You are on page 1of 1

‫التخلف الثوري‬

‫محمد صالح‬

‫الحياة ‪ -‬اإلثنني‪ ٢ ،‬فبراير‪ /‬شباط ‪٢٠١٥‬‬

‫أثبتت التجربة العملية أن األولويات تختلف في الثورات بني الشعوب والجماعات والتنظيمات واألحزاب األيديولوجية‪ ،‬وإذا كانت‬
‫هذه األيديولوجية أصولية فقل عل‪ h‬نتائج الثورة السالم! بالنسبة للشعوب فإن الهدف األساسي هو التغيير نحو األفضل‪ ،‬وتحقيق‬
‫الحرية والعدالة االجتماعية والعيش الكريم وتداول حقيقي للسلطة وتحسني مستوى املعيشة ووقف الفساد والقضاء عل‪ h‬الظلم‬
‫وتحقيق العدل‪ .‬أما بالنسبة للجماعات ذات األيديولوجية األصولية فإن أمورا ً كتلك يمكن املتاجرة بها أو استخدامها أو الترويج لها‬
‫لكونها مفردات لها بريق لدى الناس حت‪ h‬إسقاط األنظمة‪ ،‬وفي مرحلة تالية يكون الهدف الوحيد االستحواذ عل‪ h‬السلطة وفرض‬
‫األيديولوجية عل‪ h‬الجميع‪.‬‬
‫في الحالة املصرية اآلن هناك أصوليون راديكاليون يسعون إل‪ h‬اقتطاع سيناء و«أخوة« لهم تحولوا من أعضاء في جماعة‬
‫دعوية إل‪ h‬عناصر في تنظيم ثأري انتقامي‪ ،‬والفصيالن هدفهما واحد هو إسقاط الدولة املصرية!‬
‫وفي ضوء تأثير الربيع العربي‪ ،‬ومخاوف في أخرى تخش‪ h‬أن تطاولها شظاياه تطرح أسئلة نفسها بشدة‪ :‬ملاذا تحولت الرغبة‬
‫في التغيير إل‪ h‬مخاطر من التدمير؟ وملاذا كانت النتائج معاكسة تماما ً في الدول األوروبية عند مرور رياح التغيير في العقدين‬
‫األخيرين من القرن املاضي عل‪ h‬املعسكر الشرقي ثم سقوط االتحاد السوفياتي عل‪ h‬رغم أن وطأة الحدث في أوروبا كانت أكبر‬
‫وأشد تأثيرا ً في العالم؟ ملاذا لم تقع اضطرابات من الوزن الثقيل في دول أوروبا الشرقية قبل أن تسقط أنظمتها أو بعدها‬
‫واحتفظت الدول كافة التي غيرت أنظمتها بكياناتها؟ بعد سقوط جدار برلني وتوحيد أملانيا ملاذا لم تحدث صدامات بني األملان‬
‫الشرقيني والغربيني وغاب الصراع عل‪ h‬األرض أو املال أو السلطة؟ باختصار وبكل صراحة الفارق في مستوى التعليم والثقافة‬
‫والتحضر! ومثلما تفوق الغرب في العلم والتكنولوجيا تفوق أيضا ً في الثورات وتغيير األنظمة‪ ،‬فاملواطن في الدول التي كانت‬
‫تخضع لحكم اشتراكي سلطوي دكتاتوري لم يكن ينقصه التعليم‪ ،‬وفي الغالب لم يكن يعاني أمراض التعصب أليديولوجية‬
‫السلطة التي تحكمه‪ ،‬أما القريبون من السلطة فلم تكن هناك قط مستويات من التعصب تصل إل‪ h‬املستوى األصولي في بالد‬
‫الربيع العربي‪ ،‬ولكل هذا احتفظت الدول املكونة لالتحاد السوفياتي بعد تفككه بمقومات الوطن وحافظت شعوبها عل‪ h‬كيانات‬
‫الدولة‪ ،‬ولم تعد تجد فروقا ً جوهرية كبيرة بني املواطن األوروبي الشرقي ونظيره الغربي‪ .‬قد يطرح أحدهم نموذج يوغسالفيا كحالة‬
‫شهدت حربا ً بني أجزائها بعد تفككها‪ ،‬لكن القياس واملقارنة بما حدث في الدول العربية في غير محله‪ ،‬فالحالة اليوغسالفية ظلت‬
‫نموذجاً‪ ،‬حت‪ h‬قبل تفككها‪ ،‬لصراعات ضمنية كامنة تفجرت بعدها بفعل االستقطاب األوروبي واملصالح األميركية والدوافع‬
‫الداخلية بني املكونات اليوغوسالفية من األساس‪ ،‬في حني نجد القتال نشأ والصراعات تفجرت والتقسيم حدث في دول عربية لم‬
‫تكن تعاني أصالً مشاكل عرقية أو صراعات إثنية أو نزاعات قبلية‪ .‬بعضهم يستند إل‪ h‬نظرية املؤامرة بأن للواليات املتحدة والغرب‬
‫دورا ً مهما ً في أحداث الربيع العربي‪ ،‬وأن دوالً أخرى تحالفت مع جماعات وتنظيمات واستقطبت شخصيات ودفعت أمواالً ألفراد‬
‫وفئات لتحريك األحداث وتوجيهها في اتجاه مصالحها وتفكك النظام العربي ومحو دول ووضع جماعات عل‪ h‬رأس السلطة‪ ،‬لكن‬
‫تلك النظرية أيضا ً تثبت أن الفارق في مستوى العلم والثقافة والتحضر‪ ،‬هم في الغرب متقدمون ثوريا ً بينما نحن مصابون‬
‫بالتخلف الثوري‪ ،‬فالغرب كان يسع‪ h‬إلسقاط األنظمة االشتراكية بصورة أكبر‪ ،‬وساهم بقوة في هدم هذه الديكتاتوريات‬
‫األوروبية في شكل علني وسافر‪ ،‬ودفع أمواالً لتحريك التظاهرات واإلنفاق عل‪ h‬اللوجستيات‪ ،‬لكن التظاهرات لم تحول الثورات‬
‫إل‪ h‬شغب وعنف ورغبة في إسقاط الدولة‪ .‬تعاني األنظمة العربية جهالً وفقرا ً وتخلفا ً يجعلك تفسر مشهد ذلك الثوري املمسك‬
‫باملولوتوف أو يقذفه ليحرق باصا ً أو قطارا ً أو مقرا ً حكوميا ً أو سيارة ملواطن بسيط‪ ،‬متصورا ً أنه يخلق فوض‪ h‬تسقط نظاما ً وتأتي‬
‫بآخر‪ .‬املحصلة هي ما تراه اآلن من انهيار لدول وتهديدات بالسقوط ألخرى‪ ،‬ومعاناة لدى دول ومخاوف لدى أخرى‪ ،‬من دون أن‬
‫تعي النخبة الثورية غير األصولية أن فقه األولوية فرض عليها أوالً أن تحارب األمية وتسهم في تعليم فئات الشعب وتنهض بثقافة‬
‫الجماهير‪ ،‬ثم تدعوها بعد ذلك إل‪ h‬الثورة‪.‬‬

You might also like