Professional Documents
Culture Documents
Fikih
Fikih
المستوى الثالث
العام الجامعي 1437ه
( الحلقة األولى )
عقود المعامالت المالية :حقيقتها ،أقسامها ( عقود المعاوضات ،عقود التوثيقات ،عقود التبرعات ) ،األصل
في العقود والشروط
أوال :حقيقة عقود المعامالت المالية ،وأقسامها :
تعريف العقد لغة :
العقد يف اللغة :يطلق على الربط ،والشد ،والضمان ،والعهد .قال الفريوزبادي يف القاموس احمليط :عقد
احلبل والبيع والعهد :شده .ويطلق أيضا على اجلمع بني أطراف الشيء ؛ يقال :عقد احلبل ،إذا مجع أحد طرفيه على
اآلخر ،وربط بينهما .
تعريف العقد اصطالحا :
العقد يف االصطالح الفقهي يطلق على معنيني :
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
األول :معنى عام ؛ وهو التزام الشخص بأمر يفعله أو يرتكه ،أو أن يلزم غريه بذلك .وعلى هذا فالنكاح والبيع وسائر
املعاوضات تسمى عقودا ؛ ألن كل واحد من طريف العقد ألزم نفسه الوفاء به .واليمني على املستقبل تسمى عقدا ؛ ألن
احلالف ألزم نفسه الوفاء مبا حلف عليه من الفعل أو الرتك .وكذلك العهد واألمان يسمى عقدا ؛ ألن معطيها قد ألزم
نفسه الوفاء هبا .وكل ما ماثل ذلك مما فيه إلزام من قبل الشخص لنفسه بشيء .
فعلى هذا املعىن العام تكون دائرة العقد أوسع .
الثاني :معنى خاص ؛ وهبذا املعىن يطلق العقد على :الربط بني إرادتني على وجه يظهر أثره يف احملل .
والمراد هنا هو المعنى الخاص . وقيل :العقد :ربط أجزاء التصرف باإلجياب والقبول .
أقسام العقود :
تنقسم العقود باعتبارات خمتلفة ؛ فتنقسم باعتبار الغرض املقصود منها إىل ما يأيت :
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
1ـ عقود تمليك .والغرض منها متليك الشيء املعقود عليه .
وتنقسم عقود التمليك حبسب تضمنها للعوض من عدمه إىل قسمني :
أ ـ عقود معاوضات .وهي اليت تتضمن العوض كعقد البيع ،واإلجارة .
ب ـ عقود تربعات .وهي اليت ال تتضمن عوضا كعقد اهلبة ،والوصية .
2ـ عقود استيثاق .والغرض منها حفظ احلقوق ألصحاهبا ،وتوثيقها هلم ،كعقد الرهن ،والضمان ،واحلوالة .
3ـ عقود إسقاط .والغرض منها إسقاط حق عن الغري ،كالطالق ،واخللع .
4ـ عقود إطالق .والغرض منها إطالق اليد لشخص ما ـ أي اإلذن له ـ يف تصرف مل يكن له فيه حق سابق كعقد الوكالة
5ـ عقود تقييد .والغرض منها تقييد يد شخص ما ـ أي منعه ـ من تصرف كان مباحا له سابقا كاحلجر .
6ـ عقود شراكة .والغرض منها املشاركة يف العمل و املال ،أو يف أحدمها .وهي عقود الشركات بأنواعها ( مفاوضة ،
مضاربة ،عنان ،إخل ) .
وهذا التقسيم أليق باملعىن االصطالحي العام للعقد عند الفقهاء ؛ وهو مطلق اإللزام بشيء ،أو االلتزام به ـ كما
سبق إيراده ـ .
وقد ختتلف التقسيمات عند النظر إىل العقود باعتبارات خمتلفة عن ما ذكرنا.
مث إنه عند النظر إىل العقود باعتبار اشتماهلا على املال من عدمه جند أن العقود على نوعني رئيسني :عقود مالية ؛ مثل
البيع ،واإلجارة ،والشركة ،والرهن ،واهلبة .وعقود غري مالية ؛ مثل النكاح ،واخللع .
وحمل الدراسة هنا هو العقود املالية فقط .
وتنقسم عقود المعامالت المالية ثالثة أقسام :
1ـ عقود معاوضات .كعقد البيع ،والسلم ،واإلجارة .
2ـ عقود توثيقات .كعقد الرهن ،والضمان ،والكفالة .
3ـ عقود تبرعات .كعقد الوقف ،واهلبة ،والوصية .
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
5ـ قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :الشرط جائز بني املسلمني إال شرطا أحل حراما ،أو حرم حالال ) .فهذا صريح
يف أن األصل يف الشروط اجلواز ،وال حيرم منها إال ما أحل حراما ،أو حرم حالال .
6ـ وقريب من احلديث السابق حديث النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :املسلمون على شروطهم إال شرطا أحل حراما ،أو
حرم حالال ) ؛ فإن هذا احلديث يدل على أن األصل يف الشروط اجلواز ؛ فإنه يفيد أن الناس يقرون على ما تشارطوا عليه
ما دام ال حيل حراما ،وال حيرم حالال .
7ـ األحاديث اليت جاءت مفيدة بأن ما سكت عنه الشرع فهو عفو ،كقوله صلى اهلل عليه وسلم ( :إن اهلل فرض لكم
فرائض فال تضيعوها ،وهنى عن أشياء فال تنتهكوها ،وحد حدودا فال تعتدوها ،وسكت عن أشياء رمحة بكم غري نسيان
فال تبحثوا عنها ) .رواه الدارقطين والطرباين وحسنه النووي ،وروي مرفوعا عند الرتمذي ( :ما أحل اهلل يف كتابه فهو
حالل ،وما حرم فهو حرام ،وما سكت عنه فهو عفو .فاقبلوا من اهلل عافيته " وما كان ربك نسيا " ) .
قال ابن القيم " :فكل شرط أو عقد أومعاملة سكت عنها فإنه ال جيوز القول بتحرميها " .
4 إيميل الدكتور dr.m.alkhodair@Gmail.com
فقه المعامالت المالية ( فقه )211ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث
وأما القائلون بأن األصل يف العقود والشروط التحرمي فعمدهتم ما رواه البخاري أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ( :ما
بال أقوام يشرتطون شروطا ليست يف كتاب اهلل ؟! ما كان من شرط ليس يف كتاب اهلل فهو باطل وإن كان مئة شرط .
قضاء اهلل أحق ،وشرط اهلل أوثق ) .
ونوقش هذا من وجهني بينهما شيخ اإلسالم ابن تيمية يف فتاواه :
الوجه األول :أن املراد بقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :ليس يف كتاب اهلل ) أن يكون خمالفا حلكم اهلل ،وليس املراد
أن ال يذكر يف كتابه سبحانه ،أو يف سنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم ؛ وذلك ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ( :
قض اء اهلل أحق ،وشرط اهلل أوثق ) ،وإمنا يكون هذا فيما إذا خالف العقد أو الشرط قضاء اهلل أو شرطه بأن كان ذلك
الشرط أو العقد مما حرمه اهلل تعاىل .فمضمون احلديث أن العقد أوالشرط إذا مل يكونا من األفعال املباحة فإهنما حمرمان
باطالن .فليس يف احلديث دليل على منع العقود أو الشروط اليت مل تذكر يف كتاب اهلل أوسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم
.فال يستقيم االستدالل به على أن األصل يف األشياء احلظر .
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
الوجه الثاين :لو سلمنا بأن معىن قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :ليس يف كتاب اهلل ) هو ما ذكروا من منع كل ما مل
يرد من العقود والشروط يف الكتاب والسنة ؛ فإن عدم الورود املقصود هنا معناه :ما ليس يف كتاب اهلل ال بعمومه وال
خبصوصه .أما ما كان فيه بعمومه فإنه ال يقال فيه :إنه ليس يف كتاب اهلل .
ومما تقدم يتبني رجحان القول باجلواز والصحة ؛ لقوة أدلته ،وضعف أدلة املخالفني القائلني باحلظر ،وورود
املناقشة عليها .وملا يف القول باحلظر من املشقة
واحلرج لكثرة تعامالت الناس ،وعقودهم .ومطالبتهم بالدليل لكل ما يتعاملون به مما ال دليل على منعه يسبب تعطيل
مصاحلهم وإحلاق املشقة هبم .
قال اجلويين ( :ووضوح احلاجة إليها ـ أي إىل إباحة العقود اليت مل يأت يف الشرع حترميها ـ يغين عن تكلف ٍ
بسط فيها .
فليصدروا العقود عن الرتاضي ؛ فهو األصل الذي ال يغمض ما بقي من الشرع أصل.وليجروا العقود على حكم الصحة )
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ( :واألصل يف هذا أنه ال حيرم على الناس من املعامالت اليت حيتاجون إليها إال ما دل
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
التصرف يف املال والتبادالت املالية فيما بينهم كيف شاؤوا ؛ ليعمروا األرض ،وينموا األموال ،وحيركوا عجلة االقتصاد ؛
فتتوافر الوظائف وفرص العمل ألفراد اجملتمع ،وتوجد املشاريع والنشاطات التجارية املتنوعة ،وتكثر األموال وتدور يف
أيدي الناس ،وبني املصارف واملؤسسات املالية .لكن مىت اشتمل عقد املعاملة على مفسدة وضرر فإن الشرع مينعه وحيرمه
؛ محاية للمجتمع من الضرر ،وسدا لذريعة االختالف بني الناس الذي يؤدي إىل الظلم ،ووقوع النزاعات بينهم ،
وحدوث املشاكل.
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
( الحلقة الثانية )
البيع ( تعريفه ،حكمه ،أركانه ،شروط صحته )
سبق أن ذكرنا تعريف العقد يف اللغة واالصطالح ،وبينا أن األصل يف العقود احلل ،مث ذكرنا أن العقود تنقسم ـ
بالنظر الشتماهلا على املال من عدمه ـ إىل قسمني :عقود مالية ،وعقود غري مالية .وذكرنا أن العقود املالية تنقسم ثالثة
أقسام :عقود معاوضات ،وعقود توثيقات ،وعقود تربعات .وسنتناول أوالً عقود املعاوضات مبتدئني بعقد البيع ؛
فنقول :
أوال :تعريف البيع
تعريفه لغة :
البيع لغة :أخذ شيء وإعطاء شيء .مشتق من باع يبيع بيعا .مأخوذ من الباع ؛ ألن كل واحد من املتبايعني
ميد باعه لآلخر .
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
1ـ هو ما صدر آخرا داال على املوافقة من أي عاقد كان صدوره .وهذا تعريف احلنفية
2ـ هو ما صدر من املشرتي ،سواء صدر متقدما ،أم متأخرا .وهذا تعريف اجلمهور
وهذا االختالف اختالف اصطالحي ال يرتتب عليه أثر فقهي .وال مشاحة يف االصطالح .
هل للصيغة القولية لفظ معين ؟
اختلف الفقهاء يف ذلك ،والصحيح الذي عليه عامة أهل العلم أنه ليس هناك لفظ معني ،فينعقد البيع بأي
لفظ يدل على انتقال امللكية .وقد اتفق الفقهاء على أن العقد يصح بالفعل املاضي ،مثل قول البائع :بعتك سياريت .
واجلملة اإلمسية ،مثل :أنا بائع لك سياريت .واملضارع إذا توافرت القرينة ،مثل :أبيعك سياريت .واختلفوا يف فعل األمر
،مثل أن يقول :بعين سيارتك .فيقول :قبلت .واتفقوا على أن البيع ال ينعقد بصيغة االستفهام ،مثل :أتبيعين
سيارتك ؟ .وتدل عبارات الفقهاء على أن العربة بالداللة على املقصود ،سواء أكان ذلك بوضع اللغة ،أم جبريان العرف
قال الدسوقي :ينعقد البيع مب ا يدل على الرضا عرفا ،سواء دل لغة أم ال ؛ من قول ،أو كتابة ،أو إشارة منهما أو من
أحدمها .
وجاء يف كشاف القناع :الصيغة القولية غري منحصرة يف لفظ بعينه كبعت واشرتيت ،بل هي كل ما أدى معىن
البيع ؛ ألن الشارع مل خيصه بصيغة معينة .فيتناول كل ما أدى معناه .
ويلحق بالصيغة القولية الكتابة واإلشارة الداالن على الرضا .
القسم الثاني :الصيغة الفعلية .وهي املعاطاة اليت تتكون من األخذ واإلعطاء .وهلا ثالث صور :
الصورة األولى :أن يصدر من البائع إجياب باللفظ ،ويصدر من املشرتي قبول بالفعل وهو األخذ .كما لو قال البائع :
بعتك هذا الثوب بدرهم ،فيأخذ املشرتي الثوب ويدفع الدرهم دون أن يتلفظ .وهذه الصورة مركبة من قولية وفعلية .
الصورة الثانية :عكس األوىل ؛ بأن يصدر من املشرتي قبول باللفظ ،ويصدر من البائع إجياب بالفعل .كما لو قال
املشرتي للبائع :أشرتي منك هذا الثوب بدرهم .فيدفعه إليه البائع ،ويأخذ الدرهم دون أن يتلفظ .وهـذه الصورة أيضا
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
2ـ أن الناس مل يزالوا يتعاملون باملعاطاة منذ عصر النبوة فما بعده .فهذا إمجاع عملي منهم .
القول الثاني :أن بيع المعاطاة ال يصح .
وهذا مذهب الشافعية .
واستدلوا بأن املعاطاة ال ينعقد هبا البيع ؛ لعدم داللتها على التعاقد ؛ ألن الرضا أمر خفي ال دليل عليه إال
باللفظ ،وأما الفعل فقد يراد منه غري العقد .
القول الثالث :جواز البيع بالمعاطاة في المحقرات ؛ ألنها مما جرت العادة ببيعها كذلك ،دون األشياء النفيسة .
والصحيح هو األول ؛ لقوة أدلته .
الشرط الثالث :أن يكون كل من املتعاقدين مالكا للمعقود عليه ،أو قائما مقام مالكه ؛ كالوكيل ،والوصي ،والويل (
فيملك البائع السلعة ،وميلك املشرتي الثمن ) .فال يصح أن يبيع شخص شيئا ال ميلكه ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه
وسلم حلكيم بن حزام رضي اهلل عنه ( :ال تبع ما ليس عندك ) .فال جيوز بيع الفضويل وال شراؤه .
الشرط الرابع :أن يكون املبيع مما يباح االنتفاع به من غري حاجة .فال يصح بيع ما حيرم االنتفاع به ؛ كاخلمر ،واخلنزير
،وامليتة ،وآالت اللهو ،واملعازف ؛ حلديث جابر رضي اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ( :إن اهلل
حرم بيع اخلمر ،وامليتة ،واخلنزير ،واألصنام ) .وال جيوز بيع الكلب ؛ حلديث أيب مسعود رضي اهلل عنه قال ( :هنى
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن مثن الكلب ،ومهر البغي ،وحلوان الكاهن ) .وال يصح بيع األدهان النجسة ،وال
املتنجسة .ولقوله صلى اهلل عليه وسلم ( :إن اهلل إذا حرم شيئا حرم مثنه ) .
الشرط الخامس :أن يكون املعقود عليه مقدورا على تسليمه ؛ ألن غري املقدور عليه كاملعدوم ،فال يصح بيعه .فال
جيوز بيع السمك يف املاء ،وال الطري يف اهلواء ،وال اجلمل الشارد ،وال بيع مغصوب على غري غاصبه أو قادر على أخذه
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
( الحلقة الثالثة )
تتمة البيع ( الشروط في البيع ،الخيار )
تكلمنا يف احللقة السابقة عن تعريف البيع وحكمه وأركانه وشروط صحته ،وهنا نتناول الشروط يف البيع ،مث
نتكلم عن اخليار وأنواعه .فنقول :
أوال :الشروط في البيع :
قبل الكالم عن الشروط يف البيع حيسن بيان الفرق بني شروط البيع ( أي شروط صحته ) اليت تقدمت ،وبني
الشروط يف البيع .
الفرق بين شروط صحة البيع والشروط في البيع :
يتضح الفرق بني شروط صحة البيع وبني الشروط يف البيع من الوجوه اآلتية :
1ـ شروط صحة البيع من وضع الشارع ،أما الشروط يف البيع فهي من وضع املتعاقدين ،أو أحدمها .
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
2ـ شروط صحة البيع البد من توافرها قبل العقد ،فهي سابقة له .أما الشروط يف البيع فهي مصاحبة للعقد غالبا ،وقد
تتقدم عليه أحيانا .
3ـ شروط صحة البيع صحيحة قطعا ،أما الشروط يف البيع فمنها الصحيح املعترب ،ومنها الفاسد امللغى .
4ـ شرط صحة البيع ال ميلك أحد التنازل عنها ؛ فهي حق للشارع .أما الشروط يف البيع فيملك من شرطها من املتعاقدين
التنازل عنها ؛ ألهنا حق له .
5ـ شروط صحة البيع حمصورة حمددة .أما الشروط يف البيع فغري حمص ورة ،بل هي حبسب ما يشرتطه املتعاقدان ،أوأحدمها
.وقد يقل املتعاقد من الشروط ،وقد يكثر .
تعريف الشرط في البيع :
هو إلزام أحد املتعاقدين اآلخر بسبب العقد شيئا له فيه مصلحة ،كما لو شرط املشرتي على البائع إذا اشرتى
منه حطبا أن حيمله له ( أي يوصله ) إىل داره .
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
النوع الثاني :شرط يعود ملصلحة خالصة ألحد املتعاقدين .بأن يشرتط أحد املتعاقدين على اآلخر بذل منفعة مباحة يف
املبيع ؛ كأن يشرتط البائع سكىن الدار املب يعة مدة معينة ،أو أن حيمل على الدابة أو السيارة املبيعة إىل موضع معني ؛ ملا
روى جابر رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم باع مجال واشرتط ظهره إىل املدينة ) .وكذا لو اشرتط املشرتي على
البائع بذل عمل يف املبيع ؛ كأن يشرتي منه حطبا ويشرتط عليه محله إىل موضع معني .
ثانيا :الشروط الفاسدة :وهي نوعان أيضا :
النوع األول :شرط فاسد يبطل العقد من أصله ؛ كأن يشرتط أحد املتعاقدين على اآلخر عقدا آخر ؛ كأن يقول البائع :
بعتك هذه السلعة بشرط أن تؤجرين دارك .فهذا الشرط فاسد ،وهو يبطل العقد من أساسه ؛ لنهي النيب صلى اهلل عليه
وسلم عن بيعتني يف بيعة
النوع الثاني :شرط فاسد يف نفسه لكن ال يبطل البيع ؛ كأن يشرتط البائع على املشرتي أن ال يبيع السلعة .فهذا شرط
فاسد ؛ ألنه خيالف مقتضى العقد ؛ ألن مقتضى البيع أن يتصرف املشرتي يف السلعة تصرفا مطلقا .والبيع ال يبطل مع
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
ب طالن هذا الشرط ؛ ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم يف قصة بريرة ـ حينما اشرتط بائعها والءها إن أعتقت ـ أبطل الشرط ،
ومل يبطل العقد ،وقال ( :إمنا الوالء ملن أعتق ) .
ثانيا :الخيار
تعريفه :
اخليار يف البيع :هو طلب خري األمرين من إمضاء البيع ،أو فسخه .
أقسامه :
للخيار مثانية أقسام ؛ هي :
األول :خيار المجلس .أي جملس العقد الذي جرى فيه التبايع .فيثبت لكل من املتبايعني اخليار ماداما يف جملس العقد
.ودليل ذلك قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :إذا تبايع الرجالن فكل واحد منهما باخليار ما مل يتفرقا وكانا مجيعا ).
األمور التي يسقط بها خيار المجلس :
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
اخليار له مع الغنب ؛ فإن اجلالب إذا مل يعرف السعر كان جاهال بثمن املثل ،فيكون املشرتي غارا له .وكذا البائع إذا
باعهم شيئا فلهم اخليار إذا هبطوا السوق وعلموا أهنم غبنوا غبنا خيرج عن العادة ) .
الصورة الثانية :النجش .أي الغنب الذي يكون سببه زيادة الناجش يف مثن السلعة .والناجش هو الذي يزيد يف السلعة
وهو ال يريد شراءها ،وإمنا يريد رفع مثنها على املشرتي ؛ هبدف نفع البائع ،أو اإلضرار باملشرتي .وهذا عمل حمرم هنى
عنه النيب صلى اهلل عليه وسلم بقوله ( :وال تناجشوا ) ؛ ملا يف ذلك من اإلضرار باملشرتي برفع الثمن عليه فوق املعتاد .
ومن صور النجش احملرم أن يقول صاحب السلعة :أعطيت هبا كذا وكذا ،وهو كاذب ؛ من أجل زيادة الثمن
على املشرتي .
الصورة الثالثة :غبن المسترسل .وهو الذي جيهل القيمة ،وال حيسن املماكسة يف الثمن ،بل يعقد معتمدا على صدق
البائع ؛ وذلك لسالمة سريرته .فإذا غنب غبنا فاحشا خيرج عن العادة ثبت له اخليار .ويف احلديث ":غنب املسرتسل ربا"
فهو حمرم ؛ ملا فيه من اإلضرار باملشرتي ،وأكل ماله بالباطل .
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
( الحلقة الرابعة )
تتمة البيع ( القبض وصوره المعاصرة ،البيوع المنهي عنها ،وعلل النهي )
تكلمنا يف احللقة السابقة عن الشروط يف البيع ،وعن اخليار وأقسامه .وهنا نتناول القبض وصوره املعاصرة ،مث
نتحدث عن البيوع املنهي عنها ،وعلل النهي ،فنقول :
أوال :القبض ،وصوره المعاصرة :
المراد بالقبض :
القبض مأخوذ من :قبض الشيء قبضا ،أي أخذه بقبضة يده .ويقال :قبض الدار أو األرض ،أي :حازها .
وقد جاء القبض يف لسان الشرع مطلقا من غري تقييد ،وهلذا نص عامة الفقهاء على أن املرجع يف حتديد القبض
إىل العرف ؛ فما تعا رف الناس على أنه قبض اعترب قبضا شرعيا ،وما ال فال .قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ... ( :
فالقبض مرجعه إىل عرف الناس ؛ حيث مل يكن له حد يف اللغة ،وال يف الشرع ) .وقال الكاساين ( :القبض هو
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
ففي وحو حنطة يف بيت مثال يكون دفع املفتاح ـ إذا أمكن الفتح بال كلفة ـ قبضا .ويف وحو بقر يف املرعى فكونه حبيث
يرى ويشار إليه ،فإن هذا قبض .ويف وحو ثوب فكونه حبيث لو مد يده تصل إليه ،فإن هذا قبض .وهذا قول احلنفية .
القول الثاني :أن القبض احلكمي ( وهو التخلية ) ال يكفي يف املنقول ،بل ال بد من القبض احلقيقي .وهذا خيتلف
حبسب املعقود عليه :
فما كان يتناول باليد عادة ـ كالنقود ،والثياب ،واجلواهر ـ فقبضه إمنا يكون بتناوله باليد .وما ال ميكن تناوله باليد فإنه ال
خيلو :إما أن يكون مما يعترب فيه تقدير من كيل ،أو وزن ،أو ذرع ،أو عد ؛ كمن اشرتى صربة حنطة مكايلة ،أو متاعا
موازن ة ،أو ثوبا مذارعة ،أو معدودا معاددة فقبضه يكون باستيفائه مبا يقدر فيه من كيل ،أو وزن ،أو ذرع ،أو عد .أو
يكون مما ال يعترب فيه تقدير من كيل ،أو وزن ،أو ذرع ،أو عد ؛ إما لعدم إمكانه ،وإما أنه ممكن لكن مل يراع فيه ،
كاألمتعة ،والعروض ،والدواب ،وا لصربة تباع جزافا ،فهذا يكون قبضه بنقله وحتويله عن مكان البائع .وهذا قول
املالكية ،والشافعية ،واحلنابلة .
15 إيميل الدكتور dr.m.alkhodair@Gmail.com
فقه المعامالت المالية ( فقه )211ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث
وعند تأمل كالم الفقهاء جند أن ما يذكرونه من حتديدات للقبض عائد ألعرافهم حبسب زماهنم ؛ إذ ليس يف
النصوص الشرعية ما يوجب التزام طريقة معينة يف القبض .وبناء على هذا نقول يف كيفية قبض السلع املبيعة :
إذا كان املبيع مكيال فقبضه بالكيل ،وإن كان موزونا فقبضه بالوزن ،وإن كان معدودا فقبضه بالعد ،وإن كان
مذروعا فقبضه بالذرع ،مع حيازة هذه األشياء إىل مكان املشرتي .وما كان كالثياب واحليوانات فقبضه بنقله إىل مكان
املشرتي .وإن كان املبيع مما يتناول باليد كاجلواهر ،والكتب ،ووحوها فقبضه حيصل بتناول املشرتي له بيده وحيازته .وإن
كان املبيع مما ال ميكن نقله من مكانه كالبيوت ،واألراضي ،والثمر على رؤوس الشجر فقبضه حيصل بالتخلية بأن مميكن
وخيلِّي بينه وبينه ؛ ليتصرف فيه تصرف املالك .وتسليم الدار ووحوها بأن يفتح له باهبا ،أو يسلمه مفتاحها
منه املشرتي ،م
صور القبض المعاصرة :
من صور القبض املعاصرة يف بعض السلع :
قبض السيارات يكون بإخراجها من مستودعات البائع ،وتسليم مفاتيحها ،أو باألوراق الثبوتية املعينة هلا اليت
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
يسجل فيها رقم اهليكل ،وسائر املواصفات الدالة على ملكية املشرتي هلا .
وقبض النقود يكون بتناوهلا ،أو بتقييدها يف القيد املصريف يف احلساب ولو مل تقبض باليد ،أو بقبض الشيك
املصريف ( املسمى الشيك املصدق ) ،أو قبض الشيك العادي الذي له محاية من قبل النظام ،أو باخلصم من احلساب
ببطاقة الصراف اآليل ،أو باستخدام بطاقة االئتمان .
وقبض البضائع املستوردة يكون بتعيينها ،وتسلم وثائق ( أي بوالص ) الشحن .
وقبض األسهم يكون بتسجيلها يف احملفظة .
وقبض املعادن والسلع الدولية يكون بتسلم شهادات احليازة املعينة هلا .
وإذا كان املبيع مكيال ،أو موزونا ،أو معدودا ،أو مذروعا فال يصح التصرف فيه قبل قبضه باتفاق العلماء ؛
لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :إذا ابتاع أحدكم طعاما فال يبعه حىت يستوفيه ) ،ويف لفظ ( :حىت يقبضه ) .وأما
إذا كان املبيع غري مكيل ،وال موزون ،وال معد ود ،وال مذروع فقد اختلف أهل العلم يف التصرف فيه قبل قبضه على
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
قولني :
القول األول :ال جيوز التصرف فيه قبل قبضه .وهذا قول مجهور العلماء ؛ للحديث السابق ،وقد قال ابن عباس يف
تعليقه على احلديث ( :وال أحسب غريه ـ أي غري الطعام ـ إال مثله ) ،وقد ورد ذلك صرحيا فيما روى أمحد ( :إذا
اشرتيت شيئا فال تبعه حىت تقبضه ) .وروى أبو داود ( :هنى أن تباع السلع حيث تبتاع حىت حيوزها التجار إىل رحاهلم )
القول الثاني :أنه جيوز التصرف فيه ولو مل يقبض .وهذا قول بعض العلماء .
والراجح هو األول .قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ،وتلميذه ابن القيم ( :علة النهي عن البيع قبل القبض عجز املشرتي
عن تسلمه ؛ ألن البائع قد يسلمه ،وقد ال يسلمه ،السيما إذا رأى املشرتي قد ربح ؛ فإنه يسعى يف رد البيع ؛ إما
جبحد أو احتيال على الفسخ .وتأكد ذلك بالنهي عن ربح ما مل يضمن ) .
2ـ بيع سلعة مباحة لمن يعلم أنه يستعين بها على معصية اهلل ،ويستخدمها فيما حرم اهلل .فال يصح بيع العصري ـ
مثال ـ على من يتخذه مخرا ووحو ذلك ؛ ألن هذا من التعاون على اإلمث والعدوان ،وقد هنى اهلل عن ذلك فقال ( :وال
تعاونوا على اإلمث والعدوان ) .
3ـ بيع السالح في وقت الفتنة بين المسلمين ؛ وذلك لئال يقتل به مسلم ؛ ولنهي النيب صلى اهلل عليه وسلم عن ذلك
4ـ بيع عبد مسلم لكافر إذا لم يكن ممن يعتق عليه ؛ ملا يف ذلك من إذالل الكافر للمسلم ،وقد قال تعاىل ( :ولن
جيعل اهلل للكافرين على املؤمنني سبيال ) .وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :اإلسالم يعلو ،وال يعلى عليه ) .
5ـ بيع المسلم على بيع أخيه ،كأن يقول ملن اشرتى سلعة بعشرة :أنا أعطيك مثلها أو خريا منها بتسعة ؛ لقول النيب
صلى اهلل عليه وسلم ( :وال يبع بعضكم على بيع بعض ) .متفق عليه .وكذا حيرم شراؤه على شرائه ،كأن يقول ملن باع
سلعة بتسعة :أشرتيها منك بعشرة ؛ للنهي عن ذلك أيضا .
6ـ بيع الحاضر للبادي .والحاضر هو المقيم في المدن والقرى ،والبادي هو القادم من البادية أو غريها .فال جيوز
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
ذلك حلديث ( :ال يبع حاضر لباد ) .قال ابن عباس ( :ال يكون له مسسارا ) .أي دالال يتوسط بني البائع واملشرتي .
وكما أنه ال جيوز للحاضر أن يتوىل بيع سلعة البادي فكذلك ال ينبغي أن يشرتي له .واملمنوع هو أن يذهب
احلاضر إىل البادي ويقول له :أنا أبيع لك ،أو أشرتي لك .أما إذا جا ء البادي للحاضر ،وطلب منه أن يبيع له ،أو
يشرتي له فال مانع من ذلك .
7ـ بيع العينة .وهو أن يبيع شخص على آخر سلعة بثمن مؤجل ،مث يشرتيها منه بثمن حال أقل من املؤجل .كما لو
باع عليه سيارة خبمسني ألفا إىل أجل ،مث اشرتاها منه بأربعني ألفا حالة يسلمها له ،وتبقى اخلمسون ألفا يف ذمته إىل
حلول األجل .فيحرم ذلك ؛ ألنه حيلة يتوصل من خالهلا إىل الربا ؛ فكأنه باع نقودا مؤجلة بنقود حالة مع التفاضل ،
وجعل السلعة حيلة فقط .وقد ورد التحذير من ذلك يف قوله صلى اهلل عليه وسلم ( :إذا تبايعتم بالعينة ،وأخذمت أذناب
البقر ،وتركتم اجلهاد سلط اهلل عليكم ذال ال ينزعه منكم حىت ترجعوا إىل دينكم ) .
( الحلقة الخامسة )
الربا ( تعريف الربا ،حكمه ،الحكمة من تحريمه ،أنواعه ،علة الربا )
مضى يف حلقات سابقة الكالم يف البيع ؛ فبينا تعريفه ،وذكرنا أركانه ،وشروط صحته .مث حتدثنا عن الشروط
يف البيع .مث بينا اخليار ،وأقسامه .وحتدثنا بعد ذلك عن القبض ،وضابطه ،وذكرنا مجلة من صور القبض املعاصرة .مث
ذكرنا البيوع املنهي عنه ا ،وعلل النهي .وننتقل اآلن إىل الكالم يف موضوع مهم وهو الربا ،والصرف ؛ مبتدئني بالربا ؛
فنقول :
أوال :تعريف الربا :
تعريف الربا لغة :
الربا يف اللغة يطلق على الزيادة ،واالرتفاع .قال تعاىل ( :فإذا أنزلنا عليها املاء اهتزت وربت ) .أي زادت .
تعريف الربا اصطالحا :
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
الربا ؛ فمهما كثرت أموال املرايب وتضخمت فهي ممحوقة الربكة ،ال خري فيها ،وإمنا هي وبال على صاحبها ،تعب يف
الدنيا ،وعذاب يف اآلخرة ،وال ينتفع منها .ويف آية أخرى أعلن اهلل احلرب منه ومن رسوله على املرابني ؛ ألهنم أعداء
هلما إن مل يرتكوا الربا ،ووصفهم بأهنم ظاملون .
وأما من ال سنة فقد وردت أحاديث كثرية يف حترمي الربا ،والنهي عنه .ونصت على أنه من الكبائر املوبقات .
ومن ذلك ما ورد يف الصحيح من حديث جابر رضي اهلل عنه ( :لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم آكل الربا ،وموكله
،وكاتبه ،وشاهديه .وقال :هم سواء ) رواه مسلم .وأخرب النيب صلى اهلل عليه وسلم أن درهم ربا واحدا أشد من ثالث
وثالثني أو ست وثالثني زنية يف اإلسالم .كما أخرب أيضا بأن الربا اثنان وسبعون بابا ؛ أدناها مثل إتيان الرجل أمه .
وقد أمجع أهل العلم على حترمي الربا يف املعامالت كما حكى ابن رشد ،والنووي ،وشيخ اإلسالم ،وغريهم .بل
أمجعت مجيع الشرائع على حترميه .قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ( :وحترمي الربا أشد من حترمي امليسر ،وهو القمار ؛ ألن
املرايب قد أخذ فضال حمققا من حمتاج ،واملقامر قد حيصل له فضل ،وقد ال حيصل له فضل .فالربا ظلم حمقق ؛ ألن فيه
19 إيميل الدكتور dr.m.alkhodair@Gmail.com
فقه المعامالت المالية ( فقه )211ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث
تسليط الغين على الف قري ؛ خبالف القمار ؛ فإنه قد يأخذ فيه الفقري من الغين .وقد يكون املتقامران متساويني يف الغىن
والفقر ؛ فهو ـ وإن كان أكال للمال بالباطل وهو حمرم ـ فليس فيه من ظلم احملتاج وضرره ما يف الربا ) .
ثالثا :الحكمة من تحريم الربا :
تأيت احلكمة من حترمي الربا من وجوه عديدة ؛ من أبرزها ما يأيت :
1ـ أن فيه أكال ألموال الناس بغري حق ؛ ألن املرايب يأخذ منهم الربا من غري أن يستفيدوا شيئا يف مقابله .
2ـ أن فيه إضرارا بالفقراء واحملتاجني مبضاعفة الديون عليهم عند عجزهم عن تسديدها .
3ـ أن فيه قطعا للمعروف بني الناس ،وسدا لباب القرض احلسن ،وفتحا لباب القرض بالفائدة اليت تثقل كاهل الفقري .
4ـ أن فيه تعطيال للمكاسب ،والتجارات ،واحلرف ،والصناعات ،اليت ال تنتظم مصاحل العامل إال هبا ؛ ألن املرايب إذا
حتصل على زيادة ماله بواسطة الربا بدون تعب فلن يلتمس طرقا أخرى للكسب حتتاج إىل جمهود وعناء .
5ـ أن اهلل تعاىل جعل طريق تعامل الناس يف معايشهم قائما على أن تكون استفادة كل واحد من اآلخر يف مقابل عمل
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
يقوم به وحوه ،أو عني يدفعها إليه ،والربا خال عن ذلك ؛ ألنه عبارة عن إعطاء املال مضاعفا من طرف آلخر بدون
مقابلة من عني وال عمل .
رابعا :أنواع الربا :
الربا نوعان ؛ مها :
النوع األول ـ ربا النسيئة :وهو التأخري والتأجيل ،مأخوذ من النسأ ؛ مبعىن :التأخري .وهو قسمان :
القسم األول :قلب الدين على املعسر ،وهذا هو أصل الربا يف اجلاهلية ؛ وذلك أن الرجل يكون له على الرجل املال
املؤجل فإذا حل األجل قال له :أتقضي ،أم تريب ؟ .فإن وفاه وإال زاد هذا يف األجل ،وزاد ذاك يف املال .فيتضاعف
املال يف ذمة املدين .فحرم اهلل ذلك ؛ وقال سبحانه ( :يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ) ،وأوجب
إنظار املعسر ؛ فقال تعاىل ( :وإن كان ذو عسرة فنظرة إىل ميسرة ) .
القسم الثاني :ما كان يف بيع جنس ربوي جبنسه مؤجال ،أو بيع جنسني اتفقا يف علة ربا الفضل ،مع تأخري قبضهما ،
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
أو قبض أحدمها ؛ كبيع الذهب بالذهب مؤجال ،وكذلك بيع الفضة بالذهب مؤجال .
النوع الثاني ـ ربا الفضل :مأخوذ من الفضل :أي الزيادة .وهو عبارة عن بيع جنس ربوي جبنسه بتفاضل بينهما ،
حبيث يزيد أحد العوضني عن اآلخر .كبيع صاع رطب بصاعي متر .
وهذا يستدعي منا بيان املراد باألموال الربوية ؛ فنقول :قد حدد النيب صلى اهلل عليه وسلم مجلة من األموال
بالنص عليها ،وهي ستة ؛ فقال ( :الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة ،والرب بالرب ،والتمر بالتمر ،والشعري بالشعري ،
وامللح بامللح :مثال مبثل ،سواء بسواء ،يدا بيد .فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ) .
إليها ،وال غىن هلم عنها .فالذهب والفضة مها العنصران األساسان للنقود ،فهما مادة األمثان اليت يرجع إليها يف تقومي
السلع .وأما بقية األعيان األربعة فهي عناصر األغذية ،وأصول القوت الذي به قوام احلياة .فإذا جرى الربا يف هذه
األش ياء اليت هي هبذه األمهية كان ضارا بالناس ،ومفضيا إىل الفساد يف املعاملة .فمنع الشارع منه ؛ رمحة بالناس ،ورعاية
ملصاحلهم .
وللتعامل في األموال الربوية ـ حين مبادلة بعضها ببعض ـ ثالث أحوال :
الحال األولى :أن يتفق البدالن يف اجلنس ،والعلة .مثل الذهب بالذهب ،والرب بالرب .فهنا يشرتط شرطان :
1ـ التماثل ( أي التساوي يف املقدار) .
2ـ التقابض من الطرفني يف جملس العقد .فيحرم التفاضل والتأجيل .
الحال الثانية :أن خيتلف البدالن يف اجلنس ،ويتحدا يف العلة .مثل الذهب بالفضة ،والرب بالتمر .فهنا يشرتط شرط
واحد فقط وهو التقابض يف جملس العقد ،وحيرم التأجيل .أما التماثل ( أي التسـاوي ) فال يشرتط .فيجوز التفاضل .
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
الحال الثالثة :أن خيتلف البدالن يف اجلنس ،والعلة .مثل الذهب بالرب .فهنا ال يشرتط التماثل ،وال التقابض .فيجوز
التفاضل ،والتأجيل .
حكم األوراق النقدية ( العمالت ) :
جيري الربا يف األوراق النقدية ،وهي العمالت اليت يتداوهلا الناس اليوم كما جيري يف الذهب والفضة ؛ ألهنا
شاركتهما يف العلة ( وهي الثمنية ) .وتعد تلك العمالت اليوم فيما بينها أجناسا ؛ فكل عملة منها جنس مستقل عن
اآلخر حيث كانت صادرة من دول ة واحدة ،كالذهب والفضة ؛ فهما جنسان مستقالن عن بعضهما .وعلى هذا فإذا
جرى مبادلة عملة مبثلها ـ كمبادلة رياالت سعودية برياالت سعودية ـ فال جيوز التفاضل ،وال التأجيل .وإذا جرى مبادلة
عملة بعملة أخرى فيجوز التفاضل ،وال جيوز التأجيل .فيجوز مثال مبادلة مخسني رياال بعشرين دوالرا ،لكن بشرط
التقابض
وما ليس من األموال الستة ،وال يشاركها يف العلة اليت سبق بياهنا فال جيري فيه الربا ،كاحليوان ،والثياب ،
واألواين ،واملالبس ؛ فيجوز بيع ثوب بثوبني ،وبيع إناء بإنائني ،وبيع شاة بشاتني حاال ومؤجال .
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
( الحلقة السادسة )
الصرف ( تعريف الصرف ،حكمه ،شروطه ،نبذة عن بعض المعامالت المصرفية الشائعة )
تقدم يف احللقة السابقة الكالم عن القسم األول وهو الربا ؛ فبينا تعريفه ،وحكمه ـ وأنواعه ،وعلة الربا ،وأحوال
التعامل يف األموال الربوية ،وحكم األوراق النقدية .ونتكلم يف هذه احللقة عن القسم الثاين وهو الصرف فنقول .:
أوال :تعريف الصرف
الصرف هو :بيع نقد بنقد سواء احتد اجلنس أم اختلف .فالصرف هو املبادلة بني النقود خاصة دون سائر
السلع ؛ فهو مبادلة نقد بنقد ،سواء كان من جنسه أم من غري جنسه .ويشمل ذلك مبادلة ذهب بذهب ،وفضة بفضة
،وذهب بفضة .وكذلك مبادلة األوراق النقدية املتعامل هبا اليوم ( أي العمالت ) بعضها ببعض ؛ فإهنا تأخذ حكم
الذهب والفضة يف جريان الربا فيها ؛ الشرتاكها معهما يف علة الربا ( وهي الثمنية ) كما سبق تقريره .
ثانيا :حكم الصرف
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
إذا جرى الصرف فبيع نقد بنقد فينظر :إن بيع نقد جبنسه كذهب بذهب ،أو فضة بفضة ،أولاير سعودي بريال
سعودي فيشرتط أمران :التماثل ( أي التساوي يف املقدار ) ،والتقابض يف جملس العقد .فال جيوز تفاضل وال تأجيل .
أما إذا بيع نقد بنقد من غري جنسه كذهب بفضة ،ولاير بدوالر فإنه جيب أمر واحد فقط وهو التقابض يف جملس العقد ،
وال جيوز التأجيل .أما التماثل ( أي التساوي يف املقدار ) فال يشرتط ،فيجوز التفاضل .
وأما بيع احللي من الذهب أو الفضة :فإذا بيع حلي ذهب أو فضة حبلي من جنسه ،أو بنقد من جنسه ـ كأن
يباع حلي من ذهب حبلي من ذهب ،أو بنقد من ذهب ـ فإنه يشرتط أمران :التقابض يف جملس العقد ،والتساوي يف
الوزن .وال جيوز التفاضل ،وال التأجيل .أما إذا بيع حلي الذهب أو الفضة حبلي من غري جنسه ،أو بنقد من غري
جنسه ـ كأن يباع حلي من ذهب حبلي من فضة ،أو بنقد من فضة أو من العمالت النقدية ـ فإنه يشرتط أمر واحد فقط
وهو التقابض يف جملس العقد ،فال جيوز التأجيل .أما التماثل ( وهو التساوي يف املقدار ) فال يشرتط ،فيجوز التفاضل
ثالثا :شروط الصرف
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
.ولذا ال جيوز له أخذ فوائد على فتح احلساب لدى املصرف .ومىت التزم املصرف للعميل بفوائد على فتح احلساب كان
ذلك من قبيل القرض الذي جر نفعا ،فهو ربا .
ثانيا :اإليداع اآلجل بفائدة :وهي الودائع الثابتة إىل أجل ،يتصرف فيها املصرف إىل متام األجل ،ويدفع لصاحبها
فائدة ثابتة بنسبة معينة كعشرة أو مخسة يف املئة .وهذا ربا حمرم يدفعه املصرف للعميل .
وال جيوز للمسلم أن يودع ماله يف املصارف الربوية ولو كان على هيئة حساب جا ٍر وليس إيداعا بفوائد ؛ ألن
ذلك إعانة هلم على اإلمث والعدوان ،ودعم هلم ،وت قوية ملركزهم املايل ؛ فإن النقد هو عصب عمل املصارف ،وعمادها ،
ومصدر أساس لقوهتا املالية .
ثالثا :القرض بفائدة :وذلك بأن يقرض املصرف أو غريه شخصا مبلغا بشرط أن يوفيه أكثر منه بنسبة معينة ،كما لو
أقرضه عشرة آالف على أن يوفيه اثين عشر ألفا ،كما هو املعمول به يف املصارف الربوية .وهو ربا صريح ؛ حيث تقوم
تلك املصارف بعقد صفقات القروض بينها وبني ذوي احلاجات ،وأرباب التجارات ،وأصحاب املصانع واحلرف املختلفة
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
واملشاريع التجارية .فتدفع هلؤالء مبالغ من املال نظري فائدة حمددة بنسبة مئوية ،وتزداد هذه النسبة يف حالة التأخر عن
السداد يف املوعد احملدد .فيجتمع يف ذلك الربا بنوعيه :ربا الفضل ،وربا النسيئة .
رابعا :السندات الربوية :وهي عبارة عن قروض على اجلهة املصدرة للسندات ،سواء أكانت جهة حكومية ،أم شركة
جتارية .وتكون هذه القروض بفوائد .
خامسا :قلب الدين على المعسر :فإذا حل األجل ومل يكن عند املدين سداد زيد عليه الدين بقدر معني ونسبة معينة
حسب التأخري .وهذا هو ربا اجلاهلية .وهو حمرم باإلمجاع .
سادسا :بيع العينة :ـ وقد سبق بيانه يف احللقة الرابعة عند الكالم عن البيوع املنهي عنها ـ ؛ حيث تقوم بعض املصارف
ب بيع سلعة للعميل كأسهم أو حديد أو معادن وغريها ؛ تبيعها عليه بثمن مؤجل ،مث تشرتيها منه بثمن حال أقل منه .
وحيتالون على ذلك ببعض احليل كأن يومهوا العميل بأهنم سيكونون وكالء له يف بيع تلك السلعة يف األسواق ،ويطلبون
منه التوقيع على توكيل هلم بالبيع ،وهم يف احلقيقة يبيعون على أنفسهم .واألسوأ من ذلك أن بعض تلك املصارف ال
24 إيميل الدكتور dr.m.alkhodair@Gmail.com
فقه المعامالت المالية ( فقه )211ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث
يوجد لديهم سلع أصال يف حقيقة األمر ،وإمنا يبيعون على العميل سلعة ومهية ال وجود هلا عندهم يف احلقيقة .فيجتمع
يف هذه املعاملة الربا ،وبيع اإلنسان ما ليس عنده .
سابعا :التورق المصرفي :متارس بعض املصارف يف معامالهتا ما يعد نوعا مما تقدم ذكره ،وتسميه تورقا ؛ إلضفاء
الشرعية على معامالهتا .وهذا تلبيس ،واحتيال ،ودس للسم يف الدسم ؛ فليس هذا تورقا مباحا ؛ فالتورق املباح ـ كما
عرفه اجملمع الفقهي اإلسالمي التابع لرابطة العامل اإلسالمي ـ هو ( :شراء الشخص سلعة يف حوزة البائع وملكه بثمن
مؤجل ،مث يبيعها املشرتي بنقد لغري البائع للحصول على النقد ) .والتورق جائز شرعا عند مجهور أهل العلم ؛ ألنه نوع
من أنواع البيوع ،ومل يظهر فيه الربا :ال قصدا ،وال صورة .ولكن جوازه مشروط بأن ال يبيع املشرتي السلعة على بائعها
األول ،وال على نائبه ؛ ألن ذلك يصبح عينة حمرمة توقع يف الربا .والذي تفعله بعض املصارف أهنا تعمد إلبرام ما تعده
تورقا وهو يف احلقيقة ليس كذلك .وصورة ما تفعله تلك املصارف :أن يتفق عميل مع مصرف على أن يبيعه املصرف
حديدا مثال مبئيت ألف لاير مؤجل ة ،مث يلتزم املصرف للعميل ببيع ذلك احلديد على طرف ثالث مبئة ومخسني ألفا مثال حالة
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
مث يسلمها املصرف للعميل .وهذه املعاملة حمرمة لألمور اآلتية :
1ـ أن التزام املصرف ببيع احلديد ملشرت آخر شبيه بالعينة ،سواء كان ذلك االلتزام مشروطا صراحة ،أم معلوما حبكم
العرف والعادة .
2ـ أن هذه املعاملة صورية ؛ فهي على الورق فقط يف معظم أحواهلا ،وإمنا يهدف املصرف منها إىل الرتبح مما قدمه من
متويل نقدي .
3ـ أن هذه املعاملة ال يتحقق فيها القبض الشرعي املعترب غالبا .
وقد صدر قرار اجملمع الفقهي اإلسالمي بتحرمي هذه املعاملة هبذه الصورة جاء فيه ( :تبني للمجلس أن التورق الذي جتريه
بعض املصارف يف الوقت احلاضر هو قيام املصرف بعمل منطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة ـ ليست من الذهب أو الفضة ـ
من أسواق السلع العاملية أو غريها على املستورق بثمن آجل على أن يلتزم املصرف ـ إما بشرط يف العقد ،وإما حبكم
العرف والعادة ـ بأن ينوب عنه يف بيعها على مشرت آخر بثمن حاضر ،وتسليم مثنها للمستورق .وبعد النظر والدراسة قرر
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
إذا ع لم ذلك ؛ فإنه مىت أراد املصرف تورقا حقيقيا شرعيا غري حيلة فليبع على العميل سلعة حقيقية ميلكها ـ كأسهم ،
وعقارات ـ بثمن مؤجل ،ألجل معلوم ،وأقساط حمددة معلومة يستوفيها املصرف من رواتب العميل مثال .ويقبض
املشرتي السلعة قبض مثلها ،مث يبيعها بنقد حال على غري املصرف .كأسهم تسجل يف حمفظته ،مث يبيعها يف سوق
األسهم ؛ لينتفع العميل بثمنها يف احلصول على غرضه كشراء سيارة ،أو بناء منزل ،أو وحو ذلك من األغراض.
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
( الحلقة السابعة )
السلم ( تعريفه ،أركانه ،حكمه ،الحكمة من مشروعيته ،شروط صحته ،أحكامه )
تقدم يف احللقة السابقة الكالم عن الصرف ؛ فبينا تعريفه ،وشروطه .وأخذنا نبذة عن بعض املعامالت املصرفية
الشائعة .وبه انتهى احلديث عن الربا والصرف .فننتقل يف هذه احللقة إىل موضوع جديد ؛ وهو السلم :فنبني تعريفه ،
وأركانه ،وحكمه ،واحلكمة من مشروعيته ،وشروط صحته ،وأحكامه ؛ فنقول :
أوال :تعريف السلم
1ـ تعريفه لغة :مأخوذ من التسليم ،ويسمى السلف .وقد مسي سلما ألن رأس املال مسلم يف جملس العقد ،ومسي
سلفا لتقدم رأس املال ( أي الثمن ) حبيث يتسلمه البائع سلفا قبل أوان تسليم املبيع .
2ـ تعريفه اصطالحا :حقيقة السلم هي تعجيل الثمن ،وتأجيل املثمن .ويعرفه الفقهاء بأنه ( :عقد على موصوف يف
الذمة مؤجل ،بثمن مقبوض يف جملس العقد ) .
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
ومن السنة حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما قال ( :قدم النيب صلى اهلل عليه وسلم املدينة وهم يسلفون يف
الثمار السنتني ،والثالث فقال ( :من أسلف يف شيء فليسلف يف كيل معلوم ،ووزن معلوم ،إىل أجل معلوم ) .متفق
عليه .فدل هذا احلديث على جواز السلم إذا استوىف شروطه .
وأما من اإلجماع فقد حكى ابن املنذر وغريه إمجاع العلماء على جوازه ،قال ابن املنذر ـ رمحه اهلل ـ " :أمجع كل
من وحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز " .
رابعا :الحكمة من مشروعية السلم
السلم من حماسن هذه الشريعة ؛ ألن فيه توسعة على الناس وتيسريا عليهم ،وفيه مصلحة للطرفني ؛ فاملشرتي (
وهو املسلِم ) ينتفع بنقص الثمن ،والبائع ( وهو املسلَم إليه ) ينتفع بتعجيل الثمن ؛ فاملزارع مثال قد ال ميلك نقدا ينفقه
م م
يف إصالح أرضه وزراعته ،وال جيد من يقرضه .فأبيح له السلم حىت ال تفوته مصلحة استثمار أرضه .
خامسا :شروط صحة السلم
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
السلم نوع من البيع ،ولذا فإنه يشرتط لصحته شروط صحة البيع اليت سبق بياهنا يف احللقة الثانية .ويضاف
إليها شروط خاصة زائدة على تلك الشروط ،وهي :
الشرط األول :أن يكون املسلم فيه مما ميكن انضباط صفاته .فيشرتط انضباط صفات السلعة املسلم فيها ؛ ألن ما ال
ميكن ضبط صفاته خيتلف كثريا ،فيفضي ذلك إىل املنازعة بني الطرفني .وعلى هذا فال يصح السلم فيما ختتلف صفاته ؛
كالبقول ،واجللود ،واألواين املختلفة .
ويلحظ أن الفقهاء املتقدمني يذكرون أشياء كانت يف زماهنم مما ال ينضبط بالصفة وميثلون باألواين ،أما اآلن يف
هذا العصر فيمكن ضبط كثري من األشياء بالصفة نظرا للتقدم الصناعي والتقين ،وهلذا فإنه ميكن السلم فيها .
الشرط الثاني :أن يذكر جنس املسلم فيه ،ونوعه ؛ فاجلنس مثل التمر ،والنوع مثل السكري .
الشرط الثالث :أن يكون املسلم فيه معلوم القدر .فيذكر قدر املسلم فيه :بكيل ،أو وزن ،أو ذرع ؛ لقول النيب صلى
اهلل عليه وس لم يف احلديث السابق املتفق عليه ( :من أسلف يف شيء فليسلف يف كيل معلوم ،ووزن معلوم ،إىل أجل
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
معلوم ) .وألنه إذا جهل مقدار املسلم فيه تعذر استيفاؤه .
الشرط الرابع :أن يكون للسلم أجل معلوم حمدد من الطرفني ،له وقع يف الثمن ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم يف
احلديث السابق ... ( :إىل أجل معلوم ) .ولقوله تعاىل ( :إذا تداينتم بدين إىل أجل مسمى فاكتبوه ) .فدلت اآلية
الكرمية واحلديث الشريف على اشرتاط التأجيل يف السلم ،وحتديد األجل حبد يعلمه الطرفان .فال يصح إذا كان األجل
جمهوال كقدوم زيد إذا كان قدومه غري معلوم ،أما إذا كان قدومه معلوما فاألجل معلوم .ويصح ـ على الراجح ـ أن يقول :
أسلمت إليك إىل وقت احلصاد واجلذاذ ؛ ألنه ال يتفاوت كثريا يف العادة ،ووقت احلصاد واجلذاذ معلوم .وحينئذ يتعلق
بأول احلصاد وأول اجلذاذ ،فيكون هو األجل .
الشرط الخامس :أن يوجد ا ملسلم فيه غالبا يف وقت حلول أجله املتفق عليه ؛ وذلك ليمكن تسليمه يف وقته .فإن كان
املسلم فيه ال يوجد يف وقت حلول أجله مل يصح السلم ،وذلك كما لو أسلم يف رطب أو عنب إىل الشتاء فال يصح ؛
ألن الشتاء ليس وقت وجود العنب والرطب ،وإمنا يكون ذلك يف الصيف .
28 إيميل الدكتور dr.m.alkhodair@Gmail.com
فقه المعامالت المالية ( فقه )211ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث
الشرط السادس :أن يقبض املسلَم إليه الثمن كامال معلوم املقدار يف جملس العقد ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم
م
السابق ( :من أسلف يف شيء فليسلف يف كيل معلوم ) ...احلديث .أي :فليعط .قال اإلمام الشافعي ـ رمحه اهلل ـ :
( ألنه ال يقع اسم السلف فيه حىت يعطيه ما أس لفه قبل أن يفارق من أسلفه .وألنه إذا مل يقبض الثمن يف اجمللس صار
بيع دين بدين ،وهذا ال جيوز ) .فال يصح مع تأجيل الثمن كله ؛ لئال يكون من بيع الدين بالدين .وإن قبض بعضه
وأجل البعض اآلخر صح العقد يف املقبوض ،وبطل يف املؤجل .
الشرط السابع :أن يكون املس لم فيه غري معني ،بل يكون دينا يف الذمة .فال يصح السلم يف بستان معني أو شجرة
معينة ،حاضر أو غائب ؛ ألنه ال يؤمن تلف املعني قبل تسليمه ،فيفوت املقصود .
وقد روى ابن ماجه عن عبد اهلل بن سالم رضي اهلل عنه ( :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أسلف إليه رجل من
ال يهود دنانري يف متر مسمى ،فقال اليهودي :من متر حائط بين فالن .فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم :أما من حائط
بين فالن فال ،ولكن :كيل مسمى ،إىل أجل مسمى ) .ويف إسناده ضعف لكن معناه صحيح يعضده اتفاق أهل العلم
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
؛ قال ابن املنذر " :إبطال السلم إذا أسلم يف مثرة بستان بعينه كاإلمجاع من أهل العلم " .
الشرط الثامن :أن ال يكون املسلم فيه مما يلزم فيه التقابض ؛ ألن السلم فيه يفضي إىل ربا النسيئة ،كما لو أسلم ذهبا
يف فضة ،أو مترا يف بر .فال يصح ؛ ألنه يؤدي إىل الربا .
سادسا :أحكام السلم
من أحكام السلم ما يأيت :
1ـ يكون الوفاء وتسليم السلعة املسلم فيها يف مكان العقد نفسه إن كان يصلح لذلك .أما إن كان ال يصلح ـ كما لو
عقدا يف صحراء ،أو حبر ـ فال بد من ذكر مكان الوفاء ،وحتديده .
2ـ إذا تراضى املتعاقدان يف السلم على مكان معني للتسليم جاز ذلك .وإن اختلفا رجعنا إىل حمل العقد حيث كان
يصلح لذلك كما تقدم .
3ـ ال جيوز بيع السلعة املسلم فيها قبل قبضها ؛ لنهي النيب صلى اهلل عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه .
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
4ـ ال تصح احلوالة على السلعة املسلم فيها ؛ ألن احلوالة ال تصح إال على دين مستقر ،والسلم عرضة للفسخ .
5ـ إذا تع ذر وجود املسلم فيه وقت حلوله ـ كما لو أسلم يف مثرة فلم حيمل الشجر تلك السنة ـ فلرب السلم الصرب إىل أن
يوجد املسلم فيه فيطالب به ،أو الفسخ واسرتداد رأس ماله ؛ ألن العقد إذا زال وجب رد الثمن ،فإن كان الثمن تالفا
فإنه يرد بدله .
6ـ هل يصح السلم حاالّ ؟ اختل ف العلماء يف هذا على قولني :فمنهم من منعه ،ومنهم من أجازه .وليس بني القولني
فرق كبري ؛ فاملانعون عدوه بيعا حاالّ ،واجمليزون عدوه سلما .فهو عقد صحيح عند الفريقني ؛ لكنه بيع عند فريق ،
وسلم عند فريق آخر.
( الحلقة الثامنة )
( تطبيقات معاصرة على السلم ـ ـ عقد االستصناع :تعريفه ،أركانه ،حكمه ،شروطه ،تطبيقات معاصرة
لالستصناع )
بدأنا يف احللقة السابقة احلديث عن السلم ؛ فبينا تعريفه ،وأركانه ،وحكمه ،واحلكمة من مشروعيته ،وشروط
صحته ،وأحكامه .ونواصل يف هذه احللقة فنكمل ما تبقى من باب السلم ؛ حيث نتناول بعض التطبيقات املعاصرة
على السلم ،مث ننتقل إىل الكالم عن االستصناع ؛ فنبني تعريفه ،وحكمه ،وشروطه ،ونتعرض لبعض التطبيقات
املعاصرة عليه ؛ فنقول :
أوال :تطبيقات معاصرة على السلم
من التطبيقات املعاصرة على السلم ما يأيت :
أوال ـ السلم الموازي :
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
وصورته أن يعقد املصرف عقدين منفصلني مع اثنني من املزارعني يف حمصول معني من جنس واحد يف العقدين ،
يكون املصرف يف أحد العقدين مسلِما ،ويدفع الثمن للمزارع نقدا .ويكون يف اآلخر مسلَما إليه بثمن أعلى من الثمن
الذي يف العقد األول ،ويكون األجل يف العقد الثاين ـ غالبا ـ متأخرا عن األجل يف العقد األول .ومثال ذلك كاآليت :
العقد األول :أن يوقع املصرف عقد سلم مع املزارع زيد ،يدفع املصرف مبقتضاه مئة ألف لاير سلما يف عشرين ألف كيلو
جرام أرز مبواصفات معينة ،على أن يكون موعد التسليم بعد مثانية أشهر من تاريخ العقد ( .فاملصرف هنا هو املسلِم ،
واملزارع زيد هو املسلَم إليه ) .
العقد الثاين :أن يوقع املصرف نفسه يف اليوم التايل عقد سلم مع املزارع عمرو ،يسلم املصرف مبقتضاه عشرين ألف كيلو
جرام أرز من جنس املعقود عليه يف العقد األول ومبواصفاته نفسها بثمن قدره مئة وعشرون ألف لاير ،على أن يكون موعد
التسليم بعد عشرة أشهر من تاريخ العقد ( .فاملصرف هنا هو املسلَم إليه ،واملزارع عمرو هو املسلِم ) .
وحكم هذا أنه جائز ،وكال العقدين صحيحان ؛ ألهنما مستقالن عن بعضهما ،وال ارتباط بينهما .وهذا ما
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
ثانيا ـ السلم مع تحديد مقدار المسلم فيه حسب سعر السوق يوم التسليم :
وصورته :أن يدفع املسلم إىل املسلم إليه الثمن يف سلعة موصوفة لكن ال حيدد مقدارها وقت العقد ،وإمنا يعلق
حتديد الكمية بسعر السلعة أو بأن قص منه بنسبة معلومة يوم التسليم ،فإذا حان وقت التسليم احتسب الثمن املدفوع (
وهو رأس مال السلم ) وفق قيمة الوحدة من البضاعة املسلم فيها .مثال ذلك :
أن تشرتي إحدى الشركات مبئة ألف دوالر نوعا معينا من النفط وبأوصاف حمددة دون حتديد للكمية ،ويكون
التسليم بع د سنة ،على أن يكون سعر الربميل وقت التسليم أقل من سعر السوق بنسبة . %11فإذا كان سعر الربميل
يف السوق وقت التسليم 90دوالرا فإن البائع ( املسلَم إليه ) حيتسب سعر الربميل للشركة ( املسلِم ) بـ 80دوالرا ،ويتم
حتديد الكمية من خالل قسمة رأس مال السلم على السعر املتفق عليه ( 1250 = 80 ÷100،000برميال ) .فتكون
الكمية الواجب تسليمها 1250برميال .
وحكم هذه املسألة خمتلف فيه بني العلماء ؛ فمنهم من منعها ،ومنهم من أجازها .واجلواز هو األظهر يف
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
1ـ أن يكون للسلعة املعقود عليها قيمة سوقية منضبطة كما يف املعادن والوقود ووحومها .
2ـ أن يقبض املشرتي السلعة قبضا حقيقيا أو حكميا عند التسليم ؛ دفعا للصورية عن العقد .
ومن التطبيقات المعاصرة لهذه الصيغة من التعاقد ما يأتي :
1ـ بطاقات االتصال مسبقة الدفع ؛ حيث يدفع الشخص 90رياال مثال ليحصل على مكاملات بقيمة 100لاير .فهي
سلم يف املنافع ؛ ألن املعقود عليه منافع موصوفة يف الذمة .والسلم يف املنافع صحيح عند مجهور أهل العلم خالفا
لألحناف .واملسلم فيه ( وهو دقائق االتصال ) مقدر بالقيمة ،ال بالكمية .وقد تكون حالة أو مؤجلة ،كما أن السلم
يصح حاال عند مجع من العلماء إذا كان البائع مالكا للسلعة ،ويصح مؤجال .
2ـ بطاقات الوقود مسبقة الدفع ،وهي كسابقتها إال أن املسلم فيه سلعة موصوفة ( وهو الوقود ) .
املوصوفة .
( بثمن معلوم ) حبيث يكون الثمن معلوم القدر والنوع .ومل يشرتط قبضه يف جملس العقد ،فيجوز فيه التأجيل ،خالفا
للسلم .
أركانه :
أركان االستصناع أربعة ؛ هي :
1ـ العاقدان ( املشرتي ،والبائع ) ( ،أي املستصنع ،والصانع ) .
2ـ الثمن .
3ـ السلعة .
4ـ صيغة العقد .
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
حكمه :
االستصناع عقد جائز .ومن أدلة جوازه ما يأيت :
1ـ ما ورد يف السنة أن النيب صلى اهلل عليه وسلم استصنع خامتا .
2ـ اإلمجاع ؛ فإن الناس مطبقون على إجراء هذا العقد منذ القدم ؛ قال الكاساين " :الناس تعاملوه يف سائر األعصار من
غري نكري ،فكان إمجاعا منهم على اجلواز " .
3ـ أن احلاجة تدعو إليه يف العصر احلاضر ؛ فإن فيه مصلحة لسد حاجات الناس ومتطلباهتم ؛ نظرا لتطور الصناعات
تطورا كبريا ؛ فالصانع حيصل له االرتفاق ببيع مصنوعاته على وفق ما يشرتطه املستصنع ،واملستصنع حيصل له االرتفاق
باحلصول على ما حيتاج إليه من املصنوعات .
شروطه :
يشترط في عقد االستصناع ما يأتي :
1ـ حتديد أوصاف السلعة املستصنعة ببيان جنسها ونوعها وقدرها وصفتها مبا مينع التنازع وقت التسليم ؛ ألهنا مبيعة
فيشرتط العلم هبا كما يف البيع .
2ـ حتديد أجل معلوم لتسليم السلعة املستصنعة .
وال يشرتط يف عقد االستصناع تعجيل الثمن ،بل جيوز تعجيله ،وتأجيله ،وتعجيل بعضه وتأجيل البعض اآلخر
،وتقسيطه .وقد جاء يف قرار جممع الفقه اإلسالمي الدويل ( :جيوز يف عقد االستصناع تأجيل الثمن كله ،أو تقسيطه
إىل أقساط معلومة آلجال حمددة ) .
الفرق بين االستصناع والسلم :من أبرز الفروق بينهما ما يأيت :
1ـ أن االستصناع هو فيما تدخله الصناعة ،وأما السلم ففيما ال تدخله الصناعة .
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
2ـ أن السلم يشرتط فيه تعجيل الثمن ،وأما االستصناع فال يشرتط فيه ذلك .
الفرق بين االستصناع واإلجارة :أبرز الفروق بني االستصناع واإلجارة أن االستصناع عقد على العني والعمل معا ،أما
اإلجارة فعقد على العمل ،والعني تكون من املستأجر .مثال ذلك :إذا طلب شخص من جنار أن يصنع له خزانة
مالبس ( دوالب ) :فإن كانت مواد اخلزانة من خشب ومسامري ووحوها من ذلك الشخص فهذا إجارة ،وإن كانت من
النجار فهذا استصناع .
تطبيقات معاصرة لالستصناع :
االستصناع كثري يف تعامالت الناس يف العصر احلاضر ،فهم يربمون عقد االستصناع اليوم بكثرة يف غالب السلع
؛ وذلك لتطور الصناعة ،وارتفاع مستوى االتقان فيها ،ورغبة الناس الشديدة يف احلصول على سلعهم بشكل معني يتفق
مع رغباهتم بدرجة كبرية حبيث ال يكتفون بالسلع اجلاهزة املصنعة سابقا لوجود بعض الفوارق بني مواصفاهتا واملواصفات
اليت يريدون ( يف خاماهتا ،ومقاساهتا ،وألواهنا ،ومميزاهتا ) .فأصبحوا يستصنعون وفق رغباهتم غالب أثاث البيت ـ مثال ـ
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
كغرف النوم جبميع مكوناهتا ،وكراسي اجملالس ،وطاوالت الطعام وتوابعها ،وخزانات املطابخ .وهكذا املالبس ؛ فأصبح
كثري من الناس ـ نساء ،ورجاال ـ يطلبون من حمالت اخلياطة تفصيلها يف غالب األحيان مبقاسات معينة ،مع اختيار نوع
القماش ولونه من تلك احملالت .وكذلك السيارات ،والطائرات ،والسفن ،والقطارات ؛ فهي اليوم يتم استصناعها يف
كثري من احلاالت سواء كان الزبون املستصنع فردا ،أم شركة ،أم حكومة ؛ فتجد املستصنع ـ ال سيما إذا كان حكومة ،
أو شركة ـ يطلب من شركات تصنيع السيارات صناعة سيارة مثال وفق مواصفات حمددة ،وتدون تلك املواصفات يف كتيب
يسمى دفرت أو كراسة مواصفات ؛ لتكون معلومة ،ولكي يتم االلتزام هبا ،وللمطالبة يف حال اإلخالل بشيء منها .
( الحلقة التاسعة )
القرض ( تعريفه ،حكمه ،شروطه ،ما يصح قرضه وما ال يصح ،القرض إذا جر نفعا ،ضوابط المنفعة في القرض
،مسائل على القرض )
أوال :تعريف القرض
1ـ تعريفه لغة :القطع ؛ ذلك أن املقرض يقطع شيئا من ماله يعطيه للمقرتض .
2ـ تعريفه اصطالحا :هو دفع مال ملن ينتفع به ،ويرد بدله .
شرح التعريف :
( لمن ينتفع به ) خرجت بذلك الوديعة ؛ ألهنا أمانة ال يتصرف فيها َ
املودع .
( ويرد بدله ) خرج بذلك اهلبة والعارية ؛ فأما اهلبة فال بدل هلا يرد ،وأما العارية فرتد عينها .
ثانيا :حكم القرض
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
القرض من باب اإلرفاق ،وقد مساه النيب صلى اهلل عليه وسلم منيحة ؛ ألنه ينتفع به املقرتض مث يعيده إىل املقرض .
واإلقراض مندوب إليه ،وفيه أجر عظيم .قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتني إال كان
كصدقة مرة ) .رواه ابن ماجه .وألنه من باب الرب واإلحسان .فالقرض فعل معروف ،وفيه تفريج للضائقة عن املسلم ،
وقضاء حلاجته .
وأما االقرتاض ففيه تفصيل :فعند احلاجة جيوز بال كراهة ،فال يكون االقرتاض يف هذه احلالة من املسألة املكروهة
يف حق املقرتض ؛ فقد اقرتض النيب صلى اهلل عليه وسلم .وأما عند عدم احلاجة فإن االقرتاض مكروه ؛ ألنه من الديون ،
والديون من حقوق العباد ،ومعلوم أن حقوق العباد مبنية على املشاحة ،حىت إن الشهيد يغفر له كل شيء إال الدين ـ
كما ثبت يف السنة ـ ،وقد كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يف أول اإلسالم ال يصلي على من مات وعليه دين .
ثالثا :شروط صحة القرض
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
1ـ منعه احلنابلة يف املذهب عندهم ؛ ألنه مل ينقل ،وال هو من املرافق ،وألنه يفضي إىل أن يقرتض شخص جارية يطؤها
مث يردها .
2ـ وعن أمحد رواية بكراهة قرضهم ؛ محلها املوفق على كراهة التنزيه مع الصحة ؛ ألهنم مال يثبت يف الذمة سلما فصح
قرضهم كسائر احليوانات .وأما عدم نقل قرضهم فليس حبجة ؛ فإن أكثر احليوانات مل ينقل قرضها وهو جائز .
3ـ وعند احلنابلة احتمال بصحة قرض العبيد ،دون اإلماء .وهو قول مالك ،والشافعي إال أن يقرضهن من ذوي
حمارمهن فيجوز .
4ـ ورجح املوفق ابن قدامة أن القرض ناقل للملك ،فاستوى فيه العبيد واإلماء كسائر العقود .وقوهلم عن اجلارية ( مث
يردها ) ممنوع ؛ فإنا إذا قلنا :الواجب رد القيمة مل ميلك املقرتض رد األمة ،وإمنا يرد قيمتها .وإن سلمنا ذلك فإنه مىت
قصد املقرتض هذا األمر مل حيل له فعله ،وال يصح اقرتاضه ؛ كما لو اشرتى أمة ليطأها مث يردها باملقايلة أو بعيب فيها .
وإن وقع هذا حبكم االتفاق مل مينع الصحة كما لو وقع ذلك يف البيع .وهذا القول هو الصحيح إن شاء اهلل .
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
زيادة فقد أخرج القرض عن موضوعه من التقرب وحل أزمة املقرتض إىل الرتبح واالستفادة .
وجيري جمرى الزيادة املشروطة يف القرض الزيادة املتحراة واملتطلع إليها ،فإذا كان املقرض يتحرى الزيادة ويتطلع
إليها فهي حمرمة كاملشروطة .
فعلم مما تقدم أن الزيادة املمنوع أخذها يف القرض هي املشرتطة ؛ كما لو قال املقرض :أقرضك كذا بشرط أن
ترد علي املال بزيادة كذا ،أو أن تسكنين دارك مدة كذا ،أو هتدي إيل كذا .أو ال يكون هناك شرط ملفوظ ولكن هناك
حتر للزيادة وتطلع إليها فهذا أيضا ممنوع منهي عنه .أما لو بذل املقرتض الزيادة من تلقاء نفسه بدون اشرتاط من املقرض
،وال تطلع ،وال حتر فال مانع من أخذ املقرض للزيادة ،وال حرج فيه .بل إن هذا يعترب من حسن القضاء ؛ ملا روى أبو
رافع رضي اهلل عنه ( :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم استسلف من رجل بكرا ،فقدمت عليه إبل الصدقة ،فأمر أبا رافع
أن يقضي الرجل بكره ،فرجع إليه أبو رافع فقال :مل أجد فيها إال خيارا رباعيا ،فقال :أعطه إياه ؛ إن خيار الناس
أحسنهم قضاء ) ؛ فقد رد النيب صلى اهلل عليه وسلم خريا مما اقرتض ؛ وقال ( :إن خيارالناس أحسنهم قضاء ) .وهذا
35 إيميل الدكتور dr.m.alkhodair@Gmail.com
فقه المعامالت المالية ( فقه )211ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث
من مكارم األخالق احملمودة شرعا وعرفا ،وليس من القرض الذي جر نفعا ؛ ألنه مل يكن مشروطا من املقرض وال متواطأ
عليه ،وإمنا هو تربع من املقرتض .
ومثل هذا يف اجلواز لو بذل املقرتض للمقرض نفعا معتادا بينهما قبل القرض ؛ بأن كان من عادة املقرتض بذل
هذا النفع ،ومل يكن الدافع إليه هو القرض فال مانع من قبوله وال حرج فيه ؛ النتفاء احملذور .
ويمكن تلخيص ما سبق من الكالم في مسألة الزيادة في القرض بأن للزيادة على القرض ثالث أحوال :
الحال األولى :أن تكون الزيادة مشروطة عند القرض ،أو متعارفا عليها .
مثال ذلك :أن يشرتط املقرض على املقرتض عند اإلقراض أن يزيد على القرض عند الوفاء ،أو يشيع بني الناس
أن املقرض الفالين ال يقرض إال من يزيد عند الوفاء .
احلكم هنا :أن الزيادة املشروطة حمرمة إمجاعا .ومثل املشروطة ما كانت متعارفا عليها ؛ فهي حمرمة كذلك ؛
فاملعروف عرفا كاملشروط شرطا .
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
وروى البيهقي ( أن رجال كان له على آخر عشرون درمها ،فجعل يهدي إليه السمك حىت بلغ ثالثة عشر درمها ،فسأل
ابن عباس رضي اهلل عنه عن ذلك ؛ فقال :أعطه سبعة دراهم ) .
الحال الثالثة :أن تكون الزيادة غير مشروطة وال متعارفا عليها ،وتقع مع الوفاء .
مثال ذلك :أن يقرتض شخص ( مئة لاير ) ،وإذا حان موعد الوفاء رد ( مئة وعشرة ) ؛ شكرا وعرفانا .
احلكم :هذه الصورة جائزة ،بل هي من حسن القضاء ؛ ملا يف الصحيح من حديث أيب رافع رضي اهلل عنه
املتقدم ؛ حيث رد النيب صلى اهلل عليه وسلم للمقرض أحسن مما اقرتض منه ،وعد ذلك من حسن القضاء ؛ وقال ( :
إن خري الناس أحسنهم قضاء ) .وإمنا كانت الزيادة من حسن القضاء ألهنا وقعت بغري اشرتاط ،بل برغبة حمضة من
املقرتض ومبادرة منه .
ي عد إصدار املصرف للبطاقات ودفاتر الشيكات من قبيل املنفعة احملرمة ألهنا تصب يف مصلحة املقرض ؟ ليس األمر كذلك
؛ فإن املصرف إذا أخذ عمولة على إصدار البطاقات ودفاتر الشيكات فإن املنفعة تكون قد حصلت للطرفني ؛ فالعميل
انتفع بالبطاقات ودفاتر الشيكات ،واملصرف انتفع بالعمولة .وحينئذ فال حرج يف ذلك .وكذلك إذا مل يأخذ املصرف
عمولة فإن ذلك أيضا ال حرج فيه ؛ وذلك ألمرين :
1ـ أن املنفعة من إصدار البطاقات ودفاتر الشيكات مشرتكة بني املصرف والعميل ؛ بل منفعة املصرف أكرب ـ غالبا ـ ،ومن
أمثلة منافع املصرف :تقليل مصاريف توسيع الفروع ومصاريف زيادة عدد املوظفني .
2ـ أن هذه اإلصدارات ( البطاقات ،ودفاتر الشيكات ) هي من وسائل السداد .
( الحلقة العاشرة )
( الرهن :تعريفه ،نوعه ،أركانه ،حكمه ،الحكمة من مشروعيته ،شروطه ،ما يصح رهنه ،محل الرهن المعتبر ،
التصرف في العين المرهونة ،االنتفاع بها )
نتكلم يف هذه احللقة عن موضوع جديد وهو الرهن :فنبني تعريفه ،ونوعه ،وأركانه ،وحكمه ،واحلكمة من
مشروعيته ،وشروط صحته ،وما الذي يصح رهنه ،وحمل الرهن املعترب ،والتصرف يف العني املرهونة ،واالنتفاع هبا ؛
فنقول :
أوال :تعريف الرهن
1ـ تعريفه لغة :هو االحتباس ؛ ومنه قوله تعاىل ( :كل نفس مبا كسبت رهينة ) ،أي حمبوسة بكسبها وعملها .ويطلق
على الثبات والدوام ،فيقال :ماء راهن ،أي راكد دائم .
2ـ تعريفه اصطالحا :توثقة دين بعني ميكن استيفاؤه منها أو من مثنها .أي جعل عني مالية وثيقة بدين .
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
2ـ أن يكون الراهن جائز التصرف .أي بالغا ،عاقال ،حرا ،رشيدا .
3ـ أن يكون الراهن مالكا للمرهون ،أو مأذونا له فيه .وجيوز لإلنسان أن يرهن ماله على دين غريه .
4ـ أن تكون العني املرهونة ذات قيمة مادية مباحة شرعا ميكن بيعها عند حلول األجل ،بأن تكون موجودة وقت العقد
مقدورا على تسليمها .فال يصح رهن طري يف اهلواء ،وآبق ،وشارد .وال ما يعجز عن تسليمه ،كأن يرهن مثال ما يف
بطن هذه الناقة ؛ ألن هذا ال يدرى أيولد حيا أم ميتا .وال رهن كلب ووحوه مما ال قيمة له شرعا وال يصح بيعه .وإمنا
اشرتط إمكان بيع املرهون كي يتمكن املرهتن ( وهو الدائن ) من استيفاء دينه إذا مل يف املدين عند حلول األجل .
5ـ قبض املرهتن للمرهون ،واستمرار القبض .
سابعا :ما الذي يصح رهنه
الضابط يف ذلك أن كل ما جاز بيعه جاز رهنه ،وما ال فال ؛ ذلك ألن القصد من الرهن توثيق الدين باالستيفاء
من الرهن عند عدم سداد الدين ،وهذا متحقق يف كل عني جيوز بيعها .ومن التطبيقات املعاصرة لذلك ما يأيت :
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
1ـ أسهم الشركات .فيصح رهنها ألنه جيوز بيعها .فيجوز رهن السهم إذا نص يف نظام الشركة على إمكان الرهن من
الشركاء برهن احلصة املشاعة ،أما إذا نص نظامها على املنع منه فإنه ال يصح رهن شيء من أسهمها .
2ـ النقود ؛ ألنه ميكن استيفاء الدين منها مباشرة إن كانت من عملة الدين نفسها ،وإن كانت عملة أخرى أمكن صرفها
وسداد الدين منها .
3ـ رهن الشيك املصدق من املصرف الصادر منه ؛ ألنه ميكن استيفاء الدين من النقد املذكور فيه .
وما ال يصح بيعه ال يصح رهنه ؛ كالبيت املوقوف ،وكالكلب ووحومها مما ال يصح رهنه ؛ لعدم حصول مقصود
الرهن منه ( وهو البيع ) .ومن األمثلة املعاصرة على ما ال يصح رهنه ألنه ال يصح بيعه :رهن البطاقات الشخصية
كبطاقة األحوال ،ودفرت العائلة ،وجواز السفر ،ووحو ذلك .
النوع الثاين :ما ليس مبركوب وال حملوب كالعبد واألمة ،فهذا النوع ال جيوز للمرهتن أن ينتفع به إال أن يأذن له مالكه
بذلك ،فإذا أذن له مالكه أن ينفق عليه وينتفع به يف مقابلة ذلك جاز ؛ ألنه نوع معاوضة .وإال فال .
القسم الثاني :ما ال حيتاج إىل مؤنة .كالدار واألرض ووحوها .وهذا القسم ال جيوز للمرهتن أن ينتفع به إال بإذن الراهن
أيضا إال إن كان الرهن بدين قرض فحينئذ ال جيوز للمقرض أن ينتفع به كما سبق ؛ لئال يكون قرضا جر نفعا ،فيكون
من الربا .
املرهتن ،فله فسخه ؛ ألن احلظ فيه له وحده .ولكن هل يلزم مبجرد العقد ،أم بالقبض ؟ اختلف العلماء في ذلك على
قولين :
القول األول :ال يلزم الرهن إال بالقبض ،فيشرتط للزومه القبض .وهذا قول اجلمهور .واستدلوا بظاهر اآلية يف قوله
تعاىل ( :فرهان مقبوضة ) ؛ فقد اشرتط تعاىل للرهان أن تكون مقبوضة .
القول الثاني :أنه ال يشرتط للزوم الرهن القبض ،بل يلزم مبجرد العقد .وهذا مذهب املالكية .واستدلوا مبا يأيت :
1ـ أن الرهن عقد ،والعقد يلزم مبجرد التعاقد ،واهلل تعاىل يقول ( :يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) .
2ـ القياس على البيع ؛ فكما أن البيع يلزم مبجرد العقد والتفرق من اجمللس ولو مل يقبض املشرتي السلعة فكذلك الرهن .
وهذا القول هو الراجح ،وهو اختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية ،وهو الذي عليه أكثر احملققني من أهل العلم .
المسألة الثانية :بم يحصل قبض العين المرهونة ؟
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
2ـ مناء الرهن املتصل ،كالسمن ،وتعلم الصنعة .ومناؤه املنفصل ؛ كالولد ،والثمرة ،والصوف ،وكسبه ؛ كل ذلك ملك
للراهن ،ويلحق بالرهن ،فيكون رهنا معه ،ويباع معه لوفاء الدين .وكذا سائر غالته ؛ ألهنا تابعة له .وكذا لو جين عليه
؛ فأرش اجلناية يلحق بالرهن أيضا ؛ ألنه بدل جزء منه .
3ـ لو تلف الرهن بال تعد من املرهتن وال تفريط فهو من ضمان الراهن ؛ ألنه ملكه ،فإذا تلف تلف على ملكه .
المسألة الرابعة :إذا حل الدين الذي به رهن وجب على المدين تسديده كالدين الذي ال رهن به ؛ ألن هذا مقتضى
العقد بينهما ؛ قال اهلل تعاىل ( :فليؤد الذي اؤمتن أمانته ،وليتق اهلل ربه وال يبخس منه شيئا ) .فإن امتنع عن الوفاء
صار مماطال .وحينئذ جيربه احلاكم على وفاء الدين .فإن امتنع حبسه ،وعزره حىت يويف ما عليه من الدين من عنده ،أو
يبيع املرهون ،ويسدد من قيمته .فإن امتنع فإن احلاكم يبيع املرهون ،ويويف الدين من مثنه ؛ ألنه حق وجب على املدين ،
فقام احلاكم مقامه عند امتناعه .وألن املرهون وثيقة بالدين لكي يباع عند حلوله .
وإن فضل من مثن املرهون شيء زائد عن الدين فهو للراهن ،يرد عليه ؛ ألنه ماله .وإن بقي من الدين شيء مل
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
يغطه مثن املرهون فهو يف ذمة الراهن جيب عليه تسديده .
المسألة الخامسة :صور الرهن العقاري :
الصورة األولى :أن ميول شخص ،أو جهة ،أو مؤسسة مالية ؛ أحد العمالء على أن يرهتن عقارا إىل أن يسدد ما عليه
يف املدة املتفق عليها بني الطرفني ،فإذا مل يسدد العميل فإن للجهة املمولة احلق يف بيع املرهون واستيفاء ما هلا من مثن
العقار .
وهذه الصورة جائزة ؛ ألنها جارية على أصول الرهن المشروعة والمتفق عليها بين العلماء .
الصورة الثانية :أن تقرض جهة مالية أحد األشخاص ماال لشراء عقار ،وترهتن هذا العقار حىت يتم تسديد العميل ما
لتلك اجلهة عليه من حق .
وهذه الصورة جائزة على الراجح ؛ ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم استقرض من يهودي شعريا ،ورهنه درعه ـ
كما تقدم ـ .وألن ما جاز فعله جاز شرطه .
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
الصورة الثالثة :أن متتلك اجلهة املمولة عقارا تستثمره بالبيع على عمالئها بثمن مؤجل على أن ترهتن العقار املباع إىل أن
يسدد املشرتي كامل القيمة .
وقد اختلف أهل العلم في هذه الصورة على قولين :
القول األول :أنه ال يصح .واستدلوا بأنه حني الرهن هنا ال يكون املبيع ملكا للراهن ،فالبيع يقتضي تسليم املبيع أوال ،
ورهن املبيع يقتضي أال يسلمه حىت يقبض الثمن .
القول الثاني :أن الرهن صحيح يف هذه الصورة .واستدلوا بأنه إمنا شرط رهن املبيع هنا بعد ملك الراهن له .وهذا القول
هو الراجح .
المسألة السادسة :الرهن الحيازي :
املقصود بالرهن احليازي هو الرهن الذي يكون فيه املرهون حتت يد املرهتن .واملقصود بالرهن الرمسي هو الذي ال
يكون فيه املرهون مقبوضا بيد املرهتن ،بل يسجل يف األوراق الرمسية فقط حبيث يدون فيها ما يفيد بأن العني الفالنية
43 إيميل الدكتور dr.m.alkhodair@Gmail.com
فقه المعامالت المالية ( فقه )211ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث
مرهونة ؛ مثل أن خيتم على استمارة السيارة أو صك البيت واألرض مثال بأهنا مرهونة .وهذا النوع من الرهون الزم حىت
على قول اجلمهور ؛ ألن اخلتم الرمسي يف قوة احليازة العينية ؛ ألن املرجع يف القبض للعرف كما تقدم ،والعرف جار اليوم
على أن التوثيق باخلتم هو كالتوثيق باحليازة ؛ ألن البيت املختوم على صكه ال ميكن التصرف فيه حبال بدون إذن املرهتن .
ب ـ الضمان
أوال :تعريف الضمان
1ـ تعريفه لغة :مأخوذ من الضمن ؛ ألن ذمة الضامن صارت يف ضمن ذمة املضمون عنه .
وقيل :مشتق من التضمن ؛ ألن ذمة الضامن تتضمن احلق املضمون .
وقيل :مشتق من الضم ؛ لضم ذمة الضامن إىل ذمة املضمون عنه يف التزام احلق ،فيثبت احلق يف ذمتيهما مجيعا
.
2ـ تعريفه اصطالحا :هو التزام ال شخص ما وجب على غريه ،مع بقائه على املضمون عنه .والتزام ما قد جيب أيضا ؛
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
فمن الكتاب قول اهلل تعاىل ( :وملن جاء به محل بعري ،وأنا به زعيم ) .أي :ضامن .
ومن السنة ما روى أبو داود والرتمذي مرفوعا ( :الزعيم غارم ) .أي :ضامن .
وقد أمجع العلماء على جواز الضمان يف اجلملة .
رابعا :الحكمة من مشروعيته
املصلحة تقتضيه ،بل قد تدعو احلاجة ،والضرورة إليه .وهو من عقود التوثيقات ؛ فبه يتمكن املضمون عنه
حني ال يكون بيده نقد حاضر من احلصول على ما حيتاجه ؛ سواء باالقرتاض ،أو الشراء باآلجل حني يقدم ضامنا
للمقرض أو البائع يلتزم له بأداء احلق .ويف الوقت نفسه يطمئن البائع واملقرض على رجوع حقه إليه ،فال ميتنع من
اإلقراض أوالبيع باألجل .وحينئذ يتيسر اإلقراض ،ويتسع باب التعامل باآلجل .
1ـ لصاحب احلق ( املضمون له ) أن يطالب من شاء من الضامن ،أواملضمون عنه ؛ ألن حقه ثابت يف ذمتيهما ،فملك
مطالب ة من شاء منهما .وهذا قول اجلمهور .وذهب بعض العلماء إىل أنه ال جيوز له مطالبة الضامن إال إذا تعذرت عليه
مطالبة املضمون عنه ؛ ألن الضامن فرع ،وال يصار إليه إال إذا تعذر األصل ؛ ألن الضامن توثقة للحق ؛ كاملرهون ال
يستوىف منه احلق إال عند تعذر االستيفاء من الراهن .وألن مطالبة الضامن مع وجود املضمون عنه ويساره فيها استقباح
من الناس ؛ ألن املعهود عندهم أنه ال يطالب الضامن إال عند تعذر مطالبة املضمون عنه ،أو عجزه عن التسديد .
2ـ ذمة الضامن ال تربأ إال إذا برئت ذمة املضمون عنه من الدين بإبراء أو قضاء ؛ ألن ذمة الضامن فرع عن ذمة املضمون
عنه ،وتبع هلا .وألن الضمان وثيقة ؛ فإذا برىء األصل زالت الوثيقة .
3ـ جيوز تعدد الضامنني ؛ فيجوز أن يضمن احلق اثنان فأكثر ،سواء ضمن كل واحد منهما مجيع احلق ،أو جزءا منه .
وال يربأ أحد منهم إال برباءة اآلخر ،ويربؤون مجيعا برباءة املضمون عنه .
4ـ ال يشرتط يف صحة الضمان معرفة الضامن للمضمون عنه ،فيصح ولو جهله كأن يقول :من استدان منك فأنا ضمني
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
.وال يشرتط أيضا معرفة الضامن للمضمون له ؛ وذلك ألنه ال يشرتط رضا املضمون عنه ،وال املضمون له .ومن مث فال
تشرتط معرفتهما .
5ـ يصح ضمان اجملهول إذا كان يؤول إىل العلم ؛ لقول اهلل تعاىل ( :وملن جاء به محل بعري ،وأنا به زعيم ) .فحمل
البعري جمهول لكنه يؤول إىل العلم .
ثامنا :الضمان البنكي
هو إجراء تقوم به البنوك من خالل خطاب ضمان يعده البنك ملصلحة عميل حيتاج إليه عند الدخول يف
مناقصات لل قيام بأعمال معينة ؛ كتنفيذ املشاريع ،أو تأمني بعض املستلزمات ،أو استريادها .حيث تقوم اجلهة اليت
ترغب من شخص أو من مؤسسة أو من شركة تقدمت للدخول يف مناقصة لدى تلك اجلهة بطلب ضمان بنكي هو مبثابة
التأمني يف حالة التخلف عن إجناز تلك األعمال .ولكي يكون ضمانا ،وبرهانا على جدية ذلك املتقدم للدخول يف
املناقصة .ومن أجل أن ال يتورط من يريد الدخول يف تلك املناقصة يف خسائر كبرية .وخطاب الضمان إمنا تصدره البنوك
45 إيميل الدكتور dr.m.alkhodair@Gmail.com
فقه المعامالت المالية ( فقه )211ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث
،وال تصدره إال بشروط ،وضوابط ،ومواصفات معينة .وميكن تعريفه بأنه ( :تعهد أمام جهة معينة بضمان دفع مبلغ
من النقود لقاء قيام العميل بالدخول يف مناقصة ،أو تنفيذ مشروع من قيمة العملية اليت تستقر على عهدة العميل ) .
أنواع خطابات الضمان :
أوال :خطاب الضمان االبتدائي .وهذا يكون مقابل الدخول يف مناقصات أو مشاريع ،ويكون مبلغ الضمان مساويا لـ
%1من قيمة املن اقصة أو أكثر ،وساري املفعول ملدة معينة .وعادة تكون املدة ثالثة أشهر .وخطاب الضمان هذا
يقدمه العميل للمستفيد ،سواء كان جهة حكومية أم غريها ليسوغ له الدخول يف املناقصة مثال .فهو مبثابة تأمني ابتدائي
يعطي املستفيد اطمئنانا على قدرة العميل على الدخول يف املناقصة .وال يلغى هذا اخلطاب إال بإعادته بصفة رمسية من
اجلهة املقدم إليها ( أي املستفيد ) .
ثانيا :خطاب الضمان النهائي .وهذا يكون مقابل حسن التنفيذ ،وسالمة األداء يف عملية مناقصة أو مشروع ووحو
ذلك ،يكون مبلغه بنسبة %5من قيمة املشروع أو املناقصة ،وهو مقيد مبدة حمددة كسنة مثال قابلة للزيادة .وخطاب
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
الضمان هذا يقدمه العميل للمستفيد ـ جهة حكومية أو غريها ـ ؛ ليتمكن املستفيد من االستيفاء منه عند ختلف العميل
عن الوفاء مبا التزم به .فهو مبثابة تأمني هنائي عند احلاجة إليه .وال يكون إلغاؤه إال خبطاب رمسي من اجلهة املقدم إليها (
أي املستفيد ) .
ثالثا :خطاب الضمان مقابل غطاء كامل لنفقات المشروع أو المناقصة .أي مقابل سلفة يقدمها العميل إىل البنك
على حساب املشروع مثال لصاحل الطرف املستفيد .والغاية منه هي كالغاية من سابقه وهو اخلطاب النهائي .
رابعا :خطاب الضمان ( :ضمان المستندات ) .وهو خطاب يقدمه البنك لصاحل شركات الشحن ،أو وكاالت
البواخر يف حالة وصول البضاعة املستوردة إىل امليناء احملدد ،وتأخر وصول مستندات الشحن اخلاصة بالبضاعة إىل ذلك
البنك الذي جرى االسترياد عن طريقه .فخشية أن يلحق بالبضاعة تلف من جراء تأخر بقائها يف مجرك امليناء يكون
الضمان املذكور تعهدا من البنك بتسليم مستندات الشحن اخلاصة بالبضاعة إىل وكالء البواخر فور وصوهلا .واستنادا إىل
هذا الضمان يتم فسح البضاعة للمستورد .
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
وإلصدار مثل هذا الضمان يقدم العميل املستورد طلبا بذلك إىل البنك ،ويسدد قيمة اعتماد االسترياد بالكامل ( وهي
قيمة البضاعة املستوردة ) .ومن مث يصدر البنك خطاب الضمان ويسلمه إىل العميل ،فيقوم العميل بتسليمه إىل وكالء
الباخرة املعنيني .
حكم خطاب الضمان :
فيه تفصيل :فإن كان بغطاء ( أي أن املال موجود لدى املصرف ) فهو جائز ؛ ألنه وكالة ،والوكالة تصح بأجرة
وبدون أجرة .أما إن مل يكن بغطاء فال جيوز ؛ ألنه ضمان ،وال جيوز أخذ األجرة على الضمان حيث إنه يؤدي إىل أن
يكون قرضا جر نفعا كما سبق بيانه .أما املصاريف اإلدارية إلصدار خطاب الضمان بنوعيه فجائزة شرعا ،لكن ينبغي
عدم املغاالة فيها ،وعدم جتاوزها املقدار العادل املناسب .
قصاص ؛ ألنه ال ميكن استيفاؤه من غري اجلاين ،وال جيوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار املكفول .
خامسا :الفرق بين الكفالة والضمان
الفرق بينهما أن الضمان متعلق باملال ،والكفالة متعلقة بالبدن .
سادسا :شروط صحة الكفالة
1ـ كون الكفيل جائز التصرف ( أي حرا ،مكلفا ،رشيدا ) .
2ـ رضا الكفيل ؛ ألنه ال يلزمه احلق ابتداء إال برضاه .
أما رضا املكفول فقد اختلف الفقهاء يف اشرتاطه ؛ فمنهم من قال :يشرتط رضاه .ومنهم من قال :ال يشرتط .
والصحيح أنه يشترط رضاه لما يأتي :
1ـ أن املقصود من الكفالة إحضار املكفول ،وحينئذ فالبد من رضاه بذلك .
2ـ أن الكفالة معروف وإحسان إىل املكفول ،فإذا كانت بغري رضاه مل تصبح معروفا وال إحسانا .
3ـ أن بعض الناس رمبا يفضل البقاء يف السجن على كفالة من يريد أن مين عليه بكفالته .
سابعا :ما يبرأ به الكفيل
يربأ الكفيل مبوت املكفول املتعذر إحضاره .ويربأ كذلك بتسليمه املكفول لرب احلق .كما يربأ أيضا بتسليم
املكفول نفسه لرب احلق يف حمل التسليم وأجله ؛ ألن املكفول قام مبا يلزم الكفيل .
ثامنا :مسائل على الكفالة
1ـ إذا تعذر إحضار املكفول مع حياته ،أو غاب ومضى زمن ميكن إحضاره فيه فإن الكفيل يضمن ما عليه من الدين ؛
لعموم قوله صلى اهلل عليه وسلم ( :الزعيم غارم ) .فتنقلب الكفالة إىل ضمان .وذلك ما مل يشرتط الكفيل الرباءة من
الدين عند تعذر إحضار املكفول ،فحينئذ ال يلزمه الضمان .
2ـ جيوز ضمان معرفة الشخص ؛ كما لو جاء إنسان ليستدين من إنسان ،فقال :أنا ال أعرفك ،فال أعطيك .فقال
شخص آخر :أنا أضمن لك معرفته ؛ أ ي أعرفك من هو ،وأين هو .فإنه يلزمه إحضاره إذا غاب ،وال يكفي أن يذكر
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
امسه ومكانه .فإن عجز عن إحضاره مع حياته ضمن ما عليه ؛ ألنه هو الذي دفع الدائن إىل أن يعطيه ماله بتكفله
ملعرفته ،فكأنه قال :ضمنت لك حضوره مىت أردت ،فصار ذلك كما لو قال :تكفلت لك ببدنه .
ب ـ الحوالة
أوال :تعريف الحوالة
1ـ تعريفها لغة :مشتقة من التحول ؛ ألهنا حتول الدين من ذمة إىل ذمة أخرى .
2ـ تعريفها اصطالحا :هي ( نقل دين من ذمة إىل ذمة أخرى ) .
ثانيا :مشروعية الحوالة
هي ثابتة بالسنة واإلمجاع .
فمن السنة قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع ) .متفق عليه .ويف لفظ ( :
من أحيل حبقه على مليء فليحتل ) .
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
ومن اإلمجاع حكى غري واحد من العلماء اإلمجاع على ثبوهتا .
ثالثا :الحكمة من مشروعيتها
احلوالة فيها إرفاق بني الناس ،ففيها تيسري سبل قضاء الديون ،وإبراء الذمم ؛ فبدال من بقاء العالقة ثالثية
وانشغال ذمتني بدينني تصري العالقة باحلوالة ثنائية ،وتربأ ذمة ،وتنشغل ذمة واحدة فقط بدين واحد فقط .
رابعا :شروط الحوالة
1ـ أن تكون على دين مستقر يف ذمة احملال عليه ؛ ألن مقتضاها إلزام احملال عليه بالدين ،وإذا كان هذا الدين غري مستقر
فهو عرضة للسقوط ،فال تثبت احلوالة عليه .وعلى هذا فال تصح احلوالة على مثن مبيع يف مدة اخليار .
2ـ اتفاق الدينني احملال به واحملال عليه ،أي متاثلهما يف اجلنس ،والوصف ،والوقت ،واملقدار .فالتماثل يف اجلنس
كاإلحالة بدراهم على دراهم .ومتاث لهما يف الوصف كدراهم مضروبة على دراهم مضروبة .ومتاثلهما يف الوقت أي يف
احللول ،والتأجيل .فلو كان أحد الدينني حاال ،واآلخر مؤجال .أو أحدمها حيل بعد شهر ،واآلخر بعد شهرين مل
48 إيميل الدكتور dr.m.alkhodair@Gmail.com
فقه المعامالت المالية ( فقه )211ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث
تصح احلوالة .ومتاثلهما يف املقدار كاحلوالة مبئة على مئة .فلو أحال مبئة على تسعني مل تصح احلوالة ؛ ألهنا عقد إرفاق
كالقرض ،فلو جاز التفاضل فيها خلرجت عن موضوعها ( وهو اإلرفاق ) إىل طلب الزيادة هبا .وهذا ال جيوز كما ال
جيوز يف القرض .لكن لو أحال ببعض ما عليه من الدين ،أو أحال على بعض ما له من الدين جاز ذلك ،ويبقى الزائد
حباله لصاحبه .
3ـ رضا احمليل ؛ ألن احلق عليه فال يلزمه أن يسدده عن طريق احلوالة ،فله قضاؤه مباشرة أو من طريق آخر .وال يشرتط
رضا احملال عليه .وال يشرتط أيضا رضا احملتال إذا أحيل على مليء غري مماطل ،بل جيرب على قبول احلوالة ؛ لقول النيب
صلى اهلل عليه وسلم ( :م طل الغين ظلم ،وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع ) .متفق عليه .أي ليقبل احلوالة .واملليء
هو القادر على الوفاء ،الذي ال يعرف باملماطلة .فإن كان احملال عليه غري مليء مل يلزم احملال قبول احلوالة عليه ؛ ملا يف
ذلك من الضرر عليه .
خامسا :أثر الحوالة
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
إذا صح ت احلوالة املستوفية لشروطها فإنه ينتقل هبا احلق من ذمة احمليل إىل ذمة احملال عليه ،وتربأ ذمة احمليل من
هذا احلق ؛ ألن مقتضاها حتويل احلق من ذمة إىل ذمة .وحينئذ فال يسوغ للمحال أن يرجع إىل احمليل ؛ ألن حقه انتقل
إىل ذمة غريه .
سادسا :الحوالة المصرفية المعاصرة
وتتكون من أربعة أركان ؛ وهي 1 :ـ احمليل ( وهو طالب احلوالة ) 2 .ـ احملال له ( وهو املستفيد ) 3 .ـ احملال به (
وهو املبلغ املايل ) 4 .ـ احملال عليه ( وهو املصرف الذي سيدفع املبلغ للمستفيد ) .
وهي على أنواع :
النوع األول :الحوالة المبرقة .وهي عبارة عن نقود يقوم املصرف بنقلها إىل مصرف آخر بناء على طلب العميل ،
سواء كان املصرفان يف بلد واحد ،أم أحدمها يف بلد واآلخر يف بلد آخر ،وهذا هو الغالب .وسواء متت هذه احلوالة
بربقية ،أم تلكس ،أم فاكس ،أم بالربيد اإللكرتوين ( اإلمييل ) .
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
الصورة األوىل :أن يكون التحويل بنفس العملة ؛ حبيث يقدم العميل للمصرف رياالت سعودية مثال ويطلب حتويلها
ملصرف آخر رياالت سعودية كذلك .ويشرتط هنا التساوي ،والتقابض .وهذا الفعل جائز سواء كان التحويل جمانا ،أم
مبقابل يكون يف حدود األجر الفعلي العادل .وحني يكون جمانا فهو سفتجة ؛ وهي إعطاء شخص ماال آلخر ليسدده
اآلخر للمعطي ،أو لوكيله يف بلد آخر .أما حني يكون مبقابل فهو وكالة بأجر .
الصورة الثانية :أن يكون التحويل بعملة مغايرة ؛ حبيث يقدم العميل للمصرف رياالت سعودية مثال ويطلب حتويلها
ملصرف آخر دوالرات أمريكية .وهذا يكون مركبا من حوالة وصرف ( وهو بيع عملة بعملة أخرى ) .ويشرتط هنا شرط
واحد وهو التقابض ؛ فتجري عملية الصرف قبل التحويل حبيث يسلم العميل للمصرف املبلغ املراد حتويله وهو الرياالت
مثال ،ويقوم املصرف بتقييد مقداره يف دفاتره بعد الصرف بعد االتفاق على سعر الصرف ،وإثباته يف املستند املسلم
للعميل .وقد أفىت جممع الفقه اإلسالمي بأن القبض املشروط يف الصرف حيصل بالتقييد يف احلساب ،أو من خالل السند
.ويشرتط هنا أن تكون العملة اليت يصرف إليها من العمالت املوجودة عند املصرف املصدر للحوالة .
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
النوع الثاني :الشيكات المصرفية .وهي أوامر بالدفع صادرة من املصرف احمليل إىل املصرف احملال عليه .بناء على
طلب العميل .فإذا أراد العميل أن حيول نقودا إىل بلد آخر فإنه يعطي املصرف النقود ،ويطلب شيكا .فيقوم املصرف
باملصارفة ،ويعطيه شيكا باملبلغ .وقد تتحد العملة هنا ،وقد تكون خمتلفة .فريد هنا ما سبق بيانه وذكر شروطه يف
الصورتني املذكورتني يف النوع األول وهي احلوالة املربقة .
النوع الثالث :الشيك .وهو أداة وفاء ،حيرر وفقا لشكل معني ،يتضمن أمرا من حمرره إىل املصرف املسحوب منه بدفع
مبلغ معني للمستفيد .وهذا حوالة .
وهذا الشيك على نوعين :
األول :الشيك الشخصي .ويكون حمرره فردا .
الثاين :ال شيك املصدق .ويكون حمرره مصرفا .وهو أقوى من الشيك الشخصي ؛ ألن املبلغ املدون فيه حمجوز لدى
املصرف ،خبالف الشيك الشخصي ؛ فقد ال يكون له رصيد يفي بقيمته .وهلذا فالشيك املصريف له حكم النقد ،وقبضه
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
يف قوة قبض حمتواه من النقود ؛ ألن له قوة وقبوال بني التجار كالنقود ،فيجوز استعماله فيما جيب فيه القبض شرعا ،
كشراء الذهب والعمالت مع مراعاة قواعد الصرف اليت تقدمت يف الصرف .وأما الشيك الشخصي فإن كان له محاية من
النظام فهو كالشيك املصريف ،وإال مل يصح استعماله فيما جيب فيه القبض شرعا .
( واغد يا أنيس إىل امرأة هذا ،فإن اعرتفت وتصح الوكالة يف إثبات احلدود ،واستيفائها ؛ لقوله ص لى اهلل عليه وسلم :
فارمجها ) .متفق عليه .
ثامنا :حكم أخذ األجرة على الوكالة
أخذ األجرة على الوكالة جائز وال بأس فيه ؛ ألهنا عمل مباح .وألن األصل أن ما جاز فعله جاز أخذ األجرة عليه .
تاسعا :ما يتعلق بالموكل والوكيل من التصرفات
يتعلق باملوكل حقوق العقد من تسليم الثمن ،وقبض املبيع ،والرد بالعيب ،وضمان الدرك ( أي ضمان الثمن
إذا ظهر املبيع مستحقا لغري البائع ) .والوكيل يف البيع يسلم املبيع ،وال يستلم الثمن بغري إذن املوكل ،أو قرينة تدل على
إذنه ؛ كما ل و باعه يف حمل يضيع فيه الثمن لو مل يقبضه .والوكيل يف الشراء يسلم الثمن ؛ ألنه من تتمة الشراء وحقوقه .
والوكيل يف اخلصومة ال يقبض ،وأما الوكيل يف القبض فإنه خياصم ؛ ألنه ال يتوصل إىل القبض إال باخلصومة .
عاشرا :ما يلزم الوكيل ضمانه ،وما ال يلزمه
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
الوكيل أمني ال يضمن ما تلف بيده من غري تفريط ،وال تعد .فإن فرط ،أو تعدى ،أوطلب منه املال فامتنع من دفعه
لغري عذر فتلف ضمن .
ويتفرع على كون الوكيل أمينا أنه يقبل قوله فيما وكل فيه من بيع ،وإجارة ؛ أنه قبض الثمن ،واألجرة ،وتلفا بيده .وأنه
يقبل قوله يف قدر الثمن ،واألجرة .
حادي عشر :مبطالت الوكالة
تبطل الوكالة بفسخ أحدمها للوكالة ،أو موته ،أو جنونه املطبق ؛ ألن الوكالة تعتمد احلياة والعقل ،فإذا انتفيا
انتفت صحتها .وتبطل بعزل املوكل للوكيل .وتبطل باحلجر على السفيه منهما وكيال كان ،أم موكال ؛ لزوال أهلية
التصرف عنه باحلجر للسفه .
4ـ من وكل يف بيع أو شراء مل يبع ومل يشرت من نفسه ؛ ألن العرف يف البيع أن الرجل يبيع على غريه ،وألنه تلحقه هتمة
باحملاباة إذا باع أو اشرتى من نفسه .وكذا ال يصح بيعه وشراؤه من ولده ووالده وزوجته وسائر من ال تقبل شهادته له ؛
ألنه متهم يف حقهم كتهمته يف حق نفسه .
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
القسم الثاني :إجارة على أداء عمل معلوم ؛ كأن حيمله إىل موضع كذا ،أو يبين له جدارا .
ثالثا :حكم اإلجارة
هي جائزة بالكتاب ،والسنة ،واإلمجاع .
فمن الكتاب قول اهلل تعاىل ( :فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن )وقال سبحانه ( :قال لو شئت الختذت عليه أجرا )
ومن السنة ما روى البخاري عن عائشة رضي اهلل عنها يف حديث اهلجرة ( :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم استأجر هو
وأبو بكر رضي اهلل عنه عبد اهلل ابن أريقط الليثي .وكان هاديا خريتا ) .وذلك ليدهلما على الطريق يف سفرمها للهجرة .
وقد حكى ابن املنذر اإلمجاع على جواز اإلجارة .
رابعا :الحكمة من مشروعيتها
احلاجة تدعو إليها ؛ فحاجة اإلنسان للمنافع كحاجته إىل األعيان ،وليس كل ما حيتاجه اإلنسان من مركب
ومسكن ودكان ووحو ذلك يتمكن من شرائه ؛ فقد ال توجد لديه القدرة املالية على الشراء ،أو قد ال يكون راغبا يف شراء
تلك العني ،وإمنا يرغب يف االنتفاع هبا فرتة حمددة ولغرض عابر ؛ كما يف استئجار السيارات حال السفر ،واستئجار
املساكن فرتة السفر كالفنادق والشقق ،واستئجار اال سرتاحات لعمل املناسبات ووحو ذلك .فجعل له الشرع طريقا آخر
وهو اإلجارة ؛ كي يصل إىل حتقيق أغراضه ،وتلبية متطلباته بعوض يقدر عليه .ومن ناحية أخرى ال يكون قد تورط
بشراء عني ال يرغب يف شرائها ومتلكها على الدوام .
خامسا :نوع عقد اإلجارة
اإلجارة عقد الزم يف حق كال الطرفني ( املؤجر ،واملستأجر ) ؛ ألهنا نوع من البيع ،فأعطيت حكمه .وعلى هذا فليس
ألحد من الطرفني فسخها إال برضى اآلخر إال إذا ظهر عيب مل يعلم به املستأجر حال العقد ؛ فله الفسخ .
سادسا :شروط صحة اإلجارة
1ـ أن يكون العقد على املنفعة ،ال على العني .
2ـ أن تكون املنفعة املعقود عليها مباحة .
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
مالك السيارة آلخر :أجرتك هذه السيارة بألف لاير كل شهر ملدة مخس سنوات ،على أنك إذا وفيت هبذه األقساط يف
السنوات اخلمس كانت السيارة ملكا لك مقابل جمموع املبلغ الذي شكلته تلك األقساط .ويقول اآلخر :قبلت .ففي
هذه الصورة يتضح لنا أن العقد يف بدايته إجارة ،ويف هنايته بيع .
ويرد على هذه الصورة املآخذ اآلتية :
1ـ أن من أركان البيع الثمن .وهنا ال يوجد مثن وقت متام البيع وهي هناية مدة اإلجارة ؛ ألن ما مت دفعه كان أجرة .
2ـ أن األجرة املقدرة للسلعة يف املدة احملددة ليست أجرة عادلة ؛ فقد أخذ يف احلسبان أهنا هي مثن السلعة ،مع إضافة ما
قد يكون من ربح متفق عليه .
3ـ أن إرادة املتعاقدين متجهة إىل بيع هذه السلعة ،وليس إجارهتا .وقد دفعهما إىل جعل العقد هبذه الصورة خوف املؤجر
ـ الذي أصبح بائعا ـ من عدم احلصول على مثن السلعة إذا كان الثمن مؤجال ،وأن املشرتي يرغب يف اقتناء هذه السلعة
واالنتفاع هبا مع عدم وجود إمكانات لديه لشرائها بالنقد ،فصاغ الطرفان العقد هبذه الصيغة .
55 إيميل الدكتور dr.m.alkhodair@Gmail.com
فقه المعامالت المالية ( فقه )211ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث
ففي الصورة السابقة كانت سنوات دفع األقساط هي فرتة عقد اإلجارة وعقد البيع أيضا .وبني العقدين تعارض .ومن
تعارضهما :أن الضمان يف عقد اإلجارة على املالك املؤجر ،ويف عقد البيع على املشرتي .
وذكر المجمع في قراره أن ضوابط جواز هذه الصورة هي كاآلتي :
1ـ وجود عقدين منفصلني يستقل كل منهما عن اآلخر زمانا ؛ حبيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد اإلجارة ،أو وجود
وعد بالتمليك يف هناية مدة اإلجارة .
2ـ أن تكون اإلجارة فعلية ،وليست ستارا للبيع .
3ـ أن يكون ضمان العني املؤجرة ،ونفقات الصيانة التشغيلية ،ومصاريف التأمني على املالك ،ال على املستأجر .
4ـ أن تطبق على عقد اإلجارة املنتهية بالتمليك أحكام اإلجارة طوال مدة اإلجارة ،وأحكام البيع عند متلك العني .
الحلول البديلة :
1ـ أن يكون بيعا بالتقسيط يشرتط فيه البائع على املشرتي عدم التصرف يف املبيع مبا ينقل امللك عنه ـ معاوضة ،أو تربعا ـ
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
القسم الثاني :أجير مشترك .وهو من قدر نفعه بالعمل ،وال خيتص به واحد بعينه ،بل يتقبل أعماال جلماعة يف وقت
واحد ؛ كاحلالق ،واخلياط .
واألجري اخلاص ال يضمن ما جنت يده خطأ ؛ كما لو انكسرت اآللة اليت يعمل هبا ؛ ألنه نائب عن املالك ،فلم يضمن
كالوكيل .وإن تعدى أو فرط ضمن ما تلف .وأما األجري املشرتك فإنه يضمن ما تلف بفعله ؛ ألنه ال يستحق أجرا إال
بالعمل ؛ فعمله مضمون عليه ،وما تولد عن املضمون فهو مضمون .
2ـ من استؤجر لعمل شيء فمرض أقيم من ماله من يعمله نيابة عنه إال إذا اشرتطت مباشرته للعمل بنفسه ؛ ألن املقصود
قد ال حيصل بعمل غريه ،فال يلزم حينئذ املستأجر قبول عمل غريه .لكن خيري املستأجر بني الصرب واالنتظار حىت يربأ
األجري ،وبني الفسخ ؛ لتعذر وصوله إىل حقه .
3ـ ال جيوز تأجري الدور والدكاكني ووحوها للمعاصي كبيع اخلمر وغريها من املواد احملرمة ؛ ألن ذلك إعانة على املعصية .
4ـ ال تصح اإلجارة على أعمال العبادة والقربة ؛ كاحلج ،واألذان ؛ ألن هذه األعمال يتقرب هبا إىل اهلل .وأخذ األجرة
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
عليها خيرجها عن ذلك .وجيوز أخذ رزق من بيت املال على األعمال اليت يتعدى نفعها ؛ كاحلج ،واألذان ،واإلمامة ،
وتعليم القرآن والفقه ،والقضاء ،والفتيا ؛ ألن ذلك ليس معاوضة ،وإمنا هو إعانة على الطاعة .وال خيرجه ذلك عن
كونه قربة .وال خيل باإلخالص .
5ـ جيوز للمستأجر أن يؤجر ما استأجره آلخر يقوم مقامه يف استيفاء املنفعة ؛ ألهنا مملوكة له ،فجاز له أن يستوفيها
بنفسه وبنائبه .لكن بشرط أن يكون املستأجر الثاين مثل املستأجر األول يف استيفاء املنفعة ،أو دونه ،ال أكثر منه ضررا
؛ كما لو استأجر دارا للسكىن جاز أن يؤجرها لغريه للسكىن أو دوهنا ،وال جيوز أن يؤجرها ملن جيعل فيها مصنعا أو
معمال .
6ـ يلزم املؤجر أن يسلم العني املؤجرة للمستأجر ،ويبذل كل ما يتمكن به املستأجر من االنتفاع بالعني املؤجرة كإصالح
السيارة املؤجرة ،وهت يئتها للحمل والسري ،وعمارة الدار املؤجرة ،وإصالح ما فسد من عمارهتا ،وهتيئة مرافقها لالنتفاع .
فإن أجره شيئا ومنعه من االنتفاع به كل املدة أو بعضها فال شيء له من األجرة ؛ ألنه مل يسلم له ما تناوله عقد اإلجارة
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
فلم يستحق شيئا .وإذا مكن املؤجر املستأجر من االنتفاع بالعني املؤجرة فإنه يستحق مجيع األجرة ،سواء استوىف
املستأجر املنفعة كل املدة أو بعضها ،أم تركها تذهب سدى ؛ ألن اإلجارة عقد الزم ،فرتتب مقتضاها ،وهو ملك
املؤجر األجر ،وملك املستأجر للمنافع .
7ـ أجرة األجري جتب بالعقد ،وال ميلك املطالبة هبا إال بعد ما يسلم العمل الذي يف ذمته ،أو استيفاء املنفعة ،أو تسليم
العني املؤجرة ومضي املدة مع عدم املانع ؛ ألن األجري إمنا يوىف أجره إذا قضى عمله ،وألن األجرة عوض فال تستحق إال
بتسليم املعوض .
تاسعا :ما ينفسخ به عقد اإلجارة ينفسخ عقد اإلجارة بأمور :
أوال :إذا تلفت العني املؤجرة ،كما لو أجره دابة فماتت ،أو استأجر دارا فاهندمت ،أو اكرتى أرضا لزرع فانقطع ماؤها.
ثانيا :تنفسخ اإلجارة أيضا بزوال الغرض الذي عقدت من أجله ؛ كما لو استأجر طبيبا ليداويه فربىء ؛ لتعذر استيفاء
املعقود عليه .
57 إيميل الدكتور dr.m.alkhodair@Gmail.com
فقه المعامالت المالية ( فقه )211ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث
3ـ من غصب كلبا يجوز اقتناؤه ككلب صيد وماشية ،أو غصب مخر ذمي مستورة وجب عليه ردمها ؛ ألن الكلب
جيوز االنتفاع به واقتناؤه ،ومخر الذمي يقر على شرهبا ،وهي مال عنده ،فلزم ردها .وإن أتلف شيئا منهما ( الكلب
املباح اقتناؤه ،ومخر الذمي ) فهدر غري مضمونة باإلتالف ؛ ألنه ليس هلا عوض شرعي ،وغري متقومة ؛ ألنه ال جيوز
بيعها ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :إن اهلل ورسوله حرم بيع اخلمر ،وامليتة ،واخلنزير ،واألصنام ) .
4ـ من غصب شيئا ،وجهل صاحبه ،ولم يتمكن من رده إليه ،سلمه إلى الحاكم ،أو تصدق به عن صاحبه .وإذا
تصدق به عن صاحبه صار ثوابه لصاحبه ،وختلص منه الغاصب .
5ـ اغتصاب األموال ليس مقصورا على االستيالء عليها بالقوة .بل يشمل ذلك االستيالء عليها بطريق اخلصومة
الباطلة ،واألميان الفاجرة .قال اهلل تعاىل ( :وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ،وتدلوا هبا إىل احلكام ؛ لتأكلوا فريقا من
أموال الناس باإلمث وأنتم تعلمون ) .
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
والصاحب يشفع إليه فيما باعه ،فيش ّفعه ،وجيعله أوىل رجل به .فسميت هذه شفعة ،ومسي طالبها شافعا .
ثانيا :حكم الشفعة
الشفعة ثابتة بالسنة الصحيحة ،واإلمجاع ؛ فقد روى أمحد والبخاري عن جابر رضي اهلل عنه ( :أن النيب صلى اهلل عليه
وسلم قضى بالشفعة يف كل ما مل يقسم .فإذا وقعت احلدود ،وصرفت الطرق ،فال شفعة ) .فدل احلديث على إثبات
الشفعة للشريك .وأهنا ال جتب إال يف األرض والعقار دون غريمها من العروض ،واألمتعة ،واحليوان ،ووحو ذلك .
وحكى ابن املنذر وغريه إمجاع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك فيما بيع من أرض ،أو دار ،أو حائط ،ووحوه مل
يقسم .
ثالثا :الحكمة من مشروعيتها
شرع اهلل الشفعة درءا للمفسدة الناشئة عن الشركة ،جاء يف كالم البن القيم ( :وملا كانت الشركة منشأ الضرر
يف الغالب رفع هذا الضرر بالقسمة تارة ،وبالشفعة تارة .فإذا أراد بيع نصيبه وأخذ عوضه كان شريكه أحق به من
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
األجنيب ،ويزول عنه ضرر الشركة ،وال يتضرر البائع ؛ ألنه يصل إىل حقه من الثمن .وكانت من أعظم العدل ،وأحسن
األحكام املطابقة للعقول والفطر ومصاحل العباد ) .
رابعا :شروطها
يشترط للشفعة ما يأتي :
1ـ أن تكون بعوض مايل .
2ـ أن يكون للشفيع ملك سابق .
3ـ أن يكون ملك الشفيع مشاعا .
4ـ أن يكون ملك الشفيع مما متكن قسمته .
5ـ أن يأخذ الشفيع مجيع املشفوع فيه ،ال بعضه .
6ـ أن يطالب الشفيع بالشفعة على الفور .
61 إيميل الدكتور dr.m.alkhodair@Gmail.com
فقه المعامالت المالية ( فقه )211ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث
خامسا :مسقطاتها
1ـ ترك طلب املواثبة يف الشفعة .أي التواين يف طلبها .
2ـ طلب الشفيع بعض العقار ،ال كله .
3ـ عجز الشفيع عن دفع الثمن ،أو دفع بعضه .
4ـ اإلبراء من الشفعة .
5ـ التنازل عن الشفعة مقابل تعويض مايل ،أو صلح .
6ـ موت الشفيع قبل طلب الشفعة مع القدرة عليها .
7ـ تصرف مشرتي الشقص الذي ثبتت فيه الشفعة بوقفه أو هبته أو رهنه أو التصدق به قبل طلب الشفيع .
سادسا :مسائل على الشفعة
1ـ يجب على المشتري أن يسلم الشقص المشفوع فيه إلى الشافع بالثمن الذي تراضيا عليه في حقيقة األمر .
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
2ـ ال يحل للشريك أن يبيع نصيبه حتى يؤذن شريكه ؛ ملا ورد عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ( :ال حيل له أن
يبيع حىت يؤذن شريكه ) .
3ـ اختلف الفقهاء في سقوط الشفعة بإسقاط صاحبها لها قبل البيع :فذهب اجلمهور إىل أهنا ال تسقط بذلك ،وال
يكون جمرد اإلذن بالبيع مبطال هلا .وذهب آخرون إىل أهنا تسقط بإسقاط صاحبها هلا قبل البيع .ونصر هذا القول ابن
القيم ؛ حيث قال ( :حرم على الشريك أن يبيع نصيبه حىت يؤذن شريكه ،فإن باع ومل يؤذنه فهو أحق به .وإن أذن يف
البيع ؛ وقال :ال غرض يل فيه ،مل يكن له الطلب بعد البيع .وهذا مقتضى حكم الشرع .وال معارض له بوجه .وهو
الصواب املقطوع به ) .
4ـ الشفعة حق شرعي للشريك يجب احترامه ،ويحرم التحيل إلسقاطه ؛ ألن الشفعة شرعت لدفع الضرر عن
الشريك ،فإذا حتيل إلسقاطها حلقه الضرر ،وكان تعديا على حقه املشروع .ومن احليل اليت تفعل إلسقاط الشفعة أن
يظهر الشريك أنه وهب نصيبه لشخص آخر ،وهو يف احلقيقة قد باعه عليه .ومنها أن يرفع الثمن يف الظاهر حىت يعجز
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
الشريك عن دفعه .قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ( :وما وجد من التصرفات ألجل االحتيال على إسقاط الشفعة فهو
باطل .وال تغري حقائق العقود بتغري العبارة ) .فاحليلة ال حتل احلرام ،وال حترم احلالل .وقد قال النيب صلى اهلل عليه
وسلم ( :ال ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا حمارم اهلل بأدىن احليل ) .
5ـ موضوع الشفعة هو األرض التي لم تجر قسمتها ،ويتبعها ما فيها من غراس ،وبناء .فأما إن جرت قسمة األرض
لكن بقي مرافق مشرتكة بني اجلريان كالطريق واملاء ووحو ذلك فقد اختلف العلماء يف بقاء الشفعة ؛ والصحيح بقاؤها ؛
وذلك ملفهوم قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :فإذا وقعت احلدود ،وصرفت الطرق فال شفعة ) ،فمفهومه أنه إذا
وقعت احلدود ومل تصرف الطرق فالشفعة باقية .قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ( :تثبت شفعة اجلوار مع الشركة يف حق من
حقوق امللك من طريق وماء ووحو ذلك .نص عليه أمحد ،واختاره ابن عقيل ،وأبو حممد ،وغريهم .
وقال احلارثي :هذا الذي يتعني املصري إليه .وفيه مجع بني األحاديث ؛ وذلك أن اجلوار ال يكون مقتضيا للشفعة إال مع
احتاد الطريق ووحوه ؛ ألن شرعية الشفعة لدفع الضرر ،والضرر إمنا حيصل يف األغلب مع املخالطة يف الشيء اململوك أو يف
طريق ووحوه)
6ـ يلزم الفورية في الشفعة ؛ فإمنا تثبت الشفعة للشريك مبطالبته هبا فور علمه بالبيع .فإن مل يطلبها وقت علمه بالبيع
سقطت .وإذا مل يعلم بالبيع فهو على شفعته ولو مضى عدة سنني .قال ابن هبرية ( :اتفقوا على أنه إذا كان غائبا فله
إذا قدم املطالبة بالشفعة)
7ـ تثبت الشفعة للشركاء على قدر ملكهم ؛ ألهنا حق يستفاد بسبب امللك فكانت على قدر األمالك .فإن تنازل
عنها أحد الشركاء أخذ الشريك اآلخر الكل ،أو ترك الكل ؛ ألن يف أخذ البعض إضرارا باملشرتي .والضرر ال يزال
بالضرر.
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
وقال جابر رضي اهلل عنه ( :مل يكن أحد من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ذو مقدرة إال وقف ) .
رابعا :الحكمة من مشروعيته
تظهر حكمة مشروعية الوقف من جوانب عديدة ؛ منها ما يأتي :
1ـ كونه صدقة جارية تبقى للواقف ،يصله ثواهبا .
2ـ امتداد نفع الوقف زمنا طويال ؛ خاصة وقف العقارات .
3ـ سعة مصارف الوقف ؛ فهي تشمل املصارف املستحبة كاملساجد ،واملباحة كالوقف على األوالد .
4ـ متكني الواقف من وضع شروطه اخلاصة اليت تليب ما يطمح له من نفع ،وحتقق نوعا من الضمانة الستمراره .
خامسا :الفرق بين الوقف والهبة
الفرق بني الوقف واهلبة أن الوقف ال جيوز للموقوف عليه بيع عينه ( أي رقبته ) ،وال التصدق هبا ،وال هبتها .
خبالف اهلبة ؛ فإنه جيوز للموهوب بيع العني املوهوبة ،والتربع هبا ،وهبتها .
تلفظ بواحد من هذه األلفاظ اشرتط اقرتان نية الوقف معه .أو أن يقرتن به أحد األلفاظ الصرحية ؛ مثل :تصدقت بكذا
صدقة موقوفة .أو يقرتن به الباقي من ألفاظ الكناية ؛ كأن يقول :تصدقت بكذا صدقة حمرمة أو مؤبدة .أو يقرتن لفظ
الكناية حبكم الوقف ؛ كأن يقول :تصدقت بكذا صدقة ال تباع وال تورث .
تاسعا :شروط صحة الوقف
يشترط لصحة الوقف ما يأتي :
1ـ أن يكون الواقف جائز التصرف ؛ بأن يكون بالغا ،عاقال ،حرا ،رشيدا .فال يصح الوقف من صغري ،وجمنون ،
وسفيه ،ومملوك .
2ـ أن يكون الموقوف مما ينتفع به انتفاعا مستمرا مع بقاء عينه .فال يصح وقف ما ال يبقى بعد االنتفاع به ؛
كالطعام ،والشمع .
3ـ أن يكون الموقوف معينا .فال يصح وقف غير المعين ؛ كما لو قال :وقفت بيتا من بيويت .
4ـ أن يكون الوقف على بر ؛ ألن املقصود به التقرب إىل اهلل تعاىل ؛ كاملساجد ،والقناطر ،واملساكني ،وكتب العلم ،
واألقارب .فال يصح الوقف على غري جهة بر ؛ كالوقف على معابد الكفار ،وكتب الزندقة ،والوقف على األضرحة
لتنويرها أو تبخريها ،أو على سدنتها ؛ ألن ذلك إعانة على املعصية والشرك .
5ـ إذا كان الوقف على معين فيشترط أن يكون ذلك المعين يملك ملكا ثابتا ؛ ألن الوقف متليك ،فال يصح على
من ال ميلك ؛ كامليت ،واحليوان .
6ـ أن يكون الوقف منجزا .فال يصح الوقف المؤقت ،وال المعلق ؛ إال إذا علقه على موته ،فيصح ذلك ؛ كأن
يقول :إذا مت فبييت وقف على الفقراء ؛ ملا روى أبو داود ( :أوصى عمر رضي اهلل عنه إن حدث به حدث فإن مسغا ـ
وهي أرض له ـ صدقة ) .واشتهر ذلك ،ومل ينكر ،فكان إمجاعا .لكن يكون الوقف املعلق على املوت من ثلث املال ؛
ألنه يكون يف حكم الوصية .
عاشرا :شروط الواقف
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
جيب العمل بشرط الواقف إذا كان ال خيالف الشرع ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :املسلمون على
شروطهم ،إال شرطا أحل حراما ،أو حرم حالال ) ،وألن عمر رضي اهلل عنه وقف وقفا وشرط فيه شرطا .وألنه لو مل
جي ب اتباع شرط الواقف مل يكن فيه فائدة .فإذا شرط منه مقدارا معينا .أو شرط تقدميا لبعض املستحقني على بعض ،
أو مجعهم .أو اشرتط اعتبار وصف يف املستحق ،أو اشرتط عدمه .أو شرط النظر على الوقف ،وغري ذلك ؛ لزم العمل
بشرطه ما مل خيالف الكتاب والسنة .فإن مل يشرتط شيئا استوى يف االستحقاق الغين والفقري ،والذكر واألنثى من
املوقوف عليهم .
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
فيه إمث .فيصح الوقف على ابن عمه الغين ،وعلى فالن النصراين .
ثاني عشر :الوالية على الوقف ( نظارة الوقف )
1ـ المراد بالوالية على الوقف :
هي السلطة اليت ختول من تثبت له احلق يف حفظ األعيان املوقوفة ،وإدارة شؤوهنا ،واستغالهلا ،وعمارهتا ،وصرف
غالهتا إىل املستحقني .ويسمى من تثبت له هذه السلطة :املتويل ،أو الناظر ،أو القيم .واملشهور اليوم من هذه
التسميات :إطالق اسم الناظر على من يتوىل شؤون الوقف .
وجعل الشارع الوالية على الوقف أم را الزما وحقا مقررا .وتثبت الوالية على الوقف للواقف ما دام حيا ،وملن يعينه
الواقف نيابة عنه .وبعد وفاة الواقف أو الناظر املعني تنتقل الوالية إىل القاضي ؛ ملا له من الوالية العامة ،فيويل على
الوقف من يباشر شؤونه بإشراف منه .
فإذا وقف الشخص وقفا فال خيلو األمر من حالني :
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
الحال األولى :أن يعني الواقف ناظرا للوقف .فهنا جيب العمل بشرطه وتعيينه فيجعل من مساه الواقف ناظرا .
الحال الثانية :أال يعني الواقف ناظرا ،أو يعني ناظرا فيموت .فهنا خيتلف األمر حبسب الوقف :فإن كان الوقف على
معني فيكون املوقوف عليه هو الناظر .وإن كان املوقوف عليه جهة كاملساجد فيكون احلاكم أو من يقوم مقامه هو الناظر
2ـ شروط الناظر :
يشترط في الناظر الشروط اآلتية :
1ـ اإلسالم .وذلك ألن النظارة على الوقف نوع والية ،وال والية لكافر على مسلم .
2ـ العقل .فال يصح أن يتوىل النظارة جمنون ؛ ألهنا والية وهو ليس أهال هلا لعدم أهليته ،وألنه مويل عليه فال يكون واليا
على غريه .
3ـ البلوغ .فال يصح تولية الصغري نظارة الوقف ؛ ألهنا والية وهو ليس أهال هلا ؛ لنقص أهليته .وألنه مويل عليه فال
يكون واليا على غريه .
4ـ العدالة .فال يصح تولية الفاسق نظارة الوقف ؛ ألنه ليس أهال لذلك ؛ لكونه غري مؤمتن .
5ـ الكفاية .وهي قدرة الناظر على التصرف فيما هو ناظر عليه مبا فيه املصلحة .
3ـ واجبات الناظر :
1ـ عمارة الوقف .وذلك بأن يقوم بأعمال الرتميم والصيانة ؛ حفظا لعني الوقف من اخلراب واهلالك .
2ـ تنفيذ شروط الواقف .فال جيوز خمالفة شروطه أو إمهاهلا ،فيجب االلتزام هبا إال يف أحوال خمصوصة كما إذا خالفت
الشرع .
3ـ الدفاع عن حقوق الوقف في المخاصمات القضائية ؛ رعاية هلذه احلقوق من الضياع
4ـ أداء ديون الوقف .وتتعلق هذه الديون بريع الوقف ال بعينه .وأداء هذه الديون مقدم على الصرف على املستحقني ؛
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
ولو قال :وقف على أبنائي ،أو :بين فالن ؛ اختص الوقف بذكورهم ؛ ألن لفظ البنني وضع لذلك حقيقة ،قال تعاىل
( :أم له البنات ولكم البنون ) ،إال أن يكون املوقوف عليهم قبيلة كبين هاشم وبين متيم ،فيدخل فيهم النساء ؛ ألن
اسم القبيلة يشمل ذكرها وأنثاها .لكن إذا وقف على مجاعة ميكن حصرهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم.
وإن مل ميكن حصرهم واستيعاهبم كبين هاشم وبين متيم مل جيب تعميمهم ؛ ألنه غري ممكن .وجاز االقتصار على بعضهم ،
وتفضيل بعضهم على بعض .
3ـ الوقف من عقود التبرعات .وهو عقد الزم ،ويلزم بمجرد القول ،فال يجوز فسخه ؛ لقوله صلى اهلل عليه وسلم
( :ال يباع أصلها ،وال يوهب ،وال يورث ) .قال الرتمذي " :العمل على هذا احلديث عند أهل العلم " .فال جيوز
فسخه ؛ ألنه مؤبد ،وال يباع ،وال يناقل به ،إال أن تتعطل منافعه بالكلية كدار اهندمت ومل متكن عمارهتا من ريع الوقف
،أو أرض زراعية خربت وعادت مواتا ،ومل ميكن عمارهتا حبيث ال يكون يف ريع الوقف ما يعمرها ،فيباع الوقف الذي
هذه حاله ،ويصرف مثنه يف مثله ؛ ألنه أقرب إىل مقصود الواقف .فإن تعذر مثله كامال صرف يف بعض مثله ،ويصري
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
ذلك .
ومن السنة قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :هتادوا حتابوا ) .
وقد أمجعت األمة على استحباب اهلبة جبميع أنواعها .
وهي مس تحبة ،فاهلبة واهلدية من السنة املرغب فيها ؛ قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :هتادوا ؛ فإن اهلدية تسل
السخيمة ) .أي تزيل ما يف الصدر من البغضاء بني االثنني ،ومن األحقاد والضغائن .وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت
( :كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يقبل اهلدية ويثيب عليها ) .
ثالثا :الحكمة من مشروعيتها
شرعت اهلبة واهلدية ملا فيها من مكارم األخالق ،واالتصاف بالسخاء والكرم ،واعتياد البذل والعطاء ،وملا
يرتتب عليها من املصاحل الكبرية كنشر املودة ،وسل السخيمة ،وإزالة الضغائن .فاهلدية تذهب احلقد وجتلب احملبة ؛
لقوله صلى اهلل عليه وسلم ( :هتادوا ؛ فإن اهلدايا تذهب وحر الصدور ) .
رابعا :ما تصح هبته
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
ما جاز بيعه جازت هبته .فتصح هبة كل ما جيوز بيعه .
خامسا :نوع عقد الهبة
اهلبة من عقود التربعات ،وهي عقد الزم يف حق الواهب بالقبض ،فإذا قبض املوهوب له اهلبة بإذن الواهب
لزمت الواهب ،فلم يكن له فسخها .
سادسا :شروط صحتها
يشترط لصحة الهبة الشروط اآلتية :
1ـ أن تكون من شخص جائز التصرف ( وهو البالغ ،العاقل ،الرشيد ) .فال تصح هبة صغري ،أو جمنون ،أو سفيه ؛
ألهنا تربع ،فلم تصح من غري جائز التصرف .
2ـ أن يكون الواهب مختارا .فال تصح من مكره عليها ؛ ألهنا بذل مال ،فلم جيز بدون طيب نفس من مالكه الباذل .
3ـ أن يكون الواهب جادا ،قاصدا الهبة ،غري هازل ،وال عابث ،وال مازح ،فال تصح هبة اهلازل العابث .
4ـ أن يكون الواهب مالكا لما يهب ،أو نائبا عن المالك كوكيله .
5ـ أن يكون الشيء الموهوب مباحا ،فال يهب شيئا حمرما .
سابعا :الرجوع في الهبة
إذا قبض املوهوب له اهلبة فليس للواهب الرجوع فيها ،أما قبل القبض فيجوز للواهب الرجوع ؛ بدليل أثر عائشة
رضي اهلل عنها ( :أن أبا بكر رضي اهلل عنه وحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية ،فلما مرض قال :يا بنية ،كنت
وحلتك جذاذ عشرين وسقا ،ولو كنت حزتيه أو قبضتيه كان لك ،فإمنا هو اليوم مال وارث ،فاقتسموه على كتاب اهلل
تعاىل ) .فإذا وهب اإلنسان شخصا هبة ،وقبضها املوهوب له حرم على الواهب الرجوع فيها ،وسحبها منه ؛ حلديث
ابن عباس رضي اهلل عنهما مرفوعا ( :العائد يف هبته كالكلب يقيء ،مث يعود يف قيئه ) .فدل هذا على حترمي الرجوع يف
اهلبة إال ما استثناه الشارع وهو األب ؛ فله أن يرجع فيما وهبه لولده ؛ لقول النيب ( :ال حيل للرجل أن يعطي العطية
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
فريجع فيها إال الوالد فيما يعطي ولده ) .رواه اخلمسة ،وصححه الرتمذي .
ثامنا :التعديل في عطية األوالد
ال جيوز لإلنسان أن يهب بعض أوالده ويرتك بعضهم ،أو يفضل بعضهم على بعض يف اهلبة .بل جيب عليه
العدل بينهم بتسوية بعضهم ببعض ؛ حلديث النعمان بن بشري رضي اهلل عنه ( :أن أباه أتى به النيب ملا وحله وحلة
ليشهد عليها النيب ، فقال النيب : أكل ولدك وحلت مثل هذا ؟ ،فقال :ال ،فقال :أرجعه .مث قال :اتقوا اهلل ،
واعدلوا بني أوالدكم ) .متفق عليه .فدل احلديث على وجوب العدل بني األوالد يف العطية ،وعلى حترمي املفاضلة بينهم
يف ذلك .كما دل على حترمي ا لشهادة على عطية فيها ختصيص لبعضهم دون بعض ،أو تفضيل بعضهم على بعض ـ
حتمال للشهادة ،وأداء هلا ـ يف حق من علم بذلك .
واختلف الفقهاء في كيفية العدل بين األوالد في العطية :
فقال بعضهم :يسوى بني الذكر واألنثى يف العطية .ومحلوا معىن ( :اعدلوا ) على :سووا .فتعطى األنثى كالذكر .
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
وقال آخرون :يعطون ككيفية قسمة املرياث ؛ فيعطى الذكر ضعف ما لألنثى ؛ ألن اهلل تعاىل فرض هلم املرياث كذلك ،
وحكم اهلل أعدل العدل ،وال عدل فوق عدله سبحانه .
تاسعا :مسائل على الهبة
1ـ إذا كانت اهلبة يف يد املوهوب وديعة أو عارية ،فوهبها له صاحبها ،فاستدامته حليازهتا يف يده تكفي عن قبضها ابتداء
2ـ تصح هبة الدين لمن هو في ذمته ،ويعترب ذلك إبراء له .
3ـ ال تصح الهبة المعلقة على شرط مستقبل ؛ كأن يقول :إذا حصل كذا فقد وهبتك كذا.
4ـ ال تصح الهبة مؤقتة ؛ كأن يقول :وهبتك كذا شهرا أو سنة ؛ ألهنا متليك للعني ،فال تقبل التوقيت كالبيع .لكن
يستثنى من ذلك ما يأتي :
مت فقد وهبتك كذا وكذا .وتكون وصية ،فتأخذ أحكامها .
أـ تعليق اهلبة باملوت ؛ كأن يقول :إذا م
ب ـ العمرى ،وهي اهلبة اليت جاءت مقرتنة بعمر الواهب أو املوهوب له ،مثل قوله :وهبتك هذه الدار عمري ،أو
عمرك .فإذا مات تسرتد .
ج ـ الرقىب ؛ كأن يقول الواهب :أرقبتك هذه الدار على أنك إن مت قبلي عادت إيل ،وإن مت أنا قبلك فهي لك
ولعقبك .
5ـ يجوز للوالد أن يأخذ ويتملك من مال ولده ماال يضر الولد وال يحتاجه ؛ وذلك حلديث عائشة رضي اهلل عنها أن
النيب قال ( :إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ،وإن أوالدكم من كسبكم ) .رواه الرتمذي وحسنه ،ورواه غريه ،وله
شواهد تدل مبجموعها على أن للوالد األخذ ،والتملك ،واألكل من مال ولده ما ال يضر الولد ،وال تتعلق به حاجته .
بل إن قوله صلى اهلل عليه وسلم ( :أنت ومالك ألبيك ) يقتضي إباحة نفسه ألبيه كإباحة ماله ؛ حبيث جيب على الولد
أن خيدم أباه بنفسه ،ويقوم حبوائجه .
وليس للوالد أن يتملك من مال ولده ما يضره ،أو تتعلق حاجته به ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :ال ضرر ،وال
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
ضرار ) .والحاصل أنه يحق لألب أن يأخذ من مال ولده ويتملك بثالثة شروط ؛ هي :
1ـ أال يضر ذلك بالولد .
2ـ أال يأخذ ما حيتاجه الولد .
3ـ أن ال يأخذ من ولد ليعطيه ولدا آخر .
6ـ ليس للولد مطالبة أبيه بدين ونحوه ؛ ملا ورد أن رجال جاء إىل النيب بأبيه يقتضيه دينا عليه ،فقال النيب ( :
أنت ومالك أل بيك ) .فدل على أنه ال حيق للولد مطالبة والده بالدين ،وقد قال اهلل تعاىل ( :وبالوالدين إحسانا ) ،فأمر
سبحانه باإلحسان إىل الوالدين .ومن اإلحسان إليهما عدم مطالبتهما باحلق الذي عليهما للولد ،ماعدا النفقة الواجبة
على الوالد ؛ فللولد مطالبة والده هبا ؛ لضرورة حفظ النفس إذا كان الولد يعجز عن الكسب ،ولقوله هلند بنت عتبة
( خذي ما يكفيك وولدك باملعروف ) . رضي اهلل عنها يف شأهنا مع أيب سفيان :
7ـ ال ينبغي رد الهدية وإن قلّت ،وتسن اإلثابة عليها ؛ ألنه كان يقبل اهلدية ويثيب عليها .وذلك من حماسن
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
( الحلقة العشرون )
الوصية ( تعريفها ،حكمها ،الحكمة من مشروعيتها ،ما تثبت به ،نوع عقد الوصية ،شروط صحتها ،الوصية
باألنصباء واألجزاء ،مسائل على الوصية )
نتحدث يف هذه احللقة عن موضوع جديد وهو الوصية ،فنقول :
أوال :تعريف الوصية
1ـ تعريفها لغة :مأخوذة من :وصيت الشيء ،إذا وصلته .مسيت بذلك ألهنا وصل ملا كان يف احلياة مبا بعد املوت ؛
ألن املوصي وصل بعض التصرف اجلائز له يف حياته ليستمر بعد موته .
2ـ تعريفها اصطالحا :هي ( األمر بالتصرف بعد املوت ) .
وقيل ( :هي التربع باملال بعد املوت ) .
وقيل ( :متليك مضاف ملا بعد املوت على سبيل التربع ) .
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
لو أوصى لليهود أو النصارى أو فقرائهم .وإمنا تصح الوصية للكافر املعني مبا يصح متليكه إياه ومتكينه منه ،وما ال فال ؛
كاملصحف ،والعبد املسلم ،والسالح .وال تصح الوصية جلهة معصية ؛ كالوصية للكنائس ،ومعابد الكفرة واملشركني ،
أو لعمارة األضرحة وإسراجها ،أو لسدنتها .سواء كان املوصي مسلما ،أم كافرا .
أما ما ال يصح متليكه كاجلين والبهيمة وامليت فال تصح الوصية له .
4ـ أن ال يكون الموصى له وارثا للموصي .فال تصح الوصية ألحد من الورثة ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ( :ال
وصية لوارث ) .رواه أمحد وأبوداود ،وله شواهد ،وقال ابن تيمية " :اتفقت األمة عليه " .إال إذا أجاز الورثة الوصية
لوارث فإهنا تصح ؛ ألن احلق هلم .وتعترب صحة إجازهتم هلا إذا صدرت منهم يف مرض موت املوصي أو بعد وفاته .
5ـ أن تكون الوصية بالثلث فأقل إذا كان للموصي وارث .واستحب بعض العلماء أن ال تبلغ الثلث ؛ ملا ورد عن أيب
بكر ،وعلي ،وابن عباس رضي اهلل عنهم .قال أبو بكر رضي اهلل عنه ( :رضيت مبا رضي اهلل به لنفسه ) ،يعين قوله
تعاىل ( :واعلموا أمنا غنمتم من شيء فأن هلل مخسه ) .وقال ابن عباس رضي اهلل عنهما ( :لو أن الناس غضوا من
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب
الثلث إىل الربع ؛ فإن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ( :الثلث ،والثلث كثري ) .وال جتوز الوصية بأكثر من الثلث
ملن له وارث إال بإجازة الورثة ؛ ألن ما زاد على الثلث حق هلم ،فإذا أجازوا الزيادة عليه صح ذلك .وتعترب إجازهتم هلا
بعد املوت .لكن من ليس له وارث فإنه جيوز له أن يوصي بكل ماله .وورد جواز ذلك عن ابن مسعود رضي اهلل عنه ،
وقال به مجع من العلماء ؛ ألن املنع من الوصية مبا زاد عن الثلث ألجل حق الورثة ،فإذا عدموا زال املانع .
سابعا :الوصية باألنصباء واألجزاء
إذا أوص ى مبثل نصيب وارث معني كقوله :أوصي هلذا مبثل نصيب ابين فالن من املرياث .أو أسقط لفظ ( مثل ) فقال :
أوصي هلذا بنصيب ابين فالن من املرياث .فله مثل نصيب ذلك الوارث مضموما إىل مسألة الورثة .فتصحح مسألة الورثة
،ويزاد عليها مثل نصيب ذلك الوارث املعني جيعل لل موصى له .فمثال لو أوصى لشخص مبثل نصيب ابنه فالن وله ابنان
فللموصى له الثلث ،وإن كانوا ثالثة فله الربع ،وإن كان معهم بنت فله التسعان ؛ ألن املسألة من سبعة :لكل ابن
سهمان ،ولألنثى سهم .ويزاد عليها مثل نصيب ابن ،فتصري تسعة ،فالسهمان منها تسعان .وإن أوصى له مبثل
74 إيميل الدكتور dr.m.alkhodair@Gmail.com
فقه المعامالت المالية ( فقه )211ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث
نصيب أحد ورثته ومل يبني ذلك الوارث كان له مثل ما ألقلهم نصيبا ؛ ألنه اليقني ،وما زاد مشكوك فيه فال يثبت مع
الشك .فمثال :مع ابن وبنت يكون للموصى له يف هذه الصورة الربع ؛ ألنه مثل نصيب البنت الذي هو األقل .إال إن
كان ورثته متساوين يف املرياث ؛ فهنا يكون له مثل نصيب أحدهم ،كما لو عني الوارث ؛ ألهنم متماثلون يف املرياث .
ومثل ما تقدم :ما لو أوصى لشخص بضعف نصيب ابنه ؛ فله مثاله .وبضعفيه ؛ فله ثالثة أمثاله ،وهكذا .
وإن أوصى لشخص بسهم من ماله ومل حيدده فله السدس ،مبنزلة سدس مفروض ؛ ألن ( السهم ) يف كالم العرب
السدس .وهذا قول علي ،وابن مسعود رضي اهلل عنهما .
وإن أوصى بشيء ،أو جزء ،أو نصيب ،أو قسط فإن الوارث يعطي املوصى له ما شاء الوارث مما يتمول ؛ ألنه ال حد
للشيء واجلزء ...إخل يف اللغة وال يف الشرع يرجع إليه ،فكان على إطالقه ،فيصدق على أقل قدر .
ثامنا :مسائل على الوصية
1ـ إنما تستحب الوصية في حق من له مال كثير ووارثه غير محتاج ؛ لقول اهلل تعاىل ( :كتب عليكم إذا حضر
نسخة الدكتور /محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ
أحدكم املوت إن ترك خريا الوصية ) .واخلري هو املال الكثري عرفا .فتكره وصية من ماله قليل ووارثه حمتاج ؛ ألنه يكون
بذلك قد عدل بنفع ماله عن أقاربه احملاويج إىل األجانب .
2ـ إذا قصد الموصي المضارة بالوارث ومضايقته فإن ذلك يحرم عليه ويأثم به ؛ لقوله تعاىل ( :غري مضار ) .أي
يوصي حال كونه غري مضار لورثته بوجه من وجوه الضرار ؛ كأن يقر بشيء ليس عليه ،أو يوصي بوصية ال مقصد له فيها
إال الضرار بالورثة ،أو يوصي لوارث مطلقا ووحو ذلك .وقال ابن عباس ( :اإلضرار يف الوصية من الكبائر ) .
3ـ يجب إخراج الواجبات المالية من تركة الميت من الديون والزكوات والكفارات ونحوها أوال قبل إخراج الموصى
به ؛ لقول علي رضي اهلل عنه ( :قضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالدين قبل الوصية ) رواه أمحد والرتمذي .فيبدأ
بالدين ،مث الوصية ،مث اإلرث ؛ باإلمجاع .
انتهى بحمد اهلل
" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب