Professional Documents
Culture Documents
هل كانت القصة تدور حقا ا حول رجل خمسيني سمي على اسم أبيه ليدعى أكاكي أكاكيفيتش ،ومعطفه المهترئ الذي لم
يحاول أبداا إصلحه أو استبداله وغض الطرف عن معايبه سنين طويلة ،حتى اضطر في يوم من اليام لستبداله ،هل كانت
القصة تتكلم عن حلم هذا الرجل في اقتناء معطف فخم جميل والتخلص من ذلك الخرقة المحاكة على هيئة معطف لم يقه حر
الصيف ول برد الشتاء.
هل تدور القصة حقا ا حول الحلم الضائع بعد أن استطاع أكاكاي فعلا ان يشتري هذا المعطف بعد عناء واقتصاد وشح على
نفسه لشهر عدة ،لينتهي به المر بين يدي قطاع طرق تجرده معطفه العزيز ،ليبقى مسلوب الدفء والمعطف والمل
والحلم.
هل تدور القصة حقا ا عن النفسية المهزوزة لذلك الشخص المهم الذي استنجد به أكاكي ليسترجع له معطفه فما كان منه إل أن
مارس عليه أقصى درجات القسوة والتعنيف ليس لشيء إل ليثبت لنفسه ولغيره أنه رجل ذو منصب وانه قادر على إهراق
كرامة الناس بيسر وسهولة.
هل القصة حقا ا وصف للنهاية المأساوية لصاحب المعطف المستلب كيف مات من القهر والبرد والمرض والهمال بعد
توبيخ صاحب السعادة المهم.
هل اهتمت القصة حقا ا في إخبارنا بتحول أكاكي لشبح يخطف معاطف الناس ويقذف في قلوبهم الرعب تعويضا ا عن حرمانه
من معطفه الجميل.
لم أر في هذه القصة معطفا ا ول أكاكاي نفسه ول حتى ذلك الشخص المهم....كل ما رأيته هو نهاية ما تؤول إليه المور عندما
نهمل علجا مشاكلنا سوااء الفردية أو على صعيد المجتمع وكيف ل تؤول المور لتبعات محمودة.
كان إعطاء الم لبنها اسم ابيه بل أي محاولة جادة للبحث عن اسمم خاص به شبيها ا بالعقائد والعادات والرواسب الجتماعية
التي نورثها لولدنا دون أدنى رغبة منا في انتقاء ما يفيد وحجب ما يسيء لهم...فتراهم أصبحوا نسخا ا مشوهة قبيحة عنا
مسحوبة بريق العينين وروح الروح.
رأيت في حياة أكاكاي السلبية غير العدائية القنوعة في أقل القليل وعدم البحث عما هو أفضل ورفض ما هو أفضل في حال
كان خارجا دائرة راحته حياة الكثيرين منا ممتثلين المثل القائل امشي الحيط الحيط وقول يارب السترة.
لذلك مات أكاكي كما وصف غوغول "ولم يفكر أحد من الخلق في حمايته ولم يكن عزيزاا على أحد ولم يكن احد يهتم بأمره ل
من قريب ول من بعيد ول حتى عالم التاريخ الطبيعي الذي لم يكن ليقاوم غرز دبوس في جناح ذبابة منزلية وفحصها تحت
مجهره ،إنسان تحمل هزء وسخرية زملئه من غير أن يتذمر ويعبر عن احتجاجه ،إنسان ذهب إلى مرقده الخير بل أدنى
ضجة".
تخيل لول ألم ظهر أكاكي بسبب انسلخا معطفه عن الوظيفة الساسية المنوطة به لما أدرك حجم فداحة الواقع المزري
لمعطفه....وإن اول طريق لحل المشكلة هو ملحظة المشكلة أصلا والعتراف بوجودها ثم بعد ذلك السعي لحلها ،غض
طرف أكاكي عن مساوئ معطفه المهترئ القديم البالي هو غضنا الطرف عن مشاكلنا وهمومنا وعدم الجرأة على التعرف
عليها فضلا عن حلها واستبدالها بظروف أفضل.
لذلك كان من الطبيعي بعد إهماله لحال معطفه أن يجد صعوبة عظيمة في شراء غيره بعد أنا أشار الخياط عليه بضرورة ذلك
وانعدام اي امل في البقاء عليه مع بعض الصلحات ،وكذلك هي مشاكلنا التي نهملها صغيرة فتكبر وتتضخم لتصبح جبلا
عسير الرتقاء .ولكن نلحظ هنا تحولا في شخصية أكاكي ،صار له هدفا ا يحيى لجله ،صار لعمله الممل في نسخ المعاملت
والكتب معناى يخدم غايته الحالية في تأمين المال اللزم لشراء معطفه الجديد المنشود ،فتراه بدأ في القتصاد في نفقاته القليلة
أساسا ا والتحسين من نمط حياته حتى يقلل مصروفاته قدر المكان وشح على نفسه كثيراا ولشهر عديدة في سبيل تأمين المال
اللزم للمعطف ،وهذا حالنا جميعا ا عندما يغدو لنا هدفا ا مهما كان بسيطا ا او عظيماا ،عندما تتحدد لنا غاية ،لننا بالساس
مخلوقات مصممة على الصعيد العصبي والفيزيولوجي لتتبع الهداف ،فمتى ما اجتمعت العزيمة والهدف صرنا ل نأبه
بحرمان ول مشقة في سبيل تحقيق هذه الغاية ،يصبح المعنى المتولد من هذه الغاية مغذيا ا لروحنا في مواجهة التقاعس
والمعاناة ،ول نعود هائمين على وجوهنا نتلقى الصفعات تباعا ا من الحياة دون مقاومة.
وهذا ما جرى مع أكاكي ،إذ أصبحت حياته أكثر توجها ا وأقل سلبية وزادت عمقا ا وثرااء بعد خوائها القديم.
ولكن ما الذي يمكن أن تنتظره من شخص سلب حلمه بعد أن أمسكه بكلتا يديه_وهنا نقول بعد أن لبسه ودفأ به جسده،
سيصارع حينا ا بكل ما أوتي من قوة وسيخرجا من مجال راحته في سبيل استرجاعه ولكن في حال لم يجد ذلك نفعا ا لسبب ما
كانعدام القدرة كليا ا على ذلك ،سينتكس واقعا ا في حضيض أحط من سابقه ،إذ بحث أكاكي عن المساعدة في كل مكان وانتهى
به المر بين يدي "شخص مهم" رأيت فيه أشخاصا ا كثراا بليت به مجتمعاتنا ،أمراض نفسية تمشي على رجلين ،ل تقدر أن
تمنع نفسها عن اهراق كرامة الناس طلبا ا لرضا النفس وإقراره الخرين بأن له وزنها وسلطانها ،وما الذي يمكن أن نتوقعه
نتيجة هذه الفعال المرضية ومن أصحابها سوى خلق العاهات والتشوهات الجتماعية والمراض النفسية من قلق وخوف
ويأس وانعدام المن والمل وربما خلق الوحوش.
كان حضيض صاحبنا الذي انتكس إليه هو الموت ،ولكن طبعا ا يمكن تجريد الفكرة لما هو اوسع من فكرة الموت الجسدي
لتتعداها للموت النفسي بأن ييأس النسان من كل خير وينتظر الموت هذا ان لم يعجل بذلك..أو الموت الجتماعي او
الخلقي او موت ضمير ،ثم ماذا بعد هذا الموت والخسران المريع....
سيستحيل المرء وحشاا ،إذ لم يعد هناك ما يخسره ،ولم يعد هناك ما يخيفه ،والغريق ل يخشى بللا أو كما حصل في قصتنا،
استحال أكاكي شبحا ا يرعب الناس ويثير في نفوسهم أشد الفزع من مجرد ذكر اسمه يسعى لتحقيق ما لم يقدر على تحقيقه قبل
موته....أن يحصل على المعطف الذي لطالما حلم به وتعب لجله.....
ليست القصة معطفا ا ولكن خواء النسان وجحيم حياة اللمعنى ومعاناة النسان في تحقيق هدفه وعذابه في ضياع هذا الهدف
وتحوله لمسخ تبعا ا لذلك.