You are on page 1of 2

‫مراجعة لقصة )المعطف( للمؤلف الروسي نيكوليا غوغول‬

‫‪Written by: Abdullah Rasho‬‬

‫هل كانت القصة تدور حقا ا حول رجل خمسيني سمي على اسم أبيه ليدعى أكاكي أكاكيفيتش‪ ،‬ومعطفه المهترئ الذي لم‬
‫يحاول أبداا إصلحه أو استبداله وغض الطرف عن معايبه سنين طويلة‪ ،‬حتى اضطر في يوم من اليام لستبداله‪ ،‬هل كانت‬
‫القصة تتكلم عن حلم هذا الرجل في اقتناء معطف فخم جميل والتخلص من ذلك الخرقة المحاكة على هيئة معطف لم يقه حر‬
‫الصيف ول برد الشتاء‪.‬‬

‫هل تدور القصة حقا ا حول الحلم الضائع بعد أن استطاع أكاكاي فعلا ان يشتري هذا المعطف بعد عناء واقتصاد وشح على‬
‫نفسه لشهر عدة‪ ،‬لينتهي به المر بين يدي قطاع طرق تجرده معطفه العزيز‪ ،‬ليبقى مسلوب الدفء والمعطف والمل‬
‫والحلم‪.‬‬

‫هل تدور القصة حقا ا عن النفسية المهزوزة لذلك الشخص المهم الذي استنجد به أكاكي ليسترجع له معطفه فما كان منه إل أن‬
‫مارس عليه أقصى درجات القسوة والتعنيف ليس لشيء إل ليثبت لنفسه ولغيره أنه رجل ذو منصب وانه قادر على إهراق‬
‫كرامة الناس بيسر وسهولة‪.‬‬

‫هل القصة حقا ا وصف للنهاية المأساوية لصاحب المعطف المستلب كيف مات من القهر والبرد والمرض والهمال بعد‬
‫توبيخ صاحب السعادة المهم‪.‬‬

‫هل اهتمت القصة حقا ا في إخبارنا بتحول أكاكي لشبح يخطف معاطف الناس ويقذف في قلوبهم الرعب تعويضا ا عن حرمانه‬
‫من معطفه الجميل‪.‬‬

‫لم أر في هذه القصة معطفا ا ول أكاكاي نفسه ول حتى ذلك الشخص المهم‪....‬كل ما رأيته هو نهاية ما تؤول إليه المور عندما‬
‫نهمل علجا مشاكلنا سوااء الفردية أو على صعيد المجتمع وكيف ل تؤول المور لتبعات محمودة‪.‬‬

‫رأيت أشخاصا ا كثراا تمثلوا لي بشخص أكاكي‪.‬‬

‫كان إعطاء الم لبنها اسم ابيه بل أي محاولة جادة للبحث عن اسمم خاص به شبيها ا بالعقائد والعادات والرواسب الجتماعية‬
‫التي نورثها لولدنا دون أدنى رغبة منا في انتقاء ما يفيد وحجب ما يسيء لهم‪...‬فتراهم أصبحوا نسخا ا مشوهة قبيحة عنا‬
‫مسحوبة بريق العينين وروح الروح‪.‬‬

‫رأيت في حياة أكاكاي السلبية غير العدائية القنوعة في أقل القليل وعدم البحث عما هو أفضل ورفض ما هو أفضل في حال‬
‫كان خارجا دائرة راحته حياة الكثيرين منا ممتثلين المثل القائل امشي الحيط الحيط وقول يارب السترة‪.‬‬

‫لذلك مات أكاكي كما وصف غوغول "ولم يفكر أحد من الخلق في حمايته ولم يكن عزيزاا على أحد ولم يكن احد يهتم بأمره ل‬
‫من قريب ول من بعيد ول حتى عالم التاريخ الطبيعي الذي لم يكن ليقاوم غرز دبوس في جناح ذبابة منزلية وفحصها تحت‬
‫مجهره‪ ،‬إنسان تحمل هزء وسخرية زملئه من غير أن يتذمر ويعبر عن احتجاجه‪ ،‬إنسان ذهب إلى مرقده الخير بل أدنى‬
‫ضجة"‪.‬‬

‫تخيل لول ألم ظهر أكاكي بسبب انسلخا معطفه عن الوظيفة الساسية المنوطة به لما أدرك حجم فداحة الواقع المزري‬
‫لمعطفه‪....‬وإن اول طريق لحل المشكلة هو ملحظة المشكلة أصلا والعتراف بوجودها ثم بعد ذلك السعي لحلها‪ ،‬غض‬
‫طرف أكاكي عن مساوئ معطفه المهترئ القديم البالي هو غضنا الطرف عن مشاكلنا وهمومنا وعدم الجرأة على التعرف‬
‫عليها فضلا عن حلها واستبدالها بظروف أفضل‪.‬‬

‫لذلك كان من الطبيعي بعد إهماله لحال معطفه أن يجد صعوبة عظيمة في شراء غيره بعد أنا أشار الخياط عليه بضرورة ذلك‬
‫وانعدام اي امل في البقاء عليه مع بعض الصلحات‪ ،‬وكذلك هي مشاكلنا التي نهملها صغيرة فتكبر وتتضخم لتصبح جبلا‬
‫عسير الرتقاء‪ .‬ولكن نلحظ هنا تحولا في شخصية أكاكي‪ ،‬صار له هدفا ا يحيى لجله‪ ،‬صار لعمله الممل في نسخ المعاملت‬
‫والكتب معناى يخدم غايته الحالية في تأمين المال اللزم لشراء معطفه الجديد المنشود‪ ،‬فتراه بدأ في القتصاد في نفقاته القليلة‬
‫أساسا ا والتحسين من نمط حياته حتى يقلل مصروفاته قدر المكان وشح على نفسه كثيراا ولشهر عديدة في سبيل تأمين المال‬
‫اللزم للمعطف‪ ،‬وهذا حالنا جميعا ا عندما يغدو لنا هدفا ا مهما كان بسيطا ا او عظيماا‪ ،‬عندما تتحدد لنا غاية‪ ،‬لننا بالساس‬
‫مخلوقات مصممة على الصعيد العصبي والفيزيولوجي لتتبع الهداف‪ ،‬فمتى ما اجتمعت العزيمة والهدف صرنا ل نأبه‬
‫بحرمان ول مشقة في سبيل تحقيق هذه الغاية‪ ،‬يصبح المعنى المتولد من هذه الغاية مغذيا ا لروحنا في مواجهة التقاعس‬
‫والمعاناة‪ ،‬ول نعود هائمين على وجوهنا نتلقى الصفعات تباعا ا من الحياة دون مقاومة‪.‬‬

‫وهذا ما جرى مع أكاكي‪ ،‬إذ أصبحت حياته أكثر توجها ا وأقل سلبية وزادت عمقا ا وثرااء بعد خوائها القديم‪.‬‬

‫ولكن ما الذي يمكن أن تنتظره من شخص سلب حلمه بعد أن أمسكه بكلتا يديه_وهنا نقول بعد أن لبسه ودفأ به جسده‪،‬‬
‫سيصارع حينا ا بكل ما أوتي من قوة وسيخرجا من مجال راحته في سبيل استرجاعه ولكن في حال لم يجد ذلك نفعا ا لسبب ما‬
‫كانعدام القدرة كليا ا على ذلك‪ ،‬سينتكس واقعا ا في حضيض أحط من سابقه‪ ،‬إذ بحث أكاكي عن المساعدة في كل مكان وانتهى‬
‫به المر بين يدي "شخص مهم" رأيت فيه أشخاصا ا كثراا بليت به مجتمعاتنا‪ ،‬أمراض نفسية تمشي على رجلين‪ ،‬ل تقدر أن‬
‫تمنع نفسها عن اهراق كرامة الناس طلبا ا لرضا النفس وإقراره الخرين بأن له وزنها وسلطانها‪ ،‬وما الذي يمكن أن نتوقعه‬
‫نتيجة هذه الفعال المرضية ومن أصحابها سوى خلق العاهات والتشوهات الجتماعية والمراض النفسية من قلق وخوف‬
‫ويأس وانعدام المن والمل وربما خلق الوحوش‪.‬‬

‫كان حضيض صاحبنا الذي انتكس إليه هو الموت‪ ،‬ولكن طبعا ا يمكن تجريد الفكرة لما هو اوسع من فكرة الموت الجسدي‬
‫لتتعداها للموت النفسي بأن ييأس النسان من كل خير وينتظر الموت هذا ان لم يعجل بذلك‪..‬أو الموت الجتماعي او‬
‫الخلقي او موت ضمير‪ ،‬ثم ماذا بعد هذا الموت والخسران المريع‪....‬‬

‫سيستحيل المرء وحشاا‪ ،‬إذ لم يعد هناك ما يخسره‪ ،‬ولم يعد هناك ما يخيفه‪ ،‬والغريق ل يخشى بللا أو كما حصل في قصتنا‪،‬‬
‫استحال أكاكي شبحا ا يرعب الناس ويثير في نفوسهم أشد الفزع من مجرد ذكر اسمه يسعى لتحقيق ما لم يقدر على تحقيقه قبل‬
‫موته‪....‬أن يحصل على المعطف الذي لطالما حلم به وتعب لجله‪.....‬‬

‫ليست القصة معطفا ا ولكن خواء النسان وجحيم حياة اللمعنى ومعاناة النسان في تحقيق هدفه وعذابه في ضياع هذا الهدف‬
‫وتحوله لمسخ تبعا ا لذلك‪.‬‬

You might also like