Professional Documents
Culture Documents
فن النحت PDF
فن النحت PDF
-1-
رئيس جملس اإلدارة
الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة
املدير املسؤول -املدير العام :حممود عبد الواحد
رئيــــــــــــــــــس التحريــــــــــر :أنطوانيــــــت القـــــــــس
مستشـــــــــار التحريــــــــــــــــــر :الدكتور نوفل نيـوف
-2-
تقديم
أو ً
ال:النحت اجملسم
سنبدأ باحلديث عن املنحوتات األوىل صغريةِ
احلجم ،اليت كان قوامها عدة خطوط هندسية .فمن
أهم هذه املنحوتات أشكال فخارية صغرية ،إنسانية أو
مت العثور على أعدادٍ كثرية منها يف القبور حيوانيةّ ،
القدمية ،أو يف الطبقات السفلية من املعابد األوىل.
وهناك أيضاً متاثيل خشبية أطلق عليها اليونانيون
اسم كزوانة ( ،)Xoanaنُحتت على شاكلة التماثيل
املصرية .وأشكال هذه التماثيل البسيطة هندسية،
أجسامها وأعناقها طويلة ،وجذوعها مثلثة ،وخصورها
حنيلة ،وعجائزها بارزة ،وتقاطيع وجوهها مُجْمَل َ ٌة،
غري متقنة .ويظهر أن الغاية من صنعها واقتنائها كانت
سحرية ،وذلك العتقادهم بوجود روابط سحرية بني
الكائن وصورته.
كان وضع التماثيل املنفردة يف املعبد هو الغاية
األساسية من حنتها .وهي إما متاثيل لآلهلة توضع
يف املعابد اخلاصة هبا ،وتكون وسيلة لتقرب اإلنسان
- 11 -
إليها ،طلباً لعوهنا ورضاها ،واتقاءً لغضبها .أو متاثيل
إنسانية ،شخصية ،يضعها املض ّحِي يف املعبد ليمارس
حياته اليومية بشكل مريح ،وهو مطمئن وواثق من رضا
اإلله عليه ،ما دام متثاله ،أي متثال املضحي ،موجوداً
بشكل دائم يف بيت اإلله .ومل يكن النحات يسعى إلبراز
التشابه بني التمثال وصاحبه ،وإمنا كان هدفه إظهار
النشاط الذي يقوم به وهو الصالة ،أي اإلشارة إىل فعل
العبادة ،وذلك للتأكيد على الصلة الروحية باإلله .وهذا
ما ميكن أن يفسر لنا سبب التعبري يف عينَي التمثال
وكأهنما ذاهلتان عمّا حييط هبما ،واملوقف املتميز
فيهما بالرتكيز والتوتر .وإىل جانب ذلك كانوا ينحتون
التماثيل أيضا ألغراض تذكارية ،كتخليد االنتصارات،
ومتجيد الفائزين يف املباريات الرياضية.
على أن التماثيل الكبرية ظهرت يف الشرق أول ما
ظهرت ،وخاصة يف مصر اليت كان هلا تأثري كبري يف
تطور فن النحت اليوناني ،والسيما بعد بناء مدينة
نقراطيس اليونانية ·1يف مصر يف القرن السابع
قبل امليالد .ويذكر املؤ ِّرخ والرحّالة اليوناني الشهري
هريودوت (482- 425ق .م )أن امللك املصري بسماتيك
- 15 -
وقد استخدم هذا األسلوب النحيت التزييين يف
تزيني املداخل اخلارجية للمعابد .وتتأ ّلف عناصر هذا
األسلوب بشكل عام من بعض أعمال اإلله الذي ُك ِّرس
املعبد له .وينتصب متثال ذلك اإلله املنفرد يف موضع
داخلي يُبنى خصيصاً هلذه الغاية .ففي معبد البارثنون
يف أثينا ،مثال ،وهو املعبد الذي بُين تكرمياً لإلهلة
أثينا حاميةِ املدينة ،نُحتت على واجهتَي املعبد املثلثتني
مواضيعُ خاص ٌة هبذه اإلهلة ،إذ صوَّروا على الواجهة
الغربية صراع اإلهلة أثينا مع إله البحر بوسيدون يف
سبيل بسط الرعاية على مدينة أثينا ،بينما صوَّروا
على الواجهة الشرقية والدةَ الربة أثينا من رأس أبيها
اإلله زيوس.
نقش
أما يف امليتوبونات اليت هي يف األصل لوحاتُ ٍ
منفصلة كانت تزين اإلفريزَ ،فتُصَوِّرُ صراع الالبيثيني
والقناطرة (واحدُهم ُقنطور ،وهم شعب خرايفٌّ نصفهم
األعلى إنسان واألسفل حصان) بطريقة سردية متتلئ
مشاهدها بعنصر احلركة الذي حيقق التوازن مع
اخلطوط املعمارية الساكنة .وكان الفنان اليوناني
فيدياس الذي أشرف على تنفيذ منحوتات املعبد
مجيعها قد اعتمد أسلوبَي النحت الغائر والبارز .وجدير
- 16 -
بالذكر أن املنحوتات اليت ن ّفِذت بالطريقة البارزة كان
بروزها شديد الضخامة حتى لتبدو أشكاهلا يف استدارة
التماثيل وجتسيمها.
وقد كان بروز املنحوتات مطلباً ضرورياً كي يتسنّى
للناس رؤيتُها وهم على األرض دون أن يطغى املبنى
عليها فيحجبها عن أبصارهم جزئياً أو كلّياً.
- 17 -
كما صُ ّمِمت األجزاء الغائرة من منحوتات احلشوات
لتكون عميقة إىل حد يتيح هلا استقطاب ضوء الشمس
الساطعة استقطاباً كامالً ،وبذلك تبدو أشكاهلا مائلة كي
تتباين مع اخلطوط الرأسية للعتبات أسفلها؛ والطنف
أعالها ،فتشيع التوازن املطلوب .ومن أفضل األمثلة
الباقية اليت حنتها فيدياس نفسُه ذلك القنطور اجلريح
وهو يستدير للفِرار متحسساً اجلرح يف ظهره بيده
اليمنى ،فيما جيذب الالبيث مؤخرة رأسه حماوالً طعنه
من جديد .ونرى جسد الالبيث ملقىً على األرض ،وكأنه
متثال منفرد أمام طيات عباءته املنسابة فوق ذراعه،
واملتعارضةِ تعارضاً خالباً مع القنطور الذي حياول مسك
رأسه لتسديد ضربة إليه.
- 18 -
-1النحت السوري القديم:
- 20 -
صورة من مملكة إميار األلف الثاني قبل امليالد
- 21 -
وقد أبدع فنانو النحت السوري عام ًة و اآلرامي خاص ًة،
يف تصوير أشكال خيالية غريبة تتكون من نوعني من
األحياء ،كاحليوانات املفرتسة والطيور اجلارحة (أسد
جمنح برأس صقر) ،أو من اإلنسان واحليوان (إنسان و
مسكة) ،مقلدين يف ذلك فنانني سابقني .كما ابتكروا
أشكاالً خرافية جديدة مت ّثِلها خري متثيل منحوتاتٌ من
مدينة جوزن كانت تزين بوابة العقارب اليت تفضي إىل
احلي امللكي .ويتألف الشكل املبتكر يف هذه املنحوتات
من رأس إنسان ملتح عليه تاجً له قرون ُّ
تدل على ربوبيته.
وهذا الرأس مــــر ّكبَ على مقدمة طائر له جسم عقرب
يعلوه جناحان.
- 23 -
فاللوحات املنقوشة والتماثيل هي اجلزء األهم يف
ذلك املعبد ،وهي مستخدمة كزخارف تزيينية وكدعامة
للجدران تزيدها قوةً وصالبة.
- 25 -
وتوجد يف معبد عني دارة سبعون قطعة من أهم
املنحوتات وقد نقشت عليها صور أبي اهلول واألسد
بطريقة النحت البارز ،ونفذت بتقنية عالية .وفيها
نرى أجسام احليوانات شديدة الربوز ،تلتفت برؤوسها
حنو اليمني أو حنو اليسار .ويبدو أن هذه االلتفاتة
سامهت يف جعل األجسام تبدو وكأهنا جمسمة ،على
الرغم من أهنا ملتصقة باللوحة من أحد جانبيها.
- 26 -
و تظهر احليوانات أزواجاً ،يتألف كل زوج من
أسدين ،أو من أسد وأبي اهلول ،أو من متثالني ألبي
اهلول متقابلني يسري كل منهما حنو اآلخر ببطء شديد،
فتبدو وكأهنا ساكنة ال حَراك فيها.
لقد امتنع النحاتون ،كما يف منحوتات جوزن ،عن
إظهار تفاصيل كثرية يف أعضاء اجلسم .ولع َّلهم كانوا
يريدون من ذلك تصوير حيوانات هادئة وقورة ،وليس
حيوانات مهامجة أو متوثبة .ويتجلى هذا القصد واضحاً
من ذيول احليوانات امللتوية بني القائمتني اخللفيتني يف
حركة ال تكون إال يف حالة السكون أو السري البطيء.
كما عكف النحاتون على حنت األشخاص بطريقة
جتريدية أكثر ممّا هي واقعية ،وذلك ألن الغاية الدينية
من تلك التماثيل كان ميكن أن تتحقق حتى عن طريق
األشكال اجململة غري املتقنة .وقد درج اآلراميون على
وض��ع متاثيل يف امل��دف��ن لكبار ال��ق��وم ،ان��ط�لاق��اً من
اعتقادهم بأن التمثال ينوب عن اجلسد الفاني ،وفيه
وبواسطته يبقى امليت حياً .وقد عثر على متثال لرج ٍل
وامرأة جالسني جبانب بعضهما يف حجرة عبادة قريبة
من املدفن .ورمبا كانت الغاية من وضع التمثال يف القرب
خللَفُ بالسَّلفِ عندما يقومون بزيارة القبور. أن يلتقيَ ا َ
- 27 -
ومع التطور التارخيي يف املنطقة ازداد االهتمام
بتمثيل األشكال اإلنسانية وجتسيدها ،سواءٌ أكانت
حقيقية أو أسطورية ،مبالمح ونسب إنسانية أقرب
إىل الواقعية منها إىل التجريد .على أن أكثر املنحوتات
كان مصنوعاً من احلجر (الرخام ،أو احلجر الكلسي،
أو البازلت).
- 28 -
وقد أبدع الفنانون التدمريون يف حنت التماثيل
البشرية ،وال سيّما اجلنائزية اليت مت العثور على أعداد
كثرية منها يف القبور .ويوجَدُ وهناك متثال المرأة
تدمرية يكشف فيه النحات عن اهتمامه بتصوير
التفاصيل ،من شَعر وحليّ وثياب ،وهذا يبني أن الفن
التدمري كان قد بلغ درجة كبرية من الدقة والواقعية.
- 29 -
-1النحت السومري:
- 30 -
الرافديني إىل اعتماد قانون اإلسقاط ،الذي ميزج يف
صورة واحدة أسلوبني متثيليني ،مها :اجلبهي واجلانيب،
وذلك تفادياً لتصوير مالمح الوجه جبهياً ،وهو تصوير
مصحوب ببعض الصعوبات .وقانون اإلسقاط أسلوب
شائع يف فن الشرق القديم ،يستخدمونه عندما كانوا
يصورون اجلذع والقدمني جبهياً ،أما الرأس فكانوا
يصورنه جانبياً ،باستثناء واحد هو العني اليت تكون
مرئية بشكل جبهي.
رجل سومري
2650-2750ق.م
- 31 -
يربز حب القوة يف املَشاهد الدموية اليت تظهر يف
عديد من املنحوتات احلجرية البارزة اليت َّ
مت اكتشافها
يف مدينة نينوى ،واليت يرجع تارخيها إىل الفرتة مابني
وتسجل تلك املَشاهد انتصارات ِّ ( 600-800ق.م).
امللوك وتُصوِّرُ وملذاهتم.
- 36 -
وكذلك فعلوا بالفراغ املوجود بني الساقني .وألن
ر ّقة العنق قد تع ِّرض التمثال للكسر ،فقد أسدلوا شَعر
التمثال إىل الكتفني ،أو وضعوا على رأسه غطاءً ينسدل
حتى الكتفني .كما كانوا يضعون خلف التمثال الواقف
عموداً يستند إليه ،فيزيده متانة وصالبة ،وحيميه من
الكسر.
- 37 -
وقد وضعت مدرسة ممفيس ( ،مدينة ممفيس هي
العاصمة األوىل للفراعنة وتعود إىل بداية األلف الثالث
قبل امليالد) األسس اليت يقوم عليها فن النحت املصري
القديم ،فنتج عن ذلك تنوع كبري يف الوضعيات اليت
تتّخذها التماثيل ،واختالف بني أوضاع الوقوف ،حيث
تكون الساقان ملتصقتني ،أو تتقدم ال ِّرجْل اليسرى على
اليمنى ،وبني أوضاع اجللوس ،والركوع ،والرتبع .ومن أشهر
متاثيل الوضعية األخرية ،أي وضعية الرتبُّع ،متثال تربُّ ِع
الكاتب .وقد حرص عديدٌ من علية القوم ،على تصوير
أنفسهم يف جلسة القارئ أو الكاتب على امتداد تاريخ
مصر القديم.
إال أن أول ما يسرتعي نظر املرء عندما يكون أمام
عمل من أعمال فن النحت املصري هو غياب احلرية
اخلالقة ،رغم جودة التقنية ،كما أَسْل َ ْفنا .ولذلك
كانت متاثيل اآلهلة تُن َّفذ وَفق منط ثابت يتحدّث عنه
الفيلسوف اليوناني العظيم أفالطون (347-428ق.م).
قائالً« :جرى تقرير هذا النمط وتثبيته يف زمن ال تعيه
ذاكرة الكهنة ،ومل يكن مباحاً ال للكهنة وال لسائر صنّاع
األشكال أن يُدخلوا عليه أي جتديد ،أو أن يبتكروا
شيئـــاً آخر غري ما تناقله التقليد».3
-3هيغل ،فن النحت ،ص.120
- 38 -
ولذلك مل يسعَ الفنانون يف صنع متاثيلهم إىل التعبري
عن احلقيقة واحلياة واحلرية اليت تبث احلركة يف
العمل الفين احلر.
- 39 -
وتبدو هذه التماثيل وكأهنا صورة جلسد تغيب عنه
احلياة .ويكفي إلظهار ذلك أن نستشهد هنا بتمثال
إيزيس ،إهلة اخلصوبة وراعية األمومة ،وهي حتمل
على ركبتيها ابنها حوروس .فهناك شبَهٌ بني موضوع
هذا التمثال وموضوع مريم العذراء وابنها املسيح ،وهو
من املوضوعات املفضلة يف الفن املسيحي .لكننا ال
نالحظ يف متثال إيزيس أي أث ٍر ملشاعر األمومة ،إذ
ليس ثَمَّ ابتسامة ،وال طيف مداعبة ،وكذلك ابنها الذي
يبدو كمن ال تربطه بأ ّمِه أي عالقة تنبض بالشعور أو
العاطفة .وهذا ما يضعنا أمام منحوتة متقنة الصنع
ملشهد حقيقي ،ولكنها خالية من احلس واحلياة.
أما احلفر يف عهد الدولة الوسطى (1778-2052ق.م)
فكان مشاهباً لنظريه يف العصر املمفيسي األول ،مع فارق
واحد هو أن النحّاتني ،ابتداءً من األسرة احلادي َة عشْرةً،
باتوا يط ِّولون الساقني ،وير ّقِقون الفخذين والعنق ،فيبدو
اجلسم ناحال رقيقاً.
ومل�����ا ج�����اء أخ���ن���ات���ون ب���دي���ان���ت���ه اجل���دي���دة
(1352-1370ق.م) حترر الفنانون من القيود ،وأطلقوا
العنان ملخيالهتم فارتقوا بالفن إىل درج��ة رفيعة،
وأنتجوا مواضيع مليئة باملشاهد اجلميلة ،كاالحتفاالت
- 40 -
القومية ،واالستقباالت الرمسية ،ومناظر احلدائق
واملنازل .ومل يهمل النحاتون تصوير حياة الفرعون يف
قصره وإظهار حبه ألبنائه ،من خالل تصويره يف وضع
إنساني ويف حلظة ود خالصة بينه وبني طفلته .إال
أن هذه التطورات الفنية سرعان ما اهنارت إثر اهنيار
العبادة اجلديدة عبادة اإلل��ه آت��ون ،فعادت التقاليد
القدمية إىل الظهور من جديد.
أخناتون وابنته
القرن14ق.م.
- 41 -
وملّا جاء عصر اإلسكندر والبطاملة من بعده (الثلث
األخري من القرن الرابع قبل امليالد) ،اختلط الفن املصري
باإلغريقي ،وبرزت مدرسة اإلسكندرية للنحت .ويف
عهد الرومان نقش العمال جدران املعابد وَفقاً للقاعدة
القدمية ،فأتت نقوشاً ثقيلة فاترة .ومع غارات الربابرة
وما تالها من انتشار املسيحية (أوائل القرن الرابع
امليالدي) ،انتهى الفن املصري القديم ،وبرز عوضاً عنه
فنٌّ جديد يتم ّتع مبالمح دينية مسيحية واضحة.
وال بدَّ من التذكري بأن فن النحت املصري القديم،
على الرغم ممّا وصل إليه من انتشار وازدهار ،أ َ ّنهُ
مل يكن لفنانيه حظوة ومكانة يف جمتمعه .وكانت
منزلتهم مع أبنائهم أدنى من منزلة املواطنني الذين ال
يزاولون أي فن .أضف إىل ذلك أن االبن غالباً ما كان
خيلِف أباه يف هذه املهنة ،وذلك نزوالً عند مقتضيات
الطوائف املغلقة وتقاليدها .فقد سار اخللَف على
خطى السلف ،وانقلب فن النحت مهنة أو عمالً روتينياً
ال غري ،ولَمَّا كان عمل النحّاتني جمرداً من كل رغبة
حرة؛ فقد أصبح عمالً ميكانيكياً هدفه كسب املال
لتلبية متط َّلبات احلياة ،وليس التعبري عن موهبة الفنان
وفرديته اخلاصة .لقد كان النحّاتون يقومون باستنساخ
- 42 -
بعض النماذج واألشكال طبقاً لقواعد ثابتة ال يتطلّب
تقليدُها وااللتزام هبا موهب ًة خاصة ،أو طموحاً إىل
ابتكار أو جتديد.
-3النحت اإلغريقي:
- 44 -
مراحل تطور فن النحت يف اليونان:
املرحلة األوىل:
املرحلة الثانية:
- 46 -
كورس القرن السادس ق.م.
- 47 -
وعلى الرغم من احتفاظ متاثيل الكوروس بالتأثري
املصري لفرتة طويلة من الزمن ،فإن الفنان اليوناني
حاول أن يتحلل شيئاً فشيئاً من اجلدية الزائدة ،أو
الصرامة اليت مت ِّيز التماثيل املصرية يف وقفتها
ونظرهتا .فقد بدأت التماثيل يف هذه املرحلة تثري
لدى املشاهد اليوناني مزيداً من اإلحساس باجلسد
اإلنساني ومجاليته ،ممَّا شجَّع الفنان على التوجُّه إىل
التعبري عن ذلك بتماثيل ذات أحجام متناسقة ،ومالمح
أكثر طبيعية .ونشهد مظاهر التطور التقين حاضرة يف
بعض متاثيل الكوروس اليت تنتمي إىل أواسط القرن
السادس قبل امليالد ،يوم بدأت تظهر مالمح ابتسامة
ختفف من صرامة الوجه .وال نكاد نصل إىل هناية
هذه املرحلة مع بداية القرن اخلامس قبل امليالد حتى
تصبح النظرة أكثر طبيعية ،والوقفة أكثر ليونة ،فنلمح
يف الركبتني شيئاً من االسرتخاء ،بدال من الركبتني
املشدودتني سابقاً.
املرحلة الثالثة:
ت��ب��دأ م��ن هن��اي��ة احل����روب ال��ف��ارس��ي��ة اليونانية
( 478- 490قبل امليالد) وحتى هناية القرن اخلامس
- 48 -
قبل امل��ي�لاد .وفيها استمر ال��ف��ن��ان بتمثيل منطي
لشخص فردٍ
ٍ للشخص اليوناني بوجه ع��ام ،وليس
بعينه .فالتماثيل مجيعها تقريباً متشاهبة يف الطول
والعرض ،ويف مالمح الوجه والعمر – فك ُّلها يف مرحلة
أوّل الشباب -وهذا ما يشجع على القول بأن التماثيل
تعرض منطاً مثالياً للفرد ،وال متثل أشخاصاً بعينهم.
وينطبق ذلك حتى على التماثيل اليت ُكتبت عليها أمساء
أصحاهبا .إال أن التجديد الذي قام به فنانو القرن
اخلامس قبل امليالد إمنا جتلّى على وجه اخلصوص
يف تعدد حركات اجلسم الرياضي .إذ إن معظم أعمال
النحت يف هذه املرحلة اهتمت بإبراز تفاصيل اجلسم
الرياضي بشكل واضح ،وبإبراز األوضاع املختلفة اليت
تالزم أنواع الرياضة املتعددة.
إيريين وبلوتوس،
القرن الرابع ق.م.
- 56 -
ملياجر
القرن الرابع ق.م.
هيبنوس
القرن الرابع ق.م.
- 57 -
البشر .إذ يص ِّوره الفنان شابّاً يافعاً ،عارياً ،ينبثق عن
جبينه جناحان رمزيان لعصفور الليل الذي ال يُسمَع
حفيفٌ لتحليقه.
كما ش��ارك سكوباس يف حنت متاثيل وأفاريز
ضريح هاليكارناسوس ال��ذي ب��دأ ببنائه موزولوس
( 353-377ق.م) أشهرُ حكام كاريا يف آسيا الصغرى.
ولكن هذا الضريح مل يكتمل إال على يدَي اإلسكندر
األك�بر .وك��ان سكوباس قد اتبع يف ه��ذه املنحوتات
إيقاعاً موسيقياً أحيا يف كل واحدٍ منها منطاً تقليدياً
من خالل معارك اإلغريق واألمازونات.
- 58 -
وأمَّا الفنان الثاني من فنّاني القرن الرابع فهو
براكسيتليس الذي وضع فنَّه يف خدمة العقيدة الدينية،
فكان يستمدُّ موضوعاته من أساطري اآلهلة .غري أنه
خالف الصورة اليت تبنّاها مَن سبقه من الفنانني،
فأظهر اآلهلة على هيئة فتيان رشيقي القوام ،وفتيات
مجيالت عاريات ،رقيقات .وقد برع يف تصوير اجللد
البض الطري ،كما يف متثال الساتري املتكئ على جذع
شجرة.
ساتري يتكئ
على جذع شجرة
القرن الرابع ق.م.
- 59 -
وال شك يف أن شهرة براكسيتليس كانت أساساً
من قدرته الفذة على تصوير جسم املرأة ،سواء أكانت
عارية أم مكتسية .ويُعَدُّ متثاال أفروديت اللذان حنتهما
حلساب مدينة كنيدوس وجزيرة كوس الواقعتني يف
نقطة التقاء الشاطئ الغربي آلسيا الصغرى بشاطئها
اجلنوبي ،من أمجل التماثيل اليت قام براكسيتليس
بنحتها .وكان أحدُ التمثالني عارياً واآلخر مكسوَّاً.
وقد اختارت مدينة كنيدوس التمثال األول (العاري)،
فيما اختارت جزيرة كوس التمثال الثاني (املكتسي)
الذي مل يبلغ من الشهرة ما بلغه التمثال العاري .فقد
جعل من هذا التمثا َل صورة مثالية للجمال ،فجسَّد
فيه جتسيداً بارعاً هلفة النفس اإلنسانية وشوقها إىل
لذة ك ِّل مجيل رائع.
املتع واستطابة ّ
وقد وضع الكنيدوسيون هذا التمثال يف معبد متعدد
املداخل هو معبد اإلهلة فينوس كي يتمكن مجيع الزوار
من رؤيته من كل اجلهات .وبلغ من شهرة هذا التمثال
أن اإلغريق كانوا يتوجَّهون بالزيارة إىل مدينة كنيدوس
حتديداً ،وكأن الزيارة طقس من طقوسهم ،وذلك من
أجل التمتع مبشاهدته ،واإلعراب عن إعجاهبم به.
أمّا متثال اإلهلة أرمتيس من جابيس (الواقعة بني
- 60 -
روما وبرينيست) ،وهي إهلة الصيد والقمر يف األسطورة
اإلغريقية ،فيعكس عمق إدراك الفنان لألشكال
والوضعيات األنثوية ،إذ إنه يص ِّور ديانا وَ ْفق منوذ ٍج فريدٍ
هلا ،وهي تشبك عباءهتا على كتفها اليمنى ،بينما ينسدل
ثوهبا عن كتفها اليسرى دون أن يالمس القدمني كما جرت
العادة.
بينما كانت أكثر متثيالت اإلهلة أرمتيس تصورها وهي
تو ّتِر قوساً أخذته من جعبتها ،أو تأخذه منها.
أرمتيس من جابيس،
330-350ق.م.
- 61 -
وقد انصبَّ اهتمامُ الفنان الثالث على حنت متاثيله
من الربونز ،وهذا ما ميَّزه عن زميليْهِ اللذين اشتغال
بالرخام أكثر ممّا اشتغال بالربونز .وعلى العكس من
براكسيتليس ،فإنَّ نصيب املرأة من فن لوسيبوس كانَ
ضئيالً ،إذ إنه مل يو ِل اهتماماً إال لصنع التماثيل اليت
متجد الرجولة والبطولة .وق��د اسرتجع لوسيبوس ِّ
يف أعماله الفنية تقاليد الفن الكالسيكي الذي كان
معروفاَ يف القرن اخلامس قبل امليالد باجتاهه حنو
األناقة ،واالبتعاد عن إظهار احللم والعاطفة يف تعبري
الوجوه اليت غالباً ما جندها عنده موسومة بشيء
ٌ
متثال من األمل النزق .على أن أهم متاثيله وأشهرها،
ملصار ٍع يزيل مبكشط يف يده اليسرى ما علق جبسده
من الشحم والعرق واألوساخ بعد التدريب .ويُعَدُّ هذا
التمثيل خاصاً جداً ،ألنه غري مرتبط حبركة رياضية
يف مباراة أمام اجلماهري ،وإمنا هو مسألة شخصية
يفصح فيها الرياضي عن اهتمامه بنفسه فقط.
عجبلقد كان لوسيبوس من النحّاتني البارزين الذين أ ُ ِ
هبم القائد العظيم اإلسكندر املقدوني ،فطلب منه أن
يقوم بنحت عم ٍل خيلِّد فيه ذكرى معركة جرانيكوس
اليت كانت أوىل معاركه يف الشرق وجرت عام 334
- 62 -
ق.م .ونزوالً عند رغبة اإلسكندر قام لوسيبوس بصنع
جمموعة حنتية يزيد عدد متاثيلها على ثالثني .وفيها
يظهر القائد اليوناني األشهر وهو حماط بكبار قادته
من الفرسان واملشاة.
كما كشف لوسيبوس عن مقدِرة إبداعية ف ّذة يف
تصوير األشخاص .فمن املعروف انه قام بنحت عدة
متاثيل لإلسكندر ،وكذلك لسلو ُقس الذي كان واحداً من
قادة اإلسكندر وحاكماً ملنطقة آسيا الغربية من بعده.
كما حنت لوسيبوس متثاالً للفيلسوف اليوناني سقراط
معتمداً يف حتديد مساته على الوصف الذي وصفه به
أفالطون ،وأضاف إليه مسحة من الروحانية.
سقراط ،القرن
الرابع ق.م.
- 63 -
إنَّ دارسي َف ِّن النحت اليوناني يستطيعون ،من خالل
اطالعهم على املراحل املختلفة لتطور هذا الفنِّ ،أن ّ
يتبيَّــنوا املالمح الرئيسة اخلاصة بذلك الفن ،واليت
ميكن حتديدها فيما يأتي:
-1تصوير العري .خيتلف اليونانيون عن بقية أمم
العامل القديم ،سواءٌ يف سورية أو يف بالد الرافدين ،أو
يف وادي النيل ،أو يف غريها من الشعوب القدمية اليت
مل تكن تستسيغ العري وال تعدُّه جزءاً من تراثها ،بل
كانت ترى يف كشف األعضاء إذالالً ألصحاهبا .ولذلك
مل يكن أبناء تلك الشعوب الشرقية ،غريِ اليونانية،
يُعَرّون إال أَسْراهم ،احتقاراً هلم .وهذا ما مي ّكِننا من
القول إن التماثيل العارية هي صفة اختص هبا الفن
اليوناني أوّالً ،ثم نسج على منواله الرومان .وقد كان
هذا العري انعكاساً لعاداهتم وتقاليدهم املتوارَثة منذ
عصور مب ّكِرة ،إذ كان املشاركون يف ألعاهبم الرياضية
خيوضون مبارياهتم وهم عراة متاماً .وقد آمن
اليونانيون القدماء بأن الروح النبيلة القوية ال توجد
إال يف اجلسم السليم القوي .ولع ّل هذا ما ينعكس يف
قولنا حتى اليوم« :العقل السليم يف اجلسم السليم».
لئن كان قدماء اليونانيني يُعَرّون أبطاهلم وعظماءهم
- 64 -
وآهلتهم ،فإهنم كانوا يكتفون يف بداية األمر بتعرية
الرجال وحدهم دون النساء .إذ مل تكن تعرية النساء
من األمور املستساغة عندهم بعد .ثم درجت العادة يف
الفن على أن تتخ َّفف النساء من ثياهبن ،وأن يكتفني
بارتداء أثواب ش ّفافة وغالالت تكشف عن شيء من
مجال املرأة وختفي أشياء.
ومل يظهر عندهم أي حنت المرأة عارية إال يف القرن
اخلامس قبل امليالد .ثم أصبح حنتُ جسم املرأة عارياً
أكثر انتشاراً يف القرن الرابع قبل امليالد ،وذلك مع
ظهور منحوتات براكسيتليس وغريه من الفنانني.
-2احلرية الكاملة للفنان يف تصوير الواقع اليوناني دون
أن حياول االستخفاءَ وراء الرمز يف تصوير ما يراه أو ما
يعتقده اجملتمع ،حتى ولو كان يف ذلك إشارة إىل احنراف
ما ،أو خطأ يف املمارسات اليومية ألي شخص كان ،وحتى
لآلهلة .وهذا ما مهّد الطريق أمام الفن اليوناني ،وساعده
ضي قدُماً حنو اإلبداع حبرّية يف متثيل اإلنسان
على امل ُ ِّ
وتصويره .بينما كان انعدام احلرية عند الفنانني
املصريني هو السببَ يف مجود متثيالهتم ،كما رأينا.
-3امللمح الثالث اهلامُّ يف هذا السياق هو تداخل فن
النحت مع فن العمارة تداخالً يكاد يصل يف بعض
- 65 -
األحيان إىل تكامل أو تطابق تا ٍّم بني هذين الفني ِْن .فقد
كان اليونانيون يقومون بتزيني منازهلم ،ومنشآهتم
ال��ع��ام��ة ،وم��ع��اب��ده��م مب��ن��ح��وت��ات خمتلفة األشكال
وامل��واض��ي��ع .ففي املعابد كانوا يَ��عْ��مَ��دون ،مثالً ،إىل
ملء املساحات املوجودة يف مثلث الواجهة اخلارجية،
وامليتوبونات واألفاريز بنحت ب��ارز أو شبه مستدير
يص ِّور أساطري اليونانيني وآهلتهم وأبطاهلم.
وهكذا جند أن الفن اإلغريقي مل يأ ُل جهداً يف
تصوير حاالت اإلنسان يف خمتلف وضعياته وأحاسيسه
وأفكاره ،سواء أكان ذلك من خالل مشاهدَ واقعيةٍ ،أو
مشاهدَ أسطوريةٍ .وقد جسَّد فن النحت ذلك ُك َّلهُ بطرق
وأساليبَ كانت ختتلف من مرحلة إىل أخرى .كما تابع
هذا الفن تطوُّرَه يف املرحلة التالية من مراحل تطور
اجملتمع اليوناني اليت ترافقت مع التغريات السياسية
يف البالد .وقد قام الفن اليوناني الحقاً بالتطرق إىل
مواضيعَ جديدةٍ مل جي ِر تصويرها من قبل .وقد ا ُّتفِق
على تسمية هذه املرحلة بالعصر اهللنسيت (القرون
الثالثة األخرية قبل امليالد) ،وهي تسمية نطلقها على
العصر الذي امتزجت فيه احلضارة الشرقية باحلضارة
الغربية أيام سيطرة اليونان القدمية على بلدان الشرق
بعد انتصارات اإلسكندر الشهرية.
- 66 -
-4النحت اهللنسيت:
جرتْ يف الثلثِ األخري يف القرن الرابع قبل امليالد
تغيرياتٌ سياسي ٌة كربى ،فقد قام االسكندر املقدوني
بغزو الشرق والسيطرة عليه ،بدءاً من آسيا الصغرى
وصوالً إىل اقليم البنجاب يف مشال شرقي اهلند .وهذا
ما أدّى إىل انتقال مركز الثقل السياسي من الغرب إىل
الشرق .وكان من نتائج ذلك نشوءُ تيارات فنية جديدة،
تظهرُ فيها تأثرياتٌ شرقية واضحة تعود إىل فناني
بالسعي إىل حتقيق
ِ القرن الرابع قبل امليالد الذين بدأوا
مزيد من الواقعية يف احلركة والتعبري .ونشأت رغبة
ملحَّة يف تصوير األشياء كما تراها العني متاماً من دون
حتسني أو جتميل .ومل تقتصر هذه التطورات الفنية
على منطقة دون أخرى من العامل املتأغرق (أي الساعي
إىل تقليد اإلغريق والتشبُّه هبم يف كل شيء) ،سواء يف
الشرق أم يف الغرب ،وخباصَّـــةٍ أن الفنانني كانوا يرحتلون
من مكان إىل آخر ،ويلبّون ما يُطلب منهم القيامُ به من
أعمال .وما كان الفنان ينجز العمل املطلوبَ منه حتى
يبادر إىل االنتقال إىل مكان جديد يبدع فيه عمالً آخر،
وهكذا دواليك .وهذا ما يفسر لنا تشابه األساليب يف
املنجزات الفنية اليت عُثر عليها يف أحناء خمتلفة من العامل
املتأغرق.
- 67 -
وقد عَمَدَ الفنانون يف هذا العصر إىل دراسة اجلسم
اإلنساني دراسة علمية دقيقة ،وسعوا إىل االستفادة
من األحباث الطبية املعاصرة هلم ،وذلك كي يتمكنوا
من تصوير األجسام بكل حسناهتا وعيوهبا .وهلذا
صوَّروا األجسام املريضة ،واملسنَّة ،والقبيحة ،وتباروا
يف إبراز مشاعر األمل ،واحلزن ،وآثار السنني على
أجسام التماثيل ووجوهها.
عجوز
العصر اهللنسيت
- 68 -
وفضالً عن ذلك برز اهتمامهم بتصوير املوضوعات
امليثولوجية (األسطورية) ،وخاصة الروايات الغزلية
واألساطري الديونيزيسية ،نسب ًة إىل ديونيزوس إله
اخلمر.
كما أن الفنانني اهللنستيني مل يهملوا تصوير األجناس
البشرية املختلفة ،مبا يف ذلك الزنوجُ والربابرةُ بأشكاهلم
وأزيائهم املميزة ،وذلك حتت تأثري فكرة األخوَّة العاملية
واملساواة اإلنسانية اليت طرحها االسكندر املقدوني.
إال أن ما رافق نشوء اإلمرباطوريات يف ذلك العهد
من ترفٍ عا ٍّم ،وإغداقٍ لألموا َل على الفنانني من قِبَل
امللوك؛ أدّى إىل انقالب فن النحت من عقيدة ودين إىل
سلعة وجتارة يتسابق فيها األثرياء إىل اقتناء منحوتات
فنية خمتلفة .وقد أ ّثر هذا االنقالب بدوره تأثرياً سلبياً
على درجة إتقان األعمال الفنية .وكان من الطبيعي،
إثْرَ هذا االنتشار الكبري لفن النحت ،ولرغبة األثرياء
اجلاحمة بتقليد امللوك واألمراء ،أن ي َّتجه الفن يف هذا
العصر الذي متيز باحلكم الفردي حنو حنت متاثي َل
خاصةٍ لِعلْيَـــةِ القوم واملشاهري من الكتاب والفالسفة
وغريهم.
- 69 -
الشاعر سيمونيدس ،منتصف القرن اخلامس
- 70 -
سوفوكليس330-340،ق.م.
- 72 -
متيقظتان ،ويده اليسرى تقبض على الرسن بكل
قوة ،والتوتر يبدو واضحاً يف عضالت فخذيه اللتني
تط ِّوقان بطن اجلواد (وهذا التمثال أي اجلواد غري
موجود حاليّاً).
- 73 -
-5الفن الروماني:
متثال القائد
العسكري العصر
اجلمهوري
- 76 -
اهليبة اليت تليق بإمرباطور عظيم يعطي األوامر لقادته
وجنوده .وقد نُقِش على الدرع املعدني الذي حيمي
صدر اإلمرباطور عددٌ من املَشاهد اخلفيفة الربوز
لرتوي جانباً من املآثر العظيمة اليت حققها خالل
حكمه .كما متثل تلك املَشاهد على الدرع عدداً من
صور اآلهلة واإلهلات الذين أسبغوا عليه بركتهم .ونرى
إىل جوار اإلمرباطور صُوَرَة كيوبيد ممتطياً دلفيناً ،ويف
هذا إشارة واضحة إىل انتساب أسرة أغسطس إىل
اإلهلة فينوس.
متثال أغسطس،
القرن األول امليالد
- 77 -
وقد حقق الرومان إجنازات فنية هامّة يف جمالَي
النحت البارز والبورتريه (تصوير النصف األعلى
من اجلسم) اللذين ش ّكال جزءاً عضوياً من أصالتهم
القومية عرب استلهام احلياة اليومية بطريقة واقعية،
ومن خال ِل عد ِم إضفائهم مسحة دينية عليها إال نادراً
ويف حدود املعقول.
ُ
االرتباط الوثيق بني هذا الفن وواقع احلياة ويَظهر
اليومية بطريقة إبداعية ذات مستوى فين رفيع من
خالل النحت البارز يف أوستيا ،ميناء مدينة روما .فهذا
النحت الذي يعود إىل النصف الثاني من القرن الثاني
امليالدي ،نراه ،مثالً ،يصور تاجرَ خضراواتٍ ودَجا ٍج
يعرض خضراواته املكدسة يف السالل ،بينما يتد ّلى
الدجاج املذبوح معلقاً باخلطاطيف.
- 79 -
تيللوس ربة اخلصوبة9-13 ،ق.م.
- 80 -
جزء من املوكب ،أغسطس
يرتدي زي كبري كهنة روما 9-13ق.م.
- 82 -
نشأ فن البورتريه وترعرع حتت أنظار الطبقة العليا
من اجملتمع الروماني ،وكان يهتم بتصوير احل ّكام
ِ
العكس من النحت البارز الذي يُعَدُّ واألشراف ،على
فنّاً للعامّة أي شعبياً .وقد لقيَ فن البورتريه رواجاً
كبرياً ابتداءً من العصر اجلمهوري (من هناية القرن
السادس وحتى القرن األول قبل امليالد) وحتى أفول
اإلمرباطورية الرومانية (يف منتصف القرن اخلامس
امليالدي).
على أنه ،كفن نصفي (يص ِّور النصف األعلى من
اجلسم) مل يكن شائعاً يف الفن اليوناني الذي ا ّتخذ
موقفاً يعارض برت أعضاء اجلسم البشري مبثل
هذا األسلوب االصطناعي .إذ كان اليونانيون ،كما
عرفناهم سابقاً ،ينظرون إىل اإلنسان نظرة مثالية،
ويص ِّورونه كما ينبغي له أن يكون ،وليس كما هو يف
احلقيقة .أما الرومان فكانت هلم وجهة نظر معاكسة
تقضي بأنه ميكن االكتفاء بتصوير مق ّدِمة اإلنسان،
أي الرأس بوصفه عضواً مستقالً قائماً بذاته ميثل
اإلنسان متثيالً تامّاً .ولذلك انصرف النحّاتون إىل
تصويره بواقعية شديدة أُولعت بتسجيل قسمات
الوجه ،وجتاعيد البَشَرة بأمانة كبرية ،وتقنية عالية.
- 83 -
بورتريه أحد األشراف ،القرن األول امليالد
- 86 -
صدر من السلسلة
فايز فوق العادة -حنن جزء من هذا الكون
حممد قرانيا -دمشق
ت:فريوز نيوف -األشرعة احلمراء (ألكسندر غرين)
ت :قاسم طوير -مملكة ماري
-خمتارات من أسامة
د .هشام احلالق -القدس
حسن بالل -الذرة
فايز فوق العادة -العلم يدهشنا
أنطوانيت القس -مملكة إيبال
طــه الزوزو -البيئة :الطبيعة واإلنسان
موسى ديب اخلوري -قصة الكون واحلياة واإلنسان
عبد اهلل عبد
-ربيع كاذب
حممد املصري -صفحات من تاريخ املوسيق ا
-األمري الصغري (أنطون دوسانت أكزوبريي)
ت :أنطوانيت القس
موسى ديب اخلوري -قصة اخرتاع األرقا م
د .غزوان زركلي -الصوت والزمن
هنادي زرقة -حشرات يف بيتك وحديقت
ك
د .ريم منصور األطرش -طريق احلرير
أويس الشريف -احلاسوب
أ.د .حممد عبود -فلزات (سليكون/كوارتز/حرير صخري)
فايز فوق العادة
-الثقوب الكونية السوداء
موسى ديب اخلوري -الفسيفساء
- 87 -