You are on page 1of 4

‫الجهوية المتقدمة‪ :‬المكتسبات والطموحات‬

‫نور الدين قربال‬


‫هسبريس‬

‫عندما نتحدث عن الجهوية المتقدمة‪ ،‬نستحضر اللامركزية‪،‬‬


‫والديمقراطية‪ ،‬والحكامة التشاركية‪ ،‬واللاتمركز‪ ،‬وتحسين أداء القطاع‬
‫العام‪ ،‬والخدمات العمومية‪ ،‬ونقل القرار المركزي إلى المستوى‬
‫المحلي‪...‬كل هذا يجب أن يكون مصحوبا بالمحاسبة‪ ،‬والشفافية ‪...‬‬
‫ومن خلال هذه المقدمة يمكن أن نقوم النتائج والحصيلة لجهات المملكة‬
‫بناء على نسبة إنجاز وتنزيل ما سطرناه سابقا‪ .‬وعموما هناك تفاوت بين‬
‫الجهات وتبقى الحصيلة غير متناغمة مع طموحات الدستور لأسباب‬
‫ذاتية وموضوعية‪.‬‬

‫الإشكالات المطروحة‪:‬‬
‫من خلال تتبع مسار الجهوية المتقدمة نستنبط أن هناك إشكاليتين‬
‫كبيرتين‪ ،‬نوجزهما فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الإطار التشريعي والتنظيمي‬
‫يتجلى هذا في الغموض الذي يسود ثنايا النصوص القانونية المؤطرة‪،‬‬
‫خاصة إذا قارناها بالمقتضيات الدستورية‪ ،‬خاصة على مستوى مبدأ‬
‫التفريع الذي يهم الاختصاصات الذاتية‪ ،‬والمشتركة والمنقولة‪ .‬حيث‬
‫نلمس غالبا تداخلا بينها مما يخلق التنافر الوظيفي مع المالي‬
‫والبشري‪...‬وهناك سؤال يطرح ‪ :‬ما هي العلاقة التي تربط بين الوكالات‬
‫الجهوية لتنفيذ المشاريع‪ ،‬و وكالات التنمية الموجودة على تراب بعض‬
‫الجها ت؟ كيف نوفق بين المقتضيات الدستورية‪ ،‬والقوانين التنظيمية‪،‬‬
‫والنصوص التنظيمية‪ ،‬والدوريات‪ ،‬والمذكرات؟ مما يفتح الباب‬
‫للتأويلات‪ ،‬وهذا يخلق توترات أحيانا تتحول إلى التقليص من منسوب‬
‫الثقة بين الفاعلين الترابيين‪.‬‬
‫‪ -2‬المالي والتقني‬
‫من الاشكالات المطروحة في هذا الباب نقص الموارد المالية التي تعيق‬
‫تنفيذ المخططات والاستراتيجيات‪ ،‬إضافة إلى قلة الموارد البشرية‬
‫المؤهلة‪ ،‬ناهيك عن المركزية المعيقة للحرية الترابية المحلية‪ ،‬وفي ثنايا‬
‫هذا الخضم تتقلص المحاسبة والتقويم‪ ،‬لان تدهور نسبة الثقة يولد‬
‫الصراع الخف ي أو المتجلي بلغة أدونيس‪ ،‬بين كل أنماط السلطة باعتبار‬
‫أن السلطة هي التوزيع العادل لقيم الديمقراطية بين الجميع‪ ،‬خاصة‬
‫على مستوى القرارات والمقررات وأثناء الحوارات والمداولات‪ ،‬ويبقى‬
‫الغموض هو سيد الميدان‪ .‬إذن لابد من توضيح الاختصاصات بين‬
‫المنتخبين‪ ،‬والسلطات المباشرة‪ ،‬خاصة على مستوى ما اصطلح عليه‬
‫بالرقابة الإدارية‪.‬‬
‫هناك إشكالات أخرى تطرح من خلال ثنائية الجهوية والديمقراطية‬
‫الترابية‪ ،‬حيث طغيان القرار العمودي‪ ،‬من خلال الهيمنة القانونية‪ ،‬والمالية‬
‫واللوجستيكية‪ ،‬مما يؤثر على القرار العمومي‪ ،‬ويضعف الاهتمام‬
‫بالمواطن‪ .‬والمؤشرات هو التأخير الذي عرف صدور القوانين التنظيمية‪،‬‬
‫بعد الدستور‪ ،‬أما ميثاق اللاتمركز الإداري فما زال يئن تحت وطأة التأخير‬
‫رغم النداءات المتكررة لجلالة الملك باستثناء بعض الحركية التي صدرت‬
‫بعد الميثاق الوطني للاتمركز الإداري‪.‬‬

‫الرؤية الملكية‬
‫من خلال رجوعنا إلى خطاب العرش يوليوز ‪ 2015‬نلمس رؤية واضحة‬
‫للجهو ي ة المتقدمة والتي من أهم محاورها أن الجهوية المتقدمة ‪ ،‬تغيير‬
‫جوهري وتدريجي‪ ،‬لأنه يسعى إلى تنظيم هياكل الدولة‪ ،‬وينظم علاقة‬
‫المركز بالجماعة الترابية‪ ،‬وهذا ما يحقق الأهداف التالية‪:‬‬
‫‪-‬فسح المجال لتجديد النخب‪.‬‬
‫‪-‬المشاركة الواسعة والمكثفة للنساء والشباب‪.‬‬
‫‪-‬فتح الآفاق للمواطنين‪ ،‬المؤهلين من حيث المسؤولية والنزاهة‪.‬‬
‫‪-‬المصاحبة والتي تتجلى في‪:‬‬
‫أ‪-‬إصلاح الإدارة العمومية‪ ،‬خاصة على مستوى اللاتمركز‪.‬‬
‫ب‪-‬تفعيل آليات التنظيم الترابي الجديد‪ .‬وذلك من خلال الحكامة الجيدة‪،‬‬
‫والتنمية البشرية العادلة والمنصفة‪ ،‬خاصة في العالم القروي‪ ،‬والنمو‬
‫في الوسط الحضري‪.‬‬
‫ج‪-‬صيانة المواطن هو الهدف الأسمى من كل إصلاح‪ .‬وذلك بتحسين‬
‫ظروف عيشه ‪ ،‬والاجتهاد في وجود الحلول‪ ،‬والأخذ بعين الاعتبار‬
‫الخصوصية الترابية على مستوى الموارد‪ ،‬وفرص الشغل‪ ،‬والصعوبات‬
‫التنموية‪.‬‬
‫الخلاصة الملكية أن الجهوية قطب للتنمية المندمجة‪ ،‬تتطلب التوازن‬
‫والتكامل بين مناطقها‪ ،‬ومدنها‪ ،‬من أجل الحد من الهجرة إلى المدن‪ .‬ودعا‬
‫جلالته إلى تجميع طاقات كافة الفاعلين حول مشروع ينخرط فيه الجميع‪.‬‬
‫إذن من خلال هذه المقاربة الملكية نستنتج أن إنجاح الجهوية المتقدمة‬
‫مرتبط بإنجاح المحاور الكبرى التالية‪ :‬اللامركزية واللاتمركز‪ ،‬التنزيل الناجح‬
‫للجهوية المتقدمة‪ ،‬التنمية الاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬تعزيز الموارد‬
‫المالية‪ ،‬الإشراك والتشاركية‪ ،‬مقاربة النوع‪ ،‬المصاحبة الحكومية ‪....‬‬

‫استنتاجات عامة‪:‬‬
‫تبنى الجه وية المتقدمة على أساس وحدوي يشمل الدولة والوطن‬
‫والتراب‪ .‬انطلاقا من الثوابت الراسخة ‪ :‬الدين الإسلامي السمح‪ ،‬والملكية‬
‫الدستورية‪ ،‬والوحدة الترابية الوطنية‪ ،‬والاختيار الديمقراطي‪ .‬باعتبارها‬
‫تدبيرا ديمقراطيا تشاركيا تضامنيا وتآزريا للتراب المحلي في إطار مغرب‬
‫موح د شمالا وجنوبا شرقا وغربا‪ .‬مع استحضار إخواننا المغاربة المقيمين‬
‫بالخارج‪.‬‬
‫إنها جهوية القرب والتنمية بامتياز‪ ،‬مبنية على التوازن والتناسق‬
‫واللامركزية واللاتمركز‪ ،‬والحكامة والتفاعل المتبادل بين الأطراف كلها‪.‬‬
‫إن الجهوية المتقدمة ليست إجراء إداريا صرفا أو سياسيا تمثيليا فحسب‬
‫بل هو انتقال طبيعي ديمقراطي من المقاربة التقليدانية إلى الحداثة‬
‫المؤسساتية الاستراتيجية‪ ،‬من أجل بناء الكرامة والعدالة الاجتماعية‬
‫والمجالية‪ ،‬والنهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة‪...‬‬
‫إنها رافعة قوية لإنتاج الثروة المادية‪ ،‬واللامادية ‪ ،‬وتوفير الشغل‪،‬‬
‫والنهوض بالتنوع الثقافي لبلادنا في إطار مقومات هويتنا الوطنية‬
‫الموحدة‪ ،‬كما تؤكد الرسائل الملكية لمن يهمهم الأمر‪.‬‬

You might also like