You are on page 1of 14

‫القماصدية ورهانات التدافع بي الداثيي والسإلمايي الصلحايي بالغمرب‪ :‬ماولة ف‬

‫فهم تأويلية الابري‬

‫عز الدين العزماان‬


‫‪azmani_azdin@yahoo.fr‬‬
‫باحاث ف النظرية السياسإية والفكر السإلماي‬

‫جاماعة القماضي عياض‪/‬ماراكش‬

‫يكننا التعبي عن الفهم التال للصات الابري عب تركيب شومل لعناصر ماشروعه الفكري‪ ،‬وذلك مان حايث‬
‫أنه ينظر إل أن عقمل الثقمافة العربية ليس بالعقمل التجانس‪ ،‬وإنا يتفرع ف القميقمة إل ثلثة عقمومل)العقمل‬
‫البيان‪ ،‬العقمل البهان‪ ،‬العقمل العرفان(ي‪ ،‬وهوم ماا أنتج ماصادماات غي هينة بي النظمة العرفية‪ ،‬كان أخطرها‬
‫‪-‬ف رأي الابري‪ -‬تراجع العقمل البهان أماام العقمل البيان الذي عرفه العال العرب –السإلماي مانذ عهد‬
‫الناطاط حات العصر الديث‪ -‬ذلك التصادم الذي أطلق عليه الابري اسإم "أزماة النظمة العرفية الثلثا"‬
‫حايث اختطلت الفاهيم واشتبكت السائل وتصادمات الرؤى والسإتشرافات داخل الثقمافة العربية السإلماية‪،‬‬
‫وهوم ماا تسد على وجه الصومص ف لظة الغمزال الت يعتبها الابري "لظة التداخل التلفيقمي" لنظم العرفة‬
‫باماتياز!!‪ ،‬وهوم ماا احاتاج عند الابري إل إعادة التأسإيس والبنينة‪ ،‬با هي ضرورة مالحة مان ضرورات تديد‬
‫الفكر العرب‪ ،‬ذلك التجديد الذي لن يتحقمق إل بالمارسإة العقملنية ف شؤون الفكر والياة‪ ،‬ولكن ف ماقمدماة‬
‫ذلك مارسإة العقملنية النقمدية على التاثا)‪(1‬ي ‪ ،‬وف هذا الستومى فإنه ل بداية مان الصفر –يؤكد الابري‪-‬‬
‫وإنا مان داخل التاثا نفسه "لبد مان النتظام ف عمل سإابق"]‪ [...‬أعن ف التاثا فما تبقمى مات تراثنا‬
‫الفكري الجتهادي قابل لن ننتظم فيه ف عملية التجديد والتحديث الطلومب)‪(2‬ي وهي الومانب الت حااول‬
‫الابري أن يبزها ف الشروع الثقماف الندلسي مان خلل ثلثا ناذج )ابن رشد‪ ،‬ابن خلدون‪ ،‬الشاطب‪(...‬ي‬
‫ف أفق دخومل ماا يسميه "عصر تدوين جديد" وتقميق السإتقملل التاريي للذات العربية‪.‬‬
‫ومان حاق الباحاث ف ماشروع الابري التعدد البعاد‪ ،‬الثقمافية والسياسإية والعرفية‪ ،‬أن يتار لنفسه الزاوية الت‬
‫يريد مان خللاا أن ينظر إل هذا الشروع‪ ،‬ذلك أن تعدد ماستوميات التفكي داخل التم الذي يقمدماه‪ ،‬وشساعة‬
‫الفضاء الشكال الذي عمل على ترمايمه‪ ،‬تل الباحاث ف حاية مانهجية مان حايث زاوية النظر إل الشروع‪،‬‬
‫خاصة أننا أماام ماشروع يهتم بتمايم الكليات وصناعة ماعمار فكري‪ ،‬يتطلب فحصا عميقما عند قراءته‪ ،‬وحاذرا‬
‫شديدا ف التعامال ماع نتائجه‪.‬‬

‫ولذلك تقمتحر هذه الدراسإة ماناقشة هادئة لضومر الكفاية القماصدية ف ماشروع الابري‪ ،‬وذلك مان خلل‬
‫مانطلق ماعرف يقمومم على ماقمدماتي أسإاسإيتي‪:‬‬

‫الول‪ :‬نعتب مان خللاا "بومجومد تلزم تكومين ومااهومي بي الفكر العرب الديث والسألة السياسإية فيه)‪(3‬ي‪،‬‬
‫با يعنيه ذلك التلزم مان اعتبار أن الفكر العرب الديث ولد ماع ولدة الفكر السياسإي فيه‪ ،‬بيث تكاد‬
‫القمالة السياسإية تتصر الفكر العرب وتعب عنه‪ ،‬ولعل فحص هذا الدخل النهجي ف ضومء ماشروع الابري قد‬
‫يعيننا ف فهم أكب لاذه القمدماة‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬نقمرر مان خللاا بأن ماعركة تأويل التاثا‪ ،‬وماولة اماتلكه والسيطرة عليه واحاتكاره‪ ،‬مان حايث هوم‬
‫رأسال رمازي‪ ،‬هي ف جومهرها ماعركة تأويل الاضر واماتلكه واحاتكار صومغه‪ :‬إنا ماعركة اجتماعية ـ سإياسإية‬
‫مان أجل تقميق السيطرة الادية‪ ،..‬وتقميق ماركز قومة ف ماعركة السلطة‪ :‬سإلطة التمع وسإلطة الدولة)‪(4‬ي‪ ،‬وهوم‬
‫المار الذي قد يطرحر تساؤلت كبية حاومل علقة العلمي باليديوملومجي‪ ،‬وحاومل مكنات تشكل خطاب‬
‫"ابستموملومجي" صرف ف الفكر العرب السإلماي‪.‬‬

‫إن هاتي القمدماتي تأسإسان لماتناع السافة بي السياسإي والعرف ف "بناء الشاريع الفكرية"‪ ،‬وهوم المار الذي‬
‫ظل مالزماا للجابري ف متلف ماسارات تومله الفكري‪ ،‬المار الذي يعب عنه بومضومحر حاينما يقمرر ف إحادى‬
‫حاوماراته‪ :‬إيانه بالنتقمال مان مارسإة الثقمافة ف السياسإة ف السابق إل مارسإة السياسإة ف الثقمافة الن)‪(5‬ي‪.‬‬

‫إن هاتي القمدماتي سإتسمحان لنا بالقتاب أكثر مان الفق الفكري للجابري‪ ،‬خاصة ف تناوله للمسألة‬
‫السلفية فكرا وحاركة‪ ،‬وماا سإيؤسإسه على ضومء تناوله مان تأسإيسات ف نظرته للمقماصدية‪ ،‬بيث تضر‬
‫جدليات ومافارقات تستحق الفحص والسائلة‪ ،‬مان قبيل جدليات العقمل والنقمل‪ ،‬والفقمه والعقميدة‪ ،‬والبستيمي‬
‫والسياسإي‪ ،‬وجدلية التاثا والداثة‪.‬‬

‫سإنحاول ماكاشفة هاتي الشكاليات مان خلل نقمطتي أسإاسإيتي‪:‬‬


‫الول‪ :‬نااول أن نبحث مان خللاا رؤية الابري لسلطة السلف وماومقفه مان التيار السلفي‪ ،‬لنقمف عند حادود‬
‫الومقف مان خلل جدلية الركة والفكر وماا يرتبط با مان مددات إيديوملومجية عملية لدى الابري‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬نتومقف مان خللاا عند تصومر الابري للمقماصد‪ ،‬ونااول أن نفهم السياق الشكال للجتهاد‬
‫القماصدي الذي يطرحاه‪.‬‬

‫ومان نافلة القمومل أن كسب رهانات هذه الدراسإة تتومقف على القماربة الت سإنعتمدها‪ ،‬والت تنطلق مان ماولة‬
‫تركيب النصومص الت يقمدماها الابري حاومل الشكاليات الت نتم با هنا‪ ،‬كما سإنعمل على ماقمارنة هذه‬
‫النصومص وربطها بسياق الشكالية العاماة الت تؤطر ماشروع الابري‪ ،‬وف نفس الومقت البعاد العملية الرتبطة‬
‫با والت تندرج أسإاسإا ضمن التدافع الذهب بي التيار الداثي التقمدماي والركة السإلماية الصلحاية بالغمرب‪.‬‬

‫‪ .1‬تاوز سإلطة السلف بي ثقمل التاريخ وحااجة البستموملومجيا!!‬

‫اللقمة الول‬

‫لننطلق مان تساؤل أول ف هذا الستومى مان التحليل لتجريب مادى صحة القمدماة الول بثابة فرضية أصلية‪:‬‬
‫هل التفكي ف تاوز سإلطة السلف )سإلطة اللفظ وسإلطة الصل وسإلطة التجوميز(ي با تشكله هذه اللصة‬
‫مان أهية ف الفضاء البستموملومجي "لبنية العقمل العرب"‪ ،‬هوم تفكي أصلي‪ ،‬أم أن واقع اسإتبداد السلف )فقمهاء‬
‫العصر(ي العرف والسياسإي الذي يؤطر المارسإة السياسإية ف الال التداول العرب السإلماي!! ـ كما يتصومر‬
‫ذلك الابري ـ هوم الذي أسإس لتلك اللصة وللختيارات البستموملومجية التعلقمة با؟‬

‫إن الاذير البستموملومجية الت تلف هذا السؤال تفرض علينا ماقماربة الومضومع مان زاوية متلفة؛ وذلك مان‬
‫خلل البحث ف مانطق الابري لتجاوز "سإلطة السلف" والتأسإيس لجتهاد ف الشريعة حاقميق بأن يسهم ف‬
‫تديد الفكر السإلماي وتفجي عطاءاته ف الوماقع‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ فكرة الجإاع واسإتحضار علل الفاسإي ف الاججة‪:‬‬

‫ف هذا الومر نسعى إل إبراز أبعاد وخلفيات الضومر اللفت للنتباه لحاد نصومص السإتاذ علل الفاسإي ف‬
‫كتاب "بنية العقمل العرب"‪ ،‬ومان ذلك سإنحاول الجابة عن سإؤال مافصلي‪:‬‬
‫لاذا يقمبل الابري السلفية‪ /‬الركة ويرفض السلفية‪ /‬الفكر‪ ،‬على ضومء ماومقفه مان قضية الجإاع؟؟‬

‫اللفت للنتباه ف كتاب "البنية" هوم أن يستحضر علل الفاسإي)‪(6‬ي ماعتبا إياه مان أبرز رجال "السلفية‬
‫الديدة" ف الغمرب ليحتج به مان خلل ماقمتطف مان ماؤلفه الذائع الصيت "ماقماصد الشريعة السإلماية‬
‫وماكارماها" لتأكيد النتائج السياسإية لفكرة الجإاع ات يقمرر فيها الابري "أن كل الناقشات واللفات‬
‫والعتاضات الت عرفها تاريخ الفقمه السإلماي حاومل "الجإاع" كانت نتيجتها اللمومسإة‪ ،‬ولربا الومحايدة‪ ،‬هي‬
‫تييع فكرة الجإاع وبالتال إقرار السإتبداد"!!‪.‬‬

‫غي أن الابري إذ يقمدم هذه القمراءة السياسإية بعد ماسار طوميل مان التحليل البستموملومجي الذي ياول‬
‫ماكاشفة الصومل الؤسإسة للجإاع ف الثقمافة العربية السإلماية‪ ،‬ل يتومان ف تأكيد ماقمبوملية هذه القمراءة مان‬
‫ناحاية التاريخ‪ ،‬وف نفس الومقت فإنه ل ينفك يزيح عنه "تمة" التأويل السياسإي مان خلل عومدته إل التذكي‬
‫بهمة الباحاث البستموملومجي الت تتعدى حادود القمبومل‪ ،‬لتصل إل ماستومى التساؤل والسإتنتاج مان اجل‬
‫تكومين قراءة خاصة به تستجيب لهتمامااته‪.‬‬

‫وهنا يؤكد الابري بأن "تييع" فكرة الجإاع لفائدة السإتبداد ف "الاضر"‪ ،‬حااضر الفقمهاء ف كل عصر‬
‫وجيل‪" ،‬قد جعل النظار تتجه ب "الجإاع" إل الاضي‪ ،‬أي إل "السلف" لتجعل مانه ليس فقمط الؤسإس‬
‫"للجإاع كأصل"‪ ،‬بل أيضا ل"الدينة الفاضلة" الت ماومرس فيها وحادها‪ ،‬مادينة "السلف الصال"‪ ،‬والنتيجة‬
‫هي اسإتبداد "مادينة السلف" هذه بعقمومل الفقمهاء]‪[...‬ما أضاف إل السإتبداد الائر القمائم ف "الاضر"‬
‫اسإتبدادا آخر "فاضل" مااضيا‪ ،‬فكان السإتبداد الذي عان مانه العقمل البيان حاسب الابري اسإتبدادين‪:‬‬
‫اسإتبداد الكام السياسإية واسإتبداد السلف بالعرفة")‪(7‬ي!!‪.‬‬

‫وف هذا الستومى مان التحليل يق لنا ان نتسائل‪ ،‬كيف يستحضر "الباحاث السإتيموملومجي" )أي الابري(ي‬
‫نصا ل شك أنه مكومم بوماجس الصراع السياسإي الذي كان قائما بي النظام السياسإي الغمرب والركة الومطنية‬
‫ف شخص حازب السإتقملل الذي يقمومده علل الفاسإي ف سإياق مانافسة قومية حاومل السلطة؟؟ أل يعتب ذلك‬
‫انشغمال بسلطة الاضر أكثر مان الشتغمال العرف الصميمي بالاضي التاثي؟؟ ث أ ل يدل ذلك على نزوع ف‬
‫"القماربة السياسإية" واضح ف هذا الثال يرتفع عن القماربة البستموملومجية الت ألزم الابري نفسه بعانقمتها؟؟‬

‫فمما ل شك فيه أن مافهومم الجإاع الؤسإس على سإلطة السلف ف الراحال السابقمة مان التاريخ السياسإي‬
‫السإلماي هوم نفسه الفهومم الذي يقمدماه علل الفاسإي‪ ،‬وهوم ماا يعل مان اسإتدعاء نص علل الفاسإي ماثيا‬
‫للتساؤل‪ ،‬فهل يتصل ذلك بهومد الابري ف ماولته إعطاء بعد واقعي وراهن لشروعه الفكري‪ ،‬با يؤكد‬
‫طغميان سإلطة الاضر السياسإي ف ماقماربة الابري للماضي السياسإي )=ومان هنا أهية الدخل التاثي ف القمراءة‬
‫والتأويل(ي؟!‪.‬‬

‫قد يبدو هذا إذا اعتمدنا مانطق الابري ف القمراءة‪-‬أي تومسإط الكاتب ل الكتاب ف عملية الفهم‪-‬أكثر‬
‫وضومحاا ف سإياق النقماشات الت قدماها السإتاذ الابري حاومل الفكر السلفي خارج نص "البنية"‪.‬‬

‫لقمد أكد الابري غي ماا مارة تعلقمه بالتاثا وعدم مافاته للفكر السلفي‪ ،‬فهوم عكس الكثي مان الفكرين‬
‫"الداثيي" ل يؤمان بدعومى أن الفكر السلفي" خطي" إل درجة اعتباره عائقما أماام تقميقمنا للحداثة النشومدة‬
‫والدعومة إل اجتثاته مان ميطها‪ ،‬كما أنه يؤكد ف ماناسإبات عدة بأن "الفكر السلفي ف الومطن العرب ليس‬
‫فكرا وافدا طارئا"‪ ،‬بل هوم عميق الصومل ماتشعب الذور ‪ ،‬وأنه وجه مان وجومه تراثنا‪ ،‬بل لعله أبرز هذه‬
‫الومجومه ف الومقت الاضر"‪ ،‬ما ينجم عنه هذا المار "أن الرفض اليكانيكي للفكر السلفي‪ ،‬ينطومي شئنا ام‬
‫أبينا‪ ،‬على رفض ماثل للتاثا كله")‪(8‬ي‪.‬‬

‫إن الابري هنا يعادل الومقف مان الفكر السلفي بالومقف مان التاثا‪ ،‬بيث يطرحر التساؤل‪ ،‬هل الراهنة هنا‬
‫على التاثا هي ماراهنة ابستيموملومجية أم هي تفاعل ف الومقف ماع اتاه فكري له جذوره الفكرية ف التاريخ‬
‫السإلماي؟‬

‫‪ 2‬ـ الومقف مان السلفية بي الفكر والركة‪:‬‬

‫إن ماومقف السإتاذ الابري مان الفكر السلفي ينسجم أيضا ماع ماومقفه مان الركة السلفية عاماة‪ ،‬وسإلفية الغمرب‬
‫بالصومص‪ ،‬إذ هوم يعتب أن "السلفية ف الغمرب قد اتهت ناوم الندمااج ف الركة الومطنية وتبن أهدافها‬
‫التحديثية وانتهت بالذوبان فيها")‪(9‬ي‪ ،‬كما يؤكد أن "الومطنية الناضلة إماا خرجت مان جومف السلفية تاماا‬
‫ماثلما أن السلفية انتشرت ف جسم التمع وتغملبت على الطرقية‪ ،‬خصمها الدين‪ ،‬باندمااجها ف الركة الومطنية‬
‫ورفعها لراية النضال ضد الستعمر وأعومانه وعملئه)‪(10‬ي‪.‬‬

‫لكن كيف نفهم رفض الابري لا يسميه "سإلطة السلف" أي اسإتلهام نومذج "السلف الصال" مان أجل‬
‫إعادة بناء الذات‪ ،‬وف نفس الومقت قبومله بالركة السلفية كأحاد ماظاهر التجربة التاريية للماة‪ ،‬أحاد ماظاهرها‬
‫الصلحاية‪ ،‬بل أحاد ماظاهر الصلحر فيها كما يقمومل؟! وأيهما يبر التفكي ف الخر‪ ،‬هل هوم ثقمل التاريخ‬
‫)تاريخ الركة السلفية(ي أم هوم ثقمل النتائج البيستيموملومجية )أزماة مانهج التفكي السلفي(ي؟‬
‫إن "السلفية" بالنسبة للجابري وعلى عكس العروي ليست "قرينة الاضومية" و "الرجعية" والعراض عن‬
‫التحديث والداثة ]‪ [...‬بل إنا أحاد الظاهر الصلحاية ف التجربة التاريية للماة عمومماا وأحاد مافاصل‬
‫الومطنية الغمربية على وجه الصومص‪ ،‬غي أن مانطق الضارة العاصرة القمائم على مابدأين‪ :‬العقملنية والنظرة‬
‫النقمدية جعل "السلفية" تفتقمد كفايتها وفعاليتها وإجرائيتها)‪(11‬ي‪ ،‬لذلك فالابري يسعى مان هذا النظومر إل‬
‫تسديد مانطق التفكي السلفي العاصر‪ ،‬فالسألة عنده ليست ماسألة ماا إذا كان السإلم "صالا" لكل زماان‬
‫وماكان كما يتصومرالفكر السلفي العاصر‪ [...] ،‬بل السألة الطروحاة والت يب طرحاها دائما‪ ،‬هي ماسألة ماا‬
‫إذا كان السلمومن اليومم صالي لزماانم )أي قادرون على أن يعيشوما عصرهم(ي‪ ،‬على أن يدشنوما " سإية‬
‫جديدة" تكمل "سإية السلف" القمدية]‪ ،[...‬إن مانطق العاصرة هذا‪ ،‬يستومجب تيي التجربة التاريية للماة‬
‫بتدشي "عصر اللف" وليس إعادة إنتاج "عصر السلف")‪(12‬ي!!‪.‬‬

‫وقبل أن أنتقمل لتبيان السبل الت يقمتحاها الابري لتدشي "عصر اللف" فإن هذه اللحظة مان التحليل تسمح‬
‫لنا بالتأكيد على إحادى الفرضيات السإاسإية الت انطلقمنا مانها‪ ،‬كومن أن التفكي ف "البستيمي" ينطلق مان‬
‫التفكي ف العملي عند الابري أي التأصيل العرف للنظر ف السياسإة‪ ،‬فالركة السلفية اسإتمرار لنطق التفكي‬
‫الؤطر بـ"سإلطة السلف"‪ ،‬والابري هنا ل يعلن رفضه للحركة السلفية با هي واقع له مابراته التاريية‬
‫وماشروعيته النضالية والتمعية‪ ،‬وف نفس الومقت يدعوم إل تاوز سإلطة "السلف" أو "مادنية السلف" أو "سإية‬
‫السلف"؟ ترى لاذا هذا التناقض؟ وكيف يكن تفسيه؟ هل هوم نتيجة عدم السم الرجعي عند الابري‪،‬‬
‫وعدم إيانه بالتفكي بنطق "الزر الفكرية"؟ وبالتال النسجام ماع الفهومم الذي ظل يدعوم له طوميل‪ ،‬أي‬
‫الكتلة التاريية ؟أم هي ‪-‬ف النهاية‪" -‬تقمية" فكرية واضحة؟‬

‫قد تكومن "التقمية" الفكرية خلفية ثاوية ف دعومى الابري لتأسإيس كتلة تاريية)‪(13‬ي تتعبأ داخلها جإيع القمومى‬
‫الت مان ماصلحتها تقميق التغميي‪ ،‬تلك هي قناعة الابري الت عب عنها مانذ السبعينيات‪ ،‬فالكتلة التاريية هي‬
‫شرط تقميق طمومحاات الماة العربية ف "التحرر" و "النهضة" و "التقمدم" سإوماء تعلق المار بالديقمراطية أو‬
‫التنمية‪ ،‬أو بالومحادة]‪.[...‬‬

‫إن ثقمل التاريخ‪ ،‬وناذجية "السلفية الغمربية" هي الت جعلت الابري يتعامال ماع نص السإتاذ علل‬
‫الفاسإي‪،‬وهوم ف ذلك يعتف ضمنيا بأسإبقمية التيار السلفي ف وعي التطومر الجتماعي وحااجاته‪ ،‬وبنجاحاه‬
‫البكر ف التقماط أهية التاثا ف القملي الجتماعي والسياسإي)‪(14‬ي‪ ،‬فالفقمه الالكي بالغمرب ركز على فكرة‬
‫الصلحة العاماة الت تد مال واسإعا ف فقمه الماام ماالك وهوم سإر قومة السلفية الغمربية الت اسإتلهمت النظر‬
‫الصلحي مان الماام ماالك‪ ،‬فتأسإست بذلك كسلفية فقمهية على خلف السلفية الشرقية الت تعتب سإلفية‬
‫عقمدية‪ ،‬إضافة إل أن السلفية الغمربية اسإتلهمت "مابدأ القماصد"‪ ،‬باعتباره مانظومرا عقملنيا ف النظر الصومل‬
‫والفقمهي‪.‬‬

‫لكن الابري يرى أن فكرة القماصد برزت بصومرة واضحة ماع ابن رشد ف ماؤلفاته حاومل العقميدة بالصومص‪،‬‬
‫لتتبلومر ف نظرية ماتكامالة ف الفقمه ماع الماام الشاطب)‪(15‬ي‪ ،‬وعلل الفاسإي تبن اتاه الشاطب فبن اجتهاده‬
‫الدين على فكرة القماصد)‪(16‬ي‪.‬‬

‫مان هذا النظومر فإن السإتاذ الابري سإيدعوم إل إعادة صياغة الفكر السلفي على أرضية التجديد والجتهاد‪،‬‬
‫وهوم لذلك يستدعي الماام الشاطب كرافعة لاذا التجديد الذي يدعوم إليه‪ ،‬والذي ل سإبيل إليه إل مان داخل‬
‫التاثا نفسه‪.‬‬

‫ومان هنا تبز اللفية النظرية ف علقة السلفية بالنظر القماصدي‪ ،‬ذلك أن ماقماصدية الشاطب هي تطومير للنظر‬
‫الصلحي الذي تأسإس ف الفقمه الالكي‪ ،‬وبذلك فهي تشكل مادخل بالنسبة للجابري‪ ،‬لركومب قطار الداثة‬
‫بليومنة‪ ،‬مان خلل اعتبارها فرصة للتحرر مان النص عب تكيم القماصد بومصفها ماصال‪.‬‬

‫وهوم ماا قد يدل على أن القماصد حاسب هذا النظر تشرع للعقمل على حاساب العقمل دون أن تلق الصدماة‬
‫الت خلقمتها الفلسفة‪ ،‬بتحوميل السألة مان ماسألة عقمدية إل اعتباره ماسألة فقمهية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬سإيتقمرر ناحر الشاطب ف ماا فشل فيه ابن رشد عند الابري‪.‬‬

‫فكيف يضر الشاطب ف ماتم الابري‪ ،‬هل هوم مادخل للتجديد ف الفكر السلفي فقمط؟ أم هوم دعاماة‬
‫أسإاسإية لتجديد الفكر والمارسإة السإلمايي ماعا؟ أية ماراهنة للجابري على الكفاية القماصدية كما عب عنها‬
‫الشاطب؟‬

‫‪ .2‬حاضومر القماصدية ف ماشروع الابري بناء أم التوماء!!‬

‫لقمد أصبح "مابحث" القماصد مانذ أن أحادثا كتاب الومافقمات)‪(1884‬ي للماام الشاطب‪ ،‬تلك الطفرة النومعية‬
‫ف الفكر السإلماي‪ ،‬بعد تراكمات نظرية ماتح الشاطب ماعالها الكبى مان الذهب الالكي‪ ،‬ومان اجتهادات‬
‫العز بن عبد السلم‪ ،‬والماام الومين‪ ،‬وأيضا الماام الغمزال‪ ،‬حاي نظم الشاطب هذا التاكم وصاغه وفق نظام‬
‫فكري جديد سح بإخراج الماة مان دائرة التفكي السإتعادي ل"الاسإبق"‪ .‬وماع هذا "الفتح" العرف والنهجي‬
‫صارت القماصد مان أهم الباحاث الت دخلت الال الفكري السإلماي العاصر بليومنة شديدة‪ ،‬حات صار‬
‫الكثيون يتحدثومن عن هذا "البحث" ولومل يبلغموما ماستومى ماقمدرا ف ضبط سإياقه العرف‪ ،‬أو وضعه‬
‫البستموملومجي ف دائرة العلومم السإلماية‪ ،‬وربا اكتفى البعض الخر مان الباحاثي ف ربط القماصد بالشاطب أو‬
‫بابن عاشومر واسإتعادة ماا كتبومه‪ ،‬بالرتقماء به إل ماستومى "العلم الديد"‪ ،‬فتومقف عندهم الشتغمال بالومضومع‬
‫مان ناحاية البناء البستموملومجي والعرف‪.‬‬

‫والاصل‪ ،‬أن هذا "مابحث" يطرحر إشكاليات جإة ف الدب الفكري العرب السإلماي‪ ،‬وذلك مان جهة‬
‫الصطلح أول‪ ،‬حايث تثار علقة القماصد بالصال‪ ،‬وأيضا مان جهة القماصد ف علقتها بعلم أصومل الفقمه‪،‬‬
‫وهل هي ماكملة لاذا العلم أم بديلة عنه‪ ،‬وكذا وبشكل أسإاسإي يثار السؤال حاومل الطار البستموملومجي‬
‫الاكم لاذا "البحث" العرف‪ ،‬مان حايث قوماعده ومابادئه وقومانينه ومافاهيمه‪...‬‬

‫وقد خاض العديد مان أهل الفكر والنظر ف عصرنا ماتناولي هذا البحث بالشتغمال‪ ،‬حايث ركز بعضهم على‬
‫التأسإيس العرف لاذا العلم‪ ،‬وأراد بعضهم تطومير بناءه النهجي لتكومن آلية فعالة ف الجتهاد‪ ،‬ف حاي أسإرع‬
‫البعض مان أهل الفكر ف تقمرير ماقماصد جديدة تصومروها على مانومال ماا يقمتضيه "مانطق العاصرة"‪.‬‬

‫ونان هنا سإنحاول أن نفحص أحاد اتاهات هذا اليار الخي‪ ،‬مانبهي إل ماطر "القتاحر العلمي" ف غياب‬
‫الضومابط النهجية والعرفية الناظمة للشتغمال‪.‬‬

‫إن ماولتنا كما قلنا ف البداية تتجه صومب البحث ف طبيعة حاضومر "مابحث" القماصد عند الابري‪ ،‬اهتماماا‬
‫واشتغمال ووضعا!!‬

‫يؤكد الابري "أن السياسإة كانت تارس ف الدين على ماستومى العقميدة‪ ،‬أماا اليومم فهي تارس على ماستومى‬
‫الشريعة")‪(17‬ي‪ ،‬ولذلك "فإن التيارات السإلماية التطرفة سإتنسحب مان الساحاة عندماا يقمومم وسإط التاه‬
‫السلفي العاصر رجال يقمومماومن بهمة إعادة بناء علم الشريعة )الفقمه(ي ]‪ [...‬أي إعادة بناء مانهجية التفكي ف‬
‫الشريعة انطلقا مان ماقمدماات جديدة و"ماقماصد" ماعاصرة)‪(18‬ي‪ ،‬ذلك‪ .‬إذن هوم "التجديد القميقمي الطلومب‬
‫لياد اللومل العملية لا يطرحاه علينا عصرنا مان قضايا ل يعرفها مااضينا]‪(19)"[...‬ي!!‪.‬‬

‫فكيف إذن يكن اسإتثمار "ماقماصدية" الشاطب ف التأسإيس لطلب "تأصيل الصومل" وبناء الجتهاد‬
‫والتجديد الطلومبي على مانهج التفكي العقملن؟‬
‫مان الوماضح أن الابري ل يفصل القمومل ف سإبل اسإتثمار النهجية القماصدية الت وضع أسإسها الماام‬
‫الشاطب‪ ،‬يظهر هذا على القل مان خلل الضومر الباهت للشاطب ف ماؤلف "بنية العقمل العرب" حاي يعرض‬
‫الابري للتاه الفكري التجديدي ف الغمرب والندلس)‪(20‬ي‪ ،‬فقمد عرض لنظرية القماصد بشكل عابر ول يبي‬
‫العال الكبى للنقملة الفكرية الت أسإس لاا الشاطب ف التفكي الصومل‪ ،‬ولعل ذلك يرجع إل عامالي‬
‫أسإاسإيي نستخلصهما مان ماناقشات الابري حاومل الشاطب؛ العامال الول قصدي‪ ،‬ويتمثل ف أن الشتغمال‬
‫بفكر الشاطب يتطلب الناراط ف ماشروع إصلحاي دين كبي‪ ،‬والابري يؤكد أن ذلك ليس ماقمصدا عنده‪،‬‬
‫والعامال الثان ماعرف‪ ،‬و يتمثل ف أن الشتغمال بفكر الشاطب يتطلب الطلع على الاولت السابقمة كلها‪،‬‬
‫أي النقمطاع له_)‪(21‬ي‪.‬‬

‫إذن فليس للجابري ل دافع داخلي )قصدي(ي ول علمي )ماعرف(ي لنتاج ماقمالة إصلحاية‪ ،‬وهوم لذلك سإيتجه‬
‫لبناء ماشروع ابن رشد والتفصيل ف ماقموملته بالتأصيل والتجإة‪ ،‬غي أنه سإلك ماسلكا ل ينسجم ماع هذا‬
‫التصومر مان جهتي‪ ،‬نفصل القمومل فيهما فيما يلي‪.‬‬

‫أ ـ ابن رشد والقماصد‪:‬‬

‫ذهب الابري إل تأكيد أسإبقمية ابن رشد ف بناء القماصدية‪ ،‬مانطلقما مان قوملة لبن رشد ف كتابه "فصل‬
‫القمال" تؤكد "أن ماقمصومد الشرع‪ ،‬إنا هوم تعليم العلم الق‪ ،‬والعمل الق ]‪ "[...‬ليبي أن الشاطب قد أخذ‬
‫هذه الفكرة عن ابن رشد الذي وظفها ف مال العقميدة‪ ،‬ونقملها إل مال الصومل")‪(22‬ي‪.‬‬

‫وهنا سإيسقمط الابري ف ازدواجية غي مابرة مان الناحاية العرفية)‪(23‬ي‪ ،‬فهوم –كما يرى طرابيشي‪ -‬حاينما‬
‫سإيعرض ماومقفه مان الشاطب يعتبه ناقدا للعقمل العرب وأحاد أقطاب الدرسإة البهانية ماع كيل الثناء له‬
‫بالتساوي بميع مثلي الشروع الثقماف الندلسي الغمرب‪ ،‬وهوم ف ذلك يساوي ف الرتبة الشاطب بابن رشد‬
‫وابن خلدون ويعتبه قمة ماا وصل إليه العقمل العرب ف مايدان الصومل‪ ،‬ومان سإياق تناول تشريي لعمال‬
‫الشاطب ينتهي طرابيشي إل أنه وإن يكن مان ريادة ف إعادة بناء علم أصومل الشريعة فهي تعومد إل الغمزال‬
‫وليس إل الشاطب أو ابن رشد‪.‬‬

‫ورغم أن الشاطب يتوماقف ماع الغمزال‪ ،‬فإن الابري "يرم" الغمزال بومصفه ماؤسإس أزماة العقمل ف السإلم ف‬
‫حاي يكرم الشاطب‪.‬‬
‫إننا نومرد تعليق طرابيشي هنا لنبي أن الشاطب ل يضر ف ماتم الابري كمراهنة فكرية أصلية‪ ،‬بل إنه ل‬
‫يضر ف تصومر الابري إل ليتجاوز مان خلله أزماة الفكر السلفي )الرجعية التاثية(ي وذلك بإعادة تأصيل‬
‫الصومل‪.‬‬

‫ب ـ أي اجتهاد للجابري ف تطبيق مانهجية القماصد؟‬

‫يطرحر الابري ماولة اجتهادية مان داخل النظرية القماصدية‪ ،‬ونتلمس مان ذلك أنه يضع ترينا فكريا ينتظر تلقمي‬
‫الفكر السلفي له والشتغمال على مانوماله ف القمضايا الت يعرض لاا‪.‬‬

‫"فإعادة تأصيل الصومل ]‪ [...‬ذلك كان ماشروع الماام الشاطب صاحاب كتاب "الومافقمات" الذي حااول فيه‬
‫إعادة بناء مانهجية التفكي الصومل على أسإاس اعتبار "القماصد"‪ ،‬ماقماصد الشرع‪ ،‬بعد أن بقميت مانذ الشافعي‬
‫مابنية على "اسإتثمار اللفاظ" و "اسإتنباط العلم" و"اعتماد القمياس")‪(24‬ي‪.‬‬

‫كما أن بناء ماعقموملية الكم الشرعي على "أسإباب النزول")‪(25‬ي‪ ،‬ف إطار اعتبار الصلحة يفتح الال لبناء‬
‫ماعقمومليات أخرى عندماا يتعلق المار "بأسإباب نزول أخرى‪ ،‬أي بومضعيات جديدة‪ ،‬وبذلك تتجدد الياة ف‬
‫الفقمه وتتجدد الروحر ف الجتهاد وتصبح الشريعة ماسايرة للتطومر قابلة للتطبيق ف كل زماان وماكان)‪(26‬ي‪.‬‬

‫وبناءا على هذه القمدماات ينطلق الابري مان الصلي التاليي‪:‬‬

‫أول‪ :‬أن الشريعة وضعت لصال العباد ف العاجل والجل ماعا‪ ،‬وأن ماقماصدها بناء على هذا‪ ،‬ل تعدو أن‬
‫تكومن ثلثة أقسام‪ :‬ضروريات‪ ،‬وحااجيات‪ ،‬وتسينيات‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن "لكل عصر ضرورياته وحااجياته وتكميلياته"‪.‬‬

‫ينطلق مان هذين الصلي ليقمرر ماصال جديدة تنضاف إل الصال الت قررها الفقمهاء‪ ،‬أو تتجاوزها بنطق‬
‫العاصرة‪.‬‬

‫وهذه القماصد هي كما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬بالنسبة للضروريات‪ - :‬على ماستومى حاقمومق الوماطن‪ :‬الق ف حارية التعبي‪ ،‬حارية النتماء السياسإي‪ ،‬الق‬
‫ف انتخاب الاكمي وكل القمومق السإاسإية للموماطن ف التمع العاصر)‪(27‬ي‪.‬‬
‫‪ -‬على ماستومى حاقمومق الماة العربية‪ :‬الومحادة العربية‪ ،‬ترير فلسطي‪ ،‬الديومقراطية والعدالة الجتماعية‪.‬‬

‫‪ .2‬بالنسبة للحاجيات فهي‪:‬التنمية‪ ،‬التحرر‪ ،‬قومة وماناعة الماة العربية‪.‬‬

‫‪ .3‬بالنسبة للتحسينيات فهي كثية ل تعد ول تصى)‪(28‬ي‪.‬‬

‫وهكذا فإن الابري يرى أنه "عندماا ننجح ف جعل ضروريات عصرنا جزءا مان ماقماصد شريعتنا‪ ،‬فإننا سإنكومن‬
‫قد عملنا ليس فقمط على فتح باب الجتهاد ف وقائع عصرنا التجددة والتطومرة‪ ،‬بل سإنكومن أيضا قد بدأنا‬
‫العمل ف تأصيل أصومل شريعتنا نفسها بصومرة تضمن لاا السإتجابة الية لكل ماا يصل مان تغميي أو يطرأ مان‬
‫جديد")‪(29‬ي‪.‬‬

‫**تركيب ونقمد‪:‬‬

‫وهنا وبغمض النظر عن مادى أهية الجتهاد الذي يقمدماه الابري مان داخل النظرية القماصدية‪ ،‬مان حايث‬
‫الضبط النهجي والتعامال الومضومعي ماع الكفاية القماصدية ف تاوز التمركز اليديوملومجي ف تقمرير ماقماصد‬
‫جديدة وماعاصرة‪ ،‬فإننا نعتب أن الابري ل يراهن على النهجية القماصدية إل ف الستومى الذي تشكل فيه‬
‫تديا أسإاسإيا أماام "التاه السإلماي" للفكر العاصر‪ ،‬الطالب ف تصومر الابري بإعادة البناء ف هذا الفق‬
‫وعلى هذا السإاس‪ ،‬إذا هوم أراد أن يتجاوز الشعارات العاماة الت هي مان قبيل "السإلم هوم الل" إل حالومل‬
‫عملية للمشاكل الت تطرحاها الياة العاصرة‪ ،‬حالومل إسإلماية فعل‪ ،‬ولكن ماعاصرة أيضا‪.‬‬

‫واضح إذن‪ ،‬أن الابري إذ يندفع ف الدعومة إل تبن العقملنية الرشدية‪ ،‬فإنه يعي تام الومعي الضاعفات‬
‫السلبية الت يكن أن تتمخض عن تطبيق الفلسفة على الوماضيع الفقمهية‪ ،‬ويدل حارصه على وضع حادود‬
‫للمجال العقملن على رغبة ف عدم البتعاد عن مارجعيات الماام الشاطب‪ ،‬وماراعاة القموماعد السلفية الت طالا‬
‫تكمت ف النتاج الفكري الغمرب‪ ،‬فضل عن أنه يريد أن يتكر قنومات التوماصل مافتومحاة بينه وبي الركة‬
‫السإلماية كم يقمرر ذلك الدكتومر ممد الطومزي)‪(30‬ي‪.‬‬

‫وحااصل القمومل بأن الراهنة على القماصدية عند الابري ليست ماراهنة كلية تتقمصد الناراط ف برناماج إعادة‬
‫صياغة وبناء الرجعية الصلحاية‪ ،‬بل هوم تدي يرتبط بالتاه السإلماي )الصومل(ي ف الفكر العرب‪ ،‬وتلك‬
‫الطومة الول عند الابري لبناء نط النتقمال ناوم الداثة ف الفكر العرب‪ ،‬مان خلل تاوز مانطق الغتاب ف‬
‫الاضي‪ ،‬وذلك باسإتدعاء البعد الدين ماع التجديد ف حوملته والتفكي ف الصلحر ف أفق الديومقراطية‬
‫والتفكي العقملن ف المارسإة السياسإية‪ ،‬وف خطومة ماومالية ماولة التأصيل الضاري للحداثة داخل الال‬
‫التداول العرب السإلماي‪ ،‬ومانه التأسإيس لفضاء الرأي ف العقميدة بدل التعلق الطلق مان خلل الشتغمال على‬
‫النمومذج الرشدي‪.‬‬

‫تلك خطومتان تضيان ف خط واحاد‪ ،‬وكأن الداثة ف مانطق الابري يب أن تضي ماع التاثا‪ ،‬والتاثا يب‬
‫أن يستدعى ليمضي ماع الداثة‪.‬‬

‫ونان نؤكد ف النهاية أن الشروع الضاري الديد ل تتم صياغته إل ف فلسفة جديدة للتاريخ تعل الومعي‬
‫بالفكر وعيا للتاريخ مان أجل ماصلحة الشرع‪ ،‬واعتبار النظر القماصدي أشبه برؤية "جديدة" للفكر السإلماي‬
‫الصلحاي للعال الديث‪ ،‬وهوم ماا سإيسهم ف تاوز مانطق "عقمل الاضي"‪ ،‬أو مانطق القمطيعة الكلية ماعه‪،‬‬
‫وينبنا مان ماثالب تومفيقمية جديدة تعيد إنتاج الجابة النهضومية الول‪.‬‬

‫_______________________________________________________‬
‫__‬

‫‪ -1‬ممد عابد الابري‪ ،‬بنية العقمل العرب‪ ،‬دراسإة تليلية نقمدية لنظم العرفة ف الثقمافة العربية‪ ،‬طبعة ماركز‬
‫دراسإات الومحادة العربية ‪،‬ص ‪564‬‬
‫‪2‬ـ الرجع السابق‪ ،‬ص ‪.569‬‬

‫‪ 3‬ـ انظر للتفصيل ف هذه السالة‪ ،‬أزماة الفكر السياسإي العرب )كتاب ماشتكر بي عبد الله بلقمزيز ورضومان السيد(ي‪ ،‬مانشومرات دار الفكر‪) ،‬دماشق(ي‪ ،‬ط ‪2000 ،1‬ن ص ‪ ،47‬وأيضا‪ ،‬علي‬

‫أوماليل‪ :‬الصلحاية العربية والدولة العربية‪ ،‬الركز الثقماف العرب‪ ،‬الدار البيضاء‪.1985 ،‬‬

‫‪ 4‬ـ أنظر‪ :‬ممد الطومزي‪ ،‬اللكية والسإلم السياسإي ف الغمرب‪ ،‬ص‪.145 ،137.‬‬

‫‪ 5‬ـ سإلسلة ماوماقف‪ ،‬ع ‪ ،20‬ص ‪.94‬‬

‫‪ 6‬ـ ممد عابد الابري‪ ،‬بنية العقمل العرب‪ ،‬الصفحات ‪.135-133‬‬

‫‪ 7‬ـ الرجع السابق‪ ،‬ص ‪.135‬‬

‫‪ 8‬ـ ممد عابد الابري‪ ،‬ماع السإتاذ عبد ال العروي ف ماشروعه اليديوملومجي‪ :‬ماوماقف العدد ‪4‬‬
‫‪ 9‬ـ يعتب الابري أنه ينتمي ف الغمرب‪ ،‬إل جيل مضرم نشأ ف حاضن الركة الومطنية الت كانت حاركة تومظف التاثا مان اجل ماقماوماة الستعمر وف نفس الومقت حاركة تديثية‪ .‬لقمد عاش‬

‫الابري كما يذكر الداثة والصالة والدفاع عنهما كشيئي غي ماتناقضي" سإلسلة ماوماقف‪ ،‬العدد ‪ ،34‬ص‪.84:‬‬

‫‪ 10‬ـ ممد عابد الابري‪) ،‬وجهة نظر‪(...‬ي مارجع سإابق‪،‬ص‪.43-42:‬‬

‫‪ 11‬ـ ممد عابد الابري )وجهة نظر‪(...‬ي مارجع سإابق‪ ،‬ص‪.45-44:‬‬

‫‪ 12‬ـ الرجع السابق‪ ،‬ص‪45:‬‬

‫‪ 13‬ـ أن ماعضلة الفكر العرب يقمرر السإتاذ اممد ماالكي هي عدم القمدرة على التفكي انطلقا مان أرضية ماشتكة‪ ،‬فبقمدر ماا كان الجإاع حال سإؤال "التأخر"‪ ،‬كان التباعد واضحا وبينا‬

‫بصومص "سإؤال ماا العمل"‪ ،‬وذلك راجع –حاسب السإتاذ الالكي‪ -‬إل كومن البناء خلفا للنقمد‪ ،‬عملية مافتومحاة على الجتهاد واختلف النظر وتباين الراحال والسإتاتيجيات‪ :‬أنظر اممد‬
‫الالكي "ممد جابر النصاري والسإتقملل التاريي للذات العربية" دراسإة نشرت ف كتاب تت عنومان "النصاري وسإومسإيوملومجيا الزماة ثلثا وجهات نظر )دراسإات عربية تباينية ف فكر‬
‫ممد جابر النصاري(ي‪ ،‬الطبعة العربية الول‪ ،2000 ،‬ص‪.98:‬‬

‫‪ 14‬ـ عبد الله بلقمزيز‪ ،‬أسإئلة الفكر العرب العاصر‪ ،‬سإلسلة العرفة للجميع‪ ،‬العدد ‪ ،21‬سإنة ‪ ،2001‬ص ‪.94‬‬

‫‪ 15‬ـ ممد عابد الابري‪ ،‬سإلسلة ماوماقف‪ ،‬العدد ‪ ،32‬ص ‪.76-75‬‬

‫‪ 16‬ـ الرجع السابق‪ ،‬ص ‪.76‬‬

‫‪ 17‬ـ ممد عابد الابري‪) ،‬وجهة نظر(ي‪ ،‬مارجع سإابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬

‫‪ 18‬ـ نفسه ص ‪.53‬‬

‫‪19‬ـ نفسه‪ ،‬ص ‪.40‬‬

‫‪20‬ـ ل تتجاوز عدد الصفحات الت خصصها الابري لعرض أطروحاة الشاطب أكثر مان عشر صفحات ف كتاب البنية )مان الصفحة ‪ 538‬إل الصفحة ‪(548‬ي‪.‬‬

‫‪ 21‬ـ يعتب الابري أن آثار الشاطب مان الناحاية التاريية‪ ،‬بقميت حااضرة ف الفقمه الغمرب كله‪ ،‬إن ل يكن على ماستومى "علم الصومل" فحضومره مالمومس على ماستومى الفقمه العملي‪ ،‬أماا على‬

‫الستومى العرب فقمد كان الشيخ ممد عبده هوم الذي نبه إليه‪ ...‬واسإتفاد مان ماولته التجديدية‪ ،‬ث علل الفاسإي الذي أخذ مانه ف كتابه "ماقماصد الشريعة السإلماية" ماومافق العدد ‪ ،34‬ص‬
‫‪.70-69‬‬

‫‪ 22‬ـ ممد عابد الابري‪ ،‬بنية العقمل العرب‪ ،‬ص ‪ .554‬يرد الدكتومر أحد الريسومن على هذه الطروحاة بالتأكيد على ماسألتي ها‪:‬‬

‫‪ -‬أن خطاب الشاطب حاومل ماقماصد الشريعة ل يكن جديدا كل الدة‪ ،‬بل إن لاا جذورا قومية ف التاثا الفقمهي السإلماي الضخم‪.‬‬
‫‪ -‬أن الشاطب عندماا يذكر ابن رشد فهوم ل يقمصد ابن رشد الفيدن بل القمصومد هوم ابن رشد الد أي اللفقميه الندلسي‪ .‬انظر الدكتومر أحد الريسومن‪ ،‬نظرية القماصد عند الماام الشاطب‪.‬‬

‫الطبعة الول‪ ،‬دار الماان الغمرب ‪ 1990‬ص ‪.303‬‬

‫‪ 23‬ـ انظر جومرج طرابيشي نقمد العقمل العرب‪ ،‬وحادة العقمل العرب السإلماي‪ ،‬دار الساقي بيوت ‪.2002‬‬

‫‪ 24‬ـ ممد عابد الابري )وجهة نظر‪(...‬ي‪ ،‬مارجع سإابق‪ ،‬ص ‪.59‬‬

‫‪ 25‬ـ القمصومد عند الابري ليس "علم أسإباب النزول "الذي يتفرع عن علومم القمرآن‪ ،‬بل القمصومد هوم "الومضعية الجتماعية الت اقتضت نومعا مان الصلحة وطريقمة ماعينة ف ماراعاتا"‪.‬‬

‫‪ 26‬ـ الرجع السابق ص ‪.63‬‬

‫‪27‬ـ يتساءل الابري بعد أن يعرض للمعال الكبى لنظرية القماصد عند الماام الشاطب‪ :‬لاذا ل يكومن السلمومن الباعثومن والؤصلومن تأصيل جديدا ل"البستموملومجيا القمومقية" الت كانت مان‬

‫أول العلومم العربية السإلماية نشأة‪) ،‬علم أصومل الفقمه(ي‪ ،‬ماادام الغمرب يسعى إل بناء هذا العلم؟ )انظر بنية العقمل العرب‪ ،‬ص ‪(570‬ي‪.‬‬

‫‪ 28‬ـ ت العتماد على أفكار الابري –ف هذا الباب‪ -‬الت عرض لاا ف كتابه "وجهة نظر‪ "...‬مارجع سإابق‪ ،‬ص ‪.72-68‬‬

‫‪ 29‬ـ ممد عابد الابري‪ ،‬وجهة نظر‪ ،...‬مارجع سإابق ص ‪.72‬‬

‫‪ 30‬ـ أنظر‪ :‬ممد الطومزي‪ ،‬اللكية والسإلم السياسإي ف الغمرب‪ ،‬ص‪.145 ،137.‬‬

You might also like