Professional Documents
Culture Documents
For Vadis
For Vadis
1انظر مدى تطبيق رجال األمن بالعاصمة المقدسة لمبادئ العالقات اإلنسانية في
ضوء اإلسالم ,خالد بن حميدان حمد الحميدان ,ص ()24
2انظر مدخل إلىى العالقات العامة واإلنسانية ,علي بن فايز الجحني ,ص ()49
1427هـ
3انظر عالقة الخصومة وعالقة الحب ,الجوهري ,ص ()1531
4انظر مجمع اللغة العربية ,ص ( 1392 )622هـ
5انظر مرجع السابق ,ص ( 1392 )30هـ
والصفات التي تعكس صفات اإلنسانية ,وسماتها على ما يتصورها اإلنسان,
وهي بذلك تعد عملية تقييم أخالقي وجمالي)6(.
ومن خالل ما سبق في تعريفات كلمتي العالقات واإلنسانية يمكننا
أن نقول :إن لإلنسان مفاهيم ومنطلقاته ومبادئه في ميدان العالقات
اإلنسانية ,فهناك عالقة ودية وإنسانية وأخوية بين األخ وأخيه ,والجار
وجاره ,والمدرس طالبه ,والزوج وزوجته ,والمسلم وغير المسلم إلى
آخره.
ومن هذا المنطق أقام اإلسالم عالقات طيبة ثم تأسيسها على مبادئ
العدل والمحبة والمساواة والصدق والتفاعل المثمر بين األفراد
والجماعات في جميع أوجه نشاطاتهم ,وكل إنسان في مجتمع يراقب ذاته,
ويعمل بوحي من ضميره المنبثق من وازع ديني قوي تجاه اآلخرين.
اإلنسانية .3
فإذا قلنا من طبيعة اإلنسان أنه محتاج إلى غيره ففي نفس الوقت
ال يستقيم أيامه وحياته إال بمشاركة اآلخر .وتحقيق العالقات الطيبة
بين أفراد المجتمع في غاية األهمية لدى اإلنسان ومستقبلهم .وألن
المسلم الواعي بهذه األصيلة يكون أشد حبا واهتماما من غيره ,والسيما
أن المسلم المهتم بالدين يحاول أن يكون أعماله جميعه خير ألن هللا
يعلم كل ما صدر من اإلنسان سرا وعالنيا والمسلم يؤمن ذلك وسوف يسأل
عنه أمام هللا تعالى.
والعالقات اإلنسانية يعود إلى نفس البشرية حسب تعامل بعضهم مع
بعض .وهي ال تصدر صدفة ,وإنما تتكون من عادات بين أفراد اإلنسان
6انظر العالقات اإلنسانية في مجاالت علم النفس ,علم االجتماع ,علم اإلدراة ,حسين
عبد الحميد رشوان ,االسكندرية ,المكتبة الجامعي الحديث ,ص 1997 )5( :هـ
7انظرشخصية المسلم كما يصوغها في الكتاب والسنة ,محمد علي الهاشمي (بيروت:
لبنان )2001 :ص8 :
8انظر محمد علي الهاشمي ,مرجه السابق (بيروت :لبنان )2001 :ص)7( :
والمجتمع .ولكن مع ذلك جميع العادات وما تعود بها الناس تشير إلى
تكوين العالقات الطيبة ,نعم الشريعة يحافظ على مصالح العادات
مادامت لم تتصادم مع مصدر الشريعة من القرآن والسنة النبوية .فلذا
يقول األصوليون بأن القاعدة "العادة محكمة" تقوم على ضوابط البد
منها .ومن ضابطها أن ال تتصادم مع أدلة الشرعية والمصالح العامة.
عرف المسلم بأن واجباته تتكون من جهات ثالث وهي أن تراعي
المسلم عالقته مع ربه بحيث يقيم كل مأمورات الشريعة من عبادات
محضة .الصالة مثال هي من متطلبات دين اإلسالم وطاعة العبد إلى ربه.
فالمسلم يؤمن ذلك حق اإليمان ,يعلم الخيرات ابتغاء مرضات هللا ومحبته
وأن ترك الواجبات وعدم االهتمام بها معصية إلى رب السماء واألرض.
والمحافظ على العبادات والطاعات يكون محافظ على بناء العالقات
الطيبة .إذا كانت العبادات من أوامر هللا تعالى فيعمله رضا بما قضى
به روجاء من غفرانه ورحمته ,فإن بناء العالقات الطيبة بين اإلنسان
من مضمون العبادات البد بها كل المسلم .فقد جاءت اآلية تحذر على من
تغيب تجسس واعتداء بحقوق األخرين .فقال سيحانه وتعالى :ياأيها
الذين ءامنوا اليسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم والنساء من
نساء عسى أن يكن خيرا منهن والتلمزوا أنفسكم والتنابزوا باأللقاب بئس
االسم الفسوق بعد اإليمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ...وال
تجسسوا واليغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا
فكرهتموه واتقوا هللا إن هللا تواب رحيم (الحجرات)12-11 :
وكان النبي صلى هللا عليه وسلم حث على اعتماد باألخالق الكريمة,
فنجد أحاديث تشير على ذلك وعلو مكانته في اإلسالم .فقال الرسول صلى
ًا) وقال أيضا: هللا عليه وسلم :وكان يقول( :إن من خياركم أحسنكم أخالق
ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق ،وإن هللا
يبغض الفاحش البذيء) رواه الترمذي .وعن عمرو بن العاص يبلغ به
الراحمون يرحمهم الرحمن ,ارحموا أهل َال:
النبي صلى هللا عليه وسلم ق
األرض يرحكم أهل السماء والرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصلته ومن
قطعها بتته .أيضا أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال( :أحب الناس إلى هللا
ّ سرور يدخله على مسلم ،أو ّ وجل أنفعهم للناس ،وأحب األعمال إلى هللا عز
ً أو يطرد عنه جوعا)
ً يكشف عنه كربة أو يقضي عنه دينا
ِّنوا ّ
ومن خالل هذه األحاديث نفهم أن على كل من المسلمين أن يوط
أنفسهم على أن يعامل اآلخرين بأخالق يحبهم مثل معاملتهم ألنفسهم،
وليس بأخالقهم .فإن أساءوا لنا فنحسن وإن أحسنوا فنزيد باإلحسان
إحسانا وال نرد اإلساءة باإلساءة ،ألنا بذلك نتخلق بأخالقهم ونصبح ً
دا منهم .وأن بمعاملتنا لهم بأخالقنا ال بأخالقهم ،سوف تصفي واحً
نفوسهم و ترجع لهم صوابهم ،وتعيد لهم فرصة التفكير بأخالقهم ثم إن
ِّن النفس ّ
أحسنا وبذلنا المعروف؛ فال ننتظر الثناء والشكر من أحد ووط
على العطاء وعدم األخذ ,بل ننتظر ثواب هللا وتعالى.
إذن المسلم الواعي بدينه وبطاعته إلى ربه يداوم على محافظة
العالقات بين اإلنسانية طبقا لما أمر هللا به وألنه من لوازم الطاعة
والخضوع إلى الشريعة ,ومن جانب اآلخر أن المعاملة الطيبة تثمر
الحسنة في شخصية المسلم وأخالقه ,وتكون العالقات اإلنسانية تسير على
أساس المتبادلة بين أفراد المجتمع ,فيفهم أن معاملة الناس إليه
حسب معاملته إلى الناس .وإذا أراد الخير من الناس فالزم أن يسأل
نفسه هل يعامل الناس بالخير والحسنى.
وإذا كان النبي صلى هللا عليه وسلم يمدح عامل الحسنات ومعامل
الطيبات فإنه أيضا يحذر عامل القبيحات والظلمات .وكان النبي أشد
غضبا لمن لم يعتدل باآلخر وكذلك مجاوز حقوق الآلخرين .فقال النيي
صلى هللا عليه وسلم :صاحب الخلق السيئ مذكور بالذكر القبيح يمقته هللا
عزوجل ويبغضه الرسول صلي هللا عليه وسلم ويبغضه الناس علي اختالف
مشاربهم .عن جابر ـ رضي هللا عنه ـ قال قال رسول هللا صلي هللا عليه وسلم:
(وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في اآلخرة أسوؤكم أخالقا) رواه الترمذي
وكان صاحب الخلق السيئ هو من مأل هللا أذنيه من ذم الناس له شرا.
وهذا يوافق قوله الرسول المروى عن ابن عباس ـ رضي هللا عنهما ـ قال:
قال رسول هللا صلي هللا عليه وسلم( :أهل الجنة من مأل هللا أذنيه من ثناء
الناس خيرا وهو يسمع وأهل النار من مأل أذنيه من ثناء الناس شرا
وهو يسمع) رواه ابن ماجه والحاكم.
أيضا أن سوء الخلق سبب من أسباب فساد المجتمع وشقائه
وتعاسته ،وأعظم برهان علي هذا تلك المشاكل والقالقل من ظلم
وعدوان وأكل حقوق عباد هللا ,كلها راجع إلي األخالق السيئة .فلذلك من
أبرز أهداف بعثة النبي صلى هللا عليه وسلم ليتمم مكارم األخالق.
انظر األخوة اإلسالمية ,لعبد هللا ناصح العلوان ,ص ( ,)4طبعة :دار السالم - 12
القاهرة
13أخرجه أحمد ,ج 3:ص 154 :بإسناد حسن وابن حبان عن أنس ،في البر واإلحسان ص:
510بإسناد صحيح على شرط مسلم
14عن أنس بن مالك ,في كتاب األحاديث المختارة ,رقم1591 :
َج
َُ
ه ْر َ
ٌ ،أخ ٌ ص
َحِّيح َد
ِّيث ذا ح هَ15قال الحافظ ابن حجر في األمالي المطلقة ,صَ 208 :
ُقر
ِّئِّ ْ د ْ
الم ِّيَ
يز بنِّ َ
اَّللِّ ْ
ِّ َّ َب
ْد ْ ع
َن َد
ِّ ،ع ْر
ُفالم األََ
دبِّ ْ ِّي ْ ُخَار
ِّيُّ ف َ ْ
الب َُ
د وْمَح
أ
16أخرجه أحمد في مسنده ,ج 5 :ص 343 :وقال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد,
ج 10:ص 277-276 :ورجاله ثقات
17رواه مسلم رقم ( )2638في البر والصلة ،باب األرواح جنود مجندة ،وأبو
داود رقم ( )4834في ألدب ،باب من يؤمر أن يجالس
18انظر األخوة اإلسالمية وآثارها ,عبد هللا بن جار هللا ,ص ()13
البخاري ومسلم) ،وقال عليه الصالة والسالم :مثل المؤمنين في
ٌ تداعى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو
َّى( .رواه البخاري ومسلم) ،ولهذا قال له سائر الجسد بالسهر والحم
ًا، رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :ال تحاسدوا أي ال يحسد بعضكم بعض
والحسد تمني زوال النعمة عن أخيك المسلم وهو حرام ألنه اعتراض
على هللا في نعمته وقسمته وقال النبي صلى هللا عليه وسلم :دب إليكم
داء األمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين ال حالقة
الشعر( .رواه البزار والبيهقي).
-التعاون
من المعروف أن الناس يعملون على وجهين ,على ما فيه الخير,
وعلى ما فيه الشر .فأما ما فيه الخير فالتعاون عليه أن تساعد
صاحبك على هذا الفعل وتيسر له األمر .سواء كان هذا يتعلق بك أو
مما يتعلق بغيرك .وأما الشر فالتعاون فيه بأنه تحذر منه ,وأن
تمنع منه ما استطعت ,وأن تشير على من أراد أن يفعله بتركه
وهكذا ,فالبر فعل الخير ,والتعاون عله والتساعد عليه تيسيره
للناس)19(.
مادام المسلمون أخوة متحابين في هللا فعلى كل منهم أن يكون
عونا ألخيه وساعدا وعضدا له ,وأن يتعاون الجميع أفراد وجماعات
نوا َُ
َاوتعَال َ
كما أمرت الشريعة اإلسالمية بذلك .يقول هللا تعالى ... :و
َابِّ (المائدة)2 : ِّق
العد ْ اَّللَ شَد
ِّيُ ن َّ َِّّ ُوا َّ
اَّللَ إ َ َّ
اتق َانِّ و
دوُْ َ ْ
الع ِّ و ْ
اإلثم ََ
لىع
وهذا النص القرأن الكرين يقرر وجوب التعاون بين المسلمين
كافة ,فيأخذ القوي بيد الضعيف ,والغني بيد الفقير ,وأن يكون
التعاون في كل ما هو خير والمساعدة في كل ما يستدعى المساعدة
وفيه نهي وزجر لمن يتعاونون على اإلثم والعدوان ,وألن مثل هذا
التعاون يهدم األمة ,ويقوض بنيانها ويحل بأمنها واستقرارها.
فالتعاون بصورته الطيبة أمر واجب ,ولذا حث الرسول صلى هللا عليه
وسلم بقوله :من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج هللا عنه كربة
من كرب يوم القيامة ,وهللا في عون العبد مادام العبد في عون
أخيه )20(.إذا كان هذا شأن اإلسالم دين المحبة والسالم دين األلفة
واإلخاء والعاقبة الحميدة والراحة التامة والكرامة الدائمة
والخلود في النعيم فما أجدرنا نحن المسلمين بتطبيق تعاليمه
والعمل بأحكامه والسير على مناهجه)21(.
وتفريج الكربات يكون في أمور متعددة :إن كانت كربة مالية؛
فبإعطائه المال الذي تزول به الكربة ،وإن كانت كربة معنوية؛
فبالحرص على رد معنويته ورد اعتباره حتى تزول عنه الكربة ،وإذا
كامن كربة هم وغم؛ فبأن توسع عليه وتنفس له ،وتبين له أن
األمور ال تدوم ،وأن دوام الحال من المحال ،وتبين له ما في هذا
من األجر والثواب العظيم ،حتى تهون عليه الكربة)22(.
فلذا على المسلم الواعي باالهتمام بغيره من المسلمين ,كل
مسلم له حق على أخيه المسلم .وحب الغير طريقة من الطرق
المتعددة لنيل محبة هللا ورضوانه .وقول النبي بأن هللا في عون العبد
مازال العبد في عون أخيه ,حيث جعل هللا عون الغير سبيل وتحقيق عون
هللا .وباختصار الكالم نقول من أراد أن يعينه هللا فليعن غيره ,ألن هللا
يحب من أحب أخاه .والجدير بالذكر أن حقيقة حب الغير وعونهم من
حب هللا تعالى ,فألن من لوازم اإليمان باهلل وتطبيق أوامره.
فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :من يسر على معسر ,يسر هللا عليه
في الدنيا واآلخرة ( )23بمعنى إذا رأيت معسرا ,يسرت عليه األمر
يسر هللا عليك في الدنيا واآلخرة .فقال العثيمين ( )24والمهم أن
عليكم إذا رأيتم شخصا ,يطالب معسرا أن تبينوا له أنه آثم وأن
َ
َان ن كِّْ
َإ ذلك حرام عليه ,وأنه واجب عليه إنظاره لقول هللا تعالى :و
ٍ ( ...البقرة)280 : َة
ْسَر َِّلى َ
مي ٌ إَة َظ
ِّر َن
ٍ ف َة ُو ع
ُسْر ذ
-االتحاد
19انظر شرح رياض الصالحين ,محمد صالح العثيمين ,ج ( ,)1ص ()493
20انظر صحيح البخاري ص ( ,)2442وصحيح مسلم ,ص ()2580
21انظر األخوة اإلسالمية وآثارها ,عبد هللا بن جار هللا ,ص ()20
22انظر شرح رياض الصالحين ,محمد صالح العثيمين ,ج ()1
23انظر صحيح مسلم ,ص ()2699
24انظر شرح ريض الصالحين من كالم سيد المرسلين ,محمد صالح العثيمين ,ج (,)2
ص ()12
يدعو اإلسالم إلى االتحاد وعدم التفرقة والتمسك بتعاليم
الدين ,لما في ذلك من القوة ,ولما في االتحاد من العزة,
والشريعة اإلسالمية عانت بذلك عناية تامة لتجمع شمل األمة وتقوي
ربطها ,وتوحد صفوفها ,وتربط بين المسلمين برباط األلفة .وبه
ُوا َر
َّق َال َ
تف ًا و َم
ِّيع َّ
اَّللِّ ج ْل
ِّ َب ُوا ب
ِّح َص
ِّم ْتَاعيقول هللا تبارك وتعالى :و
ُم
ْ َح
ْت ْب َ
َأصْ فُمِّك
لوب ُُ
َ ق ْن َ َ
بي َ
َأَّلفء فداً َْ َ
ْ أع ُمْتُنْ ك ْ إ
ِّذ ُمْك ََ
لي ة َّ
اَّللِّ ع ََ
ْم ُوا ن
ِّع ُر ْكَاذ و
ِّكَََ
ذل ها ك َْ ْ م
ِّن ُم ََ
ذك نقَ
َأْ َّار
ِّ ف َ الن ِّن
ٍ مَةْر َا ح
ُف َلى شَفَْ ع ْت
ُم ُن
َك انا وَ ًْو
ِّخِّ إ َت
ِّه ْمِّع
ِّن
ب
ن (آل عمران)103 : دوَ َُ
هتتْ ُم
ْ َ َّ
َلكِّ َلع
ِّهيات ُم
ْ آَ اَّللُ َلك
ُ َّ َّي
ِّن يبُ
باآلية الكريمة تدعو إلى التمسك بتعاليم اإلسالم وأن يتحدوا
وال تفرقهم العصبية وال تتنازعهم الشهوات ,ثم أن هللا تعالى يأمرهم
أن يتذكروا نعمته عليهم إذ هداهم إلى اإليمان بهذا الدين القيم,
دين اإلسالم الذي أشرف على أمة متنافرة متطاحنة ياكل قويها
ضعيفها وغنيها فقيرها فجعل منها أمة متآخية يحب بعضها بعضا
وصارت أمة متآلفة تجتع قلوبهم على دين هللا وعلى حب هللا ,وعلى مرضاة
عبادة .وبهذا الحب والتآخى والتآلف أنقذ هللا هذه األمة من نار
الفرقة والتباغض ,أنقذها من نار الفتن التي تأكل الشعوب واألمم,
وهداهم إلى الطريق الذي يحقق العزة والكرامة وهو االتحاد
والترابط ,ويصور الرسول صلى هللا عليه وسلم ترابط اإلسالم واتحاده
أروع تصوير ,وبأنهم جسد واحد حيث كان الجميع يشعر بما يشعر
الفرد ,ويحسون بما يحس به ,فيقول صلى هللا عليه وسلم :مثل
المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه
عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)25(.
وبهذا التصوير الرائع للترابط والتعاطف بين المسلمين تحس
بالدعوة القوية الموجهة من الشريعة اإلسالمية للمؤمنين بها أن
يكونوا على هذا المستوى من الشفافية واإلحساس المتبادل.
مل ،وبعض الناس إذا كانت الحاجة تعاَ فعامل الناس كما تحب أن ُ
له ذم الناس ولربما شتمهم من أجل أنهم لم يحسنوا إليه هذا
اإلحسان الذي كان ينتظره منهم ،أقول :اإلحسان باب واسع في
السعادة ،واالنشراح ،وكثير من مفردات هذا الباب بالمجان ال تتطلب
ً .فتعهد عامل النظافة الذي في حيكم ،وأعطه ما تيسر لك منك ثمنا
من هدايا ،وانظر أثر ذلك عليك حينما تدخل في بيتك ،فاالنشراح لن
يفارق قلبك ،والراحة تتنزل عليك ،فينبغي أن نكون كما قال النبي
-صلى هللا عليه وسلم -أهل تواد وتراحم وتعاطف)26(.
انظر كيف مثلهم النبي -صلى هللا عليه وسلم -بالجسد إذا اشتكى
منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر ،أال تالحظ كيف التداعي؟ إذا
انجرح في الجسد عضو تبدأ الحرارة ترتفع ،ويظهر آثار المرض في
الجسد كله ،وتبدأ الغدد اللمفاوية تتضخم في بعض األجزاء من أجل
أن تحاصر هذه الجراثيم ،كل هذا من أجل جسد واحد .وجاء في رواية
في صحيح مسلم في هذا الحديث أن النبي -صلى هللا عليه وسلم -قال:
كله ،وإن اشتكى رأسُه ُه اشتكى ُّ المسلمون كرجل واحد ،إن اشتكى عين
كله )27( ,وهكذا ينبغي للمسلم لما يسمع عن جاره أو عن اشتكى ُّ
قريبه أو عن أحد من إخوانه المسلمين أنه في بلوى أن يذهب إليه
فيواسيه ويقدم له ما يحتاج إليه ،ويخفف عليه مصيبته التي نزلت
عليه ،وأما القسوة واإلعراض والتناسي والتجاهل لآلخرين فهذا ليس
من صفات المسلمين ،وكلما خف اإليمان في قلوبنا وطغت المادية
كلما ضعفت هذه المشاعر في المجتمع ،ولذلك انظر المجتمعات
ًّا ال
الغربية األب مع أبيه والبنت مع أمها ،ولربما إن كان بار
يعرفه إال في األعياد والمناسبات فيرسل له بطاقة تهنئة ،ال يعرفون
ً من طعام أو ً ،فالجار عندهم لو أنه أعطى جاره طبقا بعضهم بعضا
هدية بدأ يفكر ويحلل ماذا يريد؟ وماذا يقصد بفعله هذا؟ ،وبعد
ً إال ذلك ينتظر ما هي الخطوة التالية ،ألنهم ال يعطون شيئا
ً آخر ،أما المواساة فهي غير موجودة وينتظرون من ورائه شيئا
ً
عندهم أصالً ،بل يموت اإلنسان بجوارهم وال يعرفون عنه شيئا ،فيبقى
25أخرجه مسلم ،كتاب البر والصلة واآلداب ،باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم
وتعاضدهم ،)1999 /4( ،برقم ،)2586( :والبخاري ،كتاب األدب ،باب رحمة الناس
والبهائم )10 /8( ،برقم)6011( :
26انظر شرح رياض الصالحين ,محمد صالح العثيمين ج ()2
27أخرجه مسلم ،كتاب البر والصلة واآلداب ،باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم
وتعاضدهم )2000 /4( ،برقم.)67( :
ً ولربما أسابيع ،إلى أن يجدوا رائحته ،فكلما قوي جيفة أياما
اإليمان قوي اإلحساس ،وإذا ضعف اإليمان ضعف هذا الشعور واإلحساس.
وقد بنيت القاعدة ما نادى به اإلسالم من توحيد هللا جل شأنه في
العبادة ونبذ الشرك باهلل سبحانه وتعالى ,ثم اتجاه المسلمين في
صالتهم إلى جهة واحدة وهي القبلة هلل ثم وقوفهم في صالتهم صفا
واحدا ال تمايز بينهم وال تمييز أمام هللا سبحانه وتعالى ,ثم حج
البيت الحرام في وقت معين وبلباس معين ,مناسك معين يتساوى في
ذلك جميع المسلمين ,فالعبادات بجانب كونها صلة بين العبد وربه
فهي أيضا صلة بين العبد والعبد توصى باالتحاد والترابط والتواد
على أساس من المساواة.
-في احترام نفس المسلم وعرضه وماله
إن الشريعة اإلسالمية حرمت على كل مسلم أن ينال من نفس أخيه
وعرضه وماله شيئا ,فيقول عليه أفضل اللصالة والسالم :كل المسلم
على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)28(.
والجدير بالذكرأن الحقوق المسلم على غيره لن تنحصر إلى هذه
األربعة فحسب ,وإنما تشمل كل جوانب من جوانب الحياة .وقال اإلما
الغزالين :من حق أخيك المسلم عليك ما يلي :أن تحب له ما تحب
لنفسك من الخير وأن تكره له ما تكره لنفسك من الشر .أن ال تؤذي
أحدا من المسلمين بقول وال فعل :المسلم من سلم المسلمون من
لسانه ويده( (29أالَّ تنقل الكالم بين الناس على جهة اإلفساد بينهم
دا بما يكره .أالَّ تزيد في الهجر على ثالثة أيام وأن ال تذكر أحً
لغير سبب شرعي .أن تحسن إلى كل أحد بحسب القدرة واالستطاعة بكل
أنواع اإلحسان القولي والفعلي .أالَّ تدخل على أحد إال بإذنه .أن
تخالق الناس بخلق حسن .الوفاء بحق الصحبة واإلخالص في المودة .أن
ًا
ترحم الصغير وتوقر الكبير .أن تكون مع كافة المسلمين مستبشر
طلق الوجه لين الجانب .أن تأمر أخاك المسلم بالمعروف وتنهاه عن
المنكر .أن تنصف الناس من نفسك فتعاملهم بما تحب أن يعاملوك
به .أن تصلح بين الناس إذا تخاصموا وتقرب بينهم إذا تباعدوا.
أن تستر عورات المسلمين .أن تشيع جنائزهم وتزور قبورهم .أن
تشفع لكل من له حاجة من المسلمين إلى من لك عنده منزلة وتسعى
في قضاء حاجته .أن تبدأ من تلقى بالسالم والمصافحة قبل الكالم.
أن تصوم عرض أخيك المسلم ونفسه وماله عن الظلم والعدوان مهما
قدرت وترد عنه وتناضل دونه وتنصره فإن ذلك يجب عليك بمقتضى
ًا بوعد إال وتفي به .أن تتواضع لكل مسلم أخوة اإلسالم .أالَّ تعد مسلم
وال تستكبر عليه .الدعاء ألخيك المسلم في حياته وبعد موته .أن
تتقي مواضع التهم صيانة لقلوب الناس عن سوء الظن بك وألسنتهم
عن غيبتك .أن تصل من قطعك ،وتعطي من حرمك ،وتعفو عمن ظلمك،
وتحسن إلى من أساء إليك .أن تشكر من أحسن إليك وتكافئه على
إحسانه وتدعو له .إذا ابتليت بذي شر فينبغي أن تجامله وتتقيه
وتداريه وتقابل إساءته باإلحسان إليه .أن تسلم على أخيك المسلم
إذا لقيته ،وتجيبه إذا دعاك ،وتشمته إذا عطس ،وتعوده إذا مرض،
وتشهد جنازته إذا مات ،وتبر قسمة إذا أقسم عليك ،وتنصحه إذا
استنصحك ،وتحفظه بظهر الغيب إذا غاب عنك)30(.
كان بينك وبينه عهد وأكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة وقد
يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة ما
ً معصوم الدم والمال ال يجوز االعتداء عليه في نفسه ( ،)35وهو أيضا
وال ماله ،وال بغش وال سرقة ،وال أي لون من ألوان العدوان؛ لحديث
ً في أبي بكرة قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم« :من قتل معاهدا
غير كنهه حرم هللا عليه الجنة)36(.
ً على المستأمن ،قال الشوكاني" :المعاهد هو وقد يطلق أيضا
الرجل من أهل دار الحرب يدخل إلى دار اإلسالم بأمان فيحرم على
المسلمين قتله بال خالف بين أهل اإلسالم حتى يرجع إلى مأمنه)37(.
وأما المستأمن بكسر الميم هو الطالب لألمان ،وبالفتح هو من
ً كان أو حربيا )38(،والمقصود به هنا يدخل دار غيره بأمان مسلما
هو الحربي الذي دخل دار اإلسالم بأمان دون نية االستيطان بها
واإلقامة فيها بصفة مستمرة ،بل يكون قصده إقامة مدة معلومة ال
تزيد على سنة ،فإن تجاوزها وقصد اإلقامة بصفة دائمة فإنه يتحول
إلى ذمي ويكون له حكم الذمي في تبعيته للدولة اإلسالمية)39(.
الكافر الحربي :هو غير الذمي والمعاهد والمؤمن ،وهو األصل في
الكفار40.
من هذه التعاريف الموجز نقول بأن الكفار لهم مراتب مختلفة
مع المسلمين خاصة ما تتعلق بالمعالمة والمعايشة .فأهل الذمة
والمعاهد يختلفان بأهل الحربي ,وكل منها تبحث عنه كتب الفقه
والشريعة.
.2بعض مواضع التعامل بين المسلمين وأهل الذمة
-في احترام ديانتهم وأنفسهم وأعمالهم وأعراضهم
ال يقتصر المسلم الواعي في إحسانه لجيرانه على األقربين منهم
أو المسلمين ,بل يتعداهم إلى جيرانه من غير المسملمين ,وهذا
يناسب بسماحة اإلسالم وسعة شريعته تمتد وتتسع .حتى هذا الدين
تشتمل الناس جميعا على اختالف دينهم ونحلهم .فقد روي أن عبد هللا
بن عمرو تذبح له شاة ,فيسأل غالمه :أهديت لجارنا اليهودي؟ فإني
31انظر شرح الموطأ للزرقاني ,ج 2 :ص ,139 :مواهب الجليل للخطاب ,ج 3 :ص:
,381الروض النضير ,ج 4 :ص ,317 :زاد المعاد البن القيم ,ج 2 :ص80 :
32انظر أنيس الفقهاء ,ج 1 :ص 183-182 :وقال ابن منظور" :وعاهد الذمي أعطاه
عهدا ،وقيل معاهدته مبايعته لك على إعطائه الجزية والكف عنه ،والمعاهد الذمي،
وأهل العهد أهل الذمة فإذا أسلموا سقط عنهم اسم العهد ،وتقول عاهدت هللا أن ال أفعل
كذا وكذا ،ومنه الذمي المعاهد الذي فورق فأومر على شروط استوثق منه بها وأومن
عليها فإن لم يف بها حل سفك دمه" ،لسان العرب ،ج 3 :ص3012 :
33انظر :تهذيب اللغة ،ج 1 :ص ،99 :والمعجم الوسيط ،ج 1 :ص315 :
34انظر شرح مختصر خليل للخرشي ,ج 15 :ص62 :
35انظر لسان العرب البن منظور ,ج 3 :ص13 :
36أخرجه أبو داود ,ج 2 :ص 92 :و صححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب ،ج:
2ص 318 :رقم2453 :
37انظر نيل األوطار ،155 /7 ،والمعاهدة ميثاق يكون بين اثنين أو جماعتين،
وفي القانون الدولي :اتفاق بين دولتين أو أكثر لتنظيم عالقات بينهما ،و العهد
األمان واليمين والموثق والذمة والحفاظ والوصية ،انظر :مختار الصحاح،192 /1 ،
والمعجم الوسيط.634 /2 ،
38انظر الدر المختار ،ج ٤ص166 :
39انظر فقه السنه ,سيد سابق ,ج 2 :ص697 :
40انظر موسوعة الفقه الكويتية ،ج 42 :ص198 :
سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول :مازال جيريل يوصيني بالجار
حتى ظننت أنه سيورثه)41(.
قال محمد علي الهاشمي 42:أن أهل الكتاب يعيشون في جوار
المسلمين ,آمينين مطمئنين على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم
ومعتقداتهم ,ينعموم بحسن الجوار ,وكرم المعاملة ,وحرية
العقيدة ,يشهد لذلك قيام كنائسهم منذ أقدم العصور قرى مسلمة
معلقة فوق رؤوس الجبال ,وحلولها آالف المسلمين يحيطون جيرانهم
من أهل الكتاب بالرعاية والحماية والبر والعدل جريا على أدب
ِّي ْ فُم َاتُ
ِّلوك يقْ ُ َ َلم ِّين َنِّ َّ
الذ ُ َّ
اَّللُ ع ُمهاك َْ
ينالقرآن الكريم القائل :ال َ
اَّللَ
ن َّ َِّّ
ْ إ ْه
ِّم َ
ِّليُوا إ ِّط ْ
تقس َُ
ْ و هم َر
ُّوُ تب ن َ َ
ْ أْ ُم
ِّك
يار ْ د
َِّ ْ م
ِّن ُمُوك يخْر
ِّج ْ ََُلم ِّينِّ وّ
الد
َ (الممتحنة)8 : ِّين ْ
ُقس
ِّط ْ
ُّ الم يحِّبُ
إن المسلمين ملزومون باحترام كل ما عند أهل الذمة مادام لم
يجاوز عن العادة ,حتى دم الذمي محقون .فلذلك أن الفقهاء يقولون
بأن لو كان المسلم قتل ذميا قتل به قصاصا بما فعل .فقد روي أن
النبي قتل مسلما بذمي 43فقال :أنا أكرم من وفى بذمته )44(.وعن
عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال :من
قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ,وإن ريحها يوجد من ميسرة
أربيعن عاما)45(.
إذن أن إهل الذمة فهم يمتنعون في دار اإلسالم بما يمتنع به
المسلمون من حقوق كما أن عليهم من الواجبات على المسلمين,
فاإلسالم يقدر اإلنسان ويقدر العهد وينبذ التعصب ,وهو بذكل يرسى
قواعده لتكوين الدولة المتماسكة التي تظللها المودة والتعاطف
وإن كان فيها أكثر من دين)46(.
-في البر ألهل الذمة مصاحبتهم بالمعروف
ويسمو اإلسالم في سماحته وإنسانيته إذ يوصي بصلة الرحم ولو
كان األرحام من غير المسلمين ,ففي الحديث الذي وراه عبد هللا بن
عمرو بن العاص رضي هللا عنه قال :سمعت النبي صلى هلل عليه وسلم جهار
غير سر يقول :إن أبي فالن ليسوا بأوليائي ,إنما وليي هللا وصالح
المؤمنين ,ولكن لهم رحم أبلها بباللها)47(.
ولهذا لم يجد عمر رضي هللا عنه حرجا من أن يهدي حلة بعث بها
إليه الرسول صلى هللا عليه وسلم إلى أخ له من أمه مشرك .وهذا أيضا
يناسب ما حث اإلسالم به عن طريق القرآن الكريم بوجوب احترام
الوالدين مادام لم يتصادم بالشريعة ولوكانا مشركين.
وهذه السماحة لم تقف على حد مخصوص ,وإنما تشمل عن كل جوانب
الحياة واالجتماعية .فقد أباح اإلسالم للمسلم أن يتزوج على
غيرالسملة الكتابية مع بقائها على دينها وجعل لها كل الحقوق ما
للزوجة إال الميراث 48,وهو مناسب بظاهراآلية التي تسمح الزواج مع
توا ُوَُ أِّين
الذُ َّ َام َع ُ و
َط َات َّّي
ِّب ُ الط ُم ُحِّل
َّ َلك َ أْمَو الكتابية فقال تعالىْ :
الي
َات
ُ َنْص ْ
َالم
ُح َاتِّ و ْم
ِّن ُؤ ْ
َ الم ِّنُ م َاتَن
ْصُح ْ
َالم ْ و هم َ
ٌّ لُْ حِّلُم
مك َاُ َعَط
ْ وُم ٌّ َلك
َ حِّل َاب ِّت
الكْ
َ
ِّين ْص
ِّن َّ ُ
مح َُ
هن ُور ُج
َّ أ هنُوُ ُم
ْتتيَا آَ ْ إ
ِّذ ُم ْل
ِّك َب
ْ ق َ م
ِّن َابِّت
الك توا ْ ُوَُ أ ِّينالذَ َّ ِّن
م
َ
ُو َه
ه و ُ
َلَُم َ
ِّط ع َب
د ح َ
َقْ َانِّ فِّاإليم ُر
ْ ب ْفيكْ َمنََدانٍ و َْ َ
ِّي أخ َّخِّذ
مت َ و
َال ُ مسَاف
ِّحِّين َ ُْر َ
غي
ِّين (المائدة )5 :وهذه اآلية تدل على قاطعة َ ِّر ْ
ِّن الخَاس َ ِّ م َةِّي اآلخِّر ف
وجوب احترام المسلم ألهل الذمة وعدم اعتداء ألنفسهم وألموالهم
وألعراضهم .فهؤالء مستحقون باحترام من المؤمنين.
-في الوفاء بالعهد ألهل الذمة
ومن أروع صورة المعايشة بين المسلمين وأهل الذمة الوفاء
بالعهد ,ومن الضروري أن الوفاء بالعهد من أخالق المسلمين حيث
يلزم أن تتزين به المسلمين .فقد أمر اإلسالم أتباعه بالوفاء
بالعهد ولعموم اآلية التي تقول بأن العهد كان مسؤوال .وكان النبي
صلى هللا عليه وسلم يحذر عن مخالفة العهد القائل :عالمة المناقفين
لثالث ,منها إذا وعد خان أي ترك ولم يؤد.
وقصَّ محمد (صلى هللا عليه وسلم) على أمته قصة رجل أحسن إلى
حيوان ،فغفر هللا له ذنبه ،عن أبي هريرة أن رسول هللا (صلى هللا عليه
ًا
وسلم) قال« :بينما رجل يمشي بطريق فاشتد عليه العطش ،فوجد بئر
فنزل فيها فشرب ،ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش.
فقال الرجل :لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغني،
فنزل البئر فمأل خفه فأمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب ،فشكر هللا له
فغفر له».
ّ
حينها سأله أصحابه -رضوان هللا عليهم -هذا السؤال :وإن لنا في
َر اإلنسان على مجرد اإلحسان إلى ْج
يؤًا؟ أي هل يمكن أن ُالبهائم ألجر
البهيمة فقال (صلى هللا عليه وسلم)« :في كل ذات كبد رطبة أجر»(.)2
49أخرجه النسائي ,ج 8 :ص 25 :برقم ،4749 :وأحمد ,ج 4:ص 237 :برقم،18097 :
صححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب ،ج 2:ص319 :
50رواه اإلمام أبو داود :في كتاب الخراج واإلمارة والفيء ،باب في تعشير أهل
الذمة إذا اختلفوا بالتجارات ,رقم 3054 :وقال البيهقي في كتاب الجزية من السنن
ِّىَبُ أ بنيا ْ َر
َِّّ َك
بو ز َُ َأ ِّى و َاضالقَسَنِّ ْ الحُ ْ بن د ْ َُ
ْم َحٍ :أ ْر بكبو َ َُنا أ ََ
َر َخ
ْب الكبرى ,رقم 19201 :أ
ن ْ
ب َّ
ِّ
اَّلل ِّ
د ْبَ
ع ُ
ن ْ
ب ُ
دَّ
م َ
ح ُ
م ا َ
نَرَبْخَأ َ
ب وُ
ق ْ
ع َ
ي ُ
ن ْ
ب ُ
د َّ
م َح ُ
م : اس َّ
ب َ
ع ْ
ال و ُ
ب َ
أ اَنثدَ َاالَ ح
ََّ ِّى ق َك
ّ ُز َ ْ
الم َاق ِّسْح
إ
ِّ ِّ
ْ َ ُ
ٍ أخبره عن َ َْ َ ْ َُ َ ْ َ َ
ِّىُّ أن صفوان بن سليم ْ َ ََّ ََ ْ
ٍ المدن ْ َ
ِّى أبو صخرُ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ
ِّ أخبرنا ابن وهبٍ أخبرن ََ َ ْ َ َ
َكم ْ
ِّ الح ْ
عبد َ
اَّللِّ -صلى ِّ َّ َسُول ْ رَن
ة ع ًَ ْ دْ
ِّني ِّم
ِّهبائ ْ آَ َناَّللِّ -صلى هللا عليه وسلم -ع ِّ ََّسُول َابِّ رْحَص َ ِّ
اء أ بنَْْ أ َ م
ِّن ِّينثالَثَ
ًا ْئه شَي ُِّْن
ذ م ََ َ
ْ أخ َ
ِّ أو َت
ِّه َاقَ ط ْقَوه ف َُلفََّ
َكه وَُ َصَق َ ْ
انت دا و هً
َاَ معَ ُ لمََْ ظ من َ
ل «:أالَ َ َاَهللا عليه وسلم -ق
اَّللِّ -صلى هللا عليه وسلم- ُ
َسُول َّ َ ر َ
َأشارَ ِّ » .و مة َاَ ِّي ْ
َ الق ْميوه َ َُُجِّيج َ َ
ُ فأنا ح َ ْ
ِّنهْسٍ منفِّيبِّ َ
ِّ ط َي
ْر ِّغ
ب
َّة
ِّ َنالجَ ْ ِّيح ِّ رْه َ
َلي َ اَّ
َّللُ ع َّم
َرِّ ح
ِّهَسُول ُ َذَّ
ِّمة ر ِّمة َّ
اَّللِّ و ُ ه ذَّ دا َلُ هًَاَ َ ُ
مع َلَت
ْ ق ََ
من َ
ِّ :أالَ وِّه
در َِّلى ص
َْ ِّ إ َع
ِّه ْب
ِّإصب
ِّ
ًا. ِّيفَرَ خ ِّينْعِّ سَبَةِّير
مسْ َِّن
د مَُُوجها َلت ََ
ِّيحن ر ِّْ
َإو
اإلحسان إلى الحيوان في السفر:
َّد محمد
كان الحيوان يمثل وسيلة السفر لدى العرب آنذاك ،لذا أك
ًا في إرهاقه واإلساءة إليه،
(صلى هللا عليه وسلم) أال يكون ذلك سبب
َّد على من يركب الدابة في السفر أن يحسن إليها ،ومن مظاهر ذلكوأك
اإلحسان:
علم أصحابه -رضوان هللا عليهم -إذا نزلوا في السفر أال أنه َّ
ّ ،فعن أنس بن مالك ل عن الدوابُِّلوا الرحاَْز
ينينشغلوا بالصالة ،حتى ُ
ّ الرحال»([ .)]3وألن َل
تح tقال« :كنا إذا نزلنا منزالً ال نسبح حتى ُ
الدابة كانت تتغذى من الطريق ،فقد أمر محمد (صلى هللا عليه وسلم)
يسرعوامن يركبونها بأن يراعوا ذلك ،فحين يسيرون في طريق خصب فال ُ
حتى تأخذ الدابة حقها من األكل ،وحين يسيرون في طريق مجدبة ال تجد
أبي فيها الدابة ما تأكله ،فعليهم أن يسرعوا في المسير .فعن
هريرة أن رسول هللا (صلى هللا عليه وسلم) قال« :إذا سافرتم في الخصب
فأعطوا اإلبل حقها ،وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا السير» ([.)]4
النهي عن إيذائه:
تنوعت صور اإليذاء واإلساءة للحيوان لدى العرب ،فنهى محمد (صلى
هللا عليه وسلم) عن تلك الصور والممارسات السيئة .ونجد في سيرته
(صلى هللا عليه وسلم) النهي العام عن اإلساءة للحيوان؛ ليشمل ذلك كل
ما يستجد من صور اإلساءة ،كما نجد في سيرته النهي عن صور محددة
كانت منتشرة لدى العرب آنذاك.
ومن النهي العام عن إيذاء الحيوان نهيه (صلى هللا عليه وسلم) عن
التمثيل به؛ فعن ابن عمر -رضي هللا عنهما -قال :سمعت رسول هللا (صلى
َّل
َ بالحيوان»([.)]5 مث هللا عليه وسلم) يقول« :لعن هللا من َ
خاتمة
من خالل هذه الشروح تبين لنا بأن المسلم الواعي بدينه وأحكام
الشريعة يراعي عالقاته باآلخر ,ويحافظ حقوق اآلخر حتى اإلسالم أمر
المؤمن بتقديم غيره في المصالح مهما رغب فيه وأراد التملك.
واإليثار صفة من مواصفات المسلم األساسي والزم على المسلم أن يتحلى
باألخالق الكريمة والطيبة.
فكما أن المسلم مطالب أبضا بمحافطة عالقته مع غير المسلم ,ألن
أمر التحلي باألخالق الكريمة عموم حيث يشمل كل المعامالت مسلما كان
أو غير مسلم .والذمي يستحق ضمان األمن من المسلمين مادام لم
يخاصم المسلمين ,واحترام غير المسلمين من أموار اإلسالم بمعنى
اآلخر كل من تعدى إلى حقوق اآلخر بأي وجه من أوجه االعتداء فهو
ممنوع وملعون.
فالنبي صلى هللا عليه وسلم ترك لنا منهج التعامل مع المسلم
وغير المسلم وصور لنا حق التصوير عن كيفيات التعامل مع كل أناس.
ولذا نرى الرسول تعامل مع اليهودي مع توفير كل حقوقهم مادام لم
يتاصدم مع الشريعة والدين .وكذا تعامل النبي صلى هللا عليه وسلم
حيث يعطي حقهم ويؤدي ما لزم لهم .إذن أن السنة النبوية تراعي كل
العالقات الطبية وأمر بأن يتحلى بها المسلم وجعلت عالمة من عالمات
الواعي بالدين ومطبق بالشريعة .فالقرآن والسنة تأمران