You are on page 1of 12

‫العالقات اإلنسانية في ضوء السنة النبوية‬

‫سوفرين أفندي لوبيس‬


‫مدرس في كلية التربية وعلوم التعليم بجامعة اإلسالمية الحكومية بادنج‬
‫سيديمبوان سومطرة الشمالية‬
‫‪sufrin.efendi@gmail.com‬‬
‫الملخص‪ :‬إن السنة النبوية تأخذ موقفا عاليا في تكوين العالقات الطيبة بين اإلنسان‪ .‬من حيث مكانتها‪ ,‬كانت‬
‫السنة مصدر التشريع اإلسالمي بعد القرآن الكريم‪ ,‬وهي مفسرة لغموض القرآن‪ ,‬ومبينة لمجمله‪ ,‬مخصصة لعمومه حتى‬
‫األمر باتباع الحديث من لوازم اإليمان بالقرآن‪ ,‬ألن الرسول الينطق عن الهوى إن هو إال وحي يوحى‪ .‬وكان النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم قد رسم لنا رسما واضحا وبينا عن العالقات الطيبة والمستقيمة‪ ,‬وتشمل هذه العالقات بين السملين أيضا‬
‫المسلمين مع غيرهم‪ ,‬فألن اإلسالم دين يشمل جميع أفراد المجتمع بضوابطها الواضحة‪ .‬إال أن واقعيتنا أكثر المجتمع‬
‫يتخلفون عن دس تور اإلسالمي حيث أتوا بأمور حديثة وغربية ال أصل والعالقة لها بمنهج اإلسالم القيم‪ .‬فمنهم من افترط‬
‫في الدين‪ ,‬وال يتعامل إال مع المسلمين والمؤمنين وأن غير المسلمين شيئ آخر عند زعمهم ونظرهم‪ ,‬ويعاملونهم كمعاملة‬
‫العدوان المبين الزم للقتل والحرب‪ .‬ومنهم من فرط في بعض األمور وتساهلوا حتى يعاملوا غير المسلمين مثل معاملتهم‬
‫بالمسلمين تماما‪ ,‬دون تفريق كل أمور مهما كان أمور الدين‪ ,‬وقد يحترم غير المسلمين أكثر احتراما من أمة المسلمين مع‬
‫أن المنهج السليم القويم يجعل العالقات الدينية من أقوى العالقات الموجودة حتى العالقات النسبية‪ .‬والرسول صلى هللا‬
‫عليه وسلم جاء بأفضل من تخلق بهذه المواصفات الحسنى‪ ,‬وأول من يعمل قبل أن يقول وعايش به قبل أن بشير إلى‬
‫آخره‪ .‬وهذه هي القضايا تحثني لتذكير من غفل‪ ,‬وإليقاظ من نام‪ ,‬وإخبار من جهل‪ ,‬إلرشاد من تخلف إلى المنهج الصحيح‬
‫كما صور به اإلسالم وتعايش به المسلمون‪ .‬وأن فردية المسلم تحلى بهذه المواصفات واألخالقات الطيبة‪ ,‬بها تصير‬
‫المسلم مسلما‪ ,‬وتسير مسيرة مضيئا‪ ,‬والعقاب لمن تخلف وأنكر والبغض عن النبي المرسل والغضب من رب الغفار‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬مفهوم العالقات اإلنسانية‬


‫‪ .1‬تعريف العالقة اإلنسانية‬
‫لقد احتل مهفوم العالقة اإلنسانية مساحة كبيرة في مجال الدراسة‬
‫المعاصرة‪ ,‬وذلك ألهميته بالنسبة لإلنسان في معظم المجاالت التي يتعرض‬
‫لها في مختلف نواحي الحياة‪ .‬وأصبح للعالقة اإلنسانية مكانة كبيرة في‬
‫جميع أوجه النشاط البشري ومن بينها نشاط االجتماعي‪)1(.‬‬
‫محمد بن مطلق الشمري‪ :‬العالقات اإلنسانية قديمة قدم اإلنسان‪,‬‬
‫ومنذ ظهور الدعوات الدينية على مدى تطور البشرية نجد أن جميع‬
‫رساالت الدينية المنولة من هللا تعالى‪ ,‬وهي اليهودية ‪ ,‬المسيحية‪,‬‬
‫واإلسالمية نجدها جميع تحض على العالقات اإلنسانية الطيبة‪ ,‬وحسن‬
‫المعامالت بين أفراد والمجتمع‪ ,‬وبين المجتمعات بعضها البعض‪)2(.‬‬
‫لبيان مفهوم العالقات اإلنسانية فإننا نجد تتكون من كلمتين‬
‫المستقلة ولكل واحد منهما معنى وهما كلمة العالقات واإلنسانية‪ .‬والزم‬
‫أن نوضح معنى كلتا الكلمتين‪.‬‬
‫فالعالقات هي جمع ومفردها ‪ -‬عالقة ‪ -‬بفتح العين‪ ,‬وتعني كما‬
‫يقول الجوهري‪ )3(.‬والعالقة هي عبارة عن الصداقة والحب الالزم‬
‫للقلب‪)4(.‬‬
‫وأما كلمة اإلنسانية فهي تعني كما حدد بها مجمع اللغة العربية‬
‫عبارة عن جملة الصفات التي تميز اإلنسان عن غيره‪)5(.‬‬
‫رغم أن عبارة العالقات اإلنسانية تعد من الكلمات التي استخدمت‬
‫منذ القديم‪ ,‬إال أن الباحثين نظروا إليها من وجهات مختلفة حسب‬
‫رؤيتهم وفلسفتهم‪ .‬فمنهم من رأى أن العالقات اإلنسانية ما هي إال‬
‫العالقات الشخصية وال تزيد من ذلك‪ ,‬وعند بعض اآلخر أنها تتضمن جميع‬
‫أنواع العالقات اإلنسانية من القرابة والصداقة إلى آخرها‪.‬‬
‫ومن منظور اآلخر فقد رأى البعض أن كلمة اإلنسانية تحمل مفهوما‬
‫فضفاضا واسعا‪ ,‬إذ ليس ثمة اتفاق حاسم حولها‪ .‬وهي في غالبية األحيان‬
‫تشير إلى صفات جمالية وقيمة أخالقية‪ .‬فحينما نقول عن فالن إنه‬
‫إنسان‪ ,‬فإنما يقصد بها أكثر من مجرد اإلشارة إلى انتمائه للمجتمع‬
‫اإلنساني‪ ,‬وإنما تعبر بها بأن سلوكه نحو اآلخرين ينطوي على السمات‬

‫‪1‬انظر مدى تطبيق رجال األمن بالعاصمة المقدسة لمبادئ العالقات اإلنسانية في‬
‫ضوء اإلسالم‪ ,‬خالد بن حميدان حمد الحميدان‪ ,‬ص (‪)24‬‬
‫‪2‬انظر مدخل إلىى العالقات العامة واإلنسانية‪ ,‬علي بن فايز الجحني‪ ,‬ص (‪)49‬‬
‫‪ 1427‬هـ‬
‫‪3‬انظر عالقة الخصومة وعالقة الحب‪ ,‬الجوهري‪ ,‬ص (‪)1531‬‬
‫‪4‬انظر مجمع اللغة العربية‪ ,‬ص (‪ 1392 )622‬هـ‬
‫‪5‬انظر مرجع السابق‪ ,‬ص (‪ 1392 )30‬هـ‬
‫والصفات التي تعكس صفات اإلنسانية‪ ,‬وسماتها على ما يتصورها اإلنسان‪,‬‬
‫وهي بذلك تعد عملية تقييم أخالقي وجمالي‪)6(.‬‬
‫ومن خالل ما سبق في تعريفات كلمتي العالقات واإلنسانية يمكننا‬
‫أن نقول‪ :‬إن لإلنسان مفاهيم ومنطلقاته ومبادئه في ميدان العالقات‬
‫اإلنسانية‪ ,‬فهناك عالقة ودية وإنسانية وأخوية بين األخ وأخيه‪ ,‬والجار‬
‫وجاره‪ ,‬والمدرس طالبه‪ ,‬والزوج وزوجته‪ ,‬والمسلم وغير المسلم إلى‬
‫آخره‪.‬‬
‫ومن هذا المنطق أقام اإلسالم عالقات طيبة ثم تأسيسها على مبادئ‬
‫العدل والمحبة والمساواة والصدق والتفاعل المثمر بين األفراد‬
‫والجماعات في جميع أوجه نشاطاتهم‪ ,‬وكل إنسان في مجتمع يراقب ذاته‪,‬‬
‫ويعمل بوحي من ضميره المنبثق من وازع ديني قوي تجاه اآلخرين‪.‬‬

‫مفهوم العالقات اإلنسانية‬ ‫‪.2‬‬


‫إن العالقات بين البشر هي أحد أهم وسائل لتحقيق السعادة‬
‫البشرية‪ ,‬وبصحتها تكون اإلنسان فياألمن واالطمئنان‪ ,‬وبعدمها تلزم‬
‫الشقاوة بين البشرية والسيطرة على األخر‪ .‬فالعالقة بين البشر عنصر‬
‫من عناصر االجتماعية األساسية حيث اليعقل أن يعيش الشخص وحده وإنما‬
‫من طبيعة خلقه أنه متعلق بغيره حسب احتياجاته‪ .‬وهي ضرورية لتحقيق‬
‫الحياة الصحيحة والسليمة‪ .‬فألن اإلنسان مدني الطبعي‪ ,‬وأنه بحاجة إلى‬
‫غيره لتغذية بدنه وجسمه‪ ,‬عقله وثقافته‪ ,‬يومه وأمسه وكل ماال ينفك‬
‫عن حاجية الفردي وال تقيم الحياة إال به‪ ,‬وألن اإلنسان أيضا كائن يعيش‬
‫في وسط اجتماعي وال غنى له إطالقا عن عالقات مع هذا الوسط تضمن له‬
‫تدبير معيشته وتحقيق احتياجاته النفسية واالجتماعية‪.‬‬
‫فمهما بلغ المال مثل أحد واليزال الغني محتاج إلى فقير‪ ,‬وأي‬
‫شخص تقدم في علم ومعرفة وهو محتاج إلى النشر والتطور وإلقائه إلى‬
‫الطالب أو تدوينه إلى المصاحف‪ ,‬وكذلك ممن تفوق في أي جزء من أجزاء‬
‫الحياة وألن اإلنسان اآللي مرتبطة بالمحرك‪ ,‬مادام هو اإلنسان فمن‬
‫طبيعته أن تعيش مع اآلخر بحاجة إلى الغير‪.‬‬
‫ومن هنا يبدو لنا اإلنسان سليمة السلوك أن يكون إنسانا‬
‫اجتماعيا راقيا فذا‪ ,‬نطقت بها كثيرة من أحاديث النبوية المطهرة‪,‬‬
‫وجعلت التحلي بها دينا يحرص المرء عليه‪ ,‬وينبغي به من ربه المثوبة‬
‫واألجر‪)7(.‬‬
‫فكان الرسول زجر عن الشتم اآلخر وسبه ولعنه‪ ,‬وكل آفات اللسان‬
‫المتعلقة بالخلق‪ ,‬واإلنسان أيضا منع عن تعدي بالغير من ضرب وسرقة‬
‫وإفساد‪ .‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬المسلم من سلم المسلمون من‬
‫لسانه ويده‪ ,‬والمهاجر من هجر ما نهى هللا عنه‪.‬‬
‫إذن‪ ,‬أن اإلسالم زجر عمن يحرص على أمور الدين تجده طائعا مخبتا‬
‫خاشعا‪ ,‬وداوم صالة الجماعة في الصف األول ولكن تساهل على أمور‬
‫الدنيا‪ ,‬وتجده مقصرا في تربية األوالد‪ ,‬وعدم االهتمام بالجار‬
‫والمجتمع وإيذاء الغير بالشتم والكلمات الخبيثة‪ .‬وهو معظم مجتمعنا‬
‫اليوم‪ ,‬وفرقوا دينهم بدنياهم‪ ,‬وأن الدين ال عالقة له بالعالقات‬
‫اإلنسانية‪)8(.‬‬

‫اإلنسانية‬ ‫‪.3‬‬
‫فإذا قلنا من طبيعة اإلنسان أنه محتاج إلى غيره ففي نفس الوقت‬
‫ال يستقيم أيامه وحياته إال بمشاركة اآلخر‪ .‬وتحقيق العالقات الطيبة‬
‫بين أفراد المجتمع في غاية األهمية لدى اإلنسان ومستقبلهم‪ .‬وألن‬
‫المسلم الواعي بهذه األصيلة يكون أشد حبا واهتماما من غيره‪ ,‬والسيما‬
‫أن المسلم المهتم بالدين يحاول أن يكون أعماله جميعه خير ألن هللا‬
‫يعلم كل ما صدر من اإلنسان سرا وعالنيا والمسلم يؤمن ذلك وسوف يسأل‬
‫عنه أمام هللا تعالى‪.‬‬
‫والعالقات اإلنسانية يعود إلى نفس البشرية حسب تعامل بعضهم مع‬
‫بعض‪ .‬وهي ال تصدر صدفة‪ ,‬وإنما تتكون من عادات بين أفراد اإلنسان‬

‫‪6‬انظر العالقات اإلنسانية في مجاالت علم النفس‪ ,‬علم االجتماع‪ ,‬علم اإلدراة‪ ,‬حسين‬
‫عبد الحميد رشوان‪ ,‬االسكندرية‪ ,‬المكتبة الجامعي الحديث‪ ,‬ص‪ 1997 )5( :‬هـ‬
‫‪7‬انظرشخصية المسلم كما يصوغها في الكتاب والسنة‪ ,‬محمد علي الهاشمي (بيروت‪:‬‬
‫لبنان‪ )2001 :‬ص‪8 :‬‬
‫‪8‬انظر محمد علي الهاشمي‪ ,‬مرجه السابق (بيروت‪ :‬لبنان‪ )2001 :‬ص‪)7( :‬‬
‫والمجتمع‪ .‬ولكن مع ذلك جميع العادات وما تعود بها الناس تشير إلى‬
‫تكوين العالقات الطيبة‪ ,‬نعم الشريعة يحافظ على مصالح العادات‬
‫مادامت لم تتصادم مع مصدر الشريعة من القرآن والسنة النبوية‪ .‬فلذا‬
‫يقول األصوليون بأن القاعدة "العادة محكمة" تقوم على ضوابط البد‬
‫منها‪ .‬ومن ضابطها أن ال تتصادم مع أدلة الشرعية والمصالح العامة‪.‬‬
‫عرف المسلم بأن واجباته تتكون من جهات ثالث وهي أن تراعي‬
‫المسلم عالقته مع ربه بحيث يقيم كل مأمورات الشريعة من عبادات‬
‫محضة‪ .‬الصالة مثال هي من متطلبات دين اإلسالم وطاعة العبد إلى ربه‪.‬‬
‫فالمسلم يؤمن ذلك حق اإليمان‪ ,‬يعلم الخيرات ابتغاء مرضات هللا ومحبته‬
‫وأن ترك الواجبات وعدم االهتمام بها معصية إلى رب السماء واألرض‪.‬‬
‫والمحافظ على العبادات والطاعات يكون محافظ على بناء العالقات‬
‫الطيبة‪ .‬إذا كانت العبادات من أوامر هللا تعالى فيعمله رضا بما قضى‬
‫به روجاء من غفرانه ورحمته‪ ,‬فإن بناء العالقات الطيبة بين اإلنسان‬
‫من مضمون العبادات البد بها كل المسلم‪ .‬فقد جاءت اآلية تحذر على من‬
‫تغيب تجسس واعتداء بحقوق األخرين‪ .‬فقال سيحانه وتعالى‪ :‬ياأيها‬
‫الذين ءامنوا اليسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم والنساء من‬
‫نساء عسى أن يكن خيرا منهن والتلمزوا أنفسكم والتنابزوا باأللقاب بئس‬
‫االسم الفسوق بعد اإليمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ‪ ...‬وال‬
‫تجسسوا واليغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا‬
‫فكرهتموه واتقوا هللا إن هللا تواب رحيم (الحجرات‪)12-11 :‬‬
‫وكان النبي صلى هللا عليه وسلم حث على اعتماد باألخالق الكريمة‪,‬‬
‫فنجد أحاديث تشير على ذلك وعلو مكانته في اإلسالم‪ .‬فقال الرسول صلى‬
‫ًا) وقال أيضا‪:‬‬ ‫هللا عليه وسلم‪ :‬وكان يقول‪( :‬إن من خياركم أحسنكم أخالق‬
‫ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق‪ ،‬وإن هللا‬
‫يبغض الفاحش البذيء) رواه الترمذي‪ .‬وعن عمرو بن العاص يبلغ به‬
‫الراحمون يرحمهم الرحمن‪ ,‬ارحموا أهل‬ ‫َال‪:‬‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم ق‬
‫األرض يرحكم أهل السماء والرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصلته ومن‬
‫قطعها بتته‪ .‬أيضا أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪( :‬أحب الناس إلى هللا‬
‫ّ سرور يدخله على مسلم‪ ،‬أو‬ ‫ّ وجل‬ ‫أنفعهم للناس‪ ،‬وأحب األعمال إلى هللا عز‬
‫ً أو يطرد عنه جوعا)‬
‫ً‬ ‫يكشف عنه كربة أو يقضي عنه دينا‬
‫ِّنوا‬ ‫ّ‬
‫ومن خالل هذه األحاديث نفهم أن على كل من المسلمين أن يوط‬
‫أنفسهم على أن يعامل اآلخرين بأخالق يحبهم مثل معاملتهم ألنفسهم‪،‬‬
‫وليس بأخالقهم‪ .‬فإن أساءوا لنا فنحسن وإن أحسنوا فنزيد باإلحسان‬
‫إحسانا وال نرد اإلساءة باإلساءة‪ ،‬ألنا بذلك نتخلق بأخالقهم ونصبح‬ ‫ً‬
‫دا منهم‪ .‬وأن بمعاملتنا لهم بأخالقنا ال بأخالقهم‪ ،‬سوف تصفي‬ ‫واحً‬
‫نفوسهم و ترجع لهم صوابهم‪ ،‬وتعيد لهم فرصة التفكير بأخالقهم ثم إن‬
‫ِّن النفس‬ ‫ّ‬
‫أحسنا وبذلنا المعروف؛ فال ننتظر الثناء والشكر من أحد ووط‬
‫على العطاء وعدم األخذ‪ ,‬بل ننتظر ثواب هللا وتعالى‪.‬‬
‫إذن المسلم الواعي بدينه وبطاعته إلى ربه يداوم على محافظة‬
‫العالقات بين اإلنسانية طبقا لما أمر هللا به وألنه من لوازم الطاعة‬
‫والخضوع إلى الشريعة‪ ,‬ومن جانب اآلخر أن المعاملة الطيبة تثمر‬
‫الحسنة في شخصية المسلم وأخالقه‪ ,‬وتكون العالقات اإلنسانية تسير على‬
‫أساس المتبادلة بين أفراد المجتمع‪ ,‬فيفهم أن معاملة الناس إليه‬
‫حسب معاملته إلى الناس‪ .‬وإذا أراد الخير من الناس فالزم أن يسأل‬
‫نفسه هل يعامل الناس بالخير والحسنى‪.‬‬
‫وإذا كان النبي صلى هللا عليه وسلم يمدح عامل الحسنات ومعامل‬
‫الطيبات فإنه أيضا يحذر عامل القبيحات والظلمات‪ .‬وكان النبي أشد‬
‫غضبا لمن لم يعتدل باآلخر وكذلك مجاوز حقوق الآلخرين‪ .‬فقال النيي‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ :‬صاحب الخلق السيئ مذكور بالذكر القبيح يمقته هللا‬
‫عزوجل ويبغضه الرسول صلي هللا عليه وسلم ويبغضه الناس علي اختالف‬
‫مشاربهم‪ .‬عن جابر ـ رضي هللا عنه ـ قال قال رسول هللا صلي هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫(وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في اآلخرة أسوؤكم أخالقا) رواه الترمذي‬
‫وكان صاحب الخلق السيئ هو من مأل هللا أذنيه من ذم الناس له شرا‪.‬‬
‫وهذا يوافق قوله الرسول المروى عن ابن عباس ـ رضي هللا عنهما ـ قال‪:‬‬
‫قال رسول هللا صلي هللا عليه وسلم‪( :‬أهل الجنة من مأل هللا أذنيه من ثناء‬
‫الناس خيرا وهو يسمع وأهل النار من مأل أذنيه من ثناء الناس شرا‬
‫وهو يسمع) رواه ابن ماجه والحاكم‪.‬‬
‫أيضا أن سوء الخلق سبب من أسباب فساد المجتمع وشقائه‬
‫وتعاسته‪ ،‬وأعظم برهان علي هذا تلك المشاكل والقالقل من ظلم‬
‫وعدوان وأكل حقوق عباد هللا‪ ,‬كلها راجع إلي األخالق السيئة‪ .‬فلذلك من‬
‫أبرز أهداف بعثة النبي صلى هللا عليه وسلم ليتمم مكارم األخالق‪.‬‬

‫موقف السنة في تحديد العالقات اإلنسانية‬ ‫‪-‬‬


‫تعد السنة النبوية هي الصدر الثاني للتشريع اإلسالمي‪ ,‬والقرآن‬
‫َى‬‫هو‬ ‫َنِّ ْ‬
‫الَ‬ ‫ُ ع‬ ‫ْط‬
‫ِّق‬ ‫ين‬‫ما َ‬ ‫ََ‬‫الذي أمرنا باتباع واإليمان بها‪ ,‬فقال تعالى‪ :‬و‬
‫ُ‬
‫َّسُول‬
‫ُ الر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َى (النجم‪ )4-3 :‬وقوله‪ ... :‬وما آتاكم‬ ‫يوح‬ ‫َح‬
‫ْيٌ ُ‬ ‫ِّال و‬‫َ إ‬ ‫ن ُ‬
‫هو‬ ‫ِّْ‬‫* إ‬
‫ِّقابِّ(الحشر‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ِّيد الع‬ ‫َ‬
‫اَّللَ شد‬
‫ِّن َّ‬‫َّ‬‫اَّللَ إ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫هوا واتقوا َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه فانتُ‬ ‫ْ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه وما نهاكم عنُ‬ ‫َ‬‫َ‬ ‫ذوُ‬ ‫َخُُ‬
‫ف‬
‫‪ )7‬أيضا أن السنة النبوية لها دورة كبيرة في تنظيم الحياة‬
‫االجتماعية إلى حياة سعيدة والبعد عن الشقاوة‪ ,‬وهي تكمل ما في‬
‫القرآن‪ ,‬وتوضح من مجمل القرآن‪.‬‬
‫للسنة أهمية عظمى بالنسبة للقرآن الكريم‪ ,‬فهي تبين مبهمه‪,‬‬
‫ْ‬ ‫ْه‬
‫ِّم‬ ‫َِّلي‬
‫ل إ‬ ‫ّ‬
‫َِّ‬
‫نز‬ ‫ما ُ‬ ‫َّاسِّ َ‬ ‫َ ل‬
‫ِّلن‬ ‫ّ‬‫َي‬
‫ِّن‬ ‫ُب‬
‫لت‬‫َ ِّ‬ ‫ْر‬ ‫ّ‬
‫ِّك‬
‫الذ‬ ‫َِّلي‬
‫ْكَ‬ ‫َا إ‬ ‫َْلن‬ ‫َْ‬
‫نز‬‫َأ‬‫قال تعالى‪... :‬و‬
‫ن (النحل‪ )33 :‬فمن اآليات ما اليمكن فهمها فهما صحيحا‬ ‫ُوَ‬‫َّر‬
‫َك‬ ‫َف‬
‫يت‬‫ْ َ‬ ‫لُ‬
‫هم‬ ‫ََّ‬
‫ََلع‬
‫و‬
‫َ‬
‫ِّين‬ ‫على مراد هللا تعالى إال من طريق السنة‪ ,‬منها قوله تعالى‪َّ :‬‬
‫الذ‬
‫دوَ‬
‫ن‬ ‫َُ‬
‫هت‬ ‫مْ‬‫ْ ُ‬‫هم‬‫َُ‬‫ُ و‬ ‫ُ األْ‬
‫من‬ ‫هم‬ ‫ِّكَ َلُ‬ ‫ُ َ‬
‫ولئ‬ ‫ٍ أ‬ ‫لم‬‫ُْ‬ ‫ْ ب‬
‫ِّظ‬ ‫هم‬ ‫َ َ‬
‫انُ‬ ‫ِّسُوا إ‬
‫ِّيم‬ ‫يْ‬
‫لب‬ ‫ْ َ‬ ‫ََلم‬
‫ُوا و‬ ‫من‬‫آَ‬
‫(األنعام‪ )82 :‬قفد فهم أصحاب الرسول صلى هللا عليه وسلم (بظلم) على‬
‫عمومه الذي يشمل كل ظلم ولو كان صغيرا ولذلك استشكلوا اآلية‪ ,‬فبين‬
‫لهم الرسول صلى هللا عليه وسلم بأن المراد بالظلم في اآلية هو‬
‫الشرك‪)9(.‬‬
‫والسنة تبين مجمل القرآن حيث توجد في القرآن آية مجملة‪.‬‬
‫فجاءت السنة النبوية في توضيح معناها والمراد منها‪ .‬فقال تعالى‪:‬‬
‫َ (البقرة‪ )43 :‬من‬ ‫ِّين‬ ‫َّاك‬
‫ِّع‬ ‫َ الر‬ ‫مع‬ ‫ُوا َ‬ ‫َع‬‫ْك‬‫َار‬ ‫ة و‬‫َاَ‬‫َّك‬
‫توا الز‬ ‫َآُ‬
‫ة و‬ ‫َّالَ‬
‫ُوا الص‬ ‫ِّيم‬‫َق‬‫َأ‬
‫و‬
‫أن هللا تعالى أمرنا بإقامة الصالة دون أن يبين كيفية أدائها‬
‫الصحيحة‪ ,‬واآلية كذلك لم تفصل لنا عن الشروط التي تلزم توفرها‬
‫واألركان ال بد منها‪ .‬فأتت السنة النبوية في بيان أداءها الصحيحة‬
‫حتى تكون الصالة تعتبر عبادة هلل تعالى‪.‬‬
‫وهي أيضا تقيد مطلق القرآن‪ ,‬وتخصص عمومه‪ ,‬حتى تجيء تضيف‬
‫أحكاما جديدة حيث لم يأت القرآن به‪ .‬والمثال على ذلك تحريم جمع‬
‫المرأة عمتها‪ ,‬فقال الرسول‪ :‬ال يجمع بين المرأة وعمتها وبين‬
‫المرأة وخالتها‪ )10(.‬وكذلك تحليل السمك والجراد حيث يوجد إال في‬
‫السنة النبوية‪.‬‬
‫ومن هنا تبين بأن السنة النيوية لها مكانة عظمى في التشريع‬
‫واإلسالمي‪ ,‬وأن االتبعاع والعمل بها من ضرورية الدين‪ .‬ومن تزعم بأن‬
‫السنة مجرد كالم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وال تفوت عن الخطأ‬
‫والنيسان من طبيعة البشر‪ ,‬فالجواب على ذلك نقول بأن القبول‬
‫بالسنة من أمر القرآن‪ ,‬والقرآن الذي أمرنا باتباع السنة النبوية‪.‬‬
‫إذن من رفض السنة ففي نفس الوقت أنه رفض بعض اآلية القرآنية‪.‬‬

‫‪ -‬في أسس العالقات اإلنسانية بين المسلمين وغيرهم‬


‫‪ .1‬في أسس العالقات اإلنسانية بين المسلمين‬
‫‪ -‬األخوة‬
‫فقد أقام الدين عالقة السلمين بعضهم ببعض على أسس تكمل لهم‬
‫الترابط والتآخى‪ ,‬وتحقق لهم القوة والعزة‪ ,‬وتنهض بهم في شتى‬
‫مجاالت والحياة‪ .‬فقد قرر اإلسالم أن المسلمين أخوة وجعل أن رابطة‬
‫الدين أقوى رابطة‪ .‬وتجمع بين معتنقيه برباط قوي وتذوب إزاءه‬
‫نزعات العصبية‪ ,‬ألنه من تمسك به فقد هدى إلى سبيل الرشاد‪ ,‬ومن‬
‫تنكب عنه فقد تردى في مهاوي الفساد‪ .‬فالدين يجمعهم وهم بذلك‬
‫ٌ‬‫ْو‬
‫َة‬ ‫ِّخ‬
‫ن إ‬‫ُوَ‬ ‫ْم‬
‫ِّن‬ ‫ُؤ‬ ‫َا ْ‬
‫الم‬ ‫نم‬‫َِّّ‬
‫أخوة متحابون في هللا‪ )11(.‬وبه قال هللا تعالى‪ :‬إ‬
‫ن (الحجرات‪)10 :‬‬ ‫ُوَ‬
‫َم‬‫ْح‬
‫تر‬ ‫ُم‬
‫ْ ُ‬ ‫ََّ‬
‫لك‬ ‫اَّللَ َلع‬
‫ُوا َّ‬ ‫َ َّ‬
‫اتق‬ ‫ُم‬
‫ْ و‬ ‫يك‬‫َو‬
‫َْ‬ ‫َخ‬
‫َ أ‬
‫ْن‬ ‫ُوا َ‬
‫بي‬ ‫ْل‬
‫ِّح‬ ‫َص‬
‫َأ‬‫ف‬
‫وهذه العالقات األخوية البد أن تقوم على أساس الخير المسمى‬
‫باإلخوة في هللا‪ .‬قال عبد هللا ناصح العلوان‪ :‬أن األخوة في هللا منحة‬
‫قدسية‪ ,‬وإشراقة ربانية‪ ,‬ونعمة إلهية‪ ,‬يقذفها هللا عز وجل قلوب‬

‫‪9‬السنة النبوية ومكانتها في التشريع اإلسالمي‪ ,‬خالد الجهني‪ ,‬ص (‪)12‬‬


‫‪ 10‬رواه أخرجه البخاري ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وأبوداود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬ومالك ‪،‬‬
‫وأحمد ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬قال ابن األثير في جامع األصول‪ :‬الفصل الثاني ‪ :‬فيما ال يوجب حرمة‬
‫مؤبدةالفرع األول ‪ :‬في الجمع بين األقارب‬
‫‪11‬آداب العالقات اإلنسانية في اإلسالم‪ ,‬نصر فريد محمد واصل‪ ,‬ص‪92 :‬‬
‫المخلصين من عباده‪ ,‬واألصفياء من أوليائه‪ ,‬واألتقياء من خلقه‪)12(.‬‬
‫ما‬ ‫ًا َ‬ ‫َم‬
‫ِّيع‬ ‫ض ج‬‫ِّْ‬
‫ِّي األر‬ ‫ما ف‬ ‫َ َ‬‫ْت‬
‫َق‬ ‫َْ‬
‫نف‬‫ْ أ‬ ‫ْ َلو‬ ‫ِّم‬
‫ِّه‬
‫لوب‬ ‫ُُ‬
‫َ ق‬‫ْن‬ ‫َ َ‬
‫بي‬ ‫ََّلف‬
‫َأ‬‫فقال تعالى‪ ... :‬و‬
‫ِّيم (األنفال‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ِّيز حك‬‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِّنه عز‬‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫ِّن اَّلل ألف بينهم إ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬‫َ‬
‫ْ ولك‬ ‫ِّم‬
‫ِّه‬ ‫ُُ‬
‫لوب‬ ‫َ ق‬‫ْن‬‫بي‬‫َ َ‬ ‫ََّلف‬
‫ْت‬ ‫أ‬
‫‪ .)63‬فاألخوة التي تثمر األثمار اليانعة‪ ,‬وتنير القلوب المظلمة‪,‬‬
‫وتنبت الروح الفارغة هي األخوة تتأسس على اإليمان‪ .‬ولذا كانت‬
‫األخوة في هللا صفة مالزمة لإليمان‪ ,‬وخصلة مرافقة للتقوى‪ .‬إذا ال أخوة‬
‫بدون إيمان‪ ,‬وال إيمان بدون أخوة‪.‬‬
‫يقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬المسلم أخو المسلم( )‬
‫‪13‬‬

‫والشربعة اإلسالمية تؤكد هذه األخوة وتدعو إلى توكيدها‪ ,‬فمحبة‬


‫المسلم ألخيه من محبة خالصة هلل عز وجل‪ .‬ال ينبغي من ورائها نعمة‬
‫يربها‪ ,‬فهو يحب لغيره ما يحب لنفسه‪ ,‬ويكره له ما يكره لنفسه‪,‬‬
‫وأن هذا الحب من كمال اإليمان وإتمامه‪ ,‬وإن أحب الرجلين إلى هللا‬
‫أشدهما حبا لصاحبه‪ .‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬وما تحاب‬
‫رجالن إال كان أحبهما إلى هللا أشدهما حبا لصاحبه‪)14(.‬‬
‫يقول الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ :‬خير األصحاب عند هللا خيرهم‬
‫لصاحبه وخير الجيران عند هللا خيرهم لجاره(‪ )15‬وأن للمتحابين منزلة‬
‫سامية وبه قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬إن من عباد هللا ألناسا‬
‫ماهم بأنبياء وال شهداء‪ ,‬يغبطهم األنبياء والشهداء يوم القيامة‬
‫بمكانهم من هللا‪ ,‬قالوا يا رسول هللا‪ ,‬قل لنا من هم؟ قال‪ :‬هم قوم‬
‫تحابوا بروح هللا على غير أرحام بينهم وال أموال يتعاطونها‪ ,‬فوهللا أن‬
‫وجوههم لنور‪ ,‬وإنهم لعلى نور‪ ,‬ال يخافون إذا خاف الناس‪ ,‬وال‬
‫ء َّ‬
‫اَّللِّ ال‬ ‫َاَ‬ ‫ِّْ‬
‫لي‬ ‫َو‬
‫ن أ‬ ‫َال إ‬
‫َِّّ‬ ‫يحزنون إذا حزن الناس(‪ )16‬وقرأ قوله تعالى‪ :‬أ‬
‫ن (يونس‪)62 :‬‬ ‫نوَ‬ ‫َُ‬
‫ْز‬‫يح‬‫ْ َ‬
‫هم‬ ‫َال ُ‬
‫ْ و‬ ‫ْه‬
‫ِّم‬ ‫ََ‬
‫لي‬‫ٌ ع‬ ‫ْف‬‫َو‬‫خ‬
‫أما النفس المنطوية على الخبث‪ ,‬والمتأصلة على الفساد‪ ,‬فال‬
‫يمكنها بحال أن تتوافق مع النفس المؤنة المطمئنة في لحطة‬
‫لقائهما‪ ,‬لكونهما متناكرتين أصال‪ ,‬متخالفتين منهجا‪ ,‬متنافرتين‬
‫روحا‪ ,‬وإلى هذا أشار الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ :‬الناس معادن‬
‫كمعادن الذهب والفضة‪ ,‬خيارهم في الجاهلية خيارهم في اإلسالم إذا‬
‫فقهوا‪ ,‬واألرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف‪ ,‬وما تناكر‬
‫منها اختلف‪)17(.‬‬
‫فحينئذ نقول أن األخوة إذا انعدمت من اإليمان أدت إلى‬
‫المنافع المادية الذاتية والشخصية‪ ,‬وغياب المنافع قد تؤدي‬
‫ِّال‬‫ٌّ إ‬‫دو‬‫َُ‬
‫ض ع‬ ‫َع‬
‫ٍْ‬ ‫لب‬‫ْ ِّ‬
‫هم‬‫ُُ‬‫ْض‬‫بع‬‫ٍ َ‬
‫ِّذ‬
‫مئ‬‫َْ‬
‫يو‬ ‫ء َ‬‫الخالف والمصارعة‪ ,‬فقال هللا تعالى‪ :‬األخِّالُ‬
‫َ (الزخرف‪)67 :‬‬ ‫َّق‬
‫ِّين‬ ‫ُت‬ ‫ْ‬
‫الم‬
‫لما كانت األخوة في هللا مالزمة اإليمان مقرونة مع التقوى فقد‬
‫جعل هللا لها من الكرامة والفضل وعلو المنزلة واألجر ما يدفع أبناء‬
‫اإلسالم إلى التحقق بها والحرص عليها عسى أن يكونوا من المؤمنين‬
‫األطهار والمتقين األبرار واألصفياء األخيار‪)18(.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫ال تحاسدوا وال تناجشوا وال تباغضوا وال تدابروا وال يبع بعضكم على‬
‫بيع بعض‪ ،‬وكونوا عباد هللا إخوانا‪ ،‬المسلم أخو المسلم ال يظلمه وال‬
‫يخذله وال يكذبه وال يحقره‪ ،‬التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثالث‬
‫مرات‪ ،‬بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم‪ ،‬كل المسلم على‬
‫المسلم حرام دمه وماله وعرضه‪( .‬رواه مسلم)‪.‬‬
‫بهذا الحديث من أعظم األسباب الموصلة للتآلف بين المسلمين‬
‫وقلة الشحناء بينهم فالمؤمنون إخوة في النسب أبوهم آدم وأمهم‬
‫حواء ال يتفاضلون إال بالتقوى وأخوة في الدين وقال رسول هللا‪:‬‬
‫المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه‪( .‬رواه‬

‫انظر األخوة اإلسالمية‪ ,‬لعبد هللا ناصح العلوان‪ ,‬ص (‪ ,)4‬طبعة‪ :‬دار السالم ‪-‬‬ ‫‪12‬‬

‫القاهرة‬
‫‪13‬أخرجه أحمد‪ ,‬ج‪ 3:‬ص‪ 154 :‬بإسناد حسن وابن حبان عن أنس‪ ،‬في البر واإلحسان ص‪:‬‬
‫‪ 510‬بإسناد صحيح على شرط مسلم‬
‫‪14‬عن أنس بن مالك‪ ,‬في كتاب األحاديث المختارة‪ ,‬رقم‪1591 :‬‬
‫َج‬
‫َُ‬
‫ه‬ ‫ْر‬ ‫َ‬
‫ٌ ‪ ،‬أخ‬ ‫ٌ ص‬
‫َحِّيح‬ ‫َد‬
‫ِّيث‬ ‫ذا ح‬ ‫هَ‬‫‪15‬قال الحافظ ابن حجر في األمالي المطلقة‪ ,‬ص‪َ 208 :‬‬
‫ُقر‬
‫ِّئِّ‬ ‫ْ‬ ‫د ْ‬
‫الم‬ ‫ِّيَ‬
‫يز‬ ‫بنِّ َ‬
‫اَّللِّ ْ‬
‫ِّ َّ‬ ‫َب‬
‫ْد‬ ‫ْ ع‬
‫َن‬ ‫َد‬
‫ِّ ‪ ،‬ع‬ ‫ْر‬
‫ُف‬‫الم‬ ‫األََ‬
‫دبِّ ْ‬ ‫ِّي ْ‬ ‫ُخَار‬
‫ِّيُّ ف‬ ‫َ ْ‬
‫الب‬ ‫َُ‬
‫د و‬‫ْم‬‫َح‬
‫أ‬
‫‪16‬أخرجه أحمد في مسنده‪ ,‬ج‪ 5 :‬ص‪ 343 :‬وقال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد‪,‬‬
‫ج‪ 10:‬ص‪ 277-276 :‬ورجاله ثقات‬
‫‪17‬رواه مسلم رقم (‪ )2638‬في البر والصلة ‪ ،‬باب األرواح جنود مجندة ‪ ،‬وأبو‬
‫داود رقم (‪ )4834‬في ألدب‪ ،‬باب من يؤمر أن يجالس‬
‫‪18‬انظر األخوة اإلسالمية وآثارها‪ ,‬عبد هللا بن جار هللا‪ ,‬ص (‪)13‬‬
‫البخاري ومسلم)‪ ،‬وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬مثل المؤمنين في‬
‫ٌ تداعى‬ ‫توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو‬
‫َّى‪( .‬رواه البخاري ومسلم)‪ ،‬ولهذا قال‬ ‫له سائر الجسد بالسهر والحم‬
‫ًا‪،‬‬ ‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬ال تحاسدوا أي ال يحسد بعضكم بعض‬
‫والحسد تمني زوال النعمة عن أخيك المسلم وهو حرام ألنه اعتراض‬
‫على هللا في نعمته وقسمته وقال النبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬دب إليكم‬
‫داء األمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين ال حالقة‬
‫الشعر‪( .‬رواه البزار والبيهقي)‪.‬‬
‫‪ -‬التعاون‬
‫من المعروف أن الناس يعملون على وجهين‪ ,‬على ما فيه الخير‪,‬‬
‫وعلى ما فيه الشر‪ .‬فأما ما فيه الخير فالتعاون عليه أن تساعد‬
‫صاحبك على هذا الفعل وتيسر له األمر‪ .‬سواء كان هذا يتعلق بك أو‬
‫مما يتعلق بغيرك‪ .‬وأما الشر فالتعاون فيه بأنه تحذر منه‪ ,‬وأن‬
‫تمنع منه ما استطعت‪ ,‬وأن تشير على من أراد أن يفعله بتركه‬
‫وهكذا‪ ,‬فالبر فعل الخير‪ ,‬والتعاون عله والتساعد عليه تيسيره‬
‫للناس‪)19(.‬‬
‫مادام المسلمون أخوة متحابين في هللا فعلى كل منهم أن يكون‬
‫عونا ألخيه وساعدا وعضدا له‪ ,‬وأن يتعاون الجميع أفراد وجماعات‬
‫نوا‬ ‫َُ‬
‫َاو‬‫تع‬‫َال َ‬
‫كما أمرت الشريعة اإلسالمية بذلك‪ .‬يقول هللا تعالى‪ ... :‬و‬
‫َابِّ (المائدة‪)2 :‬‬ ‫ِّق‬
‫الع‬‫د ْ‬ ‫اَّللَ شَد‬
‫ِّيُ‬ ‫ن َّ‬ ‫َِّّ‬ ‫ُوا َّ‬
‫اَّللَ إ‬ ‫َ َّ‬
‫اتق‬ ‫َانِّ و‬
‫دو‬‫ُْ‬ ‫َ ْ‬
‫الع‬ ‫ِّ و‬ ‫ْ‬
‫اإلثم‬ ‫ََ‬
‫لى‬‫ع‬
‫وهذا النص القرأن الكرين يقرر وجوب التعاون بين المسلمين‬
‫كافة‪ ,‬فيأخذ القوي بيد الضعيف‪ ,‬والغني بيد الفقير‪ ,‬وأن يكون‬
‫التعاون في كل ما هو خير والمساعدة في كل ما يستدعى المساعدة‬
‫وفيه نهي وزجر لمن يتعاونون على اإلثم والعدوان‪ ,‬وألن مثل هذا‬
‫التعاون يهدم األمة‪ ,‬ويقوض بنيانها ويحل بأمنها واستقرارها‪.‬‬
‫فالتعاون بصورته الطيبة أمر واجب‪ ,‬ولذا حث الرسول صلى هللا عليه‬
‫وسلم بقوله‪ :‬من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج هللا عنه كربة‬
‫من كرب يوم القيامة ‪ ,‬وهللا في عون العبد مادام العبد في عون‬
‫أخيه‪ )20(.‬إذا كان هذا شأن اإلسالم دين المحبة والسالم دين األلفة‬
‫واإلخاء والعاقبة الحميدة والراحة التامة والكرامة الدائمة‬
‫والخلود في النعيم فما أجدرنا نحن المسلمين بتطبيق تعاليمه‬
‫والعمل بأحكامه والسير على مناهجه‪)21(.‬‬
‫وتفريج الكربات يكون في أمور متعددة‪ :‬إن كانت كربة مالية؛‬
‫فبإعطائه المال الذي تزول به الكربة‪ ،‬وإن كانت كربة معنوية؛‬
‫فبالحرص على رد معنويته ورد اعتباره حتى تزول عنه الكربة‪ ،‬وإذا‬
‫كامن كربة هم وغم؛ فبأن توسع عليه وتنفس له ‪ ،‬وتبين له أن‬
‫األمور ال تدوم‪ ،‬وأن دوام الحال من المحال‪ ،‬وتبين له ما في هذا‬
‫من األجر والثواب العظيم‪ ،‬حتى تهون عليه الكربة‪)22(.‬‬
‫فلذا على المسلم الواعي باالهتمام بغيره من المسلمين‪ ,‬كل‬
‫مسلم له حق على أخيه المسلم‪ .‬وحب الغير طريقة من الطرق‬
‫المتعددة لنيل محبة هللا ورضوانه‪ .‬وقول النبي بأن هللا في عون العبد‬
‫مازال العبد في عون أخيه‪ ,‬حيث جعل هللا عون الغير سبيل وتحقيق عون‬
‫هللا‪ .‬وباختصار الكالم نقول من أراد أن يعينه هللا فليعن غيره‪ ,‬ألن هللا‬
‫يحب من أحب أخاه‪ .‬والجدير بالذكر أن حقيقة حب الغير وعونهم من‬
‫حب هللا تعالى‪ ,‬فألن من لوازم اإليمان باهلل وتطبيق أوامره‪.‬‬
‫فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬من يسر على معسر‪ ,‬يسر هللا عليه‬
‫في الدنيا واآلخرة (‪ )23‬بمعنى إذا رأيت معسرا‪ ,‬يسرت عليه األمر‬
‫يسر هللا عليك في الدنيا واآلخرة‪ .‬فقال العثيمين (‪ )24‬والمهم أن‬
‫عليكم إذا رأيتم شخصا‪ ,‬يطالب معسرا أن تبينوا له أنه آثم وأن‬
‫َ‬
‫َان‬ ‫ن ك‬‫ِّْ‬
‫َإ‬ ‫ذلك حرام عليه‪ ,‬وأنه واجب عليه إنظاره لقول هللا تعالى‪ :‬و‬
‫ٍ ‪( ...‬البقرة‪)280 :‬‬ ‫َة‬
‫ْسَر‬ ‫َِّلى َ‬
‫مي‬ ‫ٌ إ‬‫َة‬ ‫َظ‬
‫ِّر‬ ‫َن‬
‫ٍ ف‬ ‫َة‬ ‫ُو ع‬
‫ُسْر‬ ‫ذ‬
‫‪ -‬االتحاد‬

‫‪ 19‬انظر شرح رياض الصالحين‪ ,‬محمد صالح العثيمين‪ ,‬ج (‪ ,)1‬ص (‪)493‬‬
‫‪20‬انظر صحيح البخاري ص (‪ ,)2442‬وصحيح مسلم‪ ,‬ص (‪)2580‬‬
‫‪21‬انظر األخوة اإلسالمية وآثارها‪ ,‬عبد هللا بن جار هللا‪ ,‬ص (‪)20‬‬
‫‪22‬انظر شرح رياض الصالحين‪ ,‬محمد صالح العثيمين‪ ,‬ج (‪)1‬‬
‫‪23‬انظر صحيح مسلم‪ ,‬ص (‪)2699‬‬
‫‪24‬انظر شرح ريض الصالحين من كالم سيد المرسلين‪ ,‬محمد صالح العثيمين‪ ,‬ج (‪,)2‬‬
‫ص (‪)12‬‬
‫يدعو اإلسالم إلى االتحاد وعدم التفرقة والتمسك بتعاليم‬
‫الدين‪ ,‬لما في ذلك من القوة‪ ,‬ولما في االتحاد من العزة‪,‬‬
‫والشريعة اإلسالمية عانت بذلك عناية تامة لتجمع شمل األمة وتقوي‬
‫ربطها‪ ,‬وتوحد صفوفها‪ ,‬وتربط بين المسلمين برباط األلفة‪ .‬وبه‬
‫ُوا‬ ‫َر‬
‫َّق‬ ‫َال َ‬
‫تف‬ ‫ًا و‬ ‫َم‬
‫ِّيع‬ ‫َّ‬
‫اَّللِّ ج‬ ‫ْل‬
‫ِّ‬ ‫َب‬ ‫ُوا ب‬
‫ِّح‬ ‫َص‬
‫ِّم‬ ‫ْت‬‫َاع‬‫يقول هللا تبارك وتعالى‪ :‬و‬
‫ُم‬
‫ْ‬ ‫َح‬
‫ْت‬ ‫ْب‬ ‫َ‬
‫َأص‬‫ْ ف‬‫ُم‬‫ِّك‬
‫لوب‬ ‫ُُ‬
‫َ ق‬ ‫ْن‬ ‫َ َ‬
‫بي‬ ‫َ‬
‫َأَّلف‬‫ء ف‬‫داً‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ْ أع‬ ‫ُم‬‫ْت‬‫ُن‬‫ْ ك‬ ‫ْ إ‬
‫ِّذ‬ ‫ُم‬‫ْك‬ ‫ََ‬
‫لي‬ ‫ة َّ‬
‫اَّللِّ ع‬ ‫ََ‬
‫ْم‬ ‫ُوا ن‬
‫ِّع‬ ‫ُر‬ ‫ْك‬‫َاذ‬ ‫و‬
‫ِّكَ‬‫ََ‬
‫ذل‬ ‫ها ك‬ ‫َْ‬ ‫ْ م‬
‫ِّن‬ ‫ُم‬ ‫ََ‬
‫ذك‬ ‫نق‬‫َ‬
‫َأْ‬ ‫َّار‬
‫ِّ ف‬ ‫َ الن‬ ‫ِّن‬
‫ٍ م‬‫َة‬‫ْر‬ ‫َا ح‬
‫ُف‬ ‫َلى شَف‬‫َ‬‫ْ ع‬ ‫ْت‬
‫ُم‬ ‫ُن‬
‫َك‬ ‫انا و‬‫َ ً‬‫ْو‬
‫ِّخ‬‫ِّ إ‬ ‫َت‬
‫ِّه‬ ‫ْم‬‫ِّع‬
‫ِّن‬
‫ب‬
‫ن (آل عمران‪)103 :‬‬ ‫دوَ‬ ‫َُ‬
‫هت‬‫تْ‬ ‫ُم‬
‫ْ َ‬ ‫َّ‬
‫َلك‬‫ِّ َلع‬
‫ِّه‬‫يات‬ ‫ُم‬
‫ْ آَ‬ ‫اَّللُ َلك‬
‫ُ َّ‬ ‫ّ‬‫َي‬
‫ِّن‬ ‫يب‬‫ُ‬
‫باآلية الكريمة تدعو إلى التمسك بتعاليم اإلسالم وأن يتحدوا‬
‫وال تفرقهم العصبية وال تتنازعهم الشهوات‪ ,‬ثم أن هللا تعالى يأمرهم‬
‫أن يتذكروا نعمته عليهم إذ هداهم إلى اإليمان بهذا الدين القيم‪,‬‬
‫دين اإلسالم الذي أشرف على أمة متنافرة متطاحنة ياكل قويها‬
‫ضعيفها وغنيها فقيرها فجعل منها أمة متآخية يحب بعضها بعضا‬
‫وصارت أمة متآلفة تجتع قلوبهم على دين هللا وعلى حب هللا‪ ,‬وعلى مرضاة‬
‫عبادة‪ .‬وبهذا الحب والتآخى والتآلف أنقذ هللا هذه األمة من نار‬
‫الفرقة والتباغض‪ ,‬أنقذها من نار الفتن التي تأكل الشعوب واألمم‪,‬‬
‫وهداهم إلى الطريق الذي يحقق العزة والكرامة وهو االتحاد‬
‫والترابط‪ ,‬ويصور الرسول صلى هللا عليه وسلم ترابط اإلسالم واتحاده‬
‫أروع تصوير‪ ,‬وبأنهم جسد واحد حيث كان الجميع يشعر بما يشعر‬
‫الفرد‪ ,‬ويحسون بما يحس به‪ ,‬فيقول صلى هللا عليه وسلم‪ :‬مثل‬
‫المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه‬
‫عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى‪)25(.‬‬
‫وبهذا التصوير الرائع للترابط والتعاطف بين المسلمين تحس‬
‫بالدعوة القوية الموجهة من الشريعة اإلسالمية للمؤمنين بها أن‬
‫يكونوا على هذا المستوى من الشفافية واإلحساس المتبادل‪.‬‬
‫مل‪ ،‬وبعض الناس إذا كانت الحاجة‬ ‫تعاَ‬ ‫فعامل الناس كما تحب أن ُ‬
‫له ذم الناس ولربما شتمهم من أجل أنهم لم يحسنوا إليه هذا‬
‫اإلحسان الذي كان ينتظره منهم‪ ،‬أقول‪ :‬اإلحسان باب واسع في‬
‫السعادة‪ ،‬واالنشراح‪ ،‬وكثير من مفردات هذا الباب بالمجان ال تتطلب‬
‫ً‪ .‬فتعهد عامل النظافة الذي في حيكم‪ ،‬وأعطه ما تيسر لك‬ ‫منك ثمنا‬
‫من هدايا‪ ،‬وانظر أثر ذلك عليك حينما تدخل في بيتك‪ ،‬فاالنشراح لن‬
‫يفارق قلبك‪ ،‬والراحة تتنزل عليك‪ ،‬فينبغي أن نكون كما قال النبي‬
‫‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أهل تواد وتراحم وتعاطف‪)26(.‬‬
‫انظر كيف مثلهم النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بالجسد إذا اشتكى‬
‫منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر‪ ،‬أال تالحظ كيف التداعي؟ إذا‬
‫انجرح في الجسد عضو تبدأ الحرارة ترتفع‪ ،‬ويظهر آثار المرض في‬
‫الجسد كله‪ ،‬وتبدأ الغدد اللمفاوية تتضخم في بعض األجزاء من أجل‬
‫أن تحاصر هذه الجراثيم‪ ،‬كل هذا من أجل جسد واحد‪ .‬وجاء في رواية‬
‫في صحيح مسلم في هذا الحديث أن النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪:‬‬
‫كله‪ ،‬وإن اشتكى رأسُه‬ ‫ُه اشتكى ُّ‬ ‫المسلمون كرجل واحد‪ ،‬إن اشتكى عين‬
‫كله‪ )27( ,‬وهكذا ينبغي للمسلم لما يسمع عن جاره أو عن‬ ‫اشتكى ُّ‬
‫قريبه أو عن أحد من إخوانه المسلمين أنه في بلوى أن يذهب إليه‬
‫فيواسيه ويقدم له ما يحتاج إليه‪ ،‬ويخفف عليه مصيبته التي نزلت‬
‫عليه‪ ،‬وأما القسوة واإلعراض والتناسي والتجاهل لآلخرين فهذا ليس‬
‫من صفات المسلمين‪ ،‬وكلما خف اإليمان في قلوبنا وطغت المادية‬
‫كلما ضعفت هذه المشاعر في المجتمع‪ ،‬ولذلك انظر المجتمعات‬
‫ًّا ال‬
‫الغربية األب مع أبيه والبنت مع أمها‪ ،‬ولربما إن كان بار‬
‫يعرفه إال في األعياد والمناسبات فيرسل له بطاقة تهنئة‪ ،‬ال يعرفون‬
‫ً من طعام أو‬ ‫ً‪ ،‬فالجار عندهم لو أنه أعطى جاره طبقا‬ ‫بعضهم بعضا‬
‫هدية بدأ يفكر ويحلل ماذا يريد؟ وماذا يقصد بفعله هذا؟‪ ،‬وبعد‬
‫ً إال‬ ‫ذلك ينتظر ما هي الخطوة التالية‪ ،‬ألنهم ال يعطون شيئا‬
‫ً آخر‪ ،‬أما المواساة فهي غير موجودة‬ ‫وينتظرون من ورائه شيئا‬
‫ً‬
‫عندهم أصالً‪ ،‬بل يموت اإلنسان بجوارهم وال يعرفون عنه شيئا‪ ،‬فيبقى‬

‫‪25‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة واآلداب‪ ،‬باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم‬
‫وتعاضدهم‪ ،)1999 /4( ،‬برقم‪ ،)2586( :‬والبخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب رحمة الناس‬
‫والبهائم‪ )10 /8( ،‬برقم‪)6011( :‬‬
‫‪26‬انظر شرح رياض الصالحين‪ ,‬محمد صالح العثيمين ج (‪)2‬‬
‫‪27‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة واآلداب‪ ،‬باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم‬
‫وتعاضدهم‪ )2000 /4( ،‬برقم‪.)67( :‬‬
‫ً ولربما أسابيع‪ ،‬إلى أن يجدوا رائحته‪ ،‬فكلما قوي‬ ‫جيفة أياما‬
‫اإليمان قوي اإلحساس‪ ،‬وإذا ضعف اإليمان ضعف هذا الشعور واإلحساس‪.‬‬
‫وقد بنيت القاعدة ما نادى به اإلسالم من توحيد هللا جل شأنه في‬
‫العبادة ونبذ الشرك باهلل سبحانه وتعالى‪ ,‬ثم اتجاه المسلمين في‬
‫صالتهم إلى جهة واحدة وهي القبلة هلل ثم وقوفهم في صالتهم صفا‬
‫واحدا ال تمايز بينهم وال تمييز أمام هللا سبحانه وتعالى‪ ,‬ثم حج‬
‫البيت الحرام في وقت معين وبلباس معين‪ ,‬مناسك معين يتساوى في‬
‫ذلك جميع المسلمين‪ ,‬فالعبادات بجانب كونها صلة بين العبد وربه‬
‫فهي أيضا صلة بين العبد والعبد توصى باالتحاد والترابط والتواد‬
‫على أساس من المساواة‪.‬‬
‫‪ -‬في احترام نفس المسلم وعرضه وماله‬
‫إن الشريعة اإلسالمية حرمت على كل مسلم أن ينال من نفس أخيه‬
‫وعرضه وماله شيئا‪ ,‬فيقول عليه أفضل اللصالة والسالم‪ :‬كل المسلم‬
‫على المسلم حرام دمه وماله وعرضه‪)28(.‬‬
‫والجدير بالذكرأن الحقوق المسلم على غيره لن تنحصر إلى هذه‬
‫األربعة فحسب‪ ,‬وإنما تشمل كل جوانب من جوانب الحياة‪ .‬وقال اإلما‬
‫الغزالين‪ :‬من حق أخيك المسلم عليك ما يلي‪ :‬أن تحب له ما تحب‬
‫لنفسك من الخير وأن تكره له ما تكره لنفسك من الشر‪ .‬أن ال تؤذي‬
‫أحدا من المسلمين بقول وال فعل‪ :‬المسلم من سلم المسلمون من‬
‫لسانه ويده(‪ (29‬أالَّ تنقل الكالم بين الناس على جهة اإلفساد بينهم‬
‫دا بما يكره‪ .‬أالَّ تزيد في الهجر على ثالثة أيام‬ ‫وأن ال تذكر أحً‬
‫لغير سبب شرعي‪ .‬أن تحسن إلى كل أحد بحسب القدرة واالستطاعة بكل‬
‫أنواع اإلحسان القولي والفعلي‪ .‬أالَّ تدخل على أحد إال بإذنه‪ .‬أن‬
‫تخالق الناس بخلق حسن‪ .‬الوفاء بحق الصحبة واإلخالص في المودة‪ .‬أن‬
‫ًا‬
‫ترحم الصغير وتوقر الكبير‪ .‬أن تكون مع كافة المسلمين مستبشر‬
‫طلق الوجه لين الجانب‪ .‬أن تأمر أخاك المسلم بالمعروف وتنهاه عن‬
‫المنكر‪ .‬أن تنصف الناس من نفسك فتعاملهم بما تحب أن يعاملوك‬
‫به‪ .‬أن تصلح بين الناس إذا تخاصموا وتقرب بينهم إذا تباعدوا‪.‬‬
‫أن تستر عورات المسلمين‪ .‬أن تشيع جنائزهم وتزور قبورهم‪ .‬أن‬
‫تشفع لكل من له حاجة من المسلمين إلى من لك عنده منزلة وتسعى‬
‫في قضاء حاجته‪ .‬أن تبدأ من تلقى بالسالم والمصافحة قبل الكالم‪.‬‬
‫أن تصوم عرض أخيك المسلم ونفسه وماله عن الظلم والعدوان مهما‬
‫قدرت وترد عنه وتناضل دونه وتنصره فإن ذلك يجب عليك بمقتضى‬
‫ًا بوعد إال وتفي به‪ .‬أن تتواضع لكل مسلم‬ ‫أخوة اإلسالم‪ .‬أالَّ تعد مسلم‬
‫وال تستكبر عليه‪ .‬الدعاء ألخيك المسلم في حياته وبعد موته‪ .‬أن‬
‫تتقي مواضع التهم صيانة لقلوب الناس عن سوء الظن بك وألسنتهم‬
‫عن غيبتك‪ .‬أن تصل من قطعك‪ ،‬وتعطي من حرمك‪ ،‬وتعفو عمن ظلمك‪،‬‬
‫وتحسن إلى من أساء إليك‪ .‬أن تشكر من أحسن إليك وتكافئه على‬
‫إحسانه وتدعو له‪ .‬إذا ابتليت بذي شر فينبغي أن تجامله وتتقيه‬
‫وتداريه وتقابل إساءته باإلحسان إليه‪ .‬أن تسلم على أخيك المسلم‬
‫إذا لقيته‪ ،‬وتجيبه إذا دعاك‪ ،‬وتشمته إذا عطس‪ ،‬وتعوده إذا مرض‪،‬‬
‫وتشهد جنازته إذا مات‪ ،‬وتبر قسمة إذا أقسم عليك‪ ،‬وتنصحه إذا‬
‫استنصحك‪ ،‬وتحفظه بظهر الغيب إذا غاب عنك‪)30(.‬‬

‫‪ .2‬عالقات المسلمين مع أهل الذمة وأسس التعامل معهم‬


‫‪ .1‬تعريف أهل الذمة‬
‫كلمة الذمي هي كلمة مشهورة لدى الناس إال أنهم ال يعرفون‬
‫بحقائقهم ومكانتهم في اإلسالم‪ .‬وقد يظن بعض بأنهم المشركون واجبة‬
‫محاربتهم‪ ,‬وكان بعض اآلخر يعاملونهم مثل معاملة السملم مع‬
‫المسلم بدون حد والستر‪ .‬فرأى الباحث تقديم تعاريف العلماء‬
‫ومصطلحاتهم طالبا لفهم صحيح‪.‬‬
‫الذمي هو غير المسلم الذي قبل الرعوية اإلسالمية و التبعية‬
‫لدار اإلسالم بموجب عقد معها يسمى عقد الذمة ‪.‬و يشترط لهذا العقد‬
‫اإليجاب و القبول كما هو الشأن في إبرام العقود و يجوز إبرام‬

‫‪28‬رواه الترمذي رقم‪380 :‬‬


‫‪29‬رواه اإلمام أحمد في المسند‪ ,‬ج‪ 2:‬ص‪224 :‬‬
‫‪30‬انظر موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين (‪ )154-148 /1‬ومختصر منهاج‬
‫القاصدين (‪.)95-106‬‬
‫عقد الذمة لجميع أصناف غير المسلمين ‪ .‬وهذا هو مذهب األوزاعي و‬
‫مالك و ظاهر مذهب الزيدية و هو الراجح في النظر و األثر‪)31(.‬‬
‫قال القونوي‪ :‬الذمة‪ :‬العهد؛ ألن نقضه يوجب الذم‪ ،‬وتفسر‬
‫باألمان والضمان‪ ،‬وكل ذلك متقارب‪ ،‬ومنها قيل للمعاهدين من‬
‫الكفار ذمي؛ ألنه أومن على ماله ودمه بالجزية‪ ،‬ويسمى محل التزام‬
‫الذمة بها في قولهم ثبت في ذمته كذا‪ ،‬وفي الصحاح الذمة‪ :‬أهل‬
‫العقد‪)32(.‬‬
‫ً يأمن به على ماله‬ ‫أن الذمي هو المعاهد الذي أعطى عهدا‬
‫ٍ‬
‫وعرضه ودينه‪ ،‬فهو من أمن على شروط استوثق منه بها وعلى جزية‬
‫يؤديها‪)33(.‬‬
‫أما المعاهد بفتح الهاء الذي عاهده المسلمون أي‪ :‬أعطوه‬
‫ً أن ال يتعرضوا له‪ ،‬وبكسرها الذي عاهد المسلمين أي‪:‬‬ ‫ً وموثقا‬ ‫عهدا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أخذ منهم عهدا وموثقا باألمان‪ ) (،‬قال ابن منظور‪" :‬المعاهد من‬
‫‪34‬‬

‫كان بينك وبينه عهد وأكثر ما يطلق في الحديث على أهل الذمة وقد‬
‫يطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب مدة ما‬
‫ً معصوم الدم والمال ال يجوز االعتداء عليه في نفسه‬ ‫(‪ ،)35‬وهو أيضا‬
‫وال ماله‪ ،‬وال بغش وال سرقة‪ ،‬وال أي لون من ألوان العدوان؛ لحديث‬
‫ً في‬ ‫أبي بكرة قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪« :‬من قتل معاهدا‬
‫غير كنهه حرم هللا عليه الجنة‪)36(.‬‬
‫ً على المستأمن‪ ،‬قال الشوكاني‪" :‬المعاهد هو‬ ‫وقد يطلق أيضا‬
‫الرجل من أهل دار الحرب يدخل إلى دار اإلسالم بأمان فيحرم على‬
‫المسلمين قتله بال خالف بين أهل اإلسالم حتى يرجع إلى مأمنه‪)37(.‬‬
‫وأما المستأمن بكسر الميم هو الطالب لألمان‪ ،‬وبالفتح هو من‬
‫ً كان أو حربيا‪ )38(،‬والمقصود به هنا‬ ‫يدخل دار غيره بأمان مسلما‬
‫هو الحربي الذي دخل دار اإلسالم بأمان دون نية االستيطان بها‬
‫واإلقامة فيها بصفة مستمرة‪ ،‬بل يكون قصده إقامة مدة معلومة ال‬
‫تزيد على سنة‪ ،‬فإن تجاوزها وقصد اإلقامة بصفة دائمة فإنه يتحول‬
‫إلى ذمي ويكون له حكم الذمي في تبعيته للدولة اإلسالمية‪)39(.‬‬
‫الكافر الحربي‪ :‬هو غير الذمي والمعاهد والمؤمن‪ ،‬وهو األصل في‬
‫الكفار‪40.‬‬

‫من هذه التعاريف الموجز نقول بأن الكفار لهم مراتب مختلفة‬
‫مع المسلمين خاصة ما تتعلق بالمعالمة والمعايشة‪ .‬فأهل الذمة‬
‫والمعاهد يختلفان بأهل الحربي‪ ,‬وكل منها تبحث عنه كتب الفقه‬
‫والشريعة‪.‬‬
‫‪ .2‬بعض مواضع التعامل بين المسلمين وأهل الذمة‬
‫‪ -‬في احترام ديانتهم وأنفسهم وأعمالهم وأعراضهم‬
‫ال يقتصر المسلم الواعي في إحسانه لجيرانه على األقربين منهم‬
‫أو المسلمين‪ ,‬بل يتعداهم إلى جيرانه من غير المسملمين‪ ,‬وهذا‬
‫يناسب بسماحة اإلسالم وسعة شريعته تمتد وتتسع‪ .‬حتى هذا الدين‬
‫تشتمل الناس جميعا على اختالف دينهم ونحلهم‪ .‬فقد روي أن عبد هللا‬
‫بن عمرو تذبح له شاة‪ ,‬فيسأل غالمه‪ :‬أهديت لجارنا اليهودي؟ فإني‬

‫‪31‬انظر شرح الموطأ للزرقاني‪ ,‬ج‪ 2 :‬ص‪ ,139 :‬مواهب الجليل للخطاب‪ ,‬ج‪ 3 :‬ص‪:‬‬
‫‪ ,381‬الروض النضير‪ ,‬ج‪ 4 :‬ص‪ ,317 :‬زاد المعاد البن القيم‪ ,‬ج‪ 2 :‬ص‪80 :‬‬
‫‪32‬انظر أنيس الفقهاء‪ ,‬ج‪ 1 :‬ص‪ 183-182 :‬وقال ابن منظور‪" :‬وعاهد الذمي أعطاه‬
‫عهدا‪ ،‬وقيل معاهدته مبايعته لك على إعطائه الجزية والكف عنه‪ ،‬والمعاهد الذمي‪،‬‬
‫وأهل العهد أهل الذمة فإذا أسلموا سقط عنهم اسم العهد‪ ،‬وتقول عاهدت هللا أن ال أفعل‬
‫كذا وكذا‪ ،‬ومنه الذمي المعاهد الذي فورق فأومر على شروط استوثق منه بها وأومن‬
‫عليها فإن لم يف بها حل سفك دمه"‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ 3 :‬ص‪3012 :‬‬
‫‪33‬انظر‪ :‬تهذيب اللغة‪ ،‬ج‪ 1 :‬ص‪ ،99 :‬والمعجم الوسيط‪ ،‬ج‪ 1 :‬ص‪315 :‬‬
‫‪34‬انظر شرح مختصر خليل للخرشي‪ ,‬ج‪ 15 :‬ص‪62 :‬‬
‫‪35‬انظر لسان العرب البن منظور‪ ,‬ج‪ 3 :‬ص‪13 :‬‬
‫‪36‬أخرجه أبو داود‪ ,‬ج‪ 2 :‬ص‪ 92 :‬و صححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب‪ ،‬ج‪:‬‬
‫‪ 2‬ص‪ 318 :‬رقم‪2453 :‬‬
‫‪37‬انظر نيل األوطار‪ ،155 /7 ،‬والمعاهدة ميثاق يكون بين اثنين أو جماعتين‪،‬‬
‫وفي القانون الدولي‪ :‬اتفاق بين دولتين أو أكثر لتنظيم عالقات بينهما‪ ،‬و العهد‬
‫األمان واليمين والموثق والذمة والحفاظ والوصية‪ ،‬انظر‪ :‬مختار الصحاح‪،192 /1 ،‬‬
‫والمعجم الوسيط‪.634 /2 ،‬‬
‫‪38‬انظر الدر المختار‪ ،‬ج‪ ٤‬ص‪166 :‬‬
‫‪39‬انظر فقه السنه‪ ,‬سيد سابق‪ ,‬ج‪ 2 :‬ص‪697 :‬‬
‫‪40‬انظر موسوعة الفقه الكويتية‪ ،‬ج‪ 42 :‬ص‪198 :‬‬
‫سمعت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول‪ :‬مازال جيريل يوصيني بالجار‬
‫حتى ظننت أنه سيورثه‪)41(.‬‬
‫قال محمد علي الهاشمي‪ 42:‬أن أهل الكتاب يعيشون في جوار‬
‫المسلمين‪ ,‬آمينين مطمئنين على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم‬
‫ومعتقداتهم‪ ,‬ينعموم بحسن الجوار‪ ,‬وكرم المعاملة‪ ,‬وحرية‬
‫العقيدة‪ ,‬يشهد لذلك قيام كنائسهم منذ أقدم العصور قرى مسلمة‬
‫معلقة فوق رؤوس الجبال‪ ,‬وحلولها آالف المسلمين يحيطون جيرانهم‬
‫من أهل الكتاب بالرعاية والحماية والبر والعدل جريا على أدب‬
‫ِّي‬ ‫ْ ف‬‫ُم‬ ‫َاتُ‬
‫ِّلوك‬ ‫يق‬‫ْ ُ‬ ‫َ َلم‬ ‫ِّين‬ ‫َنِّ َّ‬
‫الذ‬ ‫ُ َّ‬
‫اَّللُ ع‬ ‫ُم‬‫هاك‬ ‫َْ‬
‫ين‬‫القرآن الكريم القائل‪ :‬ال َ‬
‫اَّللَ‬
‫ن َّ‬ ‫َِّّ‬
‫ْ إ‬ ‫ْه‬
‫ِّم‬ ‫َ‬
‫ِّلي‬‫ُوا إ‬ ‫ِّط‬ ‫ْ‬
‫تقس‬ ‫َُ‬
‫ْ و‬ ‫هم‬ ‫َر‬
‫ُّوُ‬ ‫تب‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ْ أْ‬ ‫ُم‬
‫ِّك‬
‫يار‬ ‫ْ د‬
‫َِّ‬ ‫ْ م‬
‫ِّن‬ ‫ُم‬‫ُوك‬ ‫يخْر‬
‫ِّج‬ ‫ْ ُ‬‫ََلم‬ ‫ِّينِّ و‬‫ّ‬
‫الد‬
‫َ (الممتحنة‪)8 :‬‬ ‫ِّين‬ ‫ْ‬
‫ُقس‬
‫ِّط‬ ‫ْ‬
‫ُّ الم‬ ‫يحِّب‬‫ُ‬
‫إن المسلمين ملزومون باحترام كل ما عند أهل الذمة مادام لم‬
‫يجاوز عن العادة‪ ,‬حتى دم الذمي محقون‪ .‬فلذلك أن الفقهاء يقولون‬
‫بأن لو كان المسلم قتل ذميا قتل به قصاصا بما فعل‪ .‬فقد روي أن‬
‫النبي قتل مسلما بذمي‪ 43‬فقال‪ :‬أنا أكرم من وفى بذمته‪ )44(.‬وعن‬
‫عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪ :‬من‬
‫قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة‪ ,‬وإن ريحها يوجد من ميسرة‬
‫أربيعن عاما‪)45(.‬‬
‫إذن أن إهل الذمة فهم يمتنعون في دار اإلسالم بما يمتنع به‬
‫المسلمون من حقوق كما أن عليهم من الواجبات على المسلمين‪,‬‬
‫فاإلسالم يقدر اإلنسان ويقدر العهد وينبذ التعصب‪ ,‬وهو بذكل يرسى‬
‫قواعده لتكوين الدولة المتماسكة التي تظللها المودة والتعاطف‬
‫وإن كان فيها أكثر من دين‪)46(.‬‬
‫‪ -‬في البر ألهل الذمة مصاحبتهم بالمعروف‬
‫ويسمو اإلسالم في سماحته وإنسانيته إذ يوصي بصلة الرحم ولو‬
‫كان األرحام من غير المسلمين‪ ,‬ففي الحديث الذي وراه عبد هللا بن‬
‫عمرو بن العاص رضي هللا عنه قال‪ :‬سمعت النبي صلى هلل عليه وسلم جهار‬
‫غير سر يقول‪ :‬إن أبي فالن ليسوا بأوليائي ‪ ,‬إنما وليي هللا وصالح‬
‫المؤمنين‪ ,‬ولكن لهم رحم أبلها بباللها‪)47(.‬‬
‫ولهذا لم يجد عمر رضي هللا عنه حرجا من أن يهدي حلة بعث بها‬
‫إليه الرسول صلى هللا عليه وسلم إلى أخ له من أمه مشرك‪ .‬وهذا أيضا‬
‫يناسب ما حث اإلسالم به عن طريق القرآن الكريم بوجوب احترام‬
‫الوالدين مادام لم يتصادم بالشريعة ولوكانا مشركين‪.‬‬
‫وهذه السماحة لم تقف على حد مخصوص‪ ,‬وإنما تشمل عن كل جوانب‬
‫الحياة واالجتماعية‪ .‬فقد أباح اإلسالم للمسلم أن يتزوج على‬
‫غيرالسملة الكتابية مع بقائها على دينها وجعل لها كل الحقوق ما‬
‫للزوجة إال الميراث‪ 48,‬وهو مناسب بظاهراآلية التي تسمح الزواج مع‬
‫توا‬ ‫ُوُ‬‫َ أ‬‫ِّين‬
‫الذ‬‫ُ َّ‬ ‫َام‬ ‫َع‬ ‫ُ و‬
‫َط‬ ‫َات‬ ‫ّ‬‫َّي‬
‫ِّب‬ ‫ُ الط‬ ‫ُم‬ ‫ُحِّل‬
‫َّ َلك‬ ‫َ أ‬‫ْم‬‫َو‬ ‫الكتابية فقال تعالى‪ْ :‬‬
‫الي‬
‫َات‬
‫ُ‬ ‫َن‬‫ْص‬ ‫ْ‬
‫َالم‬
‫ُح‬ ‫َاتِّ و‬ ‫ْم‬
‫ِّن‬ ‫ُؤ‬ ‫ْ‬
‫َ الم‬ ‫ِّن‬‫ُ م‬ ‫َات‬‫َن‬
‫ْص‬‫ُح‬ ‫ْ‬
‫َالم‬ ‫ْ و‬ ‫هم‬ ‫َ‬
‫ٌّ لُ‬‫ْ حِّل‬‫ُم‬
‫مك‬ ‫َاُ‬ ‫َع‬‫َط‬
‫ْ و‬‫ُم‬ ‫ٌّ َلك‬
‫َ حِّل‬ ‫َاب‬ ‫ِّت‬
‫الك‬‫ْ‬
‫َ‬
‫ِّين‬ ‫ْص‬
‫ِّن‬ ‫َّ ُ‬
‫مح‬ ‫َُ‬
‫هن‬ ‫ُور‬ ‫ُج‬
‫َّ أ‬ ‫هن‬‫ُوُ‬ ‫ُم‬
‫ْت‬‫تي‬‫َا آَ‬ ‫ْ إ‬
‫ِّذ‬ ‫ُم‬ ‫ْل‬
‫ِّك‬ ‫َب‬
‫ْ ق‬ ‫َ م‬
‫ِّن‬ ‫َاب‬‫ِّت‬
‫الك‬ ‫توا ْ‬ ‫ُوُ‬‫َ أ‬ ‫ِّين‬‫الذ‬‫َ َّ‬ ‫ِّن‬
‫م‬
‫َ‬
‫ُو‬ ‫َه‬
‫ه و‬ ‫ُ‬
‫َلُ‬‫َم‬ ‫َ‬
‫ِّط ع‬ ‫َب‬
‫د ح‬ ‫َ‬
‫َقْ‬ ‫َانِّ ف‬‫ِّاإليم‬ ‫ُر‬
‫ْ ب‬ ‫ْف‬‫يك‬‫ْ َ‬‫من‬‫ََ‬‫دانٍ و‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ِّي أخ‬ ‫َّخِّذ‬
‫مت‬ ‫َ و‬
‫َال ُ‬ ‫مسَاف‬
‫ِّحِّين‬ ‫َ ُ‬‫ْر‬ ‫َ‬
‫غي‬
‫ِّين (المائدة‪ )5 :‬وهذه اآلية تدل على قاطعة‬ ‫َ‬ ‫ِّر‬ ‫ْ‬
‫ِّن الخَاس‬ ‫َ‬ ‫ِّ م‬ ‫َة‬‫ِّي اآلخِّر‬ ‫ف‬
‫وجوب احترام المسلم ألهل الذمة وعدم اعتداء ألنفسهم وألموالهم‬
‫وألعراضهم‪ .‬فهؤالء مستحقون باحترام من المؤمنين‪.‬‬
‫‪ -‬في الوفاء بالعهد ألهل الذمة‬
‫ومن أروع صورة المعايشة بين المسلمين وأهل الذمة الوفاء‬
‫بالعهد‪ ,‬ومن الضروري أن الوفاء بالعهد من أخالق المسلمين حيث‬
‫يلزم أن تتزين به المسلمين‪ .‬فقد أمر اإلسالم أتباعه بالوفاء‬
‫بالعهد ولعموم اآلية التي تقول بأن العهد كان مسؤوال‪ .‬وكان النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم يحذر عن مخالفة العهد القائل‪ :‬عالمة المناقفين‬
‫لثالث‪ ,‬منها إذا وعد خان أي ترك ولم يؤد‪.‬‬

‫‪41‬رواه البخاري ومسلم‬


‫‪42‬انظر شخصية المسلم كما يصوغها اإلسالم في الكتاب والسنة‪ ,‬محمد علي الهاشمي‪,‬‬
‫ص (‪123-124‬س)‬
‫‪43‬انظر آداب العالقات اإلنسانية في اإلسالم‪ ,‬نصر فريد محمد واصل‪ ,‬ص (‪)117‬‬
‫‪44‬رواه عبد هللا بن عمر‪ ,‬سنن دار الكبرى للبيهقي‪ ,‬رقم‪14634 :‬‬
‫‪45‬رواه اإلمام أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه‬
‫‪46‬انظر آداب العالقات اإلنسانية في اإلسالم‪ ,‬نصر فريد محمد واصل‪ ,‬ص (‪)117‬‬
‫‪47‬رواه البخاري ومسلم‬
‫‪48‬انظرآداب العالقات اإلنسانية في اإلسالم‪ ,‬نصر فريد محمد واصل‪ ,‬ص (‪)118‬‬
‫والعهد مع أهل الذمة يقضي منحهم الحرية الدينية واحترام‬
‫أنفسهم وأموالهم وأعراضهم‪ ,‬وكان الرسول صلى هللا عليه وسلم يحذر‬
‫عن إذائهم وظلمهم وتكليفهم فوق طاقتهم فيقول صلى هلل عليه وسلم‪:‬‬
‫من قتل رجالً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من‬
‫مسيرة سبعين عاما‪ )49(.‬ويقول أيضا‪ :‬من ظلم معاهدا أو كلفه فوق‬
‫طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا خصيمه يوم‬
‫القيامة‪)50(.‬‬
‫وكان عمر بن الخطاب رضي هللا عنه يحذر عمرو بن العاص من أن‬
‫يظلم أهل الذمة فيقول في رسالته إلى عمرو‪ :‬إن معك أهل الذمة‬
‫مالعهد فاحذر يا عمرو أن يكون رسول هللا خصمك‪.‬‬
‫بعض مواضع التعامل بين المسلمين وغيرهم من أجناس أخرى‬ ‫‪.3‬‬
‫وقد ارشدنا النبي صلوات هللا وسالمه عليه وعلى آله في مواضع‬
‫كثيرة إلى حسن معاملة الحيوانات‪ ،‬فذكر لنا قصة المرأة التي دخلت‬
‫النار في "قطة" حبستها‪ ،‬فال هي أطعمتها‪ ،‬وال هي تركتها تأكل من‬
‫خشاش األرض‪ .‬وفي المقابل ذكر لنا قصة امرأة بغي كانت في بني‬
‫ًا يموت عطشًا فسقته فدخلت بذلك الجنة‪ ،‬وكذلك فعل‬ ‫إسرائيل رأت كلب‬
‫ًا عطشانا الماء في نعله فدخل الجنة‪ .‬ونهى النبي‬ ‫ً‬ ‫رجل أن سقى كلب‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم أن يقص المرء اجزاء من الحيوان قد تضايقه‬
‫أو تضره‪ ،‬فقال‪" :‬ال تقصوا نواصىَ الخيل وال معارفها‪ ،‬وال أذنابها‪،‬‬
‫فإن أذنابها مذابها ومعارفها دفاؤها‪ ،‬ونواصيها معقود فيها‬
‫الخير"‪.‬‬
‫ومن صور رحمة الحبيب صلى هللا عليه وآله وسلم أنه أمر باإلحسان‬
‫إلى البهيمة حتى في حال ذبحها كاألضحية وغيرها‪ ،‬وأثنى على من فعل‬
‫ذلك‪ ،‬بل ونهى أن تحد آلة الذبح أمامها‪ ،‬فقال صلوات هللا وسالمه عليه‬
‫وعلى آله‪" :‬إن هللا كتب اإلحسان على كل شيء‪ ،‬فإذا قتلتم فأحسنوا‬
‫القتلة‪ ،‬وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح‪ ،‬وليحد أحدكم شفرته‪ ،‬فليرح‬
‫ذبيحته"‪.‬‬
‫بل أخبرنا أن الرحمة بالذبيحة سبيل إلى رحمة هللا لنا‪ ،‬فعن‬
‫معاوية بن قرة عن أبيه ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أن رجال قال‪" :‬يا رسول هللا‬
‫إني ألذبح الشاة وأنا أرحمها‪ ،‬فقال ‪ :‬والشاة إن رحمتها رحمك هللا"‬

‫أمره باإلحسان إليه والرفق به‪:‬‬


‫أمر محمد (صلى هللا عليه وسلم) أمته باإلحسان إلى الحيوان والرفق‬
‫ًا فقست عليه‪،‬‬‫به‪ ،‬فقد ركبت زوجه عائشة ‪ -‬رضي هللا عنها ‪ -‬بعير‬
‫فوجهها محمد (صلى هللا عليه وسلم) إلى الرفق بقوله‪« :‬إن الرفق ال‬
‫َع من شيء إال شانه»(‪.)1‬‬
‫ْز‬ ‫يكون في شيء إال زانه‪ ،‬وال ُ‬
‫ين‬

‫وقصَّ محمد (صلى هللا عليه وسلم) على أمته قصة رجل أحسن إلى‬
‫حيوان‪ ،‬فغفر هللا له ذنبه‪ ،‬عن أبي هريرة أن رسول هللا (صلى هللا عليه‬
‫ًا‬
‫وسلم) قال‪« :‬بينما رجل يمشي بطريق فاشتد عليه العطش‪ ،‬فوجد بئر‬
‫فنزل فيها فشرب‪ ،‬ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش‪.‬‬
‫فقال الرجل‪ :‬لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغني‪،‬‬
‫فنزل البئر فمأل خفه فأمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب‪ ،‬فشكر هللا له‬
‫فغفر له»‪.‬‬
‫ّ‬
‫حينها سأله أصحابه ‪ -‬رضوان هللا عليهم ‪ -‬هذا السؤال‪ :‬وإن لنا في‬
‫َر اإلنسان على مجرد اإلحسان إلى‬ ‫ْج‬
‫يؤ‬‫ًا؟ أي هل يمكن أن ُ‬‫البهائم ألجر‬
‫البهيمة فقال (صلى هللا عليه وسلم)‪« :‬في كل ذات كبد رطبة أجر»(‪.)2‬‬

‫‪49‬أخرجه النسائي‪ ,‬ج‪ 8 :‬ص‪ 25 :‬برقم‪ ،4749 :‬وأحمد‪ ,‬ج‪ 4:‬ص‪ 237 :‬برقم‪،18097 :‬‬
‫صححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب‪ ،‬ج‪ 2:‬ص‪319 :‬‬
‫‪50‬رواه اإلمام أبو داود‪ :‬في كتاب الخراج واإلمارة والفيء‪ ،‬باب في تعشير أهل‬
‫الذمة إذا اختلفوا بالتجارات‪ ,‬رقم‪ 3054 :‬وقال البيهقي في كتاب الجزية من السنن‬
‫ِّى‬‫َب‬‫ُ أ‬ ‫بن‬‫يا ْ‬ ‫َر‬
‫َِّّ‬ ‫َك‬
‫بو ز‬ ‫َُ‬ ‫َأ‬ ‫ِّى و‬ ‫َاض‬‫الق‬‫َسَنِّ ْ‬ ‫الح‬‫ُ ْ‬ ‫بن‬ ‫د ْ‬ ‫َُ‬
‫ْم‬ ‫َح‬‫ٍ ‪ :‬أ‬ ‫ْر‬ ‫بك‬‫بو َ‬ ‫َُ‬‫نا أ‬ ‫ََ‬
‫َر‬ ‫َخ‬
‫ْب‬ ‫الكبرى‪ ,‬رقم‪ 19201 :‬أ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬
‫اَّلل‬ ‫ِّ‬
‫د‬ ‫ْ‬‫ب‬‫َ‬
‫ع‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫ُ‬
‫د‬‫َّ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ح‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ن‬‫َ‬‫ر‬‫َ‬‫ب‬‫ْ‬‫خ‬‫َ‬‫أ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫و‬‫ُ‬
‫ق‬ ‫ْ‬
‫ع‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫ُ‬
‫د‬ ‫َّ‬
‫م‬ ‫َ‬‫ح‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫‪:‬‬ ‫اس‬ ‫َّ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫ع‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫ا‬‫َ‬‫ن‬‫ث‬‫دَ‬ ‫َاالَ ح‬
‫ََّ‬ ‫ِّى ق‬ ‫َك‬
‫ّ‬ ‫ُز‬ ‫َ ْ‬
‫الم‬ ‫َاق‬ ‫ِّسْح‬
‫إ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ أخبره عن‬ ‫َ‬ ‫َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِّىُّ أن صفوان بن سليم‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬‫َ‬ ‫َ‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ٍ المدن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِّى أبو صخر‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ِّ أخبرنا ابن وهبٍ أخبرن‬ ‫َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َكم‬ ‫ْ‬
‫ِّ الح‬ ‫ْ‬
‫عبد‬ ‫َ‬
‫اَّللِّ ‪-‬صلى‬ ‫ِّ َّ‬ ‫َسُول‬ ‫ْ ر‬‫َن‬
‫ة ع‬ ‫ًَ‬ ‫ْ دْ‬
‫ِّني‬ ‫ِّم‬
‫ِّه‬‫بائ‬ ‫ْ آَ‬ ‫َن‬‫اَّللِّ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ع‬ ‫ِّ َّ‬‫َسُول‬ ‫َابِّ ر‬‫ْح‬‫َص‬ ‫َ ِّ‬
‫اء أ‬ ‫بن‬‫َْ‬‫ْ أ‬ ‫َ م‬
‫ِّن‬ ‫ِّين‬‫ثالَث‬‫َ‬
‫ًا‬ ‫ْئ‬‫ه شَي‬ ‫ُْ‬‫ِّن‬
‫ذ م‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ْ أخ‬ ‫َ‬
‫ِّ أو‬ ‫َت‬
‫ِّه‬ ‫َاق‬‫َ ط‬ ‫ْق‬‫َو‬‫ه ف‬ ‫َُ‬‫لف‬‫ََّ‬
‫َك‬‫ه و‬‫َُ‬ ‫َص‬‫َق‬ ‫َ ْ‬
‫انت‬ ‫دا و‬ ‫هً‬
‫َاَ‬ ‫مع‬‫َ ُ‬ ‫لم‬‫ََ‬‫ْ ظ‬ ‫من‬ ‫َ‬
‫ل ‪ «:‬أالَ َ‬ ‫َاَ‬‫هللا عليه وسلم‪ -‬ق‬
‫اَّللِّ ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬ ‫ُ‬
‫َسُول َّ‬ ‫َ ر‬ ‫َ‬
‫َأشار‬‫َ‬ ‫ِّ »‪ .‬و‬ ‫مة‬ ‫َاَ‬ ‫ِّي‬ ‫ْ‬
‫َ الق‬ ‫ْم‬‫يو‬‫ه َ‬ ‫ُُ‬‫َجِّيج‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ فأنا ح‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِّنه‬‫ْسٍ م‬‫نف‬‫ِّيبِّ َ‬
‫ِّ ط‬ ‫َي‬
‫ْر‬ ‫ِّغ‬
‫ب‬
‫َّة‬
‫ِّ‬ ‫َن‬‫الج‬‫َ ْ‬ ‫ِّيح‬ ‫ِّ ر‬‫ْه‬ ‫َ‬
‫َلي‬ ‫َ اَّ‬
‫َّللُ ع‬ ‫َّم‬
‫َر‬‫ِّ ح‬
‫ِّه‬‫َسُول‬ ‫ُ‬ ‫َذَّ‬
‫ِّمة ر‬ ‫ِّمة َّ‬
‫اَّللِّ و‬ ‫ُ‬ ‫ه ذَّ‬ ‫دا َلُ‬ ‫هً‬‫َاَ‬ ‫َ ُ‬
‫مع‬ ‫َل‬‫َت‬
‫ْ ق‬ ‫ََ‬
‫من‬ ‫َ‬
‫ِّ‪ :‬أالَ و‬‫ِّه‬
‫در‬ ‫َِّلى ص‬
‫َْ‬ ‫ِّ إ‬ ‫َع‬
‫ِّه‬ ‫ْب‬
‫ِّإص‬‫ب‬
‫ِّ‬
‫ًا‪.‬‬ ‫ِّيف‬‫َر‬‫َ خ‬ ‫ِّين‬‫ْع‬‫ِّ سَب‬‫َة‬‫ِّير‬
‫مس‬‫ْ َ‬‫ِّن‬
‫د م‬‫َُ‬‫ُوج‬‫ها َلت‬ ‫ََ‬
‫ِّيح‬‫ن ر‬ ‫ِّْ‬
‫َإ‬‫و‬
‫اإلحسان إلى الحيوان في السفر‪:‬‬
‫َّد محمد‬
‫كان الحيوان يمثل وسيلة السفر لدى العرب آنذاك‪ ،‬لذا أك‬
‫ًا في إرهاقه واإلساءة إليه‪،‬‬
‫(صلى هللا عليه وسلم) أال يكون ذلك سبب‬
‫َّد على من يركب الدابة في السفر أن يحسن إليها‪ ،‬ومن مظاهر ذلك‬‫وأك‬
‫اإلحسان‪:‬‬

‫علم أصحابه ‪ -‬رضوان هللا عليهم ‪ -‬إذا نزلوا في السفر أال‬ ‫أنه َّ‬
‫ّ‪ ،‬فعن أنس بن مالك‬ ‫ل عن الدواب‬‫ُِّلوا الرحاَ‬‫ْز‬
‫ين‬‫ينشغلوا بالصالة‪ ،‬حتى ُ‬
‫ّ الرحال»([‪ .)]3‬وألن‬ ‫َل‬
‫تح‬‫‪ t‬قال‪« :‬كنا إذا نزلنا منزالً ال نسبح حتى ُ‬
‫الدابة كانت تتغذى من الطريق‪ ،‬فقد أمر محمد (صلى هللا عليه وسلم)‬
‫يسرعوا‬‫من يركبونها بأن يراعوا ذلك‪ ،‬فحين يسيرون في طريق خصب فال ُ‬
‫حتى تأخذ الدابة حقها من األكل‪ ،‬وحين يسيرون في طريق مجدبة ال تجد‬
‫أبي‬ ‫فيها الدابة ما تأكله‪ ،‬فعليهم أن يسرعوا في المسير‪ .‬فعن‬
‫هريرة أن رسول هللا (صلى هللا عليه وسلم) قال‪« :‬إذا سافرتم في الخصب‬
‫فأعطوا اإلبل حقها‪ ،‬وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا السير» ([‪.)]4‬‬

‫النهي عن إيذائه‪:‬‬
‫تنوعت صور اإليذاء واإلساءة للحيوان لدى العرب‪ ،‬فنهى محمد (صلى‬
‫هللا عليه وسلم) عن تلك الصور والممارسات السيئة‪ .‬ونجد في سيرته‬
‫(صلى هللا عليه وسلم) النهي العام عن اإلساءة للحيوان؛ ليشمل ذلك كل‬
‫ما يستجد من صور اإلساءة‪ ،‬كما نجد في سيرته النهي عن صور محددة‬
‫كانت منتشرة لدى العرب آنذاك‪.‬‬
‫ومن النهي العام عن إيذاء الحيوان نهيه (صلى هللا عليه وسلم) عن‬
‫التمثيل به؛ فعن ابن عمر‪ -‬رضي هللا عنهما ‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول هللا (صلى‬
‫َّل‬
‫َ بالحيوان»([‪.)]5‬‬ ‫مث‬ ‫هللا عليه وسلم) يقول‪« :‬لعن هللا من َ‬

‫خاتمة‬
‫من خالل هذه الشروح تبين لنا بأن المسلم الواعي بدينه وأحكام‬
‫الشريعة يراعي عالقاته باآلخر‪ ,‬ويحافظ حقوق اآلخر حتى اإلسالم أمر‬
‫المؤمن بتقديم غيره في المصالح مهما رغب فيه وأراد التملك‪.‬‬
‫واإليثار صفة من مواصفات المسلم األساسي والزم على المسلم أن يتحلى‬
‫باألخالق الكريمة والطيبة‪.‬‬
‫فكما أن المسلم مطالب أبضا بمحافطة عالقته مع غير المسلم‪ ,‬ألن‬
‫أمر التحلي باألخالق الكريمة عموم حيث يشمل كل المعامالت مسلما كان‬
‫أو غير مسلم‪ .‬والذمي يستحق ضمان األمن من المسلمين مادام لم‬
‫يخاصم المسلمين‪ ,‬واحترام غير المسلمين من أموار اإلسالم بمعنى‬
‫اآلخر كل من تعدى إلى حقوق اآلخر بأي وجه من أوجه االعتداء فهو‬
‫ممنوع وملعون‪.‬‬
‫فالنبي صلى هللا عليه وسلم ترك لنا منهج التعامل مع المسلم‬
‫وغير المسلم وصور لنا حق التصوير عن كيفيات التعامل مع كل أناس‪.‬‬
‫ولذا نرى الرسول تعامل مع اليهودي مع توفير كل حقوقهم مادام لم‬
‫يتاصدم مع الشريعة والدين‪ .‬وكذا تعامل النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫حيث يعطي حقهم ويؤدي ما لزم لهم‪ .‬إذن أن السنة النبوية تراعي كل‬
‫العالقات الطبية وأمر بأن يتحلى بها المسلم وجعلت عالمة من عالمات‬
‫الواعي بالدين ومطبق بالشريعة‪ .‬فالقرآن والسنة تأمران‬

You might also like