You are on page 1of 75

‫المملكة العربية السعودية‬

‫جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‬


‫عمادة التعلم اإللكتروني والتعليم عن بعد‬
‫كلية أصول الدين ( بكالوريوس) االنتساب المطور‬

‫مقرر فقه املعامالت املالية‬

‫المستوى الثالث‬
‫العام الجامعي ‪ 1437‬ه‬

‫حلقات التدريس ـ طالب وطالبات التعليم عن بعد‬

‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬


‫( اللهم ارزقنا العلم الصالح النافع )‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪2‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة األولى )‬
‫عقود المعامالت المالية ‪ :‬حقيقتها ‪ ،‬أقسامها ( عقود المعاوضات ‪ ،‬عقود التوثيقات ‪ ،‬عقود التبرعات ) ‪ ،‬األصل‬
‫في العقود والشروط‬
‫أوال ‪ :‬حقيقة عقود المعامالت المالية ‪ ،‬وأقسامها ‪:‬‬
‫تعريف العقد لغة ‪:‬‬
‫العقد يف اللغة ‪ :‬يطلق على الربط ‪ ،‬والشد ‪ ،‬والضمان ‪ ،‬والعهد ‪ .‬قال الفريوزبادي يف القاموس احمليط ‪ :‬عقد‬
‫احلبل والبيع والعهد ‪ :‬شده ‪ .‬ويطلق أيضا على اجلمع بني أطراف الشيء ؛ يقال ‪ :‬عقد احلبل ‪ ،‬إذا مجع أحد طرفيه على‬
‫اآلخر ‪ ،‬وربط بينهما ‪.‬‬
‫تعريف العقد اصطالحا ‪:‬‬
‫العقد يف االصطالح الفقهي يطلق على معنيني ‪:‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫األول ‪ :‬معنى عام ؛ وهو التزام الشخص بأمر يفعله أو يرتكه ‪ ،‬أو أن يلزم غريه بذلك ‪ .‬وعلى هذا فالنكاح والبيع وسائر‬
‫املعاوضات تسمى عقودا ؛ ألن كل واحد من طريف العقد ألزم نفسه الوفاء به ‪ .‬واليمني على املستقبل تسمى عقدا ؛ ألن‬
‫احلالف ألزم نفسه الوفاء مبا حلف عليه من الفعل أو الرتك ‪ .‬وكذلك العهد واألمان يسمى عقدا ؛ ألن معطيها قد ألزم‬
‫نفسه الوفاء هبا ‪ .‬وكل ما ماثل ذلك مما فيه إلزام من قبل الشخص لنفسه بشيء ‪.‬‬
‫فعلى هذا املعىن العام تكون دائرة العقد أوسع ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬معنى خاص ؛ وهبذا املعىن يطلق العقد على ‪ :‬الربط بني إرادتني على وجه يظهر أثره يف احملل ‪.‬‬
‫والمراد هنا هو المعنى الخاص ‪.‬‬ ‫وقيل ‪ :‬العقد ‪ :‬ربط أجزاء التصرف باإلجياب والقبول ‪.‬‬
‫أقسام العقود ‪:‬‬
‫تنقسم العقود باعتبارات خمتلفة ؛ فتنقسم باعتبار الغرض املقصود منها إىل ما يأيت ‪:‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪1‬ـ عقود تمليك ‪ .‬والغرض منها متليك الشيء املعقود عليه ‪.‬‬
‫وتنقسم عقود التمليك حبسب تضمنها للعوض من عدمه إىل قسمني ‪:‬‬
‫أ ـ عقود معاوضات ‪ .‬وهي اليت تتضمن العوض كعقد البيع ‪ ،‬واإلجارة ‪.‬‬
‫ب ـ عقود تربعات ‪ .‬وهي اليت ال تتضمن عوضا كعقد اهلبة ‪ ،‬والوصية ‪.‬‬
‫‪2‬ـ عقود استيثاق ‪ .‬والغرض منها حفظ احلقوق ألصحاهبا ‪ ،‬وتوثيقها هلم ‪ ،‬كعقد الرهن ‪ ،‬والضمان ‪ ،‬واحلوالة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ عقود إسقاط ‪ .‬والغرض منها إسقاط حق عن الغري ‪ ،‬كالطالق ‪ ،‬واخللع ‪.‬‬
‫‪4‬ـ عقود إطالق ‪ .‬والغرض منها إطالق اليد لشخص ما ـ أي اإلذن له ـ يف تصرف مل يكن له فيه حق سابق كعقد الوكالة‬
‫‪5‬ـ عقود تقييد ‪ .‬والغرض منها تقييد يد شخص ما ـ أي منعه ـ من تصرف كان مباحا له سابقا كاحلجر ‪.‬‬
‫‪6‬ـ عقود شراكة ‪ .‬والغرض منها املشاركة يف العمل و املال ‪ ،‬أو يف أحدمها ‪ .‬وهي عقود الشركات بأنواعها ( مفاوضة ‪،‬‬
‫مضاربة ‪ ،‬عنان ‪ ،‬إخل ) ‪.‬‬

‫‪3‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫وهذا التقسيم أليق باملعىن االصطالحي العام للعقد عند الفقهاء ؛ وهو مطلق اإللزام بشيء ‪ ،‬أو االلتزام به ـ كما‬
‫سبق إيراده ـ ‪.‬‬
‫وقد ختتلف التقسيمات عند النظر إىل العقود باعتبارات خمتلفة عن ما ذكرنا‪.‬‬
‫مث إنه عند النظر إىل العقود باعتبار اشتماهلا على املال من عدمه جند أن العقود على نوعني رئيسني ‪ :‬عقود مالية ؛ مثل‬
‫البيع ‪ ،‬واإلجارة ‪ ،‬والشركة ‪ ،‬والرهن ‪ ،‬واهلبة ‪ .‬وعقود غري مالية ؛ مثل النكاح ‪ ،‬واخللع ‪.‬‬
‫وحمل الدراسة هنا هو العقود املالية فقط ‪.‬‬
‫وتنقسم عقود المعامالت المالية ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫‪1‬ـ عقود معاوضات ‪ .‬كعقد البيع ‪ ،‬والسلم ‪ ،‬واإلجارة ‪.‬‬
‫‪2‬ـ عقود توثيقات ‪ .‬كعقد الرهن ‪ ،‬والضمان ‪ ،‬والكفالة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ عقود تبرعات ‪ .‬كعقد الوقف ‪ ،‬واهلبة ‪ ،‬والوصية ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫ثانيا ‪ :‬األصل في العقود ‪ ،‬والشروط ‪:‬‬


‫األصل يف عقود املعامالت املالية الصحة واإلباحة ‪ .‬وهذا قول مجهور العلماء ‪ ،‬واختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية ؛‬
‫وقال ‪ :‬عليه أكثر أصول أمحد‪،‬ومالك ‪ ،‬وبعض أصول أيب حنيفة ‪ ،‬والشافعي ‪ .‬وقد استدل على ذلك بأدلة كثرية ؛ منها ‪:‬‬
‫‪1‬ـ إطالق اآلية يف قوله تعاىل ‪ ( :‬وأحل اهلل البيع ) ‪ .‬فكل ما يعد بيعا فهو حالل ‪.‬‬
‫‪2‬ـ اآليات اليت دلت على حصر احملرمات نوعا ‪ ،‬أو وصفا ؛ كلها تدل على أهنا على خالف األصل ‪ ،‬ولذلك جاء النص‬
‫عليها ‪ ،‬وما عداها فهو حالل ؛ قال تعاىل ‪ ( :‬وقد فصل لكم ما حرم عليكم ) ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أدلة األمر بإمتام العقود والعهود ‪ ،‬والوفاء هبا ‪ .‬كقول اهلل تعاىل ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) ‪ .‬ووجه الداللة يف‬
‫ذلك أن اهلل تعاىل أمر بالوفاء هبا عموما ‪ .‬وهذا يقتضي إباحتها ‪.‬‬
‫‪4‬ـ قوله تعاىل ‪ ( :‬إال أن تكون جتارة عن تراض منكم ) ‪ .‬ووجه الداللة منها ‪ :‬أن اهلل اشرتط الرتاضي فقط لإلباحة ‪ ،‬فدل‬
‫على أن األصل احلل وخلوها من التقييد ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪ 5‬ـ قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬الشرط جائز بني املسلمني إال شرطا أحل حراما ‪ ،‬أو حرم حالال ) ‪ .‬فهذا صريح‬
‫يف أن األصل يف الشروط اجلواز ‪ ،‬وال حيرم منها إال ما أحل حراما ‪ ،‬أو حرم حالال ‪.‬‬
‫‪6‬ـ وقريب من احلديث السابق حديث النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬املسلمون على شروطهم إال شرطا أحل حراما ‪ ،‬أو‬
‫حرم حالال ) ؛ فإن هذا احلديث يدل على أن األصل يف الشروط اجلواز ؛ فإنه يفيد أن الناس يقرون على ما تشارطوا عليه‬
‫ما دام ال حيل حراما ‪ ،‬وال حيرم حالال ‪.‬‬
‫‪7‬ـ األحاديث اليت جاءت مفيدة بأن ما سكت عنه الشرع فهو عفو ‪ ،‬كقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬إن اهلل فرض لكم‬
‫فرائض فال تضيعوها ‪ ،‬وهنى عن أشياء فال تنتهكوها ‪ ،‬وحد حدودا فال تعتدوها ‪ ،‬وسكت عن أشياء رمحة بكم غري نسيان‬
‫فال تبحثوا عنها ) ‪ .‬رواه الدارقطين والطرباين وحسنه النووي ‪ ،‬وروي مرفوعا عند الرتمذي ‪ ( :‬ما أحل اهلل يف كتابه فهو‬
‫حالل ‪ ،‬وما حرم فهو حرام ‪ ،‬وما سكت عنه فهو عفو ‪ .‬فاقبلوا من اهلل عافيته " وما كان ربك نسيا " ) ‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪ " :‬فكل شرط أو عقد أومعاملة سكت عنها فإنه ال جيوز القول بتحرميها " ‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫وأما القائلون بأن األصل يف العقود والشروط التحرمي فعمدهتم ما رواه البخاري أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ ( :‬ما‬
‫بال أقوام يشرتطون شروطا ليست يف كتاب اهلل ؟! ما كان من شرط ليس يف كتاب اهلل فهو باطل وإن كان مئة شرط ‪.‬‬
‫قضاء اهلل أحق ‪ ،‬وشرط اهلل أوثق ) ‪.‬‬
‫ونوقش هذا من وجهني بينهما شيخ اإلسالم ابن تيمية يف فتاواه ‪:‬‬
‫الوجه األول ‪ :‬أن املراد بقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬ليس يف كتاب اهلل ) أن يكون خمالفا حلكم اهلل ‪ ،‬وليس املراد‬
‫أن ال يذكر يف كتابه سبحانه ‪ ،‬أو يف سنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم ؛ وذلك ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪( :‬‬
‫قض اء اهلل أحق ‪ ،‬وشرط اهلل أوثق ) ‪ ،‬وإمنا يكون هذا فيما إذا خالف العقد أو الشرط قضاء اهلل أو شرطه بأن كان ذلك‬
‫الشرط أو العقد مما حرمه اهلل تعاىل ‪ .‬فمضمون احلديث أن العقد أوالشرط إذا مل يكونا من األفعال املباحة فإهنما حمرمان‬
‫باطالن ‪ .‬فليس يف احلديث دليل على منع العقود أو الشروط اليت مل تذكر يف كتاب اهلل أوسنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ .‬فال يستقيم االستدالل به على أن األصل يف األشياء احلظر ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫الوجه الثاين ‪ :‬لو سلمنا بأن معىن قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬ليس يف كتاب اهلل ) هو ما ذكروا من منع كل ما مل‬
‫يرد من العقود والشروط يف الكتاب والسنة ؛ فإن عدم الورود املقصود هنا معناه ‪ :‬ما ليس يف كتاب اهلل ال بعمومه وال‬
‫خبصوصه ‪ .‬أما ما كان فيه بعمومه فإنه ال يقال فيه ‪ :‬إنه ليس يف كتاب اهلل ‪.‬‬
‫ومما تقدم يتبني رجحان القول باجلواز والصحة ؛ لقوة أدلته ‪ ،‬وضعف أدلة املخالفني القائلني باحلظر ‪ ،‬وورود‬
‫املناقشة عليها ‪ .‬وملا يف القول باحلظر من املشقة‬
‫واحلرج لكثرة تعامالت الناس ‪ ،‬وعقودهم ‪ .‬ومطالبتهم بالدليل لكل ما يتعاملون به مما ال دليل على منعه يسبب تعطيل‬
‫مصاحلهم وإحلاق املشقة هبم ‪.‬‬
‫قال اجلويين ‪ ( :‬ووضوح احلاجة إليها ـ أي إىل إباحة العقود اليت مل يأت يف الشرع حترميها ـ يغين عن تكلف ٍ‬
‫بسط فيها ‪.‬‬
‫فليصدروا العقود عن الرتاضي ؛ فهو األصل الذي ال يغمض ما بقي من الشرع أصل‪.‬وليجروا العقود على حكم الصحة )‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ( :‬واألصل يف هذا أنه ال حيرم على الناس من املعامالت اليت حيتاجون إليها إال ما دل‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫الكتاب والسنة على حترميه )‪.‬‬


‫إذا تقرر أن األصل في العقود والشروط الحل فإن التحريم الذي قد يلحقها يدور حول أصول معلومة ترجع في‬
‫جملتها إلى ثالثة أصول ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬الظلم ‪ .‬فما اشتمل على ظلم فإنه حمرم ‪ .‬ويدخل حتت ذلك ‪ :‬البيع املشتمل على التدليس أوالغش ‪ ،‬وبيع الرجل‬
‫على بيع أخيه ‪ ،‬وامليسر ‪ ،‬واالحتكار عند غالء األسعار أو حاجة الناس للسلعة ‪ ،‬وما أشبه ذلك ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬الغرر ‪ ،‬والجهالة ‪ .‬فما اشتمل على غرر أو جهالة فإنه حمرم ‪ .‬ويدخل حتت ذلك بيع احلصاة ‪ ،‬وبيع حبل احلبلة‬
‫‪ ،‬وبيع املالمسة واملنابذة ‪ ،‬وبيع الثمار قبل بدو صالحها ‪ ،‬وبيع الثنايا إال أن تعلم ‪ ،‬وما أشبه ذلك ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬الربا ‪ .‬فما اشتمل على ربا فإنه حمرم ‪ .‬سواء ربا الدين ‪ ،‬أم ربا البيوع بنوعيه ‪ :‬ربا الفضل ‪ ،‬وربا النسيئة ‪.‬‬
‫فتلخص من ذلك أن العقود والشروط مباحة وال حيرم منها إال ما استثناه الشرع ؛ الشتماله على ظلم ‪ ،‬أوغرر وجهالة ‪،‬‬
‫أوربا ؛ كالغش ‪ ،‬وبيع حبل احلبلة ‪ ،‬والربا ـ بيعا أو دينا ـ ‪ .‬فالشرع مل حيجر على الناس يف معامالهتم ‪ ،‬بل جعل هلم مطلق‬
‫‪5‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫التصرف يف املال والتبادالت املالية فيما بينهم كيف شاؤوا ؛ ليعمروا األرض ‪ ،‬وينموا األموال ‪ ،‬وحيركوا عجلة االقتصاد ؛‬
‫فتتوافر الوظائف وفرص العمل ألفراد اجملتمع ‪ ،‬وتوجد املشاريع والنشاطات التجارية املتنوعة ‪ ،‬وتكثر األموال وتدور يف‬
‫أيدي الناس ‪ ،‬وبني املصارف واملؤسسات املالية ‪ .‬لكن مىت اشتمل عقد املعاملة على مفسدة وضرر فإن الشرع مينعه وحيرمه‬
‫؛ محاية للمجتمع من الضرر ‪ ،‬وسدا لذريعة االختالف بني الناس الذي يؤدي إىل الظلم ‪ ،‬ووقوع النزاعات بينهم ‪،‬‬
‫وحدوث املشاكل‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪6‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة الثانية )‬
‫البيع ( تعريفه ‪ ،‬حكمه ‪ ،‬أركانه ‪ ،‬شروط صحته )‬
‫سبق أن ذكرنا تعريف العقد يف اللغة واالصطالح ‪ ،‬وبينا أن األصل يف العقود احلل ‪ ،‬مث ذكرنا أن العقود تنقسم ـ‬
‫بالنظر الشتماهلا على املال من عدمه ـ إىل قسمني ‪ :‬عقود مالية ‪ ،‬وعقود غري مالية ‪ .‬وذكرنا أن العقود املالية تنقسم ثالثة‬
‫أقسام ‪ :‬عقود معاوضات ‪ ،‬وعقود توثيقات ‪ ،‬وعقود تربعات ‪ .‬وسنتناول أوالً عقود املعاوضات مبتدئني بعقد البيع ؛‬
‫فنقول ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف البيع‬
‫تعريفه لغة ‪:‬‬
‫البيع لغة ‪ :‬أخذ شيء وإعطاء شيء ‪ .‬مشتق من باع يبيع بيعا ‪ .‬مأخوذ من الباع ؛ ألن كل واحد من املتبايعني‬
‫ميد باعه لآلخر ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫تعريفه اصطالحا ‪:‬‬


‫عرف البيع يف االصطالح الفقهي بتعريفات ؛ منها ‪:‬‬
‫‪1‬ـ من تعريفات الحنفية ‪:‬‬
‫البيع ‪ :‬مبادلة مال مبال على وجه الرتاضي ‪.‬‬
‫وهذا تعريف غري جامع ؛ لعدم دخول مبادلة املال باملنفعة ‪ ،‬ولعدم ذكر التمليك فيه ‪.‬‬
‫‪2‬ـ ومن تعريفات المالكية ‪:‬‬
‫البيع ‪ :‬عقد معاوضة على غري منافع ‪ ،‬وال متعة لذة ‪.‬‬
‫قوهلم ( منافع ) ‪ :‬خيرج بذلك اإلجارة ؛ فهي عقد على املنافع ‪ ،‬ال األعيان‪.‬‬
‫وقوهلم ( متعة لذة ) ‪ :‬خيرج بذلك عقد النكاح ‪.‬‬
‫وهذا تعريف غري جامع ؛ لعدم ذكر التمليك فيه ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫وهو غري مانع ألنه مل خيرج الربا ‪ ،‬والقرض ‪.‬‬


‫‪3‬ـ ومن تعريفات الشافعية ‪:‬‬
‫البيع ‪ :‬عقد مبادلة مالية يفيد ملك منفعة على التأبيد ‪.‬‬
‫وهذا تعريف غري مانع ؛ حيث يدخل يف هذا التعريف الربا ‪ ،‬والقرض ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ومن تعريفات الحنابلة ‪:‬‬
‫البيع ‪ :‬مبادلة مال مبال ـ ولو يف الذمة ـ ‪ ،‬أو منفعة مباحة ‪ ،‬مبثل أحدمها على التأبيد ‪ ،‬غري ربا ‪ ،‬أو قرض ‪.‬‬
‫وهذا من أمجع التعريفات وأحسنها ‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫ثانيا ‪ :‬حكم البيع‬


‫البيع جائز بالكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬واإلمجاع ‪ ،‬والقياس ‪.‬‬
‫فمن الكتاب ‪ :‬قول اهلل تعاىل ‪ ( :‬وأحل اهلل البيع ) ‪.‬‬
‫ومن السنة ‪ :‬قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬البيعان باخليار ما مل يتفرقا ‪ .‬فإن صدقا وبينا بورك هلما يف‬
‫بيعهما ‪ .‬وإن كذبا وكتما حمقت بركة بيعهما ) ‪.‬‬
‫ومن اإلجماع ‪ :‬أمجع العلماء على جواز البيع يف اجلملة ‪.‬‬
‫ومن القياس ‪ :‬أن حاجة الناس داعية إىل وجود البيع ؛ ألن حاجة اإلنسان تتعلق يف أحوال كثرية مبا يف يد‬
‫صاحبه من مثن أو مثمن ‪ ،‬وهو ال يبذله جمانا ‪ ،‬وإمنا يبذله بعوض ‪ ،‬فاقتضت احلكمة جواز البيع ؛ ليتوصل الشخص‬
‫لغرضه املطلوب ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬أركان البيع‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫للبيع ثالثة أركان ؛ هي ‪:‬‬


‫الركن األول ‪ :‬العاقدان ‪ .‬ومها البائع ‪ ،‬واملشرتي ‪.‬‬
‫الركن الثاني ‪ :‬المعقود عليه ‪ .‬ومها الثمن ‪ ،‬واملثمن ( أي السلعة ) ‪.‬‬
‫الركن الثالث ‪ :‬الصيغة ‪ .‬وهي قسمان ‪:‬‬
‫القسم األول ‪ :‬الصيغة القولية ‪ .‬وتتكون من ‪ :‬اإلجياب ‪ ،‬والقبول ‪.‬‬
‫أـ اإليجاب ‪ .‬وله تعريفان ‪:‬‬
‫‪1‬ـ هو ما صدر أوال من أحد املتعاقدين داال على إرادة إنشاء العقد ‪ .‬وهذا تعريف احلنفية ‪.‬‬
‫‪2‬ـ هو ما صدر من البائع ‪ ،‬سواء صدر متقدما ‪ ،‬أم متأخرا ‪ .‬وهذا قول اجلمهور ‪.‬‬
‫ب ـ القبول ‪ .‬وله تعريفان ‪:‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪1‬ـ هو ما صدر آخرا داال على املوافقة من أي عاقد كان صدوره ‪ .‬وهذا تعريف احلنفية‬
‫‪2‬ـ هو ما صدر من املشرتي ‪ ،‬سواء صدر متقدما ‪ ،‬أم متأخرا ‪ .‬وهذا تعريف اجلمهور‬
‫وهذا االختالف اختالف اصطالحي ال يرتتب عليه أثر فقهي ‪ .‬وال مشاحة يف االصطالح ‪.‬‬
‫هل للصيغة القولية لفظ معين ؟‬
‫اختلف الفقهاء يف ذلك ‪ ،‬والصحيح الذي عليه عامة أهل العلم أنه ليس هناك لفظ معني ‪ ،‬فينعقد البيع بأي‬
‫لفظ يدل على انتقال امللكية ‪ .‬وقد اتفق الفقهاء على أن العقد يصح بالفعل املاضي ‪ ،‬مثل قول البائع ‪ :‬بعتك سياريت ‪.‬‬
‫واجلملة اإلمسية ‪ ،‬مثل ‪ :‬أنا بائع لك سياريت ‪ .‬واملضارع إذا توافرت القرينة ‪ ،‬مثل ‪ :‬أبيعك سياريت ‪ .‬واختلفوا يف فعل األمر‬
‫‪ ،‬مثل أن يقول ‪ :‬بعين سيارتك ‪ .‬فيقول ‪ :‬قبلت ‪ .‬واتفقوا على أن البيع ال ينعقد بصيغة االستفهام ‪ ،‬مثل ‪ :‬أتبيعين‬
‫سيارتك ؟ ‪ .‬وتدل عبارات الفقهاء على أن العربة بالداللة على املقصود ‪ ،‬سواء أكان ذلك بوضع اللغة ‪ ،‬أم جبريان العرف‬

‫‪8‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫قال الدسوقي ‪ :‬ينعقد البيع مب ا يدل على الرضا عرفا ‪ ،‬سواء دل لغة أم ال ؛ من قول ‪ ،‬أو كتابة ‪ ،‬أو إشارة منهما أو من‬
‫أحدمها ‪.‬‬
‫وجاء يف كشاف القناع ‪ :‬الصيغة القولية غري منحصرة يف لفظ بعينه كبعت واشرتيت ‪ ،‬بل هي كل ما أدى معىن‬
‫البيع ؛ ألن الشارع مل خيصه بصيغة معينة ‪ .‬فيتناول كل ما أدى معناه ‪.‬‬
‫ويلحق بالصيغة القولية الكتابة واإلشارة الداالن على الرضا ‪.‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬الصيغة الفعلية ‪ .‬وهي املعاطاة اليت تتكون من األخذ واإلعطاء ‪ .‬وهلا ثالث صور ‪:‬‬
‫الصورة األولى ‪ :‬أن يصدر من البائع إجياب باللفظ ‪ ،‬ويصدر من املشرتي قبول بالفعل وهو األخذ ‪ .‬كما لو قال البائع ‪:‬‬
‫بعتك هذا الثوب بدرهم ‪ ،‬فيأخذ املشرتي الثوب ويدفع الدرهم دون أن يتلفظ ‪ .‬وهذه الصورة مركبة من قولية وفعلية ‪.‬‬
‫الصورة الثانية ‪ :‬عكس األوىل ؛ بأن يصدر من املشرتي قبول باللفظ ‪ ،‬ويصدر من البائع إجياب بالفعل ‪ .‬كما لو قال‬
‫املشرتي للبائع ‪ :‬أشرتي منك هذا الثوب بدرهم ‪ .‬فيدفعه إليه البائع ‪ ،‬ويأخذ الدرهم دون أن يتلفظ ‪ .‬وهـذه الصورة أيضا‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫مركبة من قولية وفعلية ‪.‬‬


‫الصورة الثالثة ‪ :‬أن ال يتلفظ واحد منهما ‪ .‬وإمنا حيصل أخذ وإعطاء ؛ كأن يدفع البائع السلعة للمشرتي ‪ ،‬ويدفع له‬
‫املشرتي مثنها املعتاد ‪ .‬وهذه الصورة فعلية خالصة ‪.‬‬
‫حكم البيع بالمعاطاة ‪:‬‬
‫اختلف العلماء فيها على ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬صحة بيع المعاطاة ‪.‬‬
‫وهذا قول اجلمهور من احلنفية ‪ ،‬واملالكية ‪ ،‬واحلنابلة ‪.‬‬
‫واستدلوا بأدلة ؛ منها ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ قول اهلل تعاىل ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون جتارة عن تراض منكم ) ‪ .‬فدلت‬
‫اآلية على أن املعول عليه يف العقود هو حتقق الرتاضي بصرف النظر عن وسيلة التعبري ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪2‬ـ أن الناس مل يزالوا يتعاملون باملعاطاة منذ عصر النبوة فما بعده ‪ .‬فهذا إمجاع عملي منهم ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن بيع المعاطاة ال يصح ‪.‬‬
‫وهذا مذهب الشافعية ‪.‬‬
‫واستدلوا بأن املعاطاة ال ينعقد هبا البيع ؛ لعدم داللتها على التعاقد ؛ ألن الرضا أمر خفي ال دليل عليه إال‬
‫باللفظ ‪ ،‬وأما الفعل فقد يراد منه غري العقد ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪ :‬جواز البيع بالمعاطاة في المحقرات ؛ ألنها مما جرت العادة ببيعها كذلك ‪ ،‬دون األشياء النفيسة ‪.‬‬
‫والصحيح هو األول ؛ لقوة أدلته ‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫رابعا ‪ :‬شروط صحة البيع‬


‫يشرتط لصحة البيع ما يأيت ‪:‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬الرتاضي بني البائع واملشرتي ‪ .‬قال تعاىل ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن‬
‫تكون جتارة عن تراض منكم ) ‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد اخل دري رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ ( :‬إمنا البيع عن تراض ) ‪ .‬فال يصح‬
‫البيع لو أكره أحد املتعاقدين عليه بغري حق ‪ ،‬أما لو كان اإلكراه حبق فإن البيع يصح ‪ ،‬وذلك كما لو أكره احلاكم شخصا‬
‫مدينا على بيع شيء من أمالكه لسداد دينه ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬أن يكون كل من املتعاقدين جائز التصرف ؛ بأن يكون بالغا ‪ ،‬عاقال ‪ ،‬حرا ‪ ،‬رشيدا ‪ .‬فال يصح البيع‬
‫والشراء من سفيه ‪ ،‬وجمنون ‪ ،‬ومملوك بغري إذن سيده ‪ .‬والصيب ال جيوز له بيع األشياء الثمينة إال بإذن من وليه ؛ لقول اهلل‬
‫تعاىل ‪ ( :‬وال تؤتوا السفهاء أموالكم ) ‪ ،‬أما األشياء اليسرية فيجوز له بيعها ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫الشرط الثالث ‪ :‬أن يكون كل من املتعاقدين مالكا للمعقود عليه ‪ ،‬أو قائما مقام مالكه ؛ كالوكيل ‪ ،‬والوصي ‪ ،‬والويل (‬
‫فيملك البائع السلعة ‪ ،‬وميلك املشرتي الثمن ) ‪ .‬فال يصح أن يبيع شخص شيئا ال ميلكه ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم حلكيم بن حزام رضي اهلل عنه ‪ ( :‬ال تبع ما ليس عندك ) ‪ .‬فال جيوز بيع الفضويل وال شراؤه ‪.‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬أن يكون املبيع مما يباح االنتفاع به من غري حاجة ‪ .‬فال يصح بيع ما حيرم االنتفاع به ؛ كاخلمر ‪ ،‬واخلنزير‬
‫‪ ،‬وامليتة ‪ ،‬وآالت اللهو ‪ ،‬واملعازف ؛ حلديث جابر رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬إن اهلل‬
‫حرم بيع اخلمر ‪ ،‬وامليتة ‪ ،‬واخلنزير ‪ ،‬واألصنام ) ‪ .‬وال جيوز بيع الكلب ؛ حلديث أيب مسعود رضي اهلل عنه قال ‪ ( :‬هنى‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن مثن الكلب ‪ ،‬ومهر البغي ‪ ،‬وحلوان الكاهن ) ‪ .‬وال يصح بيع األدهان النجسة ‪ ،‬وال‬
‫املتنجسة ‪ .‬ولقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬إن اهلل إذا حرم شيئا حرم مثنه ) ‪.‬‬
‫الشرط الخامس ‪ :‬أن يكون املعقود عليه مقدورا على تسليمه ؛ ألن غري املقدور عليه كاملعدوم ‪ ،‬فال يصح بيعه ‪ .‬فال‬
‫جيوز بيع السمك يف املاء ‪ ،‬وال الطري يف اهلواء ‪ ،‬وال اجلمل الشارد ‪ ،‬وال بيع مغصوب على غري غاصبه أو قادر على أخذه‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫من الغاصب ‪.‬‬


‫الشرط السادس ‪ :‬أن يكون الثمن واملثمن معلومني عند املتعاقدين ؛ ألن اجلهالة نوع من الغرر ‪ ،‬والغرر منهي عنه ‪ .‬فال‬
‫يصح شراء ما مل يره ‪ ،‬أو رآه وجهله ‪ .‬فال يصح بيع املالمسة كأن يقول ‪ :‬أي ثوب ملسته فهو عليك بكذا ‪ .‬وال بيع‬
‫املنابذة كأن يقول ‪ :‬أي ثوب نبذته إيل ـ أي طرحته ـ فهو بكذا ؛ حلديث أيب هريرة رضي اهلل عنه ‪ ( :‬أن النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم هنى عن املالمسة ‪ ،‬واملنابذة ) متفق عليه ‪ .‬وال يصح بيع احلصاة ‪ ،‬كقوله ‪ :‬إرم هذه احلصاة ‪ ،‬فعلى أي ثوب‬
‫وقعت فهو لك بكذا ‪ .‬وحيصل العلم باملعقود عليه بإحدى طريقني ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الرؤية ‪ .‬وذلك برؤية املعقود عليه أو بعضه الدال عليه ؛ رؤية مصاحبة للعقد ‪ ،‬أو سابقة له بزمن ال يتغري فيه املعقود‬
‫عليه ‪ .‬ويلحق بذلك الذوق فيما يذاق ‪ ،‬والشم فيما يشم ‪ ،‬والسمع فيما يسمع ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الوصف مبا ينضبط به إذا كان املعقود عليه ميكن أن ينضبط بالوصف ‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة الثالثة )‬
‫تتمة البيع ( الشروط في البيع ‪ ،‬الخيار )‬
‫تكلمنا يف احللقة السابقة عن تعريف البيع وحكمه وأركانه وشروط صحته ‪ ،‬وهنا نتناول الشروط يف البيع ‪ ،‬مث‬
‫نتكلم عن اخليار وأنواعه ‪ .‬فنقول ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬الشروط في البيع ‪:‬‬
‫قبل الكالم عن الشروط يف البيع حيسن بيان الفرق بني شروط البيع ( أي شروط صحته ) اليت تقدمت ‪ ،‬وبني‬
‫الشروط يف البيع ‪.‬‬
‫الفرق بين شروط صحة البيع والشروط في البيع ‪:‬‬
‫يتضح الفرق بني شروط صحة البيع وبني الشروط يف البيع من الوجوه اآلتية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ شروط صحة البيع من وضع الشارع ‪ ،‬أما الشروط يف البيع فهي من وضع املتعاقدين ‪ ،‬أو أحدمها ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫‪ 2‬ـ شروط صحة البيع البد من توافرها قبل العقد ‪ ،‬فهي سابقة له ‪ .‬أما الشروط يف البيع فهي مصاحبة للعقد غالبا ‪ ،‬وقد‬
‫تتقدم عليه أحيانا ‪.‬‬
‫‪3‬ـ شروط صحة البيع صحيحة قطعا ‪ ،‬أما الشروط يف البيع فمنها الصحيح املعترب ‪ ،‬ومنها الفاسد امللغى ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ شرط صحة البيع ال ميلك أحد التنازل عنها ؛ فهي حق للشارع ‪ .‬أما الشروط يف البيع فيملك من شرطها من املتعاقدين‬
‫التنازل عنها ؛ ألهنا حق له ‪.‬‬
‫‪5‬ـ شروط صحة البيع حمصورة حمددة ‪ .‬أما الشروط يف البيع فغري حمص ورة ‪ ،‬بل هي حبسب ما يشرتطه املتعاقدان ‪ ،‬أوأحدمها‬
‫‪ .‬وقد يقل املتعاقد من الشروط ‪ ،‬وقد يكثر ‪.‬‬
‫تعريف الشرط في البيع ‪:‬‬
‫هو إلزام أحد املتعاقدين اآلخر بسبب العقد شيئا له فيه مصلحة ‪ ،‬كما لو شرط املشرتي على البائع إذا اشرتى‬
‫منه حطبا أن حيمله له ( أي يوصله ) إىل داره ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫أقسام الشروط في البيع ‪:‬‬


‫تنقسم الشروط يف البيع قسمني ‪ :‬شروط صحيحة ‪ ،‬وشروط فاسدة ‪ .‬وبيان ذلك كاآليت ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬الشروط الصحيحة ‪ :‬وهي الشروط اليت ال ختالف مقتضى العقد ‪ .‬وهذا القسم يلزم الوفاء به ‪ ،‬والعمل مبقتضاه ؛‬
‫لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬املسلمون على شروطهم ) ‪ .‬وألن األصل يف الشروط الصحة كما سبق إال ما أبطله‬
‫الشارع وهنى عنه ‪ .‬وهذا القسم ( وهو الشروط الصحيحة ) نوعان ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬شرط ملصلحة العقد حبيث يتقوى به العقد وتعود مصلحته ملن شرطه ‪ ،‬كاشرتاط التوثيق بالرهن ‪ ،‬أو اشرتاط‬
‫الضامن ‪ .‬وهذا يطمئن ا لبائع ‪ .‬وكاشرتاط تأجيل الثمن مدة معلومة ‪ .‬وهذا يستفيد منه املشرتي ‪ .‬وكما لو اشرتط املشرتي‬
‫صفة يف املبيع ككون الدابة سريعة ‪ .‬فإن أتى املبيع على الصفة املشروطة لزم البيع ‪ .‬وإن اختلف عنها فللمشرتي الفسخ ‪،‬‬
‫أو اإلمساك مع تعويضه عن فقد الصفة املشروطه ؛ حبيث يقوم املبيع على افرتاض وجود الصفة فيه ‪ ،‬مث يقوم مع فقدها ‪،‬‬
‫ويدفع له الفرق بني القيمتني مبثل نسـبته من الثمن ‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫النوع الثاني ‪ :‬شرط يعود ملصلحة خالصة ألحد املتعاقدين ‪ .‬بأن يشرتط أحد املتعاقدين على اآلخر بذل منفعة مباحة يف‬
‫املبيع ؛ كأن يشرتط البائع سكىن الدار املب يعة مدة معينة ‪ ،‬أو أن حيمل على الدابة أو السيارة املبيعة إىل موضع معني ؛ ملا‬
‫روى جابر رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم باع مجال واشرتط ظهره إىل املدينة ) ‪ .‬وكذا لو اشرتط املشرتي على‬
‫البائع بذل عمل يف املبيع ؛ كأن يشرتي منه حطبا ويشرتط عليه محله إىل موضع معني ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الشروط الفاسدة ‪ :‬وهي نوعان أيضا ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬شرط فاسد يبطل العقد من أصله ؛ كأن يشرتط أحد املتعاقدين على اآلخر عقدا آخر ؛ كأن يقول البائع ‪:‬‬
‫بعتك هذه السلعة بشرط أن تؤجرين دارك ‪ .‬فهذا الشرط فاسد ‪ ،‬وهو يبطل العقد من أساسه ؛ لنهي النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم عن بيعتني يف بيعة‬
‫النوع الثاني ‪ :‬شرط فاسد يف نفسه لكن ال يبطل البيع ؛ كأن يشرتط البائع على املشرتي أن ال يبيع السلعة ‪ .‬فهذا شرط‬
‫فاسد ؛ ألنه خيالف مقتضى العقد ؛ ألن مقتضى البيع أن يتصرف املشرتي يف السلعة تصرفا مطلقا ‪ .‬والبيع ال يبطل مع‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫ب طالن هذا الشرط ؛ ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم يف قصة بريرة ـ حينما اشرتط بائعها والءها إن أعتقت ـ أبطل الشرط ‪،‬‬
‫ومل يبطل العقد ‪ ،‬وقال ‪ ( :‬إمنا الوالء ملن أعتق ) ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الخيار‬
‫تعريفه ‪:‬‬
‫اخليار يف البيع ‪ :‬هو طلب خري األمرين من إمضاء البيع ‪ ،‬أو فسخه ‪.‬‬
‫أقسامه ‪:‬‬
‫للخيار مثانية أقسام ؛ هي ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬خيار المجلس ‪ .‬أي جملس العقد الذي جرى فيه التبايع ‪ .‬فيثبت لكل من املتبايعني اخليار ماداما يف جملس العقد‬
‫‪ .‬ودليل ذلك قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬إذا تبايع الرجالن فكل واحد منهما باخليار ما مل يتفرقا وكانا مجيعا )‪.‬‬
‫األمور التي يسقط بها خيار المجلس ‪:‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪1‬ـ التفرق باألبدان ‪.‬‬


‫‪2‬ـ إسقاط اخليار يف اجمللس صراحة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ وفاة أحد املتعاقدين ‪.‬‬
‫‪4‬ـ فساد البيع ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬خيار الشرط ‪ .‬وذلك بأن يشرتط املتعاقدان ‪ ،‬أو أحدمها اخليار يف صلب العقد ‪ ،‬أو بعد العقد أثناء جملس العقد‬
‫مدة معلومة ؛ كما لو قال املشرتي عند العقد ‪ :‬يل اخليار ثالثة أيام ‪ .‬فيصح ذلك ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪( :‬‬
‫املسلمون على شروطهم ) ‪.‬‬
‫ويشرتط لصحة خيار الشرط ما يأيت ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن تكون املدة املشروطة معلومة ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يقع الشرط أثناء التعاقد ‪ ،‬أو خالل جملس العقد ‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫الثالث ‪ :‬خيار الغبن ‪:‬‬


‫فإذا غنب أحد املتعاقدين يف البيع غبنا خيرج عن العادة فإنه يثبت له اخليار بني اإلمساك والرد ‪ .‬ودليل ذلك قول‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬ال ضرر ‪ ،‬وال ضرار ) ‪ .‬وقوله عليه الصالة والسالم ‪ ( :‬ال حيل مال امريء مسلم إال بطيب‬
‫نفس منه ) ‪ .‬واملغبون مل تطب نفسه بالغنب ‪ .‬فإن كان الغنب يسريا قد جرت به العادة فهو مغتفر ‪ ،‬وال يثبت به خيار ‪.‬‬
‫صور خيار الغبن ‪:‬‬
‫خليار الغنب ثالث صور ؛ هي ‪:‬‬
‫الصورة األولى ‪ :‬تلقي الركبان ‪ .‬وهم القادمون جللب سلعهم يف البلد ‪ .‬فإذا تلقاهم واشرتى منهم ‪ ،‬وتبني أنه قد غبنهم‬
‫غبنا فاحشا فلهم اخليار؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬ال تلقوا الركبان ‪ ،‬فمن تلقاه فاشرتى منه فإذا أتى سيده‬
‫السوق فهو باخليار ) ‪ .‬رواه مسلم ‪ .‬قال ابن القيم ‪ ( :‬هنى عن ذلك ملا فيه من تغرير البائع ؛ فإنه ال يعرف السعر ‪،‬‬
‫فيشرتي منه املشرتي بدون القيمة ‪ .‬ولذلك أثبت له ال نيب صلى اهلل عليه وسلم اخليار إذا دخل السوق ‪ .‬وال نزاع يف ثبوت‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫اخليار له مع الغنب ؛ فإن اجلالب إذا مل يعرف السعر كان جاهال بثمن املثل ‪ ،‬فيكون املشرتي غارا له ‪ .‬وكذا البائع إذا‬
‫باعهم شيئا فلهم اخليار إذا هبطوا السوق وعلموا أهنم غبنوا غبنا خيرج عن العادة ) ‪.‬‬
‫الصورة الثانية ‪ :‬النجش ‪ .‬أي الغنب الذي يكون سببه زيادة الناجش يف مثن السلعة ‪ .‬والناجش هو الذي يزيد يف السلعة‬
‫وهو ال يريد شراءها ‪ ،‬وإمنا يريد رفع مثنها على املشرتي ؛ هبدف نفع البائع ‪ ،‬أو اإلضرار باملشرتي ‪ .‬وهذا عمل حمرم هنى‬
‫عنه النيب صلى اهلل عليه وسلم بقوله ‪ ( :‬وال تناجشوا ) ؛ ملا يف ذلك من اإلضرار باملشرتي برفع الثمن عليه فوق املعتاد ‪.‬‬
‫ومن صور النجش احملرم أن يقول صاحب السلعة ‪ :‬أعطيت هبا كذا وكذا ‪ ،‬وهو كاذب ؛ من أجل زيادة الثمن‬
‫على املشرتي ‪.‬‬
‫الصورة الثالثة ‪ :‬غبن المسترسل ‪ .‬وهو الذي جيهل القيمة ‪ ،‬وال حيسن املماكسة يف الثمن ‪ ،‬بل يعقد معتمدا على صدق‬
‫البائع ؛ وذلك لسالمة سريرته ‪ .‬فإذا غنب غبنا فاحشا خيرج عن العادة ثبت له اخليار ‪ .‬ويف احلديث ‪":‬غنب املسرتسل ربا"‬
‫فهو حمرم ؛ ملا فيه من اإلضرار باملشرتي ‪ ،‬وأكل ماله بالباطل ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫الرابع ‪ :‬خيار التدليس ‪:‬‬


‫أي اخليار الذي يثبت بسبب التدليس ‪ .‬والتدليس هو ‪ :‬إظهار السلعة املعيبة مبظهر السليمة ‪ .‬مأخوذ من الدلسة‬
‫مبعىن الظلمة ‪ ،‬كأن البائع بتدليسه جعل املشرتي يف ظلمة ‪ ،‬فلم يبصر السلعة ‪ .‬وهو نوعان ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬كتمان عيب السلعة ‪.‬‬
‫النوع الثاني ‪ :‬أن يزوقها وينمقها مبا يزيد به مثنها ‪.‬‬
‫والتدليس حرام بنوعيه ‪ ،‬ويثبت به اخليار للمشرتي ؛ ألنه إمنا بذل ماله يف املبيع بناء على الصفة اليت أظهرها له‬
‫البائع ‪ ،‬ولو علم أنه على خالفها ملا بذل ماله فيها ‪.‬‬

‫‪13‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫الخامس ‪ :‬خيار العيب ‪:‬‬


‫وهو اخليار الذي يثبت للمشرتي بسبب وجود عيب يف السلعة مل يعلم به قبل البيع ‪ .‬فإذا علم املشرتي بالعيب‬
‫بعد العقد فله اخليار بني أن يفسخ البيع ويسرتد الثمن ‪ ،‬وبني أن ميضي البيع ويأخذ أرش العيب ( وهو مقدار الفرق بني‬
‫قيمة املبيع صحيحا ‪ ،‬وقيمته معيبا ) ‪ ،‬فيأخذ من الثمن ما متاثل نسبته نسبة الفرق بني القيمتني ‪.‬‬
‫وضابط العيب الذي يثبت به اخليار هو ما تنقص بسببه قيمة املبيع عادة ‪ ،‬أو تنقص به ذاته ‪ .‬ويرجع حتديد ذلك‬
‫إىل عرف التجار املعتربين ‪.‬‬
‫شروط خيار العيب ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن يكون العيب مؤثرا ال يسريا ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يكون موجودا قبل العقد ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن ال يرضى املشرتي بالعيب ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫‪4‬ـ أن يكون املشرتي جاهال بالعيب قبل العقد ‪.‬‬


‫السادس ‪ :‬خيار التخبير بالثمن ‪:‬‬
‫وهو ما إذا باع السلعة بثمنها الذي اشرتاها به ‪ ،‬فأخربه مبقداره ‪ ،‬مث تبني أنه أخرب خبالف احلقيقة ‪ ،‬وأن الثمن‬
‫أقل ‪ .‬وهكذا لو قال ‪ :‬أشركتك معي يف هذه السلعة برأس مايل وهو كذا ‪ .‬أو قال ‪ :‬بعتك هذه السلعة بربح كذا على‬
‫رأ س مايل فيها‪.‬أو قال ‪ :‬بعتك هذه السلعة بنقص كذا عما اشرتيتها به ‪ .‬ففي هذه الصور األربع كلها إذا تبني أن رأس‬
‫املال أقل فإنه يثبت للمشرتي اخليار بني اإلمساك والرد ‪ .‬وهذا قول بعض الفقهاء ‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬ال خيار للمشرتي ‪،‬‬
‫ولكن جيري احلكم على الثمن احلقيقي ‪ ،‬ويسقط الزائد ‪.‬‬
‫السابع ‪ :‬خيار اختالف المتبايعين ‪:‬‬
‫وهو خيار يثبت إذا اختلف املتبايعان يف بعض األمور ؛ كما إذا اختلفا يف مقدار الثمن ‪ ،‬أو اختلفا يف عني املبيع‬
‫‪ ،‬أو قدره ‪ ،‬وال بينة ألحدمها ‪ .‬فحينئذ يتحالفان ‪ ،‬فيحلف كل منهما على ما يدعيه ‪ ،‬مث بعد التحالف يكون لكل منهما‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫الفسخ إذا مل يرض بقول اآلخر ‪.‬‬


‫الثامن ‪ :‬خيار الخلف في الصفة ‪:‬‬
‫وهو خيار يثبت للمشرتي إذا اشرتى شيئا بناء على رؤية سابقة ‪ ،‬مث وجده قد تغريت صفته ‪ .‬فهنا يثبت له اخليار‬
‫بني إمضاء البيع ‪ ،‬وفسخه ؛ لظهور املبيع على صفة خمتلفة عما رآه عليها قبل العقد ‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة الرابعة )‬
‫تتمة البيع ( القبض وصوره المعاصرة ‪ ،‬البيوع المنهي عنها ‪ ،‬وعلل النهي )‬
‫تكلمنا يف احللقة السابقة عن الشروط يف البيع ‪ ،‬وعن اخليار وأقسامه ‪ .‬وهنا نتناول القبض وصوره املعاصرة ‪ ،‬مث‬
‫نتحدث عن البيوع املنهي عنها ‪ ،‬وعلل النهي ‪ ،‬فنقول ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬القبض ‪ ،‬وصوره المعاصرة ‪:‬‬
‫المراد بالقبض ‪:‬‬
‫القبض مأخوذ من ‪ :‬قبض الشيء قبضا ‪ ،‬أي أخذه بقبضة يده ‪ .‬ويقال ‪ :‬قبض الدار أو األرض ‪ ،‬أي ‪ :‬حازها ‪.‬‬
‫وقد جاء القبض يف لسان الشرع مطلقا من غري تقييد ‪ ،‬وهلذا نص عامة الفقهاء على أن املرجع يف حتديد القبض‬
‫إىل العرف ؛ فما تعا رف الناس على أنه قبض اعترب قبضا شرعيا ‪ ،‬وما ال فال ‪ .‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪... ( :‬‬
‫فالقبض مرجعه إىل عرف الناس ؛ حيث مل يكن له حد يف اللغة ‪ ،‬وال يف الشرع ) ‪ .‬وقال الكاساين ‪ ( :‬القبض هو‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫التمكني والتخلي ‪ ،‬وارتفاع املوانع عرفا ‪ ،‬وعادة ‪ ،‬وحقيقة ) ‪.‬‬


‫كيفية القبض ‪:‬‬
‫بناء على ما سبق ‪ :‬كيف يكون القبض املعترب للسلع املبيعة ؟‬
‫يف اجلواب على ذلك نقول ‪:‬‬
‫ـ اتفق الفقهاء على أن قبض العقار يكون بالتخلية والتمكني من اليد والتصرف ‪ .‬فإن مل يتمكن بأن منعه شخص آخر من‬
‫وضع يده عليه فال تعترب التخلية هنا قبضا ‪ .‬وقيد الشافعية ذلك مبا إذا كان العقار غري معترب فيه تقدير من ذرع ووحوه ‪ ،‬أما‬
‫إذا كان معتربا فيه تقدير ؛ كما لو اشرتى أرضا مذارعة فال تكفي التخلية والتمكني ‪ ،‬بل البد مع ذلك من الذرع ‪ .‬وإذا‬
‫كان العقار له قفل فيكفي يف قبضه تسليم املفتاح مع التخلية ‪ ،‬حبيث يتمكن من فتحه من غري تكلف‪.‬‬
‫وأما املنقول كاحليوان واألمتعة فقد اختلف الفقهاء يف كيفية قبضه على قولني ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬أن قبض املنقوالت يكون بالتخلية على وجه التمكني كالعقار ‪ .‬لكن ذلك خيتلف حبسب حال املبيع ؛‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫ففي وحو حنطة يف بيت مثال يكون دفع املفتاح ـ إذا أمكن الفتح بال كلفة ـ قبضا ‪ .‬ويف وحو بقر يف املرعى فكونه حبيث‬
‫يرى ويشار إليه ‪ ،‬فإن هذا قبض ‪ .‬ويف وحو ثوب فكونه حبيث لو مد يده تصل إليه ‪ ،‬فإن هذا قبض ‪ .‬وهذا قول احلنفية ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن القبض احلكمي ( وهو التخلية ) ال يكفي يف املنقول ‪ ،‬بل ال بد من القبض احلقيقي ‪ .‬وهذا خيتلف‬
‫حبسب املعقود عليه ‪:‬‬
‫فما كان يتناول باليد عادة ـ كالنقود ‪ ،‬والثياب ‪ ،‬واجلواهر ـ فقبضه إمنا يكون بتناوله باليد ‪ .‬وما ال ميكن تناوله باليد فإنه ال‬
‫خيلو ‪ :‬إما أن يكون مما يعترب فيه تقدير من كيل ‪ ،‬أو وزن ‪ ،‬أو ذرع ‪ ،‬أو عد ؛ كمن اشرتى صربة حنطة مكايلة ‪ ،‬أو متاعا‬
‫موازن ة ‪ ،‬أو ثوبا مذارعة ‪ ،‬أو معدودا معاددة فقبضه يكون باستيفائه مبا يقدر فيه من كيل ‪ ،‬أو وزن ‪ ،‬أو ذرع ‪ ،‬أو عد ‪ .‬أو‬
‫يكون مما ال يعترب فيه تقدير من كيل ‪ ،‬أو وزن ‪ ،‬أو ذرع ‪ ،‬أو عد ؛ إما لعدم إمكانه ‪ ،‬وإما أنه ممكن لكن مل يراع فيه ‪،‬‬
‫كاألمتعة ‪ ،‬والعروض ‪ ،‬والدواب ‪ ،‬وا لصربة تباع جزافا ‪ ،‬فهذا يكون قبضه بنقله وحتويله عن مكان البائع ‪ .‬وهذا قول‬
‫املالكية ‪ ،‬والشافعية ‪ ،‬واحلنابلة ‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫وعند تأمل كالم الفقهاء جند أن ما يذكرونه من حتديدات للقبض عائد ألعرافهم حبسب زماهنم ؛ إذ ليس يف‬
‫النصوص الشرعية ما يوجب التزام طريقة معينة يف القبض ‪ .‬وبناء على هذا نقول يف كيفية قبض السلع املبيعة ‪:‬‬
‫إذا كان املبيع مكيال فقبضه بالكيل ‪ ،‬وإن كان موزونا فقبضه بالوزن ‪ ،‬وإن كان معدودا فقبضه بالعد ‪ ،‬وإن كان‬
‫مذروعا فقبضه بالذرع ‪ ،‬مع حيازة هذه األشياء إىل مكان املشرتي ‪ .‬وما كان كالثياب واحليوانات فقبضه بنقله إىل مكان‬
‫املشرتي ‪ .‬وإن كان املبيع مما يتناول باليد كاجلواهر ‪ ،‬والكتب ‪ ،‬ووحوها فقبضه حيصل بتناول املشرتي له بيده وحيازته ‪ .‬وإن‬
‫كان املبيع مما ال ميكن نقله من مكانه كالبيوت ‪ ،‬واألراضي ‪ ،‬والثمر على رؤوس الشجر فقبضه حيصل بالتخلية بأن مميكن‬
‫وخيلِّي بينه وبينه ؛ ليتصرف فيه تصرف املالك ‪ .‬وتسليم الدار ووحوها بأن يفتح له باهبا ‪ ،‬أو يسلمه مفتاحها‬
‫منه املشرتي ‪ ،‬م‬
‫صور القبض المعاصرة ‪:‬‬
‫من صور القبض املعاصرة يف بعض السلع ‪:‬‬
‫قبض السيارات يكون بإخراجها من مستودعات البائع ‪ ،‬وتسليم مفاتيحها ‪ ،‬أو باألوراق الثبوتية املعينة هلا اليت‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫يسجل فيها رقم اهليكل ‪ ،‬وسائر املواصفات الدالة على ملكية املشرتي هلا ‪.‬‬
‫وقبض النقود يكون بتناوهلا ‪ ،‬أو بتقييدها يف القيد املصريف يف احلساب ولو مل تقبض باليد ‪ ،‬أو بقبض الشيك‬
‫املصريف ( املسمى الشيك املصدق ) ‪ ،‬أو قبض الشيك العادي الذي له محاية من قبل النظام ‪ ،‬أو باخلصم من احلساب‬
‫ببطاقة الصراف اآليل ‪ ،‬أو باستخدام بطاقة االئتمان ‪.‬‬
‫وقبض البضائع املستوردة يكون بتعيينها ‪ ،‬وتسلم وثائق ( أي بوالص ) الشحن ‪.‬‬
‫وقبض األسهم يكون بتسجيلها يف احملفظة ‪.‬‬
‫وقبض املعادن والسلع الدولية يكون بتسلم شهادات احليازة املعينة هلا ‪.‬‬
‫وإذا كان املبيع مكيال ‪ ،‬أو موزونا ‪ ،‬أو معدودا ‪ ،‬أو مذروعا فال يصح التصرف فيه قبل قبضه باتفاق العلماء ؛‬
‫لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬إذا ابتاع أحدكم طعاما فال يبعه حىت يستوفيه ) ‪ ،‬ويف لفظ ‪ ( :‬حىت يقبضه ) ‪ .‬وأما‬
‫إذا كان املبيع غري مكيل ‪ ،‬وال موزون ‪ ،‬وال معد ود ‪ ،‬وال مذروع فقد اختلف أهل العلم يف التصرف فيه قبل قبضه على‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫قولني ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬ال جيوز التصرف فيه قبل قبضه ‪ .‬وهذا قول مجهور العلماء ؛ للحديث السابق ‪ ،‬وقد قال ابن عباس يف‬
‫تعليقه على احلديث ‪ ( :‬وال أحسب غريه ـ أي غري الطعام ـ إال مثله ) ‪ ،‬وقد ورد ذلك صرحيا فيما روى أمحد ‪ ( :‬إذا‬
‫اشرتيت شيئا فال تبعه حىت تقبضه ) ‪ .‬وروى أبو داود ‪ ( :‬هنى أن تباع السلع حيث تبتاع حىت حيوزها التجار إىل رحاهلم )‬
‫القول الثاني ‪ :‬أنه جيوز التصرف فيه ولو مل يقبض ‪ .‬وهذا قول بعض العلماء ‪.‬‬
‫والراجح هو األول ‪ .‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ،‬وتلميذه ابن القيم ‪ ( :‬علة النهي عن البيع قبل القبض عجز املشرتي‬
‫عن تسلمه ؛ ألن البائع قد يسلمه ‪ ،‬وقد ال يسلمه ‪ ،‬السيما إذا رأى املشرتي قد ربح ؛ فإنه يسعى يف رد البيع ؛ إما‬
‫جبحد أو احتيال على الفسخ ‪ .‬وتأكد ذلك بالنهي عن ربح ما مل يضمن ) ‪.‬‬

‫‪16‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫ثانيا ‪ :‬البيوع المنهي عنها ‪ ،‬وعلل النهي ‪:‬‬


‫تقدم يف احللقة األوىل عند الكالم عن األصل يف العقود والشروط ذكر مجلة من البيوع احملرمة الشتماهلا على الظلم‬
‫؛ كالتدليس ‪ ،‬والغش ‪ .‬أو على الغرر واجلهالة ؛ كبيع احلصاة ‪ ،‬وبيع حبل احلبلة ‪ ،‬وبيع املالمسة واملنابذة ‪ ،‬وبيع الثمار‬
‫قبل بدو صالحها ‪ ،‬وبيع الثنايا إال أن تعلم ‪ ،‬وما أشبه ذلك ‪.‬‬
‫ونذكر هنا أنواعا من البيوع املنهي عنها ؛ إما مراعاة حلق الشرع ‪ ،‬وإما ملا فيها من املفاسد واألضرار على الفرد‬
‫واجلماعة ‪ .‬ومن تلك البيوع ما يأيت ‪:‬‬
‫‪1‬ـ البيع بعد نداء الجمعة الثاني ممن تلزمه صالة الجمعة ؛ قال اهلل تعاىل ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصالة من‬
‫يوم اجلمعة فاسعوا إىل ذكر اهلل وذروا البيع ) ‪ .‬فقد هنى سبحانه عن البيع بعد نداء اجلمعة لئال يتخذ ذريعة إىل التشاغل‬
‫بالتجارة عن حضورها ‪ .‬وخص البيع بالذكر ألنه من أهم ما يشتغل به املرء من أسباب املعاش ‪ ،‬واحلكم يشمل التشاغل‬
‫بغري البيع عن الصالة فهو حمرم كذلك ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫‪ 2‬ـ بيع سلعة مباحة لمن يعلم أنه يستعين بها على معصية اهلل ‪ ،‬ويستخدمها فيما حرم اهلل ‪ .‬فال يصح بيع العصري ـ‬
‫مثال ـ على من يتخذه مخرا ووحو ذلك ؛ ألن هذا من التعاون على اإلمث والعدوان ‪ ،‬وقد هنى اهلل عن ذلك فقال ‪ ( :‬وال‬
‫تعاونوا على اإلمث والعدوان ) ‪.‬‬
‫‪3‬ـ بيع السالح في وقت الفتنة بين المسلمين ؛ وذلك لئال يقتل به مسلم ؛ ولنهي النيب صلى اهلل عليه وسلم عن ذلك‬
‫‪4‬ـ بيع عبد مسلم لكافر إذا لم يكن ممن يعتق عليه ؛ ملا يف ذلك من إذالل الكافر للمسلم ‪ ،‬وقد قال تعاىل ‪ ( :‬ولن‬
‫جيعل اهلل للكافرين على املؤمنني سبيال ) ‪ .‬وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬اإلسالم يعلو ‪ ،‬وال يعلى عليه ) ‪.‬‬
‫‪5‬ـ بيع المسلم على بيع أخيه ‪ ،‬كأن يقول ملن اشرتى سلعة بعشرة ‪ :‬أنا أعطيك مثلها أو خريا منها بتسعة ؛ لقول النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬وال يبع بعضكم على بيع بعض ) ‪ .‬متفق عليه ‪ .‬وكذا حيرم شراؤه على شرائه ‪ ،‬كأن يقول ملن باع‬
‫سلعة بتسعة ‪ :‬أشرتيها منك بعشرة ؛ للنهي عن ذلك أيضا ‪.‬‬
‫‪6‬ـ بيع الحاضر للبادي ‪ .‬والحاضر هو المقيم في المدن والقرى ‪ ،‬والبادي هو القادم من البادية أو غريها ‪ .‬فال جيوز‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫ذلك حلديث ‪ ( :‬ال يبع حاضر لباد ) ‪ .‬قال ابن عباس ‪ ( :‬ال يكون له مسسارا ) ‪ .‬أي دالال يتوسط بني البائع واملشرتي ‪.‬‬
‫وكما أنه ال جيوز للحاضر أن يتوىل بيع سلعة البادي فكذلك ال ينبغي أن يشرتي له ‪ .‬واملمنوع هو أن يذهب‬
‫احلاضر إىل البادي ويقول له ‪ :‬أنا أبيع لك ‪ ،‬أو أشرتي لك ‪ .‬أما إذا جا ء البادي للحاضر ‪ ،‬وطلب منه أن يبيع له ‪ ،‬أو‬
‫يشرتي له فال مانع من ذلك ‪.‬‬
‫‪7‬ـ بيع العينة ‪ .‬وهو أن يبيع شخص على آخر سلعة بثمن مؤجل ‪ ،‬مث يشرتيها منه بثمن حال أقل من املؤجل ‪ .‬كما لو‬
‫باع عليه سيارة خبمسني ألفا إىل أجل ‪ ،‬مث اشرتاها منه بأربعني ألفا حالة يسلمها له ‪ ،‬وتبقى اخلمسون ألفا يف ذمته إىل‬
‫حلول األجل ‪ .‬فيحرم ذلك ؛ ألنه حيلة يتوصل من خالهلا إىل الربا ؛ فكأنه باع نقودا مؤجلة بنقود حالة مع التفاضل ‪،‬‬
‫وجعل السلعة حيلة فقط ‪ .‬وقد ورد التحذير من ذلك يف قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬إذا تبايعتم بالعينة ‪ ،‬وأخذمت أذناب‬
‫البقر ‪ ،‬وتركتم اجلهاد سلط اهلل عليكم ذال ال ينزعه منكم حىت ترجعوا إىل دينكم ) ‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫ويشترط لهذا البيع كي يكون عينة ما يأتي ‪:‬‬


‫‪1‬ـ أن يكون البائع األول هو املشرتي الثاين ‪ ،‬فإن كان طرفا ثالثا فال عينة ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يكون سعر البيع الثاين أقل من سعر بيع األول ‪ ،‬فإن كان أكثر فال عينة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن يقع البيع الثاين قبل بيع السلعة على شخص آخر‪ ،‬فإن كان بعده فال عينة ‪.‬‬
‫‪4‬ـ أن يقع البيع الثاين قبل قبض الثمن يف البيع األول ‪ ،‬فإن كان بعده فال عينة ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪18‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة الخامسة )‬
‫الربا ( تعريف الربا ‪ ،‬حكمه ‪ ،‬الحكمة من تحريمه ‪ ،‬أنواعه ‪ ،‬علة الربا )‬
‫مضى يف حلقات سابقة الكالم يف البيع ؛ فبينا تعريفه ‪ ،‬وذكرنا أركانه ‪ ،‬وشروط صحته ‪ .‬مث حتدثنا عن الشروط‬
‫يف البيع ‪ .‬مث بينا اخليار ‪ ،‬وأقسامه ‪ .‬وحتدثنا بعد ذلك عن القبض ‪ ،‬وضابطه ‪ ،‬وذكرنا مجلة من صور القبض املعاصرة ‪ .‬مث‬
‫ذكرنا البيوع املنهي عنه ا ‪ ،‬وعلل النهي ‪ .‬وننتقل اآلن إىل الكالم يف موضوع مهم وهو الربا ‪ ،‬والصرف ؛ مبتدئني بالربا ؛‬
‫فنقول ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الربا ‪:‬‬
‫تعريف الربا لغة ‪:‬‬
‫الربا يف اللغة يطلق على الزيادة ‪ ،‬واالرتفاع ‪ .‬قال تعاىل ‪ ( :‬فإذا أنزلنا عليها املاء اهتزت وربت ) ‪ .‬أي زادت ‪.‬‬
‫تعريف الربا اصطالحا ‪:‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫ـ قيل يف تعريفه ‪ :‬هو الزيادة يف أشياء خمصوصة ‪.‬‬


‫ـ وقيل ‪ :‬هو الزيادة يف املال مقابل الزيادة يف األجل ‪.‬‬
‫ـ وقيل ‪ :‬هو الزيادة يف أشياء خمصوصة عند مبادلتها جبنسها ‪ ،‬أو التأجيل يف أشياء خمصوصة ‪.‬‬
‫ـ وقيل ‪ :‬هو الزيادة أو التأجيل يف أموال خمصوصة ‪.‬‬
‫فدخل بذكر الزيادة ‪ :‬ربا الفضل ‪ ،‬وربا اجلاهلية ‪ .‬ودخل بذكر التأجيل ‪ :‬ربا النسيئة ‪.‬‬
‫وهذا التعريف األخري هو األحسن ؛ ألنه جامع ‪ ،‬فقد مشل الزيادة والتأجيل ‪ ،‬باإلضافة إىل وضوح عبارته وإجيازها‬
‫ثانيا ‪ :‬حكم الربا ‪:‬‬
‫الربا حمرم بالكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬واإلمجاع ‪ .‬وهو من كبائر الذنوب ‪.‬‬
‫فمن الكتاب قول اهلل تعاىل ‪ ( :‬وأحل اهلل البيع ‪ .‬وحرم الربا ) ‪ .‬فقد نص اهلل تعاىل على حترمي الربا ‪ ،‬مفرقا بينه‬
‫وبني البيع الذي أباحه سبحانه ‪ .‬وقال تعاىل ‪ ( :‬ميحق اهلل الربا ‪ .‬ويريب الصدقات ) ‪ .‬أي ميحق بركة املال الذي خالطه‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫الربا ؛ فمهما كثرت أموال املرايب وتضخمت فهي ممحوقة الربكة ‪ ،‬ال خري فيها ‪ ،‬وإمنا هي وبال على صاحبها ‪ ،‬تعب يف‬
‫الدنيا ‪ ،‬وعذاب يف اآلخرة ‪ ،‬وال ينتفع منها ‪ .‬ويف آية أخرى أعلن اهلل احلرب منه ومن رسوله على املرابني ؛ ألهنم أعداء‬
‫هلما إن مل يرتكوا الربا ‪ ،‬ووصفهم بأهنم ظاملون ‪.‬‬
‫وأما من ال سنة فقد وردت أحاديث كثرية يف حترمي الربا ‪ ،‬والنهي عنه ‪ .‬ونصت على أنه من الكبائر املوبقات ‪.‬‬
‫ومن ذلك ما ورد يف الصحيح من حديث جابر رضي اهلل عنه ‪ ( :‬لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم آكل الربا ‪ ،‬وموكله‬
‫‪ ،‬وكاتبه ‪ ،‬وشاهديه ‪ .‬وقال ‪ :‬هم سواء ) رواه مسلم ‪ .‬وأخرب النيب صلى اهلل عليه وسلم أن درهم ربا واحدا أشد من ثالث‬
‫وثالثني أو ست وثالثني زنية يف اإلسالم ‪ .‬كما أخرب أيضا بأن الربا اثنان وسبعون بابا ؛ أدناها مثل إتيان الرجل أمه ‪.‬‬
‫وقد أمجع أهل العلم على حترمي الربا يف املعامالت كما حكى ابن رشد ‪ ،‬والنووي ‪ ،‬وشيخ اإلسالم ‪ ،‬وغريهم ‪ .‬بل‬
‫أمجعت مجيع الشرائع على حترميه ‪ .‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ( :‬وحترمي الربا أشد من حترمي امليسر ‪ ،‬وهو القمار ؛ ألن‬
‫املرايب قد أخذ فضال حمققا من حمتاج ‪ ،‬واملقامر قد حيصل له فضل ‪ ،‬وقد ال حيصل له فضل ‪ .‬فالربا ظلم حمقق ؛ ألن فيه‬
‫‪19‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫تسليط الغين على الف قري ؛ خبالف القمار ؛ فإنه قد يأخذ فيه الفقري من الغين ‪ .‬وقد يكون املتقامران متساويني يف الغىن‬
‫والفقر ؛ فهو ـ وإن كان أكال للمال بالباطل وهو حمرم ـ فليس فيه من ظلم احملتاج وضرره ما يف الربا ) ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الحكمة من تحريم الربا ‪:‬‬
‫تأيت احلكمة من حترمي الربا من وجوه عديدة ؛ من أبرزها ما يأيت ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن فيه أكال ألموال الناس بغري حق ؛ ألن املرايب يأخذ منهم الربا من غري أن يستفيدوا شيئا يف مقابله ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن فيه إضرارا بالفقراء واحملتاجني مبضاعفة الديون عليهم عند عجزهم عن تسديدها ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن فيه قطعا للمعروف بني الناس ‪ ،‬وسدا لباب القرض احلسن ‪ ،‬وفتحا لباب القرض بالفائدة اليت تثقل كاهل الفقري ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أن فيه تعطيال للمكاسب ‪ ،‬والتجارات ‪ ،‬واحلرف ‪ ،‬والصناعات ‪ ،‬اليت ال تنتظم مصاحل العامل إال هبا ؛ ألن املرايب إذا‬
‫حتصل على زيادة ماله بواسطة الربا بدون تعب فلن يلتمس طرقا أخرى للكسب حتتاج إىل جمهود وعناء ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ أن اهلل تعاىل جعل طريق تعامل الناس يف معايشهم قائما على أن تكون استفادة كل واحد من اآلخر يف مقابل عمل‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫يقوم به وحوه ‪ ،‬أو عني يدفعها إليه ‪ ،‬والربا خال عن ذلك ؛ ألنه عبارة عن إعطاء املال مضاعفا من طرف آلخر بدون‬
‫مقابلة من عني وال عمل ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬أنواع الربا ‪:‬‬
‫الربا نوعان ؛ مها ‪:‬‬
‫النوع األول ـ ربا النسيئة ‪ :‬وهو التأخري والتأجيل ‪ ،‬مأخوذ من النسأ ؛ مبعىن ‪ :‬التأخري ‪ .‬وهو قسمان ‪:‬‬
‫القسم األول ‪ :‬قلب الدين على املعسر ‪ ،‬وهذا هو أصل الربا يف اجلاهلية ؛ وذلك أن الرجل يكون له على الرجل املال‬
‫املؤجل فإذا حل األجل قال له ‪ :‬أتقضي ‪ ،‬أم تريب ؟ ‪ .‬فإن وفاه وإال زاد هذا يف األجل ‪ ،‬وزاد ذاك يف املال ‪ .‬فيتضاعف‬
‫املال يف ذمة املدين ‪ .‬فحرم اهلل ذلك ؛ وقال سبحانه ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ) ‪ ،‬وأوجب‬
‫إنظار املعسر ؛ فقال تعاىل ‪ ( :‬وإن كان ذو عسرة فنظرة إىل ميسرة ) ‪.‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬ما كان يف بيع جنس ربوي جبنسه مؤجال ‪ ،‬أو بيع جنسني اتفقا يف علة ربا الفضل ‪ ،‬مع تأخري قبضهما ‪،‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫أو قبض أحدمها ؛ كبيع الذهب بالذهب مؤجال ‪ ،‬وكذلك بيع الفضة بالذهب مؤجال ‪.‬‬
‫النوع الثاني ـ ربا الفضل ‪ :‬مأخوذ من الفضل ‪ :‬أي الزيادة ‪ .‬وهو عبارة عن بيع جنس ربوي جبنسه بتفاضل بينهما ‪،‬‬
‫حبيث يزيد أحد العوضني عن اآلخر ‪ .‬كبيع صاع رطب بصاعي متر ‪.‬‬
‫وهذا يستدعي منا بيان املراد باألموال الربوية ؛ فنقول ‪ :‬قد حدد النيب صلى اهلل عليه وسلم مجلة من األموال‬
‫بالنص عليها ‪ ،‬وهي ستة ؛ فقال ‪ ( :‬الذهب بالذهب ‪ ،‬والفضة بالفضة ‪ ،‬والرب بالرب ‪ ،‬والتمر بالتمر ‪ ،‬والشعري بالشعري ‪،‬‬
‫وامللح بامللح ‪ :‬مثال مبثل ‪ ،‬سواء بسواء ‪ ،‬يدا بيد ‪ .‬فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ) ‪.‬‬

‫‪20‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫خامسا ‪ :‬علة الربا ‪:‬‬


‫األصناف الستة اليت وردت يف احلديث السابق واليت تقدم بياهنا جممع على أهنا أموال ربوية جيري فيها الربا ‪ .‬فهل‬
‫يقاس عليها غريها ؟‬
‫مجاهري أهل العلم على أنه يقاس على هذه الستة ما شاركها يف العلة ‪ .‬فما علة الربا يف تلك األصناف الستة ؟‬
‫أما الذهب والفضة فعلة الربا فيهما هي الثمنية ـ على الراجح من أقوال الفقهاء ـ ؛ فمىت وجدت هذه العلة يف نقد‬
‫آخر غريمها أخذ حكمهما ‪ ،‬فجرى فيه الربا ‪ .‬فكل ما جعل أمثانا فإنه يقاس عليهما ‪ ،‬فال يباع جبنسه إال مثال مبثل ‪ ،‬يدا‬
‫بيد ‪ .‬وإذا بيع بنقد من غري جنسه جاز التفاضل ‪ ،‬لكن وجب التقابض ‪ ،‬فال جيوز التأجيل ‪.‬‬
‫وأما األصناف األربعة الباقية ( الرب ‪ ،‬والشعري ‪ ،‬والتمر ‪ ،‬وامللح ) فالعلة فيها ـ على القول الراجح من كالم الفقهاء‬
‫ـ ‪ :‬هي الكيل ‪ ،‬أوالوزن ‪ ،‬مع كوهنا مطعومة ‪ .‬فإذا وجدت هذه العلة يف طعام آخر غريها كاألرز جرى فيه الربا ‪.‬‬
‫ملاذا خص احلديث هذه األصناف الستة بالذكر ؟ خصها بالذكر ألهنا تنتظم األشياء األساس اليت حيتاج الناس‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫إليها ‪ ،‬وال غىن هلم عنها ‪ .‬فالذهب والفضة مها العنصران األساسان للنقود ‪ ،‬فهما مادة األمثان اليت يرجع إليها يف تقومي‬
‫السلع ‪ .‬وأما بقية األعيان األربعة فهي عناصر األغذية ‪ ،‬وأصول القوت الذي به قوام احلياة ‪ .‬فإذا جرى الربا يف هذه‬
‫األش ياء اليت هي هبذه األمهية كان ضارا بالناس ‪ ،‬ومفضيا إىل الفساد يف املعاملة ‪ .‬فمنع الشارع منه ؛ رمحة بالناس ‪ ،‬ورعاية‬
‫ملصاحلهم ‪.‬‬
‫وللتعامل في األموال الربوية ـ حين مبادلة بعضها ببعض ـ ثالث أحوال ‪:‬‬
‫الحال األولى ‪ :‬أن يتفق البدالن يف اجلنس ‪ ،‬والعلة ‪ .‬مثل الذهب بالذهب ‪ ،‬والرب بالرب ‪ .‬فهنا يشرتط شرطان ‪:‬‬
‫‪1‬ـ التماثل ( أي التساوي يف املقدار) ‪.‬‬
‫‪2‬ـ التقابض من الطرفني يف جملس العقد ‪ .‬فيحرم التفاضل والتأجيل ‪.‬‬
‫الحال الثانية ‪ :‬أن خيتلف البدالن يف اجلنس ‪ ،‬ويتحدا يف العلة ‪ .‬مثل الذهب بالفضة ‪ ،‬والرب بالتمر ‪ .‬فهنا يشرتط شرط‬
‫واحد فقط وهو التقابض يف جملس العقد ‪ ،‬وحيرم التأجيل ‪ .‬أما التماثل ( أي التسـاوي ) فال يشرتط ‪ .‬فيجوز التفاضل ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫الحال الثالثة ‪ :‬أن خيتلف البدالن يف اجلنس ‪ ،‬والعلة ‪ .‬مثل الذهب بالرب ‪ .‬فهنا ال يشرتط التماثل ‪ ،‬وال التقابض ‪ .‬فيجوز‬
‫التفاضل ‪ ،‬والتأجيل ‪.‬‬
‫حكم األوراق النقدية ( العمالت ) ‪:‬‬
‫جيري الربا يف األوراق النقدية ‪ ،‬وهي العمالت اليت يتداوهلا الناس اليوم كما جيري يف الذهب والفضة ؛ ألهنا‬
‫شاركتهما يف العلة ( وهي الثمنية ) ‪ .‬وتعد تلك العمالت اليوم فيما بينها أجناسا ؛ فكل عملة منها جنس مستقل عن‬
‫اآلخر حيث كانت صادرة من دول ة واحدة ‪ ،‬كالذهب والفضة ؛ فهما جنسان مستقالن عن بعضهما ‪ .‬وعلى هذا فإذا‬
‫جرى مبادلة عملة مبثلها ـ كمبادلة رياالت سعودية برياالت سعودية ـ فال جيوز التفاضل ‪ ،‬وال التأجيل ‪ .‬وإذا جرى مبادلة‬
‫عملة بعملة أخرى فيجوز التفاضل ‪ ،‬وال جيوز التأجيل ‪ .‬فيجوز مثال مبادلة مخسني رياال بعشرين دوالرا ‪ ،‬لكن بشرط‬
‫التقابض‬

‫‪21‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫وما ليس من األموال الستة ‪ ،‬وال يشاركها يف العلة اليت سبق بياهنا فال جيري فيه الربا ‪ ،‬كاحليوان ‪ ،‬والثياب ‪،‬‬
‫واألواين ‪ ،‬واملالبس ؛ فيجوز بيع ثوب بثوبني ‪ ،‬وبيع إناء بإنائني ‪ ،‬وبيع شاة بشاتني حاال ومؤجال ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪22‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة السادسة )‬
‫الصرف ( تعريف الصرف ‪ ،‬حكمه ‪ ،‬شروطه ‪ ،‬نبذة عن بعض المعامالت المصرفية الشائعة )‬
‫تقدم يف احللقة السابقة الكالم عن القسم األول وهو الربا ؛ فبينا تعريفه ‪ ،‬وحكمه ـ وأنواعه ‪ ،‬وعلة الربا ‪ ،‬وأحوال‬
‫التعامل يف األموال الربوية ‪ ،‬وحكم األوراق النقدية ‪ .‬ونتكلم يف هذه احللقة عن القسم الثاين وهو الصرف فنقول ‪.:‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الصرف‬
‫الصرف هو ‪ :‬بيع نقد بنقد سواء احتد اجلنس أم اختلف ‪ .‬فالصرف هو املبادلة بني النقود خاصة دون سائر‬
‫السلع ؛ فهو مبادلة نقد بنقد ‪ ،‬سواء كان من جنسه أم من غري جنسه ‪ .‬ويشمل ذلك مبادلة ذهب بذهب ‪ ،‬وفضة بفضة‬
‫‪ ،‬وذهب بفضة ‪ .‬وكذلك مبادلة األوراق النقدية املتعامل هبا اليوم ( أي العمالت ) بعضها ببعض ؛ فإهنا تأخذ حكم‬
‫الذهب والفضة يف جريان الربا فيها ؛ الشرتاكها معهما يف علة الربا ( وهي الثمنية ) كما سبق تقريره ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬حكم الصرف‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫إذا جرى الصرف فبيع نقد بنقد فينظر ‪ :‬إن بيع نقد جبنسه كذهب بذهب ‪ ،‬أو فضة بفضة ‪ ،‬أولاير سعودي بريال‬
‫سعودي فيشرتط أمران ‪ :‬التماثل ( أي التساوي يف املقدار ) ‪ ،‬والتقابض يف جملس العقد ‪ .‬فال جيوز تفاضل وال تأجيل ‪.‬‬
‫أما إذا بيع نقد بنقد من غري جنسه كذهب بفضة ‪ ،‬ولاير بدوالر فإنه جيب أمر واحد فقط وهو التقابض يف جملس العقد ‪،‬‬
‫وال جيوز التأجيل ‪ .‬أما التماثل ( أي التساوي يف املقدار ) فال يشرتط ‪ ،‬فيجوز التفاضل ‪.‬‬
‫وأما بيع احللي من الذهب أو الفضة ‪ :‬فإذا بيع حلي ذهب أو فضة حبلي من جنسه ‪ ،‬أو بنقد من جنسه ـ كأن‬
‫يباع حلي من ذهب حبلي من ذهب ‪ ،‬أو بنقد من ذهب ـ فإنه يشرتط أمران ‪ :‬التقابض يف جملس العقد ‪ ،‬والتساوي يف‬
‫الوزن ‪ .‬وال جيوز التفاضل ‪ ،‬وال التأجيل ‪ .‬أما إذا بيع حلي الذهب أو الفضة حبلي من غري جنسه ‪ ،‬أو بنقد من غري‬
‫جنسه ـ كأن يباع حلي من ذهب حبلي من فضة ‪ ،‬أو بنقد من فضة أو من العمالت النقدية ـ فإنه يشرتط أمر واحد فقط‬
‫وهو التقابض يف جملس العقد ‪ ،‬فال جيوز التأجيل ‪ .‬أما التماثل ( وهو التساوي يف املقدار ) فال يشرتط ‪ ،‬فيجوز التفاضل‬
‫ثالثا ‪ :‬شروط الصرف‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫يستنتج مما سبق أنه يشرتط يف الصرف ما يأيت ‪:‬‬


‫‪1‬ـ التقابض قبل التفرق سواء احتد اجلنس أم اختلف ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬يدا بيد ) ‪ .‬أي حاال مقبوضا‬
‫يف اجمللس قبل افرتاق أحد املتصارفني عن اآلخر ‪.‬‬
‫‪2‬ـ التماثل ( أي التساوي يف املقدار ) ‪ ،‬وذلك حني يتحد اجلنس ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن ال يكون فيه خيار شرط ؛ ألن ذلك مينع ثبوت البيع ومتامه ‪ ،‬وهذا ال يصلح يف الصرف ‪.‬‬

‫‪23‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫رابعا ‪ :‬نبذة عن بعض المعامالت المصرفية الشائعة‬


‫ومن املعامالت املصرفية الشائعة ما يأيت ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬الحساب الجاري ‪ :‬التوصيف الفقهي للحسابات اجلارية يف املصارف أهنا يف حقيقتها قروض من العمالء على‬
‫املصارف ‪ ،‬واملصرف مستعد للوفاء مىت أراد العميل ‪ .‬وليست ودائع ولو مسيت بـ ( الودائع املصرفية ) ؛ فإن االسم ال يغري‬
‫من احلقيقة شيئا ‪ .‬والدليل على أن احلساب اجلاري قرض على املصرف أمران ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن املصرف يرد بدل املبالغ املوجودة يف احلسابات ‪ ،‬وال يرد عينها ‪ .‬وهذه هي حقيقة القرض ؛ حيث يتصرف املقرتض‬
‫للمودع التصرف فيها ‪.‬‬
‫يف عني القرض ‪ .‬أما الوديعة فال جيوز َ‬
‫املودع ال يضمنها إال بالتعدي أو‬
‫‪2‬ـ أن املصرف يضمن املبالغ للعميل مطلقا ولو مل يتعد أو يفرط ‪ .‬أما الوديعة فإن َ‬
‫التفريط ‪.‬‬
‫وحينئذ فما دام احلساب املصريف قرضا من العميل على املصرف فال جيوز للعميل أن جير لنفسه منفعة من وراء هذا القرض‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫‪ .‬ولذا ال جيوز له أخذ فوائد على فتح احلساب لدى املصرف ‪ .‬ومىت التزم املصرف للعميل بفوائد على فتح احلساب كان‬
‫ذلك من قبيل القرض الذي جر نفعا ‪ ،‬فهو ربا ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬اإليداع اآلجل بفائدة ‪ :‬وهي الودائع الثابتة إىل أجل ‪ ،‬يتصرف فيها املصرف إىل متام األجل ‪ ،‬ويدفع لصاحبها‬
‫فائدة ثابتة بنسبة معينة كعشرة أو مخسة يف املئة ‪ .‬وهذا ربا حمرم يدفعه املصرف للعميل ‪.‬‬
‫وال جيوز للمسلم أن يودع ماله يف املصارف الربوية ولو كان على هيئة حساب جا ٍر وليس إيداعا بفوائد ؛ ألن‬
‫ذلك إعانة هلم على اإلمث والعدوان ‪ ،‬ودعم هلم ‪ ،‬وت قوية ملركزهم املايل ؛ فإن النقد هو عصب عمل املصارف ‪ ،‬وعمادها ‪،‬‬
‫ومصدر أساس لقوهتا املالية ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬القرض بفائدة ‪ :‬وذلك بأن يقرض املصرف أو غريه شخصا مبلغا بشرط أن يوفيه أكثر منه بنسبة معينة ‪ ،‬كما لو‬
‫أقرضه عشرة آالف على أن يوفيه اثين عشر ألفا ‪ ،‬كما هو املعمول به يف املصارف الربوية ‪ .‬وهو ربا صريح ؛ حيث تقوم‬
‫تلك املصارف بعقد صفقات القروض بينها وبني ذوي احلاجات ‪ ،‬وأرباب التجارات ‪ ،‬وأصحاب املصانع واحلرف املختلفة‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫واملشاريع التجارية ‪ .‬فتدفع هلؤالء مبالغ من املال نظري فائدة حمددة بنسبة مئوية ‪ ،‬وتزداد هذه النسبة يف حالة التأخر عن‬
‫السداد يف املوعد احملدد ‪ .‬فيجتمع يف ذلك الربا بنوعيه ‪ :‬ربا الفضل ‪ ،‬وربا النسيئة ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬السندات الربوية ‪ :‬وهي عبارة عن قروض على اجلهة املصدرة للسندات ‪ ،‬سواء أكانت جهة حكومية ‪ ،‬أم شركة‬
‫جتارية ‪ .‬وتكون هذه القروض بفوائد ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬قلب الدين على المعسر ‪ :‬فإذا حل األجل ومل يكن عند املدين سداد زيد عليه الدين بقدر معني ونسبة معينة‬
‫حسب التأخري ‪ .‬وهذا هو ربا اجلاهلية ‪ .‬وهو حمرم باإلمجاع ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬بيع العينة ‪ :‬ـ وقد سبق بيانه يف احللقة الرابعة عند الكالم عن البيوع املنهي عنها ـ ؛ حيث تقوم بعض املصارف‬
‫ب بيع سلعة للعميل كأسهم أو حديد أو معادن وغريها ؛ تبيعها عليه بثمن مؤجل ‪ ،‬مث تشرتيها منه بثمن حال أقل منه ‪.‬‬
‫وحيتالون على ذلك ببعض احليل كأن يومهوا العميل بأهنم سيكونون وكالء له يف بيع تلك السلعة يف األسواق ‪ ،‬ويطلبون‬
‫منه التوقيع على توكيل هلم بالبيع ‪ ،‬وهم يف احلقيقة يبيعون على أنفسهم ‪ .‬واألسوأ من ذلك أن بعض تلك املصارف ال‬
‫‪24‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫يوجد لديهم سلع أصال يف حقيقة األمر ‪ ،‬وإمنا يبيعون على العميل سلعة ومهية ال وجود هلا عندهم يف احلقيقة ‪ .‬فيجتمع‬
‫يف هذه املعاملة الربا ‪ ،‬وبيع اإلنسان ما ليس عنده ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬التورق المصرفي ‪ :‬متارس بعض املصارف يف معامالهتا ما يعد نوعا مما تقدم ذكره ‪ ،‬وتسميه تورقا ؛ إلضفاء‬
‫الشرعية على معامالهتا ‪ .‬وهذا تلبيس ‪ ،‬واحتيال ‪ ،‬ودس للسم يف الدسم ؛ فليس هذا تورقا مباحا ؛ فالتورق املباح ـ كما‬
‫عرفه اجملمع الفقهي اإلسالمي التابع لرابطة العامل اإلسالمي ـ هو ‪ ( :‬شراء الشخص سلعة يف حوزة البائع وملكه بثمن‬
‫مؤجل ‪ ،‬مث يبيعها املشرتي بنقد لغري البائع للحصول على النقد ) ‪ .‬والتورق جائز شرعا عند مجهور أهل العلم ؛ ألنه نوع‬
‫من أنواع البيوع ‪ ،‬ومل يظهر فيه الربا ‪ :‬ال قصدا ‪ ،‬وال صورة ‪ .‬ولكن جوازه مشروط بأن ال يبيع املشرتي السلعة على بائعها‬
‫األول ‪ ،‬وال على نائبه ؛ ألن ذلك يصبح عينة حمرمة توقع يف الربا ‪ .‬والذي تفعله بعض املصارف أهنا تعمد إلبرام ما تعده‬
‫تورقا وهو يف احلقيقة ليس كذلك ‪ .‬وصورة ما تفعله تلك املصارف ‪ :‬أن يتفق عميل مع مصرف على أن يبيعه املصرف‬
‫حديدا مثال مبئيت ألف لاير مؤجل ة ‪ ،‬مث يلتزم املصرف للعميل ببيع ذلك احلديد على طرف ثالث مبئة ومخسني ألفا مثال حالة‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫مث يسلمها املصرف للعميل ‪ .‬وهذه املعاملة حمرمة لألمور اآلتية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن التزام املصرف ببيع احلديد ملشرت آخر شبيه بالعينة ‪ ،‬سواء كان ذلك االلتزام مشروطا صراحة ‪ ،‬أم معلوما حبكم‬
‫العرف والعادة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن هذه املعاملة صورية ؛ فهي على الورق فقط يف معظم أحواهلا ‪ ،‬وإمنا يهدف املصرف منها إىل الرتبح مما قدمه من‬
‫متويل نقدي ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن هذه املعاملة ال يتحقق فيها القبض الشرعي املعترب غالبا ‪.‬‬
‫وقد صدر قرار اجملمع الفقهي اإلسالمي بتحرمي هذه املعاملة هبذه الصورة جاء فيه ‪ ( :‬تبني للمجلس أن التورق الذي جتريه‬
‫بعض املصارف يف الوقت احلاضر هو قيام املصرف بعمل منطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة ـ ليست من الذهب أو الفضة ـ‬
‫من أسواق السلع العاملية أو غريها على املستورق بثمن آجل على أن يلتزم املصرف ـ إما بشرط يف العقد ‪ ،‬وإما حبكم‬
‫العرف والعادة ـ بأن ينوب عنه يف بيعها على مشرت آخر بثمن حاضر ‪ ،‬وتسليم مثنها للمستورق ‪ .‬وبعد النظر والدراسة قرر‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫جملس اجملمع ما يلي ‪:‬‬


‫أوال ‪ :‬عدم جواز هذا التورق لألمور اآلتية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن التزام البائع يف عقد التورق بالوكالة يف بيع السلعة ملشرت آخر ‪ ،‬أو ترتيب من يشرتيها جيعلها شبيهة بالعينة املمنوعة‬
‫شرعا ‪ ،‬سواء أكان االلتزام مشروطا صراحة ‪ ،‬أم حبكم العرف والعادة املتبعة ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن هذه املعاملة تؤدي يف كثري من احلاالت إىل اإلخالل بشروط القبض الشرعي الالزم لصحة املعاملة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن واقع هذه املعاملة يقوم على منح مت ويل نقدي بزيادة ملن مسي باملستورق فيها من املصرف يف معامالت البيع والشراء‬
‫اليت جتري منه واليت هي صورية يف معظم أحواهلا ‪ ،‬هدف البنك من إجرائها أن تعود عليه بزيادة على ما قدم من متويل ‪.‬‬
‫وهذه املعاملة غري التورق احلقيقي املعروف عند الفقهاء ‪ ...‬إخل ) ‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫إذا ع لم ذلك ؛ فإنه مىت أراد املصرف تورقا حقيقيا شرعيا غري حيلة فليبع على العميل سلعة حقيقية ميلكها ـ كأسهم ‪،‬‬
‫وعقارات ـ بثمن مؤجل ‪ ،‬ألجل معلوم ‪ ،‬وأقساط حمددة معلومة يستوفيها املصرف من رواتب العميل مثال ‪ .‬ويقبض‬
‫املشرتي السلعة قبض مثلها ‪ ،‬مث يبيعها بنقد حال على غري املصرف ‪ .‬كأسهم تسجل يف حمفظته ‪ ،‬مث يبيعها يف سوق‬
‫األسهم ؛ لينتفع العميل بثمنها يف احلصول على غرضه كشراء سيارة ‪ ،‬أو بناء منزل ‪ ،‬أو وحو ذلك من األغراض‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪26‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة السابعة )‬
‫السلم ( تعريفه ‪ ،‬أركانه ‪ ،‬حكمه ‪ ،‬الحكمة من مشروعيته ‪ ،‬شروط صحته ‪ ،‬أحكامه )‬
‫تقدم يف احللقة السابقة الكالم عن الصرف ؛ فبينا تعريفه ‪ ،‬وشروطه ‪ .‬وأخذنا نبذة عن بعض املعامالت املصرفية‬
‫الشائعة ‪ .‬وبه انتهى احلديث عن الربا والصرف ‪ .‬فننتقل يف هذه احللقة إىل موضوع جديد ؛ وهو السلم ‪ :‬فنبني تعريفه ‪،‬‬
‫وأركانه ‪ ،‬وحكمه ‪ ،‬واحلكمة من مشروعيته ‪ ،‬وشروط صحته ‪ ،‬وأحكامه ؛ فنقول ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف السلم‬
‫‪1‬ـ تعريفه لغة ‪ :‬مأخوذ من التسليم ‪ ،‬ويسمى السلف ‪ .‬وقد مسي سلما ألن رأس املال مسلم يف جملس العقد ‪ ،‬ومسي‬
‫سلفا لتقدم رأس املال ( أي الثمن ) حبيث يتسلمه البائع سلفا قبل أوان تسليم املبيع ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تعريفه اصطالحا ‪ :‬حقيقة السلم هي تعجيل الثمن ‪ ،‬وتأجيل املثمن ‪ .‬ويعرفه الفقهاء بأنه ‪ ( :‬عقد على موصوف يف‬
‫الذمة مؤجل ‪ ،‬بثمن مقبوض يف جملس العقد ) ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫شرح التعريف ‪:‬‬


‫( عقد على موصوف ) ‪ :‬فال بد أن تكون السلعة موصوفة غري معينة ‪ .‬فيوصف نوعها ‪ ،‬ال عينها ‪ .‬وال يصح أن يكون‬
‫السلم على سلعة بعينها ؛ إذ ميكن أن تباع بيعا ‪.‬‬
‫( يف الذمة ) ‪ :‬فال يصح أن يكون السلم على سلعة موصوفة موجودة يف املكان الفالين اليت وصفها كذا وكذا ؛ ألن هذا‬
‫موصوف معني ‪ ،‬وليس يف الذمة ‪.‬‬
‫( مؤجل ) ‪ :‬فيلزم أن تكون السلعة يف السلم مؤجلة ‪.‬‬
‫( بثمن مقبوض يف جملس العقد ) ‪ :‬فإن كان الثمن مؤجال مل يصح البيع ؛ ألنه بيع دين بدين ‪.‬‬
‫ومثال السلم ‪ :‬أن يدفع املشرتي يف السلم ( وهو املسلِم ) مخسة آالف نقدا حالة للبائع على أن يعطيه البائع (‬
‫م‬
‫وهو املسلَم إليه ) بعد ستة أشهر مثال مئة كيلو جرام رطب من نوع اخلالص مثال ‪.‬‬
‫م‬
‫ثانيا ‪ :‬أركان السلم‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫للسلم أربعة أركان ؛ هي ‪:‬‬


‫‪1‬ـ العاقدان ( ومها املسلِم ‪ ،‬واملسلَم إليه ) ‪.‬‬
‫م‬ ‫م‬
‫‪2‬ـ الثمن ( وهو رأس مال السلم ) ‪.‬‬
‫‪3‬ـ السلعة ( وهي املسلَم فيه ) ‪.‬‬
‫م‬
‫‪4‬ـ صيغة العقد ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬حكم السلم‬
‫السلم جائز بالكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬واإلمجاع ‪.‬‬
‫فمن الكتاب قول اهلل تعاىل ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إىل أجل مسمى فاكتبوه ) ‪ .‬قال ابن عباس‬
‫رضي اهلل عنهما ‪ ( :‬أشهد أن السلف املضمون إىل أجل مسمى قد أحله اهلل يف كتابه ‪ ،‬وأذن فيه ) ‪ ،‬مث قرأ هذه اآلية ‪.‬‬

‫‪27‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫ومن السنة حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما قال ‪ ( :‬قدم النيب صلى اهلل عليه وسلم املدينة وهم يسلفون يف‬
‫الثمار السنتني ‪ ،‬والثالث فقال ‪ ( :‬من أسلف يف شيء فليسلف يف كيل معلوم ‪ ،‬ووزن معلوم ‪ ،‬إىل أجل معلوم ) ‪ .‬متفق‬
‫عليه ‪ .‬فدل هذا احلديث على جواز السلم إذا استوىف شروطه ‪.‬‬
‫وأما من اإلجماع فقد حكى ابن املنذر وغريه إمجاع العلماء على جوازه ‪ ،‬قال ابن املنذر ـ رمحه اهلل ـ ‪ " :‬أمجع كل‬
‫من وحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز " ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬الحكمة من مشروعية السلم‬
‫السلم من حماسن هذه الشريعة ؛ ألن فيه توسعة على الناس وتيسريا عليهم ‪ ،‬وفيه مصلحة للطرفني ؛ فاملشرتي (‬
‫وهو املسلِم ) ينتفع بنقص الثمن ‪ ،‬والبائع ( وهو املسلَم إليه ) ينتفع بتعجيل الثمن ؛ فاملزارع مثال قد ال ميلك نقدا ينفقه‬
‫م‬ ‫م‬
‫يف إصالح أرضه وزراعته ‪ ،‬وال جيد من يقرضه ‪ .‬فأبيح له السلم حىت ال تفوته مصلحة استثمار أرضه ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬شروط صحة السلم‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫السلم نوع من البيع ‪ ،‬ولذا فإنه يشرتط لصحته شروط صحة البيع اليت سبق بياهنا يف احللقة الثانية ‪ .‬ويضاف‬
‫إليها شروط خاصة زائدة على تلك الشروط ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬أن يكون املسلم فيه مما ميكن انضباط صفاته ‪ .‬فيشرتط انضباط صفات السلعة املسلم فيها ؛ ألن ما ال‬
‫ميكن ضبط صفاته خيتلف كثريا ‪ ،‬فيفضي ذلك إىل املنازعة بني الطرفني ‪ .‬وعلى هذا فال يصح السلم فيما ختتلف صفاته ؛‬
‫كالبقول ‪ ،‬واجللود ‪ ،‬واألواين املختلفة ‪.‬‬
‫ويلحظ أن الفقهاء املتقدمني يذكرون أشياء كانت يف زماهنم مما ال ينضبط بالصفة وميثلون باألواين ‪ ،‬أما اآلن يف‬
‫هذا العصر فيمكن ضبط كثري من األشياء بالصفة نظرا للتقدم الصناعي والتقين ‪ ،‬وهلذا فإنه ميكن السلم فيها ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬أن يذكر جنس املسلم فيه ‪ ،‬ونوعه ؛ فاجلنس مثل التمر ‪ ،‬والنوع مثل السكري ‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬أن يكون املسلم فيه معلوم القدر ‪ .‬فيذكر قدر املسلم فيه ‪ :‬بكيل ‪ ،‬أو وزن ‪ ،‬أو ذرع ؛ لقول النيب صلى‬
‫اهلل عليه وس لم يف احلديث السابق املتفق عليه ‪ ( :‬من أسلف يف شيء فليسلف يف كيل معلوم ‪ ،‬ووزن معلوم ‪ ،‬إىل أجل‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫معلوم ) ‪ .‬وألنه إذا جهل مقدار املسلم فيه تعذر استيفاؤه ‪.‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬أن يكون للسلم أجل معلوم حمدد من الطرفني ‪ ،‬له وقع يف الثمن ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم يف‬
‫احلديث السابق ‪ ... ( :‬إىل أجل معلوم ) ‪ .‬ولقوله تعاىل ‪ ( :‬إذا تداينتم بدين إىل أجل مسمى فاكتبوه ) ‪ .‬فدلت اآلية‬
‫الكرمية واحلديث الشريف على اشرتاط التأجيل يف السلم ‪ ،‬وحتديد األجل حبد يعلمه الطرفان ‪ .‬فال يصح إذا كان األجل‬
‫جمهوال كقدوم زيد إذا كان قدومه غري معلوم ‪ ،‬أما إذا كان قدومه معلوما فاألجل معلوم ‪ .‬ويصح ـ على الراجح ـ أن يقول ‪:‬‬
‫أسلمت إليك إىل وقت احلصاد واجلذاذ ؛ ألنه ال يتفاوت كثريا يف العادة ‪ ،‬ووقت احلصاد واجلذاذ معلوم ‪ .‬وحينئذ يتعلق‬
‫بأول احلصاد وأول اجلذاذ ‪ ،‬فيكون هو األجل ‪.‬‬
‫الشرط الخامس ‪ :‬أن يوجد ا ملسلم فيه غالبا يف وقت حلول أجله املتفق عليه ؛ وذلك ليمكن تسليمه يف وقته ‪ .‬فإن كان‬
‫املسلم فيه ال يوجد يف وقت حلول أجله مل يصح السلم ‪ ،‬وذلك كما لو أسلم يف رطب أو عنب إىل الشتاء فال يصح ؛‬
‫ألن الشتاء ليس وقت وجود العنب والرطب ‪ ،‬وإمنا يكون ذلك يف الصيف ‪.‬‬
‫‪28‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫الشرط السادس ‪ :‬أن يقبض املسلَم إليه الثمن كامال معلوم املقدار يف جملس العقد ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫م‬
‫السابق ‪ ( :‬من أسلف يف شيء فليسلف يف كيل معلوم ‪ ) ...‬احلديث ‪ .‬أي ‪ :‬فليعط ‪ .‬قال اإلمام الشافعي ـ رمحه اهلل ـ ‪:‬‬
‫( ألنه ال يقع اسم السلف فيه حىت يعطيه ما أس لفه قبل أن يفارق من أسلفه ‪ .‬وألنه إذا مل يقبض الثمن يف اجمللس صار‬
‫بيع دين بدين ‪ ،‬وهذا ال جيوز ) ‪ .‬فال يصح مع تأجيل الثمن كله ؛ لئال يكون من بيع الدين بالدين ‪ .‬وإن قبض بعضه‬
‫وأجل البعض اآلخر صح العقد يف املقبوض ‪ ،‬وبطل يف املؤجل ‪.‬‬
‫الشرط السابع ‪ :‬أن يكون املس لم فيه غري معني ‪ ،‬بل يكون دينا يف الذمة ‪ .‬فال يصح السلم يف بستان معني أو شجرة‬
‫معينة ‪ ،‬حاضر أو غائب ؛ ألنه ال يؤمن تلف املعني قبل تسليمه ‪ ،‬فيفوت املقصود ‪.‬‬
‫وقد روى ابن ماجه عن عبد اهلل بن سالم رضي اهلل عنه ‪ ( :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أسلف إليه رجل من‬
‫ال يهود دنانري يف متر مسمى ‪ ،‬فقال اليهودي ‪ :‬من متر حائط بين فالن ‪ .‬فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أما من حائط‬
‫بين فالن فال ‪ ،‬ولكن ‪ :‬كيل مسمى ‪ ،‬إىل أجل مسمى ) ‪ .‬ويف إسناده ضعف لكن معناه صحيح يعضده اتفاق أهل العلم‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫؛ قال ابن املنذر ‪ " :‬إبطال السلم إذا أسلم يف مثرة بستان بعينه كاإلمجاع من أهل العلم " ‪.‬‬
‫الشرط الثامن ‪ :‬أن ال يكون املسلم فيه مما يلزم فيه التقابض ؛ ألن السلم فيه يفضي إىل ربا النسيئة ‪ ،‬كما لو أسلم ذهبا‬
‫يف فضة ‪ ،‬أو مترا يف بر ‪ .‬فال يصح ؛ ألنه يؤدي إىل الربا ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬أحكام السلم‬
‫من أحكام السلم ما يأيت ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ يكون الوفاء وتسليم السلعة املسلم فيها يف مكان العقد نفسه إن كان يصلح لذلك ‪ .‬أما إن كان ال يصلح ـ كما لو‬
‫عقدا يف صحراء ‪ ،‬أو حبر ـ فال بد من ذكر مكان الوفاء ‪ ،‬وحتديده ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إذا تراضى املتعاقدان يف السلم على مكان معني للتسليم جاز ذلك ‪ .‬وإن اختلفا رجعنا إىل حمل العقد حيث كان‬
‫يصلح لذلك كما تقدم ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ال جيوز بيع السلعة املسلم فيها قبل قبضها ؛ لنهي النيب صلى اهلل عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪4‬ـ ال تصح احلوالة على السلعة املسلم فيها ؛ ألن احلوالة ال تصح إال على دين مستقر ‪ ،‬والسلم عرضة للفسخ ‪.‬‬
‫‪5‬ـ إذا تع ذر وجود املسلم فيه وقت حلوله ـ كما لو أسلم يف مثرة فلم حيمل الشجر تلك السنة ـ فلرب السلم الصرب إىل أن‬
‫يوجد املسلم فيه فيطالب به ‪ ،‬أو الفسخ واسرتداد رأس ماله ؛ ألن العقد إذا زال وجب رد الثمن ‪ ،‬فإن كان الثمن تالفا‬
‫فإنه يرد بدله ‪.‬‬
‫‪6‬ـ هل يصح السلم حاالّ ؟ اختل ف العلماء يف هذا على قولني ‪ :‬فمنهم من منعه ‪ ،‬ومنهم من أجازه ‪ .‬وليس بني القولني‬
‫فرق كبري ؛ فاملانعون عدوه بيعا حاالّ ‪ ،‬واجمليزون عدوه سلما ‪ .‬فهو عقد صحيح عند الفريقني ؛ لكنه بيع عند فريق ‪،‬‬
‫وسلم عند فريق آخر‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة الثامنة )‬
‫( تطبيقات معاصرة على السلم ـ ـ عقد االستصناع ‪ :‬تعريفه ‪ ،‬أركانه ‪ ،‬حكمه ‪ ،‬شروطه ‪ ،‬تطبيقات معاصرة‬
‫لالستصناع )‬
‫بدأنا يف احللقة السابقة احلديث عن السلم ؛ فبينا تعريفه ‪ ،‬وأركانه ‪ ،‬وحكمه ‪ ،‬واحلكمة من مشروعيته ‪ ،‬وشروط‬
‫صحته ‪ ،‬وأحكامه ‪ .‬ونواصل يف هذه احللقة فنكمل ما تبقى من باب السلم ؛ حيث نتناول بعض التطبيقات املعاصرة‬
‫على السلم ‪ ،‬مث ننتقل إىل الكالم عن االستصناع ؛ فنبني تعريفه ‪ ،‬وحكمه ‪ ،‬وشروطه ‪ ،‬ونتعرض لبعض التطبيقات‬
‫املعاصرة عليه ؛ فنقول ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تطبيقات معاصرة على السلم‬
‫من التطبيقات املعاصرة على السلم ما يأيت ‪:‬‬
‫أوال ـ السلم الموازي ‪:‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫وصورته أن يعقد املصرف عقدين منفصلني مع اثنني من املزارعني يف حمصول معني من جنس واحد يف العقدين ‪،‬‬
‫يكون املصرف يف أحد العقدين مسلِما ‪ ،‬ويدفع الثمن للمزارع نقدا ‪ .‬ويكون يف اآلخر مسلَما إليه بثمن أعلى من الثمن‬
‫الذي يف العقد األول ‪ ،‬ويكون األجل يف العقد الثاين ـ غالبا ـ متأخرا عن األجل يف العقد األول ‪ .‬ومثال ذلك كاآليت ‪:‬‬
‫العقد األول ‪ :‬أن يوقع املصرف عقد سلم مع املزارع زيد ‪ ،‬يدفع املصرف مبقتضاه مئة ألف لاير سلما يف عشرين ألف كيلو‬
‫جرام أرز مبواصفات معينة ‪ ،‬على أن يكون موعد التسليم بعد مثانية أشهر من تاريخ العقد ‪ ( .‬فاملصرف هنا هو املسلِم ‪،‬‬
‫واملزارع زيد هو املسلَم إليه ) ‪.‬‬
‫العقد الثاين ‪ :‬أن يوقع املصرف نفسه يف اليوم التايل عقد سلم مع املزارع عمرو ‪ ،‬يسلم املصرف مبقتضاه عشرين ألف كيلو‬
‫جرام أرز من جنس املعقود عليه يف العقد األول ومبواصفاته نفسها بثمن قدره مئة وعشرون ألف لاير ‪ ،‬على أن يكون موعد‬
‫التسليم بعد عشرة أشهر من تاريخ العقد ‪ ( .‬فاملصرف هنا هو املسلَم إليه ‪ ،‬واملزارع عمرو هو املسلِم ) ‪.‬‬
‫وحكم هذا أنه جائز ‪ ،‬وكال العقدين صحيحان ؛ ألهنما مستقالن عن بعضهما ‪ ،‬وال ارتباط بينهما ‪ .‬وهذا ما‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫يسمى بالسلم املوازي ‪ ،‬وهو جائز وفق الضوابط اآلتية ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ الفصل بني العقدين ؛ فال يكون احملصول املسلم فيه يف العقد األول هو عني احملصول املسلم فيه يف العقد الثاين ؛ لئال‬
‫يكون املصرف قد باع السلعة قبل قبضها ‪ .‬وإمنا يكون حمصوال آخر من جنس األول ومبواصفاته نفسها ‪ .‬فيستقل كل عقد‬
‫بأركانه ‪ ،‬وال يبقى بني العقدين اتصال ‪.‬‬
‫‪2‬ـ امتالك املصرف يف العقد الثاين األرز امتالكا حقيقيا ‪.‬‬
‫‪3‬ـ قبض املصرف لألرز قبل تسليمه للمزارع عمرو يف العقد الثاين ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أن يتحمل املصرف مسؤوليته كاملة ؛ فلو تعذر تسليم احملصول يف العقد األول إىل املصرف فإنه جيب على املصرف‬
‫توفري حمصول العقد الثاين من السوق حسب املواصفات املتفق عليها ‪.‬‬

‫‪30‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫ثانيا ـ السلم مع تحديد مقدار المسلم فيه حسب سعر السوق يوم التسليم ‪:‬‬
‫وصورته ‪ :‬أن يدفع املسلم إىل املسلم إليه الثمن يف سلعة موصوفة لكن ال حيدد مقدارها وقت العقد ‪ ،‬وإمنا يعلق‬
‫حتديد الكمية بسعر السلعة أو بأن قص منه بنسبة معلومة يوم التسليم ‪ ،‬فإذا حان وقت التسليم احتسب الثمن املدفوع (‬
‫وهو رأس مال السلم ) وفق قيمة الوحدة من البضاعة املسلم فيها ‪ .‬مثال ذلك ‪:‬‬
‫أن تشرتي إحدى الشركات مبئة ألف دوالر نوعا معينا من النفط وبأوصاف حمددة دون حتديد للكمية ‪ ،‬ويكون‬
‫التسليم بع د سنة ‪ ،‬على أن يكون سعر الربميل وقت التسليم أقل من سعر السوق بنسبة ‪ . %11‬فإذا كان سعر الربميل‬
‫يف السوق وقت التسليم ‪ 90‬دوالرا فإن البائع ( املسلَم إليه ) حيتسب سعر الربميل للشركة ( املسلِم ) بـ ‪ 80‬دوالرا ‪ ،‬ويتم‬
‫حتديد الكمية من خالل قسمة رأس مال السلم على السعر املتفق عليه ( ‪ 1250 = 80 ÷100،000‬برميال ) ‪ .‬فتكون‬
‫الكمية الواجب تسليمها ‪ 1250‬برميال ‪.‬‬
‫وحكم هذه املسألة خمتلف فيه بني العلماء ؛ فمنهم من منعها ‪ ،‬ومنهم من أجازها ‪ .‬واجلواز هو األظهر يف‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫مذهب أمحد ‪ ،‬واختاره ابن تيمية ‪.‬‬


‫ومن أدلة المجيزين ما يأتي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن هذه الصيغة ال يرتتب عليها جهالة تفضي إىل النزاع ؛ فإن املسلِم يعلم أنه سيستفيد بشرائه بأقل مما يف السوق‬
‫بنسبة ثابتة هي ‪ ( % 11‬كما يف املثال السابق ) ‪ ،‬سواء أكان سعر الربميل يف السوق مئة دوالر أم عشرة دوالرات ‪ .‬وكذا‬
‫املسلم إليه ؛ فإنه يعلم أن بيعه جرى بسعر أنقص عما يف السوق بنسبة ثابتة قدرها ‪. %11‬‬
‫‪ 2‬ـ أن التعامل املذكور تعامل مبا يؤول إىل العلم ‪ .‬وما يؤول إىل العلم ال يعد جمهوال ‪ .‬وما يقع من اجلهالة اليسرية مغتفر يف‬
‫السلم ؛ ألنه قد روعي عند إباحة عقد السلم شيء من الغرر قد يصيب أحد العاقدين بسبب تغري سعر السوق ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أننا لو أبطلنا هذا العقد لرددنا املتعاقدين إىل قيمة املثل مع أهنما مل يتفقا عليه ‪ .‬فإرجاعنا إيامها إىل ما اتفقا عليه ( وهو‬
‫سعر السوق خمصوما منه ‪ ) %11‬أوىل من إرجاعهما إىل شيء مل يتفقا عليه ‪.‬‬
‫ويشترط لجواز هذه المعاملة شرطان ‪:‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪1‬ـ أن يكون للسلعة املعقود عليها قيمة سوقية منضبطة كما يف املعادن والوقود ووحومها ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يقبض املشرتي السلعة قبضا حقيقيا أو حكميا عند التسليم ؛ دفعا للصورية عن العقد ‪.‬‬
‫ومن التطبيقات المعاصرة لهذه الصيغة من التعاقد ما يأتي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ بطاقات االتصال مسبقة الدفع ؛ حيث يدفع الشخص ‪ 90‬رياال مثال ليحصل على مكاملات بقيمة ‪ 100‬لاير ‪ .‬فهي‬
‫سلم يف املنافع ؛ ألن املعقود عليه منافع موصوفة يف الذمة ‪ .‬والسلم يف املنافع صحيح عند مجهور أهل العلم خالفا‬
‫لألحناف ‪ .‬واملسلم فيه ( وهو دقائق االتصال ) مقدر بالقيمة ‪ ،‬ال بالكمية ‪ .‬وقد تكون حالة أو مؤجلة ‪ ،‬كما أن السلم‬
‫يصح حاال عند مجع من العلماء إذا كان البائع مالكا للسلعة ‪ ،‬ويصح مؤجال ‪.‬‬
‫‪2‬ـ بطاقات الوقود مسبقة الدفع ‪ ،‬وهي كسابقتها إال أن املسلم فيه سلعة موصوفة ( وهو الوقود ) ‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫ثانيا ‪ :‬عقد االستصناع‬


‫تعريفه ‪:‬‬
‫‪1‬ـ تعريفه لغة ‪ :‬مصدر استصنع ؛ مبعىن ‪ :‬طلب عمل الشيء صنعا ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تعريفه اصطالحا ‪ :‬هو عقد على موصوف يف الذمة ‪ ،‬يشرتط فيه العمل ‪ ،‬بثمن معلوم ‪.‬‬
‫شرح التعريف ‪:‬‬
‫( عقد ) ‪ :‬فهو عقد ـ على الصحيح ـ ‪ ،‬وليس وعدا ‪.‬‬
‫( على موصوف ) حبيث يبني جنسه ‪ ،‬ونوعه ‪ ،‬وقدره ‪ ،‬وصفاته ‪ ،‬وكل ما ال ينضبط إال به ‪.‬‬
‫( في الذمة ) خرج بذلك البيع ؛ ألنه عقد على عني موجودة ‪.‬‬
‫( يشترط فيه العمل ) خرج بذلك السلم ؛ ألن االستصناع جيري فيما تدخله الصناعة ‪ ،‬وال جيري يف الطبيعيات كاحلب‬
‫والثمر كما يف السلم ‪ .‬وخرج بذلك أيضا العني املصنوعة قبل العقد املوجودة يف ملك البائع ؛ ألن هذا من بيوع األعيان‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫املوصوفة ‪.‬‬
‫( بثمن معلوم ) حبيث يكون الثمن معلوم القدر والنوع ‪ .‬ومل يشرتط قبضه يف جملس العقد ‪ ،‬فيجوز فيه التأجيل ‪ ،‬خالفا‬
‫للسلم ‪.‬‬
‫أركانه ‪:‬‬
‫أركان االستصناع أربعة ؛ هي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ العاقدان ( املشرتي ‪ ،‬والبائع ) ‪ ( ،‬أي املستصنع ‪ ،‬والصانع ) ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الثمن ‪.‬‬
‫‪3‬ـ السلعة ‪.‬‬
‫‪4‬ـ صيغة العقد ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫حكمه ‪:‬‬
‫االستصناع عقد جائز ‪ .‬ومن أدلة جوازه ما يأيت ‪:‬‬
‫‪1‬ـ ما ورد يف السنة أن النيب صلى اهلل عليه وسلم استصنع خامتا ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اإلمجاع ؛ فإن الناس مطبقون على إجراء هذا العقد منذ القدم ؛ قال الكاساين ‪ " :‬الناس تعاملوه يف سائر األعصار من‬
‫غري نكري ‪ ،‬فكان إمجاعا منهم على اجلواز " ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أن احلاجة تدعو إليه يف العصر احلاضر ؛ فإن فيه مصلحة لسد حاجات الناس ومتطلباهتم ؛ نظرا لتطور الصناعات‬
‫تطورا كبريا ؛ فالصانع حيصل له االرتفاق ببيع مصنوعاته على وفق ما يشرتطه املستصنع ‪ ،‬واملستصنع حيصل له االرتفاق‬
‫باحلصول على ما حيتاج إليه من املصنوعات ‪.‬‬

‫‪32‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫شروطه ‪:‬‬
‫يشترط في عقد االستصناع ما يأتي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ حتديد أوصاف السلعة املستصنعة ببيان جنسها ونوعها وقدرها وصفتها مبا مينع التنازع وقت التسليم ؛ ألهنا مبيعة‬
‫فيشرتط العلم هبا كما يف البيع ‪.‬‬
‫‪2‬ـ حتديد أجل معلوم لتسليم السلعة املستصنعة ‪.‬‬
‫وال يشرتط يف عقد االستصناع تعجيل الثمن ‪ ،‬بل جيوز تعجيله ‪ ،‬وتأجيله ‪ ،‬وتعجيل بعضه وتأجيل البعض اآلخر‬
‫‪ ،‬وتقسيطه ‪ .‬وقد جاء يف قرار جممع الفقه اإلسالمي الدويل ‪ ( :‬جيوز يف عقد االستصناع تأجيل الثمن كله ‪ ،‬أو تقسيطه‬
‫إىل أقساط معلومة آلجال حمددة ) ‪.‬‬
‫الفرق بين االستصناع والسلم ‪ :‬من أبرز الفروق بينهما ما يأيت ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن االستصناع هو فيما تدخله الصناعة ‪ ،‬وأما السلم ففيما ال تدخله الصناعة ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫‪2‬ـ أن السلم يشرتط فيه تعجيل الثمن ‪ ،‬وأما االستصناع فال يشرتط فيه ذلك ‪.‬‬
‫الفرق بين االستصناع واإلجارة ‪ :‬أبرز الفروق بني االستصناع واإلجارة أن االستصناع عقد على العني والعمل معا ‪ ،‬أما‬
‫اإلجارة فعقد على العمل ‪ ،‬والعني تكون من املستأجر ‪ .‬مثال ذلك ‪ :‬إذا طلب شخص من جنار أن يصنع له خزانة‬
‫مالبس ( دوالب ) ‪ :‬فإن كانت مواد اخلزانة من خشب ومسامري ووحوها من ذلك الشخص فهذا إجارة ‪ ،‬وإن كانت من‬
‫النجار فهذا استصناع ‪.‬‬
‫تطبيقات معاصرة لالستصناع ‪:‬‬
‫االستصناع كثري يف تعامالت الناس يف العصر احلاضر ‪ ،‬فهم يربمون عقد االستصناع اليوم بكثرة يف غالب السلع‬
‫؛ وذلك لتطور الصناعة ‪ ،‬وارتفاع مستوى االتقان فيها ‪ ،‬ورغبة الناس الشديدة يف احلصول على سلعهم بشكل معني يتفق‬
‫مع رغباهتم بدرجة كبرية حبيث ال يكتفون بالسلع اجلاهزة املصنعة سابقا لوجود بعض الفوارق بني مواصفاهتا واملواصفات‬
‫اليت يريدون ( يف خاماهتا ‪ ،‬ومقاساهتا ‪ ،‬وألواهنا ‪ ،‬ومميزاهتا ) ‪ .‬فأصبحوا يستصنعون وفق رغباهتم غالب أثاث البيت ـ مثال ـ‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫كغرف النوم جبميع مكوناهتا ‪ ،‬وكراسي اجملالس ‪ ،‬وطاوالت الطعام وتوابعها ‪ ،‬وخزانات املطابخ ‪ .‬وهكذا املالبس ؛ فأصبح‬
‫كثري من الناس ـ نساء ‪ ،‬ورجاال ـ يطلبون من حمالت اخلياطة تفصيلها يف غالب األحيان مبقاسات معينة ‪ ،‬مع اختيار نوع‬
‫القماش ولونه من تلك احملالت ‪ .‬وكذلك السيارات ‪ ،‬والطائرات ‪ ،‬والسفن ‪ ،‬والقطارات ؛ فهي اليوم يتم استصناعها يف‬
‫كثري من احلاالت سواء كان الزبون املستصنع فردا ‪ ،‬أم شركة ‪ ،‬أم حكومة ؛ فتجد املستصنع ـ ال سيما إذا كان حكومة ‪،‬‬
‫أو شركة ـ يطلب من شركات تصنيع السيارات صناعة سيارة مثال وفق مواصفات حمددة ‪ ،‬وتدون تلك املواصفات يف كتيب‬
‫يسمى دفرت أو كراسة مواصفات ؛ لتكون معلومة ‪ ،‬ولكي يتم االلتزام هبا ‪ ،‬وللمطالبة يف حال اإلخالل بشيء منها ‪.‬‬

‫‪33‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة التاسعة )‬
‫القرض ( تعريفه ‪ ،‬حكمه ‪ ،‬شروطه ‪ ،‬ما يصح قرضه وما ال يصح ‪ ،‬القرض إذا جر نفعا ‪ ،‬ضوابط المنفعة في القرض‬
‫‪ ،‬مسائل على القرض )‬
‫أوال ‪ :‬تعريف القرض‬
‫‪1‬ـ تعريفه لغة ‪ :‬القطع ؛ ذلك أن املقرض يقطع شيئا من ماله يعطيه للمقرتض ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تعريفه اصطالحا ‪ :‬هو دفع مال ملن ينتفع به ‪ ،‬ويرد بدله ‪.‬‬
‫شرح التعريف ‪:‬‬
‫( لمن ينتفع به ) خرجت بذلك الوديعة ؛ ألهنا أمانة ال يتصرف فيها َ‬
‫املودع ‪.‬‬
‫( ويرد بدله ) خرج بذلك اهلبة والعارية ؛ فأما اهلبة فال بدل هلا يرد ‪ ،‬وأما العارية فرتد عينها ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬حكم القرض‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫القرض من باب اإلرفاق ‪ ،‬وقد مساه النيب صلى اهلل عليه وسلم منيحة ؛ ألنه ينتفع به املقرتض مث يعيده إىل املقرض ‪.‬‬
‫واإلقراض مندوب إليه ‪ ،‬وفيه أجر عظيم ‪ .‬قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتني إال كان‬
‫كصدقة مرة ) ‪ .‬رواه ابن ماجه ‪ .‬وألنه من باب الرب واإلحسان ‪ .‬فالقرض فعل معروف ‪ ،‬وفيه تفريج للضائقة عن املسلم ‪،‬‬
‫وقضاء حلاجته ‪.‬‬
‫وأما االقرتاض ففيه تفصيل ‪ :‬فعند احلاجة جيوز بال كراهة ‪ ،‬فال يكون االقرتاض يف هذه احلالة من املسألة املكروهة‬
‫يف حق املقرتض ؛ فقد اقرتض النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ .‬وأما عند عدم احلاجة فإن االقرتاض مكروه ؛ ألنه من الديون ‪،‬‬
‫والديون من حقوق العباد ‪ ،‬ومعلوم أن حقوق العباد مبنية على املشاحة ‪ ،‬حىت إن الشهيد يغفر له كل شيء إال الدين ـ‬
‫كما ثبت يف السنة ـ ‪ ،‬وقد كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يف أول اإلسالم ال يصلي على من مات وعليه دين ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬شروط صحة القرض‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫يشترط لصحة القرض ما يأتي ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ أن يكون املقرض جائز التصرف ‪ ،‬مكلفا ‪ ،‬رشيدا ‪ ،‬وممن يصح تربعه ‪ .‬فليس لويل اليتيم أن يقرض مال اليتيم ؛ ألنه ال‬
‫يصح تربعه منه ‪ ،‬فلم جيز له إقراضه ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ معرفة قدر املال املقرض ‪ ،‬وصفته ؛ كي ميكن للمقرتض رد بدله إىل صاحبه ‪ .‬فالقرض دين يف ذمة املقرتض جيب عليه‬
‫رد بدله لصاحبه عندما حيل األجل ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬ما يصح قرضه ‪ ،‬وما ال يصح‬
‫كل ما يصح بيعه من نقد أو عرض فإنه يصح قرضه ‪ ،‬مكيال كان ‪ ،‬أم موزونا ‪ ،‬أم غريمها مما يضبط بالذرع ‪ ،‬أو‬
‫العد ‪ ،‬أو الوصف ‪ .‬وذهب شيخ اإلسالم ابن تيمية إىل جواز قرض املنافع ؛ مثل أن حيصد معه يوما ‪ ،‬وحيصد معه اآلخر‬
‫يوما بدله ‪ ،‬أو يسكنه داره ‪ ،‬ويسكنه اآلخر داره بدهلا ‪ .‬أما اآلدميون فقد اختلف الفقهاء في قرضهم ‪:‬‬

‫‪34‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫‪1‬ـ منعه احلنابلة يف املذهب عندهم ؛ ألنه مل ينقل ‪ ،‬وال هو من املرافق ‪ ،‬وألنه يفضي إىل أن يقرتض شخص جارية يطؤها‬
‫مث يردها ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وعن أمحد رواية بكراهة قرضهم ؛ محلها املوفق على كراهة التنزيه مع الصحة ؛ ألهنم مال يثبت يف الذمة سلما فصح‬
‫قرضهم كسائر احليوانات ‪ .‬وأما عدم نقل قرضهم فليس حبجة ؛ فإن أكثر احليوانات مل ينقل قرضها وهو جائز ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وعند احلنابلة احتمال بصحة قرض العبيد ‪ ،‬دون اإلماء ‪ .‬وهو قول مالك ‪ ،‬والشافعي إال أن يقرضهن من ذوي‬
‫حمارمهن فيجوز ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ورجح املوفق ابن قدامة أن القرض ناقل للملك ‪ ،‬فاستوى فيه العبيد واإلماء كسائر العقود ‪ .‬وقوهلم عن اجلارية ( مث‬
‫يردها ) ممنوع ؛ فإنا إذا قلنا ‪ :‬الواجب رد القيمة مل ميلك املقرتض رد األمة ‪ ،‬وإمنا يرد قيمتها ‪ .‬وإن سلمنا ذلك فإنه مىت‬
‫قصد املقرتض هذا األمر مل حيل له فعله ‪ ،‬وال يصح اقرتاضه ؛ كما لو اشرتى أمة ليطأها مث يردها باملقايلة أو بعيب فيها ‪.‬‬
‫وإن وقع هذا حبكم االتفاق مل مينع الصحة كما لو وقع ذلك يف البيع ‪ .‬وهذا القول هو الصحيح إن شاء اهلل ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫خامسا ‪ :‬القرض إذا جر نفعا‬


‫ال جيوز للمقرض أن يشرتط زيادة يف القرض ؛ فقد أمجع العلماء على أنه إذا شرط املقرض على املقرتض زيادة‬
‫فأخذها فهذا من الربا احمل رم ‪ .‬ومن ذلك ما تفعله املصارف الربوية اليوم من اإلقراض بالفائدة فهو ربا صريح بال شك ‪،‬‬
‫سواء كان القرض استهالكيا ‪ ،‬أم استثماريا ‪ .‬فال جيوز للمقرض ـ سواء كان فردا ‪ ،‬أم شركة ‪ ،‬أم مصرفا ـ أن يأخذ زيادة يف‬
‫القرض مشروطة ‪ ،‬سواء مسيت هذه الزيادة رحبا ‪ ،‬أم فائدة ‪ ،‬أم هدية ‪ .‬وهكذا لو كانت الزيادة منفعة وليست عينا كسكىن‬
‫دار ‪ ،‬أو ركوب سيارة ‪ ،‬ما دامت هذه الزيادة ـ عينا كانت ‪ ،‬أم منفعة ـ قد جاءت عن طريق املشارطة ؛ فإن القرض إذا‬
‫جر نفعا كان ربا ؛ حلديث ‪ ( :‬كل قرض جر نفعا فهو ربا ) ‪ .‬ويف حديث آخر عن أنس رضي اهلل عنه مرفوعا ‪ ( :‬إذا‬
‫أقرض أحدكم قرضا فأهدى إليه ـ أي املقرتض ـ ‪ ،‬أو محله على الدابة فال يركبها ‪ ،‬وال يقبله ‪ ،‬إال أن يكون جرى بينه وبينه‬
‫قبل ذلك ) ‪ .‬رواه ابن ماجه ‪ ،‬وله شواهد كثرية ‪ .‬فال جيوز ملقرض قبول هدية وال غريها من املنافع من املقرتض إذا كان‬
‫هذا بسبب القرض ؛ للن هي عن ذلك كما تقدم ‪ ،‬وألن القرض عقد إرفاق باحملتاج ‪ ،‬وقربة إىل اهلل ‪ ،‬فإذا شرط فيه املقرض‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫زيادة فقد أخرج القرض عن موضوعه من التقرب وحل أزمة املقرتض إىل الرتبح واالستفادة ‪.‬‬
‫وجيري جمرى الزيادة املشروطة يف القرض الزيادة املتحراة واملتطلع إليها ‪ ،‬فإذا كان املقرض يتحرى الزيادة ويتطلع‬
‫إليها فهي حمرمة كاملشروطة ‪.‬‬
‫فعلم مما تقدم أن الزيادة املمنوع أخذها يف القرض هي املشرتطة ؛ كما لو قال املقرض ‪ :‬أقرضك كذا بشرط أن‬
‫ترد علي املال بزيادة كذا ‪ ،‬أو أن تسكنين دارك مدة كذا ‪ ،‬أو هتدي إيل كذا ‪ .‬أو ال يكون هناك شرط ملفوظ ولكن هناك‬
‫حتر للزيادة وتطلع إليها فهذا أيضا ممنوع منهي عنه ‪ .‬أما لو بذل املقرتض الزيادة من تلقاء نفسه بدون اشرتاط من املقرض‬
‫‪ ،‬وال تطلع ‪ ،‬وال حتر فال مانع من أخذ املقرض للزيادة ‪ ،‬وال حرج فيه ‪ .‬بل إن هذا يعترب من حسن القضاء ؛ ملا روى أبو‬
‫رافع رضي اهلل عنه ‪ ( :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم استسلف من رجل بكرا ‪ ،‬فقدمت عليه إبل الصدقة ‪ ،‬فأمر أبا رافع‬
‫أن يقضي الرجل بكره ‪ ،‬فرجع إليه أبو رافع فقال ‪ :‬مل أجد فيها إال خيارا رباعيا ‪ ،‬فقال ‪ :‬أعطه إياه ؛ إن خيار الناس‬
‫أحسنهم قضاء ) ؛ فقد رد النيب صلى اهلل عليه وسلم خريا مما اقرتض ؛ وقال ‪ ( :‬إن خيارالناس أحسنهم قضاء ) ‪ .‬وهذا‬
‫‪35‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫من مكارم األخالق احملمودة شرعا وعرفا ‪ ،‬وليس من القرض الذي جر نفعا ؛ ألنه مل يكن مشروطا من املقرض وال متواطأ‬
‫عليه ‪ ،‬وإمنا هو تربع من املقرتض ‪.‬‬
‫ومثل هذا يف اجلواز لو بذل املقرتض للمقرض نفعا معتادا بينهما قبل القرض ؛ بأن كان من عادة املقرتض بذل‬
‫هذا النفع ‪ ،‬ومل يكن الدافع إليه هو القرض فال مانع من قبوله وال حرج فيه ؛ النتفاء احملذور ‪.‬‬
‫ويمكن تلخيص ما سبق من الكالم في مسألة الزيادة في القرض بأن للزيادة على القرض ثالث أحوال ‪:‬‬
‫الحال األولى ‪ :‬أن تكون الزيادة مشروطة عند القرض ‪ ،‬أو متعارفا عليها ‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬أن يشرتط املقرض على املقرتض عند اإلقراض أن يزيد على القرض عند الوفاء ‪ ،‬أو يشيع بني الناس‬
‫أن املقرض الفالين ال يقرض إال من يزيد عند الوفاء ‪.‬‬
‫احلكم هنا ‪ :‬أن الزيادة املشروطة حمرمة إمجاعا ‪ .‬ومثل املشروطة ما كانت متعارفا عليها ؛ فهي حمرمة كذلك ؛‬
‫فاملعروف عرفا كاملشروط شرطا ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫الحال الثانية ‪ :‬أن تقع الزيادة قبل الوفاء ‪.‬‬


‫مثال ذلك ‪ :‬أن يقرتض شخص ( مئة لاير ) ‪ ،‬مث بني القرض والوفاء يقدم املقرتض للمقرض ماال ( نقدا كان ‪ ،‬أم‬
‫عينا ) هدية أو ضيافة أو غري ذلك ‪ ،‬مث إذا حل أجل الوفاء رد املقرتض للمقرض ( مئة لاير ) ‪.‬‬
‫احلكم ‪ :‬هذه غري جائزة إال يف إحدى صورتني ‪:‬‬
‫األوىل ‪ :‬أن تكون العادة قد جرت بينهما على التهادي واملضايفة قبل القرض ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬أن حيتسب املقرض ذلك من ضمن قرضه ‪ ،‬فيخصمه من مبلغ القرض عند الوفاء ‪.‬‬
‫ووجه هذا التفصيل أن العادة إذا كانت جارية بينهما على اإلهداء والضيافة قبل القرض تبني أن القرض ال أثر له‬
‫هنا ‪ ،‬وأما إذا مل جتر العادة بذلك فإنه دليل على أن للقرض تأثريا فيما حصل من اإلهداء والضيافة ووحوها ‪ ،‬ولذا مل جيز‬
‫للمقرض أن يقبله إال حبسمه من مبلغ القرض عند الوفاء ‪ .‬وقد جاء يف صحيح البخاري عن عبد اهلل بن سالم رضي اهلل‬
‫عنه أنه قال ‪ ( :‬إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك محل تنب أو محل شعري أو محل قت فإنه ربا ) ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫وروى البيهقي ( أن رجال كان له على آخر عشرون درمها ‪ ،‬فجعل يهدي إليه السمك حىت بلغ ثالثة عشر درمها ‪ ،‬فسأل‬
‫ابن عباس رضي اهلل عنه عن ذلك ؛ فقال ‪ :‬أعطه سبعة دراهم ) ‪.‬‬
‫الحال الثالثة ‪ :‬أن تكون الزيادة غير مشروطة وال متعارفا عليها ‪ ،‬وتقع مع الوفاء ‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬أن يقرتض شخص ( مئة لاير ) ‪ ،‬وإذا حان موعد الوفاء رد ( مئة وعشرة ) ؛ شكرا وعرفانا ‪.‬‬
‫احلكم ‪ :‬هذه الصورة جائزة ‪ ،‬بل هي من حسن القضاء ؛ ملا يف الصحيح من حديث أيب رافع رضي اهلل عنه‬
‫املتقدم ؛ حيث رد النيب صلى اهلل عليه وسلم للمقرض أحسن مما اقرتض منه ‪ ،‬وعد ذلك من حسن القضاء ؛ وقال ‪( :‬‬
‫إن خري الناس أحسنهم قضاء ) ‪ .‬وإمنا كانت الزيادة من حسن القضاء ألهنا وقعت بغري اشرتاط ‪ ،‬بل برغبة حمضة من‬
‫املقرتض ومبادرة منه ‪.‬‬

‫‪36‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫سادسا ‪ :‬ضوابط المنفعة في القرض‬


‫الغالب يف القروض اليوم أهنا تكون من النقود ـ كما هو معلوم ـ ‪ ،‬وعلى هذا فإن صورة القرض يف أصلها ـ حني‬
‫يكون املال املقرض نقدا ـ ‪ :‬هي مبادلة نقد بنقد من جنس واحد ‪ .‬وحينئذ فكان الواجب فيها اشرتاط التماثل ‪ ،‬والتقابض‬
‫ـ كما سبق بيانه يف الصرف ـ ؛ الحتاد اجلنس والعلة ‪ .‬لكن الشارع احلكيم رخص يف النسأ يف القرض ‪ ،‬ومل يشرتط التقابض‬
‫حتصل املقرض على أكثر من مبلغ القرض‬ ‫؛ ألنه من باب الرب واإلحسان ‪ ،‬بدليل أن املقرض ال يطلب أكثر مما دفع ؛ فإذا ّ‬
‫كان ذلك دليال على أن القرض انتقل من صورة التربع إىل املعاوضة ‪ ،‬فعاد إىل أصل صورته احملرمة الربوية ‪ ،‬وهذا معىن‬
‫احلديث السابق الذي أصبح قاعدة ‪ ،‬وهو ‪ ( :‬كل قرض جر نفعا فهو ربا ) ‪.‬‬
‫فيتضح مما تقدم أن املنفعة احملرمة يف القرض هي ما كانت ملصلحة املقرض ‪ ،‬أما لو كانت املنفعة للمقرتض فال‬
‫حرج ‪ ،‬وهكذا لو حصلت مصلحة متبادلة للطرفني كليهما فال حرج أيضا ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬مسائل على القرض‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫المسألة األولى ‪ :‬السفتجة‬


‫هي أن يقرض شخص شخصا آخر ماال يف بلد ‪ ،‬ويستوفيه منه ‪ ،‬أو من نائبه يف بلد آخر ‪ .‬وقد اختلف اهل‬
‫العلم فيها ‪ .‬والراجح القول جبوازها ‪ .‬وهو مروي عن علي ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وابن الزبري رضي اهلل عنهم ‪ ،‬وهو رواية عند‬
‫املالكية ‪ ،‬واحلنابلة ؛ اختارها شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ،‬وابن القيم ‪ .‬ووجه القول باجلواز أن املنفعة هنا حاصلة للطرفني ؛‬
‫فكالمها ظفر بأمن الطريق ؛ فاملقرض انتفع بالسالمة من خطر نقل درامهه إىل بلد آخر ‪ ،‬واملقرتض انتفع باحلصول على‬
‫درامهه اليت بالبلد األخرى دون التعرض خلطر الطريق بني البلدين لو نقلها من ذلك البلد للبلد اليت هو فيها ‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬إصدار المصرف بطاقات للعميل ودفاتر شيكات‬
‫ذكرنا يف حلقة سابقة أن احلسابات اجلارية لدى املصارف هي يف احلقيقة قروض من العمالء على املصارف ‪،‬‬
‫وليست ودائع ولو مسيت بـ ( الودائع املصرفية ) ‪ ،‬وسبق بيان دليل كوهنا قروضا ‪ .‬وعلى هذا فما دامت قروضا فإنه ال جيوز‬
‫للعميل أن جير لنفسه منفعة من وراء هذا القرض ‪ ،‬ولذا ال جيوز له أخذ فوائد على فتح احلساب لدى املصرف ‪ .‬لكن هل‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫ي عد إصدار املصرف للبطاقات ودفاتر الشيكات من قبيل املنفعة احملرمة ألهنا تصب يف مصلحة املقرض ؟ ليس األمر كذلك‬
‫؛ فإن املصرف إذا أخذ عمولة على إصدار البطاقات ودفاتر الشيكات فإن املنفعة تكون قد حصلت للطرفني ؛ فالعميل‬
‫انتفع بالبطاقات ودفاتر الشيكات ‪ ،‬واملصرف انتفع بالعمولة ‪ .‬وحينئذ فال حرج يف ذلك ‪ .‬وكذلك إذا مل يأخذ املصرف‬
‫عمولة فإن ذلك أيضا ال حرج فيه ؛ وذلك ألمرين ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن املنفعة من إصدار البطاقات ودفاتر الشيكات مشرتكة بني املصرف والعميل ؛ بل منفعة املصرف أكرب ـ غالبا ـ ‪ ،‬ومن‬
‫أمثلة منافع املصرف ‪ :‬تقليل مصاريف توسيع الفروع ومصاريف زيادة عدد املوظفني ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن هذه اإلصدارات ( البطاقات ‪ ،‬ودفاتر الشيكات ) هي من وسائل السداد ‪.‬‬

‫‪37‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫المسألة الثالثة ‪ :‬عمولة السحب من غير المصرف‬


‫إذا كان للعميل حساب لدى املصرف ( أ ) مثال ‪ ،‬وقام العميل بسحب مبلغ من إحدى الصرافات التابعة‬
‫للمصرف ( ب ) فهو إمنا يسحب من حسابه املوجود لدى املصرف ( أ ) ‪ ،‬وال يسحب من املصرف ( ب ) ‪ .‬وأما‬
‫العمولة اليت يأخذها املصرف ( ب ) من املصرف ( أ ) عن تلك العملية فهي رسوم خدمة ؛ بدليل أهنا مبلغ ثابت ال يزيد‬
‫بزيادة املبلغ املسحوب ‪ .‬ورسوم اخلدمة هذه جائزة ؛ ألن لتلك األجهزة كلفة ‪ ،‬ومصاريف ‪ ،‬ونفقات صيانة ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪38‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة العاشرة )‬
‫( الرهن ‪ :‬تعريفه ‪ ،‬نوعه ‪ ،‬أركانه ‪ ،‬حكمه ‪ ،‬الحكمة من مشروعيته ‪ ،‬شروطه ‪ ،‬ما يصح رهنه ‪ ،‬محل الرهن المعتبر ‪،‬‬
‫التصرف في العين المرهونة ‪ ،‬االنتفاع بها )‬
‫نتكلم يف هذه احللقة عن موضوع جديد وهو الرهن ‪ :‬فنبني تعريفه ‪ ،‬ونوعه ‪ ،‬وأركانه ‪ ،‬وحكمه ‪ ،‬واحلكمة من‬
‫مشروعيته ‪ ،‬وشروط صحته ‪ ،‬وما الذي يصح رهنه ‪ ،‬وحمل الرهن املعترب ‪ ،‬والتصرف يف العني املرهونة ‪ ،‬واالنتفاع هبا ؛‬
‫فنقول ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الرهن‬
‫‪1‬ـ تعريفه لغة ‪ :‬هو االحتباس ؛ ومنه قوله تعاىل ‪ ( :‬كل نفس مبا كسبت رهينة ) ‪ ،‬أي حمبوسة بكسبها وعملها ‪ .‬ويطلق‬
‫على الثبات والدوام ‪ ،‬فيقال ‪ :‬ماء راهن ‪ ،‬أي راكد دائم ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تعريفه اصطالحا ‪ :‬توثقة دين بعني ميكن استيفاؤه منها أو من مثنها ‪ .‬أي جعل عني مالية وثيقة بدين ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫ثانيا ‪ :‬نوع عقد الرهن‬


‫الرهن من عقود التوثيق ؛ ألن املدين يوثق سداد الدين الذي عليه للدائن هبذا الرهن ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬أركان عقد الرهن‬
‫أركانه خمسة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الراهن ‪ :‬وهو املدين مالك العني املرهونة الذي سلمها للمرهتن لتكون رهنا ‪.‬‬
‫‪2‬ـ املرهتن ‪ :‬وهو الدائن الذي يأخذ العني املرهونة ‪ ،‬وحيبسها حتت يده نظري دينه ‪.‬‬
‫‪3‬ـ الرهن أو املرهون ‪ :‬أي العني اليت يقع عليها الرهن ‪.‬‬
‫‪4‬ـ الدين ‪ :‬وهو املال الذي جيعل الرهن يف مقابله ‪ .‬وهو سبب الرهن ‪.‬‬
‫‪5‬ـ الصيغة ‪ :‬وهي اإلجياب ‪ ،‬والقبول ‪ .‬ويصحان بأي لفظ أو فعل يدل عليهما ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫رابعا ‪ :‬حكم الرهن‬


‫الرهن جائز بالكتاب والسنة واإلمجاع ‪.‬‬
‫فمن الكتاب قول اهلل تعاىل ‪ ( :‬وإن كنتم على سفر ومل جتدوا كاتبا فرهان مقبوضة ) ‪.‬‬
‫ومن السنة ما روى الشيخان من حديث عائشة رضي اهلل عنها ‪ ( :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم اشرتى من‬
‫يهودي طعاما إىل أجل معلوم ‪ ،‬وارهتن منه درعا من حديد ) ‪.‬‬
‫وأما اإلمجاع فقد نقل غري واحد من أهل العلم أن اإلمجاع انعقد على ذلك ‪ .‬ومل خيالف يف جوازه وال مشروعيته‬
‫أحد يف اجلملة ‪ .‬فقد أمجع العلماء على جوازه يف السفر ؛ لنص اآلية السابقة على ذلك ‪ .‬وأما يف احلضر فقد ذهب‬
‫مجهور العلماء إىل جوازه ؛ لداللة السنة على ذلك يف حديث عائشة رضي اهلل عنها املتقدم ‪ .‬وأما ذكر السفر يف اآلية‬
‫فليس بقيد ؛ ألنه خرج خمرج الغالب ‪ ،‬فال مفهوم له ‪.‬‬
‫والرهن جائز إذا كان الدين موثقا بكتابة ‪ ،‬ومستحب إذا كان الدين غري موثق بكتابة ؛ لقول اهلل تعاىل ‪ ( :‬وإن‬
‫كنتم على سفر ومل جتدوا كاتبا فرهان مقبوضة ) ‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫خامسا ‪ :‬الحكمة من مشروعيته‬


‫احلكمة من مشروعية الرهن حفظ األموال من الضياع ‪ ،‬وطمأنة املرهتن يف عودة ماله إليه ‪ ،‬وتيسري اإلقراض ‪ .‬وقد‬
‫أمر اهلل بتوثيق الدين بالكتابة ‪ ،‬أو بالرهن ؛ فقال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إىل أجل مسمى فاكتبوه )‬
‫‪ ،‬إىل قوله سبحانه ‪ ( :‬وإن كنتم على سفر ومل جتدوا كاتبا فرهان مقبوضة ) ‪.‬‬
‫وللرهن فائدتان ‪:‬‬
‫‪1‬ـ محل املدين على السداد وحثه عليه ‪.‬‬
‫‪2‬ـ متكن الدائن من استيفاء دينه على املدين ببيع العني املرهونة وأخذ مقدار دينه من مثنها ‪ ،‬مث رد الزائد ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬شروط صحة الرهن‬
‫يشترط لصحة الرهن ما يأتي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ معرفة قدره ‪ ،‬وجنسه ‪ ،‬وصفته ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫‪2‬ـ أن يكون الراهن جائز التصرف ‪ .‬أي بالغا ‪ ،‬عاقال ‪ ،‬حرا ‪ ،‬رشيدا ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن يكون الراهن مالكا للمرهون ‪ ،‬أو مأذونا له فيه ‪ .‬وجيوز لإلنسان أن يرهن ماله على دين غريه ‪.‬‬
‫‪4‬ـ أن تكون العني املرهونة ذات قيمة مادية مباحة شرعا ميكن بيعها عند حلول األجل ‪ ،‬بأن تكون موجودة وقت العقد‬
‫مقدورا على تسليمها ‪ .‬فال يصح رهن طري يف اهلواء ‪ ،‬وآبق ‪ ،‬وشارد ‪ .‬وال ما يعجز عن تسليمه ‪ ،‬كأن يرهن مثال ما يف‬
‫بطن هذه الناقة ؛ ألن هذا ال يدرى أيولد حيا أم ميتا ‪ .‬وال رهن كلب ووحوه مما ال قيمة له شرعا وال يصح بيعه ‪ .‬وإمنا‬
‫اشرتط إمكان بيع املرهون كي يتمكن املرهتن ( وهو الدائن ) من استيفاء دينه إذا مل يف املدين عند حلول األجل ‪.‬‬
‫‪5‬ـ قبض املرهتن للمرهون ‪ ،‬واستمرار القبض ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬ما الذي يصح رهنه‬
‫الضابط يف ذلك أن كل ما جاز بيعه جاز رهنه ‪ ،‬وما ال فال ؛ ذلك ألن القصد من الرهن توثيق الدين باالستيفاء‬
‫من الرهن عند عدم سداد الدين ‪ ،‬وهذا متحقق يف كل عني جيوز بيعها ‪ .‬ومن التطبيقات املعاصرة لذلك ما يأيت ‪:‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪ 1‬ـ أسهم الشركات ‪ .‬فيصح رهنها ألنه جيوز بيعها ‪ .‬فيجوز رهن السهم إذا نص يف نظام الشركة على إمكان الرهن من‬
‫الشركاء برهن احلصة املشاعة ‪ ،‬أما إذا نص نظامها على املنع منه فإنه ال يصح رهن شيء من أسهمها ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ النقود ؛ ألنه ميكن استيفاء الدين منها مباشرة إن كانت من عملة الدين نفسها ‪ ،‬وإن كانت عملة أخرى أمكن صرفها‬
‫وسداد الدين منها ‪.‬‬
‫‪3‬ـ رهن الشيك املصدق من املصرف الصادر منه ؛ ألنه ميكن استيفاء الدين من النقد املذكور فيه ‪.‬‬
‫وما ال يصح بيعه ال يصح رهنه ؛ كالبيت املوقوف ‪ ،‬وكالكلب ووحومها مما ال يصح رهنه ؛ لعدم حصول مقصود‬
‫الرهن منه ( وهو البيع ) ‪ .‬ومن األمثلة املعاصرة على ما ال يصح رهنه ألنه ال يصح بيعه ‪ :‬رهن البطاقات الشخصية‬
‫كبطاقة األحوال ‪ ،‬ودفرت العائلة ‪ ،‬وجواز السفر ‪ ،‬ووحو ذلك ‪.‬‬

‫‪40‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫ثامنا ‪ :‬محل الرهن المعتبر‬


‫يصح اشرتاط الرهن أثناء العقد ‪ ،‬ويصح بعد العقد ؛ لقول اهلل تعاىل ‪ ( :‬وإن كنتم على سفر ومل جتدوا كاتبا‬
‫فرهان مقبوضة ) ؛ فجعل تعاىل الرهن بدال من الكتابة ‪ ،‬والكتابة إمنا تكون بعد وجوب احلق ‪.‬‬
‫تاسعا ‪ :‬التصرف في العين المرهونة‬
‫ال ينفذ تصرف أحد الطرفني ( املرهتن ‪ ،‬والراهن ) يف العني املرهونة إال بإذن الطرف اآلخر ؛ فال جيوز للراهن‬
‫التصرف يف العني املرهونة بغري رضى املرهتن ‪ ،‬وال ميلك املرهتن ذلك بغري رضى الراهن ؛ ألنه إذا تصرف فيها بغري إذنه فوت‬
‫عليه حقه ؛ ألن تصرف الراهن يبطل حق املرهتن يف التوثيق ‪ ،‬وتصرف املرهتن تصرف يف ملك غريه ‪ ،‬فلم جيز ‪.‬‬
‫وهاهنا مسألة مهمة وهي بيع العقار املرهون عند صندوق التنمية العقارية ؛ فيجوز التصرف فيه بالبيع وغريه بشرط‬
‫أن يأذن املسؤولون يف صندوق التنمية بذلك ‪ ،‬أو أن يويف املدين ما عليه من دين للصندوق حىت يتحرر العقار من الرهن ‪،‬‬
‫فإذا حترر العقار من الرهن فال بأس ببيعه حينئذ ؛ ألنه مل يعد ألحد حق فيه ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫عاشرا ‪ :‬االنتفاع بالعين المرهونة‬


‫إذا كان الرهن حيوانا حيتاج إىل نفقة وكان يف قبضة املرهتن فإن الشارع رخص له أن يركبه وينفق عليه إن كان‬
‫يصلح للركوب ‪ ،‬وحيلبه وينفق عليه إن كان يصلح للحلب ‪ .‬قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬الظهر يركب بنفقته إذا‬
‫كان مرهونا ‪ ،‬ولنب الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا ‪ .‬وعلى الذي يركب ويشرب النفقة ) ‪ .‬رواه البخاري ‪ .‬أي ‪ :‬وجيب‬
‫على الذي يركب الظهر ‪ ،‬ويشرب اللنب النفقة يف مقابلة انتفاعه ‪ .‬وما زاد عما يقابل النفقة من املنفعتني يكون ملالكه ‪ .‬أما‬
‫إن مل يكن الرهن مركوبا وال حملوبا فإن االنتفاع به يكون حسبما يتفق عليه الطرفان ‪ :‬فإن اتفقا على تأجريه أو غريه جاز ‪،‬‬
‫وإن مل يتفقا بقي معطال حىت يفك الرهن ‪.‬‬
‫فتلخص من ذلك أن الرهن ـ من حيث حكم االنتفاع به ـ قسمان ‪:‬‬
‫القسم األول ‪ :‬ما حيتاج إىل مؤنة ‪ .‬وهذا نوعان ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬حيوان مركوب وحملوب ‪ .‬وقد تقدم أنه جيوز االنتفاع به ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫النوع الثاين ‪ :‬ما ليس مبركوب وال حملوب كالعبد واألمة ‪ ،‬فهذا النوع ال جيوز للمرهتن أن ينتفع به إال أن يأذن له مالكه‬
‫بذلك ‪ ،‬فإذا أذن له مالكه أن ينفق عليه وينتفع به يف مقابلة ذلك جاز ؛ ألنه نوع معاوضة ‪ .‬وإال فال ‪.‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬ما ال حيتاج إىل مؤنة ‪ .‬كالدار واألرض ووحوها ‪ .‬وهذا القسم ال جيوز للمرهتن أن ينتفع به إال بإذن الراهن‬
‫أيضا إال إن كان الرهن بدين قرض فحينئذ ال جيوز للمقرض أن ينتفع به كما سبق ؛ لئال يكون قرضا جر نفعا ‪ ،‬فيكون‬
‫من الربا ‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة الحادية عشرة )‬


‫تتمة الرهن ( مسائل من الرهن ) ‪ .‬الضمان ( تعريفه ‪ ،‬أركانه ‪ ،‬حكمه ‪ ،‬الحكمة من مشروعيته ‪ ،‬شروطه ‪ ،‬أخذ‬
‫العوض عليه ‪ ،‬مسائل متفرقة على الضمان ‪ ،‬الضمان البنكي ـ صوره ‪ ،‬وحكمه ـ )‬
‫تكلمنا يف احللقة السابقة حول حماور متعددة يف عقد الرهن ‪ :‬فبينا تعريفه ‪ ،‬ونوعه ‪ ،‬وأركانه ‪ ،‬وحكمه ‪ ،‬واحلكمة‬
‫من مشروعيته ‪ ،‬وشروط صحته ‪ ،‬وما الذي يصح رهنه ‪ ،‬وحمل الرهن املعترب ‪ ،‬والتصرف يف العني املرهونة ‪ ،‬واالنتفاع هبا ‪.‬‬
‫ونكمل يف هذه احللقة الكالم عن الرهن فنتحدث عن مجلة من مسائله املتفرقة ‪ .‬مث ننتقل ملوضوع جديد وهو الضمان ؛‬
‫فنقول ‪:‬‬
‫أ ـ مسائل على الرهن‬
‫المسألة األولى ‪ :‬الرهن عقد الزم في حق الراهن فقط ‪ ،‬وذلك إذا حصل قبض املرهتن للعني املرهونة ‪ ،‬فإذا حصل‬
‫القبض مل ميلك الراهن الرتاجع عن الرهن ‪ ،‬فليس له فسخه ؛ ألن احلظ فيه لغريه ‪ ،‬فلزم من جهته ‪ .‬وليس بالزم يف حق‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫املرهتن ‪ ،‬فله فسخه ؛ ألن احلظ فيه له وحده ‪ .‬ولكن هل يلزم مبجرد العقد ‪ ،‬أم بالقبض ؟ اختلف العلماء في ذلك على‬
‫قولين ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬ال يلزم الرهن إال بالقبض ‪ ،‬فيشرتط للزومه القبض ‪ .‬وهذا قول اجلمهور ‪ .‬واستدلوا بظاهر اآلية يف قوله‬
‫تعاىل ‪ ( :‬فرهان مقبوضة ) ؛ فقد اشرتط تعاىل للرهان أن تكون مقبوضة ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أنه ال يشرتط للزوم الرهن القبض ‪ ،‬بل يلزم مبجرد العقد ‪ .‬وهذا مذهب املالكية ‪ .‬واستدلوا مبا يأيت ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن الرهن عقد ‪ ،‬والعقد يلزم مبجرد التعاقد ‪ ،‬واهلل تعاىل يقول ‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) ‪.‬‬
‫‪2‬ـ القياس على البيع ؛ فكما أن البيع يلزم مبجرد العقد والتفرق من اجمللس ولو مل يقبض املشرتي السلعة فكذلك الرهن ‪.‬‬
‫وهذا القول هو الراجح ‪ ،‬وهو اختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ،‬وهو الذي عليه أكثر احملققني من أهل العلم ‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬بم يحصل قبض العين المرهونة ؟‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫هذا خيتلف حبسب نوع العني املرهونة ‪:‬‬


‫‪1‬ـ فإن كانت منقولة كجهاز ‪ ،‬أو سيارة ‪ ،‬أو معدات ؛ فبنقلها من خمزن الراهن أو حوزته إىل حوزة املرهتن ‪.‬‬
‫‪2‬ـ وإ ن كانت ثابتة ال ميكن نقلها كأرض أو عقار فبالتخلية ‪ .‬ويف الوقت احلاضر يكون ذلك بالتهميش على صك امللكية‬
‫بأنه مرهون لفالن بدينه على املالك ‪.‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬من يملك المرهون خالل مدة الرهن ؟‬
‫ميلكه الراهن ؛ حلديث أيب سعيد عن أيب هريرة رضي اهلل عنهما أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ ( :‬ال يغلق‬
‫الرهن من صاحبه الذي رهنه ‪ .‬له غنمه ‪ ،‬وعليه غرمه ) ‪ .‬رواه الشافعي ‪ ،‬والدار قطين ؛ وقال ‪ " :‬إسناده حسن صحيح "‬
‫‪ .‬فجعل املرهون لصاحبه الذي رهنه ‪ ،‬وجعل له مناءه ‪ ،‬وعليه غرمه ‪ .‬ويترتب على هذا ما يأتي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ مؤنة الرهن ؛ كالطعام ‪ ،‬وعلف الدواب ‪ ،‬وهكذا عمارته ‪ ،‬وصيانته ‪ ،‬وغري ذلك ؛ هي على الراهن ؛ للحديث السابق‬
‫‪ ،‬وألن الرهن ملك الراهن فكان عليه نفقته ‪ .‬وعلى الراهن أيضا أجرة املخزن الذي تودع فيه العني املرهونة ‪ ،‬وأجرة‬
‫حراستها ؛ ألن ذلك يدخل ضمن اإلنفاق على الرهن ‪ .‬وكذا أجرة رعي املاشية املرهونة ‪.‬‬
‫‪42‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫‪ 2‬ـ مناء الرهن املتصل ‪ ،‬كالسمن ‪ ،‬وتعلم الصنعة ‪ .‬ومناؤه املنفصل ؛ كالولد ‪ ،‬والثمرة ‪ ،‬والصوف ‪ ،‬وكسبه ؛ كل ذلك ملك‬
‫للراهن ‪ ،‬ويلحق بالرهن ‪ ،‬فيكون رهنا معه ‪ ،‬ويباع معه لوفاء الدين ‪ .‬وكذا سائر غالته ؛ ألهنا تابعة له ‪ .‬وكذا لو جين عليه‬
‫؛ فأرش اجلناية يلحق بالرهن أيضا ؛ ألنه بدل جزء منه ‪.‬‬
‫‪3‬ـ لو تلف الرهن بال تعد من املرهتن وال تفريط فهو من ضمان الراهن ؛ ألنه ملكه ‪ ،‬فإذا تلف تلف على ملكه ‪.‬‬
‫المسألة الرابعة ‪ :‬إذا حل الدين الذي به رهن وجب على المدين تسديده كالدين الذي ال رهن به ؛ ألن هذا مقتضى‬
‫العقد بينهما ؛ قال اهلل تعاىل ‪ ( :‬فليؤد الذي اؤمتن أمانته ‪ ،‬وليتق اهلل ربه وال يبخس منه شيئا ) ‪ .‬فإن امتنع عن الوفاء‬
‫صار مماطال ‪ .‬وحينئذ جيربه احلاكم على وفاء الدين ‪ .‬فإن امتنع حبسه ‪ ،‬وعزره حىت يويف ما عليه من الدين من عنده ‪ ،‬أو‬
‫يبيع املرهون ‪ ،‬ويسدد من قيمته ‪ .‬فإن امتنع فإن احلاكم يبيع املرهون ‪ ،‬ويويف الدين من مثنه ؛ ألنه حق وجب على املدين ‪،‬‬
‫فقام احلاكم مقامه عند امتناعه ‪ .‬وألن املرهون وثيقة بالدين لكي يباع عند حلوله ‪.‬‬
‫وإن فضل من مثن املرهون شيء زائد عن الدين فهو للراهن ‪ ،‬يرد عليه ؛ ألنه ماله ‪ .‬وإن بقي من الدين شيء مل‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫يغطه مثن املرهون فهو يف ذمة الراهن جيب عليه تسديده ‪.‬‬
‫المسألة الخامسة ‪ :‬صور الرهن العقاري ‪:‬‬
‫الصورة األولى ‪ :‬أن ميول شخص ‪ ،‬أو جهة ‪ ،‬أو مؤسسة مالية ؛ أحد العمالء على أن يرهتن عقارا إىل أن يسدد ما عليه‬
‫يف املدة املتفق عليها بني الطرفني ‪ ،‬فإذا مل يسدد العميل فإن للجهة املمولة احلق يف بيع املرهون واستيفاء ما هلا من مثن‬
‫العقار ‪.‬‬
‫وهذه الصورة جائزة ؛ ألنها جارية على أصول الرهن المشروعة والمتفق عليها بين العلماء ‪.‬‬
‫الصورة الثانية ‪ :‬أن تقرض جهة مالية أحد األشخاص ماال لشراء عقار ‪ ،‬وترهتن هذا العقار حىت يتم تسديد العميل ما‬
‫لتلك اجلهة عليه من حق ‪.‬‬
‫وهذه الصورة جائزة على الراجح ؛ ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم استقرض من يهودي شعريا ‪ ،‬ورهنه درعه ـ‬
‫كما تقدم ـ ‪ .‬وألن ما جاز فعله جاز شرطه ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫الصورة الثالثة ‪ :‬أن متتلك اجلهة املمولة عقارا تستثمره بالبيع على عمالئها بثمن مؤجل على أن ترهتن العقار املباع إىل أن‬
‫يسدد املشرتي كامل القيمة ‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل العلم في هذه الصورة على قولين ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬أنه ال يصح ‪ .‬واستدلوا بأنه حني الرهن هنا ال يكون املبيع ملكا للراهن ‪ ،‬فالبيع يقتضي تسليم املبيع أوال ‪،‬‬
‫ورهن املبيع يقتضي أال يسلمه حىت يقبض الثمن ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن الرهن صحيح يف هذه الصورة ‪ .‬واستدلوا بأنه إمنا شرط رهن املبيع هنا بعد ملك الراهن له ‪ .‬وهذا القول‬
‫هو الراجح ‪.‬‬
‫المسألة السادسة ‪ :‬الرهن الحيازي ‪:‬‬
‫املقصود بالرهن احليازي هو الرهن الذي يكون فيه املرهون حتت يد املرهتن ‪ .‬واملقصود بالرهن الرمسي هو الذي ال‬
‫يكون فيه املرهون مقبوضا بيد املرهتن ‪ ،‬بل يسجل يف األوراق الرمسية فقط حبيث يدون فيها ما يفيد بأن العني الفالنية‬
‫‪43‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫مرهونة ؛ مثل أن خيتم على استمارة السيارة أو صك البيت واألرض مثال بأهنا مرهونة ‪ .‬وهذا النوع من الرهون الزم حىت‬
‫على قول اجلمهور ؛ ألن اخلتم الرمسي يف قوة احليازة العينية ؛ ألن املرجع يف القبض للعرف كما تقدم ‪ ،‬والعرف جار اليوم‬
‫على أن التوثيق باخلتم هو كالتوثيق باحليازة ؛ ألن البيت املختوم على صكه ال ميكن التصرف فيه حبال بدون إذن املرهتن ‪.‬‬
‫ب ـ الضمان‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الضمان‬
‫‪1‬ـ تعريفه لغة ‪ :‬مأخوذ من الضمن ؛ ألن ذمة الضامن صارت يف ضمن ذمة املضمون عنه ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬مشتق من التضمن ؛ ألن ذمة الضامن تتضمن احلق املضمون ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬مشتق من الضم ؛ لضم ذمة الضامن إىل ذمة املضمون عنه يف التزام احلق ‪ ،‬فيثبت احلق يف ذمتيهما مجيعا‬
‫‪.‬‬
‫‪2‬ـ تعريفه اصطالحا ‪ :‬هو التزام ال شخص ما وجب على غريه ‪ ،‬مع بقائه على املضمون عنه ‪ .‬والتزام ما قد جيب أيضا ؛‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫كأن يقول ‪ :‬ما أعطيت فالنا فهو علي ‪.‬‬


‫ثانيا ‪ :‬أركان الضمان‬
‫‪1‬ـ المضمون عنه ‪ .‬وهو الذي عليه احلق ‪.‬‬
‫‪2‬ـ المضمون له ‪ .‬وهو صاحب احلق ‪.‬‬
‫‪3‬ـ الضامن ‪ .‬وهو امللتزم باحلق الذي على املضمون عنه ‪.‬‬
‫‪4‬ـ الحق المضمون ‪.‬‬
‫‪5‬ـ الصيغة ‪ .‬وهي اإلجياب والقبول ‪ .‬ويصحان بأي لفظ يدل عليهما ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬حكم الضمان‬
‫الضمان جائز بالكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬واإلمجاع ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫فمن الكتاب قول اهلل تعاىل ‪ ( :‬وملن جاء به محل بعري ‪ ،‬وأنا به زعيم ) ‪ .‬أي ‪ :‬ضامن ‪.‬‬
‫ومن السنة ما روى أبو داود والرتمذي مرفوعا ‪ ( :‬الزعيم غارم ) ‪ .‬أي ‪ :‬ضامن ‪.‬‬
‫وقد أمجع العلماء على جواز الضمان يف اجلملة ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬الحكمة من مشروعيته‬
‫املصلحة تقتضيه ‪ ،‬بل قد تدعو احلاجة ‪ ،‬والضرورة إليه ‪ .‬وهو من عقود التوثيقات ؛ فبه يتمكن املضمون عنه‬
‫حني ال يكون بيده نقد حاضر من احلصول على ما حيتاجه ؛ سواء باالقرتاض ‪ ،‬أو الشراء باآلجل حني يقدم ضامنا‬
‫للمقرض أو البائع يلتزم له بأداء احلق ‪ .‬ويف الوقت نفسه يطمئن البائع واملقرض على رجوع حقه إليه ‪ ،‬فال ميتنع من‬
‫اإلقراض أوالبيع باألجل ‪ .‬وحينئذ يتيسر اإلقراض ‪ ،‬ويتسع باب التعامل باآلجل ‪.‬‬

‫‪44‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫خامسا ‪ :‬شروط عقد الضمان‬


‫‪1‬ـ أن يكون الضامن جائز التصرف ؛ وذلك ألنه حتمل مال ‪ .‬فال يصح من صغري ‪ ،‬وال سفيه حمجور عليه ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ رضا الضامن ‪ .‬فإن أكره على الضمان مل يصح ؛ ألن الضمان تربع بالتزام احلق ‪ ،‬فاعترب له الرضا كالتربع باألموال ‪ .‬أما‬
‫املضمون له ‪ ،‬واملضمون عنه فال يشرتط رضامها ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬أخذ العوض على الضمان‬
‫ال جيوز أخذ العوض على الضمان ؛ ألنه عقد يراد منه نفع املضمون وإعانته ‪ .‬فهو من التعاون على الرب والتقوى‬
‫‪ ،‬ومن قضاء حاجة املسلم ‪ ،‬وتنفيس كربته ‪ .‬فإذا أخذ العوض عليه كان كالقرض الذي جر نفعا ؛ فإن الضامن يلزمه أداء‬
‫الدين ع ن املضمون عند مطالبته بذلك ‪ ،‬فإذا أداه للمضمون له فإنه سيسرتده من املضمون عنه على صفة القرض ‪،‬‬
‫فيكون قرضا جر نفعا ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬مسائل متفرقة على الضمان‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫‪ 1‬ـ لصاحب احلق ( املضمون له ) أن يطالب من شاء من الضامن ‪ ،‬أواملضمون عنه ؛ ألن حقه ثابت يف ذمتيهما ‪ ،‬فملك‬
‫مطالب ة من شاء منهما ‪ .‬وهذا قول اجلمهور ‪ .‬وذهب بعض العلماء إىل أنه ال جيوز له مطالبة الضامن إال إذا تعذرت عليه‬
‫مطالبة املضمون عنه ؛ ألن الضامن فرع ‪ ،‬وال يصار إليه إال إذا تعذر األصل ؛ ألن الضامن توثقة للحق ؛ كاملرهون ال‬
‫يستوىف منه احلق إال عند تعذر االستيفاء من الراهن ‪ .‬وألن مطالبة الضامن مع وجود املضمون عنه ويساره فيها استقباح‬
‫من الناس ؛ ألن املعهود عندهم أنه ال يطالب الضامن إال عند تعذر مطالبة املضمون عنه ‪ ،‬أو عجزه عن التسديد ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ذمة الضامن ال تربأ إال إذا برئت ذمة املضمون عنه من الدين بإبراء أو قضاء ؛ ألن ذمة الضامن فرع عن ذمة املضمون‬
‫عنه ‪ ،‬وتبع هلا ‪ .‬وألن الضمان وثيقة ؛ فإذا برىء األصل زالت الوثيقة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ جيوز تعدد الضامنني ؛ فيجوز أن يضمن احلق اثنان فأكثر ‪ ،‬سواء ضمن كل واحد منهما مجيع احلق ‪ ،‬أو جزءا منه ‪.‬‬
‫وال يربأ أحد منهم إال برباءة اآلخر ‪ ،‬ويربؤون مجيعا برباءة املضمون عنه ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ال يشرتط يف صحة الضمان معرفة الضامن للمضمون عنه ‪ ،‬فيصح ولو جهله كأن يقول ‪ :‬من استدان منك فأنا ضمني‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪ .‬وال يشرتط أيضا معرفة الضامن للمضمون له ؛ وذلك ألنه ال يشرتط رضا املضمون عنه ‪ ،‬وال املضمون له ‪ .‬ومن مث فال‬
‫تشرتط معرفتهما ‪.‬‬
‫‪5‬ـ يصح ضمان اجملهول إذا كان يؤول إىل العلم ؛ لقول اهلل تعاىل ‪ ( :‬وملن جاء به محل بعري ‪ ،‬وأنا به زعيم ) ‪ .‬فحمل‬
‫البعري جمهول لكنه يؤول إىل العلم ‪.‬‬
‫ثامنا ‪ :‬الضمان البنكي‬
‫هو إجراء تقوم به البنوك من خالل خطاب ضمان يعده البنك ملصلحة عميل حيتاج إليه عند الدخول يف‬
‫مناقصات لل قيام بأعمال معينة ؛ كتنفيذ املشاريع ‪ ،‬أو تأمني بعض املستلزمات ‪ ،‬أو استريادها ‪ .‬حيث تقوم اجلهة اليت‬
‫ترغب من شخص أو من مؤسسة أو من شركة تقدمت للدخول يف مناقصة لدى تلك اجلهة بطلب ضمان بنكي هو مبثابة‬
‫التأمني يف حالة التخلف عن إجناز تلك األعمال ‪ .‬ولكي يكون ضمانا ‪ ،‬وبرهانا على جدية ذلك املتقدم للدخول يف‬
‫املناقصة ‪ .‬ومن أجل أن ال يتورط من يريد الدخول يف تلك املناقصة يف خسائر كبرية ‪ .‬وخطاب الضمان إمنا تصدره البنوك‬
‫‪45‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫‪ ،‬وال تصدره إال بشروط ‪ ،‬وضوابط ‪ ،‬ومواصفات معينة ‪ .‬وميكن تعريفه بأنه ‪ ( :‬تعهد أمام جهة معينة بضمان دفع مبلغ‬
‫من النقود لقاء قيام العميل بالدخول يف مناقصة ‪ ،‬أو تنفيذ مشروع من قيمة العملية اليت تستقر على عهدة العميل ) ‪.‬‬
‫أنواع خطابات الضمان ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬خطاب الضمان االبتدائي ‪ .‬وهذا يكون مقابل الدخول يف مناقصات أو مشاريع ‪ ،‬ويكون مبلغ الضمان مساويا لـ‬
‫‪ %1‬من قيمة املن اقصة أو أكثر ‪ ،‬وساري املفعول ملدة معينة ‪ .‬وعادة تكون املدة ثالثة أشهر ‪ .‬وخطاب الضمان هذا‬
‫يقدمه العميل للمستفيد ‪ ،‬سواء كان جهة حكومية أم غريها ليسوغ له الدخول يف املناقصة مثال ‪ .‬فهو مبثابة تأمني ابتدائي‬
‫يعطي املستفيد اطمئنانا على قدرة العميل على الدخول يف املناقصة ‪ .‬وال يلغى هذا اخلطاب إال بإعادته بصفة رمسية من‬
‫اجلهة املقدم إليها ( أي املستفيد ) ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬خطاب الضمان النهائي ‪ .‬وهذا يكون مقابل حسن التنفيذ ‪ ،‬وسالمة األداء يف عملية مناقصة أو مشروع ووحو‬
‫ذلك ‪ ،‬يكون مبلغه بنسبة ‪ %5‬من قيمة املشروع أو املناقصة ‪ ،‬وهو مقيد مبدة حمددة كسنة مثال قابلة للزيادة ‪ .‬وخطاب‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫الضمان هذا يقدمه العميل للمستفيد ـ جهة حكومية أو غريها ـ ؛ ليتمكن املستفيد من االستيفاء منه عند ختلف العميل‬
‫عن الوفاء مبا التزم به ‪ .‬فهو مبثابة تأمني هنائي عند احلاجة إليه ‪ .‬وال يكون إلغاؤه إال خبطاب رمسي من اجلهة املقدم إليها (‬
‫أي املستفيد ) ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬خطاب الضمان مقابل غطاء كامل لنفقات المشروع أو المناقصة ‪ .‬أي مقابل سلفة يقدمها العميل إىل البنك‬
‫على حساب املشروع مثال لصاحل الطرف املستفيد ‪ .‬والغاية منه هي كالغاية من سابقه وهو اخلطاب النهائي ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬خطاب الضمان ‪ ( :‬ضمان المستندات ) ‪ .‬وهو خطاب يقدمه البنك لصاحل شركات الشحن ‪ ،‬أو وكاالت‬
‫البواخر يف حالة وصول البضاعة املستوردة إىل امليناء احملدد ‪ ،‬وتأخر وصول مستندات الشحن اخلاصة بالبضاعة إىل ذلك‬
‫البنك الذي جرى االسترياد عن طريقه ‪ .‬فخشية أن يلحق بالبضاعة تلف من جراء تأخر بقائها يف مجرك امليناء يكون‬
‫الضمان املذكور تعهدا من البنك بتسليم مستندات الشحن اخلاصة بالبضاعة إىل وكالء البواخر فور وصوهلا ‪ .‬واستنادا إىل‬
‫هذا الضمان يتم فسح البضاعة للمستورد ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫وإلصدار مثل هذا الضمان يقدم العميل املستورد طلبا بذلك إىل البنك ‪ ،‬ويسدد قيمة اعتماد االسترياد بالكامل ( وهي‬
‫قيمة البضاعة املستوردة ) ‪ .‬ومن مث يصدر البنك خطاب الضمان ويسلمه إىل العميل ‪ ،‬فيقوم العميل بتسليمه إىل وكالء‬
‫الباخرة املعنيني ‪.‬‬
‫حكم خطاب الضمان ‪:‬‬
‫فيه تفصيل ‪ :‬فإن كان بغطاء ( أي أن املال موجود لدى املصرف ) فهو جائز ؛ ألنه وكالة ‪ ،‬والوكالة تصح بأجرة‬
‫وبدون أجرة ‪ .‬أما إن مل يكن بغطاء فال جيوز ؛ ألنه ضمان ‪ ،‬وال جيوز أخذ األجرة على الضمان حيث إنه يؤدي إىل أن‬
‫يكون قرضا جر نفعا كما سبق بيانه ‪ .‬أما املصاريف اإلدارية إلصدار خطاب الضمان بنوعيه فجائزة شرعا ‪ ،‬لكن ينبغي‬
‫عدم املغاالة فيها ‪ ،‬وعدم جتاوزها املقدار العادل املناسب ‪.‬‬

‫‪46‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة الثانية عشرة )‬


‫الكفالة ( تعريفها ‪ ،‬حكمها ‪ ،‬الحكمة من مشروعيتها ‪ ،‬ما تصح فيه ‪ ،‬الفرق بينها وبين الضمان ‪ ،‬شروط صحتها ‪،‬‬
‫ما يبرأ به الكفيل ‪ .‬مسائل على الكفالة ) ‪ .‬الحوالة ( تعريفها ‪ ،‬مشروعيتها ‪ ،‬الحكمة من مشروعيتها ‪ ،‬شروطها ‪،‬‬
‫أثرها ‪ ، ،‬الحوالة المصرفية المعاصرة )‬
‫نتناول يف هذه احللقة موضوعني جديدين ومها ‪ :‬الكفالة ‪ ،‬واحلوالة ‪ .‬ونبدأ بالكفالة ؛ فنقول ‪:‬‬
‫أـ الكفالة ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الكفالة‬
‫‪1‬ـ تعريفها لغة ‪ :‬مصدر كفل مبعىن ‪ :‬التزم ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تعريفها اصطالحا ‪ :‬هي ( التزام الشخص إحضار من عليه حق مايل لربه ) ‪ .‬فالعقد يف الكفالة واقع على بدن‬
‫املكفول ‪ ،‬وليس على ماله ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫ثانيا ‪ :‬حكم الكفالة‬


‫هي جائزة كالضمان ‪ .‬ومن أدلة جوازها قول اهلل تعاىل ‪ ( :‬قال لن أرسله معكم حىت تؤتون موثقا من اهلل لتأتنين‬
‫به إال أن حياط بكم ) ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الحكمة من مشروعيتها‬
‫احلكمة من مشروعيتها شبيهة باحلكمة من مشروعية الضمان ؛ ففي كل منهما توثيق حيصل به االطمئنان على‬
‫احلق ؛ ولذا فاملصلحة تقتضيهما ‪ ،‬بل قد تدعو احلاجة والضرورة إليهما كما سبق بيانه هناك ‪ ،‬فلريجع إليه ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬ما تصح فيه الكفالة‬
‫تصح الكفالة ببدن ك ل إنسان عليه حق مايل كالدين ‪ .‬وال تصح الكفالة ببدن من عليه حد ؛ ألن الكفالة‬
‫استيثاق ‪ ،‬واحلدود مبناها على الدرء بالشبهات ‪ ،‬فال يدخل فيها االستيثاق ‪ .‬وال تصح الكفالة أيضا ببدن من عليه‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫قصاص ؛ ألنه ال ميكن استيفاؤه من غري اجلاين ‪ ،‬وال جيوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار املكفول ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬الفرق بين الكفالة والضمان‬
‫الفرق بينهما أن الضمان متعلق باملال ‪ ،‬والكفالة متعلقة بالبدن ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬شروط صحة الكفالة‬
‫‪1‬ـ كون الكفيل جائز التصرف ( أي حرا ‪ ،‬مكلفا ‪ ،‬رشيدا ) ‪.‬‬
‫‪2‬ـ رضا الكفيل ؛ ألنه ال يلزمه احلق ابتداء إال برضاه ‪.‬‬
‫أما رضا املكفول فقد اختلف الفقهاء يف اشرتاطه ؛ فمنهم من قال ‪ :‬يشرتط رضاه ‪ .‬ومنهم من قال ‪ :‬ال يشرتط ‪.‬‬
‫والصحيح أنه يشترط رضاه لما يأتي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن املقصود من الكفالة إحضار املكفول ‪ ،‬وحينئذ فالبد من رضاه بذلك ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن الكفالة معروف وإحسان إىل املكفول ‪ ،‬فإذا كانت بغري رضاه مل تصبح معروفا وال إحسانا ‪.‬‬

‫‪47‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫‪3‬ـ أن بعض الناس رمبا يفضل البقاء يف السجن على كفالة من يريد أن مين عليه بكفالته ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬ما يبرأ به الكفيل‬
‫يربأ الكفيل مبوت املكفول املتعذر إحضاره ‪ .‬ويربأ كذلك بتسليمه املكفول لرب احلق ‪ .‬كما يربأ أيضا بتسليم‬
‫املكفول نفسه لرب احلق يف حمل التسليم وأجله ؛ ألن املكفول قام مبا يلزم الكفيل ‪.‬‬
‫ثامنا ‪ :‬مسائل على الكفالة‬
‫‪ 1‬ـ إذا تعذر إحضار املكفول مع حياته ‪ ،‬أو غاب ومضى زمن ميكن إحضاره فيه فإن الكفيل يضمن ما عليه من الدين ؛‬
‫لعموم قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬الزعيم غارم ) ‪ .‬فتنقلب الكفالة إىل ضمان ‪ .‬وذلك ما مل يشرتط الكفيل الرباءة من‬
‫الدين عند تعذر إحضار املكفول ‪ ،‬فحينئذ ال يلزمه الضمان ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ جيوز ضمان معرفة الشخص ؛ كما لو جاء إنسان ليستدين من إنسان ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا ال أعرفك ‪ ،‬فال أعطيك ‪ .‬فقال‬
‫شخص آخر ‪ :‬أنا أضمن لك معرفته ؛ أ ي أعرفك من هو ‪ ،‬وأين هو ‪ .‬فإنه يلزمه إحضاره إذا غاب ‪ ،‬وال يكفي أن يذكر‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫امسه ومكانه ‪ .‬فإن عجز عن إحضاره مع حياته ضمن ما عليه ؛ ألنه هو الذي دفع الدائن إىل أن يعطيه ماله بتكفله‬
‫ملعرفته ‪ ،‬فكأنه قال ‪ :‬ضمنت لك حضوره مىت أردت ‪ ،‬فصار ذلك كما لو قال ‪ :‬تكفلت لك ببدنه ‪.‬‬
‫ب ـ الحوالة‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الحوالة‬
‫‪1‬ـ تعريفها لغة ‪ :‬مشتقة من التحول ؛ ألهنا حتول الدين من ذمة إىل ذمة أخرى ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تعريفها اصطالحا ‪ :‬هي ( نقل دين من ذمة إىل ذمة أخرى ) ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مشروعية الحوالة‬
‫هي ثابتة بالسنة واإلمجاع ‪.‬‬
‫فمن السنة قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع ) ‪ .‬متفق عليه ‪ .‬ويف لفظ ‪( :‬‬
‫من أحيل حبقه على مليء فليحتل ) ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫ومن اإلمجاع حكى غري واحد من العلماء اإلمجاع على ثبوهتا ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الحكمة من مشروعيتها‬
‫احلوالة فيها إرفاق بني الناس ‪ ،‬ففيها تيسري سبل قضاء الديون ‪ ،‬وإبراء الذمم ؛ فبدال من بقاء العالقة ثالثية‬
‫وانشغال ذمتني بدينني تصري العالقة باحلوالة ثنائية ‪ ،‬وتربأ ذمة ‪ ،‬وتنشغل ذمة واحدة فقط بدين واحد فقط ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬شروط الحوالة‬
‫‪ 1‬ـ أن تكون على دين مستقر يف ذمة احملال عليه ؛ ألن مقتضاها إلزام احملال عليه بالدين ‪ ،‬وإذا كان هذا الدين غري مستقر‬
‫فهو عرضة للسقوط ‪ ،‬فال تثبت احلوالة عليه ‪ .‬وعلى هذا فال تصح احلوالة على مثن مبيع يف مدة اخليار ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اتفاق الدينني احملال به واحملال عليه ‪ ،‬أي متاثلهما يف اجلنس ‪ ،‬والوصف ‪ ،‬والوقت ‪ ،‬واملقدار ‪ .‬فالتماثل يف اجلنس‬
‫كاإلحالة بدراهم على دراهم ‪ .‬ومتاث لهما يف الوصف كدراهم مضروبة على دراهم مضروبة ‪ .‬ومتاثلهما يف الوقت أي يف‬
‫احللول ‪ ،‬والتأجيل ‪ .‬فلو كان أحد الدينني حاال ‪ ،‬واآلخر مؤجال ‪ .‬أو أحدمها حيل بعد شهر ‪ ،‬واآلخر بعد شهرين مل‬
‫‪48‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫تصح احلوالة ‪ .‬ومتاثلهما يف املقدار كاحلوالة مبئة على مئة ‪ .‬فلو أحال مبئة على تسعني مل تصح احلوالة ؛ ألهنا عقد إرفاق‬
‫كالقرض ‪ ،‬فلو جاز التفاضل فيها خلرجت عن موضوعها ( وهو اإلرفاق ) إىل طلب الزيادة هبا ‪ .‬وهذا ال جيوز كما ال‬
‫جيوز يف القرض ‪ .‬لكن لو أحال ببعض ما عليه من الدين ‪ ،‬أو أحال على بعض ما له من الدين جاز ذلك ‪ ،‬ويبقى الزائد‬
‫حباله لصاحبه ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ رضا احمليل ؛ ألن احلق عليه فال يلزمه أن يسدده عن طريق احلوالة ‪ ،‬فله قضاؤه مباشرة أو من طريق آخر ‪ .‬وال يشرتط‬
‫رضا احملال عليه ‪ .‬وال يشرتط أيضا رضا احملتال إذا أحيل على مليء غري مماطل ‪ ،‬بل جيرب على قبول احلوالة ؛ لقول النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬م طل الغين ظلم ‪ ،‬وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع ) ‪ .‬متفق عليه ‪ .‬أي ليقبل احلوالة ‪ .‬واملليء‬
‫هو القادر على الوفاء ‪ ،‬الذي ال يعرف باملماطلة ‪ .‬فإن كان احملال عليه غري مليء مل يلزم احملال قبول احلوالة عليه ؛ ملا يف‬
‫ذلك من الضرر عليه ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬أثر الحوالة‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫إذا صح ت احلوالة املستوفية لشروطها فإنه ينتقل هبا احلق من ذمة احمليل إىل ذمة احملال عليه ‪ ،‬وتربأ ذمة احمليل من‬
‫هذا احلق ؛ ألن مقتضاها حتويل احلق من ذمة إىل ذمة ‪ .‬وحينئذ فال يسوغ للمحال أن يرجع إىل احمليل ؛ ألن حقه انتقل‬
‫إىل ذمة غريه ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬الحوالة المصرفية المعاصرة‬
‫وتتكون من أربعة أركان ؛ وهي ‪1 :‬ـ احمليل ( وهو طالب احلوالة ) ‪2 .‬ـ احملال له ( وهو املستفيد ) ‪3 .‬ـ احملال به (‬
‫وهو املبلغ املايل ) ‪4 .‬ـ احملال عليه ( وهو املصرف الذي سيدفع املبلغ للمستفيد ) ‪.‬‬
‫وهي على أنواع ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬الحوالة المبرقة ‪ .‬وهي عبارة عن نقود يقوم املصرف بنقلها إىل مصرف آخر بناء على طلب العميل ‪،‬‬
‫سواء كان املصرفان يف بلد واحد ‪ ،‬أم أحدمها يف بلد واآلخر يف بلد آخر ‪ ،‬وهذا هو الغالب ‪ .‬وسواء متت هذه احلوالة‬
‫بربقية ‪ ،‬أم تلكس ‪ ،‬أم فاكس ‪ ،‬أم بالربيد اإللكرتوين ( اإلمييل ) ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫وقد اختلف العلماء في تكييفها الفقهي ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ فذهب بعضهم إىل أهنا من قبيل احلوالة ‪ .‬وهذا فيه نظر ؛ ألن احلوالة الشرعية هي نقل الدين من ذمة إىل ذمة أخرى ‪.‬‬
‫واملصرف حيول النقود إىل مصرف آخر وليس للعميل دين على املصرف احملول ‪ ،‬كما أنه ليس للمصرف احملول دين على‬
‫ذلك املصرف احملول عليه ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وذهب آخرون إىل أهنا من قبيل القرض ؛ فالعميل يقوم بإقراض املصرف مبلغا ليوفيه إياه املصرف مبكان آخر ‪ .‬وهذا‬
‫يسمى عند الفقهاء بالسفتجة ‪ ،‬وهي تكون بإقراض املال هبدف حفظه من طريق خموف مؤد إىل املكان اآلخر ‪.‬‬
‫‪3‬ـ وذهب آخرون إىل أهنا من قبيل الوكالة بأجرة ـ وهذ ا هو األقرب ـ ‪ .‬وأخذ األجرة على الوكالة جائز ‪ .‬وعلى هذا فأخذ‬
‫املصرف أجرة على حتويله النقود من بلد إىل بلد آخر جائز وال بأس به ‪.‬‬
‫واملصرف حني حيول النقود فإن ذلك يكون على صورتني ‪:‬‬

‫‪49‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫الصورة األوىل ‪ :‬أن يكون التحويل بنفس العملة ؛ حبيث يقدم العميل للمصرف رياالت سعودية مثال ويطلب حتويلها‬
‫ملصرف آخر رياالت سعودية كذلك ‪ .‬ويشرتط هنا التساوي ‪ ،‬والتقابض ‪ .‬وهذا الفعل جائز سواء كان التحويل جمانا ‪ ،‬أم‬
‫مبقابل يكون يف حدود األجر الفعلي العادل ‪ .‬وحني يكون جمانا فهو سفتجة ؛ وهي إعطاء شخص ماال آلخر ليسدده‬
‫اآلخر للمعطي ‪ ،‬أو لوكيله يف بلد آخر ‪ .‬أما حني يكون مبقابل فهو وكالة بأجر ‪.‬‬
‫الصورة الثانية ‪ :‬أن يكون التحويل بعملة مغايرة ؛ حبيث يقدم العميل للمصرف رياالت سعودية مثال ويطلب حتويلها‬
‫ملصرف آخر دوالرات أمريكية ‪ .‬وهذا يكون مركبا من حوالة وصرف ( وهو بيع عملة بعملة أخرى ) ‪ .‬ويشرتط هنا شرط‬
‫واحد وهو التقابض ؛ فتجري عملية الصرف قبل التحويل حبيث يسلم العميل للمصرف املبلغ املراد حتويله وهو الرياالت‬
‫مثال ‪ ،‬ويقوم املصرف بتقييد مقداره يف دفاتره بعد الصرف بعد االتفاق على سعر الصرف ‪ ،‬وإثباته يف املستند املسلم‬
‫للعميل ‪ .‬وقد أفىت جممع الفقه اإلسالمي بأن القبض املشروط يف الصرف حيصل بالتقييد يف احلساب ‪ ،‬أو من خالل السند‬
‫‪ .‬ويشرتط هنا أن تكون العملة اليت يصرف إليها من العمالت املوجودة عند املصرف املصدر للحوالة ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫النوع الثاني ‪ :‬الشيكات المصرفية ‪ .‬وهي أوامر بالدفع صادرة من املصرف احمليل إىل املصرف احملال عليه ‪ .‬بناء على‬
‫طلب العميل ‪ .‬فإذا أراد العميل أن حيول نقودا إىل بلد آخر فإنه يعطي املصرف النقود ‪ ،‬ويطلب شيكا ‪ .‬فيقوم املصرف‬
‫باملصارفة ‪ ،‬ويعطيه شيكا باملبلغ ‪ .‬وقد تتحد العملة هنا ‪ ،‬وقد تكون خمتلفة ‪ .‬فريد هنا ما سبق بيانه وذكر شروطه يف‬
‫الصورتني املذكورتني يف النوع األول وهي احلوالة املربقة ‪.‬‬
‫النوع الثالث ‪ :‬الشيك ‪ .‬وهو أداة وفاء ‪ ،‬حيرر وفقا لشكل معني ‪ ،‬يتضمن أمرا من حمرره إىل املصرف املسحوب منه بدفع‬
‫مبلغ معني للمستفيد ‪ .‬وهذا حوالة ‪.‬‬
‫وهذا الشيك على نوعين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬الشيك الشخصي ‪ .‬ويكون حمرره فردا ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬ال شيك املصدق ‪ .‬ويكون حمرره مصرفا ‪ .‬وهو أقوى من الشيك الشخصي ؛ ألن املبلغ املدون فيه حمجوز لدى‬
‫املصرف ‪ ،‬خبالف الشيك الشخصي ؛ فقد ال يكون له رصيد يفي بقيمته ‪ .‬وهلذا فالشيك املصريف له حكم النقد ‪ ،‬وقبضه‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫يف قوة قبض حمتواه من النقود ؛ ألن له قوة وقبوال بني التجار كالنقود ‪ ،‬فيجوز استعماله فيما جيب فيه القبض شرعا ‪،‬‬
‫كشراء الذهب والعمالت مع مراعاة قواعد الصرف اليت تقدمت يف الصرف ‪ .‬وأما الشيك الشخصي فإن كان له محاية من‬
‫النظام فهو كالشيك املصريف ‪ ،‬وإال مل يصح استعماله فيما جيب فيه القبض شرعا ‪.‬‬

‫‪50‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة الثالثة عشرة )‬


‫الوكالة ( تعريفها ‪ ،‬أركانها ‪ ،‬حكمها ‪ ،‬الحكمة من مشروعيتها ‪ ،‬ما تنعقد به الوكالة ‪ ،‬نوع عقد الوكالة ‪ ،‬ما تصح فيه‬
‫وما ال تصح ‪ ،‬حكم أخذ األجرة على الوكالة ‪ ،‬ما يتعلق بالموكل والوكيل من التصرفات ‪ ،‬ما يلزم الوكيل ضمانه وما‬
‫ال يلزمه ‪ ،‬مبطالت الوكالة ‪ ،‬مسائل على الوكالة )‬
‫نتحدث يف هذه احللقة عن موضوع جديد وهو الوكالة ؛ فنقول ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الوكالة‬
‫‪1‬ـ تعريفها لغة ‪ :‬الوكالة ـ بفتح الواو ‪ ،‬وكسرها ـ ‪ :‬التفويض ‪ ،‬تقول ‪ :‬وكلت أمري إىل اهلل ‪ ،‬أي فوضته إليه ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تعريفها اصطالحا ‪ :‬هي ( استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة ) ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أركان الوكالة‬
‫‪1‬ـ الموكل ‪ :‬وهو األصيل املنيب لغريه ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫‪2‬ـ الوكيل ‪ :‬وهو النائب الذي عهد إليه بالتصرف ‪.‬‬


‫‪3‬ـ الموكل فيه ‪ :‬وهو التصرف ‪ ،‬سواء كان ماليا أم غري مايل ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬حكم الوكالة‬
‫هي جائزة بالكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬واإلمجاع ‪.‬‬
‫فمن الكتاب قول اهلل تعاىل ‪ ( :‬فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إىل املدينة ‪ ،‬فلينظر أيها أزكى طعاما ‪ ،‬فليأتكم برزق منه ) ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ ( :‬قال اجعلين على خزائن األرض ) ‪.‬‬
‫ومن السنة ( أن النيب صلى اهلل عليه وسلم وكل عروة بن اجلعد يف شراء شاة ) ‪ ( .‬ووكل أبا رافع يف تزوجه صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ميمونة ) ‪ .‬وكان صلى اهلل عليه وسلم يبعث عماله لقبض الزكاة ‪.‬‬
‫ومن اإلمجاع ما ذكره املوفق وغريه من إمجاع األمة على جواز الوكالة يف اجلملة ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫رابعا ‪ :‬الحكمة من مشروعيتها‬


‫احلاجة تدعو إليها ؛ إذ ال ميكن كل أحد أن يفعل مجيع ما حيتاج إليه بنفسه يف أي وقت شاء ‪ ،‬ويف أي ظرف كان ‪،‬‬
‫فشرعت الوكالة ليتمكن اإلنسان من قضاء حاجاته ‪ ،‬وحتصيل مصاحله من خالل غريه ( وهو وكيله ) ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬ما تنعقد به الوكالة‬
‫تنعقد الوكالة بكل قول يدل على اإلذن ؛ كـ ‪ :‬إفعل كذا ‪ ،‬أو ‪ :‬أذنت لك يف فعل كذا ‪ .‬ويصح القبول من الوكيل على‬
‫الفور ‪ ،‬وعل ى الرتاخي ؛ بكل قول أوفعل يدل على القبول ؛ ألن قبول وكالئه صلى اهلل عليه وسلم كان مرتاخيا عن توكيله‬
‫إياهم ‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫سادسا ‪ :‬نوع عقد الوكالة‬


‫الوكالة من عقود اإلرفاق ‪ ،‬وهي عقد جائز يف حق كال الطرفني ؛ املوكل ‪ ،‬والوكيل ؛ ألهنا من جهة املوكل إذن ‪ ،‬ومن جهة‬
‫الوكيل بذل نفع ‪ ،‬وكالمها غري الزم ‪ .‬وحينئذ فلكل واحد منهما فسخها يف أي وقت شاء ‪ ،‬بشرط أن ال يكون قد جرى‬
‫التزام بشيء بناء على الوكالة ؛ كإبرام عقود كبيع وإجارة ‪ ،‬أوفسوخ كطالق وخلع ‪ ،‬ووحو ذلك ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬ما تصح فيه الوكالة ‪ ،‬وما ال تصح فيه‬
‫تصح الوكالة يف كل ما تدخله الن يابة من حقوق اآلدميني من العقود والفسوخ ‪ .‬فالعقود مثل ‪ :‬البيع ‪ ،‬والشراء ‪ ،‬واإلجارة ‪،‬‬
‫والقرض ‪ ،‬واملضاربة ‪ .‬والفسوخ كالطالق ‪ ،‬واخللع ‪ ،‬واإلقالة ‪ .‬وتصح الوكالة أيضا يف كل ما تدخله النيابة من حقوق اهلل من‬
‫العبادات ؛ كتفريق الصدقة ‪ ،‬وإخراج الزكاة ‪ ،‬والنذر ‪ ،‬والكفارة ‪ ،‬واحلج ‪ ،‬والعمرة ؛ لورود األدلة بذلك ‪.‬‬
‫وأما ما ال تدخله النيابة من حقوق اهلل تعاىل فال تصح الوكالة فيه ‪ ،‬وهو العبادات البدنية احملضة ؛ كالصالة ‪ ،‬والطهارة من‬
‫احلدث ؛ ألن ذلك خيتص ببدن من هو عليه ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫( واغد يا أنيس إىل امرأة هذا ‪ ،‬فإن اعرتفت‬ ‫وتصح الوكالة يف إثبات احلدود ‪ ،‬واستيفائها ؛ لقوله ص لى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فارمجها ) ‪ .‬متفق عليه ‪.‬‬
‫ثامنا ‪ :‬حكم أخذ األجرة على الوكالة‬
‫أخذ األجرة على الوكالة جائز وال بأس فيه ؛ ألهنا عمل مباح ‪ .‬وألن األصل أن ما جاز فعله جاز أخذ األجرة عليه ‪.‬‬
‫تاسعا ‪ :‬ما يتعلق بالموكل والوكيل من التصرفات‬
‫يتعلق باملوكل حقوق العقد من تسليم الثمن ‪ ،‬وقبض املبيع ‪ ،‬والرد بالعيب ‪ ،‬وضمان الدرك ( أي ضمان الثمن‬
‫إذا ظهر املبيع مستحقا لغري البائع ) ‪ .‬والوكيل يف البيع يسلم املبيع ‪ ،‬وال يستلم الثمن بغري إذن املوكل ‪ ،‬أو قرينة تدل على‬
‫إذنه ؛ كما ل و باعه يف حمل يضيع فيه الثمن لو مل يقبضه ‪ .‬والوكيل يف الشراء يسلم الثمن ؛ ألنه من تتمة الشراء وحقوقه ‪.‬‬
‫والوكيل يف اخلصومة ال يقبض ‪ ،‬وأما الوكيل يف القبض فإنه خياصم ؛ ألنه ال يتوصل إىل القبض إال باخلصومة ‪.‬‬
‫عاشرا ‪ :‬ما يلزم الوكيل ضمانه ‪ ،‬وما ال يلزمه‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫الوكيل أمني ال يضمن ما تلف بيده من غري تفريط ‪ ،‬وال تعد ‪ .‬فإن فرط ‪ ،‬أو تعدى ‪ ،‬أوطلب منه املال فامتنع من دفعه‬
‫لغري عذر فتلف ضمن ‪.‬‬
‫ويتفرع على كون الوكيل أمينا أنه يقبل قوله فيما وكل فيه من بيع ‪ ،‬وإجارة ؛ أنه قبض الثمن ‪ ،‬واألجرة ‪ ،‬وتلفا بيده ‪ .‬وأنه‬
‫يقبل قوله يف قدر الثمن ‪ ،‬واألجرة ‪.‬‬
‫حادي عشر ‪ :‬مبطالت الوكالة‬
‫تبطل الوكالة بفسخ أحدمها للوكالة ‪ ،‬أو موته ‪ ،‬أو جنونه املطبق ؛ ألن الوكالة تعتمد احلياة والعقل ‪ ،‬فإذا انتفيا‬
‫انتفت صحتها ‪ .‬وتبطل بعزل املوكل للوكيل ‪ .‬وتبطل باحلجر على السفيه منهما وكيال كان ‪ ،‬أم موكال ؛ لزوال أهلية‬
‫التصرف عنه باحلجر للسفه ‪.‬‬

‫‪52‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫ثاني عشر ‪ :‬مسائل على الوكالة‬


‫‪1‬ـ الوكالة تصح مؤقتة ‪ ،‬ومعلقة بشرط ؛ كأن يقول ‪ :‬أنت وكيلي مدة سنة ‪ .‬وكقوله ‪ :‬إذا متت إجارة داري فبعها ‪.‬‬
‫‪2‬ـ يعتبر تعيين الوكيل ‪ ،‬ومعرفته ؛ فال تنعقد الوكالة بقوله ‪ :‬وكلت أحد هذين ‪ ،‬وال بتوكيل من ال يعرفه ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ليس للوكيل أن يوكل فيما وكل فيه إال في األحوال اآلتية ‪:‬‬
‫احلال األوىل ‪ :‬إذا أجاز له املوكل ذلك ؛ بأن يقول ‪ :‬وكل إذا شئت ‪ ،‬ووحو ذلك‪.‬‬
‫احلال الثانية ‪ :‬إذا كان العمل املوكل فيه ال يتواله أمثاله ؛ لكونه من أشراف الناس املرتفعني عن مثل هذا العمل ‪.‬‬
‫احلال الثالثة ‪ :‬إذا عجز عن العمل الذي وكل فيه ‪.‬‬
‫احلال الرابعة ‪ :‬إذا كان ال حيسن العمل الذي وكل فيه ‪.‬‬
‫ويف هذه األحوال ال جيوز له أن يوكل إال أمينا ؛ ألنه مل يؤذن له يف توكيل من ليس بأمني ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫‪ 4‬ـ من وكل يف بيع أو شراء مل يبع ومل يشرت من نفسه ؛ ألن العرف يف البيع أن الرجل يبيع على غريه ‪ ،‬وألنه تلحقه هتمة‬
‫باحملاباة إذا باع أو اشرتى من نفسه ‪ .‬وكذا ال يصح بيعه وشراؤه من ولده ووالده وزوجته وسائر من ال تقبل شهادته له ؛‬
‫ألنه متهم يف حقهم كتهمته يف حق نفسه ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪53‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة الرابعة عشرة )‬


‫اإلجارة ( تعريفها ‪ ،‬أقسامها ‪ ،‬حكمها ‪ ،‬الحكمة من مشروعيتها ‪ ،‬نوع عقد اإلجارة ‪ ،‬شروط صحتها ‪ ،‬اإلجارة‬
‫المنتهية بالتمليك ‪ ،‬مسائل على اإلجارة ‪ ،‬ما ينفسخ به عقد اإلجارة )‬
‫نتناول يف هذه احللقة موضوعا جديدا وهو اإلجارة ؛ فنقول ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف اإلجارة‬
‫‪1‬ـ تعريفها لغة ‪ :‬مشتقة من األجر ؛ وهو العوض على املنفعة ‪ .‬قال تعاىل ‪ ( :‬قال لو شئت الختذت عليه أجرا ) ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تعريفها اصطالحا ‪ :‬هي ( عقد على منفعة مباحة من عني معينة ‪ ،‬أو موصوفة يف الذمة ‪ ،‬مدة معلومة ‪ ،‬أو على عمل‬
‫معلوم بعوض معلوم ) ‪.‬‬
‫شرح التعريف ‪:‬‬
‫قوهلم ‪ ( :‬عقد على منفعة ) خيرج به العقد على الرقبة ؛ فال يسمى إجارة ‪ ،‬وإمنا يسمى بيعا ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫قوهلم ‪ ( :‬مباحة ) خيرج به العقد على املنفعة احملرمة كالغناء ‪.‬‬


‫قوهلم ‪ ( :‬معلومة ) خيرج به املنفعة اجملهولة ؛ فال يصح العقد عليها ‪.‬‬
‫قوهلم ‪ ( :‬من عني معينة ‪ ،‬أو موصوفة يف الذمة ‪ ، ...‬أو عمل معلوم ) يتضمن قسمي اإلجارة اآليت بياهنما ‪.‬‬
‫قوهلم ‪ ( :‬مدة معلومة ) أي أن تكون مدة اإلجارة حمددة كيوم أو شهر مثال ‪.‬‬
‫قوهلم ‪ ( :‬بعوض معلوم ) أي أن تكون األجرة حمددة كألف لاير مثال ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أقسام اإلجارة‬
‫أقسام اإلجارة اثنان ؛ هما ‪:‬‬
‫القسم األول ‪ :‬إجارة على منفعة عني معينة ‪ ،‬أو منفعة عني موصوفة ‪ .‬فمثال العني املعينة ‪ :‬آجرتك هذه الدار للسكىن ‪.‬‬
‫ومثال العني املوصوفة ‪ :‬آجرتك بعريا صفته كذا للركوب ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫القسم الثاني ‪ :‬إجارة على أداء عمل معلوم ؛ كأن حيمله إىل موضع كذا ‪ ،‬أو يبين له جدارا ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬حكم اإلجارة‬
‫هي جائزة بالكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬واإلمجاع ‪.‬‬
‫فمن الكتاب قول اهلل تعاىل ‪ ( :‬فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن )وقال سبحانه ‪ ( :‬قال لو شئت الختذت عليه أجرا )‬
‫ومن السنة ما روى البخاري عن عائشة رضي اهلل عنها يف حديث اهلجرة ‪ ( :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم استأجر هو‬
‫وأبو بكر رضي اهلل عنه عبد اهلل ابن أريقط الليثي ‪ .‬وكان هاديا خريتا ) ‪ .‬وذلك ليدهلما على الطريق يف سفرمها للهجرة ‪.‬‬
‫وقد حكى ابن املنذر اإلمجاع على جواز اإلجارة ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬الحكمة من مشروعيتها‬
‫احلاجة تدعو إليها ؛ فحاجة اإلنسان للمنافع كحاجته إىل األعيان ‪ ،‬وليس كل ما حيتاجه اإلنسان من مركب‬
‫ومسكن ودكان ووحو ذلك يتمكن من شرائه ؛ فقد ال توجد لديه القدرة املالية على الشراء ‪ ،‬أو قد ال يكون راغبا يف شراء‬

‫‪54‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫تلك العني ‪ ،‬وإمنا يرغب يف االنتفاع هبا فرتة حمددة ولغرض عابر ؛ كما يف استئجار السيارات حال السفر ‪ ،‬واستئجار‬
‫املساكن فرتة السفر كالفنادق والشقق ‪ ،‬واستئجار اال سرتاحات لعمل املناسبات ووحو ذلك ‪ .‬فجعل له الشرع طريقا آخر‬
‫وهو اإلجارة ؛ كي يصل إىل حتقيق أغراضه ‪ ،‬وتلبية متطلباته بعوض يقدر عليه ‪ .‬ومن ناحية أخرى ال يكون قد تورط‬
‫بشراء عني ال يرغب يف شرائها ومتلكها على الدوام ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬نوع عقد اإلجارة‬
‫اإلجارة عقد الزم يف حق كال الطرفني ( املؤجر ‪ ،‬واملستأجر ) ؛ ألهنا نوع من البيع ‪ ،‬فأعطيت حكمه ‪ .‬وعلى هذا فليس‬
‫ألحد من الطرفني فسخها إال برضى اآلخر إال إذا ظهر عيب مل يعلم به املستأجر حال العقد ؛ فله الفسخ ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬شروط صحة اإلجارة‬
‫‪1‬ـ أن يكون العقد على املنفعة ‪ ،‬ال على العني ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن تكون املنفعة املعقود عليها مباحة ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫‪3‬ـ أن تكون املنفعة معلومة ‪.‬‬


‫‪4‬ـ إذا كانت اإلجارة على عني غري معينة فالبد أن تكون مما ينضبط بالوصف ‪.‬‬
‫‪5‬ـ أن تكون مدة اإلجارة معلومة ‪.‬‬
‫‪6‬ـ أن يكون العوض يف اإلجارة ( وهو األجرة ) معلوما ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬اإلجارة المنتهية بالتمليك‬
‫هي أن يتفق الطرفان على إجارة عني ( كسيارة ) ملدة معينة بأجرة معلومة على أن تنتهي اإلجارة بتمليك العني‬
‫املؤجرة للمستأجر بعد سداد املستأجر عدة أقساط تضمنتها مدة اإلجارة ‪.‬‬
‫صورة ذلك ‪ :‬هذا له صور عديدة ؛ أشهرها ‪ :‬أن يصاغ العقد على أنه عقد إجارة ينتهي بتمليك املستأجر العني املؤجرة‬
‫مقابل مثن يتمثل يف املبالغ اليت دفعت فعال أقساطا إلجارة تلك العني خالل تلك املدة احملددة ‪ ،‬ويصبح املستأجر مالكا (‬
‫أي مشرتيا ) للعني املؤجرة تلقائيا مبجرد سداده القسط األخري دون حاجة إىل إبرام عقد جديد ‪ .‬مثال ذلك ‪ :‬لو قال‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫مالك السيارة آلخر ‪ :‬أجرتك هذه السيارة بألف لاير كل شهر ملدة مخس سنوات ‪ ،‬على أنك إذا وفيت هبذه األقساط يف‬
‫السنوات اخلمس كانت السيارة ملكا لك مقابل جمموع املبلغ الذي شكلته تلك األقساط ‪ .‬ويقول اآلخر ‪ :‬قبلت ‪ .‬ففي‬
‫هذه الصورة يتضح لنا أن العقد يف بدايته إجارة ‪ ،‬ويف هنايته بيع ‪.‬‬
‫ويرد على هذه الصورة املآخذ اآلتية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن من أركان البيع الثمن ‪ .‬وهنا ال يوجد مثن وقت متام البيع وهي هناية مدة اإلجارة ؛ ألن ما مت دفعه كان أجرة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن األجرة املقدرة للسلعة يف املدة احملددة ليست أجرة عادلة ؛ فقد أخذ يف احلسبان أهنا هي مثن السلعة ‪ ،‬مع إضافة ما‬
‫قد يكون من ربح متفق عليه ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أن إرادة املتعاقدين متجهة إىل بيع هذه السلعة ‪ ،‬وليس إجارهتا ‪ .‬وقد دفعهما إىل جعل العقد هبذه الصورة خوف املؤجر‬
‫ـ الذي أصبح بائعا ـ من عدم احلصول على مثن السلعة إذا كان الثمن مؤجال ‪ ،‬وأن املشرتي يرغب يف اقتناء هذه السلعة‬
‫واالنتفاع هبا مع عدم وجود إمكانات لديه لشرائها بالنقد ‪ ،‬فصاغ الطرفان العقد هبذه الصيغة ‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫حكم هذا العقد ‪:‬‬


‫هذا العقد حمل خالف بني أهل العلم املعاصرين ؛ فمنهم من منعه ‪ ،‬ومنهم من أجازه ‪ .‬وقد صدرت فتوى من‬
‫اللجنة الدائمة لإلفتاء في المملكة بمنع ذلك ؛ لعلل ؛ منها ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أنه يؤدي إىل اجتماع عقدين على عني واحدة غري مستقر على أحدمها ‪ ،‬ومها خمتلفان يف احلكم ‪ ،‬وقد هنى النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم عن بيعتني يف بيعة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن يف ذلك غررا وغبنا ؛ ألن عقد اإلجارة لو انفسخ ألي سبب فسيخسر املستأجر مجيع الدفعات السابقة ‪ ،‬وتعود‬
‫ملكية العني للمؤجر ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن الثمن ركن البيع ‪ ،‬وهو هنا غري حمدد ‪ .‬وأن املدفوع كان على سبيل اإلجارة ‪.‬‬
‫وكذلك صدر قرار من مجمع الفقه اإلسالمي الدولي التابع لمنظمة التعاون اإلسالمي بتحريمه ‪ .‬وجاء في‬
‫قرار المجمع بيان علة المنع ؛ وهي ‪ :‬اجلمع بني عقدين منفصلني على حمل واحد ‪ ،‬يف عقد واحد ‪ ،‬يف وقت واحد ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫ففي الصورة السابقة كانت سنوات دفع األقساط هي فرتة عقد اإلجارة وعقد البيع أيضا ‪ .‬وبني العقدين تعارض ‪ .‬ومن‬
‫تعارضهما ‪ :‬أن الضمان يف عقد اإلجارة على املالك املؤجر‪ ،‬ويف عقد البيع على املشرتي ‪.‬‬
‫وذكر المجمع في قراره أن ضوابط جواز هذه الصورة هي كاآلتي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ وجود عقدين منفصلني يستقل كل منهما عن اآلخر زمانا ؛ حبيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد اإلجارة ‪ ،‬أو وجود‬
‫وعد بالتمليك يف هناية مدة اإلجارة ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن تكون اإلجارة فعلية ‪ ،‬وليست ستارا للبيع ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن يكون ضمان العني املؤجرة ‪ ،‬ونفقات الصيانة التشغيلية ‪ ،‬ومصاريف التأمني على املالك ‪ ،‬ال على املستأجر ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أن تطبق على عقد اإلجارة املنتهية بالتمليك أحكام اإلجارة طوال مدة اإلجارة ‪ ،‬وأحكام البيع عند متلك العني ‪.‬‬
‫الحلول البديلة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن يكون بيعا بالتقسيط يشرتط فيه البائع على املشرتي عدم التصرف يف املبيع مبا ينقل امللك عنه ـ معاوضة ‪ ،‬أو تربعا ـ‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫حىت سداد األقساط كاملة ‪ ،‬وإال انفسخ العقد ‪.‬‬


‫‪2‬ـ أن يكون عقد بيع مع رهن املبيع بثمنه ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن يكون عقد إجارة مع وعد باهلبة ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أن يكون عقد إجارة مع وعد بالبيع بثمن غري األجرة السابقة ‪ .‬وأن ال يكون الثمن رمزيا ‪ ،‬أو صوريا ‪ ،‬بل يكون بسعر‬
‫السوق ‪ .‬مع صيغة جديدة مستقلة لعقد البيع ؛ ألن ما مضى هو جمرد وعد ‪.‬‬
‫ثامنا ‪ :‬مسائل على اإلجارة‬
‫‪1‬ـ يصح استئجار اآلدمي لعمل معلوم ؛ كخياطة ثوب ‪ ،‬وبناء جدار ‪ .‬واألجير على قسمين ‪:‬‬
‫القسم األول ‪ :‬أجير خاص ‪ .‬وهو من استؤجر مدة معلومة يستحق املستأجر نفعه يف مجيعها ‪ ،‬ال يشاركه فيها أحد ‪.‬‬
‫وذلك مثل ‪ :‬اخلادمة ‪ ،‬والسائق ‪ ،‬والعامل الذي يستأجره الشخص مدة يوم مثال لبناء ‪ ،‬أو هدم ‪ ،‬أو حتميل أمتعة ‪ ،‬ووحو‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫‪56‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫القسم الثاني ‪ :‬أجير مشترك ‪ .‬وهو من قدر نفعه بالعمل ‪ ،‬وال خيتص به واحد بعينه ‪ ،‬بل يتقبل أعماال جلماعة يف وقت‬
‫واحد ؛ كاحلالق ‪ ،‬واخلياط ‪.‬‬
‫واألجري اخلاص ال يضمن ما جنت يده خطأ ؛ كما لو انكسرت اآللة اليت يعمل هبا ؛ ألنه نائب عن املالك ‪ ،‬فلم يضمن‬
‫كالوكيل ‪ .‬وإن تعدى أو فرط ضمن ما تلف ‪ .‬وأما األجري املشرتك فإنه يضمن ما تلف بفعله ؛ ألنه ال يستحق أجرا إال‬
‫بالعمل ؛ فعمله مضمون عليه ‪ ،‬وما تولد عن املضمون فهو مضمون ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ من استؤجر لعمل شيء فمرض أقيم من ماله من يعمله نيابة عنه إال إذا اشرتطت مباشرته للعمل بنفسه ؛ ألن املقصود‬
‫قد ال حيصل بعمل غريه ‪ ،‬فال يلزم حينئذ املستأجر قبول عمل غريه ‪ .‬لكن خيري املستأجر بني الصرب واالنتظار حىت يربأ‬
‫األجري ‪ ،‬وبني الفسخ ؛ لتعذر وصوله إىل حقه ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ال جيوز تأجري الدور والدكاكني ووحوها للمعاصي كبيع اخلمر وغريها من املواد احملرمة ؛ ألن ذلك إعانة على املعصية ‪.‬‬
‫‪4‬ـ ال تصح اإلجارة على أعمال العبادة والقربة ؛ كاحلج ‪ ،‬واألذان ؛ ألن هذه األعمال يتقرب هبا إىل اهلل ‪ .‬وأخذ األجرة‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫عليها خيرجها عن ذلك ‪ .‬وجيوز أخذ رزق من بيت املال على األعمال اليت يتعدى نفعها ؛ كاحلج ‪ ،‬واألذان ‪ ،‬واإلمامة ‪،‬‬
‫وتعليم القرآن والفقه ‪ ،‬والقضاء ‪ ،‬والفتيا ؛ ألن ذلك ليس معاوضة ‪ ،‬وإمنا هو إعانة على الطاعة ‪ .‬وال خيرجه ذلك عن‬
‫كونه قربة ‪ .‬وال خيل باإلخالص ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ جيوز للمستأجر أن يؤجر ما استأجره آلخر يقوم مقامه يف استيفاء املنفعة ؛ ألهنا مملوكة له ‪ ،‬فجاز له أن يستوفيها‬
‫بنفسه وبنائبه ‪ .‬لكن بشرط أن يكون املستأجر الثاين مثل املستأجر األول يف استيفاء املنفعة ‪ ،‬أو دونه ‪ ،‬ال أكثر منه ضررا‬
‫؛ كما لو استأجر دارا للسكىن جاز أن يؤجرها لغريه للسكىن أو دوهنا ‪ ،‬وال جيوز أن يؤجرها ملن جيعل فيها مصنعا أو‬
‫معمال ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ يلزم املؤجر أن يسلم العني املؤجرة للمستأجر ‪ ،‬ويبذل كل ما يتمكن به املستأجر من االنتفاع بالعني املؤجرة كإصالح‬
‫السيارة املؤجرة ‪ ،‬وهت يئتها للحمل والسري ‪ ،‬وعمارة الدار املؤجرة ‪ ،‬وإصالح ما فسد من عمارهتا ‪ ،‬وهتيئة مرافقها لالنتفاع ‪.‬‬
‫فإن أجره شيئا ومنعه من االنتفاع به كل املدة أو بعضها فال شيء له من األجرة ؛ ألنه مل يسلم له ما تناوله عقد اإلجارة‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫فلم يستحق شيئا ‪ .‬وإذا مكن املؤجر املستأجر من االنتفاع بالعني املؤجرة فإنه يستحق مجيع األجرة ‪ ،‬سواء استوىف‬
‫املستأجر املنفعة كل املدة أو بعضها ‪ ،‬أم تركها تذهب سدى ؛ ألن اإلجارة عقد الزم ‪ ،‬فرتتب مقتضاها ‪ ،‬وهو ملك‬
‫املؤجر األجر ‪ ،‬وملك املستأجر للمنافع ‪.‬‬
‫‪7‬ـ أجرة األجري جتب بالعقد ‪ ،‬وال ميلك املطالبة هبا إال بعد ما يسلم العمل الذي يف ذمته ‪ ،‬أو استيفاء املنفعة ‪ ،‬أو تسليم‬
‫العني املؤجرة ومضي املدة مع عدم املانع ؛ ألن األجري إمنا يوىف أجره إذا قضى عمله ‪ ،‬وألن األجرة عوض فال تستحق إال‬
‫بتسليم املعوض ‪.‬‬
‫تاسعا ‪ :‬ما ينفسخ به عقد اإلجارة ينفسخ عقد اإلجارة بأمور ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬إذا تلفت العني املؤجرة ‪ ،‬كما لو أجره دابة فماتت ‪ ،‬أو استأجر دارا فاهندمت ‪ ،‬أو اكرتى أرضا لزرع فانقطع ماؤها‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تنفسخ اإلجارة أيضا بزوال الغرض الذي عقدت من أجله ؛ كما لو استأجر طبيبا ليداويه فربىء ؛ لتعذر استيفاء‬
‫املعقود عليه ‪.‬‬
‫‪57‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة الخامسة عشرة )‬


‫الغصب ( تعريفه ‪ ،‬حكمه ‪ ،‬ما يقع عليه الغصب ‪ ،‬ما يترتب على الغصب من الضمان ‪ ،‬مسائل على الغصب )‬
‫نتحدث يف هذه احللقة عن موضوع جديد وهو الغصب ؛ فنقول ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الغصب‬
‫‪1‬ـ تعريفه لغة ‪ :‬هو أخذ الشيء ظلما ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تعريفه اصطالحا ‪ :‬هو ( االستيالء على حق غريه قهرا بغري حق ) ‪.‬‬
‫شرح التعريف ‪:‬‬
‫قوهلم ‪ ( :‬االستيالء ) أي عرفا ؛ فما عد يف العرف استيالء على حق الغري فهو غصب ‪ .‬وخيتلف باختالف املستوىل عليه‬
‫‪ .‬وال يصري غصبا بغري استيالء ‪.‬‬
‫قوهلم ‪ ( :‬حق غريه ) أي ماال كان ‪ ،‬أو اختصاصا ككلب صيد ووحو مخرة ذمي مستورة ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫قوهلم ‪ ( :‬قهرا ) خرج بذلك املسروق ‪ ،‬واملنتهب ‪ ،‬واملختلس ‪.‬‬


‫قوهلم ‪ ( :‬بغري حق ) خرج بذلك استيالء الويل على مال الصغري ووحوه ‪ ،‬واستيالء احلاكم على مال املفلس ؛ فليس ذلك‬
‫غصبا ؛ ألنه حبق ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬حكم الغصب‬
‫هو حمرم بإمجاع املسلمني ؛ لقول اهلل تعاىل ‪ ( :‬وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) والغصب من أعظم أكل املال‬
‫بالباطل ‪ .‬ولقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬إن دماءكم ‪ ،‬وأموالكم ‪ ،‬وأعراضكم عليكم حرام ) ‪ ،‬وقوله عليه الصالة‬
‫والسالم ‪ ( :‬ال حيل مال امرىء مسلم إال بطيب نفس منه ) ‪.‬‬
‫والغصب ظلم وعدوان يوجب على الغاصب التوبة إىل اهلل ‪ ،‬وأن يرد املغصوب إىل صاحبه ‪ ،‬ويطلب منه العفو ؛‬
‫قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬من كانت عنده ألخيه مظلمة فليتحلل منه اليوم قبل أن ال يكون دينار وال درهم " أي‬
‫يوم القيامة " ‪ .‬إن كانت له حسنات أخذ من حسناته ‪ ،‬وأعطيت للمظلوم ‪ .‬وإن مل تكن له حسنات أخذ من سيئات‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫املظلوم ‪ ،‬فطرحت عليه ‪ ،‬وطرح يف النار ) ‪.‬‬


‫ثالثا ‪ :‬ما يقع عليه الغصب‬
‫األموال منها املنقول ‪ ،‬ومنها الثابت ‪ .‬فاألموال املنقولة يقع عليها الغصب باتفاق ‪ .‬وأما األموال الثابتة ففيها كالم ألهل‬
‫العلم ؛ فقد اختلف الفقهاء يف وقوع الغصب على العقارات ‪:‬‬
‫فذهب اجلمهور من املالكية والشافعية واحلنابلة إىل وقوع الغصب على العقارات ‪ .‬وذهب احلنفية إىل أنه ال يقع‬
‫الغصب على العقارات ‪ .‬والراجح قول اجلمهور ؛ فيقع الغصب على العقارات ( وهو ما يسمى بالغصب احلكمي ) ‪ .‬وقد‬
‫دل على ذلك قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬من اقتطع شربا من األرض ظلما طوقه من سبع أرضني"‬

‫‪58‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫رابعا ‪ :‬ما يترتب على الغصب من الضمان‬


‫يد الغاصب يد ضمان ‪ .‬ويترتب على ذلك ما يأتي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أنه إن كان املغصوب باقيا حباله وجب رده بعينه ‪ ،‬وإن كان تالفا وجب رد بدله ؛ قال املوفق ابن قدامة ‪ ( :‬أمجع‬
‫العلماء على وجوب رد املغصوب إذا كان حباله مل يتغري ) ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أنه يلزم الغاصب رد املغصوب بزيادته ‪ ،‬سواء كانت متصلة أم منفصلة ؛ ألهنا مناء املغصوب ‪ ،‬فهي ملالكه كاألصل ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إن كان الغاصب قد بىن يف األرض املغصوبة ‪ ،‬أو غرس فيها ‪ ،‬لزمه قلع البناء والغراس إذا طالبه املالك بذلك ؛ لقوله‬
‫صلى اهلل عليه وسل م ‪ ( :‬ليس لعرق ظامل حق ) ‪ .‬رواه الرتمذي وحسنه ‪ .‬وإن كان ذلك يؤثر على األرض وينقصها لزمه‬
‫غرامة نقصها ‪ .‬ويلزمه أيضا إزالة آثار الغراس والبناء املتبقية ؛ كي يسلم األرض ملالكها سليمة ‪ .‬ويلزمه أيضا دفع أجرة‬
‫األرض منذ أن غصبها إىل أن سلمها ( أي أجرة مثلها ) ؛ أل نه منع صاحبها من االنتفاع هبا يف هذه املدة بغري حق ‪.‬‬
‫وهكذا مىت كان املغصوب مما جرت العادة بتأجريه فإنه يلزم الغاصب أجرة مثله مدة بقائه حتت يده ؛ ألن املنافع مال‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫متقوم ‪ ،‬فوجب ضماهنا كضمان األعيان ‪.‬‬


‫‪4‬ـ أن من غصب شيئا وحبسه حىت رخص سعره ضمن نقصه على الصحيح من كالم أهل العلم ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ إذا خلط الغاصب املغصوب مع غريه مما يتميز ـ كحنطة بشعري ـ لزمه ختليصه ‪ ،‬ورده ‪ .‬وإن خلطه مبا ال يتميز كما لو‬
‫خلط حنطة مبثلها لزمه رد مثل املغصوب ـ كيال إن كان مكيال ‪ ،‬أو وزنا إن كان موزونا ـ ‪ .‬وإن خلطه بدونه ‪ ،‬أو أحسن‬
‫منه ‪ .‬أو خلطه بغري جنسه مما ال يتميز بيع املخلوط ‪ ،‬وأعطي كل منهما قدر حصته من الثمن ‪ .‬وإن نقص املغصوب يف‬
‫هذه الصورة عن قيمته منفردا ضمن الغاصب نقصه ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ أن األيدي املرتتبة على يد الغاصب كلها أيدي ضمان ‪ .‬ومعىن ذلك أن األيدي اليت ينتقل إليها املغصوب عن طريق‬
‫الغاصب كلها تضمن املغصوب إذا تلف حبوزهتا ‪ .‬وهذه األيدي عشر ‪1 :‬ـ يد املشرتي وما يف معناه ‪2 .‬ـ يد املستأجر ‪3 .‬ـ‬
‫يد القابض متلكا بال عوض كيد املتهب ‪4 .‬ـ يد القابض ملصلحة الدافع كالوكيل ‪5 .‬ـ يد املستعري ‪6 .‬ـ يد الغاصب ( أي‬
‫من غصب من الغاصب ) ‪7 .‬ـ يد املتصرف يف املال كاملضارب ‪8 .‬ـ يد املتزوج للمغصوبة ‪9 .‬ـ يد القابض تعويضا بغري‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫بيع ‪10 .‬ـ يد املتلف للمغصوب نيابة عن غاصبه ‪.‬‬


‫ففي مجيع هذه الصور إذا علم الثاين حبقيقة احلال وأن الدافع إليه غاصب فقرار الضمان عليه ؛ لتعديه على ما يعلمه غري‬
‫مأذون فيه من مالكه ‪ .‬وإن مل يعلم حبقيقة احلال فالضمان على الغاصب األول ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬مسائل على الغصب‬
‫‪1‬ـ كل تصرفات الغاصب الحكمية باطلة ؛ لعدم إذن المالك ‪.‬‬
‫‪2‬ـ من دخل دارا قهرا وأخرج ربها فهو غاصب ‪ .‬وإن أخرجه قهرا ومل يدخل ‪ ،‬أو دخل مع حضور رهبا وقوته فليس‬
‫بغاصب ؛ ألنه غري مستول عليها ‪ .‬وإن دخل قهرا ومل خيرجه فقد غصب ما استوىل عليه ؛ ألنه ال يشرتط لتحقق الغصب‬
‫نقل العني ‪ ،‬بل يكفي جمرد االستيالء ‪ .‬وإن مل يرد الغصب فليس بغاصب ‪ .‬وإن دخلها قهرا يف غيبة رهبا فغاصب ولو‬
‫كان فيها قماشه ؛ وذلك الستيالئه عليها ‪.‬‬

‫‪59‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫‪3‬ـ من غصب كلبا يجوز اقتناؤه ككلب صيد وماشية ‪ ،‬أو غصب مخر ذمي مستورة وجب عليه ردمها ؛ ألن الكلب‬
‫جيوز االنتفاع به واقتناؤه ‪ ،‬ومخر الذمي يقر على شرهبا ‪ ،‬وهي مال عنده ‪ ،‬فلزم ردها ‪ .‬وإن أتلف شيئا منهما ( الكلب‬
‫املباح اقتناؤه ‪ ،‬ومخر الذمي ) فهدر غري مضمونة باإلتالف ؛ ألنه ليس هلا عوض شرعي ‪ ،‬وغري متقومة ؛ ألنه ال جيوز‬
‫بيعها ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬إن اهلل ورسوله حرم بيع اخلمر ‪ ،‬وامليتة ‪ ،‬واخلنزير ‪ ،‬واألصنام ) ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ من غصب شيئا ‪ ،‬وجهل صاحبه ‪ ،‬ولم يتمكن من رده إليه ‪ ،‬سلمه إلى الحاكم ‪ ،‬أو تصدق به عن صاحبه ‪ .‬وإذا‬
‫تصدق به عن صاحبه صار ثوابه لصاحبه ‪ ،‬وختلص منه الغاصب ‪.‬‬
‫‪5‬ـ اغتصاب األموال ليس مقصورا على االستيالء عليها بالقوة ‪ .‬بل يشمل ذلك االستيالء عليها بطريق اخلصومة‬
‫الباطلة ‪ ،‬واألميان الفاجرة ‪ .‬قال اهلل تعاىل ‪ ( :‬وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ‪ ،‬وتدلوا هبا إىل احلكام ؛ لتأكلوا فريقا من‬
‫أموال الناس باإلمث وأنتم تعلمون ) ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪60‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة السادسة عشرة )‬


‫الشفعة ( تعريفها ‪ ،‬حكمها ‪ ،‬الحكمة من مشروعيتها ‪ ،‬شروطها ‪ ،‬مسقطاتها ‪ ،‬مسائل على الشفعة )‬
‫نتحدث يف هذه احللقة عن موضوع جديد وهو الشفعة ؛ فنقول ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الشفعة‬
‫‪1‬ـ تعريفها لغة ‪ :‬الشفعة ـ بإسكان الفاء ـ مأخوذة من الشفع وهو الزوج ؛ ألن الشفيع يضم بالشفعة املبيع إىل ملكه الذي‬
‫كان منفردا فصار شفعا ‪ .‬أو مأخوذة من الزيادة ؛ ألن املبيع بعد الشفعة فيه يزيد يف ملك الشفيع ‪ .‬أو ألن الرجل كان إذا‬
‫أراد بيع داره أتاه جاره وشريكه يشفع إليه فيما باع ‪ ،‬فش ّفعه وجعله أوىل به ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تعريفها اصطالحا ‪ :‬هي ( استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه بعوض مايل ) ‪ .‬فيأخذ الشفيع‬
‫نصيب شريكه البائع بثمنه الذي استقر عليه العقد يف حقيقة األمر ‪.‬‬
‫وكانت الشفعة معروفة عند العرب يف اجلاهلية ‪ ،‬فقد كان الرجل إذا أراد بيع منزل أو حائط أتاه اجلار والشريك‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫والصاحب يشفع إليه فيما باعه ‪ ،‬فيش ّفعه ‪ ،‬وجيعله أوىل رجل به ‪ .‬فسميت هذه شفعة ‪ ،‬ومسي طالبها شافعا ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬حكم الشفعة‬
‫الشفعة ثابتة بالسنة الصحيحة ‪ ،‬واإلمجاع ؛ فقد روى أمحد والبخاري عن جابر رضي اهلل عنه ‪ ( :‬أن النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم قضى بالشفعة يف كل ما مل يقسم ‪ .‬فإذا وقعت احلدود ‪ ،‬وصرفت الطرق ‪ ،‬فال شفعة ) ‪ .‬فدل احلديث على إثبات‬
‫الشفعة للشريك ‪ .‬وأهنا ال جتب إال يف األرض والعقار دون غريمها من العروض ‪ ،‬واألمتعة ‪ ،‬واحليوان ‪ ،‬ووحو ذلك ‪.‬‬
‫وحكى ابن املنذر وغريه إمجاع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك فيما بيع من أرض ‪ ،‬أو دار ‪ ،‬أو حائط ‪ ،‬ووحوه مل‬
‫يقسم ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الحكمة من مشروعيتها‬
‫شرع اهلل الشفعة درءا للمفسدة الناشئة عن الشركة ‪ ،‬جاء يف كالم البن القيم ‪ ( :‬وملا كانت الشركة منشأ الضرر‬
‫يف الغالب رفع هذا الضرر بالقسمة تارة ‪ ،‬وبالشفعة تارة ‪ .‬فإذا أراد بيع نصيبه وأخذ عوضه كان شريكه أحق به من‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫األجنيب ‪ ،‬ويزول عنه ضرر الشركة ‪ ،‬وال يتضرر البائع ؛ ألنه يصل إىل حقه من الثمن ‪ .‬وكانت من أعظم العدل ‪ ،‬وأحسن‬
‫األحكام املطابقة للعقول والفطر ومصاحل العباد ) ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬شروطها‬
‫يشترط للشفعة ما يأتي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن تكون بعوض مايل ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يكون للشفيع ملك سابق ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن يكون ملك الشفيع مشاعا ‪.‬‬
‫‪4‬ـ أن يكون ملك الشفيع مما متكن قسمته ‪.‬‬
‫‪5‬ـ أن يأخذ الشفيع مجيع املشفوع فيه ‪ ،‬ال بعضه ‪.‬‬
‫‪6‬ـ أن يطالب الشفيع بالشفعة على الفور ‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫خامسا ‪ :‬مسقطاتها‬
‫‪1‬ـ ترك طلب املواثبة يف الشفعة ‪ .‬أي التواين يف طلبها ‪.‬‬
‫‪2‬ـ طلب الشفيع بعض العقار ‪ ،‬ال كله ‪.‬‬
‫‪3‬ـ عجز الشفيع عن دفع الثمن ‪ ،‬أو دفع بعضه ‪.‬‬
‫‪4‬ـ اإلبراء من الشفعة ‪.‬‬
‫‪5‬ـ التنازل عن الشفعة مقابل تعويض مايل ‪ ،‬أو صلح ‪.‬‬
‫‪6‬ـ موت الشفيع قبل طلب الشفعة مع القدرة عليها ‪.‬‬
‫‪7‬ـ تصرف مشرتي الشقص الذي ثبتت فيه الشفعة بوقفه أو هبته أو رهنه أو التصدق به قبل طلب الشفيع ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬مسائل على الشفعة‬
‫‪1‬ـ يجب على المشتري أن يسلم الشقص المشفوع فيه إلى الشافع بالثمن الذي تراضيا عليه في حقيقة األمر ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫‪2‬ـ ال يحل للشريك أن يبيع نصيبه حتى يؤذن شريكه ؛ ملا ورد عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪ ( :‬ال حيل له أن‬
‫يبيع حىت يؤذن شريكه ) ‪.‬‬
‫‪3‬ـ اختلف الفقهاء في سقوط الشفعة بإسقاط صاحبها لها قبل البيع ‪ :‬فذهب اجلمهور إىل أهنا ال تسقط بذلك ‪ ،‬وال‬
‫يكون جمرد اإلذن بالبيع مبطال هلا ‪ .‬وذهب آخرون إىل أهنا تسقط بإسقاط صاحبها هلا قبل البيع ‪ .‬ونصر هذا القول ابن‬
‫القيم ؛ حيث قال ‪ ( :‬حرم على الشريك أن يبيع نصيبه حىت يؤذن شريكه ‪ ،‬فإن باع ومل يؤذنه فهو أحق به ‪ .‬وإن أذن يف‬
‫البيع ؛ وقال ‪ :‬ال غرض يل فيه ‪ ،‬مل يكن له الطلب بعد البيع ‪ .‬وهذا مقتضى حكم الشرع ‪ .‬وال معارض له بوجه ‪ .‬وهو‬
‫الصواب املقطوع به ) ‪.‬‬
‫‪4‬ـ الشفعة حق شرعي للشريك يجب احترامه ‪ ،‬ويحرم التحيل إلسقاطه ؛ ألن الشفعة شرعت لدفع الضرر عن‬
‫الشريك ‪ ،‬فإذا حتيل إلسقاطها حلقه الضرر ‪ ،‬وكان تعديا على حقه املشروع ‪ .‬ومن احليل اليت تفعل إلسقاط الشفعة أن‬
‫يظهر الشريك أنه وهب نصيبه لشخص آخر ‪ ،‬وهو يف احلقيقة قد باعه عليه ‪ .‬ومنها أن يرفع الثمن يف الظاهر حىت يعجز‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫الشريك عن دفعه ‪ .‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ( :‬وما وجد من التصرفات ألجل االحتيال على إسقاط الشفعة فهو‬
‫باطل ‪ .‬وال تغري حقائق العقود بتغري العبارة ) ‪ .‬فاحليلة ال حتل احلرام ‪ ،‬وال حترم احلالل ‪ .‬وقد قال النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ( :‬ال ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا حمارم اهلل بأدىن احليل ) ‪.‬‬
‫‪5‬ـ موضوع الشفعة هو األرض التي لم تجر قسمتها ‪ ،‬ويتبعها ما فيها من غراس ‪ ،‬وبناء ‪ .‬فأما إن جرت قسمة األرض‬
‫لكن بقي مرافق مشرتكة بني اجلريان كالطريق واملاء ووحو ذلك فقد اختلف العلماء يف بقاء الشفعة ؛ والصحيح بقاؤها ؛‬
‫وذلك ملفهوم قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬فإذا وقعت احلدود ‪ ،‬وصرفت الطرق فال شفعة ) ‪ ،‬فمفهومه أنه إذا‬
‫وقعت احلدود ومل تصرف الطرق فالشفعة باقية ‪ .‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ( :‬تثبت شفعة اجلوار مع الشركة يف حق من‬
‫حقوق امللك من طريق وماء ووحو ذلك ‪ .‬نص عليه أمحد ‪ ،‬واختاره ابن عقيل ‪ ،‬وأبو حممد ‪ ،‬وغريهم ‪.‬‬

‫‪62‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫وقال احلارثي ‪ :‬هذا الذي يتعني املصري إليه ‪ .‬وفيه مجع بني األحاديث ؛ وذلك أن اجلوار ال يكون مقتضيا للشفعة إال مع‬
‫احتاد الطريق ووحوه ؛ ألن شرعية الشفعة لدفع الضرر ‪ ،‬والضرر إمنا حيصل يف األغلب مع املخالطة يف الشيء اململوك أو يف‬
‫طريق ووحوه)‬
‫‪6‬ـ يلزم الفورية في الشفعة ؛ فإمنا تثبت الشفعة للشريك مبطالبته هبا فور علمه بالبيع ‪ .‬فإن مل يطلبها وقت علمه بالبيع‬
‫سقطت ‪ .‬وإذا مل يعلم بالبيع فهو على شفعته ولو مضى عدة سنني ‪ .‬قال ابن هبرية ‪ ( :‬اتفقوا على أنه إذا كان غائبا فله‬
‫إذا قدم املطالبة بالشفعة)‬
‫‪7‬ـ تثبت الشفعة للشركاء على قدر ملكهم ؛ ألهنا حق يستفاد بسبب امللك فكانت على قدر األمالك ‪ .‬فإن تنازل‬
‫عنها أحد الشركاء أخذ الشريك اآلخر الكل ‪ ،‬أو ترك الكل ؛ ألن يف أخذ البعض إضرارا باملشرتي ‪ .‬والضرر ال يزال‬
‫بالضرر‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪63‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة السابعة عشرة )‬


‫الوقف ( تعريفه ‪ ،‬أركانه ‪ ،‬حكمه ‪ ،‬الحكمة من مشروعيته ‪ ،‬الفرق بينه وبين الهبة والوصية ‪ ،‬أنواعه ‪ ،‬ما ينعقد به ‪،‬‬
‫شروط صحته ‪ ،‬شروط الواقف )‬
‫نتحدث يف هذه احللقة عن موضوع جديد وهو الوقف ؛ فنقول ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الوقف‬
‫‪1‬ـ تعريفه لغة ‪ :‬هو احلبس ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تعريفه اصطالحا ‪ :‬هو ( حتبيس األصل ‪ ،‬وتسبيل املنفعة ) ‪ .‬واملراد باألصل ‪ :‬ما ميكن االنتفاع به مع بقاء عينه ؛‬
‫كالدور ‪ ،‬والدكاكني ‪ ،‬والبساتني ‪ ،‬ووحوها ‪ .‬واملراد باملنفعة ‪ :‬الغلة ‪ ،‬والنفع الناتج عن ذلك األصل ؛ كالثمرة ‪ ،‬واألجرة ‪،‬‬
‫وسكىن الدار ‪ ،‬ووحوها ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أركانه‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫أركان الوقف ثالثة ‪:‬‬


‫‪1‬ـ الواقف ‪ .‬وهو املتربع ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الموقوف عليه ‪ .‬وهو املتربع له ‪ ،‬أو مصرف الوقف ‪.‬‬
‫‪3‬ـ الموقوف ‪ .‬وهو املال املتربع به ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬حكم الوقف‬
‫الوقف مستحب ‪ ،‬ومندوب إليه ‪ ،‬وهو قربة إىل اهلل تعاىل ؛ فقد ثبت يف الصحيحني ‪ ( :‬أن عمر رضي اهلل عنه‬
‫قال ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬إين أصبت ماال خبيرب مل أصب قط ماال أنفس عندي منه ؛ فما تأمرين فيه ؟ قال ‪ :‬إن شئت حبست‬
‫أصلها ‪ ،‬وتصدقت هبا ‪ .‬غري أنه ال يباع أصلها ‪ ،‬وال يوهب ‪ ،‬وال يورث ‪ .‬فتصدق هبا عمر يف الفقراء ‪ ،‬وذوي القرىب ‪،‬‬
‫والرقاب ‪ ،‬ويف سبيل اهلل ‪ ،‬وابن السبيل ‪ ،‬والضيف ) ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫وقال جابر رضي اهلل عنه ‪ ( :‬مل يكن أحد من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ذو مقدرة إال وقف ) ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬الحكمة من مشروعيته‬
‫تظهر حكمة مشروعية الوقف من جوانب عديدة ؛ منها ما يأتي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ كونه صدقة جارية تبقى للواقف ‪ ،‬يصله ثواهبا ‪.‬‬
‫‪2‬ـ امتداد نفع الوقف زمنا طويال ؛ خاصة وقف العقارات ‪.‬‬
‫‪3‬ـ سعة مصارف الوقف ؛ فهي تشمل املصارف املستحبة كاملساجد ‪ ،‬واملباحة كالوقف على األوالد ‪.‬‬
‫‪4‬ـ متكني الواقف من وضع شروطه اخلاصة اليت تليب ما يطمح له من نفع ‪ ،‬وحتقق نوعا من الضمانة الستمراره ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬الفرق بين الوقف والهبة‬
‫الفرق بني الوقف واهلبة أن الوقف ال جيوز للموقوف عليه بيع عينه ( أي رقبته ) ‪ ،‬وال التصدق هبا ‪ ،‬وال هبتها ‪.‬‬
‫خبالف اهلبة ؛ فإنه جيوز للموهوب بيع العني املوهوبة ‪ ،‬والتربع هبا ‪ ،‬وهبتها ‪.‬‬

‫‪64‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫سادسا ‪ :‬الفرق بين الوقف والوصية‬


‫الفرق بني ال وقف والوصية ‪ :‬أن الوقف تربع يف احلياة ‪ .‬والوصية تربع بعد املوت ‪ .‬وقد تكون الوصية وصية بوقف‬
‫؛ فهنا يأخذ الوقف بعض أحكام الوصية كما سيأيت ‪ .‬فالوقف ال يتضمن الوصية ‪ ،‬بينما الوصية قد تتضمن الوقف ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬أنواع الوقف‬
‫‪1‬ـ الوقف األهلي ( الذري ) ‪ :‬وهو ما جعلت فيه املنفعة ألفراد معينني ‪ ،‬أو لذريتهم ؛ سواء من األقرباء ‪ ،‬أم من الذرية ‪،‬‬
‫أم غريهم ‪ .‬وقد يشرتط الواقف فيه أن يؤول إىل جهة بر بعد انقطاع املوقوف عليهم ‪ .‬ويف هذه احلالة يعد وقفا أهليا ابتداء‬
‫‪ ،‬خرييا مآال ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الوقف الخيري ‪ :‬ما جعلت فيه املنفعة جلهة بر أو أكثر ؛ مما يكون اإلنفاق عليه قربة إىل اهلل ‪.‬‬
‫‪3‬ـ الوقف المشترك ‪ :‬وهو ما جيمع بني الوقف األهلي واخلريي ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫ثامنا ‪ :‬ما ينعقد به الوقف‬


‫ينعقد الوقف بأحد أمرين ‪:‬‬
‫األمر األول ‪ :‬الفعل الدال على الوقف يف عرف الناس ؛ كمن جعل داره مسجدا ‪ ،‬وأذن للناس بالصالة فيه إذنا عاما ‪.‬‬
‫أو جعل أرضه مقربة ‪ ،‬وأذن للناس بالدفن فيها ‪.‬‬
‫األمر الثاني ‪ :‬القول الدال على الوقف ؛ كأن يقول ‪ :‬وقفت هذا املكان ‪ ،‬و جعلته مسجدا ‪.‬‬
‫وألفاظ الوقف قسمان ‪:‬‬
‫القسم األول ‪ :‬ألفاظ صرحية ؛ كأن يقول ‪ :‬وقفت ‪ ،‬وحبست ‪ ،‬وسبلت ‪ .‬ومسيت هذه األلفاظ صرحية ألهنا ال حتتمل غري‬
‫الوقف ‪ .‬فمىت أتى بصيغة منها صار وقفا ‪.‬‬
‫القسم الثاين ‪ :‬ألفاظ كنائية ؛ كأن يقول ‪ :‬تصدقت ‪ ،‬وحرمت ‪ ،‬وأبدت ‪ .‬ومسيت كناية ألهنا حتتمل الوقف وغريه ‪ .‬فمىت‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫تلفظ بواحد من هذه األلفاظ اشرتط اقرتان نية الوقف معه ‪ .‬أو أن يقرتن به أحد األلفاظ الصرحية ؛ مثل ‪ :‬تصدقت بكذا‬
‫صدقة موقوفة ‪ .‬أو يقرتن به الباقي من ألفاظ الكناية ؛ كأن يقول ‪ :‬تصدقت بكذا صدقة حمرمة أو مؤبدة ‪ .‬أو يقرتن لفظ‬
‫الكناية حبكم الوقف ؛ كأن يقول ‪ :‬تصدقت بكذا صدقة ال تباع وال تورث ‪.‬‬
‫تاسعا ‪ :‬شروط صحة الوقف‬
‫يشترط لصحة الوقف ما يأتي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن يكون الواقف جائز التصرف ؛ بأن يكون بالغا ‪ ،‬عاقال ‪ ،‬حرا ‪ ،‬رشيدا ‪ .‬فال يصح الوقف من صغري ‪ ،‬وجمنون ‪،‬‬
‫وسفيه ‪ ،‬ومملوك ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يكون الموقوف مما ينتفع به انتفاعا مستمرا مع بقاء عينه ‪ .‬فال يصح وقف ما ال يبقى بعد االنتفاع به ؛‬
‫كالطعام ‪ ،‬والشمع ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن يكون الموقوف معينا ‪ .‬فال يصح وقف غير المعين ؛ كما لو قال ‪ :‬وقفت بيتا من بيويت ‪.‬‬

‫‪65‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫‪4‬ـ أن يكون الوقف على بر ؛ ألن املقصود به التقرب إىل اهلل تعاىل ؛ كاملساجد ‪ ،‬والقناطر ‪ ،‬واملساكني ‪ ،‬وكتب العلم ‪،‬‬
‫واألقارب ‪ .‬فال يصح الوقف على غري جهة بر ؛ كالوقف على معابد الكفار ‪ ،‬وكتب الزندقة ‪ ،‬والوقف على األضرحة‬
‫لتنويرها أو تبخريها ‪ ،‬أو على سدنتها ؛ ألن ذلك إعانة على املعصية والشرك ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ إذا كان الوقف على معين فيشترط أن يكون ذلك المعين يملك ملكا ثابتا ؛ ألن الوقف متليك ‪ ،‬فال يصح على‬
‫من ال ميلك ؛ كامليت ‪ ،‬واحليوان ‪.‬‬
‫‪6‬ـ أن يكون الوقف منجزا ‪ .‬فال يصح الوقف المؤقت ‪ ،‬وال المعلق ؛ إال إذا علقه على موته ‪ ،‬فيصح ذلك ؛ كأن‬
‫يقول ‪ :‬إذا مت فبييت وقف على الفقراء ؛ ملا روى أبو داود ‪ ( :‬أوصى عمر رضي اهلل عنه إن حدث به حدث فإن مسغا ـ‬
‫وهي أرض له ـ صدقة ) ‪ .‬واشتهر ذلك ‪ ،‬ومل ينكر ‪ ،‬فكان إمجاعا ‪ .‬لكن يكون الوقف املعلق على املوت من ثلث املال ؛‬
‫ألنه يكون يف حكم الوصية ‪.‬‬
‫عاشرا ‪ :‬شروط الواقف‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫جيب العمل بشرط الواقف إذا كان ال خيالف الشرع ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬املسلمون على‬
‫شروطهم ‪ ،‬إال شرطا أحل حراما ‪ ،‬أو حرم حالال ) ‪ ،‬وألن عمر رضي اهلل عنه وقف وقفا وشرط فيه شرطا ‪ .‬وألنه لو مل‬
‫جي ب اتباع شرط الواقف مل يكن فيه فائدة ‪ .‬فإذا شرط منه مقدارا معينا ‪ .‬أو شرط تقدميا لبعض املستحقني على بعض ‪،‬‬
‫أو مجعهم ‪ .‬أو اشرتط اعتبار وصف يف املستحق ‪ ،‬أو اشرتط عدمه ‪ .‬أو شرط النظر على الوقف ‪ ،‬وغري ذلك ؛ لزم العمل‬
‫بشرطه ما مل خيالف الكتاب والسنة ‪ .‬فإن مل يشرتط شيئا استوى يف االستحقاق الغين والفقري ‪ ،‬والذكر واألنثى من‬
‫املوقوف عليهم ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫‪66‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة الثامنة عشرة )‬


‫تتمة الوقف ( الوقف على معين أو على جهة ‪ ،‬والفرق بينهما ‪ .‬الوالية على الوقف ‪ .‬استبدال الوقف ‪ .‬مسائل على‬
‫الوقف )‬
‫نستكمل يف هذه احللقة احلديث عن الوقف ؛ فنقول ‪:‬‬
‫حادي عشر ‪ :‬الوقف على معين أوالوقف على جهة ‪ ،‬والفرق بينهما‬
‫الوقف على معني هو ‪ :‬أن جيعل الواقف الوقف على شخص بعينه ؛ كأن يقول ‪ :‬هذا البيت وقف على زيد ‪.‬‬
‫والوقف على جهة هو ‪ :‬أن جيعل الوقف على جهة عامة ‪ ،‬أو أشخاص غري معينني ‪ ،‬وإمنا يشرتكون يف وصف واحد ؛‬
‫كأن يقول ‪ :‬هذا البيت وقف على املساكني ‪ ،‬أو على طالب العلم ‪ .‬والفرق بني النوعني ‪ :‬أنه إذا كان الوقف على جهة‬
‫فيشرتط أن يكون على بر ‪ .‬فيصح الوقف على الفقراء ‪ ،‬واملساجد ‪ ،‬واملقابر ‪ .‬وال يصح على غين ‪ ،‬وال غري مسلم ؛‬
‫ألهنما ليسا ممن يستحق الرب والصدقة ‪ .‬وأما إذا كان على معني فال يشرتط أن يكون على بر ‪ ،‬لكن يشرتط أن ال يكون‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫فيه إمث ‪ .‬فيصح الوقف على ابن عمه الغين ‪ ،‬وعلى فالن النصراين ‪.‬‬
‫ثاني عشر ‪ :‬الوالية على الوقف ( نظارة الوقف )‬
‫‪1‬ـ المراد بالوالية على الوقف ‪:‬‬
‫هي السلطة اليت ختول من تثبت له احلق يف حفظ األعيان املوقوفة ‪ ،‬وإدارة شؤوهنا ‪ ،‬واستغالهلا ‪ ،‬وعمارهتا ‪ ،‬وصرف‬
‫غالهتا إىل املستحقني ‪ .‬ويسمى من تثبت له هذه السلطة ‪ :‬املتويل ‪ ،‬أو الناظر ‪ ،‬أو القيم ‪ .‬واملشهور اليوم من هذه‬
‫التسميات ‪ :‬إطالق اسم الناظر على من يتوىل شؤون الوقف ‪.‬‬
‫وجعل الشارع الوالية على الوقف أم را الزما وحقا مقررا ‪ .‬وتثبت الوالية على الوقف للواقف ما دام حيا ‪ ،‬وملن يعينه‬
‫الواقف نيابة عنه ‪ .‬وبعد وفاة الواقف أو الناظر املعني تنتقل الوالية إىل القاضي ؛ ملا له من الوالية العامة ‪ ،‬فيويل على‬
‫الوقف من يباشر شؤونه بإشراف منه ‪.‬‬
‫فإذا وقف الشخص وقفا فال خيلو األمر من حالني ‪:‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫الحال األولى ‪ :‬أن يعني الواقف ناظرا للوقف ‪ .‬فهنا جيب العمل بشرطه وتعيينه فيجعل من مساه الواقف ناظرا ‪.‬‬
‫الحال الثانية ‪ :‬أال يعني الواقف ناظرا ‪ ،‬أو يعني ناظرا فيموت ‪ .‬فهنا خيتلف األمر حبسب الوقف ‪ :‬فإن كان الوقف على‬
‫معني فيكون املوقوف عليه هو الناظر ‪ .‬وإن كان املوقوف عليه جهة كاملساجد فيكون احلاكم أو من يقوم مقامه هو الناظر‬
‫‪2‬ـ شروط الناظر ‪:‬‬
‫يشترط في الناظر الشروط اآلتية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ اإلسالم ‪ .‬وذلك ألن النظارة على الوقف نوع والية ‪ ،‬وال والية لكافر على مسلم ‪.‬‬
‫‪2‬ـ العقل ‪ .‬فال يصح أن يتوىل النظارة جمنون ؛ ألهنا والية وهو ليس أهال هلا لعدم أهليته ‪ ،‬وألنه مويل عليه فال يكون واليا‬
‫على غريه ‪.‬‬

‫‪67‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫‪3‬ـ البلوغ ‪ .‬فال يصح تولية الصغري نظارة الوقف ؛ ألهنا والية وهو ليس أهال هلا ؛ لنقص أهليته ‪ .‬وألنه مويل عليه فال‬
‫يكون واليا على غريه ‪.‬‬
‫‪4‬ـ العدالة ‪ .‬فال يصح تولية الفاسق نظارة الوقف ؛ ألنه ليس أهال لذلك ؛ لكونه غري مؤمتن ‪.‬‬
‫‪5‬ـ الكفاية ‪ .‬وهي قدرة الناظر على التصرف فيما هو ناظر عليه مبا فيه املصلحة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ واجبات الناظر ‪:‬‬
‫‪1‬ـ عمارة الوقف ‪ .‬وذلك بأن يقوم بأعمال الرتميم والصيانة ؛ حفظا لعني الوقف من اخلراب واهلالك ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تنفيذ شروط الواقف ‪ .‬فال جيوز خمالفة شروطه أو إمهاهلا ‪ ،‬فيجب االلتزام هبا إال يف أحوال خمصوصة كما إذا خالفت‬
‫الشرع ‪.‬‬
‫‪3‬ـ الدفاع عن حقوق الوقف في المخاصمات القضائية ؛ رعاية هلذه احلقوق من الضياع‬
‫‪4‬ـ أداء ديون الوقف ‪ .‬وتتعلق هذه الديون بريع الوقف ال بعينه ‪ .‬وأداء هذه الديون مقدم على الصرف على املستحقني ؛‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫ألن يف تأخريها تعريض الوقف للحجز على ريعه ‪.‬‬


‫‪5‬ـ أداء حقوق المستحق في الوقف وعدم تأخريها إال لضرورة ؛ كحاجة الوقف إىل العمارة واإلصالح ‪ ،‬أو الوفاء بدين‬
‫ثالث عشر ‪ :‬استبدال الوقف بغيره‬
‫اختلف أهل العلم يف ذلك على ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬أنه ال يباع ‪ ،‬وال ينقل ‪ ،‬وال يتغري بأي حال من األحوال ‪ .‬وبه قال املالكية ‪ ،‬والشافعية ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أنه ال يباع ‪ ،‬وال ينقل من مكانه ؛ إال أن تتعطل منافعه بالكلية فيجوز بيعه ‪ ،‬ويصرف مثنه يف غريه ‪ .‬وهذا‬
‫قول بعض العلماء ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪ :‬أنه إن قلت منافعه ومل تتعطل فيجوز بيعه للمصلحة حبيث ينقل إىل ما هو أفضل منه ‪ .‬وهذا رواية عن‬
‫أمحد ‪ ،‬وقول طائفة من العلماء ؛ اختاره مجع من احملققني ‪ .‬ولعل هذا هو الراجح إن شاء اهلل ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫رابع عشر ‪ :‬مسائل على الوقف‬


‫‪1‬ـ إذا لم يعين الواقف ناظرا للوقف ‪ ،‬أو عين شخصا ومات فالنظر يكون للموقوف عليه إن كان معينا ‪ .‬وإن كان‬
‫الوقف على جهة كاملساجد ‪ ،‬أو من ال ميكن حصرهم كاملساكني ؛ فالنظر على الوقف للحاكم يتواله بنفسه ‪ ،‬أو ينيب‬
‫عنه من يتواله ‪.‬‬
‫‪2‬ـ إذا وقف الشخص على أوالده استوى الذكور واإلناث في االستحقاق ؛ ألنه ّ‬
‫شرك بينهم ‪ ،‬وإطالق التشريك‬
‫يقتضي االستواء يف االستحقاق ‪ ،‬كما لو أقر هلم بشيء فإن املقر به يكون بينهم بالسوية ‪ ،‬فكذلك إذا وقف عليهم شيئا‬
‫‪ .‬مث بعد أوالده لصلبه ينتقل الوقف إىل أوالد بنيه دون ولد بناته ؛ ألهنم من رجل آخر ‪ ،‬فينسبون إىل آبائهم ‪ ،‬ولعدم‬
‫دخوهلم يف قوله تعاىل ‪ ( :‬يوصيكم اهلل يف أوالدكم ) ‪ .‬ومن العلماء من يرى دخوهلم يف لفظ األوالد ؛ ألن البنات أوالده ‪،‬‬
‫فأوالدهن أوالد أوالده حقيقة ‪.‬‬

‫‪68‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫ولو قال ‪ :‬وقف على أبنائي ‪ ،‬أو ‪ :‬بين فالن ؛ اختص الوقف بذكورهم ؛ ألن لفظ البنني وضع لذلك حقيقة ‪ ،‬قال تعاىل‬
‫‪ ( :‬أم له البنات ولكم البنون ) ‪ ،‬إال أن يكون املوقوف عليهم قبيلة كبين هاشم وبين متيم ‪ ،‬فيدخل فيهم النساء ؛ ألن‬
‫اسم القبيلة يشمل ذكرها وأنثاها‪ .‬لكن إذا وقف على مجاعة ميكن حصرهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم‪.‬‬
‫وإن مل ميكن حصرهم واستيعاهبم كبين هاشم وبين متيم مل جيب تعميمهم ؛ ألنه غري ممكن ‪ .‬وجاز االقتصار على بعضهم ‪،‬‬
‫وتفضيل بعضهم على بعض ‪.‬‬
‫‪3‬ـ الوقف من عقود التبرعات ‪ .‬وهو عقد الزم ‪ ،‬ويلزم بمجرد القول ‪ ،‬فال يجوز فسخه ؛ لقوله صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ ( :‬ال يباع أصلها ‪ ،‬وال يوهب ‪ ،‬وال يورث ) ‪ .‬قال الرتمذي ‪ " :‬العمل على هذا احلديث عند أهل العلم " ‪ .‬فال جيوز‬
‫فسخه ؛ ألنه مؤبد ‪ ،‬وال يباع ‪ ،‬وال يناقل به ‪ ،‬إال أن تتعطل منافعه بالكلية كدار اهندمت ومل متكن عمارهتا من ريع الوقف‬
‫‪ ،‬أو أرض زراعية خربت وعادت مواتا ‪ ،‬ومل ميكن عمارهتا حبيث ال يكون يف ريع الوقف ما يعمرها ‪ ،‬فيباع الوقف الذي‬
‫هذه حاله ‪ ،‬ويصرف مثنه يف مثله ؛ ألنه أقرب إىل مقصود الواقف ‪ .‬فإن تعذر مثله كامال صرف يف بعض مثله ‪ ،‬ويصري‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫البديل وقفا مبجرد شرائه ‪.‬‬


‫‪4‬ـ إذا كان الوقف مسجدا فتعطل ولم ينتفع به في موضعه كأن خربت حملته فإنه يباع ويصرف مثنه يف مسجد آخر ‪.‬‬
‫وإذا وقف على مسجد فخرب وتعذر اإلنفاق عليه من الوقف صرف يف مثله من املساجد ‪ .‬وإذا كان على مسجد وقف‬
‫زاد ريعه عن حاجته جاز صرف الزائد إىل مسجد آخر ؛ ألن هذا انتفاع به يف جنس ما وقف له ‪ .‬وجتوز الصدقة بالزائد‬
‫من غلة الوقف على املسجد على املساكني ‪.‬‬
‫‪5‬ـ إذا وقف الواقف على معين ؛ كما لو قال ‪ :‬هذا وقف على زيد يعطى منه كل سنة مئة ‪ ،‬وكان يف ريع الوقف فائض‬
‫عن هذا القدر فإنه يتعني إرصاد الزائد ‪ .‬وقال شيخ اإلسالم ‪ ( :‬إن علم أن ريعه يفضل دائما وجب صرفه ؛ ألن بقاءه‬
‫فساد له ) ‪.‬‬
‫‪6‬ـ تجوز الشركة في الوقف حبيث يشرتك شخصان أو أكثر يف إنشاء الوقف ‪ ،‬سواء أكانت صورة املشاركة حبصص‬
‫نقدية أم عينية ‪ .‬كما جيوز أن تكون املشاركة يف تكوين الوقف من خالل االستقطاعات الشهرية ‪ ،‬أو السنوية ‪ ،‬أو وحو‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫ذلك ‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة التاسعة عشرة )‬


‫الهبة ( تعريفها ‪ ،‬حكمها ‪ ،‬الحكمة من مشروعيتها ‪ ،‬ما تصح هبته ‪ ،‬نوع عقد الهبة ‪ ،‬شروط صحتها ‪ ،‬الرجوع فيها‬
‫‪ ،‬التعديل في عطية األوالد ‪ ،‬مسائل على الهبة )‬
‫نتحدث يف هذه احللقة عن موضوع جديد وهو اهلبة ‪ ،‬فنقول ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الهبة‬
‫‪1‬ـ تعريفها لغة ‪ :‬مأخوذة من هبوب الريح ‪ ،‬أي مرورها ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تعريفها اصطالحا ‪ :‬هي ( التربع من جائز التصرف يف حياته لغريه مبال معلوم ) ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬حكم الهبة‬
‫اهلبة مشروعة بالكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬واإلمجاع ‪.‬‬
‫فمن الكتاب قول اهلل تعاىل ‪ ( :‬وأحسنوا إن اهلل حيب احملسنني ) ‪ .‬واهلبة نوع من اإلحسان ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫ومن السنة قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬هتادوا حتابوا ) ‪.‬‬
‫وقد أمجعت األمة على استحباب اهلبة جبميع أنواعها ‪.‬‬
‫وهي مس تحبة ‪ ،‬فاهلبة واهلدية من السنة املرغب فيها ؛ قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬هتادوا ؛ فإن اهلدية تسل‬
‫السخيمة ) ‪ .‬أي تزيل ما يف الصدر من البغضاء بني االثنني ‪ ،‬ومن األحقاد والضغائن ‪ .‬وعن عائشة رضي اهلل عنها قالت‬
‫‪ ( :‬كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يقبل اهلدية ويثيب عليها ) ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الحكمة من مشروعيتها‬
‫شرعت اهلبة واهلدية ملا فيها من مكارم األخالق ‪ ،‬واالتصاف بالسخاء والكرم ‪ ،‬واعتياد البذل والعطاء ‪ ،‬وملا‬
‫يرتتب عليها من املصاحل الكبرية كنشر املودة ‪ ،‬وسل السخيمة ‪ ،‬وإزالة الضغائن ‪ .‬فاهلدية تذهب احلقد وجتلب احملبة ؛‬
‫لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬هتادوا ؛ فإن اهلدايا تذهب وحر الصدور ) ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬ما تصح هبته‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫ما جاز بيعه جازت هبته ‪ .‬فتصح هبة كل ما جيوز بيعه ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬نوع عقد الهبة‬
‫اهلبة من عقود التربعات ‪ ،‬وهي عقد الزم يف حق الواهب بالقبض ‪ ،‬فإذا قبض املوهوب له اهلبة بإذن الواهب‬
‫لزمت الواهب ‪ ،‬فلم يكن له فسخها ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬شروط صحتها‬
‫يشترط لصحة الهبة الشروط اآلتية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن تكون من شخص جائز التصرف ( وهو البالغ ‪ ،‬العاقل ‪ ،‬الرشيد ) ‪ .‬فال تصح هبة صغري ‪ ،‬أو جمنون ‪ ،‬أو سفيه ؛‬
‫ألهنا تربع ‪ ،‬فلم تصح من غري جائز التصرف ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يكون الواهب مختارا ‪ .‬فال تصح من مكره عليها ؛ ألهنا بذل مال ‪ ،‬فلم جيز بدون طيب نفس من مالكه الباذل ‪.‬‬

‫‪70‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫‪3‬ـ أن يكون الواهب جادا ‪ ،‬قاصدا الهبة ‪ ،‬غري هازل ‪ ،‬وال عابث ‪ ،‬وال مازح ‪ ،‬فال تصح هبة اهلازل العابث ‪.‬‬
‫‪4‬ـ أن يكون الواهب مالكا لما يهب ‪ ،‬أو نائبا عن المالك كوكيله ‪.‬‬
‫‪5‬ـ أن يكون الشيء الموهوب مباحا ‪ ،‬فال يهب شيئا حمرما ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬الرجوع في الهبة‬
‫إذا قبض املوهوب له اهلبة فليس للواهب الرجوع فيها ‪ ،‬أما قبل القبض فيجوز للواهب الرجوع ؛ بدليل أثر عائشة‬
‫رضي اهلل عنها ‪ ( :‬أن أبا بكر رضي اهلل عنه وحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية ‪ ،‬فلما مرض قال ‪ :‬يا بنية ‪ ،‬كنت‬
‫وحلتك جذاذ عشرين وسقا ‪ ،‬ولو كنت حزتيه أو قبضتيه كان لك ‪ ،‬فإمنا هو اليوم مال وارث ‪ ،‬فاقتسموه على كتاب اهلل‬
‫تعاىل ) ‪ .‬فإذا وهب اإلنسان شخصا هبة ‪ ،‬وقبضها املوهوب له حرم على الواهب الرجوع فيها ‪ ،‬وسحبها منه ؛ حلديث‬
‫ابن عباس رضي اهلل عنهما مرفوعا ‪ ( :‬العائد يف هبته كالكلب يقيء ‪ ،‬مث يعود يف قيئه ) ‪ .‬فدل هذا على حترمي الرجوع يف‬
‫اهلبة إال ما استثناه الشارع وهو األب ؛ فله أن يرجع فيما وهبه لولده ؛ لقول النيب ‪ ( :‬ال حيل للرجل أن يعطي العطية‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫فريجع فيها إال الوالد فيما يعطي ولده ) ‪ .‬رواه اخلمسة ‪ ،‬وصححه الرتمذي ‪.‬‬
‫ثامنا ‪ :‬التعديل في عطية األوالد‬
‫ال جيوز لإلنسان أن يهب بعض أوالده ويرتك بعضهم ‪ ،‬أو يفضل بعضهم على بعض يف اهلبة ‪ .‬بل جيب عليه‬
‫العدل بينهم بتسوية بعضهم ببعض ؛ حلديث النعمان بن بشري رضي اهلل عنه ‪ ( :‬أن أباه أتى به النيب ‪ ‬ملا وحله وحلة‬
‫ليشهد عليها النيب ‪ ، ‬فقال النيب ‪ : ‬أكل ولدك وحلت مثل هذا ؟ ‪ ،‬فقال ‪ :‬ال ‪ ،‬فقال ‪ :‬أرجعه ‪ .‬مث قال ‪ :‬اتقوا اهلل ‪،‬‬
‫واعدلوا بني أوالدكم ) ‪ .‬متفق عليه ‪ .‬فدل احلديث على وجوب العدل بني األوالد يف العطية ‪ ،‬وعلى حترمي املفاضلة بينهم‬
‫يف ذلك ‪ .‬كما دل على حترمي ا لشهادة على عطية فيها ختصيص لبعضهم دون بعض ‪ ،‬أو تفضيل بعضهم على بعض ـ‬
‫حتمال للشهادة ‪ ،‬وأداء هلا ـ يف حق من علم بذلك ‪.‬‬
‫واختلف الفقهاء في كيفية العدل بين األوالد في العطية ‪:‬‬
‫فقال بعضهم ‪ :‬يسوى بني الذكر واألنثى يف العطية ‪ .‬ومحلوا معىن ‪ ( :‬اعدلوا ) على ‪ :‬سووا ‪ .‬فتعطى األنثى كالذكر ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫وقال آخرون ‪ :‬يعطون ككيفية قسمة املرياث ؛ فيعطى الذكر ضعف ما لألنثى ؛ ألن اهلل تعاىل فرض هلم املرياث كذلك ‪،‬‬
‫وحكم اهلل أعدل العدل ‪ ،‬وال عدل فوق عدله سبحانه ‪.‬‬
‫تاسعا ‪ :‬مسائل على الهبة‬
‫‪1‬ـ إذا كانت اهلبة يف يد املوهوب وديعة أو عارية ‪ ،‬فوهبها له صاحبها ‪ ،‬فاستدامته حليازهتا يف يده تكفي عن قبضها ابتداء‬
‫‪2‬ـ تصح هبة الدين لمن هو في ذمته ‪ ،‬ويعترب ذلك إبراء له ‪.‬‬
‫‪3‬ـ ال تصح الهبة المعلقة على شرط مستقبل ؛ كأن يقول ‪ :‬إذا حصل كذا فقد وهبتك كذا‪.‬‬
‫‪4‬ـ ال تصح الهبة مؤقتة ؛ كأن يقول ‪ :‬وهبتك كذا شهرا أو سنة ؛ ألهنا متليك للعني ‪ ،‬فال تقبل التوقيت كالبيع ‪ .‬لكن‬
‫يستثنى من ذلك ما يأتي ‪:‬‬
‫مت فقد وهبتك كذا وكذا ‪ .‬وتكون وصية ‪ ،‬فتأخذ أحكامها ‪.‬‬
‫أـ تعليق اهلبة باملوت ؛ كأن يقول ‪ :‬إذا م‬

‫‪71‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫ب ـ العمرى ‪ ،‬وهي اهلبة اليت جاءت مقرتنة بعمر الواهب أو املوهوب له ‪ ،‬مثل قوله ‪ :‬وهبتك هذه الدار عمري ‪ ،‬أو‬
‫عمرك ‪ .‬فإذا مات تسرتد ‪.‬‬
‫ج ـ الرقىب ؛ كأن يقول الواهب ‪ :‬أرقبتك هذه الدار على أنك إن مت قبلي عادت إيل ‪ ،‬وإن مت أنا قبلك فهي لك‬
‫ولعقبك ‪.‬‬
‫‪5‬ـ يجوز للوالد أن يأخذ ويتملك من مال ولده ماال يضر الولد وال يحتاجه ؛ وذلك حلديث عائشة رضي اهلل عنها أن‬
‫النيب ‪ ‬قال ‪ ( :‬إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ‪ ،‬وإن أوالدكم من كسبكم ) ‪ .‬رواه الرتمذي وحسنه ‪ ،‬ورواه غريه ‪ ،‬وله‬
‫شواهد تدل مبجموعها على أن للوالد األخذ ‪ ،‬والتملك ‪ ،‬واألكل من مال ولده ما ال يضر الولد ‪ ،‬وال تتعلق به حاجته ‪.‬‬
‫بل إن قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬أنت ومالك ألبيك ) يقتضي إباحة نفسه ألبيه كإباحة ماله ؛ حبيث جيب على الولد‬
‫أن خيدم أباه بنفسه ‪ ،‬ويقوم حبوائجه ‪.‬‬
‫وليس للوالد أن يتملك من مال ولده ما يضره ‪ ،‬أو تتعلق حاجته به ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬ال ضرر ‪ ،‬وال‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫ضرار ) ‪ .‬والحاصل أنه يحق لألب أن يأخذ من مال ولده ويتملك بثالثة شروط ؛ هي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أال يضر ذلك بالولد ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أال يأخذ ما حيتاجه الولد ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن ال يأخذ من ولد ليعطيه ولدا آخر ‪.‬‬
‫‪6‬ـ ليس للولد مطالبة أبيه بدين ونحوه ؛ ملا ورد أن رجال جاء إىل النيب ‪ ‬بأبيه يقتضيه دينا عليه ‪ ،‬فقال النيب ‪( : ‬‬
‫أنت ومالك أل بيك ) ‪ .‬فدل على أنه ال حيق للولد مطالبة والده بالدين ‪،‬وقد قال اهلل تعاىل ‪( :‬وبالوالدين إحسانا ) ‪ ،‬فأمر‬
‫سبحانه باإلحسان إىل الوالدين ‪ .‬ومن اإلحسان إليهما عدم مطالبتهما باحلق الذي عليهما للولد ‪ ،‬ماعدا النفقة الواجبة‬
‫على الوالد ؛ فللولد مطالبة والده هبا ؛ لضرورة حفظ النفس إذا كان الولد يعجز عن الكسب ‪ ،‬ولقوله ‪ ‬هلند بنت عتبة‬
‫( خذي ما يكفيك وولدك باملعروف ) ‪.‬‬ ‫رضي اهلل عنها يف شأهنا مع أيب سفيان ‪:‬‬
‫‪7‬ـ ال ينبغي رد الهدية وإن قلّت ‪ ،‬وتسن اإلثابة عليها ؛ ألنه ‪ ‬كان يقبل اهلدية ويثيب عليها ‪ .‬وذلك من حماسن‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫األخالق ومكارم الشيم ‪.‬‬

‫‪72‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫( الحلقة العشرون )‬
‫الوصية ( تعريفها ‪ ،‬حكمها ‪ ،‬الحكمة من مشروعيتها ‪ ،‬ما تثبت به ‪ ،‬نوع عقد الوصية ‪ ،‬شروط صحتها‪ ،‬الوصية‬
‫باألنصباء واألجزاء ‪ ،‬مسائل على الوصية )‬
‫نتحدث يف هذه احللقة عن موضوع جديد وهو الوصية ‪ ،‬فنقول ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الوصية‬
‫‪1‬ـ تعريفها لغة ‪ :‬مأخوذة من ‪ :‬وصيت الشيء ‪ ،‬إذا وصلته ‪ .‬مسيت بذلك ألهنا وصل ملا كان يف احلياة مبا بعد املوت ؛‬
‫ألن املوصي وصل بعض التصرف اجلائز له يف حياته ليستمر بعد موته ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تعريفها اصطالحا ‪ :‬هي ( األمر بالتصرف بعد املوت ) ‪.‬‬
‫وقيل ‪ ( :‬هي التربع باملال بعد املوت ) ‪.‬‬
‫وقيل ‪ ( :‬متليك مضاف ملا بعد املوت على سبيل التربع ) ‪.‬‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫ثانيا ‪ :‬حكم الوصية‬


‫الوصية مشروعة بالكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬واإلمجاع ‪.‬‬
‫فمن الكتاب قول اهلل تعاىل ‪ ( :‬كتب عليكم إذا حضر أحدكم املوت إن ترك خريا الوصية للوالدين واألقربني باملعروف حقا‬
‫على املتقني ) ‪.‬‬
‫ومن السنة قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬إن اهلل تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم ؛ زيادة يف حسناتكم ) ‪.‬‬
‫وقد أمجع العلماء على جوازها ‪.‬‬
‫وهي تكون واجبة تارة ‪ ،‬ومستحبة تارة أخرى ‪ .‬فتجب مباله وما عليه من احلقوق اليت ليس فيها إثباتات ؛ لئال تضيع ‪.‬‬
‫فإذا ك ان عنده ودائع للناس ‪ ،‬أو يف ذمته حقوق هلم ؛ وجب عليه أن يكتبها ويبينها ‪ .‬وتستحب حبيث يوصي بشيء من‬
‫ماله يصرف يف سبل الرب واإلحسان ؛ ليصل إليه ثوابه بعد وفاته ‪ .‬وقد تكون مكروهة أحيانا ‪ ،‬أو حمرمة أحيانا أخرى ـ كما‬
‫سيأيت بيانه ـ ‪.‬‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫ثالثا ‪ :‬الحكمة من مشروعيتها‬


‫ش رعت الوصية ملا فيها من حفظ احلقوق وأدائها ‪ ،‬وإبراء الذمة منها ـ وهذا يف حال الوجوب ـ ‪ ،‬أو ملا فيها من‬
‫الصدقة ‪ ،‬واإلحسان ‪ ،‬والرب ‪ ،‬وفعل املعروف ؛ سواء إىل فقري ‪ ،‬أم غين ـ وهذا يف حال االستحباب ـ ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬ما تثبت به الوصية‬
‫تثبت الوصية باإلشهاد عليها ‪ ،‬وبالكتابة املعروفة خبط املوصي ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬نوع عقد الوصية‬
‫الوصية من عقود التربعات ‪ .‬وهي عقد جائز ‪ .‬فيجوز للموصي الرجوع فيها ونقضها ‪ ،‬أو الرجوع يف بعضها ؛‬
‫لقول عمر رضي اهلل عنه ‪ ( :‬يغري الرجل ما شاء يف وصيته ) ‪ .‬وهذا متفق عليه بني أهل العلم ‪.‬‬

‫‪73‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬


‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫سادسا ‪ :‬شروط صحة الوصية‬


‫يشترط لصحة الوصية الشروط اآلتية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن يكون الموصي أهال للتبرع ؛ وهو البالغ ‪ ،‬العاقل ‪ ،‬الرشيد ‪ ،‬املختار ‪ .‬فال تصح وصية اجملنون ‪ ،‬واملعتوه ‪ ،‬واملكره‬
‫‪ ،‬والسفيه ‪ .‬لكن تصح وصية الصيب العاقل ـ على الراجح من كالم العلماء ـ ؛ كما تصح منه الصالة ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يكون الموصى به ماال متقوما قابال للتمليك ‪ ،‬فال تصح الوصية مبا يعجز عن تسليمه كالطري يف اهلواء ‪ ،‬أو مبحرم‬
‫كخمر وخنزير ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن يكون الموصى له مما يصح تملكه ‪ .‬فتصح لكل شخص يصح متلكه ‪ ،‬سواء كان مسلما ‪ ،‬أم كافرا ؛ لقوله تعاىل‬
‫‪ ( :‬إال أن تفعلوا إىل أوليائكم معروفا ) ‪ .‬قال حممد بن احلنفية ‪ " :‬هو وصية املسلم لليهودي والنصراين " ‪ .‬وقد كسا عمر‬
‫رضي اهلل عنه أخاً له وهو مشرك ‪ .‬ووصلت أمساء رضي اهلل عنها أمها وهي راغبة عن اإلسالم ‪ .‬وأوصت أم املؤمنني صفية‬
‫رضي اهلل عنها بثلثها ألخ هلا يهودي ‪ .‬وإمنا تصح وصية املسلم للكافر املع ني ‪ .‬وأما غري املعني فال تصح الوصية له ؛ كما‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫لو أوصى لليهود أو النصارى أو فقرائهم ‪ .‬وإمنا تصح الوصية للكافر املعني مبا يصح متليكه إياه ومتكينه منه ‪ ،‬وما ال فال ؛‬
‫كاملصحف ‪ ،‬والعبد املسلم ‪ ،‬والسالح ‪ .‬وال تصح الوصية جلهة معصية ؛ كالوصية للكنائس ‪ ،‬ومعابد الكفرة واملشركني ‪،‬‬
‫أو لعمارة األضرحة وإسراجها ‪ ،‬أو لسدنتها ‪ .‬سواء كان املوصي مسلما ‪ ،‬أم كافرا ‪.‬‬
‫أما ما ال يصح متليكه كاجلين والبهيمة وامليت فال تصح الوصية له ‪.‬‬
‫‪4‬ـ أن ال يكون الموصى له وارثا للموصي ‪ .‬فال تصح الوصية ألحد من الورثة ؛ لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬ال‬
‫وصية لوارث ) ‪ .‬رواه أمحد وأبوداود ‪ ،‬وله شواهد ‪ ،‬وقال ابن تيمية ‪ " :‬اتفقت األمة عليه " ‪ .‬إال إذا أجاز الورثة الوصية‬
‫لوارث فإهنا تصح ؛ ألن احلق هلم ‪ .‬وتعترب صحة إجازهتم هلا إذا صدرت منهم يف مرض موت املوصي أو بعد وفاته ‪.‬‬
‫‪5‬ـ أن تكون الوصية بالثلث فأقل إذا كان للموصي وارث ‪ .‬واستحب بعض العلماء أن ال تبلغ الثلث ؛ ملا ورد عن أيب‬
‫بكر ‪ ،‬وعلي ‪ ،‬وابن عباس رضي اهلل عنهم ‪ .‬قال أبو بكر رضي اهلل عنه ‪ ( :‬رضيت مبا رضي اهلل به لنفسه ) ‪ ،‬يعين قوله‬
‫تعاىل ‪ ( :‬واعلموا أمنا غنمتم من شيء فأن هلل مخسه ) ‪ .‬وقال ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪ ( :‬لو أن الناس غضوا من‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫الثلث إىل الربع ؛ فإن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ ( :‬الثلث ‪ ،‬والثلث كثري ) ‪ .‬وال جتوز الوصية بأكثر من الثلث‬
‫ملن له وارث إال بإجازة الورثة ؛ ألن ما زاد على الثلث حق هلم ‪ ،‬فإذا أجازوا الزيادة عليه صح ذلك ‪ .‬وتعترب إجازهتم هلا‬
‫بعد املوت ‪ .‬لكن من ليس له وارث فإنه جيوز له أن يوصي بكل ماله ‪ .‬وورد جواز ذلك عن ابن مسعود رضي اهلل عنه ‪،‬‬
‫وقال به مجع من العلماء ؛ ألن املنع من الوصية مبا زاد عن الثلث ألجل حق الورثة ‪ ،‬فإذا عدموا زال املانع ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬الوصية باألنصباء واألجزاء‬
‫إذا أوص ى مبثل نصيب وارث معني كقوله ‪ :‬أوصي هلذا مبثل نصيب ابين فالن من املرياث ‪ .‬أو أسقط لفظ ( مثل ) فقال ‪:‬‬
‫أوصي هلذا بنصيب ابين فالن من املرياث ‪ .‬فله مثل نصيب ذلك الوارث مضموما إىل مسألة الورثة ‪ .‬فتصحح مسألة الورثة‬
‫‪ ،‬ويزاد عليها مثل نصيب ذلك الوارث املعني جيعل لل موصى له ‪ .‬فمثال لو أوصى لشخص مبثل نصيب ابنه فالن وله ابنان‬
‫فللموصى له الثلث ‪ ،‬وإن كانوا ثالثة فله الربع ‪ ،‬وإن كان معهم بنت فله التسعان ؛ ألن املسألة من سبعة ‪ :‬لكل ابن‬
‫سهمان ‪ ،‬ولألنثى سهم ‪ .‬ويزاد عليها مثل نصيب ابن ‪ ،‬فتصري تسعة ‪ ،‬فالسهمان منها تسعان ‪ .‬وإن أوصى له مبثل‬
‫‪74‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬
‫فقه المعامالت المالية ( فقه ‪ )211‬ـ أصول الدين ـ المستوى الثالث‬

‫نصيب أحد ورثته ومل يبني ذلك الوارث كان له مثل ما ألقلهم نصيبا ؛ ألنه اليقني ‪ ،‬وما زاد مشكوك فيه فال يثبت مع‬
‫الشك ‪ .‬فمثال ‪ :‬مع ابن وبنت يكون للموصى له يف هذه الصورة الربع ؛ ألنه مثل نصيب البنت الذي هو األقل ‪ .‬إال إن‬
‫كان ورثته متساوين يف املرياث ؛ فهنا يكون له مثل نصيب أحدهم ‪ ،‬كما لو عني الوارث ؛ ألهنم متماثلون يف املرياث ‪.‬‬
‫ومثل ما تقدم ‪ :‬ما لو أوصى لشخص بضعف نصيب ابنه ؛ فله مثاله ‪ .‬وبضعفيه ؛ فله ثالثة أمثاله ‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬
‫وإن أوصى لشخص بسهم من ماله ومل حيدده فله السدس ‪ ،‬مبنزلة سدس مفروض ؛ ألن ( السهم ) يف كالم العرب‬
‫السدس ‪ .‬وهذا قول علي ‪ ،‬وابن مسعود رضي اهلل عنهما ‪.‬‬
‫وإن أوصى بشيء ‪ ،‬أو جزء ‪ ،‬أو نصيب ‪ ،‬أو قسط فإن الوارث يعطي املوصى له ما شاء الوارث مما يتمول ؛ ألنه ال حد‬
‫للشيء واجلزء ‪...‬إخل يف اللغة وال يف الشرع يرجع إليه ‪ ،‬فكان على إطالقه ‪ ،‬فيصدق على أقل قدر ‪.‬‬
‫ثامنا ‪ :‬مسائل على الوصية‬
‫‪ 1‬ـ إنما تستحب الوصية في حق من له مال كثير ووارثه غير محتاج ؛ لقول اهلل تعاىل ‪ ( :‬كتب عليكم إذا حضر‬
‫نسخة الدكتور ‪ /‬محمد الخضير ـ ـ حفظه اهلل ورعاه ـ ـ‬

‫أحدكم املوت إن ترك خريا الوصية ) ‪ .‬واخلري هو املال الكثري عرفا ‪ .‬فتكره وصية من ماله قليل ووارثه حمتاج ؛ ألنه يكون‬
‫بذلك قد عدل بنفع ماله عن أقاربه احملاويج إىل األجانب ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إذا قصد الموصي المضارة بالوارث ومضايقته فإن ذلك يحرم عليه ويأثم به ؛ لقوله تعاىل ‪ ( :‬غري مضار ) ‪ .‬أي‬
‫يوصي حال كونه غري مضار لورثته بوجه من وجوه الضرار ؛ كأن يقر بشيء ليس عليه ‪ ،‬أو يوصي بوصية ال مقصد له فيها‬
‫إال الضرار بالورثة ‪ ،‬أو يوصي لوارث مطلقا ووحو ذلك ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ ( :‬اإلضرار يف الوصية من الكبائر ) ‪.‬‬
‫‪3‬ـ يجب إخراج الواجبات المالية من تركة الميت من الديون والزكوات والكفارات ونحوها أوال قبل إخراج الموصى‬
‫به ؛ لقول علي رضي اهلل عنه ‪ ( :‬قضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالدين قبل الوصية ) رواه أمحد والرتمذي ‪ .‬فيبدأ‬
‫بالدين ‪ ،‬مث الوصية ‪ ،‬مث اإلرث ؛ باإلمجاع ‪.‬‬
‫انتهى بحمد اهلل‬
‫" ال نبتغي سوى دعوة صادقة بظهر الغيب‬

‫الكتب المقررة لهذا المنهج هي ‪:‬‬


‫ـ امللخص الفقهي ‪ ،‬للشيخ صاحل بن فوزان الفوزان ‪.‬‬
‫ـ منار السبيل ‪ ،‬للشيخ إبراهيم الضويان ‪.‬‬
‫املراجع الرئيسة ‪:‬‬
‫ـ الروض املربع ‪ ،‬للشيخ منصور البهويت ‪.‬‬
‫ـ الشرح املمتع ‪ ،‬للشيخ حممد بن عثيمني ‪.‬‬
‫وذلك باإلضافة إلى ما ورد في هذه المذكرة التي تم شرحها كاملة خالل الحلقات المسجلة تلفزيونيًا لهذا المنهج‬
‫‪ .‬وأسأل اهلل للجميع التوفيق للعلم النافع ‪.‬‬

‫‪75‬‬ ‫إيميل الدكتور ‪dr.m.alkhodair@Gmail.com‬‬

You might also like