Professional Documents
Culture Documents
SH Asmari - T
SH Asmari - T
http://www.saaid.net/Doat/asmari/m/4.htm
[مقدمة]
الحمد هلل وحده ،والصالة والسالم على من ال نبي بعده ،وعلى آله وصحبه أما بعد :
فإن لكلمة التوحيد منزلة عظيمة ،ومكانة جليلة ؛ إذ هي مفتاح الجنة كما جاء في الحديث عن نبي األمة
صلى هللا عليه وسلم ،إال أن كثيرين من الناس في زماننا هذا جهلوا أشياء تتعلق بمبناها ،وما دَ َروا ما
يحويه معناها ،فما كان من فضيلة الشيخ الفقيه صالح بن محمد بن حسن األسمري ـ حفظه المولى
ورعاه ،ومن كل مكروه وقاه ـ إال أن ألقى محاضرة مباركة في ذلك ؛ سدا ً للثغر ،وبيانا ً للحق ،ونفعا ً
للخلق .
ول ِع َ
ظ ِم ما احتوته من فوائد مهمة تعين تلخيصها ،ومن ث َّم نشرها في هذه الصفحة المباركة ،ونسأل هللا
لكلمة التوحيد أهمية عظيمة ،وبتقريرها جاءت الرسل ؛ إذ بها يعتق اإلنسان من النار ويكون مآله إلى
الجنة بإذن هللا تعالى ،ولذا فقد "صحيح مسلم"[ :أن النبي صلى هللا عليه وسلم سمع مناديا ً يؤذن ،فقال:
أشهد أال إله إال هللا ،فقال صلى هللا عليه وسلم :خ ََر َج من النار ] ،وفي حديث الشفاعة ،قال هللا َّ
عز وج َّل
[العناية بشأنها]
وقد صرح األئمة ـ يرحمهم هللا ـ بتعيُّن االعتناء بها مبنى ومعنى ،وأن االتصاف بمضمونها من
-أما مبنى ال إله إال هللا ،فإنه يبحث من جهتين عادة ً :
•الجهة األولى :تتعلق بنطق ( ال إله إال هللا ) ،ولها مخرج وأداء.
أما المخرج :فال بد أن يخرج الحرف عند النطق به من مخرجه العربي المعروف .
فمن نطق ال إله إال هللا ،فأتى بأحرفها على غير وجهها لم ينتفع بذاك ،وكذا من أداها على غير وجهها.
ـ األمر األول :أن األلف في ( ال ) ال بد أن تمدَّ عند اللفظ بها بمقدار أقله حركتان ،وما دون ذلك إخال ٌل
،وللمرء أن يطيل فوق ذلك إلى أربع و إلى ست ،بمقدار عقدة اإلصبع ومدها على وجه َ
طبَ ِعي ٍّ ،كما
قرره أهل التجويد واإلقراء ،وكذا أهل علم األصوات ،وممن قرر ذلك :ابن عرفة الدسوقي – رحمه
هللا- .
ـ األمر الثاني :أن الهمزة في كلمة ( إله) همزة قطع ،فال بد من إظهارها ،وال يصح إبدالها ياء ،كمن
يقول ( :ال ياله) فإنه لم ينطق بالكلمة نطقا ً صحيحا ً ،وال تحقق نفعها وثمرتها المرجوة منها في جملة
المعنى.
ـ األمر الثالث :ال بد من اإلفصاح عن الهمزة في كلمة ( إال ) مع تشديد الالم بعدها ،فال يصح قلبها يا ًء
( ال ياله إالَ هللا ) وهو لحن ،وممن أشار إلى ذلك اإلمام السنوسي – يرحمه هللا – ،وقال الدسوقي ـ
يرحمه هللا ـ ( :وهذا لحن فاحش أيضا ً ؛ ألنه يغير المعنى ) .
ـ األمر الرابع :ال بد من تفخيم الالم في لفظ الجاللة ( هللا ) ،فال يصح ترقيقها ،وينبغي أن ال يطيل مدة
( هللا ) عند النطق بها ،فال يقولن ( :الل~ه )كذا األصل .مع أن جماعة من األئمة استحسنوا ال َمدَّة فيها ؛
األول :أن المرء مشتغل بذهنه في إيراد النفي َم ْو ِرده ،واإلثبات محله ،فهو عندما يقول ( ال إله ) يتذكر
جميع المفردات التي يُنسب إليها أنها معبودة ٌ بحق ؛ لينفيها ،وكذا عندما يقول (إال هللا) فينشغل ذهنه
باإلثبات .
والثاني :أن في هذه المدة نوع تعظيم ،فهو يأتي بِ َمد ٍّة ُم ْست َ ْشعرا ً فيها عظمة هللا عز وجل .
الشهادة) .
إال أن األصل أن يأخذ الحرف مأخذه من اإلخراج والصفة على المقنن في علم اللغة وعند المجودين ،
ولكن لو وقعت المدة على وفق ما حكي آنفا ً ،فإن ذلك متسامح فيه ،وله وجهه.
•الجهة الثانية :تتعلق بـإعراب ( ال إله إال هللا ) ،والمراد نسبة األحكام النحوية إليها ،سواء أكان
(ال ) نافية للجنس ،وهي حرف مبني على السكون ،وعلى هذا إجماع النحويين ،حكى ذلك جماعة ،
وثانيها:
(إله ) لفظ مبني على الفتح على المشهور ؛ لتضمنه معنى ( ِمن ) التي للتنصيص على العموم ،والتقدير
:أن ( ال إله إال هللا ) هي في األصل جواب لسؤال تقديره :هل من إله غير هللا ؟ فيكون التقدير :ال ِم ْن
(من ) ولم تذكر مع نيتها هنا ،ولذا كان البناء على الفتح فيه ،
ولما تضمن اسم اإلله معنى ( ِمن) حذفت ِ
وخبر ( إله ) مقدر بأشياء ،اشتهر عند النحاة تقديره بقولهم :ال إله كائن في الوجود ،أو ال إله موجود
ي
في عالم الوجود ،والنحاة عند تقديرهم هنا ينشغلون بالصنعة النحوية عن التقرير الشرعي ،فيقدرون أ َّ
وإال فتقرير الكلمة الشرعي :إدخال استحقاق العبادة فقط ،فيكون التقدير :ال إله يستحق العبادة إال هللا
،وقال ( :قد توجب الصناعة النحوية التقدير ،وإن كان المعنى غير متوقف عليه في التقرير ،وإنما
يقدر النحوي ليعطي القواعد حقها ،وإن كان المعنى مفهوما ً ) كذا قال ،وعليه فإن كثيرين من األئمة عند
إعرابهم لهذه اللفظة في كتب التفسير أو النحو ينصرفون عن التقرير الشرعي لمفهوم الكلمة ومعناها ،
والمرء وهو في صدد تقرير علم ما ينشغل به عن غيره ،وال يأخذ في تقرير سواه عادة.
ولذا لم ينكر جمع كثير من األئمة على النحاة هذا التقدير ؛ ألنه ليس محله .
وذهب أئمة كثيرون إلى أنه ال يجوز ذلك مطلقا ً ،ال في الصنعة النحوية ،وال في غيرها ،وممن قرر
ذلك الشيخ :سليمان بن عبد هللا آل الشيخ – رحمه هللا – في كتابه " تيسير العزيز الحميد شرح كتاب
التوحيد " ،وذكر أن هذا التقدير فاسد في األصل ،والتقدير الحق شرعا ً في المسألة هو ما سبق ،وهذا
معلوم قطعا ً من الدين ،وعليه اإلجماع دون خالف بين األئمة والفقهاء ،وال يخالف في ذلك األشعري أو
الماتوريدي وال المعتزلي وال الرافضي فكلهم يقولون :إن المستحق للعبادة أصالة هو الرب سبحانه
وعليه فال يجوز شرعا ً أن يكون الخبر هو ( كائن في الوجود أو ممكن في الوجود أو نحوها ) ؛ ألن
تقدير اإلمكان تجويز لوقوع الممكن ،وتجويز وقوع الممكن كوقوعه ،فكونك تقدر جواز وقوع استحقاق
غير هللا بالعبادة ،كقولك إن هناك موجودا ً مع هللا يستحق العبادة وهذا باطل ،وكذلك إذا قلت إن غير هللا
موجودٌ ،يستحق العبادة ،فإن هذا باطل أيضا ً .وأشار السيوطي وجماعة إلى ذلك .
وممن قرره اإلمام الرازي في "تفسيره" ،وقال ":بل يكون الخبر هو قولنا في نفس األمر" أي :أن هللا
مستحق للعبادة دون غيره في نفس األمر ،أي :ليس هناك آخر ممكن أن يستحق بل في نفس األمر
حقيقة ال وجود لشيء يستحق العبادة ال إمكانا ً وال وجودا ً إال هللا سبحانه وتعالى .
وإذا نفينا وجود من يستحق العبادة مع هللا وإمكان وجوده في نفس األمر فإنه ال يعنينا بعد ذلك ما وقع من
الكفار في جعلهم مناة تستحق العبادة مع هللا أو جعلهم غيرها من اآللهة مستحقة للعبادة مع هللا ،ففرق بين
نفس األمر وبين دعوى الغير ،فإنها تكون باطلة مردودة عليه .
وثالثها :
أن جملة ( إال هللا ) هي على البدلية ،وهو المشهور الجاري على ألسنة المعربين ،وهو رأي ابن مالك
وجماعات من المحققين من المتأخرين من النحاة ،واألقرب أنه بدل عن الضمير الذي قُدر في الخبر
وقيل :بل لفظ الجاللة هنا مرفوع للخبرية ،فتكون في محل رفع ابتداء ،وهذه خبر عنها ،فيكون إعرابا ً
ص ْرفا ً .
ِ
ض ِمن كلمة
•الجهة األولى :جهة تتعلق بالوجوب لعامة المكلفين ،وهو أن يعلم النفي واإلثبات الذي ُ
التوحيد ،وهو نفي استحقاق العبادة عن غير هللا عز وجل في نفس األمر ،وحصره فيه سبحانه وتعالى ،
وال يجب عليه معرفة دقائقها ،وإعرابها ،ومفهوم كل لفظة عند اللغويين.
وقد قرر ذلك :اإلمام ال ِهبْطي الكبير في " كنـز السعادة " وحكى االتفاق عليه ،وكذا جماعات كثيرون
كالقرافي – يرحمه هللا – في شرحه على األصول ،والموفق ابن قدامة –يرحمه هللا -في "المغني" ،
وابن عبد البر في " التمهيد" وشيخ اإلسالم ابن تيمية في " مجموع الفتاوي " وابن القيم في " مفتاح
•الجهة الثانية :هي الجهة العلمية الصناعية ،ومعرفتها فرض كفاية على جملة األمة ،فال بد أن يعرفها
صة ممن عندهم األهلية ،وقد قرر ذلك الحكم على القاعدة المعروفة في ذلك جماعة ،ومن أولئك
الخا َّ
ابن عبد البر في " االستذكار "و"التمهيد " ،وكذا الموفق ابن قدامة في " المغني " في آخرين .
وعليه فإن لـ( ال إله إال هللا ) معنى تقوم على شيئين :
الشيء األول :النفي ،وهو جزئها األول نطقا ً ،وهو ( ال إله ) :وهذا النفي يقوم على ثالثة أركان ،إذا
[أركان النفي]
الركن األول :معنى ( اإلله ) ،إذ إنه بمعنى اإلله ( أَله يَأله إلهةً ) المعبود بحق ،حيث قرر ذلك
اللغويون َّ
كالز َّجاج وجماعة.
وعليه فما سواه من المعاني باطل ،كالموجود أو القادر على االختراع ،وال ينتفع اإلنسان بال إله إال هللا
ودلل الشيخ سليمان بن عبد هللا آل الشيخ في " تيسير العزيز الحميد " في نفي المعنى الباطل بداللتين :
األولى :أنه ال يعرفه أحد من علماء الشريعة وأئمة اللغة الذين يعَول عليهم .
والثانية :أن القادر على االختراع والخالق هو الزم لإلله الحق ؛ فإنه القديم ( الذي لم يسبق بعدم ) ،
الركن الثاني :العموم في النفي ،بحيث يكون مستغرفا ً لجميع معناه الكلي ،والمعنى الكلي االستغراقي
وعليه فإن قولك ( :ال إله ) :هو نفي يشمل ك َّل ُم ْف َردَةٍّ تدخل في ذلك المعنى الكلي وهو استحقاق العبادة
الذي نَفَيْتَ فيه فإنه ال يكون نفيا ً صحيحا ً ،وال يكون نفي توحيد الذي هو مفهوم كلمة ( ال إله إال هللا )
شرعا ً .
الركن الثالث :نية االستثناء في الذهن هلل عز وجل عند النفي مع العموم فيه ،ومن أطلق دون استثناء
فإنه يكفر ،ولذلك قيل ( :كم من ناطق كلمة التوحيد كفر بطرفها األول ) ؛ ألنه لم يستحضر استثناء هللا
عز وجل عند نفيه ،ومعلوم ( أن ورود الكفر على الذهن مع إقرار لحظة ،كوروده على الجوارح
[تنبيهات مهمات]
بعض من أن النفي متعلق بالمعبودات الباطلة ،وال ريب أنها جميعا ً ليست
ٌ أولها :أن من الخطأ ما يظنه
مستحقة للعبادة في نفس األمر ،فكونه يزيل النفي عليها باطل وخطأ ،وال يُحدث مفهوم النفي المراد في
األولى :جهة الشرع ،إذ إن الشرع أثبت وجود معبود مع هللا لكن بباطل كمناة والعزى ،فمن قال
بخالف ذلك فقد كذب الشرع ،ومن كذب قطعي الثبوت والداللة كفر .
الثانية :جهة الحس ؛ إذ إن الحس المشاهد يخالف ذلك ،فهناك نصارى يثلثون ،وهناك وثنيون لغير هللا
وثانيها :أن إطالق اسم ( اإلله ) على الذي يعبد (ولو بباطل) :إطالق باطل ؛ ألنها متمحضة للمعبود
وثالثها :ليس المراد من النفي في االستغراق الكلي وجود آلهة أو إله يستحق العبادة مع هللا نفينا عنهم
أنهم يستحقون العبادة ،ومحضنا العبادة هلل ؛ إذ إن النفي الكلي قد يكون على محل ال يقبل إال واحدا ً ،
ومن أمثلته اتفاقا ً وإجماعا ً ( :اإلله ) عند نفيه عن غيره سبحانه ،فكأن النفي تأكيد لإلثبات حتى يتمحض
اإلثبات صرفا ً نقيا ً ،كذا قال جماعة من األئمة ،ومنهم الدماميني – يرحمه هللا -في آخرين .
الشيء الثاني :اإلثبات ،وهو الطرف الثاني نطقا ً ،وهو المقدَّم حقيقة ،وهو إثبات كون هللا عز وجل هو
[أركان اإلثبات ]
وجود له في الحقيقة خارج الذهن ،كمن يثبت إلها ً ليس له حقيقة يسميه بالنور .
الركن الثاني :تو ُّحد هذا اإلله فال يَ ْش َركه في استحقاقه العبادة أحد أيا ً كان .
[تنبيهان مهمان ]
أولهما :أن المراد بلفظة ( هللا ) :الوصف العَلَ ِمي ،أي الخاص بالذات اإللهية سبحانه ،وهذا اللفظ في
األصل مشتق من ألَه يأله إلهةً ،فهو تصريف اشتقاقي لـ( ألَه ) ،فعاد إلى كلمة ( إله ) المذكورة في
النفي ،من حيث االتفاق في االشتقاق ،ولكن فُرق بينهما في الرسم كما هو التفريق في النطق.
ففي جملة ( ال إله إال هللا ) إشارة إلى أن المستثنى في اإلثبات صفة َعلَ ِميَّة لفرد واحد ال للمعنى الكلي
للوصف
الذي أدخل عليه النفي في لفظ ( إله ) ،فكلمة ( إله )هي للمعنى الكلي ،وكلمة ( هللا ) هي َ
والثاني :أن كلمة التوحيد قضية خبرية ,والقضية الخبرية عند أهل الصناعة ال بد أن تشتمل على :
تصور ،وتصديق (أي على ماهية وحقيقة وعلى حكم يناط بها).
فأما التصور فهي مركبة من أربع كلمات ،ال ،إله ،إال ،هللا .
رف المعنى لك ٍّل بـ (ال َحدِ) ،كذا هو المعروف عند أولي النظر .
ويُ ْع ُ
فـ (ال) :حرف موضوع للنفي المختص بالنكرات ،ومعنى النفي العدم ،ومعنى العدم أال يكون في
العيان.
و( إال ) :حرف موضوع لإلثبات ،ومعنى اإلثبات الوجود ،وهو الكون في العيان ضد النفي الذي سبق
.
ولفظ الجاللة ( هللا ) :هو االسم الموضوع على ذات موالنا سبحانه وتعالى .
األولى :أن كل فَ ْرد من أفراد حقيقة (اإلله) غير موالنا سبحانه وتعالى ،مستحيل الوجود عقالًََ وشرعا ً
.
والثانية :أن كل مستحيل الوجود عقالً ،وكذا بالتبعة نقالً البد أن يكون منفيا ً.
وأخذ من هاتين المقدمتين القطعيتين نتيجة وهي :أن كل فرد من أفراد حقيقة اإلله غير موالنا سبحانه
ِ
وتعالى منفي الوجود ،فليس هناك شيء يستحق العبادة له وجود خارج الذهن ألبتة ،وليس له وجود
مطلقا ً.
األولى :أن هللا واجب الوجود لذاته (لم يسبقه بعدم وال يطرأ عليه عدم ) .
وأ ُ ِخذ من هاتين المقدمتين القطعيتين نتيجة إثبات توحيد هللا عز وجل بالوجود واالستحقاق للعبادة .
الحكم األول :االنتفاع بـ ( ال إله إال هللا ) ،في جملة األحكام الشرعية الفرعية له شرطان :
الشرط األول :النطق بها ،وال بد أن يكون صحيحا ً ،فيشمل شيئين :
أولهما :أن يكون بصوت أقله إسماع النفس ،ال في جوف ذاته دون إسماع أذنيه صوته.
الشرط الثاني :أهلية األداء ،بحيث يأتي بشروط األداء الثالثة المشهورة :
وثالثها :أن يكون مختارا ً ،إذ إن المكره ال يعتبر تلفظه بها .
الحكم الثاني :أن االنتفاع بها له شروط ،وقد جمعها جماعة في سبعة شروط:
أولها :العلم ،لقوله سبحانه { :فاعلم أنه ال إله إال هللا }.
وثانيها :اليقين ،وضدُّ اليقين عدمه ،ومنه الشك والتردد ،وليس الوسواس شكا ً ،بل بينهما فرق ،
فالوسواس ليس حكما ً ،وإنما هو حالة مرضية تجعل النفس تورد على ذاتها وذهنها موارد باطلة ،وأما
الشك فهو حكم نحو الشيء بالتردد وعدم رجحان طرفيه ،فمن أتى عليه الوسواس فال شيء عليه ،وقد
ولليقين أدلة كثيرة ،ومنها ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى هللا عليه وسلم :
[من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن ال إله إال هللا مستيقنا ً بها قلبه فبشره بالجنة].
وثالثها :القبول ،وضده الرفض .وفي الحديث عند الشيخين من حديث أبي موسى األشعري أن النبي
صلى هللا عليه وسلم قال [ :مثل ما بعثني هللا به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير ...الحديث ] ،وهذا
فيه داللة على القبول تشبها ً للفؤاد باألرض التي قبلت الماء.
ورابعها :االنقياد للكلمة ظاهرا ً وباطنا ً ،والمراد أدنى االنقياد المصحح لذلك وليس تمامه الذي يدخل في
األحكام الشرعية الفرعية ،فإن ذلك شيء زائد عن ذلك ،وقد جاء في الحديث أن النبي صلى هللا عليه
وسلم قال [:والذي نفسي بيده ال يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا ً لما جئت به ] ،قال النووي في
وإن كان الحديث أعل إسناده ابن رجب -يرحمه هللا -بعلل ثالث وتبعه جماعة ،لكن المعنى صحيح.
وخامسها :الصدق ،وضده الكذب ،يقول هللا عز وج َّل { :والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم
المتقون }.قال ابن عباس :هي ال إله إال هللا ،خرجه ابن جري الطبري في تفسيره عنه.
وسادسها :اإلخالص ،وضده الرياء والتسميع وما إلى ذلك من شوائب ،جاء في البخاري من حديث
أبي هريرة أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال [ :أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال ال إله إال هللا
وسابعها :المحبة لها :أي الرضا بها ُودا ً ،وكذا يتبع ذلك المحبة ألهلها في الجملة ،أي ألصل من أتى
بها ،وهذا مقعَّد على عقيدة الوالء والبراء المعروفة ،وأدلتها متواترة قطعية مشهورة .
الحكم الثالث :أن من قال ( ال إله إال هللا ) بشروطها فإن مآله إلى الجنة قطعا ً ال ظنا ً ،مالم يأت بناقض
من نواقض اإلسالم ،وقد عدها بعض إلى أربعمائة ناقض ،جاء عند أحمد في المسند وأبي داود في
السنن وصحح سنده الحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي ،أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ( :من كان
آخر كالمه ال إله إال هللا دخل الجنة ) ،وجاء في صحيح مسلم أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ( :من
شهد أن ال إله إال هللا وأن محمدا ً رسول هللا حرم هللا عليه النار ) وقد اختلف األئمة في التوفيق بين
النصوص الموجبة لدخول الجنة والتحريم على النار مع النصوص التي جاءت في دخول أهل الكبائر في
النار وما إليه ،ولهم في ذلك مذاهب ،وهناك مذهبان مشهوران ُم ْرت َ َ
ضيَان :
المذهب األول :أن هذه الكلمة تنفع صاحبها بشروطها ،وترك موانعها ،فيدخل الجنة مباشرة ،وهذا هو
مذهب الحسن البصري ووهب بن منبه ،وقال ابن رجب في " كلمة اإلخالص " " :هو األظهر" ،وينبه
إلى أن جنس أصحاب الكبائر ال بد أن يعاقب بعضهم قبل دخول الجنة ،وأما أعيانهم وآحادهم فقد يعفو
ق ،لكن إن
وإخالص وصد ٍّ
ٍّ بإيقان
ٍّ المذهب الثاني :هو أنها تنفع صاحبها أن يدخل الجنة مطلقا ً ،إذا كان
أصر على ما يخالفها كالمعاصي والكبائر فإنه يعاقب ويكون مآل الموحد إلى الجنة ،وهذا قول ذهب إليه
الحكم الرابع :أن من أتى بكلمة التوحيد بشروط األداء سوى اإلسالم ،مع النطق الصحيح ،فإنه يدخل
بذلك في اإلسالم ،وأما األخرس ونحوه فيصح إسالمه ؛ النتفاء القدرة .
ويصح عند جماعة الفقهاء الدخول في اإلسالم بالصالة إذا نوى الدخول في اإلسالم بذلك.
وكذا على قو ٍّل :اإلقامة واألذان ،إذا أتى بها ناويا ً الدخول في اإلسالم .
الحكم الخامس :ما يتعلق بشهادة محمد صلى هللا عليه وسلم رسول هللا ,فإنها صنو ( ال إله إال هللا ) في
الشهادة ،فيأتي اإلنسان بها ولها ما لها من أصل شروط سبقن ،وتوحيد النبي محمد بالخاتمية في
الرسالة :واجب مصحح للشهادة ،فهو آخر الرسل في التشريع قطعا ً ،وآخرهم موتا ً هو عيسى عليه
السالم .
وصلى هللا وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه.
)