Professional Documents
Culture Documents
Régionalisation
Régionalisation
الفهرسة
............................................................................................................................................. 4مقدمة عامة
التكريس الدستوري للجهوية و أهم مرتكزاتها ................................................................................... 7المبحث األول:
........................................................................................ 8المطلب األول :الجهوية المتقدمة؛ التطور و المرتكزات
............................................................................................................................ 8فرع :1تطور الجهوية
........................................................................................ 9فرع :2التعريف بالجهوية المتقدمة وأهم مرتكزاتها
........................................................................................................... 11الفرع :3أهداف الجهوية المتقدمة
............................................................................... 15المطلب الثاني :المضامين األساسية للقانون التنظيمي للجهة
........................................................................ 15المؤطرة للتنظيم الجهوي المضمنة بالدستور الفرع :1المبادئ
.......................................................................................... 16الفرع : 2المضامين األساسية للقانون التنظيمي
............................................................................... 17الفرع : 3المقتضيات المتعلقة بتنظيم المجالس وتسييرها
.......................................................................................................... 18الفرع : 4النظام األساسي للمنتخب
.................................................................................................................. 18الفرع : 5اختصاصات الجهة
....................................................................................................... 20الفرع : 6صالحيات المجلس ورئيسه
............................................................................................................... 21الفرع : 7النظام المالي للجهات
............................................................ 23الفرع :8القواعد المالية لربط المسؤولية بالمحاسبة ،والمراقبة اإلدارية
............................................................................................................................................. 24المبحث الثاني:
................................................................... 24الجهوية المتقدمة في خدمة التنمية المحلية في إطار دولة موحدة ومتضامنة
............................................................................................. 24المطلب األول :من أجل تنمية مستدامة ومنسجمة
................................................................ 25فرع :1التقسيم اإلداري وتكريس التبعية واالرتباط بالسلطة المركزية
............................................................................ 27فرع :2تداخل االختصاصات بين الدولة والجماعات المحلية
......................................................................................... 29فرع :3أساسيات التنمية من خالل دستور 2011
.......................................................................................... 31فرع :4الجماعات الترابية رافعة التنمية المحلية
............................................................................................................ 34المطلب الثاني :مسألة الوحدة الترابية
............................................................................................ 41المطلب الثالث :التضامن والتوازن بين الجهات
................................................................................................................................................... 47خاتمة
......................................................................................................................................... 49الئحة المراجع
2
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
الموضوع
3
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
مقدمة عامة
إذا كان التنظيم اإلداري قــــد قام في البداية على أسس المركزية اإلدارية المطلقة ،فإن اتساع نشاط
الدولة في المجاالت االقتصادية واالجتماعية واإلدارية ،جعل من غير الممكن االعتماد على هذا النظام
المركزي لوحده وهذا ما أدى إلى ظهور نظام الالمركزية باعتباره نظاما يم ّكن من االضطالع بتسيير األعباء
المحلية.
وكان من غير الممكن أن تتخلى الدولة عن حقها في إدارة المرافق والمصالح القومية ،في مقابل إسناد إدارة
المرافق والخدمات المحلية إلى هيئات ترابية المركزية ،لتشاركها في أمور التسيير والتدبير في إطار ما
لذا فقد عملت الدولة على تطوير جهازها اإلداري بشكل يسمح لها بتأمين تواجدها على مجموع التراب
الوطني ،وهذا ما قام به المغرب غداة االستقالل بالنسبة للمؤسسات المكلفة بوظيفة السلطة .باإلضافة إلى
إقرار مؤسسات تستطيع تدبير الشؤون المحلية على الصعيد الترابي ،وذلك فيما يصطلح عليه بالالتمركز
اإلداري.
وعلى هذا األساس ،انصب تفكير المشرع المغربي منذ السنوات األولى لالستقالل حول إيجاد صيغة لتنظيم
إداري يستجيب لإلكراهات االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،ولهذا الغرض تم إصدار ميثاق جماعي في
23يونيو , 1960ليتم بذلك وضع أول أساس تشريعي إلقرار مبدأ الالمركزية اإلدارية الذي يتضمن
توجيهات عامة كخطوة أولى في إطار النهوض بالتنظيم المحلي ،غير أنه لم يقم بدور يذكر في هذا المجال،
4
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
بعد ذلك تم وضع قانون لتنظيم العماالت واألقاليم بمقتضى ظهير 12شتنبر 1963الذي جعل العماالت
واألقاليم بمثابة وسيط بين السلطة المركزية والجماعات المحلية لتكملة وتطوير الالمركزية ،كما شكلت أهم
التقسيمات اإلدارية التي عرفتها البالد خالل تلك الفترة طفرة نوعية سعت من خاللها إلى مراقبة وتأطير
المجتمع لفرض سلطاتها اإلدارية والسياسية على مجموع التراب الوطني ،وكذلك لتجاوز االزدواجية المتمثلة
في (المغرب النافع) و(المغرب غير النافع) ,خاصة وأن المدن الساحلية -محور الدار البيضاء ,القنيطرة
تستحوذ على أهم األنشطة االقتصادية في محاولة لتحقيق تنمية محلية تشمل مجموع التراب الوطني .
وللوصول إلى هذا المبتغى ،انصب االهتمام على الجهة كإطار أصلح لدمج كافة المؤهالت واإلمكانيات
المتوفرة من خالل ظهير 16يونيو ،1971غير أن الممارسة قد أبانت عن وجود عدة اختالالت حالت
هكذا تم إصدار ميثاق جماعي آخر بمقتضى ظهير 30شتنبر 1976الذي أعاد االعتبار للجماعة
المحلية كإطار للتنمية االقتصادية واالجتماعية ،مشكلة بذلك قفزة نوعية لوضع النواة األولى إلدارة اقتصادية
واجتماعية محلية ،ليتم في 02ابريل 1997إحداث قانون متعلق بالتنظيم الجهوي قانون رقم
47/96بعد أن تم االرتقاء بالجهة إلى جماعة محلية بمقتضى التعديالت الدستورية لسنتي 1992
و ،1996حيث أنيطت بالجهة اختصاصات واسعة للبث في القضايا االقتصادية واالجتماعية والثقافية
المتعلقة بها.
وبما أن المغرب قد قطع أشواطا مهمة في ترسيخ الالمركزية ،منذ السنوات األولى لالستقالل وبهدف تعميق
مسلسل الالمركزية والتنمية البشرية المحلية ،تم اعتماد ميثاق جماعي جديد سنة ،2002يتضمن
مقتضيات ترمي على الخصوص إلى تعزيز االستقاللية المعنوية والمالية والحكامة المحلية ،وتحسين وضعية
المنتخب وشفافية تدبير الشأن المحلي العام ،وتوضيح اختصاصات المجالس المنتخبة.
5
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
وبما أن السياسة المتبعة في تدبير الشأن المحلي أثبتت قصورها عن بلوغ النتائج المتوخاة منها ،أصدر
المشرع المغربي قانونين جديدين قانون رقم 78-00المتعلق بالتنظيم الجماعي الذي أدخلت عليه
تعديالت جديدة واردة في القانون رقم 17.08الصادر في فبراير , 2009والقانون رقم 79-
وفي مقابل ذلك وسع صالحيات ممثلي السلطة المركزية وكذا الهيئات الالممركزة ،مما جعل هذه المجالس
بعيدة كل البعد عن الممارسة الفعلية لتدبير الشأن المحلي ،إضافة إلى تكريس وصاية مالية وإدارية للتضييق
فالي أي حد يمكن اعتبار الالمركزية في صورتها اإلدارية الزمة لعدم التمركز في إطار المقاربة الدستورية؟
وستنبثق عن هذا السؤال المركزي أسئلة أخرى على سبيل المثال ال الحصر :هل البد من وجود هيئات غير
هذه األسئلة تتطلب تحليال أكثر اتزانا وأكثر مرد ودية ،بشكل يساعد على تحديد أسس االلتقاء والتكامل بين
و لإلجابة على اإلشكالية الرئيسية واألسئلة الفرعية سوف نقسم موضوع الدراسة إلى مبحثين اثنين،
نخصص األول منهما لدراسة (التكريس الدستوري للجهوية من خالل نظامي الالمركزية والالتمركز) ،نتناول
فيه تحليل اإلطار القانوني والمؤسساتي لالتمركز اإلداري في (مطلب أول) ,ثم اإلطار القانوني والمؤسساتي
لالمركزية اإلدارية و عالقتها مع مفهوم الجهوية في ( مطلب ثاني) .لنجيب في المطلب الثالث عن سؤال
أما المبحث الثاني فسنتطرق فيه إلى أهمية نظام الالمركزية في ظل التبعية واالرتباط بالسلطة وبالمؤسسات
الالممركزة للدولة ،وذلك من خالل دراسة نتناول إشكالية نجاعة التنسيق بين األجهزة المنتخبة و الوحدات
6
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
الترابية من أجل تحقيق تنمية مندمجة و مستدامة (المطلب األول) ,ثم مسألة وحدة الدولة و الوطن والتراب
،دائما في إطار مفهوم الجهوية (المطلب الثاني) ،دون إغفال التطور النوعي في إصالح نظامي الالمركزية
وعدم التمركز من خالل الوقوف (في مطلب ثالث) على مبادئ التوازن والتضامن التي أتى بها الخطاب
تعد الجهوية اليوم من أبرز السمات التي تميز األنظمة السياسية واإلدارية المعاصرة ،وهي شكل
جد متطور لنظام الالمركزية ،ووسيلة ديمقراطية مثلى إلشراك الساكنة في تدبير شؤونهم من خالل
مؤسسات جهوية ومحلية تحظى بصالحيات واسعة وإمكانيات بشرية ومادية هامة دون المس بسيادة وكيان
الدولة.
فموضوع الجهوية المتقدمة من المواضيع األكثر أهمية في مسلسل اإلصالح الذي أطلقته السلطات العمومية
من أجل تسريع وتيرة التنمية والتغلب على تحديات العولمة ،والمجهودات المبذولة في هذا الشأن تندرج في
إطار تدعيم مسلسل الالمركزية عبر سن ترسانة قانونية وتنظيمية تمكنها من الحصول على الموارد واآلليات
7
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
فالرهان على الجهوية اليوم رهان على التنمية الشاملة ،رهان على تحديث البنية المؤسساتية للدولة ،
لما ستتيحه الجهوية من تحقيق التقدم والتطور االقتصادي واالجتماعي لكافة المناطق ،عبر وضع مخططات
ولمعالجة هذا الموضوع وإبراز أهم محاوره نتساءل ،كيف يمكن للجهوية التي أصبحت خيارا استراتيجيا
إن التحوالت التي عرفتها العديد من األنظمة السياسية واإلدارية ،وظهور مفاهيم من قبيل
التنمية المندمجة و الديمقراطية المحلية ،والحكامة الترابية والتدبير التشاركي في أسلوب اإلدارة المعاصرة
هي عوامل رئيسية ،أدت بصناع القرار السياسي في بالدنا إلى إعادة النظر والتفكير في آليات عمل اإلدارة
المحلية والجهوية واألسس التي تقوم عليها ،وإعادة تأطيرها لمسايرة المستجدات الداخلية والخارجية في
فالتراكمات السياسية واالقتصادية والتحوالت التي طبعت بنية المجتمع المغربي خاصة في العقود األخيرة ،
أبرزت االهتمام ووعي السلطات العمومية بأهمية الجهوية كأسلوب لتدبير الشأن المحلي.
تاريخيا فقد مرت الجهوية بالمغرب بعدة مراحل متعددة ،انطالقا من خضوعها للتجربة في إطار ظهير 16
يونيو 1971المتعلق بإحداث المناطق االقتصادية السبع ،ثم االرتقاء بالجهة إلى مستوى الجماعة المحلية
8
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
بمقتضى دستور ، 1992ثم تدعيم مركز الجهة أكثر في دستور ، 1996و بصدور القانون رقم
96/47بتاريخ 20أبريل 1997الذي أضفى عليها الشخصية المعنوية ونظم تشكيل وتسيير
لكن التجربة الجهوية أفرزت بعض النقائص واإلكراهات ،وأبانت عن محدوديتها وذلك راجع لعوامل أساسية
تتجلى في طبيعة البناء المؤسساتي للجهات المتسمة بضعف الفعالية وعدم النجاعة ،كتداخل االختصاصات
بين الجهة والوحدات الالمركزية األخرى ،وإشكاالت أخرى مرتبطة بالجوانب الهيكلية ذات الصلة بالنظام
االنتخابي وضعف النخب الجهوية وثقل الوصاية اإلدارية وتشعبها والخصاص الكبير في اإلمكانيات البشرية
والمالية ،ومحدودية التقسيم الترابي وعدم مواكبة سياسة عدم التركيز اإلداري للجهوية…إلخ
إن االختالالت والنقائص التي شابت التجربة الجهوية ،هي التي دفعت بالنظام السياسي في بالدنا
إلى اإلعالن عن رغبة قوية لإلرتقاء بالنظام الجهوي إلى وضع متقدم ،تحظى فيه الجهة بمكانة قانونية
متميزة ،تستطيع من خاللها القيام باألدوار التنموية المناطة بها ،األمر الذي يجعلها قائمة الذات ويجعل من
ويمكن تعريف الجهوية المتقدمة بأنها تعبير عن تقاسم الصالحيات بشكل أوسع بين المركز وباقي التراب ،
أي إعادة النظر في األدوار الجديدة للدولة بما يتيح تقاسم المسؤوليات بين الدولة والجهات.
فالجهوية يمكن اعتبارها تحديث في بنية هياكل الدولة واإلدارة ،فهي تعيد النظر في عالقات السلطات
المركزية بالمنتخبين ،سعيا نحو االنتقال من عالقات السلطة العمومية المقترنة بالوصاية والرقابة إلى
9
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
ع القات التشاور والتدبير التشاركي والتعاون ،دون أي إخالل باالختصاصات التي تعود حكرا للدولة ،وال
بالصالحيات التي تمكنها من ضمان سيادة القانون ،وأسبقية وصدارة السياسات الوطنية على المحلية.
والفصل 136من دستور ، 2011ينص على أن التنظيم الجهوي والترابي يرتكز على مبادئ
التدبير الحر وعلى التعاون والتضامن ،ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم والرفع من
أما الفصل 137من نفس الدستور فينص على ” أن الجهات والجماعات الترابية األخرى تساهم في تفعيل
السياسة العامة للدولة ،وفي إعداد السياسات الترابية ،من خالل ممثليها في مجلس المستشارين".
فالجهوية المتقدمة تندرج في إطار السياسات العمومية للمغرب ،كآلية لتفعيل الديمقراطية المحلية على
المستوى الوطني من خالل ترك الحرية في االختيارات ووضع البرامج االقتصادية واالجتماعية والتنموية
للسكان المحليين حسب كل جهة يديرونها حسب قدراتهم ومواردهم الذاتية ،في إطار من التضامن والتكامل
فالمقاربة التنموية الجديدة أصبحت تفرض االنتقال من تنظيم إداري مبني على البيروقراطية والمركزية
المفرطة أو المتشددة إلى نظام يتأسس على الحكامة الجيدة والمقاربة الترابية وتدعيم سياسة القرب ،أي
نظام إداري يشبه إلى حد كبير األنظمة المطبقة في الدول الجهوية كاسبانيا وإيطاليا ..وقد سبق لجاللة الملك
محمد السادس أن عبر في خطابه بتاريخ 20غشت 2010بأن تكون الجهوية تحوال نوعيا في أنماط
الحكامة الترابية ,..أن إطالق ورش الجهوية المتقدمة توطيدا للحكامة الترابية الجيدة والتنمية المندمجة…
وقد جاء الخطاب الملكي بتاريخ 3يناير 2010حول تنصيب اللجنة االستشارية للجهوية ليسطر
10
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
أوال :التشبث بمقدسات األمة وثوابتها في وحدة الدولة والوطن والتراب .فالجهوية المتقدمة ينبغي أن تكون
تأكيدا ديمقراطيا للتميز المغربي الغني بتنوع روافده الثقافية والمجالية المنصهرة في هوية وطنية موحدة.
ثانيا :االلتزام بالتضامن إذ ال ينبغي اختزال الجهوية في مجرد توزيع جديد للسلطات بين المركز والجهات.
ثالثا :اعتماد التناسق والتوازن في الصالحيات واإلمكانات وتفادي تداخل االختصاصات أو تضاربها بين
رابعا :انتهاج سياسة الالتمركز الواسع الذي لن تستقيم الجهوية بدون تفعيله في نطاق حكامة ترابية ناجعة
وقد توخى الخطاب الملكي المتعلق بتنصيب اللجنة الجهوية االستشارية بلوغ أهداف جوهرية أهمها
وجود جهات قوية ذات مجالس وأجهزة تمثيلية وليست صورية ،على رأسها نخب مؤهلة ومؤطرة قادرة على
حسن تدبير شؤون الجهات المشرفة عليها واالستجابة لتطلعات المواطنين وحاجياتهم التنموية.
يمكن القول أن الجهوية تتوخى في أهم أبعادها وأهدافها ترسيخ الحكامة المحلية ،وتعزيز سياسة
القرب من المواطن ،وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة .والحكامة المحلية وهي مختلف اإلمكانات واآلليات
التي من خاللها يمكن للمنتخبين المحليين ترشيد وعقلنة تدبيرهم للشأن المحلي ،وكذا مأسسة الفعل والقرار
اإلداريين وتدبير الموارد البشرية المحلية بشكل خاص ،وهو ما يجعل من الحكامة المحلية مجموعة من
األدوات التدبيرية التي تسعى إلى ترشيد النظام اإلداري والمالي والبشري بهدف تحقيق أقصى النتائج من
11
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
خالل التركيز على مبادئ الشفافية والنجاعة والمأسسة والمسؤولية ،وتمكن المنتخبين المحليين من استثمار
مختلف االمكانات التواصلية والتدبيرية من أجل توفير الخدمات لمرتفقي الجماعات المحلية.
وحتى تكون الحكامة المحلية مجسدة على ارض الواقع ،فإن ذلك يبقى رهينا بمدى وعي النخب
المحلية بحجم المسؤوليات الملقاة على كاهلهم لتحقيق التنمية المحلية ،واالستجابة لطموحات المواطنين
وتلبية حاجياتهم والتواصل معهم ،مع التخطيط لهذه الحاجيات وبرمجة تنفيذها باعتماد الشفافية والتدبير
الناجع والعقالني.
كما أن تطوير الجهوية المتقدمة يتطلب وجود قيادات جهوية منتخبة محلية قريبة من مواطنيها ،وتعزيز
سياسة القرب من الساكنة يشكل المحك الحقيقي لإلدارة الجهوية المواطنة القريبة من اهتمامات وتطلعات
فالتجديد في المناهج وآليات التواصل مع المواطنين ،يتطلب االنتقال بالتدبير الجهوي من تدبير
بيروقراطي منغلق إلى تدبير ديمقراطي تشاركي دينامي ،يمكن الجهات من النهوض بدورها كفاعل اقتصادي
واجتماعي يواكب المستجدات والتطورات االقتصادية واالجتماعية والسياسية وذلك في إطار الخطاب
المركزي الذي ينادي بسياسة القرب من خالل تفعيل الدور التنموي للجماعات الترابية.
ومن أجل النهوض بعملية التنمية الجهوية المندمجة ،فإن األمر يتطلب بإلحاح من المنتخبين تحفيز كل
ناجعة قائمة على إطالق مبادرات التنمية ،تمكنهم الطاقات وتحديد األولويات ،وإدخال أنماط تدبيرية
من تحريك كل اإلمكانات الذاتية للجهة مع استحضار مختلف التجارب األجنبية الناجحة في استراتيجيات
العمل الجهوي.
12
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
كما ينبغي للنخب الجهوية تبني التدبير التشاركي مع كل الكفاءات المحلية والفاعلين العموميين والخواص
والجمعيات المهنية والجامعات والباحثين لكي تصبح الجهة فاعال في التنمية ومنتجا للثروة ،من خالل تخطيط
استراتيجي تساهم فيها الجهة بفعالية ،يرتكز على مجموعة من الوسائل واآلليات التدبيرية والتي يمكن
إجمالها في توفير المحيط المالئم للمبادرات المحلية قصد تقوية القدرات الفردية والجماعية في االستثمار
واإلنتاج ،مع إدماج الخصوصيات االجتماعية والثقافية والبيئية في البعد االقتصادي للتنمية.
إن بناء جهوية متقدمة لها دور أساسي في تدبير المجال الترابي وتحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية
يتطلب تحديد العالقات بين الدولة والجهات ،في إطار إعطاء هذه األخيرة حرية اتخاذ القرار التنموي في
عدة مجاالت (حماية البيئة ،تعبئة الموارد المحلية ،التخطيط وتهيئة التراب ،التعمير ،تنشيط االستثمارات،
إقامة البنيات التحتية والتجهيزات العمومية ،إحداث المنشآت العمومية ،التربية والتكوين …إلخ.
وعليه حتى تلعب الجهوية المتقدمة دورا رئيسيا في ترسيخ الحكامة المحلية ،و تدعم مسلسل الالمركزية
إن تكريس الجهوية المتقدمة يتطلب من الدولة منح الجهات مزيدا من الحرية واالستقالل االداري والمالي ،
وتعزيز موارد ها المالية والبشرية والتخفيف من حدة الوصاية والرقابة وتعويضها بنظام المواكبة اإلدارية
إصالح نظام عدم التركيز االداري بشكل يخدم الجهوية المتقدمة وينسجم مع توجهاتها الكبرى ،وذلك من
خالل تنازل اإلدارات المركزية عن المزيد من االختصاصات الفعلية لصالح مصالحها الخارجية (المندوبيات
،المديريات الجهوية المفتشيات االقليمية )..مع نقل الموارد المالية والبشرية لفائدة هذه الوحدات االدارية
إذ ال جهوية في ظل التركيز اإلداري ،بحيث ينبغي أن يصبح عدم التركيز هو القاعدة األساسية في توزيع
المهام بين مختلف المصالح اإلدارية التابعة للدولة مما يسمح بتفعيل الحكامة الترابية.
13
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
حتى تتأسس الجهوية المتقدمة على قواعد متينة ،ينبغي لإلدارة المركزية وصناع القرار بالمركز ،القطيعة
مع أسلوب التحكم والضبط والتدخل والمراقبة ،ونهج أسلوب الديمقراطية والحوار والتدبير التشاركي
إحداث مراكز للتكوين المعرفي للنخب المحلية ،مع التنصيص القانوني لشرط األهلية المعرفية ،ال يعقل أن
نبني الجهوية المتقدمة بنخب أمية أو تتوفر على شهادة معرفية ال تؤهلها لتدبير الشأن الجهوي.
التح ديد القانوني الدقيق للمهام التي سيتوالها المنتخبون المحليون ،تفاديا لتداخل االختصاصات مع باقي
مكونات اإلدارة المحلية ،مع التركيز على مهام التنمية االجتماعية واالقتصادية والتعمير وإعداد التراب
والتجهيز وإحداث المناطق الصناعية وتأهيل المنشآت التعليمية ،وتشجيع آليات التعاقد بين الدولة والجهات.
اإلصالح العميق لمنظومة الموارد البشرية والمالية ،وتمكين رؤساء الجهات من سلطات فعلية وحقيقية على
تعزيز الحكامة المحلية في نطاق الجهوية يقتضي أساسا ربط المسؤولية بالمحاسبة ،وتسيير المرافق بناء
إن اإلصالح المنشود والكفيل بترسيخ الحكامة الترابية ،ال يمكن اختزاله في مجرد إصدار نصوص قانونية
جديدة ،مهما كانت متطورة ،وال في وجود هياكل إدارية واختصاصات إضافية ،بل إن األمر يقتضي أساسا
رؤية شمولية ذات أهداف دقيقة وأبعاد استراتيجية .فالتغيير يجب أن يكون هيكليا يعيد النظر في طريقة
توزيع السلطة والثروة ،وفي آليات توزيع النخب ،وفي نظام العالقة بين المركز والجهة ،أي إقرار ديمقراطية
حقيقية.
14
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
يندرج القانون التنظيمي المتعلق بالجهات في إطار تفعيل مقتضيات دستور المملكة المغربية ،وال
سيما الفصل 146منه الذي ينص على أنه ” تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة:
-شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية األخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية ،وعدد أعضاء مجالسها
هذا ،والجدير بالذكر أن البرنامج الحكومي الذي عرض أمام البرلمان بتاريخ 19يناير ، 2012سبق
ويسعى هذا القانون إلى تكريس وتجسيد نهج الجهوية الموسعة التي اختارها المغرب كنمط جديد للحكامة
الترابية الرامية إلى إصالح وتحديث هياكل الدولة وفق مقاربة تشاركية مندمجة مبنية على مبادئ التوازن
والتضامن الوطني والجهوي وفي احترام تام لوحدة الدولة والوطن والتراب.
سنحاول من خالل هذا المحور التطرق إلى المبادئ المؤطرة للتنظيم الجهوي المضمنة بالدستور:
حدد دستور المملكة مجموعة من المبادئ المؤطرة لشروط تنظيم وتسيير الجماعات الترابية ،والمتمثلة
أساسا في :
•التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه للجهة ،في حدود اختصاصاتها ،سلطة التداول بكيفية ديمقراطية
15
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
•مبدأ التعاون والتضامن بين الجهات من جهة ،وبين هذه األخيرة والجماعات الترابية من جهة أخرى
•مبدأ التفريع كأساس لتوزيع االختصاصات :وهو المبدأ الذي تم االعتماد عليه في إسناد اختصاصات
الجهة ،المتفرعة إلى اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من
هذه األخيرة؛
•السلطة التنظيمية للجهة :استنادا إلى الفصل 140من الدستور ،تتوفر الجهات والجماعات الترابية
األخرى في مجاالت اختصاصاتها ،وداخل دائرتها الترابية ،على سلطة تنظيمية لمباشرة صالحياتها،
يمارسها رئيس مجلس الجهة بعد مداوالت المجلس ،بموجب قرارات تنشر بالجريدة الرسمية للجماعات
الترابية.
كما أسلفنا ،حرص المشرع المغربي على اعتماد مجموعة من المبادئ األساسية لتنظيم الجهة تتمثل
أساسا في التموقع المؤسساتي للجهة داخل التنظيم الالمركزي للمملكة ،وإقرار مبادىء التدبير الحر والتفريع
والتعاون والتضامن بين الجهات من الجهة وبين هذه األخيرة وباقي الجماعات الترابية من جهةّ أخرى ،فضال
عن اعتماد التصويت العلني كقاعدة النتخاب رئيس وأجهزة المجلس والتخاذ جميع مقررات المجلس ،وأخيرا
التنصيص على اختصاص القضاء وحده في جميع المنازعات المتعلقة بتسيير المجالس (العزل ،الحل ،بطالن
16
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
سعيا إلى تحديث أداء مجالس الجهة وتسييرها ،تضمن القانون التنظيمي عدة مقتضيات تتمثل أساسا في:
–الترشيح لمنصب رئيس المجلس من بين المرتبين على رأس اللوائح الفائزة بمقاعد حصريا؛
–إيداع الترشيحات لرئاسة المجلس ،خالل الخمسة ( )5أيام الموالية النتخاب أعضاء المجلس ،لدى
–انتخاب الرئيس في الدور األول أو الثاني باألغلبية المطلقة لألعضاء المزاولين مهامهم ،وباألغلبية
–تنافي مهام رئيس الجهة ونوابه مع مهام رئيس أو نائب رئيس جماعة ترابية أخرى أو غرفة مهنية؛
–اتخاذ مقررات المجالس باألغلبية المطلقة لألصوات المعبر عنها ،ما عدا في قضايا معنية يشترط
فيها األغلبية المطلقة لألعضاء المزاولين مهامهم :كالميزانية وبرنامج التنمية الجهوية وطرق تدبير المرافق
العمومية…
17
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
ضمانا لحسن سير مصالح الجهة ،حرص المشرع المغربي على تحيين الوضعية االعتبارية والمادية
للمنتخب لتمكينه من أداء مهامه في ظروف مالئمة وتحديد أدق لواجباته ،وذلك من خالل :
-إقرار تعويض عن التمثيل والتنقل بالنسبة للرئيس ونوابه وكاتب المجلس ونائبه ورؤساء اللجان الدائمة و
نوابهم ؛
-استفادة أعضاء المجلس من رخص للتغيب لحضور أشغال المجلس ولجانه ودورات التكوين؛
-إجبارية حضور دورات المجلس ،وإقالة العضو الذي تغيب 3دورات متتالية؛
-تجريد العضو المنتحب الذي تخلى خالل مدة االنتداب عن االنتماء السياسي الذي ترشح باسمه من صفة
العضوية في المجلس.
–إعداد برنامج التنمية الجهوية يتضمن تشخيصا للحاجيات وتحديدا لألولويات وتقييما للموارد والنفقات
التقديرية؛
–التنمية االقتصادية :وتشمل أساسا الميادين ذات األولوية :دعم المقاوالت ،جذب االستثمار ،تهيئة
18
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
–التنمية القروية؛
–الثقافة والبيئة؛
يمكن للجهة بمبادرة منها ،تمويل إنجاز مرفق أو تجهيز مشروع ال يدخل ضمن اختصاصاتها الذاتية إذا
تبين أنه يساهم في بلوغ األهداف المتوخاة وتحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية والقروية المنشودة.
في إطار تمكين الجهات من تحقيق التنمية وبلوغ األهداف المسطرة ،يمكن للدولة نقل بعض اختصاصاتها
-الصناعة والتجارة ؛
19
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
يتداول المجلس في كل القضايا المتعلقة باختصاصات الجهة ،المرتبطة بالمجاالت التالية :
–التنمية الجهوية وإعداد التراب والمرافق العمومية ،من خالل وضع برنامج التنمية الجهوية وإحداث
–التعاون والشراكة ،من خالل إبرام اتفاقيات مع القطاع العام والخاص والمساهمة في إحداث
–المالية والجبايات واألمالك ،وتشمل إعداد الميزانية وتحديد سعر الرسوم واألتاوى ومختلف الحقوق
التي تقبض لفائدة الجهة وتدبير أمالك الجهة والمحافظة عليها وصيانتها ،فضال عن اقتناء العقارات
يمارس رئيس المجلس السلطة التنظيمية بموجب قرارات تنشر بالجريدة الرسمية للجماعات الترابية،
20
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
هذا ،ويجوز للرئيس تفويض بعض صالحياته لنوابه في قطاع محدد لكل نائب باستثناء التسيير اإلداري
واألمر بالصرف.
عمل مشروع القانون التنظيمي للجهات على تطوير ماليتها بما يمكنها من تحقيق مشاريعها وفق قواعد
أوال :الموارد
تنقسم الموارد إلى موارد محولة وذاتية وأخرى متأتية من صندوقي التأهيل االجتماعي والتضامن بين
الجهات:
أ) الموارد المحولة :وترتبط أساسا باالختصاصات المنقولة إليها من طرف الدولة،
21
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
ب) المواد الذاتية :وتشمل أساسا حصيلة الضرائب والرسوم المأذون للجهة بتحصيلها ،حصيلة بيع
العقارات والمنقوالت ،حصيلة الغرامات ،فضال عن اإلمدادات الممنوحة من قبل الدولة وغيرها.
يهدف هذا الصندوق إلى سد العجز في مجاالت التنمية البشرية والبنيات التحتية األساسية والتجهيزات ،ال
سيما في مجال الماء الصالح للشرب والكهرباء ،السكن غير الالئق ،الصحة ،التربية وشبكة الطرق
والمواصالت .ويعتبر رئيس الحكومة آمرا بقبض مداخيل وصرف نفقات هذا الصندوق.
يهدف هذا الصندوق إلى ضمان التوزيع المتكافئ للموارد قصد التقليص من التفاوتات بين الجهات؛
ويعتبر وزير الداخلية آمرا بقبض مداخيل وصرف نفقات هذا الصندوق.
-نفقات الميزانية؛
22
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
حرص القانون على ضمان حسن تدبير األموال العمومية ،وذلك من خالل إدراج مجموعة من الضوابط،
لعل أهمها:
–خضوع العمليات المالية والمحاسباتية للجهة لتدقيق سنوي تنجزه بشكل مشترك المفتشية العامة
–إبرام صفقات الجهة طبقا للنصوص التطبيقية المتعلقة بالصفقات العمومية ،في إطار احترام حرية
الولوج إلى الطلبية العمومية والمساواة في التعامل مع المتنافسين والشفافية في اختيار صاحب المشروع
وي تميز القانون التنظيمي بتعزيز مبدأ التدبير الحر بالنسبة للجهة ،من خالل حصر المراقبة اإلدارية
المنصوص عليها دستوريا في مجال المشروعية ،فطبقا للفصل 145من الدستور تنحصر ممارسة والي
الجهة في المراقبة اإلدارية على مشروعية قرارات رئيس المجلس ومقررات المجلس .هذا ،وارتباطا بهذا
المبدأ ،يختص القضاء وحده بحل المجلس وبالتصريح ببطالن المداوالت وإيقاف المقررات والقرارات
23
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
المبحث الثاني:
الجهوية المتقدمة في خدمة التنمية المحلية في
إطار دولة موحدة ومتضامنة
انه أضحى المجال المتميز للتعبير عن اإلشكاليات والسمات البارزة للسياسة االقتصادية في عالقاتها مع
فرغم اختالف البلدان في توزيع الوظيفة اإلدارية بين الدولة والهيئات الالمركزية ،حسب نمط وظروف كل
بلد ،لكون كل دول ة تأخذ باألسلوب الذي يتفق مع ظروفها السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،فإن جميع
الدول أصبحت تطبق بشكل أو بأخر األسلوب الالمركزي من أجل تحقيق ديمقراطية محلية وتنمية اقتصادية
،وبذلك أصبح التركيز باألساس يتمحور على نقطتين أساسيتين وهما الالمركزية على مستوى اتخاذ القرار
24
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
إن الالمركزية اإلدارية أصبحت البديل واألداة األساسية لخوض معركة التنمية ،حيث تشكل شرط أساسي
وجوهري لتنظيم و إعداد مجال ترابي قادر على تحقيق التوازن بين متطلبات الدولة المركزية والهيئات
الترابية الالمركزية وتمنح للسكان حق إدارة شؤونهم بالشكل الذي يجعل عملية اتخاذ القرار يستجيب لتنمية
األنشطة االقتصادية واالجتماعية ,إال أن هناك عدة معيقات تحول دون تحقيق التناغم واالنسجام بين
من األكيد أن آلية التقسيم الترابي تتيح للدولة مراقبة الوحدات الترابية ,غير أنها من جانب آخر
تعمل على خلق وحدات محلية تابعة للمركز ,فالجماعات المحلية اليمكنها القيام بالمهام المنوطة بها إال
بتمكينها من الوسائل المالية الالزمة لذلك .لكن المالحظ هو أن الجماعات المحلية التتوفر سوى على
موارد مالية ضعيفة ,مما يدفع بها للجوء إلى الدولة قصد الحصول على األموال الضرورية لتغطية
وإذا كانت الجماعات األم تشكو من ضعف قدراتها المالية ,فان االستمرار في إحداث جماعات جديدة
سيجعل من سياسة التقسيم سياسة ذات أبعاد أخرى تنطوي على خلق وحدات ضعيفة اإلمكانيات ,مما يدل
فطوكفيل مثال " :كان يرى أن السلطة المركزية تتعامل مع الجماعات المحلية بحيث تظل عديمة الموارد
المادية والبشرية حتى تبقى خاضعة لنفوذها وقرارها ودائمة االرتباط بالسلطة المركزية".
ثم إن خلق جماعات بموارد ضئيلة يؤدي إلى تعميق تبعية الجماعات لإلدارة المركزية واالرتباط المطلق
بها.
25
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
وعليه ،فتحقيق الحكامة الجيدة رهين بتحقيق الالمركزية المتوقفة على إشراك المواطنين في إدارة شؤونهم
المحلية ,وعلى حيازة المجالس المحلية على سلطات حقيقية وعلى توفرها على موارد مالية كافية ,وعلى
كفاءة جهازها اإلداري المبني على سلطة اتخاذ القرار بشكل جماعي وبصيغة موحدة .
إن التنمية الترابية بالمغرب تستلزم من أجل تقدمها وسيرها منظومتين البد منهما ،منظومة
الالمركزية وهي مبنية ومركبة .ومنظومة الالتركيز اإلداري وهي موضوعة بجانب األولى ،إال
أنها غير مركبة .ومن هذا المنطلق تم التأكيد دائما على ضرورة إصالح اإلدارة المحلية،
وبالخصوص على أهمية النهوض بالالتركيز اإلداري لبلوغ الحكامة الترابية .إال أنه رغم ذلك
مازالت هناك العديد من الصعوبات اإلكراهات في أسلوبي الالمركزية والالتمركز التي تحول
دائما دون تحقيق التنمية الترابية المنشودة .ولعل من أبرز تلك الحواجز والمعيقات تلك التي
تحول دون تفعيل وتطوير الالتمركز اإلداري ،والتي ترتبط أساسا بطبيعة تنظيم الدولة وبمدى
لقد حافظت الدولة المغربية طيلة وجودها على النظام المركزي ،الذي يقوم على حصر النشاط
اإلرادي وجمعه بيد" الدولة "بمفهومها الضيق ،أي مجموع الهيئات واألجهزة التي تتكون منها،
خاصة السلطة التنفيذية ) الحكومة) .وذلك بصورة يشرف معها الوزراء من العاصمة ،على
جميع مظاهر وأوجه التدبير العمومي ،حيث يتوالها أشخاص خاضعون مباشرة للسلطة
المركزية ،وتابعين لها في إطار سلم إداري متدرج .وقد كشفت الممارسة والتجربة الواقعية أنه
رغم وجود بعض الوحدات غير المتمركزة عبر التاريخ المغربي ،فهي لم تكن تتمتع بأي سلطات
26
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
تقريرية أو اختصاصات ذاتية مهمة ،وفي أي مجال من المجاالت ،بل كانت فقط قنوات
إن الجماعات المحلية واإلدارة الترابية للدولة في المغرب ،باإلضافة إلى كونها كانت وسيلة في
يد الدولة لضبط المجال واستتباب األمن بمفهومه التقليدي ،كان من األجدر أن تكون مطالبة
بالمشاركة في تحقيق التنمية المحلية ،وأن تمنح جميع الوسائل الضرورية لذلك ،وهو ما تم االقتناع
به منذ االستقالل على مستوى الخطاب السياسي وما لم يتم إلى يومنا هذا على مستوى التطبيق
والممارسة العملية .2فالتمركز المفرط في اتخاذ القرار ظل دائما هو المهيمن على جميع األصعدة،
إن تداخل االختصاصات بين الدولة والجماعات المحلية يرجع لعدة أسباب يمكن تحديدها في النصوص
التشريعية المنظمة للجماعات المحلية ,خاصة تلك المتعلقة بتحديد اختصاصاتها ,األمر الذي يجعل من
الصعب وضع حد فاصل بين تدخالت الجماعات المحلية وتلك الموكولة للدولة ومؤسساتها وهيأتها بمختلف
فعلى سبيل المثال القانون رقم 78.00في المادة 35منه نجد صياغة " :يفصل المجلس بمداوالته
في قضايا الجماعة ,ولهذه الغاية يتخذ التدابير الالزمة لضمان تنميتها االقتصادية واالجتماعية والثقافية «,
1عرابي الغمري":تحديث اإلدارة الترابية للدولة في املغرب"،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام،كلية العلوم-
القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة ، 2003 - 2004 ،ص 178
2اململكة املغربية ،وزارة الوظيفة العمومية واإلصالح اإلداري" :اإلدارة املغربية وتحديات " - 2010مناظرة منشورة من قبل وزارة الوظيفة العمومية واإلصالح اإلداري،
ماي ،2002ص .11
27
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
بينما في قانون 79.00نجد المادة 35منه وردت فيها عبارة " :يفصل مجلس العمالة أو اإلقليم
بمداوالته في قضايا العمالة أو اإلقليم ولهذه الغاية يتخذ التدابير الالزمة لضمان تنميتها االقتصادية
واالجتماعية والثقافية مع مراعاة االختصاصات المسندة إلى الجماعات المحلية األخرى" .
يتضح من خالل هذه المادة أنها جاءت بصيغة عامة تعوق تحديد المقصود من عبارة تحقيق التنمية االقتصادية
واالجتماعية والثقافية ,وهو ما يتيح لكل جماعة محلية إمكانية التدخل بال حدود في كل المجاالت والقطاعات
ومع أكثر من جهة .لكن على الرغم من هذه الصيغ التي تضمنتها النصوص التشريعية المنظمة للجماعات
المحلية ،فان المشرع لم يقم بدوره في توضيح مضمون االختصاصات وتبيان مجاالت تدخل كل من الدولة
من جهة ثانية ,ساعد على تكريس التبعية محدودية دور القضاء الذي كان من المفروض أن يلعب دورا
حاسم ا في تقوية الالمركزية ببالدنا .ومن األسباب التي تحول دون تقدم القضاء في هذا المجال ,هو عدم
المعرفة الكافية بالمهام الملقاة على عاتق المنتخبين ,وذلك نتيجة ضعف تكوينهم وقلة مؤهالتهم وتجربتهم
العملية ,مما يجعلهم يقبلون أي تأويل تقدمه السلطات المركزية وممثليها المحليين " الوالة -العمال -رجال
السلطة " ،وبالتالي ,فان فرص التقارب والتنازع في االختصاصات تزداد في غياب االلتقائية والتعاون ما
بين الوحدات الترابية المختلفة " الالمركزية وعدم التركيز" ,وذلك بهدف تحقيق التكامل والتطابق فيما بين
في هذا اإلطار يمكن القول ,أن المجال االجتماعي يعرف العديد من مظاهر تداخل االختصاصات سواء
تعلق األمر بمجال الصحة أو التعليم أو السكن ,حيث إن الدولة والجماعات المحلية تقوم بنفس المشاريع
التنموية وتخطط لنفس التجهيزات االجتماعية ,مما يساعد على ازدواجية األعمال المنجزة والوقع السلبي
لهذه األعمال على الساكنة ,وهو ما يستدعي أن ينبني توزيع االختصاصات مابين الدولة ومختلف الجماعات
المحلية على أساس تحقيق التكامل والتطابق بناء على مبادئ محددة كمبدأي االلتقائية و التفريع.
28
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
فيما يخص مسالة الوصاية ،فان اإلفراط فيها على الجماعات المحلية يفرغ الالمركزية من محتواها ،ففرض
وصاية مشددة يعني الحد من استقالليتها ،وتدخل السلطة المركزية في كل الشؤون المحلية وكان هذه األخيرة
مما الشك فيه ،أن تبني نهج الالمركزية والالتمركز ساهم إلى حد كبير في تخفيف العبء اإلداري والتنموي
عن المركز ،والحد من سيادة البيروقراطية اإلدارية وتسهيل وتسريع عملية اتخاذ القرار ،فضال عن تنمية
روح المواطنة وتعميق الشعور بالمسؤولية لدى المواطن والمسؤول على حد سواء .
ل قد شكل إقرار نهج الالمركزية والالتمركز ،كاختيار أساسي ،إطارا مالئما وحلقة رئيسية قادرة على إتمام
واستكمال بناء الصرح المؤسساتي للمملكة ،وكذا تشخيص وترتيب الطاقات والحاجيات الجهوية والمحلية،
بغية تحديد األولويات لتدعيم اآلمال التنموية في إطار مسعى يرتكز على مبدأ اإلشراك و التشارك والتنسيق .
إن إرساء الجهوية المتقدمة وتعزيز الالمركزية والالتمركز يمثالن ورشا حيويا لتعزيز
الديمقراطية ،وتطوير وتحديث هياكل الدولة ،والنهوض بالتنمية المستدامة والمندمجة اقتصاديا واجتماعيا
وفي هذا الصدد ،تجدر اإلشارة إ أن مقتضيات الدستور الجديد تؤسس لخيارات كبرى تمثل بدورها تحوال
عميقا سواء في مفهوم الالمركزية أو في أدوار اإلدارة والسلطة المحلية في عالقتها بالجماعات الترابية
29
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
لقد نص الفصل 136من الدستور على أن “التنظيم الجهوي والترابي يرتكز على مبادئ التدبير
الحر ،وعلى التعاون والتضامن ،ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم ،والرفع من مساهمتهم
وهو ما يلغي مفهوم الوصاية على عمل الجماعات الترابية و كل أشكال الرقابة المتعلقة باختيارات الجماعات
الترابية ،بحيث أن أدوار اإلدارة وجب أن تقتصر على الدعم والمساعدة كما هو منصوص عليه في الفقرة
الثالثة من الفصل 145من الدستور “يساعد الوالة والعمال رؤساء الجماعات الترابية ،وخاصة رؤساء
وبالتالي حتى في حالة مالحظة اختالالت في تدبير الجماعات ،فوجب أن تشكل موضوع طعن لدى المحاكم
ولتكريس هذا الخيار ،فإن مبدأ التدبير الحر يستوجب مراجعة عميقة لمجمل النصوص القانونية المرتبطة
لقد نص الفصل 140من الدستور على أن للجماعات الترابية ،وبناءا على مبدأ التفريع ،اختصاصات
ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه األخيرة .وعلى أن الجهات
والجماعات الترابية األخرى تتوفر ،في مجاالت اختصاصاتها ،وداخل دائرتها الترابية ،على سلطة تنظيمية
30
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
اعتمادا على مبدأ التفريع وجب إعادة النظر بشكل عميق في اختصاصات الجماعات الترابية لتجنب التداخل
الحاصل حاليا فيما بينها بناء على تقسيم واضح للوظائف ،حيث يمكن تركيز وظائف الجهات على كل ما هو
نص الدستور على أن كل الجماعات الترابية وجب أن تتوفر على سلطة تنظيمية لممارسة صالحياتها ،مع
ما يعنيه ذلك من حاجة إلى تنظيم هذه السلط ووضع المؤسسات اإلدارية الالزمة لممارستها.
استنادا للفصل 140من الدستور للمملكة لفاتح يوليوز 2011الذي ينص على أن "للجماعات الترابية،
وبناء على مبدأ التفريع ،اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة واختصاصات منقولة إليها من هذه
األخيرة ".
وبهذا المنظور سترتكز اختصاصات المجلس الجهوي على مبدأ المداركة أو التفريع ،بمعنى أن الدولة
اليمكن لها أن تمارس في المستقبل إال االختصاصات التي تتالءم مع طبيعتها كمستوى وطني ،وبعبارة أخرى
يعني هذا المبدأ في عمقه أن السلطة المركزية اليمكن لها أن تمارس إال االختصاصات التي اليمكن للجهة
أن تمارسها بالنظر إلى خصوصية دورها الرئيسي أو بسبب محدودية الوسائل التي تتوفر عليها.
تعتبر الجماعات الترابية مؤسسات للتنمية االقتصادية و االجتماعية و الثقافية و السياسية إذا توفرت الشروط
الدستورية و القانونية و االقتصادية التي تساعد فعال على قيام تلك الجماعات بدورها المحلي الرائد ،و يتمثل
الشرط الدستوري في كون الدستور يكرس سيادة الشعب ،و يعطي للجماعات المحلية سلطة القيام بالتنمية
المحلية المتعددة األوجه لصالح المواطنين ,كما يكمن الشرط القانوني في توفير الضمانات الالزمة لممارسة
االختصاصات المخولة للجماعات بمقتضى النصوص القانونية و التنظيمية ،و في وجود مجالس منتخبة
31
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
بطرق ديمقراطية و نزيهة إلفراز مسؤولين جماعيين يعبرون قوال و فعال عن إرادة الناخبين الذين تم
أما الشرط االقتصادي ،فيتمثل في ضبط الموارد القائمة و البحث عن موارد جديدة بعيدا عن العشوائية
في اتخاذ القرارات و التدبير العقالني ،و ترشيد تلك الموارد و صرفها في مشاريع تنموية تساعد على تحقيق
التنمية بجميع مستوياتها ،حيث أصبح التخطيط الجماعي اليوم عنصرا أساسيا يكرس دور الجماعة ضمن
المنظومة المؤسساتية لبالدنا ،فإذا كان المجلس الجماعي هو الفاعل األساسي و المسؤول األول عن تدبير
الشؤون المحلية بعالقة مباشرة مع ظروف عيش الساكنة ،فانه غالبا يظل تراب الجماعة مجال تدخل عدة
فاعلين ،ويكون موضع عدة أعمال و مشاريع و برامج ،السيما تلك التي تقوم بها مصالح الدولة و المؤسسات
العمومية التي بحكم صالحيتها و مجاالت عملها المتعددة ،تعد برامج و تبادر بطرح مشاريع و تعتمد أدوات
التخطيط و التدخل ,فضال عن تعدد المتدخلين و الفاعلين ،تجدر اإلشارة إلى المستويات الترابية للتقرير و
التخطيط و التدخل ،إذ تأتي في المرتبة األولى الدولة ثم تليها المستويات الجهوية و اإلقليمية ،حيث تمارس
الجماعات المتوفرة على اإلمكانيات اختصاصاتها الذاتية و تقوم بأعمال تهم المجال الترابي للجماعة .و
بالتالي لكي تكون الجماعة عنصرا فاعال تجاه الفاعلين المؤسساتيين العاملين على ترابها ،فعليها أن تتوفر
على القدرة على التحكم في المؤهالت و نقاط الضعف و الرهانات ذات األولوية لتحسين مستدام لظروف
عيش ساكنتها .كما عليها أن تتوفر على رؤية واضحة ،على المدى البعيد و المتوسط ،حول استعمال مواردها
الذاتية لفائدة التنمية االجتماعية و االقتصادية المستدامة للجماعة .و عليها أيضا أن تكتسب من خالل التخطيط
قدرة اكبر على توقع ما قد يترتب على تدخل فاعلين آخرين في ترابها ،فيما يتعلق بالتوقعات الميزانية و
التدبير الالحق .لهذا ،على الجماعة أن تتوفر على مستوى إعالمي أفضل و على تحكم أنجع في تدخالت
الفاعلين اآلخرين ،ذات الصلة على الخصوص باالختصاصات المنقولة و االستشارية للجماعة ،و هنا
وجدير بالذكر أن الجماعات الترابية تقوم بمهام متعددة على مستوى التنمية المحلية ،وذلك على عدة مستويات:
32
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
سنجد أنها تعمل على تنمية الموارد الجماعية بالشكل الذي يحافظ فيه على ممتلكات الجماعة ،و جعل تلك
الممتلكات أكثر مردودية مع الحرص على عدم إثقال كاهل المواطنين بالضرائب المباشرة و غير المباشرة.
هذا إلى جانب ترشيد صرف تلك الموارد لخدمة مصلحة المواطنين في مجاالت السكن والصحة والتعليم
وتوفير البنيات التحتية والفوقية األساسيتين التي يعتبران ضروريين لسير الحياة العادية باإلضافة إلى تشجيع
االستثمار وخلق مقاوالت جديدة تساهم في الحد من البطالة من جهة ،وفي تنمية الموارد الجماعية من جهة
أخرى.
سيسعى المجلس جاهدا إلى معرفة حاجيات السكان في التعليم و الصحة و السكن و الشغل ،و سيعمل على
بناء المدارس و المستوصفات الكافية و إعداد البقع األرضية لبناء السكن االقتصادي لتمكين ذوي الدخل
المحدود من التوفر على سكن الئق يتناسب مع مستوى دخلهم ،مع البحث المستمر عن مناصب الشغل
سيعمل المجلس على دعم الجمعيات الثقافية الجادة عن طريق إيجاد البنيات التحتية الضرورية لقيام أنشطة
ثقافية إلنتاج القيم االيجابية التي تساعد على القضاء على مختلف األمراض االجتماعية باإلضافة إلى تقديم
الدعم المادي والمعنوي لتلك الجمعيات حتى تستطيع التغلب على الصعوبات ،و تأهيلها حتى تكون مساهمة
33
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
عليها المملكة المغربية ،والتي ال يمكن المساس بها أو التدخل فيها بأي شكل من األشكال.
من خالل الخطابات الملكية السامية أو عبر كل الدساتير التي مرت على المغرب برزت األهمية القصوى
للوحدة الترابية ،والتي تم تكريسها في الدستور االخير لسنة .2011هذا االخير أكد في فصله األول
على ثوابت األ مة التي ال يمكن زعزعتها ،وعلى رأسها قضية الوحدة الوطنية والترابية باعتبارها ضامنة
وفي هذا الخضم ،أكد صاحب الجاللة لملك محمد السادس على هذه الوحدة عبر خطابه التاريخي ليوم 17
يونيو 2011الذي أبرز فيه جاللته الخطوط العريضة لدستور 2011في عشرة محاور ،حيث
خصص المحور العاشر للتكريس الدستوري لمغرب موحد الجهات ،مغرب يقوم على المركزية متقدمة ،ذات
جوهر ديمقراطي ،في خدمة التنمية المندمجة ،البشرية والمستدامة ،وذلك في نطاق وحدة الوطن والتراب،
انطالقا من مضامين المحور العاشر من خطاب جاللة الملك ،نستشف أهمية الجهات ودورها في تعزيز
الوحدة الوطنية الترابية .و البراز هذا الدور كان لزاما علينا تحديد االطار أو السياق السياسي والتاريخي
كما هو معلوم ،فإن إحداث الجهة كتقسيم ترابي وإداري جديد جاء في أواخر التسعينيات من القرن الماضي،
كما أن التفعيل الرسمي لم يبدأ إال ببداية االلفية الثانية ،من خالل القانون التنظيمي 96.47من خالل
34
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
الفصل 135والذي عرف الجماعات الترابية على أنها هي الجهات والعماالت واالقاليم والجماعات .غير
أن دسترة الجهة لم تأت إال بمجيء دستور سنة ،2011وعالوة على ذلك فالدستور الجديد حمل في
طياته مفهوما جديدا للجهوية أكتر توسعا واستقاللية وحرية في إدارة الشأن المحلي الجهوي مع صالحيات
ويأتي الفصل 140من دستور الملكة للتأكيد على هذا المعطى من خالل التنصيص ،ألول مرة ،على مبدأ
التفريع الذي خل للجماعات الترابية اختصاصات ذاتية وأخرى مشتركة وثالثة وصفها بالمنقولة.
كل هذه المستجدات يمكن وضعها في سياق تاريخي عرف رجات واهتزازات داخل الوطن العربي ،فكان
لزاما على المغرب التوجه نحو التغيير الديمقراطي الحضاري من خالل دستور ثوري يلبي رغبات وتطلعات
الشعب المغربي.
من جهة أخرى ،كلنا على دراية بقضية الصحراء المغربية والنزاع المفتعل مع جبهة البوليساريو والذي كان
له األثر البالغ في التعجيل بإخراج مشروع الجهوية الموسعة في إطار الحل السلمي المقترح للحكم الذاتي
لألقاليم الصحراوية لسنة 2007مع إبقاء السيادة للمملكة على كامل أراضيه.
إذا كانت رياح التغيير والعوامل الخارجية قد لعبت دورا كبيرا في صياغة الدستور الجديد ،فإن مميزات هذه
الجهوية الجديدة ال يمكن مواراتها أو إخفاؤها ،فاالختصاصات المخولة للجهة يمكن اعتبارها عوامل دفع
ايجابية لعجلة التنمية الجهوية باعتبار أن الجهات ستصبح قادرة على التصرف في مجال ترابها بشكل حر،
وبالتالي القدرة على تلبية حاجيات الساكنة المحلية وانتظاراتهم وتحقيق التنمية المستدامة الرامية الى تعزيز
من ضمن ما جاء به دستور 2011والذي له عالقات وطيدة بمسألة وحدة الجهة ،نجد مسألة إقرار مبدأ
التضامن بين الجهات وانصاف الجهات االقل حظا من خالل انشاء صندوق للتأهيل االحتماعي ،الذي من
35
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
شأنه تحقيق االستقرار االحتماعي واالقتصادي ،والتوازن بين جهات المملكة بغية تكريس مبدإ الوحدة
كذلك أقر الدستور الجديد بمبدإ المقاربة التشاركية في تدبير الشأن المحلي ،وذلك بإشراك كل فعاليات
المجتمع المدني والهيئات السياسية بغرض صياغة مشروع مجتمعي يضمن مشاركة فاعلة للمواطنين في
اتخاذ القرار والتدبير الفاعل لشؤونهم ،من خالل اعداد البرامج والمشاريع التنموية وتتبع انجازها ميدانيا
مرة أخرى يمكن القول أن الجهوية المتقدمة ركيزة مهمة من ركائز االستقرار والوحدة الترابية والوطنية.
والشاهد أن قضية الصحراء المغربية جعلت المشرع المغربي يفكر في بلورة نموذج متطور للجهة قريب
نوعا ما من الفيدرالية ،بغية تعزيز طرحه الرامي إلى إرساء الحكم الذاتي للصحراء المغربية ،يمنح
الصحراويين الحق في ادارة شؤونهم بشكل ديمقراطي ،مما سيقوض كل المزاعم الهادفة إلى ضرب استقرار
إن مفهوم الجهة بالمغرب المحدث بموجب قانون تنظيمي رقم 96.47لسنة ،1997ليس وليد الظرف
الراهن ،بل سيرورة تاريخية تطورت منذ االستقالل ،و اتخذت أشكاال وأنماطا عديدة تطور بتطور المجتمع
المغربي و بإرادة المركز الذي انخرط في مسلسل ارساء نظام الالمركزية ،كضرورة ملحة في ظل تحديات
هذه االكراهات وغيرها فرضت على الدولة التوجه نحو تأسيس مفهوم بديل للتدبير يعتمد على المقاربة
المحلية إلدارة الشأن العام ،باالرتكاز على الجماعات الترابية كنموذج فعال في تحقيق التنمية المندمجة التي
تعتمد على االستغالل األمثل للموارد واالمكانات المحلية والجهوية ،بغية بلورة نموذج مجتمعي يتوفر على
أسس و مقومات إجتماعية وسياسية كفيلة بتحقيق االستقرار والتماسك في إطار الدولة الموحدة.
36
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
يمكن اعتبار الجهوية الموسعة نقلة نوعية لما لها من الحسنات ما يكسبها القدرة على الدفع بعجلة التنمية
الوطنية في إطار متكامل ومندمج بين جميع جهات المغرب من أجل مقاربة شمولية لمفهوم التنمية الوطنية،
ومن أجل تعزيز الديمقراطية المحلية واالستقرار وتدعيم الوحد الترابية والسيادة الكاملة.
إن الحديث عن تطور الجهة بالمغرب يجرنا إلى استحضار طبيعة الجهوية بالمغرب ،والظاهر أن بداية
الجهوية المغربية بظهير 1997اقتصرت على الجانب االداري لمفهوم الجهة والمتمثل في حصر وظيفتها
في مجال محدود جدا ال يتعدى تنفيذ األوامر الصادرة من الرباط وتنزيلها محليا بشكل سلس يضمن استمرارية
الوجه اآلخر للجهوية االدارية يتجلى في تقريب المصالح االدارية من المواطنين و توفير خدمات عمومية
بجوار الساكنة المحلية ،وهو ما يعتبر نوعا من تخفيف أعباء تسيير مصالح وحاجيات الموطنين بإسنادها
إذا كانت الجهوية االدارية تسييرية بامتياز ،فإن الجهوية المتقدمة لها من من الخصائص التدبيرية ما يجعلها
أكثر مواءمة ومالئمة الحتياجات الساكنة المحلية .ذلك أن السلطة المركزية تمنح صالحيات واسعة للمدبرين
في تدبير الشأن المحلي من خالل تسطير البرامج التنموية ذات البعد السوسيو اقتصادي التي تراعي
على العموم ،يمكننا الجزم بأن الجهوية الموسعة المغربية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية .وعندما
نضع نقطا بجوار كلمة "ثقافية" ألنه من غير المنطقي الحديث عن جهوية سياسية بالمغرب.
وبالرجوع إلى اختصاصات الجهة ،نجدها تتلخص في ثالث وظائف رئيسة وهي :
37
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
التنمية االقتصادية من خالل المساهمة في تنظيم المناطق الصناعية والتجهيزات الالزمة لتحقيق التنمية
الجهوية.
التنمية االجتماعية والثقافية عن طريق إنعاش الشغل والرياضة واإلشعاع الثقافي وكل نشاط اجتماعي أو
انساني.
من خالل ما سبق نرى جليا الخيار االقتصادي الصرف للجهوية المتقدمة في المغرب والتي ارتأى الشارع
في المقابل ،يمكن القول أن الجهوية السياسية هي مرحلة متقدمة من الحكم المحلي أشبه بالفيدرالي ،حيث
تعتبر مسألة سن قوانين والمصادقة عليها محليا أمرا اعتياديا كما هو الشأن بالنسبة للواليات المتحدة
حيث نجد برلمانات محلية مخصصة لذلك تشرعن و تصادق على القوانين التشريعية أو ربما دساتير محلية،
وحكومات محلية تنفذ القرارات الصادرة ،باالضافة إلى صياغة قوانين تنظيمية والمصادقة عليها وتنفيذها،
فنجد دويالت داخل الدولة كما الحال في اسبانيا أو ايطاليا وغيرها ،وهو أمر له من المزايا كما له من العيوب.
ومن عيوبه الكبيرة تلك المتعلقة بوحدة التراب واألصوات الداعية لإلنفصال كما هو واقع في اسبانيا مع
اقليمي كاطالونيا والباسك ،أو الفالماند في بلجيكا وغيرها من الحركات االنفصالية هنا وهناك والتي تهدد
وحدة الدول ،والتي ترسم صورة مستقبلية لواقع عالمي أكثر تفتتا وتشتتا وانقساما.
وحفاضا على وحدة البالد واستقرارها ،عمد المشرع إلى عدم المغامرة في الوقت الراهن بتجاوز خط
الجهوية المتقدمة مخافة مالمسة خطوط حمراء تعتبر من التوابث والدعامات التي تقوم عليها الدولة المغربية
38
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
فالظرفية الراهنة الغير مستقرة والنعرات االنفصالية التي تجتاح العديد من بقاع العالم قد تثير لعاب وأطماع
دعاة التقسيم والتشتيت ،من شأنها أن تحيد الجهوية عن أهدافها المسطرة سلفا ودخول مرحلة من التوثرات
واألزمات الرامية إلى زعزعة االستقرار وتهديد السلم واالمن االجتماعيين ،وبالتالي خروج قطار الجهوية
إن خطاب جاللة الملك المكرس لدستور 2011وغيره ،يعبر عن رغبة كبيرة في بلورة نموذج للحكم
الديمقراطي قائم على ملكية دستورية تخفي من ورائها شغفا كبيرا للوصول إلى ملكية برلمانية تعطي للبرلمان
إال أن هذه الرغبة في حاجة إلى االجتهاد والبحث العلمي والممنهج للخروج بصيغة للجهوية تستند إلى
مقومات سياسية واقتصادية واجتماعية ،جهوية بسلطات وصالحيات حقيقية تشريعية وتنظيمية مؤسسة
دستوية ومبنية على صوت الشعب ،تلبي حاجياته وتحقق له سبل االزدهار والرفاهية والتطور في إطار
الدولة الموحدة.
هذا لن يتأتى إال من خالل اصالحات دستورية وقوانين تشريعية وتنظيمية قوية ونافذة ،تحدد االختصاصات
فالمقاربة األمنية وإن كانت ناجعة على المستوى القريب ،ال بد من إعادة النظر فيها على المديين المتوسط
والبعيد ،وذلك من خالل التفكير العميق في السياسة العمومية للدولة وأهدافها ومراميها لإلجابة عن سؤال
الجواب عن هذا السؤال يقع على عاتق النخب السياسية بما في ذلك األحزاب السياسية والفاعلين في المجتمع
والحديث عن دور األحزاب السياسية في تطوير المشهد السياسي في المغرب والمسؤولية التي تحملها على
أكتافها منصوص عليه في الخطاب الملكي ليونيو ،2011كما هو منصوص عليه في الدستور األخير
39
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
في الفصل السابع والذي يحدد دورها في التأطير والتكوين والتربية على المواطنة ،وكذا المشاركة في
لعل ممارسة السلطة أو المشاركة فيها تقتضي العمل في إطار جماعي على بلورة صيغة توافقية لنوع الحكم
الذي يروم إليه المغاربة في إطار التوابث العامة للمملكة ،وعليه فاألحزاب السياسية تجد نفسها أمام إشكالية
تأهيل نخبها من الناحية الفكرية والمنهجية إن أرادت أن تلعب الدور المنوط بها في تأطير المجتمع و تجنيده
باالضافة إلى األحزاب السياسية ،فهيئات المجتمع المدني و األفراد بشكل عام لهم كل الحقوق للمشاركة في
إعداد السياسات العمومية والمشاركة في تفعيلها وتنفيذها ،بما في ذلك تقديم ملتمسات تشريعية و عرائض
إلى السلطات من خالل الفصول 17، 16 ،15، 14و 18باعتباره شكال من أشكال الحرية السياسية
في حين أكد الدستور في الفصل 42على واجب الدفاع عن وحدة الوطن ،وربطها بشخص الملك باعتباره
رمز وحدة األمة ،وضامن دوام استمرارها واستقاللها وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة ،كما اعتبر
بيد أن هذا النموذج الرائد اقليميا ،سواء على مستوى شمال افريقيا أو الشرق االوسط ،ال زال في بداياته ولم
يأخد بعد شكال واضح المعالم على الرغم من الترسانة القانونية المهمة و المستندة على مبدإ التفريع ،وبالرغم
من االرادة السياسية العازمة كل العزم على ارساء النظام الالمركزي والتخلي عن سياسات الماضي التي
يمكن اعتبار الجهوية المتقدمة مرحلة من مراحل التطور الديمقراطي في اتجاه الوصول إلى نمط من الحكم
الذاتي أكثر توسعا وأقرب إلى المواطن منه إلى أصحاب المركز.
40
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
فالجهوية السياسية عكس ما يروج إليها ،كفيلة باحتواء بعض االقليات بإسنادها حكما ذاتيا يراعي
خصوصياتها المحلية وامتصاص التوجهات االنفصالية ،ما من شأنه تعزيز قوة الدولة و استقرارها
السياسي.
ولعل النموذج الفيدرالي االلماني أو الندرز أو النموذج االيطالي وربما االسباني أيضا أكثر تطورا و أكثر
استجابة لرغبات وحاجيات المواطن ،إال أن المغرب الزال في حاجة إلى قطع أشواط طويلة للوصول إلى
نموذجه المغربي الذي يراعي خصوصياته ومعتقداته الفكرية واالجتماعية ،ويعزز الديمقراطية والتنمية
من مميزات التنظيم الترابي الجديد للمملكة على مستوى الجهات أنه جاء بمجموعة من المبادئ التي
تكرس للديمقراطية المحلية .ومن بين أهمها مبدأ التضامن والتوازن بين الجهات كما ينص على ذلك كل من
الفصلين 136و 142من الباب التاسع من الدستور المغربي الجديد لسنة .2011
لقد أصبحت الجهات االثني عشر للمملكة تتمتع بموجب هذا الدستور بالشخصية االعتبارية و االستقالل
المالي و اإلداري في حدود نطاقها الترابي ،بحيث منحت مجموعة من السلط يتم التداول حولها بطريقة
ديمقراطية .وفي هذا اإلطار ونتيجة االختالفات الطبيعية و اإلمكانيات و الثروات التي تتمتع بها كل جهة،
عمل الدستور الجديد على مجابهة هذه الفوارق من خالل الفصل 136الذي ينص على ارتكاز التنظيم
الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر وعلى التضامن والتعاون ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في
41
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
لقد كان المشرع المغربي على وعي تام بالفوارق الموجودة بين مختلف جهات المملكة باعتبار االختالفات
الجغرافية و االقتصادية فيما بينها ،لتدارك هذا األمر أوصى بالتعاون و التضامن بين هذه الجهات من أجل
بلوغ األهداف التي جاء بها هذا المشروع الطموح و ذلك لتجاوز الواقع الجهوي السابق الذي اتسم عبر
عقود عديدة من الزمن باالتوازن ،بحيث استحوذت جهات معينة على نسبة كبيرة من االستثمارات و احتكرت
يتضح مما سبق أن المشرع المغربي قد أعطى أهمية بالغة للتعاون والتضامن بين الجهات ،وفق مجموعة
من اآلليات التي جاءت في القوانين التنظيمية .و من بين هذه األليات ،عمل الدستور المغربي على انشاء
صندوقين خاصين بالجهات و عمل على تحديد طرق عملهما و مجال تدخلهم و هما:
حيث ينص الفصل 142على إحداث لفترة معينة ولفائدة الجهات صندوق للتأهيل اإلجتماعي ،يهدف إلى
يحدث أيضا صندوق للتضامن بين الجهات ،بهدف التوزيع المتكافئ للموارد ،قصد التقليص من التفاوتات
بينها.
هذه الصناديق لها أهداف تنموية تتجلى اساس في سد النقص الحاصل في التجهيزات التحتية وتحقيق نوع
المشرع المغربي وفر مجموعة من اإلمكانيات للجهات لهذه الصناديق قصد تحقيق هذه األهداف التنموية،
كما أكد على ذألك جاللة الملك خالل مجموعة من المحطات .حيث يعتبر جاللته ان المنظور الشامل
42
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
للديمقراطية الحقة ومقومات الحكامة الجديدة ال ينحصر فقط في إعادة توزيع السلطة المركزية بل يقوم ايضا
على توزيع السلطات والموارد بين المركز والجهات وذلك ضمن جهوية متقدمة يعتبرها جاللته عماد
و في هذا اإلطار حدد القانون التنظيمي رقم 111.14المتعلق بالجهات و الصادر في الجريدة الرسمية
يوم 23يوليوز 2015طرق عمل هذين الصندوقين بحيث اكد على ان صندوق التأهيل االجتماعي
يهدف الى سد العجز في مجاالت التنمية البشرية و البنيات التحتية االساسية و ال سيما في مجاالت الماء
الصالح للشرب ،الكهرباء ،السكن الغير الالئق ،الصحة ،التربية ،و شبكة الطرق و المواصالت .ويحدد
قانون المالية موارد هذا الصندوق وكيفية تسيره ومدة العمل به.
كما يعتبر رئيس الحكومة امر بقبض مداخيل وصرف نفقات صندوق التأهيل االجتماعي ،ويحدد مرسوم
مقترح من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والمالية معايير االستفادة من هذا الصندوق وكذا
البرامج السنوية والقطاعية في مجال التأهيل االجتماعي ،وبرامج العمل السنوي والبرامج المتعددة
السنوات وآليات التشخيص ذات الصلة ،وكيفية تتبع وتقييم البرامج وافتحصاها وتحيينيها.
ويعد والي الجهة تقريرا سنويا يرفع الى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية ويتضمن مراحل التنفيذ ،تقييم
حصيلة االنجازات ،والتوصيات التي من شانها الرفع من المردودية ووثيرة انجاز المشاريع.
اما صندوق التضامن بين الجهات فيهدف الى ضمان التوزيع العادل والمتكافئ للموارد قصد تقليص التفاوتات
بين الجهات ،ويعتبر وزير الداخلية آمر بقبض مداخيل الصندوق وصرف نفقاته التي تحدد بموجب قانون
المالية كما تحدد معايير توزيع المداخيل على هذه الجهات بموجب مرسوم يتخذ باقتراح من السلطة الحكومية
43
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
وتفاديا لترسيخ منطق االتكال وسعيا لتمكين الجهات من معالجة أوجه العجز بنفسها فإن هذا التأهيل المقترح
ليس دائما وانما سيتم لفترة معينة حسب الدستور تكون بمثابة مرحلة انتقالية والتي حددتها اللجنة االستشارية
هذه األهداف التضامنية لهذه الصناديق تجعل منها موجهة أساسا لفائدة الجهات األكثر خصاصا
تعطى فيه األولوية للخدمات والبنيات التحتية ذات الطابع االقتصادي وإن كانت عائداتها متدنية على المدى
القصير .وذلك من أجل تعزيز القدرات االقتصادية لهذه الجهات مع مراعاة الخيارات المحلية الهادفة الى
تثمين اإلمكانيات المحلية على جميع المستويات والدفع بعجلة التنمية إلى األمام.
وفي هذا اإلطار يقول تقرير اللجنة االستشارية للجهوية الموسعة :يهدف هذا التأهيل ،الذي تندرج فيه البرامج
المعتمدة من قبل القطاعات الوزارية ،إلى اإلسراع بسد مظاهر العجز الكبرى في الجوانب المرتبطة مباشرة
مجاالت اختصاص الجهات حسبما جاء في هذا اإلصالح ،ويتعلق األمر بما يلي:
ا -تعميم التزويد بالماء الصالح للشرب وبالكهرباء ومحو مدن الصفيح والسكن غير الالئق.
ب -االرتقاء بالجهات ،من حيث الصحة والتربية وشبكة الطرق ،إلى المعدل الوطني أو إلى مستوى المعايير
الوطنية والدولية.
تتراوح المبالغ المالية المقدرة لهذا المجهود بين 128و 215مليار درهم بحسب السيناريوهين
المذكورين أعاله .وتغذي هذه المبالغ بالتدريج صندوقا للتأهيل الجهوي تندرج أقساطه فـي القـوانين المالية
ليتأتى برمجته على عدة سنوات ومتابعته وتقييم نتائجه بشكل الئق وتتكفل لجنة مختصة بتحديد معايير االنتقاء
والتوزيع.
44
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
ويضيف نفس التقرير تفاديا لترسيخ منطق االتكال على برنامج لإلعانة الدائمة ،وسعيا لتمكين الجهات مـن
معالجـة أوجه عجزها بنفسها فإن هذا التأهيل المقترح يمتد على واليتين .ويبدو هذا األفق الزمني قريبـا
بمـا يكفي إلنجازه بوتيرة مالئمة ولتعزيز ثقة السكان بالجهوية المتقدمة منذ بداية انطالقها .كما أنه كـاف
لتجنب ضغط مالي ال تتحمله موارد الدولة ولتمكين كل من البنيات الجهوية الجديدة من بناء قـدراتها الذاتية
يتضح إذن أن مبادئ التضامن و التعاون بين الجهات تدخل في إطار مبدئ الوحدة ،باعتبار أن كل هذه
المكونات تدخل في إطار وحدة الدولة التي يجب أن تسهر على التوازن االقتصادي و االجتماعي العادل
فصول أخرى من الدستور المغربي تطرقت إلى هذا الموضوع كما هو الشأن بالنسبة للفصل 141الذي
عمل على تقسيم موارد الدولة بشكل تضامني والفصل 143الذي حدد الفرق بين التعاون والتضامن.
حيث أنه كلما تعلق األمر بإنجاز مشروع يتطلب تعاون عدة جماعات ترابية فإن هذه األخيرة تتفق على كيفية
تعاونها.
و الفصل 146قد أشار الى نوع القانون الذي يتولى مسألة التضامن بحيث يقول أنه :تحدد بقانون تنظيمي
بصفة خاصة شروط تدبير الجهات و الجماعات الترابية األخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية.
45
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
هذه المرحلة الجديدة التي دشنها المغرب عبر تضحية الدولة ببعض مواردها لصالح اإلدارات الالمركزية
وذلك بالتنازل عن نسبة مهمة من عائدات الضرائب تتولى الجهة النظر فيها ،جباية و انفاق ضمن ميزانيتها
الخاصة و ذلك من أجل إنجاح هذا المشروع في أفق جهوية متقدمة تهيئ الظروف المالئمة لتفعيليها من
خالل توطيد و تقوية مؤسسات الدولة الحديثة و التي تقوم مرتكزاتها على المشاركة التعددية للسكان و
الحكامة الجيدة و إرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع جميع أفراده بنفس الحقوق و الحرية و الكرامة و تكافئ
46
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
خاتمة
تعتبر الالمركزية إجراء يهدف إلى إشراك المواطنين في تدبير الشأن العام عبر ممثليهم وذلك عن
طريق تحويل اختصاصات الدولة إلى الجماعات الترابية التي تبقى خاضعة لمراقبة السلطات العمومية.
فالالمركزية بهذا المعنى ،هي اختيار تدبيري لتمايزات وخصوصيات المجتمع في أفق تعزيز وتدعيم
السيرورة الديمقراطية لصياغة واتخاذ القرارات تساهم فيها كل الفعاليات والتنظيمات المدنية وجميع
المتدخلين ،أما فيما يتعلق بالالتركيز ،فيهدف باألساس إلى إعادة توزيع السلط داخل إدارة الدولة من
المصالح المركزية إلى المصالح الخارجية ،بحيث تمارس األولى رقابة تسلسلية على الثانية.
إن نظام الالمركزية والالتمركز يطرحان مسألة توزيع السلطة على المستوى المجالي والترابي في إطار
أجهزة الدولة ،فكلما تمكنت الدولة من إيجاد صيغة فعالة تتيح لها مباشرة االختصاصات المخولة لها على
مقربة من الساكنة والمنتخبين المحليين ،كلما كان ذلك أفضل تمهيدا لتأسيس حكامة ترابية محلية مسؤولة.
لكن األسلوبين يتوقفا على السير قدما في مجال الجهوية المتقدمة والالمركزية الموسعة؛ فال يجب أن ننسى
بأن الالتمركز ليست له فائدة في ذاته إال بالقدر الذي يدعم -بما فيه الكفاية -قيام منظومة المركزية متطورة
قادرة على مواجهة أعباء التنمية االقتصادية واالجتماعية ،وترسيخ قيم الديمقراطية المحلية.
من هذا المنطلق ،يمكن القول ،على أن متطلبات التنمية أصبحت تفرض تجاوز مرحلة الوصاية اإلدارية
بمفهومها الضيق والتقليدي؛ المتمثل في الرقابة السابقة ورقابة المالئمة التي تعرقل وتعطل عمل الهيئات
المحلية الذي أصبح يتطلب السرعة والمرونة لمواكبة التطورات الحاصلة في المجاالت االقتصادية
واالجتماعية والثقافية ،ومنح هذه الرقابة لألجهزة القضائية المختصة بشكل بعدي ،واالكتفاء فقط بالتوجيه
47
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
ومن أجل القيام بتدبير فعلي وفعال للمصالح الالممركزة تحت قيادة الوالي أو العامل ،ينبغي التخفيف
من حدة السلطة التسلسلية التي يخضع لها رؤساء المصالح الالممركزة تجاه إدارتهم المركزية ،وإشعارهم
بأنهم يخضعون لإلدارات المركزية في كل ما يهم نشاطهم كمصالح ترابية منوط بها السهر على تنفيذ سياسة
القطاع الحكومي الذي ترتبط به ،ويخضعون للوالي أو العامل في كل ما يهم نشاطهم المحلي والتنموي
باعتبارهم يشكلون إدارة الممركزة ترتبط بجهة معينة ،وتسعى إلى تحقيق تنميتها على جميع المستويات
االقتصادية و االجتماعية و البيئية و الثقافية وغيرها ،على اعتبار أن الهدف من هذا األخير ليس هو التدخل
المباشر في شؤون هذه المصالح وإنما قيادتها وتوجيهها جميعا من أجل تحقيق التنمية .
48
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
الئحة المراجع
ملف حول الالمركزية الالتركيز ,منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ,
Remaldالطبعة األولى . 1999 ,
محرم( صبحي) /الخطيب( محمد فتح هللا) " ,اتجاهات معاصرة في نظام الحكم المحلي" ,دار النهضة
العربية ,
أشغال المناظرة الوطنية الخامسة للجماعات المحلية (الرباط 21ابريل )1992
وزارة الداخلية :تقرير حول "عدم التركيز اإلداري الزمة الالمركزية" ,المناظرة الوطنية السابعة
للجماعات المحلية – الدار البيضاء 20-19أكتوبر .1998
الظهير الشريف الصادر يوم 15فبراير 1977المعدل والمتمم بظهير بمثابة قانون رقم -293
مقال من إعداد عبد الصمد السكال ،باحث متخصص في التعمير والتنمية المجالية ،منشور بجريدة
هسبريس اإللكترونية بتاريخ 11ماي .2012
محمد موني وعماد أبركان ،متطلبات الحكامة في التنمية الترابية بالمغرب (منشور على االنترنت
دون تفاصيل)
عرابي الغمري":تحديث اإلدارة الترابية للدولة في المغرب" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في
القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة، 2003 - 2004 ،
المملكة المغربية ،وزارة الوظيفة العمومية واإلصالح اإلداري" :اإلدارة المغربية وتحديات -
" 2010مناظرة منشورة من قبل وزارة الوظيفة العمومية واإلصالح اإلداري ،ماي ،2002
مقال ل ذ .ميلود بلقاضي "االمغرب من الجهوية االدارية الى الجهوية الموسعة"
ذ .ميلود بوكريطي "القانون التنظيمي حول الجهة الصادر في 07يناير " 2015المزايا والعقل"
49
الجهوية المتقدمة :ورش ملكي من أجل مغرب متقدم ومتوازن الجهات ذ .عبد الرحيم جناتي
ذ .الشكاري كريم "الجهوية المتقدمة بين مقتضيات القانون الدستوري الجديد وآفاق الوضع الجديد"
مصطفى قريشي؛ الجهوية المتقدمة ورش مفتوح للحكامة الترابية ،مجلة مسالك للفكر والسياسة
واالقتصاد ،العدد 29/30السنة .2015
كريم لحرش :الحكامة المحلية بالمغرب ،مطبعة طوب بريس ،الرباط الطبعة األولى 2009
الدستور الجديد للمملكة المغربية صادر بتنفيده الظهير الشريف رقم 1.11.91بتاريخ 29يوليو
.2011
50