You are on page 1of 154

‫ﺷﺒﻜﺔ‬

www.alukah.net


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫مجيع حقوق الطبع‬


‫حمفوظة للناشر‬
‫وال جيوز نهائ ًيا نشر‬
‫أو اقتباس‬
‫أو اختزال‬
‫أو نقل أي جزء من‬
‫الطبعة الثانية‬ ‫الكتاب دون احلصول‬
‫‪1436‬هـ ‪2015 -‬م‬ ‫على إذن كتابي‬
‫من الناشر‬
‫رقم اإليداع‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

‫تأليف‬


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪‬‬
‫‪Y‬‬
‫وبعد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل ُ‬ ‫احلمد هللِ والصال ُة والسال ُم عىل‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكب�ار‬ ‫الكبير يف تعلي�م‬ ‫ال�دور‬
‫ُ‬ ‫لق�د كان للق�رآن العظي�م‬
‫ُ‬
‫والص ِ‬
‫غ�ار ع�ن طري�ق القص�ة احلقيقية اهلادف�ة‪ ،‬وكذل�ك ا ْع َتنى‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الكب�ار منهم‬ ‫رس�ول اهلل ‪ 0‬برتبي�ة الصحاب�ة ‪M‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫والصغ�ار بالقصة‪ ،‬وم�ن أجل تقدي�م القصة القرآنية بأس�لوب‬
‫الكت�اب «قص�ص الق�رآن لألطف�ال»‪،‬‬‫ُ‬ ‫س�هل وميسر كان ه�ذا‬
‫ِ‬
‫وطريقة كتايب األول الذي قدم ُته‬ ‫ْت فيه نفس مس ِ‬
‫لك‬ ‫والذي سلك ُ‬
‫َ ْ‬
‫نس�أل اهللَ أن يتقبل ِ‬
‫الك َتابني‬ ‫ُ‬ ‫لألطفال «قصص األنبياء لألطفال»‬
‫َ‬
‫القبول‪ ،‬وأن يكونا عو ًنا ألطفالنا عىل فهم مقصود‬ ‫وأن جيعل هلام‬
‫الق�رآين إنه عىل ذل�ك قدير‪ ،‬وصىل اهلل على نبينا حممد‬
‫ِّ‬ ‫القص�ص‬
‫وعىل آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫كتبه‬

‫حدائق كفر الدوار البحرية‬


‫يف ‪1432‬هـ ‪2011 -‬م‬
‫‪n‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قابيل وهابيل‬
‫هب�ط آد ُم إىل األرض‪ ،‬وبك�ى آد ُم وبكت حوا ُء‪ ،‬فقد انتهت‬
‫أيام اجلن�ة رسي ًعا‪ ،‬وكانت أيا ًما طيبة الجوع فيها وال عطش بينام‬
‫والعطش والشقا ُء وتلقى آد ُم ‪ S‬من ربه‬ ‫ُ‬ ‫اجلوع‬
‫ُ‬ ‫يف األرض‬
‫ٍ‬
‫كلمات فت�اب عليه إنه هو الت�واب الرحي�م‪ ،‬وكان آد ُم قد ع َّلمه‬
‫يعرف الزراع َة ويعرف أسما َء النباتات‬
‫ُ‬ ‫ر ُّبه األسما َء ك َّله�ا‪ ،‬فكان‬
‫يغرس�ه‪ ،‬ويس�قي‬ ‫واحليوان�ات‪ ،‬فب�دأ آد ُم يبحث عن ِ‬
‫البذر حتى َ‬
‫ويفركُه ويطحنُه ثم يعجنُه ويض ُعه‬
‫الزرع ُ‬
‫َ‬ ‫األرض باملاء‪ ،‬ثم حيصد‬
‫َ‬
‫عىل النار ثم بعد ذلك ُ‬
‫يأكل هو وحوا ُء!!‬
‫َ‬
‫الثالث معنا‬ ‫وحدنا‬
‫وكان آدم يقول يف نفسه‪ :‬أنا وحواء َ‬
‫عىل األرض‪.‬‬
‫األرض‬
‫َ‬ ‫س�يكون له أوال ٌد س�يم ُ‬
‫ألون‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وتذكَّر أن اهللَ وعد أنه‬
‫يولد له األوال ُد‪.‬‬
‫فانتظر متى ُ‬
‫َ‬ ‫األرض‪،‬‬
‫َ‬ ‫ويعم ُرون‬
‫ُ‬
‫س�يصري‬
‫ُ‬ ‫وكان���ت املفاجأ ُة‪ :‬محلت ح�وا ُء‪ ،‬وفرح آد ُم ألنه‬
‫وتعبت حواء وقاست ما تقاسيه النسا ُء يف شهور احلمل‪ ،‬من‬ ‫أبا‪ِ ،‬‬
‫ً‬
‫‪n‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫تضع‬ ‫ٍ‬
‫أكثر من مرة قب�ل أن َ‬ ‫مت�وت َ‬‫َ‬ ‫األمل والتع�ب حت�ى كادت أن‬
‫ستضع فيها حوا ُء ما يف‬ ‫ِ‬
‫وجاءت الساع ُة املرتقب ُة التي‬ ‫ما يف َب ْطنِها‪،‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الذكر واألنثى‪.‬‬ ‫بطنِها‪ ،‬فوهبها اهللُ ً‬
‫ولدا وبن ًتا أي تو َأ ًما من‬

‫والبنت «إِ ْق ِليمياء»‪،‬‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫«قابيل»‬ ‫الولد‬
‫فس َّمى َ‬ ‫ونظر آد ُم إىل ولِ َ‬
‫يديه َ‬
‫يم ُّل من وجهها‪.‬‬ ‫وكانت مجيل ًة جذابة َمن َ‬
‫نظر إليها ال َ‬
‫مع�دودات حت�ى محلت «ح�واء» بذر ًة‬
‫ٌ‬ ‫أش�هر‬
‫ٌ‬ ‫ومل مت�ض إال‬
‫جديدة‪ ،‬وذاقت مرار َة احلمل إىل أن جاءها ُ‬
‫وقت الوضع‪ ،‬فكانت‬
‫جديدا ً‬
‫«ذكرا وأنثى» فكان الولد هو «هابيل» والبنت‬ ‫ً‬ ‫الثمر ُة توأ ًما‬
‫وشب األبنا ُء األربع ُة سو ًيا يف حجر آد َم ‪ ،S‬وعىل‬
‫َّ‬ ‫« ُل ُبودا»‪،‬‬
‫أكثر مجالاً وحيوي ًة‬
‫«حواء»‪ ،‬وكانت «إقليمياء» َ‬
‫عين األ ِّم احلنونة ّ‬
‫�ب أوال َده مجي ًعا‬
‫أح َّ‬ ‫ُ‬
‫يش�غل آد َم الذي َ‬ ‫م�ن «لب�ودا»‪ ،‬ومل يكن هذا‬
‫بغري ت ْف ِر َق ٍة‪.‬‬

‫الصغار بدأوا يس�اعدون آد َم ‪ S‬يف أعامله‪،‬‬


‫ُ‬ ‫وحني كرب‬
‫وحر َثه�ا‪ ،‬والقيا َم عليها حتى َ‬
‫ينبت‬ ‫قابيل زراع َة األرض ْ‬‫فاخت�ار ُ‬
‫فيحصده‪ ،‬وي ِ‬
‫طع َم منه عائ َلته‪.‬‬ ‫الزرع‬
‫َ ُ‬

‫‪8‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬
‫اخلرضاء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واملاش�ية يف احلقول‬ ‫�ي األغنام‬ ‫واخت�ار ُ‬
‫هابيل َر ْع َ‬
‫ليرشب�وا من لبنها‪ ،‬ويأكل�وا من حلمها‪ ،‬ثم تصن�ع من أصوافها‪،‬‬
‫وأشعارها‪ ،‬وأوبارها(((‪ ،‬أثا ًثا(((‪ ،‬ومالبس‪ ،‬وأغطية‪.‬‬
‫هِ‬
‫ختدمانا‪،‬‬ ‫وأما «إقليمياء» و «لبودا» فكانتا يف الدار مع حوا َء‬
‫وتساع هِ‬
‫دانا يف أعامل املنزل‪.‬‬ ‫ِ‬

‫الشمس يف‬ ‫واجتمعت أرس ُة آدم حول الطعام بعد أن غاب ِ‬


‫ت‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األُفق‪.‬‬

‫وب�دأ اجلمي�ع يف تن�اول الطع�ام إِال أن «قابي�ل» و «هابيل»‬


‫ِ‬
‫اجلميل�ة «إقليمياء» حتى‬ ‫ِ‬
‫النظرات إىل‬ ‫ِ ُ (((‬
‫ك ُُّل منهما راح يسَت�رَ ق‬
‫ِ‬
‫األخت اجلميلة‪.‬‬ ‫تركزت عىل‬
‫ْ‬ ‫مُ‬
‫عيناها التي‬ ‫فضح ْتهام‬

‫أحس اآلن بأن الشا َبني «قابيل‬ ‫ومل خَي َ‬


‫ْف ذلك عىل آد َم الذي َّ‬
‫وهابيل» قد أصبحا يف سن الزواج وأن عليه أن يزوجهام‪.‬‬

‫(‪ )1‬األوبار‪ :‬مجع «وبر»‪ ،‬وهو شعر اجلمل‪.‬‬


‫(‪ )2‬أثا ًثا‪ :‬األثاث هو ما يوضع يف البيت من فراش‪ ،‬وغريه‪.‬‬
‫(‪ )3‬يسرتق‪ :‬يرسق‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وألن�ه مل يكن على وجه األرض إال ه�ؤ ِ‬


‫الء فقط فقد كانت‬ ‫َ ُ‬
‫بتزوج األخِ من أخته‪.‬‬
‫ِ‬ ‫رشيع ُة آد َم ودينَه يقوالن‬

‫تول�د معه يف‬


‫ْ‬ ‫يت�زوج من أخت�ه التي مل‬ ‫ِ‬
‫رشط أن‬ ‫ولك� ْن على‬
‫َ‬
‫«قابيل» من «لبودا» التي ُولِ َد ْت مع‬
‫ُ‬ ‫يتزوج‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬وبذلك‬ ‫ٍ‬
‫بط�ن‬
‫َ‬
‫هابيل‪.‬‬

‫اجلميلة الت�ي ُولِ َد ْت مع‬


‫ِ‬ ‫ُ‬
‫«هابيل» م�ن «إقليمي�اء»‬ ‫ويت�زوج‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫قابيل(((‪.‬‬

‫ث َو َل َد ْي ِه يف أمر زواجهام بعد االنتهاء‬


‫وع�زم آد ُم عىل أن يحُ ِّد َ‬
‫َ‬
‫من الطعام‪.‬‬

‫يبتسم إىل َو َل َد ْيه‪:‬‬


‫ُ‬ ‫وأبناؤ ُه من الطعام فقال وهو‬
‫ُ‬ ‫وانتهى آد ُم‬

‫ُ‬
‫قابي�ل‬ ‫يت�زوج‬
‫ْ‬ ‫لن�رى أوال َدن�ا وأحفا َدن�ا‪ ،‬ف ْل‬ ‫ُ‬
‫األوان‪َ ،‬‬ ‫‪ s‬آن‬
‫ُ‬
‫وهابيل‪.‬‬

‫جائزا أن يتزوج األخ بأخته‬


‫ً‬ ‫(‪ )1‬وبعد أن َك ُث َر الناس تغريت هذه الرشيعة ومل َي ُعدْ‬
‫بل ُح ِرمت عليه اً‬
‫حتريم مؤبدً ا‪.‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجهاهما‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬ ‫مر‬ ‫وف�رح الو َل َدان‪ ،‬وخج َلت البنتان حتى ْ‬
‫اح ّ‬
‫تابع آد ُم كلماتِ ِه قائلاً ‪:‬‬

‫ُ‬
‫وهابيل من إقليمياء‪.‬‬ ‫فليتزوج ُ‬
‫قابيل من لبودا‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫‪s‬‬

‫ِ‬
‫الغاض ِ‬
‫ب‬ ‫ص�رخ صرخ� َة‬ ‫َ‬ ‫الجمي�ع إِال‬ ‫و َف ِ‬
‫قابي�ل ال�ذي َ‬ ‫ُ‬ ‫�ر َح‬
‫قائلاً ‪:‬‬

‫أحق‬
‫وحدي‪ ،‬وأنا ُّ‬ ‫يتزوج ُ‬
‫هابيل من إقليمياء‪ ،‬إنها لي ْ‬ ‫َ‬ ‫‪ s‬لن‬
‫بها من هابيل‪.‬‬

‫َفأراد آدم أن يهدئ من ولده فقال‪:‬‬

‫حرمه�ا عليك‪ ،‬وإنه�ا ال َت ِحل لهابيل‪،‬‬ ‫ُ‬


‫قابي�ل إن الل َه َّ‬ ‫‪ s‬ي�ا‬
‫فأطِ ِع الله‪.‬‬

‫قال قابيل‪:‬‬

‫‪ s‬ال ل�ن ُأ َ‬
‫طيع إال نفس�ي‪ ،‬إقليمياء لقابيل ليس�ت لهابيل‪،‬‬
‫وأح�س قابيل ٍ‬
‫بنار تتوق�د في صدره‬ ‫َّ‬ ‫يت�زوج هابيل م�ن لبودا‬
‫ْ‬ ‫و ْل‬
‫ٍ‬
‫بكثير مما كان يراها‬ ‫َ‬
‫أجمل‬ ‫وقلبه‪ ،‬ونظر إلى «إقليمياء» فوجدها‬

‫‪n‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫عدوه هو‬
‫كأنها الش�مس التي أضاءت الليل‪ ،‬ولم يكن يدري أن َّ‬
‫النار في صدره وقلبه‪...‬إنه الشيطان!!‬
‫الذي أوقد هذه َ‬
‫قابي�ل والغيظ يكاد يقت ُله‪ ،‬ومش�ى ً‬
‫ناظرا إلى األرض‬ ‫ُ‬ ‫خرج‬
‫ال يعلم إلى أين؟ أو إلى أي مكان يذهب ويس�ير(((؟ وال ش�يء‬
‫في عقله إال «إقليمياء»‪.‬‬
‫يوس�وس له‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الش�يطان َ‬
‫قابيل فريس�ة س�هلة‪ ،‬فراح‬ ‫ُ‬ ‫ووج�د‬
‫ويتسلل إلى قلبه قائلاً ‪:‬‬
‫‪ s‬هابيل‪....‬ذل�ك ال�ذي يفض ُل�ه علي�ك آد ُم‪ ،‬و ُيح ُّب�ه‪،‬‬
‫وسيزوجه الجميلة «إقليمياء» تاركًا إياك مع القبيحة «لبودا»‪.‬‬
‫يزي�د م�ن ن�ار الع�داوة ويش�ع ُلها فيق�ول‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الش�يطان‬ ‫وراح‬
‫لقابيل‪:‬‬
‫ُ‬
‫وقابيل الفلاّ ح‬ ‫يتعب في ش�يء‪،‬‬ ‫ُ‬
‫هابي�ل الراعي الذي ال ُ‬ ‫‪s‬‬

‫ب‪،‬‬
‫الح َّ‬
‫ويحصد َ‬
‫ُ‬ ‫مبكرا‪ ،‬ويرعي األرض‪ ،‬ويحر ُثها‬
‫الذي يصحو ً‬
‫ويفوز‬
‫ُ‬ ‫ويذ ُرو ُه‪..‬ثم بعد ذلك يزوجونه «لبودا» القبيح َة‪،‬‬
‫وي ْف ُركُه‪ْ ،‬‬
‫ُ‬
‫هابيل «بإقليمياء» ليس هذا بالعدل‪.‬‬
‫(‪ )1‬يسري‪ :‬يميش‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أن ك َُّل ٍ‬
‫عمل له متاع ُبه ومش َّق ُته‪ ،‬وأن راعي الغنم‬ ‫و َن ِس َي ُ‬
‫قابيل َّ‬
‫يتع�ب ف�ي َر ْعي أغنامه‪ ،‬وه�و الذي يحافظ عليه�ا من الذئاب‪،‬‬
‫ُ‬
‫ويتعهدها بالرعاية‪.‬‬ ‫طعمها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫يها و ُي ُ‬
‫المريض منها‪ ،‬و َيسق َ‬
‫َ‬ ‫ويداوي‬

‫قابيل أن إقليمياء‬ ‫ِ‬


‫الشهوة وارتفع‪ ،‬وأقسم ُ‬ ‫صوت‬
‫ُ‬ ‫ولكن َعلاَ‬
‫ُ‬
‫يك�ون وعاد إلى بيت�ه فوجد أب�اه ال يزال‬ ‫ل�ه وح�ده‪ ،‬و ْليكُ� ْن ما‬
‫ُ‬
‫الشيطان إلى‬ ‫ِ‬
‫الحزن على وجهه‪ ،‬فقد تسلل‬ ‫وعالمات‬
‫ُ‬ ‫مس�تيق ًظا‬
‫وهابيل على ٍ‬
‫قدر واحد‪ ،‬فقال آدم‪:‬‬ ‫َ‬ ‫حب َ‬
‫قابيل‬ ‫ولده وهو ُي ُّ‬
‫‪ s‬ي���ا قابيل‪َ :‬ق ِّ�ر ْب ُقربا ًنا أي ش�ي ًئا م�ن زرع�ك َت َه ُب ُه لله‬
‫ُ‬
‫هابي�ل ُقربا ًنا من غنمه‪ ،‬فأيكم�ا َتق َّبل الل ُه قربا َنه‬ ‫تعال�ى‪ ،‬ويقرب‬
‫فهو َز ْو ُج «إقليمياء»‪.‬‬
‫ِ‬
‫القرب�ان إلى الله‬ ‫فاس�تعدا لتقدي�م‬
‫َّ‬ ‫و َقبِ�ل االثن�ان الفك�رة‪،‬‬
‫تعالى‪.‬‬
‫يطوف بها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الحج فذهب إلى الكعبة‬‫ِّ‬ ‫وقت‬
‫أ َّم�ا آد ُم فقد جاء ُ‬
‫ُ‬
‫وهابيل لتقديم‬ ‫ُ‬
‫قابي�ل‬ ‫واس�تعد األَ َخ َ‬
‫�وان‬ ‫َّ‬ ‫الهند إلى م َّك َة‪،‬‬
‫فت�رك َ‬
‫ربان إلى الله تعالى‪.‬‬‫ال ُق ِ‬

‫‪n‬‬ ‫‪13‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫نار بيضا ُء‬ ‫قبول الله تعال�ى للقربان أن َت َ‬‫كان�ت عالم� ُة ِ‬


‫ن�زل ٌ‬
‫يظل على‬ ‫القربان فإنه ُّ‬
‫َ‬ ‫من السماء تأ ُك ُله‪ ،‬أما إذا لم َي ِ‬
‫قبل الل ُه هذا‬
‫طائر‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ِ ِ‬
‫حيوان وال ٌ‬ ‫إنس وال‬
‫يقر ُبه ٌ‬
‫يفس َد فال َ‬ ‫األرض ل ُ‬
‫وأجم َل َها‪،‬‬ ‫أسمن ََها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وخرج ُ‬
‫َ‬ ‫هابيل إلى غنمه وماشيته فاختار َ‬
‫أحب اهلل‬
‫حيب اهلل‪ ،‬وم�ن َّ‬
‫وأقواه�ا ليقد َمه�ا إلى رب�ه ‪ D‬فإنه ُّ‬
‫خري ماعنده‪ ،‬وقد فعل ُ‬
‫هابيل‪.‬‬ ‫ف ْل ِّ‬
‫يقد ْم َ‬
‫وأرض ِه‬
‫ِ‬ ‫زرع ِه‬
‫قابيل الذي ال حيب إال نفسه فقد خرج إىل ِ‬
‫َ‬ ‫أما ُ‬
‫أرض ُه من َح ٍ‬
‫ب وزر ٍع ليقد َمها قربا ًنا لربه‪،‬‬ ‫أخرجت ُ‬
‫ْ‬ ‫رش ما‬
‫فاختار َّ‬
‫رش ما يملك‪.‬‬
‫نفسه‪ ،‬فلن يقد َم لغريه إال ّ‬
‫حيب إال َ‬
‫فهو الذي ال ُّ‬
‫وو َض�ع االثنان قربانهَما عىل ِ‬
‫قمة َجبل من اجلب�ال‪ ،‬وانتظرا‬ ‫َ‬
‫قضا َء اهلل فيهام‪.‬‬

‫ُ‬
‫وقابيل‬ ‫يعلم أن قربا َنه س�يقب ُله ر ُّب�ه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وهابي�ل ُ‬ ‫الوقت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وم�ر‬
‫َّ‬
‫الفائز‪ ،‬ولكن النتيج َة قد ُعر َفت مقد ًما‪:‬‬
‫ُ‬ ‫نفس�ه كذ ًبا بأنه هو‬
‫ُيمنِّي َ‬
‫قربان َ‬
‫هابيل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سيقبل اهلل‬

‫‪14‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ُ‬
‫القاتل الذي‬ ‫م�ح‬ ‫ِ‬ ‫ونز َل ِ‬
‫الر ُ‬
‫الن�ار من السماء بيضا َء كأهن�ا ُّ‬
‫ُ‬ ‫�ت‬
‫هابيل فس�جد‬‫قربان َ‬
‫َ‬ ‫يع�رف صاح ُبه أي�ن َم ْر َما ُه‪ ،‬فأخذت رسي ًعا‬ ‫ُ‬
‫قابيل الظالمِ ِ مل يتقب ْله اهلل‪.‬‬
‫قربان َ‬
‫ُ‬ ‫شكرا هلل‪ ،‬و َب ِق َي‬
‫ً‬
‫قابيل عن َيمينِ ِه‪ ،‬وعن‬
‫باحلضور َف َجا َء إىل َ‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الش�يطان‬ ‫وس�ار َع‬
‫َ‬
‫ً‬
‫صارخ�ا فيه‪:‬‬ ‫�ه‪ ،‬ومن ِ‬
‫بين يديه‬ ‫خلف ِ‬ ‫�ه‪ ،‬وم�ن ِ‬ ‫أمام ِ‬
‫شمالِ ِه‪ ،‬وم�ن ِ‬
‫قرب�ان َ‬
‫هابيل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ليتقبل‬ ‫ضاع�ت منك‪ ،‬لق�د دعا آد ُم ر َّب�ه‬
‫ْ‬ ‫إقليمي�اء‬
‫ْ‬
‫فافعل شي ًئا‪.‬‬ ‫وحدك‬
‫و َتركَك َ‬
‫هابيل‬ ‫َّ�ك فق�ال ُ‬ ‫فص���رخ قابي���ل يف وج���ه هابي���ل‪ :‬أل ْق ُت َلن َ‬
‫يتقب�ل اهلل من املتقين‪َ ،‬ل ِئ ْن بس� ْط َت إ َّيل‬ ‫ُ‬ ‫باطمئن�ان وس�كينة‪ :‬إنام‬
‫دي إليك ألقت َلك إين‬ ‫ٍ‬
‫رب‬ ‫أخاف اهللَ َّ‬
‫ُ‬ ‫يدك لتقت َلني ما أنا بباس�ط َي َّ‬
‫فتكون من أصحاب‬ ‫َ‬ ‫العاملين إين أري�د أن تبو َء(((بإثمي وإ ْث ِم�ك‬
‫النار وذلك جزا ُء الظاملني‪.‬‬
‫َ‬
‫هابي�ل إال أنه‬ ‫قابي�ل أقوى م�ن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫هابي�ل‪ ،‬وكان‬ ‫ث�م انصرف‬
‫الش�يطان‪ ،‬ومل يس�مع له‪ ،‬فلن ُي ْؤ ِذ َي أخاه‪ ،‬ولو كان الثم ُن‬
‫َ‬ ‫مل ُيطِ ِع‬
‫عمره وحيا َته‪.‬‬
‫هو َ‬
‫(‪ )1‬تبوء‪ :‬تستحق‪ ،‬واإلثم هو الذنب‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫األمواج العالية‬ ‫األفكار السيئ ُة إىل رأس َ‬


‫قابيل كأهنا‬ ‫وجاء ِ‬
‫ت‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كل ِ‬
‫احل َيل وسيتزوج ُ‬
‫هابيل بإقليمياء‪.‬‬ ‫بحر مظلم‪ ،‬لقد انتهت ُّ‬‫يف ٍ‬

‫َ‬
‫حيران حتى محل ْت ُه قد ُم� ُه إىل داره‪،‬‬ ‫وراح يمشي يف األرض‬
‫واألرض ِض ُّده لصالح‬‫َ‬ ‫َ�م ليلته وهو الذي يرى أن السما َء‬
‫فل�م َين ْ‬
‫هابيل‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصبيان بالك�رة‪َّ ،‬‬
‫ومر‬ ‫ُ‬ ‫يلع�ب‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الش�يطان برأس�ه‪ ،‬كام‬ ‫و َلع َ‬
‫ب‬
‫ُ‬
‫وقابيل عىل رأي واحد‪:‬‬ ‫الصبح‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الليل ومىض‪ ،‬وجاء‬
‫‪ s‬ألق ُت َلنَّك يا هابيل‪.‬‬

‫قتل قابيل أخاه هابيل‬


‫قابيل‬ ‫ٍ‬
‫بعي�د كانت عينَ�ا َ‬ ‫غنم�ه‪ ،‬ومن‬ ‫ُ‬
‫هابي�ل يرع�ي َ‬ ‫خ�رج‬
‫قابيل بصخرة كبرية‬ ‫منهمك يف عمله إذ جاء ُ‬
‫ٌ‬ ‫تراق ُب�ه‪ ،‬وبينام ُ‬
‫هابيل‬
‫وخر قتيلاً ‪.‬‬ ‫من ِ‬
‫دماؤ ُه‪َّ ،‬‬
‫ورائه فرضبه عىل رأسه فسالت ُ‬
‫ٍ‬
‫معركة‬ ‫الش�يطان ضاحكًا قد كسب جول ًة جديدة يف‬
‫ُ‬ ‫وانفجر‬
‫ض�د آدم‪ ،‬أخرجه أولاً من اجلنة‪ ،‬ثم هاهو اآلن يش�هد َ‬
‫قتل األخ‬ ‫َّ‬
‫ألخيه‪.‬‬

‫‪16‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬
‫املي�ت بال حركة‪ ،‬وما يدري‬ ‫قابيل أمام جس�د َ‬
‫هابيل‬ ‫وصار ُ‬
‫ما الذي سيفع ُله‪.‬‬

‫غراب يقتل غرابً ا ثم يدفنه في التراب‬


‫يعلم‬
‫وظ�ل يميش هب�ا ال ُ‬‫َّ‬ ‫قابي�ل جث� َة أخي�ه على كتِ ِفه‬
‫ُ‬ ‫مح�ل‬
‫�ب قد أعي�اه((( املسير إ ْذ رأى غرابني‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫العم�ل؟ وبينما هو َتع ٌ‬ ‫م�ا‬
‫يقتتالن حتى َق َتل ُ‬
‫أحدمها َ‬
‫اآلخ ُر‪.‬‬
‫َ‬
‫املقتول‪ ،‬فعلم‬ ‫ليض َع فيها‬
‫حيفر حفر ًة يف األرض َ‬
‫فإذا بالقاتل ُ‬
‫ُ‬
‫قابيل أن اهلل قد َبعث له هذين الغرابني ف َبكى وقال‪:‬‬
‫(((‬ ‫ُون ِم ْث َل َه َذا ا ْل ُغ َر ِ‬
‫اب َف ُأ َو ِار َي‬ ‫‪ s‬ي�ا َو ْي َل َتى َأ َع َج ْز ُت َأ ْن َأك َ‬
‫َس ْو َء َة َأ ِخي؟!‬
‫َ‬
‫ليكون أول‬ ‫ث�م قام إل�ى األرض فحفر ألخيه ووضع�ه فيها‬
‫يحفره ُ‬
‫أول قاتل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ألول قتيل‬ ‫قبر في األرض‪،‬‬
‫ُ‬
‫فلقد قتل ُ‬
‫قابيل ُس ُد َس ُسكان األرض في ذلك الوقت‪.‬‬

‫(‪ )1‬أي أجهده‪ ،‬وأتعبه‪ ،‬وأضناه‪.‬‬


‫(‪ )2‬أواري‪ :‬أسرت وأدفن‪ ،‬سوءة‪ :‬عورة‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪17‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫واآلخر قاتلاً ‪،‬‬


‫َ‬ ‫أوالد ِه قتيًل�اً‬
‫ِ‬ ‫أحد‬
‫ليجد َ‬
‫َ‬ ‫حجه‬
‫وع�اد آد ُم م�ن ِّ‬
‫ينبت له ش�وك‬
‫والنبات ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫هابي�ل‪،‬‬ ‫تمتص دم�ا َء‬
‫ُّ‬ ‫ف�إذا ب�األرض ال‬
‫تفر من اإلنس�ان بعد هذه‬
‫والحيوانات ُّ‬
‫ُ‬ ‫بع�د أن كان بغير ش�وك‪،‬‬
‫ِ‬
‫الجريمة البشعة‪.‬‬

‫قابيل قد أخذ «إقليمياء» وجرى بها ً‬


‫بعيدا‪،‬‬ ‫ور َأى آد ُم َ‬
‫ول�ده َ‬
‫فقال‪:‬‬
‫اذه�ب غض�ب الله علي�ك‪ ،‬وغضبي علي�ك وعلى من‬
‫ْ‬ ‫‪s‬‬

‫يفعل مثلما فعلت‪.‬‬


‫أحد أوالده‪،‬‬ ‫لقد كان الجزا ُء من جنس العمل فقد قتل َ‬
‫قابيل ُ‬
‫ذنب قاتِ ِله إلى‬
‫ض�اف ُ‬
‫ُ‬ ‫كل قتيل ُيقتل على وجه األرض ُي‬‫وص�ار ُّ‬
‫ُ‬
‫األول‪.‬‬ ‫ُ‬
‫القاتل‬ ‫َ‬
‫قابيل ألنه‬

‫الخير على‬
‫ُ‬ ‫أما آد ُم فق�د أعطاه الل ُه أوال ًدا كثيري�ن‪ ،‬وانتصر‬
‫الش�ر‪[ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤﮥﮦﮧ‬

‫‪18‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬

‫ﯡ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯪ‬

‫ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ] [‪.]31 - 27 :8‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪19‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ذو القرنين و يأجوج ومأجوج‬


‫وح ‪،S‬‬ ‫ُولِد ذو القرنني يف الزمن القديم وهو من نسل ُن ٍ‬
‫وكان أب�وه َم ِلكًا م�ن امللوك فلام مات أبوه ص�ار ملكًا عىل مملكة‬
‫األرض َم َل َك أغ َل َبها أربع ُة رجال‬
‫ُ‬ ‫أبيه من ِ‬
‫بعده وهذه الدنيا وهذه‬
‫ُ‬
‫وس�ليامن ‪ S‬واثنان‬ ‫منه�م اثنان مس�لامن ومه�ا ذو القرنني‬
‫كافران النمرو ُد وبختنرص‪ ،‬فذو القرنني من هؤالء األربعة الذين‬
‫غالب األرض‪.‬‬
‫َ‬ ‫ملكوا‬

‫أحب َ‬
‫لقب «ذي‬ ‫«هر ُمس» لكنه َّ‬
‫اس�م ذي القرنني هو ُ‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫القرنين»‪ ،‬و ُل ِّق�ب ب�ذى القرنين ألن�ه طاف يف مشرق األرض‬
‫ِ‬
‫ومغربهِ �ا حتى وصل إىل قرنيَ ِ الش�مس‪ ،‬فلو ْ‬
‫نظر َت إىل الش�مس‬
‫ينصب قرنيه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الش�يطان‬ ‫مثل قرنيَ ِ ْ‬
‫الث�ور‪ ،‬ألن‬ ‫خترج وهل�ا ُ‬
‫لرأي َته�ا ُ‬
‫عند خروج الشمس يف الصباح وعند غروب الشمس يف املساء‪،‬‬
‫ولذلك الصال ُة يف هذين الوقتني غري مس�تحبة‪ ،‬وقيل إنه س�مي‬
‫بذي القرنني ألنه كان يلبس ُخوذ ًة فيها قرنان فسمي بذي القرنني‪،‬‬
‫«واخلوذة هي ِغطاء من حديد ُيوضع عىل رأس املقاتل»‪.‬‬
‫‪20‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ذو القرنين مع نبي اهلل إبراهيم‬


‫خرج «ذو القرنني» بجيش�ه يبحث ع�ن حقيقة اإليامن حتى‬
‫ِ‬
‫إبراهيم ‪ ،S‬وأسلم عىل يديه وطاف معه حول‬
‫َ‬ ‫َلق َي َّ‬
‫نبي اهلل‬
‫الكعبة‪ ،‬ثم عاد إىل بالده مرة أخرى‪.‬‬
‫وأعط�ى اهلل ذا القرنين وزرا َء م�ن رج�ال اإليمان واحل�ق‬
‫والصالح‪.‬‬
‫وأعط�ى ذا القرنين العلم يف الدين واملل�ك يف الدنيا والقوة‬
‫والسلاح والرجال والوزراء من العلماء الذين هيدونه إىل اخلري‬
‫والصالح‪.‬‬

‫ذو القرنين يخرج بجيشه‬


‫جهز ذو القرنني ً‬
‫جيشا عظيماً ليد ُع َو الناس إىل اهلل تعاىل وإىل‬
‫قائد اجليش واس�تمر يد ُعو إىل اهلل يف‬ ‫عب�ادة اهلل وح�ده وكان هو َ‬
‫رحلته اإليامنية التي يقودها بجيش�ه بح ًثا عن غري املؤمنني لينشرُ َ‬
‫الناس إىل رصاط اهلل‬ ‫وهي�دي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫والعدل‬ ‫َ‬
‫اإليمان واحلق‬ ‫يف األرض‬
‫لغات أه�ل األرض مجي ًعا‬ ‫ِ‬ ‫املس�تقيم وكان ذو القرنين ق�د تعل�م‬

‫‪n‬‬ ‫‪21‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كل ش�عب ب ُلغته‪َّ ،‬‬


‫وعرفه اهلل وه�داه إىل كافة ال ُّطرق‬ ‫ف�كان ُيك ِّلم َّ‬
‫فكان يعر ُفها هبداية اهلل وإرشاده له‪.‬‬
‫ووصل ذو القرنني إىل غرب األرض حيث مغرب الشمس‬
‫ِ ٍ‬
‫تغيب يف َعينْ ٍ حمَ َئة أي أنه رأى الشمس ُ‬
‫تغيب كأهنا‬ ‫فرأى األرض ُ‬
‫الش�مس‬
‫َ‬ ‫طني أس�و ُد‪ ،‬ثم غابت َ‬
‫داخل األوقيانوس((( وإنام رأى‬ ‫ٌ‬
‫كأهنا طني أس�و ُد من ش�دة احلرارة واالش�تعال فيها‪ ،‬وأوحى اهلل‬
‫إىل ذي القرنني فقال‪:‬‬
‫عذب‪ ،‬وإما أن َت َّت ِ‬
‫خ َذ فيهم ُح ْسنًا‪.‬‬ ‫‪ s‬إما أن ُت ِّ‬
‫فخيره اهلل بين تعذيب أهل ه�ذه األرض أو الع�دل بينهم‬
‫ّ‬
‫كفارا‪ ،‬فقال ذو القرنني‪:‬‬
‫ألهنم كانوا ً‬
‫‪َ s‬أ َّم�ا َم ْن ظلم فس�وف ُنعذ ُبه ثم ُير ُّد إىل رب�ه فيعذ ُبه عذا ًبا‬
‫صاحلا فله جزا َء ُ‬
‫احل ْس�نَى وسنقول‬ ‫ً‬ ‫ُنك ًْرا((( ‪ ،‬وأما َم ْن آمن وعمل‬
‫له من أمرنا ُيسرْ ً ا‪.‬‬
‫مل يك�ن ذو القرنين نب ًيا ولك�ن اهلل تعاىل كان ُي ْل ِهم� ُه ما يفعل‬
‫وم�ا يقول‪ ،‬ألن اهلل تع�اىل أح َّبه لكث�رة طاعته لرب�ه‪ ،‬وف ْع ِله للخري‬
‫(‪ )2‬نك ًرا‪ :‬فظي ًعا‪.‬‬ ‫قديم‪.‬‬
‫(‪ )1‬األوقاينوس‪ :‬املحيط اهلادي اً‬

‫‪22‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫َ‬
‫الوصول‬ ‫والعمل الصالح‪ ،‬وبعد املسير إىل َم ْغرب الش�مس‪ ،‬أراد‬
‫جديدا يف أرض اهلل‪.‬‬
‫ً‬ ‫إىل مرشقها فانطلق جيشه اجلرار لريى عج ًبا‬
‫نح�و مشرق الش�مس كان جي�ش ذي القرنني يسير لريى‬
‫بل�دا تِ ْلو األخرى‪،‬‬
‫يفتح البال َد ً‬
‫عجائ�ب خلق اهلل تعاىل‪ ،‬وص�ار ُ‬
‫َ‬
‫وم�ن كفر ّ‬
‫عذب�ه أو قاتله حتى آمن باهلل تع�اىل‪ ،‬ويف الطريق كان‬
‫ي�رى من املؤمنني عبا ًدا هلل ُيرحبون ب�ه‪ ،‬فيقيم بينهم زمنًا يعلمهم‬
‫رشيع َة إبراهيم ‪.S‬‬
‫وما أروع ما لقيه من خلق اهلل يف طريقه‪ٌ :‬‬
‫جبال شاهقة‬
‫عالية‪ ،‬بحار واس�عة‪ ،‬صح�راء صفراء قاحل�ة‪ ،‬أرايض خرضاء‪،‬‬
‫خملوق�ات عجيبة من خلق اهلل منها ما يطري‪ ،‬ومنها ما يعيش فوق‬
‫األرض‪ ،‬أو يبيت يف جحر حتت األرض‪.‬‬
‫اثنا عرش عا ًما كانت طول هذه الرحلة حتى وصل إىل مرشق‬
‫الش�مس وهن�اك رأى عج ًبا آخر من خلق اهلل‪ ،‬وج�د قو ًما َُح َفا ًة‬
‫حج�اب فال بيوت‬ ‫ٌ‬ ‫ُع�را ًة(((‪ ،‬ليس بينهم وبني الش�مس ِسْت�رْ أو‬
‫يسكنوهنا حيتمون من الشمس فيها‪.‬‬
‫(‪ )1‬أي‪ :‬بال مالبس وال أحذبة‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫عظاما فس���أل أهل هذا املكان عنها‬


‫ً‬ ‫ووجد ذو القرنني‬
‫فقالوا‪:‬‬
‫الش�مس‬
‫ُ‬ ‫‪ s‬ه�ذه عظام جيش س�بقكم إلى هنا فأحرق ْت ُهم‬
‫حتى ماتوا‪.‬‬
‫ونظر ذو القرنين فوجد أهل هذه األرض قد حفروا األرض‬
‫حت�ى بن�وا تحته�ا بيو ًتا يحتم�ون فيها من الش�مس ف�إِذا غربت‬
‫البهائم ترعى في حقل من الحقول‪.‬‬
‫ُ‬ ‫خرجوا منها كأنهم‬
‫فعلمه�م ذو القرني�ن كي�ف ُتبني البيوت الت�ي تحميهم من‬
‫الش�مس‪ ،‬ودعاهم إلى عبادة الله الواحد األحد فآمن كثير منهم‬
‫بالله وحده ال شريك له‪ ،‬ثم استمرت رحلة ذي القرنين‪ ،‬فانطلق‬
‫بجيشه باح ًثا عن مكان جديد‪ ،‬وخلق آخرين يدعوهم إلى الله‪.‬‬
‫يأجوج ومأجوج مع ذي القرنين‬
‫يأجوج ومأجوج مخلوقات عجيبة غريبة من خلق الله‪ ،‬لهم‬
‫أشكال وأحجام وأجسام تصيب اإلنسان بالدهشة واالستغراب‪،‬‬
‫أمد اهلل يف أعامرهم و َأكثر‬
‫وهم من ذرية يافث بن ُنوح ‪ّ ،S‬‬
‫من نسلهم‪.‬‬

‫‪24‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أما أحجا ُمهم فمنهم من هو عىل طول الشرب‪.‬‬


‫وآخر عىل طول األُرز‪.‬‬
‫ُ‬
‫وآخر طوله وعرضه سواء‪.‬‬
‫ُ‬
‫وآخ�ر ينام قد َف َرش ُأ ُذ ًنا ين�ام عليها‪ ،‬وتغطى باألخرى‪ ،‬هلم‬
‫ُ‬
‫وخمالب كالقط‪ ،‬وش�عور طويلة تقيهم وحتميهم‬
‫ُ‬ ‫كالس�باع‬
‫أنياب ِّ‬
‫ٌ‬
‫الواحد منه�م حتى يكون ل�ه ً‬
‫عمرا‬ ‫ُ‬ ‫احل�ر والربد‪ ،‬ال يم�وت‬
‫م�ن ّ‬
‫طويلاً ‪.‬‬

‫�ار ال يؤمن�ون ب�اهللِ‪ ،‬لص�وص ال حيب�ون العم�ل‪،‬‬


‫وه�م ُك َّف ٌ‬
‫ي�ؤذون َم ْن حوهلم من البرش فيأكلون زروعهم‪ ،‬وحبوهبم‪ ،‬وكل‬
‫ماشيتهم‪ ،‬ويرشبون املاء فال يبقون منه شي ًئا‪.‬‬
‫وكانوا قد جاوروا قو ًما من البرش العاديني يف مكان يس�مى‬
‫ِ‬
‫اخلرضاء فأكلوا‬ ‫(بني السدين) فإذا جاء الليل خرجوا إىل حقوهلم‬
‫وثامره�م‪ ،‬ورسق�وا املاش�ية‪ ،‬و ُك َّلام ا َّدخر هؤالء ش�ي ًئا‬
‫زرو َعه�م َ‬
‫م�ن احلبوب أو املحاصي�ل رسقوه‪ ،‬حتى جاع ُ‬
‫أه�ل هذا املكان‪،‬‬
‫يأجوج ومأجوج‪.‬‬
‫َ‬ ‫الشديد من‬
‫ُ‬ ‫الرعب‬
‫ُ‬ ‫وأصاهبم‬

‫‪n‬‬ ‫‪25‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫البرش‬
‫ووص�ل ذو القرنني إىل (بني الس�دين) فوج�د هؤالء َ‬
‫يأجوج ومأجوج‪.‬‬
‫َ‬ ‫الذين ذاقوا ُم َّر احلياة من‬
‫ِ‬
‫الناس‪،‬‬ ‫وواجهت ذا القرنني مشكل ٌة فهو ال يفهم لغ َة هؤالء‬
‫يفهم هبا ما أرا ُدوه‪،‬‬
‫وهم ال يفهمون لغته‪ ،‬حتى هدا ُه اهلل إىل طريقة ُ‬
‫عرضا فقالوا‪:‬‬
‫فقد عرضوا عليه ً‬
‫إن َي ْأ ُجوج َو َم ْأ ُجوج مفس�دون يف األرض‪ ،‬فهل نجعل لك‬
‫َخ ْر ًجا عىل أن جتعل بيننا وبينهم َس ًدا(((؟‬
‫فقال‪:‬‬
‫‪ s‬ما م َكنَّي فيه ربي خير فأعينوني بِ ُق ٍ‬
‫وة أجعل بينكم وبينهم‬ ‫َ‬
‫َر ْد ًما(((‪.‬‬
‫فطلب العون من الله أولاً ‪ ،‬ثم اس�تعان بالناس‪ ،‬لِع ْل ِمهم أن‬
‫قوة اإليمان أولاً ‪ ،‬ثم قوة البشر ثان ًيا‪.‬‬
‫الس�د‪ ،‬يس�اعده جيش�ه وهؤالء‬
‫وب�دأ ذو القرني�ن يبني في ّ‬
‫الناس‪.‬‬

‫حاجزا‪.‬‬
‫ً‬ ‫خرجا‪ :‬مالاً وأجرة‪ ،‬سدً ا‪:‬‬
‫(‪ً )1‬‬
‫(‪ )2‬مكين‪ :‬أعانني‪ ،‬ردما‪ :‬سدً ا‪ ،‬أعينوني‪ :‬ساعدوين‪.‬‬

‫‪26‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قال ذو القرنني‪:‬‬
‫آتوني ُز َبر الحديد أي قطعة عظيمة من الحديد فأعطوه هذه‬
‫القطعة‪.‬‬
‫الص َدفين وهم�ا الجبالن‬
‫فب�دأ ذو القرني�ن يقي�س م�ا بي�ن َّ‬
‫المحيطان بهذه األرض‪.‬‬
‫أساس�ا متينًا يبني‬
‫ث�م أمرهم بحف�ر األرض حتى يلقي فيها ً‬
‫الس َد‪.‬‬
‫عليه َّ‬
‫فحفروا معه بأيديهم حتى وصلوا إلى الماء تحت األرض‪،‬‬
‫ث�م ب�دأ ذو القرني�ن يحفر ح�ول جانبي هذا األس�اس حتى بلغ‬
‫ما بين الجبلين مائة فرسخ(((‪ ،‬وبلغ ُ‬
‫عمق الحفر وحدها خمسين‬
‫ً‬
‫فرسخا‪.‬‬
‫صخورا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ثم بدأ في إلقاء األساس داخل هذه الحفر‪ ،‬فألقى‬
‫ورمالاً ‪ ،‬وما ًء لتتماسك الرمال والصخور‪.‬‬
‫نارا عظيمة بمساعدة هؤالء الناس‪ ،‬وبعد أن َح ِم َيت‬
‫ثم أوقد ً‬
‫الن�ار وضع عليها النحاس‪ ،‬فذاب النحاس في النار‪ ،‬فص ّبه على‬
‫(‪ )1‬الفرسخ = ثالثة أميال‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫المذاب كأنه عرق من‬


‫الصخ�ور في هذه الحفرة‪ ،‬فصار النحاس ُ‬
‫األرض‪.‬‬
‫�دت الحف�ر ُة تركه�ا حتى‬
‫وس َّ‬
‫األرض ُ‬
‫َ‬ ‫األس�اس‬
‫ُ‬ ‫فلم�ا بل�غ‬
‫القوي الذي س� ُيبنَي‬
‫َّ‬ ‫األس�اس‬
‫َ‬ ‫النح�اس‪ ،‬فكان هذا هو‬
‫ُ‬ ‫ماس�ك‬
‫َت َ‬
‫الس ُد‪.‬‬
‫عليه َّ‬
‫الس�د‬
‫َّ‬ ‫آخر في هذا الس�د‪ ،‬فقد بني‬
‫وبدأ ذو القرنين في عمل َ‬
‫نارا أخرى‪ ،‬وأذاب الن َ‬
‫ُحاس‬ ‫وضعها ثم أشعل ً‬
‫بأعمدة من الحديد َ‬
‫فيها ثم وضعه فوق الحديد‪َ ،‬‬
‫فخلط بين الحديد والنحاس فصار‬
‫أحد أن يهد َمه حتى يأجوج‬
‫يستطيع ٌ‬
‫ُ‬ ‫السد قو ًيا متينًا بين الجبلين ال‬
‫ّ‬
‫ومأجوج أنفسهم‪.‬‬
‫ثم قال ذو القرنني‪:‬‬
‫�د ربي جعله دكَّاء((( وكان‬
‫ه�ذا رحمة من ربي فإذا جاء َو ْع ُ‬
‫وعد ربي ح ًقا‪.‬‬
‫ومأج�وج أن يهدم�وا‬
‫ُ‬ ‫يأج�وج‬
‫ُ‬ ‫وف�ي الي�وم التال�ي ح�اول‬
‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬ويس�رقوا حبو َبه�م إال أنهم‬ ‫زروع ه�ؤالء‬
‫َ‬ ‫�د ليأكل�وا‬
‫الس َ‬
‫َّ‬
‫دكا‪ :‬متساو ًيا باألرض‪.‬‬
‫(‪ً )1‬‬
‫‪28‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وعجزت مخالبِ ُهم وأنيا ُبهم عن هدم هذا‬


‫ْ‬ ‫لم يقدروا على ذلك‪،‬‬
‫السد المنيع‪.‬‬
‫َّ‬
‫ولقد جعل الله لهم وق ًتا يخرجون فيه إلى األرض ويهدمون‬
‫ٍ‬
‫عالمات له‪ ،‬ومن هذه‬ ‫ُ‬
‫يجعل الله‬ ‫فيه هذا السد‪ ،‬فق ْبل يوم القيامة‬
‫يأجوج ومأجوج‪.‬‬
‫َ‬ ‫خروج‬
‫ُ‬ ‫العالمات‬
‫الس�د حت�ى يحفروا‬
‫فه�م ف�ي كل يوم يحاول�ون هدم هذا ّ‬
‫ش�عاع الش�مس‪ ،‬ثم يقول زعيمهم‪:‬‬
‫َ‬ ‫فيه حفرة صغيرة َير ْون منها‬
‫غدا‪.‬‬
‫ارجعوا فستحفرونه ً‬
‫فيعودون إليه في اليوم التالي ليجدوا السد عاد كما كان فال‬
‫شعاع شمس فيحفرون من جديد‪.‬‬
‫َ‬ ‫حفر َة فيه‪ ،‬وال‬
‫وع�د الله قال‬
‫ُ‬ ‫وال يزال�ون عل�ى ه�ذه الحال حت�ى إذا جاء‬
‫زعيمهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫غدا ْ‬
‫إن شا َء الل ُه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ارج ُعوا فستحفرو َنه ً‬
‫ليصير‬ ‫ِ‬
‫لس�ان ذي القرنين‬ ‫وعد الله الذي جاء على‬
‫ث�م يأتي ُ‬
‫َ‬
‫(إن شاء الل ُه) كلم ُة ّ‬
‫السر‪ ،‬فيعودون إليه فيجدون‬ ‫وكأن ْ‬
‫َّ‬ ‫السد دكَّا َء‬
‫ّ‬
‫الح ْف َر حتى يهد ُموا بقي َة السد‪.‬‬
‫الحفر َة فيواصلون َ‬
‫‪n‬‬ ‫‪29‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ث�م يبدأون في الخ�روج إلى أه�ل األرض‪ ،‬وأكْل الزروع‪،‬‬


‫وش ْ�ر ِ‬
‫ب الماء حت�ى ال تبقى في األرض‬ ‫ِ‬
‫والحبوب‪ ،‬والماش�ية‪ُ ،‬‬
‫نقط ُة ٍ‬
‫ماء واحدة‬
‫في الوقت الذي يتجمع فيه المسلمون في مكان واحد مع‬
‫الله عيسى ابن مريم ‪ (((S‬الذي ينزل يف آخر الزمان‪،‬‬ ‫نبي ِ‬
‫ِّ‬
‫وكثري من املاشية واألغنام‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ومع املسلمني بعض الطعام‪،‬‬
‫ورشب‬
‫أم�ا ياجوج ومأجوج فإهن�م بعد أكْل ثمار األرض ْ‬
‫مائه�ا‪ ،‬يرم�ون بس�هامهم إىل السماء فتع�ود وفيها دم�اء ِ‬
‫فينادي‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أحد ُهم قائلاً ‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ s‬هزمنا أهل األرض والسماء‪.‬‬
‫النغف فتقت ُلهم‬ ‫اس�مها‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫فيبعث الله عليهم حش�رات صغير ًة ُ‬
‫جمي ًعا يهلكون‪.‬‬
‫طير من‬
‫ف�إذا ما ُتوا خرج المس�لمون من مكانهم‪ ،‬ث�م تأتي ٌ‬
‫ُ‬
‫وينزل مطر من الس�ماء‬ ‫الس�ماء ُ‬
‫ت�أكل ُج َ‬
‫ثث يأج�وج ومأجوج‪،‬‬
‫يبعدها عن األرض‪.‬‬
‫ُ‬
‫(‪ )1‬انظر قصة عيسى ‪ S‬يف «قصص األنبياء لألطفال»‪ ،‬ط‪ :‬دار الكنوز‪.‬‬
‫‪30‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فإذا كان ي�وم القيامة دخل يأجوج ومأجوج إلى النار جزا ًء‬
‫لهم على أعمالهم السيئة‪ ،‬وكفرهم بالله ‪.E‬‬
‫وعاد ذو القرنني إىل بالده بعد نجاح رحلته اإليامنية وسفره‬
‫الدائ�م إىل بالد العامل ليد ُع َو َ‬
‫الناس إىل عبادة اهلل وحده ال رشيك‬
‫وحه الطاهر َة‪.‬‬
‫ليقبض ُر َ‬
‫َ‬ ‫له‪ ،‬وجاءه َم َل ُك املوت‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫طالوت وجالوت مع نبي اهلل داود‬


‫مر ِ‬
‫ت األيا ُم عىل بني إرسائيل وكان اهلل ُ‬
‫يبعث فيهم األنبيا َء‪،‬‬ ‫َّ‬
‫لريشدهم إىل عبادة اهلل وحده ال رشيك له‪ ،‬وترك‬
‫َ‬ ‫النبي بعد النبي‬
‫عبادة األصن�ام‪ ،‬ولكنهم َع َص ُوا اهلل وعب�دوا معه غريه‪ ،‬فعاقبهم‬
‫وسلط عليهم أعدا َءهم من العاملقة‪ ،‬فاستولوا عىل التابوت الذي‬
‫كان معهم‪ ،‬وكان فيه عصا موس�ى ‪ S‬وبعض ما تب َّقى من‬
‫نبي اهلل هارون‪.‬‬
‫ويف هذا الزمان مل يكن يف بني إرسائيل إال مؤمن واحد وهو‬
‫(ش�مويل) ذل�ك الفتى ال�ذي ينتهي نس�به إىل األنبي�اء ‪ -‬عليهم‬
‫الصالة والسلام ‪ ،-‬وذات ليلة كان ش�مويل نائماً فس�مع صو ًتا‬
‫ينادي�ه مرة بعد م�رة‪ ،‬ويف املرة األخرية نظر ش�مويل فإذا به يرى‬
‫جربي�ل ‪ ،S‬فأوحي إليه أنه قد أصبح نب ًّيا يف بني إرسائيل‪،‬‬
‫وعليه اآلن أن يبل َغهم كال َم اهلل ويد ُع َوهم إىل عبادته وترك عبادة‬
‫ويدعوهم إىل ترك الذنوب واملعايص‪.‬‬
‫َ‬ ‫األصنام‪،‬‬

‫‪32‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫لكنه�م ظل�وا على معصيتهم ومل يت�ب منهم أح�د إال قليلاً‬
‫وظل شمويل فيهم يدعوهم ويقرأ عليهم التوراة‪.‬‬
‫ويبلغهم ما أنزل اهلل إليه‪ ،‬ولكن اليهود أحبوا الدنيا‪ ،‬ونسوا‬
‫اآلخرة وما آمن معه إال قليل‪.‬‬
‫وال زالت احلروب بني اليهود وبني العامليق مستمرة‪ ،‬وكان‬
‫االنتصار دائماً لليهود‪ ،‬حتى كانت معركة كربى استعد هلا اليهود‬
‫جيدا‪ ،‬وكذلك استعد (العامليق) حتى نشبت((( احلرب‪.‬‬‫ً‬
‫ودارت املعرك�ة بين الفريقين‪ ،‬ومل�ا انته�ت املعرك�ة كان‬
‫االنتص�ار للعاملي�ق عىل بن�ي إرسائي�ل‪ ،‬فحزن نبي اهلل ش�مويل‬
‫ُ‬
‫أحزان اليهود‪.‬‬ ‫كبريا‪ ،‬وزادت‬
‫لذلك حز ًنا ً‬
‫وبع�د هذه املعركة جلس رؤس�اء اليهود يتش�اورون يف أمر‬
‫ه�ذه اهلزيم�ة وتوصل�وا يف هناية األم�ر أن الس�بب يف ذلك أهنم‬
‫ترك�وا (التاب�وت املبارك) ومل يأخذوه معه�م‪ ،‬فقد كانوا يضعون‬
‫التابون أمامهم‪ ،‬فيؤيدهم((( اهلل بنرصه‪.‬‬
‫(‪ )1‬نشبت‪ :‬دارت‪.‬‬
‫(‪ )2‬يؤيد‪ :‬ينرص ويساند‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪33‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫التابوت معهم يف املعرك�ة القادمة حتى‬


‫َ‬ ‫فق�رروا أن يأخ�ذوا‬
‫شديدا‬
‫ً‬ ‫يتحمس اجلنو ُد فيدخلوا إىل املعركة ويقاتلوا األعداء قتالاً‬
‫فينترصوا عىل أعدائهم‪.‬‬
‫وجاء اليهود بالتابوت من املعبد‪ ،‬فزاد محاس اجلنود‪.‬‬
‫ش�باب بن�ي إرسائيل مجي ًعا حل�رب العامليق مرة‬
‫ُ‬ ‫حتى خرج‬
‫أخرى‪ ،‬فالنرص سيكون حليفهم ألن التابوت معهم‪.‬‬
‫ودارت معرك� ٌة أخ�رى بني اليه�ود وبني العاملي�ق‪ ،‬ومحِ َيت‬
‫املعرك�ة‪ ،‬وزاد مح�اس اليه�ود حت�ى اقرتب�وا م�ن حتقي�ق النرص‪،‬‬
‫ُ‬
‫جيوش العامليق‪ ،‬وظن اليهود أهنم قد انترصوا‪.‬‬ ‫وتراجعت‬
‫ولك���ن ق���ام قائ���د العماليق وهو يرى جيش���ه س���يهزم‬
‫فنادى يف جنوده اً‬
‫قائل‪:‬‬
‫أهي�ا الرجال‪ ،‬لق�د جاء اليه�و ُد بإهلهم لك�ي يقاتلوكم‪ ،‬فإذا‬
‫عبيدا هل�م‪ ،‬وس�يدخلون بال َدكم‪،‬‬
‫هزموك�م فإنكم س�تصبحون ً‬
‫فه ُّبوا للقتال وحاربوا أعدا َءكم‪.‬‬
‫ُ‬
‫ن�ار احلامس�ة يف نف�وس العامليق‪،‬‬
‫الكلامت َ‬
‫ُ‬ ‫وأش�علت ه�ذه‬
‫ْ‬
‫ش�باب اليهود أعدا َءهم‬
‫ُ‬ ‫فعاد جنو ُدهم يقاتلون كاألُ ُس�ود ورأى‬

‫‪34‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫العامليق من هجومهم حتى‬


‫ُ‬ ‫قد هجموا عليهم‪ ،‬فرتاجع�وا‪ ،‬وزاد‬
‫تفريق جيش اليهود‪ ،‬فانقلبت اهلزيم ُة ً‬
‫نرصا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫استطاعوا‬

‫العامليق َيقتلون يف اليهود حتى َقتلوا عد ًدا ً‬


‫كبريا منهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وراح‬
‫وأرسوا عد ًدا أكرب‪ ،‬و َب ِقي عدد من جنود اليهود مل ُيقتل‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ومل يستطيعوا القتال‪َ ،‬ف َف ُّروا من املعركة ف َ‬
‫رار الفئران‪ ،‬وتركوا‬
‫العامليق غنيم ًة من أعدائهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫التابوت املبارك فأخذه‬
‫َ‬
‫وع�اد ُ‬
‫أحد اهلاربني من املعركة إىل بني إرسائيل يف مدينتهم‪،‬‬
‫(((‬
‫وجهه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬ماذا‬
‫ُ‬ ‫متزقت ثيا ُبه‪ ،‬واس�ود‬
‫ْ‬ ‫فرآه الناس أنه قد‬
‫حدث؟ فرصخ‪ :‬إهنا اهلزيمة‪.‬‬
‫خس�ائر‬
‫َ‬ ‫واهن�زم اليهو ُد أمام العاملقة هزيم ًة عظيم ًة وتك َّبدوا‬
‫جدا‪.‬‬
‫كبرية ً‬
‫ِ‬
‫التابوت‬ ‫سنوات طويلة مرت بعد هزيمة بني إرسائيل وضياع‬
‫ٌ‬
‫يكف ش�مويل ع�ن دعوة بن�ي إرسائيل إىل‬
‫م�ن بين أيدهيم‪ ،‬ومل ّ‬
‫عب�ادة اهلل وت�رك الذنوب واملع�ايص‪ ،‬والتوب�ة إىل اهلل ‪ ،D‬ثم‬

‫(‪ )1‬اسود‪ :‬صار أسود‪.‬‬


‫‪n‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫واتركوا‬
‫ذات مرة‪ ،‬وقال هلم‪ :‬يا قوم‪ ،‬توبوا إىل اهلل ُ‬
‫جمَ َ َعهم يف املعبد َ‬
‫تنفع وال ترض‪ ،‬اع ُبدوا اهللَ فهو‬
‫عب�اد َة (األصنام) فإهنا حجارة ال ُ‬
‫واحد يف األرض‪ ،‬واحد يف السامء ينرصكم عىل أعدائكم‪ ،‬ويعيد‬
‫لكم التابوت‪.‬‬
‫ُ‬
‫ونترك األصن�ام‪ ،‬فماذا نفعل‬ ‫نت�وب إىل اهلل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فقال���وا‪ْ :‬‬
‫إذن‬
‫أيضا؟‬
‫ً‬
‫عنهم اهللُ ‪،F‬‬
‫ُ‬ ‫يرض‬
‫فأمرهم بالصالة‪ ،‬والصيام حتى ىَ‬
‫نفوس�هم م�ن املع�ايص والس�يئات وت�اب اليه�و ُد عن‬
‫وتتطه�ر ُ‬
‫َ‬
‫بدوا اهللَ وحده ال رشيك له‪.‬‬
‫ذنوهبم‪ ،‬و َع ُ‬
‫ُ‬
‫املعارك م�رة أخرى بين اليهود والعاملي�ق فكانت‬ ‫وب�دأت‬
‫ينترص فريق على اآلخر مرة‬ ‫�جالاً بين الفريقين‪ ،‬أي‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫احلرب س َ‬
‫ُ‬
‫اآلخر م�رة أخرى‪ .‬فلما أخلص اليه�و ُد وتابوا‬
‫ُ‬ ‫وينتصر الفري�ق‬
‫ُ‬
‫َنصرَ ُهم اهلل عىل أعدائهم‪.‬‬
‫العامليق قد‬
‫ُ‬ ‫التابوت هناك عند (العامليق)‪ ،‬كان‬
‫ُ‬ ‫لك� ْن ال زال‬
‫التابوت‬
‫َ‬ ‫وض ُعوه حتت صنم هلم‪ ،‬فلام استيقظوا يف الصباح وجدوا‬
‫فوق الصنم‪ ،‬فأعادوه مرة أخرى‪.‬‬
‫‪36‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫التابوت‬
‫َ‬ ‫املشهد مرة أخرى‪ ،‬فقد وجدوا‬
‫ُ‬ ‫كرر‬
‫ويف اليوم التايل َت َّ‬
‫فوق الصنم‪.‬‬
‫تكررت ه�ذه احلادث� ُة ف َع ِلموا أن هذا م�ن أمر اهلل‪،‬‬
‫ْ‬ ‫وهك�ذا‬
‫بعي�دا عن الصن�م ووضعوه يف قري�ة أخرى‪،‬‬
‫ً‬ ‫التاب�وت‬
‫َ‬ ‫فأخ�ذوا‬
‫مرض لعني‪َ ،‬فأخذوا التابوت ً‬
‫بعيدا عن بالدهم‪.‬‬ ‫فانترش فيهم ٌ‬
‫أم���ا اليه���ود‪ :‬فإهن�م ظلوا على عبادهت�م هلل‪ ،‬وم�رت أيام‪،‬‬
‫كبريا‪،‬‬ ‫ً‬
‫ش�يخا ً‬ ‫وش�هور‪ ،‬وس�نوات حت�ى كرب (ش�مويل) وص�ار‬
‫ورؤساؤهم ثم ذهبوا إىل شمويل فقالوا له‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شيوخهم‬ ‫فاجتمع‬
‫كبيرا يا نبي الل�ه‪ ،‬فقد جئناك لتد ُع َو‬ ‫ً‬
‫ش�يخا ً‬ ‫أصبح َت‬
‫ْ‬ ‫‪ ‬لق�د‬
‫وقائدا لنا في‬
‫ً‬ ‫حاكما علينا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫َ‬
‫يجعل علينا ملكًا‬ ‫الل َه لنا حتى‬
‫حروبنا‪.‬‬
‫فق���ال ش���مويل‪ :‬مل�ك!! إن الله تعال�ى س�يحف ُظكم بعد‬
‫فيكم األنبيا َء‪ ،‬والله خير الحافظين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويبعث‬ ‫موتي‪،‬‬
‫نري�د ملكًا‬
‫ُ‬ ‫نعل�م أن اهلل ل�ن ُي َض ِّي َعن�ا‪ ،‬ولكننا‬
‫ُ‬ ‫فقال���وا‪ :‬إنن�ا‬
‫ونلتف حوله‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫يقو ُدنا‪،‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فر ّد عليهم مشويل فقال‪ :‬إن امللك س�يجع ُلكم ً‬


‫عبيدا له‪،‬‬
‫وس�يظلمكم حتى تد ُعوا اهلل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫س�يكون أوال ُدكم خد ًما يف قرصه‪،‬‬
‫يستجيب اهلل لكم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ليخ ِّل َصكم منه‪ ،‬ولن‬
‫نقبل هذا ك َّله‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬إننا ُ‬

‫أصعب األمور ويسريون عليها رغم‬


‫َ‬ ‫خيتارون‬ ‫لقد كانوا دائماً‬
‫وسوء‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫عليهم ولكنهم قو ُم عناد ُ‬ ‫أن اهلل تعاىل قد يسرَّ‬
‫جيمع كلمتنا‪ ،‬ويقو ُدنا للقتال حتى لو‬
‫ُ‬ ‫فقالوا‪ :‬إننا نريد ملكًا‬
‫أذ َّلنا وجعلنا ً‬
‫عبيدا له‪.‬‬
‫فقال مشوي���ل‪ :‬ولكن هل لو كتب اهلل تعاىل عليكم القتال‬
‫أمرا هل ستقاتلون؟‬
‫وجعله ً‬
‫قالوا‪ :‬نعم سنقاتل‪ ،‬وملاذا ال نقاتل يف سبيل اهلل‪ .‬وقد ُأ ْخرجنا‬
‫عبيدا للعامليق؟‬
‫من ديارنا‪ ،‬وأبنائنا ً‬
‫فلام رأى ش�مويل أهنم قد صمموا عىل هذا جلس يد ُعو اهلل‬
‫يف رضاع�ة‪ ،‬فأوح�ي اهلل تعاىل إليه أنه قد اس�تجاب ل�ه ولقومه‪،‬‬
‫وأمره أن يب ِّل َغهم ما أوحي به إليهم‪.‬‬

‫‪38‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فخرج (ش�مويل) إىل بني إرسائيل وه�م يف انتظاره لي ْعلموا‬


‫اسم امللك الذي اختاره اهلل‪.‬‬
‫َ‬
‫فق���ال مشويل‪ :‬إن اهلل قد اس�تجاب لدعائنا وبعث عليكم‬
‫ملكًا‪.‬‬
‫طالوت‬
‫ُ‬ ‫فقال���وا‪ :‬من هو يا ش�مويل؟ فقال‪ :‬إن�ه (طالوت)‬
‫ملك عىل بني إرسائيل‪.‬‬

‫األصوات من بني إرسائيل يرفضون َ‬


‫أمر اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫خرجت‬
‫(((‬ ‫ويعرتضون عىل (طالوت) ألن (طالوت) كان ُ‬
‫يعمل (س� َّقا ًء)‬
‫فقريا وليس عنده مال كثري‪.‬‬
‫وكان ً‬
‫أح�ق بامللك‬
‫ُّ‬ ‫فقال���وا‪ :‬كيف يك�ون امل ُلك ل�ه علينا‪ ،‬ونحن‬
‫منه‪.‬‬
‫فقال مشويل‪ :‬إن اهلل قد اختاره عليكم‪ ،‬وزاده َب ْس َط ًة((( يف‬
‫العلم واجلسم واهلل يعطي ملكه من يشاء‪ ،‬واهلل واسع عليم‪.‬‬

‫(‪ )1‬السقاء‪ :‬الذي يسقي الناس‪.‬‬


‫(‪ )2‬البسطة‪ :‬السعة‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪39‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فق���ال قائ���ل منه���م‪ :‬ولكن م�ا ال�ذي جيع ُلن�ا ِّ‬


‫نصد ُقك أن‬
‫رت ُه أنت‪.‬‬
‫طالوت قد اختاره اهلل‪ ،‬ومل خت ْ‬
‫َ‬
‫فق���ال‪ :‬إن عالمة اختيار اهلل له أن يعو َد التابوت فيه س�كينة‬
‫وطمأنين�ة لقلوبكم وبقية مما ترك ُآل موس�ى وآل هارون‪ ،‬حتمله‬
‫املالئكة‪ ،‬إن يف ذلك آلية((( لكم إن كنتم مؤمنني‪.‬‬
‫وانتظ�ر بن�و إرسائيل‪ ،‬ف�إذا بالتابوت قد ج�اءت به املالئكة‬
‫حتمله‪.‬‬
‫التابوت‪ ،‬فاطمأن�ت قلوبهُ م‪ ،‬وعرفوا أن‬
‫َ‬ ‫ف�رأى بنو إرسائيل‬
‫اجلديد‪ ،‬فهتفوا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫طالوت هو ملكُهم‬
‫َ‬
‫عاش امللك طالوت‪ ،‬عاش امللك طالوت‪.‬‬
‫ع�اد التاب�وت إىل بن�ي إرسائي�ل‪ ،‬فجعل�وه أمامه�م يف كل‬
‫معاركهم ضد (العاملي�ق) فانترصوا وقادهم (طالوت) من نرص‬
‫إىل نرص‪.‬‬

‫وكان ش�مويل ُيب ِّل ُغ َ‬


‫أم�ر اهلل إىل طالوت باحلرب‪ ،‬أو بالعدل‬
‫طالوت مطي ًعا ألمر شمويل نبي اهلل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بني الناس‪ ،‬وظل‬
‫(‪ )1‬آية‪ :‬عالمة ودليل‪.‬‬
‫‪40‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وكانت رشيعة اهلل إىل بني إرسائيل أهنم إذا انترصوا وضعوا‬
‫الغنائم((( حتى تنزل نار بيضاء من السامء تأكل هذه الغنائم‪ ،‬فإذا‬
‫غضب اهلل ظلت الغنائم كام هي‪.‬‬
‫وأمر اهلل ش�مويل أن يذهب إىل طال�وت‪ ،‬فذهب إليه وقال‬
‫له‪ :‬إن اهلل يأمرك أن تذهب إىل العامليق وحتارهبم‪ ،‬وإنك ستنترص‬
‫عليه�م‪ ،‬ف�إذا انتصرت َفأح�رق دياره�م‪ ،‬واذب�ح كل الرج�ال‬
‫وال َت َد ْع بقر ًة وال مجلاً إال ْ‬
‫ذبح َته‪.‬‬
‫وكان (طال�وت) يعل�م أن�ه ص�ار مل�كًا بأم�ر اهلل فالبد من‬
‫طاعته‪.‬‬
‫وخرج جيش بني إرسائيل حتى وصل إىل مدينة العامليق‪.‬‬
‫احل�رب‪ ،‬فانترص اليهو ُد هذه املر َة عىل العامليق حتى‬
‫ُ‬ ‫ودارت‬
‫أرسوا م ِلكَه�م (أجاج)‪ ،‬وكانت األبقار‪ ،‬واجلامل‪ِ ،‬‬
‫واخل َراف مت ُ‬
‫أل‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫احليوان�ات الضعيف َة‬ ‫جيش بن�ي إرسائيل‬ ‫َ‬
‫م�دن العامليق فاخت�ار ُ‬
‫فقتلوها‪.‬‬
‫احليوانات السمين ُة فلم يذبحوها‪ ،‬وأخذوها إىل ديارهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أما‬
‫وأرسوا امللك (أجاج) فلم يقتلوه‪.‬‬
‫(‪ )1‬الغنائم‪ :‬مكاسب احلرب من األسلحة واخليول‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وع�اد جيش بني إرسائيل ومعه ُ‬


‫امللك (طالوت) فدخل عىل‬
‫ش�مويل‪ ،‬فقام ش�مويل غاض ًب�ا وقال‪ :‬ملاذا مل تنف�ذ أمر اهلل‪ ،‬إنني‬
‫أرى إبلاً ‪ ،‬وخيلاً ‪ِ ،‬‬
‫وخ َرا ًفا؟‬
‫نذبحها يف املعبد‪.‬‬
‫فقال طالوت‪ :‬إننا سوف ُ‬
‫ُ‬
‫أفض�ل م�ن أن ُتذبح‬ ‫فق���ال مشوي���ل‪ :‬لكن طاع�ة أمر اهلل‬
‫احليوانات يف املعبد‪.‬‬
‫ُ‬
‫أتوب إىل اهلل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فقال طالوت‪ :‬إنني‬
‫فقال مشوي���ل‪ :‬واقتل أجاج ملكهم ي�ا طالوت ثم اعتدل‬
‫كنت س� َّقا ًء‬
‫رصت عاص ًيا هلل‪ ،‬لقد َ‬
‫َ‬ ‫ش�مويل فقال لطالوت‪ :‬إنك‬
‫يت‬ ‫مغ�رورا و َع ِص َ‬
‫ً‬ ‫فأصبحت‬
‫َ‬ ‫متواض ًع�ا حت�ى اختارك اهللُ مل�كًا‬
‫أمر اهلل‪ ،‬ثم أراد االنرصاف‪ ،‬فأمسك طالوت بثوبه فتمزق‪.‬‬
‫قت ثيايب‪.‬‬
‫مز َ‬
‫مزق اهلل ملكك كام ّ‬
‫فقال مشويل‪َّ :‬‬
‫فق���ال طال���وت وه���و يتوس���ل إىل مشويل‪ :‬ب�اهلل عليك‬
‫س�اعدين عىل التوبة ليغف�ر اهلل يل‪ ،‬وا ْد ُعه أن َ‬
‫يقب�ل توبتي وندمي‬
‫فعلت‪ ،‬ثم بكى طالوت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عىل ما‬

‫‪42‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ليغفر‬
‫َ‬ ‫فع�اد ش�مويل فس�جد هلل م�ع طالوت‪ ،‬ودع�ا اهللَ ل�ه‬
‫لطالوت ذ ْن َبه‪.‬‬
‫َ‬
‫ولك�ن م�ا زال طالوت حزينًا م�ن ذلك الدع�اء الذي دعاه‬
‫(مز َق اهلل ُمل�كك) إنه اآلن ُ‬
‫يفكر يف أمره فلو‬ ‫ش�مويل حني قال‪َّ :‬‬
‫فقريا مر ًة أخرى وبعد املعيشة يف القرص‪،‬‬ ‫متزق ملكُه فسوف يعو ُد ً‬
‫َ‬
‫ليعمل َس� َّقا ًء مرة‬ ‫ليحمل ِق ْر َب�ة املاء‬
‫َ‬ ‫وخدم ِ‬
‫�ة الن�اس له‪ ،‬س�يعو ُد‬ ‫ْ َ‬
‫أحد وزرائه‪،‬‬ ‫أخ�رى‪ ،‬وظل وجهه حزينً�ا باك ًيا حتى دخل علي�ه ُ‬
‫فقال‪:‬‬
‫يا موالي‪ ،‬ال حتزن‪ ،‬فإن نبي اهلل قد دعا لك باملغفرة‪.‬‬
‫وأش�عر أن ملكي‬
‫ُ‬ ‫فق���ال طال���وت‪ :‬إنني حزي�ن وخائ�ف‪،‬‬
‫آخر‪،‬‬
‫أفكر يف أمر َ‬
‫فقريا‪ ،‬س�اعدوين عىل أن َ‬ ‫ُ‬
‫س�يتمزق‪ ،‬وس�أعو ُد ً‬
‫وأسعدوه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هيا افعلوا شي ًئا ِ‬
‫ملليككم‬
‫ِ‬
‫الصوت‪ ،‬إنه‬ ‫أعرف ُغال ًما َح َس� َن‬
‫ُ‬ ‫فقال أحد الوزراء‪ :‬إنني‬
‫سكت كل يشء حوله حتى الطري‬
‫َ‬ ‫راعي غنم ولكنه إذا قرأ التورا َة‬
‫وختشع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اجلبال ُتسبح معه إذا س َّب َح اهلل‪،‬‬ ‫تس�تمع إىل صوته‪ ،‬وتكا ُد‬
‫ُ‬
‫عذب يا موالي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫القلوب‪ ،‬إن صو َته‬
‫ُ‬
‫‪n‬‬ ‫‪43‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫احلرس‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فق���ال طال���وت‪ :‬أحضروا ه�ذا الغلا َم وانطل�ق‬
‫واخل�د ُم يبحثون ع�ن (داود) ذلك الراع�ي ذي الصوت العذب‬
‫الرقيق‪.‬‬
‫فلام وجدوه‪ ،‬جاءوا به إىل مقر طالوت فدخل عليه‪ ،‬فلام رآه‬
‫أش�قر‪،‬‬
‫َ‬ ‫فتى‬
‫وس�كنت أحزا ُنه‪ ،‬فإنه يرى ً‬
‫ْ‬ ‫صدر ُه‬
‫ُ‬ ‫طال�وت انشرح‬
‫ُ‬
‫أزرق العينني‪.‬‬‫أبيض الوجه‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫تسبيح َك هلل وقرا َء َتك للتوراة‪.‬‬
‫َ‬ ‫أس ِم ْعنا‬
‫فقال طالوت‪ْ :‬‬
‫طالوت أن اهلدو َء ي ُع ُّم‬
‫ُ‬ ‫فأح�س‬ ‫ِ‬
‫التوراة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫تالوة‬ ‫وب�دأ داو ُد يف‬
‫ّ‬
‫سكت كل يشء حوله‪ ،‬وشعر باألمن يف قلبه‪ ،‬وخرج‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫املكان‪ ،‬فقد‬
‫صوت داو َد ينادي‪:‬‬
‫ُ‬
‫سبحان امللك األعظم‪...‬سبحان خالق النور‪.‬‬
‫اسم َك يف األرض!!‪.‬‬
‫أعظم َ‬
‫َ‬ ‫يا رب‪...‬ما‬
‫يا رب ما أعظم اسمك يف السامء!!‪.‬‬
‫الدم�وع((( باك ًيا‪ ،‬وذهب‬
‫َ‬ ‫طال�وت‪ ،‬و َذ َرف‬
‫َ‬ ‫قل�ب‬
‫ُ‬ ‫واطم�أن‬
‫ُ‬
‫احلزن عن قلبه‪ ،‬ثم انرصف داو ُد‪.‬‬
‫(‪ )1‬ذرف الدموع‪ :‬أي بكى ونزلت دموعه‪.‬‬

‫‪44‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬
‫اجلديد‬ ‫ح�ول قائده�م‬ ‫َ‬ ‫جيش�هم‪ ،‬والت ُّف�وا‬
‫مج�ع (العاملي�ق) َ‬
‫َّ‬
‫�ق له ُغبار‬
‫قوي البنيان ال ُي َش ُّ‬ ‫ِ‬
‫عظيم اجلس�د َّ‬ ‫َ‬ ‫(جالوت) الذي كان‬
‫وجتهزوا للزحف عىل بني إرسائيل‪.‬‬‫ُ‬ ‫يف معركة‪،‬‬
‫طال�وت هبذه األخب�ار‪ ،‬فبعث عيو َنه((( يس�تطلعون‬
‫ُ‬ ‫وعل�م‬
‫َ‬
‫شمويل يف اخلروج‬ ‫نبي اهلل‬
‫األمر‪ ،‬فتأكد من هذه األنباء‪ ،‬واستأذن َّ‬
‫ملالقاة األعداء َفأ ِذن له يف اخلروج‪.‬‬
‫ِ‬

‫ونادى املنادي يف بين إسرائيل‪ :‬استعدوا للقتال‪.‬‬


‫فتجهز اجلي�ش‪ ،‬وجاء املتطوعون م�ن كل مكان للجهاد يف‬
‫س�بيل اهلل ض�د العاملي�ق الكفرة وبل�غ عدد جيش بن�ي إرسائيل‬
‫ثامنين أل ًفا م�ن اجلنود األقوياء ألن املعركة كانت حاس�مة وكان‬
‫جرارا لغزو بني إرسائيل‪.‬‬
‫ً‬ ‫العامليق قد مجعوا ً‬
‫جيشا‬ ‫ُ‬
‫مر ْم((( ليقاتل أعدا َء اهلل من‬
‫وخرج طالوت هبذا اجليش ال َع َر َ‬
‫ِ‬
‫جنود بن�ي إرسائيل‪ ،‬فقد‬ ‫العاملي�ق وأراد اهلل تع�اىل أن خيترب َ‬
‫إيامن‬ ‫َ‬
‫كثري منهم يزعمون أهنم ُش�جعان ولكن حقيقة األمر كانت‬
‫كان ٌ‬
‫غري ذلك‪.‬‬
‫َ‬
‫(‪ )2‬عرمرم‪ :‬أي‪ :‬كثري‪.‬‬ ‫(‪ )1‬عيونه‪ :‬جواسيسه‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪45‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬
‫قائ�د‬ ‫الرع�ب يتملك ُُه�م م�ن املل�ك (جال�وت)‬ ‫فق�د كان‬
‫ُ‬
‫العامليق‪.‬‬

‫طالوت قبل أن خيرج ب�أال يرشبوا من هنر‬


‫َ‬ ‫وأويص ش�مويل‬
‫طالوت يف جيشه‬
‫ُ‬ ‫سيمرون عليه يف الطريق‪ ،‬فنادى‬ ‫ِ‬
‫األردن والذي‬
‫ُّ‬
‫�ـرب منه فسوف يعود ولن‬ ‫قائلاً ‪ :‬إن اهلل ُمبتليكم((( بنهر فمن َش ِ‬
‫املسري‬
‫َ‬ ‫حيارب أما من شرَ ِ ب رشب ًة واحد ًة فقط بيده فسوف ُي ُ‬
‫كمل‬
‫معنا حلرب األعداء‪.‬‬

‫الش�ديد‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العطش‬ ‫وس�ار جيش بن�ي إرسائيل حتى أصاهبم‬
‫شديدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فإن الشمس شديد ُة احلرارة‪ ،‬فعطشوا ً‬
‫عطشا‬

‫ووص�ل اجليش إىل النهر‪ ،‬فلما رآ ُه اجلنود ذهبوا إليه فرشبوا‬


‫ٍ‬
‫يبق م�ن اجليش إال ثالثامئة وأربع َة َ‬
‫عرش‬ ‫من�ه إال قليلاً منهم‪ ،‬فلم َ‬
‫وأمر‬ ‫رجًل�اً ه�م الذين مل يرشبوا من النهر وأطاع�وا َ‬
‫أمر نبي اهلل‪َ ،‬‬
‫طالوت خيشى‬
‫َ‬ ‫طالوت وعاد الباقون إىل بيت املقدس فإن‬ ‫َ‬ ‫َم ِل ِكهم‬
‫مز َق ملكه‪.‬‬ ‫من عصيان ِ‬
‫أمر اهلل حتى ال ُي َّ‬

‫(‪ُ )1‬مبتليكم‪ :‬أي‪ :‬خمتربكم‪.‬‬


‫‪46‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫هن�ر األردن‪ ،‬حتى‬


‫طال�وت َ‬
‫َ‬ ‫وعبر الباق�ون من اجليش م�ع‬
‫وصلوا إىل مكان جيش العامليق‪.‬‬
‫َ‬
‫جي�ش العامليق َّ‬
‫اجل�ر َار‪ ،‬فصاح رج�ل من بني‬ ‫وهن�اك ر َأ ْوا‬
‫وجنود ِه‪ ،‬س�وف هيز ُمنا‬
‫ِ‬ ‫بجالوت‬
‫َ‬ ‫إرسائي�ل‪ :‬ال طاق�ة((( لنا اليوم‬
‫اجلر ُار‪.‬‬
‫جالوت َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جيش‬
‫ولك�ن املؤمنين يف ه�ذا اجلي�ش الذي�ن عق�دوا الع�زم عىل‬
‫الش�هادة قال�وا‪ :‬كم م�ن فِ َئ ٍة((( قليل�ة غلبت فئ ًة كثير ًة بإذن اهلل‪،‬‬
‫واهلل مع الصابرين‪.‬‬
‫(((‬
‫فدع ْو ُه قائلني‪[ :‬ﮗ ﮘ‬
‫توجهوا إىل اهلل تعاىل َ‬
‫ثم َّ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ]‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مبارزة بين رجلني‬ ‫وكان�ت املع�ارك قديًم�اً ال تب�د ُأ إال بع�د‬
‫جالوت‪،‬‬
‫َ‬ ‫طالوت‪ ،‬وجيش‬
‫َ‬ ‫املناوشات بني جيش‬
‫ُ‬ ‫بالسيف‪ ،‬فبدأت‬
‫َ‬
‫الرجال‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الرجال‬ ‫فيبارز‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬ال طاقة‪ :‬أي‪ :‬ال قوة وال قدرة‪.‬‬


‫(‪ )2‬فئة‪ :‬أي‪ :‬مجاعة من الناس‪.‬‬
‫صب علينا‪.‬‬
‫(‪ )3‬أفرغ‪ :‬أي‪ّ :‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪47‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ملك العامليق وكان قو ًيا‪ ،‬بطلاً‬


‫امللك (جالوت) ُ‬
‫حتى خرج ُ‬
‫منظر ُه على الرعب‪ ،‬فخ�اف جنو ُد اليهود من�ه لقد وقف‬ ‫ُ‬
‫يبع�ث ُ‬
‫(جالوت) وسط ميدان املعركة‪.‬‬
‫وكان يلب�س ُخوذ ًة((( من ُنحاس‪ ،‬وانعكس ضو ُء الش�مس‬
‫اخلوذة فكانت ُ‬
‫تبعث ُش�عا ًعا يرا ُه اليهود فيزدا ُد خو ُفهم‬ ‫ِ‬ ‫عىل هذه‬
‫يس�تطيع هزيم َتهم‬
‫ُ‬ ‫ورع ُبه�م من�ه‪ ،‬فتخي�ل اليهو ُد أن (جال�وت)‬
‫ِ‬
‫معاونة أحد‪.‬‬ ‫وحده دون‬
‫وصرخ جالوت يف صوت شديد‪ :‬يا طالوت اخرج ملبارزيت‪،‬‬
‫امللك يل وإن قت ْل َتني‬
‫أو ابع�ث يل رجًل�اً يبارزين‪ ،‬فإن قتل ُت�ك كان ُ‬
‫كان ُ‬
‫امللك لك‪.‬‬
‫طال�وت؟ إن جنوده اآلن يف رعب ش�ديد‪ ،‬وقد‬
‫ُ‬ ‫م�اذا ُ‬
‫يفعل‬
‫تراجع�وا مجي ًع�ا‪ ،‬ومل خي�رج منهم أح�د للقاء (جال�وت) فرصخ‬
‫ِ‬
‫ب‬‫خي�رج لقتال جالوت؟ ومل يجُ ِ ْ‬
‫ُ‬ ‫�هم‪ :‬من‬
‫طالوت يف جنوده يحُ ِّم ُس ُ‬
‫ُ‬
‫جي�ش اليهود‬‫ِ‬ ‫�ك جالوت؟ وج�رى بفرس�ه ناحي َة‬ ‫فض ِح َ‬
‫أح�د‪َ ،‬‬
‫وجيش�ه‪ ،‬وس ِ‬
‫�خروا من‬ ‫ُ‬ ‫جالوت‬
‫ُ‬ ‫فرتاجع�وا إىل اخلل�ف فضحك‬
‫َ‬
‫بن اليهود وخوفِهم‪.‬‬
‫ُج ِ‬
‫(‪ )1‬خوذة‪ :‬أي غطاء للرأس من نحاس‪.‬‬
‫‪48‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يرتاجع أمام (جالوت)‬


‫ُ‬ ‫وتكرر املشهد يف اليوم التايل‪ ،‬واجلميع‬
‫جال�وت؟ فأراد‬
‫َ‬ ‫وكي�ف يقات�ل رجل ضعي�ف منهم ه�ذا َ‬
‫اجلبل‬
‫َ‬
‫الرجال عىل قتال (جالوت) فقال جلنوده‪:‬‬ ‫يشجع‬
‫َ‬ ‫طالوت أن‬

‫زو ُج�ه ابنت�ي‪ ،‬و ُأ ِّ‬


‫كر ُم�ه يف بني‬ ‫خي�رج لقتال�ه‪ ،‬و ُأ ِّ‬
‫ُ‬ ‫م�ن منك�م‬
‫إرسائيل هو وأهل بيته؟‬
‫إن هذا الوعد بال شك جائز ٌة عظيم ٌة يتمناها ُّ‬
‫أي شخص يف‬
‫وواحدا‬
‫ً‬ ‫صه�را للملك‪،‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫ديار بني إرسائيل مجي ًعا‪ ،‬فس�وف‬
‫وسيكون رشيكًا للملك ورشي ًفا يف قومه‬
‫ُ‬ ‫ممن يعيشون يف القرص‪،‬‬
‫مجي ًعا‪.‬‬
‫لك�ن كل رج�ل يف اجلي�ش يعرف ق�وة (جال�وت)‪ ،‬ويعلم‬
‫طالوت‪،‬‬
‫َ‬ ‫بنت‬
‫يت�زوج َ‬
‫َ‬ ‫ليموت قبل أن‬
‫َ‬ ‫جيدا أنه س� ُي ْق َت ُل بالس�يف‬
‫ً‬
‫خر منهم ومن خوفِهم‪.‬‬
‫فلم خيرج أحد لقتال جالوت‪ ،‬فس ِ‬
‫َ‬
‫جالوت خيرج كل يوم يد ُعو اليهو َد للمبارزة فال جيي ُبه‬
‫ُ‬ ‫وظل‬
‫القلوب خائف ًة من قوته‬
‫ُ‬ ‫أحد‪ ،‬حتى مىض أربعون يو ًما وال زالت‬
‫ِ‬
‫جن�ود اليه�ود وخوفهم يعلو‬ ‫وبطش�ه‪ ،‬وم�ا زالت س�خري ُته من‬
‫صوهتا كل يوم‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بيت املقدس كان الغال ُم (داو ُد) ذلك الراعي ذو الصوت‬‫ويف ِ‬

‫ينتظر قدو َم إخوتِ ِه من املعركة‪.‬‬


‫ُ‬ ‫احلسن‬
‫َ‬
‫وكان�وا قد خرج�وا مع (طال�وت) حلرب العاملي�ق‪ ،‬وطال‬
‫بع�ض الطع�ام إلخوت�ه يف ميدان‬
‫َ‬ ‫يأخ َ‬
‫�ذ‬ ‫انتظ�اره هل�م فق�رر أن ُ‬
‫املعرك�ة‪ ،‬ويزوره�م مطمئنً�ا عليه�م‪ ،‬ثم حت�رك إليه�م وعرب هنر‬
‫األردن‪ ،‬لتحدث املفاجأة‪.‬‬
‫غنم�ه‪ ،‬وذهب إىل إخوته بعد عب�ور هنر األردن‪،‬‬
‫ت�رك داو ُد َ‬
‫ووص�ل إىل س�احة القتال فوجد اجليشين قد اس�تعدوا للقتال‪،‬‬
‫جال�وت من بني الصف�وف مرة أخرى‪ ،‬وكان�ت هذه هي‬
‫ُ‬ ‫وب�رز‬
‫جالوت‪ :‬أ َما من مقاتل‪...‬‬
‫ُ‬ ‫املر َة األوىل التي يراه فيها داو ُد‪ ،‬ونادى‬
‫أما من مبارز‪ ،‬هيا أهيا اجلبناء‪.‬‬
‫وعاد اليهو ُد للخلف وانكمشوا ومل يتقدم منهم أحد‪.‬‬
‫وغضب‬
‫َ‬ ‫فأحس داود بالغيظ الشديد و َغ َل ْت ُ‬
‫دماؤه يف عروقه‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫اجلبناء‪ ،‬فخرج من بني الصفوف كأنه العاصف ُة(((‪.‬‬ ‫قوم ِه‬
‫من ِ‬

‫(‪ )1‬العاصمة‪ :‬أي‪ :‬اهلواء الشديد‪.‬‬


‫‪50‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫املغرور‪ .‬فخرج إخو ُة داو َد فقالوا‬


‫ُ‬ ‫ث���م صاح‪ :‬أنا أقات ُلك أهيا‬
‫له‪ :‬أجمنون أنت؟ إنه جالوت‪ .‬إنه أقوى منك‪.‬‬

‫جالوت‪ ،‬إن َ‬
‫معي اهللَ‬ ‫َ‬ ‫فقال داود‪ :‬إن َم ِع َي َمن هو أقوى ِمن‬
‫‪ ، D‬أنا مؤمن وهو كافر‪.‬‬
‫فقال إخو ُته‪ :‬يا داو ُد ُع ْد إىل َغنِ َ‬
‫مك‪ ،‬سوف يقتلك‬
‫�د إىل (بيت‬
‫ث���م تقدم طال���وت إليه فقال‪ :‬ي�ا صغريي ُع ْ‬
‫ويعرف َ‬
‫فنون احلرب‪ ،‬وأنت صغري ال تستطيع‬ ‫ُ‬ ‫املقدس) إنه قوي‪،‬‬
‫مبار َز َت ُه‪.‬‬
‫َ‬
‫معي اهللَ تعاىل‪.‬‬
‫فقال داود يف ثبات‪ :‬إن َ‬
‫طال�وت داو َد ُمصمماً عىل القت�ال‪ ،‬فقال له‪ :‬اهلل معك‬
‫ُ‬ ‫ورأى‬
‫طال�وت ثيا َبه ل�داو َد‪ ،‬وجعل‬
‫ُ‬ ‫وألب�س‬
‫َ‬ ‫ي�ا ول�دي‪ ،‬اذه�ب فقاتِ ْله‬
‫نات الرماح‪،‬‬‫عىل رأس�ه خوذ ًة‪ ،‬وألبس�ه ِدر ًعا((( ليحميه م�ن طع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫نفس�ه ثقيلاً‬
‫اخلروج ولكن وجد َ‬‫َ‬ ‫ورضبات الس�يوف وأراد داو ُد‬ ‫َ‬
‫الدرع‪.‬‬
‫َ‬ ‫فخلع داو ُد عن نفسه هذه اخلوذ َة‪ ،‬وهذا‬

‫(‪ )1‬الدرع‪ :‬هو قميص من احلديد يلبسه اجلندي ليمنع عنه الطعنات‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪51‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أس�تطيع أن أس�تخد َم املِ ْقالع((( ‪،‬‬


‫ُ‬ ‫ثم قال‪ :‬يا موالي‪ ،‬إنني‬
‫سد ْد ُته إىل يشء أصب ُته‪.‬‬
‫فلو َّ‬
‫صغيرا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ً‬ ‫جال�وت‬
‫ُ‬ ‫جال�وت‪ ،‬فلما رآه‬
‫َ‬ ‫وتق�دم داو ُد إىل‬
‫ارجع فلم أتعود َ‬
‫قتل الغلامن‪.‬‬
‫الكافر املغرور‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فقال داو ُد يف غضب‪ :‬بل أنا أقت ُلك أهيا‬
‫َ‬
‫ميدان املعركة‪ ،‬ونظر إخوة داود إىل‬ ‫ولف اهلدو ُء والس�كون‬
‫َّ‬
‫أخيهم يف قلق شديد‪.‬‬
‫ب�ار ُز ُغال ًما‪ ،‬فأخرج داو ُد‬ ‫العامليق إىل ِ‬
‫ملكهم ُي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ونظر جن�و ُد‬
‫جالوت‪ ،‬وقذف‬
‫َ‬ ‫صوبه إىل‬
‫حجرا ووضعه يف املقالع‪ ،‬ثم َّ‬
‫ً‬ ‫من جيبه‬
‫جالوت فسقط فأرسع داو ُد إليه‪.‬‬
‫َ‬ ‫عني‬
‫باحلجر فأصاب َ‬
‫ث�م قعد عىل ص�دره و َقطع رأس�ه‪ ،‬فخاف العاملي�ق‪ ،‬وه َّلل‬
‫ففروا أما َمهم‪ ،‬وانترص اليهو ُد‪.‬‬
‫اليهو ُد‪ ،‬ثم َهجموا عىل العامليق‪ُّ ،‬‬
‫سنوات حتى آتا ُه اهللُ‬
‫ٌ‬ ‫جالوت‪ ،‬وما هي إال‬
‫َ‬ ‫وهكذا َقتل داو ُد‬
‫وامللك فصار داود ِ‬
‫ملكًا نب ًيا حكيماً ‪.S‬‬ ‫َ‬ ‫النبو َة‬
‫ُ‬
‫(‪ )1‬املقالع‪ :‬أداة حربية قديمة توضع فيها احلجارة ثم يقذف هبا‪.‬‬

‫‪52‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الهدهد وملكة سبأ‬


‫َ‬
‫ليبحث‬ ‫َ‬
‫سليامن ‪ S‬يف الصباح وترك ُع ّشه‬ ‫خرج ُه ْد ُه ُد‬
‫بعيدا عن مكان عش�ه الذي يسك ُن فيه يف بالد‬‫عن رزقه‪ ،‬ثم طار ً‬
‫ِ‬
‫مملكة سبأ يف بالد اليمن‪ ،‬هذه اململك ُة‬ ‫بيت املقدس‪ ،‬واقرتب من‬
‫اهلدهد من‬
‫ُ‬ ‫اس�مها (بلقيس) وتعج�ب‬
‫ُ‬ ‫حتكمها امرأ ٌة مجيلة‬
‫ُ‬ ‫الت�ي‬
‫هذه اململكة ومن عرش اململكة وحب شعبها هلا‪ .‬لكنه رأى ً‬
‫أمرا‬
‫أهل سبأ يسجدون للشمس‬ ‫حيزن ويبكي‪ ،‬لقد رأى َ‬
‫عجي ًبا جعله ُ‬
‫اهلدهد من ضالل البرش‬
‫ُ‬ ‫ويعبدوهنا م�ن دون اهلل تعاىل‪ ،‬وتعجب‬
‫نعم‪ ،‬ويعبدون شي ًئا من خلقه‪.‬‬
‫الـم َ‬
‫اخلالق ُ‬
‫َ‬ ‫الذين يرتكون‬
‫رب‬
‫اهلدهد أن يعو َد مرة أخرى إىل بيت املقدس حتى خي َ‬ ‫ُ‬ ‫وق�رر‬
‫صاح َبه من البرش هبذا الذي رآه‪.‬‬
‫ال أهل سبأ الذين عبدوا الشمس من دون اهلل أن‬ ‫ومل خي ُطر بِ َب ِ‬
‫ْ‬
‫ي ِّب ُئ هلم حد ًثا عظيماً سيغيرِّ ُ حياتهَ م متا ًما‪.‬‬ ‫القدر خُ َ‬
‫احليوانات صفو ًفا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الطيور حتم ُلها الرياح‪ ،‬ووقفت‬
‫ُ‬ ‫خرجت‬
‫قائد اإلنس ُين ّظ ُم جنو َده‬
‫وانتظم اجل ُّن يف صفوف متساوية ووقف ُ‬
‫يف الناحية املخصصة هلم‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪53‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ث�م ارتق�ب اجلمي�ع خ�روج املل�ك النبي س�ليامن ب�ن داو َد‬
‫ُ‬
‫سليامن فلام رأى جنو َده تذكَّر دعا َء ُه هلل تعاىل‪:‬‬ ‫‪ ،S‬وخرج‬
‫رب اغفر يل وأعطني ملكًا ال ينبغي ألحد من بعدي‪.‬‬
‫َ‬
‫والوحوش‬ ‫والطري‬ ‫واإلنس‬ ‫س�خر له اجل� َّن‬ ‫ِ‬
‫فحم َد اهلل الذي َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يغزو به يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫والرياح ليصبحوا يف جيشه ُ‬
‫َ‬
‫ويفه�م لغ َتها وحيد ُثها‪ ،‬ثم يس�تدعي‬
‫ُ‬ ‫الطري فتطي ُعه‬
‫َ‬ ‫يأم�ر‬
‫إن�ه ُ‬
‫اجلان‪ ،‬وكانوا خد ًما بني يديه فمنهم من يبني له القصور‪ .‬ومنهم‬ ‫َّ‬
‫م�ن يغوص إىل األعامق ليأيت باللؤلؤ والكن�وز املختبِ َئ ِة يف أعامق‬
‫البحر‪.‬‬

‫فيذهب‬
‫َ‬ ‫الرياح أن حتم َله من الشام إىل العراق‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫سليامن‬ ‫ثم يأمر‬
‫إىل هن�اك يف الصب�اح‪ ،‬ثم يع�و َد قبل الظهر مرة أخ�رى إىل (بيت‬
‫املقدس) يف الشام‪.‬‬

‫َ‬
‫س�ليامن‬ ‫�ه اهللُ ألحد من ِ‬
‫بعد‬ ‫�ك عجي�ب مل يعطِ ِ‬
‫ح ًق�ا إن�ه ُم ْل ٌ‬
‫ُْ‬
‫‪.S‬‬

‫‪54‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اجتمعت فيه ُّ‬


‫كل‬ ‫ْ‬ ‫اجلر ِار الذي‬ ‫ُ‬
‫سليامن إىل جيشه العظيم َّ‬ ‫نظر‬
‫ص�وت أقدام اجلي�ش وحده ُمرع ًب�ا‪ ،‬يهَ ِز ُم َّ‬
‫أي‬ ‫ُ‬ ‫املخلوق�ات‪ ،‬كان‬
‫جيشا آخر‪.‬‬ ‫ُ‬
‫اجليش ً‬ ‫آخر‪ ،‬فكيف إذا حارب هذا‬
‫جيش َ‬
‫يسير يف مقدمة اجليش حوله القوا ُد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سليامن ‪S‬‬ ‫وكان‬
‫والنرس زعيم الطيور‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وقائ�د اجلن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قائد اإلنس‪،‬‬
‫م�ن كل جنس‪ُ ،‬‬
‫ٍ‬
‫صوت‬ ‫يس�تمع إىل‬
‫ُ‬ ‫واألس�د ملك الوحوش وبقي ُة َّ‬
‫القواد‪ ،‬وإذا به‬ ‫ُ‬
‫ضعيف ين ِ‬
‫َادي فيقول‪:‬‬ ‫ُ‬
‫(((‬
‫ﮜ‬ ‫[ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ] [‪.]18 :p‬‬

‫فنادت يف‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫سليامن وهو قادم‪،‬‬ ‫جيش‬ ‫الصوت لِنَم ٍ‬
‫لة رأت َ‬ ‫كان‬
‫ُ ْ‬
‫يم�وت ُ‬
‫جيش النمل حتت‬ ‫َ‬ ‫أخواتهِ �ا ليدخلوا إىل اجلحور حتى ال‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اجلرار الذي لن يراهم‪.‬‬ ‫أقدام هذا اجليش‬

‫قولـها‪ ،‬ونظر إىل السامء‪،‬‬


‫َ‬ ‫ُ‬
‫سليامن ضاحكًا من‬ ‫نبي اهلل‬
‫فتبسم ُّ‬
‫شاكرا اهلل عىل هذه النعمة‪.‬‬
‫ً‬
‫(‪ )1‬أي‪ :‬ال ُيكرسنكم حني يدوسونكم باألقدام‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪55‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ث���م ق���ال‪[ :‬ﮧ ﮨ((( ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬


‫ﮯﮰﮱﯓﯔ ﯕﯖﯗﯘﯙ‬
‫ﯚ]‪.‬‬
‫جيش النمل حتى دخل إىل مساكنه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫س�ليامن َ‬ ‫وانتظر نبي اهلل‬
‫الغبار يع ُلو ِم ْن َو ْقع‬ ‫ِ‬
‫الصحراء كان‬ ‫ووسط‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫مسري ُه‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫اجليش‬ ‫ثم بدأ‬
‫واشتد ْت حرار ُة الشمس وزا َد‬ ‫ـها‪،‬‬‫ِ‬
‫َّ‬ ‫تدوس عىل رمال َ‬
‫ُ‬ ‫األقدام التي‬
‫قريب من هذا‬
‫ٌ‬ ‫نبات فعلم أن املا َء‬ ‫ُ‬
‫س�ليامن مكا ًنا فيه ٌ‬ ‫هلي ُبها وأبرص‬
‫َ‬
‫الرحال‪،‬‬ ‫ليقف فتو َّقف ُ‬
‫اجليش‪ ،‬ووض ُعوا‬ ‫َ‬ ‫املكان‪ ،‬فنادي يف جيشه‬
‫أوام ِر النبي ِ‬
‫امللك‪.‬‬ ‫واألمتع َة يف انتظار ِ‬
‫ِّ‬
‫وتلفت نبي اهلل س�ليامن يبحث ع�ن اهلدهد‪ ،‬فإن اهلدهد هو‬
‫الدليل على املاء‪ ،‬ألن اهلل تعاىل جعله يرى بعينه ما حتت الرتاب‪،‬‬
‫ويرضب بمنقاره الطويل يف الرمال بح ًثا عن املاء‪ ،‬فلم جيد سليامن‬
‫هذا اهلدهد فقال متعج ًبا‪:‬‬
‫�د أم كان م�ن الغائبي�ن؟ ثم طلب‬
‫اله ْد ُه َ‬
‫‪ s‬مال�ي ال أرى ُ‬
‫فورا‪ ،‬فحضر النسر‪،‬‬
‫سليمان من قائد الطير وهو النسر أن يحضر ً‬
‫فقال سليمان‪ :‬أين الهدهد؟‬
‫(‪ )1‬أوزعين‪ :‬أهلمني شكر نعمتك‪ ،‬وامنعني من كفرها‪.‬‬

‫‪56‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫موالي ال أدري أين هو؟‬


‫َ‬ ‫عفوا‬
‫فقال‪ً :‬‬
‫ِ‬
‫يس�تأذ ْن قبل‬ ‫الهدهد لم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س�ليمان ألن‬ ‫ف�زاد غضب نبي ِ‬
‫الله‬ ‫ُ ِّ‬
‫غيابِه‪.‬‬
‫فق���ال‪[ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ((( ﯱ ]‪.‬‬
‫النرس فقال‪ :‬أحرضوا‬ ‫سليامن ال ُع َق َ‬
‫اب‪ ،‬وهو طائر ُيشب ُه َ‬ ‫ُ‬ ‫ثم دعا‬
‫اهلدهد اآلن‪.‬‬
‫َ‬
‫قاب‬
‫(اهلدهد) فرآ ُه ال ُع ُ‬
‫ُ‬ ‫دقائق معدود ٌة حتى حرض‬ ‫مل ِ‬
‫متض إال ُ‬
‫والنرس‪.‬‬
‫ُ‬
‫نبي اهلل ِسليامن أقسم إما أن‬
‫كنت؟ وي َلك‪ ،‬إن َّ‬
‫فقاال له‪ :‬أين َ‬
‫َي ُقت َل َك أو َي َ‬
‫ذبحك أو ُي ِّ‬
‫عذ َبك‪.‬‬
‫َ‬
‫سليامن ‪.S‬‬ ‫اهلدهد مع النرس حتى وصال إىل‬
‫ُ‬ ‫ثم طار‬
‫حرض‪.‬‬‫َ‬ ‫نبي اهلل قد‬
‫اهلدهد يا َّ‬
‫ُ‬ ‫فقال النسر‪ :‬ها هو‬
‫رأس ِه ثم قال له‪:‬‬
‫اهلدهد غاضبا‪ ،‬وجذبه من ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫سليامن إىل‬ ‫فنظر‬
‫كنت؟‬
‫أين َ‬
‫(‪ )1‬يأتيين‪ :‬جييئني‪ ،‬والسلطان املبني‪ :‬العذر املقبول‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪57‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫تعلم أنت‪.‬‬
‫علمت ما مل ْ‬
‫ُ‬ ‫فقال‪ :‬مهلاً يا َّ‬
‫نبي اهلل‪ ،‬لقد‬
‫علم�ت؟ قال‪ :‬لقد جئ ُتك من س�بإٍ‬
‫َ‬ ‫فقال س���ليمان‪ :‬وماذا‬
‫بنبإٍ((( يقني‪.‬‬
‫رب؟‬
‫فقال سليمان‪ :‬وما هو اخل ُ‬
‫وجدت ام�را ًة ق�د َملك ْت ُهم‪ ،‬وإن هلا ً‬
‫عرش�ا عظيماً‬ ‫ُ‬ ‫ق���ال‪ :‬إين‬
‫جتلس عليه‪ ،‬وقد رأي ُتها وقو َمها يسجدون للشمس من دون اهلل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫يعبدون اهلل‪ ،‬بل يعبدون شي ًئا مما خلقه‪.‬‬ ‫كفارا ال‬
‫فرأي ُت ُهم ً‬
‫الشمس‬
‫َ‬ ‫وخلق‬
‫َ‬ ‫ب كيف ال يسجدون هللِ الذي خلقهم‬
‫فتعج َ‬
‫َّ‬
‫رب العرش العظيم‪.‬‬
‫وهو ُّ‬
‫ِ‬
‫اهلدهد‪ ،‬ثم ق�ال له‪:‬‬ ‫ُ‬
‫س�ليامن وانده�ش م�ن كالم‬ ‫فتعج�ب‬
‫س�نن ُظ ُر يف ه�ذا األم�ر‪ ،‬ون�رى ه�ل م�ن الصادقين أن�ت أم من‬
‫وجد ُه‪ ،‬ثم عاد‬
‫امل�اء حتى َ‬ ‫ليبحث عن ِ‬‫َ‬ ‫اهلدهد‬
‫ُ‬ ‫الكاذبين؟ وذهب‬
‫سليامن مرة أخرى‪ ،‬فوجده قد كَتب له كتا ًبا(((‪ ،‬وع َّلق الكتاب‬
‫َ‬ ‫إىل‬
‫تاجا ثم قال له‪[ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬ ‫يف ِمن ِ ِ‬
‫ْقاره‪ ،‬وألبس�ه ً‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ((( ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ] [‪]28 :p‬؟‬
‫(‪ )2‬رسالة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬خرب أكيد ال شك فيه‪.‬‬
‫ول‪ :‬ابتعد‪.‬‬
‫(‪َ )3‬ت َّ‬

‫‪58‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬
‫مملكة س�بأ‪،‬‬ ‫نبي اهللِ إىل‬ ‫َ‬ ‫اهلدهد حاملاً‬
‫س�ليامن َّ‬ ‫كتاب‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وط�ار‬
‫توح ِ‬
‫يد‬ ‫عند نبي اهلل‪ ،‬يد ُعو الناس إىل ِ‬ ‫وفدا من ِ‬ ‫فلقد صار رسولاً ُم ً‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫طائرا دون‬
‫الطري�ق ً‬
‫َ‬ ‫يقطع‬
‫ُ‬ ‫بجناح ْي�ه‬
‫َ‬ ‫وح َّلق يف السماء‬‫اهلل تع�اىل‪َ ،‬‬
‫راحة حتى وصل إىل سبأ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ش�اق من األعامل والتح�ركات‪ ،‬انقىض هذا اليوم بب ٍ‬
‫طء‬ ‫يوم ُّ‬
‫ُ ُْ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫أحست امللك ُة (بلقيس) ملك ُة سبأ أهنا ُ‬
‫حتتاج إىل‬ ‫شديد‪ ،‬ويف هنايته َّ‬
‫الراح ِة والنوم‪ ،‬فو َّد َع ْت وزرا َء َها‪ ،‬وانرصفت إىل ُحجرتهِ َا‪ ،‬وقبل‬ ‫َ‬
‫ووضعت عليه‬ ‫عرش�ها ال�ذي ز َّينته‪،‬‬ ‫نظرت إىل ِ‬ ‫مكانا‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫أن ُتغاد َر هَ‬
‫ِ‬
‫والفضة‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬
‫والذه�ب‬ ‫يت‪،‬‬‫واليواق ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلواه ِر‪،‬‬ ‫أغلى وأثم َن أن�وا ِع‬
‫ب عىل الرسير‪.‬‬ ‫جسدها ا ُمل ْت َع َ‬
‫َ‬ ‫تستعد للنوم َفأ ْ‬
‫لقت‬ ‫ُّ‬ ‫بدأت‬
‫ْ‬
‫جرتهِ ا‪ ،‬فانتبهت هل�ذا الصوت‪،‬‬
‫تس�مع صو ًت�ا يف ُح َ‬
‫ُ‬ ‫ف�إذا هبا‬
‫العجي�ب أما َمها قد‬
‫ُ‬ ‫اهلدهد‬
‫ُ‬ ‫وجتول�ت بِ َبصرَ ِ ه�ا يف حجرهتا‪ ،‬ف�إذا‬
‫ْ‬
‫وقف عىل َف ْت َح ِة ش ّباك احلجرة‪.‬‬
‫نقار ِه‬
‫�ك يف ِم ِ‬ ‫اهلدهد الذي يلبس تاجا‪ ،‬وي ِ‬
‫مس ُ‬ ‫َ ُ ً ُ‬
‫ِ‬ ‫�ت هلذا‬ ‫ف َع ِج َب ْ‬
‫الكتاب عىل رسيرها وطار‬
‫َ‬ ‫اهلدهد منها ثم ألقى‬
‫ُ‬ ‫برسالة‪ ،‬واقرتب‬
‫الكتاب فوجدت�ه خمتو ًما بختم امللوك‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫ِ‬
‫فأخذت‬ ‫ُمرس ًع�ا‪،‬‬
‫َ‬
‫‪n‬‬‫‪59‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ٍ‬
‫رس�ول من الطري‪،‬‬ ‫خط�اب خمتوم بخاتم امللك‪ ،‬يبع ُثه صاح ُبه مع‬

‫يكون ُم ْلكُه ً‬
‫كبريا‪ ،‬أو هو من غري البرش‪.‬‬ ‫َ‬ ‫إن ملكًا كهذا البد أن‬
‫ِ‬
‫اهلدهد‪،‬‬ ‫أعجب من‬ ‫َ‬
‫سليامن‪ ،‬فوجد ْته‬ ‫كتاب‬
‫َ‬ ‫بلقيس َ‬
‫ُ‬ ‫وفتحت‬
‫العج�ب يف حياهت�ا ألول مرة‪ ،‬فعزم�ت عىل مجع‬
‫َ‬ ‫تش�اهد‬
‫ُ‬ ‫وإهن�ا َل‬
‫لتعرض عليهم أ َمر‬
‫َ‬ ‫وخواصها من أهل الرأي واملشورة‬
‫ِّ‬ ‫وزرائها‪،‬‬
‫العجب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الكتاب َ‬

‫فلم���ا حضروا قال���ت‪[ :‬ﮞ ﮟ((( ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬


‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ] [‪.]31 - 29 :p‬‬

‫ي�ا أهيا امللأ َأ ْف ُت�وين يف أمري‪ ،‬م�ا كنت قاطعة ً‬


‫(((‬
‫أم�را حتى‬
‫تش�هدونى‪ ،‬وتش�اركوين يف األم�ر فقال�وا‪ :‬نحن أقوي�ا ُء‪ ،‬ولدينا‬
‫�ك‪ ،‬فانظري ماذا‬ ‫س�ليامن‪ ،‬واألم�ر َل ِ‬
‫َ‬ ‫نحارب‬ ‫العظي�م ف ْل‬ ‫ُ‬
‫اجلي�ش‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫تأ ُم ِرين‪ ،‬فنحن َن ُ‬
‫سمع و ُنط ُيع‪.‬‬

‫(‪ )1‬املأل‪ :‬هم حاشية امللك وخاصته‪.‬‬


‫(‪ )2‬أفتوني‪ :‬أعطوين الفتوى والشورى‪.‬‬
‫‪60‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ففكرت قليلاً ‪ ،‬والتمعت عيناها‪ ،‬ثم أحنت رأسها‪ ،‬ونظرت‬


‫إىل عرشها الذهبي الرائع وهي تلمسه بيدها ثم قالت‪ :‬إن امللوك‬
‫إذا دخل�وا قري�ة أفس�دوها وجعل�وا أع�زة أهله�ا َأ ِذ َّل�ة وكذلك‬
‫يفعلون‪.‬‬
‫لقد رأت أن احلرب ستأيت باخلسائر عىل مملكتها‪ ،‬وأن سليامن‬
‫الذي يرس�ل كتا ًبا عىل جناح طائر البد وأنه يملك ً‬
‫جيشا عظيماً ‪،‬‬
‫كام أهنا امرأة ال حتب الدماء‪ ،‬وال احلرب‪.‬‬
‫ثم أكملت قوهلا فقالت‪ :‬وإين مرس�لة هبدية إىل سليامن‪،‬‬
‫ومنتظرة بامذا سريجع الرسل الذين سأبعثهم له‪.‬‬
‫ونادت وزيرها ثم قالت له‪ :‬سوف أبعثك إىل سليامن هبدا ًيا‬
‫وتاج فيه درة من‬ ‫ٍ‬
‫وج�وار‪ٌ ،‬‬ ‫عظيم�ة‪ ،‬فيها ذهب‪ ،‬ومال‪ ،‬وعطور‪،‬‬
‫لؤلؤ‪ ،‬ولبنات((( من ذهب ومن فضة‪.‬‬
‫وح َّقة((( مغلقة‪ ،‬ثم قالت له‪:‬‬
‫وس�أعطيك أوعية فيها مسك ُ‬
‫قب�ل أن يفتح احلق�ة اس�أله أولاً أن خيربك بام فيها‪ ،‬ف�إذا أخربك‪،‬‬

‫(‪ )1‬لبنات‪ :‬مجع لبنة‪ ،‬وهي احلجارة التي تستخدم يف البناء‪.‬‬


‫(‪ )2‬حقه‪ :‬وعاء من العاج له غطاء ُيوضع فيه املسك‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪61‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فاس�أله أن يثقب الدرة التي يف التاج ثق ًبا مس�تو ًيا‪ ،‬ويدخل خي ًطا‬
‫فيه�ا‪ ،‬ثم انظر إليه‪ ،‬فإذا رأيت�ه غاض ًبا عليك‪ .‬فاعلم أنه ملك فال‬
‫كثريا‬
‫ختف منه‪ ،‬وإذا رأيته يبتس�م لك‪ ،‬فاعل�م أنه نبي وال تتكلم ً‬
‫معه‪ ،‬ولكن اجعل إجابتك عىل األسئلة بسيطة‪.‬‬

‫وخ�رج وزي�ر بلقي�س ليحمل هداياه�ا إىل نبي اهلل س�ليامن‬


‫يف موك�ب عظي�م‪ ،‬وعىل البعد كان اهلدهد يطير بجناحيه ليخرب‬
‫نبي اهلل سليامن بام قد رآه‪ ،‬ليستعد الستقبال وفد بلقيس‪.‬‬

‫ف‬ ‫وجلس سليامن عىل كرسيه وبجوراه وزيره الصالح ِ‬


‫(آص ُ‬
‫بن ب ِ‬
‫رخ َيا)‪.‬‬ ‫َ‬
‫جدارا يف الطريق الذي س�يمر‬
‫ً‬ ‫ثم أمر س�ليامن اجلن أن يبنوا‬
‫به وفد بلقيس‪.‬‬

‫ولكن�ه جدار حجارت�ه ولبناته من ذهب وم�ن فضة‪ ،‬وترك‬


‫بع�ض األماكن فارغة مل يض�ع فيها لبنات‪ ،‬فكان�ت بعدد لبنات‬
‫وف�د بلقي�س‪ ،‬ففعلوا‪ .‬ث�م انعقد ديوان س�ليامن يف انتظار دخول‬
‫وفد مملكة سبأ عليه‪.‬‬

‫‪62‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ويف الطري�ق نظ�ر وزير بلقيس إىل اجلدار الذي أمر س�ليامن‬
‫اجل�ن ببنائ�ه ف�رآه م�ن ذه�ب وفض�ة‪ ،‬ورأى أن بع�ض األماكن‬
‫واملواض�ع يف اجلدار ليس فيها لبن�ات‪ ،‬فأخرج ما معه من لبنات‬
‫الذهب والفضة ووضعها يف هذه املواضع‪ ،‬حتى ال يتهمه سليامن‬
‫برسقتها‪ ،‬ودخل الرعب قلبه‪.‬‬
‫وشا‪ ،‬فاطمأن قليلاً‬
‫ودخل عىل نبي اهلل سليامن فرآه باسماً َب ُش ً‬
‫وهدأت نفسه وراح يقلب برصه يف قرص نبي اهلل سليامن‪ ،‬فإذا به‬
‫قد امتأل بالعجائب والكنوز‪.‬‬

‫لقد رأى أطبا ًقا من ذهب قد امتألت مسكًا طيب الرائحة‪.‬‬

‫ثم رأى ياقو ًتا أمحر يف أطباق أخرى ويف هذه األطباق وضع‬
‫قلي�ل من ماء الورد‪ ،‬وج�اءت طيور صغرية ترف�رف بجناحيها‪،‬‬
‫وتتم�رغ يف هذا املس�ك‪ ،‬ثم تنزل يف ماء ال�ورد‪ ،‬وتطري يف القرص‬
‫متلؤه هبذه الرائحة الطيبة‪ ،‬وتقدم الرجل متعج ًبا إىل س�ليامن‪،‬‬
‫ثم ُ‬
‫وس� ّلمه كتاب بلقيس إلي�ه‪ ،‬ثم جلس يتأم�ل يف روعة قرص هذا‬
‫امللك العظيم‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪63‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وما أن انتهى سليامن من قراءة الكتاب حتى قال للوزير‪:‬‬


‫‪ s‬أين الحقة التي بعثتها ملكتك معك؟‬
‫فأخرجه���ا من جيبه وقال‪ :‬ها هي يا س�يدي‪ ،‬ولكن هل‬
‫لك أن تخبرني بما فيها؟‪.‬‬
‫فقلبه���ا س���ليمان بين يديه ثم ق���ال‪ :‬إن فيها درة ثمينة‪،‬‬
‫وفيها خرزة‪ ،‬وفي الخرزة ثقب معوج‪.‬‬
‫فاندهش الوزير‪ ،‬وأوش�ك أن ُيقتل من دهش�ته مما يحدث‬
‫حوله‪ ،‬فإنه يعيش في جو خيالي اآلن‪.‬‬
‫فالنب�ي ال�ذي أمام�ه يعرف كل ش�يء‪ ،‬ويملك كل ش�يء‪،‬‬
‫ولكن�ه تذكر أمر الملكة بلقيس بس�رعة فق�ال‪ :‬صدقت‪ ،‬وتأكد‬
‫رس�ول بلقيس ووزيرها أنه أمام نبي ال أمام ملك‪ ،‬وأن ما يفعله‬
‫إنم�ا هي معجزات خارقة أعطاها الله تعالى له‪ ،‬فأس�رع بتقديم‬
‫بقية الهدايا لسليمان‪.‬‬
‫نبي هدية‬
‫أما س�ليمان فإنه رفض الهدية‪ ،‬فال يصح أن يقبل ٌّ‬
‫ٍ‬
‫كاف�ر‪ ،‬وأخب�ر الوزي�ر بأنه ل�ن يقبل هداي�اه إال إذا ترك�وا عبادة‬
‫الشمس وعبدوا الله وحده ال شريك له‪.‬‬
‫‪64‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫خيرا مما‬ ‫ِ‬


‫وق���ال‪ :‬أتمدو ُنني بالمال؟!! فإن الله ق�د أعطاني ً‬
‫أعطاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون‪.‬‬

‫ث���م حذره س���ليمان قائ�ًل�اً ‪ :‬ارجع إلى ملكتك وش�عبك‪،‬‬


‫فلنأتينك�م بجنود ال ِق َب َل((( لكم به�ا‪ ،‬ولن ُْخ ِرجنكم من أرضكم‬
‫أذلة وأنتم صاغرون(((‪.‬‬

‫وع�اد موكب وزير بلقيس إلى س�بأ وه�و ال يصدق ما رآه‪.‬‬


‫ولكنها حقائق وليس�ت خياالت ودخل على ملكته‪ ،‬فحكى لها‬
‫ما رآه م�ن العظمة‪ ،‬والروعة‪ ،‬والعجب‪ ،‬فإذا بها تمص ش�فتيها‬
‫ثم تقول‪:‬‬

‫‪ s‬إن�ه نب�ي‪ ،‬وال ق�درة لن�ا عل�ى حرب�ه‪ ،‬وس�نذهب إلي�ه‬


‫مؤمنين‪.‬‬

‫وأم�رت بإعداد موكب ملكي س�يرحل إل�ى بيت المقدس‬


‫للقاء نبي الله سليمان‪.‬‬

‫(‪ )1‬ال قدرة وال طاقة لكم عليها‪.‬‬


‫(‪ )2‬صاغرون‪ :‬مجع صاغر وهو الذليل‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪65‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ذهاب ملكة سبأ لنبي اهلل سليمان‬


‫اس�تعد الموكب الملكي للخروج من س�بأ لمالقاة الملك‬
‫النب�ي س�ليمان ‪ ،S‬فنظرت بلقي�س إىل عرش�ها العظيم‪،‬‬
‫ومسته بيدها‪.‬‬
‫ث�م أم�رت اجلنود أن حيمل�وه إىل مكان أمني وج�اء الرجال‬
‫األقوياء األشدا ُء حيملون العرش‪ ،‬وقلبها خيفق خو ًفا من سقوطه‬
‫أو اصطدامه بعمود من أعمدة القرص‪.‬‬
‫ث�م أدخلوه آمنًا إىل مكان ال يعرف�ه إال هم وامللكة وأغلقت‬
‫امللك�ة األبواب عىل العرش‪ ،‬وجعلت علي�ه با ًبا يتلوه باب تتلوه‬
‫أب�واب‪ ،‬ولكل باب قفل ال يس�تطيع أحد أن يفتحه إال هي‪ ،‬فقد‬
‫شديدا‪،‬‬
‫ً‬ ‫احتفظت بمفاتيح األبواب معها وو َّك َلت بالعرش ً‬
‫حرسا‬
‫خريا‪.‬‬
‫وأوصتهم به ً‬
‫وركبت الملكة فرسها‪ ،‬ونادى المنادي بالرحيل من سبأ‪.‬‬
‫وتحرك موك�ب ملكي مهيب تتقدمه ملكة جميلة ُتفكر في‬
‫أم�ر هذا النبي‪ ،‬وتتخيل عظمة قصره‪ ،‬وتتصور في نفس�ها ما قد‬
‫وصفه الوزير الذي أرسلته لسليمان ‪.S‬‬
‫‪66‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وقري ًب�ا م�ن بي�ت املق�دس وصلت بلقي�س‪ ،‬وكان س�ليامن‬


‫جالسا عىل كرسيه يف قرصه فسمع صو ًتا عظيماً يأيت من‬
‫ً‬ ‫‪S‬‬
‫اخلارج‪ ،‬فسأل جنوده‪:‬‬
‫‪ s‬ما هذا الصوت؟‬
‫‪ s‬قال���وا‪ :‬إنه موك�ب الملكة بلقيس‪ ،‬لق�د نزلت قري ًبا من‬
‫بيت المقدس‪.‬‬
‫ففكر س�ليمان في شيء يفعله لكي تتأكد بلقيس من نبوته‪،‬‬
‫ومن قدرة الله تعالى‪ ،‬فتؤمن س�ري ًعا وتذكر قول الهدهد له أول‬
‫مرة‪« :‬ولها عرش عظيم»‪.‬‬

‫ماذا قال العفريت‬


‫فماذا لو أحضر العرش أمامه من سبأ‪ ،‬ستصبح هذه معجزة‪،‬‬
‫واضحا على قدرة الله تعالى‪ ،‬فقال سليمان‪:‬‬
‫ً‬ ‫ويصير دليلاً‬
‫يا أيها المأل‪ ،‬أ ُّيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين؟‬
‫فق���ال عفري���ت م���ن الجن‪ :‬أنا آتي�ك به قب�ل أن تقوم من‬
‫َم َق ِام َك(((وإني عليه لقوي أمين‪.‬‬
‫(‪ )1‬قبل أن ينتهي جملسك‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪67‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وأوشك سليمان أن يأمر العفريت ليذهب إلى سبأ ليحضر‬


‫العرش‬
‫ولك�ن خرج ص�وت وزيره المؤمن الذي كان يحفظ اس�م‬
‫الله األعظم الذي إذا دعي به أجاب‪ ،‬وإذا ُس�ئل به أعطى‪ ،‬وهو‬
‫صالحا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ً‬ ‫عالما‪،‬‬
‫الوزير (آصف بن َبرخيا) وكان ً‬
‫يا نبي الله‪ ،‬أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك(((؟‬
‫فقال سليمان‪ :‬أح ًقا ما تقول يا آصف؟‬
‫قال‪ :‬نعم يا نبى الله‪ ،‬انظر إلى اليمين‪.‬‬
‫فنظ�ر س�ليمان إل�ى اليمي�ن‪ ،‬ثم ق�ال له آصف بع�د لحظة‬
‫إلى فما أن نظر س�ليمان إلى اليمين ثم‬
‫واح�دة‪ :‬انظر يا نبي الله ّ‬
‫عاد مرة أخرى‪.‬‬
‫حت�ى وجد العرش أمامه‪ ،‬فعج�ب لروعته‪ ،‬فإنه كما وصفه‬
‫الهده�د عرش عظي�م‪ ،‬رآه مزينً�ا بالذهب والياق�وت واللؤلؤ‪،‬‬
‫والزمرد األخضر‪ ،‬ووجده من ذهب خالص‪.‬‬

‫(‪ )1‬قبل أن تفتح عينيك بعد غلقها وهو دليل عىل الرسعة‪.‬‬

‫‪68‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وأح�س ُس�ليمان بنعمة الله تعالى علي�ه‪ ،‬فتواضع‪ ،‬ونكس‬


‫َّ‬
‫رأسه يشكر الله تعالى قائلاً ‪:‬‬
‫هذا من فضل ربي ليبلوني((( أأش�كر‪ ،‬أم أكفر؟ ومن شكر‬
‫فإنام يشكر لنفسه ومن كفر فإن ريب غني كريم‪.‬‬
‫وأراد س�ليامن اختي�ار ذكاء بلقيس‪ ،‬لرياها ه�ل هي بالذكاء‬
‫ال�ذي حدثوه عنها أم ال؟ فأمر جن�وده بتغيري القليل من العرش‬
‫فق�ال‪ :‬نك ُِّروا((( هلا عرش�ها‪ ،‬ننظر أهتت�دي أم تكون من الذين ال‬
‫هيتدون؟‬
‫فأخ�ذ اجلن�ود ينقص�ون من زين�ة الع�رش‪ ،‬ويزي�دون فيه‪،‬‬
‫ليخفوا معامله ومنظره‪ ،‬ويغريوا منه ليختربوا ذكاءها‪.‬‬
‫وحت�رك س�ليامن بجنوده إىل م�كان قريب م�ن القرص‪ ،‬وأمر‬
‫رصحا((( من الزج�اج‪ ،‬وجيعلوا املاء جيري من‬
‫ً‬ ‫اجل�ن أن يبنوا هلا‬
‫حتته‪ ،‬وما ذلك إال لتؤمن بلقيس بقدرة اهلل تعاىل وعظمته‪ ،‬وانتهي‬
‫اجلنود من البناء‪.‬‬
‫(‪َ )2‬ن ِّكروا‪ :‬غريوا األوصاف‪.‬‬ ‫(‪ )1‬يبلوني‪ :‬خيتربين‪.‬‬
‫(‪ )3‬الصرح‪ :‬القرص العظيم‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪69‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وحرضت بلقيس‪ ،‬فاستقبلها نبي اهلل سليامن مبتسماً ضاحكًا‬


‫أما هي فال زالت مندهشة مما حوهلا‪.‬‬
‫فالط�رق مفروش�ة بالذه�ب والفض�ة‪ ،‬واجلدران منقوش�ة‬
‫ومزين�ة بأغىل وأثم�ن اجلواهر‪ ،‬والقصر من العظم�ة بام جيعلها‬
‫تقف ناظرة إليه ال تتحرك عيناها عنه‪.‬‬
‫وس�ليامن ‪ S‬متواض�ع غير مغ�رور بما حول�ه‪ ،‬وإنه‬
‫للعجب ال ُعجاب‪.‬‬
‫ث�م اصطحبها س�ليامن لتتج�ول يف قرصه‪ ،‬فلا متلك إال أن‬
‫تنظر فقط يف روائع اجلامل التي حتيط هبا‪.‬‬
‫فإنه ُم ٌ‬
‫لك ال ينبغي إال لنبي يستمد قوته من قوة اإلله العظيم‬
‫وهو اهلل وحده ال رشيك له‪.‬‬

‫ووصل سليامن إىل املكان الذي وضع فيه عرشها بعد أن غيرَّ‬
‫قليًل�اً منه‪ ،‬ففتح الباب فدخل ودخلت معه‪ ،‬فنظرت إىل العرش‬
‫فقال هلا سليامن‪:‬‬
‫‪ s‬أهكذا عرشك؟‬

‫‪70‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ولكن‪...‬كي�ف؟ إنه�ا ترك�ت الع�رش في حراس�ة الرجال‬


‫�داء‪ ،‬وإن مفاتيح الحجرات معها وحدها‪ ،‬وإن العرش قد‬ ‫ِ‬
‫األش َ‬
‫تغيرت بعض أوصافه ومعالمه‪ ،‬فأجابت في ذكاء شديد‪.‬‬
‫‪ s‬كأنه هو َع ْرشي‪.‬‬
‫فقال سليمان‪ :‬بل هو عرشك يا بلقيس جئنا به من قصرك‬
‫منذ وقت قصير‪.‬‬
‫فتعجبت من ُقدرة الل�ه تعالى‪ ،‬ومن القوة التي أعطاها الله‬
‫لسليمان‪.‬‬
‫وقاده�ا س�ليمان للص�رح ال�ذي بن�اه الج� ُّن م�ن الزجاج‬
‫وجعل�وا الم�اء يجري من تحت�ه فدخلت معه‪ ،‬فلم�ا رأت الماء‬
‫يجري‪ ،‬ظنت أن قدميها س�تبتل‪ ،‬ولم تكن تعرف أنه من ُزجاج‪،‬‬
‫باسما‪:‬‬
‫فقال سليمان ً‬
‫صر ٌح ُم َمرد(((من َقوارير(((‪.‬‬
‫إنه ْ‬
‫ومل يع�د أم�ام بلقي�س إال تؤم�ن بق�درة اهلل تع�اىل‪ ،‬وتترك‬
‫عبادة الش�مس الت�ي ورثتها عن أجدادها‪ ،‬فلئن كانت الش�مس‬

‫(‪ )2‬من زجاج‪.‬‬ ‫(‪ )1‬ناعم أملس‪.‬‬


‫‪n‬‬ ‫‪71‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ت�أيت باحل�رارة والضوء‪ ،‬ف�إن اهلل تعاىل هو الذي أعطي الش�مس‬


‫حرارهتا‪ ،‬وضوءها وما الشمس والقمر إال بعض خلق اهلل الذي‬
‫أعطي لسليامن هذه النِّعم‪ ،‬فقالت ُمستغفرة تائبة‪:‬‬
‫‪ s‬رب إني ظلمت نفس�ي وأس�لمت مع س�ليمان لله رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫فش�كر س�ليمان ربه ‪ D‬عىل أن هدى به امللكة وش�عبها‪،‬‬
‫وجلس�ت بلقي�س ترى العج�ب يف ملك س�ليامن‪ ،‬ث�م انقضت‬
‫األيام رسي ًعا‪ ،‬فعادت إىل مملكتها وهناك رفع اجلميع صوته‪:‬‬
‫‪ s‬ربن�ا ظلمن�ا أنفس�نا‪ ،‬وأس�لمنا م�ع س�ليمان لل�ه رب‬
‫العالمين‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪72‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫العابد والشيطان‬
‫بعيدا‪ ،‬وكانت هلم‬ ‫أراد ثالثة إِخوة أش�قاء أن يس�افروا ً‬
‫سفرا ً‬
‫أخ�ت وحيدة فخافوا أن يس�افروا ويرتكوها وحدها‪ ،‬ففكروا يف‬
‫ه�ذا األمر فلم جيدوا أمامهم إال برصيص�ا العابد الذي يتعبد هلل‬
‫يف صومعته‪.‬‬
‫بعيدا‬
‫الصومعة‪ :‬هي بيت الراهب الذي ينقطع للعبادة فيه ً‬
‫ع�ن الناس فال أحد ُيؤمن يف هذه القرية عىل فتاة يف س�ن الزواج‬
‫غري برصيصا العابد‪.‬‬
‫وكان برصيص�ا معرو ًف�ا بالصلاح وفع�ل اخلير‪ ،‬وذه�ب‬
‫اإلخوة الثالثة إىل برصيصا يف صومعته‪.‬‬
‫وعرض�وا عليه األم�ر‪ ،‬فرف�ض أولاً بحجة أن�ه رجل عابد‬
‫ال يملك الوقت لرعاية أختهم‪ ،‬وأهنا سوف تشغله عن عبادته‪.‬‬
‫واليشء الذي مل يعرفه اإلخوة أن برصيصا َر ُجل حيب الفخر‬
‫وأن إيامنه ضعيف ذلك أنه اغترّ بإيامنه‪ ،‬ظ ّن أن ال قدرة للشيطان‬

‫‪n‬‬ ‫‪73‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫عليه‪ ،‬ونيس املغرور أن أول درجات سلم الصعود إىل النهاية هو‬
‫الغرور حيث يفتح قلبه للشيطان‪.‬‬
‫واستطاع الشيطان أن يوسوس (لربصيصا) فقال‪:‬‬
‫‪ s‬إن�ه عمل خير لهؤالء المس�اكين‪ ،‬فواف�ق على طلبهم‪،‬‬
‫بعيدا عن خطوات الشيطان‪.‬‬
‫وانشغل بصالتك وعبادتك ً‬
‫واف�ق المغرور على طلب أس�تاذه (إبليس) واش�ترط على‬
‫اإلخوة أن يبنوا ألختهم ك ً‬
‫ُوخا قري ًبا من صومعته لتسكن أختهم‬
‫فيه فال يراها وال تراه‪ ،‬فوافق اإلخوة‪.‬‬
‫وهك�ذا ّ‬
‫دق برصيص�ا المس�مار األول ف�ي نعش�ه دون أن‬
‫يدري‪.‬‬
‫كان برصيصا يحم�ل الطعام إلى كوخ الفتاة كل يوم ولكن‬
‫يترك�ه في منتصف الطري�ق ثم يعود‪ْ ،‬‬
‫وتأتي ه�ي فتأخذ طعامها‬
‫كل يو ٍم‪ ،‬وال زال هذا فعله كل يوم‪.‬‬
‫وللشيطان في حيله ومكره أسلوب ال يتغير فهو يفتح أبواب‬
‫ٍ‬
‫واحد من الش�ر لقد راح إلى برصيصا يقول‬ ‫الخير من أجل باب‬
‫له وهو ال يراه‪:‬‬
‫‪74‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪ s‬مس�كينة تل�ك الطفل�ة‪ ،‬تضع له�ا الطعام ف�ي منتصف‬


‫الطري�ق وتعود‪ ،‬فلعل كل ًبا أو ق ًطا‪ ،‬أو ً‬
‫أحدا آخر من الناس يأخذ‬
‫الطعام فتبيت هي جائعة دون أن تدري‪.‬‬
‫وفك�ر (برصيص�ا) في أمر ه�ذه الفتاة وانش�غل عن صالته‬
‫وعبادته في تلك الليلة حتى قرر أن يصل إلى باب الكوخ ويضع‬
‫الطعام على الباب ثم يعود حتى ال ينظر إليها وتنظر إليه‪.‬‬
‫وق�ام في الصب�اح فحمل الطعام إلى ب�اب الكوخ ثم طرق‬
‫الب�اب وانص�رف إلى صومعت�ه يعبد الل�ه والزال ش�يطانه معه‬
‫�ور ه�ذه الفتاة في‬
‫يص ِّ‬
‫أمرا آخ�ر‪ ،‬فراح ُ‬
‫يوس�وس ل�ه‪ ،‬ويدبر ل�ه ً‬
‫خياله‪ ،‬فيراها ويتخيلها جميلة صغيرة‪ ،‬وهو الرجل الذي انعزل‬
‫عن الناس من أجل العبادة زمنًا طويلاً ‪.‬‬
‫وس�رعان ما اس�تغفر برصيصا رب�ه وعاد إل�ى عبادته لكن‬
‫بقلب آخر غير ذلك القلب الذي كان يعرفه‪ ،‬فلقد شاركته الفتاة‬
‫قلبه دون أن يراها أو تراه‪.‬‬
‫وقام برصيص�ا في يومه التالي فوض�ع الطعام ثم انصرف‪،‬‬
‫ودخل في عبادته وصالته‪ ،‬ولك ّن شي ًئا ما قطع صالته وعبادته‪:‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪75‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪ s‬إن�ه يضع الطعام أمام باب الكوخ ثم يمش�ي‪ ،‬فما أدراه‬


‫أن الفت�اة تأخذ الطعام‪ ،‬فلعلها أن تك�ون يو ًما من األيام مريضة‬
‫أو متعب�ة تحتاج إل�ى طبيب أو دواء‪ ،‬فعقد الع�زم على أن يضع‬
‫الطعام ثم يراقبها من بعيد وهي تأخذه حتى يطمئن قلبه‪.‬‬

‫ولم َي ُد ْر بخلده وال بعقله أن هذه هي وسوسة شيطانه الذي‬


‫تغ ّلب عليه‪.‬‬

‫برصيصا العابد يقع في المعصية‬


‫يا لها من رائعة جميلة‪ ،‬أجمل بكثير مما تخيلتها!!‬

‫كان�ت هذه كلمات برصيصا حين رأى الفتاة ألول مرة منذ‬
‫أن س�كنت الك�وخ المجاور له‪ ،‬وها هي اآلن ق�د تعلق بها قلبه‬
‫حت�ى عاد إل�ى صومعته ال يفك�ر إال فيها‪ ،‬فأينم�ا ذهب طاردته‬
‫بوجهه�ا‪ ،‬وكلما أراد الدخول إلى العبادة إذا بها تظهر في عقله‪،‬‬
‫فتش�غله ع�ن عبادة رب�ه والصالة ل�ه‪ ،‬وما كان ه�ذا إال من فعل‬
‫شيطانه‪.‬‬

‫‪76‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫واس���تجاب برصيصا لوسوسة ش���يطانه‪ ،‬ولو استعان‬


‫باهلل عليه فقال‪:‬‬
‫‪ s‬أع�وذ بالل�ه من الش�يطان الرجي�م ألعانه الل�ه‪ ،‬ولطرد‬
‫بعي�دا عنه‪ ،‬لكنه اس�تجاب لكل كلمة راح يوس�وس له‬
‫ً‬ ‫ش�يطانه‬
‫بها‪:‬‬
‫ضرك‬ ‫‪ s‬إن�ك عابد منعت نفس�ك عن َّ‬
‫ل�ذات الدني�ا‪ ،‬فما ّ‬
‫ل�و ارتكبت ً‬
‫خطأ ث�م ُت ْب َت إلى الله بعد ذلك‪ ،‬س�يغفر الله لك يا‬
‫برصيصا‪.‬‬
‫وح�اول برصيص�ا التخل�ص من ه�ذه األف�كار إال أنه عاد‬
‫ففكر فيها حتى مضت ليلته دون‬
‫ليذك�ر جميلة الكوخ التي رآها ّ‬
‫صالة‪ ،‬وعزم على أن يكلمها وتكلمه‪.‬‬
‫وما أن جاء يومه التالي حتى طرق بابها فلما ظهرت بوجهها‬
‫احمر وجهه‪ ،‬وسال ُلعابه‪ ،‬وارتبك فقال‪ :‬جئت أسأل عن حالك‬
‫ّ‬
‫فلعلك بخير‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬بخير يا سيدي‪ ،‬فهل تدخل قليلاً ؟‬

‫‪n‬‬ ‫‪77‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وس�ري ًعا ما خجل برصيصا من نفس�ه‪ ،‬فقال‪ :‬ال إنما جئت‬


‫أس�أل عن حالك‪ ،‬ث�م انصرف وع�ادت أمواج األف�كار العالية‬
‫تغرق عقله وقلبه حتى صار ليس معه من يعينه على الطاعة فقد‬
‫تمكن منه الش�يطان‪ ،‬فالش�يطان ذئب اإلنسان‪ ،‬وهو من الواحد‬
‫أقرب إلىه من االثنين أو الثالثة‪ ،‬وما أسهل مهمة الشيطان حين‬
‫يكون اإلنسان وحده‪ ،‬وإال فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم‪.‬‬

‫صورها الشيطان في أحالمه ومنامه‪ ،‬وراح صوتها يرن‬


‫لقد ّ‬
‫في أذنيه‪ ،‬وصورتها ووجهها ال يفارق عينيه‪ ،‬فقام فز ًعا من نومه‬
‫يتمنى لو كلمها وكلمته مرة أخرى‪.‬‬

‫وفت�ح (برصيصا) قلبه وعقله لش�يطانه‪ ،‬فدخ�ل هذه المرة‬


‫إلى كوخ الفتاة‪ ،‬فكلمها فكلمته وأعجبها حتى كانت الفاحش�ة‬
‫وعصى برصيصا ربه في نفس المكان الذي عبد الله فيه‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪78‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫برصيصا يقتل الفتاة‬


‫وجد الش�يطان (برصيصا) فريس�ة س�هلة أمامه‪ ،‬فوس�وس‬
‫إلي�ه م�رة أخرى وق�ال ل�ه‪ :‬إذا أتى إخ�وة الفتاة وعلم�وا باألمر‬
‫فسيقتلونك!!‬

‫ففكر العابد الذي يعبد الله على جهل في أمره فهداه شيطانه‬
‫إلى حيلة أخرى‪ .‬فقتل الفتاة خو ًفا من أن تخبر أهلها بما حدث‪،‬‬
‫ثم دفنها وعاد إلى صومعته وحاول أن يتوب إلى الله‪.‬‬

‫وعاد إخوة الفتاة من سفرهم وجاءوا إلى (يرصيصا) وهو‬


‫يدعي العبادة فسألوه عن أختهم فقال‪:‬‬

‫‪ s‬ماتت فدفنتها‪ ،‬ثم أراهم قبرها‪.‬‬

‫وهكذا كذب‪ ،‬وقتل‪ ،‬وارتكب الفاحشة وعاد الشيطان هذه‬


‫ٍ‬
‫رجل‬ ‫الم�رة إلى اإلخ�وة الثالثة‪ ،‬فجاءهم في نومه�م على هيئة‬
‫مسافر فس ّلم عليهم ثم قال لهم‪:‬‬

‫‪ s‬إن أختكم دفنها برصيصا بعد أن ذبحها‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪79‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ث�م دلهم على قبرها وأف�اق اإلخوة الثالثة فإذا بهم قد رأوا‬
‫الح ْلم فعزموا على الذهاب إلى قبر أختهم‪ ،‬ففتحوا القبر‪،‬‬
‫نفس ُ‬
‫فوج�دوا أخته�م مذبوح�ة فأخذوا برصيص�ا إلى حاك�م البالد‬
‫ليحكم فيه فأمر بإيداعه الس�جن حتى ُي ْق َتل جزا ًء له على فِ ْع َلتِه‪،‬‬
‫وس�جن العاب�د (برصيص�ا)‪ ،‬وف�ي الصب�اح ُج ِهزت المش�نقة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫مسرورا‬
‫ً‬ ‫وجلس برصيصا في انتظار قتله‪ ،‬فجاءه الش�يطان َف ِر ًحا‬
‫يقول له‪:‬‬

‫‪ s‬أتدري من أنا؟‬

‫فقال‪ :‬ال‪.‬‬

‫قال‪ :‬أنا ش�يطانك الذي أضللت�ك وأغويتك حتى أوقعتك‬


‫ف�ي الفاحش�ة‪ ،‬وجعلت�ك تقت�ل الفت�اة‪ ،‬وأرش�دت إخوتها إلى‬
‫قبرها‪ ،‬فأطعني حتى أنقذك من القتل‪.‬‬

‫قال‪ :‬ماذا أفعل؟‬

‫قال‪ :‬اسجد لي‪.‬‬

‫‪80‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وب�دلاً م�ن أن يت�وب (برصيص�ا) األحمق إلى ربه س�جد‬


‫لش�يطانه‪ ،‬فم�ات وهو يس�جد ل�ه‪ ،‬فكان م�ن أهل الن�ار فصاح‬
‫الش�يطان‪ :‬إن�ي بريء من�ك إني أخ�اف الل�ه رب العالمين وما‬
‫خاف الشيطان من الله يو ًما ولكنه يسخر من هذا األحمق‪.‬‬

‫[ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ‬
‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ] [‪.]17-16:s‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪81‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أصحاب القرية‬

‫كان املل�ك «أنطخس» ظا ًملا ً‬


‫كافرا باهلل تعاىل جعل نفس�ه إهلًا‬
‫من دون اهلل وأمر شعبه أن يعبده من دون اهلل ففعلوا‪.‬‬
‫وكان ه�ذا امللك ينرش رجاله بني الناس‪ ،‬فإذا عرفوا بوجود‬
‫أح�د املؤمنين جاءوا ب�ه إىل امللك فس�جنه وقتله حت�ى مل يبق يف‬
‫القرية كلها إال ثالثة رجال مؤمنني وعلم امللك بأمرهم‪ ،‬فأرسل‬
‫جنوده وحرس�ه حتى قبضوا عليهم وأودعوهم الس�جن يقتلهم‬
‫بعد ذلك أمام أهل القرية يف «أنطاكية»‪.‬‬
‫وبذل�ك خيش�ى الناس ه�ذا املل�ك‪ ،‬ال يبق�ى يف القرية كلها‬
‫مؤمن واحد‪.‬‬
‫واحتشد الناس مجي ًعا لرؤية هذا املشهد املروع‪.‬‬
‫ووق�ف أهل أنطاكية أمام قرص املل�ك ينتظرون تنفيذ حكم‬
‫اإلع�دام يف ثالث�ة رجال هم آخ�ر املؤمنني يف ه�ذه القرية‪ ،‬وأمر‬
‫امللك بقتل املؤمن األول فقتله اجلنود‪.‬‬

‫‪82‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ث�م ج�اءوا باملؤم�ن الث�اين فقتل�وه‪ ،‬إال أهنم حين أحرضوا‬


‫الرج�ل الثال�ث إذا به يسس�تطيع أن يفك قيوده ثم جيري وس�ط‬
‫اجلم�وع الت�ي وقفت أم�ام القرص وهن�ا اختلط الن�اس بعضهم‬
‫ببعض ليكتب اهلل له النجاة من املوت‪.‬‬
‫بعيدا ع�ن قرص امللك وجنوده وس�ط‬
‫فقد اس�تطاع اهل�رب ً‬
‫الزحام الشديد‪.‬‬

‫هروب حبيب النجار من السجن‬


‫كان ه�ذا املؤمن اهلارب ه�و «حبيب النج�ار» ذلك الرجل‬
‫الطيب الذي عبد اهلل تعاىل مع صاحبيه اللذين قتلهام امللك‪.‬‬
‫نج�ارا يعم�ل بالنه�ار‪ ،‬ثم يظ�ل طيلة اللي�ل يعبد اهلل‬
‫ً‬ ‫وكان‬
‫تعاىل ويذكره‪ ،‬وع�رف الناس عنه أنه كثري الصدقة‪ ،‬فكان يعطي‬
‫الفق�راء من ماله ويبحث عن املس�اكني فيطعمهم‪ ،‬ويعطيهم من‬
‫املال الذي اكتسبه ما يعينهم عىل قضاء حاجاهتم‪.‬‬
‫إال أن امللك حني علم يإيامنه س�بحنه وأراد قتله‪ ،‬فلم يدافع‬
‫عن�ه أحد من هذه القرية ولك�ن اهلل ال يضيع من آمن به‪ ،‬ألن اهلل‬
‫تعاىل يدافع عن الذين آمنوا‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪83‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وبعد أن اس�تطاع «حبيب النجار» اهل�رب برسعة من امللك‬


‫وحراسه‪ ،‬وانشغل الناس يف البحث عنه أمام القرص‪.‬‬
‫ذه�ب هو برسعة إىل دار أخي�ه املؤمن الذي كان خيفي إيامنه‬
‫«م ْل َت�اس» وكان قد تغيب عن احلضور إىل قرص الس�لطان‬‫وه�و ِ‬

‫شديدا‪،‬‬
‫ً‬ ‫حتى ال يرى أخاه وهو ُيش�نق أمامه‪ ،‬فيحزن لذلك حز ًنا‬
‫وبينما ه�و جالس حزي�ن يفكر إذ س�مع طرقات الباب ش�ديدة‬
‫قوية‪ ،‬وصوت «حبيب النجار» ينادي‪:‬‬
‫افتح‪...‬افت�ح ي�ا ملتاس‪...‬أنا حبيب‪ ،‬هيا قب�ل أن يدركوين‬
‫ومل يص�دق ملت�اس نفس�ه يف ب�اديء األم�ر‪ ،‬لكن�ه فت�ح الب�اب‬
‫برسع�ة ألخيه‪ ،‬حكى حبيب عام حدث مللتاس‪ ،‬وطلب منه مالاً‬
‫وطعا ًما‪.‬‬
‫ث�م رج�اه أن يعطي�ه حصا ًنا هي�رب به خ�ارج القري�ة حتى‬
‫ال يدرك�ه أع�وان املل�ك «أنطيخ�س» وه�م يبحث�ون عن�ه اآلن‬
‫وبرسع�ة جهز «ملتاس» حصا ًنا قو ًي�ا لـ«حبيب النجار» وأعطاه‬
‫طعا ًم�ا وم�الاً ثم ودعه ودعا اهلل له بالسلامة وأن حيفظه من كل‬
‫سوء‪.‬‬
‫‪84‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وأرسع «حبيب النجار» بفرس�ه الذي أخذ يس�ابق الريح يف‬


‫جريه حتى وصل إىل خارج املدينة‪ ،‬وجاء أعوان امللك وحراس�ه‬
‫يبحثون عن «حبيب النجار» يف دار أخيه «ملتاس» وحينام فتشوا‬
‫الدار مل جيدوه‪.‬‬

‫ومل يعث�روا ل�ه على أي أثر‪ ،‬فتأك�دوا أنه مل يك�ن موجو ًدا يف‬
‫بعيدا عن داره‪ ،‬وعادوا‬
‫الدار‪ ،‬ويأسوا من العثور عليه‪ ،‬فانرصفوا ً‬
‫إىل امللك‪.‬‬

‫ش�ديدا‪ ،‬فامحر وجهه كأنه نار‬


‫ً‬ ‫ويف القصر كان غضب امللك‬
‫موقدة‪ ،‬وراح يرصخ فيمن حوله‪ :‬كيف هيرب وهو رجل واحد؟‬
‫وكيف هيرب واحلرس مجي ًعا قد وقفوا بأسلحتهم؟‬

‫قائ�د احل�رس‪ :‬م�والي‪ ...‬إننا مجي ًع�ا ال ندري كي�ف وقفنا‬


‫ومل ن�ره‪ ،‬لق�د كنا نح�س أن هناك قوة أكبر منا مجي ًعا ق�د جعلتنا‬
‫نعجز عن اإلمساك به‪ ،‬فاستطاع أن يفلت من بني أيدينا‪.‬‬

‫إهنا قوة اهلل التي ال يعرفها هذا الظامل وأعوانه‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪85‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫حبيب النجار في الكهف‬


‫كان التعب قد نال من حبيب النجار الذي هرب من املدينة‪،‬‬
‫واشتد به اجلوع والعطش فرشب ثم تناول الطعام‪ ،‬وأسلم جسده‬
‫لألرض ينام عليها حتى يستريح من هذه الرحلة الصعبة‪ ،‬ومن‬
‫تلك األيام التي قضاها يف سجن امللك‪ ،‬وهو ال يصدق نفسه أنه‬
‫قد نجا من املوت بأعجوبة‪.‬‬

‫ومرت األيام تتلوها األيام‪ ،‬وحبيب النجار هائم عىل وجهه‬


‫ال ي�دري إىل أي�ن يذهب؟ وم�ازال اجلن�ود يبحثون عن�ه يف كل‬
‫مكان‪ ،‬ونفد املاء فازداد ً‬
‫عطش�ا‪ ،‬ثم نفد الطعام فجاع حتى اشتد‬
‫جوعه‪ ،‬فرفع يده إىل اهلل قائلاً ‪:‬‬

‫عيل‪.‬‬
‫احلمد هلل عىل ما أنعم به ّ‬
‫وما زال اجلوع والعطش يناالن منه حتى أحس بتعب شديد‪،‬‬
‫لكن ال حيلة له وأعوان امللك وجنوده يبحثون عنه يف كل مكان‪،‬‬
‫حتى خارج املدينة‪ ،‬ولكنه يثق يف اهلل تعاىل أنه لن يضيعه‪.‬‬

‫‪86‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫صغريا‪ ،‬فتثاقلت خطاه‬


‫ً‬ ‫وعىل البعد رأى حبيب النجار كه ًفا‬
‫يميش إىل هذا الكهف حتى إذا وصل إليه دخله ثم استسلم لنوم‬
‫عميق‪.‬‬
‫فأف�اق حبي�ب النج�ار عىل أص�وات يف هذا الكه�ف الذي‬
‫حيتمي فيه‪ ،‬إنه ال يستطيع أن يعرف هل هذه األصوات أصوات‬
‫اجلنود الذين يبحثون عنه؟ أم هي أصوات آخرى؟‬
‫جيدا ملن هذه األصوات؟‬
‫واختبأ حبيب النجار ليتبني ً‬
‫جبيب النجار والرُ سل الثالثة‬
‫جل�س ثالثة رجال يتحدثون يف الكهف‪ ،‬قال األول‪ :‬إن اهلل‬
‫تعال أوحى إ ّىل أين رسول إىل هذه القرية (أنطاكية)‪.‬‬
‫فقال الثاني‪ :‬أح ًقا ما تقول يا صادق؟‬
‫ان ح ًقا؟ إن صاد ًقا رس�ول إىل‬
‫�م َع ُ‬
‫فق���ال الثالث‪ :‬نعم يا َس ْ‬
‫هذه القرية‪ ،‬لكن أدلك عىل أمر عجيب؟‬
‫فق���ال مسع���ان‪ :‬أم�ر عجي�ب أكثر م�ن أن يصب�ح صادق‬
‫رسولاً يا صدوق؟‬

‫‪n‬‬ ‫‪87‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فقال صدوق‪ :‬نعم‪ ،‬لقد بعثي اهلل رسولاً إىل هذه القرية مع‬
‫أخي صادق‪.‬‬
‫مسع���ان‪ :‬إذن أنتما يا صادق ويا صدوق اآلن رس�والن إىل‬
‫أهل أنطاكية‪ ،‬ولكن إالم تدعوان الناس هناك؟‬
‫ص���ادق‪ :‬ندعوه�م إىل عبادة اهلل وحده ال رشي�ك له‪ ،‬وترك‬
‫عبادة األصنام‪ ،‬وترك عبادة امللك الظامل أنطيخس‪.‬‬
‫ص���دوق‪ :‬وندعوه�م إىل الصالة‪ ،‬وإىل الصدق�ة عىل الفقراء‬
‫وإىل األخالق احلسنة الطيبة‪.‬‬
‫مسع���ان‪ :‬إهن�ا مهمة صعب�ة‪ ،‬فإن مل�ك أنطاكية جب�ار ظامل‬
‫وأهله�ا أعامهم الش�يطان ع�ن احلق وهنا خرج ص�وت «حبيب‬
‫كفارا يا أخي؟‬
‫النجار» خمتب ًئا‪ :‬ليسوا كلهم ً‬
‫صادق‪ :‬من أنت؟ وما الذي أتى بك إىل هنا؟‬
‫فق���ال حبيب النجار‪ :‬ال تغضب يا نبي اهلل‪ ،‬فأنا مؤمن من‬
‫أهل أنطاكية‪ ،‬هربت من بطش امللك وظلمه حتى أصابني اجلوع‬
‫والعطش واملرض‪ ،‬وإنى أشهد أن ال إله إال اهلل‪.‬‬

‫‪88‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وكان ه�ذا أول املؤمنني م�ن هذه القرية‪ ،‬مس�ح النبيان عىل‬
‫(((‬
‫رأسه فزال كل تعب كان يلقاه‪ ،‬فقد أعطامها اهلل تعاىل معجزة‬
‫شفاء املرىض بال دواء أو عالج بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫فعزم النبيان عىل دخول (أنطاكية) عىل أهنام من األطباء‪.‬‬

‫دخول النبيان القرية‬


‫دخ�ل (ص�ادق وص�دوق) إىل أنطاكية‪ ،‬فذهب�ا أول ما ذهبا‬
‫دارا يس�كنان هبا‪ ،‬ويعاجل�ان فيها‬
‫إىل (ملت�اس) ال�ذي أعطامه�ا ً‬
‫املرىض‪.‬‬
‫وب�دأ االثنان ينرشان دعوة اإلسلام بني الن�اس عن طريق‬
‫يائس�ا من الشفاء‪ ،‬فيدعوان اهلل‬
‫عالج كل مريض‪ ،‬فاملريض يأيت ً‬
‫له‪ ،‬ويمسحان عليه فيشفى بإذن اهلل‪ ،‬فإذا شكرمها قاال له‪:‬‬
‫‪ s‬اش�كر اهلل ال�ذي ش�فاك فه�و رب�ك ورب املل�ك‪ ،‬ه�و‬
‫واحد من خلقه إذا مرض‬
‫ٌ‬ ‫ال�ذي خلقنا مجي ًعا‪ ،‬وم�ا هذا امللك إال‬
‫ال يشفي نفسه إال إذا شفاه اهلل‪.‬‬

‫(‪ )1‬املعجزة‪ :‬أمر خارق خمالف ملا يراه الناس مثل عصا موسى ‪ ،S‬واإلرساء‬
‫واملعراج للنبي ‪ ،0‬وال يكون إال لنبي من األنبياء ‪.Q‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪89‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫واشتهر أمر الرس�ولني الطبيبني بالقرية حتى علم امللك هبام‬


‫فأرسل إليهام بعد أن حكى جواسيسه وعيونه له أهنام يدعوان إىل‬
‫عبادة اهلل الواحد األحد‪.‬‬
‫ووقف (صادق وصدوق) أمام امللك‪ ،‬فقال‪ :‬اسجد للملك‬
‫اإلله‪.‬‬
‫فقاال‪ :‬ال إله إال اهلل‪.‬‬
‫فصاح امللك‪ :‬بل ال إله غريي أهيا الطبيبان‪.‬‬
‫فقاال‪ :‬إنام اهلل إله واحد‪ ،‬أحد‪ ،‬صمد(((‪ ،‬مل يلد ومل يولد‪ ،‬ومل‬
‫كفوا أحد وأنت برش ضعيف‪.‬‬
‫يكن له ً‬
‫فصاح الظامل‪ :‬بل أنا اإلله‪ ،‬وستقتالن حتى ال يعبد الناس‬
‫غريي يف أنطاكية‪.‬‬
‫فقال الرس���والن‪ :‬بل اهلل أحق أن ُيعبد‪ ،‬وس�يهلكك اهلل إن‬
‫مل تؤمن‪.‬‬
‫فصرخ يف اجلنود‪ :‬خذومها إىل الس�جن‪ ،‬ال أريد أن أسمع‬
‫هلام صو ًتا حتى ُيقتال‪.‬‬
‫(‪ )1‬الصمد‪ :‬هو الذي حيتاج إليه كل اخللق‪.‬‬

‫‪90‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وعل�م أهل القرية بخرب الرس�ولني إال أهن�م مل يتحركوا فقد‬


‫كف�روا ب�اهلل‪ ،‬وأحب�وا الكف�ر وفضلوه على اإليمان‪ ،‬وليس بعد‬
‫الكفر ذنب‪.‬‬
‫أوحى اهلل إىل «سمعان» فصار نب ًيا من األنبياء‪ ،‬وأمره ربه أن‬
‫يدخ�ل إىل أنطاكية ليدعو أهلها إىل اإليامن باهلل‪ ،‬فصاح س�معان‬
‫قائلاً ‪:‬‬
‫‪ s‬أبرش حبيب لقد بعثنى اهلل نب ًيا إىل أهل أنطاكية‪.‬‬
‫(((‬
‫فق���ال‪ :‬خ�ذ ِح ْذرك ي�ا أخي فإن أه�ل أنطاكية ش�يمتهم‬
‫الغدر‪ ،‬واخليانة‪ ،‬وأنت نبي ال حتب إال الوفاء بالعهد واألمانة‪.‬‬
‫ودخ�ل «س�معان» إىل أنطاكية على أنه أح�د األغنياء حتى‬
‫تعرف عىل بعض وزراء امللك ثم تعرف عىل امللك نفس�ه‪ ،‬وصار‬
‫ّ‬
‫واحدا من ُج َلسائه‪ ،‬وأصفيائه دون أن يعلم امللك حقيقة أمره‪.‬‬
‫ً‬
‫وأن�ه نب�ي من عن�د اهلل‪ ،‬ب�ل كان املل�ك ال يصرب على فراق‬
‫س�معان‪ ،‬فجعله معه يف قرصه‪ ،‬وراح حيدثه عن أرساره ومهومه‪،‬‬
‫حدثه عن أمر (صادق وصدوق)‪.‬‬
‫حتى ّ‬
‫(‪ )1‬الشيمة‪ :‬الطبيعة والصفة‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪91‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فقال مسعان‪ :‬موالي ملاذا ال حترضمها فلنسخر منهام‪.‬‬


‫فأم�ر املل�ك احل�رس بإحضارمه�ا‪ ،‬فج�اء هبما احل�رس من‬
‫السجن‪ ،‬وانتظر امللك أن يقيض ليلة مليئة بالضحك‪.‬‬
‫فلما وصل الرسوالن قال مسعان‪:‬‬
‫‪ s‬أنتام تزعامن أن اهلل هو الذي يشفي من األمراض‪ ،‬وحيب‬
‫أن نعبده وال نعبد امللك‪.‬‬
‫فق���ال‪ :‬نعم‪ ،‬ف�اهلل خلقن�ا‪ ،‬ورزقنا‪ ،‬وه�و الذي يش�فينا إذا‬
‫مرضنا‪ ،‬وحييينا إذا ِم ْتنا‪.‬‬

‫فقال مسعان‪ :‬موالي دعني أس�خر منهام‪ ،‬لنحرض ً‬


‫مريضا‬
‫ونطلب منهام شفاؤه‪ ،‬ولن يشفياه‪ ،‬فتشفيه أنت بقدرتك!!‬
‫فصاح امللك‪ :‬كيف؟‬
‫لقد وقع امللك يف ورطة ال يعرف كيف خيرج منها‪ ،‬فأرس�ل‬
‫إىل واحد من األمراء أعمى البرص وحرض األعمى‪.‬‬
‫حائرا ال ي�دري ما يفع�ل‪ ،‬حتى تكلم‬
‫فوق�ف املل�ك الظ�امل ً‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫بصريا‬
‫ً‬ ‫الرسوالن فقاال‪ُ :‬عد بإذن اهلل‬
‫‪92‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فعاد إليه بصره يف احلال فنادى مسعان‪:‬‬


‫‪ s‬ي�ا مل�ك البلاد آمن ب�اهلل وال تكفر فإ ّنا ُرس�ل اهلل إليك‬
‫ندعوك لعبادة اهلل الواحد األحد‪.‬‬
‫وفهم امللك ما ُفعل به‪ ،‬فأمر أن يوضع سمعان مع الرسولني‬
‫يف الس�جن ليقتلوا مجي ًعا أمام الشعب ً‬
‫غدا‪ ،‬واستعد اجلميع حني‬
‫نادى املنادي‪:‬‬
‫‪ s‬س ُي ْعد ُم ا ُّلرسل الثالثة ً‬
‫غدا أمام قرص امللك‪.‬‬

‫قتل حبيب النجار‬


‫حش�د هائل‪ ،‬ومجوع غفرية((( أم�ام قرص امللك «أنطيخس»‬
‫جتمع�وا لريوا إع�دام الرس�ل الثالثة‪ ،‬ونادى الرس�ل‪ :‬نحن برش‬
‫مثلكم‪ ،‬واهلل يعلم إنا إليكم ملرسلون‪.‬‬

‫فق���ال الكفار م���ن أهل أنطاكي���ة‪ :‬إنا تطرين�ا ((( بكم‪،‬‬


‫وسنقتلكم‪ ،‬بل سنرمجكم باحلجارة حتى املوت‪.‬‬

‫(‪ )1‬أي ناس كثري‪.‬‬


‫(‪ )2‬تطرينا‪ :‬تشاءمنا‪ ،‬والتشاؤم عكس التفاؤل‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪93‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فقال الرس���ل‪ :‬إنكم قوم مُسرْ ِ فون((( عصيتم اهلل ورسوله‪،‬‬


‫فآمن�وا باهلل ب�دلاً من الدخ�ول إىل النار وهتف الش�عب الكافر‪:‬‬
‫املوت للكذابني‪.‬‬
‫ونيس هؤالء أن منهم املريض الذي شفاه اهلل عىل يد (صادق‬
‫(((‬
‫وصدوق) فراحوا يرموهنم باحلجارة ووس�ط ه�ذا الضجيج‬
‫كان صوت آخر يشق الكون‪:‬‬
‫أجرا وال‬
‫يا قوم اتبعو املرسلني‪ ،‬اتبعوا الذين ال يطلبون منكم ً‬
‫م�الاً ‪ ،‬اعب�دوا اهلل الذي خلقكم‪ ،‬لقد عب�دت اهلل ومايل ال أعبد اهلل‬
‫وقد فط�رين(((‪ ،‬وقد هداين‪ ،‬اعبدوه تدخل�وا اجلنة يوم القيامة وال‬
‫تعبدوا األصنام من دونه فتدخلوا إىل النار ويغضب عليكم اهلل‪.‬‬
‫فصاحوا‪ :‬لن نعبد إال األصنام‪.‬‬
‫ونادى املنادي‪ :‬إنه «حبيب النجار» فرتكوا الرسل‪ ،‬وذهبوا‬
‫إىل ش�الوم وتكاث�روا علي�ه حتى قتل�وه وهو ين�ادى‪ :‬إنى آمنت‬
‫بربكم فاسمعون‪.‬‬

‫(‪ )2‬الضجيج‪ :‬الصوت العايل‪.‬‬ ‫(‪ )1‬مسرفون‪ :‬تزيدون يف كفركم‪.‬‬


‫(‪ )3‬فطرني‪ :‬خلقني‪.‬‬
‫‪94‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫واس�تغل الرس�ل الثالث�ة انش�غاهلم برضب حبي�ب النجار‬


‫بعيدا عن القرية‪ ،‬واستمر الكفار يف رضب حبيب النجار‬
‫فهربوا ً‬
‫املؤمن فلام مات صعدت روحه إىل اهلل فقال اهلل تعاىل له‪:‬‬

‫كبريا‪.‬‬
‫‪ s‬ادخل اجلنة‪ ،‬ثم أكرمه ربه إكرا ًما ً‬
‫فق���ال‪ :‬يالي�ت قومي يعلمون بما غف�ر يل ريب وجعلني من‬
‫املكرمني‪.‬‬
‫ومل يك�ن حبي�ب النجار يرى جس�ده وه�و يقطع ويرضب‬
‫بالنعال عىل األرض‪ ،‬بل راح يدعوا لقومه باهلداية واإليامن‪.‬‬
‫ولك�ن علم اهلل أهن�م ال يؤمنون‪ ،‬فصاح�ت املالئكة صيحة‬
‫عظيم�ة فلم يتحمله�ا الكفار فامتوا مجي ًعا ج�زا ًءا هلم عىل كفرهم‬
‫بآيات اهلل ورسله‪.‬‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ] [‪.]29 :8‬‬ ‫[ﭠ ﭡ ﭢ‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪95‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أصحاب الجنة‬
‫كانت هناك حديقة مجيلة قد امتألت باخلريات من كل أنواع‬
‫الفواك�ة والثامر التي زينت فروع األش�جار‪ ،‬حتى أصبحت هذه‬
‫احلديقة مثل اجلنة‪ ،‬وكأهنا جنة من جنات اهلل عىل األرض‪.‬‬
‫وكان�ت ه�ذه احلديق�ة يف بلاد اليم�ن ناحية مدينة اس�مها‬
‫(صنع�اء) وق�د كان صاحبه�ا رجًل�اً صا ً‬
‫حل�ا اجته�د يف زرعها‪،‬‬
‫وغرس أشجارها‪ ،‬حتى كانت تأيت بأطيب احلصاد‪.‬‬
‫ومل يك�ن الش�يخ الصال�ح إال رجًل�اً مؤمنًا يع�رف حق اهلل‬
‫تعاىل يف ماله‪ ،‬وثامره‪ ،‬وزروعه‪ ،‬فكل وقت حصاد إذا جاء أخرج‬
‫حق اهلل تعاىل من الزكاة يف ثامر حديقته‪.‬‬
‫فكانت مباركة آتت ُأكلها ضعفني بإذن رهبا‪ ،‬فأكل منها فقراء‬
‫املدينة ومس�اكينها؛ لتصبح جنة الفقراء يمرحون فيها‪ ،‬ويأكلون‬
‫من أطايب ثامرها‪.‬‬
‫فعاشوا ُسعداء يف جنة الشيخ الصالح‪ ،‬وعاش هو راض ًيا بام‬
‫يعطيه اهلل له من رزقه الطيب الواسع‪.‬‬

‫‪96‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ومل يك�ن هن�اك ما ُيزعج الش�يخ أو ُيقلق�ه يف حياته هذه إال‬


‫كثريا م�ا عارضوه يف أم�ر ال�زكاة‪ ،‬والتصدق عىل‬
‫أبن�اؤه الذي�ن ً‬
‫الفقراء ولكنه كان يأمل أن هيدهيم اهلل تعاىل‪.‬‬

‫اجتمع أبناء الش�يخ الصال�ح الثالثة حني كان أبوهم خارج‬


‫الدار‪ ،‬وقد ظهرت عليهم عالمات الغضب واالستنكار لكل ما‬
‫يفعله أبوهم بعد ما أخرج زكاة الزروع‪ ،‬وأعطاها للفقراء‪.‬‬

‫قال الولد األكرب‪ :‬ماذا يفعل أبونا؟ خيرج الزكاة!!‬

‫فق���ال األصغر‪ :‬نعم زكاة الزروع‪ ،‬وينس�ى أنن�ا قد نصبح‬


‫أغن�ى أغني�اء (القرية) إذا باع هذه الفاكه�ة التي يتصدق هبا بدلاً‬
‫من أن يرميها هلؤالء الفقراء‪.‬‬

‫األوسط‪ :‬إنه حق اهلل يف الزروع‪.‬‬

‫يدعي‬
‫األصغر‪ :‬وهل أمر اهلل بتضييع املال وإعطائه لكل من َّ‬
‫أنه فقري؟‬

‫األكرب‪ :‬أم هل أمره اهلل أن ينسانا من هذه الثامر؟!‬

‫‪n‬‬ ‫‪97‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫األوس���ط‪ :‬ال‪ ،‬بل إن اهلل تعاىل هو الذي أنبت هذه الزروع‪،‬‬


‫فنحن مل نفعل شي ًئا إال أننا وضعنا البذور يف األرض‪ ،‬ثم رويناها‬
‫باملاء‪.‬‬
‫أ ّم�ا النبات فاهلل تعاىل ه�و الذي يأمره فيكبر و ُينبت فيصري‬
‫ش�جرة بع�د أن كان بذرة‪ ،‬ث�م خترج هذه الش�جرة الثامر بأمر اهلل‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ً‬
‫األصغر‪ :‬ها‪...‬كالم ال ينفع وال يرض‪.‬‬
‫إننا كل يوم نسقيها باملاء‪ ،‬ونحافظ عليها ونرعاها‪.‬‬
‫األوس���ط‪ :‬ب�ل إن اهلل تعاىل هو ال�ذي حفظها م�ن أن تنزل‬
‫ن�ار فتحرقه�ا‪ ،‬أو مط�ر فيغرقه�ا أو حت�ى آف�ة ال نراه�ا‬
‫عليه�ا ٌ‬
‫أو ال نستطيع نحن عالجها‪.‬‬
‫وم�ا خيرج�ه والدنا هو بعض حق اهلل‪ ،‬ولي�س كله‪ ،‬فلو كان‬
‫اهلل تعاىل قد أمرنا بإخراج احلق كله ملا بقي لنا منها أي يشء‪.‬‬
‫األك�ب�ر‪ :‬اعرتفن�ا بح�ق اهلل فهل أم�ر اهلل بأن يعطي�ه أبونا‬
‫للفقراء واملساكني؟‬

‫‪98‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫األوس���ط‪ :‬نعم‪ ،‬فإن اهلل أعطان�ا املال والثمار وجعلنا ُأمناء‬


‫عليهما‪ ،‬وجعل بع�ض الناس فق�راء‪ ،‬ليعطي الغن�ي بعض املال‬
‫للفقير حت�ى يعيش‪ ،‬وإذا مل ُنع ِ‬
‫ط للفقري ش�ي ًئا‪ ،‬فمن أين س�يأكل‬ ‫ْ‬
‫هو وأرسته‪.‬‬
‫األكرب‪ :‬فليعمل‪ ،‬وليأكل من عمله‪.‬‬
‫وس�ع عىل‬
‫األوس���ط‪ :‬بعضهم يعمل‪ ،‬ولكن اهلل هو الرزاق ّ‬
‫بعضن�ا‪ ،‬وض ّي�ق عىل اآلخري�ن ليختربنا‪ ،‬ويعلم م�ن يؤدي حقه‬
‫سبحانه ممن ال يفعل‪.‬‬
‫األصغ���ر‪ :‬إن�ك مث�ل والدن�ا‪ ،‬ويب�دو أن امل�رض يف عائلتنا‬
‫بالوراثة‪.‬‬

‫فقال األوس���ط‪ :‬اآلن الزكاة ٌ‬


‫مرض‪ ...‬ال حول وال قوة إال‬
‫أخوي الكريمني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫باهلل‪ ،‬هداكم اهلل يا‬
‫ثم تفرق الثالثة‪ ،‬فذهب االبن األوس�ط حيث أبوه‪ ،‬وذهب‬
‫بعيدا عن والدمها ليقضيا ليلة أخرى من الغيظ‬
‫األخوان الباقيان ً‬
‫واحلقد عىل أبيهام وأخيهام‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪99‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫إىل حديقة الشيخ الصالح جاء فقري من الفقراء يسأله بعض‬


‫الثامر لطفله املريض الذي يبكى وال جيد ما يأكله‪ ،‬فدخل الش�يخ‬
‫تصدق عليه ببعض املال‬
‫إىل حيث الثامر وأعطي الفقري بعضها ثم ّ‬
‫فإذا بالفقري يعلو صوته‪.‬‬
‫‪ s‬ب�ارك الل�ه لك في مال�ك‪ ،‬وجنتك‪ ،‬بارك الل�ه لك أيها‬
‫الشيخ الطيب‪.‬‬
‫فنظر الشيخ إلى أوالده وهو يقول‪:‬‬
‫‪ s‬بمثل هذه الدعوات من هؤالء ُيبارك الله لنا في حديقتنا‬
‫وثمارها يا أبنائي‪.‬‬
‫إال أن ابنه األكبر راح يعض شفتيه من الغيظ وهو يقول‪:‬‬
‫‪ s‬ب�ل بمثل ه�ذا الفقي�ر وأمثاله ل�ن نجد بعد ذل�ك ثمرة‬
‫درهما من المال لنأكل به‪.‬‬
‫ً‬ ‫واحدة‪ ،‬أو‬
‫فغضب الشيخ وقال‪:‬‬
‫‪ s‬ل�ن ُيب�ارك الله ل�ك وال إلخوتك في ش�يء طالما أنت‬
‫على هذه الحال من السخط‪.‬‬

‫‪100‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وتدخل االبن األوسط ليهدئ من أبيه فقال‪:‬‬


‫‪ s‬يا أبي إن أخي ال يقصد شي ًئا‪ ،‬وإنما يقصد أنك أخرجت‬
‫ثمارا جديدة‪ ،‬ومالاً‬
‫زكاة المال والثمار‪ ،‬فال حاجة لنا أن ُنخرج ً‬
‫جديدا للزكاة‪.‬‬
‫ً‬
‫فقال الشيخ‪:‬‬
‫يا ُبني إن الصدقة ُتطفئ غضب الله تعالى‪ ،‬وترفع من درجة‬
‫المؤمني�ن في الجنة‪ ،‬وإن الله تعال�ى ُيعطي على الحبة الواحدة‬
‫من الصدقة مائة حس�نة‪ ،‬فلو تصدقنا بسبع حبات لجعل الله في‬
‫كل حبة مائة حبة‪.‬‬
‫أي س�بعمائة حبة‪ ،‬والحس�نة بعش�ر أمثالها‪ ،‬أي سبع آالف‬
‫حس�نة‪ ،‬والل�ه يزي�د ويضاعف لم�ن يش�اء‪ ،‬ألن الل�ه تعالى ذو‬
‫الفضل العظيم‪.‬‬
‫فقال األوسط‪:‬‬
‫أيضا عن أجر المتصدقين يا أبي؟‬
‫‪ s‬وماذا ً‬
‫ٍ‬
‫ألحد من الناس‪.‬‬ ‫أجرا لم ُيعطه‬
‫‪ s‬يعطيهم الله تعالى ً‬
‫‪n‬‬ ‫‪101‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فإن الش�مس يوم القيامة تكون قريبة م�ن الرءوس فيحتاج‬


‫الن�اس إلى الظ�ل وإلى الماء من كثرة العط�ش‪ ،‬فال يجدون إال‬
‫ّ‬
‫ظل عرش الله تعالى‪.‬‬
‫وم�ن الس�بعة الذي�ن يجعلهم الله ف�ي ظله ي�وم ال ظل إال‬
‫ظله‪ٌ :‬‬
‫رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى ال تعلم ش�ماله ما ُتنفق‬
‫يمينه‪.‬‬
‫فقال الولد األصغر ساخ ًرا‪ :‬ولكننا في الدنيا نحتاج إلى‬
‫المال ال الحسنات‪.‬‬
‫فر ّد األوس���ط‪ :‬ولكننا في اآلخرة ال نحتاج إال للحسنات‪،‬‬
‫واآلخ�رة خير وأبقى‪ ،‬وحينم�ا تقف أمام الله لن ينفع المال وال‬
‫الغني ألنه سيزول ويذهب بموتك‪.‬‬
‫فقال الشيخ الصالح‪:‬‬
‫‪ s‬اعلموا أن من لم يخرج زكاة المال جعله الله تعالى يوم‬
‫أليما‪ ،‬فمانع الزكاة ُيحبس يوم‬ ‫وعظة‪ّ ،‬‬‫القيامة ِعبرة ِ‬
‫وعذبه عذا ًبا ً‬

‫‪102‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القيام�ة في قفص م�ن النار يقضي الله بي�ن الخالئق جمي ًعا من‬
‫َل ُدن آدم ‪ S‬حتى آخر من يموت من الناس‪.‬‬
‫ث�م ينظ�ر اهلل يف أمر مانع الزكاة ثم تتح�ول أمواله بعد ذلك‬
‫�و ٍق م�ن نار عىل رقبت�ه‪ ،‬وتوقد النار عىل كن�زه من الذهب‬‫إىل َط ْ‬
‫والفضة ثم يكُوى هبا جبهته‪ ،‬وجنبه‪،‬وظهره‪.‬‬
‫فقال األخ األكرب دون أن يسمعه أبوه‪:‬‬
‫‪ s‬بل سأتوب قبل الموت وسيغفر الله لي‪ ،‬فأتمتع بالمال‬
‫في الدنيا‪ ،‬وبالجنة في اآلخرة‪.‬‬
‫وإن كان أبوه ال يس�معه‪ ،‬فإن الله تعالى َيس�معه وهو الذي‬
‫يس�مع كل األص�وات ال َتخف�ى علي�ه ألن�ه الس�ميع البصي�ر‪،‬‬
‫وإن الل�ه ال يت�وب على من صم�م على الذنب‪ ،‬ونس�ي أن الله‬
‫جعل التوبة للذين ينوون التوبة ال الذين ينوون المعصية‪.‬‬
‫ثم تف�رق الجميع حين حان موعد الصالة‪ ،‬وحينما س�جد‬
‫الشيخ الصالح كان دعاؤه‪:‬‬
‫‪ s‬اللهم اهد أبنائي!!‬
‫‪n‬‬ ‫‪103‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫خيرا‪ ،‬وبأالّ تنسوا حق الله من الزكاة‬


‫‪ s‬أوصيكم بالفقراء ً‬
‫في جنتنا‪.‬‬
‫كانت هذه هي كلمات الشيخ الصالح على فراش المرض‪،‬‬
‫الذي تحول بعد قليل إلى فراش الموت حيث شاء الله تعالى أن‬
‫يموت الرجل الطيب صاحب الجنة قبل أن يأتي وقت الحصاد‬
‫بقليل‪.‬‬
‫وعاد اإلخوة الثالثة بعد أن دفنوا أباهم‪ ،‬فبكوا على رحيله‪،‬‬
‫وحزنوا لفراقه‪ ،‬ثم ذهبوا بعد ذلك ٌّ‬
‫كل إلى حيث ينام‪.‬‬
‫فلم�ا أصب�ح ُّ‬
‫الصبح اتجهوا إل�ى (الجنة) حي�ث بدءوا في‬
‫إعداد كل شيء لموسم الحصاد الذي اقترب وقته‪.‬‬
‫وجهزوا حديقتهم الس�تقبال هذا الموس�م ُس�عداء بما قد‬
‫أخرجته (الجنة) من ثمار وفيرة‪.‬‬
‫لقد كانت الثمار على الشجر كأنها نجوم ُتضيء السماء‪ ،‬أو‬
‫كثيرا‪،‬‬
‫وفيرا‪ ،‬والرزق ً‬
‫مصابيح ُتزين هذه األشجار‪ ،‬وكان العطاء ً‬
‫كل منهم ينظر إلى هذه (الجنة) ويتمنى لو كان أبوهم ح ًيا‬‫فراح ٌّ‬
‫ُل ِيشاركهم فرحتهم بهذه الثمار الكثيرة‪.‬‬
‫‪104‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وعاد الثالثة إلى دارهم‪ ،‬وبدأ الحديث يدور بينهم‪.‬‬


‫فقال األخ األكبر‪:‬‬
‫‪َ s‬عال َم((( ُنعطي أموالنا هؤالء المساكين؟!‬
‫‪ s‬فق���ال األوس���ط‪ :‬ه�ذا حق الل�ه وق�د وصانا الل�ه به‪،‬‬
‫وكذلك وصاك أبوك قبل موته‪.‬‬
‫األصغ���ر‪ :‬لق�د كان أبون�ا أحم�ق‪ ،‬كان يعطي ثم�اره وماله‬
‫للفق�راء‪ ،‬ولو بعنا هذه الثم�ار َل ِصرنا أغنى األغنياء‪ ،‬ووفرنا مالاً‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫ً‬
‫فرد األوس���ط‪َ :‬ت ُس�ب أب�اك وتتهمه بالحماق�ة‪ ،‬وتريد منع‬
‫الزكاة؟!‬
‫فقال األكبر‪ :‬ال َت ُسب أباك فهذا خطأ منك‪ ،‬ولكنك على‬
‫الحق إذا قلت‪ :‬لن نعطي الفقراء هذا العام من الثمار شي ًئا‪.‬‬

‫األوس���ط‪ :‬كيف؟ كيف تمنع ً‬


‫أمرا أمرنا الله به‪ ،‬أنسيت كل‬
‫ما قيل في هذا األمر؟!‬
‫(‪َ )1‬عالمَ‪ :‬عىل أي يشء‪ ،‬وملاذا؟‬
‫‪n‬‬ ‫‪105‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫األصغر‪ :‬إنه أخوك األكبر‪ ،‬فاستمع إلى ما يقول‪ ،‬نفذ أمره‪،‬‬


‫وإال حرمناك أنت اآلخر من هذه الثمار‪.‬‬
‫األكب���ر‪ :‬يا أخي‪...‬إنه ما ُلن�ا‪ ،‬وأبوك يرحمه الله قد أخرج‬
‫الزكاة لس�نوات طويلة‪ ،‬س�وف نحتفظ بهذه األم�وال هذا العام‬
‫فقط‪ ،‬وبعد ذلك سنخرج هذه األموال في كل عام‪.‬‬
‫األوس���ط‪ :‬ال تفعل يا أخي‪ ،‬فإن من منع الزكاة مرة يمنعها‬
‫ألف مرة‪.‬‬
‫األصغر‪ :‬الزكاة‪...‬حق الله‪...‬الفقراء‪ ،‬دعك من هذا‪ ،‬وضع‬
‫يدك في يدنا س�نصير أغنياء‪ ،‬س�تصبح عندنا األم�وال والثمار‪،‬‬
‫وكفى الفقراء ما قد نالوا من الزكاة من قبل‪.‬‬
‫األكبر‪ :‬لقد خطرت في بالي فكرة‪.‬‬
‫األصغر‪ :‬فما هي؟‬
‫األكبر‪ :‬س�نقوم بعملية الحصاد ليًل�اً ‪ ،‬فنجني الثمار قبل‬
‫الصب�اح‪ ،‬وقب�ل دخول الفق�راء والمس�اكين‪ ،‬فإذا ج�اء الفقراء‬
‫صباحا لم يجدوا ش�ي ًئا من الثمار‪ ،‬فعادوا بال ثمار‪ ،‬وفعلنا نحن‬
‫ً‬
‫ما نريد‪.‬‬
‫‪106‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫األوس���ط‪ :‬يا أخي اتق الله‪ ،‬أال تس�بحون الله‪ ،‬وتش�كرون‬


‫على ما أعطاكم من النعمة‪ ،‬وتستغفرونه عن هذا‪.‬‬
‫األصغر‪ :‬سنستغفر لكن بعد الحصاد‪.‬‬

‫الحديقة تحترق‬
‫أسدل((( الليل ظالمه على الكون حتى صار الناس ال يرون‬
‫بعضهم البعض من شدة الظلمات في هذه الليلة‪.‬‬
‫وم�ن بي�ت الش�يخ الصال�ح انطل�ق اإلخ�وة الثالث�ة وهم‬
‫يتخافتون((( خو ًفا من سماع ٍ‬
‫أحد من الفقراء بهم‪.‬‬
‫فق�د كان أبوهم ‪ V‬يدعو الفقراء يوم احلصاد وخيربهم‬
‫بموعده‪.‬‬
‫خوف�ا م�ن أن يبوح األخ األوس�ط بالرس أقس�م أخواه باهلل‬
‫اليدخلنه�ا الي�وم عليهم مس�كني‪ ،‬لعلمه�م أن هذا األخ س�يرب‬
‫بقس�مهم ويطيعه�م‪ ،‬وصاروا على ح ٍ‬
‫�رد((( قادري�ن وراح ٌّ‬
‫كل‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أسدل‪ :‬أرخي‪ ،‬فكأن الظالم كالستار للكون ‪.‬‬


‫رسا لئال يعلم هبم أحد‪.‬‬
‫(‪ )2‬يتخافتون‪ :‬خيفون كالمهم وجيعلونه ً‬
‫(‪َ )3‬حرد‪ :‬منع وقصد‪ ،‬يقصد أهنم صاروا قاصدين ملنع الزكاة‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪107‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫منهم ُيمنِّي نفس�ه بالمال الوفير الذي سيدخل خزائنه بعد بيعهم‬
‫للثمار‪ ،‬فإذا دخل المال‪ ،‬اش�ترى به بضائ�ع وباعها‪ ،‬فزاد المال‬
‫وزاد حتى صار جبلاً من المال فاش�ترى بدلاً من الحديقة ألف‬
‫عبيدا وخد ًما‪.‬‬
‫حديقة‪ ،‬وصار الناس ً‬
‫وس�اروا بأحالمهم حتى وصلوا إلى الحديقة‪ ،‬فإذا بالظالم‬
‫الش�ديد ال َيكاد أحدهم َيرى يده إذا أخرجها من جيبه‪ ،‬ثم نادى‬
‫األخ األكبر‪.‬‬
‫‪ s‬ما هذا الظالم؟ إنني ال أرى باب الحديقة‪.‬‬
‫‪ s‬قال األصغر‪ :‬إنا لضالون‪ ،‬ضللنا الطريق‪.‬‬
‫فقال األوس���ط‪ :‬ب�ل نحن محروم�ون‪ ،‬حرمنا الل�ه تعالى‬
‫أرضا‬
‫ثم�ار الحديق�ة‪ ،‬أال ت�رون م�كان الحديق�ة اآلن قد ص�ار ً‬
‫محترق�ة‪ ،‬إن الل�ه تعالى قد عاقبنا اآلن فأح�رق الجنة التي تعب‬
‫أبوكم فيها‪ ،‬وأردتم منع الزكاة منها‪ ،‬ألم أقل لكم لوال ُتسبحون‬
‫الله وتشكرونه؟!‬
‫وهنا علم األخوان بالذنب الذي فعاله فقاال‪:‬‬

‫‪108‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪ s‬سبحان ربنا إنا كُنا ظالمين‪.‬‬


‫ثم بدءوا يتالومون(((‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫(((‬
‫‪ s‬يا ويلنا إ َّنا كُنا طاغين‪ ،‬ظالمين‪ ،‬وعسى الله أن ُيبدلنا‬
‫خيرا من جنتنا هذه‪ ،‬فقد ُتبنا إلى الله‪ ،‬وإنا إلى ربنا راغبون‪.‬‬
‫ً‬
‫ولكنهم ندم�وا حيث ال ينفع الن�دم‪ ،‬واعترفوا بالذنب بعد‬
‫العقوبة‪ ،‬ويا ليتهم أخرجوا زكاة مالهم كما أمرهم الله تعالى!!‬

‫‪sss‬‬

‫(‪ )1‬يتالومون‪ :‬من اللوم وهو ِ‬


‫العتاب والتأنيب والتوبيخ‪.‬‬
‫(‪ )2‬يُبدلنا‪ُ :‬يعطينا غريها‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪109‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قارو ن‬
‫كان قارون من قوم موسى ‪ S‬من بني إرسائيل‪ ،‬وكان‬
‫يحقد على نبي الله موسى ألن الله اختاره للنبوة والرسالة‪ ،‬وكان‬
‫فقيرا ليس لديه أموال‪ ،‬وال كنوز‪ ،‬وال خدم‪.‬‬
‫ً‬ ‫قارون رجلاً‬

‫وم�رت األي�ام عل�ى ق�ارون حت�ى أعط�اه الله م�ن فضله‪،‬‬


‫ّ‬
‫فرزقه المال الكثير وآتاه من الكنوز العظيمة ما إن مفاتحه لتنوء‬
‫بالعصبة أولي القوة(((‪.‬‬
‫إال أن ق�ارون ب�دلاً م�ن أن يش�كر ربه ويخ�رج صدقة ماله‬
‫بغ�ى((( عل�ى قومه فتكبر عليه�م وظلمهم وطل�ب أن تكون له‬
‫الكلمة في بني إسرائيل بدلاً من نبي الله موسى ‪ ، S‬فقد‬
‫فضل قارون املال والغنى عىل النبوة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ونس�ى أن املال إنام هو هلل يرزق به من يش�اء‪ ،‬وأن النبوة هي‬

‫(‪ )1‬أي أن املفاتيح واخلزائن كانت تثقل عىل اجلامعة الكثرية إذا أرادوا محلها فال‬
‫يستطيعون ذلك‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي ظلمهم‪.‬‬
‫‪110‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫حق هلل تعاىل جيعلها ملن يش�اء من عب�اده الصاحلني‪ ،‬فكرهه قومه‬
‫بعد أن أحبوه‪.‬‬
‫وذات يوم خرج قارون يف موكب عظيم‪ ،‬يلبس أفخر الثياب‪،‬‬
‫جتري أمامه اخليول‪ ،‬واإلبل‪ ،‬وحول موكبه اخلدم واحلش�م فنظر‬
‫إليه الناس وقد دهشوا حتى قال الذين يريدون احلياة الدنيا(((‪.‬‬
‫‪ s‬ي�ا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم‪ .‬فقال‬
‫العلماء من بني إسرائيل‪:‬‬
‫‪ s‬ويلكم‪ ،‬ث�واب الله وجنته ورضاه خير لمن آمن وعمل‬
‫صالح�ا‪ ،‬وال ُي َل َّقاه�ا((( إال الصالح�ون وجاءه م�ن قومه بعض‬
‫ً‬
‫الصالحين فرأوه يش�رب الخمر‪ ،‬ويفس�د في األرض ويرتكب‬
‫الفاحشة فقالوا له‪:‬‬
‫‪ s‬ال تف�رح بما أعط�اك الله‪ ،‬وتتكبر على غي�رك‪ ،‬فالله ال‬
‫يح�ب ال َف ِرحي�ن المتكبري�ن‪ ،‬وال تنس نصيبك م�ن الدنيا فخذ‬
‫حالله�ا َو َد ْع(((حرامه�ا‪ ،‬وابت�غ فيم�ا آت�اك الل�ه ال�دار اآلخرة‬

‫(‪ )1‬أي ال يفكرون إال يف املال فقط‪.‬‬


‫(‪ )2‬أي ال يفوز بثواب اهلل ورضاه إال املؤمنون‪.‬‬
‫(‪ )3‬دع‪ :‬اترك‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪111‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وأحس�ن كم�ا أحس�ن الله إلي�ك‪ ،‬وال تبغ الفس�اد ف�ي األرض‬
‫إن الله ال يحب المفسدين‪.‬‬
‫وكان الغرور قد تم ّلك قلب قارون‪ ،‬وتس ّلط الشيطان على‬
‫قلب�ه فق�ال‪ :‬لقد اكتس�بت هذا الم�ال بجهدي وعلم�ي‪ ،‬وليس‬
‫ألح�د فيه نصيب‪ ،‬والل�ه يحبني ولذلك أعطان�ي المال الوفير‪،‬‬
‫ولن أعطي ألحد منه شي ًئا‪.‬‬
‫فنصح���ه العلماء فقالوا‪ :‬إن الله قد أهلك من َقبلك َم ْن‬
‫هو أشد منك قوة‪ ،‬وأكثر جم ًعا(((‪.‬‬
‫ثم تركوه وانصرفوا‬
‫األرض تبتلع قارون وكنوزه‬
‫كثيرا‬
‫قارون وماله‪ ،‬وكنوزه‪ ،‬وموكبه‪ ،‬وزينته هذا ما يش�غل ً‬
‫من رجال بني إس�رائيل الذين كانوا يرون قارون كل يوم يخرج‬
‫بموكبه وزينته وماله عليهم فتمنوا أن لو أعطاهم الله المال كما‬
‫أعطاه لقارون الغني صاحب الحظ العظيم‪.‬‬

‫غرورا‪ ،‬ومالاً ‪ ،‬وولدً ا وهو قادر عىل‬


‫ً‬ ‫(‪ )1‬أي أن اهلل أهلك من هو أكثر منك‬
‫أيضا‪.‬‬
‫هالكك أنت ً‬
‫‪112‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫واش�تد حقد ق�ارون على نب�ي الله موس�ى ‪ S‬وعىل‬


‫علامء بني إرسائيل‪.‬‬
‫وبدأ يدبر املؤامرات واخلطط للتخلص من موسى ‪S‬‬
‫وكث�رت جرائمه وفس�اده وتكربه عىل اهلل وعلى الناس فجاءت‬
‫ساعة الصفر واللحظات األخرية‪.‬‬
‫فخس�ف اهلل األرض بق�ارون وقرصه ومال�ه وابتلعته‪ ،‬فلم‬
‫يك�ن له م�ن أنصار وأعوان م�ن دون اهلل ‪ ،D‬فل�م يمنعه من‬
‫قدر اهلل أحد‪ ،‬وما كان من املنترصين‪.‬‬
‫وراح أصحاب احلياةالدنيا الذين متنوا مكان قارون باألمس‬
‫يرضبون ك ًفا بكف ويقولون‪:‬‬

‫َو ْيك ََأ َّن الله َي ْب ُس ُط ِّ‬


‫(((‬
‫الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر‪ ،‬ولوال‬
‫أن َم َّن((( الله علينا لخسف بنا‪ ،‬ويكأنه ال يفلح الكافرون‪.‬‬
‫ومات قارون وماله وغروره‪.‬‬

‫(‪ )1‬ويْكأن‪ :‬كلمة للتعجب‪.‬‬


‫(‪ )2‬يبسط‪ :‬يوسع‪ ،‬يقدر‪ :‬يضيق‪َ ،‬م َّن‪ :‬أعطانا‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪113‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الخضر ‪S‬‬
‫يف ي�وم م�ن األيام وقف نبي اهلل موس�ى ‪ S‬خيطب يف‬
‫بن�ي إرسائي�ل‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬يا موس�ى من أعل�م أهل األض‪،‬‬
‫فق�ال موس�ى‪ :‬أن�ا‪ ،‬فعت�ب اهلل على موس�ى؛ ألن�ه مل َي ُ�ر َّد العلم‬
‫عل�م‪ ،‬ليس عند‬
‫إىل اهلل‪ ،‬ث�م أم�ره اهلل أن يذه�ب إىل رج�ل عنده ُ‬
‫موس�ى ‪ ،S‬وه�ذا الرجل هو اخلرض‪ ،‬وأم�ره اهلل أن يأخذ‬
‫معه حوتا فعندما يفقد احلوت ويضيع منه ففي هذا املكان سوف‬
‫جيد اخلرض ‪.S‬‬
‫وأرسع موسى ‪ ،S‬والشوق يمأل قلبه للقاء هذا العبد‬
‫املؤم�ن ال�ذي ع ّلمه اهلل م�ن العلم ما مل يعلمه ملوس�ى ‪،S‬‬
‫فن�ادى غالم�ه وفتاه (يوش�ع ب�ن نون) وأم�ره أن يصط�اد حو ًتا‬
‫ويضعه يف مكتل ففعل‪.‬‬
‫ث�م بدأت الرحلة العلمية لنبي اهلل وفتاه يبحثان عن عبد اهلل‬
‫األكثر علماً !!‬

‫‪114‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫موسى يبحث عن الخضر‬


‫(((‬
‫مل يكن موس�ى ‪ S‬من حمبي املغامرات أو األسفار‬
‫ق�در ما كان يحب العلم ويري�د الحصول عليه ولو كان في آخر‬
‫بلاد العال�م من أج�ل ذلك خرج مع فتاه (يوش�ع ب�ن نون) في‬
‫البح�ث عن العب�د الصالح ال�ذي ع ّلمه الله من علم�ه‪ ،‬وهاهو‬
‫موسى وفتاه قد وصال إلى َم ْج َم ِع البحرين‪.‬‬
‫وبجوار صخرة كبيرة نام موسى وفتاه حيث ّ‬
‫حل بهما التعب‬
‫الشديد‪ ،‬أثناء نومهما خرج الحوت من المكتل وكانت الصخرة‬
‫مس�رورا بعودة‬
‫ً‬ ‫قريبة من البحر‪ ،‬فعاد الحوت س�ري ًعا إلى البحر‬
‫الحياة إليه‪ .‬وقام موسى من نومه هو وغالمه‪ ،‬وواصال السير في‬
‫مجم�ع البحرين بح ًث�ا عن العبد الصالح‪ ،‬وأحس موس�ى وفتاه‬
‫بالجوع الشديد فقال موسى‪:‬‬
‫‪ s‬آتنا َغ َداءنا َل ْقد َل ِقينَا ِم ْن َس َف ِر َنا َه َذا َن َص ًبا(((‪.‬‬
‫وفتح ( ُيوشع) المكتل فلم يجد الحوت‪ ،‬فظن أنه نسيه عند‬
‫الصخرة فقال‪:‬‬
‫(‪ )1‬األسفار‪ :‬مجع (سفر) وهي الرحالت‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي وجدنا التعب من كثرة السفر‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪115‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪ s‬أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة‪ ،‬فإني نس�يت الحوت‪ ،‬وما‬


‫أنسانيه إال الشيطان أن أذكره‪ ،‬واتخذ سبيله في البحر عج ًبا(((‪.‬‬
‫وعلم موس�ى ‪ S‬أنه س�يجد العب�د الصالح هناك كام‬
‫أخبره اهلل تع�اىل فإن عالمة ذل�ك أن يفقد احل�وت‪ ،‬وحيث فقد‬
‫احلوت لقيه وتعلم منه‪.‬‬
‫وعاد موسى وفتاه إىل الصخرة ليجدا عج ًبا من عجائب اهلل‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫لقاء موسى مع الخضر‬
‫حلا من عباد اهلل ع ّلمه اهلل علماً‬ ‫كان اخلَضرِ ُ ‪ً S‬‬
‫عبدا صا ً‬
‫ال يعرف�ه أح�د م�ن البشر‪ ،‬وكان اخلرض قد رشب م�ن عني ماء‬
‫ُتسمى (عني احلياة) من رشب منها طال ُع ْمره‪.‬‬
‫ولق�د عاش اخلرض حتى أس�لم مع رس�ول اهلل ‪0‬‬
‫ومات بعدها‪.‬‬
‫وكان ق�د جل�س عىل ف�روة بيضاء فإذا هبا هتت�ز خرضاء من‬
‫ورائه فسمي اخلرض‪.‬‬
‫(‪ )1‬أي نعود إىل الصخرة التي نمنا عندها لعلنا نجد احلوت هناك وسبيله‪:‬‬
‫طريقه‪.‬‬
‫‪116‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وكان جي�ول يف البلاد ينفذ أمر اهلل تعاىل‪ ،‬ويدع�و العباد إىل‬
‫ِ‬
‫عبادة رب العباد‪.‬‬
‫وعند جممع البحري�ن‪ ،‬وحتت الصخرة كان اخلرض يصيل هلل‬
‫تعاىل متغط ًيا بثوب أمحر فسلم عليه موسى فقال‪:‬‬
‫‪ s‬السالم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫فرد الخضر التحية‪ :‬وعليك السالم‪ ،‬من أنت؟‬
‫فقال‪ :‬موسى‪.‬‬
‫‪ s‬موسى َنبِ ُي َبنِي إسرائيل؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬وما اسم العبد الصالح؟‬
‫‪ s‬الخضر يا موسى فما جاء بك؟‬
‫ق�ال أ َّتبِ ُع َ‬
‫�ك عل�ى أن تعلمني م�ن العلم ال�ذي علمك الله‬
‫إياه‪.‬‬
‫فق���ال الخضر‪ :‬يا موس�ى إني على عل� ٍم علمني الله ما ال‬
‫تعلمه أنت‪ ،‬وأنت على علم علمك الله إياه ال أعلمه أنا‪ ،‬وإنك‬
‫لن تستطيع الصبر على ما ترى يا موسى‪ ،‬وكيف تصبر على عل ٍم‬
‫ال تعرف عنه شي ًئا‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪117‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫صابرا وال أعصي لك‬


‫ً‬ ‫فقال موسى‪ :‬ستجدني إن شاء الله‬
‫أمرا‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬فإن اتبعتني فال تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه‬
‫كرا(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ذ ً‬
‫فكان هذا هو الش�رط الذي قبله موس�ى‪ ،‬يس�ير مع الخضر‬
‫لي�رى ويس�مع دون أن يتكل�م‪ ،‬حت�ى يتحدث مع�ه الخضر في‬
‫النهاي�ة ويذك�ر ل�ه أس�رار ه�ذا العل�م‪ ،‬ومض�ى العب�د الصالح‬
‫والنبي المرس�ل‪ ،‬ويا للعلم الذي صار به األنبياء تالمذة لبعض‬
‫ال ُع َّباد!!‬
‫وأي رحلة أروع وأجمل من رحلة تلميذها نبي‪ ،‬وأس�تاذها‬
‫عبد صالح‪ ،‬وبدأت رحلة العجائب‪.‬‬

‫الرحلة العجيبة‬
‫انطلق موسى والخضر ‪ R‬حتى وصال إىل شاطىء‬
‫البحر‪.‬‬

‫(‪ )1‬أي حتى أكلمك أنا أولاً عنه‪.‬‬


‫‪118‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فمرت س�فينة‪ ،‬فنادى الخضر عليهم فعرفوه‪ ،‬فركب معهم‬


‫ّ‬
‫هو وموسى ‪.S‬‬
‫وعرف أصحاب السفينة اخلرض فقبلوا أن حيملوه معهم عىل‬
‫ٍ‬
‫أجرة‪ ،‬وانتظر موسى ما سيعلمه هذا العبد الصالح‪،‬‬ ‫س�فينة بغري‬
‫فوقف معه عىل طرف السفينة‪ ،‬وجاء عصفور فوقف عىل حرف‬
‫الس�فينة ث�م م�د منق�اره يف البحر فشرب قطرة ماء فل�م تعجبه‬
‫بعيدا فقال اخلرض ملوسى‪:‬‬
‫ملوحة املاء فطار ً‬
‫ياموس�ى إن مث�ل علم�ى وعلم�ك وعل�م الن�اس مجي ًعا يف‬
‫علم اهلل مثل نقرة هذا العصفور يف البحر‪.‬‬
‫وأدرك موس�ى أنه أم�ام حكيم من احلكامء‪ ،‬ف�ازداد إعجا ًبا‬
‫وتقديرا للخرض‪ ،‬ووس�ط هذا اإلعجاب حت�دث مفاجأة! وبينام‬
‫ً‬
‫أصحاب الس�فينة وكانوا فقراء مساكني ‪ -‬منشغلني بالصيد‪ ،‬إذا‬
‫باخلرض يقصد إىل لوح من ألواح السفينة فيخلعه‪.‬‬
‫وهنا ثار موسى وهاج وقال‪:‬‬
‫لوحا من سفينتهم فتخرقها‪،‬‬
‫‪ s‬قوم حملونا بغير نول‪ ،‬تخلع ً‬
‫لتغرق أهلها لقد جئت شي ًئا إ ْم ًرا(((‪.‬‬

‫منكرا‪.‬‬
‫إمرا‪ :‬شي ًئا ً‬
‫(‪ )1‬خترقها‪ :‬تثقب‪ً ،‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪119‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ولك���ن الخض���ر نظ���ر ف���ي طمأنين���ة وس���كينة فق���ال‬


‫لموسى‪:‬‬
‫صبرا‪.‬‬
‫‪ s‬ألم أقل لك يا موسى إنك لن تستطيع معي ً‬
‫فتذك�ر موس�ى الش�رط والعه�د ال�ذي قطع�ه عل�ى نفس�ه‬
‫فال سؤال وال اعتراض‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪ s‬ال تؤاخذني بما َن ِسيت وال ُت ْر ِه ْقنِي ِم ْن َأمري ُع ْسرا(((‪.‬‬
‫ث�م انطلق من جديد‪ ،‬فقد غفر الخضر لموس�ى نس�يانه في‬
‫المرة األولى‪.‬‬

‫الخضر يقتل الغالم‬


‫النس�يان والتس�رع والعجلة عيوب الجنس البش�ري‪ ،‬فلقد‬
‫نس�ي آدم فأكل من الش�جرة وتعجل أمر الله تعالى فكان عقابه‬
‫أن يهب�ط إل�ى األرض‪ ،‬وقد ورث كل بن�ي آدم هذه الصفة حتى‬
‫موس�ى ‪ S‬نيس ما تعهد به للخرض بأن ال يس�أله عن يشء‬
‫حتى يفرس هو حقيقة األمور‪ ،‬وقد عذر اخلرض موسى‪.‬‬

‫(‪ )1‬أي ال حتملني ما ال طاقة يل به‪.‬‬


‫‪120‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫جدي�دا‪ ،‬ويطلعه على ٍ‬


‫رس أكثر‬ ‫ً‬ ‫درس�ا‬
‫ث�م انطلق ب�ه ليعلمه ً‬
‫عج ًبا‪.‬‬
‫فوجدا‬
‫ً‬ ‫نزل اخلرض وموس�ى من الس�فينة إىل قرية من القرى‬
‫صبيا ًن�ا يلعبون ويمرح�ون‪ ،‬كأهنم املالئكة يف براءهت�م مل يعرفوا‬
‫اخلطأ من الصحة بعد‪.‬‬
‫ف�إذا باخلرض خيت�ار أمجل الصبيان الذي�ن يلعبون فيحدثه يف‬
‫بعي�دا عن أعني الناس أخذ‬
‫ً‬ ‫أذنه فيسير معه الطفل حتى إذا كان‬
‫رأس الطفل فقتله‪ .‬ورآه موس�ى وهو يفعل هذا فرصخ‪ ،‬وهاج‪،‬‬
‫وماج‪ ،‬وصاح‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شي ًئا ُنكْرا(((‪.‬‬
‫‪ s‬أقتلت ً‬
‫إن هذه األمور الصعبة ال يفهمها موسى ‪ ،S‬ولو كان‬
‫أحدن�ا مكانه لفعل ما فعل‪ ،‬ولكن اخلرض ال يفعل ش�ي ًئا إال بأمر‬
‫اهلل تعاىل‪ ،‬فنظر اخلرض إىل موسى قائلاً له‪:‬‬
‫صبرا‪.‬‬
‫‪ s‬ألم أقل لك لن تستطيع معي ً‬

‫(‪ )1‬أي قتلت طفلاً بري ًئا‪ ،‬روحه طاهرة دون وجه حق‪ ،‬فهو فعل خبيث‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪121‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فقال موسى ‪َ S‬خ ِج اًل مما فعل‪:‬‬


‫إن سألتك عن يشء بعدها فال تصاحبني قد بلغت من لدين‬
‫عذرا(((‪.‬‬
‫ً‬
‫ول�وال هذه الكلم�ة التي قاهلا موس�ى ‪ S‬ما قاهلا فقد‬
‫ٌ‬
‫رشط وضعه‬ ‫كنا ننتظر العجائب الكثرية من هذه الرحلة‪ ،‬ولكنه‬
‫موسى ‪ S‬عىل نفسه‪ ،‬ظنًا منه أنه لن ينسى مرة أخرى لكن‬
‫كيف ولقد نيس أبوه آدم من قبل‪ ،‬فنس�يت ذريته وكان اإلنس�ان‬
‫َع ُجولاً ‪.‬‬

‫الخضر والغالمان‬
‫انطلق موس�ى واخلرض ليواصال رحلة الغرائب والعجائب‬
‫حتى وصال إىل قرية من القرى وأوشك اجلوع أن يقتلهام‪.‬‬
‫فراحا يطلبان من أهل هذه القرية الطعام خاصة أن موس�ى‬
‫‪ S‬مل يأكل حني هرب احلوت من املكتل‪ ،‬وكان أهل القرية‬

‫كثريا‬
‫(‪ )1‬أي أين إذا سألتك عن أمر من األمور فلن أرافقك يف الرحلة فقد سألتك ً‬
‫ولك العذر يف ذلك‪.‬‬
‫‪122‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بخلاء فل�م يضيفومه�ا(((‪ ،‬فصرب نبي اهلل موس�ى حتى وصل به‬
‫اخلضر إىل ج�دار قديم أوش�ك عىل الس�قوط واالهني�ار‪ ،‬فقال‬
‫اخلرض ملوسى‪.‬‬
‫‪ s‬ساعدني في بناء هذا الجدار‪.‬‬
‫ورغم جوعه إال أنه س�كت حت�ى ال يفقد الصحبة في هذه‬
‫الرحل�ة مع هذا الرجل الصالح فس�اعده وأعانه حتى بناه‪ ،‬ولما‬
‫انتهيا من البناء قال موسى‪.‬‬
‫‪ s‬ق�وم طلبنا منه�م الطع�ام والضيافة فل�م يضيفونا‪ ،‬ولو‬
‫أجرا(((‪.‬‬ ‫شئت التخذت عليه ً‬
‫فقال الخضر‪ :‬هذا فِر َا ُق((( بيني وبينك‪.‬‬
‫وكان موس�ى ‪ S‬قد ندم عىل ما ق�ال ومتنى لو طالت‬
‫هذه الرحلة‪ ،‬ثم قال اخلرض‪.‬‬
‫صبرا(((‪.‬‬ ‫‪ُ s‬‬
‫سأنبئك بتأويل ما لم تسطع عليه ً‬
‫(‪ )1‬يضيفوهما‪ :‬يقومان بواجب الضيافة وهو الكرم وعكسه البخل‪.‬‬
‫أجرا عىل بناء هذا اجلدار‪.‬‬
‫(‪ )2‬أي‪ :‬تطلب ً‬
‫(‪ )3‬فراق‪ :‬هناية الرحلة‪.‬‬
‫(‪ )4‬أي سأخربك بتفسري ما رأيت‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪123‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أما الس�فينة فقد كانت لمس�اكين فق�راء يعملون في البحر‪،‬‬


‫�دد بن ُب َدر) يأخذ كل س�فينة‬
‫(ه َ‬
‫وكان وراءه�م مل�ك ظالم هو ُ‬
‫غص ًب�ا أي رغما عن أصحابها لتكون ملكًا له‪ ،‬فإذا رأى عي ًبا في‬
‫السفينة تركها ولم يأخذها‪.‬‬
‫ولقد جاء بعد نزولنا من السفينة فوجدها قد ُخ ِرقت فتركها‪.‬‬
‫فكان خرق السفينة سب ًبا في نجاة أصحابها ال غرقهم!!‬
‫فتعج�ب نب�ي الله موس�ى الذي ال يعل�م غيب الل�ه تعالى‬
‫وكثي�را م�ا يغتر اإلنس�ان بعقله وهو ال يدري حكم�ة الله تعالى‬
‫ً‬
‫ف�ي كل فعل م�ن األفع�ال حتى ول�و كان فيه التع�ب في بعض‬
‫األحوال‪.‬‬
‫وأما الغالم واس�مه (جيس�ور) فكان أبواه مؤمنين وأما هو‬
‫ف�إن تركه الله ليكبر ألصبح كافرا‪ ،‬وس�يعوض الله والديه ٍ‬
‫بولد‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫خيرا منه يكون مؤمنًا ال يتعبهما‪.‬‬
‫آخر ً‬
‫عالجا لهذي�ن األبوين المؤمنين رغم‬
‫ً‬ ‫وهك�ذا كان الموت‬
‫الحزن الش�ديد الذي صاروا إليه‪ ،‬فيالرحم�ة الله تعالى الرحيم‬
‫بالعبد أكثر من األم بولدها‪.‬‬
‫‪124‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وأما الجدار فكان لغالمين يتيمين في المدينة وكان أبوهما‬


‫كنز وضعه أبوهما لهما‪.‬‬
‫صالحا‪ ،‬وكان تحت هذا الجدار ٌ‬
‫ً‬
‫وق�د دعا أبوهم�ا الله ليجدا الكنز فاس�تجاب الل�ه لدعائه‬
‫فأمرني بالذهاب إلى هناك ألبني الجدار قبل السقوط‪ ،‬فإذا كبرا‬
‫وجدا الكنز‪ ،‬وهذا يا موسى تأويل ما لم تصبر عليه‪.‬‬
‫وف�ارق الخض�ر موس�ى‪ ،‬وفارق�ه موس�ى وع�اد إل�ى بني‬
‫إس�رائيل بعد ه�ذه الرحلة بعلم جديد‪ ،‬وخير كثير‪ ،‬س�فينة ينزع‬
‫لوحها‪ ،‬وطفل ُيقتل‪ ،‬وجدار ُي ْبنَى‪.‬‬
‫وبعد زمان طويل يقول رس�ول الل�ه ‪« :0‬لوددنا‬
‫لو صبر موسى حتى نرى العجب» وكلنا كان يود ذلك‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪125‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫العجل والسامرى‬
‫أوح�ي الله تعالى إلى موس�ى ‪ S‬أن يذهب إىل أعىل‬
‫جب�ل الطور لينزل اهلل تع�اىل عليه رشيعته ويعلم�ه التوراة وفيها‬
‫اهلدى والصالح لبني إرسائيل‪.‬‬
‫فاس�تعد موس�ى ‪ S‬للق�اء اهلل تعاىل‪ ،‬ووىص موس�ى‬
‫ووزيرا ملوس�ى ‪ S‬أوصاه أن حيفظ‬
‫ً‬ ‫أخاه هارون وكان نب ًيا‬
‫بن�ي إرسائيل يف غيبته و َأن يدير ش�ئوهنم ويعلمهم ما جهلوا من‬
‫رشيعة اهلل‪ ،‬وعر ّفه موسى أن مدة غيابه ثالثون يو ًما‪.‬‬
‫وذه�ب موس�ى إىل رب�ه ‪ D‬فصعد جبل الط�ور‪ ،‬وهناك‬
‫تنز ّل�ت علي�ه رشيع�ة اهلل‪ ،‬وكان موس�ى صائماً مدة ثالثين يو ًما‬
‫بسو َا ٍك((( فنظف أسنانه‪،‬‬
‫فأحس َبأن رائحة فمه قد تغريت‪ ،‬فجاء ِ‬

‫فسأله اهلل تعاىل‪ :‬لمِ َ فعلت هذا؟‬


‫فقال‪ :‬يا رب تغيرّ ت رائحة فمي‪.‬‬

‫(‪ )1‬السواك‪ :‬عود صغري من شجر األراك ُينظف به الفم واستخدامه ُسن ٌة عن‬
‫رسول اهلل ‪.0‬‬
‫‪126‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فق���ال اهلل تع���اىل‪ :‬يا موس�ى إن رائحة ف�م الصائم عندي‬


‫أطيب من ريح املسك‪.‬‬
‫ث�م أم�ره أن يصوم عشرة أيام أخ�رى فصار ع�دد امليقات‬
‫مع اهلل أربعني ليل ًة بالتامم والكامل‪.‬‬
‫فأحس موسى بحالوة‬
‫َّ‬ ‫ولقد كلم اهلل موسى‪ ،‬وكلمه موسى‪،‬‬
‫القرب من اهلل فقال‪:‬‬
‫‪ s‬رب أري�د النَّظ�ر إلي�ك ورؤيتك س�بحانك‪ .‬فق�ال الله‬
‫تعالى‪:‬‬
‫‪ s‬يا موس�ى إنك لن تراني‪ ،‬ولك�ن انظر إلى الجبل (جبل‬
‫الطور) فإن ّ‬
‫ظل مكانه فسوف تراني‪.‬‬
‫فلما تجل�ى الله تعال�ى للجبل اهتز الجب�ل وتزلزل وصار‬
‫دكَّاء متساو ًيا باألرض‪ ،‬فأغمي على موسى ‪.S‬‬
‫فلام أفاق موسى علم أن املؤمنني لن يروا اهلل يف الدنيا ولكن‬
‫ِ‬
‫اآلخرة إذا دخلوا اجلنة‪ ،‬فقال موسى‪.‬‬ ‫يرونه يف‬
‫‪ s‬يا رب سبحانك ُت ْب ُت إليك وأنا أول المؤمنين‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪127‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فأعط�اه الل�ه تعالى األلواح الت�ي كتبت فيها الت�وراة وفيها‬


‫هدى ورحمة لبني إسرائيل‪.‬‬

‫وكان�ت تعاليمه�ا (ال تس�رق ‪ -‬ال ت�زن ‪ -‬ال تش�هد عل�ى‬


‫صاحبك ش�هادة زور ‪ -‬اعبد الله وحده ال ش�ريك له ‪ -‬ال تقتل‬
‫‪ -‬أطع أباك وأمك حتى يطول عمرك ‪ -‬ال ُتمدن عينك إلى بيت‬
‫صاحبك‪ ،‬وال تتم َّن امر َأته وال عبده ‪ -‬أي ال تحسده)‪.‬‬

‫وفرح موس�ى باألل�واح‪َ ،‬وأراد أن يطبقها إل�ى قومه إال أن‬


‫خبرا جعله حزينًا فيا ُترى ما الخبر؟!‬
‫الله تعالى أخبره ً‬
‫عجل من ذهب‬

‫والح ِّلي‬
‫طلب اليهود م�ن المصريات أن يعطيه�ن الذهب ُ‬
‫لكي يزين به في عيدهم على أن ُي ِعد َن ُه مرة أخرى إليهن‪.‬‬

‫ولك�ن كان في نية اليهوديات س�رقة الذه�ب من الخواتم‪،‬‬


‫واألقراط(((‪ ،‬والخالخيل وغيرها من زينة النساء‪.‬‬

‫(‪ )1‬مجع قرط وهو ما تضعه املرأة من يُ‬


‫حل يف أذهنا‪.‬‬

‫‪128‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وألن بن�ي إس�رائيل أغبي�اء‪ ،‬فق�د اس�تطاع أحده�م وه�و‬


‫(السامري) أن يسرق ذهبهم في حيلة من ِح ِ‬
‫يله الشيطانية‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫فق�د جمع ه�ذا الكاف�ر الذهب م�ن اليهوديات ث�م وضعه‬
‫ف�ي النار وصنع منه عجلاً ذهب ًي�ا‪ ،‬وكان قد جعل جوف العجل‬
‫مفتوحا من ناحيتين‪.‬‬
‫ً‬
‫(الخو َا ْر)‬
‫ف�إذا دخ�ل الهواء في بطن�ه خرج له صوت كأن�ه ُ‬
‫وه�و صوت العجل‪ ،‬فظ َّن اليهود أن ه�ذا العجل هو اإلله فقال‬
‫لهم السامري‪.‬‬
‫‪ s‬هذا إلهكم وإله موسى‪.‬‬
‫واستغل فرصة غياب موسى عشرة أيام أخرى فقال‪:‬‬
‫‪ s‬إن موسى قد مات وهذا إلهكم وإلهه فاسجدوا له‪.‬‬
‫فأطاع�وه بكفره�م وس�جدوا ل�ه إال ه�ارون ومع�ه بعض‬
‫المؤمنين الذين رفضوا السجود لهذا الصنم الذهبي الذي عبده‬
‫اليهود عبيد المال والذهب‪.‬‬
‫ولما أراد موس�ى الرجوع إلى قومه أخبره الله تعالى بعبادة‬
‫شديدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫قومه للعجل وسجودهم له فحزن موسى حز ًنا‬
‫‪n‬‬ ‫‪129‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وسري ًعا ما عاد إلى هناك‪ ،‬فرأى العجل‪ ،‬فظ ّن أن هارون قد‬
‫عبد العجل معهم فأمسك به وراح يخنقه ويقول‪:‬‬
‫‪ s‬لماذا تركتهم يعبدون العجل يا هارون؟‬
‫هل رضيت بهذا؟‬
‫فقال هارون‪ :‬يا موس�ى‪ ،‬يا ابن أمي ال تفعل بي هذا فوالله‬
‫لقد نصحتهم ونهيتهم ولكنهم صمموا على هذا فانتظرتك حتى‬
‫تعود بأمر الله فيهم‪.‬‬
‫فأحضر هارون (السامري) فقال له موسى‪:‬‬
‫‪ s‬غض�ب الله علي�ك يا س�امري فاذهب ف�إن عقابك أن‬
‫ُيصيب�ك الل�ه بم�رض كلم�ا وضعت يدك على جس�دك س�قط‬
‫جلدك حتى تقول‪ :‬ال ِمس َاس(((‪.‬‬

‫وح�رق موس�ى العجل بعد أن وضعه في الن�ار ثم ألقاه في‬


‫البح�ر‪ ،‬فبكى بنو إس�رائيل حز ًنا على العجل ثم راحوا فش�ربوا‬
‫من الماء الذي ذاب فيه الذهب في البحر‪...‬فيا للحماقة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أي ال يلمسني أحد‪.‬‬


‫‪130‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اص َّف���رت ش���فاههم‪ ،‬فق���ال‬


‫ففض���ح اهلل أولئ���ك ب���أن ْ‬
‫موسى‪:‬‬
‫إلها‬
‫‪ s‬ي�ا ق�وم إنك�م ظلمت�م أنفس�كم باتخاذكم العج�ل ً‬
‫م�ن دون الله‪ ،‬وإن عقابكم أن تقتلوا أنفس�كم حت�ى يتوب الله‬
‫عليكم‪.‬‬
‫فأمر موس�ى من عبدوا العجل أن يدخل�وا إلى ٍ‬
‫دار ُمظلمة‪،‬‬
‫ثم يربطوا أنفس�هم حتى يحضر من لم يعبدوا العجل فيقتلوهم‬
‫بالسيوف‪ ،‬وإن عالمة قبول الله للتوبة أنه سوف ينزل ُظ ْلم ًة حين‬
‫تزول‪ ،‬تكون التوبة قد ُقبِ َل ْت‪ ،‬فيكفون عن القتل‪.‬‬
‫وب�دأ من لم يعبد العجل في قتل َعب ِ‬
‫�دة العجل حتى صرخ‬ ‫َ‬
‫األطف�ال عل�ى آبائه�م‪ ،‬وبك�ت النس�اء‪ ،‬ورفع نبي الله موس�ى‬
‫‪ S‬ي�ده إىل السماء يدع�و رب�ه لريفع ه�ذا البالء ع�ن بني‬
‫إرسائيل‪.‬‬
‫فاستجاب اهلل لنبيه وقبل توبتهم فارتفعت الظلمة وتاب اهلل‬
‫عىل من َبقي ورحم من مات‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪131‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بقرة بني إسرائيل‬


‫ً‬
‫ش�يخا‬ ‫كان هن�اك رج�ل من بني إرسائي�ل كثري املال‪ ،‬وكان‬
‫عجوزا‪ ،‬وكان أبنا ُء أخيه يتمنون موته حتى يرثوه ويأخذوا ماله‪،‬‬
‫ً‬
‫أحد أبناء أخي�ه ووضعه عىل الطريق‪ ،‬فلام‬
‫فط�ال به العمر‪ ،‬فقتله ُ‬
‫الناس يف أول النهار وجدوا هذا الرجل قتيلاً ‪.‬‬
‫أصبح ُ‬
‫فأخ�ذ بعضهم يصرخ‪ ،‬واآلخر يبكى‪ ،‬واآلخ�ر يقول‪ :‬من‬
‫قتل هذا الرجل‪.‬؟‬
‫فقال أحدهم‪ :‬نذهب إىل نبي اهلل موسى ‪ S‬ليبني لنا‬
‫احلقيقة‪.‬‬
‫فذهب�وا إىل نب�ي اهلل موس�ى ‪ S‬فقص�وا علي�ه قص�ة‬
‫القتل‪.‬‬
‫فذهب موس�ى يناجى ربه ويدعوه‪ ،‬ثم ع�اد إىل قومه فقال‪:‬‬
‫إن اهلل يأمركم أن تذبحوا بقرة‪.‬‬
‫هزوا وهتزأ منّا‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬بقرة يا موسى‪ ،‬أتتخذنا ً‬

‫‪132‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فقال نيب اهلل موسى‪ :‬أعوذ باهلل أن أكون من اجلاهلني‪.‬‬


‫فقالوا‪ :‬إذن ادع اهلل لنا ليبني لنا شكل البقرة‪.‬‬
‫فدعا موس���ى رب���ه فق���ال‪ :‬إن اهلل يقول لكم‪ :‬إهن�ا بقرة ال‬
‫ان((( بني ذلك وألن موسى يعلم أهنم كثري‬ ‫َف ِ‬
‫ار ٌض‪ ،‬وال بِك ٌْر‪َ ،‬ع َو ٌ‬
‫سؤاهلم قال‪ :‬فافعلوا ما ُت ْؤ َم ُرون‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬فادع لنا ربك يبني لنا َما َل ْو هُنا؟‬
‫فدعا موسى ربه ثم عاد فقال‪ :‬إنه يقول إهنا بقرة صفراء‬
‫َ ِ (((‬
‫ش�دد اهلل عليهم فلم‬ ‫�ع لوهن�ا ُت ّ‬
‫سر الناظرين فلام تش�ددوا ّ‬ ‫فاق ٌ‬
‫جيدوا بقرة هبذا اللون‪ ،‬فعادوا إىل موسى فقالوا‪:‬‬
‫‪ s‬ادع لن�ا رب�ك يبين لن�ا إن البقر األصفر كثير وقد تش�ابه‬
‫علينا‪.‬‬
‫فقال موسى بعد أن دعا ربه‪ :‬إنه يقول إنها بقرة ال َذ ُلول‬
‫ِ‬
‫الشي َة فيها(((‪.‬‬ ‫الحرث ُم َس َّلمة‬ ‫ِ‬
‫ثير األرض وال َت ْسقي َ‬
‫ُت ُ‬
‫(‪ )1‬فارض‪ :‬ليست كبرية السن‪ ،‬والبكر‪ :‬ليست صغرية‪ ،‬عوان وسط فال هي‬
‫صغرية وال كبرية‪.‬‬
‫(‪ )2‬فاقع‪ :‬شديد الصفرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬الذلول‪ :‬ليست سهلة االنقياد‪ ،‬تثري األرض‪ :‬حترثها للزراعة‪ ،‬مسلمة‪ :‬سليمة‬
‫من العيوب‪ ،‬الشية‪ :‬صفراء خالصة ال لون آخر فيها غري األصفر‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪133‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فذهب�وا فبحثوا عنها واس�تمر البحث عنه�ا حتى وجدوها‬


‫ب�ارا بوالديه‪ ،‬فأعطاه الله حس�ن الجزاء فقد باع‬
‫عن�د غالم كان ً‬
‫البقرة بعشرة أمثال وزنها ذه ًبا‪.‬‬

‫المقتول يتكلم‬
‫فلما ذبحوها‪ ،‬أمرهم نبي الله موسى أن يأخذوا منها عظمة‬
‫فيضربوا بها القتيل ففعلوا‪.‬‬
‫فق���ام القتيل ليق���ول‪ :‬قتلني ابن أخي ه�ذا الذي يصرخ‬
‫ويلطم حتى َيرث مالي‪ .‬ثم مات القتيل مرة أخرى‪.‬‬
‫ورغم ما رأى بنو إسرائيل من اآليات والمعجزات إال أنهم‬
‫استمروا في إيذاء موسى ‪ S‬ومات وهو غضبان عليهم‪.‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪134‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ُ‬
‫األرض المقدسة‬
‫م�رت أربعون س�نة على بني إرسائي�ل وه�م يف أرض التيه‬
‫مل خيرجوا منها‪ ،‬ماتت فيها أجيال‪ ،‬وو ُلدت أجيال جديدة‪.‬‬
‫وقب�ل م�وت موس�ى ‪ S‬أخ�ذ العه�د عىل م�ن خرج‬
‫من األجي�ال اجلديدة مؤمنًا باهلل مل يس�جد لصنم‪ ،‬أو يعبد عجلاً‬
‫أو يعىص اهلل‪ ،‬فأمنوا باهلل ورسوله‪.‬‬
‫وأمرهم بالصالة والزكاة‪ ،‬واجلهاد يف سبيل اهلل‪ ،‬ولكن مات‬
‫موسى ‪ S‬قبل أن ُيكمل هذه الرسالة‪.‬‬
‫وكان اهلل تعاىل قد أوحى إىل موسى قبل موته أن يأخذ امليثاق‬
‫على ه�ؤالء املؤمنني ليقيم�وا الصلاة‪ ،‬ويؤتوا ال�زكاء‪ ،‬ويؤمنوا‬
‫بالرسل‪.‬‬
‫فإذا قاموا هبذه الواجبات‪ ،‬أمرهم بالقتال فأطاعوا فيغفر اهلل‬
‫هلم ذنوهبم ويرفع العقاب عنهم مجي ًعا‪.‬‬
‫وأس�ند موس�ى مهمة الرتبية إىل يوش�ع ب�ن نون ‪،S‬‬
‫ف�كان خيتار من ش�باب بن�ي إرسائيل من هم عىل ق�در من القوة‬
‫‪n‬‬ ‫‪135‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫البدنية‪ ،‬وقوة اإليامن حتى يكونوا نواة للجيش الذي س�يقاتل يف‬
‫سبيل اهلل‪.‬‬
‫وكان أفض�ل الش�باب اثنى عشر رجلاً ‪ ،‬اختارهم موس�ى‬
‫ويوش�ع بن ن�ون ليكونوا نقب�ا ًءا عىل قومهم أي رؤس�ا ًء وقوا ًدا‪،‬‬
‫وحذرهم اهلل تعاىل من عقابه إن خانوا العهد‪ ،‬وضيعوا امليثاق‪.‬‬
‫فق���ال هل���م‪ :‬فم�ن كفر بع�د ذل�ك منك�م فقد ضل س�واء‬
‫السبيل‪.‬‬
‫وكان ع�دد االثنى عرش نقي ًبا عىل ع�دد قبائل بني إرسائيل‪،‬‬
‫فقد كانوا اثنى عرش قبيلة عىل عدد أبناء يعقوب ‪ S‬وإخوه‬
‫يوس�ف نبي اهلل فكان هذا هو جيش اإليامن يقوده يوشع بن نون‬
‫إىل األرض املقدسة وذلك بعد وفاة نبي اهلل موسى‪.‬‬

‫أرض العماليق‬
‫يف أرض العامليق عاش ( ُب ْل َعام بن َبا ُعوراء) الرجل الصالح‬
‫الذي عرف اسم اهلل األعظم الذي إذا ُدعي به أجاب‪ ،‬وإذا ُس ِئ َل‬
‫به أعطى‪.‬‬

‫‪136‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ف�كان رجلاً حيبه قومه‪ ،‬ولكنه انعزل عنهم يف صحراء بالده‬


‫بعيدا عن قومه وكفرهم‪.‬‬
‫يعيش يف صومعته ً‬

‫ومل خيطر ببال ( ُب ْلعام) أن يدعو قومه يو ًما إىل اإليامن‪ ،‬واختار‬
‫العزلة عىل دعوة الناس إىل اإليامن باهلل الواحد األحد‪.‬‬

‫جديدا من قوم موس�ى قد خرج‬


‫ً‬ ‫وقد علم العامليق أن جيلاً‬
‫جلبن التي كانت فيمن قبلهم‪،‬‬
‫جماهدا يف سبيل اهلل ليس فيه صفة ا ُ‬
‫ً‬
‫يبحثون عن املوت يف سبيل اهلل ليبلغوا اجلنة‪.‬‬

‫فعلم�وا أن�ه البد م�ن احليل�ة واخل�داع يف حرهبم ض�د بني‬


‫إرسائيل‪ ،‬فقال شيطان من شياطينهم‪:‬‬

‫ما علينا إال أن نذهب إىل بلعام نطلب منه أن يدعو اهلل عليهم‬
‫ليهزمزا‪ ،‬فهو مس�تجاب الدعوة‪ ،‬كلما انقطع املطر عنا ذهبنا إليه‬
‫فدعا اهلل‪ ،‬فنزل املطر‪ ،‬فلنذهب إليه يدعو اهلل عليهم‪.‬‬

‫فقال احلاكم‪ :‬فكرة طيبة لنذهب إليه‪ ،‬فقاموا مجي ًعا للقاء‬
‫(بلعام) يف صومعته‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪137‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بشارة النصر‬
‫م�ا زال جي�ش بني إرسائي�ل يضرب يف الصح�راء بعد أن‬
‫رف�ع اهلل تعاىل غضبه عنه�م‪ ،‬وألول مرة خيرجون من أرض التيه‬
‫منذ أربعني س�نة كاملة قضوها يف حلقة واحدة يدورون فيها بال‬
‫خ�روج منه�ا ففرحوا وعلم�وا أن هذه هي بش�ارة النرص من اهلل‬
‫إليهم مجي ًعا‪.‬‬
‫وقام نيب اهلل «يوشع بن نون» خيطب يف قومه قائال‪:‬‬
‫يا بني إرسائيل اذكروا نعمة اهلل عليكم إذ نجاكم من فرعون‬
‫وعمل�ه‪ ،‬فقد كان يقت�ل أبناءكم‪ ،‬ويس�تحيي نس�اءكم‪ ،‬ويذلكم‬
‫عبيدا يف أرضه وقرصه‪ ،‬ولوال أنكم آمنتم باهلل عىل يد نبيه موسى‬
‫ً‬
‫لظللتم إىل اآلن يف يد فرعون الظامل الذي أغرقه اهلل يف ماء البحر‪،‬‬
‫ونجاكم واختاركم مؤمنني له‪.‬‬
‫وظلل عليكم الغامم وأنزل عليكم املن والسلوى‪.‬‬
‫دارا وخاد ًما‬
‫وجع�ل منكم مل�وكًا‪ ،‬الواح�د منك�م يمل�ك ً‬
‫وينزل إليه رزقه من السامء‪.‬‬

‫‪138‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وال تكونوا كالذين قالوا ملوسى من قبل‪ :‬اذهب أنت وربك‬


‫فقاتال إنا هاهنا قاعدون‪.‬‬

‫ولكن قاتلوا يف سبيل اهلل عدو اهلل‪ ،‬حتى تدخلوا إىل األرض‬
‫املقدس�ة‪ ،‬وتتن�زل عليكم النعم�ة والربكة‪ ،‬ال الغض�ب واللعنة‪،‬‬
‫�دة(((‪ ،‬وال بِ َع َد ِد‪ ،‬ولك�ن ننترص عىل‬
‫واعلم�وا أنن�ا ال ننتصر بِ ُع َّ‬
‫أعدائن�ا باإليمان ب�اهلل‪ ،‬والثقة يف نصره‪ ،‬فلو عصين�ا اهلل ألذلنا‪،‬‬
‫وهزمنا األعداء فامضوا إىل األرض املقدسة عىل بركة اهلل‪.‬‬

‫فق���ال أح���د اجلنود‪ :‬ي�ا نب�ي اهلل‪ ،‬مل�اذا األرض املقدس�ة‬


‫بالذات؟ ملاذا ال نحارب يف أي مكان آخر؟‬

‫فقال يوش���ع‪ :‬إهنا أرض جدكم إبراهيم ‪ ،S‬وأبيكم‬


‫يعقوب‪ ،‬و (بيت املقدس) هي أرض لكل املؤمنني ال يسكنها إال‬
‫املؤمن�ون ولذلك فإن اهلل أمرك�م أن تطهروها من عبدة األصنام‬
‫من العامليق‪.‬‬

‫فقال آخر‪ :‬ستكون بيت املقدس لنا طوال احلياة‪.‬‬


‫(‪ )1‬عدة‪ :‬آالت واملقصود هبا هنا اآلالت احلربية‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪139‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪ s‬ل�ن تك�ون بيت املق�دس إال للمؤمنني فقط ف�إذا كفرتم‬


‫باهلل وعصيتم نزعها اهلل منكم ومل تس�تحقوا أن تكونوا أهلها وال‬
‫أصحاهب�ا‪ ،‬وإنام هي ألهل اإليامن الذين ال يعصون اهلل ما أمرهم‬
‫وال يغريون كالم اهلل‪ ،‬بل يطيعونه سبحانه‪.‬‬
‫ودبت احلامس�ة يف جند بني إرسائيل‪ ،‬وساروا للقاء عدوهم‬
‫م�ن العاملي�ق‪ ،‬مل ترهبه�م قوهت�م‪ ،‬ومل يفزع�وا م�ن أحجامه�م‬
‫الكبرية‪.‬‬
‫ب�ل كان اإليامن نش�يدهم‪ ،‬واحلق مرادهم‪ ،‬والش�هادة أمنية‬
‫هلم‪ ،‬حتى حيرروا األرض املقدسة من يد الكفار عباد األصنام‪.‬‬

‫الشمس تتوقف عن الغروب‬


‫وعلى اجلانب اآلخر كان حاك�م العامليق وقواده قد وصلوا‬
‫إىل صومعة «بلعام» فقام إليهم‪ ،‬فقالوا‪ ،‬إن حاجتنا إليك أن تدعو‬
‫عىل جيش بني إرسائيل‪.‬‬
‫فق���ال‪ :‬كي�ف ذلك إن قائدهم نبي والنبي ذو ش�أن مع اهلل‪،‬‬
‫فال أملك أن أدعو عليهم‪.‬‬

‫‪140‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قال���وا‪ :‬بل س�تدعو عليهم ونعطي�ك املال الوفير‪ ،‬وتكون‬


‫صاحب شأن فينا‪ ،‬نسمع كلمتك‪ ،‬ويميض رأيك‪.‬‬
‫أمرا دونك بعد ذلك‪ ،‬ستصري الرجل األول يف‬
‫إننا لن نقطع ً‬
‫دولتنا يا ُب ْل َعام‪.‬‬
‫فنظر بلعام إليهم‪ ،‬وقد وس�وس الش�يطان له‪ ،‬فزين له ما قد‬
‫قال�وا‪ ،‬فطم�ع يف احلياة الدنيا ونس�ى ما ينتظر عن�د اهلل من اجلنة‬
‫والنعيم الذي ال يزول إذا أطاع اهلل‪ ،‬وعىص قومه‪.‬‬
‫وغلب عليه ش�يطانه‪ ،‬فضل وأضل‪ ،‬وباع اآلخرة واشترى‬
‫الدنيا‪ ،‬ووافق عىل ما طلبوه‪ ،‬ثم ركب محارة وس�ار نحو معسكر‬
‫بني إرسائيل ليدعو عليهم ولكن إذا باحلامرة ال تسري بل ثبتت يف‬
‫مكاهنا‪.‬‬
‫فرضهب�ا بعص�اه حتى قامت وس�ارت‪ ،‬ومل يكن سيرها إال‬
‫قليلاً حتى عادت لتقف يف مكاهنا‪.‬‬
‫بل ورقدت محارته يف األرض‪ ،‬فرضهبا رض ًبا أش�د من املرة‬
‫األوىل‪ ،‬ف�إذا باحلمارة تنط�ق وتق�ول‪ :‬يا بلع�ام أي�ن تذهب؟ إن‬

‫‪n‬‬ ‫‪141‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫املالئكة أمامي تردين وتعيدين‪ ،‬وال تس�مح يل بالسري‪ ،‬أتذهب إىل‬


‫نب�ي اهلل «يوش�ع» فتدعو عىل قوم�ه املؤمنني‪ ،‬لن يك�ون هذا لك‬
‫أبدا‪.‬‬
‫ً‬
‫ولكن�ه تعام�ى عن آيات اهلل‪ ،‬وعن هذه احلمارة التي نطقت‬
‫شديدا‪ ،‬فاملال قد أغراه وهو يريد الرفعة يف قومه‪.‬‬
‫ً‬ ‫فرضهبا رض ًبا‬
‫«ح ْس� َبان» فرأى معس�كر بني‬
‫حتى وصل إىل جبل يس�مي ُ‬
‫إرسائي�ل ويوش�ع بن نون‪ ،‬فأخ�ذ يدعو عليهم‪ ،‬ولكن لس�انه ال‬
‫يطيع�ه اآلن‪ ،‬ف�إذا جاء ليدعو عىل يوش�ع وبن�ي إرسائيل انقلب‬
‫لسانه فدعا عىل قومه وعىل نفسه‪.‬‬
‫فنظ�ر قومه إليه كيف يفعل ه�ذا؟ فجرب ثانية فإذا به يدعو‬
‫عىل نفس�ه وقومه‪ ،‬فلام جرب ثالثة وقع لسانه عىل صدره‪ ،‬فعرف‬
‫أن اهلل تع�اىل حاف�ظ للمؤمنين ول�ن ينصر عاص ًي�ا على طائع‪،‬‬
‫ٍ‬
‫مؤمن‪.‬‬ ‫وال كافر عىل‬
‫فق���ال لقوم���ه‪ :‬قد ضاع�ت من�ي اآلخ�رة‪ ،‬وضاعت مني‬
‫الدني�ا كفرت باهلل حني دعوت عىل نبي وقومه فأخذ مني اس�مه‬
‫األعظم‪.‬‬
‫‪142‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وفش�لت يف الدعاء عليهم‪ ،‬فال مال يل عندكم وال ش�ورى‪،‬‬


‫ولكن بقيت احليلة واملكر‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬كيف نفعل؟‬
‫ق���ال‪ :‬إن اهلل ليعذب القوم إذا عمت فيهم الفاحش�ة وفعلوا‬
‫ذن ًبا‪ ،‬فإذا أردتم أن حيل غضب اهلل عىل يوشع وقومه‪ ،‬فال عليكم‬
‫إال أن تزينوا نساءكم‪ ،‬وابعثوهن كبائعات إىل معسكر اليهود من‬
‫بني إرسائيل‪.‬‬
‫فمت�ى وقع رجل م�ن بني إرسائيل يف الفاحش�ة أرس�ل اهلل‬
‫عليهم غضبه‪ ،‬فوافقوا عىل هذا الرأي‪.‬‬
‫ومرت امرأة منهم اس�مها ِ‬
‫«كس� َبتى» برجل م�ن عظامء بني‬
‫إرسائيل‪ ،‬فخال هبا يف خيمته ووقع يف الفاحشة‪.‬‬
‫فأنزل اهلل الطاعون((( عىل بني إرسائيل فامت منهم س�بعون‬
‫أل ًفا جزاء عىل وقوع الفاحشة فيهم‪.‬‬
‫فق�ام رجل مؤمن اس�مه « َفن َْحاص» ومح�ل حربته ثم دخل‬
‫إىل خيمة الفاجر والفاجرة فطعنهام ثم محلهام عىل حربته‪ ،‬ووقف‬
‫(‪ )1‬الطاعون‪ :‬مرض وبائي يقتل صاحبه وينترش بني الناس‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪143‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يف وس�ط املي�دان يق�ول‪ :‬الله�م إين قتلت من عص�اك‪ ،‬ووقع يف‬
‫الفاحشة‪ ،‬فارفع عنا الطاعون‪.‬‬
‫ورف�ع اهلل ‪ D‬الطاع�ون ع�ن بن�ي إرسائي�ل‪ ،‬ومل يبق إال‬
‫املواجهة مع العامليق‪.‬‬
‫فش�لت كل حم�اوالت العامليق هلزيمة بن�ي إرسائيل قبل أن‬
‫حياربوهم‪ ،‬ومل يبق إال املواجهة بني الطرفني‪.‬‬
‫فأم�ا « ُبلعام» فقد لعنه اهلل تعاىل حني اختار األرض والدنيا‪،‬‬
‫ونيس السامء واآلخرة حتى صار كالكلب إن ترتكه يلهث وينبح‪،‬‬
‫أو ترضب�ه يله�ث وينب�ح‪ ،‬ص�ار يف الدني�ا ملعو ًن�ا‪ ،‬ويف اآلخرة‬
‫معذ ًبا‪.‬‬
‫وجه�ز يوش�ع بن نون جيش�ه لتحري�ر (بيت املق�دس) من‬
‫الكف�ار‪ ،‬وتطهريه�ا منه�م بعد أن قط�ع هن�ر األردن‪ ،‬فوصل إىل‬
‫مدينة أرحيا وهزم احلامية هناك‪.‬‬
‫وكان حصاره هلا س�ته اش�هر كاملة‪ ،‬وكان�ت مدينة حصينة‬
‫أس�وارها عالية‪ ،‬وهي أكثر مدن العامليق سكا ًنا‪ ،‬فاستطاع بنرص‬

‫‪144‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اهلل وفضله أن هيزم العامليق فيها‪ ،‬وواصل املسير بعد ذلك يفتح‬
‫بلدا تلو اآلخر‪ ،‬ومدينة بعد األخرى‪ ،‬وهيزم قواد العامليق‪.‬‬
‫ً‬
‫كل هذا ومل يصل بعد إىل بيت املقدس‪ ،‬وكان العامليق يعرفون‬
‫أن سقوط بيت املقدس يعني بالنسبة هلم خسارة عظيمة‪.‬‬
‫فجمع�وا جيوش�هم‪ ،‬وتعاه�دوا على الدفاع ع�ن مدينتهم‬
‫ووصل يوشع إىل بيت املقدس بجيشه‪.‬‬
‫(((‬
‫وب�دأت املعركة من�ذ الصب�اح‪ ،‬وال صوت ف�وق َصليل‬
‫السيوف‪ ،‬وال يشء يعلو إال ُغبار الرمال املتصاعدة‪.‬‬
‫وه�ا ه�ي آه�ات القتلى‪ ،‬وأص�وات التكبير تعلو م�ن بني‬
‫إرسائيل‪ ،‬ومحي القتال‪ ،‬واش�تعلت املعركة‪ ،‬والعامليق صامدون‬
‫وبن�و إرسائيل يش�دون عليهم‪ ،‬وب�دأ القتال يف الصب�اح الباكر‪،‬‬
‫وامتد طيلة اليوم ال هيدأ‪ ،‬وال هيدأ العامليق‪.‬‬
‫وانتص�ف النه�ار وال زال�ت املعركة تدور‪ ،‬حتى أوش�كت‬
‫الش�مس عىل املغي�ب‪ ،‬وكان بن�و إرسائيل قد اقرتب�وا من حتقيق‬
‫النرص عىل عدوهم‪.‬‬
‫(‪ )1‬صليل‪ :‬صوت السيوف‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪145‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وفكَّر يوشع ‪ S‬فوجد اليوم هو يوم اجلمعة‪ ،‬وإذا انتهى‬


‫القتال‪ ،‬فإهنم لن يقاتلوا عدوهم إال يوم األحد‪ ،‬ألن يوم السبت‬
‫يتعطل فيه اليهود للعبادة فقط‪ ،‬ال يقومون بأي أمر آخر‪.‬‬
‫ويعني هذا أن جنود العامليق سيجمعون شملهم من جديد‪،‬‬
‫وتب�دأ حرب أخ�رى‪ ،‬و ُأ ْق ِف َلت األبواب يف وجه يوش�ع إال باب‬
‫واح�د‪ ،‬وهو ب�اب السماء‪ ،‬فرفع بصره إىل اهلل تع�اىل‪ ،‬ونظر إىل‬
‫الشمس التي أوشكت عىل الغروب فقال للشمس‪:‬‬
‫‪ s‬إن�ك مأمورة وأنا مأمور‪ ،‬اللهم احبس�ها [أي‪ :‬امس�كها‬
‫عن الغروب]‪.‬‬
‫واستجاب اهلل لدعائه فحبس الشمس‪ ،‬ونادى يف جنده‪:‬‬
‫إىل النصر يا جند اهلل‪ .‬فهاجم بنو إرسائيل أعداءهم هجو ًما‬
‫شديدا حتى هزموا أعداءهم هزيمة منكرة‪ ،‬وقتلوا ملك العامليق‬
‫ً‬
‫وحاكمه�م‪ ،‬ومجع�وا الغنائم‪ ،‬وكام س�بق أن الغنائ�م قديماً كانت‬
‫جتم�ع يف م�كان واحد‪ ،‬ثم تأيت نار بيضاء من السماء تأكلها‪ ،‬فإن‬
‫مل تنزل النار فإن اهلل تعاىل غاضب عليهم غري راض‪.‬‬

‫‪146‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فجم�ع يوش�ع الغنائم يف م�كان واح�د وانتظر حت�ى تنزل‬


‫الن�ار البيض�اء‪ ،‬وانتظر معه بنو إرسائيل‪ ،‬ولك�ن مل تنزل النار من‬
‫السامء‪.‬‬
‫فقال يوشع لبين إسرائيل‪ :‬إن فيكم ال َغ ُلول(((‪.‬‬
‫فأنكروا مجي ًعا أن يكون أحدهم قد رسق ش�ي ًئا‪ ،‬فقال يوشع‬
‫فليصافحن�ي كل نقي�ب قبيلة من االثنى عرش‪ ،‬ف�إذا التصقت يد‬
‫أحدهم عرفنا أين الغلول؟‬
‫فبدأ النقباء االثنى عرش يف مصافحته فلصقت يد اثنني منهم‬
‫يف يده‪ ،‬فقال‪ :‬فيكم أنتم الغلول‪.‬‬
‫فبحث�وا حتى أخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب‪ ،‬فأخذها‬
‫يوشع ووضعها مع بقية الغنائم‪ ،‬فنزل نار من السامء بيضاء حتى‬
‫أكلت الغنائم‪ ،‬فحمدوا اهلل تعاىل عىل ذلك‪ ،‬وواصل يوشع املسري‬
‫ناحية بيت املقدس مع قومه‪ ،‬حتى وصلوا قرب ًيا من أسوارها‪.‬‬

‫وعىل أس�وار بي�ت املقدس أوحى اهلل تعاىل إىل يوش�ع ً‬


‫أمرا‪،‬‬
‫فقام يوشع يف قومه يقول‪:‬‬

‫(‪ )1‬اللص‪.‬‬
‫‪n‬‬ ‫‪147‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫إن اهلل يأمركم أن تدخلوا باب مدينة القدس وأنتم ساجدين‬


‫هلل شكرا عىل النرص‪ ،‬وأن تقولون! ِ‬
‫(ح ّط ٌة)‪.‬‬ ‫ً‬
‫فقال أحدهم‪ :‬وما ِحطة يا يوشع؟‬
‫فقال‪ :‬أي يا رب ُحط عنا ذنوبنا التي فعلنا ساب ًقا‪.‬‬
‫فرد آخر قائ ً‬
‫ال‪ :‬كل هذا ومل يغفر اهلل لنا ذنوبنا يا يوشع؟‬
‫فق���ال يوش���ع ‪ :S‬إن نع�م اهلل علي�ك وعلى قومك‬
‫كثرية‪ ،‬فأطع اهلل واستغفره‪.‬‬
‫وع�اد اليهود ملامرس�ة املهنة القديمة‪ ،‬فس�خروا م�ن أمر اهلل‬
‫أمرا آخر‪.‬‬
‫تعاىل‪ ،‬وعزموا ً‬
‫صغريا ال يستطيعون الدخول‬
‫ً‬ ‫وملا وصلوا إىل الباب وجدوه‬
‫سجدا‪ ،‬ففكر بعضهم يف السخرية من أمر اهلل وعصيانه‪.‬‬
‫ً‬ ‫إال‬

‫وبدلاً من الس�جود ً‬
‫شكرا لرهبم الذي نرصهم عىل أعدائهم‬
‫وطاعت�ه إذا هبم يضعون إس�تاهم((( عىل األرض ليزحفوا عليها‬
‫بدلاً من السجود عىل جباههم‪.‬‬

‫(‪ )1‬مؤخرهتم‪.‬‬

‫‪148‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وب�دلاً من قوهل�م (حطة) قال فريق منه�م‪ :‬حنطة أي قمح‪،‬‬


‫وقال اآلخر‪ :‬حبة يف شعرة‪ .‬سخرية من أمر اهلل‪.‬‬
‫وما أجحد اإلنسان الذي رأى نعمة ربه تتنزل عليه منذ قليل‬
‫فيعصيه إهنا جمرد كلمة‪ ،‬وجمرد سجدة لن ترضهم يف يشء‪.‬‬
‫وغض�ب اهلل تع�اىل عليه�م غض ًب�ا عظيًم�اً فأرس�ل عليه�م‬
‫رجزا من السماء بكفرهم‪ ،‬فامت منهم عدد‬ ‫الطاعون مرة أخرى ً‬
‫كبري‪ ،‬ماتوا عىل املعصية والكفر‪.‬‬
‫فل�م يس�تمعوا لنبيه�م ينصحه�م‪ ،‬ومل يس�تجيبوا لرهب�م‬
‫يدعوهم‪.‬‬
‫ووقف نبي اهلل يوشع حزينًا آس ًفا عىل ما قد فعلوه‪ ،‬وبخوف‬
‫النب�ي على قوم�ه‪ ،‬وحزن�ه عىل املوت�ى بك�ى‪ ،‬وكأهنم أبن�اؤه قد‬
‫فقدهم‪ ،‬وتأسف املؤمنون عىل موت هذه الفئة التي كفرت باهلل‪.‬‬
‫وما استجابت له سبحانه‪.‬‬
‫ودخل�ت البقية الباقية من املؤمنني إىل بيت املقدس‪ ،‬ومعهم‬
‫نب�ي اهلل يوش�ع حيكم فيه�م برشيع�ة اهلل تعاىل‪ ،‬وبكتاب�ه يف ذلك‬
‫الوقت وهو التوراة‪.‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪149‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫صابرا‬
‫ً‬ ‫وظ�ل يتحمل أذاهم‪ ،‬وعناده�م‪ ،‬وكفرهم بآيات اهلل‬
‫حمتس� ًبا‪ ،‬حتى إذا بلغ من العمر مائة وس�ب ًعا وعرشين س�نة توفاه‬
‫اهلل تعاىل‪.‬‬

‫وقبل موته لعن بني إرسائيل ودعا عليهم‪ ،‬فامت غاض ًبا عىل‬
‫قومه كام غضب موس�ى من قبل ألهنم فسقوا‪ ،‬وغريوا كالم اهلل‪،‬‬
‫وقتلوا األنبياء بغري حق‪.‬‬

‫فعاقبه�م اهلل ب�أن رضب عليه�م الذل�ة واملس�كنة إىل ي�وم‬


‫القيامة‪.‬‬

‫حممدا ‪0‬وأمره بالدعوة إىل اإلسالم‪،‬‬


‫حتى بعث اهلل ً‬
‫وكان�وا يعرفونه كام يعرفون أبناءه�م‪ ،‬فكفروا به‪ ،‬وحاولوا قتله‪،‬‬
‫فهزمهم ورشدهم يف البالد‪.‬‬

‫وع�اد بي�ت املقدس ألهل اإليامن يف عه�د عمر بن اخلطاب‬


‫حت�ى انتزعها العص�اة من املؤمنني‪ ،‬وتظل حلق�ة باقية من حترير‬
‫بيت املقدس‪.‬‬

‫‪150‬‬ ‫‪n‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫[ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮫﮬﮭﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ‬
‫ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ] [‪.]177 - 175 :C‬‬

‫‪sss‬‬

‫‪n‬‬ ‫‪151‬‬

‫‪‬‬
‫‪u‬‬
‫قصة قابيل وهابيل ‪7..........................................‬‬
‫قصة ذو القرنني و يأجوج ومأجوج ‪20........................‬‬
‫قصة طالوت وجالوت مع نبي اهلل داود‪32....................‬‬
‫قصة اهلدهد وملكة سبأ‪53....................................‬‬
‫قصة العابد والشيطان ‪73.....................................‬‬
‫قصة أصحاب القرية‪82......................................‬‬
‫قصة أصحاب اجلنة ‪96.......................................‬‬
‫قصة قارون‪110.............................................‬‬
‫قصة اخلرض ‪114................................... S‬‬
‫قصة العجل والسامرى‪126..................................‬‬
‫قصة بقرة بني إرسائيل‪132...................................‬‬
‫األرض املقدسة‪135....................................‬‬
‫ُ‬ ‫قصة‬
‫الفهرس ‪152................................................‬‬

‫‪152‬‬ ‫‪n‬‬

You might also like