‫يف الحرب» ضمن إطار أوسع نطاقا من الدولة‪ .‬فهو يرى وجوب األخذ بعني االعتبار‬
‫ظهور الطريقة الغربية للحرب (‪ ،)western way of war‬من بني جملة أمور‬
‫أخرى تتميز بتفادي املخاطرة بالعسكريني(‪ .)37‬يف حني يقول كل من كيث كراوس‬
‫‪ Keith Krause‬وأندرو الثام ‪ Andrew Latham‬بوجود ثقافة أمنية غربية تتعلق‬
‫بنزع السالح والتحكم يف التسليح والحد من انتشار األسلحة من أجل رشح تطور‬
‫املامرسات السائدة يف هذا املجال(‪.)38‬‬

‫الثقافة االسرتاتيجية والثقافة العسكرية عىل مستوى األفراد‬


‫ال تأيت أهمية األولويات عىل املستوى الدفاعي واألمني أو االسرتاتيجي فقط‬
‫ضمن املامرسات البريوقراطية وال عىل املستوى الدويل أو املنظامت الدولية‪ .‬حيث‬
‫يعتمد فهم القضايا االسرتاتيجية عىل تحليل األفضية العقلية لألفراد وللمجموعات‬
‫‪132‬‬
‫مفهوم الثقافة االسرتاتيجية‪...‬‬

‫الصغرية املكونة من األفراد التابعة لهم‪ .‬لذلك‪ ،‬يتحتم البحث عن مكونات هذه‬
‫األفضية بني الجنود والضباط والديبلوماسيني والسياسيني أو بني الخرباء‪.‬‬
‫وميكن‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬عند هذا املستوى أن نطرح تساؤال عن التأثري الذي‬
‫ميكن أن ميارسه التفكري االسرتاتيجي القديم (عند فوالرد ‪ Folard‬أو كالوزفيتز أو‬
‫حتى جوميني ‪ .)Jomini‬كام أنه من املمكن طرح سؤال عن انفتاح النخبة عىل‬
‫األفكار الجديدة يف مجال الدفاع‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إىل أن هناك العديد من األعامل التي تتناول التمثيالت املرتبطة‬
‫باألفراد و«الجنود البسطاء»‪ .‬من خالل الدراسات ذات الصلة بالجنود والتي تركز‬
‫عىل ظروفهم املعيشية اليومية‪ ،‬متكن املتخصصون يف علم اإلنسان (األنرثوبولوجي)‬
‫وعلم االجتامع واملؤرخون من فهم جيد لكيفية تأثري األفكار والقيم واملعتقدات‬
‫والتمثيالت يف الرجال‪ .‬هذه األسئلة ميكن لها أن تتطرق إىل طريقة فهم هؤالء‬
‫الجنود ألعدائهم وللمدنيني (من خالل إثارة قضايا تتناول عمليات التجريد من‬
‫اإلنسانية ووضع العنرصية)‪ ،‬ولتصوراتهم عن مفهوم الرصاع‪ ،‬ولوجود أو عدم وجود‬
‫دوافع أيديولوجية لديهم‪ ،‬وملفاهيمهم عن الهوية العسكرية‪ ،‬ووجهة نظرهم عن‬
‫التسليح‪ ،‬وللطريقة التي يدركون من خاللها نهاية الحرب‪ ،‬أو للفكرة التي ميتلكونها‬
‫عن «املجتمع العسكري» الذي يجمع بني مكوناته الجنود وعائالتهم(‪.)39‬‬
‫إن استخدام مفهوم الثقافة فيام يخص األمن واالسرتاتيجية يرضب بجذوره يف‬
‫أعامق تاريخ الفكر‪ .‬لقد ُأضفي أول طابع رسمي عليه باستخدام مفهوم النمط‬
‫الوطني يف االسرتاتيجية (طريقة الحرب أو طريقة القتال)‪.‬‬
‫ومن ثم فقد ُنظمت من قبل املؤرخني واملختصني بالعلوم السياسية خالل‬
‫فرتة السبعينيات والثامنينيات‪ .‬ومنذ التسعينيات‪ ،‬كان اللجوء إىل مفهوم «الثقافة‬
‫االسرتاتيجية» يرجع يف املقام األول إىل األعامل البنائية ضمن منهج العالقات‬
‫الدولية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬اليزال املختصون يف علم االجتامع واملؤرخون واألنرثبولوجيون‬
‫يستخدمون هذا املفهوم أو املفاهيم ذات الصلة‪ .‬ومن حيث املضمون‪ ،‬فإن األعامل‬
‫التي ُأنتجت انطالقا من شعار املدافعني عن الثقافة جعلت من املمكن فك رموز‬
‫الخطابات واملعايري والتمثيالت التي تدور حول مستويات متعددة‪ :‬الشخصية‬
‫والبريوقراطية والدولية واملجتمعية والعابرة للحدود الوطنية أو الدولية‪.‬‬
‫‪133‬‬
‫الرأي العام والفعل االسرتاتيجي‬

‫‪8‬‬

‫الرأي العام والفعل‬


‫االسرتاتيجي‬

‫إلينكا ماتيو ‪Ilinca Mathieu‬‬

‫بسبب إمكانية فهم االسرتاتيجية من خالل‬


‫الرتكيز عىل الغايات والوسائل‪ ،‬فإنها تستند إىل‬
‫عامل جوهري يتحكم يف تحقيق الغايات من‬
‫خاللها الوسائل بشكل منطقي‪ :‬يتمثل يف اإلرادة‬
‫السياسية‪ .‬ينظر كالوزفيتز‪ ،‬الذي أثرت كتاباته‬
‫يف التفكري االسرتاتيجي املعارص‪ ،‬إىل الحرب عىل‬
‫أنها رصاع اإلرادات التي تتوقف عليها قدرة‬
‫الجهات الفاعلة عىل إحداث تغيري يف إرادة‬ ‫«ميكن القول إن الرأي العام يعرب عن‬
‫البيئة وسياق الفعل االسرتاتيجي‪،‬‬
‫خصومهم لتحمل نتائج هذا الرصاع‪ .‬لهذا فإن‬ ‫وميكن أن يتحول إىل قيد حقيقي‬
‫قد يؤدي إىل عداء كامن أو إىل‬
‫الرأي العام يعترب العنرص الحاسم السيام يف‬ ‫تعبئة نشطة للجمهور مضادة للفعل‬
‫نطاق عمل الدميوقراطيات املعارصة‪ .‬وميكن‬ ‫االسرتاتيجي»‬

‫‪135‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫تعريف الرأي العام بأنه «التمثيل االجتامعي البنيوي [‪ ]...‬ملا يفرتض أنه التفكري‬
‫يف جميع السكان»(‪ ،)1‬كام أنه يشكل عملية معقدة تستند إىل التفاعل بني جهات‬
‫متعددة ومستويات من التحليل(‪ .)2‬كام ميكن أيضا دراسة الرأي العام من وجهات‬
‫نظر مختلفة‪ :‬الرأي العام الوطني والرأي العام «الدويل»(‪ )3‬أو الرأي العام للدولة‬
‫التي يتم فيها التدخل‪.‬‬
‫عىل أي حال‪ ،‬ميكن القول إن الرأي العام يعرب عن البيئة وسياق الفعل‬
‫االسرتاتيجي وميكن أن يتحول إىل قيد حقيقي قد يؤدي إىل عداء كامن أو إىل‬
‫تعبئة نشطة للجمهور مضادة للفعل االسرتاتيجي‪ .‬ولذلك‪ ،‬يعد تحليله رضوريا‬
‫ألي فعل اسرتاتيجي فعال؛ ألنه من املحتمل أن يتمتع بتأثري كبري جدا يف قرار‬
‫التدخل ويف سري العمليات(‪.)4‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن تأثري ونفوذ الرأي العام عىل الفعل االسرتاتيجي يطرح مشكلة‬
‫منهجية مزدوجة‪ .‬فهو يقرتح‪ ،‬من ناحية‪ ،‬فعال موضوعيا من خالل أدوات تضاهي‬
‫استطالعات الرأي التي التزال طبيعتها العلمية املحايدة مثرية للجدل بشكل كبري‪ .‬لن‬
‫يتعلق األمر إال بإنتاج صناعي أو ببنية خاضعة لنتائج يتفق عليها باإلجامع وتفرض‬
‫إشكالية معينة‪ .‬إن صعوبة جمع اآلراء الفردية‪ ،‬خصوصا عندما يتعلق بقضية أفضل‬
‫الخيارات االنتقالية‪ ،‬أن تجعل من الرأي العام خياال بعيد املنال‪ .‬ومن جهة أخرى فإن‬
‫تحليل تأثريه يف الفعل االسرتاتيجي ينطوي عىل تجاوز خيال الجهة الفاعلة املنفردة‬
‫بعقالنية من أجل اخرتاق «الصندوق األسود» للقرار املرتبط باستخدام القوة‪ ،‬وبتحديد‬
‫املدى الذي ميكن معه لصانعي القرار السيايس أن يضعوا‪ ،‬أو ال يضعوا‪ ،‬موقف الجمهور‬
‫يف االعتبار‪ .‬لهذا يأسف البعض بسبب انتقاد االستطالعات الذي يؤدي إىل عدم وضع‬
‫عب عنه دامئا‬
‫توصيف ملفهوم الرأي العام‪ ،‬عىل الرغم من أنه حقيقة اجتامعية مؤكدة ُي َّ‬
‫وبشكل خاص من خالل املنشورات أو املظاهرات‪ .‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬وبغض النظر عن‬
‫االنتقادات املوجهة إىل األدوات التي تجعل من الرأي العام شيئا خارجيا‪ ،‬فاليزال الرأي‬
‫العام محل إثارة لعدد معني من الصفات التي تشغل الفاعلني السياسيني بغرض التأثري‬
‫يف قراراتهم‪ ،‬ولذلك نجد أنه من الرضوري تحليل الرأي العام‪.‬‬
‫وبالنسبة إىل البعض‪ ،‬لن يكون للرأي العام وجود مستقل بذاته بعيدا عن‬
‫املواقف الحقيقية التي تؤخذ بعني االعتبار لحظة اتخاذ القرار السيايس‪.‬‬
‫‪136‬‬
‫الرأي العام والفعل االسرتاتيجي‬

‫وضع يك ‪ Key‬تعريفا للرأي العام بأنه «عبارة عن آراء يعتنقها بعض األشخاص؛‬
‫ولذلك ترى الحكومات رضورة أخذها بعني االعتبار»(‪.)5‬‬

‫الرأي موضوعا يف االعتبار‬


‫وفعالية الفعل االسرتاتيجي‪:‬‬
‫املناقشة املعيارية‬
‫هل من الواجب أن يأخذ الفعل االسرتاتيجي‪ ،‬يك يتصف بالفعالية‪ ،‬الرأي‬
‫العام يف الحسبان؟ يتوقف هذا األمر عىل الفكرة التي يستقيها املرء من طبيعة‬
‫هذا الفعل‪ .‬يوجد مفهومان رئيسيان يتعارضان‪ :‬التقليديون والتصحيحيون‪.‬‬
‫يعتقد التقليديون‪ ،‬من خالل تناول املنظرين الواقعيني للمسلامت التي سيطرت‬
‫عىل النقاشات فرتة طويلة‪ ،‬أنه يجب عزل الرأي العام عن سلوك السياسة‬
‫الخارجية التي تتصف بأنها السياسة العليا بامتياز‪ .‬يستند هذا الوضع املعياري‬
‫إىل املالحظات التجريبية التي تصور الرأي العام عىل أنه غري مستقر وغري عقالين‪،‬‬
‫األمر الذي يهدد اتخاذ القرارات التي يفرسها السياسيون‪ ،‬بشكل فعال‪ .‬أما‬
‫بالنسبة إىل التصحيحيني‪ ،‬فإنهم‪ ،‬عىل العكس من ذلك‪ ،‬يعتربون أن املواطنني‬
‫قادرون عىل إنتاج رأي مستقر ومنطقي‪ ،‬بحيث ميكن لهذا الرأي وحده أن يكون‬
‫األساس للفعل املدروس وللرغبة يف الترصف بطريقة مستدامة‪.‬‬

‫الفعل الرامي إىل الحفاظ عىل مزاج الرأي العام؟‬


‫يتعلق األمر بذريعة ضمنية أصبحت متكررة خصوصا يف إطار النهج الواقعي‬
‫القديم واملعارص‪ :‬حيث يكون الرأي العام عقبة أمام الرتويج املتسق مع املصالح‬
‫الوطنية التي تتطلب التجاوز عن التقلبات السطحية للحظة الراهنة‪.‬‬
‫إذا كانت الدميوقراطية قامئة عىل أسطورة املواطن املستنري الذي يوجه القرار‬
‫السيايس‪ ،‬فإن هذه األسطورة الخيالية قد ُشكك بالفعل فيها عىل نطاق واسع من‬
‫خالل صورة «الجمهور الشبح» عند ليبامن ‪ .)6(Lippmann‬وألن املواطن منهك‬
‫بسبب أعامله اليومية‪ ،‬فإنه ال يويل اهتامما كبريا بالقضايا السياسية الخارجية‬
‫املعقدة جدا‪ ،‬خصوصا تلك البعيدة عن مجال اهتامماته‪ .‬يحاول أملوند ‪Almond‬‬
‫‪137‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫عىل طريقته‪ ،‬انطالقا من التحليل البنيوي الستطالعات الرأي ولطبيعة الجمهور‬


‫االجتامعية‪ ،‬أن يطرح «نظرية املزاج»‪ ،‬التي تصور اآلراء املزاجية والقارصة وردود‬
‫الفعل املشبعة بالعاطفة(‪ .)7‬ونظرا إىل أن املواطن أكرث ارتباطا بالسياسة الداخلية‪،‬‬
‫فإنه لن يتمتع باملهارات املناسبة أو بالقدرة عىل الوصول إىل املعلومات الكافية‬
‫عب عنه‬‫للوقوف عىل مدى تعقيد املشاكل املثارة‪ .‬إن موقف هذا املواطن‪ ،‬الذي ُي ّ‬
‫من خالل استطالعات الرأي‪ ،‬سيختلف وفق السياق الوطني والدويل‪ .‬ويعود أصل‬
‫هذا االختالف عند التعبري عن الرأي إىل غياب البنية وسطحية معتقد املواطن‬
‫وأنظمة قيمه‪ .‬ولهذا عندما يتحول الرأي إىل مجرد حالة «مزاجية»‪ ،‬فسينتج عن‬
‫ذلك‪ ،‬إذا ما ُأ ِخذ يف االعتبار من قبل القادة السياسيني‪ ،‬املخاطرة بخيارات غري‬
‫مناسبة تؤدي إىل عواقب وخيمة محتملة‪.‬‬
‫كان هذا املفهوم عن الرأي املتقلب واملزاجي مييل إىل أن يكون راسخا بطريقة‬
‫مستدامة يف الواليات املتحدة يف أعقاب الحرب العاملية الثانية‪ ،‬ومشبعا بالخوف من‬
‫انكفاء الجمهور عىل نفسه‪ ،‬األمر الذي كان من املحتمل أن يؤدي إىل تدمري آفاق‬
‫تنمية القوة األمريكية‪ :‬فقد كان من الرضوري إذن الحفاظ عىل املصالح الوطنية‬
‫ضد هذه األخطاء‪ .‬لقد ساد هذا املفهوم واليزال يتنامى بشكل كبري إىل يومنا هذا‪.‬‬
‫وهناك كتابات معارصة عديدة التزال تنتقد الطابع السطحي والعاطفي للرأي العام‬
‫الذي يتصف بأنه غري مؤهل بسبب طبيعته ومحدوديته‪ .‬وقد أدت هذه املحدودية‬
‫إىل أن أصبحت االستطالعات عدمية القيمة‪ .‬ففي مواجهة األسئلة التي مل ُتطرح من‬
‫قبل‪ ،‬يطلب من املتحدث‪ ،‬الذي مل يكن لديه الوقت الكايف لتكوين رأي‪ ،‬اإلجابة‬
‫بشكل عشوايئ وباللجوء إىل االختصارات التجريبية أو باتباع موقف الحزب الذي‬
‫يدعمه يف السياسة الداخلية عىل سبيل املثال‪.‬‬
‫ويف هذا الشأن‪ ،‬لن تستطيع إال النخبة صياغة أفضل االختيارات الفكرية والبنيوية‬
‫ملواجهة قضايا تساوي يف تعقيدها االنتشار النووي أو استخدام الرضبات الجوية عند‬
‫نشوب نزاع ما‪ .‬وعندما يتعلق األمر بالتدخل املسلح‪ ،‬فال ينبغي أن نتجاهل أن‬
‫الخيارات املتاحة ال تقترص عىل معارضة بسيطة بني اختيار التدخل أو عدم التدخل‪،‬‬
‫األمر الذي يؤدي إىل تعقيد ال تسمح استطالعات الرأي بوضع حل له‪ .‬من هذا‬
‫املنظور‪ ،‬فإن أخذ االستطالعات يف االعتبار يظهر االنجراف الخطري نحو الغوغائية‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫الرأي العام والفعل االسرتاتيجي‬

‫هذا النهج املتبع مع الرأي العام يربر عملية التمييز املفاهيمي الذي يفعله‬
‫الواقعيون بني السياسة العليا والسياسة الدنيا‪ .‬عندما ُيشارك املواطنون يف أمور‬
‫السياسة الداخلية‪ ،‬فستعتمد السياسة الخارجية‪ ،‬من وجهة النظر هذه‪ ،‬عىل‬
‫املعلومات الحساسة‪ ،‬وسيتطلب األمر درجة من الرسية والفاعلية عالية جدا‪.‬‬
‫يستند هذا املفهوم إىل فكرة مفادها أن كل دولة ميكن أن تحدد املصلحة الوطنية‬
‫املوضوعية بحيث يجب املحافظة عىل التعريف العقالين واملحايد من تقلبات‬
‫املناقشة العامة‪ .‬يف بعض الدول‪ ،‬كام يف فرنسا‪ ،‬تكتسب السياسة الخارجية وضع‬
‫«املنطقة املحظورة» عىل السلطة التنفيذية‪ .‬سيكون الفعل االسرتاتيجي أكرث فعالية‬
‫ألنه سيتحرر من «العواطف» غري العقلية املتعلقة بالرأي والنزاعات السياسية‪.‬‬
‫وستكون هناك إمكانية اللجوء إىل استخدام القوة من دون نقاش برملاين أو تفويض‬
‫مسبق يسمح باتخاذ قرار رسيع مع توافر املرونة الالزمة يف حاالت الطوارئ‪ .‬عندما‬
‫تدعي دولة‪ ،‬مثل فرنسا‪ ،‬تحملها املسؤوليات الدولية وتطالب بأداء دور املحاور‬
‫الرضوري يف حال نشوب األزمات‪ ،‬فإن هذه املرونة ستكون األصل االسرتاتيجي‬
‫املعرتف به واملرغوب فيه من جميع األطراف‪.‬‬

‫النقاش العام والفعالية االسرتاتيجية‬


‫هذا املفهوم امليكيافييل للسياسة الخارجية‪ ،‬الذي ُيدرج ضمن عقيدة املصلحة‬
‫الوطنية التي تتبناها الدولة‪ ،‬ميكن أن يعتربه البعض كاليشء الذي عفى عليه الزمن‪،‬‬
‫عىل الرغم من أن األعامل التي تستند إليها ستكون مدعومة بآراء النخب‪.‬‬
‫فإذا كانت الرسعة والرسية املطلقة للقرار سيكون لهام ما يربرهام بالكامل‬
‫يف سياق الحرب الباردة ويف ضوء التهديدات الحيوية املحتملة مبا يف ذلك التهديد‬
‫النووي‪ ،‬فإن اللجوء إىل استخدام القوة املسلحة يحدث اليوم بشكل أسايس يف إطار‬
‫العمليات الخارجية من دون وجود عالقة مبارشة وفورية لبقاء الدولة‪ .‬إن ذريعة‬
‫الالمباالة يف الرأي‪ ،‬التي تغذي الجهل‪ ،‬ميكن أن تحل محلها فكرة مفادها االرتباط‬
‫الوثيق مبشاعر املواطن العاجز فيام يتعلق مبسألة السياسة الخارجية التي تحتكرها‬
‫النخب الحاكمة‪ .‬عندئذ سيكون كافيا إرشاك املواطنني حتى يكونوا مهتمني وعىل‬
‫اطالع ويصبحوا مؤهلني مبا يكفي إلنتاج رأي ثابت ومتامسك‪ .‬وهكذا حاول التيار‬
‫‪139‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫التصحيحي تفكيك النهج التقليدي القائم عىل افرتاضات متعارضة جذريا‪ .‬من خالل‬
‫تنفيذ عملية طويلة لعقلنة مناهج الرأي العام واستعادة فكرة دميوقراطية تشاركية‬
‫محتملة ومرغوب فيها‪.‬‬
‫تنص العبارة املشهورة لباغ وشابريو ‪ Page et Shapiro‬عىل أن «مفهوم‬
‫الجمهور املتقلب يدلل عىل أسطورة»(‪ .)8‬إن استبعادهام نظرية املزاج يعتمد بشكل‬
‫خاص عىل فكرة مفادها أن التغيريات املفاجئة يف الرأي‪ ،‬بعيدا عن الخيانة التي‬
‫تتعلق بعدم استقراره‪ ،‬تظهر عىل العكس من ذلك عقالنية كبرية‪ ،‬حيث إنها ترتبط‬
‫باختالفات يف منطق األحداث أو يف طبيعة املعلومات املتاحة‪ .‬إن التقلبات التي‬
‫ينتقدها التقليديون ترتبط يف الواقع بتوجهات ترجع إىل أسلوب االستطالعات أو‬
‫إىل سوء تفسريها‪ :‬إن تفسري إحالة هذا التنوع يف االستجابة لالستطالعات إىل تقلب‬
‫اختيارات املصوتني عن طريق إخفاء العوامل املحتملة األخرى يخلق نوعا من‬
‫الغموض تتعدد جوانبه(‪ .)9‬لذلك سيكون من املمكن التحدث عن رأي عام مستقر‪.‬‬
‫سيكون لدى أي رأي عام بنية تسمح بالتنبؤ بالسلوك رشيطة تحليل املكونات‬
‫الفردية انطالقا من نظرية الدوافع‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬تسمح التغطية اإلعالمية املتزايدة لألحداث الدولية برؤية‬
‫أفضل للسياسة الخارجية‪ .‬يبدو أن الرأي العام سيكون معنيا وسيجري إعالمه‪ ،‬حتى‬
‫لو تعلق األمر بالردع النووي خالل الحرب الباردة‪ ،‬بالرهان األقل تعقيدا(‪ ،)10‬حيث‬
‫يستطيع الجمهور االهتامم بأشياء ال تهمه بشكل مبارش‪ .‬يف أواخر التسعينيات‪ ،‬عىل‬
‫سبيل املثال‪ ،‬اعتربت األغلبية العظمى من األمريكيني أنه من غري املقنع القول إن‬
‫كوسوفو بعيدة كل هذا البعد عن الواليات املتحدة ومصالحها لتربير املخاطرة فيها‬
‫بحياة الجنود(‪ .)11‬إن عزوف املواطنني عن دعم نفقات السياسة الخارجية‪ ،‬والذي‬
‫ُيعرب عنه أحيانا يف استطالعات الرأي‪ ،‬قد ال يلبي يف الواقع سوى بعض املتطلبات‬
‫التي تتعلق بالفاعلية يف مواجهة التدخالت ‪ -‬السيام من جانب األمم املتحدة ‪ -‬التي‬
‫ُتنتقد عىل نطاق واسع بسبب إخفاقاتها‪ .‬بعيدا عن توضيح أسباب هذا اإلحجام‪،‬‬
‫فإن هذه النتائج‪ ،‬عىل العكس من ذلك‪ ،‬تعرب عن طلب استفسار قوي يتعلق بهذا‬
‫األمر وإىل حساب عقالين جدا‪ :‬ما هو الهدف من متويل اإلجراءات التي تفشل يف‬
‫تحقيق أهدافها(‪)12‬؟‬
‫‪140‬‬
‫الرأي العام والفعل االسرتاتيجي‬

‫إن الجانب الف ّعال للرأي العام يربر رضورة أخذه بعني االعتبار يف عملية صنع‬
‫القرار‪ .‬الفكر الليربايل يشجع عىل أهمية مشاركة املواطنني الحقيقية يف صنع القرار‬
‫بأنفسهم‪ ،‬كام أنه يلفت االنتباه إىل االستحالة املادية لعملية املشاركة املبارشة التي‬
‫ميكن تصحيحها من خالل املشاورات املتكررة‪ .‬بالنسبة إىل الليرباليني املنارصين‬
‫كانت ‪ ،Kant‬سيكون لصنع القرار الدميوقراطي الفضل يف الدعوة إىل التوسع‬ ‫لفكر ْ‬
‫يف عملية السالم عن طريق الحد من الطابع العدواين للدول ‪.‬‬
‫(‪)13‬‬

‫برصف النظر عن انعدام القيم األخالقية للكذب‪ ،‬ميكن فهم األرسار واملصلحة‬
‫الوطنية باعتبارها نوعا من الوسائل التي تخدم السيايس ليك يحول الدولة من العمل‬
‫للمصلحة العامة إىل العمل من أجل املصالح الشخصية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬من الرضوري وضع‬
‫املواطن يف قلب العملية التداولية الخاصة بالنظام الدميوقراطي وتهيئته يك يتحرك‬
‫لوضع حد للهيمنة السياسية للدولة عىل املواطنني‪ .‬ويرى البعض‪ ،‬يف هذا الخصوص‪،‬‬
‫أن استطالعات الرأي ميكن أن تكون أداة الستعادة الصلة بني املواطنني وممثليهم‪.‬‬
‫إن ميزان قوة الربملان الوطني يتحدد من خالل إقراره الستخدام القوة الذي يعترب‬
‫جوهر هذه املناقشة‪ .‬لقد أقرت بعض الدول‪ ،‬مثل أملانيا‪ ،‬نظام التفويض املسبق‬
‫الذي كان معموال به منذ التاريخ الوطني وملزما لألجهزة التنفيذية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬
‫الرئيس األمرييك يف حال عدم خضوعه ملثل هذه القيود سيواجه الكونغرس‪ ،‬صاحب‬
‫الثقل السيايس القوي جدا‪ ،‬من خالل إرصار الجناح املختص بقانون قوى الحرب‬
‫(الذي يتمتع بقيمة دستورية ُنوقشت) عىل املوافقة بالتمديد إىل ما بعد الستني‬
‫يوما ألي عملية خارجية يقررها الجهاز التنفيذي‪ .‬منذ العام ‪ُ 2008‬منح الربملان‬
‫الفرنيس السلطة نفسها التي تسمح بتمديد العمليات فرتة أطول من ذلك بكثري‬
‫(أربعة أشهر) ضمن نظام أغلبية غري ملزم للرئيس بشكل كبري‪.‬‬
‫وبعيدا عن أي موقف مبديئ من النظام الدميوقراطي‪ ،‬سيتعلق األمر حتام‬
‫مبسألة فعالية الفعل االسرتاتيجي‪ .‬إن وجود نقاش سيايس يربط صانعي القرار مببدأ‬
‫املسؤولية تجاه املواطنني من شأنه أن يسمح باتخاذ قرارات مستنرية‪ ،‬وأن يعمل‬
‫عىل تجنب املزالق التي تقع فيها األنظمة االستبدادية‪.‬‬
‫من املرجح أن تكون هذه األنظمة االستبدادية‪ ،‬التي تعتمد عىل األنظمة‬
‫التي تتخذ قرارات دون املستوى ومن دون رقابة مدنية عىل أنشطتها العسكرية‪،‬‬
‫‪141‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫أكرث عرضة ملخاطر العمى األيديولوجي واألخطاء االسرتاتيجية‪ .‬الواقع أن الخضوع‬


‫للمناقشة العامة سيشكل الضامن إلعداد قرارات جيدة جدا – من دون أي ترسع –‬
‫وللقدرة عىل التعبري بطريقة محددة تصب يف مصلحة الجهاز التنفيذي‪ .‬من خالل‬
‫تقديم تفسري ألفعاله‪ ،‬سيضطر السيايس إىل بذل جهد تربوي يسهم يف إثراء فهم‬
‫املواطنني وبالتايل العمل عىل رفع كفاءتهم بغرض تشكيل دوائر إيجابية رسيعة‪.‬‬
‫لقد أكدت أعامل باتيسون ‪ Pattison‬فعالية الدميوقراطيات بشكل كبري يف حال‬
‫التدخل حيث إن حكوماتهم‪ ،‬التي تعمل بدعم من الرأي العام‪ ،‬ستكون متحفزة‬
‫للنجاح بقوة(‪ .)14‬من حيث األصل‪ ،‬يسمح هذا االنفتاح عىل املناقشة‪ ،‬كأمر رضوري‪،‬‬
‫ببناء إرادة سياسية راسخة ومستدامة عىل الرغم من كونه قد يتعرض للتهميش‬
‫نتيجة للصعوبات التي تصادفهم يف أثناء الفعل‪.‬‬

‫التأثري املتغري جدا يف أثناء املامرسة العملية‬


‫يف الواقع‪ ،‬ال ميكن تبني اللجوء إىل استخدام القوة بشكل كامل من خالل النقاش‬
‫العام وال حتى يف الدميوقراطيات التي تعتمد عىل عملية صنع القرار الذي يكون مركزه‬
‫يف يد الرئيس التنفيذي‪ .‬وألنه يف معظم األحيان ُينتخب الرئيس التنفيذي‪ ،‬فاليزال‬
‫يرى رضورة إقناع اآلخرين بصحة قراراته‪ :‬يف حالة عدم اقتناع الرأي العام بذلك‪ ،‬فإنه‬
‫يخاطر بالفعل بتعريض نفسه للهجامت اإلعالمية وللمشاكل االنتخابية‪ .‬كام أن قدرته‬
‫عىل البناء والتعامل مع الدعم الوطني تعترب مرضية عندما يتعلق األمر بالتدخل‬
‫املسلح الذي يعد رضورة اسرتاتيجية ترتبط مبفهوم كالوزفيتز عن «القوى األخالقية»‪.‬‬
‫وبسبب النظر إىل هذه القوى األخالقية بوصفها الوسائل االحتياطية التي‬
‫تتصف بالطابع الحريب وبالقدرة عىل التحمل الذي هو مفتاح النرص عىل األعداء‪،‬‬
‫فإن األمة اآلن عليها أن تظهر ثقلها من خالل تأثري الرأي العام يف اإلرادة السياسية‪.‬‬
‫وسيكون هذا األمر مركز الضعف الرئيس للدول الدميوقراطية املعارصة‪ .‬وبتصميم‬
‫هذه الدول عىل رفض الحرب ورفض املعاناة التي تنتج عن هذه الحرب‪ ،‬وألنها‬
‫محارصة بالشعور األمني الذي يعترب املالذ اآلمن ألقاليمهم الوطنية‪ ،‬فإن شعوبهم‬
‫ستتغري إىل «مجتمعات بال حرب»‪ ،‬وفقا لتعبري موسكوس ‪ .)15(Moskos‬ولذلك‬
‫سيكون من الصعب حشد هذه الشعوب عىل نحو مستدام‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫الرأي العام والفعل االسرتاتيجي‬

‫حول قرار التدخل‬


‫ميكن لنا التمييز‪ ،‬عند تحليل الثقل الحقيقي للرأي العام فيام يخص القرار‪ ،‬بني‬
‫ثالثة متغريات محددة بشكل خاص عند هولستي ‪ :)16(Holsti‬مرحلة دراسة عملية‬
‫صنع القرار وسياق القرار (يف حالة وجود أزمة أو يف عدم وجودها) وشخصية صانع‬
‫القرار‪ .‬بالنسبة إىل مستوى صنع القرار‪ ،‬ميكن مالحظة تأثري الرأي العام يف طريقة‬
‫وضع املشكلة عىل جدول األعامل‪ ،‬ويف طريقة إقرار الحلول املمكنة ولكن بشكل‬
‫أقل عندما يتعلق مبفهوم هذه الحلول‪ .‬وهكذا يبدو أن خيار الحل بالكامل يقع‬
‫عىل كاهل السياسيني‪ ،‬يف حني ال ميكن للرأي العام أن يتدخل إال للموافقة عليه‬
‫أو ملعارضته‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ستكون الضغوط التي ميارسها الرأي العام كبرية يف سياق‬
‫األزمة عندما ُي ْطلب من السيايس الرد برسعة من دون أن يكون لديه ما يكفي من‬
‫الوقت للتعرض للرهانات أو للخيارات املتاحة‪ .‬يبدو أن العامل األخري أساسيا‪ :‬أي ما‬
‫يتعلق بشخصية القادة‪ .‬ولنفي إضفاء الطابع املؤسيس بشكل كامل عىل الرأي العام‪،‬‬
‫فسيكون لهذا الرأي تأثري متغري وفقا للميول الشخصية لكل طرف فاعل يرغب يف‬
‫لفت االنتباه ووفقا لتصوره عن الدور الذي يؤديه باعتباره قائدا مكلفا بتوجيه‬
‫الرأي العام أو وكيال عن إرادة الشعب‪.‬‬
‫عىل مستوى اتخاذ القرار بالترصف الختيار نوع الفعل‪ ،‬فإن عديدا من تحليالت‬
‫السياسات العامة تسلط الضوء عىل وجود عالقة ترابط قوية بني موقف األغلبية‬
‫داخل الرأي العام والقرار السيايس‪ .‬بيد أن هذه العالقة ال تسمح بتأكيد وجود‬
‫تأثري للمواطنني بشكل مبارش يف ممثليهم‪ .‬من املمكن أيضا أن تظهر فعالية قيادة‬
‫املمثلني وقوة اإلقناع الذي ميارسه الخطاب السيايس عىل الرأي العام‪ .‬يصح ذلك‬
‫بشكل خاص عندما يتعلق األمر بالسياسة الخارجية‪ ،‬حيث يكون وصول الشعب إىل‬
‫املعلومات محدودا‪ .‬ويف إطار تفكيك عملية صنع القرار بشأن اللجوء إىل استخدام‬
‫القوة‪ ،‬فإن عديدا من املقابالت والتحقيقات التي أجريت مع املسؤولني السياسيني‬
‫تسلط الضوء عىل حقيقة أن الرأي العام ال يبدو أنه العامل املهيمن عند صنع القرار‬
‫يف حد ذاته‪ ،‬ولكنه يتدخل بشكل أساس يف طريقة صياغته(‪ .)17‬ومن ثم سيؤدي‬
‫الرأي العام عىل األكرث دور املحفز‪ ،‬أو حتى املعجل باتخاذ القرار‪ ،‬ولكن ال ميكن‬
‫اعتباره عامال كافيا ليشكل بنفسه األساس لهذا األمر‪ .‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬ال ميكن للرأي‬
‫‪143‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫العام أن يظهر أي اتجاه محدد فيام يخص عملية التدخل(‪ .)18‬ومن ثم فإن الرأي‬
‫العام سينحاز إىل «فضيلة االستقرار» يف السياسة الخارجية وسيوجه السيايس عندما‬
‫يتبني أن هذا األخري يحبذ سياسة التدخل إىل أبعد حد‪ ،‬األمر الذي يدفعه إىل تبني‬
‫سياسة االنتظار(‪.)19‬‬
‫وألنه ليس من املمكن إخفاؤه بالكامل يف الدميوقراطيات الليربالية بسبب ثقل‬
‫وسائل اإلعالم يف اللعبة السياسية‪ ،‬فإن البامل ‪ La Balme‬تعده «قيدا دميوقراطيا‬
‫سهال»(‪ )20‬عىل غرار ما ذكر يك ‪ Key‬الذي يؤكد أن الرأي العام ليس من يقود‬
‫السياسات مبفرده وال السيايس هو من يتالعب بالرأي‪ ،‬ولكن هناك تفاعال معقدا‬
‫بني االثنني‪ .‬من هذا املنطلق‪ ،‬يشكل الرأي العام عنرص «بيئة» القرار الذي س ُيتخذ‬
‫يف املقام األول عىل أساس املصلحة الوطنية كام يراها صانعو القرار بأنفسهم‪ .‬ومن‬
‫ثم ُيرتك األمر لهام للحصول عىل املصادقة عىل اختيارهم من قبل الجمهور حتى ال‬
‫يعاين التكلفة السياسية لتعبئته املحتملة‪.‬‬
‫تشري مسألة وضع الرصاع عىل جدول األعامل والتصديق عىل التدخل كحل لهذا‬
‫الرصاع إىل قضية عوامل دعم أو معارضة الرأي العام فيام يخص اللجوء إىل استخدام‬
‫القوة املسلحة‪ .‬يبدو أن العوامل اإليجابية الرئيسية فيام يتعلق بهذا األمر تتطابق‬
‫أوال مع طبيعة الهدف املنشود ‪ -‬فالجمهور مييل إىل دعم األفعال الرامية إىل تخفيف‬
‫االعتداء الذي من شأنه زعزعة استقرار النظام الدويل ومعارضة أي تدخل مبارش‪،‬‬
‫كام أشار إىل ذلك غنتليسون ‪ - )21(Jentleson‬ثم إىل رشعيته ‪ -‬الرسمية السيام فيام‬
‫يتعلق بإمكانية التفويض من عدمه من قبل األمم املتحدة‪ ،‬واألخالقية أيضا ‪ -‬وأخريا‬
‫إىل تصور فرص النجاح‪ ،‬أو إىل وضوح األهداف املتبعة(‪ . )22‬ويبدو أنه من الرضوري‬
‫النظر إىل مفهوم الرشعية األخالقية للفعل الذي يستند إىل عديد من العوامل مبا يف‬
‫ذلك دعم مفهوم «الرأي العام الدويل» الذي ُنوقش أيضا والذي ميكن‪ ،‬عىل سبيل‬
‫املثال‪ ،‬تجسيده من خالل تكوين تحالفات دولية واسعة حول العامل‪.‬‬
‫وهكذا كانت الواليات املتحدة األمريكية مهتمة بالحصول عىل دعم لتدخالتها‬
‫يف أفغانستان ويف العراق‪ ،‬بشكل خاص‪ ،‬من أكرب عدد ممكن من الحلفاء من جميع‬
‫الجنسيات والثقافات واألديان عىل اختالفهم‪ ،‬وذلك بسبب توقع حصول انتقاد‬
‫قد يؤدي إىل فقد املصداقية بتشبيههم بالحروب الصليبية الحديثة‪ .‬فبالنسبة إىل‬
‫‪144‬‬
‫الرأي العام والفعل االسرتاتيجي‬

‫دولة ما‪ ،‬يعترب الرأي العام بني الحلفاء الرئيسيني يف غاية األهمية حيث إنه يعد‬
‫مقياس الدعم الذي ميكن تقدميه لها عالنية‪ .‬يوضح هذا األمر مفهوم الديبلوماسية‬
‫العامة‪ .‬إن موقف الرأي العام من التدخالت اإلنسانية يعد أكرث غموضا(‪ .)23‬تسعى‬
‫شبكة التلفاز «يس إن إن» (‪ )CNN‬إىل أن يكون لها التأثري الالزم لحشد جمهور‬
‫عريض من املجتمعات اآلمنة التي ترفض مشاهدة معاناة اآلخرين لدرجة أنهم‬
‫يعتقدون أن لديهم الوسائل الفعالة إليقاف هذه املعاناة(‪ .)24‬مثل هذه األزمات‬
‫املعقدة وشبح املصالح غري املعرتف بها أحيانا ما تخيم عىل قضية رشعية الفعل‪.‬‬
‫يف هذا الصدد‪ ،‬تبدو إرادة الشعوب املعنيني بالعنف ذات أهمية قصوى‪ :‬فالرأي‬
‫العام «املحيل» يعترب العامل الرشعي القوي‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬متكن مالحظة األهمية‬
‫املتزايدة إلضفاء الرشعية عىل إمكانية اللجوء إىل استخدام القوة والحصول عىل‬
‫دعم الجامهري املختلفة باستمرار‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬يجب عمل توازن بني هذه العوامل اإليجابية والتكاليف والخسائر‬
‫املتوقعة أو املزعومة وكذلك العوامل «السلبية» التي ميكن أن يكون من أهمها‬
‫الوفيات يف صفوف العسكريني املنترشين‪ .‬من هذا املنطلق‪ ،‬فإن اعتبار الرأي العام‬
‫عامال سلبيا بسبب الخسائر يبدو لفرتة طويلة معلام أساسيا يف نظر السياسيني عىل‬
‫الرغم من التحليالت العديدة التي تدل عىل عدم وجود عالقة مبارشة بني عدد‬
‫الجنود الذين سقطوا يف العملية وانخفاض الدعم العام(‪.)25‬‬
‫من املسلم به إىل درجة كبرية أن هذا األمر ال يتعلق مطلقا بعدم قدرة املجتمع‬
‫اليوم عىل تحمل موت أعضائه‪ ،‬ولكن األمر ينطوي عىل االستعانة باالستدالل العقيل‬
‫يف ضوء األهمية املنظورة للرهانات واملصالح املتبعة‪ .‬إذا كانت هذه األهمية‬
‫تبدو كافية مع وجود احتامالت للنجاح‪ ،‬فإن الرأي العام سيكون قادرا عىل تقديم‬
‫مساندة مستدامة للتدخل عىل الرغم من الخسائر‪ .‬لقد ُسلط الضوء أيضا عىل‬
‫عوامل «سلبية» أخرى‪ ،‬مثل االمتداد غري املتوقع للتدخل (الذي غالبا ما يفهم‬
‫عىل أنه «مأزق» كام أنه يرتبط برسعة بخطاب إعالمي انهزامي)‪ ،‬من خالل ظهور‬
‫متشابهات تاريخية غري إيجابية (مثل فيتنام أو الجزائر)‪ ،‬أو غياب الروابط الواضحة‬
‫بني االسرتاتيجية املعتمدة واألهداف املعلنة‪ .‬تتضح هذه النقطة األخرية بشكل‬
‫خاص يف ضوء املصاعب التي ُتواجه يف أثناء العمليات الخارجية املعارصة والتي‬
‫‪145‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫غالبا ما تكون معقدة‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬فإنه إذا كان تقييم نوع الهدف املنشود يشكل‬
‫«العامل اإليجايب» الرئيس الذي يحدد دعم الرأي العام‪ ،‬فإن أي تدخل يجب عندئذ‬
‫أن يكون مرتبطا بأهداف واضحة يسهل عىل الجمهور تحديدها‪.‬‬
‫إذا مل تؤثر هذه العوامل بشكل مبارش يف عملية صنع القرار‪ ،‬فإنها ستؤثر‬
‫حتام يف بناء الخطاب الرشعي للقرار‪ ،‬كام يتضح من التحليل الحايل لعملية تحديد‬
‫النطاق‪ .‬وليك يكون من املمكن توضيح ذلك األمر لدى الرأي العام بخصوص تفسري‬
‫قرار التدخل‪ ،‬وليك يتمتع بالحرية قدر اإلمكان يف تنفيذ هذا القرار‪ ،‬سيتحتم عىل‬
‫السيايس أن يعرض قرار التدخل بأسلوب يهدف إىل اإلقناع‪ .‬سيتعلق األمر تحديدا‬
‫مبواجهة الرهانات وبوصف الحالة التي تربر أو ال تربر التدخل ونوع اللجوء إىل‬
‫استخدام القوة املمكنة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فإن موقف الرأي العام تجاه مشكلة السياسة‬
‫الخارجية سوف يعتمد بشكل رئيس عىل عاملني‪ :‬القيم التي يتقاسمها املواطنون‬
‫يف األغلب واملعلومات املتاحة(‪ .)26‬بالنسبة إىل التقليديني‪ ،‬سيسمح تحديد نطاق‬
‫العمل بالسعي إىل التوفيق بني التأثري الحتمي للرأي العام يف حالة الدميوقراطيات‬
‫الحديثة ورضورة استبعاد هذا التأثري عىل مستوى صنع القرار‪ .‬من هذا املنطلق‬
‫تحديدا ميكن استخدام استطالعات الرأي ملا ييل‪ :‬إن فهم الرأي العام يساعد‬
‫عىل تشكيل الخطاب وتوجيهه يف االتجاه املطلوب مع العمل عىل إقناع الرأي‬
‫العام بصحة القرار الذي ُيتخذ أحيانا ضد خياراته املفضلة املفرتضة‪ .‬من املمكن‬
‫الذهاب إىل أبعد من مجرد استطالعات بسيطة خاصة عند اللجوء إىل استخدام‬
‫االختبارات الجدلية التي تتكون من عمل مقاييس ملجموعة من املواطنني تتعلق‬
‫بفاعلية مختلف الحجج املتعلقة بالحفاظ عىل القوات الوطنية أو بانسحابهم‬
‫من مرسح العمليات الخارجي‪ .‬ميكن بعد ذلك استخدام هذه املقاييس لتحديد‬
‫نطاق العنارص املستخدمة يف الخطاب املؤسيس الذي يستند أساسا إىل عوامل‬
‫التربير التي ينظر إليها عىل أنها املناسبة جدا لدعم الرأي العام‪ ،‬مثال ذلك آليات‬
‫الدفاع يف مواجهة التهديد (وهكذا ُصور اإلرهاب الدويل عىل أنه تهديد يثقل‬
‫كاهل قيم وطريقة حياة املجتمعات الدميوقراطية) أو يف أسلوب العمل التطوعي‬
‫(مثل حمالت اإلغاثة املقدمة إىل الشعوب التي تعاين أو إىل حليف متعرث)‪ .‬أيضا‪،‬‬
‫إذا اقتنع السيايس بعدم رغبته يف خسارة الرأي العام‪ ،‬فقد يجد نفسه منقادا إىل‬
‫‪146‬‬
‫الرأي العام والفعل االسرتاتيجي‬

‫محو أي إشارة إىل العنف يف كلمته وذلك بتجنب اللجوء إىل استخدام مصطلح‬
‫«الحرب» لتوصيف أفعاله‪.‬‬
‫إن طبيعة وسائل اإلعالم املستقلة ووجود أحزاب معارضة قوية تتمتع بوضع‬
‫مؤسيس معرتف به ووسيلة للضغط عىل السلطة التنفيذية قد يحد من تضمني‬
‫الخطاب لعملية التدخل‪ ،‬األمر الذي يحمل عىل أنه نوع من التناقض ويعمل عىل‬
‫تغذية النقاش العام(‪ .)27‬إن وجود أو عدم وجود توافق يف اآلراء بني النخب الحاكمة‬
‫يظهر باعتباره عامال مهام يف تحديد موقع الرأي العام فيام يتعلق باللجوء إىل‬
‫استخدام القوة‪ .‬متثل هذه القضية أهمية خاصة يف دول مثل الواليات املتحدة‬
‫األمريكية أو بريطانيا العظمى‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ .‬أما عن فرنسا حيث ال تتمتع‬
‫املعارضة إال بثقل متواضع‪ ،‬فمن املمكن لها أن تفخر بتقديم مقرتح للمراقبة‪ ،‬حتى‬
‫لو مل يصل إىل النتيجة املرجوة‪ ،‬يؤدي إىل إجبار الحكومة عىل النقاش‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫وبغض النظر عن التكوين املؤسيس لألنظمة الدميوقراطية‪ ،‬فإن موقف السلطة‬
‫التنفيذية يوفر لهذه األنظمة القدرة عىل احتكار خيار الخطاب الرسدي‪ ،‬حيث‬
‫ميكن لهذا الخطاب القوي أن يفرض قيودا حقيقية عىل املنتقدين املحتملني من‬
‫خالل طرح رشوط املناقشة التي تجعل حجج املعارضة غري مسموعة‪ .‬عند األخذ‬
‫بعني االعتبار‪ ،‬عىل غرار التصحيحيني‪ ،‬الدعم القوي للرأي العام ولتداول القرار‬
‫عىل املستوى الوطني‪ ،‬فسيكون من املمكن إذن مالحظة أن قوة الخطاب الرسدي‬
‫وغياب التشكيك سيساعدان عىل مساندة وجهة النظر هذه‪.‬‬

‫فيام يتعلق بإدارة العمليات‬


‫يكون دعم الرأي العام قويا بشكل عام عند إطالق عملية التدخل بسبب‬
‫التوسع الطبيعي لعوامل التوافق يف النقاش الوطني‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فقد يكون لعدد من العوامل القدرة عىل التأثري من أجل االحتفاظ‬
‫بهذا الدعم يف أثناء تنفيذ القرار‪ .‬وغالبا ما تكون التدخالت املعارصة معقدة للغاية‬
‫وتخلط بني االستقرار األمني والتسهيالت املرتبطة بالحوار بني أطراف النزاع وإعادة‬
‫بناء الدولة وحامية الشعوب‪ .‬وبالتايل فهي عرضة بشكل خاص لظاهرة انزياح‬
‫الغرض (‪ ،)mission creep‬مبا يعني تطور ظروف التدخل الصعبة أو املستحيلة‬
‫‪147‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫والتي قد تؤدي إىل تغيري كبري يف الهدف الذي عُ ني منذ البداية‪ .‬وبالتغلب عىل‬
‫هذه التحديات‪ ،‬ميكن لهذه الظاهرة أن تعرقل طريقة فهم ودعم الرأي العام لها‬
‫الذي يعتمد عىل تقديم أهداف واضحة‪ .‬إن الوقت السيايس واإلعالمي غالبا ما‬
‫يكون أقرص بكثري من الوقت الذي يستغرقه التدخل العسكري‪ .‬ونتيجة لذلك‪،‬‬
‫فإن التغيري يف ظروف التدخل ميكن أن يغذي برسعة الشعور بخفض توقعات‬
‫النجاح الذي يعد العامل الرئيس للحصول عىل دعم الرأي العام‪ .‬إنه مفهوم‬
‫«الجمود» الذي غالبا ما ُيذكر عىل الفور‪ .‬إن نفاد صرب الرأي العام املفرتض ميكن‬
‫أن يؤدي بالسيايس إىل تقليل مدة الفعل عىل املرسح‪ .‬وميكن أن تصبح مسألة‬
‫فك االرتباط ملحة بشدة إىل درجة أنها تحجب أحيانا تحقيق الهدف‪ .‬يتجىل نفاد‬
‫الصرب بسهولة أكرب عندما ال تتوافق األهداف املنشودة مع مصالح البقاء‪ ،‬األمر‬
‫الذي يقود إىل قضية الفرص املتاحة خصوصا من منظور امليزانية‪ .‬وميكن أيضا أن‬
‫ُيغذى نفاد صرب الرأي العام من خالل املظاهرات املعادية لشعوب الدولة الذي‬
‫تجري فيه العملية‪ ،‬األمر الذي يشكك يف رشعيته العملية ويعرقل خططها‪ .‬لهذا‬
‫السبب‪ ،‬فإن «كسب القلوب والعقول» يعد أمرا رضوريا يف أثناء الفعل وملقاومة‬
‫التمرد‪ .‬ويتعلق األمر يف نهاية املطاف بالتعبري عن تغيري يف التوازن بني التكلفة‬
‫والفائدة‪ ،‬األمر الذي قد يكون توقعه مغذيا لدوائر معقدة‪ :‬إذ يبدو أن إرصار‬
‫السياسيني املتزايد عىل تقصري مدة التدخل يسمح بإضفاء الرشعية عىل عملية‬
‫االنطالق وطأمنة الرأي العام عىل الرغم من أنه ليس أمرا مقبوال بالرضورة يف‬
‫ضوء الوضع الذي يربر الفعل والهدف املوضوع‪.‬‬
‫عالوة عىل ذلك‪ ،‬فإن منع تويل مناصب انتخابية يشجع السيايس عىل توجيه‬
‫خطابه عن الرشعية نحو مواضيع تهم الرأي العام وتتعلق بالقيم واإلنسانية أو‬
‫باملسؤولية الدولية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فإن األساليب املستخدمة تكون أحيانا بعيدة كل البعد‬
‫عن األسس الحقيقية للفعل‪ .‬ويف حال حدوث ما هو غري متوقع‪ ،‬ميكن أن يتضح هذا‬
‫التناقض؛ وبالتايل تقويض مصداقية السيايس من خالل الكشف عن (أو بالتظاهر‬
‫بالكشف عن) تناقضات معينة تتعلق بطبيعة الفعل الحقيقية‪ .‬قد تكون هذه هي‬
‫الحال عندما ال يتطرق الخطاب‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬إىل توصيف «الحرب»‪ ،‬عىل الرغم‬
‫من وجود خسائر كبرية عىل األرض و ُيعلن عنها عىل نطاق واسع يف وسائل اإلعالم‪.‬‬
‫‪148‬‬
‫الرأي العام والفعل االسرتاتيجي‬

‫ولعل التدخل يف أفغانستان‪ ،‬بسبب كمني األوزبني «»‪l’embuscade d’Uzbeen‬‬


‫)‪ (2008‬الذي أدى إىل قتل عرشة جنود فرنسيني‪ ،‬هو خري مثال عىل ذلك‪ .‬ومن دون‬
‫اإلشارة‪ ،‬بالرضورة‪ ،‬إىل غضب الرأي العام املطلق بشأن الخسائر يف األرواح‪ ،‬فإن هذا‬
‫النوع من األحداث يعمل عىل إبراز عوامل حساب التكلفة والعائد‪ ،‬وميكن أيضا أن‬
‫يلقي الضوء عىل قضايا تتعلق باألهداف التي تربر التدخل‪ .‬ومن املمكن يف حال‬
‫ترقب ضغط الرأي العام أن يكون له تأثري مبارش يف اختيار الوسائل املستخدمة‪:‬‬
‫من مثل الرتدد يف اللجوء الفعيل إىل انتشار القوات‪ ،‬أو منح األولوية إىل وسائل‬
‫القتال عن بعد‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن الجهود املبذولة لحامية الجنود املنترشين عىل األرض‬
‫ميكن أن تعرض للخطر فعالية الفعل الحقيقية‪ ،‬ولهذا يكون الرتكيز عىل القصف‬
‫الجوي عىل حساب القتال الربي‪ .‬يف سياق حملته االنتخابية‪ ،‬ميكن لرئيس دولة ما‬
‫أن يذهب إىل حد اتخاذ قرار «بوقف العمليات»‪ ،‬وأن يأمر بالتمركز يف القواعد‬
‫العسكرية املنترشة يف املناطق الصعبة من أجل تجنب أي خسائر جديدة‪ ،‬األمر‬
‫الذي يحتمل أن يضعه يف موقف صعب يف أثناء النقاش العام‪ .‬لهذا‪ ،‬ينتقد البعض‬
‫بشدة أن يكون الجيش مضطرا إىل اإلفراط يف اإلفصاح عن املخاطر والخسائر‪،‬‬
‫األمر الذي قد يؤدي يف نهاية املطاف إىل تحويل نفور الرأي العام املفرتض من‬
‫الخسائر البرشية إىل مجرد مشكلة تنظيمية‪ ،‬وهو ما يكون عىل حساب األهداف‬
‫التي ُحددت منذ البداية‪ .‬وال يتعلق الوضع هنا بالضغوط التي ميارسها الرأي العام‬
‫بشكل مبارش‪ ،‬بل بسبب القيود التي يفرضها السيايس من خالل موازنته بني أهدافه‬
‫السياسية الخارجية وأهدافه االنتخابية عىل املستوى الداخيل‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬تشتد الحاجة إىل التدخل بأرسع وقت ممكن يف حاالت‬
‫الطوارئ أكرث من الحاجة إىل تعريف األهداف تحديدا‪ .‬لهذا‪ ،‬يعترب تدخل الرأي‬
‫العام عندما يتعلق األمر باألزمات اإلنسانية‪ ،‬وكذلك تدخل اإلرادة السياسية‬
‫لغرض لعب الدور املطلوب عىل املستوى الدويل وللحفاظ عىل النفوذ‪ ،‬الدافع‬
‫إىل أن ميارس السيايس «الفعل من أجل الفعل» من دون أن يكون لديه منذ‬
‫البداية تصور عن النتيجة املرجوة بوضوح كبري («الوضع النهايئ املنشود»)‪ .‬أخريا‪،‬‬
‫وأيا كانت عوامل التدخل‪ ،‬فقد مييل السيايس إىل التعبري عن «الوضع النهايئ‬
‫املنشود» بعبارات غامضة من أجل توفري هامش أكرب للمناورة‪ .‬وهو ما يسمح‬
‫‪149‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫للسيايس باالستغناء عن إعادة التقييم املنتظمة لألهداف املوضوعة وفقا لتطور‬


‫األوضاع‪ ،‬عىل الرغم من أنه بإعادة التقييم ميكن تسليط الضوء عىل حاالت‬
‫الفشل املحتملة‪ ،‬وتفسري ذلك الفشل يرجع إىل اإلهامل عند حدوث تغيري يف‬
‫األهداف‪ .‬ميكن «للوضع النهايئ املنشود» الذي يتصف بالغموض بشكل نسبي‬
‫أن يتسبب يف إضعاف االنتقادات املحتملة التي تتعلق بتقدم العمليات وتحقيق‬
‫األهداف املحددة‪ ،‬كام ميكن لهذا الوضع أن يتمتع بيشء من الحرية عند اختيار‬
‫وقت فك االرتباط‪ .‬قد يكون من املناسب إذن الحديث عن إنجاز املهمة عندما‬
‫ُتحدد الغايات السياسية من بداية األمر بقدر أقل من الدقة‪ ..‬وهنا‪ ،‬ميكن ملنطق‬
‫السياسة الداخلية أن يؤدي دورا مهام‪ .‬يقدم هذا االتجاه البارز مساوئ كبرية‬
‫ال ميكن تفاديها‪ .‬إذ إنه يعطي للرأي العام الشعور بعدم وجود حل سيايس عند‬
‫استخدام القوة املسلحة‪ .‬إن الدعم الوطني للعمليات الخارجية ميكن أن يكون‬
‫قويا عندما ُتحدد األهداف بوضوح حيث ينظر إليها عىل أنها مرشوعة ولديها‬
‫فرصة جيدة للنجاح‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬فإن األهداف الغامضة التي ال تسمح بقياس‬
‫مستوى التقدم عىل أرض الواقع بشكل ملموس تعد سببا يف إضعاف الدعم العام‪،‬‬
‫وقد تؤدي يف نهاية املطاف إىل فرض قيود جديدة عىل السيايس‪.‬‬
‫باإلضافة إىل الضغط الذي ميارسه الدعم الوطني عىل السلطة السياسية‪ ،‬فإن‬
‫الضعف العام املحتمل للدعم ميكن أن ُي ْح ِدث تأثريا كبريا يف معنويات القوات‬
‫املنترشة‪ .‬إن ما يتمتع به الجنود عموما‪ ،‬يف مرسح العمليات‪ ،‬بوسائل للتواصل‬
‫بانتظام مع عائالتهم وبإمكانية الوصول إىل وسائل اإلعالم الوطنية يعترب من العوامل‬
‫املهمة التي ترفع الروح املعنوية‪ .‬ولكن عندما تضعف قوة الرأي العام يتعرض‬
‫املقاتل إىل تساؤالت تتعلق برشعية التدخل‪ ،‬األمر الذي يؤثر يف معنوياته ودوافعه‪.‬‬
‫فمن املمكن أن تؤدي املخاطرة بتضاؤل مساحة التكيف مع اإلصابة البالغة‬
‫أو موت صديق أو حتى رفض أداء مهمة إىل إضعاف التامسك العام للمجموعة‬
‫األساسية‪ .‬وسيكون من الصعب جدا أن يلتزم الجندي بالخطاب الذي يقول إنه‬
‫يتدخل يف إطار الدفاع عن «املصالح العليا لألمة» عندما يجد أن هذه املصالح ال‬
‫تخصه‪ .‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬عندما تضعف اإلرادة السياسية بسبب االعتبارات الداخلية‪،‬‬
‫فإن ذلك يؤدي إىل وضع األهداف املهمة يف موضع االتهام‪ ،‬ويجعل من توقف‬
‫‪150‬‬
‫الرأي العام والفعل االسرتاتيجي‬

‫الفعل السبب الرئييس يف إضعاف الروح املعنوية للمقاتلني وتحفيزهم‪ .‬تعتمد‬


‫هذه العنارص بشكل خاص عىل الشعور اإليجايب بإنجاز األهداف املحددة‪ .‬كيف‬
‫ميكن إقناع الجنود بأهمية مهمتهم بالنسبة إىل السيايس‪ ،‬هل عندما يتجنب هذا‬
‫األخري‪ ،‬من أجل تفادي الخسائر‪ ،‬إجبارهم عىل الرجوع إىل قواعدهم بشكل مفاجئ‪،‬‬
‫أو إجبارهم عىل املراقبة من دون أن يكونوا قادرين عىل التدخل حال فقدان‬
‫املراكز التي ُحققت بصعوبة بالغة؟ عند هذه النقطة األخرية‪ ،‬قد يكون التدخل‬
‫السيايس عىل املستوى التكتييك كارثيا بسبب سوء الفهم واإلحباط الذي يوجد‬
‫يف أوساط الجنود‪ .‬أيضا‪ ،‬يثري فك االرتباط السابق ألوانه تساؤالت حول الفائدة‬
‫املبدئية للعملية ويؤدي يف بعض األحيان إىل نتيجة مريرة مفادها أن الجنود الذين‬
‫يسقطون يف امليدان «يقتلون من أجل ال يشء»‪.‬‬
‫لكن من الناحية العملية‪ ،‬هناك حاالت قليلة يتحول فيها عداء الرأي العام‬
‫الذي تعرب عنه استطالعات الرأي إىل تعبئة حقيقية ال ميكن للسيايس أن مييل إىل‬
‫تجاهلها‪ .‬وهكذا تسود المباالة نسبية‪ ،‬األمر الذي يثري مسألة قوة اإلرادة السياسية‬
‫التي ال تعتمد عىل الدعم الوطني القوي‪ .‬يف النهاية‪ ،‬نالحظ أن الرأي العام يهتم أكرث‬
‫بالفعل االسرتاتيجي عندما يتصف صانعو القرار السيايس بالغموض‪ ،‬يف حني عندما‬
‫تكون اإلرادة السياسية حازمة‪ ،‬فإن القادة هم الذين يسعون إىل التحكم فيها وال‬
‫يرتكون أنفسهم عرضة للتأثر بها‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫األخالق والفعل االسرتاتيجي‬

‫‪9‬‬

‫األخالق والفعل االسرتاتيجي‬

‫جون باتيست جونجني فيلمر‬


‫‪Jean-Baptiste Jeangène Vilmer‬‬

‫تحوز األخالق واالسرتاتيجية جانبا من‬


‫االهتامم الكبري واملتنامي عىل الرغم من‬
‫انكفائهام داخل مناهجهام الخاصة بكل‬
‫منهام‪ ،‬األمر الذي ال يجعلهام يلتقيان إال‬
‫نادرا‪ .‬ال يهتم علامء األخالق باالسرتاتيجية كام‬
‫ال ينشغل املنظرون االسرتاتيجيون بالجانب‬
‫األخالقي‪ .‬بتعبري أدق‪ ،‬يتجنب كل منهام اآلخر‪.‬‬ ‫«يعطي منارصو السالم األولوية‬
‫لألخالق عىل االسرتاتيجية‪ ،‬ومن ثم‬
‫من الناحية النظرية‪ ،‬من املألوف أن ندرك‬ ‫فإنهم يربرون معارضتهم ألي استخدام‬
‫الدور الذي يجب أن تؤديه األخالق يف مجال‬ ‫للقوة‪ .‬أما عن الداعمني للواقعية‬
‫املفرطة فإنهم يعطون األولوية‬
‫االسرتاتيجية ‪ -‬وعىل نطاق أوسع ‪ -‬يف القرارات‬ ‫لالسرتاتيجية عىل األخالق»‬

‫‪153‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫السياسية‪ .‬ولكن‪ ،‬من الناحية العملية‪ ،‬يشعر املنظرون االسرتاتيجيون بالقلق من‬
‫ذلك‪ .‬فـ «األفعال األخالقية أو غري األخالقية يف الحرب» تجعلهام «يف حالة مثرية‬
‫للقلق ويف وضع الدفاع»‪ ،‬كام يوضح ذلك عىل سبيل املثال برنار برودي ‪Bernard‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،Brodie‬أحد مؤسيس االسرتاتيجية النووية(‪ .)1‬يذهب كولن غراي ‪Colin Gray‬‬
‫إىل أبعد من ذلك ويقول‪« :‬عادة ما يويل املنظرون االسرتاتيجيون اهتامما بالبعد‬
‫األخالقي املرتبط مبهنتهم يصل إىل درجة الصفر»‪ .‬كثريون هم‪ ،‬مثل ديفيد لونسدال‬
‫‪ ،David Lonsdale‬الذين يقدمون دراسات اسرتاتيجية باعتبارها املنهج الذي‬
‫يفسد الشؤون العسكرية‪« :‬ميكننا‪ ،‬ويجب علينا‪ ،‬أن نفصل بني األحكام األخالقية‬
‫واألحكام االسرتاتيجية»(‪.)3‬‬
‫إن هذا اإلرصار عىل الفصل بني األخالق واالسرتاتيجية‪ ،‬بل حتى معارضتهام‪،‬‬
‫يقع من منارصي الجانبني ويستند إىل افرتاض مشرتك بعدم التوافق بينهام‪ .‬يعطي‬
‫منارصو السالم األولوية لألخالق عىل االسرتاتيجية‪ ،‬وبالتايل فإنهم يربرون معارضتهم‬
‫ألي استخدام للقوة‪ .‬أما عن الداعمني للواقعية املفرطة‪ ،‬فإنهم يعطون األولوية‬
‫لالسرتاتيجية عىل األخالق‪ ،‬وبالتايل فهم يربرون كون إدارة دفة الحرب ينبغي لها أال‬
‫تسرتشد إال باملصالح الوطنية ضيقة الفهم‪.‬‬
‫هذان االتجاهان املتطرفان‪ ،‬اللذان يغذيان النقاش‪ ،‬يناقض أحدهام اآلخر‬
‫بشكل كبري‪ ،‬بيد أنهام يشرتكان يف الفرضية القائلة بأن األخالق واالسرتاتيجية تعتربان‬
‫أمرين أساسيني متبادلني ويجب أن نختارهام بالرضورة‪.‬‬
‫أما عن الفالسفة فغالبا ما يقتنعون‪ ،‬من جهة‪ ،‬بأن األخالق التي تهتم بظروف‬
‫الحياة الجيدة‪ ،‬يك تكون عادلة‪ ،‬يجب أن تنشأ من اعتبارات اسرتاتيجية(‪ ،)4‬ومن جهة‬
‫أخرى‪ ،‬وأن االسرتاتيجية بعيدة كل البعد عن األخالق لدرجة أنها تقود إىل فظائع‬
‫(قصف اسرتاتيجي وحرب نووية وتعذيب وإبادة جامعية‪ ...‬إلخ)‪.‬‬
‫وألنه ميكن دراسة العالقات بني االسرتاتيجية واألخالق عىل الرغم من املظاهر‬
‫التي تجمع بينهام‪ ،‬فإننا سنتناول يف هذا الفصل عرض املواقف األكرث توازنا‪ .‬لن‬
‫يتعلق األمر بنفي وجود التوتر الحاصل بني االسرتاتيجية واألخالق وأنهام ال يطرحان‬
‫السؤال نفسه‪ :‬األخالق «هل هي جيدة؟» واالسرتاتيجية «هل ستثمر شيئا؟» يف‬
‫بعض األحيان يكون اليشء املثمر غري جيد‪ ،‬ويف أحيان أخرى يكون ما هو جيد غري‬
‫‪154‬‬
‫األخالق والفعل االسرتاتيجي‬

‫مثمر‪ .‬من املالحظ أن االسرتاتيجية واألخالق ليست لديهام العالقة نفسها املشوبة‬
‫بالتحيز‪ :‬فاالسرتاتيجية تهتم بالدفاع عن مصالحها وتسعى إىل خري منارصيها‪ ،‬بينام‬
‫يبدو أن األخالق تستهدف ما هو جيد «يف حد ذاته» وليس بالرضورة استهداف‬
‫املصلحة الشخصية‪ .‬إن النزوع إىل نزاهة األخالق يتعارض مع االسرتاتيجية بحكم‬
‫تعريفها املتحيز‪ .‬وهذا يدل عىل وجود اختالف وأن هناك مستويات ليست‬
‫متساوية‪ ،‬وال يعني هذا األمر انعدام التوافق‪ :‬ما يهم هو أنه ال ميكن الخلط بني‬
‫األخالق واالسرتاتيجية عىل الرغم من أنها تهتم بتفسري االسرتاتيجية‪ ،‬وهذا االختالف‬
‫ال مينعها من التحيز‪.‬‬
‫لن يتعلق األمر أيضا مبسألة الزعم أن االسرتاتيجية لديها مضمون أخالقي واضح‪:‬‬
‫فهي ليست كذلك‪ ،‬ومن هنا تأيت مكانتها غري األخالقية‪ .‬ومع ذلك ليس هذا املضمون‬
‫األخالقي غائبا بالكلية‪« .‬رمبا ال يهتم الجنود وقادتهم االسرتاتيجيون بفعل الخري‪ ،‬كام‬
‫يقول غراي ‪ ،Gray‬لكنهم غري مرتاحني لفكرة أن ما يفعلونه يعترب خطأ»(‪.)5‬‬
‫ما الداللة يف أن تكون االسرتاتيجية خالية متاما من القيود األخالقية؟ حتى أن‬
‫مرتكبي جرائم اإلبادة الجامعية يربرون اسرتاتيجياتهم ألسباب معيارية ‪ -‬تبدو غري‬
‫معقولة للعامل الخارجي‪ ،‬ولكنها تبدو بالنسبة إليهم ذات بعد أخالقي‪ .‬يجب أال‬
‫يكون املرء ساذجا بشأن األخالق ويجب أال يراها كاليشء «الجيد» فقط‪ :‬وألنها‬
‫تخضع لقيم النسبية الثقافية‪ ،‬فإنها تعرب عن االقتناع األخالقي الذي ميكن من خالله‬
‫حث الجامعات التي تعتقد أن لديها الحق الخالص يف ارتكاب الفظائع ‪.Souhil‬‬
‫إن الهدف من هذا الفصل يعني ببساطة دراسة مجمل هذه العالقات‪ :‬أوال‬
‫وقبل كل يشء‪ ،‬ما هي أوجه التشابه الخاصة بهام؟ ثم ماذا عن التوافق بينهام؟‬
‫أخريا‪ ،‬هل تؤثر األخالق يف الفعل االسرتاتيجي‪ ،‬وإذا كان األمر كذلك‪ ،‬كيف؟ هل‬
‫يعترب التمتع مبميزات أخالقية مميزات اسرتاتيجية؟ هل العائق األخالقي يعترب عائقا‬
‫اسرتاتيجيا؟ وهل ميكن لالسرتاتيجية السيئة أن تدمر املميزات األخالقية؟‬

‫أوجه التشابه الخاصة بهام‬


‫يف فصل بعنوان «االسرتاتيجية واألخالق» من الكتاب الرئيس «الحرب العادلة‬
‫وغري العادلة» (‪ ،)1977‬تناول مايكل فالزر ‪ Michael Walzer‬مجموعة من أوجه‬
‫‪155‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫التشابه بينهام‪ :‬إنها لغة التربير (نحن نربر أفعالها عندما نقول إنها أخالقية‪ ،‬وإنها‬
‫تنبع من االسرتاتيجية ‪ -‬حتى أولئك الذين ليست لديهم اسرتاتيجية يفعلون كأن‬
‫لديهم واحدة منها) التي تسمح بإجراء األحكام والتي ميكن التعبري عنها من خالل‬
‫األنظمة «ال ترفض أبدا قبول جندي يحاول االستسالم وال تحاول التقدم أبدا من‬
‫دون حامية وحدته العسكرية»(‪.)6‬‬
‫وليك يحدث التطرق إىل هذه النقطة األخرية‪ ،‬من الرضوري االنتباه إىل هذه‬
‫الفوارق املفيدة‪ ،‬حيث تنقسم األخالق املعيارية املعارصة إىل ثالث عائالت كبرية‪:‬‬
‫األخالق الواجبة واألخالق النفعية وأخالق الفضيلة‪.‬‬
‫فاألخالق الواجبة ‪( déontologisme‬من املصطلح اليوناين ‪ deon‬مبعنى واجب)‬
‫تعني النهج الذي يتبع منوذج املنارصين لفكر كا ْن ْت ‪ Kant‬الذين يقولون بأن الفعل‬
‫يعد جيدا من الناحية األخالقية إذا ُأنجز من منطلق الواجب أو من احرتام القانون‪.‬‬
‫من حيث املبدأ‪ ،‬يفرتض هذا النهج الوجود املوضوعي لبعض االلتزامات األخالقية‬
‫القابلة للتطبيق عىل وجه العموم‪ ،‬ويعتقد يف أن األفعال لها قيمة جوهرية‪ :‬فهي‬
‫إما جيدة وإما سيئة يف حد ذاتها برصف النظر عن األسباب والنتائج‪ .‬أما عن األخالق‬
‫النفعية ‪ ،utilitarisme‬من ناحية أخرى‪ ،‬فهي تعني النهج الذي يرجع إىل األصل‬
‫اإلنجليزي (بنثام ‪ Bentham‬وميل ‪ Mill‬وسيدجويك ‪ )Sidgwick‬والذي يفيد‬
‫بأن الفعل قد يصبح جيدا عندما يتحقق أقىص قدر ممكن من السعادة (النفعية‬
‫املمتعة) أو االكتفاء باألولويات (النفعية من خالل األولويات) من كل األفراد‬
‫املعنيني‪ .‬تشرتك األخالق الواجبة واألخالق النفعية يف التقييم العقالين لألفعال‪ ،‬يف‬
‫حني أن أخالق الفضيلة تقيم بشكل أكرب الطابع األخالقي للفرد (ما أطلق عليه‬
‫أرسطو ‪ Aristote‬الروح)‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬تتميز االسرتاتيجية بوجود ثالثة أقسام كام هي الحال مع‬
‫األخالق‪ .‬أوال هناك من تتوافر لديهم القواعد‪ ،‬كبوفر (الذي يشك يف صالحية هذه‬
‫األقسام) ويذكر ما يقوله اآلخرون‪ :‬فكالوزفيتز لديه ثالثة أقسام وليدل هارت مثانية‬
‫وماو ‪ Mao‬ستة ولينني وستالني ‪ Lénine et Staline‬ثالثة وفوش اثنان‪ ...‬إلخ(‪.)7‬‬
‫البعض‪ ،‬مثل جوميني يدعي أن املبادئ االسرتاتيجية «مستقلة عن طبيعة األسلحة‬
‫وتنظيم القوات»(‪ .)8‬ويف حني أنه‪ ،‬كام يالحظ ديبورت ‪ ،Desportes‬هناك ما يشري‬
‫‪156‬‬
‫األخالق والفعل االسرتاتيجي‬

‫إىل تأمل الثقافات االسرتاتيجية من خالل «نسبية املبادئ»(‪ )9‬التي تتوافق مع نهج‬
‫الداعمني لألخالق الواجبة‪.‬‬
‫عىل العكس من ذلك‪ ،‬يذكر آخرون أن االسرتاتيجية ليست لها قواعد وال ميكن‬
‫أن تتصف بذلك (خالفا للتكتيكات)(‪ )10‬كام يقول ميزوري ‪ Maizeroy‬الذي شغل‬
‫منصب قائد الخطوط‪ ،‬واملارشال ساكس ‪ Marshal Saxe‬أو بوفر(‪ .)11‬حيث تتفق‬
‫هذه القواعد مع نهج املنارصين للعواقبية األخالقية‪.‬‬
‫رص البعض عىل الدور‬ ‫ومن بني أولئك الذين يعتقدون بعدم وجود قواعد‪ُ ،‬ي ّ‬
‫الذي تؤديه الشخصية(‪ :)12‬دلربوك ‪ Delbrück‬يتحدث عن (الفعل االسرتاتيجي الذي‬
‫«ينشأ من عمق الشخصية») أو ديغول الذي يقول بأنه «ال يوجد نظام عاملي‪ ،‬لكن‬
‫فقط ظروف وشخصيات»(‪ – )13‬األمر الذي يتوافق مع أخالق الفضيلة‪.‬‬
‫من الالفت للنظر يف هذا التشابه أنه يتعلق مبجمل األقسام الثالثة‪ .‬لكن هذا‬
‫ليس كل ما يف األمر‪ .‬فمن أجل إنهاء هذه املناقشة حول وجود قواعد اسرتاتيجية‪،‬‬
‫ميكننا القول مع ديبورت إنه ال يوجد إال اثنان فقط من هذه «املبادئ»(‪ .)14‬املبدأ‬
‫األول ال يعترب مبدأ بل يعترب من رشوط االسرتاتيجية‪ :‬إنها حرية الفعل ‪ -‬التي ُيرص‬
‫عليها بوفر‪ ،‬والتي يعتربها فوش «مطلقة»‪ .‬أما عن املبدأ الثاين‪ ،‬الذي يعترب املبدأ‬
‫االسرتاتيجي الوحيد يف نهاية األمر‪ ،‬فإنه مبدأ التكيف وفن الترصف ‪ -‬الذي يربر عدم‬
‫الحاجة إىل املبادئ‪.‬‬
‫اليزال هذان املبدآن األساسيان شائعني يف االسرتاتيجية واألخالق‪ ،‬وكالهام ميثالن‬
‫االستدالل العقيل املرتبط بالفعل أو املرتبط بحرية الفعل باعتباره رشطا مفروضا‪،‬‬
‫األمر الذي ال يجعلهام حرتني متاما‪ ،‬وهذا يعني فرض قيود عليهام (سياسية‪،‬‬
‫اقتصادية‪ ...‬إلخ) ‪ -‬وحيث إن كال منهام تشكل قيدا عىل األخرى (فاألخالق هي‬
‫من ضمن قيود االسرتاتيجية‪ ،‬واالسرتاتيجية تقيد األخالق) فإن حريتهام تعتمد عىل‬
‫السياق‪ ،‬إذ إن كال منهام يعترب كجزء من السياق بالنسبة إىل اآلخر‪.‬‬
‫حتى لو كان لدى االسرتاتيجية واألخالق قواعد‪ ،‬فمن الواجب عىل القائد‬
‫االسرتاتيجي والفيلسوف أن يواجها انتهاكاتهام املستمرة وأن يكونا مقتنعني يف‬
‫الوقت نفسه بأن «القواعد ال ميكن لها أن تتكيف مع الظروف القاسية التي يجدان‬
‫نفسهام فيها»(‪ .)15‬يؤكد هذا االعتقاد أهمية السياق والقدرة عىل التكيف‪ .‬هذا‬
‫‪157‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫هو املبدأ األسايس الثاين لالسرتاتيجية املشرتكة مع األخالق‪ .‬بيد أنه ال ميكن تطوير‬
‫االسرتاتيجية خارج نطاق العامل ولكن من خالل سياق معني‪ .‬يرص بوفر عىل أن‬
‫«تباين الوسائل والبيئة» يعترب «العامل املهم يف تطوير املفهوم االسرتاتيجي»(‪.)16‬‬
‫بالطريقة نفسها‪ ،‬ال ميكن لنا أن نتحدث هنا عن األخالقيات الفوقية أو حتى‬
‫األخالق املعيارية‪ ،‬ولكن ميكن الحديث عن األخالق التي تصلح للتطبيق عىل حاالت‬
‫محددة كتلك التي ُتتخذ فيها القرارات االسرتاتيجية‪ .‬ال تتعرض األخالق التطبيقية‬
‫ملا هو جيد يف املطلق ولكنها تتعرض ملا هو أفضل ويجب القيام به يف لحظة معينة‬
‫ويف حالة معينة‪ .‬لذلك فهي ذات طبيعة قامئة عىل السياق متاما مثل االسرتاتيجية‪.‬‬

‫أوجه التوافق الخاصة بهام‬


‫أما عن البعض الذين ال يجدون األخالق ضمن مقومات االسرتاتيجية‪ ،‬فإنهم‬
‫يرتكبون ثالثة أخطاء‪ :‬إنهم يبحثون عن وجود فعيل ويعارضون الجانب املعياري‬
‫والوصفي بشكل حرصي ويأخذون االسرتاتيجية من أضيق معانيها‪ .‬ميكن تصحيح‬
‫الخطأ األول من خالل فهم ما يقوله كالوس ‪ -‬غريد غيزن ‪Klaus-Gerd Giesen‬‬
‫حول نظرية العالقات الدولية التي ميكن تطبيقها أيضا عىل االسرتاتيجية‪:‬‬
‫كل نظريات العالقات الدولية‪ ،‬مبا يف ذلك النظرية التي يفرتض أنها محض‬
‫تفسريية أو تجريبية‪ ،‬لها بعد أخالقي‪ ،‬وغالبا ما تظل بشكل ضمني(‪.)17‬‬
‫أما عن املختصني بالعلوم السياسية ورجال القانون الذين اليزالون مييلون إىل‬
‫الفلسفة الوضعية والذين يفرتضون الفصل التام بني «علومهم» وأي قضية أخالقية‬
‫أخرى‪ ،‬فإنهم يترصفون كأن خطابهم ينبثق مام يطلق عليه توماس ناغل ‪Thomas‬‬
‫‪« Nagel‬وجهة نظر العدم»‪ ،‬يف حني أنهم يتحدثون جيدا عن وجهة نظر معينة‬
‫تفرتض الوجود املسبق ألخالق معينة‪.‬‬
‫وبالتايل فإن أخالقيات العالقات الدولية ليست الفرع الوحيد الخاص بدراسة‬
‫العالقات الدولية يك تكون معيارية‪ ،‬حيث إن لكل نظرية حظا من املعيارية بنسب‬
‫متفاوتة‪ :‬ببساطة شديدة‪ ،‬ستكون هي التي توليها األهمية القصوى‪.‬‬
‫تعد االسرتاتيجية‪ ،‬عىل العكس من ذلك‪ ،‬واحدة من النظريات التي سببت قمع‬
‫األخالق أكرث من غريها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإنها تتضمن مجموعة من املعايري التي تعترب جزءا‬
‫‪158‬‬
‫األخالق والفعل االسرتاتيجي‬

‫من السياق الخاص بها مبوجب قانون النزاعات املسلحة وقواعد االشتباك والتدريب‬
‫يف مجال األخالقيات العسكرية‪« .‬لقد أصبح القانون [‪ ]...‬أداة اسرتاتيجية للحرب‬
‫والستمرار السياسة بطرق متشابهة»(‪ .)18‬فالسيطرة عىل مجلس األمن وتفسري املادة‬
‫‪ 51‬من امليثاق أو التذرع بحق تقرير املصري ميكن أن يكون اسرتاتيجية لدخول الحرب‪.‬‬
‫فاالعرتاف بهذا الوجود الضمني يسمح مبنع حدوث الخطأ الثاين‪ ،‬كام أنه‬
‫يسمح بإدراك حقيقة «الوهم والخطورة يف الفصل التام‪ ،‬وأيضا الرغبة يف القيام‬
‫بذلك الفصل يف العلوم االجتامعية‪ ،‬بني النظرية التجريبية والنظرية املعيارية»(‪.)19‬‬
‫النظريتان مرتبطتان‪ :‬الغرض من هذا الفصل هو تحديد كيفية هذا الرتابط يف حالة‬
‫االسرتاتيجية‪ .‬الخطأ الثالث يتعلق مبدلول كلمة «اسرتاتيجية»‪ .‬إذا ُحرص املدلول‬
‫يف «مجرد االستخدام الحريب»‪ ،‬كام تأسف عىل ذلك ليدل هارت(‪ ،)20‬فسيكون من‬
‫الصعب أن نرى يف هذا املدلول صلة باألخالق – ولكنه ليس أمرا مستحيال ألن‬
‫االرتباط ورايث‪« :‬فاإلنسان كائن أخالقي واالسرتاتيجية مرشوع إنساين بطبيعته‪ .‬لذلك‬
‫يجب أن يكون لها ُبعد أخالقي»(‪ .)21‬يتضح هذا البعد بشكل كبري إذا استطعنا أن‬
‫نفهم أن االسرتاتيجية عاملية بطبيعتها‪ ،‬وأنها عىل هذا النحو تعترب مشكلة الغايات‬
‫والوسائل‪ ،‬األمر الذي يجعلنا نفضل النهج غري املبارش‪.‬‬

‫االسرتاتيجية الكونية‬
‫القائد االسرتاتيجي يصنع الحرب‪ ،‬بينام يفكر املنظر االسرتاتيجي فيها‪ ،‬ولهذا‬
‫السبب يستطيع املنظر بدرجة أقل من القائد أن يتجاهل البيئة النظرية واألسئلة‬
‫املرتبطة بها‪.‬‬
‫ال ميكن أن تتبلور االسرتاتيجية من فراغ بل من خالل سياق معني ووفقا ألهداف‬
‫سياسية تتأثر باملعايري األخالقية واالجتامعية‪ .‬فاملنظر االسرتاتيجي الجدير بهذا‬
‫االسم يق ّيم الوضع مبجمله وبكل أبعاده (حيث يتحدث غيتون ‪ Guitton‬عن «ما‬
‫بعد االسرتاتيجية»(‪ ،))22‬مبا يف ذلك ال ُبعد األخالقي‪ .‬هذا هو السبب يف أننا غالبا ما‬
‫نتحدث عن االسرتاتيجية بأنها فن وليست علام‪.‬‬
‫لقد كان نهج التنوير‪ ،‬كام يشهد عىل ذلك ميزوري ‪ ،Maizeroy‬يعمل عىل‬
‫أن تكون االسرتاتيجية «ذات خاصية جدلية‪ ،‬األمر الذي يعني أنها تتمتع بأعىل‬
‫‪159‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫درجات السمو واالستدالل العقيل [و] الناتج عن الظروف املادية والسياسية‬


‫واملعنوية التي ال نهاية لها»(‪ .)23‬وهو ما يطلق عليه ليدل هارت أيضا «االسرتاتيجية‬
‫الكربى» التي تفيد بأن القوة القتالية ليست سوى واحدة من األدوات [‪[ .]...‬هذه‬
‫القوة] يجب أن تأخذ يف االعتبار قوة الضغوط املالية والضغوط الديبلوماسية‬
‫والضغوط التجارية والضغوط األخالقية (حيث ال ميكن اإلقالل من شأنها) التي‬
‫تستخدم إلضعاف إرادة الخصم‪ .‬فالسبب الوجيه يعترب كالسيف والدرع‪ .‬وقد‬
‫يكون املوقف الشهم من أكرث األسلحة فاعلية إلضعاف الرغبة يف املقاومة لدى‬
‫الخصم ووسيلة لزيادة قوتنا األخالقية(‪.)24‬‬
‫إن العالقة مع األخالق ميكن لها أيضا أن تتوطد من خالل السياسة التي تؤدي‬
‫دورا عىل املدى املتوسط‪ :‬إذن هي عالقة ثالثية‪ .‬ومبا أن التكتيك يعترب وسيلة‬
‫اسرتاتيجية‪ ،‬فإن االسرتاتيجية هي وسيلة سياسية(‪ .)25‬بيد أن السياسة معنية‬
‫باالعتبارات األخالقية‪ :‬إن أي مرشوع إسرتاتيجي «يجري استيحاؤه والوصول إىل‬
‫رشعيته من خالل الرؤية السياسية التي تشتمل عىل رؤية أخالقية»(‪ .)26‬هذه هي‬
‫الحال الخاصة باألنظمة الدميوقراطية حيث تكون الصورة األخالقية (الروحية)‬
‫واحدة من معايري الوصول إىل السلطة والحفاظ عليها‪.‬‬
‫تعد الدميوقراطية‪ ،‬مع عوملة وسائل اإلعالم واملجتمع املدين‪ ،‬واحدة من أسباب‬
‫نرش مبدأ األخالقية يف العامل ‪ -‬وال يعني هذا األمر أن أخالق الجهات الفاعلة اليوم‬
‫هي أقوى من األمس‪ ،‬ولكن يجب أن تبدو أقوى ألن ضغط القيم الروحية أكرب(‪.)27‬‬
‫إذا كان هناك مجال‪ ،‬يتميز عن االسرتاتيجية باملعنى الواسع للمفهوم‪ ،‬ينظر‬
‫إليه عىل أنه غري متوافق مع األخالق‪ ،‬فهو بال شك ما يتعلق باالستخبارات‪.‬‬
‫وألن خدمات االستخبارات بحكم تعريفها «رسية»‪ ،‬وألن عملياتها تجسسية‪،‬‬
‫متليها الرضورة و«املصلحة الوطنية»‪ ،‬فإنها ال تبدو خاضعة‪ ،‬بطبيعتها‪ ،‬ألي قيود‬
‫أخالقية‪ ،‬األمر الذي يجعلنا نتخيل أن هذه الضبابية تخفي أنشطة غري أخالقية‪.‬‬
‫ولكن يف الدميوقراطيات الليربالية‪ ،‬منذ نحو عقدين من الزمن‪ ،‬تأخذ الرقابة‬
‫الربملانية مكانها‪ ،‬باملوازاة‪ ،‬مع الخطاب األخالقي – الذي يستند‪ ،‬خالفا ملا هو‬
‫ظاهر‪ ،‬إىل االنتهاكات األمريكية فيام يتعلق بالحرب ضد اإلرهاب‪ .‬إن أخالق‬
‫(‪)28‬‬
‫االستخبارات هي اآلن حقل بحثي معرتف به ويجتذب أعامال أدبية كثرية‬
‫‪160‬‬
‫األخالق والفعل االسرتاتيجي‬

‫تغطي ليس فقط القضايا الخارجية التي ترتبط بأخالق االستخبارات (هل تعترب‬
‫يف حد ذاتها نشاطا أخالقيا؟)‪ ،‬لكن بشكل خاص‪ ،‬القضايا الداخلية التي تتعلق‬
‫باألخالق من داخل عمل االستخبارات (املعضالت األخالقية التي تواجه العمالء‪:‬‬
‫التوظيف والتالعب يف املصادر وأساليب التحقيق والتخريب وعمليات االختطاف‬
‫واالغتياالت والتواصل مع السياسيني والجمهور‪ ،‬وما إىل ذلك)‪.‬‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬فإن عامل االستخبارات الغامض ليس غريبا عليه وجود القيم‬
‫األخالقية يف العالقات الدولية‪ .‬مرة أخرى‪ ،‬ال يعني هذا األمر أن املامرسات‬
‫االستخباراتية قد أصبحت أخالقية ‪ -‬إن االنحرافات األمريكية يف األلفية الثانية‬
‫تثبت العكس ‪ -‬عىل الرغم من تقوية القيد األخالقي الذي أصبح من الصعب التحرر‬
‫منه من اآلن فصاعدا‪.‬‬

‫مشكلة الغايات والوسائل‬


‫إن نقطة التقاطع بني االسرتاتيجية واألخالق‪ ،‬التي متر عرب السياسة‪ ،‬تتعلق‬
‫يف نهاية األمر مبشكلة الغايات والوسائل‪ .‬فاالسرتاتيجية هي «فن توزيع وتنفيذ‬
‫الوسائل العسكرية بغرض استكامل األهداف السياسية»(‪ ،)29‬كام يقول ليدل هارت‪،‬‬
‫ونجاحها «يعتمد يف املقام األول وبشكل رئييس عىل التقدير السليم والتوافق بني‬
‫الغايات والوسائل»(‪ .)30‬بالنسبة إىل ديغول ‪ de Gaulle‬أيضا‪ ،‬فإن إحدى قواعد‬
‫االسرتاتيجية تحديدا هي معرفة «أوجه التناسب بني املخاطر والوسائل»(‪.)31‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فهناك أيضا مشكلة قدمية مرتبطة بالفلسفة األخالقية‪ :‬فمنذ العصور‬
‫القدمية‪ ،‬ميكن لإلنسان أن مييز بني الفعل الجيد من وجهة النظر الفنية‪ ،‬أي الفعل‬
‫الناجح‪ ،‬عندما تسمح الوسيلة الفعالة بالوصول إىل غاية معينة (هذا هو النوع‬
‫الذي توضحه االسرتاتيجية)‪ ،‬كام ميكن متييز الفعل الجيد من وجهة نظر أخالقية‪ ،‬أي‬
‫حسن الخلق‪ ،‬عندما تسمح الوسيلة بالوصول إىل الغاية التي يعطيها اإلنسان قيمة‬
‫أخالقية جوهرية(‪ .)32‬وألن استكامل الخري يف صورته النهائية مير بعد ذلك عن طريق‬
‫اختيار الوسائل املناسبة‪ ،‬فإن طرح السؤال التايل يتعلق مبعرفة ما إذا كان بإمكان‬
‫اإلنسان استخدام وسائل غري أخالقية للوصول إىل املثل األخالقية‪ ،‬واملعنى املراد إذن‬
‫يعني هل بإمكان الرش أن يسهم يف تحقيق الخري‪.‬‬
‫‪161‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫هذه الجدلية السلبية يسمح بها أتباع هيغل ‪( Hegel‬الذي يعترب الرش رضورة‬
‫ألنه املحرك للتقدم) وأتباع املذهب الواقعي منذ ميكيافييل هذا هو ما يطلق عليه‬
‫آرون املشكلة امليكيافيلية للوسائل املرشوعة ‪ -‬يف الجزء األخري من السالم والحرب‬
‫بني األمم والذي ُخصص تحديدا لألزمات األخالقية املرتبطة بالسلوك الديبلومايس‬
‫االسرتاتيجي ‪ -‬إذن هل هي نقطة التقاء األخالق واالسرتاتيجية؟‬
‫فهو ال يحاول اإلجابة عن األسئلة عىل إطالقها‪ ،‬ولكنه يراعي القيود املفروضة‬
‫عىل مامرسة السلطة‪ ،‬ويضع نفسه بشكل عميل يف مكان رئيس الدولة‪ .‬إن رفضه‬
‫املذهب األخالقي يعترب مطالبة بعدم الفصل بني األخالق واالسرتاتيجية‪.‬‬
‫إن قضية الوسائل غري األخالقية ترتبط بـ «مشكلة األيدي القذرة» التي صاغها‬
‫مايكل فالزر ‪ )33(Michael Walzer‬والتي استخدمها لتربير أول قصف اسرتاتيجي‬
‫للحلفاء يف الحرب العاملية الثانية‪ :‬والتي أدت إىل قتل عديد من املدنيني األملان‬
‫باسم «الرضورة القصوى»‪ :‬من أجل منع نرص النازيني بأي مثن‪ .‬ولكن مبجرد انتفاء‬
‫صفة الرضورة‪ ،‬عندما أصبح من الواضح أن أملانيا ال تستطيع كسب الحرب‪ ،‬فإن‬
‫هذه الرضورة مل تعد ملحة كام أقر بذلك فالزر‪ ،‬وقرص اللجوء إليها عىل ما بني‬
‫العامني ‪ 1940‬و‪« .1941‬األيدي القذرة غري مسموح بها (ولن تكون رضورية) إال‬
‫عندما يكون بقاء (استمرار) املجتمع عىل املحك»(‪.)34‬‬
‫إن القول بأن «بقاءنا» أو «وجودنا» مهدد ال يعد أمرا جليا بشكل واضح‪ ،‬لكن‬
‫قد ُيتذرع بهام بانتظام لكرس الحواجز األخالقية سواء باستخدام األسلحة النووية‬
‫(تدرس محكمة العدل الدولية ذلك األمر يف ظل «ظروف شديدة الصعوبة [‪]...‬‬
‫حيث يكون بقاء الدولة فيها معرضا للخطر»)‪ ،‬أو باللجوء إىل التعذيب عىل سبيل‬
‫املثال‪ .‬لقد عادت مشكلة األيدي القذرة إىل الظهور يف النقاش حول أساليب الحرب‬
‫ضد اإلرهاب‪ ،‬وقد ُسلط الضوء عليها بشكل خاص يف السلسلة التلفزيونية ‪.244‬‬

‫االسرتاتيجية غري املبارشة‬


‫ال تتحمل االسرتاتيجية مسؤولية أن تكون سببا وراء مشكالت أخالقية بالقدر نفسه‬
‫الذي تسببه بعض النهج‪ :‬فعندما تهدف االسرتاتيجية املبارشة إىل املواجهة وتدمري‬
‫الوسائل املعادية‪ ،‬فسيكون لديها االحتامل األقوى إلحداث ضحايا يف صفوف املدنيني‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫األخالق والفعل االسرتاتيجي‬

‫إن الفكرة التي تنبع من أخالق الحرب والقانون الدويل اإلنساين (‪)DIH‬‬
‫مفادها االعتدال بغرض الحد من العواقب الوخيمة عىل اإلنسان واملمتلكات‪ .‬إن‬
‫االسرتاتيجية املبارشة تتعارض رصاحة مع االعتدال وفقا للعبارة الشهرية التي قالها‬
‫كالوزفيتز‪« :‬ال ميكن للمرء أن يتطرق إىل مبدأ االعتدال عند الحديث عن فلسفة‬
‫الحرب نفسها من دون أن يرتكب حامقة عبثية»(‪ .)35‬تربر االسرتاتيجية املبارشة‬
‫للحرب الشاملة التي ال نهاية لها‪ ،‬كام يطالب بذلك الجرنال ماك آرثر ‪MacArthur‬‬
‫عىل سبيل املثال‪ ،‬الحصول عىل النرص بأي مثن(‪ ،)36‬أما عن الثمن الذي يتعني دفعه‬
‫بالضبط فهو األخالق‪.‬‬
‫يف اآلونة األخرية‪ ،‬كانت االسرتاتيجية األمريكية املعنية بالصدمة والرعب (‪Shock‬‬
‫‪ )and awe‬ترغب يف وضعها موضع التنفيذ بالكامل يف العراق يف العام ‪،2003‬‬
‫حيث كانت تتمثل يف استخدام القصف املكثف (‪ 3‬آالف قنبلة وصاروخ يف غضون‬
‫‪ 48‬ساعة)‪ ،‬إلحداث الصدمة عىل أمل تحطيم مقاومة الحكومة العراقية يف أرسع‬
‫وقت ممكن‪ .‬أوضح املنظرون أن السري يف هذا الطريق‪ ،‬عىل الرغم من أنه األعنف‬
‫لكنه املخترص جدا‪ ،‬يعد من أفضل الوسائل «النظيفة» و«الرسيعة» لكسب املعركة‪.‬‬
‫إنها ذريعة القصف األخالقي التي تذكرنا مبنظري القصف االسرتاتيجي لفرتة ما بني‬
‫الحربني العامليتني؛ الذين كانوا يعتقدون أن القوة الجوية ميكن أن تكون كافية‬
‫لكسب املعركة‪ .‬بيد أن حامية املدنيني يف ذلك الوقت كانت أمرا ثانويا – أو أنها‬
‫كانت ضمن الذرائع املتناقضة‪ :‬خصوصا أن الحرب الجوية كانت تدمريية للغاية‬
‫وسببت قتل كثري من البرش‪ ،‬وال ميكن لها إال أن تؤدي إىل نتيجتني ايجابيتني‪ ،‬إما‬
‫إنهاء الحرب برسعة وإما منع وقوعها‪ .‬لقد دافع عديد من الكتاب عن قصف‬
‫املدنيني باعتباره بديال أخالقيا لحرب الخنادق‪ ،‬أو أنه الرش من أجل خري أكرب‪،‬‬
‫إنها التضحية الرضورية التي ميكن أن تضع نهاية رسيعة للحرب‪ .‬لنتذكر دريسدن‬
‫وطوكيو‪ ،‬وأخريا هريوشيام وناجازايك‪.‬‬
‫عندما استُخدم القصف املكثف يف نهاية القرن العرشين‪ ،‬يف العراق أو كوسوفو‬
‫عىل سبيل املثال‪ ،‬فإن التربير لن يسري بطبيعة الحال عىل الوترية نفسها‪.‬‬
‫لقد تطورت املعايري وأصبحت حامية املدنيني ظاهرة للعيان‪ :‬نحن نتحدث‬
‫عن حرب «نظيفة»‪ ،‬ألن القنابل التي ُتس َقط تسمى «قنابل فائقة الدقة»‬
‫‪163‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫و«ذكية»؛ حيث إنها تتمتع بقدرة حقيقية عىل التمييز‪ .‬لكن بالنسبة إىل النقاد‪،‬‬
‫تبقى هذه االسرتاتيجية التي تهدف إىل نرش الخوف ليست سوى نسخة محسنة‬
‫من القصف املكثف يف أثناء الحرب العاملية الثانية‪ ،‬وتشبه عىل نحو مغاي ٍر‬
‫اإلرهاب الذي تنوي محاربته‪.‬‬
‫َ‬
‫يعترب هذا النهج املبارش أبعد ما يكون عن اإلجامع‪ .‬وحيث إن ليدل هارت‬
‫نهج كالوزفيتز باللغة اإلنجليزية»(‪،)37‬‬
‫وآرون يتمتعان «بذكاء كبري ويعارضون بشد ٍة َ‬
‫فإنهام يدينان رفض االعتدال‪:‬‬
‫إنها إدانة لفن رجل الدولة ولالسرتاتيجية الذكية [‪ .]...‬فإذا كانت الحرب هي‬
‫رصح بذلك كالوزفيتز‪ ،‬فمن الرضوري جدا أن تحدث من‬ ‫استمرارا للسياسة كام ّ‬
‫دون إغفال فوائد فرتة ما بعد الحرب [‪ .]...‬إن الهدف من الحرب هو الحصول عىل‬
‫سالم أفضل [‪ .]...‬هذا هو السبب وراء أنه من الرضوري شن الحرب من دون إغفال‬
‫نوع السالم الذي ترغب يف تحقيقه(‪.)38‬‬
‫إن تجاهل االعتبارات األخالقية يعترب من األخطاء االسرتاتيجية ألنه يزيد من‬
‫التكلفة السياسية لـ «النرص» الذي ال ميكن اعتباره نرصا حقيقيا‪.‬‬
‫لطاملا كان هناك تقليد آخر منذ زمن طويل ُمفاده االسرتاتيجية غري املبارشة‬
‫التي تهدف متاما إىل العكس‪ :‬تجنب الصدمة األمامية وأيضا تجنب املعركة‪ .‬ليس‬
‫الهدف من الحرب القضاء عىل الخصم بل السيطرة عليه‪ ،‬أي فرض إرادتنا عليه‪.‬‬
‫هذا هو السبب يف أن بوفر‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬يع ِّرف االسرتاتيجية بأنها «فن جدلية‬
‫اإلرادة التي تستخدم القوة لحل النزاعات»(‪.)39‬‬
‫إن أفضل طريقة لتحقيق هذا الهدف هو أداء ذلك األمر من خالل استهالك‬
‫أقل كمية من الطاقة وإحداث أقل قدر ممكن من الرضر‪.‬‬
‫فاالسرتاتيجية تشبه األخالق ولكن ألسباب مختلفة‪ ،‬من أجل ضامن الفاعلية‬
‫واالقتصاد القوي (أول قاعدة اسرتاتيجية عند فوش ‪ ،)Foch‬فإن االسرتاتيجية غري‬
‫املبارشة تحد من آثار الحرب يف الشعوب‪ ،‬ولهذا تعترب االسرتاتيجية األكرث توافقا مع‬
‫األخالق من االسرتاتيجية غري املبارشة‪.‬‬
‫يضم هذا التقليد العريق ما قاله صن زي‪« :‬القائد العظيم يتقدم بالجيوش‬
‫من دون قتال‪ ،‬ويسيطر عىل األماكن من دون أن يحارصها‪ ،‬ويطيح باألمم من دون‬
‫‪164‬‬
‫األخالق والفعل االسرتاتيجي‬

‫حمالت عسكرية طويلة»(‪ ،)40‬وأيضا ما قاله ليدل هارت عن «الكامل االسرتاتيجي‬


‫الذي يعني الوصول إىل نتيجة حاسمة من دون خوض معركة حقيقية»(‪ .)41‬من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬فإن أخالق الحكمة عند آرون تنبع أيضا من االسرتاتيجية غري املبارشة‪:‬‬
‫حرص نطاق الحرب يف أضيق الحدود‪« ،‬وكبح جامح التصعيد إىل أقىص درجة»(‪،)42‬‬
‫وأن تكون هناك «أهداف ميكن الوصول إليها من دون تحقيق النرص الكامل»(‪،)43‬‬
‫والدفاع عن عقيدة الرد بتدرج بدال من االنتقام الشامل(‪ ،)44‬والدفاع يف كلمة واحدة‬
‫عن «االسرتاتيجية املعتدلة»(‪ .)45‬وهذه األخرية لديها ثالثة أهداف مبا يف ذلك «البقاء‬
‫األخالقي من خالل الحفاظ عىل الحضارة الليربالية»(‪ .)46‬وبذلك ُيدمج ال ُبعد األخالقي‬
‫بالكامل يف الفعل االسرتاتيجي‪.‬‬
‫تعترب الخدعة واحدة من هذه األهداف‪ .‬كام أن نصب كمني والتظاهر بالهروب‬
‫ملفاجأة الخصم يعترب من ضمن املنطق االقتصادي لالسرتاتيجية غري املبارشة‪:‬‬
‫حيث ميكن تجنب املعركة الحاسمة‪ .‬لقد حصل الدفاع عن هذه األهداف من‬
‫خالل التقليد االسرتاتيجي بشكل كامل(‪ .)47‬كام أن ستونوول جاكسون ‪Stonewall‬‬
‫‪ Jackson‬يجعل منها مس َّلمة اسرتاتيجية‪« :‬إنه الغموض والتضليل والدهشة»(‪.)48‬‬
‫إنه أمر مفضل ليس فقط ألنه األكرث فاعلية (عىل الرغم من رفض أنصار‬
‫االسرتاتيجية املبارشة لها مثل كالوزفيتز)(‪ ،)49‬ولكن أيضا بسبب تجنب الصدمة‬
‫األمامية التي من شأنها أن تسبب مزيدا من الخسائر‪ ،‬إذن هي األقوى من الناحية‬
‫األخالقية‪« :‬فنظريات الحرب العادلة‪ ،‬من سانت أوغستني ‪ saint Augustin‬إىل فاتيل‬
‫‪ ،Vattel‬تنظر إىل الخدعة عىل أنها وسيلة تستحق الثناء من الناحية األخالقية»(‪.)50‬‬
‫عىل هذا النحو‪ ،‬ال تشكل الخدعة مشكلة أخالقية‪ .‬فكل يشء يتوقف عىل‬
‫استخدامنا له‪ :‬حيث ميكن استخدامها للحد من أو حتى لتجنب العنف أو األرضار‬
‫املدنية‪ ،‬وكذلك للحيلولة دون زيادتها‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬يجب التمييز بني الخدعة‬
‫والخيانة التي هي عبارة‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬عن التظاهر باالستسالم أو االنسحاب‬
‫من املعركة (عن طريق اإلصابة أو املرض) أو التنكر يف صورة رجل مدين أو تبديل‬
‫عالمات األمم املتحدة أو شعاراتها أو أزيائها أو تلك التي تتعلق باللجنة الدولية‬
‫للصليب األحمر (‪ ...)CICR‬إلخ‪ .‬إذن الخدع مرشوعة‪ ،‬أما األفعال التي تدل عىل‬
‫الخيانة فهي غري ذلك وميكن بالتايل أن تشكل جرائم حرب‪.‬‬
‫‪165‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫إن القول بأن االسرتاتيجية غري املبارشة أقوى من الناحية األخالقية ألنها تتجنب‬
‫الخسائر ليس عليه إجامع باالتفاق يف املعسكر األخالقي‪ :‬إنها النتيجة التي توصل‬
‫اليها أنصار مذهب العواقبية‪ .‬أما عن اآلخرين املؤيدين ألخالق الفضيلة‪ ،‬فإنهم‬
‫سيجدون يف االسرتاتيجية غري املبارشة‪ ،‬عىل العكس من ذلك‪ ،‬أنها غري أخالقية إىل‬
‫حد كبري ألن معركتها غري عادلة‪.‬‬
‫من ناحية‪ ،‬تعترب الحرب التي تتصف بالحرب الرصيحة واألخالقية واملثمرة [كام‬
‫ذكر‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬برودون ‪ ]Proudhon‬بالحرب التي تعيل من شأن الهزمية‬
‫بقدر ما يتحقق لها من النرص وتجعل الشعوب تعيش مثل اإلخوة يف حال النرص‬
‫ويف حال الهزمية‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬تعترب الحرب التي تتصف بالخيانة والعقم‬
‫بالحرب التي تتحول إىل الوحشية والرسقة باإلكراه‪ ،‬وتؤدي إىل كراهية الشعوب‬
‫بعضها لبعض بشكل غري قابل للوفاق(‪ .)51‬توجد ذريعتان‪ :‬األوىل ألنصار مذهب‬
‫العواقبية ومفادها أن االسرتاتيجية غري املبارشة مل تعد ف ّعالة ألنها تحض عىل القتال‬
‫(فالشخص الذي يعترب نفسه قد تعرض للرضب بشكل جائر يجد رضورة ُملحة‬
‫للمقاومة والثأر)‪ ،‬أما عن الذريعة الثانية‪ ،‬فهي ضمن أخالق الفضيلة بيد أنها َمشينة‪.‬‬
‫هذا االتهام الذي يتصف بالجنب ميثل اليوم االنتقاد الرئييس للحرب غري املتامثلة‬
‫وللهجامت من دون طيار عىل وجه الخصوص‪.‬‬
‫نقول إن الصفة العسكرية التي ميكن أن تصبح مهددة من قبل الطائرات من‬
‫دون طيار تعني الشجاعة‪ :‬مبا أن املشغل ال يتعرض ملخاطر جسدية‪ ،‬فإننا نتهمه‬
‫بأنه «جبان» وال ميكن أن يتصف بصفة املقاتل «الحقيقي»‪ ...‬إلخ‪ .‬لكن الشجاعة ال‬
‫تعني فقط الفضيلة العسكرية‪ :‬هناك فضيلة أخرى هي الرشف الذي ُيقاس بشكل‬
‫خاص عندما يتعلق األمر بقانون الحرب (‪ ،)jus in bello‬أي مببادئ القانون الدويل‬
‫اإلنساين (التمييز والتناسب والرضورة وحظر األمراض غري املجدية)‪.‬‬
‫ماذا يحدث إذا كانت هاتان الصفتان متناقضتني؟ الجنود الباكستانيون يتصفون‬
‫بالشجاعة عندما يديرون عملياتهم الربية يف منطقة وزيرستان أكرث من مشغيل‬
‫الطائرات من دون طيار التي ُتوجه من ُبعد من الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬لكنهم‬
‫أيضا يسببون إصابة عديد من املدنيني‪ .‬فأي منهام يستحق مرتبة الرشف‪ ،‬وهل‬
‫هذا األمر يعني احرتامهم للقانون الدويل اإلنساين؟ إذا ثبت أن الطائرة من دون‬
‫‪166‬‬
‫األخالق والفعل االسرتاتيجي‬

‫طيار تتسم بالتمييز‪ ،‬مبا يعني تقليل األرضار الجانبية مقارنة بالعملية الربية واسعة‬
‫النطاق (يف أفغانستان والعراق)‪ ،‬فام هي أهم فضيلة عسكرية؟ شجاعة الجنود‬
‫الذين يظهرون القليل من الرشف أو رشف الجنود اآلخرين الذين يظهرون القليل‬
‫من الشجاعة؟ أن أكون من أنصار مذهب العواقبية‪ ،‬فهذا يعني أن املعيار التقييمي‬
‫الذي أتبناه هو عني الرضر الذي يلحق باألفراد الذين لديهم مصالح وليس بالفضائل‪،‬‬
‫كأن لهذه الفضائل قيمة جوهرية‪ :‬ليس املهم أن يتصف الجندي بشجاعة متدنية‪،‬‬
‫املهم أن يكون هناك عدد أقل من الضحايا املدنيني(‪.)52‬‬
‫ختام هذا القسم هو أن االسرتاتيجية واألخالق ال يتعارضان إال بالنسبة إىل‬
‫أولئك الذين يقلصون االسرتاتيجية إىل مستوى االسرتاتيجية املبارشة واألخالق إىل‬
‫مستوى األخالق الواجبة أو إىل أخالق الفضيلة‪ .‬إن االسرتاتيجية غري املبارشة متوافقة‬
‫متاما مع أخالق أنصار مذهب العواقبية التي‪ ،‬برصف النظر عن األحكام املسبقة‪،‬‬
‫ال تقل يف املستوى «األخالقي»‪ .‬إن أخالق القانون اإلنساين الدويل ميكن أن تتصف‬
‫بالعواقبية ونتيجة لذلك فهي تهدف إىل أن تكون متوافقة مع الكفاءة العسكرية‬
‫(حيث ُتعلق كثري من املحظورات من خالل «الرضورة العسكرية» عىل سبيل املثال)‪:‬‬
‫فهي يف وضع األخالق االسرتاتيجية‪ .‬أما عن األخالق العسكرية‪ ،‬فإنها تنتمي إىل حد‬
‫كبري إىل أخالق الفضيلة التي تتوافق أيضا مع االسرتاتيجية من خالل صورة الجندي‬
‫«الجيد» الذي هو أخالقي وف ّعال (إذن هو ف ّعال إىل حد ما ألنه يتمتع باألخالق)‪.‬‬
‫بهذه الطريقة‪ ،‬سيكون من املمكن متاما أن نشن بشكل فعال‪ ،‬ومن منطلق‬
‫اسرتاتيجي‪ ،‬الحرب العادلة بإدارة دفتها (قانون الدخول يف الحرب) ومبرشوعيتها‬
‫(قانون مرشوعية الحرب) الخاصة بها‪ .‬فاألخالق واالسرتاتيجية ال يتوافقان فقط‪،‬‬
‫بل يتبادالن اإلثراء فيام بينهام‪ .‬ومن املمكن أن تكون األخالق مفيدة لالسرتاتيجية‬
‫برشط أن تتبع السياق نفسه (الذي يجب أال يجري عىل إطالقه) – علام بأن‬
‫مذهب العواقبية يعترب النهج األنسب يف هذه الحالة‪ .‬وعىل العكس‪ ،‬ميكن أن تكون‬
‫االسرتاتيجية مفيدة لألخالق‪ ،‬عىل اعتبار أنها حقل القرار العميل‪ ،‬حيث توفر لها‬
‫إمكانية اختبار فرضياتها يف العامل الحقيقي‪ .‬فاالسرتاتيجية إذن ميكن لها‪ ،‬بل يجب‬
‫أن متثل األخالق واألخالق االسرتاتيجية‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫تأثري األخالق يف االسرتاتيجية‬


‫الردع والتشجيع‬
‫ميكن قياس تأثري األخالق يف االسرتاتيجية من خالل قدرة األخالق‪ ،‬عىل ردع‬
‫االسرتاتيجية (حثها عىل عدم اإلقدام عىل الفعل)‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫تشجيعها (حثها عىل القيام بالفعل)‪ .‬أوال‪ ،‬ويف بعض األحيان‪ ،‬تستطيع األخالق –‬
‫بطريقة نادرة ورمبا تكون صحيحة ‪ -‬التحكم يف االسرتاتيجية‪ .‬فخالل أزمة الصواريخ يف‬
‫العام ‪ ،1962‬عىل سبيل املثال‪ ،‬عارض وكيل وزارة الخارجية جورج بال ‪،George Ball‬‬
‫بدعم من روبرت كينيدي ‪ Robert Kennedy‬ووزير الخارجية دين روسك ‪Dean‬‬
‫‪ ،Rusk‬الهجوم املفاجئ ألسباب أخالقية‪ :‬سيكون األمر مشابها للهجوم عىل ميناء بريل‬
‫هاربور ‪ .Pearl Harbor‬هذا هو السلوك املتوقع من االتحاد السوفييتي وليس من‬
‫الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬الطريقة التي نعمل بها‪ ،‬يضيف روبرت كينيدي‪ ،‬تكشف‬
‫عن «طبيعة البلد التي ننتمي إليه»‪ .‬كام يضيف روسك أن أولئك الذين سيتخذون‬
‫مثل هذا القرار سيضعون «عالمة قابيل» (‪ )la marque de Caïn‬عىل جباههم طوال‬
‫العمر(‪ .)53‬لذلك‪ ،‬فالحفاظ عىل األخالق األمريكية يعني عدم تبني هذه االسرتاتيجية‪.‬‬
‫ثانيا‪ ،‬والعكس بالعكس‪ ،‬ميكن لألخالق أيضا أن تستحدث اسرتاتيجيات‪ .‬إذا‬
‫تناولنا االسرتاتيجية باملعنى الضيق الذي يعني اللجوء إىل استخدام القوة‪ ،‬فإن‬
‫السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق باألخالق عندما تلجأ إىل استخدام القوة‪ ،‬أي قانون‬
‫الحرب‪ ،‬وميكن حينئذ القول بأن األخالق متارس تأثريا يف االسرتاتيجية يف كل ما‬
‫يتعلق باستخدامات القوة التي ُتربر ألسباب أخالقية‪ :‬التدخل اإلنساين(‪ ،)54‬مرشوعية‬
‫الدفاع عن النفس (رصاع ضد اإلرهاب والحرب االستباقية‪ /‬الوقائية)(‪ ،)55‬والكفاح‬
‫ضد االحتالل والتحرر الوطني‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫هناك طريقة أخرى‪ ،‬أكرث تناقضا‪ ،‬تسمح لألخالق بالتأثري يف االسرتاتيجية‪:‬‬
‫هذه هي الحال مع االسرتاتيجية النووية‪ .‬فعىل عكس األسلحة التي تتمتع بقيمة‬
‫اسرتاتيجية أخالقية (عىل سبيل املثال الطائرات من دون طيار‪ ،‬وذلك بفضل دقتها‬
‫وألنها ال تعرض حياة الجنود للخطر ‪ -‬هذه املميزات لها نتائج اسرتاتيجية حيث‬
‫إنها تحث الواليات املتحدة األمريكية عىل التدخل يف سياقات معينة)‪ ،‬فإن األسلحة‬
‫النووية لديها قيمة اسرتاتيجية بسبب ال أخالقيتها‪ ،‬أي عدم قدرتها عىل التمييز‪.‬‬
‫‪168‬‬
‫األخالق والفعل االسرتاتيجي‬

‫وألنها تستطيع قتل املاليني من املدنيني يف آن واحد‪ ،‬فإنها تعترب سالحا رادعا‪ .‬لذلك‬
‫فإن االسرتاتيجية النووية تعترب حالة مثرية لالهتامم بشكل خاص يف حقل التحليل‬
‫األخالقي‪ :‬حيث دُرست يف عديد من األدبيات الوفرية(‪.)56‬‬
‫هل التمتع باملميزات األخالقية يعني وجود مميزات اسرتاتيجية؟‬
‫أوال‪ ،‬من حيث «قانون مرشوعية الحرب»‪ ،‬املسألة تتعلق مبعرفة ما إذا كان‬
‫التمتع بقضية عادلة (أو سلطة رشعية) يعني التمتع بأهمية اسرتاتيجية‪.‬‬
‫ميكن أن نعتقد يف ذلك‪ ،‬من أجل دعم الشعوب (التي تعارض الحرب ألنها غري‬
‫عادلة) ومن أجل معنويات القوات (الذين يقاتلون بشكل أفضل إذا كانوا مقتنعني‬
‫بعدالة مهمتهم)‪.‬‬
‫بوضوح العالقة بني الرشعية األخالقية (الحالة‬ ‫ٍ‬ ‫يثبت هريودوت ‪Hérodote‬‬
‫الدميوقراطية) والفاعلية االسرتاتيجية (يف الحرب)‪:‬‬
‫مادام األثينيون ظلوا تحت سلطة الطغاة‪ ،‬فلن يكونوا متميزين يف الحرب أكرث‬
‫من جريانهم‪ ،‬ولكن بعد التخلص من رق العبودية‪ ،‬فإنهم سيتفوقون عليهم تفوقا‬
‫عظيام جدا(‪.)57‬‬
‫إن نظرية املميزات االسرتاتيجية الدميوقراطية تعترب بديل نظرية السالم‬
‫الدميوقراطي التي مل ُتثبت من الناحية التجريبية أيضا‪ .‬ولهذا يكتب غراي أن‬
‫«الدميوقراطية كانت عامال مهام يف الحرب البيلوبونيسية ولكن يجب أن نتذكر‬
‫أن أثينا خرست الحرب»(‪ .)58‬فيام يؤكد البعض أن قوات الحلفاء يف أثناء الحرب‬
‫العاملية الثانية كانت تضم الواليات املتحدة األمريكية وبريطانيا العظمى واالتحاد‬
‫السوفييتي وكانت تتمتع بـ «ميزة أخالقية» عىل قوات أملانيا النازية التي تعرضت‬
‫لعواقب اسرتاتيجية حقيقية(‪ - )59‬وهو ما يجب إثباته أيضا‪.‬‬
‫مهام يكن‪ ،‬فذلك ليس ألن الدافع األخالقي كان هو الدافع الوحيد وال األكرث‬
‫أهمية وال ألنه مل ُيحسب له حساب أو ألنه مل يؤ ِّد الدور املطلوب منه‪ .‬عندما‬
‫قررت بريطانيا العظمى‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬خوض الحرب يف سبتمرب ‪ 1939‬كان ذلك‬
‫«ألسباب متعددة ومل يكن هدفها الرئييس هو معارضة أملانيا النازية املتمردة»(‪.)60‬‬
‫لكنه كان الشعور بالتفوق األخالقي‪ ،‬وألن شن الحرب العادلة يساعد عىل إضفاء‬
‫الرشعية وعىل التحفيز‪.‬‬
‫‪169‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫ال تنترص األسباب العادلة فقط ألنها عادلة‪ ،‬ولكن االعتقاد بأن القضية‬
‫عادلة يعترب كأنه السرتة الواقية من الرصاص الفعالة ضد قواعد الحرب املعادية‬
‫بشكل منهجي(‪.)61‬‬
‫املشكلة هي أن جميع املتحاربني مقتنعون بتفوقهم األخالقي‪ .‬وكل يبدأ املعركة‬
‫معتقدا أنه عىل صواب‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ميكن أن نجعله يشك‪ ،‬إنه تأثري القوة األخالقية‪:‬‬
‫ميكن أن يكون تأثرينا فعاال عندما يبدأ الخصم بالشك يف نفسه‪ .‬إن جعل الخصم‬
‫يشك يف قضيته العادلة تعترب «مناورة نفسية» نتيجة لتدخل االسرتاتيجية غري‬
‫املبارشة التي يرشحها بوفر وتسمح بخلق «معارضة لجانب من الرأي العام الداخيل‬
‫بينام نعمل إذا أمكن‪ ،‬عىل تحريك‪ ،‬فصيل من الرأي العام الدويل والعمل عىل خلق‬
‫تحالف أخالقي حقيقي»(‪.)62‬‬
‫لفعل ذلك‪ ،‬من الرضوري التحرك من الخارج‪ ،‬من خالل إبطال الذرائع‪ ،‬وهذا‬
‫يعني الرد بشكل دقيق عىل دعاية الخصم‪ ،‬وأيضا التحرك من الداخل‪ ،‬من خالل‬
‫تسليط الضوء عىل التناقضات وتضارب املعايري يف خطاب الخصم‪ .‬هذا ما يفعله‬
‫اإلرهابيون بشكل جيد‪ ،‬األمر الذي يدفعنا إىل استخدام أساليب مستهجنة أخالقيا‬
‫وفقا ملعايرينا الخاصة وبالتايل نسبب انقسامات‪ .‬إن املتمردين الذين يتغلبون عىل‬
‫الحكومات يقومون بذلك أوال من الناحية األخالقية‪.‬‬
‫اإلرهابيون واملتمردون ال يتحدون فقط قدرة الحكومة عىل الحكم‪ ،‬ولكنهم‬
‫يتحدون أيضا حقوقهم األخالقية يف الحكم بالطرق التي يقبلها شعوبهم‪ .‬كام أنهم‬
‫يتحدون أيضا سلطانهم وسلطتهم(‪.)63‬‬
‫إن هذه القوة األخالقية ليست سوى واحدة من العوامل التي تؤدي دورا‬
‫مهام وميكن بسهولة االستعاضة عنها بعوامل مادية‪ :‬حتى لو كانت هناك مميزات‬
‫أخالقية أقل ‪ -‬وحتى لو كنا ندرك مدى عجز هذا العامل األخالقي – فإن الخصم‬
‫األكرث عددا واألفضل تسليحا واألجود تدريبا ميكنه االنتصار‪ .‬ولهذا فإن بوفر يصفها‬
‫باملناورة النفسية التي ال ميكن استخدامها بشكل فعال إال إذا استُويف رشطان‪ :‬األول‪،‬‬
‫أن تشكل قوة الردع العسكرية (النووية أو التقليدية) تهديدا عامليا يكفي لشل‬
‫ردود الفعل ومن ثم تكون جميع اإلجراءات املخطط لها جزءا من العمل السيايس‬
‫املناسب الذي ميكن أن يقع عليه االختيار(‪.)64‬‬
‫‪170‬‬
‫األخالق والفعل االسرتاتيجي‬

‫ثانيا‪ ،‬من منطلق قانون الدخول يف الحرب‪ ،‬املسألة تتعلق مبعرفة ما إذا‬
‫كان القتال األخالقي له أهمية اسرتاتيجية‪ .‬إذن يف سياق مكافحة التمرد‪،‬‬
‫يكون هذا األمر هو الحال بالتأكيد‪ .‬هناك اهتامم مزدوج مبعاملة الشعوب‬
‫املحلية بشكل جيد‪ :‬أال نسبب إيذاءهم (وذلك لتشجيعهم عىل عدم مساعدة‬
‫العدو) بل والعمل عىل التحالف معهم (لتشجيعهم عىل مساعدتنا خصوصا‬
‫من خالل توفري املعلومات)‪ .‬لقد فهم األمريكيون هذا األمر بعد فيتنام عندما‬
‫تخلوا عن عقيدتهم املتمحورة حول املتمردين وتبني ثقافة أخرى تتمحور حول‬
‫الشعوب(‪ .)65‬ومن هنا جاءت اسرتاتيجية «كسب القلوب والعقول» التي تعترب‬
‫أمرا حيويا‪.‬‬
‫وكام يقول دليل مكافحة التمرد التابع للجيش األمرييك ومشاة البحرية‪،‬‬
‫يعترب الدعم الشعبي «مركز الثقل» للمتمردين(‪ .)66‬إنه مركز الثقل الذي يفرض‬
‫عىل االسرتاتيجية واألخالق أن تتوافقا‪ :‬إذن تفقد االسرتاتيجية غري األخالقية الدعم‬
‫الشعبي ويف الوقت نفسه فعاليتها‪ .‬هناك أسباب اسرتاتيجية صارمة لعدم مهاجمة‬
‫املدنيني (ال تنفروا أولئك الذين يستطيعون توفري املعلومات‪ ،‬ويف بعض الحاالت‪،‬‬
‫يعملون عىل تزويدنا بالوقود‪ ،‬وال تجعلوهم يتحولون إىل مقاتلني)‪ .‬هناك أيضا‬
‫أسباب أخالقية وقد تختلط األسباب يف خضم هذه األحداث‪.‬‬
‫يعمل القسم الفرنيس ملكافحة التمرد يف مايل بشكل أفضل من األمريكيني‬
‫يف أفغانستان والعراق‪ ،‬ألن الفرنسيني يعتمدون عىل تقييد استخدام القوة‪ ،‬ولقد‬
‫نجحوا يف الحصول عىل دعم املاليني‪ .‬ال يعترب مفهوم القوة التي ميكن السيطرة عليها‬
‫(من «املبادئ الرئيسية» لقانون الجندي الفرنيس) فقط ولكنه يعترب املبدأ «العميل‬
‫والتكتييك»‪ :‬واألخالقي أيضا(‪ .)67‬إن مبدأ تقييد استخدام القوة «ال يعترب أكرث وال أقل‬
‫أهمية من طريقة عمل مبدأ التدخل اإلنساين»(‪.)68‬‬
‫هناك ُبعد ثقايف يرشح هذه االختالفات(‪ :)69‬تتميز القوات الربية الفرنسية‬
‫بسيطرتها عىل القوة التي تعترب مركز هويتها‪ ،‬يف حني أن األمريكيني مييلون إىل منطق‬
‫السحق (أي االسرتاتيجية املبارشة)‪ .‬كام أن هناك اختالفا بني اإلنجليز واألمريكيني‪:‬‬
‫فاألخالق العسكرية األمريكية تجعل من الجندي «محاربا»‪ ،‬األمر الذي يصدم‬
‫اإلنجليز املؤهلني لفكرة أنهم «مواطنون بأزياء رسمية»(‪.)70‬‬
‫‪171‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫من هنا تأيت أهمية التأهيل األخالقي‪ .‬ففي فرنسا‪ ،‬يسود االتجاه نحو «تعزيز‬
‫املعايري األخالقية الداخلية؛ وإىل احرتام املعايري الدولية ألخالق الحرب»(‪ ،)71‬وذلك‬
‫بفضل «سياسة األخالق داخل الجيوش»‪ ،‬األمر الذي يعني تأهيل األفراد منذ نهاية‬
‫التسعينيات‪ :‬من التعليم املتخصص يف سانت كري منذ العام ‪ 1998‬إىل تدريس‬
‫الكتاب األخرض للجرنال باشييل ‪ Bachelet‬يف العام ‪( )72(1999‬والتي سيقدمها فيام‬
‫بعد «كدراسة أخالقية حقيقية»(‪ ،))73‬إنه قانون الجندية للعام ‪ ...2000‬إلخ‪.‬‬
‫نظرا إىل أهمية التأهيل األخالقي يف سياق مكافحة التمرد‪ ،‬عادة ما ُينظر إىل‬
‫األخالق العسكرية من قبل الجيش عىل أنها ذات قيمة اسرتاتيجية‪ .‬بيد أنها متثل‬
‫مشكلة تتعلق بالتوافق املتبادل‪ .‬إننا نحارب غالبا يف إطار تحالفات وليس لدينا‬
‫جميعا الثقافات العسكرية نفسها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يكفي أن يترصف عضو واحد فقط‬
‫من املجموعة بشكل سيئ يك يسبب إلحاق الرضر بصورة التحالف‪ ،‬األمر الذي‬
‫يؤدي إىل اإلساءة لآلخرين‪.‬‬
‫يعتمد نجاح املهمة عىل سلوك ما يسمى بـ «الحلقة الضعيفة»؛ أي «قوى‬
‫الجاذبية األخالقية التي تجذب الجنود إىل املستوى األخالقي ألعدائهم»(‪ .)74‬ومن بني‬
‫طرق الحد من هذه املشكلة تطوير التدريبات العابرة للحدود الوطنية يف مجال‬
‫األخالقيات‪ ،‬كام ميكن القيام بذلك من خالل املؤمترات الدقيقة التي تتم يف كلية‬
‫الدفاع لحلف الناتو‪ ،‬عىل سبيل املثال‪.‬‬
‫من املمكن أيضا تناول هذه القضية من وجهة نظر مختلفة تتعلق بارتباط‬
‫املساوئ األخالقية بالعوائق االسرتاتيجية‪ .‬هذه الكيفية ميكن أن تتضح من خالل‬
‫الحرب عىل اإلرهاب‪ ،‬مثال ذلك طريقة التدخل يف العراق (كلتاهام ألسباب‬
‫تتعلق بقانون مرشوعية الحرب وقانون الدخول يف الحرب) وطريقة التعذيب يف‬
‫غوانتانامو‪ ...‬إلخ‪ ،‬التي سببت تشويه صورة األخالقيات األمريكية‪ ،‬األمر الذي أدى‬
‫إىل تفاقم الشعور بالكراهية تجاه أمريكا‪ .‬وألن التعذيب يرض بالعالقات مع الحلفاء‬
‫الذين يرتددون كثريا يف تبادل املعلومات واملعتقلني – فسيكون لهذه السياسة يف‬
‫نهاية األمر التأثري السيئ الذي يجعل الدولة أقل فاعلية يف مكافحة اإلرهاب‪.‬‬
‫وعىل العكس‪ ،‬فإن وجود اسرتاتيجية سيئة ميكن أن يرض باملميزات األخالقية‪.‬‬
‫عىل الرغم من أن هذه املميزات األخالقية كانت جيدة يف التسعينيات‪ ،‬بيد أنه يف‬
‫‪172‬‬
‫األخالق والفعل االسرتاتيجي‬

‫نهاية العقد األول من القرن الحايل كانت األخالق األمريكية كارثية بسبب األخطاء‬
‫االسرتاتيجية إلدارة بوش‪ .‬ولهذا أراد أوباما أن يعيد رسم الصورة األخالقية للواليات‬
‫املتحدة يف العامل بنتائج مختلطة‪.‬‬

‫مشكلة اإلخالص‬
‫ومع ذلك‪ ،‬هناك اعرتاض عىل هذا الدور الذي متارسه األخالق مع‬
‫االسرتاتيجية سواء تعلق األمر بالردع أو التحريض‪ :‬فإذا مل يتضح موقع العامل‬
‫األخالقي حقا‪ ،‬فلن يكون الوضع أخالقيا عىل وجه الحقيقة‪ ،‬بل سيكون األمر‬
‫تشويها لحقيقة األخالق‪ .‬ولهذا يكون ترصف الدول لتعزيز مكانتها أو لتجنب‬
‫إلقاء اللوم عليها عند قيامها مبا ييسء(‪ .)75‬كيف نعرف إذا كان السلوك األخالقي‬
‫مخلصا أو أنه مجرد أداة فقط؟‬
‫عندما تسبب كراهية الخسارة تغي َري الوضع االسرتاتيجي‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬كام‬
‫هي الحال مع القصف من ارتفاعات عالية جدا لكوسوفو أو مع التوجه نحو صناعة‬
‫الروبوتات‪ ،‬فهل املسؤول السيايس الذي يتبنى هذا التوجه يسلك هذا السلوك ألنه‬
‫متأثر إىل أبعد حد بفكرة أن الرجال قد ميوتون يف الحرب‪ ،‬أو ألنه يفكر يف مستوى‬
‫التأييد الشعبي له؟ عندما تتدخل فرنسا يف جمهورية أفريقيا الوسطى‪ ،‬هل تفعل‬
‫ذلك إلنقاذ األرواح أو من أجل تجميل صورتها ولتجنب اتهامها بالسامح بخلق‬
‫رواندا جديدة؟ يف الواقع‪ ،‬هذا طرح خطأ للمشكلة حيث إن األمرين مرتبطان‬
‫بشكل ال سبيل إىل الخالص منه‪.‬‬
‫من ناحية‪ ،‬إن االسرتاتيجية ليست منفصلة عن الواقع‪ ،‬لقد وضع أسسها رجال‬
‫يتميزون مبا لديهم من األخالق التي قد تجعلهم عرضة ألن يتأثروا مبجموعة من‬
‫القيم (وهذا ال يعني أنهم تحت هذا التأثري بشكل دائم أو أن هناك عوامل أخرى‬
‫تتنافس مع هذه القيم أو تعمل عىل تحييدها)‪ .‬فالدولة ليست سوى مجموعة‬
‫من األفراد وسيكون من املتكلف أن نفرتض أن اقتناعاتهم ومشاعرهم ليس لها‬
‫دور يف التوصيف اليومي للمصلحة الوطنية‪ .‬هناك يشء مهم ميكن أن نفرتضه‬
‫هو أن السياسيني كاآلالت العقالنية املدفوعة فقط باملصلحة الوطنية‪ ،‬وليس من‬
‫خالل األحكام األخالقية‪ .‬وسوف يكون من املثالية االعتقاد أن الدول ال تسعى وراء‬

‫‪173‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫مصلحتها القومية‪ ،‬أو االعتقاد أن ما يحفزهم ليس الدافع األيديولوجي نهائيا ‪ -‬وهو‬
‫ما يدل عىل أن هناك عوامل إنسانية‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬هناك أيضا حدود معرفية‪ :‬إذ إنه من املستحيل‪ ،‬عىل ما يبدو‪،‬‬
‫معرفة ما إذا كان الدافع األخالقي صادقا‪ .‬وألن الجهات الفاعلة نفسها ال تعرف‬
‫دوافعها األساسية‪ ،‬وبالتايل لن يكون من املهم يف هذه الحالة‪ :‬الحديث عن األخالق‬
‫من منطلق الضغط االجتامعي الذي يؤدي إىل وجود واجبات متميزة ميكن تربيرها‬
‫من الناحية األخالقية‪ ،‬وهذا هو ما يهم‪ .‬فالرشف واالحرتام والفضول املعريف مكونات‬
‫للربط بني األخالق واملصالح‪ :‬من املثري لالهتامم إذن أن يظهر‪ ،‬عىل ما يبدو‪ ،‬الجانب‬
‫األخالقي‪ .‬بهذه الطريقة يكون املكون األخالقي (األيديولوجي أو ما يتعلق بالصورة‬
‫األخالقية واألخالق) موجودا بشكل دائم‪ .‬وبرصف النظر عن معارضة االسرتاتيجية‪،‬‬
‫فاألخالق مهمة من الناحية االسرتاتيجية‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫اجلزء الثاين‬
‫حتليل اسرتاتيجي‬
‫حتليل عسكري‬

‫‪10‬‬

‫حتليل عسكري‬

‫بنواست بيهان‬
‫‪Benoist Bihan‬‬

‫التحليل العسكري يعني الدراسة الكلية‬


‫املتكاملة للقوات املسلحة‪ .‬ويهدف إىل فهم‬
‫كيفية عمل القوات من جهة‪ ،‬وإىل تقييم أدائها‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬ليس فقط بطريقة «مطلقة» ‪-‬‬
‫وفقا ملعايري الجودة التي ُتحدد بشكل مبديئ‬
‫وتص ُلح لعمل أي قوات – بل وكذلك عندما‬
‫«اليزال التحليل العسكري يتصف‬
‫يتعلق األمر بالسياق االسرتاتيجي‪ .‬وبالتايل‬ ‫بأوجه قصور شديدة من الناحية‬
‫النظرية والعملية؛ نتيجة ألسلوب‬
‫ميكن فهم التحليل العسكري باعتباره مجاال‬ ‫مامرسته العملية املثرية التي تجعله‬
‫للدراسة املتخصصة التي تقع ضمن الدراسات‬ ‫يقع بني سندان العديد من املناهج‬
‫ومطرقة التوجهات التي يضطلع‬
‫االسرتاتيجية‪ .‬وبسبب تعدد املعايري التي ميكن‬ ‫مبسؤوليتها وتثقل كاهله»‬

‫‪177‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫استخدامها عند إجراء التحليل العسكري‪ ،‬فإن هذا األخري يلجأ إىل مجموعة متنوعة‬
‫من األدوات ويستعني بنُهج مختلفة‪ :‬مثل بعض املناهج األكادميية والتقنيات التي‬
‫تتصل باالسرتاتيجية وبالفنون العسكرية الدقيقة‪.‬‬
‫ومع ذلك يشكل هذا التعريف املفهوم املثايل وليس الواقعي‪ :‬فمن الناحية‬
‫العملية‪ ،‬نادرا ما ميارس التحليل العسكري بطريقة منهجية وشاملة يف آن واحد‪.‬‬
‫عىل العكس من ذلك‪ ،‬متكن مامرسة التحليل العسكري من الناحية التجريبية أو‬
‫االستنباطية‪ ،‬فكل مؤلف يفضل مناهج أو معايري مختلفة تعتمد بشكل عام عىل‬
‫أهداف الدراسة واملنهج الذي ينتسب إليه الباحث ويهدف من خالله إىل إجراء‬
‫التحليل أو – بصورة مثرية للجدل – االعتامد عىل األفكار ا ُملسبقة التي تعمل‬
‫عىل رفع كفاءة األداء العسكري‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬فإن بنية هذا التحليل تقع ضمن‬
‫الدراسات االسرتاتيجية التي يتعني إنجازها‪ .‬لهذا فإن هذا الفصل يطمح إىل تقديم‬
‫مشهد عام يتعلق بتط ّور التحليل العسكري يف األوقات املعارصة‪ ،‬من ناحية‪ ،‬وأيضا‬
‫إىل تقديم نظرة عامة إىل املنهجيات الحالية الرئيسية واملعايري املختلفة التي ميكن‬
‫اعتامدها لفهم عمل وتقييم أداء القوة املسلحة‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬الرتكيز عىل‬
‫توضيح كيفية ربط العوامل السابقة بعضها ببعض‪ ،‬األمر الذي يشجع عىل اتباع‬
‫منهجية عملية كاملة قدر اإلمكان تتعلق بالتحليل العسكري الذي يبدو أنه منعزل‬
‫عن املامرسات األكرث شيوعا يف الوقت الحايل‪.‬‬

‫املناهج التقليدية‬
‫يعترب املنهج التقليدي الخاص بالتحليل العسكري منهجا تجريبيا يف املقام‬
‫األول‪ :‬فهو يعتمد عىل دراسة أولية للبيانات املتاحة عن القوة املسلحة التي تسمح‬
‫بالتوصل إىل استنتاجات مهمة بشكل عام تدور حول تقييم األداء بشكل أعمق من‬
‫عملية الفهم العام لوظيفتها‪ .‬لنحاول رسم صورة توضيحية‪ ،‬إن هذا النهج األول‬
‫سوف يأخذ بعني االعتبار معايري جودة الجيش وفقا لسلوكه التاريخي‪ :‬فالجيش الذي‬
‫يتميز بالفاعلية وتحقيق االنتصارات يف املايض‪ ،‬س ُينظر إليه عىل أنه كذلك يف الوقت‬
‫الحارض‪ ،‬أما الجيش الذي ذاق طعم الهزمية يف املايض‪ ،‬فس ُيق ّيم بشكل سلبي مستقبال‪.‬‬
‫هذا النهج الكمي والتكتييك لألداء العسكري – الذي يقول إن الجيش الجيد يعني‬
‫‪178‬‬
‫حتليل عسكري‬

‫الجيش الذي ينترص يف ساحة املعركة – ال ُيعترب قضية تحليلية فقط بل إنه يرتبط‬
‫باألحكام ا ُملسبقة‪ ،‬األمر الذي يؤدي إىل أخطاء يف الحكم ميكن أن تكون كارثية‪.‬‬
‫هناك قضية ظهرت بشكل مبكر وأخذت شهرة واسعة‪ ،‬وهي قضية بروسيا‬
‫العام ‪ .1806‬ففي نظر أوروبا وجرناالتها‪ ،‬كان من املفرتض أن يكون الجيش الربويس‬
‫قبل االنتصار الفرنيس املزدوج عليه يف منطقة يينا وأورشتدت ‪Iéna et d’Auerstedt‬‬
‫يف ‪ 14‬أكتوبر ‪ 1806‬أفضل جيش يف أوروبا(‪ .)1‬وألن مثل هذه املالحظة تبدو مفاجئة‬
‫اليوم‪ ،‬خصوصا ألننا نعتقد أن الهزمية الربوسية يف العام ‪ 1806‬التي جاءت بعد‬
‫هزمية روسيا والنمسا – عىل الرغم من أنهام كانتا تشكالن أكرب قوة أوروبية – يف‬
‫منطقة أوسرتليتز ‪ ،Austerlitz‬عىل أيدي الجيش العظيم نفسه بقيادة صاحب‬
‫البصرية النافذة نابليون األول‪ ،‬فإن هذا األخري مل يكن له مثيل يف عرصه‪ .‬بالنسبة‬
‫إىل العديد من املراقبني‪ ،‬فإن التفوق الربويس عىل الجيش الفرنيس ال ميكن أن يكون‬
‫موضع شك‪ ،‬وذلك أن الجيش الربويس كان اليزال يتمتع بربيق االنتصارات التي‬
‫حققها فريدريك الثاين ‪.Frédéric II‬‬
‫وهكذا يستطيع الضابط الربويس‪ ،‬الجرنال روشيل ‪ ،Rüchel‬وضع تقييم‪ ،‬وفقا‬
‫لتعبري كارل فون كالوزفيتز‪ ،‬يخص «القوات الربوسية التي تستخدم تكتيكات‬
‫فريدريك الثاين بشجاعة وعزمية والتي سوف تتغلب عىل كل ما ميكن أن يخرج من‬
‫عباءة الثورة القامتة»(‪ .)2‬يؤكد هذا الرأي ثقل األحكام ا ُملسبقة يف أوروبا العسكرية‬
‫التي ُق ّلص من خاللها التحليل العقالين إىل الحد املناسب‪ ،‬ولكنه يسلط الضوء‬
‫أيضا عىل بعض املعايري التجريبية املستخدمة بشكل شائع‪ :‬القيم األخالقية للجنود‬
‫والتقاليد املرموقة واملناهج القوية من الناحية التاريخية‪.‬‬
‫فبقدر ما تكون معارضة هذا الجانب التجريبي يف ظل غياب املنهج بقدر ما‬
‫يكون االعرتاض عىل الزيادة املفرطة للنامذج الهندسية للتكتيكات – عىل الرغم من‬
‫االنحياز إىل جانب االسرتاتيجية ‪ -‬التي يذكرها كالوزفيتز يف كتاباته‪ .‬يتعرض رميون‬
‫آرون إىل مدى تجاوب النزعة العقائدية لهذه النامذج مع افتقار الجانب التجريبي‬
‫إىل املنهجية‪ ،‬األمر الذي يعارضه كالوزفيتز بشدة‪ :‬من الناحية املنهجية والتحليلية‬
‫التي تتناول كل يشء عدا النزعة العقائدية كام هو مفصل يف أوىل مذكراته(‪.)3‬‬
‫ويوضح آرون ذلك عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪179‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫املنهجية وحدها تجعل من املمكن دحض النزعة العقائدية بصورة نهائية مبا أن‬
‫جميع العوامل االسرتاتيجية لها مكانتها املعتربة‪ ،‬وبالتايل ال ميكن ألي منها أن تدّعي‬
‫أهميتها بشكل حرصي أو بشكل يدعو إىل انعدام التوافق(‪.)4‬‬
‫ولهذا يتعذر علينا أن نجد دفاعا أفضل عن نهج شامل للتحليل العسكري‪.‬‬
‫نأيت إىل الحديث عن بحث كالوزفيتز بعنوان «عن الحرب»‪ ،‬وألن هذه الدراسة‬
‫تتعرض للحرب بشكل مجمل وليس فقط عندما يتعلق األمر بالقوات املسلحة‪،‬‬
‫فإنه يقرتح بالفعل معايري للتحليل بطريقة متميزة(‪ )5‬تعمل عىل وضع صورة مبدئية‬
‫(‪)6‬‬
‫للتحليل العسكري العاملي يف الوقت الذي شهد فيه القرن التاسع عرش ُبطء‬
‫عملية التطوير األولية للطرائق املنهجية يف مجال التحليل العسكري‪ .‬هذه هي‬
‫الحال يف أملانيا بعد العام ‪ 1870‬عىل وجه الخصوص عندما كان تصاحب التحليل‬
‫العسكري عملية تطوير رئاسة األركان ‪ Generalstab‬واألكادميية األملانية العسكرية‬
‫‪ Kriegsakademie‬ونظام التعبئة الحديثة الذي يعتمد عىل التجنيد اإللزامي‬
‫واالنتشار الرسيع عىل حدود البالد‪ ،‬األمر الذي كان يحتم رضورة استخدام خطوط‬
‫السكك الحديد عىل نطاق واسع‪ .‬ينطوي االستغالل األمثل لهذه السكك الحديد‬
‫عىل وضع خطط انتشار مسبقة تستند يف تصميمها إىل تحليل الوسائل واإلمكانيات‬
‫املفرتضة للخصوم املحتملني‪ .‬قبل العام ‪ 1914‬وضعت الدول األوروبية األخرى‪،‬‬
‫وأيضا دول مثل الواليات املتحدة األمريكية واليابان‪ ،‬خططا منهجية مفادها رضورة‬
‫مراقبة الجيوش والقوات البحرية للقوى الثالثة بشكل دائم بغرض الحصول قدر‬
‫اإلمكان عىل فكرة واضحة وموضوعية عن قدراتهم‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن طرائق التحليل التزال تجريبية إىل حد كبري يف ظل غياب رؤية‬
‫نظرية شاملة تتناول املعايري ذات الصلة‪ ،‬وأيضا بسبب انعدام املنهجية الحقيقية‬
‫للدراسة‪ ،‬حيث تلجأ هذه املنهجية إىل االستخدام املكثف لتقارير املراقبني‬
‫العسكريني أو املعلقني (املنشورات العسكرية واملذاهب واملراجع واملواد النقاشية)‪.‬‬
‫وألن املنهج املستخدم لكتابة هذه التقارير غري موحد‪ ،‬فإن املحتوى ُيرتك لتقدير‬
‫كاتب التقرير‪ .‬أيضا بالنسبة إىل تقارير املراقبني العسكريني يف هذا العرص‪ ،‬فإنها‬
‫تعب عن مفاهيم حرب القوات أو مشاة البحرية بحيث تستمد منها‬ ‫غالبا ما كانت ّ‬
‫املعلومات بدال من تقديم تحليالت منهجية حقيقية من منطلق عقالين‪ .‬وغالبا ما‬
‫‪180‬‬
‫حتليل عسكري‬

‫يؤدي هذا األمر إىل إجراء دراسات تستند إىل معايري تختلف من كاتب إىل آخر(‪،)7‬‬
‫أو أنه ميكن تقديم التحليل عن جيش معني وصوال إىل استنتاجات ميكن أن تختلف‬
‫متاما من مضمون إىل آخر(‪.)8‬‬
‫يف السنوات األخرية التي سبقت الحرب العاملية األوىل (‪ ،)1918 - 1914‬مل يكن‬
‫من املمكن الحديث عن التحليل العسكري الحقيقي إال من خالل مجالني محددين‬
‫فقط‪ :‬دراسة العقائد التكتيكية‪ ،‬بالقدر الذي يسمح بوضع تعريف لهذه العقائد‬
‫وبدراسة الخطط الحربية (خطط التعبئة واالنتشار) ومن جهة أخرى‪ ،‬دراسة مستوى‬
‫تسليح الخصم‪ .‬لقد أصبحت دراسة العقائد التكتيكية أمرا ممكنا من خالل تطوير‬
‫األدبيات العسكرية الوفرية والعامة يف القرن التاسع عرش‪ ،‬ليس فقط من خالل الكتب‬
‫ولكن أيضا عن طريق املقاالت املنشورة يف املجالت العسكرية املتخصصة(‪ .)9‬وميكن‬
‫لدراسة العقائد التكتيكية أن تعتمد عىل نرش مجموعة من املبادئ العقائدية التي‬
‫تكتبها املؤسسات العسكرية مبارشة‪ :‬عىل شكل لوائح تخص كل األفرع املسلحة منذ‬
‫نهاية القرن الثامن عرش(‪ُ ،)10‬يضاف إىل ذلك التعليامت التكتيكية الخاصة بالوحدات‬
‫األرضية الكبرية(‪ )11‬أو األساطيل‪ ،‬األمر الذي ُيفرتض أن ُيطبق بشكل موحد من قبل‬
‫مجموعة األفرع املسلحة‪ .‬تعمل هذه الوثائق عىل توفري أول قاعدة صلبة للتحليل‬
‫من حيث إنها تسمح بدراسة «الربمجيات» التي ُيفرتض أن تستخدمها القوات‪ .‬تظل‬
‫هذه الوثائق يف مجملها رسية ‪ -‬باستثناء الخطط الحربية‪ ،‬ولكن ميكن ملبادئها‪،‬‬
‫التي تعد أهدافا نقاشية‪ ،‬أن ُتنرش عىل الجمهور بشكل واسع(‪ - )12‬وأن تكون متاحة‬
‫بشكل كبري‪ :‬يف نهاية القرن التاسع عرش‪ ،‬يستطيع الشخص املدين‪ ،‬كام ذكر املؤرخ‬
‫األملاين هانس دلربوك ‪ ،Hans Delbrück‬املشاركة يف املناقشات العسكرية وإجراء‬
‫تحليالته الخاصة وتعليقاته(‪ .)13‬كام ُيفضل النظام الربملاين‪ ،‬مبا يف ذلك يف أملانيا‪ ،‬نرش‬
‫املعلومات العسكرية ورهانات النقاشات السياسية(‪.)14‬‬
‫إذن فالتسليح‪ ،‬الذي يجعل من املمكن تطبيق العقيدة‪ ،‬يعد الحقل الثاين‬
‫للدراسة‪ :‬فإذا ُصنف أداؤه الحقيقي بشكل عام‪ ،‬فإن تحليالته التي تعتمد عىل‬
‫معايري بسيطة ‪ -‬كعدد ونوع األسلحة وعيار املدفعية‪ ..‬إلخ ‪ -‬ستسمح بتقديم‬
‫تحليالت ومقارنات‪ .‬وألنه من املمكن أن ُيعول عىل األحكام التلقائية التي‬
‫تتعلق بالتسليح بشكل أكرب من دراسة العقائد التي يكون تطبيقها غري مؤكد‪،‬‬
‫‪181‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫فإن هذا األمر يجد تفضيال لدى قوات املارينز (قوات مشاة البحرية األمريكية)‪،‬‬
‫(‪)15‬‬
‫عىل سبيل املثال‪ ،‬حيث تكون العوامل التقنية أساسية من الناحية التكتيكية‬
‫ويكون لتحليل التسليح مستقبل جيد‪ .‬بيد أنه حتى الحرب العاملية الثانية‪ ،‬ظل‬
‫التحليل العسكري‪ ،‬الذي التزال مامرسته إىل حد كبري مقصورة عىل الجيوش‬
‫فقط‪ ،‬يتسم بعدم وجود منهجيات موحدة‪ :‬فاملعايري‪ ،‬التي تتعلق بالتسليح‬
‫والعقيدة‪ ،‬ال ميكن أن تتالقى بالرضورة‪.‬‬
‫واستمر هذا الوضع فرتة طويلة حتى بعد العام ‪ .1945‬حيث يؤكد بول براكن‬
‫‪ Paul Bracken‬أن املحللني يف مؤسسة راند ‪ Rand‬األمريكية يف الخمسينيات‬
‫تجاهلوا التهديد النووي السوفييتي ألنهم مل ُيدركوا بعض املعلومات األساسية عن‬
‫القاذفات السوفييتية‪ .‬يف ذلك الوقت‪ ،‬كانت قاذفة القنابل ذات املحركات األربعة‬
‫التي ترمز إليها منظمة حلف شامل األطليس بالرمز «‪ »Bison‬قد دخلت الخدمة‬
‫يف العام ‪ ،1956‬وأيضا قاذفة القنابل «‪ »Bear‬التوربينية ذات املحركات األربعة قد‬
‫دخلت الخدمة يف العام ‪ ،1956‬ولكل من هذه القاذفات مشكالت كبرية تتعلق‬
‫بقوة املحرك‪ .‬فببساطة شديدة‪ ،‬نحن نعلم أن القليل من هذه القاذفات ميكنها‬
‫الوصول إىل الواليات املتحدة األمريكية من دون مالحظة العطب الذي يصيب‬
‫املحركات يف القطب الشاميل‪ .‬وقد كانت هذه املعلومات الحيوية معروفة لعدد‬
‫قليل جدا من الناس [‪ ،]...‬والذين ال ميكنهم التحدث عنها ألسباب أمنية‪ .‬ونتيجة‬
‫لذلك‪ ،‬كانت دراسات راند ‪ Rand‬حول قدرات الرضبات النووية السوفييتية معيبة‬
‫بشكل خطري(‪.)16‬‬
‫يؤدي هذا النوع من املشاكل يف نهاية األمر إىل تطوير املناهج املنظمة التي‬
‫ُيراد لها أن تكون شاملة عىل الرغم من أنها ليست خالية من السلبيات‪.‬‬

‫املحاولة األوىل للتحليل املنهجي‪:‬‬


‫عمليات البحث وتحليل النُّظم (‪)ORSA‬‬
‫شهدت الحرب العاملية الثانية إنشاء منهج جديد‪ ،‬يتعلق «بالبحث اإلجرايئ»‬
‫(أي العمليات البحثية يف الواليات املتحدة والبحث اإلجرايئ يف اململكة املتحدة)‪،‬‬
‫الذي يعنى «بتطبيق األساليب العلمية عىل القضايا االسرتاتيجية والتكتيكية»(‪.)17‬‬
‫‪182‬‬
‫حتليل عسكري‬

‫قد يتعلق األمر هنا بالتحليل العسكري من خالل املعنى الذي أردناه يف‬
‫املقدمة بقدر أقل مام هو عليه عند دراسة أهداف القرارات العملية واملشاكل‬
‫اإلجرائية امللموسة‪ .‬إن تطوير البحث اإلجرايئ يرتبط تاريخيا مبنظومة الدفاع‬
‫الجوي يف األرايض الربيطانية خصوصا فيام يتعلق بالتطوير واالنتشار بني العامني‬
‫‪ 1935‬و‪ 1940‬لنظام اإلنذار الجوي املبكر بواسطة الرادار(‪ .)18‬لقد شهدت الحرب‬
‫إنشاء عديد من هيئات األبحاث اإلجرائية ملصلحة القوات الجوية امللكية‬
‫الربيطانية لتشمل مجاالت مثل دراسة فعالية القصف الجوي للمنطقة أو القتال‬
‫الجوي ضد الغواصات األملانية ‪ ،U Booten‬وكذلك ملصلحة القوات البحرية‬
‫امللكية الربيطانية املضادة للغواصات وأيضا للجيش‪ .‬يعمل قسم األبحاث‬
‫اإلجرائية املتخصص‪ ،‬وهو قسم البحث اإلجرايئ الرقم ‪ ،2‬مع فريق مونتغومري‬
‫ملجموعة الجيش الربيطاين ‪ 21‬يف شامل غرب أوروبا من يونيو ‪ 1944‬حتى نهاية‬
‫الحرب(‪ .)19‬ومع دخول الواليات املتحدة األمريكية يف الحرب‪ ،‬سيطور كل من‬
‫الجيش األمرييك (خصوصا القوات الجوية األمريكية) والبحرية األمريكية هيئات‬
‫مامثلة‪ .‬سيكون لهذه الهيئات املختلفة اإلرادة املشرتكة لفهم العمليات بطريقة‬
‫«علمية» بحتة‪ ،‬وفقا مللخص البيان العلمي للحرب الذي ُنرش يف يوليو ‪ 1940‬من‬
‫قبل أحد املروجني للبحث اإلجرايئ سويل زوكرمان ‪:Solly Zuckerman‬‬
‫ينبغي أن تكون القضايا االسرتاتيجية والتكتيكية [‪ ]...‬موضوع التحليل العلمي‬
‫املبارش [‪ .]...‬ميكن تخفيض عديد من عوامل العمليات العسكرية إىل قيم عددية‪،‬‬
‫حيث ستعمل هذه القيم عىل تقديم عرض ملشكالت ميكن أن يكون لها حل واضح‪.‬‬
‫وقد جرى التعامل بالفعل مع هذا اإلجراء يف إطار التعرض للمشاكل التكتيكية يف‬
‫أثناء القتالني البحري والجوي‪ ،‬ولهذا ميكن التوسع يف هذا اإلجراء إىل أبعد من ذلك‪.‬‬
‫فيجب أن يكون لدى الفرق العلمية التابعة لخدمات [القوات املسلحة وقسم ‪]NdA‬‬
‫(األكادميية العسكرية الوطنية) دور أكرب مام يبدو اآلن أنها متتلكه لصياغة وحل‬
‫املشكالت االسرتاتيجية والتكتيكية(‪.)20‬‬
‫يعكس هذا االستعداد لشن حرب «علمية» مفهوما آليا للقتال الخاص بالنهج‬
‫(‪)21‬‬
‫الصناعي للحرب والذي ظهر بالفعل يف صياغة «قوانني لنشيسرت »‪Lanchester‬‬
‫يف وقت مبكر من العام ‪ .1916‬واستنادا إىل النجاحات الحقيقية لفرق البحث‬
‫‪183‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫اإلجرايئ يف مجال تصميم األسلحة واالستغالل األمثل لها‪ ،‬فإن هذا التصميم يصبح‬
‫أداة متميزة للتحليل العسكري ولقدرة البحث اإلجرايئ الواضحة عىل تخفيض القيم‬
‫العددية من جميع البيانات املتوافرة التي أتاحت من الناحية النظرية إنشاء مناذج‬
‫موثوق بها ميكن استخدامها باعتبارها مناذج للتنبؤ يف حالة إجراء تحليل مسبق أو‬
‫مناذج تفسريية يف حالة التحليل الالحق‪.‬‬
‫إن االندماج مع األبحاث اإلجرائية الحديثة املرتبطة بالدراسة السيربانية‬
‫خالل الحرب‪ ،‬أدى إىل خلق حقل بحثي آخر أتاح ربط التحليل العسكري مع‬
‫تحليل العقائد التكتيكية‪ :‬من خالل تحليل األنظمة أو التحليل املنهجي (تحليل‬
‫النظم)‪ .‬لقد تحولت األبحاث اإلجرائية إىل عمليات للبحث وتحليل النظم‪ :‬فإذا‬
‫ما بقيت الطموحات عىل حالها‪ ،‬فسيصبح التحليل أكرث عاملية وستؤخذ العوامل‬
‫التنظيمية يف الحسبان وفقا ملبدأ تداول املعلومات(‪ .)22‬واستنادا إىل نجاح مناذج‬
‫التحليل الكمي التي ُطورت خالل الحرب‪ ،‬فإن الطموح لن يتعدى إجراء التحليل‬
‫العسكري الذي يركز عىل الحد من املعادالت التي تتعلق مبجموعة من العوامل‬
‫الجوهرية املرتبطة بالحرب وبإدارة دفتها‪ ،‬األمر الذي يعني أن يكون هذا‬
‫النموذج متخصصا ليس فقط يف تحليل القوى‪ ،‬بل يف كونه الدليل عىل األفعال‬
‫أيضا‪ .‬لقد أقدم جون كيمن ‪ John Kemeny‬عىل وضع تلخيص له يف العام ‪1961‬‬
‫باعتباره املستشار ملؤسسة راند ‪ Rand‬األمريكية والرائد يف مجال الحوسبة‪ ،‬لقد‬
‫أصبحت الحرب الحديثة ُمعقدة للغاية بحيث ال ميكن االستناد إىل األحاسيس‪،‬‬
‫وال إىل من هو أكرث خربة من بني القادة العسكريني‪ .‬فقط ميكن ألدمغتنا العمالقة‬
‫حساب جميع االحتامالت(‪.)23‬‬
‫هذا النهج الرقمي للتحليل العسكري هو النهج األكرث نجاحا خالل العقود‬
‫التي تلت الحرب العاملية الثانية‪ ،‬إذ اتسع انتشاره عقب النجاح الذي عرفه عامل‬
‫الصناعة‪ :‬يف هذه البيئة الخاضعة للرقابة من دون «احتكاك» حقيقي‪ ،‬تصبح‬
‫عمليات البحث وتحليل النظم أداة قوية لدعم القرار أو لجعل اتخاذ القرار يحدث‬
‫بصورة آلية أوتوماتيكية وفقا ملعايري عقالنية‪ .‬يتضح هذا األمر قبل كل يشء باعتباره‬
‫رد فعل عىل عدم اليقني النووي‪ :‬إذن التحليل الرقمي التنبئي يعد مبواجهة القوة‬
‫املخيفة التي تطلقها األسلحة النووية‪ ،‬وأيضا مواجهة صعوبة التنسيق بني الطائرات‬
‫‪184‬‬
‫حتليل عسكري‬

‫العسكرية الكبرية وذلك لتدخل يف نطاق الفعل يف أقرص وقت ممكن‪ ]...[ ،‬مع‬
‫استعادة السيطرة والقدرة عىل التنبؤ(‪.)24‬‬
‫وهكذا تظهر عمليات البحث وتحليل النظم‪ ،‬باإلضافة إىل األساليب املشابهة‪،‬‬
‫عىل أنها عودة إىل النهج العقائدي للتحليل العسكري‪ ،‬حيث يحل العلم الحديث‬
‫وعلم السيربانية عىل وجه الخصوص محل علم الهندسة املعروف يف القرن الثامن‬
‫عرش‪ ،‬وذلك بغرض السعي نحو طموح دائم يعمل عىل منع التوتر الذي ينشأ عن‬
‫الحاالت التي يعرتيها انعدام اليقني يف ساحة املعركة‪ .‬وباتباع أساليب مختلفة‪ ،‬فإن‬
‫هذا التقليص للدور العلمي يف الحرب قد ُأدين بالفعل من قبل كالوزفيتز‪ ،‬الذي‬
‫مل ينكر قط وجود أو أهمية هذه العلوم يف الحرب‪ ،‬يف حني أكد أولوية العوامل‬
‫األخرى عىل تلك القابلة للتوصيف والقياس‪ .‬ومام يزيد من األهمية التقييمية‬
‫للعوامل التقنية واملادية أن هذه املناهج ال متيل إىل التطبيق عىل وجه الخصوص‬
‫إال عىل مستوى التكتيك األسايس‪ ،‬أي عند مرحلة التنفيذ التقني ألنظمة التسليح‪.‬‬
‫وعىل الرغم من ادعاء هذه املناهج الشمولية‪ ،‬فإن تقليص املشكالت الرقمية‬
‫للحرب ال يعترب املنهج األكرث وثوقا مقارنة باملناهج التجريبية القدمية‪ :‬حيث‬
‫يؤدي هذا التقليص من ناحية أخرى إىل الحد من التحليل العسكري ملصلحة‬
‫التقييم الوحيد لألداء التكتييك‪.‬‬

‫نحو نهج عاملي‪ :‬التقييم الصايف‬


‫وألن عمليات البحث وتحليل النظم تعترب من حيث األساس املنهج األمثل‬
‫وليس املفتاح لعملية الفهم‪ ،‬فقد أصبحت هذه العمليات مقصورة عىل إجراء‬
‫تحليل عسكري أكرث شموال‪ .‬وكذلك‪ ،‬فمنذ بداية العام ‪ ،1970‬ظهرت منهجية‬
‫متكاملة إىل حد بعيد‪ ،‬ليست رياضية بالشكل املطلوب‪ ،‬ولكنها تتطلع إىل أن‬
‫تأخذ بعني االعتبار العوامل الكمية والنوعية‪ ،‬األمر الذي يجعل من الصعوبة‬
‫مبكان أن تكون منهجية «رقمية»‪ :‬أي ما يتعلق مبفهوم صايف التقييم(‪ .)25‬لقد‬
‫أصبحت هذه املنهجية العالمة ا ُملميزة ملخترب األفكار الداخيل للبنتاغون يف‬
‫مكتب التقييم الصايف (‪ )ONA‬الذي ُأنشئ يف العام ‪ 1973‬عن طريق املؤسس‬
‫واملدير أندرو مارشال ‪ )26(Andrew W. Marshall‬الذي أضاف التقييم الصايف‬
‫‪185‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫إىل التحليل التجريبي الكالسييك واملناهج الكمية وإىل عملية الدمج لعوامل‬
‫الفهم الدينامييك‪ :‬وألن مارشال قد أخذ بعني االعتبار تطور القوى عرب الزمن‪،‬‬
‫فقد أضاف رؤيته املتوسطة​​والطويلة املدى لدراسة التفاعالت العملية للصياغة‬
‫الداخلية لالسرتاتيجية وتصوره لفرضيات اختبار صالحية االسرتاتيجية‪ .‬يأخذ صايف‬
‫التقييم يف الحسبان‪ ،‬عىل عكس املناهج السابقة‪ ،‬التنظيم الداخيل «االجتامعي‬
‫البريوقراطي» للقوة أو للطرف الفاعل الذي ُيدرس‪ ،‬كام أنه يعمل عىل تحديد‬
‫تأثري هذه األطراف الفاعلة(‪.)27‬‬
‫إن صايف التقييم (‪ ،)Le net assessment‬كام يوحي هذا املصطلح ‪ -‬له ترجمة‬
‫حرفية هي «التقييم الصايف» ولكن الرتجمة األدق يف اللغة الفرنسية هي «التقييم‬
‫النسبي» ‪ -‬ليس مخصصا للتحليل العسكري بشكل مطلق ولكنه يتعلق بالتحليل‬
‫االسرتاتيجي النسب ي ملجموعتني من الجهات الفاعلة أو بشكل عام لدولتني‪.‬‬
‫وبالتايل يرتبط تطور هذا املصطلح بشكل أسايس باستخدامه األصيل‪ :‬تقييم‬
‫التوازن االسرتاتيجي ‪ -‬عىل أساس منتظم ‪ -‬للوسائل وملناهج استخدامها ‪ -‬بني‬
‫الواليات املتحدة األمريكية وحلفائها‪ ،‬من جهة‪ ،‬واالتحاد السوفييتي وحلفائه‪،‬‬
‫من جهة أخرى‪ .‬ليس الهدف هو بناء مناذج تتعلق مبفهوم التنبؤ‪ ،‬بل بفهم‬
‫التفاعالت االسرتاتيجية وتوقعها‪ .‬لنذكر ما قاله بول براكن عن خطر اإلفراط‬
‫يف التبسي ط حيث يبدو أن هناك نوعني من الناس يف العامل‪ :‬فالبعض يبنون‬
‫مناذج رياضية‪ ،‬والبعض اآلخر يركزون عىل العامل [‪ .]...‬بدال من النمذجة املعقدة‬
‫والتفكري البسيط‪ ،‬يحاول التقييم الصايف وضع منوذج مبسط والتفكري بشكل‬
‫معقد‪ .‬هنا يدعو العقل إىل استخدام النامذج األساسية نسبيا الخاصة باألرقام‬
‫واالتجاهات البسيطة والتفكري فرتة طويلة ودقيقة حول معناها(‪.)28‬‬
‫إذا مل نستبعد مفهوم املنطق النفعي هنا‪ ،‬عند تقديم مساعدة يف صناعة القرار‪،‬‬
‫فلن يكون للتحليل فائدة كبرية‪ .‬خصوصا أن هناك رضورة تدعو إىل دراسة األداء‬
‫املحدد بعينه للقوة قبل النظر يف تقييم كفاءته التي ستتضمنها تقنيات عمليات‬
‫البحث وتحليل النظم التي تقوم عىل أساس النامذج النظرية املطلقة والتي تظهر‬
‫ألول مرة بوضوح‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫حتليل عسكري‬

‫الرجوع إىل املناهج التجريبية‬


‫بالتوازي مع تطور عمليات البحث وتحليل النظم وأيضا تطور صايف التقييم‪،‬‬
‫ظهرت بعد العام ‪ُ 1945‬نهُج أكادميية للتحليل العسكري جنبا إىل جنب مع عمليات‬
‫البحث وتحليل النظم من أجل تأسيس النهج العلمي‪ .‬كام أن هذه النهُج األكادميية‬
‫باالشرتاك مع صايف التقييم أكدت أن هذه األخرية ال ميكن أن تكون عملية رياضية‪،‬‬
‫بل يجب‪ ،‬عىل العكس أن تستعني بالعلوم اإلنسانية واالجتامعية بشكل كبري‪.‬‬
‫وعىل عكس املنهجيات السابقة‪ ،‬فهذه التحليالت ليست لها طموحات عملية‬
‫فورية‪ :‬فهي تسعى إىل الرشح بدال من توجيه الفعل‪ .‬وكام حدث فيام ميض‪ ،‬فقد‬
‫أدى االنتشار الكبري للمنهجيات وهيمنة الدراسات التجريبية الجزئية‪ ،‬أو تلك التي‬
‫تعتمد عىل التوجهات املعرفية املتعددة‪ ،‬إىل الحد من نطاق النتائج التي تخصهام‪،‬‬
‫كام تؤدي الرغبة املتكررة للبحث عن املعايري املطلقة لألداء العسكري إىل إجراء‬
‫دراسات تتضمن التوجه نحو فرضيات متعددة‪.‬‬
‫لنذكر عىل سبيل املثال النموذج الذي ُطور عىل مدى فرتة استمرت أكرث من‬
‫عرش سنوات عىل يد تريفور إن‪ .‬دوبوي )‪Trevor N. Dupuy (1995 - 1916‬‬
‫الذي شغل منصب عقيد يف الجيش األمرييك إىل أن أصبح مؤرخا عسكريا(‪ .)29‬فمن‬
‫خالل عديد الكتب التي ألفها(‪ ،)30‬يتناول دوبوي بالدراسة عملية تطوير وعرض‬
‫النموذج املسمى بتحليل منهج التحكيم الكمي (‪ )QJMA‬الذي ُيركز عىل مجموعة‬
‫من الصيغ الرياضية التي تتضمن القوة الرقمية والقوة النارية وظروف كل تدخل‪.‬‬
‫لقد ُطور هذا النموذج التجريبي إىل أن أصبح النموذج التكتييك والرقمي والحتمي‬
‫)‪ .)31((TNDM‬هذان النموذجان التجريبيان يستندان (من حيث طريقة االستخدام‬
‫املدفوعة األجر لحساب معهد تريفور نيفيت دوبوي ‪ - TNDI -‬الذي أسسه‬
‫دوبوي) إىل قواعد بيانات تتعلق بااللتزامات التاريخية‪.‬‬
‫وألن النموذج التكتييك والرقمي والحتمي يعد منوذجا تنبئيا(‪ ،)32‬فيمكن‬
‫توصيفه باعتباره منوذجا للتحليل الفني التكتييك املسيطر عليه عن طريق املشهد‬
‫الحريب يف صورة سلسلة متعاقبة من املعارك وااللتزامات بني القوات املسلحة‪ .‬عىل‬
‫هذا النحو‪ ،‬ميكن تأكيد وجود توجهات واضحة‪ :‬إنه االهتامم بالنموذج الخاص‬
‫بالتحقق من صحة الفرضيات األولية التي ال تظهر يف النهاية إال بوصفها سلسلة‬
‫‪187‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫من املواقع املشرتكة‪ :‬فالنريان لها تأثري محدد (قمعي) أكرب من قدرتها عىل التدمري‬
‫املبارش‪ ...‬إلخ‪ .‬كام أنها تعتمد عىل مفهوم للعمليات يتعلق فقط بالجانب التكتييك‬
‫و ُتقدم عىل أنها مناسبة للتخطيط والتحليل ولفحص مجموعة متنوعة من األوضاع‬
‫القتالية انطالقا من الفعل القتايل منخفض الكثافة لوحدة صغرية إىل معارك تقليدية‬
‫باستخدام األفراد واألسلحة [لفرتة] قد متتد إىل عدة أيام(‪.)33‬‬
‫ونتيجة لطبيعته الحتمية‪ ،‬فإن النموذج التكتييك والرقمي والحتمي يدخل‬
‫بوضوح ضمن سلسلة عمليات البحث وتحليل النظم‪.‬‬
‫وبسبب كونها متعارفا عليها لدى الباحثني يف العلوم االجتامعية‪ ،‬فإن‬
‫املنهجية التي اعتمدها ستيفان بيدل يف كتابه الرئييس الذي صدر يف العام‬
‫‪ ،2004‬القوة العسكرية(‪ ،)34‬تقوده إىل أن يجعل العامل الرئييس لألداء العسكري‬
‫منذ العام ‪ 1900‬يستند إىل نظام تكتييك «حديث» يصفه بيدل بأنه مزيج‬
‫من «استخدام الغطاء والتمويه والتشتيت واملناورة املستقلة عن الوحدات‬
‫الصغرية والتحديد [باستخدام النريان] والدمج والتكامل بني األسلحة(‪ »)35‬يف‬
‫حالة الهجوم «واستخدام التضاريس واملواقع املوجودة يف العمق واالحتياطيات‬
‫والهجامت املضادة(‪ »)36‬يف حالة الدفاع‪ .‬ألجل هذا يحاول ستيفان بيدل الجمع‬
‫بني نهجني‪ :‬األول‪ ،‬استخدام النهج الكمي لقاعدة بيانات مرتبطة مبرشوع الحرب‬
‫والعمل عىل تسجيل وتصنيف الرصاعات من العام ‪ 1807‬إىل يومنا هذا (حيث‬
‫ُتحدّ ث قاعدة البيانات و ُتصنّف بشكل مستمر)(‪)37‬؛ أما عن النهج الثاين‪ ،‬فهو‬
‫النهج النوعي الذي يعتمد عىل دراسة الحاالت الثالث التي ُترشح بالتفصيل يف‬
‫كتاب بيدل‪ :‬الهجوم األملاين «‪ »Michael‬ضد القوات الربيطانية يف مارس ‪1918‬‬
‫والهجوم الربيطاين «‪ »Good wood‬يف نورماندي يف يوليو ‪ 1944‬ضد القوات‬
‫األملانية وعملية «عاصفة الصحراء» يف فرباير ‪ 1991‬يف العراق‪.‬‬
‫هكذا يرتبط كتاب بيدل مع الدراسة التجريبية منذ بدايات التحليل العسكري‬
‫يف وصف التكتيك بأنه «مفتاح» التحليل‪ ،‬الذي يشبه منوذج دوبوي‪ ،‬من حيث‬
‫تناوله املشكلة االفرتاضية التي طرحها‪ :‬ما املقصود بالكفاءة العسكرية؟ والتي‬
‫ميكن تعريفها يف أضيق الحدود بأنها القدرة عىل تحقيق االلتزامات التكتيكية‪ ،‬عىل‬
‫سبيل املثال‪ ،‬وليس القدرة عىل الوصول إىل األهداف االسرتاتيجية املحددة‪ ،‬من هنا‬
‫‪188‬‬
‫حتليل عسكري‬

‫يقرتح املؤلفان طرح تحليالت متيل إىل التوجهني اللذين يخصان الثقافة العسكرية‬
‫األمريكية وتحديدا ما يتعلق بالجيش األمرييك (الذي ينتمي إليه دوبوي)‪ .‬التوجه‬
‫األول ُيقصد به وجود مفهوم يعترب القتال السبب الوحيد لوجود القوات املسلحة‪،‬‬
‫وهو ليس كذلك بالرضورة(‪ .)38‬أما التوجه الثاين فهو نهج الفن العسكري الذي‬
‫يقصد فيه بالتكتيك إدارة دفة املعركة‪ ،‬ويقصد باالسرتاتيجية إدارة العمليات‪ ،‬األمر‬
‫الذي يعني أن هذا النهج يقبل النقاش من الناحية النظرية‪ .‬فكام يعمل التحليل‬
‫العسكري عىل إضفاء الرشعية عىل خطاب وعقيدة إدارة دفة الحرب‪ ،‬فإنه يهتم‬
‫أيضا بفهم ورشح مجمل هذه األمور‪.‬‬
‫بيد أن هناك آثارا ضارة ناتجة عن إنشاء «مجمع عسكري ‪ -‬جامعي» حقيقي‬
‫يف الواليات املتحدة األمريكية منذ العام ‪1945‬؛ حيث ُيروج للدراسات األكادميية‬
‫التي تهتم بالطريقة األمريكية للحرب أكرث من عدد الباحثني العسكريني أو من‬
‫الذين يعملون ملصلحة البنتاغون‪ :‬إذا كان تريفور دوبوي‪ ،‬وهو العقيد السابق قد‬
‫أصبح جامعيا‪ ،‬فإن ستيفان بيدل ُيعترب األكادميي الذي ُيقدم املشورة إىل الجيوش‬
‫األمريكية‪ ،‬كام أنه عمل مستشارا للجرنال ماكريستال ‪ McChrystal‬خالل مراجعة‬
‫االسرتاتيجية األمريكية يف أفغانستان بني العامني ‪.)39(2010 - 2009‬‬
‫البديل هو ما كان معموال به يف التاريخ العسكري القديم‪ ،‬أي التحليل املتتابع‬
‫ملجموعة من العوامل‪ :‬كالتوظيف والتدريب والعقيدة التجهيزات‪ ...‬إلخ‪ .‬إن إعداد‬
‫الجيش بهذه التشكيلة املتكاملة قدر اإلمكان يسمح لنا بالوقوف عىل «الوضع‬
‫القائم» لحالة القوة املسلحة(‪ )40‬التي غالبا ما تكون متكاملة إىل حد كبري وتجري‬
‫دراستها عىل املدى البعيد‪ :‬حيث ُيحلل‪ ،‬بعد وقوع األحداث‪ ،‬لنقاط قوة وضعف‬
‫املنظمة يف مرحلة ما من تاريخها‪ .‬وال شك يف أن هذه الدراسات هي األكرث اكتامال‬
‫ألنها ال تسعى فقط إىل رسم صورة شاملة نسبية عن خصائص القوة‪ ،‬بل العمل أيضا‬
‫عىل استخالص استنتاجات موثوق بها نسبيا بشأن أدائها املستقبيل‪ .‬كام أن هناك‬
‫مميزات تتعلق بهذه الدراسات من حيث التخلص من رضورة – أو من محاولة ‪-‬‬
‫التنبؤ بالوقائع الحقيقية‪ .‬ومع ذلك فهذه الدراسات محدودة نتيجة لهيمنة‪ ،‬وفقا‬
‫لتعهدات املؤلفني واملصادر املدروسة‪ ،‬العوامل املذهبية (النادرة)(‪ )41‬أو االجتامعية‬
‫أو املادية‪ ،‬وبسبب عدم وجود منهجيات موحدة‪.‬‬
‫‪189‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫توقعات تتعلق بحقل الدراسات ا ُملزمع إنجازها‬


‫وهكذا‪ ،‬اليزال التحليل العسكري يتصف بأوجه قصور شديدة من الناحية‬
‫النظرية والعملية نتيجة ألسلوب مامرسته العملية املثرية التي تجعله يقع بني‬
‫سندان عديد من املناهج ومطرقة التوجهات التي يضطلع مبسؤوليتها وتثقل‬
‫كاهله‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن أحد املشاريع الرئيسة للتحليل العسكري يف إطار تعدد املناهج‬
‫والدراسات االسرتاتيجية ُيعترب بال شك بناء مناذج للتحليل‪ ،‬ووضع منهجية موحدة‬
‫لدراسة القوات املسلحة بغرض التعرض إىل هدفني مزدوجني مرتبطني بفهم وظائف‬
‫وتقييم أداء النامذج واملنهجيات‪ ،‬خصوصا أن هذه األخرية يجب أن ُتطرح باعتبار‬
‫أنها تتعلق مبهامت ووظائف ُتحقق من خالل القوة املدروسة‪.‬‬
‫الخيار املتاح يعني اعتامد منهجية تحدث عىل ثالث مراحل‪ .‬تشهد املرحلة‬
‫األوىل دراسة منفصلة عن العقيدة االسرتاتيجية واإلجرائية والتكتيكية‪ ،‬وأيضا دراسة‬
‫تنظيمية ولوجستية وما يتعلق بالقيادة واالستخبارات‪ ،‬وأيضا ما يتعلق ‪ -‬بنقاط‬
‫قوة صايف التقييم ‪ -‬وبالدور الوظيفي االجتامعي البريوقراطي وأيضا ‪ -‬عندما تقتيض‬
‫الحاجة إىل استخدام النامذج الرياضية – ما تعلق بأداء األجهزة‪ .‬ومبجرد تنفيذ‬
‫هذه املرحلة‪ ،‬يجب نرش التحليل لقياس مدى متاسك هذه املعايري املختلفة فيام‬
‫بينها‪ :‬هل ميكن للعقيدة التكتيكية أن تتطابق مع الجودة النوعية للقوات‪ ،‬وجودة‬
‫عمليات التطويق؟ وهل تتفق هذه العقيدة مع االسرتاتيجية املعمول بها؟ هذا‬
‫من جهة‪ ،‬كام يجب‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬نرش هذا التحليل ملواجهة هذه العوامل‬
‫التي ُقيمت من حيث القيمة املطلقة للبيئة االسرتاتيجية التي تلتزم بهذه العوامل‬
‫باستخدام طرق مناهج التقييم الصايف‪ .‬وهكذا ميكن الحصول عىل صورة شاملة‬
‫متكاملة لحالة القوة‪ ،‬بحيث يكون من الرضوري إعادة النظر يف املنظور الزمني‬
‫إىل ما هو أبعد من الحالة الراهنة ليك نعطى للصورة التحليلية الطابع الدينامييك‪.‬‬
‫أما عن التحليل النقدي والتحليل املقارن‪ ،‬النسبي‪ ،‬للقوة التي دُرست‪ ،‬فإنه‬
‫سيسمح بالحيلولة دون تأثر التحليل برؤية موجهة تتعلق بأدائه‪ .‬وتبقى الحقيقة‬
‫أن منهجية من هذا النوع غري موجودة اليوم‪ :‬وبالتايل فإن تنفيذها عىل أرض الواقع‬
‫ُيعد مرشوعا معرفيا يخص الدراسات االسرتاتيجية‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫حتليل القدرة والتسليح‪...‬‬

‫‪11‬‬

‫حتليل القدرة والتسليح‬


‫ودور التكنولوجيا‬

‫جوزيف هيرنوتني‬
‫‪Joseph Henrotin‬‬

‫لقد أصبحت املجريات التاريخية املرتبطة‬


‫باألدوات التقنية ‪ -‬التي تفهم عىل أنها انتشار‬
‫للتكنولوجيات العسكرية الجديدة ‪ -‬الخاصة‬
‫بالقوات املسلحة أكرث تطرفا منذ منتصف القرن‬
‫التاسع عرش‪ ،‬األمر الذي منح التكنولوجيا رؤية‬
‫مهمة يف املناقشات االسرتاتيجية والعسكرية‬
‫املعارصة(‪ .)1‬ومع ذلك فإنه من الصعب استيعاب‬ ‫«غالبا ما يُنظر إىل التسليح عىل أنه‬
‫عالمة عىل القوة العسكرية ‪ -‬األمر‬
‫مفاهيم التكنولوجيا العسكرية بدرجة كبرية‪،‬‬ ‫الذي يسمح بقياسه بدقة وسهولة ‪-‬‬
‫لكن هذا التصور خاطئ ألنه يختلف‬
‫عىل الرغم من أنها متثل مصدرا للقوة ‪ -‬كام أنها‬ ‫عن القدرات العسكرية التي يصعب‬
‫تعترب لذاتها ولآلخرين أحد عوامل التأثري التي‬ ‫تقييمها»‬

‫‪191‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫تتعلق مبوازين القوى الدولية والعمليات العسكرية وأيضا ملا تفرضه من قيود عىل‬
‫السياسات الوطنية والفن العسكري‪ .‬هل بات من الرضوري وقبل كل يشء الرجوع‬
‫إىل تعريفها‪« .‬وألنها مجموعة من التقنيات واملعارف واإلجراءات الالزمة لصناعة‬
‫واستخدام وفعل أشياء مفيدة»(‪ ،)2‬فقد استفادت التكنولوجيا من التنظري يف وقت‬
‫متأخر نسبيا‪ .‬وألن التكنولوجيا تتكون من املقطع «‪ »têkhné‬مبعنى مهارة ومقطع‬
‫«‪ »logos‬ويعني علام‪ ،‬فإن أصل الكلمة يتعدى مجرد كون التكنولوجيا تعني املجال‬
‫التقني يف حد ذاته إىل ما ميكن فهمه عىل أن للتكنولوجيا بعدا هندسيا أو أنها تابعة‬
‫لسلسلة من االبتكارات أو االخرتاعات يف مجال األعامل الفنية الصناعية‪.‬‬

‫املدرسة املادية ومحدوديتها‬


‫لطاملا تتجاوز التكنولوجيا العلوم أو األبحاث التي نشأت عنها والتي تربطها‬
‫بها عالقات دامئة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فالتزال مرتبطة ارتباطا وثيقا مبفاهيم االخرتاع‬
‫واالبتكار‪ .‬ويف حال تكرار هذه املفاهيم‪ ،‬فإن التكنولوجيا متتزج مع التقنيات‬
‫القدمية جدا واألشكال الفنية الجديدة (االخرتاع)‪ ،‬وأيضا فإنها تجمع بني التقنيات‬
‫القدمية بعضها ببعض وذلك لتحقيق قدر أكرب من الكفاءة (االبتكار)‪ .‬وقد تحقق‬
‫الفهم التاريخي للتكنولوجيا تجريبيا‪ ،‬يف املجال العسكري‪ ،‬عىل يد عدد من‬
‫املؤلفني الذين تأثروا مبا قاله هرييف كوتو ‪ -‬بيجارى عن «املدرسة املادية» – نذكر‬
‫منهم ريغينالد كوستانس ‪ Reginald Custance‬أو جون إف يس فولر ‪John‬‬
‫‪ -F. C. Fuller‬ينطوي عىل املكاسب التي ميكن تحقيقها من الكفاءة الناجمة‬
‫عن استخدام قوات املشاة البحرية األمريكية أو الجيوش للتكنولوجيا(‪ .)3‬وهكذا‪،‬‬
‫فقد سن فولر «قانون العامل الثابت» الذي يصف «األدوات أو األسلحة‪ ،‬يف حال‬
‫اكتُشف األكرث مالءمة‪ ،‬بأنها تشكل ‪ 99‬يف املائة من عوامل االنتصار»(‪ ،)4‬والنسبة‬
‫املتبقية ترجع‪ ،‬وفقا لفولر‪ ،‬إىل عوامل غري مادية مثل االسرتاتيجية والقيادة‬
‫واللوجستيات والتدريب وتنظيم القوات والشجاعة والقوة األخالقية‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وسوف نتطرق إىل هذه األمور فيام بعد‪.‬‬
‫لقد ازدهرت هذه املدرسة املادية‪ ،‬الحتمية بالدرجة األوىل‪ ،‬خالل الحرب‬
‫الباردة التي جذبت اهتامم األكادمييني بالعوامل التكنولوجية التي تعد أحد مصادر‬
‫‪192‬‬
‫حتليل القدرة والتسليح‪...‬‬

‫الحركات االستعامرية‪ ،‬عىل سبيل املثال(‪ .)5‬ولقد أصبح هذا العرص مركز الردع‬
‫النووي الذي ال يهتم إال بكفاءة ومصداقية الحلول التكنولوجية املعتمدة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يعلق الجرنال غالوا ‪ Gallois‬عىل الفكر السائد يف ذلك العرص بقوله‪:‬‬
‫«ميكن االعتامد فقط عىل ترسانات األسلحة واسرتاتيجية الوسائل»(‪ .)6‬ويف هذا الصدد‪،‬‬
‫التزال هذه النظرة إىل مركزية التكنولوجيا كأحد عوامل القوة تعد يف غاية األهمية‪:‬‬
‫ستظل التجهيزات «الجيدة» املوجودة بأعداد كبرية تعترب من عوامل النجاح وأيضا‬
‫من عالمات القوة لدى الجهات الفاعلة‪ .‬لقد جرى تناول هذه الرؤية بشكل مفصل‬
‫يف كتاب ُنرش يف السبعينيات بعنوان «اسرتاتيجية التكنولوجيا»(‪ .)7‬باملناسبة‪ ،‬فإن‬
‫مفهوم «الجيد» ال يعني بالرضورة أنه األكرث مالءمة الحتياجات اللحظة ولكنه ميكن‬
‫أن يكون األكرث فاعلية‪ .‬ومع ذلك يجب إعادة صياغة هذه الرؤية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬ألن مفهوم «الجيد» يعترب مفهوما غري موضوعي‪ ،‬وألنه ال ميكن أن تكون‬
‫هناك رؤية شاملة له‪ ،‬فإن كل ما يقصد به تكنولوجيا يعني «التاريخ املادي‬
‫أو املجموعات املتامسكة للمكونات البرشية االجتامعية»(‪ .)8‬فهذا املفهوم ال‬
‫يتولد من عقالنيته الخاصة‪ ،‬بشكل مجرد‪ ،‬ولكنه يعد مثرة لسلسلة من القرارات‬
‫والوساطات السياسية والتقنية‪ :‬من الناحية املنهجية‪ ،‬ال ميكن لهذا املفهوم أن‬
‫يكون من مثار الحتمية الوضعية صاحبة الرؤية التقدمية املستمرة نحو «الجيد»‬
‫أو «األفضل»‪ .‬لذا‪ ،‬فبدال من الرجوع إىل نقاش عقيم يتعلق بالتفوق املطلق‬
‫للبنية أو للفاعلني بغرض معرفة كيفية تقرير الخيارات التكنولوجية‪ ،‬فإن املؤلفني‬
‫أمثال البور ‪ Latour‬والو ‪ Law‬وكالون ‪ Callon‬يعتقدون أن املسار التقني يف‬
‫حد ذاته يعترب سلسلة من التفاعالت بني الفاعلني والبنية‪ ،‬األمر الذي يصبح معه‬
‫موضوع التكنولوجيا فاعال أساسيا(‪.)9‬‬
‫يف النهاية‪ ،‬فإن التكنولوجيا ‪ -‬وجميع أدواتها املرشوعة (من أجل الحصول عىل‬
‫امليزانيات لرضوريات الرشاء‪ ...‬إلخ) تعترب مثل البناء االجتامعي‪.‬‬
‫ينعكس ذلك أيضا يف مفهوم الثقافة التكنولوجية‪ .‬وألنها من مكونات الثقافة‬
‫االسرتاتيجية للطرف الفاعل ‪ -‬أي الدولة من حيث املبدأ ولكن ميكن للمعنى أن‬
‫ينسحب من دون مشكلة عىل الواليات – فمن املمكن السامح لها بتفهم األولويات‬
‫التي تتعلق باملجال التكنولوجي والصناعي‪ .‬وهكذا‪ ،‬يشري جاك سابري ‪Jacques‬‬
‫‪193‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫‪ Sapir‬إىل وجود تأثري للذاكرة [‪[ ]...‬وإىل الثقافة التكنولوجية التي ميكن لها ترجمة]‬
‫مكونات واستخدامات املعرفة الجامعية املوجودة يف صور رصيحة أو ضمنية [‪]...‬‬
‫وميكن لها أيضا أن تدير وتنظم املعارف[‪.)10(]...‬‬
‫وهكذا تشكل الثقافة التكنولوجية فضاء التسجيل الثقايف لسياسات ومامرسات‬
‫االبتكار التكنولوجي‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإنها تسمح بتسليط الضوء‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬عىل‬
‫األولويات الروسية الخاصة بالتطورات التكنولوجية املتزايدة (يف مجال الدبابات أو‬
‫الطريان عىل سبيل املثال)‪ ،‬وكذلك عىل األولويات األمريكية التي تتميز بها األجيال‬
‫بشكل كبري‪ .‬وبالطريقة نفسها‪ ،‬يصبح من املمكن توضيح األولويات الفرنسية‬
‫للمشاريع التقنية املتقدمة(‪.)11‬‬
‫ثانيا‪ :‬اليزال تصميم واقتناء املعدات العسكرية يخضع للمتطلبات السياسية‬
‫والعسكرية وإىل عرض علمي‪ ،‬األمر الذي ُو ّضح يف أعامل سزيليوفيتش‬
‫‪ .)12(Szyliowicz‬يف حالة األوىل املتعلقة بالتصميم (أو تحفيز االكتشاف) ُتط َّور‬
‫التكنولوجيا ألنه ميكن ذلك من الناحية املالية والفنية‪ .‬ويف الحالة الثانية املتعلقة‬
‫باالقتناء (أو سحب الطلب) يعتمد الطلب السيايس والعسكري لتكنولوجيا‬
‫محددة عىل التقدير االسرتاتيجي‪.‬‬
‫بالنسبة إىل املؤلف‪ ،‬فإن نحو ‪ 70‬يف املائة من برامج التسليح تستجيب لعملية‬
‫السحب‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن التمييز بني الدفع أو التحفيز وبني السحب يشوبه غموض‪.‬‬
‫ألن الدفع العلمي أو الصناعي‪ ،‬من جهة‪ ،‬قد يكون نتيجة لتحليل اسرتاتيجي يتحدد‬
‫من خالل حقل بحثي آخر غري املجال السيايس والعسكري‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬ميكن‬
‫أن يكون االنسحاب السيايس انعكاسا لسياق فني محدد موجه التخاذ القرار‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬يوضح بول براكن أن التقنيات التي ُحولت عن االستخدام األول األقل‬
‫تطورا من الحلول األخرى تكون أحيانا أكرث تكيفا مع احتياجات اللحظة (مفهوم‬
‫التقنيات الجانبية)(‪ .)13‬ولهذا‪ ،‬فإنه يؤكد‪ ،‬وفقا ملفهوم بوث (‪ ،)K. Booth‬أن مفهوم‬
‫األداء يف حد ذاته ومدى تفهم رئاسة األركان له غالبا ما يكون عىل أسس عرقية‪.‬‬
‫هذه التقنيات الجانبية تعترب بشكل خاص يف صلب املشكالت املتعلقة بالعمليات‬
‫الهجينة‪ ،‬ولكنها تساعد أيضا عىل فهم االبتكارات التكتيكية مثل استخدام البندقية‬
‫األملانية ‪ 88‬ملم يف القتال املضاد للدبابات والتي ُصممت يف البداية لالشتباكات‬
‫‪194‬‬
‫حتليل القدرة والتسليح‪...‬‬

‫املضادة للطريان‪ .‬وأخريا‪ ،‬النقطة الرابعة واألهم تقول إن التكنولوجيا ليست يف حد‬
‫ذاتها املنتجة للكفاءة العسكرية وال ميكنها التخلص من فن الحرب نفسه ‪ -‬الذي‬
‫يتجاوزها ويسمح «بوضعها موضع التنفيذ» – وال من االندماج يف املخطط املتامسك‬
‫لبنية القوة‪ .‬بهذا املعنى‪ ،‬يجب التمييز بني املعدات العسكرية و«القدرات»‪ ،‬خوفا‬
‫من تكرار النهج الذي ُينتقد عىل نطاق واسع‪ ،‬األمر الذي يستدعي إمكانية الفحص‬
‫وتقييم القوى من حيث استعراض أداء املعدات وعددها يف مستودعات األسلحة‪.‬‬

‫التكنولوجيا واالسرتاتيجية العسكرية‬


‫تختلف املكانة التي تحتلها التكنولوجيا يف الفن العسكري باختالف املؤلفني‪.‬‬
‫فبينام يرى مارتن فان كريفيلد ‪ Martin Van Creveld‬أن هناك تأثريا للتكنولوجيا‬
‫يف كل ما يتعلق مبعايري إدارة دفة الحرب(‪ ،)14‬يرى مايكل هاندل ‪Michael Handel‬‬
‫أن التكنولوجيا يف حد ذاتها تعترب أحد املستويات الحربية باإلضافة إىل املستويات‬
‫التكتيكية واإلجرائية واالسرتاتيجية(‪ .)15‬عمليا‪ ،‬تنتج التكنولوجيا بشكل أسايس آثارها‬
‫املقصودة من الناحية التكتيكية‪ .‬وبهذا املستوى ميكن أن تطبق قوانني لنشيسرت‬
‫بشكل طبيعي عىل الكفاءة العسكرية حيث تستطيع هذه القوانني أن تسلط‬
‫الضوء بشكل ملحوظ عىل أهمية القوة النارية(‪ .)16‬هنا يصبح قياس الكفاءة الخاصة‬
‫باملدفع أو باآللة القتالية أو بالصاروخ‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬سهال جدا‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫سيكون من الخطأ نفي تأثري التكنولوجيا يف مستويات الحرب األخرى‪ .‬ومن الواضح‬
‫استفادة الفن اإلجرايئ من وصول السكك الحديد وحركة قطاع النقل وإدخال وسائل‬
‫االتصاالت السلكية والالسلكية – األمر الذي ميكن تحقيقه يف حدود معينة‪ .‬ففي‬
‫الثالثينيات وحتى فرتة السبعينيات من القرن املايض‪ ،‬استفادت األعامل السوفييتية‬
‫املرتبطة بالفن اإلجرايئ من دخول طائرات النقل الكبرية أو املروحيات إىل الخدمة‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن الفن اإلجرايئ يعترب من حيث األساس فن تنشيط القوات‬
‫ألنه ال توجد إال عالقة ضئيلة بني التفوق التكنولوجي ونجاح الحملة العسكرية‪.‬‬
‫تعتقد الحملة الفرنسية أن الجيش األملاين هزم القوات الفرنسية عىل الرغم من‬
‫تفوق معداتهم من الناحية الفنية‪ .‬وباملثل فقد أنتجت أملانيا يف نهاية الحرب‬
‫معدات متطورة بشكل كبري مقارنة مبا لدى الحلفاء (مقاتالت نفاثة وأسلحة‬
‫‪195‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫موجهة وأجهزة استشعار باألشعة تحت الحمراء وصواريخ باليستية وصواريخ‬


‫أرض ‪ -‬جو) ولكنها مل تؤ ِد إىل تغيري الوضع االسرتاتيجي نتيجة ملا تصفه بأنها‬
‫«أسلحة تعجيزية» – تظهر من خالل التمثيل الروحاين شبه الديني وميكن نقلها‬
‫من خالل التكنولوجيات ملستخدميها(‪.)17‬‬
‫أيضا‪ ،‬لقد اتضح التفوق التكنولوجي الفرنيس واألمرييك خالل حروب الجزائر أو‬
‫فيتنام أو العراق‪ ،‬لكن ضخامة الظروف االسرتاتيجية والسياسية التي صاحبت هذا‬
‫التفوق كانت من دواعي الفشل‪ .‬وألنه ال ميكن لألداة أن تحل محل الصانع املاهر‪،‬‬
‫فإن التكنولوجيا ال ميكن لها‪ ،‬كام يقول فرانسوا جريي ‪ ،François Géré‬أبدا أن‬
‫تقدم الحلول للمشكالت التي ال يستطيع السيايس الوصول إىل حلها»(‪.)18‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬يجب تشكيل األداة بالطريقة التي تعني تنفيذ اسرتاتيجية‬
‫خاصة ميكن تسميتها «الوسائل»‪ .‬لقد وضع هرييف كوتو ‪ -‬بيجاري تعريفا لهذه‬
‫الوسائل باعتبارها واحدا من ثالثة تقسيامت فرعية لالسرتاتيجية العسكرية –‬
‫بحيث تضاف إىل ذلك االسرتاتيجية اإلجرائية (إدارة دفة الحرب) واالسرتاتيجية‬
‫التوضيحية (املوقف التفسريي الذي يدور حول النوايا والقدرات الوطنية) – التي‬
‫تهتم مبعدات القوات وأيضا بتصميم أنظمة تسليح‪ .‬وتتكون هذه االسرتاتيجية‬
‫من ثالثة أفرع‪ .‬أوال‪ :‬االسرتاتيجية الوراثية التي يعرفها جريي عىل أنها «إنشاء‬
‫وترتيب املعدات[‪ .)19(»]...‬وبالتايل تشكل االسرتاتيجية الوراثية الفضاء العسكري‬
‫الخاص بإنشاء مراكز التكنولوجيا وفقا للقيود غري الرسمية (الثقافة التكنولوجية‬
‫الوطنية وتأثريات املوضة) وأيضا القيود الرسمية (بيان نطاق املشاريع وامليزانيات‬
‫املتاحة‪ ...‬إلخ)‪.‬‬
‫تشتمل اسرتاتيجية الوسائل عىل عنرصين آخرين‪ :‬األول يتعلق باالسرتاتيجية‬
‫اللوجيستية املتخصصة يف توفري إمدادات القوات ‪ -‬حيث تتناسب أهميتها مع‬
‫مستوى التقدم التكنولوجي للجيش ‪ -‬وأيضا فيام له صلة بالصيانة‪ .‬إنها القضية‬
‫املهمة التي تتعلق باسرتاتيجية الوسائل وأيضا بتوافر القوات ومبصداقية القوة‬
‫العسكرية(‪ .)20‬أما العنرص الثاين فيتعلق باسرتاتيجية الوسائل التي تضم اسرتاتيجية‬
‫صناعية تستند إىل موارد اإلنتاج الوطني وكذلك الواردات والتعاون الدويل‪ .‬يعترب‬
‫هذا العنرص من األهمية بالقدر نفسه الذي يصبح معه بيع أنظمة التسليح‬
‫‪196‬‬
‫حتليل القدرة والتسليح‪...‬‬

‫السبب يف الحد من االستخدام الذي يبدو كأنه عىل أرض الواقع تقييد مفروض‬
‫عىل السيادة العسكرية‪.‬‬
‫وهكذا ظهر مفهوم السيادة التكنولوجية يف فرنسا من أجل تأكيد القدرة عىل‬
‫تهيئة أنظمة التسليح بشكل مستقل‪.‬‬
‫يف الواقع متكن مالحظة أن االسرتاتيجية الصناعية تتجاوز اسرتاتيجية الرتويج‬
‫فقط‪ .‬يف الواليات املتحدة األمريكية أو يف فرنسا‪ ،‬يشكل إنتاج املعدات العسكرية‬
‫تحديا للسياسة الداخلية والسياسة االقتصادية التي ال تخلو من تأثريات مرتدة عىل‬
‫الهيكلية االسرتاتيجية واسرتاتيجية الوسائل‪ .‬ينعكس هذا األمر عىل األدبيات خصوصا‬
‫تلك التي تطورت يف الواليات املتحدة األمريكية خالل الحرب الباردة حول مفهوم‬
‫«املجمع العسكري الصناعي» (‪ )MIC‬كأدبيات جامعات املصالح وجامعات الضغط‪.‬‬
‫لقد متكنت هذه األدبيات من إثبات أهمية العوامل السياسة الداخلية يف عملية‬
‫صناعة القرار الخاص بالتسليح مع ما يصاحب ذلك من انعدام االتصال بشكل نسبي‬
‫باالحتياجات اإلجرائية(‪ .)21‬ومع ذلك‪ ،‬يظل مفهوم «املجمع العسكري الصناعي» غري‬
‫ف ّعال يف الحاالت األمريكية أو الروسية‪ ،‬خصوصا يف مجال الصناعات الدفاعية –‬
‫كام يف حالة الجيوش – التي غالبا ما تكون يف وضع تنافيس بسبب موارد امليزانية‬
‫املحدودة‪ .‬والتزال القيمة االستكشافية لهذا املفهوم يف مجال تحديد سياسات‬
‫التسليح خصوصا السياسات الخارجية الوطنية تثري عالمات استفهام عىل الرغم من‬
‫أن االهتامم املتزايد بهذا املفهوم يسمح بوضع تفسري مليول الدول إىل شن الحرب‪.‬‬
‫وبالتايل تعترب اسرتاتيجية الوسائل كالكائن املعقد الذي يفرض‪ ،‬بسبب القيود‬
‫الخاصة بكل عنرص من مكوناته‪ ،‬رضورة الرشوع يف عمل موازنات‪ .‬فالحفاظ عىل‬
‫قاعدة صناعية مستقرة تعمل عىل التعهد بتوفري اإلمدادات بطريقة مستقلة يشكل‬
‫ضامنا لحجم العمل الثابت نسبيا‪ ،‬األمر الذي يهدف إىل الحفاظ عىل املعرفة‬
‫الدقيقة وتطويرها‪ .‬أيضا‪ ،‬فإن من شأن توفري املعدات الحاصلة عىل حقوق اإلنتاج‬
‫الحفاظ عىل الصناعة‪ ،‬األمر الذي قد يؤدي يف بعض األحيان إىل تكاليف إضافية‬
‫كبرية للجيوش الصغرية‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ميكن أن يؤدي انتشار أحد الربامج إىل عواقب وخيمة من ناحية‬
‫التكلفة‪ .‬وميكن أن يشارك هذا االنتشار يف التصور السائد عن متديد وقت تصميم‬
‫‪197‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫أنظمة التسليح‪ ،‬األمر الذي ميثل إشكالية إذا كان من الرضوري إنتاجها برسعة‪ .‬فعىل‬
‫الرغم من أنه ال توجد من الناحية التاريخية أي حتمية تتعلق بهذه القضية(‪،)22‬‬
‫فالتزال هناك احتاملية ألن تتعارض الرضورات الحتمية مع الحاجة إىل اإلنتاج‬
‫الرسيع لسلسلة كبرية من املعدات بضامن تكلفة منخفضة للوحدة‪ .‬وبشكل أكرث‬
‫تحديدا‪ ،‬فإن تعريف بيان نطاق املشاريع غالبا ما يظهر عىل أنه املرحلة األكرث‬
‫تعقيدا للربنامج العسكري‪ ،‬األمر الذي يسبب حدوث تغيريات متعددة تؤدي إىل‬
‫تكاليف وتأخريات إضافية عىل األرجح‪.‬‬
‫وبرصف النظر عن هذه الجوانب املختلفة‪ ،‬فإن اسرتاتيجية الوسائل تضم أيضا‬
‫طائفة من الخيارات االسرتاتيجية تتعلق بنموذج وبنية القوات املعتمدة التي‬
‫تتأثر بالنظم املختارة بشكل طبيعي‪ .‬ميكن لهذا التأثري أن يتحقق عمليا بطريقتني‬
‫أساسيتني‪ :‬من ناحية‪ ،‬وضع قيود عىل الخيارات االسرتاتيجية املحتملة بحيث‬
‫تتجاوب أنظمة القوة إىل حد ما وبطريقة مالمئة مع شبح الرصاعات ومع املهامت‬
‫املراد تنفيذها من خالل التقليص النوعي والكمي للخيارات‪ .‬حيث ال تعترب هذه‬
‫الخيارات التكنولوجية التي ُيعمل بها عىل نطاق نظام القوة محايدة اسرتاتيجيا‪.‬‬
‫من ناحية أخرى ميكن أن يؤثر الشعور بالتقدم التكنولوجي يف املستوى السيايس‬
‫بسبب واقع الحتمية التكنولوجية ملفاهيمها‪ .‬وبغض النظر عن العمليات التقليدية‬
‫للتقنيات‪ ،‬ميكن للمرء أن يفرتض وجود «مادة تكنولوجية» للفكر والفعل السيايس‬
‫تتعلق بالعسكرية‪ .‬ميكن أن توضع ضوابط للحرب من الناحية التقنية وينظر‬
‫إليها من زاوية تكتيكية تقنية عىل الرغم من توافر العوامل غري املادية التي قال‬
‫بها أنصار كالوزفيتز ‪ -‬االحتكاك وعدم اليقني و«العبقرية» – أو العوامل البنيوية‬
‫(أهمية التدريب والروح املعنوية والعقيدة ومفاهيم العمليات‪ ...‬إلخ) – بيد أن‬
‫هذا األمر يصعب ضبطه(‪.)23‬‬

‫التكنولوجيا وعالقات القوى الدولية‬


‫باإلضافة إىل تلك االعتبارات املتعلقة بالوضع التكنولوجي داخل البنيان‬
‫االسرتاتيجي ألحد األطراف الفاعلة‪ ،‬فإن التكنولوجيا تعترب واحدة من مكونات لعبة‬
‫القوى الدولية من عدة وجوه‪ .‬فمن وجهة نظر انتشارها‪ ،‬نعلم بداية أن التقنيات‬
‫‪198‬‬
‫حتليل القدرة والتسليح‪...‬‬

‫العسكرية لها ثقل معياري حيث توجد طرائق تكنولوجية مفروضة إىل حد ما‬
‫وبطريقة غري مبارشة من قبل أقوى الدول‪ .‬هذه هي الحال‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬مع‬
‫الشبح والطائرات من دون طيار أو حتى أنظمة مشاركة بيانات استقبال الفيديو‪.‬‬
‫يف الحالة األخرية يتحدث أوليفييه زاييك عن معيار جهاز استقبال الفيديو الجيد‬
‫من بعد (‪ )ROVER‬األمرييك املفروض عىل أعضاء حلف الناتو يف خضم العمليات‬
‫يف أفغانستان والعراق؛ عىل الرغم من وجود حلول أخرى بسيطة يف السوق‪ .‬ووفقا‬
‫ألوليفييه زاييك ميكن تفسري هذا املعيار املفروض عن طريق طالقة القوة األمريكية‬
‫وآثارها املعيارية ذات املقاييس الفائقة من الناحية التكنولوجية أو العقائدية عىل‬
‫عمل االئتالفات متعددة الجنسيات(‪ .)24‬يف حالة الطائرات املقاتلة من دون طيار‬
‫يتعرض تطوير هذه الطائرات لعدد من املشكالت التكنولوجية الحساسة‪ ،‬وهو ما‬
‫يجعل عديدا من الجهات الفاعلة تعرتف بأن أهميتها العسكرية وتكاليفها السياسية‬
‫واملالية فضال عىل ظروف العمل تعترب غري واضحة‪ ،‬األمر الذي يجعل من الرضوري‬
‫تطويرها؛ ألن هناك جهات أخرى تعمل عىل تطوير مثل هذه الطائرات‪ ،‬أو ألن‬
‫لها مميزات افرتاضية (كتوفري «البنية» التكنولوجية التي ميكن تطبيقها عىل برامج‬
‫أخرى) أو حقيقية (كالحفاظ عىل املراكز الدراسية) يف املجال البحثي‪.‬‬
‫يتعلق املستوى الثاين بكيفية اعتبار التكنولوجيات وسيطا رمزيا عىل املستوى‬
‫الدويل‪ .‬هذه هي الحال‪ ،‬منذ تسعينيات القرن املايض عىل وجه الخصوص‪ ،‬يف‬
‫مجال التسليح حيث تكون التكنولوجيا مبنزلة الداعم للتعاون الدفاعي – السيام يف‬
‫السياق األورويب وحلف الناتو ‪ -‬ورمبا كبديل لتعميق التعاون السيايس والعقائدي‪.‬‬
‫هذه هي الحال أيضا يف دائرة الرصاعات التي تستخدم فيها القوة أو ال تستخدم‪.‬‬
‫قد تفرض املعدات العسكرية «بعدا جامليا للقوة» (طبقا لوصف فان كريفيلد)‪ .‬إذا‬
‫كانت جامليات القوة أحد مكونات االسرتاتيجية التوضيحية للجهات االسرتاتيجية‬
‫الفاعلة‪ ،‬فإنها ستؤثر حتام يف تصورات الجهات الفاعلة األخرى‪ .‬لقد ُأخذ هذا األمر‬
‫بعني االعتبار يف نظريات تتعلق باملأزق األمني(‪ )25‬والعقيدة الهجومية(‪ .)26‬تستند‬
‫هذه النظريات إىل العالقة الجدلية – وما تشتمل عليه من تصورات ‪ -‬بني املعارضني‬
‫الذين يدخلون يف منافسة ديناميكية عميقة‪ .‬يوضح هذا النهج كيفية تنظيم‬
‫السباقات الخاصة بالتسليح عىل أساس التكافؤ الوظيفي يف األغلب‪ :‬إن التحكم يف‬
‫‪199‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫تصنيف املعدات (غواصات وأجهزة قتالية ودبابات وعربات قتال لسالح املشاة‪...‬‬
‫إلخ)‪ .‬من قبل دولة ما ينطوي عىل إرادة دولة أخرى يف امتالكها مثل هذه املعدات‬
‫أيضا من أجل الحد من انعدام األمن الناجم عن ترصف الخصوم يف املعدات التي‬
‫سبق ذكرها‪ .‬إن هذا النهج‪ ،‬الذي ُأ ِّرخ به منذ نهاية الحرب الباردة‪ ،‬مل يفقد أهميته‬
‫متاما‪ ،‬كام أنه يسمح بفهم ديناميكيات انتشار الغواصات يف آسيا أو ما يتعلق‬
‫بالعمليات الجدلية للتسليح بني الجزائر واملغرب‪ .‬يف مثل هذه الظروف ال تؤدي‬
‫التكنولوجيا إال دورا محدودا‪.‬‬
‫‪ -‬فمن ناحية يشري اقتناء مثل هذه املعدات‪ ،‬حتى لو مل تكن القوى قادرة عىل‬
‫استخدامه يف واقع األمر‪ ،‬إىل مزيج من التمثيالت ‪ -‬ما املقصود بالفعالية؟‬
‫ما اليشء املرجح الذي ميكن أن يؤدي إىل ردع الخصم‪...‬؟ إلخ ‪ -‬وأيضا إىل‬
‫حدوث تغيري يف القرارات والخطابات السياسية العسكرية‪ .‬يرجع هذا األمر يف‬
‫املقام األول إىل قضية النوايا التي تفهم من قول ألكسندر ويندت املأثور وتظهر‬
‫من خالله أهمية املناهج البنائية‪ :‬فاملسدس يف يد الصديق أو يف يد العدو لن يدل‬
‫عىل املعنى نفسه(‪.)27‬‬
‫‪ -‬من ناحية أخرى فباإلضافة إىل توافر النية الستخدام هذه األسلحة‪ ،‬غري أن‬
‫امتالك األسلحة قد ال يكون السبب يف تزويد الجهات الفاعلة االسرتاتيجية بقدرات‬
‫عسكرية‪ ،‬كام أن متكنهم من استخدام هذه األسلحة بطريقة متسقة وفعالة قد ال‬
‫يكون أيضا هو السبب‪ ،‬إذن األمر ينطوي عىل وجود عوامل أخرى غري التكنولوجيا‬
‫يف حد ذاتها‪ .‬وهنا تربز أهمية العوامل التنظيمية للقوى‪ .‬يف العام ‪ 1870‬كان لدى‬
‫فرنسا مدافع رشاشات فعالة جدا ولكنها مل تستخدمها‪ُ :‬وضعت عىل هيكل له‬
‫عجالت‪ ،‬وكان ينظر إىل هذا الهيكل كأنه من أسلحة املدفعية وليس من أسلحة‬
‫املشاة‪ ،‬وأيضا ُسحبت هذه املدافع بعيدا عن الجبهة حيث كانت منعدمة الفائدة‪.‬‬
‫وباملثل يؤدي التدريب دورا مركزيا‪ ،‬إضافة إىل أن االهتامم باملعدات املتقدمة‬
‫يعد يف األغلب عملية طويلة األجل‪ .‬لهذا سنحتاج بشكل رضوري إىل عقد من‬
‫الزمن يك تعرف القوات البحرية كيفية االستخدام السليم لحاملة طائرات وحاميتها‬
‫وطائراتها‪ .‬ستكون الخدمات اللوجستية والصيانة بطبيعة الحال معقدة للغاية يف‬
‫ظل وجود األنظمة األكرث تقدما‪ ،‬ونتيجة ألهميتها أيضا ستصبح من ضمن العوامل‬
‫‪200‬‬
‫حتليل القدرة والتسليح‪...‬‬

‫التكنولوجية‪ :‬وألنها عوامل ذات طابع تقني‪ ،‬فسيكون من الصعوبة مبكان التحكم‬
‫يف إدارتها‪ .‬ويف النهاية يجب وضع حد بني تصورنا لسباق التسليح واالستحواذ الفعيل‬
‫عىل القدرات العسكرية الذي يتجاوز السلوك املادي لألسلحة بكثري‪.‬‬
‫يأيت املستوى الثالث ليثري األسئلة حول القدرات العسكرية وما يتعلق بتفضيل‬
‫التكنولوجيا أو عدم تفضيلها الندالع رصاع مفتوح‪ .‬ففي أثناء الحرب الباردة كانت‬
‫الطفرات التكنولوجية يف القطاع العسكري تصور يف كثري من األحيان عىل أنها ذات‬
‫طبيعة قتالية خاصة من خالل األدبيات التي تتناول عقيدة الهجوم‪.‬‬
‫إن العمل عىل زعزعة استقرار توازن القوة الهشة بالفعل سيزيد من القدرات‬
‫املتاحة يف الجانبني الكمي والنوعي‪ .‬غري أنه من الناحية التاريخية ال يعترب النمو‬
‫الكمي يف حد ذاته أحد املظاهر القتالية‪ ،‬عىل الرغم من أنه قد يؤدي إىل تغذية‬
‫ردود الفعل الخاصة بسباقات التسليح التي تنجم عنها التوترات السياسية بصورة‬
‫غري مبارشة‪ .‬يعتقد كولني غراي أن «األسلحة ال تصنع الحرب»‪ :‬بل األسباب السياسية‬
‫التي تبدو حتمية(‪ ،)28‬وهكذا تبدو اإلجابة عن السؤال املتعلق بزيادة القدرة النوعية‬
‫باعتبارها العامل الحريب األكرث تعقيدا‪ .‬ميكن للتكنولوجيا أو ملجموعة من التقنيات‬
‫أن تسبب قطيعة مع فن الحرب مثلام يحدث عندما يكون الشخص يف موقع‬
‫القوة‪ ،‬األمر الذي يؤدي إىل زيادة احتامل نشوب رصاع (عىل سبيل املثال‪ ،‬األنظمة‬
‫الدفاعية املضادة للصواريخ خالل الحرب الباردة)‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬يبدو من النادر أن تكون هذه املشاكل بصفاتها العدوانية ذات جدوى‪.‬‬
‫فالثورات يف مجال الشؤون العسكرية «‪( »RAM‬غري الثورات العسكرية)(‪ )29‬قد يكون‬
‫لها يف بعض األحيان ُبعد تكنولوجي‪ .‬هذا هو الوضع يف أثناء الحرب الخاطفة عندما‬
‫اشرتكت الدبابة والطائرة والثورات يف مجال الشؤون العسكرية يف أواخر القرن‬
‫العرشين مع عمليات التحول املعياري التي تتابعت فيام بعد‪ .‬وألنهم يعملون عىل‬
‫زيادة حدة الفوارق التكنولوجية بني الدول «الغربية» والدول «األخرى»‪ ،‬فإنهم‬
‫عىل الرغم من ذلك ال يعملون عىل تغذية التوترات الدولية‪ .‬يف الواقع لن ميكننا‬
‫استخالص العوامل التكنولوجية من املعادلة االسرتاتيجية إال إذا أخذنا بعني االعتبار‬
‫األداء النظري ألنظمة األسلحة كأحد عوامل القوة‪ .‬وباإلضافة إىل االكتساب الفعيل‬
‫للقوة الحقيقية‪ ،‬التي سبق ذكرها‪ ،‬فإن الفوارق التكنولوجية التي ُتالحظ يف الوقت‬
‫‪201‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫الراهن ال تؤدي إىل انهيار تام لتوازن القوى بسبب دورها االسرتاتيجي‪ ،‬إذ إن السعي‬
‫وراء التفوق التكنولوجي يعادل تقليص حجم هذه القوة‪.‬‬
‫هذه الرؤية التي تأسست عىل أساس مذهبي يف العام ‪ ،1977‬تحت اسم اسرتاتيجية‬
‫التعويض عن طريق وكالة مشاريع البحوث الدفاعية املتطورة (‪ ،)DARPA‬تشكل‬
‫إطارا السرتاتيجية الوسائل األمريكية‪ ،‬من خالل تأثري املعايري‪ ،‬ولقوات حلف شامل‬
‫األطليس‪ .‬غري أن هذه املامرسة أصبحت محل شك عىل نطاق كبري يف العام ‪ ،2010‬إذ‬
‫ال ميكن للجودة «التكنولوجية» أن تكون يف مقابل الجانب الكمي خصوصا يف حالة‬
‫الحروب غري النظامية‪ .‬من هذا املنظور ال ميكن إجراء مقارنة بني الجودة والكمية‪ ،‬مبا‬
‫أن «الكمية تعترب جودة يف حد ذاتها» كام قال ستالني ‪ ،Staline‬أما القضية األساسية‪،‬‬
‫فتتعلق بشكل خاص «بالتكنولوجيا العادلة» كام يقول ديبورت‪.‬‬

‫اسرتاتيجية الوسائل‬
‫ومعاهدات نزع السالح‪ /‬ومراقبة األسلحة‬
‫من الرضوري أيضا مراعاة القدرات العسكرية التي تعترب مبنزلة الرهانات‬
‫السياسية والديبلوماسية‪ ،‬كام ميكن أن تعترب مبنزلة وسائل للمناورة االسرتاتيجية‬
‫من خالل اتفاقيات نزع السالح (أي القضاء التام عىل نوع أو فئة من األسلحة)‬
‫أو التحكم يف األسلحة (من خالل وضع تنظيم لها)‪ .‬وهكذا تسمح عملية نزع‬
‫األسلحة ومراقبتها بتقديم تعهدات نوايا حسنة حتى لو كان موضوع املعاهدات‬
‫غري ذي أهمية اسرتاتيجية (كحالة معاهدة الفضاء الخارجي للغالف الجوي للعام‬
‫‪ 1967‬التي متنع انتشار األسلحة النووية عىل األجرام الساموية)‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن‬
‫معظم معاهدات نزع السالح تتعلق مبعدات تعترب عدمية الجدوى من الناحية‬
‫العسكرية أو تؤدي إىل زعزعة االستقرار‪ .‬وعندما تظل أهميتها صالحة لدولة ما‪ ،‬فإن‬
‫هذه الدولة متيل إىل االحتفاظ بها مع املخاطرة بتعرضها لالنتقاد من جانب الدول‬
‫املوقعة عىل املعاهدات (كحالة الذخائر العنقودية خصوصا تلك التي تحتفظ بها‬
‫الواليات املتحدة األمريكية أو روسيا أو الصني أو الكوريتان)‪.‬‬
‫ومع ذلك ميكن للمعاهدة أيضا أن تكون لها وظيفة اسرتاتيجية دفاعية‬
‫أو هجومية‪ .‬وكمثال عىل الحالة األوىل‪ ،‬فقد فرضت معاهدة القوى النووية‬
‫‪202‬‬
‫حتليل القدرة والتسليح‪...‬‬

‫متوسطة املدى (‪ )INF‬للعام ‪ 1988‬تدمري صواريخ (‪ )SS-20‬السوفييتية وهو‬


‫الهدف الذي كانت تسعى إليه واشنطن‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ولتحقيق ذلك‪ ،‬اضطرت‬
‫الواليات املتحدة األمريكية إىل نرش صواريخها الخاصة (بريشينغ ‪ 2‬وصواريخ‬
‫كروز التي تطلق من األرض)‪ ،‬والتي أصبحت تستخدم باعتبارها أغراضا‬
‫للمساومة عىل أن ُتدمر فيام بعد‪.‬‬
‫كذلك من املمكن تفسري معاهدة األسلحة الكيميائية للعام ‪ 1993‬عىل النحو‬
‫الذي مينع بعض الدول من امتالك قدرة تتحدى الفعالية العسكرية للقوات الغربية‪.‬‬
‫وكمثال عىل الحالة الثانية‪ ،‬االسرتاتيجية الهجومية‪ ،‬فيمكن للمعاهدة أن تعزز‬
‫موقف القوة من خالل املواجهة الرمزية‪ .‬فعند إبرام املعاهدة الخاصة مبفاوضات‬
‫الحد من األسلحة االسرتاتيجية (‪ )SALT I‬مع االتحاد السوفييتي يف العام ‪،1972‬‬
‫كانت الواليات املتحدة األمريكية ترغب يف وضع حد لعدد الصواريخ ‪ -‬وليس‬
‫لعدد الرؤوس النووية ‪ -‬مع العلم أن الواليات املتحدة األمريكية تتمتع مبستوى‬
‫تكنولوجي فائق يخص استحواذها عىل عديد من القذائف الصاروخية واالستفادة‬
‫منها مبارشة‪ ،‬األمر الذي جعل االتحاد السوفييتي مضطرا إىل االستثامر يف جيل‬
‫جديد من الصواريخ والقذائف لتعويض مشكلة التهديد األمني‪.‬‬
‫وبشكل عام تعد املعاهدة هي مثرة عملية التفاوض التي تعمل عىل بلورة‬
‫موازين القوى‪ .‬فمعاهدة نزع السالح التي أبرمت يف واشنطن يف العام ‪ 1922‬تسمح‬
‫للمنترصين يف الحرب العاملية األوىل بالحفاظ عىل موازين القوى لديهم‪ ،‬عىل الرغم‬
‫من وضع حد الستثامراتهم يف القطاع البحري املرتفعة التكلفة ملدة عرش سنوات‪،‬‬
‫فإن هذه املعاهدة تؤيد بشكل غري مبارش االستثامرات يف القطاعني الجوي والربي‪،‬‬
‫وتدعو إىل إدخال االبتكارات يف القطاع البحري‪ .‬يف حني تنص معاهدة حظر انتشار‬
‫األسلحة النووية «‪ »TNP‬يف العام ‪ 1968‬عىل منح خمس دول إمكانية التزود‬
‫باألسلحة النووية‪ .‬باملثل‪ ،‬فإن املعاهدة التي تخص القوات التقليدية يف أوروبا‬
‫(‪ )FCE‬تنص عىل تقليص حجم قوات الناتو واألعضاء السابقني يف حلف وارسو‪،‬‬
‫األمر الذي يشكل انعكاسا لسياسة وقانونية نهاية الحرب الباردة‪ ،‬ويسمح أيضا‬
‫للموقعني عىل هذه املعاهدة بتخفيض نفقات الدفاع الخاصة بهم والعمل عىل‬
‫تحديث قواتهم‪ .‬غري أنه يف الحاالت الثالث التي سبق ذكرها‪ ،‬يكون لصيغة القانون‬
‫‪203‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫الدويل الخاص مبعاهد نزع السالح والتحكم يف األسلحة طابع هش‪ .‬فقد انسحبت‬
‫اليابان من معاهدة واشنطن‪ ،‬كام انسحبت إيران من معاهدة حظر االنتشار‬
‫األسلحة النووية‪ .‬ويف العام ‪ 1991‬حولت روسيا طائراتها الحربية التابعة لقواتها‬
‫الجوية‪ ،‬كام أنها عمدت إىل زيادة عدد طائراتها إىل الحدود القصوى التي نصت‬
‫عليها معاهدة القوات التقليدية يف أوروبا‪ ،‬إىل سالحها الجوي البحري وذلك قبل‬
‫تعليق مشاركتها يف املعاهدة يف العام ‪.2007‬‬

‫الخامتة‬
‫غالبا ما ينظر إىل التسليح عىل أنه عالمة عىل القوة العسكرية – األمر الذي‬
‫يسمح بقياسه بدقة وسهولة ‪ -‬لكن هذا التصور خاطئ ألنه يختلف عن القدرات‬
‫العسكرية التي يصعب تقييمها‪ .‬فإذا كان التسليح يعترب هو الرهان يف عالقات‬
‫القوة‪ ،‬وهو ما ميكن أن يفهم عن طريق مركزية التسليح يف نظريات التهديد األمني‬
‫والعقيدة الهجومية ومعاهدات نزع السالح والتحكم يف األسلحة‪ ،‬فإن معالجة هذه‬
‫القضية من خالل األدبيات األكادميية التزال ضيقة األفق‪.‬‬
‫ويف الوقت الراهن مثة عدد كبري من األدبيات التي تتناول قضية الثورات يف‬
‫مجال الشؤون العسكرية (‪ )RAM‬وقضية التحول تفتقد أن يكون مركز اهتاممها‬
‫التجهيزات التي تستند إليها ‪ -‬الطائرات من دون طيار وأنظمة إصابة الهدف بدقة‬
‫وأنظمة الشبكة املركزية – نظرا إىل خطر إعادة إنتاجها الرؤية التكنولوجية الحتمية‬
‫التي أثبت التاريخ بطالنها‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫مستويات احلرب‪...‬‬

‫‪12‬‬

‫مستويات احلرب‬
‫مفهــوم احلرب علــى الطريقة‬
‫األمريكية‬

‫بنواست بيهان‬
‫‪Benoist Bihan‬‬

‫لقد غدت الحرب ظاهرة شاملة‪ :‬إذ‬


‫إنها تتبنى كل مجاالت النشاط اإلنساين‪.‬‬
‫ولهذا السبب كثريا ما شكلت الحرب منذ‬
‫زمن طويل منوذجا ألحد أهم املوضوعات‬
‫الرئيسية يف نظرية الحرب‪ ،‬بحيث يعكس كل‬ ‫«عرش سنوات تفصل حرب الخليج عن‬
‫بداية «الحرب الطويلة» ضد اإلرهاب‬
‫منوذج مبفرده‪ ،‬إذا سمحنا ألنفسنا باستخدام‬ ‫بعد هجامت ‪ 11‬سبتمرب ‪ ،2001‬ومن‬
‫ثم محاولة إضفاء الطابع املؤسيس‬
‫الكلمة األملانية املستحدثة‪ ،‬مفهوم الحرب‬ ‫الحقيقي عىل فكرة بنية مستويات‬
‫الحرب‪ ،‬عىل الرغم من أن الجدولة‬
‫)‪ )1((Kriegsanschauung‬عند املفكر أو‬ ‫الدقيقة لهذه املستويات التزال‬
‫املؤسسة العسكرية التي تستخدم هذا املفهوم‬ ‫مستمرة يف التغيري‪ ،‬وتختلف وفقا‬
‫للمؤلفني والبالد واألزمنة»‬
‫وبالتايل عند البلد األصيل‪.‬‬
‫‪205‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫أحد هذه النامذج ينظم الحرب إىل «مستويات» تتوافق مع املستويات املتزايدة‬
‫من مسؤولية اتخاذ القرار وأيضا تتوافق مع مستويات جغرافية ومفاهيمية مختلفة‪.‬‬
‫وألن هذا النموذج هو األكرث انتشارا اليوم‪ ،‬فإن هذه االختالفات يف «مستويات‬
‫الحرب» (‪ )levels of war‬تعد يف الواقع أمرا حديثا جدا‪ :‬إذ إنه مع صدور الطبعة‬
‫األوىل يف العام ‪ 1982‬من الدليل امليداين ذي الرقم ‪ 5 100-‬بعنوان عمليات الجيش‬
‫األمرييك(‪ ،)2‬فقد ُطرحت فكرة «املستويات اإلجرائية للحرب» (‪operational level‬‬
‫‪ )of war‬باعتبارها إطارا للتجديد العقائدي للجيش األمرييك بعد انتهاء حرب‬
‫فيتنام (‪ )1975-1964‬وتطوير عقيدة الحرب األمريكية التي متزج بني القوات‬
‫الجوية والقوات الربية (‪.)AirLand Battle‬‬
‫إن املقصود من مستويات الحرب يدل عىل مفهوم الحرب‬
‫(‪ )Kriegsanschauung‬تحديدا‪ :‬يأيت يف املقام األول مفهوم الحرب لدى الجيش‬
‫األمرييك والقوات الجوية األمريكية‪ ،‬ثم بدرجة أقل سالح البحرية (سالح البحرية‬
‫األمرييك وسالح مشاة البحرية األمريكية)‪ ،‬ثم يأيت بعد ذلك أيضا وعىل نطاق‬
‫أوسع املجتمع ككل والدولة األمريكية املعارصة‪.‬‬
‫إن االنتشار الرسيع ملفهوم مستويات الحرب لدى الدول األعضاء لحلف الناتو‬
‫خصوصا بعد حرب الخليج (‪ )1991-1990‬فرض النموذج العسكري األمرييك‬
‫عىل حلفاء واشنطن األوروبيني‪ ،‬وكذلك‪ ،‬وعىل نطاق أوسع‪ ،‬عىل كل الحلفاء أو‬
‫الرشكاء العسكريني املعلومني للواليات املتحدة الذين تأثروا بالنموذج العقائدي‬
‫والتكنولوجي للثورات يف مجال الشؤون العسكرية(‪ )3‬والذين جعلوا منه يف الوقت‬
‫الراهن النموذج املهيمن عىل النمذجة العقائدية للحرب‪ .‬لقد أصبحت الفكرة‬
‫التي مفادها أن الحرب ميكن أن تنتظم يف عدة مستويات مقبولة بشكل كبري يف‬
‫الوقت الراهن‪ ،‬وتوجد عىل سبيل املثال يف العقيدة الفرنسية(‪ ،)4‬وبشكل متزايد‬
‫أيضا‪ ،‬يف املنشورات األكادميية‪ .‬وبالتايل فإن الذين ميارسون الدراسات الحربية‬
‫أو الدراسات االسرتاتيجية يعتمدون كثريا عىل مفهوم «مستويات الحرب»‬
‫يف أعاملهم‪ ،‬وهي الظاهرة التي يربزها التداخل املتنامي للعوامل العسكرية‬
‫واألكادميية‪ .‬وميكننا بالتايل أن نجد بعض اإلشارات العابرة يف الدراسات التي‬
‫تتعرض للحرب أو للحمالت العسكرية أو لذلك املفهوم(‪.)5‬‬
‫‪206‬‬
‫مستويات احلرب‪...‬‬

‫غري أن فكرة تقسيم الحرب إىل مستويات مل ُتفرض بشكل كامل‪ .‬إذ ال ميكن‬
‫طرح هذه القضية من دون أن يسبب ذلك مشكلة سواء تعلق األمر بنظرية الحرب‬
‫أو بإدارة دفة املعركة عمليا وأيضا عند الوصول إىل مرحلة التطبيق‪ ،‬كدليل من‬
‫دون حاجة إىل تربير‪ ،‬يف حاالت معينة حيث ال ميكن للمشاركني فيها أن يستدلوا‬
‫عقليا عىل هذا األساس‪ .‬وبالتايل فإن مفهوم الحرب (‪ )Kriegsanschauung‬املرتبط‬
‫مبستويات الحرب قد أثار ردود فعل ناقدة سواء يف املحيط العسكري أو األكادميي‪،‬‬
‫ولكن التزال هذه الردود حتى اآلن عىل هامش الكيانات املهتمة بالتفكري العقائدي‬
‫والتي عمدت إىل وضع منهج لتنظيم هذا التقسيم إىل مستويات وهو ما أدى‬
‫إىل انتقادات متزايدة بشكل كبري ألنظمة البنية التحتية التكنولوجية العسكرية‬
‫(‪ - )C4ISR‬التي يعتقد أن تصميمها الفني قد ُفكر فيه مبا يتفق مع «مستويات‬
‫الحرب» عىل الرغم من أن التفعيل املادي لهذه البنية قد أثر يف هذه املستويات‪-‬‬
‫األمر الذي يجعل من الصعب التشكيك فيها‪ .‬إن ما تحدث عنه جوستان كييل‬
‫‪ Justin Kelly‬ومايكل برينان ‪ Michael Brennan‬يف العام ‪ 2009‬باسم »‪hérésie‬‬
‫»‪ )6(de Leavenworth‬اليزال له تأثري يف نظرية ودراسة الحرب وأيضا يف إدارة دفة‬
‫الحرب وتصميم أنظمة القوات نفسها‪ ،‬لذلك فإن دراسة نقدية ملفهوم «مستويات‬
‫الحرب» تبدو ال غنى عنها يف الدراسات االسرتاتيجية‪.‬‬

‫الجيش األمرييك و«املستوى اإلجرايئ»‬


‫«ميالد املستويات الحربية»‬
‫لقد ظهرت فكرة مستويات الحرب‪ ،‬كام رأينا‪ ،‬ألول مرة يف طبعة ‪ 1982‬من‬
‫الدليل امليداين ‪ 5-100‬لعمليات الجيش األمرييك‪.‬‬
‫يعود هذا الدليل‪ ،‬يف طبعته األوىل التي صدرت يف شكل «لوائح للخدمة امليدانية»‪،‬‬
‫إىل العام ‪ ،)7(1941‬ويعترب إحدى الوثائق الرئيسية للعقيدة العسكرية األمريكية بسبب‬
‫الدور الذي ميثله الثقل املؤسيس للجيش منذ الحرب العاملية الثانية يف داخل القوات‬
‫املسلحة األمريكية‪ ،‬التي تعد من الناحية العددية األهم واألكرث تأثريا‪ ،‬وتعد من الناحية‬
‫العقائدية األكرث تأثريا أيضا داخل هيئات الجيش املشرتكة(‪ .)8‬كذلك فإن املفاهيم التي‬
‫يحتويها هذا الدليل لها تأثري يتجاوز يف العادة نطاق الجيش األوحد‪.‬‬
‫‪207‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫هذه هي الحال بالنسبة إىل مستويات الحرب التي ِصيغت يف الدليل امليداين‬
‫‪ 5-100‬من العام ‪ 1982‬يف الفصل الثاين املخصص «ألساسيات القتال»‪:‬‬
‫تعد الحرب مؤسسة وطنية يجب العمل عىل تنسيقها من أعىل مستويات‬
‫التصميم السيايس حتى املستويات األساسية للتنفيذ‪ .‬أما عن املستويات االسرتاتيجية‬
‫واإلجرائية والتكتيكية فتتعلق بالتقسيامت العامة للنشاط الخاص باإلعداد وإدارة‬
‫دفة الحرب(‪.)9‬‬
‫تشري الصيغة األوىل املكونة من ثالثة مستويات إىل أن هذه املستويات تعرب قبل‬
‫كل يشء عن مستويات القيادة‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن وصف كل من هذه املستويات يف بقية النص يجعل منها فضاءات‬
‫مفاهيمية ذات طبيعة مختلفة – ال تدل بالرضورة عىل أنها مستويات املسؤولية‬
‫‪ -‬ألنها تعمل عىل وضع املناهج املختلفة موضع التنفيذ‪ .‬أما عن الفقرة املخصصة‬
‫«للمستوى االسرتاتيجي»‪ ،‬فهي يف الواقع تعريف لالسرتاتيجية العسكرية‪ .‬والفقرة‬
‫املخصصة «للمستوى التكتييك» تقدم تعريفا للتكتيك‪ .‬يف الواقع‪ ،‬فإن املستوى‬
‫الوحيد الذي ُحدّد وعُ ّرف بوضوح هو «املستوى اإلجرايئ للحرب»‪ ،‬الذي يعني‬
‫االبتكار املفاهيمي الرئييس يف الدليل امليداين ‪ 5-FM-100‬للعام ‪ 1982‬والذي ال‬
‫ميكن فصل أسلوبه عن مفهوم مستوى الحرب‪ .‬يعمل املستوى اإلجرايئ بالفعل عىل‬
‫تحديد مفهوم مستوى الحرب الذي يؤسس لفكرة مفادها منذجة مستويات الحرب‪.‬‬
‫بيد أن الصيغة غري واضحة املعامل متاما‪:‬‬
‫يستخدم املستوى اإلجرايئ للحرب املوارد العسكرية املتاحة للوصول إىل‬
‫األهداف االسرتاتيجية داخل مرسح الحرب‪ .‬بكل بساطة‪ ،‬يتعلق األمر بنظرية‬
‫العمليات للوحدات الكبرية‪ ،‬أي كل ما له عالقة بالتخطيط وإدارة دفة الحمالت‬
‫العسكرية‪ .‬تعترب هذه األخرية عمليات موسعة تهدف إىل إلحاق الهزمية‬
‫بقوة العدو يف مكان وزمان محددين من خالل املعارك املتزامنة واملتسلسلة‬
‫[‪«:NdA‬املتعاقبة»]‪ .‬إن استعداد القوات واختيار األهداف واألفعال التي ُتتخذ‬
‫إلضعاف العدو أو للسيطرة عليه عن طريق املناورة‪ ،‬تحدد جميع رشوط املعركة‬
‫املقبلة وتعمل عىل استغالل املكاسب التكتيكية‪ .‬إذن تعترب كل هذه اإلجراءات‬
‫من ضمن املستوى اإلجرايئ للحرب(‪.)10‬‬
‫‪208‬‬
‫مستويات احلرب‪...‬‬

‫وبالتايل‪ ،‬فإن هذا االستشهاد السابق يطرح يف الوقت نفسه قضية املستوى‬
‫اإلجرايئ‪ ،‬ومن خالله ‪ -‬بقدر ما يكون تعريف هذا املستوى واضحا بقدر ما‬
‫تكون املستويات األخرى بطريقة تزامنية مستويات للقيادة أيضا – سواء تعلق‬
‫األمر مبستويات املسؤولية أو املستويات املفهومية‪ ،‬األمر الذي يتيح الربط بني‬
‫مستويات الحرب ومنطقة جغرافية محددة (نحن نتحدث يف هذه الحالة عن‬
‫مرسح العمليات)‪.‬‬
‫هذا الغموض الذي يتعلق مبستوى املسؤولية ومستوى املفهومية متكن‬
‫قراءته عند استعراض الدليل امليداين حيث يتحقق تأكيد أنه «ال ميكن الفصل‬
‫بوضوح بني املستويات اإلجرائية والتكتيكية عند الحديث عن الفيلق العسكري‬
‫والفرقة العسكرية»(‪.)11‬‬
‫لقد قدم الكتّاب الذين صاغوا هذا الدليل امليداين ‪ 5-FM 100‬يف العام‬
‫‪ 1982‬خليطا من عدة مفاهيم مختلف فيها إىل اآلن‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬تظهر مستويات‬
‫الحرب عىل أنها مجموعة من الفرق القدمية ما بني «تنظيم إقليمي» (و«تنظيم‬
‫القوات» أو تنظيم إجرايئ وتنظيم ميداين ثم قوات الجيش عىل التوايل يف طبعات‬
‫‪ 1949-1941‬و‪ 1954‬و‪ 1962‬و‪ 1968‬من الدليل امليداين ‪ .)2 5-FM 100‬التنظيم‬
‫األول مييز مرسح الحرب عن مثيله مرسح العمليات ويشدد عىل مفهوم التنظيم‬
‫الجغرايف ملرسح العمليات يف منطقة القتال ومنطقة االتصال ومنطقة الحرب‬
‫غري املدرجة يف مرسح العمليات (حتى العام ‪ 1954‬ال تذكر اإلصدارات الالحقة‬
‫إال املرسح أو املنطقة ‪ -‬ومنطقة العمليات)‪ .‬والتنظيم الثاين يتحدث بالتفصيل‬
‫ويف الوقت نفسه عن التنظيم املؤسيس والتنظيم اإلجرايئ للجيش‪ :‬من حيث‬
‫العدد ومسؤوليات كل مستوى من مستويات القيادة ومجموعة الجيوش داخل‬
‫املعسكرات الحربية‪ .‬بالحديث عن هذين املفهومني ‪ -‬أو عن هذه املفاهيم الثالثة‬
‫إذا الحظنا أن التنظيم املؤسيس واإلداري يختلف عن تنظيم القوات املنترشة عىل‬
‫مرسح العمليات – نجد أنهام يتحدان يف فكرة يفهم منها التقسيم إىل «مستويات»‪،‬‬
‫غري أن بعض هذه املستويات تقع عند مستوى محدد‪ ،‬وبالنظر إىل الدليل امليداين‬
‫‪ 5-FM 100‬للعام ‪ ،1982‬فإن الفيلق العسكري والفرقة العسكرية يتداخالن أيضا‬
‫مع املستوى التكتييك اإلجرايئ‪ .‬خصوصا أن الدليل امليداين ‪ 5-FM 100‬يخلط بني‬
‫‪209‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫هذه االعتبارات التنظيمية وإدخال مفهوم الفن العسكري من ناحية‪ ،‬أي الحقل‬
‫املنهجي املتميز واملتوسط‪ ،‬وبني االسرتاتيجية والتكتيك من ناحية أخرى‪.‬‬
‫علام بأن التكتيك يعترب أيضا مزيجا بني املفهوم السوفييتي للمنهج الخاص‬
‫بالفن العسكري «والفن اإلجرايئ» (‪ )operativnoe iskusstvo‬وبني فكرة قدمية‬
‫جدا مستوحاة من الجانب األملاين ومفادها أن العمليات تشكل مجاال متميزا‬
‫للنشاط العسكري‪ ،‬األمر الذي يربهن أيضا عىل وجود دليل متخصص يف العمليات‪.‬‬
‫تعترب هذه النقطة األخرية مركزية للغاية‪ :‬إذ إن الغاية من إدخال املستوى‬
‫اإلجرايئ‪ ،‬ومن خالله‪ ،‬تطوير األمنوذج الخاص بالحرب يعترب عىل أساس مشاركته‬
‫املستويات املفهومية والجغرافية التي تتوافق مع مستويات املسؤولية املتميزة‬
‫وأيضا املستقلة بشكل ضمني مبستوياتها – أي أنها متميزة من الناحية املفهومية –‬
‫األمر الذي يعمل عىل فرض المركزية القيادة وأيضا العمل عىل الفصل الرصيح‪ ،‬كام‬
‫هو معلوم يف الفكر العسكري األمرييك‪ ،‬بني السلوك السيايس والسلوك العسكري‬
‫للحرب‪ .‬وهكذا فإن فكرة املشاركة يف «املستويات» تجعل من املمكن إعادة صياغة‬
‫القواعد املفهومية وفقا ملا هو مؤكد عىل النحو التايل‪ :‬تختلف السياسة واالسرتاتيجية‬
‫بشكل جذري وجوهري‪ .‬تبدأ االسرتاتيجية من حيث تنتهي السياسة‪ .‬فكل ما يطلبه‬
‫الجنود هو أنه مبجرد أن تتوقف السياسة‪ ،‬ميكن أن ينظر إىل االسرتاتيجية والقيادة‬
‫العسكرية عىل أنهام تنتميان إىل مجال متميز عن السياسة(‪.)12‬‬
‫وهكذا ميكن اعتبار اخرتاع مفهوم مستويات الحرب مبنزلة ميالد جديد‬
‫لنهج هنتنغتون ‪ Huntington‬الذي استُخدم يف الجيش األمرييك قبل الحرب‬
‫العاملية الثانية‪ ،‬والحقا عُ زز هذا النهج بفكرة تقسيم املسؤوليات‪ ،‬كام ُق ّسمت‬
‫جميع «األنشطة الخاصة بإعداد وإدارة دفة الحرب» عىل كل القواعد الجغرافية‬
‫والتنظيمية واملفهومية‪.‬‬
‫(‪)13‬‬
‫قد يتعلق األمر أيضا بتعميق اإلحساس باملعنى الذي يريده الجيش الربويس‬
‫ويتفق مع اإلحساس بالتفوق الذي ميارسه الجيش األملاين عىل عديد من أفراد‬
‫الجيشني األمرييك والربيطاين منذ العام ‪ - )14(1940‬وكذلك منذ بداية الحرب الباردة‬
‫عندما فرض أعضاء القوات املسلحة املوحدة ألملانيا (‪ )Wehrmacht‬السابقون‬
‫أنفسهم «باعتبارهم خرباء» يف أثناء الحرب ضد السوفييت‪ ،‬عىل الرغم من هزميتهم‬
‫‪210‬‬
‫مستويات احلرب‪...‬‬

‫العسكرية الكاملة يف العام ‪ .1945‬يعمل عىل زيادة هذا الشغف بالجيش «الربويس»‬
‫العالقات الوثيقة بني الجيش األمرييك والجيش األملاين‪ ،‬وأيضا العالقة بني الواليات‬
‫املتحدة األمريكية وأملانيا واململكة املتحدة(‪ )15‬داخل حلف الناتو‪ ،‬علام أن هذا‬
‫الشغف يقويه عامل أساس آخر‪ :‬احرتافية القوات املسلحة األمريكية عىل الرغم‬
‫من تعليق العمل بالتجنيد اإلجباري يف العام ‪ 1973‬وإعادة تنظيم منظمة عمليات‬
‫القوات املشرتكة األمريكية يف العام ‪ 1986‬من خالل قانون جولدووتر – نيكولز‬
‫‪ .)16(Goldwater-Nichols‬إن التقارب بني هذه العوامل يوضح إمكانية مستويات‬
‫الحرب يف التغلب عىل إعادة الصياغة يف الدليل امليداين ‪ 5-FM 100‬يف طبعة العام‬
‫‪ ،1986‬وأيضا يف القسم الذي يتعلق بهذه املستويات يف طبعة العام ‪ ،1982‬حيث‬
‫ُأعيدت التسمية «ببنية الحرب الحديثة»(‪ ،)17‬األمر الذي أدى إىل إعادة تعريف‬
‫املستوى اإلجرايئ للحرب ليصبح «الفن اإلجرايئ»‪،‬‬
‫وذلك عىل ما يبدو لغرض التخيل عن فكرة املستويات والعودة إىل مفهوم‬
‫مناهج الحقول املتميزة داخل الفن العسكري استنادا إىل النموذج السوفييتي‪.‬‬

‫مزيج من املستويات املتغرية‬


‫تناول الجيش األمرييك يف العام ‪ 1993‬يف النسخة املكررة الجديدة من الدليل‬
‫امليداين ‪ 1 5-FM 100‬تنظيم مستويات الحرب‪ .‬حيث أصبح تأثري جولدووتر ‪-‬‬
‫نيكولز ‪« Goldwater-Nichols‬وعقيدة» واينربغر وباول ‪Weinberger-Powell‬‬
‫عن التنظيم السيايس والعسكري للقيادة(‪ )18‬وظهور عقيدة متكاملة للقوات‬
‫املشرتكة (ملحقة مبفردات العسكرية األمريكية) وكذلك الرغبة يف توفري إطار‬
‫عقائدي مشرتك ضمن سياق تريده واشنطن لدراسة النزاعات املستقبلية عىل‬
‫غرار منوذج حرب الخليج‪ ،‬مقرتنا بالدخول يف تحالف دويل يتعامل مع التطورات‬
‫العقائدية التي ُتح ّدث بشكل متزايد نتيجة للثقل التكنولوجي(‪ )19‬خصوصا يف ظل‬
‫الحاجة إىل وضع بنية تحتية متكاملة للقيادة والتحكم لفرض منذجة الحرب إىل‬
‫مستويات يف صورتها النهائية‪.‬‬
‫يبدو أن منذجة الحرب إىل مستويات متخصصة يف النهج البريوقراطي للحرب‪،‬‬
‫حيث ُيتناول البحث عن تقاسم واضح بني صناعة القرار واالستقالل العسكري‬
‫‪211‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫يتعلق بالسياسة‪ ،‬أصبحت رضورية من أجل تطبيق «مستويات الحرب ليس فقط‬
‫عىل العمليات القتالية امليدانية ولكن أيضا عىل عمليات أخرى غري الحرب»(‪.)20‬‬
‫وهكذا ميكن وضع تصور لتنظيم املستويات بحيث تتوافق مع كل منها مستوى‬
‫أو عدة مستويات للقيادة وللمنطقة أو لنطاق جغرايف‪ .‬أما عن املناهج التي تتعلق‬
‫باالسرتاتيجية والفن اإلجرايئ والتكتيك فالتزال مستمرة‪ ،‬نظريا‪ ،‬يف خلق حدود‬
‫فاصلة بني املستويات التي ميكن أن ُتارس من الناحية العملية عىل شكل أجزاء‬
‫متغرية وفق كل مستوى؛ بحيث تنشأ «توليفات» حقيقية‪ ،‬بشكل متدرج‪ ،‬وذلك‬
‫من أجل توضيح مسؤوليات ومكونات طريقة تنفيذ فن الحرب‪ ،‬مع العمل عىل‬
‫وضع فواصل بني إعداد وإدارة دفة الحرب بالتزامن مع رفض املستوى السيايس‬
‫واالسرتاتيجي البعيد كل البعد عن النشاط العسكري الفعيل‪.‬‬
‫وقد م ّيز ميالن فيغو بني ما ال يقل عن سبعة مستويات للحرب‪ :‬االسرتاتيجية‬
‫الوطنية (الحكومة ومجلسها العسكري أو يف النظام األمرييك هيئة األركان‬
‫املشرتكة)‪ ،‬والعسكرية االسرتاتيجية (هيئة األركان املشرتكة باملعنى الدقيق للكلمة‪،‬‬
‫أو لنقل املكون العسكري للبنتاغون)‪ ،‬واملرسح االسرتاتيجي (يف النظام األمرييك‬
‫مستوى القيادة اإلقليمية أو الفنية – قيادات قتالية ‪ -‬والقوات املشرتكة التي‬
‫ُأنشئت بقانون غولدووتر ‪ -‬نيكولز)‪ ،‬والعمليات االسرتاتيجية (قيادة القوات الربية‬
‫والجوية والبحرية والعمليات الخاصة التابعة للقيادات القتالية)‪ ،‬والعمليات‬
‫(مجموعات القوات املنترشة عىل مستوى الجيش واألسطول أو القوة الجوية)‪،‬‬
‫والعمليات التكتيكية (الفيالق والفرق العسكرية وفرق املهامت الجوية البحرية)‪،‬‬
‫وأخريا التكتيك (وحدات قتالية مناسبة)(‪ .)21‬وهكذا يعرب كل مستوى حريب‪ ،‬يف واقع‬
‫األمر‪ ،‬عن مستوى معني أو طبقة من مستويات القيادة بعينها بحيث تتوافق‪ ،‬كل‬
‫منها‪ ،‬مع مستوى موضوعي محدد‪ .‬هناك من املؤلفني من مييز‪ ،‬ما هو أبعد من‬
‫(‪)22‬‬
‫املستوى الوطني واالسرتاتيجي‪ ،‬عند حديثه عن املستوى «االسرتاتيجي الكبري»‬
‫الذي مل يعد فقط مجرد مستوى للحرب ولكنه يدل عىل املستوى املتكامل‪ ،‬مبا‬
‫يف ذلك وقت السلم وجميع أنشطة الدولة يف املجاالت الديبلوماسية واالقتصادية‬
‫والعسكرية‪ ،‬وأيضا وفقا للحاالت الثقافية أو حتى االجتامعية‪ :‬علينا إذن أن نرتك‬
‫إدارة دفة الحرب من أجل االنغامس يف مامرسة السلطة‪ .‬إن الخطورة يف تراكم‬
‫‪212‬‬
‫مستويات احلرب‪...‬‬

‫هذه املستويات تكمن يف الدفع نحو مزيد من تأجيج إدارة دفة الحرب بعيدا عن‬
‫السياسة التي تعمل عىل احتواء األهداف بشكل محدد‪.‬‬

‫االنتشار وإضفاء الطابع املؤسيس عىل مستويات الحرب‬


‫لن متنع هذه الخطورة مستويات الحرب من أن تصبح الداعم املؤسس للتفكري‬
‫العسكري؛ ليس فقط يف الواليات املتحدة األمريكية ولكن لكثري من الجيوش التي‬
‫استعارت مفاهيم العقيدة األمريكية‪ ،‬اعتبارا من العام ‪ .1990‬ولن يحول هذا األمر‪،‬‬
‫املريح بالنسبة إىل غري املتخصصني‪ ،‬دون استعانة الباحثني والدارسني‪ ،‬من قريب أو‬
‫بعيد‪ ،‬بالحدث العسكري‪ ،‬وبتبني هذه النمذجة بشكل عفوي مقارنة مبا يجعل‬
‫من تبني أعداد متزايدة من الجيوش لهذه النمذجة التنظيم الطبيعي للحرب‪.‬‬
‫عرش سنوات تفصل حرب الخليج عن بداية «الحرب الطويلة» ضد اإلرهاب بعد‬
‫هجامت ‪ 11‬سبتمرب ‪ ،2001‬وبالتايل محاولة إضفاء الطابع املؤسيس الحقيقي عىل‬
‫فكرة بنية مستويات الحرب‪ ،‬عىل الرغم من أن الجدولة الدقيقة لهذه املستويات‬
‫التزال مستمرة يف التغيري‪ ،‬وتختلف وفق املؤلفني والبالد واألزمنة‪.‬‬
‫ينتظم هذا االنتشار يف مسارين‪ :‬األول داخيل ويخص القوات املسلحة ويقصد‬
‫به التوافق اإلجرايئ العقائدي مع ما يقرتن بذلك من تطبيق املعايري التكنولوجية‪.‬‬
‫إن تبني أسلوب معني ألنظمة القيادة والتحكم‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬غالبا ما‬
‫يعني ضمنيا تبني عقيدة الدولة التي تعمد إىل تطوير النظام الخاص بها‪ .‬ونتيجة‬
‫لذلك‪ ،‬فإن تشديد الواليات املتحدة بعد العام ‪ 1991‬عىل زيادة التوافق اإلجرايئ‬
‫املتبادل بني القوات املسلحة للدول رشكاء واشنطن والقوات األمريكية املعنية بذلك‬
‫فقط‪ ،‬األمر الذي يسمح باعتامد املعايري األمريكية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد ُنظمت املعايري‬
‫األمريكية منذ نهاية الثامنينيات من القرن املايض حول فكرة مستويات الحرب‪ :‬إذن‬
‫توجد أنظمة (أو وظائف لألنظمة) عىل املستوى التكتييك أو اإلجرايئ أو التشغييل أو‬
‫املستوى االسرتاتيجي‪ ،‬حيث يشرتط أن تكون‪ ،‬من خالل هذا املستوى االسرتاتيجي‪،‬‬
‫اسرتاتيجية «مرسح العمليات» مخالفة «لالسرتاتيجية الوطنية»‪.‬‬
‫إن تطوير هيئة األركان العامة املوحدة داخل حلف الناتو – وكذلك هيئة‬
‫األركان يف الدول األخرى ‪ -‬يؤدي أيضا دورا حيويا يف انتشار منوذج يعرب عن الحرب‬
‫‪213‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫عىل أساس املسؤوليات املوكلة إىل كل مستويات القيادة‪ .‬يظهر «املستوى اإلجرايئ‬
‫أو التشغييل» عىل وجه الخصوص لدى عدد كبري من الجيوش ‪ -‬مبا يف ذلك الجيش‬
‫الفرنيس(‪ - )23‬كمستوى لقيادة مرسح العمليات‪ .‬وأخريا‪ ،‬فإن طبيعة العمليات التي‬
‫ُأجريت ‪ -‬عمليات حفظ السالم وتحقيق االستقرار‪ ،‬بعد العام ‪ ،2001‬ومكافحة‬
‫التمرد ومجابهة اإلرهاب ‪ -‬تعزز ال ُبعد الجغرايف للمستويات‪ :‬املحيل بالنسبة إىل‬
‫املستوى التكتييك‪ ،‬واملرسحي بالنسبة إىل املستوى اإلجرايئ أو التشغييل واإلقليمي‪،‬‬
‫أو وفق كل بلد‪ ،‬والتخطيطي بالنسبة إىل املستوى االسرتاتيجي‪ ،‬وبالتايل تعد هذه‬
‫املستويات عىل اختالفها فرصة للتمييز بني مستويني‪.‬‬
‫ويحظى هذا التطوير‪ ،‬حيث تقل الرغبة يف إبقاء السياسة بعيدة عن إدارة‬
‫دفة الحرب مقارنة باملنطق املؤسيس الصارم (البريوقراطي) املهيمن‪ ،‬بتأييد املذهب‬
‫التعميمي إلضفاء الطابع االحرتايف عىل القوات املسلحة يف البالد التي تسمى بالدول‬
‫الغربية‪ ،‬وأيضا بدعم العمل عىل تعميم املنطق اإلداري داخل هذه الدول الغربية‪.‬‬
‫علام أن تعميم املنطق اإلداري يتناسب مع الجيوش التي تظل‪ ،‬حتى عندما‬
‫تقوم بعمليات‪ ،‬تعمل كمؤسسات أساسية يف وقت السلم(‪ )24‬ألسباب سياسية(‪،)25‬‬
‫وأيضا بسبب إضفاء الطابع املهني عليها السيام فيام يتعلق بهيئة الضباط‪.‬‬
‫يف الواقع‪ ،‬فإن هذا الطابع املهني يفضل بطريقة منهجية الكفاءة التقنية ‪-‬‬
‫للمقاتل أو لإلداري ‪ -‬عىل التفكري يف نظرية الحرب التي اكتسبها أخريا يف منتصف‬
‫الخدمة املهنية الضباط الذين يتابعون دورات يف املدرسة العسكرية العليا ‪ -‬نظرا‬
‫إىل ما ميثله ذلك األمر من أهمية بالغة‪ .‬إن منذجة الحرب إىل مستويات يتوافق‬
‫مع النهج «التدريجي املحسن» الخاص بإتقان الفن العسكري ‪ -‬حيث يأيت يف املقام‬
‫األول التكتيك ثم الفن اإلجرايئ وأخريا االسرتاتيجية‪ .‬وبالتايل ترتاكم األسباب التي‬
‫تؤدي إىل تفضيل النمذجة القامئة عىل مراحل ومسؤوليات متعاقبة بحيث تكون‬
‫من اختصاص أحد الضباط خالل مسريته املهنية‪.‬‬
‫أما عن الوسط األكادميي‪ ،‬فقد انترش مفهوم مستويات الحرب مبعدل انتشاره‬
‫نفسه يف القوات املسلحة‪ .‬بيد أن دوافع هذا االنتشار تختلف من مكان إىل آخر‪.‬‬
‫غري أن هذه الدوافع تعترب من نتاج العالقات التي تربط الباحثني بالعسكريني‪.‬‬
‫ففي السنوات الثالثني األخرية‪ ،‬أنجز العسكريون‪ ،‬عىل غري العادة‪ ،‬دراسات عليا يف‬
‫‪214‬‬
‫مستويات احلرب‪...‬‬

‫الجامعات املدنية حتى مرحلة الدكتوراه‪ ،‬ويف بعض األحيان شغلوا وظيفة ثانية‬
‫باعتبارهم مدرسني وباحثني(‪.)26‬‬
‫من جانب آخر نجد عديدا من الباحثني الذين يعملون ملصلحة القوات املسلحة‬
‫إما طوال خدمتهم الوظيفية وإما فرتة محددة‪ .‬ومن شأن هذا األمر أن يشجع‬
‫عىل تبادل األفكار‪ ،‬ويؤدي إىل انتشار مناهج البحث الجامعي يف داخل القوات‬
‫املسلحة‪ ،‬وبالطريقة نفسها فإن تبادل األفكار مع القطاع الخاص املدين يدعم‬
‫انتشار املناهج الحديثة لإلدارة؛ التي تعترب يف جزء منها مناهج مستخدمة لقيادة‬
‫التعبئة والعمليات الحربية يف أثناء الحرب العاملية الثانية(‪ .)27‬كام أن هذا األمر‬
‫يعزز‪ ،‬يف نهاية املطاف‪ ،‬من انتشار مفاهيم وقراءات متعددة عن الجيوش يف الوسط‬
‫األكادميي‪ :‬فحني نتحدث عن مفهوم الحرب (‪ )Kriegsanschauung‬فسنجد أن‬
‫هيمنة الجامعة األنغلوسكسونية‪ ،‬يف هذا املجال وغريه من املجاالت‪ ،‬قادت بشكل‬
‫طبيعي إىل تبني منوذج مستويات الحرب يف الوسط الجامعي‪ ،‬األمر الذي أدى إىل‬
‫اعتامده بشكل متسارع بسبب الضعف الكبري جدا يف البحث املعريف عن نظرية‬
‫الحرب وأيضا نتيجة لعوامل أخرى محددة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن الرتجمة اإلنجليزية لجملة «عن الحرب» (‪ )Vom Kriege‬التي أنتجها‬
‫مايكل هوارد ‪ Michael Howard‬وبيرت باريت ‪ Peter Paret‬يف العام ‪ 1976‬تعد من‬
‫العوامل التي تدعم التقسيم إىل ثالثة مستويات للحرب‪ .‬هذه الرتجمة تغري بالفعل‬
‫النص األصيل‪ ،‬كام يوضح ذلك بشكل جيد للغاية هيو سرتاشان ‪:Hew Strachan‬‬
‫أدخل مايكل هوارد وبيرت باريت كلمتي «عملية» «وإجرايئ» يف نص ترجمتهام‬
‫اإلنجليزية لكتاب «عن الحرب» لكالوزفيتز‪ ،‬عىل الرغم من عدم وجودهام يف‬
‫النسخة األصلية باللغة األملانية(‪.)28‬‬
‫لقد أعطت مثل هذه التغيريات يف ذلك الوقت مصداقية لفكرة «املستوى‬
‫اإلجرايئ» ‪ -‬التي لوحظت أهميتها يف تطوير مفهوم مستويات الحرب – عىل الرغم‬
‫من انتشار مفهوم آخر‪ ،‬منذ ذلك الحني يف كل األوساط مبا يف ذلك الوسط األكادميي‪،‬‬
‫مفاده أن هذه النمذجة ليست نتيجة تصور معني عن الحرب‪ ،‬ولكنها نتاج التنظيم‬
‫الطبيعي للنظرية العسكرية عىل مر العصور ‪ -‬أو عىل األقل حتى عرص من وضع‬
‫هذه النظرية األكرث تأثريا‪.‬‬
‫‪215‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫صياغة يشوبها غموض‬


‫بيد أن التعبري عن هذه املستويات عند هؤالء الكتاب يبدو مناقضا ملا هو‬
‫حادث اآلن‪ .‬وعىل العكس من ذلك‪ ،‬فعند فحص هذه املستويات تصاعديا‪ ،‬من‬
‫املستوى التكتييك إىل املستوى االسرتاتيجي‪ ،‬فسنجد أنه من املمكن تسليط الضوء‬
‫عىل حدود هذه الصياغة‪ .‬غري أن «املستوى التكتييك» يبدو األسهل‪ :‬فهو يدل‬
‫عىل «مستوى الحرب الذي يجري من خالله تخطيط وتنفيذ املعارك وااللتزامات‬
‫من أجل الوصول إىل األهداف العسكرية املخصصة للوحدات التكتيكية أو فرق‬
‫املهامت»(‪ )29‬يف ظل عقيدة القوات املشرتكة األمريكية‪ ،‬ومع ذلك فإن هذا الوضع ال‬
‫يتعلق‪ ،‬من الناحية النظرية‪ ،‬إال باملعارك‪ .‬ففي فرنسا يرتبط هذا املستوى «مبستوى‬
‫تنفيذ القدرات العسكرية املحددة من أجل تحقيق األعامل واملهامت املعينة‬
‫بشكل خاص عن طريق املستوى اإلجرايئ»(‪ :)30‬لذلك ُيعرف املستوى التكتييك قبل‬
‫كل يشء من خالل تابعيته للمستوى اإلجرايئ التشغييل‪ .‬يف الواقع‪ ،‬ومتكن قراءة‬
‫هذا التفسري الثاين يف عقيدة مكافحة التمرد األمريكية من الدليل امليداين ‪FM‬‬
‫‪ 33.5-MCWP 3/24-3‬بعنوان «مكافحة التمرد» )‪،)31((Counterinsurgency‬‬
‫والذي يخصص أحد أقسامه‪ ،‬عىل سبيل املثال‪« ،‬لالعتبارات املشرتكة بني العاملني‬
‫عىل املستوى التكتييك»(‪ .)32‬بعيدا عن مضمون هذا املستوى‪ ،‬الذي ِصيغ من‬
‫يعب عن مستوى املعركة‪ ،‬فإن املستوى التكتييك يرتبط عىل‬ ‫بداية األمر عىل أنه ّ‬
‫وجه الخصوص بوحدات «القتال»‪ ،‬وهي الصيغة التي تطرح إشكالية‪ :‬ما هو‬
‫وضع الفرقة العسكرية يف هذا السياق؟ وما هو وضع األلوية؟ هذا النوع من‬
‫األسئلة يعد األكرث تعقيدا حيث مل تعد مهامت الفرقة العسكرية للعام ‪ 1980‬هي‬
‫بالرضورة مهامت الفرقة العسكرية نفسها للعام ‪.2010‬‬
‫من الرضوري أن نعلم أن تعريف «املستوى اإلجرايئ للحرب» أو «املستوى‬
‫التشغييل» ال يوضح حقيقة املستوى التكتييك عندما يتعلق األمر مبستوى الحرب‬
‫الذي يجري من خالله التخطيط وإدارة ودعم الحمالت والعمليات الرئيسية‬
‫لتحقيق األهداف االسرتاتيجية داخل املسارح أو غريها من مناطق العمليات(‪.)33‬‬
‫وقد يتعلق األمر أيضا بتعريفات تصف املستوى التكتييك بأنه يتمتع مبسؤولية‬
‫جغرافية مجردة أقل من مستوى تنسيق الفعل الخاص بالقوة املشاركة يف مكوناته‬
‫‪216‬‬
‫مستويات احلرب‪...‬‬

‫املختلفة من خالل إدارة تفاعله املشرتك مع البيئة‪ .‬وبذلك تتشكل العالقة بني هذه‬
‫القوة والجهات الفاعلة األخرى املوجودة يف مرسح االشتباك‪ .‬علام أن هذا املستوى‬
‫يغطي األبعاد العسكرية والسياسية العسكرية واملدنية العسكرية‪ .‬إذن هو يعرب يف‬
‫األساس عن القوات املشرتكة التي غالبا ما تكون متحالفة فيام بينها(‪.)34‬‬
‫ومن املمكن أن نالحظ إىل أي درجة ميكن أن ينتج عن عقيدتني قراءتان‬
‫مختلفتان متاما للمستوى نفسه‪ ،‬وأيضا متكن مالحظة إىل أي مدى يصبح تداخل‬
‫النشاط العسكري يف مستويات متعددة من دون التطرق إىل الحرب نفسها ليس‬
‫له يف الواقع أساس طبيعي‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬فإذا كان املستوى اإلجرايئ يف الواليات‬
‫املتحدة األمريكية هو املجال الذي يقرص استخدامه عىل الجيش‪ ،‬وإذا كانت‬
‫العالقة السياسية العسكرية مقترصة عىل املستوى االسرتاتيجي‪ ،‬ففي فرنسا‬
‫يعترب «املستوى التشغييل مبنزلة داللة عىل املستوى االسرتاتيجي عندما يتعلق‬
‫األمر مبرسح العمليات»‪ :‬فالفاعلية «عىل الطراز الفرنيس» تركز عىل «املستوى‬
‫التشغييل» كمستوى يتيح تنفيذ املستوى االسرتاتيجي غري املتميز بشكل واضح‪،‬‬
‫مام يدل عىل استمرار وجود متييز تقليدي يف فرنسا بني االسرتاتيجية املرتبطة‬
‫بالسياسة والتكتيك املرتبط كليا بالعسكرية البحتة وبقابلية التنفيذ‪ ،‬بينام يف‬
‫الواليات املتحدة يوجد عىل العكس حل حقيقي للعمل املستمر ضمن املستوى‬
‫االسرتاتيجي بني السيايس والعسكري‪.‬‬
‫يظهر هذا الحل املستمر من خالل عديد من املستويات االسرتاتيجية‪ ،‬التي‬
‫سبق ذكرها‪ :‬يف الواقع‪ ،‬يف النظام األمرييك يعترب املستوى االسرتاتيجي للمرسح مبنزلة‬
‫املحاور السيايس عىل املستوى االسرتاتيجي العسكري الوطني وذلك منذ غولدووتر‬
‫– نيكولز ‪ .Goldwater-Nichols‬أما يف فرنسا‪ ،‬فكل يشء مير من قبل هيئة األركان‬
‫العامة للجيوش‪ .‬ومن ثم فإنه عىل الرغم من إمكانية إضافة هذه االختالفات‬
‫يف التنظيم إىل املناقشات املفهومية الحقيقية التي تفرس االختالفات يف تعريف‬
‫املستويات‪ ،‬فإنها تؤكد فرضية النمذجة املؤسسية واالصطناعية قبل كل يشء‪.‬‬
‫سيكون من الرضوري إذن ليك ال نقع يف خطأ نظري أن نهتم «مبستويات‬
‫الحرب» بوصفها «مستويات إلدارة دفة الحرب» ميكنها تنفيذ واحد أو أكرث من‬
‫مناهج فن الحرب‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬من املهم بالنسبة إىل الباحثني واملامرسني أال يسعوا‬
‫‪217‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫إىل تحويل الحرب إىل منوذج‪ ،‬بل عليهم أن يأخذوا هذه النامذج عىل حقيقتها‪،‬‬
‫أو عىل أنها تعرب عن انعكاسات ملفهوم محدد للحرب‪ .‬وبالنسبة إىل الباحثني يف‬
‫مجال الدراسات االسرتاتيجية‪ ،‬يفرتض عدم أخذ هذه املستويات بوصفها بيانات‬
‫موجودة مسبقا‪ ،‬ولكن عليهم تناولها باعتبارها بنية داخلية مرتبطة باملؤسسات‬
‫العسكرية‪ ،‬وذلك قبل إعادة توظيفها وجعلها تتوافق ليس فقط مع تعريفات‬
‫سابقة ولكن مع حقائق واقعية‪ .‬لذلك سيكون من الرضوري أن نضع يف اعتبارنا‬
‫أن مستويات الحرب ليست سوى واحد من النامذج املحتملة للحرب‪ :‬فاالنعكاس‬
‫الذي يحدثه مفهوم الحرب (‪ ،)Kriegsanschauung‬بشكل خاص‪ ،‬أي املفهوم الذي‬
‫يخص الواليات املتحدة األمريكية املعارصة ويقابله عىل نطاق واسع من جهة أخرى‬
‫مفهوم العامل (‪ )Weltanschauung‬يظهر التحليل النقدي بوصفه عنرصا أساسيا‬
‫رضوريا للدراسات االسرتاتيجية‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫أمناط احلرب‪...‬‬

‫‪13‬‬

‫أمناط احلرب‪:‬‬
‫االسرتاتيجيات غري النظامية‬
‫واالسرتاتيجيات اخملتلطة‬

‫ستيفان تايا‬
‫(‪)Stéphane Tallat‬‬

‫لقد أدى الرصاع املعارص‪ ،‬الذي تورطت‬


‫فيه بعض الدول الغربية‪ ،‬إىل االهتامم املتزايد‬
‫بالدراسات االسرتاتيجية الخاصة بالحرب غري‬
‫النظامية‪ .‬إذن القضية ليست بجديدة‪ ،‬واألدب‬
‫الذي يدور حول هذا املوضوع كان دامئا متورطا‬
‫خالل فرتة حروب التحرر من االستعامر‪ ،‬بشكل‬ ‫«متيل العنارص التأسيسية لبعض‬
‫الثقافات الخاصة باملؤسسات‬
‫خاص‪ ،‬وأيضا يف أثناء حروب التسعينيات‪.‬‬ ‫العسكرية الغربية إىل إبراز تفضيل‬
‫اسرتاتيجية اإلبادة‪ .‬وهكذا يعطي‬
‫تتعرض هذه األعامل األدبية يف جانب منها‬ ‫النظام العسكري الغريب األولوية‬
‫بسبب انحرافاتها العقائدية ألسئلة تتعلق بهذه‬ ‫للحرب التقليدية يف سياق املعركة‬
‫الحاسمة التي تهدف إىل تدمري‬
‫الرصاعات التي تعترب من بني أنواع الحروب‬ ‫وحدات العدو»‬

‫‪219‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫الجديدة(‪ .)1‬ويركز النقاش تحديدا عىل طبيعة الحرب غري النظامية مع طرح أسئلة‬
‫تتعلق بارتباط هذه الحروب بنموذج كالوزفيتز‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬ستكون الدوافع‬
‫السياسية غائبة‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬سوف تترضر الجيوش الغربية ملشاركتها يف‬
‫هذه الرصاعات بسبب سوء تكيفها مع السياق الذي سيؤدي إىل خروج استخدام‬
‫العنف عن سيطرة الجيوش‪ .‬وسيكون األثر الرئييس لهذه االنعكاسات هو عدم‬
‫تسييس األطراف الفاعلة غري النظامية عن طريق الحد من أهدافها التي تسبب‬
‫هذا التعصب أو االستغالل االنتهازي للموارد أو مجرد استنساخ العنف الالعقالين‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬كانت األدبيات العسكرية االسرتاتيجية ‪ -‬األمريكية خصوصا‬
‫– تبحث من خالل الحروب االستعامرية أو حروب التحرير الوطني السابقة عن‬
‫حلول تقنية للمشاكل التي واجهتها يف العراق وأفغانستان أو يف أثناء الحروب‬
‫التي فرضتها القاعدة‪.‬‬
‫لقد نتج عن مراجعة األدبيات القدمية حول هذا املوضوع منع حدوث ظاهرة‬
‫التمرد التي تتسم بالدميومة واإلمعان يف تبسيط الديناميكيات االسرتاتيجية‪ .‬وهكذا‬
‫فإن الوثيقة الرئيسية التي تخص هذا املجال تتطرق إىل التمرد عىل أنه ناتج عن‬
‫املظامل السياسية أو االجتامعية أو أنه بسبب التعبئة السياسية اإلجبارية‪ ،‬أو نتيجة‬
‫لتصور متحيز للفعل األمرييك(‪.)2‬‬
‫إن التنظري لالسرتاتيجيات غري النظامية وطرح أسئلة تتعلق بأشكالها التاريخية‬
‫يتطلب اإلجابة عن ثالثة أسئلة‪ .‬األول يتعلق مبوضوع الدراسة ويقرتح تصور العالقة‬
‫بني أمناط الحرب‪ .‬والثاين يتعلق بالعوامل التي تفرس اختيار اسرتاتيجية غري نظامية‪.‬‬
‫بينام يتساءل الثالث عن االسرتاتيجية غري النظامية وآثارها‪.‬‬

‫أمناط الحرب‬
‫يف املقام األول تشري مسألة تعريف أمناط الحرب وتعيني حدودها إىل دراسة‬
‫مفهوم عدم االنتظام‪ .‬فاالختالفات القدمية بهذا الشأن تتناول مجموعتني من املعايري‬
‫ُح ِّددَتا بطريقة أساسية(‪ .)3‬تتعلق املجموعة األوىل مبركز املتحاربني‪ .‬بالتايل ستكون‬
‫الجهة الفاعلة التي ليست بدولة أو التي ال ميثلها أحد صاحب سيادة‪ ،‬جهة غري‬
‫نظامية‪ .‬وبشكل أكرث تحديدا‪ ،‬سيكون هناك عدم وجود اعرتاف برشعية استخدامها‬
‫‪220‬‬
‫أمناط احلرب‪...‬‬

‫للقوة‪ .‬ويركز املعيار الثاين (املرتبط باألول) عىل التكتيكات مادام اللجوء إىل حرب‬
‫وصف بعدم االنتظام‪ .‬من هذا املنظور‪،‬‬ ‫العصابات أو إىل اإلرهاب من شأنه ْأن ُي َ‬
‫يتعارض عدم االنتظام مع الحرب النظامية‪.‬‬
‫وبعيدا عن األدلة التجريبية الواضحة‪ ،‬فإن صحة هذه املعايري تسبب إشكالي ًة‬
‫نتيجة لتطور ظروفها التاريخية والقانونية‪ .‬وهكذا ساهمت عسكرة الحرب وإضفاء‬
‫الطابع املهني عىل القوات املسلحة يف رفض ما يسمى «غري املنتظم» يف مجال‬
‫املنظامت غري الدولية (القبائل ومنظامت املتمردين والحركات اإلرهابية)‪ .‬يف حني‬
‫أن تكتيكات الحرب الصغرية (الكامئن والرضبات اليدوية وانتشار املقاتلني والقتال‬
‫همش بواسطة‬ ‫بني القوات املشرتكة) قد دُمجت تدريجيا يف املعرفة املهنية قبل ْأن ُت َّ‬
‫القتال امليكانييك أو باستخدام املدرعات‪.‬‬
‫إن تعريف مفهوم «غري املنتظم» من قبل الجهات الفاعلة أو من خالل‬
‫تكتيكاتها يطرح أيضا إشكالية مادام يتعلق مبفاهيم يسهل اخرتاقها يف كثري من‬
‫األحيان‪ :‬ميكن لجيوش الدول أن تستخدم وسائل غري نظامية بينام تتفق املنظامت‬
‫عتب الحديث عن أمناط‬ ‫غري الحكومية عىل بعض الوسائل التقليدية(‪ .)4‬ويف الواقع ُي َ‬
‫الحرب بالتأكيد دقيقا للغاية‪ :‬إذ يسمح هذا املصطلح بأن نأخذ يف االعتبار التطورات‬
‫الخاصة باسرتاتيجيات الجهات الفاعلة (كام هي الحال يف منوذج حرب ماو «‪»Mao‬‬
‫الشعبية التي جرت عىل ثالث مراحل)‪ .‬ومن هذا املنظور ميكن وصف منط الحرب‬
‫غري النظامية بأنها تعني استخدام والتهديد باستخدام القوة بطرق مبتكرة من قبل‬
‫وحدات عسكرية صغرية ضد منظامت كبرية جدا‪ ،‬وبالتايل تحقيق تأثري اسرتاتيجي‬
‫ال يتناسب مع حجم الوحدات التي انترشت(‪.)5‬‬
‫ويريد البعض رضورة رشح هذا التعارض بني الحرب غري النظامية والحرب‬
‫التقليدية من خالل العامل الثقايف يف أصله؛ حيث إنه مييز بشكل خاص النموذج‬
‫الغريب للحرب الذي يرتكز عىل املعركة الحاسمة(‪ .)6‬بينام يرى آخرون رضورة مواصلة‬
‫ودميومة الحرب غري النظامية‪ ،‬مبا يف ذلك داخل القوات املسلحة الغربية(‪ .)7‬وقد‬
‫أظهرت األعامل املتعلقة «بالحرب الصغرية» يف القرن الثامن عرش‪ ،‬يف الواقع‪ ،‬كيف‬
‫أن التكتيكات واالسرتاتيجيات التي تتصف اآلن بأنها غري نظامية تعد بشكل متكامل‬
‫ضمن الرصاعات التي قادها األوروبيون(‪ .)8‬وعندما تكون هناك حاجة إىل تقوية‬
‫‪221‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫العامل الثقايف‪ ،‬فرمبا يحدث ذلك من أجل رشح التطورات الخاصة باملؤسسات‬
‫العسكرية األوروبية واألمريكية بداية من النصف الثاين من القرن التاسع عرش‪.‬‬
‫وعىل هذا النحو‪ ،‬ميكن اعتبار أن الحرب غري النظامية هي املرجعية للهوية التي‬
‫ُتش َّكل من خاللها الثقافات الخاصة باملنظامت العسكرية‪ ،‬األمر الذي يخلق توترا‬
‫بني الرضورات التي تكون متناقضة يف بعض األحيان(‪.)9‬‬
‫عالوة عىل ذلك ُتعترب هذه االختالفات معيارية إىل حد ما‪ :‬فهي ترسم مفهوما‬
‫عن األطراف الفاعلة وطرائق صناعة الحرب‪ .‬إن الحركة التأسيسية الجديدة مفيدة‬
‫بشكل خاص هنا‪ .‬فبافرتاض أن املؤسسات تعترب متغريات وسيطة بني األطراف‬
‫الفاعلة وسلوكياتها‪ ،‬فإنها توضح كيف تتكيف هذه السلوكيات مع السياق (أحيانا‬
‫بطريقة وحشية وأحيانا ببطء شديد) وكيف أن االستقرار النسبي يف املقابل‬
‫يقيد األطراف الفاعلة أو يبني توقعاتهم‪ .‬وميكن استخدام مصطلح املؤسسات‬
‫اإلصار عىل أولوياتهم من‬ ‫هنا من ناحيتني؛ من ناحية تعيني القوات املسلحة‪ْ :‬‬
‫حيث الحروب التي يتعني عليهم شنها واملهام التي يتعني إنجازها‪ ،‬ولذلك ميكن‬
‫طرح أسئلة حول التكيف أو رشوط التكيف مع منط الحرب الذي هو أبعد من‬
‫التوقعات واألولويات(‪ .)10‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬ميكن أن ترتبط املؤسسات أيضا مبا‬
‫يسميه ستيفان كراسنري ‪ Stephen Krasner‬األنظمة‪ ،‬أي «مجموعات املبادئ‬
‫الرصيحة أو الضمنية واملعايري والقواعد وإجراءات صنع القرار التي تتالقى حولها‬
‫توقعات الجهات الفاعلة»(‪ .)11‬عىل هذا النحو تشري املعايري املذكورة أعاله يف املقام‬
‫األول إىل أن منط الحرب غري النظامية ُيع َّرف من خالل النظام العسكري الغريب‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬وباإلضافة إىل هذا التعريف السلبي‪ ،‬يجب علينا االنتباه إىل تطور‬
‫واستمرار وجود تقليد بديل داخل النظام‪ .‬وقد يتوافق هذا البديل مع محاوالت‬
‫إدراج الحرب غري التقليدية كعمل مرشوع مكمل لدور ومهام القوات املسلحة‪،‬‬
‫يف حني أنه ُيع َّرف بوصفه منطا متميزا(‪ .)12‬يف املقابل‪ ،‬قد تسبب هذه املحاوالت‬
‫والتجارب املرتبطة «بالحروب الصغرية» اإلعراب عن رفضها بدرجات متفاوتة‪ .‬وقد‬
‫كان لهذا الرفض الشديد جدا داخل املؤسسات العسكرية األمريكية ْأن ساعد يف‬
‫تقوية النظام العسكري الذي يسيطر من خالل تقييد حدود مهام القوات املسلحة‬
‫والعمل عىل نشوب حروب غري نظامية غري مرغوب فيها(‪.)13‬‬
‫‪222‬‬
‫أمناط احلرب‪...‬‬

‫باختصار‪ ،‬يجب اعتبار منط الحرب غري النظامية من وجهة النظر الغربية (كأنها‬
‫خارجة عن مجال مرشوعية مهام القوات املسلحة واملهام الحربية)‪ ،‬ومن وجهة نظر‬
‫الجهات الفاعلة األخرى (هو الخيار املتاح لشن الحرب خارج إطار سيطرة النظام)‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬عندما يتعلق األمر باملجال الدويل ‪ -‬الذي تتعارض فيه الكيانات‬
‫السياسية بسبب السيادة أو يف ظل وجود حالة تنافسية عىل السيادة باستخدام قوة‬
‫السالح ‪ -‬فإن النظام العسكري الغريب يسهل حينئذ اخرتاقه(‪ .)14‬فإذا مل يكن مفر من‬
‫املنافس لهذه الكيانات من‬
‫ُ‬ ‫هذا األمر‪ ،‬وفقا ملجموعة من املعايري‪ ،‬ميكن ْأن يكون‬
‫الداخل أو من الخارج‪ ،‬ومن املمكن ْأن يتغري وفقا لألحداث‪ .‬من الناحية العملية‪ ،‬هذا‬
‫يعني أن املنظامت التي تدخل يف حالة حرب تستعني بأساليب تقليدية وغري نظامية‬
‫بنسب متفاوتة‪ .‬ولهذا اضطلع بتحليل هذه األمناط بشكل خاص ضابط مشاة البحرية‬
‫املتقاعد فرانك هوفامن ‪ Frank Hoffman‬وأطلق عليها «حرب هجينة»(‪ .)15‬ووفقا‬
‫له‪ ،‬فإن التهديد الرئييس للواليات املتحدة األمريكية يأيت من األعداء الذين يستخدمون‬
‫جميع أمناط الحرب يف الوقت نفسه‪ ،‬وعىل مرسح العمليات نفسه‪ .‬ويستند مفهوم‬
‫هوفامن األصيل إىل ثالثة عوامل‪ .‬أوال وقبل كل يشء‪ ،‬عىل عكس ما حدث يف املايض‪،‬‬
‫فإن استخدام وسائل غري نظامية من ِقبل دولة ما لن يحرصها يف دور ثانوي‪ .‬توجد‬
‫عملية التهجني لدرجة أن التفوق العسكري األمرييك سوف يجرب الخصوم عىل تجنب‬
‫املواجهة التقليدية وإعطاء األفضلية لتوسيع العمليات يف أماكن مختلفة‪ .‬ثانيا‪ ،‬مل تعد‬
‫املنظامت غري النظامية تهدف إىل االنتقال من مرحلة حرب العصابات إىل مرحلة‬
‫تقليدية‪ ،‬ولكنها تجمع كل الوسائل يف الوقت نفسه‪ .‬أخريا‪ ،‬أصبحت عملية التهجني‬
‫متاحة من خالل التطورات التقنية التي تسمح بخلط أمناط الحرب‪.‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬يبدو أن انتشار التهديدات الهجينة يؤكد الطابع املعياري للتمييز‬
‫بني الحروب التقليدية والحروب غري النظامية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال يزال تحليل هوفامن‬
‫كاف من الناحية املفاهيمية مادام يحتفظ مبعيارين قدميني للتمييز بني هذه‬ ‫غري ٍ‬
‫األمناط ‪ .‬وعىل الرغم من هذه العيوب‪ ،‬فإن منهجه يتميز بقدرته عىل إثبات‬ ‫(‪)16‬‬

‫أنه ال ميكن الربط بشكل طبيعي بني منط الحرب ونوعية الجهة الفاعلة خوفا من‬
‫تداخل بعضها يف بعض بشكل أسايس‪ .‬ويدل هذا املنهج عىل أن طريقة صناعة‬
‫الحرب تنتج عن خيارات يجب فهم محدداتها‪.‬‬
‫‪223‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫أمناط الحرب والخيارات االسرتاتيجية‬


‫يندرج اختيار منط الحرب‪ ،‬أو رمبا خليط من األمناط‪ ،‬ضمن الظروف‬
‫اإلسرتاتيجية(‪ .)17‬القضية الرئيسية هي اآللية السببية التي تسمح بربط الظروف‬
‫االسرتاتيجية مع القرارات الصادرة عن الجهات الفاعلة‪ .‬وميكن تناول هذه القضية‬
‫بطرائق متعددة‪ .‬األوىل تعني اإلرصار عىل مكان الظروف الخارجية للجهة الفاعلة‪،‬‬
‫وهذا يعني إعطاء أهمية كبرية جدا للبنية‪ .‬ومن هذا املنظور‪ ،‬ترتبط طريقة شن‬
‫الحرب ارتباطا وثيقا مبوقف الجهة الفاعلة يف النظام السيايس املحيل أو الدويل‪.‬‬
‫وهذا هو التمييز القديم بني القوي والضعيف‪ :‬الحرب غري النظامية هي الخيار‬
‫الوحيد للضعيف‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن أمناط الحرب ستكون ضمن عالقة ثنائية بني خصمني‬
‫لهام مواردهام الخاصة ووضع غري متامثل‪ .‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬فإن هذه الرؤية‬
‫تتسق مع وجود نظام عسكري غريب موجود بنفسه يف قلب مفهوم ويستفاليا‬
‫(‪ )westphalenne‬عن الحرب‪ .‬مبا أن الحرب ميكن تعريفها من خالل الصدام بني‬
‫الكيانات السيادية‪ ،‬فإن أي جهة فاعلة أخرى ستقوم بالرضورة بحرب غري نظامية‪.‬‬
‫قد تكون هذه النتيجة دقيقة جدا بغض النظر عن الخصم الذي يجب أن يواجهه‬
‫األضعف (أي أن األمر يتعلق بتمرد ضد الحكومة أو مقاومة للمحتل)‪ .‬ورمبا يكون‬
‫لهذا النوع من التفسري أهمية أخرى‪ :‬أي إظهار كيفية انتقال الجهة الفاعلة بنفسها‬
‫تدريجيا إىل النمط الحرب التقليدية مبجرد استعادة التوازن‪ ،‬أو حتى عندما مييل‬
‫هذا التوازن إىل مصلحتها‪ .‬ومع ذلك فإن الرابط بني خيار منط الحرب وبنية موازين‬
‫القوى املادية واملعيارية غري كاف‪ .‬يف الواقع ال يسمح هذا الوضع بتفسري الحاالت‬
‫التي تدحض الفرضية التي تقول إن الدول التي يفرتض أنها قوية قد تلجأ إىل الحروب‬
‫غري النظامية حتى لو كان األمر متعلقا مبرسح العمليات الثانوي أو املهمل‪ .‬ولهذا‬
‫السبب إذا أردنا ْأن نوضح اختيار أمناط الحرب من خالل املوارد املتاحة وعدم التناظر‬
‫بني الخصوم‪ ،‬فيجب بالتأكيد أن نربط بني هذه األخرية وبني األهداف التي يتعني‬
‫تحقيقها‪ .‬إن اختيار منط الحرب ينشأ بالتأكيد من التصور االسرتاتيجي مع إمكانية‬
‫اللجوء إىل الطريقة التي تنتهجها األطراف الفاعلة لهذا التصور‪ ،‬برصف النظر عن‬
‫مجرد البعد املادي أو املعياري‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬قد يتعلق األمر بقضية النهج الذي‬
‫يفرتض وجود الطابع التقني – االسرتاتيجي – غري النظامي أو الهجيني‪.‬‬
‫‪224‬‬
‫أمناط احلرب‪...‬‬

‫بإعادة تدخل العامل مع االحتفاظ بأهمية التصور االسرتاتيجي‪ ،‬سيكون من‬


‫املمكن بناء ثنائيات تشتمل بشكل جزيئ عىل املقابلة بني االسرتاتيجية غري النظامية‬
‫وبني االسرتاتيجية التقليدية‪ .‬يتعلق الثنايئ األول بعدم التامثل يف املوارد املادية املتاحة‬
‫ويف درجة تخصص تنظيم الكيانات املقاتلة(‪ .)18‬من هذا املنظور‪ ،‬فإن االسرتاتيجية غري‬
‫النظامية سوف متيز الجهات الفاعلة ذات املهارات املتدنية والتجهيزات الضعيفة‪.‬‬
‫واعتامدا عىل الوضع األمني ونظرية النرص‪ ،‬ميكن لهذه الجهات الفاعلة ْأن تلجأ إىل‬
‫أفعال حرب العصابات (ضد العسكريني) أو إىل العمليات اإلرهابية (ضد املدنيني)‪.‬‬
‫هذا التعارض بني حالة التكنولوجيا وحالة انعدام التكنولوجيا ليست كافية‪ .‬ويف‬
‫الواقع‪ ،‬فهذا التعارض يوضح بطريقة ملتفة أن الجهة الفاعلة الضعيفة ستكون غري‬
‫نظامية ألنها األضعف‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬لن يكون لهذا التعارض تأثري كبري يف مستوى التنظيم أو التطور‬
‫التكنولوجي الذي ميكن مالحظته لدى العديد من الكيانات القتالية غري الحكومية‪.‬‬
‫وتشكل العالقة الجدلية بني القوة والخديعة ثنائية مفاهيمية ثانية‪ .‬إذ إنها‬
‫تشري إىل نهج تكتييك يسعى إىل تجاوز نقاط قوة الخصم أو التخلص من رضباته‪.‬‬
‫ووفقا لهذا املنطلق‪ ،‬سنجد أن هذا التعارض يسمح بتفسري االختالفات التي ترتبط‬
‫باألولويات املرتتبة عىل نوع استخدام القوة (ال سيام القوة االنتقائية مقابل القوة‬
‫العشوائية) من دون تغطيتها بالكامل‪ .‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬فإن هذه الرؤية تتناقض‬
‫بشكل مصطنع مع أمناط الحرب غري النظامية والتقليدية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فإن الوقوع يف‬
‫كامئن أو تقديم يد العون يعرب يف الواقع عن نوع من املناورات القدمية للوحدات‬
‫يف أدىن مستوياتها التكتيكية‪ .‬فالتعارض بني الخديعة والقوة غالبا ما يحدث الخلط‬
‫بينهام من منطلق مفهوم عدم التامثل الذي ُيعترب كأنه استغالل لنقاط الضعف لدى‬
‫الخصم‪ .‬ومع ذلك يسعى أي إجراء تكتييك ‪ -‬يحدث بشكل مستقل عن الجهات‬
‫الفاعلة ووسائلها ‪ -‬إىل مثل هذا التميز‪ .‬وليك يكون هذا التميز صحيحا‪ ،‬يجب النظر‬
‫إىل ما يقوله إميل سيمبسون عن عدم التامثل االسرتاتيجي‪ ،‬أي أن هناك صلة بني‬
‫التفسري املختلف الذي يقدمه اثنان من املتحاربني حول ماهية الحرب وكيفية شن‬
‫الحرب(‪ .)19‬عىل الرغم من أن الربوتوكول اإلضايف األول التفاقيات جنيف مييز بوضوح‬
‫شديد خديعة الحروب الغادرة (املادة ‪ ،)37‬حيث سيكون من غري الشائع حضو ُر‬
‫‪225‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫منافسة بني املتحاربني تتعلق بتوصيف أفعالهم الخاصة‪ .‬هنا تلعب االسرتاتيجية غري‬
‫النظامية عىل استغالل انعدام هذا التامثل‪.‬‬
‫ميكن أن نجد هذا النوع من التعارض من خالل اإلطار املفاهيمي الثالث الذي‬
‫يضع اسرتاتيجية اإلبادة وجها لوجه مع اسرتاتيجية االستنزاف‪.‬‬
‫متيل العنارص التأسيسية لبعض الثقافات الخاصة باملؤسسات العسكرية‬
‫الغربية إىل إبراز تفضيل اسرتاتيجية اإلبادة‪ .‬وهكذا يعطي النظام العسكري الغريب‬
‫األولوية للحرب التقليدية يف سياق املعركة الحاسمة التي تهدف إىل تدمري وحدات‬
‫العدو‪ .‬ميكن إدراك أهمية التقدم التكنولوجي يف مجال التسليح عندما يتعلق األمر‬
‫بهذا املفهوم‪ .‬وعىل النقيض من هذا النظام العسكري املسيطر‪ ،‬فإن اسرتاتيجية‬
‫االستنزاف تسعى إىل إضعاف إرادة الخصم بشكل غري مبارش؛ من خالل التغطية‬
‫تصعب السيطرة عليها‪ ،‬والتي تنتج عنها تأثريات‬ ‫اإلعالمية للعديد من العوامل التي ُ‬
‫عسكرية محدودة مقارنة باسرتاتيجية اإلبادة‪ ،‬ولكن عىل الرغم من ذلك يتوقع‬
‫الحصول عىل فوائد سياسية متاثل هذه االسرتاتيجية أو تفوقها‪ .‬ومن ثم تتالءم‬
‫اسرتاتيجية االستنزاف بشكل جيد مع الضعف النسبي للموارد املادية أو لدرجة‬
‫التنظيم‪ .‬إذا كان األمر كذلك‪ ،‬فإن التمييز األكرث مالءمة يعد أمرا اسرتاتيجيا‪ ،‬أي أنه‬
‫ال يتعلق بالوسائل ولكن بكيفية ارتباط هذه الوسائل باألهداف السياسية‪.‬‬
‫يعمل النهج الثالث يف عكس االتجاه‪ :‬فبدال من البدء يف تحليل موازين القوى‪،‬‬
‫ميكن النظر إىل الطريقة التي يستند إليها منطق الجهات الفاعلة يف االختيارات ضمن‬
‫سياقاتها املعينة‪ .‬ميكن االستدالل بهذا النهج‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬من خالل أعامل‬
‫ستاثيس كاليفاس (‪ )Staths Kalyvas‬األكادميية عن الحرب األهلية‪ .‬وألنه يهتم‬
‫بالدوافع الفردية والديناميكيات الجامعية‪ ،‬فإن كاليفاس يؤكد الطبيعة الذرائعية‬
‫للعنف‪ :‬حتى عندما يستخدم املحارب القوة بشكل عشوايئ‪ ،‬فيمكن تفسري ذلك‬
‫بأن مثل هذه الحروب ُتعترب أقل تكلفة من االستخدام االنتقايئ(‪ .)20‬وبالتايل‪ ،‬يؤدي‬
‫اللجوء إىل التعامل باإلكراه دورا مهام يف التأسيس لنظام سيايس(‪ .)21‬يأيت يف املقام‬
‫الثاين اختيار الحرب غري النظامية التي تفرض تكلفة إضافية عىل الخصم مادام هذا‬
‫األخري يجب أن يظهر السيطرة املادية عىل منطقة معينة من أجل الحصول عىل‬
‫معلومات من املحتمل ْأن تسمح له باستخدام القوة بشكل أكرث انتقائية‪.‬‬
‫‪226‬‬
‫أمناط احلرب‪...‬‬

‫توجه الجهات الفاعلة الفردية مثل أداة لالنقسامات‬ ‫فهم ُّ‬


‫وأخريا يقرتح كاليفاس َ‬
‫الوطنية التي تصب يف مصلحة املظامل الخاصة‪ .‬هذا التحليل عىل املستوى االجتامعي‬
‫الصغري جدا مهم بسبب آثاره االسرتاتيجية عىل املتحاربني‪ .‬عىل الرغم من نقاط قوة‬
‫هذه اآلثار االسرتاتيجية ‪ -‬وخاصة عند الرتكيز عىل نظرية االختيار العقالين ‪ -‬فإنها‬
‫تتنبأ بسلوك األفراد بشكل أفضل بكثري من الكيانات الحربية‪ .‬عىل مستوى آخر‪،‬‬
‫كمستوى الدول‪ ،‬من املثري لالهتامم أن نشري إىل ظهور وتطور املدرسة االسرتاتيجية‬
‫للفكر التي تثمن النمط غري النظامي يف أوروبا الغربية يف مطلع السبعينيات‬
‫والثامنينيات‪ .‬وميكننا فهم هذه املبادئ الدفاعية غري الهجومية (‪ )NOD‬يف ضوء‬
‫التفسريات السلبية عن البيئة االسرتاتيجية السائدة يف أوروبا يف ذلك الوقت(‪.)22‬‬
‫ولكن هذا التفكري يف االسرتاتيجيات البديلة يعترب أوسع نطاقا؛ ويشمل مسألة‬
‫مرتبطة مبكانة الجيوش يف املجتمع‪ ،‬وأيضا ما يتعلق بالتوجهات السياسية العامة‬
‫لدول أوروبا الغربية‪ .‬وأخريا‪ ،‬فإن فكرة بناء نظام دفاعي يستند إىل وجود آلية‬
‫تشجع عىل تسليح الناس‪ ،‬وعىل أفعال حرب العصابات يعد من ضمن التقليد الذي‬
‫يرجع إىل كالوزفيتز‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬التزال هذه املفاهيم هامشية‪ .‬وبالطريقة نفسها‬
‫فإن االنعكاسات داخل الحركات الثورية أو االحتجاجية يف أوروبا كام هي الحال يف‬
‫الواليات املتحدة األمريكية ليست كافية ملراعاة الخيارات االسرتاتيجية(‪.)23‬‬
‫ُيعد مستوى التحليل األكرث مالءمة ملوضوعنا هو املستوى الذي يتعلق‬
‫باملنظامت‪ .‬وهكذا فإن االعتامد عىل املقارنة يف دراسة هذه املنظامت يربز متغريات‬
‫أخرى غري التفاعل االسرتاتيجي عند تفسري الخيارات(‪.)24‬‬
‫هذه هي الحال بصفة خاصة يف درجة التسلسل الهرمي لهذه املنظامت‬
‫وللمركزية التي تتفاعل بها إىل حد كبري مع منطق الرقابة الداخلية عندما يتعلق‬
‫األمر مبقتضيات األمن(‪ .)25‬ووفقا لهذا الرأي‪ ،‬فإن التغريات املتعلقة بتكنولوجيا‬
‫املعلومات واالتصاالت تفرض العديد من القيود‪ ،‬وقد متنح الفرص للمحارب غري‬
‫النظامي(‪ .)26‬وأخريا‪ ،‬يجب أن يؤخذ يف االعتبار أيضا الرتابط بني األهداف السياسية‬
‫وبناء نظام سيايس بديل عىل املستوى املحيل‪ ،‬كام أنه من الواجب االهتامم أيضا‬
‫مبراقبة املوارد من أجل تحديد الديناميكيات الخاصة بالجهات الفاعلة من غري‬
‫الدول‪ .‬هذه هي الحال عىل وجه الخصوص بالنسبة إىل هذه الفئة الخاصة جدا‬
‫‪227‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫من أمراء الحرب(‪ .)27‬لذلك‪ ،‬تؤكد هذه العنارص حقيقة ُمفادها أن االختيارات‬
‫االسرتاتيجية هي نتيجة للتقارب بني هذه العوامل‪.‬‬

‫ترجامت وآثار اسرتاتيجية‪:‬‬


‫التمرد ومكافحة التمرد واإلرهاب‬
‫تتميز االسرتاتيجيات غري النظامية مبيول شديدة نحو عدم الخطية(‪ .)28‬فمن جهة‪،‬‬
‫ال تهدف هذه االسرتاتيجيات إىل التدمري املادي للقدرات العسكرية للخصم‪ ،‬بل إنها‬
‫تدعي تحقيق أهدافها بشكل غري مبارش (من خالل استنزاف إرادة العدو أثناء‬
‫القتال أو عن طريق تهميشه السيايس)‪ .‬من الناحية التحليلية‪ ،‬فهذه االسرتاتيجيات‬
‫تعد األكرث ميال نحو االسرتاتيجيات القرسية التي تهدف إىل تعديل حساب مصالح‬
‫الخصم أو الشعوب‪ .‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬تسعى هذه االسرتاتيجيات إىل عدم إضفاء‬
‫الرشعية عىل الخصم بدال من القضاء عليه‪.‬‬
‫كام ميكن لهذه االسرتاتيجيات أن تكون دفاعية (مقاومة املعتدي أو املحتل)‬
‫وأيضا هجومية (إسقاط واستيالء عىل السلطة)‪ .‬من ناحية أخرى إنها تعكس املنطق‬
‫القديم الذي يفرتض أن وجود املدخالت املهمة يف النظام ستنتج مخرجات كبرية‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فهي تستند إىل املبدأ الذي يعترب أن الجهود األصغر واألكرث‬
‫استهدافا ميكن لها ْأن تحقق نتائج ال حد لها بالوسائل املستخدمة‪ .‬وبسبب هذا‬
‫الجانب غري الخطي‪ ،‬سيكون من الصعب تقييم فعاليتها بغض النظر عن مدى‬
‫تأثريها يف الخطابات العقائدية‪ ،‬وذلك عىل الرغم من وجود أدبيات غزيرة تتعرض‬
‫لإلرهاب والتمرد أو مكافحة التمرد‪ .‬فإذا متكنت هذه األدبيات من إطالع الباحث‬
‫عىل نظرية انتصار الجهة الفاعلة‪ ،‬فإنها لن تسمح بإنشاء آلية للسببية بني هذه‬
‫النظرية وبني األفعال‪ ،‬من ناحية‪ ،‬وأيضا التأثريات والنتائج‪ ،‬من ناحية أخرى‪ .‬ويف‬
‫الواقع ليس من املمكن تجاهل تأثري نقل املعرفة والدراية املكتسبة أو املعتقدات‬
‫السببية التي تتعلق بالحمالت ضد اإلرهاب والتمرد أو مكافحة التمرد التي متيض‬
‫عىل طريق تطوير وتنفيذ اسرتاتيجية غري نظامية(‪.)29‬‬
‫فباستهداف غري املقاتلني‪ ،‬يسعى اإلرهاب إىل استخدام الخوف كمنصة لتحقيق‬
‫أهدافه‪ ،‬بينام يف حرب العصابات تستخدم األسلحة ملعارضة سيطرة القوات النظامية‬
‫‪228‬‬
‫أمناط احلرب‪...‬‬

‫الفعلية عىل األرايض والشعوب(‪ .)30‬ولهذا السبب يجب ْأن نضيف درجات تسلسل‬
‫األولويات ومركزية الحركات‪ :‬إن اختيار اسرتاتيجية اإلرهاب ينطوي ويخضع لرشوط‬
‫املنظمة التي تعمل ضمن خاليا معزولة‪ ،‬ويعتمد فيها مفهوم التمرد عىل زيادة حجم‬
‫جامعات حرب العصابات‪ .‬من الناحية العملية ميكن الجمع بني االثنني أو التناوب‬
‫بينهام من أجل تحقيق أهداف سياسية مطلقة‪ .‬إن املنظمة صاحبة التوجه اإلرهايب‬
‫تحتاج إىل أن تتحول إىل منظمة متمردة إذا أرادت االستيالء عىل السلطة‪ ،‬يف حني أنه يف‬
‫حالة وجود ما يهدد بقاء حروب العصابات‪ ،‬فإن عليها الرجوع إىل اسرتاتيجية اإلرهاب‪.‬‬
‫عىل أي حال يوجد تطور يتعلق باسرتاتيجيات اإلرهاب يف العقود الثالثة املاضية‬
‫يشري إليه روبرت باب (‪ .)Robert Pape‬ووفقا لهذا األخري‪ ،‬فإن األفعال اإلرهابية‬
‫تستغل النفور من الدميوقراطيات الليربالية عندما يتعلق األمر مبا تسببه من خسائر‬
‫وتحفظات أو سوء تعامل يؤدي إىل القمع من أجل الحصول عىل تنازالت إقليمية‬
‫أو سحب قوات مسلحة استكشافية(‪ .)31‬وباملثل‪ ،‬يبدو أن الغزو أو السيطرة عىل‬
‫املناطق من قبل حركات التمرد أصبح من الصعوبة مبكان بسبب التطور املتزايد‬
‫السرتاتيجيات مكافحة التمرد(‪ .)32‬لكن وبسبب الفرص التي تقدمها التطبيقات‬
‫الشبكية الجديدة (‪ ،)Web 2.0‬فإن االنتقال من اسرتاتيجية إرهابية إىل اسرتاتيجية‬
‫التمرد مل يعد رضوريا للمنظامت غري النظامية التي ترغب يف ضامن بقائها(‪.)33‬‬
‫وأخريا‪ ،‬من املمكن جدا اعتبار تنظيم القاعدة مبنزلة مترد عاملي ميزج بني الخاليا‬
‫اإلرهابية ومجموعات حروب العصابات(‪.)34‬‬
‫وعىل املستوى التكتييك األعىل‪ ،‬فإن درجة مقاومة حرب العصابات ملحاوالت‬
‫تدمريها عسكريا تبدو وكأنها تقع ضمن قدرته عىل السيطرة عىل ما يسميه ستيفان‬
‫بيدل («النظام الحديث»(‪ .)35‬ويدل هذا النظام الحديث عىل مجموعة من األمناط‬
‫التي تتعلق بالفعل وباإلجراءات عىل املستوى التكتييك؛ بحيث تعترب كوسيلة للحد‬
‫من قابلية التعرض لقوة النريان أو ألجهزة االستشعار الحديثة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإنها‬
‫تتطلب قدرا معينا من التسويات عندما يتعلق األمر بالتحكم والتنسيق والتنظيم‬
‫والوفود الخاصة باملبادرة وكذلك النهج املرتبطة باستخدام النريان‪.‬‬
‫ﯾﻣﮐن وضع ﺗﺣﻟﯾل ملكافحة اﻟﺗﻣرد تبعا ملتغريين(‪ .)36‬املتغري اﻷول يتعلق بدرﺟﺔ‬
‫ﻣﺷﺎرﮐﺔ الجهة اﻟﻔﺎﻋﻟﺔ الرئيسية ﻲﻓ مكافحة اﻟﺗﻣرد‪ .‬من هذا املنظور‪ ،‬ترتاوح التغريات‬
‫‪229‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬

‫االسرتاتيجية بني احتالل كل الفضاء وبني حرب بالوكالة يف سياق عملية خارجية‪ .‬أما‬
‫املتغري الثاين فريتبط بآلية ميكانيكية يحدث من خاللها القضاء عىل التمرد بشكل‬
‫مطلق‪ .‬وهكذا‪ ،‬نظريا وعمليا‪ ،‬توجد حمالت عسكرية تتأرجح بني االستئصال التام‬
‫ملنظمة املتمردين‪ ،‬وبني تنفيذ االنتعاش االجتامعي والسيايس لإلقليم من خالل‬
‫مجموعة واسعة من األفعال العسكرية واإلجراءات املدنية العسكرية يف الوقت‬
‫نفسه‪ .‬وتجدر اإلشارة إىل أن الحمالت العسكرية التي قادتها الواليات املتحدة‬
‫األمريكية ضد القاعدة شملت أفعاال ترتاوح بني إعادة بناء الدولة ورضبات مكافحة‬
‫اإلرهاب‪ :‬لقد تحولت االسرتاتيجية األمريكية من املشاركة عىل أرض املعركة إىل‬
‫النهج غري املبارش بشكل كبري‪ .‬إن النقاشات الرئيسية حول مكافحة التمرد تتعلق‬
‫بفعاليتها النسبية من جهة‪ ،‬وآثارها عىل املجتمعات املعنية من جهة أخرى(‪.)37‬‬
‫ومبا أن معظم الحمالت العسكرية ملكافحة التمرد تشمل الدول التي تعمل خارج‬
‫أراضيها‪ ،‬فإن املشاركة املبارشة تسمح بالسيطرة عىل الديناميكيات السياسية‬
‫واألمنية املحلية عىل حساب التكلفة السياسية املتزايدة محليا أو داخليا‪ .‬يف حني أن‬
‫اتباع نهج غري مبارش سيقلل من هذه التكلفة السياسية واملخاطرة بزعزعة االستقرار‬
‫املحيل‪ .‬وأخريا يجب ْأن نأخذ بعني االعتبار الظروف الخاصة بالجهة الفاعلة التي‬
‫تقود عملية مكافحة التمرد‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فإن القواعد التي تحكم دورة االنتشار ومدة‬
‫الفعل تؤدي إىل تشتت مكاين وزماين يتعلق بالقتال‪ .‬لذلك يجب أن منيز بني عملية‬
‫مكافحة التمرد االستكشافية (األمريكان يف العراق) ومكافحة التمرد الوطني البحت‬
‫(الحكومة الكولومبية ضد القوات املسلحة الثورية الكولومبية «‪ ،)»Farc‬والحاالت‬
‫التي تشارك فيها الدول الفاعلة يف النضال من أجل فضاءات شبه وطنية (الربيطانيني‬
‫يف أيرلندا الشاملية) عن طريق االضطالع بدور الوسيط‪ .‬إذا كان األمر كذلك‪ ،‬فإن‬
‫االسرتاتيجيات غري النظامية املعارصة تكشف طبيعة عالقات القوة العسكرية‪ .‬فمن‬
‫ناحية‪ ،‬يبدو أن القوات املسلحة للدول‪ ،‬خاصة القوات الغربية‪ ،‬تعاين من أزمة‬
‫فعالية ضد املنظامت غري النظامية(‪ .)38‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬تعتمد هذه األخرية عىل‬
‫تكنولوجيات عسكرية ليك تظل مرنة الحركة‪ ،‬ولكن من دون أن تتمتع بالقدرة‬
‫عىل تجاوز الوضع االسرتاتيجي الدفاعي بالرضورة‪ .‬يف النهاية يفيد التهجني الجيوش‬
‫النظامية من الناحية التكتيكية مبا ال يسمح للمنظامت غري النظامية من الوصول‬
‫‪230‬‬
‫أمناط احلرب‪...‬‬

‫إىل أهدافها السياسية‪ .‬وهكذا فإن انتصار حزب الله عىل إرسائيل يف يوليو ‪2006‬‬
‫قد ضمن بقاء الحزب وساعد عىل زيادة سيطرته السياسية عىل لبنان من دون أن‬
‫يؤدي ذلك إىل تدمري الدولة العربية‪.‬‬
‫٭٭٭‬
‫لذلك غالبا ما تعترب االسرتاتيجيات غري النظامية مبنزلة مرحلة متوسطة من‬
‫مراحل تحقيق أهداف الحرب‪ .‬وألنه يتم تبني هذه االسرتاتيجيات تحت الضغط‬
‫وليس كنتائج الختيار تعتمده الجهات الفاعلة‪ ،‬فإنها تحقق وظيفتني‪ .‬أوال‪ :‬تعكس‬
‫الحاجة التي ترغب فيها الجهة الفاعلة يف تجنب حدوث معركة حاسمة‪ .‬ثانيا‪:‬‬
‫تسعى هذه االسرتاتيجيات إىل توسيع نطاق القتال عىل املجتمع بأكمله‪ .‬وألنها‬
‫قد تتخذ مجموعة متنوعة من األشكال‪ ،‬فإن االسرتاتيجيات غري النظامية تهتم‬
‫بشكل رئييس باألطراف الفاعلة من غري الدول‪ .‬إن النجاحات التي ميكن ْأن تحققها‬
‫األطراف الفاعلة ال ميكن ْأن تنسب إىل اختياراتهم االسرتاتيجية الوحيدة‪ .‬لهذا تتمثل‬
‫املميزات الرئيسية للدراسات االسرتاتيجية يف التشديد عىل حدود النهج املفرط يف‬
‫الحتمية االسرتاتيجية من خالل التأكيد عىل تعدد العوامل الواجب مراعاتها‪ .‬عىل‬
‫هذا النحو يكون تحليل أمناط الحرب عبارة عن تذكري دائم باألهمية االسرتاتيجية‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫الهوامش‬
Withe
‫الهوامش‬
‫مقدمة املرتجم‬
(1) Lawrence Freedman, Strategy. A History, Oxford, Oxford University
Press, 2013, p. 8.

‫االفتتاحية‬
:‫) تستقي هذه االفتتاحية مادتها وتطور بعض مكوناتها من مقالة باسكال فانسون‬1(
،»‫«اسرتاتيجية‬
Cet avant-propos reprend et prolonge certains éléments issus de Pascal Ven-
nesson, «Stratégie», in Thierry Balzacq, Frédéric Ramel (dir.), Traité de
relations internationales, Paris, Presses de Sciences-Po, 2013, p. 717-745.
(2) Barry Buzan, Lene Hansen, The Evolution of International Security Stud-
ies, Cambridge, Cambridge University Press, 2009, p. 73, 77, 89, 187.
(3) Ibid., p. 2, 37; Rob Ayson, «Strategic studies», in Christian Reus-Smit,
Duncan Snidal (éd.), The Oxford Handbook of International Relations,
Oxford, Oxford University Press, 2008, p. 567.
(4) Rob Ayson, «Strategic studies», art. cit., p. 558-575, 558-559, 567-568.
(5) Ken Booth, «Critical explorations», in Ken Booth (éd.), Critical Security
Studies and World Politics, Boulder, Lynne Rienner, 2005, p. 4-10.
(6) Paul Gédéon Joly de Maizeroy, Théorie de la guerre, Lausanne, Aux
dépens de la société, 1777, p. 1.
(7) Pierre Vendryès, De la probabilité en histoire. L’exemple de l’expédition
d’Égypte [1952], Paris, Économica, 1997; Lucien Poirier, Le Chantier
stratégique. Entretiens avec Gérard Chaliand, Paris, Hachette, 1997, p.
72-73.
(8) Sur ces questions en science politique: Mathias Delori, Delphine De-
schaux- Beaume, Sabine Saurugger (dir.), Le Choix rationnel en sci-
ence politique. Débats critiques, Rennes, Presses universitaires de
Rennes, 2009; Pierre Favre, «Des paradigmes dans la science politique
Française?», Revue française de science politique, 2010, vol. LX, no 5,
p. 997-1021.
(9) Christian Schmidt, Penser la guerre, penser l’économie, Paris, Odile Ja-
cob, 1991; David Lake, Robert Powell (éd.), Strategic Choice and Inter-
national Relations, Princeton, Princeton University Press, 1999.
(10) Lucien Poirier, Les Voix de la stratégie. Généalogie de la stratégie mili-
taire, Guibert, Jomini, Paris, Fayard, 1985, p. 75-115.
(11) Prince Charles-Joseph de Ligne, Préjugés militaires [1783], Paris, Li-
brairie ancienne Honoré Champion, 1914, p. 36.
(12) Carl von Clausewitz, De la guerre [1832-1834], Paris, Minuit, 1955,
p. 69.
(13) Thomas C. Schelling, Arms and Influence, New Haven, Yale University

235
‫حرب واسرتاتيجية‬
Press, 1966, p. vii, 180; id., Stratégie du conflit, Paris, Puf [1960], 1986,
p. 162-167.
(14) Edward N. Luttwak, Le Paradoxe de la stratégie, Paris, Odile Jacob,
1989.
(15) Pierre Vendryès, De la probabilité en histoire. L’exemple de l’expédition
d’Égypte, op. cit., p. 9-18, 267-300.
(16) Pascal Vennesson, «Bombarder pour convaincre? Puissance aérienne,
rationalité limitée et diplomatie coercitive au Kosovo», Cultures et con-
flits, 2000, vol. II, no 37, p. 23-59.
(17) Paul-Gédéon Joly de Maizeroy, Théorie de la guerre, op. cit., p. xxxiv.
(18) Carl von Clausewitz, op. cit., p. 64-65; Raymond Aron, Penser la guerre.
Clausewitz, vol. I. L’Âge européen, Paris, Gallimard, coll. «Tel», 1976,
p. 195-235.
(19) Napoléon, De la guerre [1807], Paris, Perrin, 2011, p. 150.
(20) Ferdinand Foch, Des principes de la guerre [1903], Paris, Imprimerie
nationale, 1996, p. 89.
(21) Stephen Biddle, Military Power. Explaining Victory and Defeat in Mod-
ern Battle, Princeton, Princeton University Press, 2004.
(22) Rob Ayson, «Strategic studies», art. cit., p. 558-559, 567-568.
(23) Bernard Brodie, War and Politics, New York, MacMillan, 1973, p. 433-
496.
(24) Jules Lewal, Études de guerre. Partie organique, Paris, Imprimerie et
librairie militaires J. Dumaine, 1873, p. 1-33; Julian S. Corbett, Principes
de stratégie maritime [1911], Paris, Économica, 1993, p. 27-32; Lucien
Poirier, Le Chantier stratégique. Entretiens avec Gérard Chaliand, op.
cit., p. 20, 98-99.
(25) Edward N. Luttwak, Le Paradoxe de la stratégie, op. cit.

‫املقدمة‬
(1) Raymond Aron, Paix et guerre entre les nations, Paris, Calmann-Lévy,
2004, p. 98.
(2) Quincy Wright, A Study of War, vol. I et II, Chicago, University of Chi-
cago Press, 1942.
(3) Lawrence Freedman, Strategy. A History, Oxford, Oxford University
Press, 2013, p. 8.
(4) Hervé Coutau-Bégarie, Traité de stratégie, Paris, Économica/ISC, coll.
«Biblio-thèque stratégique», 2011.
‫) «ميكن تعريف املكتبة االسرتاتيجية بأنها تلك التي تتضمن مجموعة متكاملة من جميع‬5(
‫ كام أنها تتضمن مجموعة الوسائط التي ترتبط بهذه‬،‫املعارف االسرتاتيجية املكتسبة‬
‫تعب عن هويتها من خالل تعدد الهويات االسرتاتيجية التي‬
ّ ‫ والتي ينبغي أن‬،‫املعارف‬

236
‫الهوامش‬
‫ بحيث تدلل عىل التطور التدريجي ولكن املنظم لألفكار التي تتطور بشكل‬،‫متلكها‬
.‫أفضل من خالل ما تعكسه إسهامات املامرسني واملنظرين‬
Lucien Poirier, Les Voix de la stratégie. Généalogie de la stratégie militaire,
Guibert, Jomini, Paris, Fayard, 1985, p. 35.
(6) Hervé Coutau-Bégarie, Traité de stratégie, op. cit., p. 36.
(7) François Ost, Michel van de Kerchove, «De la scène au balcon. D’où
vient la science du droit?», in François Chazel, Jacques Commaille
(dir.), Normes juridiques et régulation sociale, Paris, LGDJ, coll. «Droit
et société», 1991, p. 77.
‫ التي تتطلب مراعاة العوامل‬،»‫ املعركة‬- ‫) عىل النقيض من حركة «التاريخ الجديد‬8(
.‫االجتامعية والسياسية وأيضا االقتصادية من أجل فهم حالة تاريخية معينة‬
Voir Laurent Henninger, «La nouvelle histoire-bataille», Espace temps,
1999, vol. LXXI, no 71-73, p. 35-46.
(9) Charles-Philippe David, La Guerre et la paix. Approches contempo-
raines de la sécurité et de la stratégie, Paris, Presses de Sciences-Po, coll.
«Références inédites», 2000, p. 21.
‫ مثل يوهان غالتونغ‬،‫) نذكر عىل وجه الخصوص هذه الحالة لشخصيات تاريخية مؤ ّثرة‬10(
.‫أو بيورن مولر‬
.‫ أسوأ ما يف الحالتني‬.‫ تكنولوجيا حرب العصابات والحرب الهجينة‬،‫انظر أيضا جوزيف هرنوتني‬
Voir notamment Joseph Henrotin, Techno-guérilla et guerre hybride.
Le pire des deux mondes, Paris, Nuvis, 2014.
‫ تهدف كل العمليات العسكرية إىل تحقيق السالم وتحسني وضع عام كان عليه‬،‫) عمليا‬11(
‫ تشري هذه األحداث إىل العمليات التي ُنفذت برﻋﺎﻳﺔ اﻷﻣﻢ‬،‫ بعبارات محددة‬.‫من قبل‬
.‫املتحدة‬
(12) Arthur John Richard Groom, «Paradigms in conflict. The strategist, the
conflict researcher and the peace researcher», Review of International
Studies, 1988, no 14, p. 97- 115.
(13) Voir les différentes éditions de John J. Baylis, James Wirtz, Colin S.
Gray, Strategy in the Contemporary World, Oxford, Oxford University
Press, 2013.
(14) Pierre Favre, Comprendre le monde pour le changer. Épistémologie du
politique, Paris, Presses de Sciences-Po, 2005.
(15) Voir par exemple Robert del Picchia, «Rapport d’information sur le
renforcement de la fonction d’anticipation stratégique depuis les Livres
blancs de 2008», Paris, Commission des affaires étrangères, de la défense
et des forces armées du Sénat, no 585, 8 juin 2011.
(16) Alain Bauer, Déceler, étudier, former. Une voie nouvelle pour la re-
cherche stratégique, Paris, La Documentation française, mars 2008, p.
11.
‫ تتعلق بتوفري مراكز البحوث‬-‫ ذات طبيعة مادية‬،‫) رمبا ال تكون املشكلة الحقيقية‬17(

237
‫حرب واسرتاتيجية‬
‫ بقدر ما ترتبط بحرية التعبري لدى‬،‫وأدوات لالتصاالت – أو حتى ذات طبيعة سياسية‬
‫ حيث إن انخفاض مستويات التعبري منذ ستينيات القرن املايض‬،‫رجال القوات املسلحة‬
.‫ إىل عدم أخذ نتائج البحوث أو مناقشتها بعني االعتبار‬،‫ بدوره‬،‫أدى‬
(18) Voir notamment Hervé Coutau-Bégarie, «La recherche stratégique en
France», Annuaire français de relations internationales, vol. I, Paris, La
Documentation française, 2000.
(19) Alain Bauer, Déceler, étudier, former. Une voie nouvelle pour la re-
cherche stratégique, op. cit.
(20) Voir à ce sujet Olivier Schmitt, «De l’utilité des études stratégiques»,
Défense & sécurité internationale, février 2014, no 100 et une réponse :
Benoist Bihan, «De la nécessité du débat stratégique», Défense & sécu-
rité internationale, avril 2014, no 102.

‫الفصل األول‬
(1) Pour une anthologie de cette littérature : Gérard Chaliand, Anthologie
mondiale de la stratégie. Des origines au nucléaire, Paris, Robert Laf-
font, coll. « Bouquins », 1990.
Hervé Coutau-Bégarie aborde un panorama historique des pensées asi-
atiques et occidentales dans les différentes éditions de son Traité de
stratégie (Paris, Économica/ISC, coll. «Bibliothèque stratégiqu», 2011).
‫) يجرنا الحديث إىل ما يتعلق بأبعاد وأزمنة السالم يف «االسرتاتيجيات الكربى» عند‬2(
‫ليدل هارت «واالسرتاتيجيات املتكاملة» عند ألكسندر سفيشني ولوسيان بوارييه‬
‫ يعمل هذا اإلفراط يف الحديث عن‬،‫ يف الواقع‬.‫«واسرتاتيجيات عامة» عند كاستكس‬
،‫االسرتاتيجية عىل توسيع الفجوة مع الوسائل العسكرية عىل وجه التحديد من ناحية‬
.‫والتكتيكات من ناحية أخرى‬
(3) Pour une approche de la pensée et des penseurs stratégiques : Beatrice
Heuser, The Evolution of Strategy. Thinking War from Antiquity to the
Present, Cambridge, Cambridge University Press, 2010,
ainsi que l’anthologie qui l’accompagne, The Strategy Makers. Thoughts
on War and Society from Machiavelli to Clausewitz, Santa Barbara,
Praeger-ABC, coll. « Clio », 2011.
Toutefois, l’ouvrage de référence sur la pensée stratégique est celui de
Lawrence D. Freedman, Strategy. A History, New York, Oxford Univer-
sity Press, 2013.
Sur les penseurs eux-mêmes, la somme d’Edward Mead Earle com-
mencée en 1943 et poursuivie par Peter Paret à partir de 1986 reste in-
contournable : Peter Paret, Gordon A. Craig, Felix Gilbert (éd.), Makers
of Modern Strategy. From Machiavelli to the Nuclear Age, Princeton,
Princeton University Press, 1992.
‫ سواء‬،‫) ينشأ التوتر فقط عندما يفضل عديد من املؤلفني البحث عن مبادئ أقل رصامة‬4(

238
‫الهوامش‬
.)‫تعلق األمر بالحرب بشكل عام (فولر) أو تعلق باالسرتاتيجية البحرية (كوربيت‬
(5) Corollaire, pour Charles Tilly, « la guerre a fait l’État et l’État a fait la
guerre ».
Sur cette question: Michel Fortmann, Les Cycles de mars. Révolutions
militaires et édification étatique de la Renaissance à nos jours, Paris,
Économica/ISC, 2010.
‫) ُترجمت معاهدته الخاصة بالتحصينات والهجوم والدفاع عن األماكن إىل اللغة الفرنسية‬6(
.1872 ‫يف العام‬
Son Traité de fortification, d’attaque et de défense des places a été tra-
duit en français en 1872.
- ‫ «الصعود» – الذي يتضمن اعتبارات تكتيكية‬:‫) يواصل زينوفون تحرير كتابه التاريخي‬7(
.»‫ «سايروبايديا‬:‫ وكتابه‬- ‫عن معاهدة فن الفروسية – واسرتاتيجية‬
C’est le cas de Xénophon qui poursuit son œuvre historique – l’Ana-
base– par des considérations tactiques – Traité de l’art équestre – et déjà
stratégiques– La Cyropédie.
(8) Thucydide, Histoire de la guerre du Péloponnèse, Paris, Gallimard, coll.
« Folio classique », 2000.
(9) Arthur M. Eckstein, « Thucydides, the outbreak of the Peloponnesian
war, and the foundations of international systems theory », The Interna-
tional History Review, décembre 2003, vol. XXV, p. 757-774.
(10) Athanassios Platas, Constantinos Koliopoulos (dir.), Thucydides on
Strategy. Grand Strategies in the Peloponnesian War and the Relevance
Today, Londres, Hurst Publishers, 2010.
(11) Felix Gilbert, «Machiavelli. The renaissance of the art of war», in Peter
Paret,
Gordon A. Craig, Felix Gilbert (dir.), Makers of Modern Strategy. From
Machiavelli to the Nuclear Age, op. cit., p. 11-31.
‫ أما عن عمل ميكيافييل اآلخر‬.‫ إىل النموذج الروماين‬،‫ بشكل خاص‬،‫يشري ميكيافييل‬
‫ أو التي تهتم باالعتبارات السياسية‬،‫(التأمالت التكتيكية التفصيلية إىل حد بعيد‬
‫ فيتضمن خطابا يتعلق بالعقد األول الذي كتبه تيتوس ليفيوس‬،)‫والعسكرية بالتناوب‬
.‫ يف حني أهملته كثريا األجيال الالحقة‬،1531 ‫يف العام‬
(12) Nicolas Machiavel, Le Prince, Paris, Puf, coll. « Quadrige », 2014.
(13) Pierre Manent, Les Métamorphoses de la cité. Essai sur la dynamique
de l’Occident, Paris, Flammarion, 2010.
(14) Azar Gat, The Origins of Military Thought. From the Enlightenment
to Clausewitz, Oxford, Oxford University Press, 1991.
‫النقاش مؤيدو جناح (ما يسمى «تنظيم القوات يف العمق») امللتفون حول‬ َ ‫) يضع هذا‬15(
‫القائد فوالر وأتباع التيار ا ُملسمى («وضع القوات عىل جبهة ممتدة») ومؤيدو «قوات‬
‫ سيجري التغايض عن هذا النقاش خالل‬.‫التطويق» لفريدريك الثاين الذي َن َّظر له جيبري‬
‫ األكرث لفتا لالنتباه هو‬.‫حروب الثورة من خالل إنشاء نظام مختلط يجمع بني الفريقني‬

239
‫حرب واسرتاتيجية‬
‫غزارة واتساع رقعة األدب األورويب املشارك يف هذا النقاش‪ ،‬لذلك ال ُيبدي فريدريك‬
‫الثاين أنه يتجاهل املشاركة فيه‪.‬‬
‫ّ‬
‫ميكيافيل إىل كالوزفيتز»‪،‬‬ ‫انظر برونو كولسون‪« :‬فن الحرب من‬
‫‪Voir Bruno Colson, L’Art de la guerre de Machiavel à Clausewitz, Na-‬‬
‫‪mur, Presses universitaires de Namur, 1999.‬‬
‫(‪ )16‬يف كتابه التاريخي عن بوليبيوس (الذي صدر يف الربع األول من القرن الثامن عرش)‪،‬‬
‫تحدث القائد فوالر عن ال ُبعد االسرتاتيجي للتخطيط الهجومي وطريقة املعركة‬
‫الحاسمة‪.‬‬
‫(‪ )17‬هذا املفهوم العقالين قاد بولو إىل وصف االسرتاتيجية بأنها تشمل «جميع التحركات‬
‫خارج مدى رؤية أو مدى نريان العدو»‪.‬‬
‫منقول عن بيرت باريت‪« :‬كالوزفيتز والدولة‪ .‬الرجل‪ ،‬النظريات واملراحل»‪،‬‬
‫‪Cité par Peter Paret, Clausewitz and the State. The Man, His Theories‬‬
‫‪and His Times, Princeton, Princeton University Press, 1983, p. 91.‬‬
‫(‪ُ )18‬أعيد نرش هذا الكتاب ضمن منشورات إكونوميكا يف ‪ 2005‬حيث كتب املقدمة جني‬
‫‪ -‬بيري بواس‪،‬‬
‫‪Livre réédité par les éditions Économica en 2005 et présenté par Jean-‬‬
‫‪Pierre Bois.‬‬
‫‪(19) Lucien Poirier, Les Voix de la stratégie. Généalogie de la stratégie mil-‬‬
‫‪itaire, Guibert, Jomini, Paris, Fayard, 1985.‬‬
‫(‪ )20‬التفسري الذي يقدمه كالوزفيتز يساعد يف إنتاج عديد من األعامل‪ .‬ففي العرص‬
‫الحديث‪ ،‬التزال تلجأ املراجع إىل أعامل رميون آرون‪.‬‬
‫‪Raymond Aron, Penser la guerre. Clausewitz, vol. I et II, Paris, Galli-‬‬
‫; ‪mard, coll. « Tel », 1976‬‬
‫‪Michael Howard, Clausewitz. A Very Short Introduction, Oxford, Ox-‬‬
‫; ‪ford University Press, 2003‬‬
‫‪Antulio J. Echevarria, Clausewitz and Contemporary War, New York,‬‬
‫‪Oxford University Press, 2007.‬‬
‫(‪ )21‬لتكن هذه هي البداية التي يصبح بعدها أي التزام بالقوة غري مثمر‪.‬‬
‫(‪ )22‬لتكن هذه هي «وسيلة» القوة املعادية‪ .‬قد تحتفظ مناهج التخطيط املعارصة مبنهجني‬
‫اثنني‪ )1 :‬عىل املستوى اإلجرايئ‪ ،‬فتحقيقها يتيح الوصول إىل ‪ )2‬مركز الثقل االسرتاتيجي‪.‬‬
‫بعبارات محددة‪ ،‬مازالت تدور مناقشات حول طبيعتها الدقيقة‪ ،‬مبا أن كالوزفيتز نفسه‬
‫لديه بعض الغموض‪.‬‬
‫‪(23) Sur la réception de Clausewitz : Christopher Bassford, Clausewitz in‬‬
‫‪English. The Reception of Clausewitz in Britain and America (1815-‬‬
‫; ‪1945), New York, Oxford University Press, 1994‬‬
‫‪Benoît Durieux, Clausewitz en France. Deux siècles de réflexion sur la‬‬
‫‪guerre, Paris, Économica/ISC, 2008.‬‬
‫(‪ )24‬يف تحوالت الحرب ‪ ،1911‬يؤكد جني كولني‪ ،‬أيضا الحاجة إىل االنسحاب السيايس مبجرد‬
‫انطالق األعامل العدائية‪.‬‬
‫‪(25) Jack L. Snyder, The Ideology of the Offensive. Military Decision Mak-‬‬

‫‪240‬‬
‫الهوامش‬
ing and the Disasters of 1914, Ithaca, Cornell University Press, 1984.
Voir également Antulio J. Echevarria II, «The “cult of the offensive” re-
visited. Confronting technological change before the Great War», Jour-
nal of Strategic Studies, 2002, vol. XXV, no 1, p. 199-216.
(26) Jean-Vincent Holeindre, « Violence, guerre et politique : étude sur le
retournement de la “formule” de Clausewitz », Res militaris, été 2011,
vol. I, no 3.
(27) Bruno Colson, La Culture stratégique américaine. L’influence de Jomini,
Paris, Économica/ISC, 1993.
(28) Jean-Jacques Langendorf, Faire la guerre. Antoine-Henri Jomini, vol. I
et II, Genève, Georg, 2001 et 2004.
(29) John I. Alger, The Quest for Victory. The History of the Principles of
War, Westport, Greenwood Press, 1982.
(30) Olivier Entraygues, Le Stratège oublié. J. F. C. Fuller (1913-1933),
Bourges, Brèches, 2012.
‫) بسبب عمليات االقرتاض التي تصل إىل حد الرسقة ولكن أيضا نتيجة لألحاديث الودية‬31(
.‫مع الجرناالت األملان يف أثناء الحرب العاملية الثانية‬
‫ «ليدل هارت وأهمية‬،‫ سرية جون مريشيمر الحرجة للغاية‬،‫انظر عىل سبيل املثال‬
،»‫التاريخ‬
Voir par exemple la biographie très critique de John Mearsheimer, Lid-
dell Hart and the Weight of History, Ithaca, Cornell University Press,
1988.
(32) André Beaufre, Introduction à la stratégie, Paris, Armand Colin, 1963.

‫الفصل الثاين‬
َ ‫) الكفاءة تعني العالقة بني الوسائل التي ُنفذت والنتيجة التي ُي‬1(
‫ أما الفعالية‬،‫حصل عليها‬
.‫فتعني العالقة بني األهداف التي ُتحدَّد واآلثار املرتتبة عليها‬
.Hervé Coutau Bégarie, Traité de stratégie, Paris, Économica/ISC, 1997 )2(
‫) ُتعرف العقالنية الذرائعية بالقدرة عىل إحداث الغايات والوسائل يف الفعل وأيضا من‬3(
‫ ميكن أن يتسع املعنى ليشمل‬.‫ املنفعة‬/‫خالل إيجاد أفضل عالقة بني نسبة التكلفة‬
.)‫العقالنية املحدودة (انظر الخامتة‬
‫ ولنحاول الرتكيز‬،‫) ل ُنن َِّح جانبا االسرتاتيجية العسكرية اإلجرائية ومجاالت عملها الثانوي‬4(
.‫عىل االسرتاتيجية من حيث املفهوم وليس من حيث أشكالها املتعددة‬
Hervé Coutau-Bégarie, Traité de stratégie, op. cit., p. 73.
‫ أما الوضع االفرتايض فيعني التعبئة‬،‫) الوضع الحقيقي يعني التنفيذ الفعال للعنف املسلح‬5(
.‫الوهمية يف صورة تهديد عىل سبيل املثال‬
.‫ فال ينبغي الخلط مع االعتبارات األخالقية‬.‫ مبا يعني النفسية‬،»‫) أي «الروح املعنوية‬6(
‫ حالة علم االجتامع‬:‫ «رشوط ظهور وتطوير علم االجتامع التخصيص‬:‫) برنار بوين‬7(
،»‫العسكري يف الواليات املتحدة‬
Bernard Boëne, «Conditions d’émergence et de développement d’une

241
‫حرب واسرتاتيجية‬
‫‪sociologie spécialisée: le cas de la sociologie militaire aux États-Unis»,‬‬
‫‪;thèse d’État, Paris-V, 1995‬‬
‫لور بارديز‪« :‬قرنان من علم االجتامع العسكري يف فرنسا (‪ )1991 - 1815‬العلوم‬
‫االجتامعية لعلم االجتامع»‪،‬‬
‫‪Laure Bardiès, «Deux siècles de sociologie militaire en France (1815-‬‬
‫‪1991): sociologie d’une sociologie», thèse de doctorat, Toulouse-I, 2008.‬‬
‫‪(8) Bernard Boëne, «Méthodes, concepts et théories dans le champ mili-‬‬
‫‪taire», Res militaris, hiver-printemps 2013, vol. III, no 2, p. 11.‬‬
‫‪Voir également id., «Method and substance in the military field», Euro-‬‬
‫‪pean Journal of Sociology, 2008, no 3, p. 367-398.‬‬
‫‪(9) Dominique Schnapper, La Compréhension sociologique, Paris, Puf,‬‬
‫‪1999, p. 15.‬‬
‫(‪« )10‬ال يعني هذا األمر أن أخالقيات االعتقاد ُمامثلة لغياب املسؤولية‪ ،‬كام أن أخالقيات‬
‫املسؤولية ُتاثل غياب االعتقاد‪ .‬من الواضح أن األمر غري مطروح للمناقشة‪ .‬عىل أي حال‬
‫هناك معارضة عميقة بني موقف الشخص الذي يترصف وفقا ملبادئ أخالق االعتقاد –‬
‫من املنطلق الديني نقول‪« :‬إن املسيحي يقوم بواجبه‪ ،‬أما ما يتعلق بنتيجة الفعل فهذا‬
‫يعود إىل الله» ‪ -‬وموقف الشخص الذي يترصف وفقا ألخالقيات املسؤولية التي تقول‪:‬‬
‫«يجب علينا االستجابة للعواقب املتوقعة نتيجة ألفعالنا»‪ .‬سوف تفقد وقتك يك توضح‪،‬‬
‫رض قدر املستطاع‪ ،‬ألحد النقابيني املقتنع بحقيقة أخالقيات االعتقاد‪ ،‬أن فعله‬ ‫بشكل ُم ٍ‬
‫لن يكون له تأثري آخر سوى زيادة فرص رد الفعل‪ ،‬عن طريق التقليل من مساعدة‬
‫أتباعه ومن ثم استخدامهم فيام بعد‪ ،‬إنه األمر الذي ال ميكن تصديقه‪ .‬عندما تصدر‬
‫عواقب الفعل املؤسفة عن اعتقاد رصيح‪ ،‬فإن مؤيد هذه األخالق لن ينسب املسؤولية‬
‫للعا ِمل‪ ،‬بل إىل هذا العالَم وإىل حامقة البرش‪ ،‬وأيضا ستكون املسؤولية وفقا إلرادة الله‬
‫التي خلقت الرجال‪ .‬عىل العكس من ذلك‪ ،‬فإن أتباع أخالقيات املسؤولية سيعتمدون‪،‬‬
‫عىل وجه التحديد‪ ،‬عىل اإلخفاقات العامة لإلنسان (ألنه‪ ،‬كام قال فيخته ‪ Fichte‬صدقا‪،‬‬
‫ال ميلك املرء أن يفرتض الخري والكامل يف اإلنسان)‪ ،‬كام أنه أشار إىل عدم قدرته عىل‬
‫جعل اآلخرين يتحملون عواقب أفعاله يك ميكن التنبؤ بها‪ .‬ثم إنه أردف قائال‪« :‬هذه‬
‫العواقب ُتنسب إىل فعيل الخاص»‪ .‬لن يشعر مؤيد أخالق االعتقاد «باملسؤولية» إال‬
‫عند الحاجة إىل مراقبة النور الذي ينبعث من العقيدة الرصيحة حتى ال تخبو أبدا‪،‬‬
‫فعىل سبيل املثال‪ ،‬إن النور هو الذي ُيغذي االحتجاج ضد الظلم االجتامعي‪ .‬إنها‬
‫األفعال‪ ،‬التي ال ميكن ويجب أال تتمتع إال بقيمة مثالية‪ ،‬والتي ُتعترب من وجهة نظر‬
‫الهدف املحتمل‪ ،‬غري عقالنية متاما وال ميكن أن يكون لها سوى نهاية واحدة‪ :‬اإلرشاق‬
‫الدائم للنور من خالل االعتقاد»‪.‬‬
‫انظر ماكس فيرب‪« :‬ال َعالِم والسيايس»‪،‬‬
‫‪Max Weber, Le Savant et le Politique, Paris, Plon, 1995.‬‬
‫‪(11) Carl von Clausewitz, De la guerre, Paris, Minuit, 1955, p. 703.‬‬
‫‪(12) Thomas Schelling, The Strategy of Conflict, Harvard, Harvard Univer-‬‬
‫‪sity Press, 1981.‬‬
‫(‪ )13‬من الصعب نفسيا إىل حد ما أن َنثني اآلخرين عن الترصف بدال من إقناعهم بالعودة‬
‫إىل األمر الواقع‪ .‬ال يقتيض هذا التوقف سوى االمتناع عن ترصف محتمل مل ُي َ‬
‫تخذ قراره‬

‫‪242‬‬
‫الهوامش‬
‫النهايئ‪ ،‬وفقا ملرشوع ُأ ِعد له بشكل جزيئ‪ ،‬أو مل ُيرشع من البداية يف تنفيذه [‪ .]...‬عىل‬
‫العكس‪ ،‬فاالقتناع يتطلب تبني القرار املفروض عليه من الخارج خالفا ملا سبق [‪.]...‬‬
‫لهذا يصعب عىل املنفعة املتوقعة للفعل الذي توقف أو الذي عُ دل أن ترمي إىل‬
‫اإلقناع‪ ،‬كام أن خسائرها املادية أو ضياع هيبتها لن تكون بال طائل‪ .‬لكل هذه األسباب‬
‫املتقاربة‪ ،‬يكون تأثري العائق النفيس للمنع أسهل نظريا من التأثري القرسي لإلقناع‪.‬‬
‫انظر لوسيان بواريي‪« :‬االسرتاتيجيات النووية»‪،‬‬
‫‪Lucien Poirier, Des stratégies nucléaires, Paris, Hachette, 1977, p. 134.‬‬
‫‪(14) Julien Freund, L’Essence du politique, Paris, Dalloz, 2003.‬‬
‫‪(15) Jean Baechler, Les Phénomènes révolutionnaires, Paris, La Table ronde,‬‬
‫‪2006.‬‬
‫(‪ )16‬يتناول هذا البحث موضوع السيطرة‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬من خالل الجهاز العسكري‬
‫(الذي يتمتع بدرجة عالية من مركزية القرار والتسلسل الهرمي الحقيقي والشكيل‬
‫واملنهجية واألخالقيات املِهنية والتأهيل والتدريب‪ ...‬إلخ)‪ ،‬ومن خالل منوذج‬
‫العقلنة لبعض الجوانب املتعلقة بالعنف العسكري (أي التخطيط والتفكري التكتييك‬
‫واالسرتاتيجي بشكل غري رسمي أو عقائدي)‪ .‬يجب عقلنة بعض الجوانب فقط ألن‬
‫العوامل الالعقالنية أو غري املنطقية تسهم يف فاعلية الفعل العسكري‪ :‬التأثريات‬
‫والتقاليد وأحيانا تسهم كاريزما الرؤساء يف متاسك القوات وتكون هي الباعث عىل‬
‫القتال‪ .‬من وجهة النظر العملية‪ ،‬ال يتمثل الهدف املؤسيس يف عقلنة مامرسة العنف‬
‫العسكري بالكامل‪ ،‬بل يف التمييز بني ما هو قابل ألن يكون عقالنيا وما هو غري ذلك‪،‬‬
‫وكذلك يف السيطرة بطريقة عقالنية عىل العوامل الالعقالنية لجعلها تتحرك يف إطار‬
‫فعالية الفعل الجامعي‪.‬‬
‫‪(17) Raymond Aron, Penser la guerre. Clausewitz, vol. I et II, Paris, Galli-‬‬
‫‪mard, coll. « Tel », 1976.‬‬
‫‪Pour une introduction limpide à la pensée clausewitzienne, voir Benoît‬‬
‫‪Durieux, Relire De la guerre de Clausewitz, Paris, Économica, 2005.‬‬
‫‪(18) Voir par exemple Ardant du Picq, Études sur le combat. Combat an-‬‬
‫;‪tique et combat moderne, Paris, Ivrea, 1978‬‬
‫‪Paul Fussel, À la guerre. Psychologie et comportements des soldats pen-‬‬
‫‪dant la Seconde Guerre mondiale, Paris, Seuil, coll. « Point », 2003.‬‬
‫(‪« )19‬خالل الحرب يكون كل يشء بسيطا للغاية‪ ،‬عىل الرغم من أن أبسط يشء قد يكون‬
‫صعبا‪ .‬ترتاكم الصعوبات وتؤدي إىل االحتكاك بحيث ال ميكن ألحد تجسيده بشكل‬
‫صحيح إذا مل يشارك يف الحرب [‪ ]...‬لذلك‪ ،‬خالل الحرب يكون انخفاض املستوى نتيجة‬
‫لحاالت طارئة ثانوية ال حرص لها وال ميكن دراستها من كثب من خالل األوراق فقط‪،‬‬
‫األمر الذي يجعلنا بعيدين عن الهدف [‪ ]...‬اآللة العسكرية‪ ،‬أي الجيش وكل ما له‬
‫عالقة به‪ ،‬يبدو يف الواقع بسيطا للغاية‪ ،‬ومن ثم يكون من السهل التعامل معه‪ .‬ولكن‬
‫يجب أن نتذكر أن وحداته ال تتكون من فصيل واحد‪ ،‬وأن الجميع مكون من أفراد‬
‫[‪( ]...‬تظل الكتيبة دامئا هي التشكيلة املكونة من عدد معني من الرجال) وحيث إن‬
‫الكتيبة األقل تكوينا تكون قادرة‪ ،‬بفعل املصادفة‪ ،‬عىل أن تكون سببا وراء التوقف‬
‫أو عدم االنتظام [‪ ،]...‬أما عن االحتكاك املفرط‪ ،‬الذي ال ميكن للمرء‪ ،‬كام هي الحال‬
‫مع امليكانيكا‪ ،‬اللجوء إليه من خالل الرتكيز عىل عدة نقاط‪ ،‬فهو مرتبط ارتباطا وثيقا‬

‫‪243‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬
‫ عىل وجه التحديد ألنها تنتمي إىل‬،‫ وهكذا تتولد ظواهر ال ميكن التنبؤ بها‬،‫باملصادفة‬
.»‫حد كبري إىل املصادفة‬
‫جمع هذه النصوص وع َّلق عليها فرينر‬ َّ ،»‫الحرب‬ ‫«عن‬ :‫كالوزفيتز‬ ‫انظر كارل فون‬
‫ وكتب‬،‫ «عن الحرب» ترجمها إىل الفرنسية دونيز نافيل‬.‫هاهيويج وبون دميلرغ‬
.‫املقدمة بيري نافيل‬
Carl von Clausewitz, Vom Kriege textes rassemblés et annotés par Wer-
ner Hahiweg, Bonn, Dûimmlerg (18e édition). Trad. fr.: De la Guerre,
textes traduits par Denise Naville et présentés par Pierre Naville, Paris,
Minuit, 1973, p.109.
(20) Alan D. Beyerchen, «Clausewitz nonlinearity and the unpredictability
of war», International Security, hiver 1992-1993, vol. XVII, no 3, p. 59-
90.
(21) Herbert Simon, Administrative Behavior, New York, MacMillan, 1947.
(22) Entre autres: Daniel Kahneman, Système 1/Système 2. Les deux vitesses
de la pensée, Paris, Flammarion, 2012.
‫) من أجل تقديم وإعادة التناول النقدي من ِق َبل علم االجتامع لدراسات أجريت‬23(
.»‫باستخدام علم النفس املعريف حول «االنحرافات املعرفية‬
voir Gérald Bronner, L’Empire de l’erreur. Éléments de sociologie cog-
nitive, Paris, Puf, 2007.

‫الفصل الثالث‬
(1) Edward N. Luttwak, Le Grand Livre de la stratégie. De la paix et de la
guerre, Paris, Odile Jacob, 2002, p. 22.
Voir aussi Williamson Murray, Mark Grimsley, «Introduction. On Strat-
egy», in Williamson Murray, MacGregor Know, Alvin Bernstein (dir.),
The Making of Strategy. Rulers, States and War, Cambridge, Cambridge
University Press, 1994, p. 1.
(2) Robert Gilpin, War and Change in World Politics, Princeton, Princeton
University Press, 1981;
Stephen Walt, The Origins of Alliance, Ithaca, Cornell University Press,
1987.
(3) John Mearsheimer, The Tragedy of Great Power Politics, New York, Nor-
ton & Co, 2003, p. 138-145.
‫ يندرج إيكنبريي ضمن املهتمني بالتقاليد الليربالية وببعض االستنتاجات‬،‫) بهذا املعنى‬4(
.‫الواقعية الكالسيكية‬
G. John Ikenberry, After Victory. Institutions, Strategic Restraint and
the Rebuilding of Order After Major Wars, Princeton, Princeton Uni-
versity Press, 2001.
(5) voir International Security, été 2005, vol. XXX, no 1.
(6) David A. Lake, Hierarchy in International Relations, Ithaca, Cornell Uni-

244
‫الهوامش‬
versity Press, 2009.
‫ يعني املبدأ الذي يتعرض لتغريات‬- ‫املبدأ امللزم للنظام الدويل – عندما تعم الفوىض‬
.‫جذرية ناتجة عن العالقات االجتامعية بني دولتني ذوايت سيادة اسمية‬
(7) Margaret S. Archer, Realist Social Theory. The Morphogenetic Approach,
Cambridge, Cambridge University Press, 1995.
(8) Stephen Van Evera, Causes of War. Power and the Roots of Conflict,
Ithaca, Cornell University Press, 1999;
Robert Jervis, Perception and Misperception in International Politics,
Princeton, Princeton University Press, 1976.
(9) Bear F. Braumoller, The Great Powers and the International System,
Cambridge, Cambridge University Press, 2013.
(10) Charles O. Jones, An Introduction to the Study of Public Policy, Bel-
mont, Wadsworth Publishing, 1970..
(11) Pour une mise au point en rapport avec les études stratégiques, voir
Lawrence D. Freedman, Strategy. A History, Oxford, Oxford University
Press, p. 575-588.
(12) Voir par exemple Charles Ostrom, Brian Job, «The president and the
political use of force», American Political Science Review, 1986, vol.
LXXX, no 2, p. 541-566.
‫ ولذلك ينعدم‬.‫) يتعلق األمر بامليل إىل الشعور القوي بالخسارة أكرث من االستمتاع بالربح‬13(
.‫التناسق النوعي بني األرباح والخسائر املتامثلة كميا‬
Daniel Kahneman, Amos Tversky, «Prospect theory. An analysis of
decision under risk», Econometrica, mars 1979, vol. XLVII, no 2, p.
263-291.
.‫) من هنا تأيت أهمية الطريقة التي تتمحور حولها املشكلة‬14(
Voir Alex Mintz, Steven B. Redd, «Framing effect in international ‫انظر‬
.213-relations», Synthese, 2003, vol. CXXXV, no 2, p. 193
(15) Jack Snyder, Myths of Empire. Domestic Politics and International Am-
bition, Ithaca, Cornell University Press, 1993;
Rose McDermott, Risk-Taking in International Politics. Prospect The-
ory in American Foreign Policy, Ann Harbor, University of Michigan
Press, 1998.
(16) Alex Mintz, «The decision to attack Iraq. A noncompensatory theory of
decision-making», Journal of Conflict Resolution, 1993, vol. XXXVII,
no 4, p. 595-618.
‫«ال تعوييض» يعني أن ضعف البديل يف أحد األبعاد ال ميكن تعويضه بالقوة يف بعد‬
.‫آخر‬
(17) Pour une présentation de ces travaux, voir Charles-Philippe David, Au
sein de la Maison Blanche. La formulation de la politique étrangère des
États-Unis, Québec, Presses de l’université Laval, 2004;

245
‫حرب واسرتاتيجية‬
Charles-Philippe David, «L’approche décisionnelle du président en
politique étrangère», in Charles-Philippe David, Louis Balthazar, Justin
Vaïsse, La Politique étrangère des États-Unis. Fondements, acteurs, for-
mulation, Paris, Presses de Sciences-Po, 2008, p. 221-239;
Sébastien Barthe, «Le leadership et le style présidentiels», in Charles-
Philippe David (dir.), Théories de la politique étrangère américaine,
Montréal, Presses de l’université de Montréal, 2013.
(18) Graham Allison, Philip Zelikow, Essence of Decision. Explaining the
Cuban Missile Crisis, New York, Longman, 1999.
(19) Jean Joana, Les Armées contemporaines, Paris, Presses de Sciences-Po,
2012, p. 71-97 et 134-148.
(20) Peter D. Feaver, «The right to be right. Civil-military relations and
the Iraq surge decision», International Security, printemps 2011, vol.
XXXV, no 4, p. 87-125.
(21) Barry Posen, The Sources of Military Doctrine. France, Britain and
Germany Between the World Wars, Ithaca, Cornell University Press,
1984.
(22) Elizabeth Kier, Imagining War. French and British Military Doctrine
Between the Wars, Princeton, Princeton University Press, 1997.
(23) Deborah Avant, Political Institutions and Military Change. Lessons
from Peripheral Wars, Ithaca, Cornell University Press, 1994.
‫سيكون هذا األمر هو حال األنظمة الرئاسية عندما ُيفصل بشكل قاطع بني السلطات‬
.‫الترشيعية والتنفيذية‬
(24) Jacob N. Shapiro, The Terrorist’s Dilemma. Managing Violent Covert
Organizations, Princeton, Princeton University Press, 2013.
(25) Stephen M. Saideman, David P. Auerswald, NATO in Afghanistan.
Fighting Together, Fighting Alone, Princeton, Princeton University
Press, 2014.
(26) Pour une synthèse de ces approches, Theo Farrell, Terry Terriff (dir.),
The Sources of Military Change. Culture, Politics, Technology, Boulder,
Lynne-Riener, 2002.
(27) Pour un exemple récent, Fred D. Kaplan, The Insurgents. David Petrae-
us and the Plot to Change the American Way of War, New York, Simon
& Schuster, 2013.
‫ فإن هذا االنسجام مستحيل للغاية بسبب وجود املنطق الخاص‬،‫) وفقا إلدوارد لوتواك‬28(
.‫بكل مستوى‬
‫انظر‬
Edward N. Luttwak, Le Grand Livre de la stratégie, op. cit., p. 24.
(29) Laure Bardiès, «Raisonnement stratégique et outils conceptuels: de
la guerre aux logiques de guerre», Res militaris, été 2012, vol. II, no 3.

246
‫الهوامش‬
(30) Thomas Schelling, Stratégie du conflit, Paris, Puf, 1986.
.‫ يتعلق األمر بتحديد مركز ثقل الخصم‬،‫) مبعنى آخر‬31(
(32) Richard K. Betts, American Force. Dangers, Dilemmas and Delusions
in National Security, New York, Columbia University Press, 2011.
(33) David Kilcullen, The Accidental Guerrilla. Fighting Small Wars in The
Midst of A Big One, Oxford, Oxford University Press, 2009.
(34) Emile Simpson, War From The Ground-Up. Twenty-First Century
Combat as Politics, Londres, Hurst & Co, 2012, p. 67.
(35)Stephen Biddle, Jacob N. Shapiro, Jeffrey A. Friedman, «Testing the
surge. Why did violence decline in Iraq in 2007?», International Securi-
ty, été 2012, vol. XXXVII, no 1, p. 7-40.
(36) Adam Elkus, «Beyond strategy as a means to an end», Infinity Journal,
hiver 2014, vol. III, no 4, p. 11-15.
‫) التحليل املعاكس للواقع عبارة عن تعديل بعض متغريات الزمن املايض من أجل‬37(
.‫التحكم بشكل أفضل يف نتائج الزمن الحارض‬
Voir par exemple Richard Ned Lebow, Forbidden Fruits. Counterfactu-
als and International Relations, Princeton, Princeton University Press,
2008.

‫الفصل الرابع‬
(1) Peter Singer, “The level of analysis in international relations”, World Pol-
itics, octobre 1961, vol. XIV, p. 77-92.
(2) New York, Columbia University Press, 1959.
(3) Francis Balle, “Communication”, in Raymond Boudon (dir.), Traité de
sociologie, Paris, Puf, 1992, p. 540.
‫ يطرح ديفيد إيستون فكرة تبني املذهب السلويك‬،‫) خالل هذا الخطاب املثري للجدل‬4(
‫ فيجب عىل‬.‫وما يقتضيه ذلك بالرضورة من وجود ثورة علمية وفكرية عىل حد سواء‬
‫املتخصص يف العلوم السياسية أن يعتمد ليس فقط عىل تطبيق النهج السلويك عىل‬
‫ ولكن عليه أيضا أن يتعهد‬،‫النموذج اإلجرايئ والتجريبي املامثل للعلوم التجريبية‬
.)‫باملشاركة يف حياة املدينة (وذلك باتخاذ موقف يف مواجهة االضطرابات املجتمعية‬
‫فاملوجة السلوكية التي تظهر من خالل استبعاد فعل املتخصص يف العلوم السياسية‬
،‫ من جانب هذا املتخصص‬،‫عن الحياة السياسية تتطلب وفقا إليستون إعادة تقييم‬
‫ انتهى الخطاب بوضع تعريف لوظيفة املتخصص يف العلوم السياسية عىل‬.‫اللتزاماته‬
‫ َيحث هذا الخطاب عىل الفعل وااللتزام‬،‫ ويف النهاية‬.»‫أنه «باحث وسيايس ومستشار‬
‫السيايس من جانب املتخصصني يف العلوم السياسية وتبني سلوك سيايس عن طريق‬
:‫ انظر‬.‫الباحث الذي يدرس من وجهة نظر علمية الوضع الراهن‬
David Easton, “The new revolution in political science”, American Po-
litical Science Review, décembre 1969, vol. LXIII, no 4, p. 1051-1061.
‫ ماكليالند صاحب املحاولة األوىل لتطبيق املذهب‬.‫ أ‬.‫ نحن مدينون ليس‬،‫) ومع ذلك‬5(
:‫النسقي من خالل‬

247
‫حرب واسرتاتيجية‬
“Applications of general systems theory in international relations”, Main
Currents in Moderm Thought, no12, novembre 1955.
(6) Morton Kaplan, Systems and Process in International Politics, New York,
Wiley, 1957, p. 4 et 9; voir également Morton Kaplan et Innana Hama-
ti-Ataya, Transcending Post-Modernism, Londres, Palgrave-Macmillan,
2014.
(7) Richard Rosecrance, Action and Reaction in World Politics. Internation-
al Systems in Perspective, Boston, Little, Brown, 1963, p. 5-6.
(8) Ernst Haas, Beyond the Nation State, Stanford, Stanford University Press,
1964, p. 62-63.
(9) Marcel Merle, Sociologie des relations Internationales, Paris, Dalloz,
1982.
(10) Michael Brecher, “Système et crise en politique international”, Études
Internationales, 1984, vol. XV, no 4, p. 758.
(11) Hedley Bull, “International theory. The case for a classical approach”,
World Politics, 1966, vol. XVIII, p. 361-377.
(12) Morton Kaplan “A new great debate. Traditionalism versus science in
international relations”, World Politics, 1966, vol. XIX, p. 1-20.
:‫ انظر‬،‫ هولستي‬.‫) فيام يتعلق بالذريعة التي يقدمها كاليفي ج‬13(
Sur l’argumentation de Kalevi J. Holsti, voir son ouvrage The Dividing
Discipline. Hegemony and Diversity in International Theory, Boston,
Allen & Unwin, 1985.
(14) Boston, Addison-Wesley, 1979.
:‫ انظر‬،‫) حول طموح كينيث والتز ورغبته يف خلق نظرية عن العالقات الدولية‬15(
voir Jean-Jacques Roche, “Les relations internationales : théorie ou soci-
ologie?”, Le Trimestre du monde, novembre 1994, p. 40.
(16) Jean-Jacques Roche, Théories des relations Internationales, Paris,
Montchrestien, 2010, p. 41.
(17) Ibid., p. 41.
/‫ حيث تعمد الدول إىل حساب التكلفة‬،‫) يقارن والتز بني الفوىض وحرية املؤسسة‬18(
‫ أما عن الروابط بني االقتصاد ونظرية النسق‬...‫الفائدة عند أي استخدام للقوة املسلحة‬
:‫ انظر‬،‫املنهجي عند والتز‬
voir Stéphane Paquin, “L’économie”, in Thierry Balzacq, Frédéric Ramel
(dir.), Traité de relations internationales, Paris, Presses de Sciences-Po,
2013.
(19) Kenneth Waltz, “The spread of nuclear weapons. More may better”,
Adelphi Papers, 1981, no 171.
(20) Lucien Poirier, “La guerre du Golfe dans la généalogie de la stratégie”,
1991, Stratégique, no 51-52, p. 67.
‫ حيث تظل البنية فوضوية ولن يكون‬:‫) يتميز االستقرار ببعد مزدوج يف االستدالل العقيل‬21(

248
‫الهوامش‬
.‫هناك اختالف كبري يف عدد وحدات الدولة التي يتكون منها النظام‬
(22) Kenneth Waltz, “The stability of a bipolar world”, Daedelus, été 1964,
vol. XCIII,n° 3, p. 881-909.n
(23) Kenneth Waltz, “The emerging structure of international politics”, In-
ternational Security, 1993, vol. XVIII, no 2, p. 73.
(24) Jean Baechler, “La mondialisation politique”, in “Aspects de la mondial-
isation politique”, rapport établi par Jean Baechler et Ramine Kamrane,
Paris, Académie des sciences morales et politiques, 2003, p.11. www.
asmp.fr/travaux/gpw/mondialisation/ Baechler1.pdf.
(25) Bertrand Badie, La Diplomatie de connivence, Paris, La Découverte,
2011, p. 13.
(26) Jacques Roche, Le Système international contemporain, Paris,
Montchrestien, 1994, p. 67 sq.
(27) Robert Gilpin, The Political Economy of International Relations,
Princeton, Princeton University Press, 1987.
(28) Barry Buzan, From International to World Society? English School The-
ory and the Social Structure of Globalization, Cambridge, Cambridge
University Press, 2004.
(29) Robert Jervis, “Systems and interactions effects”, in Jack Snyder et al.
(dir.), Coping With Complexity in the International System, Boulder,
Westview Press, 1993, p. 26.
(30) Kenneth Boulding, the Image, Michigan, the University of Michigan
Press, 1956.
(31) Alexander Wendt, Social Theory of International Politics, Cambridge,
Cambridge University Press, 1999.
(32) Frédéric Ramel, “De la puissance militaire: Aron revisité”, “CERI-
SCOPE Puissance”, 2013 [en ligne], consulté le 06/01/2014, URL: http://
ceriscope.sciences po.fr/puissance/content/part1/de-la-puissance-mili-
taire-aron-revisite
(33) Raymond Aron, Paix et guerre entre les nations, Paris, Calmann-Lévy,
1992, p. 136.
(34) Jean Baechler, “Sociologie de la guerre”, Res militaris, automne 2010,
vol. I, no 1, p. 9-10.
(35) Sur l’évolution de ces postures, voir les travaux de Martha Finnemore,
The Purpose of Intervention. Changing Beliefs about the Use of Force,
Ithaca, Cornell University Press, 2004.
(36) Michael Brecher, “International relations and Asian studies. The subor-
dinate state system of southern Asia”, World Politics, janvier 1963, vol.
XV, no 2, p. 217.
.1994 ‫) التقرير العاملي عن التنمية البرشية‬37(

249
‫حرب واسرتاتيجية‬
Rapport mondial sur le développement humain 1994, Paris, Économica,
1994, p. 24.
(38) Sur l’idée de sécurité humaine, voir Charles-Philippe David, La Guerre
et la paix, Paris, Presses de Sciences-Po, 2013, p. 102 sq.
(39) Frédéric Ramel, “Les acteurs récalcitrants du système international”, in
Bertrand Badie, Dominique Vidal (dir.), Nouveaux acteurs. Nouvelle
donne. L’état du monde 2012, Paris, La Découverte, 2011, p. 50 sq.
‫ الرغبة يف‬،‫ مثل األقوياء جدا‬،‫ فإن لدى أصحاب الرؤية الضعفاء‬،‫) وفقا لستيفن كراسرن‬40(
‫ «الدفاع‬:‫ ستيفن كراسرن‬:‫ انظر‬.‫نرش فكرة عن العامل تدل عىل املفهوم الشامل ألفعالهم‬
،»‫عن املصلحة الوطنية‬
Voir Stephen Krasner, Defending the National Interest, Princeton,
Princeton University Press, 1978.
(41) Pour plus de précision sur cette approche, voir la partie “Au-delà de la
praxéologie”, in Frédéric Ramel, “De la puissance militaire: Aron revis-
ité”, art. cit.
(42) Bertrand Badie, La Diplomatie de connivence, op. cit., p. 10.
(43) William C. Wolforth, “The stability of a unipolar world”, International
Security, été 1999, vol. XXIV, no 1, p. 5-41.
(44) Dario Battistella, Un monde unidimensionnel, Paris, Presses de Scienc-
es-Po, 2012.
(45) Charles Kupchan, “After pax Americana”, International Security, 1998,
vol. XXIII, no 2, p. 40-79.
(46) Samuel Huntington, “The lonely superpower”, Foreign Affairs, mars-
avril 1994, vol. LXXVIII, no 2, p. 35-49.

‫الفصل الخامس‬
.‫) هي العملية التي شنتها القوات الروسية ضد القوات األملانية املوجودة يف بيالروسيا‬1(
.]‫[املرتجم‬
(2) Henri Poincaré, discours d’hommage prononcé lors des obsèques du
général Langlois, ancien professeur et directeur de l’École de guerre,
12 février 1912.

‫الفصل السادس‬
(1) André Beaufre, Introduction à la stratégie [1963], Paris, Économica,
1985, p. 16.
(2) Alan D. Beyerchen, «Clausewitz, nonlinearity and the unpredictability of
war», International Security, hiver 1992-1993, vol. XVII, no 3, p. 59-90.
(3) Sun Zi, L’Art de la guerre, Paris, Économica/ISC, p. 138.
(4) Voir John Lewis Gaddis, « Soviet unilateralism and the origins of the
cold war », in Robert Griffith, Paul Baker (dir.), Major Problems in

250
‫الهوامش‬
American History Since 1945, New York, Houghton Mifflin, 2001, p.
96-108.
(5) Bernard Brodie et al., The Absolute Weapon. Atomic Power and World
Order, New York, Harcourt, Brace and Company, 1946.
(6) Barry D. Watts, “Clausewitzian Friction and Future War”, McNair Paper
68, Washington, DC, Institute for National Strategic Studies, National
Defense University, 2004.
(7) Philippe Boulanger, Géographie et géostratégie militaires, Paris, Ar-
mand Colin, 2011.
‫) عملية عسكرية نفذتها القوات الفرنسية يف مايل بهدف السيطرة عىل امليلشيات‬8(
.[‫ ]املرتجم‬.‫املتمردة يف شامل مايل‬
‫ إىل إطار‬،‫ من أصل أمرييك‬،‫ يشري هذا االختصار‬.‫ يعني الذكاء واملراقبة واملعرفة‬:ISR )9(
‫ العسكرية‬،‫ واسع للغاية عىل الرغم من حدوده الضيقة – من األنشطة والقدرات‬-
‫ التي تسهم يف توفري املعلومة االستخباراتية واملراقبة والرصد (يف الوقت‬،‫واملزدوجة‬
.‫الفعيل «الحقيقي») للعمليات اإلجرائية العسكرية والسياسية‬
(10) Yves Lacoste, La Géographie, ça sert, d’abord, à faire la guerre [1976],
Paris, La Découverte, 1988.
(11) Edward Luttwak, Le Grand Livre de la stratégie [1987, 2001], Paris,
Odile Jacob, 2002, p. 197.
‫) االسم الرسمي الذي استخدمته‬Enduring Freedom( ‫) يقصد بعملية الحرية الدامئة‬12(
.[‫ ]املرتجم‬.2001 ‫ سبتمرب‬11 ‫الواليات املتحدة للحرب يف أفغانستان بعد أحداث‬
‫) العمل العسكري الجوي الذي‬Close air support( ‫) يقصد بالدعم الجوي القريب‬13(
‫يحدث باستخدام طائرات أو مروحيات ضد أهداف معادية قريبة من القوات الربية أو‬
.]‫ [املرتجم‬.‫القوات البحرية الصديقة‬
(14) Assemblée nationale, Commission de la défense nationale et des forces
armées, Rapport d’information no 744, 26 février 2012. www.assem-
blee-nationale.fr/14/pdf/rap-info/i0744.pdf
(15) Martin Motte, « Une définition de la géostratégie », Stratégique, 2e
trimestre 1995, no 58, p. 85-120. www.institut-strategie.fr/strat_058_
Motte_tdm.html
(16) Lucien Poirier, postface aux Transformations de la guerre du général
Colin, Paris, FEDN, 1979.
‫ يتعلق مبجال بحثي حديث خارج املجال‬،‫) املثال الوحيد ملفهوم الزمن االسرتاتيجي‬17(
:‫ انظر‬.‫ ولكنه مهم للغاية‬،‫االسرتاتيجي‬
Benjamin Fernandez : « Le temps du monde : critique de la chron-
ostratégie planétaire à l’âge de la mondialisation », thèse de doctorat
en philosophie, sous la direction de Denis Duclos, soutenue en 2011
(université de Paris-I).
De son côté, Joseph Henrotin, dans un article synthétique, découple
la chronostratégie de la géostratégie : voir Joseph Henrotin, « “On est

251
‫حرب واسرتاتيجية‬
dessus dans combien de temps ?” Quelques réflexions sur la chronos-
tratégie », Défense nationale, mai 2006, no 686, p. 35-46.
‫ من بني العديد من األمثلة األخرى التي تتعلق بهذا‬،‫ نذكر املثال األخري‬،‫يف النهاية‬
‫ بيجاري من خالل أطروحته عن املعاهدة االسرتاتيجية‬- ‫ لهرييف كوتو‬،‫الرأي املعريف‬
‫ بني أربعة عوامل‬،‫ من داخل الجيواسرتاتيجية‬،‫ حيث إنه يختار أن مييز‬،‫ال غنى عنها‬
‫ واملناخ‬،‫ والطبيعة االسرتاتيجية‬،‫ واملروفواسرتاتيجية‬،‫ثابتة (الطوبولوجيا االسرتاتيجية‬
‫ املوارد‬- »‫االسرتاتيجي) وخمسة عوامل ديناميكية (مقسمة إىل عنارص «هجومية‬
.)‫ العوائق السياسية والتحصينات‬-»‫ وعنارص «دفاعية‬- ‫والطرق والبنية التحتية والقواعد‬
:‫ انظر‬،‫للحصول عىل ملخص ممتاز لهذا املقرتح التنظريي عند هرييف كوتو‬
voir Vincent de Gournay, « La géostratégie : les facteurs »,
(18) Edward Luttwak, Le Grand Livre de la stratégie, op. cit., chap. XI.
(19) Robert Burns, « Afghanistan war. Ex-commander Stanley McChrystal
says US started war with “frighteningly simplistic” view of country »,
Associated press, 10 juin 2011.
(20) Thomas Friedman, The World Is Flat. A Brief History of the Twen-
ty-First Century, New York, Farrar, Straus and Giroux, 2005.
(21) Hervé Coutau-Bégarie, Introduction à la stratégie, vol. II, Paris, CID,
1995, p. 44.
(22) Laurent Henninger, «Espaces fluides et espaces solides: nouvelle réalité
stratégique?», Défense nationale, octobre 2012, no 753, p. 1-2 ;
Laurent Henninger, «Le fluide et le solide. De la compréhension de l’es-
pace à une nouvelle révolution militaire?», Défense & sécurité interna-
tionale, février 2013, no 89.
‫ من املفيد دامئا عند تناول التحليل‬،»‫ «مدخل إىل التحليل املكاين‬:‫) انظر جون جاك بافو‬23(
‫ أن ننخرط يف عمل متعدد املستويات‬،‫ من أجل التنوع يف عرض وجهات النظر‬،‫املكاين‬
‫ منطقة الجغرافيا الكربى‬:‫ من الرضوري إذن أن منيز بني ثالث مناطق جغرافية‬.]...[
‫ ومنطقة‬،‫التي تتميز مبساحات شاسعة مبا يف ذلك الكوكب بأكمله والبنية العامة‬
‫الجغرافيا املتوسطة التي تأخذ يف الحسبان مجموعات متوسطة املستوى (املدن‬
.»‫ ومنطقة الجغرافيا الصغرية التي تهتم بأجزاء صغرية من الفضاء‬،)‫واملناطق‬
Voir Jean-Jacques Bavoux, Introduction à l’analyse spatiale, Paris, Ar-
mand Colin, août 2010.
(24) Hugues Pérot, Yann Kervizic, «L’engagement des forces terrestres dans
les milieux difficiles», Fantassins, novembre 2013, no 31, p. 10.
.‫) انظر املرجع السابق‬25(
(26) Voir Hervé Coutau-Bégarie, Introduction à la stratégie, op. cit., p. 71
(27) Paul Claval, Histoire de la géographie [1995], Paris, Puf, coll. « Que
sais-je », 2011, p. 119.
(28) Marina Ottaway, Thomas Carothers, « Greater Middle East initiative.
Off to a false start », Policy brief, Carnegie Endowment for Internation-
al Peace, 2004

252
‫الهوامش‬
(29) Voir Emile Simpson, War from the Ground Up. Twenty-First-Century
Combat as Politics, Londres, Hurst & Company, 2012.
(30) Nicholas J. Spykman, America’s Strategy in World Politics. The United
States and the Balance of Power, New York, Harcourt, Brace and com-
pany, 1942, p. 11.
Sur le parcours et les œuvres complètes de Nicholas Spykman, nous nous
permettons de renvoyer à notre biographie : Olivier Zajec, Nicholas
John Spykman. De la sociologie à la géopolitique, un hérétique au cœur
du réalisme américain, Paris, Presses universitaires de Paris-Sorbonne,
2014.
(31) Robert Park, « The urban community as a spatial pattern and a moral
order », in Ernest Burgess, Robert Park (dir.), The Urban Community,
Chicago, University of Chicago Press, 1926.
Sur l’aspect spatial de la sociologie simmelienne, voir John Allen, « On
Georg Simmel. Proximity, distance and movement », in Mike Crang,
Nigel J. Thrift (dir.), Thinking Space, Londres/New York, Routledge,
2000, p. 54-70 ;
ainsi que Frank J. Lechner, « Simmel on social space », Theory, Culture,
and Society, 1991, vol. VIII, no 3, p. 195-201.
(32) Halford J. Mackinder, «The geographical pivot of history», The Geo-
graphical Journal, avril 1904, vol. XXIII, no 4, p. 421-437.
‫ للحصول عىل أفضل تحليل‬.‫ من املقال‬431 ‫ألول مرة ُيذكر مصطلح قلب األرض يف صفحة‬
:‫ انظر‬،‫لهذا السياق‬
Pascal Venier, «The geographical pivot of history and early 20th century
geopolitical culture», Geographical Journal, décembre 2004, vol. CLXX,
no 4, p. 330-336.
(33) Voir Olivier Zajec, Nicholas John Spykman. De la sociologie à la
géopolitique, un hérétique au cœur du réalisme américain, op. cit., chap.
X, «Les théories géopolitique de Spykman ont-elles réellement influencé
la politique étrangère américaine ?».
(34) Pour la première citation : Napoléon Ier au roi de Prusse, 10 novembre
1804, in Correspondance de Napoléon Ier, vol. X, 60, no 8170, Paris,
Imprimerie impériale, 1858-1862.
Pour la seconde, mention in Nicholas J. Spykman, »Geography and for-
eign policy I», The American Political Science Review, février 1938, vol.
XXXII, no 1, p. 28.
.‫) هذا التعبري مقتبس من كالوزفيتز‬35(
‫ وهو القائد االسرتاتيجي الفيتنامي الذي عاش يف القرن الخامس‬،‫) يرفض نجوين تراي‬36(
‫ «النرص أو الهزمية يعتمدان عىل‬:‫ التأثري الذي تفرضه األرض‬،‫عرش وانترص عىل الصينيني‬
‫ يبدو األمر‬،‫ عندما يشتبك جيشان عىل أرض وعرة‬.»‫ وليس بسبب األرض‬،‫قدرات القادة‬

253
‫حرب واسرتاتيجية‬
.‫ عندئذ سينترص األفضل‬،‫كأن منرين اختارا القتال يف واد سحيق‬
،»‫ «كتابات إىل الجيش‬،‫انظر نجوين تراي‬
Voir Nguyên Trai, «Écrits à l’armée», Europe, mai 1980, vol. VI, no 3,
p. 78, cité in Hervé Coutau-Bégarie, Introduction à la stratégie, op. cit.,
p. 71
،»‫ «تعريف الجيواسرتاتيجية‬:‫) مارتن موت‬37(
.Martin Motte, « Une définition de la géostratégie », art. cit
21 ‫ من الفصل‬،‫ الحرب البونيقية الثانية‬،‫ الجزء األول‬،‫ «تاريخ الرومان‬:‫) تيتوس ليفيوس‬38(
،»25 ‫إىل الفصل‬
Tite-Live, Histoire romaine, vol. I, La Seconde Guerre punique, livres
XXI à XXV, Paris, Garnier-Flammarion, 1993.
،»‫ سرية ذاتية‬.‫ «ال ميكن أن أكون محظوظا مرة أخرى‬:‫ دوليتل‬.‫) جيمس هـ‬39(
James H. Doolittle, I Could Never Be So Lucky Again. An Autobiogra-
phy, New York, Random House Publishing Group, 2001.
(40) Fabrice Roubelat, Anne Marchais-Roubelat, «La sobriété et l’ostenta-
tion : règles, symboles et action stratégique», Stratégique, juin 2013, no
104, p. 1528-.

‫الفصل السابع‬
(1) Alfred T. Mahan, the Influence of Sea Power Upon History. 1660-1783
[1890], Londres, Sampson, 1918, p. 50-89.
(2) Basil H. Liddell Hart, the British Way in Warfare. Adaptability and Mo-
bility [1932], New York, Penguin, 1942.
(3) Hew Strachan, “The British way in warfare revisited”, The Historical
Journal, juin 1983, vol. XXVI, no 2, p. 447-461.
(4) Russell F. Weigley, the American Way of War. A History of United States
Military Strategy and Policy, Indiana, Bloomington, 1977.
(5) Don Higginbotham, “The early American way of war. Reconnaisance
and appraisal”, William and Mary Quarterly, avril 1987, vol. XLIV, no
2, p. 230-273;
Carol Reardon, Soldiers and Scholars. The US Army and the Use of
Military History (1865-1920), Lawrence, University Press of Kansas,
1990, p. 89-108.
(6) Amos Perlmutter, John Gooch (dir.), Strategy and the Social Sciences,
Londres, Frank Cass, 1981.
(7) Jack L. Snyder, the Soviet Strategic Culture. Implications for Limited
Nuclear Operations, Santa Monica, Rand Corporation, 1977.
.8‫ ص‬،‫) املرجع السابق‬8(
(9) Colin S. Gray, “Comparative strategic culture”, Parameters, hiver 1984,
vol. XIV, no 4, p. 26-33;

254
‫الهوامش‬
id., “National style in strategy”, International Security, 1981, vol. VI, no 2,
p. 21-47.
(10) Ken Booth, Strategy and Ethnocentrism, Londres, Croom Helm, 1979;
David T. Twining, “Soviet strategic culture. The missing dimension”, Intel-
ligence and National Security, janvier 1989, vol. IV, no 1, p. 169-187.
(11) Carnes Lord, “American strategic culture”, in Fred E. Baumann, Ken-
neth M. Jensen, American Defense Policy and Liberal Democracy,
Charlottesville, University Press of Virginia, 1989, p. 44-63.
(12) Jean Barrea, Cultures politico-stratégiques de “conviction” et de “re-
sponsabilité”: essai d’analyse non stratégique de données militaires,
1990, Stratégique, vol. I, no 45, p. 49-84 ;
Yitzhak Klein, “A theory of strategic culture”, Comparative Strategy,
1991, vol. X, no 1, p. 3-23;
George Tanham, “Indian strategic culture”, The Washington Quarterly,
hiver 1992, vol. XV, no 1, p. 129-142 ;
Alan Dupont, “Is there an “Asian way”?”, Survival, été 1996, vol. XXX-
VIII, no 2, p. 13-35;
Rajesh M. Basrur, “Nuclear weapons and Indian strategic culture”, Jour-
nal of Peace Research, mars 2001, vol. XXX-VIII, no 2, p. 181-198.
(13) Hervé Coutau-Bégarie, “L’histoire militaire entre la pensée stratégique
et la nouvelle histoire”, Stratégique, 1985, vol. IV, no 28, p. 61-73.
(14) Pascal Vennesson, “Science politique et histoire militaire: comment
(mieux) pratiquer l’interdisciplinarité?”, in Laurent Henninger (dir.),
Histoire militaire et sciences humaines, Bruxelles, Complexe, 1999, p.
155-198.
(15) Frederick M. Downey, Stephen Metz, “The American political culture
and strategic planning”, Parameters, septembre 1988, vol. XVIII, no 3,
p. 34-42 ;
Martin Antonio Balza, “Changing Argentine military culture”, Joint
Forces Quarterly, hiver 1996, p. 64- 66;
Christopher Dandeker, James Gow, “Military culture and strategic
peacekeeping”, Small Wars and Insurgencies, 1999, vol. X, no 2, p. 58-79;
R. A. D. Applegate, J. R. Moore, “The nature of military culture”, De-
fense Analysis, septembre 1990, vol. VI, no 3, p. 302- 305;
John Kiszely, “The British army and approaches to warfare since 1945”,
The Journal of Strategic Studies, décembre 1996, vol. XIX, no 4, p. 179-
206;
Karen O. Dunivin, Military Culture. A Paradigm Shift? Maxwell, Air
University Press, 1996;
Philippe Richardot, Végèce et la culture militaire au Moyen Âge, Paris,

255
‫حرب واسرتاتيجية‬
Économica/ISC, 1998;
Thomas S. Langston, “The civilian side of military culture”, Parameters,
automne 2000, vol. XXX, p. 21-29.
(16) Bruno Colson, La Culture stratégique américaine. L’influence de Jomini,
Paris, Économica/ISC, 1993 ;
John Shy, “The cultural approach to the history of war”, The Journal of
Military History, octobre 1993, vol. LVII, no 5, p. 13-26.
(17) John W. Dower, War without mercy. Race and power in the Pacific war,
New York, Pantheon, 1987;
Michael J. Sherry, the Rise of American Airpower. The Creation of Ar-
mageddon, New Haven, Yale University Press, 1987;
Theo Farrell, “Memory, imagination and war”, History, janvier 2002, vol.
LXXXVII, no 285, p. 61-73;
Neitzel Sönke, Harald Welzer, Soldats. Combattre, tuer, mourir:
procès-verbaux de récits de soldats allemands, Paris, Gallimard, 2013.
(18) Ralph K. White, “Misperception and the Vietnam war”, The Journal of
Social Issues, juillet 1966, vol. XXII, no 3, p. 1-156;
Robert Jervis, Perception and Misperception in International Politics,
Princeton, Princeton University Press, 1976;
Thomas Lindemann, Les Doctrines darwiniennes et la guerre de 1914,
Paris, Économica/ISC, 2001;
Mark Hewitson, “Images of the enemy. German depictions of the
French military, 1890-1914”, War in History, 2004, vol XI, no 1, p. 4-33.
(19) John S. Duffield, “Political culture and state behavior. Why Germany
confounds neorealism”, International Organization, automne 1999, vol.
LIII, no 4, p. 769.
(20) Peter J. Katzenstein (dir.), the Culture of National Security. Norms and
Identity in World Politics, New York, Columbia University Press, 1996;
Pascal Vennesson, “Idées, politiques de défense et stratégie: enjeux et
niveaux d’analyse”, Revue française de science politique, octobre 2004,
vol. LIV, no 5, p. 749-760;
Theo Farrell, “Culture and military power”, Review of International
Studies, 1998, vol. XXIV, p. 407-416;
Jeffrey S. Lantis, “Strategic culture and national security policy”, Inter-
national Studies Review, automne 2002, vol. IV, no 3, p. 87-113.
(21) Alastair Iain Johnston, Cultural Realism. Strategic Culture and Grand
Strategy in Chinese History, Princeton, Princeton University Press,
1995.
(22) Bradley S. Klein, “Hegemony and strategic culture. American power
projection and alliance defence politics”, Review of International Stud-

256
‫الهوامش‬
ies, 1988, vol. XIV, no 2, p. 133-148;
id., Strategic Studies and World Order. The Global Politics of Deter-
rence, Cambridge, Cambridge University Press, 1994.
‫) تتحدث هذه املناهج عن «الخطاب االسرتاتيجي» بالقدر نفسه الذي ُتتناول فيه‬23(
:‫ انظر‬،»‫«الثقافة االسرتاتيجية‬
Michael J. Shapiro, Violent Cartographies. Mapping the Cultures of
War, Minneapolis/Londres, University of Minnesota Press, 1997.
(24) Dima Adamsky, the Culture of Military Innovation. The Impact of Cul-
tural Factors on the Revolution in Military Affairs in Russia, the US,
and Israel, Stanford, Stanford University Press, 2010.
Voir aussi les contributions culturalistes dans Thierry de Montbrial,
Jean Klein (dir.), Dictionnaire de stratégie, Paris, Puf, 2000.
(25) Thomas U. Berger, “From Sword to Chrysanthemum. Japan’s culture
of antimilitarism”, International Security, vol. XVII, no 4, hiver 1993,
p. 119-150;
Beatrice Heuser, Nuclear Mentalities? Strategies and Beliefs in Britain,
France and the FRG, Londres, MacMillan Press, 1998;
Arthur Hoffmann, Kerry Longhurst, “German strategic culture in ac-
tion”, Contemporary Security Policy, août 1999, vol. XX, no 2, p. 31-46;
Thomas Lindemann, “Les “néo-idéalistes” et l’étude de la guerre”, Revue
française de science politique, juin 2000, vol. L, no 3, p. 515-530;
253Vejas Gabriel Liulevicius, War Land on the Eastern Front. Culture,
National Identity and German Occupation in World War I, Cambridge,
Cambridge University Press, 2000.
(26) Michael D. Schaffer, Deadly Paradigms. The Failure of US Counterin-
surgency Policy, Princeton, Princeton University Press, 1988;
Jack Snyder, the Ideology of the Offensive. Military Decision Making
and the Disaster of 1914, Ithaca, Cornell University Press, 1984;
Jeffrey W. Legro, “Military culture and inadvertent escalation in World
War II”, International Security, hiver 1994, vol. XVIII, no 4, p. 108-142;
Elizabeth Kier, “Culture and military doctrine. France between the
wars”, International Security,
hiver 1995, vol. XIX, no 4, p. 65-93;
Theo Farrell, “Figuring out fighting organizations. The new organisa-
tional analysis in strategic studies”, The Journal of Strategic Studies,
mars 1996, vol. XIX, no 1, p. 122-135;
Thomas Lindemann, “Faire la guerre, mais laquelle? Les institutions mil-
itaires des États-Unis entre identités bureaucratiques et préférences
stratégiques”, Revue française de science politique, octobre 2003, vol.
LIII, no 5, p. 675-706.

257
‫حرب واسرتاتيجية‬
(27) Lynn Eden, Whole World on Fire. Organization, Knowledge, & Nuclear
Weapons Devastation, Ithaca, Cornell University Press, 2004.
(28) Linda R. Robertson, the Dream of Civilized Warfare. World War I Fly-
ing Aces and the American Imagination, Minneapolis, University of
Minnesotta Press, 2003;
Isabel Hull, Absolute Destruction. Military Culture and the Practice of
War in Imperial Germany, Ithaca, Cornell University Press, 2005;
Priya Satia, “The defense of inhumanity. Air control in Iraq and the
British idea of Arabia”, American Historical Review, février 2006, vol.
CXI, no 1, p. 16-51.
(29) Franco Cardini, La Culture de la guerre. Xe-XVIIIe siècle, Paris, Gal-
limard, 1992.
(30) Joël Cornette, Le Roi de guerre. Essai sur la souveraineté dans la France
du Grand Siècle, Paris, Payot, 2000.
(31) Frédéric Rousseau, La Guerre censurée. Une histoire des combattants
européens de 14-18, Paris, Seuil, 2003.
(32) Benjamin Stora, Imaginaires de guerre. Les images dans les guerres
d’Algérie et du Viêt-nam, Paris, La Découverte, 2004;
Paul Boyer, By the Bomb’s Early Light. American Thought and Culture
at the Dawn of the Atomic Age, New York, Pantheon, 1985.
(33) Victor D. Hanson, Le Modèle occidental de la guerre. La bataille d’in-
fanterie dans la Grèce classique, Paris, Les Belles Lettres, 1990;
Adam J. Hirsh, “The collision of military cultures in seventeenth-cen-
tury New England”, The Journal of American History, mars 1988, vol.
LXXIV, no 4, p. 1187-1212.
(34) Theo Farrell, “Transnational norms and military development. Con-
structing Ireland’s professional army”, European Journal of Internation-
al Relations, 2001, vol. VII, no 1, p. 63-102.
Voir aussi: Theo Farrell, Terry Terriff (dir.), The Sources of Military
Change. Culture, Politics, Technology, Londres/Boulder, Lynne Rien-
ner, 2002.
(35) Sarah Léonard, Thierry Balzacq, “L’impact de la révolution dans les
affaires militaires sur la “culture stratégique” de l’OTAN”, in Thierry
Balzacq, Alain De Nève (dir.), La Révolution dans les affaires militaires,
Paris, Économica/ISC, 2003, p. 157-185.
(36) Alessia Biava, “The emergence of a strategic culture within the common
security and defence policy”, European Foreign Affairs Review, 2011,
vol. XVI, no 1, p. 41-58.
(37) Martin Shaw, the New Western Way of War. Risk Transfer and its Crisis
in Iraq, Cambridge, Polity Press, 2006.

258
‫الهوامش‬
(38) Keith Krause, Andrew Latham, “Constructing non-proliferation and
arms control. The norms of Western practice”, in id. (dir.), Culture and
Security. Multilateralism, Arms Control and Security Building, Lon-
dres, Frank Cass, 1999, p. 1-22.
(39) Eyal Ben-Ari, “Masks of soldiering. The Israeli army and the Palestin-
ian uprising”, Cultural Anthropology, décembre 1989, vol. IV, no 4, p.
372-389;
André Thiéblemont, Expériences opérationnelles dans l’armée de Terre.
Unités de combat en Bosnie (1992-1995), 3 tomes, Paris, Les documents
du C2SD, no 42, novembre 2001;
Claire Mauss-Copeaux, Appelés en Algérie. La parole confisquée, Paris,
Hachette, 1998;
Keith Brown, “All they understand is force”. Debating culture in oper-
ation Iraqi freedom, American Anthropologist, 2008, vol. CX, no 4, p.
443-453.

‫الفصل الثامن‬
(1) Philippe Braud, Sociologie politique, Paris, LGDJ, 2008, p. 790.
‫) من املمكن لفت االنتباه إىل أن تحليالت الرأي عن دولة ما ميكن أن تكون قابلة للتطبيق‬2(
‫ عرض هذا الرأي يف وسائل اإلعالم‬،‫ أوال‬:‫عىل رأي دولة أخرى عند استيفاء معايري معينة‬
.‫ قدرة الجمهور عىل إعالن رأيه لدى حكومته‬،‫ ثانيا‬.‫من خالل وجهات نظر متعددة‬
:‫ انظر‬،‫ وجود دراسات استقصائية تسمح بقياس الرأي‬،‫ثالثا‬
Hector Perla, «Explaining public support for the use of military force.
The impact of reference point framing and prospective decision mak-
ing», International Organization, hiver 2011, vol. LXV, no 1, p. 139-167.
(3) Bertrand Badie, «L’opinion à la conquête de l’international», Raisons
politiques, 2005, vol. III, no 19, p. 9-24.
‫ تجعل من الدعم‬1984 ‫) العقيدة األمريكية التي يقال لها «عقيدة واينربغر» يف العام‬4(
‫املقدم إىل الرأي العام أحد الرشوط املسبقة ألي تدخل؛ كام أن االسرتاتيجية الوطنية‬
‫ تعترب أيضا أن «الدعم املستمر للشعب األمرييك» من‬2004 ‫للنرص يف العراق يف العام‬
‫ ضمن‬2008 ‫ تندرج األوراق البيضاء الفرنسية للدفاع يف العام‬.‫بني الرشوط الستة للنرص‬
.‫ إن االنتامء لألمة هو الرشط األساس لفعالية الفعل العسكري‬:‫منطق مشابه‬
(5) Vladimir O. Key, Public Opinion and American Democracy, New York,
Knopf,
1961, p. 14.
(6) Walter Lippmann, Le Public fantôme [1925], Paris, Demopolis, 2008.
(7) Gabriel A. Almond, The American People and Foreign Policy [1950],
New York, F. E. Praeger, 1961.
،»‫ «السياسة الخارجية والجمهور العقالين‬:‫ شابريو‬.‫ باج وروبرت يي‬.‫) بنيامني اي‬8(
.Resolution, juin 1988, vol. XXXII, no 2, p. 213

259
‫حرب واسرتاتيجية‬
(9) Philip Converse, «Nouvelles dimensions de la signification des réponses
dans les sondages», in Jean Padioleau (dir.), L’Opinion publique. Exa-
men critique, nouvelles directions, Paris, Mouton, 1981.
Converse nuance cependant son analyse: les variations seraient dues à
l’ignorance du public qui répondrait «au hasard».
(10) Thomas W. Graham, «The pattern and importance of public knowledge
in the nuclear age», Journal of Conflict Resolution, 1988, vol. XXXII,
no 2, p. 319-334;
Bruce M. Russet, «Democracy, public opinion and nuclear weapons», in
Philip E. Tetlock et al. (dir.), Behavior, Society and Nuclear War, vol. I,
New York, Oxford University Press, 1989.
(11) Philip Everts, «War without bloodshed? Public opinion and the conflict
over Kosovo», in Philip Everts, Pierangelo Isernia (dir.), Public Opinion
and the International Use of Force, Londres/New York, Routledge, 2001.
(12) Peter D. Feaver, Christopher Gelpi, Choosing your Battles. American
Civil- Military Relations and the Use of Force, Princeton, Princeton
University Press, 2004.
‫) تتناقض العديد من الدراسات مع هذا التحليل خصوصا عندما يتعلق األمر بتأثري‬13(
‫التجمع حول العلم الذي يدل عىل أن الرأي العام أقل تحفظا من القادة عند اللجوء‬
،‫ وأن القائد الذي يلجأ إىل استخدام القوة يكتسب شعبية كبرية‬،‫إىل استخدام القوة‬
‫ «حب الوطن أم قيادة الرأي العام؟ طبيعة وأصول‬:‫ أونيل‬.‫انظر وليام دي باكر وجون أر‬
،»‫تأثري «التجمع حول العلم‬
William D. Baker, John R. Oneal, «Patriotism or opinion leadership?
The nature and origins of the “rally round the flag” effect», Journal of
Conflict Resolution, 2001, vol. XLV, no 5, p. 661-697;
Jong R. Lee, «Rallying “round the flag”», Presidential Studies Quarterly,
1977, vol. VII, p. 252-256;
John Mueller, War, Presidents and Public Opinion, New York, Wiley,
1973.
Pour une analyse critique, voir: Bradley Lian, John R. Oneal, «Presi-
dents, the use of military force, and public opinion», Journal of Conflict
Resolution, juin 1993, vol. XXXVII, no 2, p. 277-300.
(14) James Pattison, «Legitimacy and humanitarian intervention. Who
should intervene?», International Journal of Humanitarian Rights,
2008, vol. XII, no 3, p. 395-413.
(15) Charles Moskos, «Armed forces in a warless society», Forum, 1992, vol.
XIII, p. 3-10.
(16) Ole Holsti, Public Opinion and American Foreign Policy, Ann Arbor,
University of Michigan Press, 2004.
‫) بينام يجب علينا عدم إهامل إمكانية إحجام صانعي القرار عن القبول بوضعهم‬17(

260
‫الهوامش‬
‫ فإن هذا النهج يظل السبيل الوحيد الذي يدعو إىل األمل‬،‫الحساس لدى الرأي العام‬
‫يف الوصول إىل جوهر القرار والذي ميكن تعزيزه من خالل تداخل روايات الجهات‬
.‫الفاعلة املختلفة‬
‫) أظهر كوهوت وتوث أنه إذا كان نصف السكان منقسمني إىل «منارص للتدخل» «وغري‬18(
‫ فإن النصف اآلخر يبدو أنه مرتدد وال يعرب عن تفضيل عام لهذا‬،»‫منارص للتدخل‬
،‫املوضوع‬
،»‫ «األسلحة والشعب‬:‫ توث‬.‫انظر أندرو كوهت وروبرت يس‬
Andrew Kohut, Robert C. Toth, «Arms and the people», Foreign Af-
fairs, 1994, vol. LXXIII, no 6, p. 47-61.
‫من غري املمكن تكوين أي مالحظة تجريبية عن الطبيعة العامة للداعني إىل الحرب أو‬
‫ مبا أن املالحظات ستكون‬،‫املنارصين للسلم خصوصا أنها لن تكون غري متجانسة نهائيا‬
‫مختلفة وفق الطبقات االجتامعية وكذلك وفقا لفرضيات استخدام القوة (كاإلرهاب‬
،‫ ولذلك فمن املستحيل تكوين تصنيف ثابت‬.)...‫واألزمة اإلنسانية والرصاع بني الدول‬
،»‫ «املواقف العامة تجاه مفاتيح األحداث السياسة الخارجية‬:‫انظر رونالد هينكيل‬
Ronald H. Hinckley, «Public attitudes toward key foreign policy events»,
Journal of Conflict Resolution, juin 1988, vol. XXXII, no 2, p. 295-318.
،»‫ بني «املرونة» «والتشدد‬،‫ عندما يتعلق األمر بفرضية تهديد السالم الدويل‬،‫مييز هينكيل‬
Hinckley distingue plutôt, dans l’hypothèse d’une menace à la paix
internationale, entre «accommodants» (accomodationnists) et «durs»
(hardliners).
(19) Miroslav Nincic, «A sensible public. New perspectives on popular opin-
ion and foreign policy», Journal of Conflict Resolution, 1992, vol. XXX-
VI, no 4, p. 772-789.
(20) Natalie La Balme, Partir en guerre. Décideurs et politiques face à l’opin-
ion publique, Paris, Autrement, 2002.
(21) Bruce W. Jentleson, «The pretty prudent public. Post post-Vietnam
American opinion on the use of military force», International Studies
Quarterly, 1992, vol. XXXVI, no 1, p. 49-74.
(22) Richard C. Eichenberg, «Victory has many friends. US public opinion
and the use of military force, 1981-2005», International Security, 2005,
vol. XXX, no 1, p. 140-177.
(23) Bruce W. Jentleson, Rebecca L. Britton, «Still pretty prudent Post-Cold
War American opinion on the use of military force», Journal of Conflict
Resolution, 1998, vol. XLII, no 4, p. 395-417.
(24) Son influence est cependant discutée. Voir par exemple: Piers Robinson,
«CNN effect. Can the news media drive foreign policy?», Review of
International Studies, avril 1999, vol. XXV, no 2, p. 301-309.
(25) Steven Kull, Clay Ramsay, «The myth of the reactive public. American
public attitudes on military fatalities in the post-Cold War period», in
Philip Everts, Pierangelo Isernia (dir.), Public Opinion and the Interna-

261
‫حرب واسرتاتيجية‬
tional Use of Force, Londres/New York, Routledge, 2001;
Karl W. Eikenberry, «Take no casualties», Parameters, 1996, vol. XXVI,
no 2, p. 109-118;
Christopher Gelpi, Peter Feaver, Jason Reifler, Paying the Human Costs
of War. American Public Opinion and Casualties in Military Conflicts,
Oxford, Princeton University Press, 2009;
Hugh Smith, «What costs will democracies bear. A review of popu-
lar theories of casualty aversion», Armed Forces & Society, 2005, vol.
XXXI, no 4, p. 487-512.
‫تؤدي الخسائر دورا أساسيا يف تعزيز املواقف ووضع الرصاع يف صلب النقاش العام‬
- ‫ األمر الذي يثري الكثري من عالمات االستفهام‬،‫من خالل زيادة اهتامم وسائل اإلعالم‬
.‫ الجديدة‬- ‫وبالتايل االنتقادات‬
:‫انظر‬
William A. Boettcher, Michael D. Cobb, «Don’t let them die in vain.
Casualty frame and public tolerance for escalating commitment in
Iraq», Journal of Conflict Resolution, 2009, vol. LIII, no 5, p. 677-697.
(26) Miroslav Nincic, Democracy and Foreign Policy. The Fallacy of Political
Realism, New York, Columbia University Press, 1992.
‫ يبدو أن وسائل اإلعالم ال ميكن أن يكون لها تأثري حقيقي يف السيايس إال‬،‫) ومع ذلك‬27(
:‫ انظر‬،‫عندما يكون هذا األخري متذبذبا‬
Piers Robinson, «The policy-media interaction model. Measuring media
power during humanitarian crisis», Journal of Peace Research, septem-
bre 2000, vol. XXXVII, no 5, p. 625-645.
Barbara Allen et al., «The media and the Gulf War. Framing, priming and
the spiral of silence», Polity, hiver 1994, vol. XXVII, no 2, p. 255-284;
Eytan Gilboa (dir.), Media and Conflict. Framing Issues, Making Policy,
Shaping Opinions, New York, Transnational, 2002;
Steven Kull, «Misperceptions, the media and the Iraq war», Program on
International Policy Attitudes/Knowledge Networks, 2 octobre 2003.

‫الفصل التاسع‬
(1) Bernard Brodie, War and Politics, Londres, Cassell, 1973, p. 45-46.
(2) Colin S. Gray, “Moral advantage, strategic advantage?”, The Journal of
Strategic Studies, 2010, vol. XXXIII, no 3, p. 334.
(3) David J. Lonsdale, Alexander. Killer of Men. Alexander the Great and the
Macedonian Art of War, Londres, Constable, 2004, p. 3-4.
(4) Knut Midgaard, “Strategy and ethics in international politics”, Coopera-
tion and Conflict, 1970, no 5, p. 224-240.
(5) Colin S. Gray, Modern Strategy, Oxford, Oxford University Press, 1999,
p. 68.

262
‫الهوامش‬
(6) Michael Walzer, Guerres justes et injustes, Paris, Gallimard, 2006, p. 45-
46.
(7) André Beaufre, Introduction à la stratégie, Paris, Hachette, 1998, p. 49-
51.
(8) Antoine-Henri de Jomini, Précis de l’art de la guerre, Paris, Anselin,
1838, p. 114.
(9) Vincent Desportes, “La stratégie en théories”, Politique étrangère, 2014,
no 2, p. 173.
(10) Paul-Gédéon Joly de Maizeroy, Théorie de la guerre, Lausanne, Aux
dépens de la société, 1777, p. xxvi-xxvii.
(11) Cités par Vincent Desportes, “La stratégie en théories”, art. cit., p. 172-
173.
(12) Voir Frederic C. Iklé, “The role of character and intellect in strategy”, in
Andrew W. Marshall, James John Martin, Henry S. Rowen (dir.), on not
confusing ourselves. Essays on national strategy in honor of Albert and
Roberta Wohlstetter, Boulder, Westview, 1991, p. 312-316.
(13) Cités par Vincent Desportes, “La stratégie en théories”, art. cit., p. 174.
.‫) انظر املرجع السابق‬14(
(15) 5. Michael Walzer, Guerres justes et injustes, op. cit., p. 47.
(16) André Beaufre, Introduction à la stratégie, Paris, Hachette, 1998, p.
49-51.
(17) Klaus-Gerd Giesen, L’Éthique des relations internationales. Les théories
anglo-américaines, Bruxelles, Bruylant, 1992, p. 8.
(18) David Kennedy, Of War and Law, Princeton, Princeton University
Press, 2006, p. 132.
(19) Philippe Braillard, dans sa préface à Klaus-Gerd Giesen, L’Éthique des
relations internationales. Les théories anglo-américaines, op. cit., p. xii.
(20) Basill H. Liddell Hart, Stratégie, Paris, Perrin, 2007, p. 513.
(21) Colin S. Gray, “Moral advantage, strategic advantage?”, art. cit., p. 333.
(22) Jean Guitton, La Pensée et la Guerre, Paris, Desclée de Brouwer, 1969,
p. 211.
(23) Paul-Gédéon Joly de Maizeroy, Théorie de la guerre, op. cit., p. xx-
vi-xxvii.
(24) Basil H. Liddell Hart, Stratégie, op. cit., p. 517-518.
(25) André Beaufre, Introduction à la stratégie, op. cit., p. 72.
(26) Colin S. Gray, “Moral advantage, strategic advantage?”, art. cit., p. 336.
(27) Voir Jean-Baptiste Jeangène Vilmer, Ryoa Chung (dir.), Éthique des
relations internationales, Paris, Puf, 2013.
(28) Surtout anglophone. En français, voir par exemple les travaux du
Groupe européen de recherche en éthique et renseignement: Éthique

263
‫حرب واسرتاتيجية‬
et renseignement. La difficile cohabitation du bien et de la nécessité,
Paris, Eska, 2011.
(29) Basil H. Liddell Hart, Stratégie, op. cit., p. 516.
(30) 518‫ ص‬،‫املرجع السابق‬.
(31) Charles de Gaulle, La France et son armée, Paris, Plon, 1938, p. 196.
(32) Jean-Jacques Wunenburger, “Fins”, in Monique Canto-Sperber (dir.),
Dictionnaire d’éthique et de philosophie morale, vol. I, Paris, Puf, 2004,
p. 731.
(33) Michael Walzer, “Political action. The problem of dirty hands”, Philoso-
phy and Public Affairs, vol. II, no 2, 1973, p. 160-180.
(34) Michael Walzer, Arguing about War, New Haven, Yale University Press,
2004, p. 46.
(35) Carl von Clausewitz, De la guerre, Paris, Minuit, 1955, p. 52.
(36) Général MacArthur, lettre du 20 mars 1951 à Joseph W. Martin.
(37) Raymond Aron, Penser la guerre. Clausewitz, vol. II. L’Âge planétaire,
Paris, Gallimard, p. 9.
(38) Basil H. Liddell Hart, Stratégie, op. cit., p. 546 et 559
(39) André Beaufre, Introduction à la stratégie, op. cit., p. 34.
(40) Sun Zi, L’Art de la guerre, Paris, Hachette, 2000, p. 131.
(41) Basil H. Liddell Hart, Stratégie, op. cit., p. 521.
(42) Raymond Aron, Penser la guerre. Clausewitz, vol. II, op. cit., p. 183.
(43) Raymond Aron, Études politiques, Paris, Gallimard, 1972, p. 491.
(44) Raymond Aron, Le Grand Débat, Paris, Calmann-Lévy, 1963, p. 139
(45) Raymond Aron, Paix et guerre entre les nations, Paris, Calmann-Lévy,
1962, p. 687.
.666 ‫ ص‬،‫) املرجع السابق‬46(
(47) Jean-Vincent Holeindre, “Ruse”, in Michela Marzano (dir.), Diction-
naire de la violence, Paris, Puf, 2011, p. 1145.
(48) Basil H. Liddell Hart, Stratégie, op. cit., p. 526.
(49) Carl von Clausewitz, De la guerre, vol. III, chap. X.
(50) Jean-Vincent Holeindre, “Ruse”, art. cit., p. 1145.
(51) Pierre-Joseph Proudhon, La Guerre et la Paix, vol. III, chap. VI, Paris,
Librairie internationale, tome second, 1869, p. 2.
(52) Voir Jean-Baptiste Jeangène Vilmer, “Légalité et légitimité des drones
armés”, Politique étrangère, 2013, no 3, p. 119-132 et
“Idéologie du drone”, La Vie des idées, 4 décembre 2013, en ligne: http://
www.laviedesidees.fr/Ideologie-du-drone.html.
(53) Sheldon M. Stern, Averting “The Final Failure”. John F. Kennedy and
the Secret Cuban Missile Crisis Meetings, Stanford, Stanford University
Press, 2003, p. 108.

264
‫الهوامش‬
(54) Jean-Baptiste Jeangène Vilmer, La Guerre au nom de l’humanité. Tuer
ou laisser mourir, Paris, Puf, 2012.
(55) Jean-Baptiste Jeangène Vilmer, “Les justifications de la guerre préven-
tive et leurs impasses”, in Julie Saada (dir.), La Guerre. Entre faits et
normes, Lyon, Presses universitaires de Lyon, 2015.
(56) Par exemple Russell Hardin et al. (dir.), Nuclear Deterrence. Ethics and
Strategy, Chicago, the University of Chicago Press, 1985;
Joseph S. Nye, Nuclear Ethics, New York, Free Press, 1988;
Henry Shue (dir.), Nuclear Deterrence and Moral Restraint. Critical
Choices for American Strategy, Cambridge, Cambridge University
Press, 1989.
(57) Hérodote, Histoires, livre V, § 78.
(58) Colin S. Gray, “Moral advantage, strategic advantage?”, art. cit., p. 357.
(59) Richard J. Overy, Why the Allies Won, New York, W. W. Norton, 1995,
p. 22.
(60) Colin S. Gray, “Moral advantage, strategic advantage?”, art. cit., p. 355.
(61) Colin S. Gray, Modern Strategy, op. cit., p. 73.
(62) André Beaufre, Introduction à la stratégie, op. cit., p. 151.
(63) Colin S. Gray, “Moral advantage, strategic advantage?”, art. cit., p. 361.
(64) André Beaufre, Introduction à la stratégie, op. cit., p. 151.
(65) The US Army, Marine Corps, Counterinsurgency Field Manual, Chica-
go, The University of Chicago Press, 2007, p. xxiv.
(66) 101 ‫ ص‬،‫املرجع السابق‬.
(67) État-major de l’armée de Terre, L’Exercice du métier des armes dans
l’armée de Terre. Fondements et principes, Paris, Armée de Terre, jan-
vier 1999, p. 17.
(68) Jean-René Bachelet, “La formation des militaires à l’éthique dans le
métier des armes”, Droits fondamentaux, 2006, no 6, en ligne: http://
www.droits-fondamentaux.org/spip.php?article128, p. 5.
(69) Thomas Lindemann, “Faire la guerre, mais laquelle? Les institutions
militaires des États-Unis entre identités bureaucratiques et préférences
stratégiques”, Revue française de science politique, juin 2003, vol. LIII,
no 3, p. 675-706.
(70) Stephen Deakin, “Counter-insurgency ethics at the Royal Military
Academy Sandhurst”, in Don Carrick et al. (dir.), Ethics education for
irregular warfare, Abingdon, Routledge, 2009, p. 130.
(71) Bastien Irondelle, “L’armée française et l’éthique dans les conflits de
post-guerre froide”, Critique internationale, 2008, no 41, p. 128.
(72) État-major de l’armée de Terre, L’Exercice du métier des armes dans
l’armée de Terre. Fondements et principes, op. cit.

265
‫حرب واسرتاتيجية‬
(73) Jean-René Bachelet, “La formation des militaires à l’éthique dans le
métier des armes”, art. cit., p. 9.
(74) Albert Pierce in “Journées internationales des écoles de Saint-Cyr
Coëtquidan. Éthique et forces morales”, actes abrégés du colloque des
18-20 juin 2008, en ligne, p. 196.
(75) Knut Midgaard, “Strategy and ethics in international politics”, art. cit.,
p. 239.

‫الفصل العارش‬
(1) Sur l’affrontement franco-prussien, voir Peter Paret, The Cognitive Chal-
lenge of War. Prussia 1806, Princeton, Princeton University Press, 2009.
(2) Carl von Clausewitz, Notes sur la Prusse dans la grande catastrophe,
Paris, Ivréa, 1976.
(3) Raymond Aron, Penser la guerre. Clausewitz, vol. I, L’Âge européen,
particulièrement p. 76-107.
.94 .‫ ص‬،‫) انظر املرجع السابق‬4(
(5) Par exemple art militaire (stratégie et tactique), posture stratégique (of-
fensive/ défensive), forces matérielles et forces morales, moyens et fins.
Carl von Clausewitz, De la guerre, Paris, Ivrea, 2000.
‫ ولكن بتغيري يف‬،‫ مناسبة إلعادة إنتاج‬1871 - 1870 ‫ الربوسية‬- ‫) ُتعترب الحرب الفرنسية‬6(
،‫ املحرتف‬،‫ حيث أصبح الجيش الفرنيس‬،1806 ‫ األحكام املسبقة حتى العام‬،‫وضعية األدوار‬
‫فخورا بانتصاراته السابقة (يف ظل اإلمرباطورية األوىل) كام كان يحتفي بانتصاراته الحديثة‬
‫ بيد أن هذا التفوق قد تحول إىل إخفاق‬،)‫(يف القرم وإيطاليا وخالل حروبه االستعامرية‬
‫ ولهذا فقد حاول تحسني وضعه يف ساحة‬،‫ األملاين‬- ‫أمام تشكيالت من الجيش الربويس‬
.)‫ النمسا‬،‫ يف مواجهة خصم متوسط القوة‬1866 ‫املعركة (فقط يف العام‬
،»‫ الربوسية‬- ‫ «الحرب الفرنسية‬:‫انظر مايكل هوارد‬
Michael Howard, The Franco-Prussian War, Londres, Routledge, 2001.
‫ كانت تكتيكات جيوش االتحاد خالل‬،‫ فيام يخص بريطانيا العظمى وأملانيا‬،‫) وهكذا‬7(
‫ أما عن معظم‬،‫) هي التي اهتم بها املراقبون‬1865 - 1861( ‫الحرب األهلية األمريكية‬
.‫ فهي تركز عىل التنظيم واإلدارة‬،‫التحليالت يف فرنسا‬
‫ «اإلرث العسكري للحرب األهلية واملرياث األورويب‬:‫ انظر جاي لوفا‬،‫حول هذا املوضوع‬
،)1959(
Voir à ce sujet Jay Luvaas, The Military Legacy of the Civil War The Eu-
ropean Inheritance [1959], Lawrence, University Press of Kansas, 1988.
‫) إن تحليل الجيوش اليابانية والروسية يف أثناء الرصاع بينهام يف منشوريا وكوريا يف العام‬8(
‫ يختلف اختالفا كبريا بني البلدان وأيضا بني املراقبني العسكريني من البلد‬1905 - 1904
.‫نفسه ولكن بشكل نادر‬
‫ املفكرون العسكريون األملان قبل الحرب‬.‫ «ما بعد كالوزفيتز‬:‫ إيشفاريا‬.‫انظر انتيوليو ج‬
،»‫العظمى‬
Voir Antulio J. Echevarria, After Clausewitz. German Military Thinkers

266
‫الهوامش‬
Before the Great War, Lawrence, University Press of Kansas, 2000;
Patrick Porter, «Military orientalism? British observers of the Japanese
way of war, 1904-1910», War & Society, 2007, vol. XXVI, no 1, p. 1-25.
Voir aussi Olivier Cosson, Préparer la Grande guerre. L’armée française
et la guerre russo-japonaise (1899-1914), Paris, Indes savantes, 2013,
qui est davantage une étude sur l’armée française que sur la guerre rus-
so-japonaise.
:‫ ولكن أيضا املجالت الخاصة باألسلحة‬،‫ هناك املجالت العسكرية‬،‫ يف فرنسا‬،‫) وهكذا‬9(
‫ ُتركز الصحف العسكرية عىل‬،‫ يف أملانيا‬.‫ إلخ‬...‫املشاة والفرسان واملدفعية والهندسة‬
‫ توجد منشورات مثل مجلة معهد الخدمة العسكرية‬،‫ يف الواليات املتحدة‬.‫املناقشات‬
.‫ إلخ‬...‫يف الواليات املتحدة األمريكية‬
‫ الئحة تتعلق بتدريبات املشاة ومناوراتهم‬1791 ‫) متتلك فرنسا منذ األول من أغسطس‬10(
‫ بروسيا بدورها لديها مثل هذه اللوائح‬.‫ونصوص مامثلة تخص سالح الفرسان واملدفعية‬
‫ فلم تكن لديها لوائح خالل حروب‬،‫ أما عن اململكة املتحدة‬.‫منذ حكم فريدريك الثاين‬
.‫نابليون‬
‫ «من مناورة نابليون إىل‬:‫) توجد هذه القامئة التي تخص فرنسا يف سلسلة دمييرتي كيلوز‬11(
،)1914 - 1871( ‫ التكتيك العام للجيش الفرنيس‬.‫الهجوم الشامل‬
Dont une liste pour la France est donnée in Dimitry Queloz, De la
manœuvre napoléonienne à l’offensive à outrance. La tactique générale
de l’armée française (1871-1914), Paris, Économica/ISC, 2009, p. 543 sq.
(12) Antulio J. Echevarria, After Clausewitz. German Military Thinkers
Before the Great War, op. cit,.
et Dimitry Queloz, De la manœuvre napoléonienne à l’offensive à out-
rance. La tactique générale de l’armée française (1871-1914), op. cit.
:‫ انظر هانز ديلربوك‬.‫) وينطبق هذا أيضا عىل الثنايئ كارل ماركس وفريدريك إنجلز‬13(
،»‫«اسرتاتيجية بريكليس وتفسريها من خالل اسرتاتيجية فريدريش العظيم‬
C’est aussi vrai du duo Karl Marx-Freidrich Engels. Hans Delbrück, Die
Strategie des Perikles erläutert durch die Strategie Friedrichs des Gros-
sen, Berlin, Georg Reimer, 1890;
id., History of the Art of War, 4 vols., Lincoln/Londres, University of
Nebraska Press, 1975-1985.
(14) Ces interactions sont mises en évidence, pour prendre l’exemple
français, in André Bach, L’Armée de Dreyfus. Histoire politique de
l’armée française, Paris, Tallandier, 2004 et Jean Doisse, Maurice Vaïsse,
Politique étrangère de la France. Diplomatie et outil militaire (1871-
1991), Paris, Seuil, 1992.
‫) حتى إن البحرية امللكية الربيطانية تجعلها واحدة من ركائزها العقائدية املبنية عىل‬15(
:‫ انظر‬.‫أساس التفوق التكنولوجي‬
La Royal Navy en fait même l’un des piliers de sa doctrine, fondée sur la
suprématie technologique. Jon Tetsuro Sumida, In Defence of Naval

267
‫حرب واسرتاتيجية‬
Supremacy. Finance, Technology, and British Naval Policy (1889-1914)
[1993], Newport, Naval Institute Press, 2014.
(16) Paul Bracken, «Net assessment. A practical guide», Parameters, prin-
temps 2006, p. 92-93.
(17) ORSA Committee, Operations Research/Systems Analysis. Fundamen-
tal Principles, Techniques, and Applications, US Army Logistics Uni-
versity, 2011, p. 6.
(18) Joseph F. McCloskey, «British operational research in World War II»,
Operations Research, mai-juin 1987, vol. XXXV, no 3, p. 453-470.
(19) Terry Copp (dir.), Montgomery’s Scientists. The Work of No.2 Oper-
ational Research Section with 21 Army Group June 1944 to July 1945,
Laurier Center for Military Strategic and Disarmament Studies, Water-
loo, Wilfrid Laurier University, 2000.
.8 ‫ ص‬،‫) املرجع السابق‬20(
(21) Paul K. Davis, Aggregation, Disaggregation, and the 3: 1 Rules in
Ground Combat, Santa Monica, Rand Corporation, 1995, p. 3.
‫ التي ُأطلقت عىل اسم مخرتعها فريدريك لنشيسرت‬،‫إن قوانني أو معادالت لنشيسرت‬
‫ ُتعترب معادالت تفاضلية تقيس التطور‬،‫) العامل واملهندس الربيطاين‬1946 - 1868(
.‫النسبي الزمني للقوات التابعة ملعسكرين متعارضني‬
:‫ انظر‬.)‫ عىل سبيل املثال‬،‫) سيكون بشكل عام هناك تدفق (لوجيستي‬22(
Voir Antoine Bousquet, The Scientific Way of Warfare. Order and Cha-
os on the Battlefields of Modernity, New York, Columbia University
Press, 2009, chap. IV et V.
(23) Sharon Ghamari-Tabrizi, The Worlds of Herman Kahn. The Intuitive
Science of Thermonuclear War, Cambridge, Harvard University Press,
2005, p. 149,
cité par Antoine Bousquet, The Scientific Way of Warfare. Order and
Chaos on the Battlefields of Modernity, op. cit., p. 121.
.122 ‫ ص‬،‫) املرجع السابق‬24(
(25) Paul Bracken, «Net assessment. A practical guide», art. Cit;.
Eliot A. Cohen, «Net Assessment. An American Approach», Jaffee
Center for Strategic Studies (JCSS), Memorandum no 29, 1990;
Office of Net Assessment and Institute for Defense Analyses, «Net As-
sessment. The Concept, Its Development, and Its Future», 22 mai 1990.
‫ من خالل حياته‬.‫ عن عمر يناهز الثالثة والتسعني سنة‬2015 ‫) تقاعد مارشال يف يناير‬26(
‫ يودا – ميكن تسليط الضوء عىل تأثريه املتميز يف التخطيط يف‬- ‫املديدة واسمه الحريك‬
.‫مجال الدفاع األمرييك‬
www.washingtonpost.com/world/national-security/yoda-still-standing-
office-of-pentagon-futurist-andrew-marshall-92-survives-budget-ax/
2013/12/04/df99b3c6-5d24-11e3-be07-006c776266ed_story.html

268
‫الهوامش‬
(27) Paul Bracken, «Net assessment. A practical guide», art. cit., p. 92.
(28) Paul Bracken, «Net assessment. A practical guide», art. cit., p. 99-100.
‫ يف جامعة هارفارد ثم يف جامعة أوهايو قبل أن يلتحق‬1952 ‫) اشتغل بالتدريس يف العام‬29(
.‫ وبعد ذلك أسس مركزا خاصا‬،‫بالعمل يف معهد تحليل الدفاع‬
،»‫ دوبوي‬.‫ «تريفور إن‬:‫انظر سوزان ريتش‬
Voir Susan Rich, «Trevor N. Dupuy», sur le site du Trevor Nevitt Dupuy
Institute à l’adresse www. dupuyinstitute.org/tndupuy.htm
(30) Dont les plus notables sont, dans l’ordre chronologique: Trevor N. Du-
puy, Numbers, Predictions and War. Using History to Evaluate Combat
Factors and Predict the Outcome of Battles, New York, Bobbs-Merril,
1978;
The Evolution Of Weapons And Warfare, New York, Paragon House,
1980;
Understanding War. History and Theory of Combat, New York, Para-
gon House, 1987;
Understanding Defeat. How to Recover from Loss in Battle to Gain
Victory in War, New York, Paragon House, 1990;
et Attrition. Forecasting Battle Casualties and Equipment Losses in
Modern War, auto-édité, 1990.
(31) Trevor Nevitt Dupuy Institute, «The Tactical, Numerical, Determinis-
tic Model», disponible sur internet à l’adresse www.dupuyinstitute.org/
tndm.htm
‫) يؤكد معهد تريفور نيفيت دوبوي عىل موقعه عىل اإلنرتنت أنه يستطيع أن يتنبأ‬32(
،‫ ملعدالت الخسائر واألرباح األمريكية خالل حرب الخليج‬5% ‫بهامش خطأ يصل إىل‬
Le TNDI affirme ainsi sur son site avoir prédit avec une marge d’erreur
de 5% les taux de pertes et d’avance américains lors de la guerre du
Golfe. TNDI, «The Tactical, Numerical, Deterministic Model», art. Cit.
.‫) املرجع السابق‬33(
(34) Stephen Biddle, Military Power. Explaining Victory and Defeat in Mod-
ern Battle, Princeton, Princeton University Press, 2004.
.35 ‫ ص‬،‫) املرجع السابق‬35(
.44 ‫ ص‬،‫) املرجع السابق‬36(
‫) املرشوع بأكمله وتاريخه وقواعد البيانات الخاصة به ُمتاح عىل اإلنرتنت عىل املوقع‬37(
:‫أدناه‬
L’ensemble du projet, son historique et l’accès à ses bases de données
sont accessibles sur Internet à l’adresse www.correlatesofwar.org
(38) Voir par exemple la réalité nettement plus complexe de l’armée paki-
stanaise, telle que la décrit C. Christine Fair, Fighting to the End. The
Pakistan Army’s Way of War, Oxford, Oxford University Press, 2014.
‫ولكن ميكن للمرء أيضا أن يذكر الثقل يف أداء القوات البحرية ملهامتها من أجل‬

269
‫حرب واسرتاتيجية‬
.‫السيطرة عىل البحار والديبلوماسية البحرية وبالتأكيد هي ميادين للقتال مختلفة‬
Voir Hervé Coutau-Bégarie, Le Meilleur des ambassadeurs. Théorie et
pratique de la diplomatie navale, Paris, Économica/ISC, 2010
et Joseph Henrotin, Les Fondements de la stratégie navale au XXIe siè-
cle, Paris, Économica, 2011.
‫) سرية ذاتية مخترصة عن ستيفان بيدل عىل موقع مجلس العالقات الخارجية عىل‬39(
:‫اإلنرتنت عىل املوقع أدناه‬
Biographie succincte de S. Biddle sur le site du Council on Foreign
Relations, accessible sur Internet à l’adresse http://i.cfr.org/content/bios/
Biddle_Bio_4-17.pdf
‫ جالنتز عن الجيش األحمر‬.‫) املثال املمتاز عىل ذلك هو اللوحة التي رسمها ديفيد ام‬40(
:‫ انظر‬،‫عشية عملية «بارباروسا» الغزو األملاين لالتحاد السوفييتي‬
David M. Glantz, Stumbling Colossus. The Red Army on the Eve of
World War, Lawrence, University Press of Kansas, 1998.
‫ التطويق والقوات واالنتشار والخطط الحربية وحالة القوات‬:‫ميكن تناول ما ييل تباعا‬
.‫(األرض والدعم والطريان) واالحتياطيات االسرتاتيجية واالستخبارات‬
Sont successivement abordés l’encadrement, la troupe, le déploiement et
les plans de guerre, l’état des forces (terrestres, de soutien, et aviation),
les réserves stratégiques, le renseignement.
‫) إن ضعف سيطرة األغلبية العظمى من املؤرخني «العسكريني» خصوصا يف فرنسا فيام‬41(
‫يتعلق باألساسيات االسرتاتيجية والفن العسكري ُيشكل إزعاجا شديدا يف عديد من‬
‫األعامل التي غالبا ما يكتفي مؤلفوها باختيارهم الذريعة األكرث إقناعا من بني كل‬
‫ االستثناء من هذه القاعدة هو تحليل‬.‫املصادر املتاحة التي تذكر مزايا أحد املذاهب‬
.1941 ‫البحرية اإلمرباطورية اليابانية حتى العام‬
‫ «االسرتاتيجية والتكتيكات‬:‫ بيتي وكايجون‬.‫ إيفانز ومارك ار‬.‫انظر ديفيد يس‬
،)1941 - 1887( ‫والتكنولوجيا يف بحرية اإلمرباطورية اليابانية‬
Voir David C. Evans, Mark R. Peattie, Kaigun. Strategy, Tactics, and
Technology in the Imperial Japanese Navy (1887-1941), Newport, Naval
Institute Press, 1997, et
Mark R. Peattie, Sunburst. The Rise of Japanese Naval Air Power (1909-
1941), Newport, Naval Institute Press, 2007.

‫الفصل الحادي عرش‬


(1) Pour un vision globale de la diffusion de cette technicisation : Martin
Van Creveld, Technology and War. From 2000 b.c. to the Present, New
York, The Free Press, 1989.
(2) Robert S. Merrill, «The study of technology», in David L. Sills (dir.), In-
ternational Encyclopaedia of the Social Sciences, New York, McMillan
and The Free Press, 1968,
cite par Andrew L. Ross, «The dynamics of military technology», in

270
‫الهوامش‬
David Dewitt, David Haglund, John J. Kirton, Building a New Glob-
al Order. Emerging Trends in International Security, Toronto, Oxford
University Press, 1993, p. 108.
(3) Hervé Coutau-Bégarie, Traité de stratégie, Paris, Économica/ISC, 2011.
(4) Cité par Chris H. Gray, Postmodern War. The New Politics of Conflict,
Londres, Routledge, 1997, p. 213.
(5) Voir Daniel R. Headrick, The Tools of Empire.
Technology and European Imperialism in the Nineteenth Century, Ox-
ford University Press, Oxford, 1981;
Kurt Mendelsshon, The Secret of European Domination. How Science
Became the Key to Global Power and What it Signifies for the Rest of
the World, Praeger, New York, 1976.
(6) Cité par Bruno Colson, «Culture stratégique française», in Gérard
Chaliand, Arnaud Blin, Dictionnaire de stratégie militaire, Paris, Per-
rin, 1999, p. 152.
(7) Stefan T. Possony, Jerry E. Pournelle, Francis X. Kane, The Strategy of
Technology. Winning the Decisive War, Cambridge, Cambridge Uni-
versity Press, 1970.
(8) David F. Noble, Forces of Production. A social History of Industrial
Automation, New York, Alfred Knopf, 1984, p. XIII.
(9) Bruno Latour, Pierre Lemonnier (dir.), De la préhistoire aux missiles
balistiques. L’intelligence sociale des techniques, Paris, La Découverte,
1994.
Voir également John Law, Michel Callon, «Engineering and sociology in
a military aircraft project. A network analysis of technological change»,
Social Problems, juin 1988, no 35, p. 284-297.
(10) Jacques Sapir, «Information, décision, coordination : enseignements de
l’histoire militaire pour l’économist», in Laurent Henninger (dir.), His-
toire militaire et sciences humaines, Bruxelles, Complexe, 1999, p. 129.
(11) Élie Cohen, Le Colbertisme «high tech». Économie des télécoms et du
grand projet, Paris, Hachette, 2002.
(12) Joseph S. Szyliowicz (dir.), Technology and International Affairs, Prae-
ger, New York, 1991.
(13) Paul Bracken, «Sidewise technologies. National security and global
power implications», Military Review, septembre-octobre 2005.
(14) Martin Van Creveld, Technology and War. From 2000 b.c. to the Pres-
ent, op. cit.
(15) Michael I. Handel, «Clausewitz in the age of technology», Journal of
Strategic Studies, 1986, vol. IX, no 2-3, p. 229-282.
(16) Voir John W. R. Lepingwell, «The laws of combat? Lanchester reexami-

271
‫حرب واسرتاتيجية‬
nated», International Security, été 1987, vol. XII, no 1, p. 89-134.
(17)Voir notamment Chris H. Gray, Postmodern War. The New Politics of
Conflict, op. cit.
(18) François Géré, Demain, la guerre. Une visite guidée, Paris, Cal-
mann-Lévy, 1997, p. 242.
(19) François Géré, «Stratégie des moyens», in Thierry de Montbrial, Jean
Klein (dir.), Dictionnaire de stratégie, Paris, Puf, 2000, p. 552.
‫ أكرث من نصف ميزانية صيانة معدات القوات الربية استُخدمت‬،2009 ‫ يف العام‬،‫) وهكذا‬20(
.Tiger ‫ ومروحيات من نوع‬Leclerc ‫فقط ملصلحة دبابات من نوع‬
(21) Pour un état de l’art sur les études américaines, voir Bastien Irondelle,
Jean Joana, «État de l’art sur la sociologie des politiques d’armement.
Les approches anglo-saxonnes», in William Genieys (dir.), Le Choix des
armes. Théories, acteurs et politiques, Paris, CNRS, 2004.
‫ يوم ما بني توقيع عقد‬102 ‫ تقريبا‬P-51‫) لقد استغرق تصميم الطائرة املقاتلة من طراز‬22(
‫ وباملثل استغرق تصميم البارجة دريدونوت التابعة للبحرية‬.‫تطويرها وأول رحلة لها‬
‫ أقل من عام بني‬،‫ األوىل من نوعها واملجهزة بأول توربينات بخارية‬،‫امللكية الربيطانية‬
.‫رسوها ورحلتها البحرية األوىل‬
(23) Joseph Henrotin, La Technologie militaire en question. Le cas améric-
ain et ses conséquences en Europe, Paris, Économica, 2012.
(24) Olivier Zajec, « Le “paradigme ROVER” : paradoxes de la standardisa-
tion en coalition », Défense & sécurité internationale, mars 2010, no 57.
(25) Robert Jervis, « Cooperation under the security dilemma », World Pol-
itics, janvier 1978, vol. XXX, no 2, p. 167-214.
(26) Pour une synthèse des travaux sur la question: Charles-Philippe David,
«Le culte de l’offensive», in Charles-Philippe David et al., Les Études
stratégiques. Approches et concepts, Québec/Paris, Centre québécois
des relations internationales/Méridien/Fondation pour les études de
défense nationale, 1989.
(27) Alexander Wendt, «Constructing international politics», International
Security, 1995, no 20, p. 71-81.
(28) Colin S. Gray, Weapons Don’t Make War. Policy, Strategy and Military
Technology, Lawrence, Kansas University Press, 1993.
.‫) هذه الثورات األخرية لها طابع اجتامعي وتدعو إىل إحداث تغيري يف طبيعة الحرب‬29(

‫الفصل الثاين عرش‬


‫ هذه‬.)Weltanschauung( ‫) نحن نعمل عىل نقل هذه الكلمة املستحدثة عن املفهوم‬1(
»‫ «الرؤية والتمثيل‬Anshauung ‫ «العامل» ولفظ‬Welt ‫الكلمة األملانية مركبة من لفظ‬
‫ تصف هذه الكلمة بدقة شديدة املفهوم السيايس‬.»‫ومتكن ترجمتها إىل «مفهوم العامل‬
‫ لقد استعرنا هذه الكلمة‬.‫والثقايف الذي ميكن أن يحوزه الفرد أو الجامعة يف كل العامل‬
‫ من أجل التعبري عن فكرة املفهوم‬Welt ‫ («الحرب») بـ‬Krieg ‫عن طريق استبدال‬

272
‫الهوامش‬
‫السيايس والثقايف التي تخص الحرب والدولة واملؤسسة (العسكرية يف العادة) أو الفرد‪.‬‬
‫‪(2) Headquarters, Department of the Army, Field Manual 100-5. Operations,‬‬
‫‪Washington DC, 20 août 1982 (abrégé ci-après en FM 100-5/1982).‬‬
‫‪(3) Voir à ce sujet Joseph Henrotin, La Technologie militaire en question. Le‬‬
‫‪cas américain et ses conséquences en Europe, Paris, Économica, 2013.‬‬
‫(‪ )4‬عقيدة القوات املشرتكة ‪ - DIA-01‬عقيدة استخدام القوات الرقم ‪DEF / / 127‬‬
‫‪ ،CICDE / NP‬مركز القوات املشرتكة للمفاهيم والعقائد والتجارب (‪/ )CICDE‬‬
‫رئاسة أركان القوات املسلحة (‪ ،)EMA‬باريس‪ .2011 ،‬الصيغة الفرنسية من الناحية‬
‫النظرية الصارمة تعرب عن «مستويات فهم وإدارة التعهدات اإلجرائية»‪ ،‬ومن الناحية‬
‫تعب عن التقسيم إىل مستويات عاملية أيضا – بحيث يجري تجاوز مجرد‬ ‫العملية ّ‬
‫الجوانب اإلجرائية – وبدرجة أقل دقة ‪ -‬تجاوز مجرد تقاسم املسؤوليات القيادية‪.‬‬
‫‪(5) Voir comme exemple du premier cas Jonathon P. Riley, Napoleon and‬‬
‫‪the World War of 1813. Lessons in Coalition Warfighting, Londres,‬‬
‫‪Routledge, 2000.‬‬
‫من املمكن قراءة بعض عبارات مثل‪« :‬عىل الرغم من أن حرب التحالف ميكن أن ُتفرض‬
‫عىل املستوى السيايس‪ ،‬فقد يأيت اليوم الذي يتعني فيه إقرار الضوابط الوظيفية عىل‬
‫املستوى اإلجرايئ» (ص ‪ .)414‬أما فيام يتعلق بالحالة الثانية‪ ،‬فيمكن قراءة كتاب ‪ -‬عىل‬
‫درجة عالية من الجودة‪:‬‬
‫‪Emile Simpson, War From the Ground Up. Twenty-First Century Com-‬‬
‫‪bat as Politics, Londres, Hurst & Co, 2012. Riley et Simpson sont d’an-‬‬
‫‪ciens officiers de l’armée britannique.‬‬
‫‪(6) Justin Kelly, Michael Brennan, Alien. How Operational Art Devoured‬‬
‫‪Strategy, Carlisle Barracks, US Army Strategic Studies Institute, septem-‬‬
‫‪bre 2009, p. 59 sq.‬‬
‫‪voir également Justin Kelly, Michael Brennan, «The leavenworth heresy‬‬
‫‪and the perversion of operational art », Joint Forces Quarterly, 2010,‬‬
‫‪no 56, p. 109-116.‬‬
‫(‪« )7‬القيادة العامة‪ ،‬إدارة الجيش‪ ،‬لوائح الخدمة امليدانية ‪ .5-100‬العمليات‪ ،‬واشنطن‪22 ،‬‬
‫مايو ‪ُ .1941‬كتبت لوائح الخدمة امليدانية ‪ 5-100‬بشكل مؤقت يف العام ‪ .1939‬أما عن‬
‫الطبعة ‪ ،1941‬فهي النسخة النهائية‪ .‬بيد أنه كانت توجد لوائح للخدمات امليدانية منذ‬
‫العام ‪ ،1923‬ولكنها لوائح عامة‪ ،‬يف حني أن طبعة العام ‪ 1941‬تعترب النرشة األوىل التي‬
‫تركز بشكل واضح عىل العمليات‪.‬‬
‫(‪ )8‬ميكن تفسري هذه النقطة األخرية‪ ،‬من بني عوامل أخرى‪ ،‬ليس فقط من خالل شمولية‬
‫النطاق التي متنح للعقيدة من قبل القوات الربية ‪ -‬عىل عكس‪ ،‬النطاق الخاص جدا‬
‫بالقوات الجوية التابعة لسالح الجو ‪ -‬ولكن أيضا من خالل الخدمات العليا األخرى‪،‬‬
‫كالبحرية التي تتحفظ كام هو معلوم تاريخيا عن إضفاء الطابع الرسمي عىل عقيدتها‪،‬‬
‫وهكذا فقد تأخرت الهيئات العقائدية التابعة للبحرية بسبب تصميمها عىل اتباع‬
‫سياسة الهيئات التابعة للقوات الربية والتي تعترب مصدر إلهام‪ .‬يالحظ أن نطاق قوات‬
‫مشاة البحرية األمريكية‪ ،‬من الناحية املنطقية جدا‪ ،‬ميثل نقطة تقاطع لهذين النطاقني‪.‬‬
‫‪Michael R. Matheny, Carrying the War to the Enemy. American Oper-‬‬

‫‪273‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬
ational Art to 1945, Norman, The University of Oklahoma Press, 2011.
.‫) الرتجمة مذكورة يف منت النص‬9(
.‫) الرتجمة مذكورة يف منت النص‬10(
.‫) الرتجمة مذكورة يف منت النص‬11(
.‫) الرتجمة مذكورة يف منت النص‬12(
(13) Gordon A. Craig, The Politics of the Prussian Army. 1640-1945, Ox-
ford, Oxford University Press, 1955.
‫) يرجع هذا االنبهار الكبري إىل االنتصار الوحيش ألملانيا عىل البلد الذي كان جيشه حتى‬14(
.‫ إنها فرنسا‬،‫ذلك الوقت املرجع العقائدي للجيش األمرييك‬
Michael Andrew Bonura, «French thought and the American military
mind. A history of French influence on the American way of war from
1814 through 1941», these de doctorat d’histoire de la Florida State Uni-
versity, 2008 (Electronic theses, Treatises and dissertations, Paper 3548).
‫ ألنهم األقرب من الناحية املفاهيمية واإلجرائية داخل‬،‫) تشكل هذه الجيوش الثالثة‬15(
‫ مجموعة الحلفاء األساسيني عىل مستوى مرسح العمليات الرئييس‬،‫حلف الناتو‬
‫ فإنهم يشكلون القوات األقرب ضمن‬،‫ أما عن الربيطانيني واألملان‬.‫يف وسط أوروبا‬
.)‫مجموعة جيوش الشامل (مجموعة قوات الشامل‬
Voir A. I. Greg Kennedy, «The operational art of war. National or in-
ternational evolution? », in J. Jeremy Mackenzie, Brian Holden Reid
(dir.), The British Army and the Operational Level of War, Londres,
Tri-Service Press, 1989, p. 127-147, et Hew Strachan, The Direction
of War. Contemporary Strategy in Historical Perspective, Cambridge,
Cambridge University Press, 2013, p. 211-212.
:‫ نيكولز متاح عىل اإلنرتنت عىل املوقع التايل‬- ‫) نص القانون الذي أصدره غولدووتر‬16(
Le texte du Goldwater-Nichols Act est accessible en ligne à l’adresse
www.au.af. mil/au/awc/awcgate/congress/title_10.htm
(17) Headquarters, Department of the Army, Field Manual 100-5. Opera-
tions, Washington DC, 5 mai 1986, p. 9-10 (ci-après FM 100-5/1986).
(18) Eliot Cohen, Supreme Command. Soldiers, Statesmen and Leadership
in Wartime, New York, Free Press, 2002, en particulier p. 229.
1987-1981 ‫) وزير الدفاع‬2006-1917( ‫كاسبار وإينبريغر‬
.1993 ‫ إىل‬1989 ‫ رئيس هيئة األركان املشرتكة من‬،)1937 ‫كولن باول (من مواليد العام‬
(19) Joseph Henrotin, La Technologie militaire en question. Le cas améric-
ain et ses conséquences en Europe, op. cit.
.3-p. 1 ,1993/5-FM 100 ,،‫) الرتجمة مذكورة يف منت النص‬20(
(21) Milan Vego, Joint Operational Warfare. Theory and Practice, Newport,
US Naval War College, 2007, p. II-17.
‫ من بني‬،‫) لنستعر يف هذه الحالة املفهوم الذي يهم «املدرسة» الربيطانية التي أسسها‬22(
‫ ظهرت طبعة ثانية‬.)‫ باسل ليدل هارت (اسرتاتيجية النهج غري املبارش‬،‫مدارس أخرى‬
‫ ولكن من دون العنوان الفرعي حيث‬،‫ عن دار النرش نفسها‬1967 ‫منقحة يف العام‬

274
‫الهوامش‬
‫يعرف الكتاب اآلن ببساطة بعنوان «االسرتاتيجية»‪.‬‬
‫فيام يتعلق باملستوى االسرتاتيجي الكبري‪ ،‬انظر عىل سبيل املثال جون يت‪ .‬كوهن‪« ،‬نقاش‬
‫حول االسرتاتيجية الكربى»‪،‬‬
‫‪Sur le niveau grand stratégique, voir par exemple John T. Kuehn, «Talk-‬‬
‫‪ing grand strategy», Military Review, septembre-octobre 2010, p. 74.‬‬
‫(‪ )23‬باإلضافة إىل اإلصالحات التي أدت إىل النتيجة املرجوة اآلن يف هيئة األركان العامة‬
‫املشرتكة للقوات والتدريب (‪ ،)EMIA-FE‬فإن النظام الفرنيس معقد بسبب الوضع‬
‫غري الدقيق للغاية ملركز التخطيط وإدارة العمليات (‪ )CPCO‬التابعة لهيئة األركان‬
‫العامة للقوات املسلحة‪.‬‬
‫حول هذا املوضوع‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Benoist Bihan, «La défense de la France sur la corde raide. Première‬‬
‫‪partie : l’impéritie stratégique », Défense & sécurité nationale, février‬‬
‫‪2014, no 100, p. 74-81, et «Deuxième partie : l’épuisement d’un modèle»,‬‬
‫‪Défense & sécurité internationale, mars 2014, no 101.‬‬
‫(‪ )24‬مبعنى أن املنطقني املايل والبريوقراطي يسيطران عىل التنظيم اإلداري واإلجرايئ للقوات‬
‫أكرث من املنطق اإلجرايئ نفسه‪ .‬ولهذا فإن الزيادة والقوة النسبية للقوات املسلحة‬
‫األمريكية خالل حرب العراق (‪ )2010-2003‬كانت من دون أي تأقلم كبري من وجهة‬
‫نظر مؤسسية‪.‬‬
‫(‪ )25‬حتى داخل الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬مل يعد فحوى الكالم رضوريا‪ ،‬يف نهاية الخطاب‬
‫[…] عندما وصل أوباما إىل السلطة‪ ،‬قال وزير الدفاع روبرت غيتس إنه حتى البنتاغون‬
‫كان يف حالة حرب‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪`Hew Strachan, The Direction of War. Contemporary Strategy in His-‬‬
‫‪torical Perspective, op. cit., p. 277 :‬‬
‫انظر أيضا‪:‬‬
‫‪Voir également Robert Gates, Duty. Memoirs of a Secretary at War, New‬‬
‫‪York, Alfred A. Knopf, 2014.‬‬
‫(‪ )26‬لن نستشهد إال مبثال واحد‪ ،‬وهو املثال الذي يفي بالغرض‪ :‬عن املقدم السابق ديفيد‬
‫ام‪ .‬غالنتز الذي أصبحت أعامله التاريخية عن الفن اإلجرايئ السوفييتي يف الجيش‬
‫األمرييك تؤدي دورا مهام يف انتشار مفهوم «املستوى اإلجرايئ للحرب»‪ ،‬وقد شغل‬
‫غالنتز‪ ،‬بعد تقاعده عن العمل‪ ،‬منصب أستاذ يف جامعة كنساس‪ ،‬إذ إنه يعد واحدا من‬
‫أفضل املتخصصني يف الحرب األملانية ‪ -‬السوفييتية خالل الحرب العاملية الثانية (عىل‬
‫«الجبهة الرشقية»)‪.‬‬
‫‪(27) Michael R. Matheny, Carrying the War to the Enemy. American Oper-‬‬
‫‪ational Art to 1945, op. cit.‬‬
‫‪(28) Hew Strachan, The Direction of War. Contemporary Strategy in Histor-‬‬
‫‪ical Perspective, op. cit., p. 213.‬‬
‫(‪ )29‬الرتجمة مذكورة يف منت النص‪.‬‬
‫وهذا النص متاح عىل شبكة اإلنرتنت عىل‪www.dtic.mil/doctrine/dod_ :‬‬
‫‪dictionary‬‬
‫‪(30) DIA-01, op. cit., p. 21.‬‬

‫‪275‬‬
‫حرب واسرتاتيجية‬
(31) Headquarters, Department of the Army, Field Manual 3-24/Marine
Corps Warfighting Publication 3-33.5. Counterinsurgency, Washington
DC, 15 décembre 2006 (ci- après FM 3-24/2006).
(32) FM 3-24/2006, sections 2-55 et 2-56.
:‫) الرتجمة مذكورة يف منت النص‬33(
«The level of war at which campaigns and major operations are planned,
conducted, and sustained to achieve strategic objectives within theaters
or other operational areas», JP 1-02/2014, p. 196.
(34) DIA-01, op. cit., p. 20.

‫الفصل الثالث عرش‬


‫ الحروب‬،‫) يتجسد «علم اجتامع الحروب الجديدة» بشكل خاص يف أعامل ماري كالدور‬1(
،»‫ أعامل العنف املنظمة يف عرص العوملة‬.‫الجديدة والقدمية‬
ans que ceux de Martn Shaw, The Theory of the Global State, Cambrdge,
Cambrdge Unversty Press, 2000,
et War and Genocde. Organzed Kllngs n Modern Socety, Cambrdge,
Polty Press, 2003.
‫ الخاص مبكافحة التمرد والصادر يف ديسمرب‬24-FM 3 ‫) يتعلق األمر بالدليل امليداين‬2(
‫ من غري املحبذ االطالع عىل أهمية العالقة‬،‫ عىل أي حال‬.6-1‫ و‬5-1 ‫ يف القسمني‬2006
.‫(أو التفاعل االسرتاتيجي) بني الجهات الفاعلة‬
(3) Vor notamment Hervé Coutau-Bégare, «Guerres rrégulères: de quo par-
le-t-on?», Stratégque, 2009, no 93-94-95-96, p. 13-30.
‫) وهكذا يحاول ماكس بوت إعادة بناء تاريخ «الحروب الصغرية» التي يشنها الجيش‬4(
‫ وبالتايل اإلرصار عىل استخدام الوحدات‬،‫األمرييك املحرتف منذ نهاية القرن التاسع عرش‬
.‫الصغرية يف سياق الرصاعات املحدودة‬
Max Boot, The Savage Wars of Peace. Small Wars and the Rse of Amer-
can Power, New York, Basc Books, 2002.
(5) Olver Schmtt, «Les théores de la guerre rrégulère», Journée d’étude «Les
penseurs de la stratége», programme «Guerre et socété», Pars, 29 ma
2013.
(6) C’est le cas de l’hstoren amércan Vctor Davs Hanson, Le Modèle occ-
dental de la guerre. La batalle d’nfantere dans la Grèce classque, Pars,
Tallander, 2007;
d., Carnage et culture. Les grandes batalles qu ont fat l’occdent, Pars,
Flammaron, 2009.
Pour une réévaluaton de l’apport culturalste, John A. Lynn, Battle. A
Hstory of Combat and Culture, New York, Basc Books, 2003.
(7) John Grener, The Frst Way of War. Amercan War Makng on the Fronter
(1607- 1814), Cambrdge, Cambrdge Unversty Press, 2005,
‫التقدم ومهاجمة السكان املدنيني وممتلكاتهم يعترب جزءا ال يتجزأ من النموذج األمرييك‬

276
‫الهوامش‬
‫ يعتمد هذا النموذج عىل دراسة أشكال الحرب التي استعملها املستعمرون يف‬.‫للحرب‬
‫ وعىل إظهار كيفية إصابة الجنود غري املحرتفني‬،‫القرنني السابع عرش والثامن عرش‬
.»‫لألهداف املطلقة نسبيا باستخدام أساليب «الحرب الصغرية‬
(8) Sandrne Pcaud-Monnerat, La Pette Guerre au XVe sècle, Pars, Économ-
ca/ SC, 2010.
‫يسعى توماس ريد إىل إثبات كيف أن الفرنسيني قد تبنوا الغارة الساحقة خالل غزو‬
،‫الجزائر يف منتصف القرن التاسع عرش‬
Thomas Rd, « Razza. A turnng pont n modern strategy», Terrorsm and
Poltcal Volence, 2009, vol. XX, no 4, p. 617-635
(9) Robert M. Cassdy, « Prophets or praetorans ? The uptonan paradox and
the powell corollary », Parameters, automne 2003, vol. XXX, no 3, p.
130-143.
(10) John A. Nagl, Learnng to Eat Soup wth a Knfe. Counternsurgency Les-
sons from Malaya and Vetnam, Chcago, Chcago Unversty Press, 2002;
James A. Russell, nnovaton, Transformaton and War. Operatons n An-
bar and Nnewa Provnces, raq (2005-2007), Stanford, Stanford Unversty
Press, 2011.
Theo Farrell, Frans Osnga, James A. Russell (dr.), Mltary Adaptaton n
Afghanstan, Stanford, Stanford Unversty Press, 2013;
Chad C. Serena, A Revoluton n Mltary Adaptaton. The US Army n raq,
Washngton, Georgetown Unversty Press, 2011.
(11) Stephen Krasner (dr.), nternatonal Regmes, thaca, Cornell Unversty
Press, 1983, p. 62.
(12) Sur l’hstore et les enjeux de ce processus, Douglas Porch, Counternsur-
gency. Exposng the Myths of the New Way of War, Cambrdge, Cam-
brdge Unversty Press, 2013.
‫ كانت هناك عالقة قوية بني رفض منط الحرب غري التقليدي (الذي‬،‫) يف التسعينيات‬13(
‫ ألنه يشمل أيضا عمليات االستقرار وعمليات حفظ‬،‫ميكن أن يفهم بشكل أوسع‬
‫ فإن تعزيز مكافحة التمرد يف داخل القوات‬،‫ وعىل العكس‬.‫ ومذهب التدخل‬،)‫السالم‬
.‫املسلحة األمريكية يصاحبه خطاب حول حتمية التدخالت العسكرية‬
Davd H. Ucko, The New Counternsurgency Era. Transformng the US
Mltary for Modern Wars, Washngton, Georgetown Unversty Press,
2009;
Gan Gentle, Wrong Turn. Amerca’s Deadly Embrace of Counternsur-
gency, New York, The Free Press, 2013.
(14) Joseph Henrotn, «Guerre hybrde : de quo parle-t‑on?», Défense &
sécurté nternatonale, novembre 2012, no 86, p. 60-66.
(15) Frank G. Hoffman, Conflct n the 21st Century. The Rse of Hybrd Wars,
Arlngton, Potomac nsttute for Polcy Studes, 2007.
‫ فإن هذا التحليل يعني ضمنا أنه يجب عىل الواليات املتحدة‬،‫) بأسلوب غري مقنع‬16(

277
‫حرب واسرتاتيجية‬
‫ لذلك من الرضوري‬.‫األمريكية توسيع مهام قواتها املسلحة لتشمل كل أمناط الحرب‬
.‫فهم هذا النص يف ضوء املناقشات االسرتاتيجية التي تناولها هذا املؤلف‬
(17) Coln S. Gray, «rregular warfare. One nature, many characters», Strategc
Studes Quarterly, hver 2007, p. 35-67.
(18) Sur la queston de l’asymétre, lre Jan Angstrom, « Evaluatng rvalng
nterpretatons of asymmetrc war and warfare », n Karl-Erc Haug, Ole
Jorgen Maao (dr.), Conceptualsng Modern War, New York, Columba
Unversty Press, 2011, p. 29-49.
(19) Emle Smpson, War From The Ground-Up. Twenty-Frst Century Com-
bat as Poltcs, Londres, Hurst & Co, 2012, p. 38.
‫ تعترب الحرب مثل املحكمة حيث يكون كل فريق هو القايض‬،‫وفقا إلميل سيمبسون‬
‫ يرتتب عىل ذلك أن تسمح املعايري بالفصل يف االنتصار أو الهزمية‬.‫الذي يقيض لنفسه‬
‫ فإن الفريقني املتحاربني‬،)‫ فإذا كانت هذه املعايري مشرتكة (متامثلة‬.‫ملصلحة كل منها‬
‫ لكن من املرجح ْأن يلجأ كل فريق‬.‫ميكنهم أن يتوهموا وجود قاعدة بعيدة األثر‬
‫ ويف هذه الحالة ميكنه أن يخلق وضعا‬،‫محارب إىل محارصة أو اخرتاق هذا الوهم‬
.‫غري متامثل‬
(20) Joseph Henrotn, « Prncpes de la techno-guérlla : de Brossolet au Hez-
bollah », Défense & sécurté nternatonale, janver-févrer 2009, no 15.
(21) Lawrence Freedman, Strategy. A Hstory, Oxford, Oxford Unversty
Press, 2013.
(22) Joseph Henrotn, « Prncpes de la techno-guérlla: de Brossolet au Hez-
bollah », Défense & sécurté nternatonale, janver-févrer 2009, no 15.
(23) Lawrence Freedman, Strategy. A Hstory, Oxford, Oxford Unversty
Press, 2013.
‫) هذه هي الحال بالنسبة إىل الدراسة التفصيلية التي أجراها شاد سريينا حول تنظيم‬24(
،‫القاعدة يف العراق‬
Chad C. Serena, t Takes More Than a Network. The raq nsurgency and
Organzatonal Adaptaton, Stanford Unversty Press, 2014.
‫ يهتم بول ستانيالند بالبنية الداخلية (وبالتايل بعامل التامسك) لعمليات‬،‫من جانبه‬
،»‫ «تفسري متاسك وانسحاب املتمردين‬.‫التمرد يف شبكات التمرد‬
(25) Jacob N. Shapro, The Terrorst’s Dlemma. Managng Volent Covert Or-
ganzatons, Prnceton, Prnceton Unversty Press, 2013.
(26) Marc Hecker, Thomas Rd, War 2.0. rregular Warfare n the nformaton
Age, Westport, Praeger Securty nternatonal, 2009.
(27) Kmberly Marten, « Warlordsm n comparatve perspectve », nternatonal
Securty, hver 2006-2007, vol. XXX, no 3, p. 41-73;
Antono Gustozz, Empre of Mud. Wars and Warlords n Afghanstan,
Londres, Hurst & Co, 2012.
(28) Alan D. Beyerchen, «Clausewtz, nonlnearty and the unpredctablty n
war», nternatonal Securty, hver 1992, vol. XV, no 3, p. 59-90.

278
‫الهوامش‬
(29) Mchael W. S. Ryan, Decodng Al-Qaeda’s Strategy. The Deep Battle
Aganst Amerca, New York, Columba Unversty Press, 2013.
(30) Mchael Lawrence Rowan Smth, Peter R. Neumann, The Strategy of Ter-
rorsm. How t Works and Why t Fals, Londres, Routledge, 2008.
.‫ ميكن وصف دولة ما بأنها إرهابية‬،‫يف ضوء هذا املعيار‬
(31) Robert A. Pape, Dyng to Wn. The Strategc Logc of Sucde Terrorsm,
New York, Random House, 2006.
‫) تشري إحصائيات مؤرش اإلرهاب العاملي إىل أن الغالبية العظمى من الهجامت اإلرهابية‬32(
‫ ال سيام‬،‫ ولهذا يكون التأثري الرئييس نفسيا بالدرجة األوىل‬.‫ ضحايا‬10 ‫ينتج عنها أقل من‬
‫ ومن ثم تظل آثارها السياسية (من حيث‬.‫عندما يتعلق األمر بحجم الهجامت الكبرية‬
.‫زعزعة االستقرار) غري قابلة للتنبؤ بها وغري مؤكدة‬
(33) Marc Hecker, Thomas Rd, War 2.0. rregular Warfare n the nformaton
Age, op. ct., p. 218-220.
‫ ميكن أن يؤدي الحفاظ عىل منظمة كمصدر لإلزعاج إىل متكينها من‬،‫عالوة عىل ذلك‬
‫ لكن هذا األمر ال ُيعترب رشطا كافيا إلحراز النرص حتى‬.‫تحقيق بعض أهدافها السياسية‬
.‫اآلن‬
(34) Davd Klcullen, The Accdental Guerrlla. Fghtng Small Wars n the Mdst
of a Bg One, Oxford, Oxford Unversty Press, 2009.
(35) Stephen Bddle, Mltary Power. Explanng Vctory and Defeat n Modern
Battle, Prnceton, Prnceton Unversty Press, 2004.
‫) تجدر اإلشارة إىل أنه ال ينبغي الخلط بني مكافحة التمرد وبني أي نوع من املشاريع‬36(
‫ يجب فهم مكافحة التمرد يف سياق رصاع سيايس داخل دولة ما يف إطار‬.‫االستعامرية‬
.‫عملية تكوينية أو من أجل توطيد أركانها‬
(37) Pour un aperçu de certans de ces débats, vor Davd H. Ucko, «Crtcs
gone wld. Counternsurgency as the root of all evl», Small Wars & nsur-
gences, 2014, vol. XXV, no 1, p. 161-179.
(38) Mchel Goya, « Dx mllons de dollars le mlcen : la crse du modèle occ-
dental de guerre lmtée de haute technologe », Poltque étrangère, 2007,
no 1, p. 191-202.

279
‫ببليوغرافيا‬
Withe
‫ببليوغرافيا‬

Raymond ARON, Penser la guerre. Clausewitz, vol. I et II, Paris, Gallimard,


coll. “Tel”, 1976.

Bruno COLSON, L'Art de la guerre de Machiavel à Clausewitz, Namur,


Presses universitaires de Namur, 1999.

Hervé COUTAU-BÉGARIE, Traité de stratégie, Paris, Économica /ISC,coll.


“Bibliothèque” stratégique, 2011.

Antulio J. ECHEVARRIA, Clausewitz and Contemporary War, New York,


Oxford University Press, 2007.

Lawrence D. FREEDMAN, Strategy. A History, New York, Oxford


University Press, 2013.

Azar GAT, the Origins of Military Thought. From the Enlightenment to


Clausewitz, Oxford, Oxford University Press, 1991.

Beatrice HEUSER, the Evolution of Strategy. Thinking War from Antiquity


to the Present, Cambridge, Cambridge University Press, 2010 (traduction
française: Penser la stratégie de l'Antiquité à nos jours, Paris, Picard, 2013).

The Strategy Makers. Thoughts on War and Society from Machiavelli to


Clausewitz, Santa Barbara, Praeger-ABC, coll. “Clio”, 2011.

Peter PARET, Gordon A. CRAIG, Felix GILBERT (dir.), Makers of Modern


Strategy. From Machiavelli to the Nuclear Age, Princeton, Princeton
University Press, 1992.

Laure BARDIÈS, “Raisonnement stratégique et outils conceptuels: de la


guerre aux logiques de guerre”, Res militaris, été 2012, vol. II, no 3.

Bernard BOËNE, “Méthodes, concepts et théories dans le champ militaire”,


Res militaris, hiver-printemps 2013, vol. III, no 2, p. 11.

Gérald BRONNER, L'Empire de l'erreur. Éléments de sociologie cognitive,


Paris, Puf, 2007.

283
‫حرب واسرتاتيجية‬

Benoît DURIEUX, Relire De la guerre de Clausewitz, Paris, Économica,


2005.

Julien FREUND, L'Essence du politique, Paris, Dalloz, 2003.

Paul FUSSEL, À la guerre. Psychologie et comportements des soldats pendant


la Seconde Guerre mondiale, Paris, Seuil, coll. “Point”, 2003.

Daniel KAHNEMAN, Système 1/Système 2. Les deux vitesses de la pensée,


Paris, Flammarion, 2012.

Dominique SCHNAPPER, La Compréhension sociologique, Paris, Puf, 1999.

Max WEBER, Le Savant et le Politique, Paris, Plon, 1995.

Graham ALLISON, Philip ZELIKOW, Essence of Decision. Explaining the


Cuban Missile Crisis, New York, Longman, 1999.

Deborah AVANT, Political Institutions and Military Change. Lessons from


Peripheral Wars, Ithaca, Cornell University Press, 1994.

Bear F. BRAUMOLLER, the Great Powers and the International System,


Cambridge, Cambridge University Press, 2013.

G. John IKENBERRY, After Victory. Institutions, Strategic Restraint and the


Rebuilding of Order After Major Wars, Princeton, Princeton University Press,
2001.

Robert JERVIS, Perception and Misperception in International Politics,


Princeton, Princeton University Press, 1976.

David A. LAKE, Hierarchy in International Relations, Ithaca, Cornell


University Press, 2009.

John MEARSHEIMER, the Tragedy of Great Power Politics, New York,


Norton & Co., 2003.

Williamson MURRAY, MacGregor KNOW, Alvin BERNSTEIN (dir.), The

284
‫ببليوغرافيا‬

Making of Strategy. Rulers, States and War, Cambridge, Cambridge


University Press, 1994.

Emile SIMPSON, War From The Ground-Up. Twenty-First Century Combat


as Politics, Londres, Hurst & Co, 2012.

Raymond ARON, Paix et guerre entre les nations, Paris, Calmann-Lévy,


1992.

Bertrand BADIE, La Diplomatie de connivence. Les dérives oligarchiques du


système international, Paris, La Découverte, 2011.

Hedley BULL, the Anarchical Society, Londres, MacMillan, 1977.

Morton KAPLAN, Systems and Process in International Politics, New York,


Wiley, 1957.

Jean-Jacques ROCHE, Le Système international contemporain, Paris,


Montchrestien, 1994.

Kenneth WALTZ, Theory of International Politics, Boston, Addison-Wesley,


1979.

Cahiers du CEHD, Paris, 1999, no 9, Nouvelle histoire bataille I.

Cahiers du CEHD, Paris, 2000, no 16, L'Utilité de l'histoire militaire pour les
militaires.

Cahiers du CEHD, Paris, 2004, no 24, Nouvelle histoire bataille II.

Correlli BARNETT et al., Old Battles and New Defences. Can We Learn
From Military History?, Londres, Brassey's Defence Publishers, 1986.

David A. CHARTERS, Marc MILNER, J. Brent WILON (dir.), Military


History and the Military Profession, Londres, Praeger, 1992.

Laurent HENNINGER (dir.), Histoire militaire et sciences humaines,


Bruxelles, Complexe, 1999.

285
‫حرب واسرتاتيجية‬

John E. JESSUP Jr., Robert W. COAKLEY (dir.), A Guide to the Study and
Use of Military History, US Army, Center of Military History, Washington,
DC, 1988.

Lloyd J. MATTHEWS, Dale E. Brown (dir.), the Parameters of War. Military


History from the Journal of the US Army War College, McLean, Pergamon-
Brassey, 1987.

Williamson MURRAY, Richard Hart SINNREICH (éd.), The Past as


Prologue. The Importance of History to the Military Profession, Cambridge,
Cambridge University Press, 2006.

Jean-Michel SANDEAU, L'Histoire militaire comme mémoire des systèmes


d'aide à la décision, Paris, Économica/FEDN, 1990.

Jean-Jacques BAVOUX, Introduction à l'analyse spatiale, Paris, Armand


Colin, août 2010.

Philippe BOULANGER, Géographie et géostratégie militaires, Paris, Armand


Colin, 2011.

Laurent HENNINGER, “Espaces fluides et espaces solides: nouvelle réalité


stratégique ?”, Défense nationale, octobre 2012, no 753, p. 1-2.

Yves LACOSTE, La Géographie, ça sert, d'abord, à faire la guerre [1976],


Paris, La Découverte, 1988.

Martin MOTTE, “Une définition de la géostratégie”, Stratégique, 2e trimestre


1995, no 58, p. 85-120.

Olivier ZAJEC, Nicholas John Spykman. De la sociologie à la géopolitique,


un hérétique au cœur du réalisme américain, Paris, Presses universitaires de
Paris-Sorbonne, 2014.

Keith BROWN, “All they understand is force”. Debating culture in operation


Iraqi freedom, American Anthropologist, 2008, vol. CX, no 4, p. 443-453.

286
‫ببليوغرافيا‬

John W. DOWER, War Without Mercy. Race and Power in the Pacific War,
New York, Pantheon, 1987.

Colin S. GRAY, “Comparative Strategic Culture”, Parameters, hiver 1984,


vol. XIV, no 4, p. 26-33.

Victor D. HANSON, Le Modèle occidental de la guerre. La bataille


d'infanterie dans la Grèce classique, Paris, Les Belles Lettres, 1990.

Isabel HULL, Absolute Destruction. Military Culture and the Practice of War
in Imperial Germany, Ithaca, Cornell University Press, 2005.

Alastair Iain JOHNSTON, Cultural Realism. Strategic Culture and Grand


Strategy in Chinese History, Princeton, Princeton University Press, 1995.

Peter J. KATZENSTEIN (dir.), the Culture of National Security. Norms and


Identity in World Politics, New York, Columbia University Press, 1996.

Bradley S. KLEIN, “Hegemony and strategic culture. American power


projection and alliance defence politics”, Review of International Studies,
1988, vol. XIV, no 2, p. 133-148.

Michael D. SCHAFFER, Deadly Paradigms. The Failure of US


Counterinsurgency Policy, Princeton, Princeton University Press, 1988.

Russell F. WEIGLEY, the American Way of War. A History of United States


Military Strategy and Policy, Indiana, Bloomington, 1977.

Samy COHEN (dir), L'Opinion, L'humanitaire et la Guerre. Une perspective


comparative, Paris, Fondation pour les études de défense, coll. “Perspectives
stratégiques”, 1996.

Philip EVERTS, Pierangelo ISERNIA (dir.), Public Opinion and the


International Use of Force, Londres /New York, Routledge, 2001.

John MUELLER, Policy and Opinion in the Gulf War, Chicago, University
of Chicago Press, 1994.

287
‫حرب واسرتاتيجية‬

Brigitte L. NACOS, Robert Y. SHAPIRO, Pierangelo ISERNIA (dir.),


Decisionmaking in a Glass-House. Mass-Media, Public Opinion and
American and European Foreign Policy in the 21st Century, Lanham, Rowman
& Littlefield Publishers, 2000.

Dan REITER, Allan C. STAM, Democracies at War, Oxford, Princeton


University Press, 2002.

Don CARRICK et al. (dir.), Ethics education for irregular warfare, Abingdon,
Routledge, 2009.

Jean-Baptiste JEANGÈNE VILMER, Ryoa CHUNG (dir.), Éthique des


relations internationales, Paris, Puf, 2013.

Colin S. GRAY, “Moral advantage, strategic advantage?”, The Journal of


Strategic Studies, 2010, vol. XXXIII, no 3, p. 333-365.

Jean GUITTON, La Pensée et la Guerre, Paris, Desclée de Brouwer,1969.

Bastien IRONDELLE, “L'armée française et l'éthique dans les conflits de


post-guerre froide”, Critique internationale, 2008, no 41, p. 119-136.

Jean-Baptiste JEANGÈNE VILMER, La Guerre au nom de l'humanité. Tuer


ou laisser mourir, Paris, Puf, 2012. “Légalité et légitimité des drones armés”,
Politique étrangère, 2013, no 3, p. 119-132.

David KENNEDY, Of War and Law, Princeton, Princeton University Press,


2006.

Knut MIDGAARD, “Strategy and ethics in international politics”,


Cooperation and Conflict, 1970, no 5, p. 224-240.

Julie SAADA (dir.), La Guerre. Entre faits et normes, Lyon, Presses


universitaires de Lyon, 2015.

Michael WALZER, Arguing about War, New Haven, Yale University Press,
2004, Guerres justes et injustes, Paris, Gallimard, 2006.

288
‫ببليوغرافيا‬

Stephen BIDDLE, Military Power. Explaining Victory and Defeat in Modern


Battle, Princeton, Princeton University Press, 2004.

Antoine J. BOUSQUET, the Scientific Way of Warfare: Order and Chaos on


the Battlefield of Modernity, Londres, Hurst & Co., 2008.

Paul BRACKEN, “Net assessment. A practical guide”, Parameters,


printemps 2006, p. 92-93.

Hervé COUTAU-BÉGARIE, Traité de stratégie, Paris, Économica /ISC,


2011.

Trevor N. DUPUY, Numbers, Predictions and War. Using History to


Evaluate Combat Factors and Predict the Outcome of Battles, New York,
Bobbs-Merril, 1978.

David M. GLANTZ, Stumbling Colossus. The Red Army on the Eve of


World War, Lawrence, University Press of Kansas, 1998.

William GENIEYS (dir.), Le Choix des armes. Théories, acteurs et


politiques, Paris, CNRS, 2004.

Colin S. GRAY, Weapons do not Make War. Policy, Strategy and Military
Technology, Lawrence, Kansas University Press, 1993

Joseph HENROTIN, “Mars et Vulcain. Technologie et art de la guerre”,


Histoire et stratégie, Paris, 2011, no 12, La Technologie militaire en question.
Le cas américain et ses conséquences en Europe, Paris, Économica, 2012.

Stefan T. POSSONY, Jerry E. POURNELLE, Francis X. KANE, the Strategy


of Technology. Winning the Decisive War, Cambridge, Cambridge
University Press, 1970.

Andrew L. ROSS, “The dynamics of military technology”, in David


DEWITT, David HAGLUND, John J. KIRTON, Building a New Global
Order. Emerging Trends in International Security, Toronto, Oxford
University Press, 1993.

289
‫حرب واسرتاتيجية‬

Martin VAN CREVELD, Technology and War. From 2000 b.c. to the
Present, New York, The Free Press, 1989.

Justin KELLY, Michael Brennan, Alien. How Operational Art Devoured


Strategy, Carlisle Barracks, US Army Strategic Studies Institute, September
2009.

Michael R. MATHENY, Carrying the War to the Enemy. American


Operational Art to 1945, Norman, the University of Oklahoma Press, 2011.

Hew STRACHAN, The Direction of War. Contemporary Strategy in


Historical Perspective, Cambridge, Cambridge University Press, 2013.

Milan VEGO, Joint Operational Warfare. Theory and Practice, New- port,
US Naval War College, 2007.

Gérard CHALIAND, Les Guerres irrégulières. XIX-XXIe siècles, Paris,


Gallimard, coll. “Folio”, 2008.

Hervé COUTAU-BÉGARIE, Stratégies irrégulières, Paris Économica, 2009.

Antonio GIUSTOZZI, the Art of Coercion, New York, Columbia University


Press, 2011.

Joseph HENROTIN, Techno-guérilla et guerre hybride. Le pire des deux


mondes, Paris, Nuvis, 2014.

David KILCULLEN, Counterinsurgency, Londres, Hurst & Co., 2009.

Michael LAWRENCE, Rowan SMITH, “Escalation in irregular war. Using


strategic theory to examine from first principles”, Journa of Strategic Studies,
November 2012, vol. XXXV, no 5, p. 613-637.

.»‫التمرد في القرن الحادي والعشرين‬


ُّ ‫ مكافحة‬،‫ «التاريخ واإلستراتيجية‬:‫ستيفان تيالت‬

Stéphane TAILLAT, Histoire et stratégie, La Contre-Insurrection au XXIe


siècle, octobre-décembre 2013, no 16.

290
‫ببليوغرافيا‬
David UCKO, Robert EGNELL, Counterinsurgency in Crisis. Britain and the
Challenge of Modern Warfare, New York, Columbia University Press, 2013.

291
‫املؤلفون يف سطور‬

‫باسكال فانسون (‪)Pascal Vennesson‬‬


‫■ أستاذ العلوم السياسية يف جامعة بانتيون آساس باريس ‪Panthéon-( 2 -‬‬
‫‪ )Assas-Paris-II‬ويف كلية إس‪ .‬راجاراتنام للدراسات الدولية (‪S. Rajaratnam‬‬
‫‪ )School of International Studies‬بجامعة نانيانغ التكنولوجية (‪Nanyang‬‬
‫‪.)Technological University‬‬
‫■ َنرش بالتعاون مع شيارا روفا (‪ ،)Chiara Ruffa‬كتابا بعنوان‪« :‬املعركة‬
‫واملساعدة؟ التفسري التاريخي من الناحية املؤسساتية للعالقات بني املنظامت‬
‫غري الحكومية والقوات املسلحة»‪( ،‬الدراسات األمنية‪ ،‬املجلد الثالث والعرشون‪،‬‬
‫العدد ‪ ،3‬يوليو ‪ -‬سبتمرب ‪.)2014‬‬

‫جوزيف هرنوتني (‪)Joseph Henrotin‬‬


‫■ حاصل عىل الدكتوراه يف العلوم السياسية‪.‬‬
‫■ باحث يف معهد االسرتاتيجية املقارنة (‪ )ISC‬ويف مركز التحليل والتنبؤ‬
‫باملخاطر الدولية (‪ ،)Capri‬ومتخصص يف النظرية اإلسرتاتيجية‪.‬‬
‫■ رئيس تحرير مجلة «الدفاع واألمن الدويل»‪ ،‬ويعمل يف العديد من املدارس‬
‫الحربية‪.‬‬
‫■ مؤلف لثامنية كتب وملئات من املقاالت‪ ،‬ونرش حديثا كتابا بعنوان «من‬
‫تكنولوجيا حرب العصابات إىل الحرب الهجينة‪ .‬أسوأ ما يف الحالتني» (باريس‪،‬‬
‫نوفيس‪.)2014 ،‬‬

‫‪293‬‬
‫أوليفيي شميت (‪)Olivier Schmitt‬‬
‫■ دكتوراه يف العالقات الدولية (قسم دراسات الحرب يف جامعة امللك بلندن‬
‫‪.)King’s College London‬‬
‫■ باحث دراسات عليا ما بعد الدكتوراه يف مركز الدراسات والبحوث الدولية‬
‫بجامعة مونرتيال (‪ ،)CERIUM‬وباحث مشارك يف مركز دراسات السالم‬
‫واألمن الدويل (جامعة مونرتيال‪ /‬جامعة ماكجيل)‪ .‬عسكري احتياط يف البحرية‬
‫الوطنية‪.‬‬
‫■ ُيد ِّرس األمن الدويل واإلسرتاتيجية يف كلية العلوم السياسية‪.‬‬

‫ستيفان تايات (‪)Stéphane Taillat‬‬


‫■ دكتوراه يف التاريخ العسكري والدراسات الدفاعية (جامعة مونبيلييه ‪.)III‬‬
‫■ باحث يف مركز أبحاث مدارس (‪.)Coëtquidan‬‬
‫■ حاصل عىل شهادة م ِّربز يف التاريخ‪ ،‬و ُيد ِّرس العالقات الدولية واإلسرتاتيجية‬
‫يف مدارس سان سري العسكرية (‪.)écoles de Saint-Cyr Coëtquidan‬‬

‫لور بارديز (‪)Laure Bardiès‬‬


‫■ عالِمة اجتامع‪.‬‬
‫■ معلمة وباحثة يف مدرسة سان سري العسكرية (‪écoles de Saint-Cyr‬‬
‫‪( )Coëtquidan‬التي انفصلت عن مدرسة األساتذة العليا يف كاشان ‪.)Cachan‬‬
‫■ مجال اهتاممات لور بارديز يكاد ينحرص بشكل خاص يف البنية املعرفية‬
‫بغرض فهم القضايا العسكرية واإلسرتاتيجية (الفعل والتنظيم املهني واملؤسيس‬
‫والعالقات التي تجمع بني الجيش واملجتمع والدولة)‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫فريدريك رام (‪)Frédéric Rame‬‬
‫■ أستاذ جامعي ِّ‬
‫متخصص يف العلوم السياسية يف كلية العلوم السياسية بباريس‪.‬‬
‫■ باحث يف مركز الدراسات والبحوث الدولية (‪.)CERI‬‬
‫■ شغل منصب املدير العلمي يف معهد البحوث اإلسرتاتيجية التابع للمدرسة‬
‫العسكرية (‪ )Irsem‬حتى العام ‪.2013‬‬
‫■ من بني أحدث منشوراته‪« :‬الجاذبية العاملية» (باريس‪ ،‬منشورات كلية‬
‫العلوم السياسية‪ ،)2012 ،‬كام أنه نرش بالتعاون مع تيريي بالزاك (‪Thierry‬‬
‫‪« )Balzacq‬معاهدات العالقات الدولية» (باريس‪ ،‬منشورات كلية العلوم‬
‫السياسية‪.)2013 ،‬‬

‫لوران هينينغر ((‪Laurent Henninger‬‬


‫■ باحث يف التاريخ يف وزارة الدفاع‪.‬‬
‫■ مسؤول الدراسات يف مركز دراسات تاريخ الدفاع (مدير لجنة األبحاث‬
‫الجديدة عن تاريخ املعركة)‪ ،‬ويف معهد األبحاث اإلسرتاتيجية التابع للمدرسة‬
‫العسكرية (‪.)Irsem‬‬
‫واألفضية‬
‫ِ‬ ‫■ يف الوقت الحايل يدير حلقات نقاش عن جدلية ِ‬
‫األفضية السائلة‬
‫الصلبة يف مدرسة الدراسات العليا يف العلوم االجتامعية ‪ ،EHESS‬كام أ َّنه عضو‬
‫يف هيئة تحرير مجلة « ِعلم وحياة‪ ،‬حروب وتاريخ»‪ .‬يعكف منذ عدة سنوات‬
‫عىل دراسة الثورات العسكرية عرب التاريخ‪.‬‬

‫أوليفييه زاجيك (‪)Olivier Zajec‬‬


‫■ مد ِّرس يف جامعة جان موالن (ليون ‪.)3 -‬‬
‫■ باحث يف مركز ليون للدراسات األمنية الدولية والدفاعية (‪ )CLESID‬ويف‬

‫‪295‬‬
‫معهد اإلسرتاتيجية املقارنة‪.‬‬
‫■ نرش بالتعاون مع نيكوالس جون سبيكامن (‪)Nicholas John Spykman‬‬
‫«من علم االجتامع إىل الجغرافيا السياسية‪ ،‬هرطقة يف قلب الواقعية األمريكية»‬
‫(باريس‪ ،‬مطابع جامعة باريس السوربون‪.)2014 ،‬‬

‫كريستوف واسينسكي (‪)Christophe Wasinski‬‬


‫■ حاصل عىل الدكتوراه يف العلوم السياسية (العالقات الدولية)‪.‬‬
‫■ ُيد ِّرس يف الجامعة الحرة يف بروكسل (‪.)ULB‬‬
‫■ أحد أعضاء مركز األبحاث والتعليم يف السياسة الدولية (‪.)REPI‬‬
‫■ تتمحور اهتامماته حول النقد الدويل والثقافات والرصاعات والدراسات‬
‫الدولية وعلم االجتامع السيايس الدويل والحوار األمني‪.‬‬
‫«أن تكون الحرب ممكنة»‪ِ .‬بنية املعنى املشرتك‬ ‫‪ -‬مؤلِّف كتاب بعنوان ْ‬
‫اإلسرتاتيجي (بروكسل‪ ،‬بيرت النغ‪.)2010 ،‬‬

‫إلينكا ماتيو ‪))Ilinca Mathieu‬‬


‫■ حاصلة عىل الدكتوراه يف العلوم السياسية (جامعة أوفــرن‪Université‬‬
‫‪)d’Auvergne‬‬
‫■ عضو يف الحلقات النقاشية للباحثني الشباب يف معهد البحوث االسرتاتيجية‬
‫التابع للمدرسة العسكرية (‪.)Irsem‬‬
‫■ تخرجت يف مدرسة األساتذة العليا‪.‬‬
‫■ حاصلة عىل شهادة م ِّربز يف االقتصاد وحاصلة عىل املاجستري يف األمن الدويل‬
‫والعلوم السياسية بباريس‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫جون بابتيست جونغني فيلمر (‪)Jean-Baptiste Jeangène Vilmer‬‬
‫■ حاصل عىل الدكتوراه يف العلوم السياسية والفلسفة‪.‬‬
‫■ محام ومسؤول شؤون القطاعات األمنية يف مركز التحليل والتنبؤ االسرتاتيجي‬
‫(‪ )CAPS‬التابع لوزارة الشؤون الخارجية والتنمية الدولية‪.‬‬
‫■ ُيد ِّرس العالقات الدولية واألخالق وقانون الحرب يف يف كلية العلوم السياسية‬
‫بباريس‪ ،‬ويف مدرسة سان سري العسكرية (‪l’École spéciale militaire de‬‬
‫‪ ،)Saint-Cyr‬كام أنه شغل درجة باحث يف جامعة ييل (‪ )Yale‬وجامعة مكجيل‬
‫(‪ )McGill‬ومحارض يف قسم دراسات الحرب يف جامعة امللك بلندن (‪King’s‬‬
‫‪.)College London‬‬
‫■ مؤلف لخمسة عرش كتابا من بينها كتاب «الحرب باسم اإلنسانية‪ .‬اقتله أو‬
‫اتركه ُميت» (باريس‪ ،‬بوف‪ ،2012 ،‬جائزة املارشال فوش‪ ،‬األكادميية الفرنسية)‪،‬‬
‫وكتاب «أخالقيات العالقات الدولية» (باريس‪ ،‬بوف‪.)2013 ،‬‬

‫بنواست بيهان (‪)Benoist Bihan‬‬


‫■ مؤرخ‪ ،‬حائز جائزة التاريخ العسكري من وزارة الدفاع يف العام ‪،2008‬‬
‫وباحث يف الدراسات اإلسرتاتيجية‪.‬‬
‫■ أنهى أطروحة دكتوراه بعنوان «املك ِّون اإلجرايئ»‪.‬‬
‫■ نائب رئيس تحرير مجلة الدفاع واألمن الدويل ومسؤول التنسيق والنرش يف‬
‫مجلة «التاريخ واإلسرتاتيجية» ومستشار التحرير ملجلة «حروب وتاريخ»‪.‬‬
‫■ أجرى لقاءات منتظمة من خالل القوات املسلحة‪ ،‬ومؤلف للعديد من‬
‫الدراسات‪ ،‬نخص بالذكر األحدث منها «العمليات العسكرية املستقبلية‪ .‬املنهج‬
‫االسترشايف» (التاريخ واإلسرتاتيجية‪ ،‬الرقم ‪ُ ،)18‬نرش يف مايو ‪.2014‬‬

‫‪297‬‬
‫املرتجم يف سطور‬

‫د‪ .‬أمين حممد منري‬


‫■ مرتجم فوري‪ ،‬حاصل عىل الدكتوراه يف علوم اللغة من جامعة لوميري ليون‬
‫‪ ،2‬فرنسا‪.‬‬
‫■ عضو هيئة التدريس بجامعة أسيوط‪ ،‬مرص‪.‬‬
‫■ اشتغل بالتدريس يف عدد من الجامعات العربية أكرث من عرشين سنة‪.‬‬
‫■ تتنوع مجاالت اهتاممه بني الرتجمة وعلم اللغة االجتامعي والتحليل اللغوي‬
‫العام وتحليل الخطاب الصحايف‪.‬‬

‫‪298‬‬
‫سلسلة عـالـَم املعرفة‬

‫«عامل املعرفة» سلسلة كتب ثقافية تصدر يف مطلع كل شهر ميالدي عن املجلس الوطني للثقافة‬
‫والفنون واآلداب ‪ -‬دولة الكويت ‪ -‬وقد صدر العدد األول منها يف شهر يناير من العام ‪.1978‬‬
‫تهدف هذه السلسلة إىل تزويد القارئ مبادة جيدة من الثقافة تغطي جميع فروع املعرفة‪،‬‬
‫وكذلك ربطه بأحدث التيارات الفكرية والثقافية املعارصة‪ .‬ومن املوضوعات التي تعالجها تأليفا‬
‫وترجمة‪:‬‬
‫‪ - 1‬الدراسات اإلنسانية‪ :‬تاريخ ـ فلسفة ‪ -‬أدب الرحالت ‪ -‬الدراسات الحضارية ‪ -‬تاريخ األفكار‪.‬‬
‫‪ - 2‬العلوم االجتامعية‪ :‬اجتامع ‪ -‬اقتصاد ‪ -‬سياسة ‪ -‬علم نفس ‪ -‬جغرافيا ‪ -‬تخطيط ‪ -‬دراسات‬
‫اسرتاتيجية ‪ -‬مستقبليات‪.‬‬
‫‪ - 3‬الـدراســات األدبيـة واللغويـة‪ :‬األدب العـربـي ‪ -‬اآلداب العامليـة ‪ -‬علـم اللغة‪.‬‬
‫‪ - 4‬الدراسات الفنية‪ :‬علم الجامل وفلسفة الفن ‪ -‬املرسح ‪ -‬املوسيقى ‪ -‬الفنون التشكيلية‬
‫والفنون الشعبية‪.‬‬
‫‪ - 5‬الدراســات العلمية‪ :‬تاريــخ العلـــم وفلســـــفته‪ ،‬تبسيط العلــوم الطبيـــعية (فيــزياء‪،‬‬
‫كيمــياء‪ ،‬علم الحــياة‪ ،‬فلك) ـ الرياضــيات التطبيــقية (مع االهتــامم بالجــوانب اإلنسانية لهــذه‬
‫العــلوم)‪ ،‬والدراسات التكنولوجية‪.‬‬
‫أما بالنسبة إىل نرش األعامل اإلبداعية ـ املرتجمة أو املؤلفة ـ من شعر وقصة ومرسحية‪ ،‬وكذلك‬
‫األعامل املتعلقة بشخصية واحدة بعينها فهذا أمر غري وارد يف الوقت الحايل‪.‬‬
‫وتحرص سلسلة «عامل املعرفة» عىل أن تكــون األعمـال املرتجــمة حديثة النرش‪.‬‬
‫وترحب السلسلة باقرتاحات التأليف والرتجمة املقدمة من املتخصصني‪ ،‬عىل أال يزيد حجمها‬
‫عىل ‪ 350‬صفحة من القطع املتوسط‪ ،‬وأن تكون مصحوبة بنبذة وافية عن الكتاب وموضوعاته‬
‫وأهميته ومدى جدته ويف حالة الرتجمة ترسل نسخة مصورة من الكتاب بلغته األصلية كام ترفق‬
‫مذكرة بالفكرة العامة للكتاب‪ ،‬وكذلك يجب أن تد ّون أرقام صفحات الكتاب األصيل املقابلة للنص‬
‫املرتجم عىل جانب الصفحة املرتجمة‪ ،‬والسلسلـة ال ميكنهـا النظـر فـي أي ترجمـة ما مل تكن‬
‫مستوفية لهذا الرشط‪ .‬واملجلس غري ملزم بإعادة املخطوطات والكتب األجنبية يف حالة االعتذار عن‬
‫عدم نرشه‪ .‬ويف جميع الحاالت ينبغي إرفاق سرية ذاتية ملقرتح الكتاب تتضمن البيانات الرئيسية‬
‫عن نشاطه العلمي السابق‪.‬‬
‫ويف حال املوافقة والتعاقد عىل املوضوع ــ املؤلف أو املرتجم ــ ترصف مكافأة للمؤلف مقدارها‬
‫ألفا دينار كويتي‪ ،‬وللمرتجم مكافأة مبعدل ثالثني فلسا عن الكلمة الواحدة يف النص األجنبي (وبحد أقىص‬
‫مقداره ألفان وخمسامئة دينار كويتي)‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫سعر النسخة‬
‫دينار كويتي‬ ‫الكويت ودول الخليج‬
‫ما يعادل دوالرا أمريكيا‬ ‫الدول العربية‬
‫أربعة دوالرات أمريكية‬ ‫خارج الوطن العريب‬
‫االشرتاكات‬
‫دولة الكويت‬
‫‪ 15‬د‪ .‬ك‬ ‫لألفراد‬
‫‪ 25‬د‪ .‬ك‬ ‫للمؤسسات‬
‫دول الخليج‬
‫‪ 17‬د‪ .‬ك‬ ‫لألفراد‬
‫‪ 30‬د‪ .‬ك‬ ‫للمؤسسات‬
‫الدول العربية‬
‫‪ 25‬دوالرا أمريكيا‬ ‫لألفراد‬
‫‪ 50‬دوالرا أمريكيا‬ ‫للمؤسسات‬
‫خارج الوطن العريب‬
‫‪ 50‬دوالرا أمريكيا‬ ‫لألفراد‬
‫‪ 100‬دوالر أمرييك‬ ‫للمؤسسات‬

‫تسدد االشرتاكات واملبيعات مقدما نقدا أو بشيك باسم املجلس الوطني‬


‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬مع مراعاة سداد عمولة البنك املحول عليه املبلغ‬
‫يف الكويت‪ ،‬ويرسل إلينا بالربيد املسجل عىل العنوان التايل‪:‬‬
‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‬
‫ص‪ .‬ب ‪ 23996‬الصفاة ‪ -‬الرمزي الربيدي ‪13100‬‬
‫دولة الكويت‬
‫بدالة‪)00965( 22416006 :‬‬
‫داخيل‪1152 /1153/1193 /1194 /1195 /1196 :‬‬

‫‪300‬‬
‫‪301‬‬
‫أسامء وأرقام وكالء التوزيع‬
‫أوالً‪ :‬التوزيع املحيل – دولة الكويت‬
‫اإلمييل‬ ‫رقم الفاكس‬ ‫رقم الهاتف‬ ‫وكيل التوزيع‬ ‫الدولة‬ ‫م‬
‫‪im_grp50@yahoo.com‬‬ ‫‪2482682300965 /‬‬ ‫‪00965 24826820 /1/2‬‬ ‫املجموعة اإلعالمية العاملية‬ ‫الكويت‬ ‫‪1‬‬

‫ثانياً‪ :‬التوزيع الخارجي‬


‫‪bander.shareef@saudidistribution.com‬‬
‫‪babiker.khalil@saudidistribution.com‬‬
‫– ‪121277400966 /12121766‬‬ ‫‪00966114871414‬‬ ‫الرشكة السعودية للتوزيع‬ ‫السعودية‬ ‫‪2‬‬

‫‪cir@alayam.com‬‬
‫‪rudainaa.ahmed@alayam.com‬‬
‫‪1761774400973 /‬‬ ‫– ‪3661616800973 /17617733‬‬ ‫مؤسسة األيام للنرش‬ ‫البحرين‬ ‫‪3‬‬

‫‪eppdc@emirates.net.ae‬‬
‫‪info@eppdco.com‬‬ ‫– ‪4391801900971 /43918354‬‬ ‫‪00971 43916501 /2/3‬‬ ‫رشكة اإلمارات للطباعة والنرش والتوزيع‬ ‫اإلمارات‬ ‫‪4‬‬
‫‪essam.ali@eppdco.com‬‬

‫‪alattadist@yahoo.com‬‬ ‫‪2449320000968 /‬‬ ‫– ‪2449139900968 /24492936 – 24496748‬‬ ‫مؤسسة العطاء للتوزيع‬ ‫سلطنة عُامن‬ ‫‪5‬‬

‫‪thaqafadist@qatar.net.qa‬‬ ‫‪4462180000974 /‬‬ ‫– ‪4462218200974 /44621942‬‬ ‫رشكة دار الثقافة‬ ‫قطر‬ ‫‪6‬‬

‫‪ahmed_isaac2008@hotmail.com‬‬
‫‪00202 25782700/1/2/3/4/5‬‬
‫‪2578254000202 /‬‬ ‫مؤسسة أخبار اليوم‬ ‫مرص‬ ‫‪7‬‬
‫‪00202 25806400‬‬

‫‪topspeed1@hotmail.com‬‬
‫‪165325900961 /‬‬
‫‪00961 1666314 /15‬‬ ‫مؤسسة نعنوع الصحفية للتوزيع‬ ‫لبنان‬ ‫‪8‬‬
‫‪165326000961 /‬‬

‫‪sotupress@sotup.com.nt‬‬ ‫‪7132300400216 /‬‬ ‫‪7132249900216 /‬‬ ‫الرشكة التونسية‬ ‫تونس‬ ‫‪9‬‬

‫‪s.wardi@sapress.ma‬‬ ‫‪52224921400212 /‬‬ ‫‪52224920000212 /‬‬ ‫الرشكة العربية األفريقية‬ ‫املغرب‬ ‫‪10‬‬
‫‪alshafiei.ankousha@aramex.com‬‬
‫‪basem.abuhameds@aramex.com‬‬
‫‪6533773300962 /‬‬ ‫– ‪79720409500962 /6535885‬‬ ‫وكالة التوزيع األردنية‬ ‫األردن‬ ‫‪11‬‬

‫‪wael.kassess@rdp.ps‬‬ ‫‪2296413300970 /‬‬ ‫‪2298080000970 /‬‬ ‫رشكة رام الله للتوزيع والنرش‬ ‫فلسطني‬ ‫‪12‬‬

‫‪alkaidpd@yahoo.com‬‬ ‫‪124088300967 /‬‬ ‫‪124088300967 /‬‬ ‫القائد للنرش والتوزيع‬ ‫اليمن‬ ‫‪13‬‬
‫‪daralryan_cup22@hotmail.com‬‬
‫‪daralryan_12@hotmail.com‬‬
‫‪83242703002491 /‬‬ ‫‪83242702002491 /‬‬ ‫دار الريان للثقافة والنرش والتوزيع‬ ‫السودان‬ ‫‪14‬‬
‫تنويـــــه‬
‫لالطــاع علــى قائمــة كتــب السلســلة انظــر عدد‬
‫ديســمرب (كانــون األول) مــن كل ســنة‪ ،‬حيــث توجد‬
‫قائمة كاملة بأسماء الكتب املنشورة‬
‫يف السلسلة منذ يناير ‪.1978‬‬

‫‪302‬‬
‫يمكنكم االشتراك والحصول على نسختكم الورقية من إصدارات المجلس الوطني‬
‫للثقافة والفنون واآلداب من خالل الدخول إلى موقعنا اإللكتروني‪:‬‬
‫‪https://www.nccal.gov.kw/#CouncilPublications‬‬
‫عامل املعرفة الثقافة العاملية عامل الفكر إبداعات عاملية جريدة الفنون املرسح العاملي‬
‫البيان‬
‫د‪.‬ك دوالر د‪.‬ك دوالر د‪.‬ك دوالر د‪.‬ك دوالر د‪.‬ك دوالر د‪.‬ك دوالر‬
‫‪20‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪25‬‬ ‫مؤسسة داخل الكويت‬
‫‪10‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪15‬‬ ‫أفراد داخل الكويت‬
‫‪24‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪30‬‬ ‫مؤسسات دول الخليج العريب‬
‫‪12‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪17‬‬ ‫أفراد دول الخليج العريب‬
‫‪100‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪100‬‬ ‫مؤسسات خارج الوطن العريب‬
‫‪50‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪50‬‬ ‫أفراد خارج الوطن العريب‬
‫‪50‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪50‬‬ ‫مؤسسات يف الوطن العريب‬
‫‪25‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪25‬‬ ‫أفراد يف الوطن العريب‬

‫قسيمة اشتراك في إصدارات‬


‫المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‬
‫تجديد اشرتاك‬ ‫الرجاء ملء البيانات يف حالة رغبتكم يف‪ :‬تسجيل اشرتاك‬

‫االسم‪:‬‬
‫العنوان‪:‬‬
‫الرمز الربيدي‪:‬‬ ‫املدينة‪:‬‬
‫البلد‪:‬‬
‫رقم الهاتف‪:‬‬
‫الربيد اإللكرتوين‪:‬‬
‫مدة االشرتاك‪:‬‬ ‫اسم املطبوعة‪:‬‬
‫نقدا ‪ /‬شيك رقم‪:‬‬ ‫املبلغ املرسل‪:‬‬
‫‪20 / /‬م‬ ‫التاريخ‪:‬‬ ‫التوقيع‪:‬‬
‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ‪ -‬إدارة النرش والتوزيع ‪ -‬مراقبة التوزيع‬
‫ص‪.‬ب‪ - 23996 :‬الصفاة ‪ -‬الرمز الربيدي ‪13100‬‬
‫دولة الكويت‬
‫‪303‬‬

You might also like