You are on page 1of 101

‫تنقيح القول احلثيث‬

‫يف‬
‫شرح لباب احلديث‬

‫تأليف العالمة‬
‫الشيخ محمد بن عمر النووي البنتني‬

‫الرحمن الرحيم‬
‫بسم اهلل ٰ‬
‫الحمد هلل الذي جعل أحاديث النبي المصطفى في االهتداء مثل النجوم‪ ،‬وأشهد أن ال إله‬
‫إال اهلل‪ ،‬وأن محمدا رسوله الذي أعطاه أسرار العلوم‪ ،‬والصالة والسالم على أفضل خلقه محمد‬
‫المبعوث بالمعجزات‪ ،‬وعلى آله مصابيح الدالالت‪ ،‬وأصحابه أنجم الهدايات‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فهذا شرح على لباب الحديث للشيخ العالمة الفهامة جالل الدين ابن العالمة‬
‫أبي بكر السيوطي تغمده اهلل برحمته وأسكنه فسيح جنته‪ .‬سميته‪:‬‬
‫"تنقيح القول الحثيث في شرح لباب الحديث"‬
‫واهلل أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم‪ ،‬وسببا للفوز بجنات النعيم‪ ،‬وأن يختم لكاتبه‬
‫بخير آمين آمين‪.‬‬
‫واعلم أن الباعث في كتابة هذا الشرح حاجة المحتاجين إليه‪ ،‬فإن هذا الكتاب كثير‬
‫التحريف والتصريف لعدم الشرح عليه‪ ،‬ومع ذلك كثر تداول الناس من أهل جاوة عليه‪ .‬وإني‬
‫لم أجد نسخة صحيحة فيه‪ ،‬ولم أقدر على تصحيحه‪ ،‬واستيفاء مراده لقصوري‪ ،‬إال أن بعض‬
‫الشر أهون من بعض‪ .‬وهذا الكتاب إن كان فيه حديث ضعيف ال ينبغي أن يهمل‪ ،‬ألن‬
‫الحديث الضعيف يعمل به في فضائل األعمال كما قال ابن حجر في تنبيه األخيار‪ ،‬والضعيف‬
‫حجة في الفضائل باتفاق العلماء‪ ،‬كما في شرح المهذب وغيره‪ ،‬واهلل المستعان‪ ،‬وعليه التكالن‬
‫وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‪.‬‬
‫(بسم اهلل الرحمن الرحيم) أي أؤلف فالباء بارىء البرايا‪ ،‬والسين ستار الخطايا‪ ،‬والميم‬
‫المنان بالعطايا‪ ،‬وقيل‪ :‬اهلل كاشف الباليا‪ ،‬والرحمن معطي العطايا‪ ،‬والرحيم غافر الخطايا‬
‫(الحمد هلل رب العالمين) فالحمد لغة الثناء باللسان على الجميل االختياري على جهة التعظيم‪،‬‬
‫سواء كان في مقابلة نعمة أم ال‪ ،‬فدخل في الثناء الحمد وغيره‪ ،‬وخرج باللسان الثناء بغيره‬
‫كالحمد النفسي‪ ،‬وخرج باالختياري المدح‪ ،‬فإنه يعم االختياري وغيره‪ ،‬والحمد عرفا فعل ينبىء‬
‫عن تعظيم المنعم من حيث إنه منعم على الحامد أو غيره‪ ،‬وسواء كان باللسان أم بالجنان أم‬
‫باألركان‪ ،‬والشكر لغة هو هذا الحمد‪ ،‬وعرفا صرف العبد جميع ما أنعم اهلل به عليه من السمع‬
‫وغيره إلى ما خلق ألجله‪ ،‬والمدح لغة الثناء باللسان على الجميل مطلقا على جهة التعظيم‪،‬‬
‫وعرفا ما يدل على اختصاص الممدوح بنوع من الفضائل‪ ،‬أفاد ذلك شيخ اإلسالم زكريا‬
‫األنصاري في رسالته (والعاقبة) أي المحمودة (للمتقين) أي المطيعين والمنزعين لقلوبهم عن‬
‫الذنوب (وال عدوان) أي ال ظلم (إال على الظالمين) أي بارتكاب المعاصي (والصالة والسالم‬
‫على خير خلقه) كلهم من اإلنس والجن والمالئكة (محمد) المنزل عليه تعظيما له قوله‬
‫شرا ونَ ِذيرا و َد ِ‬
‫اعيا إلى اهلل بإ ْذنِ ِه َو ِس َراجا‬ ‫اك َش ِ‬
‫اهدا َوُم ْب ِّ‬ ‫سبحانه وتعالى‪{ :‬يَا أيُّ َها النَّبِ ُّي إنَّا ْأر َسلْنَ َ‬
‫َ‬
‫ُمنِيرا} [األحزاب‪ ]46 :‬ويبشر المؤمنين بأن لهم من اهلل فضالً كبيرا (وعلى آله) أي أقاربه‬
‫المؤمنين من بني هاشم والمطلب‪ ،‬أو أتقياء أمته (وصحبه) والصحابي هو من اجتمع مؤمنا‬
‫بنبينا محمد صلى اهلل عليه وسلم بعد نبوته (أجمعين) توكيد لآلل والصحب‬
‫(أما بعد) أي بعد ما تقدم (فإني أردت أن أجمع كتابا لألخبار) أي األحاديث (النبوية) أي‬
‫المنسوبة للنبي ألنها أقواله صلى اهلل عليه وسلم (واآلثار) أي المنقوالت (المروية) أي عن‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم (بإسناد صحيح) فالصحيح هو ما اتصل سنده‪ ،‬وعدلت نقلته‪،‬‬
‫واإلسناد هو حكاية طريق المتن‪ ،‬والسند هو الطريق الموصلة إلى المتن فقولك أخبرنا فالن إلى‬
‫اآلخر إسناد‪ ،‬ونفس الرجال سند‪ ،‬والمتن هو ألفاظ الحديث الذي تقوم بها المعاني‪ .‬وقال ابن‬
‫جماعة‪ :‬هو ما ينتهي إليه غاية السند أفاد ذلك إبراهيم الشبرخيتي (وثيق) أي ضابط ناقل عن‬
‫مثله إلى المنتهى (فحذفت األسانيد) أي روما لالختصار‪ ،‬وهو جمع إسناد قال البدر بن‬
‫جماعة‪ :‬اإلسناد هو اإلخبار عن طريق المتن‪ ،‬والسند هو رفع الحديث إلى قائله‪ .‬قال النووي‪:‬‬
‫السند سالح المؤمن‪ ،‬فإذا لم يكن معه سالح فبم يقاتل؟ وقال الشافعي رضي اهلل عنه‪ :‬الذي‬
‫يطلب الحديث بال سند‪ ،‬كحاطب ليل يتحمل الحطب‪ ،‬وفيه أفعى وهو ال يدري (وجعلته‬
‫أربعين بابا في كل باب) منها (عشرة أحاديث) فمجموع األحاديث أربعمائة (وسميته) أي هذا‬
‫المجموع (لباب الحديث) واللباب خالف القشر (وأستعين باهلل العظيم) أي الكامل ذاتا وصفة‬
‫(على القوم الكافرين) في إقامة الدين‪ .‬ولما أراد المصنف إتيان المقصود أتى أوالً باألبواب‬
‫األربعين على سبيل السرد ليكون عنوانا لهذا الكتاب تسهيالً للمتناولين فقال‪:‬‬
‫(الباب األول في فضيلة العلم والعلماء) قال اهلل تعالى‪{ :‬فَ لَ ْوالَ نَ َف َر ِم ْن ُكلِّ فِ ْرقَ ٍة ِم ْن ُهم‬
‫طَائَِفةٌ لِيَتَ َف َّق ُهوا فِي الدِّي ِن} [التوبة‪( ]222 :‬الباب الثاني في فضيلة ال إله إال اهلل) قال الفخر‬
‫الرازي‪ :‬وقد ذكرت هذه الكلمة في القرآن في سبعة وثالثين موضعا‪ ،‬اثنان في البقرة وأربعة في‬
‫آل عمران‪ ،‬وواحد في النساء واثنان في األنعام‪ ،‬وواحد في األعراف واثنان في التوبة‪ ،‬وواحد‬
‫في يونس وفي هود وفي الرعد وفي النحل وثالثة في طه‪ ،‬واثنان في األنبياء وواحد في المؤمنين‬
‫وفي النمل‪ ،‬واثنان في القصص‪ ،‬وواحد في فاطر وفي الصافات وفي الزمر‪ ،‬وثالثة في المؤمن‬
‫وواحد في الدخان‪ ،‬وفي محمد واثنان في الحشر‪ ،‬وواحد في التغابن وفي المزمل (الباب‬
‫الثالث في فضيلة بسم اهلل الرحمن الرحيم) وقد قال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬الَ يُ َر ُّد ُد َعاءٌ َّأولُهُ‬
‫الرِح ِ‬
‫يم‬ ‫الر ْح ٰمن َّ‬ ‫القيَ َام ِة َو ُه ْم يَ ُقولُو َن بِ ْس ِم اهلل َّ‬
‫إن أمتي يأتُو َن ي وم ِ‬
‫يم قال‪َ :‬و َّ ّ َ َ ْ َ‬ ‫الرِح ِ‬ ‫بِ ْس ِم اهلل َّ‬
‫الر ْح ٰم ِن َّ‬
‫ين َّأم ِة ُم َح َّم ٍد صلى اهلل عليه وسلم؟‬ ‫ِ ِ‬
‫فَ تَتَثَاقَ ُل َح َسنَاتُ ُه ْم في الم َيزان فَ تَ ُقو ُل األَُم ُم‪ :‬ما َر َّج َح َموا ِز َ‬
‫ِ‬
‫أسماء اهلل‬ ‫أس َم ِاء ِم ْن‬ ‫ٍ‬ ‫ول األَنْبِياء لَهم‪ :‬كا َن مبتَ َدأُ َك ِ ِ‬
‫الم َّأمة ُم َح َّمد صلى اهلل عليه وسلم ثَالثَةَ ْ‬ ‫ُْ‬ ‫فَ تَ ُق ُ َ ُ ُ ْ‬
‫الكف ِة األُ ْخ َرى‬
‫الخل ِْق َج ِميعا في َّ‬ ‫ات َ‬ ‫ت َسيِّئَ ُ‬ ‫ض َع ْ‬‫ان‪ ،‬وو ِ‬
‫ُ‬
‫الميز ِ‬ ‫ِ‬
‫ت في َك ّفة ِ َ‬
‫ضع ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫الكر ِام‪ ،‬لَْو ُو َ‬‫تَ َعالَى َ‬
‫سنَاتُ ُه ْم قال‪َ :‬و َج َع َل اهلل تَ َعالَى ٰه ِذهِ اآلية ِش َفاءً ِم ْن ُك ِّل َد ٍاء‪َ ،‬و ِغنًى ِم ْن ُك ِّل فَ ْق ٍر‪َ ،‬و ِس ْترا‬ ‫ت َح َ‬ ‫لََر َج َح ْ‬
‫اءتِها»‪( .‬الباب الرابع في فضيلة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن النَّا ِر‪ ،‬وأمانا ِمن َ ِ‬
‫والم ْس ِخ َوال َق ْذف ما َد ُاموا َعلَى ق َر َ‬ ‫الخ ْسف َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اجتَ َم َع قَ ْوٌم‬
‫الصالة على النبي صلى اهلل عليه وسلم) قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ما ْ‬
‫ت َولَ ْم يَغْ ِسلْوهُ) (الباب الخامس‬ ‫فرقُوا َك َقوٍم تَ َف َّرقوا َعن م ْي ٍ‬
‫ص َّل َعلَ َّي ِف ِيه إالَّ تَ َّ‬ ‫في َم ْجلِ ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫س َولَ ْم يُ َ‬
‫في فضيلة اإليمان) قال القطب الرباني سيدي الشيخ عبد القادر الجيالني‪ ،‬ونعتقد أن من‬
‫أدخله اهلل تعالى النار بكبيرته مع اإليمان‪ ،‬فإنه ال يخلد فيها بل يخرجه منها‪ ،‬ألن النار في حقه‬
‫كالسجن في الدنيا يستوفى منه بقدر جريمته ‪ ،‬ثم يخرجه برحمة اهلل تعالى وال يخلد فيها‪ ،‬وال‬
‫تلفح وجهه النار‪ ،‬وال تحرق أعضاء السجود منه‪ ،‬ألن ذلك محرم على النار‪ ،‬وال ينقطع طمعه‬
‫من اهلل تعالى في كل حال ما دام في النار حتى يخرج منها‪ ،‬فيدخل الجنة‪ ،‬ويعطى الدرجات‬
‫على قدر طاعته التي كانت له في الدنيا (الباب السادس في فضيلة الوضوء) روي عن نافع‬
‫وء َعلَى‬ ‫ض َ‬‫الو ُ‬‫س َن ُ‬ ‫َح َ‬
‫ضأَ فَأ ْ‬ ‫رضي اهلل عنه عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪َ « :‬ما ِم ْن َع ْب ٍد تَ َو َّ‬
‫ِ‬
‫ض التي‬ ‫ْك األَ ْر ُ‬‫نات َوتَ ْستَ غْ ِف ُر لَهُ تِل َ‬ ‫ضوئِ ِه َع ْشر حس ٍ‬
‫َ ََ‬ ‫تَ ْرتيبِ ِه إالَّ أ ْعطَاهُ اهلل بِ ُك ِّل قَط َْرةٍ تَ ْقطُُر ِم ْن ُو ُ‬
‫القيَ َام ِة» (الباب السابع في فضيلة السواك) عن أبي هريرة رضي اهلل عنه‬ ‫تَوضَّأ َعلَي ها إلى ي وِم ِ‬
‫َْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫السو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اك َم َع ُك ِّل‬ ‫عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪( :‬لَْوالَ أ ْن أ ُش َّق على َّأمتي ألَ َم ْرتُ ُه ْم ب ِّ َ‬
‫وء) أخرجه مالك وأحمد والنسائي‪( .‬الباب الثامن في فضيلة األذان) عن جابر رضي اهلل عنه‬ ‫وض ٍ‬
‫ُ ُ‬
‫اج َع ْل‬ ‫فاح ِرْز َو ْ‬
‫ت ْ‬ ‫ت فَتَ َر َّس ْل‪َ ،‬وإذَا أقَ ْم َ‬ ‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال لبالل‪« :‬إذَا أذَّنْ َ‬
‫ك قَ ْد َر ما يَ ْف َرغُ اآلكِلُ ِم ْن أ ْكلِ ِه» رواه الترمذي وضعفه وعن أنس بن مالك‬ ‫ك َوإقَ َامتِ َ‬ ‫بَ ْي َن أذَانِ َ‬
‫واإلقام ِة) رواه النسائي (الباب‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫األذان‬ ‫قال‪ :‬قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬ال يُ َر ُّد ُّ‬
‫الد َعاءُ بَ ْي َن‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم َر ُجلٌ‬ ‫التاسع في فضيلة صالة الجماعة) عن أبي هريرة قال‪ :‬أتى َّ‬
‫أعمى فقال‪ :‬يا رسول ليس لي قائد يقودني إلى المسجد‪ ،‬فرخَّص له‪ ،‬فلما ولَّى دعاه فقال‪:‬‬
‫الصالةِ؟» قال نَ َع ْم‪ .‬قال‪« :‬فَأ َِج ْبهُ» رواه مسلم (الباب العاشر في فضيلة‬ ‫اء بِ َّ‬ ‫« َه ْل تَ ْس َم ُع النِّ َد َ‬
‫الج ُم َع ِة‬ ‫ِ‬
‫الجمعة) عن ابن عباس أنه قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬يَغْف ُر اهلل لَْي لَةَ ُ‬
‫أج َمعِين» وعن سلمان رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال لي رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫اإلسالم ْ‬ ‫أله ِل ْ‬ ‫ْ‬
‫آد ُم» قال بعضهم‪:‬‬ ‫الج ُم َع ِة؟ قلت‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬ألَ َّن فِ ِيه ُج ِم َع أبُ َ‬ ‫ِ‬
‫وك َ‬ ‫وسلم‪« :‬أتَ ْدري ل َم ُس ِّم َي يَ ْو ُم ُ‬
‫هو اجتماع قالب آدم وروحه بعد أن كان ملقى أربعين سنة‪ .‬وقال آخرون‪ :‬الجتماع آدم وحواء‬
‫بعد الفرقة الطويلة‪ .‬وقيل‪ :‬إنما سمي بذلك الجتماع أهل البالد والرساتيق فيه‪ .‬وقيل‪ :‬ألنه تقوم‬
‫الج ْم ِع} [التغابن‪ ]9 :‬ذكر‬ ‫ِ ِ‬
‫فيه القيامة وهو يوم الجمع قال اهلل تعالى‪{ :‬يَ ْو َم يَ ْج َم ُع ُك ْم ليَ ْوم َ‬
‫ذلك سيدي الشيخ عبد القادر الجيالني (الباب الحادي عشر في فضيلة المساجد) وهي‬
‫محال عبادات اهلل تعالى (الباب الثاني عشر في فضيلة العمائم) قال‬
‫بيوت اهلل تعالى‪ ،‬ألنها ّ‬
‫سيدي الشيخ عبد القادر الجيالني‪ :‬ويكره كل ما خالف زي العرب وشابه زي األعاجم (الباب‬
‫الثالث عشر في فضيلة الصوم) وعن الحسن عن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫يام ُجنَّةٌ ِم َن النَّا ِر َما لَ ْم يَ ْخ ِرقْهُ» قيل‪ :‬وما يخرقه؟ قال‪ :‬بكذبة أو‬
‫الص ُ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ِّ « :‬‬
‫بغيبة (الباب الرابع عشر في فضيلة الفرائض) من الصالة وغيرها قال عبد اهلل الصحابي ابن‬
‫الصالَةُ‬‫غسان في جواب سؤال منينا بن عبد المسيح الراهب قال نبينا صلى اهلل عليه وسلم‪َّ « :‬‬
‫ان‪َ ،‬و ِستْ ٌر‬
‫الرْز ِق وراحةٌ في األَب َد ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد َع ِاء َوقَبُ ُ‬
‫ول األَ ْع َمال َوبَ َرَكةٌ في ِّ َ َ‬ ‫إجابَةُ ُّ‬ ‫صلَةٌ ب ين ِ ِ ِ‬
‫الع ْبد َوَربِّه فيها َ‬
‫َْ َ َ‬
‫ِ‬
‫الجن َِّة» ثم قال عبد اهلل‪:‬‬ ‫ان‪ ،‬وجوا ٌز علَى ِّ ِ ِ‬
‫اح َ‬ ‫الصراط‪َ ،‬وم ْفتَ ُ‬ ‫الم َيز ِ َ َ َ َ‬ ‫ب ْي نَهُ وب ْين النَّا ِر‪ ،‬وثِْقل في ِ‬
‫َ ٌ‬ ‫َ ََ َ‬
‫والصالة جامعة لجميع الطاع ات‪ ،‬فمن جملتها الجهاد‪ ،‬فإذا المصلي يجاهد عدوين نفسه‬
‫والشيطان ففي الصالة الصوم‪ ،‬فإن المصلي ال يأكل وال يشرب‪ ،‬وزادت على الصيام بمناجاة‬
‫ربه‪ ،‬وفي الصالة الحج‪ ،‬وهو القصد إلى بيت اهلل‪ ،‬والمصلي قصد رب البيت‪ ،‬وزادت على‬
‫ضها اهلل‬ ‫ض ِ‬
‫ات افْ تَ َر َ‬ ‫الم ْفتَ َر َ‬ ‫ِ‬
‫يع ُ‬ ‫الحج بقربه من ملكوت ربه‪ .‬وقال نبينا صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬جم ُ‬
‫السماء َوأنا بَ ْي َن يَ َديْ ِه»‪.‬‬
‫ضها في َّ‬ ‫تَ َعالى فِي األَ ْرض إالَّ َّ‬
‫الصالة‪َّ ،‬‬
‫فإن اهلل افْ تَ َر َ‬
‫ومعنى رفع األيدي في الصالة للتكبير أن العبد غريق في بحار الخطايا والمعصية‪ ،‬فيرفع‬
‫يديه كأنه يقول‪ :‬يا رب اه خذ بيدي فإني غريق في بحار الخطايا والمعصية‪ ،‬هارب منك إليك‪.‬‬
‫ومعنى القراءة عتاب بين العبد وربه‪ ،‬ومعنى الركوع كأن المصلي يقول‪ :‬أنا عبدك وقد مددت‬
‫يدي إليك ومعنى الرفع من الركوع مع قول ربنا لك الحمد طلب العتق من الذنوب‪ ،‬فكأن اهلل‬
‫يقول‪ :‬أذنبت‪ ،‬فيقول العبد‪ :‬أنا عبدك‪ .‬ويقول اهلل قد أعتقتك من الذنوب‪ ،‬ومعنى السجدة‬
‫األولى ووضع الجبهة على األرض كأن العبد يقول منها‪ :‬خلقتني‪ .‬ومعنى الرفع منه كأنه يقول‪:‬‬
‫منها أخرجتني‪ .‬ومعنى السجدة الثانية كأن العبد يقول‪ :‬وفيها تعيدني‪ .‬ومعنى الرفع الثاني كأنه‬
‫يقول‪ :‬ومنها تخرجني تارة أخرى‪ ،‬ومعنى السالم‪ :‬اللهم أعطني كتابي بيميني وال تعطني كتابي‬
‫بشمالي‪( ،‬الباب الخامس عشر في فضيلة السنن) أي من صلوات خاصة (الباب السادس عشر‬
‫في فضيلة الزكاة) أي الشاملة لزكاة األموال واألبدان (الباب السابع عشر في فضيلة الصدقة)‬
‫قال سيدي الشيخ عبد القادر الجيالني‪ :‬وتستحب صدقة التطوع في سائر األوقات ليالً ونهارا‬
‫قليالً وكثيرا ال سيما في األشهر المباركة‪ ،‬كشهر رجب وشعبان‪ ،‬وشهر رمضان وأيام العيد‬
‫وعاشوراء‪ ،‬وأيام الجدب والضيق‪ ،‬ليحوز بذلك العافية في الجسم والمال واألهل والخلف‬
‫السريع في الدنيا‪ ،‬والثواب الجزيل في اآلخرة‪( .‬الباب الثامن عشر في فضيلة السالم)‬
‫ويستحب القيام لإلمام العادل والوالدين وأهل الدين والورع وأكرم الناس كما قال رسول اهلل‬
‫وموا إلى َسيِّ ِد ُكم» (الباب التاسع عشر في فضيلة الدعاء) وهو سيف‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬قُ ُ‬
‫ب لَ ُك ْم} [غافر‪ ]64 :‬وسئل إبراهيم بن‬ ‫المؤمن‪ ،‬قال اهلل تعالى‪{ :‬وقال ربكم ا ْد ُعونِي ْ ِ‬
‫أستج ْ‬
‫أدهم رحمه اهلل فقيل له‪ :‬ما بالنا ندعو اهلل فال يستجيب لنا؟ فقال‪ :‬ألنكم عرفتم الرسول‪ ،‬فلم‬
‫تتبعوا سنته‪ ،‬وعرفتم القرآن فلم تعملوا به‪ ،‬وأكلتم نعمة اهلل فلم تؤدوا شكرها‪ ،‬وعرفتم الجنة‬
‫فلم تطلبوها‪ ،‬وعرفتم النار فلم ترهبوا منها‪ ،‬وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ورافقتموه‪ ،‬وعرفتم‬
‫الموت فلم تستعدوا له‪ ،‬ودفنتم األموات فلم تعتبروا بهم‪ ،‬وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب‬
‫الناس‪( .‬الباب العشرون في فضيلة االستغفار) قال صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن أ ْكثَ َر ِم َن‬
‫ث الَ‬ ‫ضيق َم ْخ َرجا‪َ ،‬وَرَزقَهُ ِم ْن َح ْي ُ‬
‫االستِغْ َفا ِر َج َع َل اهلل َع َّز َو َج َّل لَهُ ِم ْن ُك ِّل َه ٍّم فَ َرجا‪َ ،‬وِم ْن ُك ِّل ٍ‬
‫ْ‬
‫آمنُوا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َ‬ ‫ب» (الباب الحادي والعشرون في فضيلة ذكر اهلل) قال اهلل تعالى‪{ :‬يَا أيُّ َها الذ َ‬ ‫يَ ْحتَس ُ‬
‫اذْ ُك ُروا اهلل ِذ ْكرا َكثِيرا} [األحزاب‪( ]26 :‬الباب الثاني والعشرون في فضيلة التسبيح) قال أبو‬
‫ذر رضي اهلل عنه‪ :‬قلت لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أي الكالم أحب إلى اهلل عز وجل؟‬
‫ِِ‬ ‫قال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬ما اصطََفى اهلل سبحانَهُ ِ ِ ِ‬
‫وس ْب َحا َن اهلل‬‫لمالئ َكته ُس ْب َحا َن اهلل َوبِ َح ْمده ُ‬‫ُ َ َ‬ ‫ْ‬
‫يم» (الباب الثالث والعشرون في فضيلة التوبة) قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن‬ ‫الع ِظ ِ‬
‫َ‬
‫تاب اهلل َعلَْي ِه» رواه مسلم وقال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫الشم ِ‬
‫س م ْن َمغ ِربها َ‬ ‫اب قَ ْب َل أ ْن تَطْلُ َع َّ ْ ُ‬ ‫تَ َ‬
‫الع ْب ِد َما لَ ْم يُغَ ْر ِغ ْر» رواه الترمذي وابن ماجه‪( .‬الباب الرابع والعشرون‬ ‫وسلم‪َّ « :‬‬
‫إن اهلل يَ ْقبَ ُل تَ ْوبَةَ َ‬
‫ال إلى اهلل تَ َعالى َم ْن أط َْع َم‬ ‫ب األَ ْعم ِ‬‫أح ُّ‬
‫في فضيلة الفقر) قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬‬
‫َ‬
‫ف َع ْنهُ ُك ْربَةً» رواه الطبراني (الباب الخامس‬ ‫ش َ‬‫ِم ْس ِكينا ِم ْن ُجوٍع ْأو َدفَ َع َع ْنهُ َمغْ َرما ْأو َك َ‬
‫الدنْيَا ُكلُّها‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪ُّ « :‬‬ ‫والعشرون في فضيلة النكاح) عن ابن عمر أن َّ‬
‫الصالِ َحةُ» رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه‪ .‬وعن أبي هريرة أن‬ ‫الم ْرأةُ َّ‬ ‫ِ‬
‫َمتَاعٌ َو َخ ْي ُر َمتَاعها َ‬
‫بيل اهلل‪،‬‬ ‫اه ُد في َس ِ‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬ثَالَثَةٌ ح ٌّق علَى عونُهم اهلل المج ِ‬
‫َُ‬ ‫َ َ َْ ُ ْ‬
‫الع َفاف» أي عفاف فرجه عن المحارم رواه‬ ‫َّاكح الذي يريد َ‬ ‫اء والن ُ‬ ‫ب الَّ ِذي يُ ِري ُد َ‬
‫األد َ‬
‫و ِ‬
‫الم َكات ُ‬‫َ ُ‬
‫أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم‪( .‬الباب السادس والعشرون في التشديد على‬
‫ت ِخ ٍ‬
‫صال‬ ‫فيه ِس َّ‬
‫إن ِ‬ ‫الزنَى فَ َّ‬
‫اح َذ ُروا ِّ‬
‫الزنى) وروي عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪ْ « :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدنْيا وثَالَثَةٌ في ِ‬
‫ب البَ َرَكةَ‪ ،‬وإذا‬ ‫الرْز َق َويُ ْذه ُ‬
‫ص ِّ‬‫الدنْيَا فإنَّهُ يُ ْنق ُ‬
‫اآلخ َرة فَ َّأما التي في ُّ‬ ‫ثَالَثَةٌ في ُّ َ َ‬
‫صيبه في ِ‬ ‫ت روحهُ تُحجب َع ِن اهلل‪ ،‬وي نْظُر إلى النَّا ِر و َّ ِ ِ‬
‫اآلخ َرة‪ :‬فَ يَ نْظُُر اهلل‬ ‫وأما الَّتي تُ ِ ُ ُ‬
‫الزبَانيَة‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َخ َر َج ْ ُ ُ ْ َ ُ‬
‫لس ٍ‬‫ب فَيسو ُّد وجههُ والثَّانِيةُ يكو ُن ِحساب ِه َش ِديدا‪ ،‬والثَّالِثَةُ يسحب فِي ِس ِ‬ ‫إلَْي ِه بِ َع ْي ِن الغَ َ‬
‫لة إلَى‬ ‫ُْ َ ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ‬ ‫ض ِ َ َْ َ ْ ُ‬
‫النَّا ِر» (الباب السابع والعشرون في التشديد على اللواط) قال عليه السالم سبعة لعنهم اهلل‬
‫تعالى وال ينظر إليهم يوم القيامة وال يزكيهم ولهم عذاب أليم ويقال لهم‪ :‬ادخلوا النار مع‬
‫الداخلين أولهم الفاعل والمفعول به في عمل قوم لوط‪ ،‬وناكح المرأة في دبرها‪ ،‬وناكح البهيمة‪،‬‬
‫وناكح البنت وأمها‪ ،‬والزاني بامرأة جاره‪ ،‬وناكح كفه إال أن يتوبوا (الباب الثامن والعشرون في‬
‫منع شرب الخمر) قال ابن مسعود إذا دفنتم شارب الخمر فانبشوه‪ ،‬فإن لم تجدوا وجهه‬
‫الخ ْم َر‬
‫الع ْب ُد َ‬
‫ب َ‬ ‫مصروفا عن القبلة فاقتلوني‪ ،‬فإن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬إذَا َش ِر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ات َس ِخ َ‬ ‫أربع م َّر ٍ‬
‫ص َدقَتُهُ‬ ‫صالتُهُ َوال َ‬‫ص ْوُمهُ َوال َ‬
‫اس ُمهُ في س ِّجين‪َ ،‬وال يُ ْقبَ ُل منْهُ َ‬ ‫ب ْ‬ ‫ط اهلل َعلَْيه‪ ،‬وُكت َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫وب» (الباب التاسع والعشرون في فضيلة الرمي) أي رمي السهام ألجل قتال الكفار‬ ‫إالّ أ ْن يَتُ َ‬
‫إلعالء دين اهلل تعالى‪( :‬الباب الثالثون في فضيلة بر الوالدين) قال صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫اح َدةٌ فَ هو جار إبلِ ِ‬ ‫اق والِ َديهِ وب ين إبلِيس فِي النَّا ِر إالَّ طَب َقةٌ و ِ‬ ‫ِّ‬
‫يس في النَّار‪َ ،‬ولَْي َ‬ ‫َُ َ ُ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫س بَ ْي َن َع َ ْ َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫«لَْي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الجنَّة» (الباب‬ ‫ار األَنْبِيَاء في َ‬ ‫بَ ْي َن بَ ِّار َوال َديْه َوبَ ْي َن األَنْبِيَاء في َ‬
‫الجنَّة إالَّ َد َر َجةٌ واح َدةٌ فَ ُه َو َج ُ‬
‫الحادي والثالثون في فضيلة تربية األوالد) قال صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن َرَزقَهُ اهلل َولَدا َولَ ْم‬
‫الولَ ُد أباهُ َعلَى تَ ْركِ ِه‬
‫ب َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫الولَ ُد َعلَى أبيه َويَ ْو َم القيَ َامة يُ َحاس ُ‬ ‫يُ َعلِّ ْمهُ ال ُق ْرآ َن إالَّ كا َن ُك ُّل ذَنْ ٍ‬
‫ب يَ ْع َملُهُ َ‬
‫ضي اهلل لَهُ َعلَْي ِه»‪ ،‬وكان علي يقول‪ :‬علِّموا أوالدكم القرآن تدخلوا الجنة‬ ‫آن وي ْق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ال ُق ْر َ َ‬ ‫تَ ْعل َ‬
‫بشفاعتهم يوم القيامة (الباب الثاني والثالثون في فضيلة التواضع) قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫أح ٌد هلل إالَّ َرفَ َعهُ اهلل»‪( .‬الباب الثالث‬ ‫اض َع َ‬ ‫اد اهلل َع ْبدا بِ َع ْف ٍو إالّ ِع ّزا‪ ،‬وما تَ َو َ‬ ‫وسلم‪َ « :‬ما َز َ‬
‫اعلُهُ»‪ .‬وقال صلى اهلل‬ ‫ت ح ْكم وقَِليل فَ ِ‬
‫الص ْم ُ ُ ٌ َ ٌ‬ ‫والثالثون في فضيلة الصمت) قال عليه السالم‪َّ « :‬‬
‫الش َّر ُكلَّهُ»‪ ،‬والقبقب هو البطن‬ ‫عليه وسلم‪َ « :‬م ْن ُوقِ َي َش َّر قَ ْب َقبِ ِه و َذبْ َذبِهِ َولَ ْقلَ ِق ِه فَ َق ْد وقِ َي َّ‬
‫والذبذب الفرج واللقلق اللسان (الباب الرابع والثالثون في فضيلة اإلقالل من األكل والنوم‬
‫ِ‬
‫إن األَ ْج َر‬ ‫ش فَ َّ‬ ‫العطَ ِ‬
‫الجوِع َو َ‬ ‫س ُك ْم بِ ُ‬ ‫والراحة) قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬جاه ُدوا أنْ ُف َ‬
‫ش»‪.‬‬ ‫ب إلى اهلل ِم ْن ُجوٍع َو َعطَ ٍ‬ ‫س م ْن َع َم ٍل َ‬
‫أح َّ‬ ‫يل اهلل‪ ،‬وإنَّه لَي ِ‬
‫ُ ْ َ‬ ‫اه ِد في َسبِ ِ‬ ‫ك كأج ِر المج ِ‬
‫في ٰذل َ ْ ُ َ‬
‫ِ ِ‬
‫(الباب الخامس والثالثون في فضيلة اإلقالل من الضحك) قيل لرسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫ض َي بما يَ ْستُ ُر ِبه َع ْوَرتَهُ» (الباب‬ ‫ض ِح ُكهُ ور ِ‬
‫ََ‬ ‫أي الناس أفضل؟ قال‪َ « :‬م ْن قَ َّل َمط َْع ُمهُ َو َ‬ ‫وسلم ُّ‬
‫عاد‬
‫السادس والثالثون في فضيلة عيادة المريض) قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إذا َ‬
‫ت ِف ِيه» (الباب السابع والثالثون في فضيلة‬ ‫الر ْح َم ِة فإذا قَ َع َد ِع ْن َدهُ قَ َّر ْ‬
‫اض في َّ‬ ‫المريض َخ َ‬‫َ‬ ‫الر ُج ُل‬
‫َّ‬
‫ذكر الموت) قال عائشة رضي اهلل عنها‪ :‬يا رسول اهلل هل يحشر مع الشهداء أحد؟ قال‪« :‬نَ َع ْم‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫من ي ْذ ُكر المو َ ِ‬
‫ين َم َّرًة» (الباب الثامن والثالثون في فضيلة ذكر القبر‬ ‫ت في اليَ ْوم َواللَّْي لَة ع ْش ِر َ‬ ‫َ ْ َ ُ َْ‬
‫ك يا‬ ‫وض ُع ِف ِيه َويْ َح َ‬
‫ين يُ َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ول ال َق ْب ُر لل َْميِّت ح َ‬ ‫وأهواله) قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬يَ ُق ُ‬
‫ود َما غَ َّر َك‬ ‫الد ِ‬
‫ت ُّ‬ ‫الو ْح َدةِ َوبَ ْي ُ‬
‫ت َ‬ ‫ت الظُّلْ َم ِة َوبَ ْي ُ‬ ‫الف ْت نَ ِة َوبَ ْي ُ‬
‫ت ِ‬ ‫آد َم ما غَ َّر َك بي أَلَ ْم تَ ْعلَ ْم أنِّي بَ ْي ُ‬‫ابْ َن َ‬
‫يب‬ ‫ِ‬
‫أجاب َع ْنهُ ُمج ٌ‬ ‫َ‬ ‫صلِحا‬ ‫ِّر أ ْخ َرى فإ ْن َكا َن ُم ْ‬ ‫ِّم ِر ْجالً َويُ َؤخ ُ‬ ‫أي يُ َقد ُ‬
‫ت تَ ُم ُّر بي فذاذا‪ْ ،‬‬ ‫بِي إ ْذ ُك ْن َ‬
‫ول ال َق ْب ُر‪ :‬إنِّي إذا أتَ َح َّو ُل َعلَْي ِه‬
‫الم ْن َك ِر فَيَ ُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لِلْ َق ْب ِر فَيَ ُق ُ‬
‫الم ْع ُروف َويَ ْن َهى َع ِن ُ‬ ‫ت إ ْن َكا َن يَ ُأم ُر ب َ‬ ‫ول َأرأيْ َ‬
‫وحهُ إلى اهلل تعالى»‪ ،‬وفي بعض النسخ تأخير هذا الباب عن‬ ‫َخ ِ‬
‫ص َع ُد ُر ُ‬
‫س ُدهُ نُورا‪ ،‬وتَ ْ‬
‫ود َج َ‬
‫ضراً َويَ ُع ُ‬
‫الباب الذي بعده‪( .‬الباب التاسع والثالثون في منع النياحة على الميت) قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫ور} [الفرقان‪ ]22 :‬قيل هي النائحة وفي صحيح البخاري ومسلم عن‬ ‫َّ ِ‬
‫الز َ‬
‫ين الَ يَ ْش َه ُدو َن ُّ‬
‫{ َوالذ َ‬
‫أبي موسى األشعري رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم برىء من الصالقة‬
‫والحالقة والشاقة قال النووي‪ :‬الصالقة التي ترفع صوتها بالنياحة‪ ،‬والحالقة التي تحلق شعرها‬
‫عند المصيبة‪ ،‬وا لشاقة التي تشق ثيابها عند المصيبة‪ ،‬وكل هذا حرام باتفاق العلماء انتهى‪.‬‬
‫ش ِر َّ ِ‬
‫ين} [البقرة‪:‬‬ ‫الصاب ِر َ‬ ‫(الباب األربعون في فضيلة الصبر على المصيبة) قال اهلل تعالى { َوبَ ِّ‬
‫اد ِم ْن‬ ‫ادى منَ ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫‪ ]552‬وروي عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪« :‬إذَا َكا َن يَ ْو ُم القيَ َامة نَ َ ُ‬
‫الخالئِ ُق‪َ :‬وَم ْن لَهُ َديْن َعلَى اهلل؟‬ ‫ول َ‬ ‫قِبَ ِل اهلل تَ َعالَى‪َ :‬م ْن لَهُ َديْ ٌن َعلَى اهلل تَ َعالى فَ لْيَ ُقم‪ ،‬فَ تَ ُق ُ‬
‫أج َرهُ ِم َن‬‫أخ ُذ ْ‬ ‫سابا هلل‪ ،‬فَ لْيَ ُق ْم يَ ُ‬ ‫ول المالئِ َكةُ‪ :‬م ِن ابتَالَهُ اهلل تَعالى بما ي ْح ِز ُن قَ لْبهُ فَصبر ْ ِ‬
‫احت َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَ تَ ُق ُ َ‬
‫الد ْع َوةُ تُ ْقبَلُ بِالَ بَيِّ نَ ٍة ُأرونا‬ ‫ول المالئِ َكةُ لَْيس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت َّ‬ ‫َ‬ ‫وم َخلْ ٌق َكث ٌير م ْن ْأه ِل البالء‪ .‬فَتَ ُق ُ َ‬ ‫اهلل تَ َعالَى‪ ،‬فَيَ ُق ُ‬
‫ت ِم َن‬ ‫ك لَ ْس َ‬ ‫ْع ْد َم َكانَ َ‬ ‫يح يَ ُقولُو َن لَهُ اق ُ‬ ‫ط ْأو َكالَ ٌم قَبِ ٌ‬ ‫ص ِحي َفتِ ِه َس َخ ٌ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص َحائ َف ُك ْم فَ َم ْن ُوج َد في َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ش فَيَ ُقولُو َن ٰيا َربَّنا ٰهؤالَء‬ ‫الع ْر ِ‬ ‫ال والنِّس ِاء إلَى تَ ْح ِ‬ ‫الصابِ ِرين ِمن ِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ت َ‬ ‫الر َج َ َ‬ ‫أخ ُذ المالئ َكةُ َّ َ َ‬ ‫رين َوتَ ُ‬‫الصاب َ‬
‫أصلُها ِم ْن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُّوه ْم إلى َش َج َرة البَ ل َْوى‪ ،‬فَ يَ ُردُّونَ ُه ْم إلى َش َج َرة ْ‬ ‫ول اهلل تَ َعالى‪ُ :‬رد ُ‬ ‫الصابِ ُرو َن فَيَ ُق ُ‬
‫اد َك َّ‬ ‫ِعبَ ُ‬
‫ِ‬ ‫الراكِ ِ ِ‬ ‫ِ ُّ ِ‬
‫سو َن تَ ْحتَ َها‪َ ،‬ويَتَ َجلَّى َ‬
‫الح ُّق‬ ‫ٍ‬
‫ب فيه مائَةَ عام‪ ،‬فَ يَ ْجل ُ‬ ‫ب َو ْأوَراقُها ُحلَ ٌل‪ ،‬وظلها يَس ُير َّ ُ‬ ‫َذ َه ٍ‬
‫ول‪ :‬يا‬ ‫لر ُج ِل‪َ ،‬ويَ ُق ُ‬ ‫الر ُج ُل لِ َّ‬
‫احدا‪ ،‬ثُ َّم يَ ْعتَ ِذ ُر إلَْي ِه ْم كما يَ ْعتَ ِذ ُر َّ‬ ‫احدا و ِ‬
‫َ‬
‫سبحانَه وتَعالَى ويسلِّم علَي ِهم و ِ‬
‫ُْ َ ُ َ َ َُ َ ُ َ ْ ْ َ‬
‫ط َعلَْي ُك ُم البَالَ َء لِ َكثْ َرةِ ذُنُوبُ ُك ْم َوأ ََوَزا ِرُك ْم‪ ،‬ألُبَلِّغَنَّ ُكم‬ ‫أح َّ‬
‫ت أ ْن ُ‬ ‫ين ما ابْتَ لَْيتُ ُك ْم إالَّ َأر ْد ُ‬ ‫ادي َّ ِ‬
‫الصاب ِر َ‬
‫ِ ِ‬
‫عبَ َ‬
‫ب ِم َيزانا‬ ‫صُ‬
‫ِ‬
‫استَ ْحيَ ْيتُ ْم منِّي‪َ ،‬وال أَنْ ُ‬
‫ِ‬
‫صبَ ْرتُ ْم ألَ ْجلي َو ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫به َد َر َجات َعاليَةً ما تَصلُو َن إلَْي َها بأَ ْع َمال ُك ْم‪ ،‬فَ َ‬
‫ِ‬
‫ول‪ :‬يا ِعبَادي ما ابْتَ لَْيتُ ُك ْم بِال َف ْق ِر‬ ‫ش ُر لَ ُك ْم ِديوانا‪ ،‬ثُ َّم يَ ْعتَ ِذ ُر ُس ْب َحانَهُ َوتَ َعالى إلى ال ُف َق َر ِاء يَ ُق ُ‬ ‫َوال أنْ ُ‬
‫أي َش ْي ٍء‬ ‫س ْبتَهُ‪ ،‬وفي ِّ‬ ‫ِ‬
‫َسأَلُهُ م ْن أَيْ َن ا ْكتَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدنْيَا َش ْيئا أُحاسبُهُ َعلَْيه‪َ ،‬وأ ْ‬ ‫َخ َذ ِم َن ُّ‬ ‫أن ُك َّل َم ْن أ َ‬ ‫إالَّ َّ‬
‫وسائِ ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت لَ ُكم ال َف ْقر لِي ِخ َّ ِ‬
‫الع ْميَان‪َ ،‬‬ ‫سابُ ُك ْم‪ ،‬ثُ َّم يَ ْعتَذ ُر ُس ْب َحانَهُ َوتَ َعالى إلى ُ‬ ‫فحَ‬ ‫فأحبَْب ُ ْ َ َ‬ ‫أَ ْخ َر ْجتَهُ‪ْ ،‬‬
‫ات‬‫يم‪ ،‬ثُ َّم ي ْؤمر بِراي ٍ‬
‫ُ َُ َ َ‬ ‫الع ِظ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َل لَ ُه ْم م َن األَ ْج ِر َ‬ ‫اض‪ ،‬فَيَ ْف َر ُحو َن غَايَةَ ال َف َر ِح بِ َما َح َ‬ ‫األم َر ِ‬
‫اب ْ‬ ‫أص َح ِ‬ ‫ْ‬
‫ت بَ ْي َن أيْ ِدي ِه ُم َو ُه ْم‬ ‫َّجائِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اج َق ِمثْ ِل ص ِ‬ ‫ِوصنَ ِ‬
‫الرايَا ُ‬‫ب َو َّ‬ ‫ْخ ُذ ُه ُم المالئ َكةُ على الن َ‬ ‫ناج ِق األَُم َراء ثُ َّم تَأ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫المالئِ َكةُ ٰهؤالَِء‬ ‫ول َ‬ ‫ؤالء ُشهداءٌ ْأو أنْبِياءٌ؟ فَتَ ُق ُ‬ ‫سائِرو َن إلى الجن َِّة‪ ،‬فَي ْنظُر النَّاس إلَي ِهم فَي ُقولُو َن أ َٰه ِ‬
‫ُ ْ ْ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫الجن َِّة َ‬ ‫صلُوا إلى بَ ِ‬ ‫الدنْيا‪ ،‬بِ ِ‬ ‫قَ وم صب روا َعلَى َّ ِ ِ ِ‬
‫ض َوا ُن‬ ‫قال لَ ُه ْم ُر ْ‬ ‫اب َ‬ ‫ص ْب ِره ْم نَالُوا‪ ،‬فإذا َو َ‬ ‫الش َدائد في ُّ َ َ‬ ‫ْ ٌ ََ ُ‬
‫س َعلَْي ِه ْم‬ ‫هؤالء َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫المالئِ َكةُ‪:‬‬ ‫ب لَ ُه ْم ِميزا ٌن؟ فَ تَ ُق ُ‬ ‫َّ ِ‬
‫الصاب ُرو َن لَْي َ‬ ‫ول َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ين لَ ْم يُ ْن َ‬‫َم ْن ٰهؤالء ال َق ْو ُم الذ َ‬
‫اه ُم المالئِ َكةُ َوال ِولْدا ُن‬ ‫ين‪ ،‬فَيَ ْد ُخلُو َن فَ تَتَ لَ َّق ُ‬ ‫اب‪ ،‬فافْ تَح لَ ُهم الجنَّةَ لِي ْقع ُدوا في قُ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫صوِره ْم آمن َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ َ َ ُ‬ ‫س ٌ‬ ‫حَ‬
‫عام يَتَ َف َّر ُجو َن َعلَى ِحس ِ‬
‫الجن َِّة َخمسمائَ ِة ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخل ِْق‪،‬‬
‫اب َ‬ ‫َ‬ ‫بال َف َر ِح َوالتَّ ْكبي ِر‪ ،‬فَ يَ ْجل ُ‬
‫سو َن على َش َرائف َ‬
‫رين» كذا في الجواهر للشيخ أبي الليث السمرقندي‪ ،‬ولما ذكر المصنف أوالً‬ ‫فَطُوبَى لِ َّ ِ‬
‫لصاب َ‬
‫األربعين بابا بالسرد ذكر مثلها بعد على نسق ما تقدم باألحاديث فقال‪:‬‬

‫{الباب األول‪ :‬في فضيلة العلم والعلماء}‬


‫الق ْس ِط} [آل عمران]‬
‫قال اهلل تعالى‪َ { :‬ش ِه َد اهلل ال ٰإلهَ إالَّ ُهو والمالئِ َكةُ وأُولُو العِل ِْم قائِما بِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫فانظر كيف بدأ سبحانه وتعالى بنفسه‪ ،‬وثنَّى بالمالئكة‪ ،‬وثلث بأهل العلم‪ ،‬وناهيك بهذا شرفا‬
‫وفضالً‪.‬‬
‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم البن مسعود رضي اهلل عنه) واسمه عبد اهلل وكان صاحب‬
‫سير رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ووساده ونعليه وطهوره في السفر‪ ،‬وكان خفيف اللحم‬
‫قصيرا جدا نحو ذراع‪ ،‬شديد األدمة‪ ،‬وكان من أجود الناس ثوبا وأطيب الناس ريحا‪ ،‬وكان دقيق‬
‫الساقين‪ ،‬أخذ يجتني سواكا من األراك‪ ،‬فجعلت الريح تكفؤه فضحك القوم منه فقال رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬لِ َم تَ ْ‬
‫ض َح ُكو َن؟» فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل من دقة ساقيه فقال‪« :‬والَّ ِذي‬
‫ُح ٍد» وكان هو كثير الولوج عليه صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫نَ ْفسي بِيَده لَ ُه َما في الم َيزان أَثْ َق ُل م ْن أ ُ‬
‫ويمشي معه‪ ،‬وأمامه بالعصا ويستره إذا اغتسل ويوقظه إذا نام ويلبسه نعليه إذا قام فإذا جلس‬
‫أدخلهما في ذراعيه (يا ابن مسعود جلوسك ساعة) أي من الزمان ليالً كان أو نهارا (في مجلس‬
‫العلم) وفي لفظ حلقة العالم (ال تمس) فتح الميم (قلماً وال تكتب حرفا خير لك من عتق) أي‬
‫إعتاق (ألف رقبة) أي عبدا أو أمة (ونظرك إلى وجه العالم) أي بنظر المحبة خير لك من ألف‬
‫فرس تصدقت بها في سبيل اهلل) أي في جهاد الكفار إلعالء دين اهلل تعالى (وسالمك على‬
‫العالم خير لك من عبادة ألف سنة) كذا ذكره الحافظ المنذري في الدرة اليتيمة‪ ،‬وعن عمر بن‬
‫شى إلى َحلْ َق ِة عال ٍم كا َن لَهُ بِ ُك ِّل َخط َْوةٍ مائَةُ‬ ‫الخطاب قال‪ :‬سمعت رسول اهلل يقول‪َ « :‬م ْن َم َ‬
‫سنةٌ» كذا ذكره النووي في رياض‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫حسن ٍة‪ ،‬فإذَا جلَ ِ‬
‫ول كا َن لَهُ ب ُك ِّل َكل َمة َح َ‬
‫استَ َم َع ما يَ ُق ُ‬
‫س عنْ َدهُ َو ْ‬
‫َ َ‬ ‫َ ََ‬
‫الصالحين‪.‬‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬فقيه) أي عالم بعلم الشريعة (واحد متورع) أي متكلف بترك‬
‫المحارم فهو المبتدىء في ذلك (أشد على الشيطان من ألف عابد مجتهد) أي في العبادة‬
‫(جاهل) أي بما يطرأ عليها (ورع) أي تارك للمحارم‪ ،‬فهو المنتهي في الكف عن المحارم‪،‬‬
‫وذلك ألن الشيطان كلما فتح بابا على الناس من األهواء وزين الشهوات في قلوبهم بين الفقيه‬
‫العارف مكايده‪ ،‬فيسد ذلك الباب ويجعله خائبا خاسرا بخالف العابد‪ ،‬فإنه ربما يشتغل‬
‫بالعبادة وهو في حبائل الشيطان وال يدري‪ ،‬أفاد ذلك العزيزي نقالً عن الطيبي‪ ،‬وفي رواية‬
‫الترمذي وابن ماجه عن ابن عباس‪ :‬فقيهٌ واح ٌد ُّ‬
‫أشد على الشيطان من ألف عابد‪.‬‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬فضل العالم) أي العامل بعلمه (على العابد كفضل القمر ليلة‬
‫البدر على سائر الكواكب) المراد بالفضل كثرة الثواب الشامل لما يعطيه اهلل للعبد في اآلخرة‬
‫من درجات الجنة ولذاتها ومآكلها ومشاربها ومناكحها‪ ،‬وما يعطيه اهلل تعالى للعبد من مقامات‬
‫القرب ولذة النظر إليه‪ ،‬وسماع كالمه رواه أبو نعيم عن معاذ بن جبل‪ .‬وفي رواية للحارث بن‬
‫ضلِي‬‫العابِ ِد َك َف ْ‬ ‫ضل ِ‬
‫العال ِم َعلَى َ‬‫أبي أسامة عن أبي سعيد الخدري عنه صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬فَ ْ ُ َ‬
‫ضلِي َعلَى أ ْدنَا ُك ْم»‬
‫العابِ ِد َك َف ْ‬ ‫ضل ِ‬
‫العال ِم َعلَى َ‬
‫ِ‬
‫َعلَى أ َُّمتي» وفي رواية للترمذي عن أبي أمامة‪« :‬فَ ْ ُ َ‬
‫أي نسبة شرف العالم إلى شرف العابد كنسبة شرف النبي إلى أدنى شرف الصحابة‪ .‬قال‬
‫الغزالي‪ :‬فانظر كيف جعل العلم مقارناً لدرجة النبوة وكيف حط رتبة العمل المجرد عن العلم‪،‬‬
‫وإن كان العابد ال يخلو عن علم بالعبادة التي يواظب عليها‪ ،‬ولواله لم تكن عبادة‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من انتقل) أي تحول ماشيا أو راكبا من محل إلى محل آخر‬
‫(ليتعلم علما) من العلوم الشرعية (غفر له) أي ما تقدم من ذنبه الصغائر (قبل أن يخطو) أي‬
‫خطوة من موضعه إذا أراد بذلك وجه اهلل تعالى رواه الشيرازي عن عائشة‪.‬‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم أكرموا العلماء) أي بعلوم الشرع العاملين بأن تعاملوهم‬
‫باإلجالل واإلحسان إليهم بالقول والفعل‪( .‬فإنهم عند اهلل كرماء) أي مختارون (مكرمون) أي‬
‫العالِ ُم فِي َم ْجلِ ِس ِه‬
‫ث َ‬ ‫عند المالئكة‪ .‬وعن أبي هريرة قال‪ :‬سمعت رسول اهلل يقول‪« :‬إذا تَ َح َّد َ‬
‫ت ِم ْن فَ ِمهِ َملَكا يَ ْستَ غْ ِف ُر اهلل‬ ‫بِالعِل ِْم َولَ ْم يَ ْد ُخلْهُ َه ْزٌل َوال لَغٌْو‪َ ،‬خلَ َق اهلل تَ َعالَى ِم ْن ُك ِّل َكلِ َمةٍ طَلَ َع ْ‬
‫ين لَ ُه ْم» ثم قال‪ُ « :‬هم ال َق ْو ُم الَ يَ ْش َقى بِ ِه ْم‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫لَهُ ِولِ ِ ِ ِ‬
‫ص َرفُوا َمغْ ُفوِر َ‬
‫سامعه إلَى يَ ْوم القيَ َامة فإذا انْ َ‬ ‫َ‬
‫يس ُه ْم»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َجل ُ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من نظر إلى وجه العالم نظرة) أي واحدة (ففرح بها) أي‬
‫بتلك النظرة(خلق اهلل تعالى من تلك النظرة ملكا يستغفر) أي ذلك الملك (له) أي الناظر (إلى‬
‫يوم القيامة) وكان علي بن أبي طالب يقول‪ :‬النظر إلى وجه العالم عبادة ونور في النظر ونور في‬
‫القلب‪ ،‬فإذا جلس العالم للعلم كان له بكل مسألة قصر في الجنة‪ ،‬وللعامل بها مثل ذلك كذا‬
‫في رياض الصالحين‪.‬‬
‫(وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من أكرم عالما فقد أكرمني) أي ألنه حبيبي (ومن‬
‫أكرمني فقد أكرم اهلل) أي ألني حبيبه (ومن أكرم اهلل فمأواه الجنة) أي ألنها محال سكنى‬
‫ِ ِ‬
‫اء فإنَّ ُه ْم َوَرثَةُ األَنْبيَاء‪ ،‬فَ َم ْن َ‬
‫أكرَم ُه ْم‬ ‫أحباء اهلل تعالى وقال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬أ ْك ِرُموا ُ‬
‫العلَ َم َ‬
‫فَ َق ْد أَ ْك َرَم اهلل َوَر ُسولَهُ» رواه الخطيب البغدادي عن جابر‪.‬‬
‫اه ِل) أي نوم العالم الذي‬ ‫ادةِ الج ِ‬ ‫(وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬نَوم العالِ ِم أَفْ َ ِ ِ‬
‫ض ُل م ْن عبَ َ َ‬ ‫ُْ َ‬
‫يراعي آداب العلم أفضل من عبادة الجاهل الذي ال يسلم آداب العبادة‪ ،‬وفي رواية ألبي نعيم‬
‫عن سلمان بإسناد ضعيف نوم على علم خير من صالة على جهل‪ ،‬أي ألنه قد يظن المبطل‬
‫مصححا والممنوع جائزا كما قال ضرار بن األزور الصحابي من عبد اهلل بجهل كان ما يفسد‬
‫أكثر مما يصلح‪ .‬وكما قال واثلة بن األسقع‪ :‬المتعبد بغير فقه كحمار الطاحون‪.‬‬
‫(وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن تَ َعلَّ َم بَابا ِم َن العِل ِْم يَ ْع َم ُل ِبه ْأو لَ ْم يَ ْع َم ْل ِبه َكا َن‬
‫ْف َرْك َع ٍة تَطَُّوعا) وهذا يدل على أن العلم أشرف جوهرا من العبادة‪ ،‬ولكن‬ ‫صلِّي أَل َ‬ ‫أَفْ َ ِ‬
‫ض َل م ْن أَ ْن يُ َ‬
‫ال بد للعبد من العبادة مع العلم‪ ،‬وإال كان علمه هباء منثورا كما روي عن أبي هريرة عن النبي‬
‫ش َهادةِ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫وحهُ َعلى غَْي ِر ال َّ‬ ‫ع اهلل ُر َ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪« :‬ما م ْن َعال ٍم ال يَ ْع َم ُل بِعِل ِْم ِه إالّ نَ َز َ‬
‫الدنْيا و ِ‬ ‫فاج ُر َخ ِس ْر َ‬‫السم ِاء يا ِ‬ ‫ٍِ‬
‫اآلخ َرَة» وعن عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه‬ ‫ت ُّ َ َ‬ ‫اداهُ ُمنَاد م َن َّ َ‬ ‫َونَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫إن ِ‬
‫ْم‬
‫العال َم إذا لَ ْم يَ ْع َم ْل بعلْمه لَ َعنَهُ العل ُ‬ ‫قال‪ :‬سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪َ َّ « :‬‬
‫ٍ‬
‫ص ِحي َفتِ ِه‬ ‫الح َفظَةُ ُك َّل يَ ْوم َخ ْتما على َ‬ ‫ب َ‬ ‫س‪َ ،‬وتَ ْكتُ ُ‬ ‫الش ْم ُ‬‫ت َعلَْي ِه َّ‬ ‫ِم ْن َج ْوفِ ِه‪َ ،‬ويَل َْعنُهُ ُك ُّل َش ْي ٍء طَلَ َع ْ‬
‫ك لَ ْعنَةُ‬ ‫وق َسيِّ ِدهِ‪ ،‬يا َم ْن ال يَ ْع َم ُل بَعِل ِْم ِه َعلَْي َ‬ ‫ضيِّع ح ُق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٰهذا عب ٌد آيِ ِ‬
‫س م ْن َر ْح َمة اهلل يا َع ْب َد اهلل يا ُم َ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫الشه َ ِ‬
‫اإليمان»‪.‬‬ ‫ت َعلى‬ ‫الم ْو َ‬
‫حرُم َ‬ ‫ادة‪ ،‬ويُ َ‬ ‫وحهُ على غَْي ِر َّ َ‬ ‫ع اهلل ُر َ‬ ‫ات نَ َز َ‬‫اهلل‪ ،‬فإذا َم َ‬
‫صافَ َح َعالِما فَ َكأَنَّما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َز َار َعالما فَ َكأَنَ َّما َز َارني‪َ ،‬وَم ْن َ‬
‫َجلَ ْستُهُ َمعِي‬ ‫سنِي في ُّ‬ ‫سنِي في ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدنْيَا أ ْ‬ ‫الدنْيَا‪َ ،‬وَم ْن َجالَ َ‬ ‫س َعالما فَ َكأَنَّما َجالَ َ‬ ‫صافَ َحني‪َ ،‬وَم ْن َجالَ َ‬ ‫َ‬
‫القيَ َام ِة) وعن أنس بن مالك أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪َ « :‬م ْن َز َار َعالِما فَ َق ْد‬ ‫ي وم ِ‬
‫َْ َ‬
‫يد» وعن أبي هريرة قال‪:‬‬ ‫اعتي‪ ،‬وكا َن لَهُ بِ ُكلِّ َخطْوةٍ أَجر َش ِه ٍ‬ ‫ت له َش َف َ‬ ‫َز َارنِي‪َ ،‬وَم ْن َز َارنِي َو َجبَ ْ‬
‫َ ُْ‬
‫الجنَّةَ» وعن‬ ‫ت لَهُ َعلى اهلل َ‬ ‫سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪َ « :‬م ْن َز َار َعالِما َ‬
‫ض ِم ْن ُ‬
‫أي فِي قَ ْب ِرهِ ثُ َّم‬ ‫ِ‬
‫علي بن أبي طالب أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن َز َار َعالما ْ‬
‫ف‬ ‫اب اهلل أ ْعطَاه اهلل تَعالَى بِع َد ِد خطَواتِهِ قُصورا فِي الجن َِّة وَكا َن لَه بِ ُك ِّل حر ٍ‬ ‫قَ رأَ ِع ْن َدهُ آيةً ِم ْن كِتَ ِ‬
‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب»‪ ،‬كذا في رياض الصالحين‪.‬‬ ‫الجن َِّة ِم ْن َذ َه ٍ‬
‫ص ٌر في َ‬
‫ِ‬
‫قَ َرأَهُ َعلَى قَ ْب ِره قَ ْ‬
‫{الباب الثاني‪ :‬في فضيلة ال إله إالَّ اهلل}‬
‫ال ال‬ ‫قال الفاكهاني‪ :‬إن مالزمة ذكرها عند دخول المنزل تنفي الفقر‪ ،‬وقد ورد أن‪َ « :‬م ْن قَ َ‬
‫ول اهلل فإ ْن لَ ْم يَ ُك ْن لَهُ‬‫ب ِم َن ال َكبَائِ ِر‪ .‬قالوا‪ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ت لَه أرب عة ٍ‬
‫آالف ذَنْ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ٰإلهَ إالَّ اهلل َوَم َّدها ُهد َم ْ ُ َْ َ‬
‫جيرانِِه» رواه البخاري اه سنوسي‪.‬‬ ‫َشيء ِمن ال َكبائِر؟ قال‪ :‬ي غْ َفر ْ ِ ِ ِ‬
‫ألهله ول َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ٌْ َ َ‬
‫ال ُك َّل يَ ْوٍم ال ٰإلهَ إالَّ اهلل ُم َح َّم ٌد َر ُس ُ‬
‫ول اهلل َمائَةَ َم َّرة‬ ‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن قَ َ‬
‫القيَ َام ِة َوَو ْج ُههُ َكال َق َم ِر لَْي لَةَ البَ ْد ِر) أي التمام وهو ليلة أربعة عشر‪.‬‬
‫جاء ي وم ِ‬
‫َ َ َْ َ‬
‫الذ ْك ِر ال ٰإلهَ إالَّ اهلل) أي ألنها كلمة التوحيد‪ ،‬والتوحيد‬ ‫ضل ِّ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أَفْ َ ُ‬
‫ال يماثله شيء‪ ،‬وألن لها تأثيرا في تطهير الباطن فيفيد نفي اآللهة بقوله ال إله‪ ،‬ويثبت الوحدانية‬
‫هلل تعالى بقوله إال اهلل‪ ،‬ويعود الذكر من ظاهر لسانه إلى باطن قلبه‪ ،‬وألن اإليمان ال يصح إال‬
‫بها‪ ،‬أي مع محمد رسول اهلل‪ ،‬وليس هذا فيما سواها من األذكار (وأفضل الدعاء الحمد هلل)‬
‫قيل‪ :‬إنما جعل الحمد أفضل‪ ،‬ألن الدعاء عبارة عن ذكر‪ ،‬وأن يطلب منه حاجته‪ ،‬والحمد هلل‬
‫يشملها فإن من حمد اهلل إنما يحمد على نعمة‪ ،‬والحمد على النعمة طلب مزيد قال تعالى‪:‬‬
‫{لَئِ ْن َش َك ْرتُ ْم ألَ ِزي َدنَّ ُك ْم} [إبراهيم‪ ]2 :‬أفاد ذلك العزيزي‪ ،‬روى هذا الحديث الترمذي والنسائي‬
‫وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن جابر‪.‬‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم قال اهلل تعالى) أي في الحديث القدسي والكالم األنسي (ال‬
‫إله إال اهلل كالمي وأنا هو من قالها دخل حصني) بكسر الحاء (ومن دخل حصني أمن من‬
‫عقابي) أخرجه الشيرازي عن علي‪ .‬وفي نسخة لهذا الكتاب وقال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬ال ٰإلهَ‬
‫اب اهلل» وعن عبد الواحد بن زيد أنه قال‪ :‬كنت‬ ‫صنِي ِأم َن ِم ْن َع َذ ِ‬ ‫ِ‬
‫صنِي َوَم ْن َد َخ َل ح ْ‬
‫ِ‬
‫إالَّ اهلل ح ْ‬
‫في مركب فطرحتنا الريح على جزيرة‪ ،‬فخرجنا إلى الجزيرة فرأينا شخصا يعبد صنما فقلنا له‪:‬‬
‫تعبد هذا الصنم وفينا من يصنع مثله؟ فقال‪ :‬أنتم من تعبدون؟ فقلنا‪ :‬نعبد إلها في السماء عرشه‬
‫وفي األرض بطشه وفي البحر سبيله قال‪ :‬من أعلمكم به؟ قلنا‪ :‬أرسل إلينا رسوالً‪ .‬قال‪ :‬ما فعل‬
‫بالرسول؟ قلنا قبضه الملك إليه‪ .‬قال‪ :‬فهل ترك عندكم من عالمة؟ قلنا‪ :‬نعم كتاب الملك‪،‬‬
‫قال‪ :‬هل عندكم منه شيء؟ فشرعنا نقرأ عليه سورة الرحمن‪ ،‬فما زال يبكي حتى ختمت‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬ما ينبغي أن يعصى صاحب هذا الكالم‪ ،‬ثم عرضنا عليه اإلسالم فأسلم وحملناه معنا في‬
‫السفينة فلما جن الليل وصلينا العشاء أخذنا مضاجعنا للنوم فقال لنا‪ :‬هذا اإلله الذي دللتموني‬
‫عليه ينام؟ قلنا بل هو حي قيوم ال ينام‪ .‬قال‪ :‬بئس العبيد أنتم تنامون وموالكم ال ينام‪ ،‬فلما‬
‫وصلنا البر وأردنا االنصراف جمعنا له شيئا من الدراهم فقال‪ :‬ما هذا؟ قلنا تستعين به على‬
‫نفسك‪ .‬فقال‪ :‬دللتموني على طريق ما أراكم سلكتموها أنا كنت أعبد غيره فلم يضيعني‬
‫أفيضيعني اآلن بعد ما عرفته‪ ،‬فلما كان بعد ثالثة أيام قيل لي‪ :‬إنه في النزع فجئت إليه وقلت‬
‫له‪ :‬هل من حاجة؟ فقال‪ :‬قضى حوائجي الذي أخرجني من الجزيرة ونمت عنده‪ ،‬فرأيت جارية‬
‫في روضة خضراء وهي تقول‪ :‬عجلوا به في سالم فقد طال شوقي إليه‪ ،‬فاستيقظت وقد مات‬
‫فدفنته ونمت تلك الليلة فرأيته في المنام وعلى رأسه تاج وبين يديه الحور العين وهو يقرأ‬
‫الدا ِر} [الرعد‪:‬‬ ‫صبَ ْرتُ ْم فَنِ ْع َم ُع ْقبَى َّ‬ ‫الم َعلَْي ُك ْم بما َ‬ ‫باب َس ٌ‬‫المالَئِ َكةُ يَ ْد ُخلُو َن َعلَْي ِه ْم ِم ْن ُك ِّل ٍ‬
‫{ َو َ‬
‫‪.]62‬‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أَدُّوا َزَكاةَ أبْ َدانِ ُك ْم بَِق ْو ِل ال إلٰهَ إالَّ اهلل) وأخرج ابن عساكر عن‬
‫إن قَ ْو َل ال ٰإلهَ إالَّ اهلل تَ ْدفَ ُع َع ْن قَائِلها‬ ‫ابن عباس قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َّ « :‬‬
‫اله ُّم»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اها َ‬ ‫ين بابا م َن البَالء أ ْدنَ َ‬‫ت ْس َعةً َوت ْسع َ‬
‫ضر لَهُ جنَاح ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫ان‬ ‫ال ال ٰإلهَ إالَّ اهلل َخ َر َج م ْن فيه طائ ٌر أ ْخ َ ُ َ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن قَ َ‬
‫َّح ِل‪،‬‬
‫ي الن ْ‬ ‫ش َك َد ِو ِّ‬ ‫الع ْر ِ‬
‫ت َ‬ ‫ي تَ ْح َ‬ ‫الس َم ِاء فَيُ ْس َم ُع له َد ِو ٌّ‬ ‫ص َع ُد إلى َّ‬ ‫الد ِّر والياقُ ِ‬
‫وت يَ ْ‬ ‫ِِ‬
‫ضان ُم َكلَّالن ب ُّ َ‬
‫أب ي َ ِ‬
‫َْ‬
‫ك لِلطَّائِ ِر َس ْب ُعو َن‬ ‫احبي فَ يُ غْ َف ُر لَِقائِلِها‪ ،‬ثُ َّم يُ ْج َع ُل بَ ْع َد ٰذلِ َ‬‫ول ال حتَّى تَغْ ِفر لِص ِ‬
‫َ‬ ‫اس ُك ْن فَ يَ ُق ُ َ‬ ‫ال لَهُ ْ‬ ‫فَ يُ َق ُ‬
‫ِ‬ ‫اء ٰذلِ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫لِسانا تَستَ غْ ِفر لِ ِ ِ ِ‬
‫ك الطَّائُِر يَ ُكو ُن قَائِ َدهُ َو َدليلَهُ‬ ‫صاحبه إلى يَ ْوم القيَ َامة‪ ،‬فإذَا كا َن يَ ْو ُم القيَ َامة َج َ‬ ‫َ ْ ُ َ‬
‫الجن َِّة»‪.‬‬
‫إلى َ‬
‫ال اهلل‬ ‫ول ال ٰإلهَ إالَّ اهلل ُم َح َّم ٌد َر ُسول اهلل إالَّ قَ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬ما ِم ْن َع ْب ٍد يَ ُق ُ‬
‫ت لَهُ َما تَ َق َّد َم ِم ْن ذَنْبِ ِه َوَما‬‫ص َد َق َع ْب ِدي أنا اهلل ال ٰإلهَ إالَّ أنا أُ ْش ِه ُد ُك ْم يا َمالئَ َكتِي قَ ْد غَ َف ْر ُ‬ ‫تَ َعالى َ‬
‫تَأَخَّر)‪ .‬أي من الصغائر‪.‬‬
‫ال ال ٰإلهَ إالَّ اهلل َخالِصا) أي من الرياء مثالً ( ُم ْخلِصا) أي‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن قَ َ‬
‫الجنَّةَ) أي مع السابقين‪ ،‬وأخرج الحكيم عن زيد بن األرقم قال قال رسول‬ ‫من المنهيات ( َد َخ َل َ‬
‫ِ‬
‫الجنَّةَ قيل‪ :‬يا رسول اهلل وما‬ ‫ال ال ٰإلهَ إالَّ اهلل ُم ْخلصا َد َخ َل َ‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن قَ َ‬
‫الم َحا ِرِم»‪.‬‬
‫إخالصها؟ قال‪ :‬أَ ْن تَ ْح ُج َزهُ َع ِن َ‬
‫ُ‬
‫آخر َك ِ‬
‫الم ِه ال ٰإلهَ إالَّ اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ٰ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن كا َن َّأو ُل َكالَمه ال إلهَ إالَّ اهلل َو ُ‬
‫اح ٍد) وروي أنه‬ ‫بوِ‬ ‫ف سيِّئَ ٍة) أي ذنب صغير (إ ْن َعاش أل َ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ْف َسنَة ال يَ ْسأَلُهُ اهلل َع ْن َذنْ ٍ َ‬ ‫َ‬ ‫َو َعم َل ألْ َ َ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قال لسيدنا زيد األنصاري‪ :‬فإن صعب لك شيء من أمور الدينا فأكثر من‬
‫قول ال ٰإلهَ إالَّ اهلل محمد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وال حول وال قوة إال باهلل العلي‬
‫العظيم‪.‬‬
‫ب) بفتح العين والجيم أي‬ ‫ال ال ٰإلهَ إالَّ اهلل ِم ْن غَْي ِر َع َج ٍ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن قَ َ‬
‫حال كون القائل من غير تعجب بما رآه أو سمعه (طَ َار بِ َها) أي بسبب ذكر هذه الكلمة‬
‫ب لَهُ) أي لقائلها (ثَ َوابُهُ)‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الع ْر ِ‬ ‫المشرفة (طَائٌِر تَ ْح َ‬
‫ين إلى يَ ْوم القيَ َامة َويُ ْكتَ ُ‬ ‫المسبِّح َ‬‫سبِّ ُح َم َع ُ‬
‫ش يُ َ‬ ‫ت َ‬
‫أي تسبيح ذلك الطائر‪.‬‬
‫ول اهلل َم َّرًة غُِف َر لَهُ ذُنُوبُهُ) أي‬
‫قال ال ٰإلهَ إالَّ اهلل ُم َح َّم ٌد َر ُس ُ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫ت) أي تلك الذنوب ( ِمثْ َل َزبَ ِد البَ ْح ِر) بفتح الزاي والباء أي مائه أو ما يعلو‬ ‫الصغائر ( َوإ ْن كانَ ْ‬
‫وجهه من رغوة وعيدان ونحوهما‪ ،‬واألول أولى ألن المراد كناية عن المبالغة في الكثرة كما قاله‬
‫عطية األجهوري‪.‬‬
‫ال ال ٰإلهَ إالَّ اهلل َو ْح َدهُ ال‬ ‫الم َقابِ ِر فَ َق َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إذا م َّر ِ‬
‫الم ْؤم ُن َعلَى َ‬ ‫َ ُ‬
‫وت‪ .‬بِيَ ِدهِ َ‬
‫الخ ْي ُر َو ُه َو َعلَى ُك ِّل‬ ‫يت َو ُه َو َح ٌّي ال يَ ُم ُ‬ ‫الح ْم ُد يُ ْحيِي َويُ ِم ُ‬
‫ْك َولَهُ َ‬ ‫المل ُ‬
‫يك لَهُ لَهُ ُ‬ ‫َش ِر َ‬
‫سنَ ٍة َوَرفَع‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫لها وَكتَب لَهُ) أي للقائل (أل َ ِ‬
‫ْف ألْف َح َ‬ ‫ور ُكلِّ َها َوغَ َف َر ل َقائ َ َ َ‬ ‫ْك ال ُقبُ َ‬‫َش ْيء قَ ِد ٌير نَ َّور اهلل تِل َ‬
‫ْف َسيِّئَ ٍة) أي من الصغائر وروى الترمذي عن‬ ‫ْف أل ِ‬‫ط) أي أسقط ( َعنْهُ أل َ‬ ‫ْف َد َر َجةٍ َو َح َّ‬
‫ْف أل ِ‬ ‫لَهُ أل َ‬
‫ال ال ٰإلهَ إالَّ اهلل َو ْح َدهُ ال َش ِر َ‬
‫يك لَهُ لَهُ‬ ‫السو َق فَ َق َ‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪َ « :‬م ْن َد َخ َل ُّ‬
‫الخ ْي ُر َو ُه َو َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير‪َ ،‬وَرفَ َع‬‫وت بِيَ ِدهِ َ‬ ‫يت َو ُه َو َح ٌّي ال يَ ُم ُ‬ ‫الح ْم ُد يُ ْحيِي َويُ ِم ُ‬ ‫ْك َولَهُ َ‬ ‫المل ُ‬
‫ُ‬
‫ْف َد َر َج ٍة»‪.‬‬
‫ْف أل ِ‬ ‫ْف َسيِّئَ ٍة‪َ ،‬وَرفَ َع لَهُ أل َ‬‫ْف أل َ‬ ‫سنَ ٍة‪َ ،‬وَم َحا َع ْنهُ أل َ‬ ‫بِها صوتَهُ َكتَب اهلل لَهُ أل َ ِ‬
‫ْف ألْ َفف َح َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬

‫{الباب الثالث‪ :‬في فضيلة بسم اهلل الرحمن الرحيم}‬


‫عن عطاء عن جابر بن عبد اهلل قال‪ :‬لما نزل بسم اهلل الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى‬
‫المشرق‪ ،‬وسكنت الرياح‪ ،‬وهاج البحر‪ ،‬وأصغت البهائم بآذانها‪ ،‬ورجمت الشياطين من‬
‫السماء‪ ،‬وحلف اهلل عز وجل بعزته ال يسمى اسمه على سقم إال شفاه‪ ،‬وال يسمى اسمه على‬
‫شيء إال بارك فيه‪ ،‬ومن قرأ بسم اهلل الرحمن الرحيم دخل الجنة‪ ،‬ذكره سيدي الشيخ عبد‬
‫القادر الجيالني‪.‬‬
‫الش ْيطَا ُن‬ ‫الرِح ِ‬
‫يم إالَّ َذ َ‬
‫اب َّ‬ ‫الر ْح ٰم ِن َّ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬ما ِم ْن َع ْب ٍد يَ ُق ُ‬
‫ول بِ ْس ِم اهلل َّ‬
‫اص) بفتح الراء‪َ ( .‬علَى النَّا ِر) قال ابن مسعود شيطان المؤمن مهزول‪ .‬وقال‬ ‫ص ُ‬ ‫الر َ‬
‫وب َّ‬
‫َكما يَ ُذ ُ‬
‫قيس بن الحجاج قال لي شيطاني دخلت فيك وأنا مثل الجزور‪ ،‬وأنا اآلن مثل العصفور قلت‪:‬‬
‫ولم ذلك؟ قال‪ :‬تذيبني بذكر اهلل تعالى‪.‬‬
‫يم إالَّ َأم َر اهلل تَ َعالى‬ ‫الرِح ِ‬
‫الر ْح ٰمن َّ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ما ِم ْن َع ْب ٍد يَ ُق ُ‬
‫ول بِ ْس ِم اهلل َّ‬
‫بين) أي أعمال الناس (أن يَ ْكتُبُوا في ِد َيوانِ ِه) أي صحائفه‬ ‫ِ‬
‫الك َر َام) أي على اهلل تعالى (الكات َ‬
‫ِ‬
‫يم َم َّرةً لَ ْم يَ ْب َق ِم ْن‬
‫الرِح ِ‬ ‫ال بِ ْس ِم اهلل َّ‬
‫الر ْح ٰم ِن َّ‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن قَ َ‬ ‫سنَ ٍة‪َ .‬‬ ‫ِ‬
‫( ْأربَ ْع َمائَة َح َ‬
‫ذُنُوبِ ِه) أي الصغائر ( َذ َّرةٌ) وذكر أن بشرا الحافي رأى رقعة فيها بسم اهلل الرحمن الرحيم وكان‬
‫معه ثالثة دراهم فأخذ بها طيبا وطيبها‪ ،‬فنودي في سره كما طيبت اسمنا لنطيبن اسمك‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من َكتَب بِس ِم اهلل فَج َّو َد تَ ْع ِظيما هلل غُ ِفر لَهُ ما تَ َق َّدم ِمن ذَنْبِهِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ ْ‬
‫َّر)‪ .‬وفي رواية للخطيب البغدادي وابن عساكر عن زيد بن ثابت إذا كتبت بسم اهلل‬ ‫َوَما تَأَخ َ‬
‫الرحمن الرحيم فبين السين فيه‪ ،‬أي إذا أردت كتابة ذلك فأظهر السين ووضح سننها إجالالً‬
‫السم اهلل تعالى‬
‫الرِح ِ‬
‫يم) أي إذا أراد أن‬ ‫أح ُد ُك ْم بِ ْس ِم اهلل َّ‬
‫الر ْح ٰم ِن َّ‬ ‫ب َ‬‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم إذَا َكتَ َ‬
‫الر ْح ٰم َن) أي حروفه بأن يمد الالم والميم ويجوف النون ويتأنق‪ ،‬أي يحسن في‬ ‫يكتبها (فَ لْيَ ُم َّد َّ‬
‫ذلك رواه الخطيب والديلمي عن أنس بن مالك‪.‬‬
‫ب) وهي الشمس‬ ‫اء بِال َك َواكِ ِ‬ ‫الس َم َ‬‫إن اهلل ُس ْب َحانَهُ َوتَ َعالَى َزيَّ َن َّ‬ ‫ال صلى اهلل عليه وسلم َّ‬ ‫(وقَ َ‬
‫ِ ِِ‬
‫صوِر ‪،‬‬ ‫الحوِر َوال ُق ُ‬ ‫الجنَّةَ بِ ُ‬ ‫يل) فهو نقيب المالئكة ( َوَزيَّ َن َ‬ ‫المالئ َكةَ بج ْب ِر َ‬ ‫والقمر والنجوم ( َوَزيَّ َن َ‬
‫الج ُم َع ِة‪َ ،‬وَزيَّ َن اللَّيَالِي بِلَْي لَ ِة ال َق ْد ِر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ام بِيَ ْوم ُ‬‫اء بِ ُم َح َّمد صلى اهلل عليه وسلم‪َ ،‬وَزيَّ َن األيّ َ‬ ‫َوَزيَّ َن األنْبيَ َ‬
‫آن‪َ ،‬وَزيَّ َن ال ُق ْرآ َن بِبِ ْس ِم‬ ‫ضا َن‪ ،‬وَزيَّن المساج َد بال َك ْعب ِة‪ ،‬وَزيَّن ال ُكتُب بِال ُقر ِ‬ ‫ور بِ َ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ش ْه ِر َرَم َ َ َ‬ ‫الش ُه َ‬ ‫َوَزيَّ َن ُّ‬
‫يم) هذه عشرة أشياء مزينة بعشرة أشياء‪.‬‬ ‫الرِح ِ‬
‫الر ْح ٰم ِن َّ‬
‫اهلل َّ‬
‫اس ُمهُ ِم َن األبْ َرا ِر) أي‬ ‫ب ْ‬ ‫الرِح ِ ِ‬
‫يم ُكت َ‬ ‫ال بِ ْس ِم اهلل َّ‬
‫الر ْح ٰم ِن َّ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن قَ َ‬
‫والنفاق)‪ .‬وعن أبي وائل عن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه‬ ‫ِ‬ ‫ىء ِم َن ال ُك ْف ِر‬
‫الصادقين ( َوب ِر َ‬
‫قال‪ :‬من أراد أن ينجيه اهلل من الزبانية التسعة عشر فليقل بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬فإنها تسعة‬
‫عشر حرفا ليجعل اهلل تعالى كل حرف منها جنة من واحد منهم‪( .‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫يم غَ َف َر اهلل لَهُ َما تَ َق َّد َم ِم ْن ذَنْبِ ِه) والمراد الصغائر‬
‫الرِح ِ‬ ‫ِم ْن قَ َ‬
‫ال بِ ْس ِم اهلل َّ‬
‫الر ْح ٰم ِن َّ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إذا قُ ْمتُ ْم) أي من المجلس أي مجلس كان (فَ ُقولُوا بِ ْس ِم اهلل‬
‫َّاس إذا ا ْغتَابُوُك ْم‬
‫فإن الن َ‬‫وص ْحبِ ِه َو َسلَّ َم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صلَّى اهلل َعلَى َسيِّدنا ُم َح َّمد َو َعلَى آله َ‬ ‫الرِح ِ‬
‫يم َو َ‬ ‫الر ْح ٰم ِن َّ‬
‫َّ‬
‫ك‪ .‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إذا َجلَ ْستُ ْم َم ْجلِسا) أي مجلس كان‬ ‫يَ ْمنَ ُع ُه ْم الملك َع ْن ٰذلِ َ‬
‫ص ْحبِ ِه َو َسلَّم َّ‬
‫فإن َم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫صلَّى اهلل َعلَى سيِّدنا محمد َو َعلى آله َو َ‬ ‫يم َو َ‬ ‫الرِح ِ‬ ‫(فَ ُقولُوا بِ ْس ِم اهلل َّ‬
‫الر ْح ٰم ِن َّ‬
‫لك وَّكل اهلل بِ ِه ملَكا يمنَ عهم ِمن الغَ ِ‬
‫يبة َحتَّى ال يَغْتَابُوُك ْم)‪.‬‬ ‫ٰ‬
‫َ َْ َُ ْ َ‬ ‫فَ َع َل ذ َ َ َ‬
‫وق د نظم بعض أهل العلم رضي اهلل عنه المسائل التي تسن التسمية فيها فقال‪:‬‬
‫ص ِل‬‫اح ِرص َعلَْي َها وأَو ِ‬ ‫الر ْح ٰم ِن َج َّل َجاللُهُ لَنَا ُش ِر َع ْ‬ ‫َوتَ ْس ِميَةُ َّ‬
‫َْ‬ ‫ت فَ ْ ْ‬
‫ال الطُّهوِر لِغَ ِ‬ ‫َك ِذي األَ ْك ِل َو ُّ‬
‫اس ِل‬ ‫ب اللَّ َذيْ ِن تَ َج َّمال َوغَ ْس ٍل بِها َح َ ُ‬ ‫الش ْر ِ‬
‫اخ ِل‬‫ثم لِ َد ِ‬
‫الش ْر ِع فِ ْعلُهُ َعلَى البَ ِّر أو في البَ ْح ِر َّ‬ ‫وب َج َاز فِي َّ‬ ‫َو ِع ْن َد رُك ٍ‬
‫ُ‬
‫المنَا ِزِل‬
‫اب َ‬ ‫إلى َم ْس ِج ٍد أو بَ ْيتِ ِه َولِلُْب ِس ِه َونَ ْز ٍع َوإ ْغالَ ٍق لِبَ ِ‬
‫ود ِمنْبَ ٍر َخ ْي ِر َح ِام ِل‬
‫ْء حلِيلَ ٍة لَهُ وصع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ ُُ‬ ‫اح َوَوط َ‬ ‫صبَ ٍ‬‫َوإطْ َفاء م ْ‬
‫ثم لِ َد ِ‬ ‫الم ِر َح ِ‬ ‫ت ثم في اللَّح ِد جعله ُخر ٍ ِ‬ ‫يض م ْي ٍ‬ ‫ِ‬
‫اخ ِل‬ ‫اض َّ‬ ‫وج م َن َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َوتَغْم ِ َ‬
‫يف َع ِ‬
‫ادل‬ ‫الر ْح ٰم ُن تَ ْش ِر َ‬
‫ف َّ‬ ‫اف بِ َك ْعبَ ٍة لَ َها َش َر ُ‬ ‫و ِع ْن َد ٍ‬
‫ابتداء لِلطَّو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يب المو ِ‬ ‫ب َك َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫و ِع ْن َد و ُ ٍ ِ‬
‫اص ِل‬ ‫الحب ِ ُ َ‬ ‫ضوء ثُ َّم ع ْن َد تَيَ ُّم ٍم َونَ ْح ٍر فَ َواظ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫األفاض ِل‪.‬‬ ‫ثم سالَِم ِه على المصطفى المختا ِر َخ ْي ِر‬ ‫صالةِ اهلل َّ‬ ‫َوبَ ْع َد َ‬

‫{الباب الرابع‪ :‬في فضيلة الصالة على النبي صلى اهلل عليه وسلم}‬
‫قال بعض الصحابة لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬صلى اهلل عشرا لمن صلى عليك مرة‬
‫ص ٍّل غافِ ِل‪َ ،‬ويُ ْع ِط ِيه اهلل َ‬
‫أمثال‬ ‫ِ‬
‫واحدة هل ذلك لمن كان حاضر القلب؟ قال‪« :‬ال‪ ،‬بَ ْل ل ُك ِّل ُم َ‬
‫الصالةِ َع َّ‬
‫لي‪ ،‬فال‬ ‫وقت َّ‬ ‫القلب َ‬ ‫ِ‬ ‫الجبال‪ ،‬والمالئكةُ تَ ْد ُعو لَهُ وتَستَ غْ ِفر لَهُ‪ ،‬وأ ََّما إذا كا َن ِ‬
‫حاض َر‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫يَ ْعلَ ُم قَ ْد َر ٰذ َ‬
‫لك إالَّ اهلل تَ َعالَى‪.‬‬
‫صلَّى اهلل َعلَْي ِه َع ْشرا) رواه مسلم‬ ‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من صلَّى ع َّ ِ‬
‫لي َواح َد ًة َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫وأبو داود والنسائي وابن حبان عن أبي هريرة رضي اهلل عنه‪ ،‬وفي صحيح مسلم عن عبد اهلل بن‬
‫صلَّى‬
‫صالةً َ‬ ‫صلَّى َع َّ‬
‫لي َ‬ ‫عمرو بن العاص أنه سمع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪َ « :‬م ْن َ‬
‫ليه َع ْشرا» كذا ذكر النووي في األذكار‪ ،‬أي وكلما زاد زاده فتلك النسبة‬ ‫اهلل َع ِ‬
‫الجن َِّة)‬ ‫ألف َم َّرةٍ لم يَ ُم ْ‬
‫ت َحتَّى يُبَ َّش ُر لَهُ بِ َ‬ ‫صلَّى َعلَ َّي َ‬ ‫(وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫الجن َِّة قبل موته‪.‬‬ ‫ْف َم َّرةٍ بُ ِّ‬
‫ش َر بِ َ‬ ‫صلَّى َعلَ َّي أل َ‬
‫وفي رواية‪َ :‬م ْن َ‬
‫صلَّى اهلل َعلَْي ِه بِ َها َع ْشرا‪َ ،‬وَم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صال ًة واح َد ًة َ‬ ‫لي َ‬ ‫صلَّى َع َّ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬م ْن َ‬
‫صلَّى اهلل َعلَْي ِه بها ألْفا‪َ ،‬وَم ْن‬ ‫لي مائَةً َ‬ ‫صلَّى َع َّ‬ ‫ِ‬
‫صلَّى اهلل َعلَْيه بِها مائَةً‪َ ،‬وَم ْن َ‬ ‫لي َع ْشرا َ‬‫صلَّى َع َّ‬ ‫َ‬
‫ار) أي نار جهنم وفي رواية لم يعذبه اهلل بالنار‪ ،‬وفي رواية الطبراني‬ ‫صلَّى َعلَ َّي ألْفا لم تَ َّ‬
‫مسهُ النَّ ُ‬ ‫َ‬
‫صلَّى اهلل َعلَْي ِه َع ْشرا‪َ ،‬وَم ْن‬ ‫ِ‬
‫صالةً َواح َدةً َ‬ ‫صلَّى َعلَ َّي َ‬‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن َ‬
‫ِ‬ ‫لي ع ْشرا صلَّى اهلل علَي ِه مائَةً‪ ،‬ومن صلَّى علَ َّي مائَةً َكتب اهلل لَه ب ر ِ‬
‫اءةً‬
‫اءةً م َن النّفاق َوبَ َر َ‬
‫ُ ََ َ‬ ‫ََ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫صلَّى َع َّ َ‬ ‫َ‬
‫الش َه َد ِاء»‪.‬‬ ‫ِمن النَّار‪ ،‬وأس َكنَهُ ي وم ِ‬
‫القيَ َام ِة َم َع ُّ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫َ‬
‫الجن َِّة) أراد النبي صلى‬ ‫يق َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن نَ ِس َي َّ‬
‫الصالَةَ َعلَ َّي فَ َق ْد أَ ْخطَأَ طَ ِر َ‬
‫اهلل عليه وسلم بالنسيان الت رك عمدا‪ ،‬فإذا كان التارك يخطىء طريق الجنة كان المصلى عليه‬
‫سالكا إلى الجنة فقد روي عن أبي هريرة أنه قال‪ :‬الصالة على النبي صلى اهلل عليه وسلم هي‬
‫الطريق إلى الجنة كذا ذكر السمالوي‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫َّاس بِي يَ ْو َم القيَ َامة أ ْكثَ ُرُه ْم َعلَ َّي َ‬
‫صالَ ًة) أي أقربهم‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إن ْأولَى الن ِ‬
‫مني في القيامة‪ ،‬وأحقهم بشفاعتي أكثرهم علي صالة في الدنيا‪ ،‬ألن كثرة الصالة عليه تدل‬
‫على صدق المحبة وكمال الوصلة‪ ،‬فتكون منازلهم في اآلخرة منه بحسب تفاوتهم في ذلك‬
‫رواه البخاري والترمذي وابن حبان عن ابن مسعود بأسانيد صحيحة‪.‬‬
‫صالَتُ ُك ْم َعلَ َّي َم َّحاقَةٌ) أي إذهاب لذنوبكم كما يمحق الماء‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫النار كما قال أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه‪ :‬الصالة على النبي صلى اهلل عليه وسلم أمحى‬
‫للذنوب من الماء لسواد اللوح‪.‬‬
‫ين َم َّرًة َم َحا اهلل ذُنُوبَهُ ُكلَّ َها)‬‫ٍ ِ‬
‫صلَّى َعلَ َّي في ُك ِّل ُج ُم َعة ْأربَع َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫وعن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال‪ :‬كنت واقفا بين يدي رسول اهلل صلى اهلل‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ين‬‫وب ثمان َ‬ ‫ين َم َّرًة غَ َف َر اهلل تَ َعالى لَهُ ذُنُ َ‬‫صلَّى َعلَ َّي في ُك ِّل ُج ُم َعة ثَ َمان َ‬‫عليه وسلم فقال‪َ « :‬م ْن َ‬
‫ص ِّل‬
‫ول اللّ ُه َّم َ‬‫َسنَةً»‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل كيف الصالة عليك؟ قال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬تَ ُق ُ‬
‫اح َدةً»‪ .‬ذكر ذلك سيدي الشيخ عبد القادر‬ ‫األمي وتَع ِق ُد و ِ‬ ‫َعلَى ُم َح َّم ٍد َع ْب ِد َك ور ُسولِ َ ِ‬
‫ك النَّب ِّي ِّ ِّ َ ْ َ‬ ‫ََ‬
‫الجيالني‪.‬‬
‫صلِّ َي َعلَ َّي ‪،‬‬ ‫عاء إال ب ي نه وب ين َّ ِ ِ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ما ِمن د ٍ‬
‫اب َحتَّى يُ َ‬
‫السماء ح َج ٌ‬ ‫َْ َ ُ َ َْ َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫علي قال‪ :‬ما من دعاء إال‬ ‫عن‬ ‫لفظ‬ ‫وفي‬ ‫)‪.‬‬ ‫اء‬‫ع‬ ‫ُّ‬
‫الد‬ ‫ع‬ ‫الحجاب ورفِ‬ ‫ك ِ‬ ‫َ‬ ‫فإذا صلَّى علَ َّي انْ َخر َق ٰذلِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫صلَّى تَ َخ َّر َق الح َج ُ‬
‫اب‬ ‫بينه وبين اهلل حجاب حتى يصلي على النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فإذا َ‬
‫فَاستجيب‪ ،‬وإن لم يصل عليه لم يستجب الدعاء رواه الحسن بن عرفة‪.‬‬
‫ين‬ ‫ضى اهلل لَهُ مائَةَ ح ٍ ِ‬
‫اجة َس ْبع َ‬ ‫َ َ‬ ‫صلَّى َعلَ َّي فِي يَ ْوم مائَةَ َم َّرةٍ قَ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫ين ِم ْن َها لِ ُدنْيَاهُ) رواه ابن النجار عن جابر‪.‬‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َها آلخ َرته َوثَالث َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫صلَّى اهلل َعلَْيه َوَمالئ َكتُهُ ع ْش ِر َ‬
‫ين‬ ‫صالَ ًة َواح َد ًة َ‬ ‫صلَّى َعلَ َّي َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫صلَّى َعلَى النبي‬ ‫شر بِ ِ‬
‫الجنَّة) وعن عبد اهلل بن عمرو بن العاص قال‪َ « :‬م ْن َ‬ ‫ت َحتَّى يُبَ َّ ُ َ‬ ‫َم َّرةً َولَ ْم يَ ُم ْ‬
‫ك ْأو لِيُ ْكثِ ْر»‬
‫صالَةً فَ لْيُ ِق َّل ِم ْن ٰذلِ َ‬
‫ين َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلَّى اهلل َعلَْيه َوَمالئ َكتُهُ َس ْبع َ‬
‫ِ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم َواح َدةً َ‬
‫اءنِي‬‫رواه اإلمام أحمد بإسناد حسن موقوف‪ .‬وروي أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪َ « :‬ج َ‬
‫صلِّي َعلَْي ِه َس ْب ُعو َن ألْفا ِم َن‬‫أح ٌد إالَّ َويُ َ‬
‫ك َ‬ ‫صلِّي َعلَْي َ‬
‫ول اهلل الَ يُ َ‬‫ال‪ :‬يا َر ُس َ‬
‫الم َوقَ َ‬ ‫يل َعلَْي ِه َّ‬
‫الس ُ‬ ‫ج ْب ِر ُ‬
‫ِ‬
‫ت َعلَْي ِه المالئِ َكةُ‪َ ،‬وَم ْن‬ ‫صلَّ ْ‬‫صلَّى َعلَ َّي َ‬‫المالئ َكة»‪ .‬وروي أنه صلى اهلل عليه وسلم قال‪َ « :‬م ْن َ‬
‫ِ ِ‬
‫َ‬
‫الس ٰمو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صلَّ ْ ِ‬
‫ات وال في‬ ‫صلَّى اهلل َعلَْيه لَ ْم يَ ْب َق شيء في َّ َ‬ ‫صلَّى اهلل َعلَْيه‪َ ،‬م ْن َ‬‫المالئ َكةُ َ‬ ‫ت َعلَْيه َ‬ ‫َ‬
‫صلَّى َعلَْي ِه»‪.‬‬
‫ض إالَّ َ‬‫األَ ْر ِ‬
‫قال بعض الصوفية‪ :‬كان لي جار مسرف على نفسه ال يعرف يومه من أمسه من تعمقه في‬
‫السكر‪ ،‬وكنت أعظه فلم يقبل‪ ،‬وأمرته بالتوبة فلم يفعل‪ ،‬فلما مات رأيته في المنام وهو في أرفع‬
‫مقام وعليه حلة خضراء من حلل الجنة لباس اإلعزاز واإلكرام فقلت له‪ :‬بم نلت هذه المرتبة‬
‫العظيمة؟ قال‪ :‬حضرت يوما مجلس الذكر‪ ،‬فسمعت العالم يقول من صلى على النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ورفع صوته وجبت له الجنة‪ ،‬ثم رفع العالم صوته بالصالة على النبي صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ورفعت صوت ي ورفع القوم أصواتهم فغفر لنا جميعا في ذلك اليوم فكان نصيبي من‬
‫المغفرة والرحمة أن جاد علي بهذه النعمة‪.‬‬

‫{الباب الخامس‪ :‬في فضيلة اإليمان}‬


‫وهو في اللغة تصديق القلب المتضمن للعلم بالمص ّدق به‪ ،‬وهو في الشريعة التصديق‪،‬‬
‫وهو العلم باهلل وصفاته مع جميع الطاعات الواجبات منها والنوافل‪ ،‬واجتناب الزالت‬
‫والمعاصي‪ ،‬ويجوز أن يقال‪ :‬اإليمان هو الدين والشريعة والملة‪ ،‬ألن الدين هو ما يدان به من‬
‫الطاعات مع اجتناب المحظورات والمحرمات‪ ،‬وذلك هو صفة اإليمان‪ .‬وأما اإلسالم فهو من‬
‫جملة اإليمان‪ ،‬وكل إيمان إسالم وليس كل إسالم إيمانا‪ ،‬ألن اإلسالم هو بمعنى االستسالم‬
‫واالنقياد‪ ،‬فكل مؤمن مستسلم منقاد هلل تعالى‪ ،‬وليس كل مسلم مؤمنا باهلل‪ ،‬ألنه قد يسلم‬
‫مخافة السيف‪ ،‬فاإليمان اسم يتناول مسميات كثيرة أقواالً وأفعاالً‪ ،‬فيعم جميع الطاعات‪،‬‬
‫واإلسالم عبارة عن الشهادتين مع طمأنينة القلب والعبادات الخمس كذا قاله سيدي الشيخ‬
‫عبد القادر الجيالني‪:‬‬
‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬اإليما ُن َم ْع ِرفَةٌ) وفي رواية البن ماجه أيضا يدل ذلك عقد‬
‫وعمل باألَرَك ِ‬ ‫ْب وقَ و ٌل بِاللِّ ِ‬
‫ان) والمراد‬ ‫سان) وهو النطق بالشهادتين كما قاله القسطالني ( َ َ ٌ ْ‬ ‫َ‬ ‫(بال َقل ِ َ ْ‬
‫أن األعمال شرط في كمال اإليمان‪ ،‬وأن اإلقرار اللساني يعرب عن التصديق النفساني كذا قاله‬
‫العزيزي نقالً عن ابن حجر رواه ابن ماجه والطبراني عن علي‪ ،‬وهو حديث ضعيف‪.‬‬
‫اسهُ التَّ ْق َوى) وهي تنزيه القلب عن الذنوب‬ ‫ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬اإليما ُن ُع ْريَا ٌن َولبَ ُ‬
‫ِ‬
‫ْم) أي من العمل‪.‬‬ ‫( َوِزينَتُهُ َ‬
‫الحيَاءُ) أي من اهلل تعالى في إتيان نهيه (وثَ َم َرتُه العل ُ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال إيما َن لِ َم ْن ال َأمانَةَ لَهُ) أي فإن المؤمن من أمنه الخلق على‬
‫أنفسهم وأموالهم‪ ،‬فمن خان وجار فليس بمؤمن‪ .‬وأراد صلى اهلل عليه وسلم نفي الكمال ال‬
‫الحقيقة رواه أحمد وابن حبان عن أنس‪.‬‬
‫ب ِ‬
‫ألخ ِيه َما يُ ِح ُّ‬
‫ب‬ ‫َح ُد ُك ْم) إيمانا كامالً ( َحتَّى يُ ِح َّ‬ ‫ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال يُ ْؤم ُن أ َ‬
‫لِنَ ْف ِس ِه) رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس قال إبراهيم‬
‫الشبرخيتي‪ :‬ووقع في رواية اإلسماعيلي حتى يحب ألخيه المسلم ما يحبه لنفسه من الخير‪،‬‬
‫والظاهر أن التعبير باألخ المسلم جرى على الغالب‪ ،‬ألنه ينبغي لكل مسلم أن يحب للكافر‬
‫اإلسالم‪ ،‬وما يتفرع عليه من الكماالت وقال النووي في شرح األربعين وابن العماد‪ :‬األول أن‬
‫يحمل ذلك على عموم اإلخوة حتى يشمل الكافر والمسلم‪ ،‬فيحب ألخيه الكافر ما يحب‬
‫لنفسه من دخوله في اإلسالم‪ ،‬كما يحب ألخيه المسلم دوامه على اإلسالم‪ ،‬ولهذا كان الدعاء‬
‫بالهداية للكافر مستحبا‪.‬‬
‫الم ْؤِم ِن‪ ،‬وال يَتِ ُّم اإليما ُن إالَّ بِتَ َم ِام ال َف َرائِض‬ ‫ص ْد ِر ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬اإليما ُن في َ‬
‫السنَ ِن) أي بإنكارهما‬ ‫ض َو ُّ‬ ‫ود ال َف َرائِ ِ‬‫السنَ ِن) أي بأدائهما تأمين (والَ ي ْفس ُد اإليما ُن إالَّ بِجح ِ‬ ‫َو ُّ‬
‫ُُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ب َعلَْيها) أي على ترك‬ ‫يضةً) أي واحدة (بغَْي ِر ُج ُحود) أي إنكار بفرضيتها ( ُعوق َ‬ ‫ص فَ ِر َ‬‫(فَ َم ْن نَ َق َ‬
‫ض) بأن أداها تامة‬ ‫تلك الفريضة‪ ،‬أما إذا ترك فريضة مع إنكار وجوبها فقد كفر ( َوَم ْن أتَ َّم ال َف َرائِ َ‬
‫الجنَّةُ) ثم إذا أتم السنن فقد زاد في مرتبته في الجنة واهلل أعلم‪.‬‬ ‫ت لَهُ َ‬ ‫( َو َجبَ ْ‬
‫ِ‬
‫كن لَهُ َح ٌّد‪ ،‬أي تعريف بذكر‬ ‫ص َول ْ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬اإليما ُن ال يَ ِزي ُد َوال يَ ْن ُق ُ‬
‫ص في َحدِّه) أي فإن نقص اإليمان فالنقص في حده ال في نفس‬ ‫أفراد فروع اإليمان‪ ،‬فإ ْن نَ َق َ‬
‫يك لَهُ َّ‬
‫وأن ُم َح َّمدا‬ ‫ادةُ أ ْن ال ٰإلهَ إالَّ اهلل َو ْح ُدهُ ال َش ِر َ‬ ‫َصلُهُ) أي أصل حد اإليمان ( َش َه َ‬ ‫اإليمان ( َوأ ْ‬
‫َع ْب ُدهُ َوَر ُسولُهُ) والشهادة إخبار الشخص بحق على غيره بلفظ خاص‪ .‬وأركانها خمسة‪ :‬شاهد‬
‫ومشهود له ومشهود عليه ومشهود به‪ ،‬وصيغة‪ ،‬فالشاهد هو المسلم‪ ،‬والمشهود له هو اهلل‬
‫سبحانه وتعالى وسيدنا محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬والمشهود عليه هو المشرك باهلل والمنكر‬
‫لرسالة سيدنا محمد‪ ،‬والمشهود به ثبوت األلوهية والوحدانية هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وثبوت الرسالة‬
‫الصالةِ)‬
‫ام َّ‬
‫لسيدنا محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬والصيغة هي لفظ أشهد أو ترجمته ال غير‪( .‬وإقَ َ‬
‫الزَكاةِ) أي إعطاؤها إلى أهلها بإخراج جزء من المال‬
‫أي اإلتيان بها بأركانها وشروطها (وإيتَاءُ َّ‬
‫ضا َن) أي إمساك طاهر من الحيض والنفاس عن شهوة الفم‬ ‫ص ْو ُم َرَم َ‬‫على وجه مخصوص ( َو َ‬
‫والفرج‪ ،‬وما يقوم مقامهما كاألنف واللمس المؤدي للفطر في جميع نهار رمضان بنية قبل‬
‫ِ‬
‫اجةٌ‪ ،‬أي من مرض وظالم‪َ ،‬ولَ ْم‬ ‫والح ُّج) لقوله صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬م ْن لَ ْم تَ ْحبِ ْسهُ َح َ‬ ‫الفجر ( َ‬
‫الجنَابَِة فَ َم ْن َزاد‬ ‫وديا وإ ْن َشاء نَ ْ ِ‬
‫ص َرانيّا» ( َوغَ ْس ُل َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ت إ ْن َشاءَ يَ ُه ّ‬‫ال‪ ،‬فَ لْيَ ُم ْ‬ ‫يَ ُح َّج َولَهُ َج ْم ٌع‪ ،‬أي َم ٌ‬
‫فف ِيه) أي من نقص في حد اإليمان‪،‬‬ ‫ت حسنَاتُهُ ومن نَ َقص ِف ِيه ِ‬
‫َ‬ ‫اد ْ َ َ َ َ ْ‬ ‫في َحدِّهِ) أي اإليمان ( َز َ‬
‫فالنقص في حده قال السيوطي في النقابة‪ :‬والمؤمن الكامل في إيمانه من كملت فيه شعب‬
‫اإليمان‪ ،‬ومن ن قصت واحدة منها نقص في إيمانه بحسبها‪ ،‬وقد أجمع السلف على أن اإليمان‬
‫يزيد وينقص‪ ،‬وزيادته بالطاعات ونقصانه بالمعاصي‪ ،‬وشعب اإليمان بضع وستون أو بضع‬
‫وسبعون‪ ،‬كما رواه الشيخان‪ .‬أو ست وسبعون أو سبع وسبعون كما في الحديث الذي رواه أبو‬
‫عوانة‪ ،‬أو أربع وستون كما رواه الترمذي‪ .‬وقال سيدي الشيخ عبد القادر الجيالني‪ :‬ونعتقد أن‬
‫اإليمان قول باللسان‪ ،‬ومعرفة بالجنان‪ ،‬وعمل باألركان يزيد بالطاعة‪ ،‬وينقص بالعصيان‪ ،‬ويقوى‬
‫بالعلم ويضعف بالجهل‪ ،‬وبالتوفيق يقع كما روي عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي الدرداء أنهم‬
‫قالوا‪ :‬اإليمان يزيد وينقص‪ ،‬وزي ادة اإليمان إنما تكون بعد التحقق بأداء األوامر وانتهاء النواهي‪،‬‬
‫وبالتسليم في القدر وترك االعتراض على اهلل عز وجل في فعله في جميع خلقه‪ ،‬وترك الشك‬
‫في وعده في الرزق وبالتوكل عليه والخروج من الحول والقوة والصبر على البالء والشكر على‬
‫النعماء والتنزيه للحق‪ ،‬وترك التهمة له في سائر األحوال‪ ،‬وأما بمجرد الصالة والصيام‪ ،‬فال يزيد‬
‫اإليمان انتهى‪.‬‬
‫وقال الغزالي والعمل ليس من أجزاء اإليمان وأركان وجوده‪ ،‬بل هو مزيد عليه يزيد به‪،‬‬
‫والزائد موجود والناقص موجود والشيء ال يزيد بذاته‪ ،‬فال يجوز أن يقال اإلنسان يزيد برأسه‪،‬‬
‫بل يقال‪ :‬يزيد بلحيته وسمنه‪ ،‬وال يجوز أن يقال الصالة تزيد بالركوع والسجود‪ ،‬بل تزيد‬
‫باآلداب والسنن‪ ،‬فهذا تصريح بأن اإليمان له وجود‪ ،‬ثم بعد الوجود يختلف حاله بالزيادة‬
‫والنقصان‪.‬‬
‫الص ْب ِر) أي عن المحارم ( َونِ ٌ‬
‫صف‬ ‫ف في َّ‬
‫صٌ‬ ‫ص َف ِ‬
‫ان فَنِ ْ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬اإليما ُن نِ ْ‬
‫الش ْك ِر) أي العمل بالطاعات رواه البيهقي عن أنس‪.‬‬ ‫في ُّ‬
‫ك ُم ْؤِم ٌن) رواه البخاري وأبو داود‬
‫ك ال يَ ْفتِ ُ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم اإليما ُن قَ ْي ُد ال َف ْت ِ‬
‫والحاكم عن أبي هريرة‪ ،‬واإلمام أحمد عن الزبير وعن معاوية أي اإليمان يمنع من الفتك الذي‬
‫هو القتل بعد األمان غدرا‪ .‬قوله ال يفتك مؤمن خبر بمعنى النهي‪ ،‬أي ال يفتك كامل اإليمان‬
‫والفتك أن يأتي الرجل صاحبه‪ ،‬وهو غافل فيشد عليه فيقتله وأما الغيلة فهو أن يخدعه ثم يقتله‬
‫في موضع خفي‪.‬‬
‫الحيَ ِاء‬ ‫بالسم ِ‬
‫احة َو َ‬‫اإليما َن َو َحقهُ) أي زينه ( َوَم َد َحهُ َّ َ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬خلَ َق اهلل َ‬
‫الج َف ِاء) أي العقوق‪.‬‬ ‫َو َخلَ َق اهلل ال ُك ْف َر َوذَ َّمهُ بالبُ ْخ ِل َو َ‬
‫ِ‬
‫الجنَّةَ‪َ ،‬وأ َْه ُل النَّا ِر الن َ‬
‫َّار‪َ ،‬أم َر اهلل تَ َعالَى‬ ‫الجنَّة َ‬‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إذَا َد َخ َل ْأه ُل َ‬
‫اإليمان) أي زيادة على أصل التوحيد كما‬ ‫ِ‬ ‫ال ذَ َّرةٍ ِم َن‬
‫بأ ْن يَ ْخ ُر َج ِم َن النا ِر َم ْن َكا َن فِي قَ لْبِ ِه ِمثْ َق ُ‬
‫قاله القسطالني‪ .‬وفي حديث البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى اهلل عليه وسلم‬
‫أي لِلْ َمالئِ َك ِة أ ْخ ِر ُجوا‪ ،‬أي‬
‫ول اهلل تَ َعالى ْ‬ ‫الجنَّةَ‪ ،‬وأ َْه ُل النَّا ِر الن َ‬
‫َّار‪ ،‬ثُ َّم يَ ُق ُ‬ ‫قال‪« :‬ي ْد ُخل ْأهل ِ‬
‫الجنَّة َ‬‫َ ُ ُ َ‬
‫ال حبَّ ٍة ِمن َخر َد ٍل ِمن ٍ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫إيمان‪ ،‬أي زيادة على أصل التوحيد‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫م ْن النَّا ِر َم ْن َكا َن في قَ لْبه مثْ َق ُ َ ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ِر أي المطر أو الحياة بالمثناة آخره‪،‬‬ ‫الحيَا بِال َق ْ‬
‫اس َودُّوا‪ ،‬فَيُ ْل َق ْو َن في نَ ْه ِر َ‬ ‫فَ يَ ْخ ُر ُجو َن م ْن َها قَد ْ‬
‫الحبَّةُ بكسر الحاء‪ ،‬أي البقلة الحمقاء‬ ‫ت ِ‬ ‫وهو النهر الذي من غمس فيه حيي‪ ،‬فَ يَ ْنبِتُو َن كما تَ ْنبُ ُ‬
‫الس ْي ِل»‪.‬‬
‫ب َّ‬ ‫في َجانِ ِ‬

‫{الباب السادس‪ :‬في فضيلة الوضوء}‬


‫روي عن الضحاك عن أبي هريرة رضي اهلل عنه أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وء‪ ،‬ثُ َّم قَ َرأَ بَ ْع َدهُ إنّا أنْ َزلْنَاهُ في لَْي لَ ِة ال َق ْد ِر إلى‬
‫ض َ‬‫الو ُ‬
‫س َن ُ‬ ‫أح َ‬ ‫وسلم‪َ « :‬ما ِم ْن َع ْب ٍد وال ْام َرأةٍ تَ َو َّ‬
‫ضأَ فَ ْ‬
‫ت ِم ْن‬
‫وخلَ َق اهلل تَ َعالَى ِم ْن ُك ِّل قَط َْرةٍ قَطََر ْ‬ ‫ف ِم ْن َها مائَةَ َد َر َج ٍة‪َ ،‬‬ ‫آخرها إال أَ ْعطَاه اهلل تَعالى بِ ُك ِّل حر ٍ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫القيَ َام ِة‪ ،‬كذا في رياض الصالحين»‪.‬‬ ‫ضوئِ ِه ملَكا يستَ غْ ِفر لَهُ إلى ي وِم ِ‬
‫َْ‬ ‫ُو ُ َ َ ْ ُ‬
‫وء) بأن راعى شروطه‬ ‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من تَوضَّأ َّ ِ‬
‫ض َ‬ ‫الو ُ‬‫س َن ُ‬ ‫فأح َ‬‫للصالة ْ‬ ‫َْ َ‬
‫ج ِم ْن َخ ِطيئَتِ ِه َكيَ ْوِم َولَ َدتْهُ ُّأمهُ) أي فإنه لم يبق منه‬ ‫وفروضه وآدابه‪( .‬ثُ َّم قَام إلى َّ ِ‬
‫الصالة فإنَّهُ يَ ْخ ُر ُ‬ ‫َ‬
‫شيء من ذنوبه الصغيرة‪ ،‬كأنه في يوم خروجه من بطن أمه قوله‪ :‬كيوم مبني على الفتح إلضافته‬
‫إلى فعل مبني‪.‬‬
‫صلَّى َك َّف َر اهلل ذُنُوبَهُ) والمراد الصغائر‬ ‫ضأَ لِ َّ ِ‬
‫(وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن تَ َو َّ‬
‫لصالة َو َ‬
‫الصالةِ األُ ْخرى التي تليها وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من نام علَى و ٍ‬
‫ضوء فَأَ ْد َرَكهُ‬
‫َْ َ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫(ما بَ ْي نَهُ َوبَ ْي َن َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تلك الليلة فَ ُه َو ع ْن َد اهلل َش ِهي ٌد) وفي اإلحياء قال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إذا َ‬
‫نام‬ ‫الموت في َ‬ ‫ُ‬
‫طه َارةٍ قَ َّ‬ ‫ت رؤياهُ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬
‫ت‬‫ص َر ْ‬ ‫صادقَةً‪ ،‬وإن لَ ْم يَنَ ْم على َ‬
‫َ‬ ‫ش فَكانَ ْ ُ‬ ‫ِج بِ ُروحه إلى َ‬
‫الع ْر ِ‬ ‫الع ْب ُد على طَ َه َارة ُعر َ‬
‫َ‬
‫ات أضغاث ٍ‬
‫أحالم ال تصد ُق»‪.‬‬ ‫المنام ُ‬
‫َ‬ ‫وحهُ َع ِن البُلوِغ‪َ ،‬‬
‫فتلك‬ ‫ُر ُ‬
‫اه ُر َكالصائِ ِم ال َقائِ ِم) أي المصلي في الليل‪ ،‬أي في‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬النَّائَم الطَّ ِ‬
‫ُ‬
‫حصول األجر‪ ،‬وإن اختلف المقدار رواه الحكيم الترمذي عن عمر بن حريث‪ .‬وإسناده ضعيف‬
‫كذا في السراج المنير‪.‬‬
‫ضأَ َعلَى طُ ْه ٍر) أي جدد وضوءه‪ ،‬وهو على طهر الوضوء‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن تَ َو َّ‬
‫الذي صلى به فرضا أو نفالً‪ ،‬فإن لم يصل بالوضوء األول صالة ما‪ ،‬فال يستحب تجديد‬
‫الوضوء ( ُكتِب لَهُ) بالبناء للمفعول ( َع ْشر حسنَ ٍ‬
‫ات) أي بالوضوء المجدد رواه أبو داود‬ ‫ُ ََ‬ ‫َ‬
‫والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر قال الترمذي‪ :‬إسناده ضعيف قوله كتب له عشر حسنات‪:‬‬
‫قال بعضهم‪ :‬يشبه أن يكون المراد كتب اهلل به عشر وضوءات‪ ،‬فإن أقل ما وعد به اهلل من‬
‫األضعاف الحسنة بعشرة أمثالها‪ ،‬وقد وعد اهلل بالواحد سبعمائة ووعد ثوابا بغير حساب‪ ،‬وقد‬
‫يؤخذ من قوله توضأ أن الغسل ال تجديد فيه كالتيمم وهو األصح‪.‬‬
‫وء) كامالً (لِ َم ْن‬
‫ض َ‬ ‫صالةَ) صحيحة (لِ َم ْن ال ُو ُ‬
‫ضوءَ لَهُ َوالَ ُو ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال َ‬
‫اس َم اهلل َعلَْي ِه) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة وابن ماجه عن‬ ‫لَ ْم يَ ْذ ُك ِر ْ‬
‫سعيد بن زيد‪.‬‬
‫اإليمان) رواه ابن أبي شيبة عن حسان بن‬ ‫ِ‬ ‫ضوءُ َشط ُْر‬
‫الو ُ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ُ :‬‬
‫عطية‪ ،‬وفي رواية لغيره الطهور بضم الطاء شطر اإليمان‪ ،‬أي وذلك ألن اإليمان يطهر نجاسة‬
‫الباطن والوضوء يطهر نجاسة الظاهر‪.‬‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬صبغة الوضوء) بكسر الصاد وسكون الموحدة ثم الغين أي‬
‫ضأَ َم َّرتَ ْي ِن كا َن لَهُ كِ ْفالن) بكسر الكاف‬ ‫مرة) أي واحدة في كل عضو (فَ َم ْن تَ َو َّ‬ ‫أصل الوضوء ( َّ‬
‫ضوءُ األنْبِيَاء ِم ْن قَ ْبلِي)‬
‫ضأَ ثالثا فَ ُه َو) أي الوضوء المكرر ثالثا ( ُو ُ‬ ‫األج ِر َوَم ْن تَ َو َّ‬ ‫ِ‬
‫أي ضعفان (م َن ْ‬
‫الصالَ َة إالَّ‬
‫ضوءٌ ال يَ ْقبَ ُل اهلل َّ‬ ‫وفي األحياء‪ :‬وتوضأ صلى اهلل عليه وسلم مرة مرة وقال‪ٰ « :‬ه َذا ُو ُ‬
‫َج َرهُ َم َّرتَ ْي ِن وتوضأ ثالثا ثالثا‬ ‫ِ‬
‫به‪ ،‬وتوضأ مرتين مرتين وقال‪َ :‬م ْن تَوضَّأ َم َّرتَ ْي ِن َم َّرتَ ْي ِن آتاهُ اهلل أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ضوءُ َخلِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الم»‬ ‫يم َعلَْي ِه َّ‬
‫الس ُ‬ ‫الر ْح ٰم ِن إبْ َراه َ‬
‫يل َّ‬ ‫ضوئِي َوُوضوءُ األنبياء ِم ْن قَ ْبلِي‪َ ،‬وُو ُ‬ ‫وقال‪ٰ :‬ه َذا ُو ُ‬
‫أح ِد ُك ْم) والمراد بالقبول هنا ما يرادف‬ ‫صالَ َة َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال يَ ْقبَ ُل اهلل َ‬
‫الصحة‪ ،‬وهو اإلجزاء وحقيقة ا لقبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة‪ ،‬ولما كان‬
‫اإلتيان بشروطها مظنة اإلجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا‪ ،‬وأما القبول المنفي‬
‫في مثل قوله صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من أتى عرافا لم تقبل له صالة‪ ،‬فهي الحقيقي ألنه قد يصح‬
‫العمل‪ ،‬ويختلف القبول لم انع كذا في السراج المنير‪ ،‬وفي لفظ ال تصح صالة أحدكم (إذا‬
‫ث َحتَّى يَتَ َّ‬
‫وضأَ) أي بالماء أو ما يقوم مقامه رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي‪ ،‬وابن‬ ‫أح َد َ‬
‫ْ‬
‫ماجه عن أبي هريرة‪.‬‬
‫ور َعلى نُوٍر) أي تجديد الوضوء حسنة‬ ‫ال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬الوضوء علَى الو ِ‬
‫ضوء نُ ٌ‬
‫ُ ُ ُ َ ُ ُ‬ ‫(وقَ َ‬
‫على حسنة قال ابن حجر‪ :‬هو مسند رزين رحمه اهلل‪ ،‬ولم يطلع عليه المنذري كذا في البدر‬
‫المنير للشيخ عبد الوهاب بن أحمد األنصاري‪ .‬وفي األحياء قال صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن‬
‫الدنْيا‪َ ،‬خرج ِمن ذُنُوبِهِ‬ ‫ِّث نَ ْفسه فِي ِهما بِ َ ٍ ِ‬
‫ش ْيء م َن ُّ َ َ َ ْ‬ ‫صلَّى َرْك َعتَ ْي ِن لَ ْم يُ َحد ْ َ ُ َ‬ ‫ضوءَ َو َ‬
‫الو ُ‬
‫س َن ُ‬ ‫َح َ‬ ‫تَ َوضَّأ فَأ ْ‬
‫َكيَ ْوِم َولَ َدتْهُ أ ُُّمهُ»‪ ،‬وفي لفظ آخر‪َ « :‬ولَ ْم يَ ْس ُف ْه فِي ِه َما غُ ِف َر لَهُ ما تَ َق َّد َم ِم ْن ذَنْبِ ِه»‪.‬‬

‫{الباب السابع‪ :‬في فضيلة السواك}‬


‫أي الخالل روي عن أبي هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫اك» رواه البزار والطبراني‬ ‫يم األظْ َفا ِر‪ِّ ،‬‬
‫والس َو ُ‬ ‫ْق ِ ِ‬ ‫الشا ِر ِ‬
‫ص َّ‬ ‫«الطَّهار ُ‬
‫العانَة‪َ ،‬وتَ ْقل ُ‬
‫ب‪َ ،‬و َحل ُ َ‬ ‫ات أ َْربَ ٌع‪ :‬قَ ُّ‬
‫عن أبي الدرداء‪.‬‬
‫ين َرْك َعةً‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬رْك َعتَان) أي صالة ركعتين (بس َواك َخ ْي ٌر م ْن َس ْبع َ‬
‫اك) رواه الدارقطني عن أم الدرداء وإسناده حسن‪ ،‬أي لما فيه من الفوائد التي منها‬ ‫بِغَي ِر ِسو ٍ‬
‫ْ َ‬
‫طيب رائحة الفم‪ ،‬وتذكر الشهادة عند الموت‪ ،‬قال المناوي‪ :‬ال دليل في هذا الحديث على‬
‫أفضلية السواك على الجماعة التي هي بسبع وعشرين درجة‪ ،‬ألن الدرجة متفاوتة المقدار انتهى‬
‫الس َواك َمط َْه َرةٌ) بفتح الميم أفصح من كسرها‬ ‫س َّوُكوا َّ‬
‫فإن ِّ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬تَ َ‬
‫مصدر بمعنى اسم الفاعل أي مطهر (لِلْ َف ِم) أو بمعنى اآللة‪ :‬أي آلة تنظفه كما أفاده العزيزي‬
‫ب) رواه ابن ماجه‪ ،‬وهو بفتح الميم بمعنى اسم الفاعل‪ ،‬أي مرض للرب‪ .‬قال‬ ‫ضاةٌ لِ َّ‬
‫لر ِّ‬ ‫( َم ْر َ‬
‫العلقمي‪ :‬سئل ابن هشام عن هذا الحديث كيف أخبر عن المذكر بالمؤنث‪ ،‬فأجاب ليست‬
‫التاء في مطهرة للتأنيث‪ ،‬وإنما هي مفعلة الدالة على الكثرة‪ ،‬كقوله الولد مبخلة مجبنة‪ ،‬أي‬
‫محل لتحصيل البخل والجبن ألبيه بكثرة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين) وفي لفظ من سنن األنبياء‪ ،‬أي من‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ستَّةٌ م ْن ُسنَ ِن ُ‬
‫الم ْر َسل َ‬
‫الحيَاءُ) بمثناة تحتية والمد وهو تغير يعتري اإلنسان من كل‬ ‫طريقتهم أي من طريقة غالبهم ( َ‬
‫واك) أي استعماله‬
‫والس ُ‬ ‫والحلْم) أي سعة الصدر والتحمل ( ِ‬
‫والح َج َامةُ ِّ‬ ‫عمل ال يحسن شرعا ( ِ‬
‫ُ‬
‫َّعطُّ ُر) أي استعمال الطيب‪ ،‬ألن حظ المالئكة من البشر‬ ‫ويحصل بكل خشن وأواله األراك (والت َ‬
‫اج) أي بالجمع ألنه ال يخاف عليهم الجور‬ ‫الريح الطيب وهم مخالطون للرسل ( َوَكثْ َرةُ األَ ْزَو ِ‬
‫للنساء‪ .‬وقال المناوي‪ :‬والصواب كما قاله جماعة بدل الحياء الختان بخاء معجمة ومثناة فوقية‬
‫ونون ‪ ،‬والمراد أن هذه الخصال من سنن غالب الرسل من البشر‪ ،‬وإال فنوح لم يختن‪ ،‬وعيسى‬
‫لم يتزوج‬
‫واجبَةٌ َعلَى ُك ِّل ُم ْسلِ ٍم) أي فعلهن مندوب ندبا مؤكدا‬
‫ال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ثَالَثَةٌ ِ‬ ‫( َوقَ َ‬
‫يب) أي يوم الجمعة‪ ،‬وإن كان ذلك مطلوبا في‬ ‫س الطِّ ِ‬‫واك َوَم ُّ‬ ‫الج ُم َع ِة ِّ‬
‫والس ُ‬ ‫عليه (الغُ ْس ُل يَ ْو َم ُ‬
‫ث ُه َّن‬ ‫غيره أيضا‪ ،‬وروي عن عائشة رضي اهلل عنها أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬ثَالَ ٌ‬
‫ام اللَّ ِ‬ ‫ِ‬
‫يل»‪.‬‬ ‫اك َوال ِوتْ ُر َوقيَ ُ‬
‫الس َو ُ‬ ‫َعلَ َّي فَ ِر َ‬
‫يضةٌ‪َ ،‬و ُه َّن لكم ُسنَّةٌ ِّ‬
‫ال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬طَيِّبوا أفْ واه ُكم) أي بإزالة الرائحة الكريهة منها ( ِّ ِ‬
‫بالسواك فإنَّهُ‬ ‫ُ ََ ْ‬ ‫( َوقَ َ‬
‫آن) وفي حديث رواه الطبراني عن ابن مسعود بإسناد حسن‪ ،‬تَ َخلَّلُوا فَإنَّهُ نَظَافَةٌ‪،‬‬ ‫يق ال ُقر ِ‬
‫طَ ِر ُ ْ‬
‫اح ِبه‪ ،‬أي في الجنة والمعنى‪ :‬أخرجوا ما بين األسنان‬ ‫اإليمان‪ ،‬واإليما ُن مع ص ِ‬ ‫ِ‬ ‫والنَّظَافَةُ تَ ْد ُعو إلى‬
‫ََ َ‬
‫اج ِذ‬
‫َّاب والنَّو ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َّحةٌ للن ِ َ َ‬ ‫من الطعام بالخالل‪ ،‬فإن ذلك نظافة للفم واألسنان‪ ،‬وفي رواية‪ ،‬فَإنَّهُ َم َ‬
‫وء) أي والغسل أي في‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬رِحم اهلل المتخلِّلين ِمن َّأمتِي في الوض ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َُ َ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫عام) أي من آثار الطعام بإخراج ما بقي منه بين األسنان‪ ،‬وفي هذا الحديث ندب‬ ‫شعورهم ( َوالطَّ ِ‬
‫تخليل الشعور في الطهارة‪ ،‬وتخليل األسنان من آثار الطعام‪ ،‬دعا صلى اهلل عليه وسلم لهم‬
‫بالرحمة الحتياطهم في العبادة‪ ،‬فيتأكد االعتناء به للدخول في دعوة رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم رواه القضاعي عن أبي أيوب األنصاري‪ ،‬وهو حديث حسن‪.‬‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬الَ تَتَ َخلَّلُوا بِ ِ‬
‫اآلس) بمد الهمزة هو شجر عطر الرائحة‬
‫يحان) وهو كل نبات طيب الريح‪ ،‬ولكن إذا أطلق عند العامة انصرف إلى نبات مخصوص‬ ‫والر ِ‬
‫( َّ‬
‫ب) بفتحتين كل نبات يكون ساقه أنابيب وكعوبا (فَإنَّهُ) أي التخلل بذلك المذكور‬ ‫صِ‬ ‫(وال َق َ‬
‫ث اإلكلَةَ) بكسر الهمزة‪ ،‬أي الحكة حتى تتساقط األسنان‬ ‫(يُوِر ُ‬
‫صالَ ًة) أي من صلوات كثيرة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ٍ‬
‫ين َ‬
‫صالَةٌ بسواك َخ ْي ٌر م ْن َس ْبع َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫اك) رواه البيهقي وغيره وصححه الحاكم‪ ،‬فالسبعون للتكثير ال للتحديد كما أفاده‬ ‫(بِغَي ِر ِسو ٍ‬
‫ْ َ‬
‫العزيزي‪.‬‬
‫يت أَ ْن يَ ْد َر ْد َّن) بفتح‬ ‫بالس ِ‬
‫واك َحتَّى َخ ِش ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ما َز َ ِ‬
‫ال ج ْب ِر ُ‬
‫يل يُوصيني ِّ‬ ‫َ‬
‫أسنَانِي) أي أن تسقط أسناني‪ ،‬وفي لفظ وأوصاني جبريل بالسواك حتى‬ ‫الراء والنون المثقلة ( ْ‬
‫خشيت ألدردن‪ ،‬وفي لفظ آخر أمرني بالسواك حتى خفت ألدردن‪ ،‬أي حتى ظننت سقوط‬
‫أسناني‪.‬‬
‫أسنَانِي)‬ ‫اك َحتَّى ِخ ْف ُ‬
‫ت َعلَى ْ‬
‫بالسو ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أمرت) بالبناء للمفعول ( ِّ َ‬
‫رواه الطبراني عن ابن عباس‪.‬‬

‫{الباب الثامن‪ :‬في فضيلة األذان}‬


‫صالِحا}‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س ُن قَ ْوالً م َّم ْن َدعا إلى اهلل َوعم َل َ‬
‫أح َ‬‫وقيل في تفسير قوله عز وجل‪َ { :‬وَم ْن ْ‬
‫[فصلت‪ ]33 :‬نزلت هذه اآلية في المؤذنين‪.‬‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(قال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من أَذَّ َن َّ ِ‬
‫نين ُم ْحتَسبا) أي من غير أجرة ( َكتَ َ‬ ‫للصالَة َس ْب َع س َ‬ ‫َْ‬
‫اءةً ِم َن النَّا ِر) رواه الترمذي وابن ماجه عن ابن عباس‪.‬‬ ‫اهلل لَهُ بَ َر َ‬
‫الجنَّةُ) رواه‬
‫ت لَهُ َ‬
‫ش َرة َسنَةً) أي محتسبا ( َو َجبَ ْ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن أَذَّ َن ث ْنتي َع َ‬
‫ابن ماجه والحاكم عن ابن عمر‪ .‬وحكمة ذلك أن أكثر ما يعمر اإلنسان من أمة النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم مائة وعشرون سنة‪ ،‬واالثنتا عشرة هذه عشر هذا العمر‪ ،‬ومن سنة اهلل أن العشر يقوم‬
‫سنَ ِة فَ لَهُ َع ْش ُر أ َْمثَالِ َها} [األنعام‪ ]642 :‬وأما‬ ‫مقام الكل كما قال اهلل تعالى‪َ { :‬م ْن َجاءَ بِال َ‬
‫ْح َ‬
‫حديث من أذن سبع سنين‪ ،‬فإنها عشر العمر الغالب كذا قال بعض المحدثين‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫إيمانا) أي تصديقا بأن األذان من‬ ‫صلَوات َ‬ ‫س َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن أَذ َن َخ ْم َ‬
‫سابا) أي طلبا لألجر من اهلل تعالى (غُ ِف َر لَهُ) بالبناء للمفعول ( َما تَ َق َّد َم من‬ ‫أمور الشريعة ( ْ ِ‬
‫واحت َ‬
‫ذنبه) أي من الصغائر رواه البيهقي عن أبي هريرة بإسناد ضعيف‪ .‬والخمس صادقة بأن تكون‬
‫من يوم وليلة أو من أيام‪.‬‬
‫الش ِهي ُد) وهو‬ ‫اب ِ‬
‫الق ْب ِر‬
‫َّ‬ ‫ص ُم ُهم اهلل تَ َعالَى ِم ْن َع َذ ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ثَالَثَةٌ ي ْع ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫يصدق على شهيد اآلخرة فقط كمن قتل ظلما‪ ،‬ولو بحسب الهيئة كمن استحق القتل بقطع‬
‫الرأس‪ ،‬فقتل بالتوسط مثالً‪ ،‬ومن مات بغرق وإن عصى فيه‪ ،‬بنحو شرب خمر بخالف من غرق‬
‫بسير سفينة في وقت هيجان الريح‪ ،‬فليس بشهيد‪ ،‬ومن مات بهدم أو حريق‪ ،‬ومن مات غريباً‬
‫وإن عصى بغربته كآبق وناشزة‪ ،‬ومن مات في طلب العلم ولو على فراشه‪ ،‬ومن مات مبطونا‪،‬‬
‫ومن مات بالطاعون ولو في غير زمنه أو بغيره في زمنه أو بعده حيث كان صابرا محتسبا‪ ،‬ومن‬
‫مات عشقا بشرط الكف عن المحارم حتى عن النظر‪ ،‬بحيث لو اختلى بمحبوبه لم يتجاوز‬
‫الشرع‪ ،‬وبشرط الكتمان حتى عن معشوقه‪ ،‬وكالمرأة التي ماتت طلقا‪ ،‬ولو من زنى إذا لم‬
‫تتسبب في إسقاط الولد وكذا من مات فجأة أو في دار الحرب قاله ابن الرفعة‪ .‬ومعنى الشهادة‬
‫لهم أنهم أحياء عند ربهم يرزقون كما قاله الحصني ويصدق أيضا على شهيد الدنيا واآلخرة‬
‫معا‪ ،‬وهو من مات بسبب من أسباب قتال المشركين إلعالء دين اهلل ال لرياء وسمعة بخالف‬
‫شهيد الدنيا فقط‪ ،‬فال يدخل في هذا الحكم وهو من مات في قتال الكفار مدبرا على وجه‬
‫والم َؤ ِّذ ُن) أي لوجه اهلل تعالى ال لطلب أجر‬
‫غير مرضي شرعا‪ ،‬أو مات بقتالهم رياء وسمعة‪ُ ( .‬‬
‫الج ُم َع ِة) قال بعضهم‪ :‬فمن مات من‬ ‫ِ‬
‫والمتَوفَّى) بفتح الفاء (يَ ْوم ُ‬
‫الج ُم َعة َولَْي لَةَ ُ‬ ‫من أحد ( ُ‬
‫المؤمنين يوم الجمعة أو ليلته إن عذب كان عذابه ساعة واحدة‪ ،‬ثم ينقطع وال يعود إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وكذلك ضغطة القبر واهلل أعلم‪.‬‬
‫َّاس) وضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار‬ ‫ال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬لَْو يَ ْعلَم الن ُ‬
‫( َوقَ َ‬
‫األو ِل) أي من الفضل (ثُ َّم لَ ْم يَ ِج ُدوا) وفي رواية ال‬ ‫ف َّ‬ ‫والص ِّ‬
‫ِّداء) أي التأذين ( َّ‬‫العلم (ما فِي الن ِ‬
‫َ‬
‫يجدوا بال النافية‪ ،‬وبحذف نون الرفع‪ ،‬وهو ثابت لغة (إال أَ ْن يَ ْستَ ِه ُموا) بتخفيف الميم ( َعلَْي ِه)‬
‫الستَ َه ُموا) والمعنى لو علموا فضيلة األذان‪ ،‬والصف‬ ‫أي المذكور من األذان والصف األول ( ْ‬
‫األول وعظيم جزائهما‪ ،‬ثم ال يجدون طريقا يحصلونهما به لضيق الوقت‪ ،‬أو لكونه ال يؤذن‬
‫للمسجد إال واحد القترعوا في تحصيلهما ( َولَْو يَ ْعلَ ُمو ُن ما في التَّ ْهجي ِر) أي التبكير بأي صالة‬
‫كان وال يعارضه أمر اإلبراد للظهر‪ ،‬ألنه تأخير قليل (الستبقوا إليه) أي التهجير ( َولَْو يَ ْعلَ ُمو َن َما‬
‫ألتوه َما َولَْو َح ْبوا)‬
‫والص ْب ِح) أي ما في صالة العشاء والصبح في جماعة من الثواب ( ُ‬ ‫تم ِة ُّ‬ ‫ِ ِ‬
‫في الع َ‬
‫بفتح الحاء وسكون الموحدة‪ ،‬أي ولو كان اإلتيان مشيا على الركب واليدين رواه مالك وأحمد‬
‫والبخاري ومسلم والنسائي وأبو داود عن أبي هريرة‪.‬‬
‫اء) أي األذان (فَ َقبَّ َل إبْ َه َام ْي ِه) أي بالفم (فَ َو َ‬
‫ض َع)‬ ‫ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َسم َع النِّ َد َ‬
‫ِ‬ ‫قال َم ْرحبا بِ ِذ ْك ِر اهلل تَ َعالى قُرة أ ْعيُنِنَا بِ َ‬
‫يعهُ‬
‫ول اهلل‪ ،‬فأنَا َشف ُ‬ ‫ك يَا َر ُس َ‬ ‫أي اإلبهامين ( َعلَى َع ْي ْنيه َو َ‬
‫ت‬ ‫ْت األَ َذ ِ‬
‫ان فُتِ َح ْ‬ ‫ال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إ َذا َكا َن) أي جاء ( َوق ُ‬ ‫القيَ َام ِة َوقَائِ ُدهُ إلى الجن َِّة َوقَ َ‬
‫ي وم ِ‬
‫َْ َ‬
‫ْت اإلقَ َام ِة لَ ْم تَ ُر ّد َد ْع َوتُهُ) قال النووي في األذكار‬ ‫جيب ُّ‬ ‫أب واب َّ ِ‬
‫الد َعاءُ وإذا َكا َن َوق ُ‬ ‫استُ َ‬‫الس َماء َو ْ‬ ‫َْ ُ‬
‫روينا عن أنس قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬ال يرد الدعاء بين األذان واإلقامة»‬
‫رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن السني وغيرهم‪ .‬وزاد الترمذي في روايته قالوا‪ :‬فماذا‬
‫الدنْيا ِ‬
‫واآلخ َرةِ» اه ‪.‬‬ ‫نقول يا رسول اهلل؟ قال‪« :‬سلُوا اهلل ِ ِ‬
‫العافيَةَ في ُّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بالص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من قَ َ ِ‬
‫لوات‬ ‫ال ع ْن َد األَذان َم ْر َحبا بال َقائ َ‬
‫لين َع ْدالً‪َ ،‬م ْر َحبَا َّ‬ ‫َْ‬ ‫( َ‬
‫ْف َد َر َج ٍة وقال صلى اهلل‬ ‫ْف َسيِّئَ ٍة‪َ ،‬وَرفَ َع لَهُ أَل َ‬
‫سنَ ٍة‪َ ،‬وَم َحا َعنْهُ أَل َ‬ ‫ب اهلل تَ َعالى لَهُ أَل َ‬
‫ْف َح َ‬ ‫َوأ َْهالً‪َ ،‬كتَ َ‬
‫القي ِ‬
‫ِ‬ ‫ال الم َؤذِّ ُن فَإنَّهُ يمنَع ِمن ُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫امة إذَا‬ ‫الس ُجود يَ ْو َم َ‬ ‫ُْ ُ َ‬ ‫عليه وسلم‪َ :‬م ْن َسم َع األَذَا َن َولَ ْم يَ ُق ْل مثْ َل َما قَ َ ُ‬
‫الم َؤذِّنُو َن)‪.‬‬
‫َس َج َد ُ‬
‫الم َؤذِّ ُن» رواه‬
‫ول ُ‬‫ِّداء فَ ُقولُوا ِمثْ َل َما يَ ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫وروي أنه صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬إ َذا َسم ْعتُ ُم الن َ‬
‫مالك وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه‪ .‬قال المناوي‪ :‬إجابة المؤذن مندوب‪.‬‬
‫وقيل واجب‪ .‬قوله ما يقول‪ ،‬ولم يقل مثال ما قال الماضي ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة‪ ،‬ولم‬
‫يقل مثل ما تسمعون إيماء إلى أنه يجيبه في الترجيع‪ ،‬أي وإن لم يسمع‪ .‬قوله مثل ما يقول‬
‫المؤذن ظاهره أنه يقول مثل قوله في جميع الكلمات‪ ،‬لكن وردت أحاديث باستثناء حي على‬
‫الصالة وحي على الفالح‪ ،‬وأنه يقول بينهما ال حول وال قوة إال باهلل‪ ،‬وهذا هو المشهور عند‬
‫الجمهور‪ ،‬وعند الحنابلة وجه أنه يجمع بين الحيعلة والحوقلة‪ .‬وقال األذرعي‪ :‬وقد يقال األولى‬
‫أن يقولهما كذا قاله العزيزي نقالً عن العلقمي‪ ،‬ثم قال العزيزي قلت‪ ،‬وهو األولى للخروج من‬
‫خالف من قال به من الحنابلة‪ ،‬وأكثر األحاديث على اإلطالق انتهى‪.‬‬
‫وقال النووي في األذكار إذا سمع المؤذن أو المقيم وهو يصلي لم يجبه في الصالة‪ ،‬فإذا‬
‫سلم منها أجابه كما يجيبه من ال يصلي‪ ،‬فلو أجابه في الصالة كره‪ ،‬ولم تبطل صالته‪ ،‬وهكذا‬
‫إذا سمعه وهو على الخالء ال يجيبه في الحال‪ ،‬فإذا خرج أجابه فأما إذا كان يقرأ القرآن أو‬
‫يسبِّح أو يقرأ حديثا أو علما آخر أو غير ذلك‪ ،‬فإن يقطع جميع هذا ويجيب المؤذن‪ ،‬ثم يعود‬
‫إلى ما كان فيه‪ ،‬ألن اإلجابة تفوت‪ ،‬وما هو فيه ال يفوت غالبا‪ ،‬وحيث لم يتابعه حتى فرغ‬
‫المؤذن يستحب أن يتدارك المتابعة ما لم يطل الفصل اه ‪.‬‬
‫ش ي وم الَ ِظ َّل إالَّ ِظلُّهُ إمام َع ِ‬ ‫ِ‬
‫اد ٌل) أي‬ ‫ٌ‬ ‫الع ْر ِ َ ْ َ‬
‫َّبي صلى اهلل عليه وسلم ثَالَثَةٌ في ظ ِّل َ‬ ‫ال الن ُّ‬
‫( َوقَ َ‬
‫ظ) قال سيدي الشيخ عبد القادر الجيالني‪ :‬ويجب على المؤذن‬ ‫أهل مملكته ( َوُم َؤذِّ ٌن َحافِ ٌ‬
‫االحتراز عن اللحن في الشهادتين‪ ،‬ويكون عارفا باألوقات‪ ،‬وأن ال يؤذن إال بعد دخول الوقت‬
‫إال في الفجر خاصة‪ ،‬ويحتسب بأذانه وجه اهلل تعالى‪ ،‬وال يأخذ على أذانه جزاء‪ ،‬ويستقبل‬
‫القبلة بوجهه في التكبير والشهادتين‪ ،‬ويولي وجهه يمينا وشماالً في الدعاء إلى الصالة‪ ،‬وإذا‬
‫أذن لصالة المغرب جلس بين األذان واإلقامة جلسة خفيفة‪ ،‬ويكره له أن يؤذن وهو جنب أو‬
‫آن يَ ْقرأ في ُك ِّل لَْي لَ ٍة مائَت ْي آية) قال سيدي الشيخ عبد القادر الجيالني‪:‬‬
‫محدث (وقَا ِرىء ال ُقر ِ‬
‫َ ُ ْ‬
‫العابدين‪ ،‬وال يكتب من الغافلين‬
‫ويستحب أن ال ينام حتى يقرأ ثالثمائة آية ليدخل في زمرة َ‬
‫فليقرأ سورة الفرقان والشعر‪ ،‬فإن فيهما ثالثمائة آية‪ ،‬وإن لم يحسنهما قرأ سورة الواقعة ونون‬
‫والحاقة وسورة الواقعة‪ ،‬أي سأل سائل والمدثر‪ ،‬فإن لم يحسنهن فليقرأ سورة الطارق إلى خاتمة‬
‫القرآن‪ ،‬فإنها ثالثمائة آية‪ ،‬فإن قرأ مقدار ألف آية كان أحسن‪ ،‬وأكمل للفضل‪ ،‬وكتب له قنطار‬
‫ْك} [الملك‪ ]2 :‬إلى‬ ‫المل ُ‬ ‫ِ ِِ‬
‫من األجر‪ ،‬وكتب من القانتين وذلك من سورة {تَبَ َار َك الّذي بيَده ُ‬
‫أح ٌد} [اإلخالص‪]2 :‬‬
‫خاتمة القرآن‪ ،‬فإن لم يحسنها فليقرأ مائتين وخمسين مرة {قُ ْل ُه َو اهلل َ‬
‫فإن مجموعها ألف آية أي وذلك مع البسملة‪ ،‬وينبغي أن ال يدع قراءة أربع سور في كل ليلة‬
‫وحم الدخان وتبارك‪ ،‬وإن قرأ معها سورة‬ ‫{الم تَ ْن ِزيل َّ ِ‬
‫يس ۤ‬ ‫الس ْج َدة} [السجدة‪ ]2 :‬وسورة ۤ‬ ‫ُ‬ ‫ۤ‬
‫المزمل والواقعة كان أحسن‪ .‬كان النبي صلى اهلل عليه وسلم ال ينام حتى يقرأ السجدة َوتَبَ َار َك‬
‫ْك وفي خبر آخر حتى يقرأ سورة بني إسرائيل والزمر‪ ،‬وفي خبر آخر حتى يقرأ‬ ‫المل ُ‬
‫ُ‬
‫المسبحات‪ ،‬ويقال فيها آية أفضل من مائة ألف آية‪.‬‬

‫{الباب التاسع‪ :‬في فضيلة صالة الجماعة}‬


‫(وعن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬أوصاني حبيبي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال‬
‫َ‬ ‫فإن اهلل تَ َعالَى يُ ْع ِط َ‬
‫يك بِ ُك ِّل صالةٍ‬ ‫ت َجالِسا‪َّ ،‬‬ ‫اعةِ َولَْو ُك ْن َ‬
‫الج َم َ‬
‫الصالَ َة َم َع َ‬
‫ص ِّل َّ‬
‫لي‪ :‬يا أبَا ُه َريْ َرَة َ‬
‫اع ِة) كذا في رياض الصالحين‬ ‫مع الجماعة ثَواب َخم ٍ ِ‬
‫الج َم َ‬
‫صال ًة في غَْي َر َ‬ ‫س َوع ْشرين َ‬ ‫ََ ََ َ َ َ ْ‬
‫س‬ ‫صالةِ َّ‬
‫الر ُج ِل َو ْحده َخ ْم ٌ‬ ‫اعة َعلى َ‬
‫ضل صالَةِ الجم َ ِ‬
‫ََ‬ ‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬فَ ْ ُ َ‬
‫اعةِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ْس ِج ِد َك َف ْ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫صالةِ الت ِّ‬ ‫َو ِع ْش ُرو َن َد َر َجةً َوفَ ْ‬
‫الج َم َ‬
‫صالة َ‬ ‫ض ِل َ‬ ‫َّطوِع في البَ ْيت َعلى ف ْعلها في َ‬ ‫ض ُل َ‬
‫رد) رواه ابن السكن عن ضمرة عن أبيه حبيب‬ ‫َعلَى صالةِ الم ْن َف ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫صالَة ال َف ِّذ) بفتح‬
‫ض ُل) بفتح فسكون فضم ( َ‬ ‫اع ِة تَ ْف ُ‬
‫الج َم َ‬
‫صالَةُ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َد َر َجةً) أي مرتبة رواه مالك‬ ‫س ْب ٍع وع ْش ِر َ‬
‫الفاء وشد المعجمة‪ ،‬أي تزيد على صالة المنفرد (ب َ‬
‫وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه والنسائي عن ابن عمر بن الخطاب‪ .‬ورواية‬
‫األكثر من الصحابة بخمس وعشرين درجة كما قال العزيزي‬
‫الجم َع ِة في‬ ‫ضل َّ ِ ِ‬
‫الص ْب ِح يَ ْو َم ُ‬
‫صالَةُ ُّ‬
‫الصلَوات ع ْن َد اهلل تَ َعالى َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أَفْ َ ُ‬
‫اع ٍة) رواه أبو نعيم والطبراني عن ابن عمر‪ ،‬فآكد الجماعات بعد الجمعة صبحها‪ ،‬ثم صبح‬ ‫َج َم َ‬
‫غيرها ثم العشاء ثم العصر ثم الظهر ثم المغرب‪ ،‬وإنما فضلوا جماعة الصبح فالعشاء ألنها‬
‫فيهما أشق كذا أفاد العزيزي‪.‬‬
‫الصب ِح في الجم َ ِ‬
‫س يَ ْذ ُك ُر اهلل تَ َعالَى‬‫اعة ثُ َّم َجلَ َ‬ ‫ََ‬ ‫صلَّى َ‬
‫صالَةَ ُّ ْ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫الشمس َكا َن لَه ِس ْت ر ِمن النَّا ِر وب ِر ِ‬
‫صالَةُ‬‫ىء م َن النَّا ِر وقال صلى اهلل عليه وسلم َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ُ ٌ َ‬ ‫ْلع َّ ْ ُ‬ ‫َحتَّى تَط َ‬
‫صالَّها)‬ ‫ِ‬ ‫اع ٍة تَ ِزي ُد َعلَى ِ ِ‬
‫رين َد َر َجةً) هذا في اإلقامة (فَإذَا َ‬ ‫صالَته َو ْحده َخ ْمسا َوع ْش َ‬ ‫َ‬ ‫الر ُج ِل في َج َم َ‬
‫َّ‬
‫وع َها‬
‫وء َها َوُرُك َ‬
‫ض َ‬ ‫ض فُالةٍ) أي أرض ال ماء بها والمراد في جماعة (فَأَتَ َّم ُو ُ‬ ‫أي تلك الصالة (بِأ َْر ٍ‬
‫ين َد َر َجةً) رواه‬ ‫ِ‬
‫صالتُهُ َخ ْمس َ‬ ‫ت َ‬ ‫ود َها) أي أتى بالثالثة تامة الشروط واألركان والسنن (بَلَغَ ْ‬ ‫َو ُس ُج َ‬
‫أبو يعلى والحاكم وابن حبان عن أبي سعيد الخدري بإسناد صحيح‪ ،‬السر في ذلك أن‬
‫الجماعة ال تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة‪.‬‬
‫ب اهلل لَهُ بَ َراءَ ًة ِم َن النَّا ِر‬
‫ين يَ ْوما َكتَ َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من أ ْدر َك الج َ ِ‬
‫ماعة ْأربَع َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫اق) قال ابن حجر في فتح الجواد‪ :‬وتسن المحافظة على إدراك تحرم اإلمام‬ ‫وب راءةً ِمن النِّ َف ِ‬
‫َََ َ َ‬
‫لخبر منقطع‪ ،‬وهو ما سقط من رواته واحد قبل الصحابي من صلى أربعين يوما في الجماعة‬
‫يدرك التكبيرة األولى‪ ،‬كتب اهلل له براءتان‪ :‬براءة من النار وبراءة من النفاق‬
‫صلَّى ْ‬
‫البر َديْ ِن) بفتح الموحدة وسكون الراء‪ ،‬أي صالة‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫الفجر والعصر سميا بردين‪ ،‬ألنهما يصليان في بردي النهار‪ ،‬وهما طرفاه حين يطيب الهواء‬
‫اب) قوله من صلى من شرطية‪ ،‬وقوله‪:‬‬ ‫الجنَّةَ بِغَْي ِر ِحس ٍ‬ ‫وتذهب سورة الحر (في الجم َ ِ‬
‫اعة َد َخ َل َ‬ ‫ََ‬
‫َ‬
‫دخل جواب الشرط وعبر بالماضي إلرادة التأكيد في وقوعه بجعل ما سيقع كالواقع‬
‫اع ِة) كتب اهلل تعالى له ذاهبا‬
‫الج َم َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َش ِه َد) أي حضر ( َ‬
‫صالَ َة َ‬
‫وراجعا عشر حسنات‪ ،‬ومحا عنه عشر سيئات‪ ،‬ورفع له عشر درجات‪.‬‬
‫الم ْس ِج ِد) رواه الدارقطني‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫صالَةَ ل َجا ِر َ‬
‫الم ْسجد إالَّ في َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬الَ َ‬
‫والبيهقي عن جابر وعن أبي هريرة‪ ،‬وهذا الحديث محمول على الفريضة وما ألحق بها‪ ،‬ففعلها‬
‫في المسجد أفضل‪ ،‬وما عدا ذلك ففعله في البيت أفضل من فعله في المسجد‪ ،‬كذا أفاد‬
‫ض ُل‬ ‫ِ‬
‫البيوت أَفْ َ‬ ‫العزيزي ونظم ذلك العالمة منصور الطبالوي من بحر الرجز فقال‪ :‬صالَةُ نَ ْف ٍل في‬
‫اإلحيَا لِبُ ْق َع ِة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫س لال ْعتِ َكاف َونَ ْح ُو عل ِْمه ْ‬ ‫اف َونَ ْف ُل َجالِ ٍ‬
‫إالّ الّتي جماعةً تَحصل وسنَّة اإلحرام والطَّو ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ََ َ ْ َ ُ َ ُ‬
‫ِ‬
‫والستِ َخا ِرٍة‬
‫لس َف ِر ْ‬ ‫اد ٌم َوُم ْنشىءٌ لِ َّ‬‫ات بِالتَّأَ ّخ ِر وقَ ِ‬
‫َ‬
‫ف ال َفو ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الج ْم َعة َو َخائ ُ َ‬
‫ُّحى َونَ ْف ُل يَ ْوم ُ‬ ‫َك َذا الض َ‬
‫َصلِها‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ب َو ٰهكذا البَ ْعديَّة َوُكل قبليَّة َد َخل في َوقْتِها َونَ ْذ ُر نَافلَة َك َذا َكأ ْ‬
‫لمغْ ِر ٍ‬ ‫ِِ‬
‫وللقبليَّة َ‬
‫ْ‬
‫اعةُ‬‫الج َم َ‬ ‫ِ‬
‫الدنْيَا َوَما فيها َو َ‬‫اع ِة َر ْح َمةٌ َو ِه َي َخ ْي ٌر ِم َن ُّ‬
‫الج َم َ‬
‫صالَةُ َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫اب) أي‬ ‫والفرقَةُ َع َذ ٌ‬
‫َر ْح َمةٌ) أي لزوم جماعة المسلمين موصل إلى الرحمة أو سبب للرحمة ( ْ‬
‫مفارقتهم‪ ،‬واالنفراد عنهم سبب للعذاب‪.‬‬
‫{الباب العاشر‪ :‬في فضيلة الجمعة}‬
‫وروى العالء عن أبيه عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬إن النبي صلى اهلل عليه‬
‫الج ُم َعةِ َوَما ِم ْن َدابَّةٍ إالّ َو ِه َي‬ ‫الشمس ولَم ت غرب علَي أفْ ِ ِ‬
‫ض َل م ْن يَ ْوم ُ‬ ‫وسلم قال‪« :‬لَ ْم تَطْل ِع َّ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َّ َ‬
‫اب المس ِج ِد ملَ َك ِ‬ ‫قالن الجن واإلنْس‪ ،‬وعلى ُك ِّل ب ٍ ِ‬ ‫تَ ْفزعُ ِمن ي وِم الجمع ِة إال الثّ ِ‬
‫ان‬ ‫اب م ْن أبْ َو ِ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ََ‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ َْ ُ ُ َ‬
‫ب َشا ًة‪َ ،‬وَك َر ُج ٍل‬ ‫ِ‬
‫ب بَ َق َرًة‪َ ،‬وَك َر ُج ٍل قَ َّر َ‬
‫ب بَ َدنَةً‪َ ،‬وَك َر ُج ٍل قَ َّر َ‬
‫األو ُل َك َر ُج ٍل قَ َّر َ‬
‫األول فَ َّ‬ ‫َّاس‪َّ ،‬‬ ‫يَ ْكتُبان الن َ‬
‫ضةً‪ ،‬فَإذا قَام ا ِإلمام طُ ِوي ِ‬
‫ف» كذا في الغنية‬ ‫الص ُح ُ‬‫ت ُّ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫اجةً‪َ ،‬وَك َر ُج ٍل قَ َّر َ‬
‫ب بَ ْي َ‬ ‫ب َد َج َ‬‫قَ َّر َ‬
‫الج ُم َع ِة) أي هو من أفضل األيام‪ ،‬وفي الجامع‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬سيِّ ُد األَيَّ ِام يَ ْو ُم ُ‬
‫الصغير سيد األيام عند اهلل يوم الجمعة‪ ،‬أعظم من يوم النحر والفطر‪ ،‬وفيه خمس خالل في‬
‫خلق اهلل آدم‪ ،‬وفيه أهبط من الجنة إلى األرض‪ ،‬وفيه توفي‪ ،‬وفيه ساعة ال يسأل العبد فيها اهلل‬
‫شيئا إال أعطاه إياه ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم‪ ،‬وفيه تقوم الساعة وما من ملك مقرب‪ ،‬وال‬
‫سماء وال أرض وال ريح وال جبل‪ ،‬وال حجر إال وهو مشفق من يوم الجمعة‪ ،‬أي والحال أن‬
‫ذلك خائف من قيام القيامة فيه والحشر والحساب‪ .‬روى هذا الحديث اإلمام الشافعي وأحمد‬
‫والبخاري عن سعد بن عبادة سيد األنصار‬
‫ت َع ْنهُ ذُنُوبُهُ َو َخطَايَاهُ) وهذا هو‬ ‫الج ُم َعةِ ُك ِّف َر ْ‬
‫س َل يَ ْو َم ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ِن ا ْغتَ َ‬
‫المراد بقوله صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬م ِن اغْتَسل ي وم الجمع ِة َكا َن فِي طَهارةٍ إلى الجمعةِ‬
‫ُ َُ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َْ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫األُ ْخ َرى» رواه الحاكم عن قتادة‪ ،‬والمراد الطهارة المعنوية‪.‬‬
‫ِ‬
‫اعةً يَ ْعتِ ُق اهلل في ُك ِّل‬ ‫الج ُم َع ِة َولَْي لَتَ َها أ َْربَ َعةٌ وع ْش ُرو َن َس َ‬
‫إن يَ ْو َم ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫يق ِم َن النَّا ِر) قال سيدي الشيخ عبد القادر الجيالني‪ ،‬وأخبرنا أبو‬ ‫ْف َعتِ ٍ‬ ‫اع ٍة ِم ْنها ستُّمائَ ِة أل ِ‬
‫َس َ‬
‫نصر عن والده بإسناد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه عن النبي صلى اهلل‬
‫ٍ‬
‫يق ِم َن النَّا ِر فِي ُك ِّل يَ ْوم َولَْي لَ ٍة‪َ ،‬ولَْي لَةُ‬ ‫ْف َعتِ ٍ‬ ‫إن اهلل تَ َعالَى ي ْعتِ ُق ِستَّمائَ ِة أَل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫عليه وسلم أنه قال‪َّ « :‬‬
‫يق ِم َن النَّا ِر‪ُ ،‬كلُّ ُه ْم قَ ِد‬ ‫ْف َعتِ ٍ‬ ‫اع ٍة ِستُّمائَ ِة أَل ِ‬
‫َ‬
‫الجمع ِة‪ ،‬وي وم الجمع ِة أَربع و ِع ْشرو َن ساعةً‪ ،‬فِي ُك ِّل س ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َ َ َ ْ ُ ُ َ َْ ٌ َ ُ َ َ‬
‫َّار» وفي لفظ آخر عن ثابت عن أنس رضي اهلل عنه عن النبي صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫استَ ْو َجبُوا الن َ‬
‫ْ‬
‫يق ِم َن النَّا ِر يَ ْعتِ ُق ُه ُم ُكلُّ ُهم قَ ِد‬‫ْف َعتِ ٍ‬ ‫الدنْيا ِستَّمائَ ِة أل ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫قال‪ِ َّ « :‬‬
‫إن هلل في ُك ِّل يَ ْوم َولَْي لَة م ْن أيَّ ِام ُّ َ‬
‫اعةٌ‬ ‫اعةً‪ ،‬لَي ِ‬ ‫القيام ِة‪ ،‬وفي ي وِم ٱلجمع ِة ولَي لَةَ الجمع ِة أرب ٍع و ِ‬ ‫ِ‬
‫يها َس َ‬ ‫سفَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ش‬
‫ْ‬ ‫ع‬
‫ُ ُ َ َْ َ ُ َ‬ ‫َْ ُ ُ َ َ ْ‬ ‫َّار يَ ْو َم َ َ‬
‫استَ ْو َجبُوا الن َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ْف عتِ ٍ ِ‬
‫ٱستَ ْو َجبُوا النَّار»‪ .‬وقال‬ ‫يق م َن النَّا ِر‪ُ ،‬كلُّ ُه ُم قَد ْ‬ ‫إالَّ وهلل َع َّز َو َج َّل في ُك ِّل ساعة ِستَّمائَ ِة أل ِ َ‬
‫الغزالي‪ :‬وفي الخبر أن هلل عز وجل في كل جمعة ستمائة ألف عتيق من النار وقال صلى اهلل‬
‫الس َم ِاء فَالَ‬
‫س في َكبِ ِد َّ‬ ‫استِ َو ِاء َّ‬
‫الش ْم ِ‬ ‫الز ِ ِ‬
‫وال ع ْن َد ْ‬ ‫س َّع ُر في ُك ِّل يَ ْوٍم قَ ْب َل َّ‬
‫يم تُ َ‬
‫إن ِ‬
‫الجح َ‬‫عليه وسلم‪َ َّ « :‬‬
‫سعَّ ُر فِ ِيه»‪.‬‬‫َّم ال تُ َ‬ ‫صالَةٌ ُكلُّهُ َّ‬
‫وإن َج َهن َ‬
‫ِ‬
‫الج ُم َعة‪ ،‬فَإنَّهُ َ‬‫اعة إالّ يَ ْو َم ُ‬ ‫صلُّوا‪ ،‬في ٰه ِذهِ َّ‬
‫الس َ ِ‬
‫تُ َ‬
‫ِ‬
‫ص َّد ْق) أي‬ ‫الج ُم َعةَ) أي ممن تلزمه (م ْن غَْي ِر ُع ْذ ٍر فَ لْيَتَ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن تَ َر َك ُ‬
‫صف دينا ٍر) فإن ذلك كفارة الترك رواه أحمد وأبو‬ ‫ندبا (بِدينا ٍر) أي من ذهب (فَإ ْن لَ ْم يَ ِج ْد فَنِ ْ‬
‫داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان عن سمرة بن جندب وهو حديث صحيح‪ .‬وهو ما اتصل‬
‫سنده بعدول ضابطين بال شذوذ‪ .‬وروى البيهقي عن سمرة حديثا ضعيفا من ترك الجمعة بغير‬
‫عذر‪ ،‬فليتصدق بدرهم‪ ،‬أي من فضة أو نصف درهم أو صاع أو مد‪ ،‬والضعيف ما قصر عن‬
‫درجة الحسن‬
‫ث ُج َم ٍع) بضم ففتح (تَ َه ُاونا بِها) المراد بالتهاون‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن تَ َر َك ثَالَ َ‬
‫الترك من غير عذر (طَبَ َع اهلل َعلَى قَ لْبِ ِه) أي ختم اهلل عليه وغشاه ومنعه ألطافه رواه أحمد وأبو‬
‫داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن الجعد وإسناده حسن‬
‫ات) بضم الجيم والميم أو فتحها أو‬ ‫ث جم ع ٍ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن تَ َر َك ثَالَ َ ُ ُ َ‬
‫ين) أي إن كان ممن تجب الجمعة عليه‪ ،‬رواه الطبراني‬ ‫ِِ‬ ‫سكونها ( ِمن غَي ِر ع ْذ ٍر ُكتِ ِ‬
‫المنَافق َ‬ ‫ب م َن ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ ُ‬
‫عن أسامة بن زيد‬
‫اب ال َق ْب ِر) وفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الج ُم َعة ْأو لَْي لَتَ َها ُرف َع َع ْنهُ َع َذ ُ‬
‫ات يَ ْو َم ُ‬‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب اهلل لَهُ‬ ‫الج ُم َعة َكتَ َ‬
‫الج ُم َعة ْأو لَْي لَةَ ُ‬‫ات يَ ْو َم ُ‬ ‫اإلحياء للغزالي قال صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن َم َ‬
‫يد ووقي فتنة القبر» أي وذلك بشرط اإليمان‬ ‫أجر َش ِه ٍ‬
‫َْ‬
‫ال ي وم الجمع ِة لِ ِ ِ‬
‫ب) الواو للحال‬ ‫ام يَ ْخطُ ُ‬ ‫صاحبِه َ‬
‫واإلم ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن قَ َ َ ْ َ ُ ُ َ َ‬
‫بكالم ال يتعلق به غرض مهم ناجز كإنذار‬ ‫ت) أي اسكت مع اإلصغاء الخطبة ( ْأو تَ َكلَّم) ِ‬ ‫صَ‬ ‫(أنْ ِ‬
‫َ‬
‫من يقع في مهلكة (أو عبث) بكسر الباء‪ ،‬أي عمل ما ال فائدة فيه (أَو أَ َشار بِي ِدهِ أَو بِرأْ ِسهِ‬
‫ْ َ َ ْ َ‬
‫فَ َق ْد لَغَا) أي أثم ( َوَم ْن لَغَا فَالَ ُج ُم َعةَ لَهُ) وقال ابن حجر العسقالني في بلوغ المرام‪ ،‬وعن ابن‬
‫ِ‬
‫اإلمامُ‬
‫الج ُم َعة َو َ‬‫عباس رضي اهلل عنهما قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن تَ َكلَّ َم يَ ْو َم ُ‬
‫ول لَهُ أنْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت لَهُ ُج ُم َعة» رواه أحمد‬ ‫س ْ‬ ‫ت لَْي َ‬‫ص ْ‬ ‫أس َفارا َوالَّذي يَ ُق ُ‬ ‫ار يَ ْح ِم ُل ْ‬ ‫ِ‬
‫ب‪ ،‬فَ ُه َو َكمثْ ِل الح َم ُ‬ ‫يَ ْخطُ ُ‬
‫ك‬‫احبِ َ‬‫ْت لِص ِ‬
‫بإسناد ال بأس به وهو يفسر حديثا ألبي هريرة في الصحيحين مرفوعا إذا قُ ل َ َ‬
‫ت انتهى‪.‬‬ ‫طب فَ َق ْد لَغَ ْو َ‬ ‫ِ‬ ‫أَنْ ِ‬
‫ام يَ ْخ ُ‬
‫اإلم ُ‬
‫الج ُم َعة‪َ ،‬و َ‬
‫ت يَ ْوم ُ‬ ‫ص ْ‬
‫وقال أبو بكر الحصني في كفاية األخيار‪ :‬هل يحرم الكالم وقت الخطبة؟ فيه قوالن‪:‬‬
‫أحدهما ونص عليه الشافعي في القديم أنه يحرم‪ ،‬وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد في أرجح‬
‫ك واإلمام ي ْخطُب ي وم الجمعةِ‬ ‫ْت لِص ِ‬
‫احبِ َ‬
‫َ ُ َ ُ َْ َ ُ ُ َ‬ ‫الروايتين عنه‪ :‬قوله صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إذَا قُل َ َ‬
‫ت»‪ .‬واللغو اإلثم والجديد أن الكالم ليس بحرام‪ ،‬واإلنصات سنة لما رواه‬ ‫ت‪ ،‬فَ َق ْد لَغَ ْو َ‬ ‫أَنْ ِ‬
‫ص ْ‬
‫الشيخان أن عثمان دخل وعمر يخطب فقال عمر‪ :‬ما بال رجال يتأخرون عن النداء؟ فقال‬
‫عثمان‪ :‬يا أمير المؤمنين ما زدت حين سمعت النداء إال أن توضأت‪ .‬وروي أن النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم دخل عليه رجل‪ ،‬وهو يخطب يوم الجمعة فقال‪ :‬متى الساعة؟ فأومأ الناس إليه‬
‫ك‬‫بالسكوت‪ ،‬فلم يقبل وأعاد الكالم فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم له بعد الثالثة‪َ :‬ويْ َح َ‬
‫ت رواه البيهقي بإسناد صحيح‪.‬‬ ‫أحبَْب َ‬ ‫ت لَ َها؟ قال‪ :‬حب اهلل ورسوله‪ .‬فقال‪ :‬إنَّ َ‬
‫ك َم َع َم ْن ْ‬ ‫َما أ ْع َد ْد َ‬
‫وجه الداللة أنه عليه الصالة والسالم لم ينكر عليهم ذلك‪ ،‬ولو كان حراما ألنكره اه ‪ .‬ومعنى‬
‫اللغو اإلتيان بما ال يليق‪ .‬والمنفي بقوله صلى اهلل عليه وسلم فال جمعة له كمال الجمعة ال‬
‫صحتها‬
‫ب) ليس المراد أنه واجب فرضا بل هو‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الج ُم َعة َواج ٌ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬غُ ْس ُل يَ ْوم ُ‬
‫مؤول‪ :‬أي واجب في السنة أو في المروءة أو في األخالق الجميلة كما تقول العرب حقك‬
‫علي أي متأكد‪ ،‬كما أفاده العزيزي نقالً عن بعضهم ( َعلَى ُك ِّل ُم ْحتَلِ ٍم) أي بالغ أراد‬
‫واجب ّ‬
‫حضور الصالة رواه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري‬
‫يد) وعن أبي‬ ‫(وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من أَ ْدر َك الجمع ِة فَ لَهُ ِع ْن َد اهلل أَجر ِ‬
‫مائة َش ِه ٍ‬
‫ُْ‬ ‫َ ْ َ ُ َُ‬
‫هريرة قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬من أَ ْدر َك ِمن الجمع ِة رْكعةً فَ لْي ِ‬
‫ص ْل إلَْي َها أُ ْخ َرى‬ ‫َ ْ َ َ ُ َُ َ َ َ‬
‫ص ِّل ْأربَعا» وقال الظهر رواه الدارقطني فأو للشك من الراوي‪.‬‬ ‫ومن فَاتَ ْتهُ َّ ِ‬
‫الرْك َعتَان فَ لْيُ َ‬ ‫ََ ْ‬

‫{الباب الباب الحادي عشر‪ :‬في فضيلة المساجد}‬


‫اس ُمهُ} [النور‪ ]3 :‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫قال اهلل تعالى‪{ :‬في بي ٍ ِ‬
‫وت أَذ َن اهلل أ ْن تُ ْرفَ َع َويُ ْذ َك ُر فيها ْ‬ ‫ُ‬
‫وب} [الحج‪ ]23 :‬وقال تعالى‪َ { :‬وَم ْن يَ َعظِّم‬ ‫{ َوَم ْن يُ َعظِّم َش َعائِر اهلل فَإنَّها ِم ْن تَقوى ال ُقلُ ِ‬
‫َ‬
‫ات اهلل فَ ُه َو َخ ْي ٌر لَهُ ِعنْ َد َربِّ ِه} [الحج‪ ]63 :‬وروينا عن بريدة رضي اهلل عنه قال قال رسول‬ ‫حرم ِ‬
‫ُ َُ‬
‫ت لَهُ»‪ .‬رواه مسلم كذا في األذكار‪.‬‬‫لما بُنِيَ ْ‬ ‫ساج ُد َ‬
‫ت ٱلْم ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إنَّ َما بُنيَ َ َ‬
‫ت ُك ِّل ُم ْؤِم ٍن) رواه أبو نعيم عن سلمان بإسناد‬ ‫الم ْس ِج ُد بَ ْي ُ‬
‫ال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬ ‫(قَ َ‬
‫ضعيف‪ ،‬لكن له شواهد أي فكل مسلم له فيه حق المأوى‪ ،‬وفي رواية كل تقي لكن ال يشغله‬
‫بغير ما بني له أفاد ذلك العزيزي‬
‫ِ‬
‫باإليمان) أي‬ ‫الم ْس ِج ِد فَا ْش َه ُدوا لَهُ‬
‫الر ُج َل ُمالَ ِزَم َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إذا َرأيْتُ ُم َّ‬
‫اقطعوا له‪ ،‬فإن الشهادة قول صدر على مواطأة القلب اللسان على سبيل القطع‪ ،‬وفي رواية‬
‫أحمد والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري‪،‬‬
‫إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له باإليمان فإن اهلل يقول {إنَّما ي ْعمر مس ِ‬
‫اج َد اهلل َم ْن‬ ‫َ ُُ َ َ‬
‫آم َن باهلل} [التوبة‪ ]12 :‬وهذا حديث صحيح وفي رواية يتعاهد المسجد‪ ،‬والمراد باعتبار‬ ‫َ‬
‫المساجد أن يكون قلبه معلقا بها منذ يخرج منها إلى أن يعود إليها‪ ،‬ونقل بعضهم عن النووي‪،‬‬
‫أي أن يكون شديد الحب لها والمالزمة للجماعة فيها‪ ،‬وليس معناه دوام القعود فيها كذا أفاد‬
‫العزيزي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫ط اهلل َع َملَهُ أ َْربَع َ‬ ‫الم ْس ِجد أ ْ‬
‫َحبَ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن تَ َكلَّ َم بِ َكالَِم ُّ‬
‫الدنْيَا في َ‬
‫َسنَةً) قال ابن حجر الهيثمي في تنبيه األخيار‪ :‬وسن أن يقال لمن أنشد في المسجد شعرا غير‬
‫مطلوب فض اهلل فاك ثالث مرات‪ ،‬ويندب تنزيه المسجد عن حديث الدنيا وخصومة‪ ،‬ورفع‬
‫صوت وشهر سالح ويكره أن يتخذ منه محالً مخصوصا ال يصلى فيه غيره‪ ،‬ويكره تدافع‬
‫اإلمامة‪ ،‬بل يتقدم من له حق اإلمامة‪.‬‬
‫وروى مسلم والترمذي والحاكم عن أبي هريرة خبر‪ :‬إذَا َرأَيْتُ ْم َم ْن يَبِ ُ‬
‫يع أ َْو يَ ْبتَاعُ في‬
‫ش ُد ِ‬
‫الم ْس ِج ِد فَ ُقولُوا لَهُ الَ ْأربَ َح اهلل تِ َج َارتَك‪ ،‬وإ َذا َرأَيْتُ ْم َم ْن يَ ْن ُ‬
‫ضالَّتَهُ فَ ُقولُوا لَهُ‪ :‬ال َرد َ‬
‫َّها اهلل‬ ‫فيه َ‬ ‫َ‬
‫اج َد لَ ْم تُ ْب َن لِهذا‪ .‬قوله يبتاع‪ :‬أي يشتري‪ .‬قوله فقولوا‪ :‬أي ندبا‪ .‬قوله ال أربح‬ ‫فإن المس ِ‬
‫ك‪َ َ َّ ،‬‬ ‫َعلَْي َ‬
‫إنه دعاء بالخسران قوله ينشد بفتح أوله وسكون ثانيه وضم الشين المعجمة‪ ،‬أي يطلب‪ ،‬وفي‬
‫هذا الحديث النهي عن نشد الضالة في المسجد ورفع الصوت فيه لإلجارة ونحوها من العقود‪.‬‬
‫قال النووي نقالً عن بعض العلماء‪ :‬يكره رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره‪ ،‬وأجاز أبو‬
‫حنيفة ومحمد بن سلمة من أصحاب مالك رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغير ذلك مما‬
‫يحتاج إليه الناس‪ ،‬ألنه مجمعهم وال بد لهم منه‪ .‬ثم قال العزيزي نقالً عن شيخه ينبغي أن ال‬
‫يكره رفع الصوت بالموعظة في ه‪ ،‬وهذا الحديث شاهد له وخطبة الجمعة وغيرها من ذلك‪ ،‬وكذا‬
‫جميع ما يستحب فيه رفع الصوت كاألذان واإلقامة والتلبية والصالة على النبي صلى اهلل عليه‬
‫وسلم والتكبير في العيد‪.‬‬
‫الم ْس ِج ِد بِ َكالَِم‬ ‫إن المالَئِ َكةَ ي تَ َك َّرُهو َن ِمن المتَكلِّ ِ‬
‫مين في َ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ َّ :‬‬
‫والج ْوِر) أي الكالم المائل عن الحق‬ ‫اللَّغْ ِو) أي بالكالم الباطل‪َ ( .‬‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬ش ُّر البِ َق ِاع) أي بقاع البلدان‪ ،‬وفي رواية شر البالد ( ْ‬
‫أسواقُ َها)‬
‫وخ ْي ر البِ َق ِاع مس ِ‬
‫اج ُد َها) وفي رواية شر البلدان أسواقها‬ ‫ََ‬ ‫لما يقع فيها من الغش واأليمان الكاذبة ( َ ُ‬
‫وخير بقاعها المساجد رواه الحاكم عن جبير بن مطعم‪ ،‬وهو حديث صحيح‪ ،‬وفي رواية شر‬
‫المجالس األسواق والطرق وخير المجالس المساجد‪ ،‬فإن لم تجلس في المسجد فالزم بيتك‬
‫رواه الطبراني عن واثلة بإسناد حسن‪،‬‬
‫صلِّي َرْك َعتي ِن)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْسج َد فَالَ يَ ْجلس َحتَّى يُ َ‬
‫َح ُد ُك ُم َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إ َذا َد َخ َل أ َ‬
‫رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي قتادة وابن ماجه‬
‫عن أبي هريرة قال العلقمي نقالً عن بعضهم‪ :‬هذا العدد ال مفهوم ألكثره باتفاق‪ ،‬واختلف في‬
‫أقله والصحي ح اعتباره‪ ،‬فال تتأدى هذه السنة بأقل من ركعتين‪ ،‬واتفق أئمة الفتوى على أن األمر‬
‫في ذلك للندب‪.‬‬
‫ثم قال العزيزي وإذا جلس ناسيا أو ساهيا وقصر الفصل شرع له فعلها‪ ،‬وتتكرر بتكرر‬
‫الدخول‪ ،‬ولو عن قرب ويكره أن يجلس من غير تحية بال عذر‪ ،‬وتحصل بفرض وورد وسنة ال‬
‫بركعة وصالة جنازة‪ ،‬ويحرم بها قائما وال يجلس فيها وهو ما اختاره الزركشي‪ .‬وقال اإلسنوي لو‬
‫أحرم بها قائما‪ ،‬ثم أراد الجلوس فالقياس عدم المنع‪ ،‬وكذا الدميري واألول أوجه‬
‫ين يَت َكلَّ ُمو َن فِيها بَ َك ِ‬
‫الم‬ ‫ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫ت الم ِ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم ارتَ َف َع ِ‬
‫ساج ُد َشاكيَةً م ْن ْأهل َها الذ َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬
‫ول ْارِجعي فَ َق ْد بُعِثْ نَا بِ َهالَكِ ِه ْم‪ .‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن‬ ‫المالئِ َكةُ فَ تَ ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫ال ّدنْيَا‪ ،‬فَتَ ْستَ ْقبلُ َها َ‬
‫ك‬‫المالَئِ َكةُ تَ ْستَ غْ ِف ُر لَهُ َما َد َام ذَلِ َ‬ ‫ِ‬
‫الع ْي ِن لَ ْم تَ َزل َ‬
‫ور في َ‬
‫ِِ‬
‫الم ْسجد بَِق ْد ِر َما يَ ُد ُ‬ ‫َس َر َج س َراجا في َ‬
‫ِ‬
‫أْ‬
‫الم ْس ِج ِد‬ ‫ِ‬
‫الض َّْوءُ في َ‬
‫صيرا) وهو الخشن المنسوج المفروش (في‬ ‫طحِ‬
‫سَ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن بَ َ‬
‫الم ْس ِج ِد‪ .‬وقال صلى اهلل عليه‬ ‫الحص ُير في َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المالَئ َكةُ تَ ْستَ غْف ُر لَهُ َما َد َام ٰذلك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫الم ْسجد لَ ْم تَ َزل َ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫الع ْي ِن أَ ْخ َر َجهُ اهلل‬
‫ور في َ‬ ‫الم ْسجد بَِق ْد ِر َما يَ ُد ُ‬
‫ج قَ َذ َرةً) أي نجسا أو طاهرا (م َن َ‬ ‫وسلم‪َ :‬م ْن أَ ْخ َر َ‬
‫تَ َعالى ِم ْن أ ْعظَ ِم ذُنُوبِ ِه) وفي رواية أن ذلك مهور الحور العين‪ .‬وفي رواية‪ :‬من أخرج أذى من‬
‫المسجد بنى اهلل له بيتا في الجنة‪ .‬ورواه ابن ماجه عن ابن سعيد بإسناد ضعيف‪.‬‬
‫(وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬الَ تَ ْجعلُوا مس ِ‬
‫اج َد ُك ْم كالطُّ ُر ِق) وهذا الحديث ساقط في‬ ‫َ ََ‬
‫بعض النسخ‪.‬‬

‫{الباب الثاني عشر‪ :‬في فضيلة العمائم}‬


‫صلُّو َن‬ ‫ِ‬ ‫روى واثلة بن األسقع أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪َّ « :‬‬
‫إن اهلل َوَمالَئ َكتَهُ يُ َ‬
‫الصالَةِ وب ْع َد َها‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولك ْن‬ ‫ْس بِنَ ْزع َها قَ ْب َل َّ َ َ‬
‫الح ُّر فَالَ بَأ َ‬ ‫الع َمائ ِم يَ ْو َم ُ‬
‫الج ُم َعة‪ ،‬فَإ ْن أَ ْك َربَهُ َ‬ ‫اب َ‬ ‫َص َح ِ‬
‫َعلَى أ ْ‬
‫ود ِ‬
‫اإلمام‬ ‫الصالةِ‪ ،‬والَ ِعنْ َد صع ِ‬ ‫ْت َّ‬ ‫الس ْع ِي ِمن المنْ ِزِل إلى الجم َعةِ والَ فِي وق ِ‬ ‫ْت َّ‬ ‫الَ ي نْ َزعُ فِي وق ِ‬
‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الم ْنبَ َر‪َ ،‬والَ فِي ُخطْبَتِ ِه كذا في اإلحياء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ب) أي هي لهم بمنزلة التيجان‬ ‫العر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الع َمائ ُم تيجا ُن َ َ‬‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫ض ُعوا‬
‫للملوك‪ ،‬ألنهم أكثر ما يكونون بالبوادي رؤوسهم مكشوفة والعمائم فيهم قليل (فَإ َذا َو َ‬
‫ض ُعوا ِع َّزُه ْم) رواه الديلمي عن ابن عباس وإسناده ضعيف‪ .‬قال المناوي لفظ رواية‬ ‫الع َمائِ َم َو َ‬
‫َ‬
‫الديلمي وضع اهلل عزهم كذا في السراج المنير‬
‫ت‪ .‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫المالئِ َكةَ تَ َع َّم َم ْ‬
‫إن َ‬‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬تَ َع َّمموا فَ َّ‬
‫الع َمائِ ِم) أي الذين يلبسونها (يَ ْو َم‬
‫اب َ‬ ‫َص َح ِ‬ ‫صلُّو َن) أي يعظمون ( َعلَى أ ْ‬ ‫ِ‬
‫اهلل تَ َعالى َوَمالئ َكتَهُ يُ َ‬
‫معة) فيتأكد لبسها في ذلك اليوم‪ ،‬ويندب لإلمام أن يزيد في حسن الهيئة رواه الطبراني عن‬ ‫الج ِ‬
‫ُ‬
‫أبي الدرداء وهو حديث ضعيف كذا قاله العزيزي‪.‬‬
‫الع َمائِ ُم َعلَى ال َقالَنِ ِ‬
‫س) أي لبس‬ ‫لم ْش ِر َ‬
‫كين َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬فَ ْر ُق َما بَ ْي نَ نَا َوبَ ْي َن ا ُ‬
‫العمامة على القلنسوة‪ ،‬وهي ما يلف عليه العمامة‪ ،‬فالمسلمون يلبسون القلنسوة وفوقها‬
‫العمامة‪ ،‬ولبس القلنسوة‪ ،‬وحدها زي المشركين فلبس العمامة سنة رواه أبو داود والترمذي عن‬
‫ركانة بضم الراء‪ ،‬وتخفيف الكاف ابن عبد يزيد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مين) أي دعت لهم بالبركة‬ ‫المتَ َع ِّم َ‬ ‫صلَّت َ‬
‫المالَئ َكةُ َعلَى ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫ين َرْك َعةً بِالَ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ٍ‬
‫الج ُم َعة وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬رْك َعتَان ب َع َمامة َخ ْي ٌر م ْن َس ْبع َ‬ ‫واستغفرت لهم (يَ ْو َم ُ‬
‫ِع َم َام ٍة) رواه الديلمي عن جابر قال المناوي‪ :‬ألن الصالة حضرة الملك والدخول إلى حضرة‬
‫الملك بغير تجمل خالف األدب‪.‬‬
‫عم ُم وقال صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫ين الَ تَتَ َّ‬ ‫إن َّ ِ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬تَ َع َّم ُموا فَ َّ‬
‫الشياط َ‬
‫ْف ظُهوِرُك ْم) قالت‬ ‫المالئِ َك ِة) بالقصر أي عالمات لهم يوم بدر (فَ ْأر ِسلُوها َخل َ‬ ‫يما َ‬
‫ِ ِ‬
‫الع َمائ ُم س َ‬
‫َ‬
‫عائشة‪ :‬ما رأيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وسخا قط‪ ،‬وكان صلى اهلل عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫ث وكان صلى اهلل عليه وسلم يحب لبس القميص‪ ،‬وكان يطلق إزاره‪،‬‬ ‫الو َس َخ َّ‬
‫والش َع َ‬ ‫ِ‬
‫ض َ‬‫«اهلل يُ ْبغ ُ‬
‫الحبرة»‪ .‬بكسر الحاء وفتح الباء ثوب يماني من قطن مخطط‪ ،‬وكان حماد يلبس‬ ‫ويحب لبس ِ‬
‫قلنسوة بيضاء‪ ،‬ويدير العمامة ويغرزها من ورائه‪ ،‬ويرسل لها ذؤابة بين كتفيه‪ ،‬وأقل ما ورد في‬
‫قدر العذبة أربع أصابع‪ ،‬وأكثر ما ورد ذراع وبينهما شبر كذا في تنبيه األخيار البن حجر‬
‫الهيتمي‬
‫المالَئِ َكةَ‬ ‫س َّوُموا) أي اجعلوا لكم عالمة بلبس اللباس ( َّ‬
‫فإن َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬تَ َ‬
‫ت) قال ابن حجر في تنبيه األخيار‪ .‬وقد أمرنا صلى اهلل عليه وسلم بلبس أجود ما‬ ‫س َّوَم ْ‬
‫قَ ْد تَ َ‬
‫نجد‪ ،‬وأن نتطيب بأجود ما نجد‪ ،‬وأن نلبس البياض‪ .‬نعم في يوم العيد يقدم األحسن غير‬
‫األبيض على األبيض‪ ،‬غير األحسن فيسن في يوم العيد تقديم األخضر على األبيض‪ ،‬لكن ال‬
‫خصوصية لألخضر‪ ،‬بل كل ذي لون كذلك‪ ،‬فإن الخضرة أفضل األلوان بعد األبيض‪ ،‬وكان‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ال يفارق الطيلسان‪ ،‬وكان طول طيلسانه ستة أذرع‪ ،‬وعرضه ثالثة أذرع‬
‫انتهى‪ .‬واستعمله الصوفية‪.‬‬
‫اط)‬‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم نَهى) بالبناء للمفعول وما بعده نائب الفاعل (ع ِن االقْتِع ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بالقاف ثم العين المهملة‪ ،‬أي التعمم من غير إدارة تحت الحنك وهو ما تحت الذقن ( َوأ ََم َر‬
‫بالتَّ لَ ِّحي) بتشديد الحاء المهملة بعد الالم‪ ،‬أي تطويق العمامة تحت الحنك‪ .‬قال سيدي‬
‫الشيخ عبد القادر والمندوب على قسمين‪ :‬أحدهما في حق اهلل تعالى‪ ،‬وهو الرداء إذا كان في‬
‫جماعة‪ ،‬ومجمع الناس فال يعري منكبيه من شيء من الثياب الجميلة كاألعياد والجمع وغير‬
‫ذلك‪ ،‬الثاني في حق المخلوقين وهو ما يتجملون به بينهم من أنواع الثياب المباحة‪ ،‬وال يزدري‬
‫بصاحبه‪ ،‬وال ينقص مروءته بينهم ويكره االقتعاط‪ ،‬وهو التعمم بغير الحنك‪ ،‬ويستحب التلحي‬
‫وهو إذا كان بالحنك انتهى‪ ،‬وهذا ال يعمله إال بعض الصوفية‪.‬‬

‫{الباب الثالث عشر‪ :‬في فضيلة الصوم}‬


‫سنَ ٍة بِ َع ْش ِر ْأمثَالِ َها إلى‬
‫قال اهلل تعالى فيما حكاه عنه نبيه صلى اهلل عليه وسلم‪ُ « :‬كلُّ َح َ‬
‫أج ِزي به» كذا في اإلحياء‬
‫يام فإنَّهُ لي َوأَنَا ْ‬ ‫ف إالَّ ِّ‬
‫الص َ‬ ‫َس ْبعمائَ ِة ْ‬
‫ضع ٍ‬
‫ال اهلل تَ َعالَى) في الحديث القدسي‪ .‬والفرق بينه وبين‬‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬قَ َ‬
‫القرآن أن القرآن نزل لإلعجاز بأقصر سورة بخالف ذلك‪ ،‬فإنه ليس لإلعجاز‪ ،‬وكل من القرآن‬
‫الص ْوم لي َوأنَا أَج ِزي بِ ِه) بفتح الهمزة وسكون الياء‪ ،‬أي جزاء كثيرا‬
‫واألحاديث يتعبد بقراءته ( َّ‬
‫من غير تعيين لمقداره‪ ،‬وقيل معنى ذلك أن الصيام أحب العبادات إلي‪ ،‬والمقدم عندي رواه‬
‫الطبراني عن أبي أمامة بإسناد حسن‬
‫ح بِ ِهما فَ ْر َحةٌ ِع ْن َد إفْطَا ِرهِ) أي بزوال جوعه‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ِ َّ :‬‬
‫للصائم فَ ْر َحتَان يَ ْف َر ُ‬
‫وعطشه حين أبيح له الفطر‪ .‬وقيل‪ :‬إن فرحه بفطره إنما هو من حيث إنه تمام صومه وخاتمة‬
‫عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه ( َوفَ ْر َحةٌ ِعنْ َد لَِق ِاء َربِّ ِه) أي يوم القيامة قال‬
‫وهب بن منبه ليس للمؤمن راحة دون لقاء ربه‪ ،‬أي بحصول الجزاء والثواب أو بالنظر إلى وجه‬
‫ربه انتهى‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬لَ ُخلُوف) بضم الخاء المعجمة والالم وسكون الواو‪ ،‬وبعدها‬
‫فاء والالم جواب قسم وهو قوله صلى اهلل عليه وسلم قبله‪« :‬والذي نفس محمد بيده» أي‬
‫ك) أي ريح فم‬ ‫لصائِ ِم) أي تغيره (أَطْيب ِع ْن َد اهلل ِمن ِر ِ ِ‬
‫المس ِ‬ ‫بقدرته وتصريفه لخلوف (فَ ِم ا َّ‬
‫يح ْ‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬
‫الصائم أطيب عند اهلل من ريح المسك عندكم‪ .‬وقيل‪ :‬المراد أن اهلل يجزيه في اآلخرة فتكون‬
‫نكهته أطيب من ريح المسك‪ .‬وقيل‪ :‬المراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح‬
‫المسك‪ ،‬ورجح النووي أن معنى ذلك أن الخلوف أكثر ثوابا من المسك المندوب إليه في‬
‫الجمع‪ ،‬ومجالس الذكر‪ ،‬وهو حمل معنى الطيب على القبول والرضا‪ ،‬وقد نقل القاضي حسين‬
‫أن للطاعات يوم القيامة ريحا يفوح‪ ،‬فرائحة الصيام فيها بين العبادات كالمسك‬
‫ول اهلل َوَما‬ ‫يم ِة البَا ِر َدةِ) أي الزموها (قالوا يا َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬علَْي ُك ْم بالغَن َ‬
‫الصوم في ِّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ام‬
‫صَ‬ ‫يمةُ البَا ِر َدةُ‪ .‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬ ‫الشتَاء الغَن َ‬ ‫يمةُ البَا ِر َدةُ؟ قال‪ُ ْ َّ :‬‬ ‫الغَن َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ي وما ِمن رم َ ِ‬
‫ب‬‫ضا ُن ال يُ ْكتَ ُ‬ ‫ضا َن غُف َر لَهُ َما تَ َق َّد َم م ْن َذنْبه َوَما تَأَخ َ‬
‫َّر) والمراد الصغائر (فَإذَا تَ َّم َرَم َ‬ ‫َ ْ ْ ََ‬
‫ب) أي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الح ْو ِل اآلخر‪ ،‬فإ ْن َم َ‬ ‫ِ‬
‫س َعلَْيه ذَنْ ٌ‬ ‫القيامة َولَْي َ‬
‫اء يَ ْو َم َ‬
‫آخر َج َ‬
‫ضا َن َ‬
‫ات قَ ْب َل َرَم َ‬ ‫ب إلى َ‬ ‫َعلَْيه ذَنْ ٌ‬
‫من الصغائر المتعلقة بحق اهلل تعالى وجملة قوله‪ ،‬وليس عليه ذنب حالية من فاعل جاء‪ ،‬فالواو‬
‫للحال وفي رواية من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ ،‬رواه‬
‫الخطيب عن ابن عباس‪ .‬قوله إيمانا‪ ،‬أي اعتقادا بحق فرض الصوم‪ ،‬قوله واحتسابا أي طالب‬
‫الثواب من اهلل تعالى‬
‫ض أ ْن تَتَ َكلَّما لََقالَتَا بُ ْشرى) مبتدأ‬ ‫للس ِ‬
‫موات واألَ ْر ِ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬لَْو أ َِذ َن اهلل َّ‬
‫ضا َن بالجن َِّة وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ِّ :‬‬ ‫ِ‬
‫الصيامُ‬ ‫ام َرَم َ‬
‫صَ‬ ‫ونعتها محذوف أي بشرى عظيمة (ل َم ْن َ‬
‫ال) أي كالدرع المانع من القتل في‬ ‫جنَّةٌ) بضم الجيم أي سترة ( ِمن النَّا ِر َكجن َِّة أح ِد ُكم ِمن ِ‬
‫القتَ ِ‬
‫ُ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫القتال وحسبك به فضالً للصائم‪ ،‬رواه ابن ماجه عن عثمان بن أبي العاص‪ ،‬وهو حديث‬
‫صحيح‪ ،‬وفي لفظ الصوم جنة أحدكم من النار كدرع أحدكم في القتال‬
‫المالئِ َكةُ) أي دعت له بالبركة أو‬ ‫الصائِم إذا أَفْطَر صلَّ ْ ِ‬
‫ت علَْيه َ‬ ‫َ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ُ َّ :‬‬
‫س ِد‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الج َ‬
‫استغفرت له ( َحتّى يَ ْف َرغَ وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ل ُكلِّ َش ْيء َزَكاةٌ) أي صدقة ( َوَزَكاةُ َ‬
‫الص ْو ُم) رواه ابن ماجه عن أبي هريرة والطبراني عن سهل بن سعد‪ ،‬وإنما كان الصوم زكاة البدن‬ ‫َّ‬
‫ألنه سر من أسرار اهلل تعالى‪ ،‬وسبب لنحول الجسد وزيادة بركته‪ ،‬وخيره المعنوي فأشبه الزكاة‬
‫المالية‪ ،‬فإنها وإن نقصته حسا زادته بركة‪ ،‬فكذلك الصوم‬
‫ادةٌ) وفي لفظ نوم العالم‬ ‫الصائِ ِم) أي فرضا أو نفالً ( ِعبَ َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬نَ ْو ُم ّ‬
‫ص ْمتُهُ‬
‫عبادة‪ ،‬فيحتمل أنها رواية‪ ،‬ويحتمل أن أحد اللفظين سبق قلم كذا أفاد العزيزي ( َو َ‬
‫اب‬
‫ف) الحسنة بعشر إلى ما فوقها ( َو ُد َعا ُؤهُ ُم ْستَ َج ٌ‬ ‫اع ٌ‬‫ضَ‬
‫يح) أي بمنزلة التسبيح ( َو َع َملُهُ ُم َ‬ ‫تَ ْسبِ ٌ‬
‫ور) أي ذنوبه الصغائر رواه البيهقي عن عبد اهلل بن أبي أوفى‪ ،‬وهو حديث ضعيف‪،‬‬ ‫َوذَنْبُهُ َمغْ ُف ٌ‬
‫وفي لفظ ونفسه تسبيح وكالمه صدقة انتهى‪ .‬وهذا في صائم لم يخرق صومه بنحو غيبة‪ ،‬فالنوم‬
‫وإن كان عين الغفلة يصير عبادة‪ ،‬ألنه يستعين به على العبادة‪.‬‬

‫{الباب الرابع عشر‪ :‬في فضيلة الفريضة}‬


‫من صالة وما معها‪.‬‬
‫الم) بالبناء للمفعول أي أسس اإلسالم ( َعلَى‬ ‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬بُنِ َي ْ‬
‫اإلس ُ‬
‫س) أي خمس دعائم كما في رواية عبد الرزاق‪ ،‬فالمبني هو اإلسالم الكامل والمبني عليه‬ ‫َخ ْم ٍ‬
‫أصل اإلسالم‪ ،‬ومجموع هذه الخمس غير المبني عليه من حيث االنفراد‪ ،‬وعينه من حيث‬
‫الجمع ومثاله البيت مثالً يجعل على خمسة أعمدة‪ :‬أحدها أوسط‪ ،‬والبقية أركان فإذا دام‬
‫األوسط قائما‪ ،‬فسمي البيت موجودا‪ ،‬ولو سقط شيء من األركان‪ ،‬فإذا سقط األوسط سقط‬
‫مسمى البيت‪ ،‬فالبيت بالنظر إلى مجموعة شيء واحد‪ ،‬وبالنظر إلى أفراده أشياء كثيرة‪ ،‬وأيضا‬
‫فالنظر إلى رأسه وأركانه األس أصل‪ ،‬واألركان تبع وتكملة‪ ،‬وأيضا إلى معنى اإلسالم هو التذلل‬
‫العام الذي هو اللغوي‪ ،‬فيبنى عليه التذلل الشرعي الذي هو فعل الواجبات‪ ،‬فال يلزم على ذلك‬
‫ول اهلل) بجر شهادة وما‬ ‫ادةُ أ ْن الَ ٰإلهَ إالَّ اهلل َوأ َّ‬
‫َن ُم َح َّمدا َر ُس ُ‬ ‫المذكور بناء الشيء على نفسه ( َش َه َ‬
‫بعدها على البدل من خمس‪ ،‬ويجوز الرفع على حذف الخبر‪ ،‬والتقدير منها شهادة أو على‬
‫حذف المبتدأ‪ ،‬والتقدير أحدها شهادة ولم يذكر صلى اهلل عليه وسلم الجهاد مع هذه الخمس‪،‬‬
‫ألنه فرض كفاية وهذه فروض عينية‪ ،‬ولم يذكر اإليمان بالمالئكة ونحوه‪ ،‬ألنه صلى اهلل عليه‬
‫ام‬
‫وسلم أراد بالشهادة تصديق الرسول صلى اهلل عليه وسلم بكل ما جاء به فيستلزم ذلك ( َوإقَ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ضا َن) رواه‬ ‫الصالة) أي المداومة عليها ( َوإيتَاءُ ال َّزكاة) أي إعطاؤها أهلها ( َو َح ُّج البَ ْيت َ‬
‫وص ْو ُم َرَم َ‬
‫أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن ابن عمر بن الخطاب‪ ،‬وفي رواية لمسلم عن ابن عمر‬
‫تقديم الصوم على الحج وقدم صلى اهلل عليه وسلم الشهادتين‪ ،‬ألنهما أصل األمر كله ثم‬
‫الصالة‪ ،‬ألنها عماد الدين ويقتل تاركها بضرب عنقه على المذهب وقيل‪ :‬يضرب بالخشب إلى‬
‫أن يموت‪ .‬وقيل بنخس بحديدة إلى أن يصلي أو يموت‪ ،‬ثم الزكاة ألنها فطرة اإلسالم‬
‫ولشمولها المكلف وغيره‪ ،‬ثم الحج للتغليظات الواردة فيه من نحو قوله صلى اهلل عليه وسلم‬
‫من لم تحبسه حاجة‪ ،‬ولم يحج وله جمع‪ ،‬فليمت إن شاء يهوديا‪ ،‬وإن شاء نصرانيا‪ ،‬والمراد‬
‫بالجمع مال وغيره‪ ،‬فإن بذلك المذكور من التعاليل أن يقع الصوم آخرا‪.‬‬
‫ووجه الحصر في الخمس أن العبادة إما قولية‪ ،‬وهي الشهادة أو غير قولية وهذا إما تركي‬
‫وهو الصوم‪ ،‬والمراد بالترك إمساك الصائم‪ ،‬أو فعلي وذا إما بدني وهو الصالة أو مالي وهو‬
‫الزكاة‪ ،‬أو مركب منهما وهو الحج‪ .‬واإلسالم الحقيقي يحصل بالشهادتين بشرط التصديق كما‬
‫أفاده العزيزي‬
‫س ُك ْم) أي صلواتكم الخمس ( َوَزُّكوا أ َْم َوالَ ُك ْم‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ُّ َ :‬‬
‫صلوا َخ ْم َ‬
‫وموا َش ْه َرُك ْم) أي رمضان كما روي عن عكرمة عن ابن عباس رضي اهلل عنهما عن النبي‬ ‫صُ‬ ‫َو ُ‬
‫ضا ُن َش ْه ُر أ َُّمتِي» ( َو ُح ُّجوا‬
‫ب َش ْه ُر اهلل و َش ْعبَا ُن َش ْه ِري َوَرَم َ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪َ « :‬ر َج ُ‬
‫اب)‬ ‫ت َربِّ ُك ْم) أي الكعبة المشرفة (تَ ْد ُخلُوا َجنَّةَ َربِّ ُك ْم) أي الذي رباكم في نعمته (بِغَيْ ِر ِحس ٍ‬ ‫بَ ْي َ‬
‫َ‬
‫الصالةُ ِع َم ُ‬
‫اد‬ ‫أي بغير مناقشة فيه فقوله تدخلوا جواب األمر (وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫ِّين) أي أصله وأسه فالصالة تحقيق للعبودية‪ ،‬وأداء حق الربوبية وجميع العبادات‪ ،‬وسائل إلى‬ ‫الد َ‬
‫ِّين) بالدال‬ ‫تحقيق سرها كما أفاده العزيزي (فَ َم ْن أَقَ َام َها فَ َق ْد أَقَ َ‬
‫ام الدِّين َوَم ْن تَ َرَكها فَ َق ْد َه َدم الد َ‬
‫المهملة‪ ،‬أي أزاله من أصله أو بالذال المعجمة‪ ،‬أي قطعه فقوام الدين ليس إال بها كما أن‬
‫البيت ال يقوم إال على عموده‬
‫ت‬‫س َها) أي المكتوبات الخمس ( َوَزَّك ْ‬ ‫صلَّ ْ‬
‫ت َخ ْم َ‬ ‫الم ْرأةُ إذا َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫ت َربِّها‬ ‫ت بَ ْي َ‬
‫ت َش ْه َرَها) أي رمضان غير أيام الحيض والنفاس إن كان ( َو َح َّج ْ‬ ‫ص َام ْ‬‫َمالَها َو َ‬
‫ت فَ ْر َجها) أي من وطء غير حليلها (تَ ْد ُخ ُل َجنَّةَ‬ ‫صنَ ْ‬
‫َح َ‬
‫ت بَ ْعلَها) أي في غير معصية ( َوأ ْ‬ ‫َوأَطَ َ‬
‫اع ْ‬
‫ت) وأضاف صلى اهلل عليه وسلم طاعة الزوج إلى مباني اإلسالم إشارة‬ ‫اء ْ‬ ‫أي ٍ‬ ‫ِ‬
‫باب َش َ‬ ‫َربِّها م ْن ّ‬
‫إلى أنها عظيمة‬
‫الصالةُ)‬ ‫ِ‬
‫اإليمان َّ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم لِ ُك ِّل َش ْي ٍء ِعلَ ٌم) أي لواء ( َو ِعلَ َّم‬
‫الصالةِ)‬
‫الصالةِ ات ُقوا اهلل في َّ‬
‫الصالةِ اتَّقوا اهلل في َّ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬اتَّقوا اهلل في َّ‬
‫أي بتعليم أركانها وشروطها وهيئاتها وأبعاضها‪ ،‬واإلتيان بها في أوقاتها وتكرير الجملة ثالثا‬
‫ت أَيْ َمانُ ُكم) أي من آدمي وحيوان محترم (اتَّقوا اهلل في‬ ‫ِ‬
‫لمزيد التأكيد (اتَّ ُقوا اهلل ف َ‬
‫يما َملَ َك ْ‬
‫ِ‬
‫المرأة األَ ْرَملَة) أي المحتاجة المسكينة التي ال كافل لها (والصبَّ ّي اليتيم) أي الصغير‬‫الضَّعي َف ْي ِن َ‬
‫الذي ال أب له ذكرا كان أو أنثى‪ ،‬رواه البيهقي عن أنس بن مالك‪ ،‬وهو حديث حسن‪ ،‬وهو ما‬
‫عرف مخرجه من كونه حجازيا شاميا عراقيا مكيا كوفيا‬
‫ِ‬
‫ال صلى اهلل‬ ‫ُصلِّي َوقَ َ‬‫صلُّوا َك َما َرأَيْتُ ُموني) أي علمتموني (أ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫الصالةَ ُمتَ َع ِّمدا فَ َق ْد َك َف َر ِجهاراً) أي استوجب عقوبة من كفر أو قارب أن‬ ‫عليه وسلم َم ْن تَ َر َك َّ‬
‫يكفر فإن تركها جاحدا لوجوبها كفر حقيقة‪ ،‬رواه الطبراني عن أنس وإسناده حسن‬
‫ت ال َكبَائُِر‬ ‫اجتُنِب ِ‬
‫لما بَ ْي نَ ُه َّن ما ْ َ‬ ‫س َك َّف َارةٌ َ‬ ‫الخ ْم ُ‬
‫لوات َ‬
‫الص ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫أيام) رواه‬ ‫ادةُ ثَالثَِة ٍ‬
‫الج ُم َع ِة) أي وصالة الجمعة إلى الجمعة ( َك َّف َارةٌ لما بَ ْي نَ ُه َما َوِزيَ َ‬ ‫والج ُم َعةُ إلى ُ‬ ‫ُ‬
‫الص ِ‬
‫لوات‬ ‫مثل َّ‬ ‫أبو نعيم عن أنس وقال الغزالي في اإلحياء‪ :‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ُ « :‬‬
‫ك‬ ‫اب أح ِد ُكم ي ْقتَ ِحم فِ ِيه ُك َّل يوٍم َخمس م َّر ٍ‬
‫ات‪ ،‬فَ َما تَ َرْو َن ٰذلِ َ‬ ‫ب غَ ْم ٍر بِبَ ِ‬‫مثل نَ ْه ٍر َع ْذ ٍ‬
‫س َك ِ‬ ‫الخ ْم ِ‬
‫َ‬
‫ْ ْ َ َ‬ ‫َ ْ َ ُ‬
‫وب‬ ‫ب ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫يُ ْب ِقي ِم ْن َد َرنِ ِه قالوا‪ :‬الَ َش ْي َء‪ .‬قال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬فَ َّ‬
‫الذنُ َ‬ ‫س تُ ْذه ُ‬ ‫الخ ْم َ‬
‫لوات َ‬ ‫إن َّ‬
‫ب الماءُ َّ‬
‫الد َر َن»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َك َما يُ ْذه ُ‬
‫الصالتَ ْي ِن َم ْن غَْي ِر ُع ْذ ٍر) كسفر ومطر (فَ َق ْد أتى‬ ‫من َج َم َع بَ ْي َن َّ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ْ :‬‬
‫اب ال َكبَائِ ِر) رواه الترمذي والحاكم عن ابن عباس‪.‬‬ ‫بابا ِم ْن أَبْ َو ِ‬

‫{الباب الخامس عشر‪ :‬في فضيلة السنن}‬


‫أي نوافل الصالة قال العلماء‪ :‬والحكمة في مشروعية النوافل التكميل للفرائض إن عرض‬
‫فيها نقص‪.‬‬
‫شرةَ َرْك َعةً تَطَّوعا بنى‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ َّ‬
‫تي َع َ‬
‫صلى في اليَ ْوم والليلَة اثْنَ ْ‬
‫الجن َِّة) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أم حبيبة قال ابن‬ ‫اهلل لَهُ بيتا في َ‬
‫حجر العسقالني في بلوغ المرام وللترمذي نحوه‪ ،‬وزاد أربعا قبل الظهر‪ ،‬وركعتين بعدها‪،‬‬
‫وركعتين بعد المغرب‪ ،‬وركعتين بعد العشاء‪ ،‬وركعتين قبل صالة الفجر انتهى‪.‬‬
‫وقال العزيزي‪ :‬ولم يبين في هذه الرواية العدد المذكور‪ ،‬وقد بينه النسائي عن أم حبيبة‬
‫فقال‪ :‬أربع ركعات قبل الظهر‪ ،‬وركعتين بعده‪ ،‬وركعتين قبل العصر‪ ،‬وركعتين بعد المغرب‪،‬‬
‫وركعتين قبل صالة العشاء‬
‫صلَّى قَ ْب َل ال َف ْجر َرْك َعتَ ْي ِن َوقَ ْب َل الظُّ ْه ِر أربعا َوبَ ْع َدها ْأربعا)‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫الجنَّةَ) أي مع السابقين‪ ،‬وفي الخبر ركعتا الفجر خير‬ ‫ص ِر َد َخ َل َ‬
‫الع ْ‬
‫أي من الركعات ( َوأ َْربعا قَ ْب َل َ‬
‫من الدنيا وما فيها رواه مسلم وفيه ال تدعوا ركعتي الفجر‪ ،‬وإن طردتكم الخيل‪ ،‬أي خيل العدو‬
‫من الكفار وغيرها بل صلوهما‪ ،‬وإن كنتم ركاباً أو مشاة باإليماء إلى الركوع والسجود أخفض‪،‬‬
‫ولو إلى غير القبلة فيكره تركهما رواه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة‪ ،‬وفيهما قول بأنهما أفضل‬
‫من الوتر الذي قيل بوجوبه‪ .‬ويسن أن يفضل بينهما وبين الفرض باضطجاع على جنبه األيمن‪،‬‬
‫فإن تعذر فبكالم أو تحول من محله أو نحو ذلك‪ ،‬وفي الخبر أن النبي صلى اهلل عليه وسلم‬
‫كان ال يدع أربعا قبل الظهر‪ ،‬وأنه كان يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم‪،‬‬
‫ص ِر» رواه أحمد وأبو‬ ‫ِ‬
‫الع ْ‬
‫صلّى أ َْربعا قَ ْب َل َ‬
‫وروي أنه صلى اهلل عليه وسلم قال‪َ « :‬رح َم اهلل امرا َ‬
‫داود والترمذي‬
‫صلَّى قَ ْب َل الظُّ ْه ِر أربعا َكا َن) أي ثواب ذلك ( َك َع ْد ِل رقَبَ ٍة‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫اعيل) رواه الطبراني عن رجل صحابي أنصاري‬ ‫ِمن بني إسم ِ‬
‫َْ‬ ‫ْ‬
‫صلَّى َرْك َعتَي ِن) أي بأي صالة كانت (في َخالٍَء) أي‬ ‫(وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫والمالئِ َكةُ) أي ومن في معناهم وهم الجن‬ ‫في محل خال من اآلدميين بحيث (ال يَ َراهُ إال اهلل َ‬
‫اءةٌ ِم َن النَّا ِر) رواه ابن عساكر عن جابر‪ ،‬وذلك يحتمل أن اهلل تعالى بسبب ذلك‬ ‫ب لَهُ بَ َر َ‬
‫ِ‬
‫( ُكت َ‬
‫يوفقه للتوبة أو يعفو عنه ويرضي خصماءه‪ ،‬فال تمسه النار أفاد ذلك العزيزي‬
‫ام وسج ٍ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ود‬ ‫صلِّي في بَ ْيت ُمظْل ٍم بِ ُرُكوٍع تَ ٍّ َ ُ ُ‬ ‫ول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬ما م ْن َع ْبد يُ َ‬ ‫(وقال َر ُس ُ‬
‫اب) أي مناقشة فيه‬ ‫الجنَّةُ) بفضله تعالى (بَال ِحس ٍ‬ ‫ت) أي ثبتت (لَهُ َ‬ ‫ام إال َو َجبَ ْ‬‫تَ ٍّ‬
‫َ‬
‫َّاس‬ ‫ال صلى اهلل عليه وسلم من صلَّى أربع رَكع ٍ‬
‫ات بِ َح ْي ُ‬
‫ث) أي في موضع (ال تَ َراهُ الن ُ‬ ‫َ ْ َ َْ َ َ َ‬ ‫(وقَ َ‬
‫وقال صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫فَ َق ْد ب ِرىء ِمن النِّ َف ِ‬
‫اق) أي نفاق االعتقاد (وال ُكف ِر والبِ ْد َع ِة والضَّاللَ ِة َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ص ِر أ َْربَعا َح َّرَمهُ اهلل َعلَى النَّا ِر) أي كفر اهلل عنه بذلك ذنوبه‪ ،‬فال يعاقب بالنار‬ ‫صلَّى قَ ْب َل َ‬
‫الع ْ‬ ‫َم ْن َ‬
‫عليها‪ ،‬ويحتمل المعنى غير ذلك رواه الطبراني عن ابن عمر‪.‬‬
‫قال المناوي وفي رواية لم تمسه النار‪ ،‬وفي هذا الحديث ندب أربع قبل العصر وعليه‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫ب َرْك َعتَي ِن قَ ْب َل أَ ْن يَتَ َكلَّم) أي بشيء‬ ‫صلَّى بَ ْع َد َ‬
‫المغْ ِر ِ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫مطلقا أو بشيء من أمور الدنيا ( ُكتِبَتَا) أي الركعتان أي ثوابهما (في عليين) هو اسم لديوان‬
‫الخير الذي دون فيه كل ما عمله صلحاء الثقلين رواه عبد الرزاق عن مكحول بإسناد صحيح‪.‬‬
‫وفي الحديث الذي رواه ابن حبان والطبراني عن الزبير بن العوام‪ ،‬ما من صالة مفروضة إال‬
‫وبين يديها‪ ،‬أي أمامها ركعتان‪ ،‬وفي هذا الحديث ندب الرواتب القبلية للفرائض‪ ،‬وفي الحديث‬
‫الذي رواه ابن نصر عن ابن عمر من صلى ست ركعات بعد المغرب قبل أن يتكلم‪ ،‬غفر له بها‬
‫ذنوب خمسين سنة‪ ،‬وذلك صالة األوابين‪ ،‬وإحياء ما بين المغرب والعشاء سنة مؤكدة‬
‫ش ِاء قَ ْب َل أَ ْن يَتَ َكلَّ َم فَ َكأَنَّما أَ ْد َر َك‬
‫ات بَ ْع َد العِ َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من صلَّى أَربع رَكع ٍ‬
‫َْ َ ْ َ َ‬
‫الح ِ‬ ‫ِِ‬
‫رام) قالت عائشة رضي اهلل عنها‪:‬‬ ‫الم ْسجد َ‬ ‫لَْي لَةَ ال َق ْد ِر) وفي لفظ فقد أحيا ليلة القدر (في َ‬
‫كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يصلي بعد العشاء األخيرة أربع ركعات‪ ،‬ثم ينام كذا في‬
‫األحياء‪.‬‬
‫تي َعشرةَ َرْك َعةً إيمانا) أي اعتقادا بحق‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من صلَّى الض ِ‬
‫ُّحى ثنَ ْ‬
‫َ‬ ‫َْ َ‬
‫ْف‬ ‫سنَ ٍة َوَم َحا َعنْهُ أَل َ‬
‫ْف أَل ِ‬ ‫واحتِسابا) أي طلبا لألجر من اهلل تعالى ( َكتَب اهلل لَهُ أَل َ ِ‬
‫ْف أَلْف َح َ‬ ‫َ‬ ‫( ْ َ‬
‫الجن َِّة َوغَ َف َر اهلل لَهُ ذُنُوبَه ُكلَّها) وفي رواية‬ ‫ٍ‬ ‫سيِّئَ ٍة ورفَع لَهُ أَل َ ِ‬
‫ْف أَلْف َد َر َجة َوبَنى اهلل لَهُ بَ ْيتا في َ‬ ‫َ َ َ‬
‫الترمذي وابن ماجه عن أنس وابن ماجه عن أنس بإسناد ضعيف من صلى الضحى اثنتي عشرة‬
‫ركعة‪ ،‬بنى اهلل له قصرا في الجنة من ذهب‪ ،‬وفي رواية الطبراني إن صليت الضحى ركعتين لم‬
‫تكتب من الغافلين‪ ،‬أو أربعا كتبت من المخبتين‪ ،‬أو ستا كتبت من القانتين‪ ،‬أو ثمانيا كتبت من‬
‫الفائزين‪ ،‬أو عشرا لم يكتب عليك ذلك اليوم ذنب‪ ،‬وإن صليتها اثنتي عشرة ركعة بنى اهلل لك‬
‫بيتا في الجنة‪ ،‬ونظم ذلك عبد السالم بن عبد الملك من بحر الطويل فقال‪:‬‬
‫الم ْختَا ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اح س ْع ٌد لِمن ي ْد ِري فَب ِ‬
‫يها َع ِن ُ‬ ‫ك اهلل م ْن ُح ِّر فَف َ‬ ‫اد ْر إلَْي َها يَا لَ َ‬ ‫َ‬ ‫ص ِ َ َْ َ‬ ‫ُّحى يَا َ‬ ‫صالَةُ الض َ‬ ‫َ‬
‫س تُ ْكتَب غَافِالً وأ َْربَ ُع تُ ْدعى ُم ْخبِتا‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ت فَ َ ِ‬ ‫ِس ُّ‬
‫ضائ ٍل فَ ُخ ْذ َع َددا قَ ْد َج َ‬
‫اءنَا َع ْن أبي ذَ ِّر فَث ْنتَان م ْن َها لَْي َ‬
‫الح ْش ِر َوتُ ْم َحى ذُنُ ُ‬
‫وب‬ ‫ٍ‬
‫ب قَانتا ثَمان بِ َها فَ ْوُز المصلِّي لَ َدى َ‬
‫ِ‬
‫اك اهلل تُ ْكتَ ُ‬ ‫ت َه َد َ‬ ‫يَا أَبَا َع ْم ُرو َو ِس ُّ‬
‫ِ‬ ‫ت اثنتي َع ْشرة فُ ْز ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫صالحا َويَا َر ِّ‬‫ب َوفِّ ْقنَا لنَ ْع َم َل َ‬ ‫ت بِال َق ْ‬
‫ص ِر فَيَا َر ِّ‬ ‫َ‬ ‫فاصطَبِ ْر فإ ْن ِج ْئ َ‬
‫الع ْش ِر ْ‬ ‫اليوم بِ َ‬‫ْ‬
‫َص َحابه الغُِّر ‪.‬‬ ‫فَارُزقْنَا مجاورَة الب ْد ِر مح َّمد الهادي وص ِّل َعلَي ِه ما ح َدا نَحوهُ ِ‬
‫الحادي َوأ ْ‬ ‫َ َ ْ َ َ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ ََ َ ُ َ‬

‫{الباب السادس عشر‪ :‬في فضيلة الزكاة}‬


‫وهي دليل على إيمان فاعلها‪ ،‬فإن المنافق يمتنع منها لكونه ال يعتقدها‪.‬‬
‫اإلسالم) أي جسره الذي يعبر منه إليه‬ ‫الزَكاةُ قَ ْنطََرةُ ْ‬‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫فإيتاؤها طريق في التمكين في الدين رواه الطبراني عن أبي الدرداء والبيهقي عن ابن عمر‬
‫اإليمان وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬الَ يَ ْقبَ ُل اهلل‬ ‫ِ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫الزَكاةُ طُ ْه ُر‬
‫بالزكاةِ)‬
‫صنُوا أموالَكم َّ‬ ‫بالزكاةِ وال إيما َن لِ َم ْن الَ َزَكاة لَهُ وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬ح ِّ‬ ‫اإليما َن إالَّ َّ‬
‫بالص َدقَ ِة) فإنها أنفع من‬
‫ضا ُك ْم َّ‬
‫أي بإخراجها فما تلف مال في بر وال بحر إال بمنعها ( َو َداووا َم ْر َ‬
‫اء) أي بأن تدعوا عند نزوله‪ ،‬فإنه يرفعه رواه الطبراني وأبو‬ ‫َع ُّدوا لِلْب ِ‬
‫الء ُّ‬ ‫الدواء الحسي (وأ ِ‬
‫الد َع َ‬ ‫َ‬
‫نعيم والخطيب‪ ،‬وفي رواية ألبي داود بدل هذه الجملة األخيرة‪ ،‬واستعينوا على حمل البالء‬
‫بالدعاء والتضرع‬
‫الزَكاةِ) كما في‬
‫ال في بَ ٍّر وال بَ ْحر إالَّ بِ َم ْن ِع َّ‬
‫ك َم ٌ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ما َهلَ َ‬
‫الحديث الذي رواه ابن عدي والبيهقي عن عائشة ما اختلطت الصدقة أي الزكاة ماالً إال‬
‫أهلكته‬
‫صالَةَ لَهُ) أي ألن الصالة نور كما في‬ ‫ِ‬
‫إيما َن ل َم ْن الَ َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال َ‬
‫صالَ َة لِ َم ْن ال َزَكا َة لَهُ) كما قد روي عن‬
‫الحديث‪ ،‬أي وهي سبب إلشراق أنوار المعارف (وال َ‬
‫ابن مسعود أمرنا بإقام الصالة وإيتاء الزكاة‪ ،‬ومن لم يزك فال صالة له‪ ،‬وفي رواية لمسلم من‬
‫أقام الصالة ‪ ،‬ولم يؤت الزكاة فليس بمسلم ينفعه عمله‪ ،‬وفي الخبر إن اهلل تعالى قرن ثالثة‬
‫الزَكاة} [النور‪:‬‬ ‫الصالَ َة َوآتُوا َّ‬
‫يموا َّ‬‫ِ‬
‫أشياء‪ ،‬فلم يقبل واحد منها بدون األخرى فقال تعالى‪{ :‬أق ُ‬
‫أن أ ْش ُكر‬ ‫ول} [النساء‪ ]95 :‬وقال تعالى‪ِ { :‬‬ ‫الر ُس َ‬
‫يعوا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يعوا اهلل َوأَط ُ‬‫‪ ]45‬وقال اهلل تعالى‪َ { :‬وأَط ُ‬
‫ك} [لقمان‪]62 :‬‬ ‫لَي َولَِوالِ َديْ َ‬
‫بالزكاةِ)‬
‫(وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬طَ ِّهروا ْأم َوالَ ُك ْم َّ‬
‫ت َعلَْي ِه َّ‬
‫الزَكاةُ فَ لَم يَ ْدفَ ْع َها) أي الزكاة لمن يستحقها‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم َم ْن َو َجبَ ْ‬
‫(فَ ُه َو في النَّا ِر)‪.‬‬
‫ال ال يُ َزَّكى وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َمنَ َع‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم ال َخ ْي ر في َم ٍ‬
‫َ‬
‫ال) وفي رواية للبيهقي وغيره يا معشر المهاجرين خصال‬ ‫ظ الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الزكاةَ َمنَ َع اهلل تَ َعالى َع ْنهُ ح ْف َ َ‬
‫خمس ابتليتم بهن‪ ،‬ونزلت بكم‪ ،‬أعوذ باهلل أن تدركوهن‪ ،‬لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى‬
‫يعلنوا بها إال فشا فيهم األوجاع التي لم تكن في أسالفهم‪ ،‬ولم ينقصوا المكيال والميزان‪ ،‬إال‬
‫أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان‪ ،‬ولم يمنعوا زكاة أموالهم إال منعوا المطر من‬
‫السماء‪ ،‬ولوال البهائم لم يمطروا‪ ،‬وال نقضوا عهد اهلل وعهد رسوله إال سلط عليهم عدوا من‬
‫غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم‪ ،‬وما لم يحكم أئمتهم بكتاب اهلل جعل اهلل بأسهم بينهم كذا‬
‫في الزواجر‪.‬‬

‫{الباب السابع عشر‪ :‬في فضيلة الصدقة}‬


‫روي عن أبي هريرة رضي اهلل عنه أنه قال سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫السائِ َل َولَْو َكا َن َكافِرا» فقال رجل من الصحابة رضي اهلل عنهم‪ :‬يا رسول اهلل وهل لنا‬
‫«ال تَ ُردُّوا َّ‬
‫أن نتصدق بشيء من أموالنا إلى الكفار؟ فقال‪ :‬نعم إنهم خلق من خلق اهلل تعالى‪ ،‬وإن الصدقة‬
‫لتقع في يد الرحمن كذا في رياض الصالحين‪.‬‬
‫الس ِ‬
‫وء) بكسر الميم للهيئة‪ ،‬ثم بفتح‬ ‫الص َدقَةُ تَ ْمنَ ُع ِميتَةَ ُّ‬
‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫السين رواه القضاعي عن أبي هريرة‪ ،‬وهو حديث ضعيف‪ ،‬والمراد بالسوء ما ال تحمد عاقبته‬
‫من الحاالت الرديئة كالحرق والغرق‪.‬‬
‫ب) أي تمنع عقابه عمن‬ ‫الر ِّ‬
‫ب َّ‬ ‫ضَ‬‫الس ِّر تُط ِْفىءُ غَ َ‬
‫ص َدقَةُ ِّ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫العالَنِيَ ِة ُجنَّةٌ) بضم الجيم أي سترة ( ِم َن النَّا ِر) كما روي عن أبي هريرة رضي‬ ‫ص َدقَةُ َ‬
‫استحقه ( َو َ‬
‫اهلل عنه قال‪ :‬سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪َ « :‬ما ِم ْن َع ْب ٍد أَ ْعطَى َّ‬
‫السائِ َل َش ْيئا‪،‬‬
‫إالدفَ َع اهلل َع ْنهُ بِ َها نِْق َمةً»‪.‬‬
‫َولَْو لُْق َمةَ طَ َع ٍام َ‬
‫وء) بالمهملة‪ ،‬وفي رواية من‬ ‫الس ِ‬
‫سبعين بابا ِم َن ُّ‬ ‫س ُّد‬
‫َ‬ ‫الص َدقَةُ تَ ُ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫الشر بالمعجمة والراء رواه الطبراني عن رافع بن خديج بإسناد ضعيف‪ ،‬وفي رواية للخطيب عن‬
‫أنس بإسناد ضعيف الصدقة تمنع سبعين نوعا من أنواع البالء أهونها الجذام والبرص هذا مما‬
‫علمه اهلل تعالى لنبيه من الطب الروحاني الذي يعجز عن إدراكه الخلق‪.‬‬
‫َّار) أي اجعلوا بينكم وبين نار جهنم وقاية من‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬اتّ ُقوا الن َ‬
‫الصدقات‪ ،‬وأعمال البر‪َ ( .‬ولَْو) كان االتقاء المذكور (بِ ِش ِّق تَ ْم َرةٍ) بكسر الشين المعجمة‪ ،‬أي‬
‫جانبها أو نصفها‪ ،‬فإنه قد يسد الرمق سيما للطفل فال يحتقر المصدق ذلك (فإ ْن لَ ْم تَ ِج ُدوا) ما‬
‫تتصدقون به لفقده حسا أو شرعا‪ ،‬كأن احتجتموه لمن تلزمكم نفقته (فَبِ َكلِ َم ٍة طَيِّبَ ٍة) أي تطيب‬
‫قلب اإلنسان بأن يتلطف به بالقول أو بالفعل‪ ،‬فإنه سبب للنجاة من النار رواه أحمد والبخاري‬
‫ومسلم عن عدي بن حاتم وقال العزيزي نقالً عن السيوطي‪ :‬الذكر أفضل من الصدقة‪ ،‬وهو‬
‫ص َّدقُوا َعلَى أَنْ ُف ِس ُك ْم َو َعلَى‬
‫أيضا يدفع البالء‪ ،‬وعن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪« :‬تَ َ‬
‫ك فَبِآيَ ٍة ِم ْن كِتَ ِ‬ ‫ٍ‬
‫اب اهلل تَ َعالى‪ ،‬فَإن لَ ْم تَ ْعلَ ُموا َش ْيئَا‬ ‫ش ْربَ ِة َماء فَإ ْن لَ ْم تَ ْق ِد ُروا َعلَى ذَلِ َ‬
‫أ َْم َواتِ ُك ْم َولَْو ب َ‬
‫حين»‪.‬‬ ‫رياض َّ ِ‬ ‫اإلجابَةَ َك َذا فِي ِ‬ ‫المغْ ِف َرةِ َّ‬
‫والر ْح َم ِة‪ ،‬فَ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصال َ‬ ‫إن اهلل َو َع َد ُك ُم َ‬ ‫م َن ال ُق ْرآن فَا ْد ُعوا لَ ُه ْم ب َ‬
‫الح ْرَما َن) أي عدم اإلعطاء‬ ‫إن ِ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬الَ تَ ْستَحيُوا ِم ْن إعطَ ِاء ال َقلِ ِ‬
‫يل فَ َّ‬
‫بالكلية (أَقَ ُّل ِم ْنهُ) أي إعطاء القليل‬
‫( َوقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن نَ َه َر َسائِالً) أحوجته العيلة إلى السؤال‪ ،‬أي من زجره‬
‫القيَ َام ِة) فينبغي أن يرده ردا جميالً قال إبراهيم بن‬ ‫وأغلظ عليه القول (نَهرتْهُ المالئِ َكةُ ي وم ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ََ‬
‫السؤال يحملون زادنا إلى اآلخرة‪ ،‬وقال إبراهيم النخعي‪ :‬السائل بريدنا‪ ،‬أي‬ ‫أدهم‪ :‬نعم القوم ّ‬
‫رسولنا إلى اآلخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول‪ :‬هل تبعثون إلى أهليكم بشيء؟ وقيل‪ :‬المراد‬
‫بالسائل الذي يسأل عن الدين‪ .‬وروي عن الزمخشري أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪ :‬إذا‬
‫رددت السائل ثالثا‪ ،‬فلم يرجع فال عليك أن تزبره أي تزجره وقيل‪ :‬أما إنه ليس السائل‬
‫المستجدي‪ ،‬ولكن طالب العلم إذا جاءك فال تنهره‪.‬‬
‫الخ ْب ِز) أي شق منه (وقال‬
‫ْق ُ‬ ‫الحوِر العِي ِن قَ ْب َ‬
‫ضةُ الت َّْم ِر َوفَ ل ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْه ُر ُ‬
‫ص َدقَ ٍة) أي بل يزيده في الدنيا بالبركة‪ ،‬ودفع‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ما نَ َقص م ٌ ِ‬
‫ال م ْن َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫المفسدات عنه وفي اآلخرة بإجزال األجر‪ ،‬وفي رواية ألحمد ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ما‬
‫نقصت صدقة من مال‪ ،‬فمن زائدة‪ ،‬أي ما نقصت صدقة ماالً أو صلة لنقصت‪ ،‬أي ما نقصت‬
‫شيئا من مال وما زاد اهلل عبدا بعفو إال عزا‪ ،‬وما تواضع أحد هلل إال رفعه اهلل‪.‬‬
‫الص َدقَةُ َش ُيءٌ َع ِظيم قَالَها) أي تلك الكلمة (ثَالَثا) أي ثالث‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫مرات في تلك اللحظة‪ ،‬وفي رواية للطبراني وأبي نعيم عن أنس بأسانيد ثقات تصدقوا‪ ،‬فإن‬
‫الصدقة فكاككم من النار‪ ،‬أي خالصكم من نار جهنم‪ ،‬والصدقة أفضل من حج التطوع عند‬
‫أبي حنيفة كذا نقله المناوي عن العبادي‬
‫الص َدقَةُ تَ ُر ُّد البَالَء َوتُطَِّو ُل ُ‬
‫الع ْم َر) أي تبارك فيه فيصرف في‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫الطاعات‪ ،‬وفي رواية أل بي نعيم عن علي بإسناد ضعيف الصدقة على وجهها‪ ،‬واصطناع‬
‫المعروف وبر الوالدين وصلة الرحم تحول الشقاء سعادة‪ ،‬وتزيد في العمر وتقي مصارع السوء‪.‬‬
‫وحكي أن رجالً كان له شجرة عظيمة عند بيته‪ ،‬فيها أفراخ الورشانة فقالت له زوجته‪ :‬اصعد‬
‫ونزل األفراخ لنطعم بها األوالد‪ ،‬ففعل ذلك فشكت الورشانة إلى سيدنا‬
‫إلى تلك الشجرة‪ِّ ،‬‬
‫سليمان عليه السالم‪ ،‬وقصت عليه القصة فدعا سليمان عليه السالم بالرجل‪ ،‬وأوعده بالتوبة‬
‫فقال الرجل‪ :‬ما أعود إلى فعل ذلك أبدا‪ .‬فقالت المرأة لزوجها مثل مقالتها األولى فقال الرجل‪:‬‬
‫ال أفعل ذلك‪ ،‬فإن سيدنا سليمان نهاني عن ذلك‪ .‬فقالت له‪ :‬أتظن أن سليمان يتفرغ لك أو‬
‫للورشانة وهو مشغول بملكه‪ ،‬ولم تزل كذلك به حتى صعد وأنزل األفراخ‪ ،‬فعادت الورشانة إلى‬
‫سيدنا سليمان وأعلمته بذلك‪ ،‬فغضب ودعا بشيطانين أحدهما من المشرق واآلخر من المغرب‬
‫وقال لهما‪ :‬الزما الشجرة فإذا عاد الرجل إلى األفراخ‪ ،‬فخذا برجليه وألقياه من الشجرة‪ ،‬فذهبا‬
‫يلزمان تلك الشجرة‪ ،‬فلما فرخت الورشانة عمد الرجل أن يصعد إليها‪ ،‬ووضع رجليه عليها‪،‬‬
‫وإذا بسائل على الباب‪ ،‬فأمر امرأته أن تعطيه شيئا فقالت ليس عندي شيء فرجع الرجل‪ ،‬فوجد‬
‫لقمة فدفعها للسائل‪ ،‬ثم صعد إلى تلك الشجرة‪ ،‬وأنزل األفراخ فرجعت الورشانة إلى سيدنا‬
‫سليمان‪ ،‬وأخبرته بذلك فغضب غضبا شديدا‪ ،‬ودعا بالشيطانين فقال‪ :‬عصيتماني‪ .‬فقاال‪ :‬ما‬
‫عصيناك وإنا لزمنا تلك الشجرة‪ ،‬فلما صعد الرجل جاء إلى بابه سائل‪ ،‬فأعطاه لقمة من شعير‪،‬‬
‫ثم عاد فابتدرنا إليه لنأخذه إذ بعث اهلل ملكين‪ :‬أخذ أحدهما بعنقي وألقاني في مطلع الشمس‪،‬‬
‫وأخذ اآلخر صاحبي وألقاه في مغرب الشمس‪ ،‬وهذا إذا كانت الصدقة من حالل‪ ،‬وأما إذا‬
‫كانت من حرام‪ ،‬فال ينتج إال عذابا كما روي عن أنس بن مالك أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى‬
‫ال َح َر ٍام»‬ ‫ص َّد َق ِم ْن َم ٍ‬ ‫ِ‬
‫َع َّدهُ اهلل ل َم ْن تَ َ‬ ‫لح ْز ِن أ َ‬
‫تا ُ‬ ‫س َّمى بَ ْي ُ‬ ‫اهلل عليه وسلم‪ِ َّ « :‬‬
‫َّم بَ ْيتا يُ َ‬
‫إن في َج َهن َ‬
‫وعن الحسن البصري رضي اهلل عنه عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪َ « :‬ما ِم ْن َع ْب ٍد َوالَ‬
‫القيَ َام ِة ِم َن الغِ ْسلِي ِن‪ ،‬قيل‪ :‬يا‬ ‫أَم ٍة تَص َّدقَا بِلُ ْقم ٍة ِمن حر ٍام َعلَى ِمس َكي ٍن إالَّ أَطْعمهما اهلل ي وم ِ‬
‫َْ َ‬ ‫َََُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ََ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ول اهلل وما طَعام الغسلِي ِن؟ قال‪ :‬طَعام َخلَ َقهُ اهلل تَعالى ِمن ح ٍ‬
‫ديد يابِ ٍ‬
‫ذاب م ْن نا ِر َج َهن َ‬
‫َّم‬ ‫س‪َ ،‬ويُ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌَ‬ ‫َر ُس َ َ َ َ ُ ْ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ج‬‫ت أ َْم َعا ُؤهُ‪ ،‬فَتَ ْد ُخ ُل اللُّ ْق َمةُ م ْن فيه‪َ ،‬وتَ ْخ ُر ُ‬ ‫ك اإلنْسا ُن تَ َقطَّ َع ْ‬ ‫ص َير َكال َْماء‪ ،‬فإذا أَ َك َل ِم ْنهُ ذلِ َ‬
‫حتّى ي ِ‬
‫َ َ‬
‫ك بِ َما ُك ْنتُ ْم‬‫ص ُدق ِم ْنهُ ذلِ َ‬‫الح َر ُام َويَأْ ُكلُهُ‪َ ،‬ويَتَ َّ‬
‫ب َ‬
‫ِ‬ ‫اد ِيه َّ ِ‬
‫الزبَانيَةُ‪ ،‬هذا َج َزاءُ َم ْن َكا َن يَ ْكتَس ُ‬
‫ِمن ُدب ِرهِ وتُنَ ِ‬
‫ْ ُ َ‬
‫الح ِّق َوبِ َما ُك ْنتُ ْم تَ ْفس ُقو َن» اه ‪.‬‬
‫ض بِغَي ِر َ‬ ‫تَ ْب غُو َن فِي األَ ْر ِ‬

‫{الباب الثامن عشر‪ :‬في فضيلة السالم}‬


‫قال سيدي الشيخ عبد القادر الجيالني‪ :‬االبتداء بالسالم سنة‪ ،‬ورده آكد من ابتدائه‪ ،‬وهو‬
‫مخير في صيغته إما أن يدخل األلف والالم فيقول‪ :‬السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬أو‬
‫يحذفهما فيقول‪ :‬سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬وال يزيد على ذلك‪ ،‬والسنة أن يسلم الماشي‬
‫على الجالس‪ ،‬والراكب على الماشي وسالم الواحد من الجماعة على غيرهم يجزىء‪ ،‬وكذلك‬
‫رد الواحد من الجماعة يجزىء‪ ،‬وال يجوز البداءة بالسالم على المشرك بحال‪ ،‬فإن بدأ مشرك‬
‫رد عليه بأن يقول وعليك‪ ،‬وأما رده على المسلم فيقول‪ :‬وعليكم السالم كما قال وإن زاد إلى‬
‫قوله وبركاته كان أولى‪ ،‬وإن قال مسلم لمسلم لم يجبه ويعرفه أنه ليس بتحية اإلسالم‪ ،‬ألنه‬
‫ليس بكالم تام ويستحب للنساء السالم بعضهن على بعض‪ ،‬وأما سالم الرجل على المرأة‬
‫الشابة فمكروه‪ ،‬وإن كانت برزة فال حرج‪ ،‬وأما السالم على الصبيان فمستحب‪ ،‬ألن فيه تعليم‬
‫األدب لهم‪ ،‬وكذلك يستحب لمن قام من المجلس أن يسلم على أهله‪ ،‬وكذلك إذا سلم على‬
‫رجل‪ ،‬ثم التقاه ثانيا سلم عليه‪ ،‬وال يسلم على المتلبسين بالمعاصي كمن اجتاز على قوم يلعبون‬
‫بالشطرنج والنرد‪ ،‬ويشربون الخمر ويلعبون بالجوز والقمار‪ ،‬ويستحب للمسلم المصافحة‬
‫ألخيه‪ ،‬وال ينزع اآلخر يده إذا كان هو المبتدىء‪ ،‬وإن تعانقا وقبل أحدهما رأس اآلخر ويده‬
‫على وجه التبرك جاز‪ ،‬وأما تقبيل الفم فمكروه انتهى‪.‬‬
‫الم قَ ْب َل ال َكالَِم) رواه الترمذي عن جابر‪ ،‬وهو حديث‬ ‫(وقال النَّبِ ُّي صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫الس ُ‬
‫صحيح قال العزيزي يحتمل أن المعنى يندب السالم قبل الشروع في الكالم ألنه تحية هذه‬
‫األمة‪ ،‬فإذا شرع المقبل في الكالم فات محله‪ .‬وقال النووي‪ :‬والسنة أن المسلم يبدأ بالسالم‬
‫قبل كل كالم‬
‫الس ِ‬
‫الم فَالَ تُجيبُوهُ) فيه حث على السالم‬ ‫ِ‬
‫بالكالم قَ ْب َل َّ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن بَ َدأ‬
‫وزجر عن ترك رواه الطبراني عن ابن عمر بن الخطاب (وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن بَ َدأَ‬
‫الم) أي على من لقيه أو قدم عليه (فَ ُه َو أ َْولَى باهلل َوَر ُسولِ ِه) رواه أحمد عن أبي أمامة قال‬
‫بالس ِ‬
‫َّ‬
‫العزيزي‪ :‬يحتمل أن المراد أولى بأمان اهلل وأمان رسوله‪ ،‬أي أولى ألن يرد عليه من سلم عليه‬
‫ويؤمنه‪ ،‬ألن السالم معناه األمان‪ ،‬فيجب الرد واهلل أعلم اه ‪.‬‬
‫شوهُ)‬ ‫ض فَأَفْ ُ‬‫ض َعهُ اهلل في األَ ْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫أس َماء اهلل تَ َعالَى َو َ‬ ‫الم م ْن ْ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ُ َّ :‬‬
‫بقطع الهمزة‪ ،‬أي أظهروه بينكم أن تسلموا على كل ما لقيتموه من المسلمين ممن يشرع عليه‬
‫ض ُل َد َر َج ٍة‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫سلَّ َم َعلَْي ِه ْم فَ َر ّدوا َعلَْي ِه َكا َن لَهُ َعلَْي ِه ْم فَ ْ‬
‫الم ْسل َم إذا َم َّر ب َق ْوم فَ َ‬‫الر ُج َل ُ‬ ‫السالم ( َّ‬
‫فإن َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب) رواه البزار والبيهقي عن‬ ‫السالم‪ ،‬فإ ْن لَ ْم يَ ُردوا َعلَْيه َر َّد َم ْن ُه َو َخ ْي ٌر م ْن ُه ْم َوأَطْيَ ُ‬
‫اهم َّ‬ ‫بِتَذْكِيره إيَّ ُ‬
‫ابن مسعود وهو حديث صحيح‪ .‬قوله من هو خير منهم هم المالئكة الكرام فخواص المالئكة‬
‫أفضل من عوام البشر‪ ،‬وفي الحديث أن بدء السالم‪ ،‬وإن كان سنة أفضل من جوابه‪ ،‬وإن كان‬
‫واجبا كذا أفاده العزيزي‬
‫بالس ِ‬
‫الم)‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫إن أ َْولَى الن ِ‬
‫َّاس باهلل) أي برحمته وكرامته ( َم ْن بَ َدأ َُه ْم َّ‬
‫أي عند المالقاة والمفارقة‪ ،‬ألنه السابق إلى ذكر اهلل ومذكرهم رواه أبو داود عن أبي أمامة‪،‬‬
‫بالس ِ‬
‫الم) قال النووي‪:‬‬ ‫َّواضع االبتداءُ َّ‬
‫س الت ُ‬‫وسلم‪َ :‬رأْ ُ‬
‫وهو حديث صحيح (وقال صلى اهلل عليه ّ‬
‫الرجل المسلم الذي ليس بمشهور بفسق وال بدعة يسلم ويسلم عليه‪ ،‬فيسن له السالم ويجب‬
‫الرد عليه‪ ،‬وأما المبتدع ومن اقترف ذنبا عظيما ولم يتب منه‪ ،‬فينبغي أن ال يسلم عليه‪ ،‬وال يرد‬
‫عليه السالم كذا قاله البخاري وغيره من العلماء اه ‪ .‬وقال سيدي الشيخ عبد القادر‪ :‬وال يهجر‬
‫المسلم أخاه فوق الثالث‪ ،‬إال أن يكون من أهل البدع والضالل والمعاصي‪ ،‬فمستحب استدامة‬
‫الهجر لهم وبالسالم يتخلص من إثم الهجر للمسلم اه ‪.‬‬
‫بالس ِ‬
‫الم)‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إذا الْتَ َقى المسلِم ِ‬
‫ان أَق َْربُ ُهما إلى اهلل تَ َعالى َم ْن بَ َدأ َّ‬ ‫ُْ َ‬
‫وفي رواية ألبي داود عن البراء بن عازب إذا التقى المسلمان فتصافحا‪ ،‬وحمدا اهلل واستغفرا‬
‫غفر لهما وهذا حديث حسن‪ ،‬وقوله المسلمان يشمل الذكرين واألنثيين‪ ،‬والذكر ومحرمه‬
‫وحليلته‪ ،‬ويستثنى من هذا الحكم األمرد الجميل الوجه‪ ،‬فتحرم مصافحته ومن به عاهة‬
‫كاألبرص واألجذم‪ ،‬فتكره مصافحته‪ ،‬وفي رواية الحكيم الترمذي عن ابن عمر إذا التقى‬
‫المسلمان‪ ،‬فسلم أحدهما على صاحبه كان أحبهما إلى اهلل أحسنهما بشرا بصاحبه‪ ،‬فإذا‬
‫تصافحا أنزل اهلل عليهما مائة رحمة للبادي تسعون‪ ،‬وللمصافح عشرة‪ .‬قوله بشرا بكسر‬
‫الموحدة‪ ،‬أي طالقة الوجه وبشاشته‪ .‬قوله للبادي تسعون‪ ،‬أي البادىء بالسالم والمصافحة‬
‫تسعون‪ .‬قوله وللمصافح عشرة بفتح الفاء‪ ،‬وفي ذلك أن المندوب قد يفضل الواجب‬
‫سلِّ ُموا) أي‬ ‫س فَ ِّ‬‫ِ‬
‫سل ُموا وإذا َخ َر ْجتُ ْم فَ َ‬‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إ َذا َد َخلْتُم في َم ْجل ٍ َ‬
‫فيندب السالم عند مالقاة المسلم‪ ،‬وعند مفارقته بذالً لألمان‪ ،‬وإقامة لشعائر أهل اإليمان‪ .‬كذا‬
‫قاله العزيزي‪ .‬وقال النووي‪ :‬يستحب إذا دخل بيته أن يسلم‪ ،‬وإن لم يكن فيه أحد‪ ،‬وليقل‬
‫السالم علينا‪ ،‬وعلى عباد اهلل الصالحين‪ ،‬وكذا إذا دخل مسجدا أو بيتا لغيره ليس فيه أحد‬
‫يستحب أن يسلم‪ ،‬وأن يقول‪ :‬السالم علينا وعلى عباد اهلل الصالحين السالم عليكم أهل‬
‫البي ت ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬ويستحب لمن سلم على إنسان‪ ،‬فلم يرد عليه أن يقول له بعبارة‬
‫لطيفة رد السالم واجب‪ ،‬فينبغي لك أن ترد حتى يسقط عنك الفرض‪ ،‬واهلل أعلم‪ .‬وفي رواية‬
‫البيهقي عن قتادة إذا دخلتم بيتا فسلموا على أهله‪ ،‬فإذا خرجتم فأودعوا قبله بالسالم‪ ،‬وهذا‬
‫حديث ضعيف ‪ ،‬أي إذا وصل أحد إلى محل فيه مسلمون‪ ،‬فالتصبر بالدخول وبالبيت وبالجمع‬
‫غالي‬
‫الم) وقال ابن حجر في تنبيه‬ ‫َّاس َم ْن بَ ِخ َل َّ‬
‫بالس ِ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أَبْ َخ ُل الن ِ‬
‫األخيار‪ ،‬ويحرص أن يسلم في كل يوم على عشرة من المسلمين وأن يكون هو المبتدىء‪ ،‬فإنه‬
‫أفضل من الرد وصيغته الكاملة السالم عليكم‪ ،‬ولو لواحد ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬ويريد الراد‬
‫ومغفرته ورضوانه‪ ،‬ومر صلى اهلل عليه وسلم على صبيان فقال‪ :‬السالم عليكم يا صبيان وفي‬
‫الحديث إذا التقى المسلمان فتصافحا‪ ،‬وحمدا اهلل وصليا على النبي صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫واستغفرا وضحك كل منهما في وجه صاحبه غفر اهلل لهما‪ ،‬ونزل عليهما مائة رحمة للبادي‬
‫تسعون‪ ،‬وللمصافح عشرة ويقدم السالم على المصافحة اه ‪.‬‬
‫الم تَ ِحيَّةٌ لِ ِملَّتِنا) أي سبب لبقاء األلفة بين أهلها‬
‫الس ُ‬
‫(وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫( َوأ ََما ٌن لِ ِذ َّمتنَا) فإذا سلم المسلم على المسلم اطمأن وزال روعه (قال اهلل تعالى‪ :‬وإ َذا ُحيِّيتُ ْم‬
‫ِ ٍ‬
‫ُّوها) وروى أبو داود والترمذي عن عمران بن الحصين قال‪ :‬جاء‬ ‫س َن منها ْأو ُرد َ‬ ‫بِتَحيَّة فَ َحيّوا ْ‬
‫بأح َ‬
‫رجل أَعرابي إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم فقال‪ :‬السالم عليكم فرد عليه‪ ،‬ثم جلس فقال‬
‫فرد عليه‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬ع ْش ٌر» ثم جاء آخر فقال‪ :‬السالم عليكم ورحمة اهلل ّ‬
‫السالم عليكم‬ ‫ِ‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬ع ْش ُرو َن»‪ .‬ثم جاء رجل آخر فقال ّ‬
‫فجلس فقال ّ‬
‫ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬فرد عليه فجلس فقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬ثالثون» أي ثالثون‬
‫حسنة‪ ،‬وفي رواية ألبي داود من رواية معاذ بن أنس زيادة على هذا قال‪ :‬ثم أتى آخر فقال‪:‬‬
‫السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬ومغفرته‪ ،‬فرد عليه فقال‪« :‬أربعون» وقال‪« :‬هكذا تَ ُكو ُن‬
‫ضائِ ُل» وفي كتاب ابن السني بإسناد ضعيف عن أنس قال‪ :‬كان رجل يمر على النبي صلى‬ ‫ال َف َ‬
‫اهلل عليه وسلم يرعى دواب أصحابه‪ ،‬فيقول‪ :‬السالم عليك يا رسول اهلل فيقول له النبي صلى‬
‫ضوانه» فقيل‪ :‬يا رسول اهلل‬ ‫السالَ ُم َوَر ْح َمةُ اهلل َوبَ َرَكاته َوَمغْ ِف َراته َوُر ْ‬
‫ك َّ‬‫اهلل عليه وسلم‪َ « :‬و َعلَْي َ‬
‫تسلم على هذا سالما ما تسلمه على أحد من أصحابك؟ قال‪« :‬وما يَ ْمنَ َعنِي ِم ْن ٰذلِ َ‬
‫ك َو ُه َو‬
‫ش َر َر ُجالً» كذا في األذكار للنووي والغنية للشيخ عبد القادر الجيالني‪.‬‬ ‫ض َعةَ َع َ‬‫َج ِر بِ ْ‬
‫ف بِأ ْ‬
‫صر ُ‬
‫يَتَ َّ‬

‫{الباب التاسع عشر‪ :‬في فضيلة الدعاء}‬


‫قال سيدي الشيخ عبد القادر‪ :‬ال ينبغي لإلمام والمأموم أن يخرجا من المسجد من غير‬
‫ب} [الشرح‪ ]1 :‬أي إذا فرغت من‬
‫ك فَ ْارغَ ْ‬
‫ب َوإلَى َربِّ َ‬
‫ص ْ‬
‫ت فَانْ َ‬
‫دعاء قال اهلل تعالى‪{ :‬فَإذَا فَ َرغْ َ‬
‫العبادة فانصب في الدعاء‪ ،‬وارغب فيما عند اهلل‪ ،‬واطلبه منه وقد جاء في الحديث عن أنس بن‬
‫وف‬
‫لص ُف ُ‬ ‫ت ا ُّ‬ ‫مالك عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪« :‬إ َذا قَام اإلمام في ِم ْحرابِ ِه وتَواتَر ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َُ‬
‫سا ِرهِ‪ ،‬ثُ َّم تَتَ َّ‬
‫فر ُق ا َّلر ْح َمةُ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫يب ِ‬ ‫الر ْحمةُ‪ ،‬فأ ََّو ُل ٰذلِ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم َم ْن َع ْن يَمينه‪ ،‬ثُ َّم َم ْن َع ْن يَ َ‬
‫اإلمام َّ‬ ‫ك تُص ُ‬ ‫نَ َزلَت َّ َ‬
‫بالد َعا ِء إلى اهلل‬ ‫فالرابِ ُح َم ْن يَ ْرفَ ُع يَ َديْ ِه ُّ‬
‫ك َربِ َح فُال ٌن َو َخ ِس َر فُال ٌن َّ‬‫اع ِة‪ ،‬ثم يُنادي َملَ ٌ‬ ‫الج َم َ‬
‫َعلَى َ‬
‫اسر الَّذي خرج ِمن المس ِج ِد بال د ٍ‬
‫عاء‪ ،‬فإذا َخ َر َج بال‬ ‫تَعالَى إذا فَ رغَ ِمن صالَتِ ِه الم ْكتُوب ِة‪ِ َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ََ َ َ َ ْ‬ ‫والخ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫اجةٌ» انتهى‬ ‫ت ع ِن اهلل تَعالى ما لَ َ ِ‬
‫المالئِ َكةُ‪ :‬يا فُال ٌن ْ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ك عنْ َد اهلل َح َ‬ ‫َ َ‬ ‫استَ غْنَ ْي َ َ‬ ‫ُد َعاء قَالَت َ‬
‫الد َعاءُ ُم ُّخ العبادةِ) أي خالصها رواه الترمذي عن أنس‪،‬‬ ‫(وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم ُّ‬
‫وهو حديث صحيح وإنما كان مخها ألمرين‪ :‬أحدهما أنه امتثال أمر اهلل تعالى حيث قال‬
‫ادعوني فهو مخ العبادة وخالصها‪ ،‬والثاني أنه إذا رأى نجاح األمور من اهلل تعالى قطع أمله‬
‫عمن سواه‪ ،‬ودعاه لحاجته وحده‪ ،‬وهذا هو أصل العبادة‪ ،‬وألن الغرض من العبادة الثواب‬
‫عليها‪ ،‬وهو المطلوب بالدعاء وقال الحكيم‪ :‬إنما صار مخا ألنه تبرأ من الحول والقوة‪،‬‬
‫واعترف بأن األشياء كلها له تعالى‪ ،‬وتسليم إليه قال سيدي الشيخ عبد القادر‪ :‬واألدب في‬
‫الدعاء أن يمد يديه‪ ،‬ويحمد اهلل تعالى‪ ،‬ويصلي على النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬ثم يسأل‬
‫حاجته وال ينظر إلى السماء في حال دعائه‪ ،‬وإذا فرغ مسح يديه على وجهه لما روي عن النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪« :‬سلُوا اهلل بِبطُ ِ‬
‫ون أَ ُك ِّف ُك ْم» اه ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الد َع ِاء) أي المالزمين له‬
‫ين في ُّ‬ ‫ب ِ‬
‫المل ِّح َ‬
‫ِ‬
‫إن اهلل تَ َعالى يُح ُّ ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫بإخالص وصدق نية رواه الحكيم وابن عدي والبيهقي عن عائشة‪ ،‬وهو حديث ضعيف‪ .‬وفي‬
‫لفظ يحب اللحاح في الدعاء‪ :‬أي المقبل عليه والمواظب عليه‪ ،‬وفي اإلحياء قال صلى اهلل‬
‫ٍ‬ ‫إن العب َد ال ي ْخ ِطئه ِمن ُّ ِ‬
‫ب يُغْ َف ُر لَهُ‪ ،‬وإما خير يُ َع َّج ُل لَهُ‪،‬‬ ‫إح َدى ثَالث ّإما َذنْ ٌ‬ ‫الد َعاء ْ‬ ‫عليه وسلم‪َ ُ ُ ُ ْ َ َّ « :‬‬
‫وإما َخ ْي ٌر يُ َّد َخ ُر لهُ»‪ .‬وقال أبو ذر رضي اهلل عنه‪ :‬يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من‬ ‫َّ‬
‫الملح انتهى‪.‬‬
‫س َش ْيءٌ أَ ْك َرَم) بالنصب خبر ليس ( َعلَى اهلل تَ َعالى ِم َن‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬لَْي َ‬
‫الد َع ِاء) لداللته على اعتراف الداعي بالعجز واالفتقار إلى ربه والذل واإلنكار رواه أحمد‬ ‫ُّ‬
‫والبخاري والترمذي والنسائي عن أبي هريرة وأسانيده صحيحة‪.‬‬
‫ب أَ ْن‬‫ضلِ ِه‪ ،‬فَإنَّهُ تَ َعالَى يُ ِح ُّ‬
‫وفي اإلحياء قال صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬سلُوا اهلل تَ َعالى ِم ْن فَ ْ‬
‫ضل العِب َ ِ ِ‬
‫ار ال َف َر ِج»‪.‬‬
‫ادة انْتظَ ُ‬ ‫يُ ْسأ ََل‪َ ،‬وأَفْ َ ُ َ‬
‫ِّك) أي إن ظن بي خيرا‬ ‫ول اهلل تَ َعالى يَا َع ْبدي أنَا ِع ْن َد ظَن َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬يَ ُق ُ‬
‫ك) أي بالتوفيق‬ ‫فله مقتضى ظنه‪ ،‬وإن ظن بي شرا بأن ظن أني أفعل به شرا فله ما ظن‪َ ( .‬وأَنَا َم َع َ‬
‫(إ َذا َد َع ْوتَنِي) فأسمع ما تقول فأجيبك‪ ،‬وفي رواية العسكري عن أبي هريرة بإسناد حسن قال‬
‫ب َعلَْي ِه بإثبات حرف العلة في يدعوني‪ ،‬فينبغي لإلنسان أن ال‬ ‫ضُ‬ ‫اهلل تعالى‪َ :‬م ْن الَ يَ ْد ُعونِي أَغْ َ‬
‫يغفل عن الطلب من ربه كذا أفاد العزيزي‬
‫ب َعلَْي ِه) قال سيدي الشيخ عبد‬
‫ض ْ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن لَ ْم يَ ْدعُ اهلل تَ َعالَى يَغْ َ‬
‫القادر قال النبي صلى اهلل عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه‪« :‬من ال يسأل اهلل‬
‫يغضب عليه» وقال الشاعر‪:‬‬
‫اهلل يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب‬
‫الد َعاء م ْع ِ‬
‫صيَةٌ) أي لعدم امتثال األمر‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬تَ ْر ُك ُّ َ َ‬
‫الم ْؤِم ِن) أي به يدافع البالء كما يدافع عدوه‬ ‫الح ُ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ِ ُّ :‬‬
‫الد َعاءُ س ُ‬
‫ض) أي يكون‬ ‫الس ِ‬
‫موات واألَ ْر ِ‬ ‫ور َّ‬ ‫اد الدِّي ِن) أي عموده الذي يقوم عليه ( َونُ ُ‬ ‫بالسالح ( َو ِع َم ُ‬
‫للداعي نور فيهما رواه أبو يعلى والحاكم عن علي وهو حديث صحيح‪.‬‬
‫وم) على من ظلمه (مستَجابةٌ وإ ْن َكا َن فَ ِ‬
‫اجرا‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬دعوةُ المظْلُ ِ‬
‫ُْ ََ‬ ‫َ َْ َ‬
‫ورهُ على نَ ْف ِس ِه) رواه الطيالسي وأبو داود عن أبي هريرة ورواه عنه أحمد‪ ،‬وإسناده عنه‬ ‫فَ ُف ُج ُ‬
‫حسن‪ ،‬وذلك ألنه مضطر ملتجىء إلى ربه‬
‫وم) أي تجنبوا الظلم لئال يدعو عليكم‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬اتَّ ُقوا دعوةَ المظْلُ ِ‬
‫َ َْ َ‬
‫المظلوم‪ ،‬وفي ذلك تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم (فإنَّها تُ ْح َملُ على الغَ َم ِام) أي يأمر‬
‫اهلل تعالى بارتفاعها حتى تجاوز الغمام‪ ،‬أي السحاب األبيض حتى تصل إلى حضرته تعالى‬
‫ِِ‬
‫ك) بنون التوكيد الثقيلة وفتح الكاف‪ ،‬أي ألستخلصن لك‬ ‫ول اللَّه َوع َّزتي َو َجاللي ألَنْ ُ‬
‫ص َرنَّ َ‬ ‫(يَ ُق ُ‬
‫الحق من ظلمك ( َولَْو بَ ْعد ِحي ٍن) أي أمد طويل رواه الطبراني والضياء عن خزيمة بن ثابت‬
‫بإسناد صحيح‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬اتَّ ُقوا دعوةَ المظْلُ ِ‬
‫وم) أي فإنها مقبولة ( َوإ ْن َكا َن) أي المظلوم‬ ‫َ َْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب) أي ليس بينها وبين القبول مانع رواه‬ ‫س ُدونَها ح َج ٌ‬ ‫( َكافرا) أي معصوما (فَإنَّه) أي الشأن (لَيْ َ‬
‫أحمد والضياء المقدسي عن أنس بن مالك‪ ،‬وإسناده صحيح قال ابن العربي هذا مقيد‬
‫بالحديث اآلخر‪ ،‬إن الداعي على ثالث مراتب‪ ،‬إما أن يعجل له ما طلب‪ ،‬وإما أن يدخر له‬
‫أفضل منه‪ ،‬وإما أن يدفع عنه من السوء مثله‪.‬‬
‫ِ‬
‫السموات‬ ‫(خاتمة) هذا الدعاء لسيدي الشيخ عبد القادر الجيالني الحمد هلل الذي خلق‬
‫واألرض‪ ،‬ال إله إال هو عليه توكلت‪ ،‬وهو رب العرش العظيم سبحانه وتعالى عما يشركون‪ ،‬اللهم‬
‫اغفر لنا ذنوبنا ما أظهرنا وما أسررنا‪ ،‬وما أخفينا وما أعلنَّا وما أنت أعلم به منا‪ ،‬اللهم أعطنا‬
‫رضاك في الدنيا واآلخرة‪ ،‬واختم لنا بالسعادة والشهادة والمغفرة‪ ،‬اللهم اجعل آخر أعمارنا‬
‫خيرا‪ ،‬وخواتيم أعمالنا خيرا‪ ،‬وخير أيامنا يوم نلقاك‪ ،‬اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك‪ ،‬ومن‬
‫فجاءة نقمتك‪ ،‬ومن تحويل عافيتك‪ ،‬اللهم إنا نعوذ بك من درك الشقاء‪ ،‬وجهد البالء وشماتة‬
‫األعداء‪ ،‬وتغير النعماء وسوء القضاء‪ ،‬ونعوذ بك من جميع المكاره واألسواء‪ ،‬ونسألك اللهم‬
‫خير العطاء‪ ،‬اللهم إنا نسألك أن تكشف سقمنا وتبرىء مرضنا‪ ،‬وترحم موتانا وتصح أبداننا‪،‬‬
‫وتخلصها لك‪ ،‬وأن تخلص أدياننا‪ ،‬وأن تحفظ عياذنا‪ ،‬وتشرح صدورنا وتدبر أمورنا‪ ،‬وتستر‬
‫جرمنا وترد غيّابنا‪ ،‬وأن تثبتنا على ديننا‪ ،‬ونسألك خيرا ورشدا‪ ،‬اللهم ربنا إنا نسألك أن تؤتينا‬
‫حسنة في الدنيا‪ ،‬وحسنة في اآلخرة‪ ،‬وأن تتوفانا مسلمين برحمتك‪ ،‬وقنا عذاب النار‪ ،‬وعذاب‬
‫القبر يا أرحم الراحمين يا رب العالمين‪.‬‬

‫{الباب العشرون‪ :‬في فضيلة االستغفار}‬


‫إن اهلل َكا َن غَ ُفورا َرِحيما} [النساء‪ ]462 :‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫استَ غْ ِف ِر اهلل َّ‬
‫قال اهلل تعالى‪َ { :‬و ْ‬
‫ض َوا ٌن ِم ْن‬
‫َّرةٌ َوِر ْ‬
‫اج ُمطَه َ‬
‫َّات تَج ِري ِمن تَحتِها األنْ هار َخالِ ِد ِ‬
‫ين فيها َوأَ ْزَو ٌ‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫{للَّذ َ‬
‫ين اتَّ َقوا ع ْن َد َربِّ ِه ْم َجن ٌ ْ‬
‫اب النَّا ِر َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الصاب ِر َ‬
‫ين‬ ‫آمنَّا فَاغْف ْر لَنَا ذُنُوبَنَا َوقنَا َع َذ َ‬
‫ين يَ ُقولُو َن ربَّنَا إننا َ‬‫اهلل َواهلل بَص ٌير بالعبَاد الذ َ‬
‫باألس َحا ِر} [آل عمران‪]22 ،42 ،52 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ين ْ‬ ‫والم ْستَ غْف ِر َ‬
‫قين ُ‬‫والم ْنف َ‬ ‫ين ُ‬ ‫ين وال َقانت َ‬
‫والصادق َ‬
‫ار) أي المقرون‬ ‫نوب ْ ِ‬
‫االستغْ َف ُ‬ ‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬لِ ُك ِّل َد ٍاء َد َواءٌ َو َدواءُ ُّ‬
‫الذ ِ‬
‫بالتوبة رواه الديلمي عن علي بال سند‪.‬‬
‫ار وقال صلى اهلل عليه‬ ‫وب ْ ِ‬
‫االستغْ َف ُ‬ ‫الذنُ ِ‬‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬لِ ُك ِّل َشي ٍء ِحلْيَةٌ َو ِحلْيَةُ ُّ‬
‫ْ‬
‫ف) أي صف القتال‪ ،‬فإن الفرار من صف‬ ‫فارا ِم َن َّ‬
‫الز ْح ِ‬ ‫وسلم‪َ :‬م ِن ْ‬
‫استَ غْ َف َر غَ َف َر اهلل لَهُ وإ ْن َكا َن ّ‬
‫القتال بال سبب مجوز للفرار من الكبائر‪ ،‬قال النووي في األذكار‪ .‬وروينا في سنن أبي داود‬
‫َستَ غْ ِف ُر اهلل الِّذي‬
‫ال أ ْ‬
‫والترمذي عن ابن مسعود قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن قَ َ‬
‫ف»‪ .‬قال الحاكم‬ ‫ت ذُنُوبُهُ َوإ ْن َكا َن قَ ْد فَ َّر ِم َن َّ‬
‫الز ْح ِ‬ ‫وب إلَْي ِه غُ ِف َر ْ‬
‫وم َوأَتُ ُ‬ ‫الَ إ ٰلهَ إالّ ُه َو َ‬
‫الح ُّي ال َقيُّ ُ‬
‫هذا حديث صحيح‪.‬‬
‫ِ‬
‫ين َم َّرةً) المراد‬ ‫اد في اليَ ْوم َس ْبع َ‬ ‫َص َّر َم ِن ْ‬
‫استَ غْ َف َر وإ ْن َع َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬ما أ َ‬
‫التكثير ال التحديد رواه أبو داود والترمذي عن عتيق أبي بكر عن سيدنا أبي بكر الصديق‪.‬‬
‫بمصر عليه‪ ،‬وإن تكرر منه (وقال صلى اهلل عليه‬ ‫ٍّ‬ ‫والمعنى من أتبع الذنب باالستغفار فليس‬
‫الذنُ ِ‬
‫وب غَ َف َر اهلل لَهُ فَ ُه َو) أي االستغفار (لَها) أي الذنوب ( َك َّف َارةٌ) وقال‬ ‫استَ غْ َف َر بَ ْع َد ُّ‬
‫وسلم‪َ :‬م ِن ْ‬
‫النووي في األذكار‪ :‬روينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال قال رسول اهلل‬
‫اء بَِق ْوٍم يُ ْذنِبُو َن‬ ‫ِ‬
‫ب اهلل ب ُك ْم‪َ ،‬ولَ َج َ‬
‫ِ‬
‫لَْو لَ ْم تَ ْذنبُوا لَ َذ َه َ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬والَّ ِذي نَ ْف ِسي بِي ِدهِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فَيَ ْستَ غْ ِف ُرو َن اهلل تَ َعالى فَيَ غْ ِف َر لَ ُهم» انتهى‪.‬‬
‫باالستِغْ َفا ِر)‬ ‫ب ِ‬ ‫َح ِد ُك ْم ُّ‬
‫المغْف َرةَ ْ‬ ‫الذنُوب فَ لْيَطْلُ ِ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إذا َكثُ َر َعلى أ َ‬
‫وفي لفظ من نسخ هذا الكتاب إذا كثرت ذنوب أحدكم فليدع باالستغفار‬
‫َح ِد ُك ْم فَ لْيَ ْستَ غْ ِفر اهلل) وقالت عائشة رضي‬ ‫وب أ َ‬ ‫ت ذُنُ ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إ َذا َكثُ َر ْ‬
‫فاستَ غْ ِفري اهلل َوتُوبِي‬ ‫ب ْ‬ ‫ت ب َذنْ ٍ‬ ‫ت أَلْمم ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل عنها قال لي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬إ ْن ُك ْن َ ْ‬
‫ار»‪ ،‬وكان صلى اهلل عليه وسلم يقول في االستغفار‪:‬‬ ‫ِْ‬
‫واالستغْ َف ُ‬ ‫ب النَّ َد ُم‬ ‫إن الت َّْوبَةَ ِم َن َّ‬
‫الذنْ ِ‬ ‫إلَْي ِه فَ َّ‬
‫ت أَ ْعلَ ُم بِ ِه ِمني‪ ،‬اللَّ ُه َّم اغْ ِف ْر لي‬ ‫وإس َر ِافي في ْأم ِري‪َ ،‬وَما أَنْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«اللَّ ُه َّم اغْف ْر لي َخطيئَتِي َو َج ْهلي ْ‬
‫َّرت‪َ ،‬وَما‬ ‫ت َوَما أَخ ُ‬ ‫ك ِع ْندي‪ ،‬اللَّ ُه َّم اغْ ِف ْر لي ما قَ َّد ْم ُ‬ ‫َه ْزلي َو ِجدِّي َو َخطئي َو َع ْمدي‪َ ،‬وُك ُّل ٰذلِ َ‬
‫ت َعلَى ُك ِّل َش ُي ٍء‬ ‫ِّر‪َ ،‬وأَنْ َ‬‫الم َؤخ ُ‬
‫ت ُ‬ ‫ِّم َوأَنْ َ‬
‫الم َقد ُ‬
‫ت ُ‬ ‫ت أَ ْعلَ ُم به مني أَنْ َ‬ ‫ت َوَما أَنْ َ‬‫ت َوَما أَ ْعلَْن ُ‬ ‫َس َرْر ُ‬
‫أْ‬
‫قدير» كذا في اإلحياء‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ار يَأ ُكل ُّ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ِ ْ :‬‬
‫س) وقال‬ ‫ب الياب َ‬ ‫الحطَ َ‬
‫َّار َ‬ ‫وب َك َما تَأْ ُك ُل الن ُ‬
‫الذنُ َ‬ ‫االستغْ َف ُ ُ‬
‫ْت ُسوءا‬ ‫ت نَ ْف ِسي َو َع ِمل ُ‬ ‫ك ظَلَ ْم ُ‬ ‫ال ُس ْب َحانَ َ‬‫الغزالي في اإلحياء قال صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن قَ َ‬
‫ت َك َع َد ِد الن َّْمل»‪ .‬وروي أن أفضل‬ ‫وب إال أنْت غُِف َر لَهُ ذُنُوبُهُ َولَْو َكانَ ْ‬ ‫الذنُ َ‬ ‫فَا ْغ ِفر لي‪ ،‬فإنَّهُ ال يَغْ ِف ُر ُّ‬
‫االستغفار‪ :‬اللهم أنت ربي وأنا عبدك خلقتني‪ ،‬وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت‪ ،‬أعوذ بك‬
‫من شر ما صنعت‪ ،‬أبوء لك بنعمتك علي‪ ،‬وأبوء على نفسي بذنبي فقد ظلمت نفسي‪،‬‬
‫واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي ما قدمت منها وما أخرت‪ ،‬فإنه ال يغفر الذنوب جميعها إال‬
‫أنت انتهى‪.‬‬
‫استَ غْ ِف ُروا‬
‫الرْز َق) وقد قال تعالى‪ْ { :‬‬ ‫ب ِّ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬كثْ رةُ ْ ِ‬
‫االستغْ َفا ِر تَ ْجلُ ُ‬ ‫َ‬
‫وال وبنين وي ْجعل لَ ُكم جن ٍ‬
‫َّات‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رس ِل َّ‬ ‫ربَّ ُكم إنَّهُ َكا َن غَ ّفارا ي ِ‬
‫ََ َ ْ ْ َ‬ ‫اء َعلَْي ُك ْم م ْدرارا َويُ ْمد ْد ُك ْم بَأ َْم َ‬ ‫الس َم َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َويَ ْج َع ْل لَ ُك ْم أنهارا} [نوح‪ ]22 ،22 ،62 :‬وروي عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال‪:‬‬
‫االستِغْ َفا ِر»‬ ‫ِ‬
‫الص ْب َح فَأَ ْكثِ ُروا م َن ْ‬ ‫صلَّْيتُ ُم ُّ‬‫سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪« :‬إذا َ‬
‫ِ‬
‫فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل علمنا شيئا نستغفر اهلل تعالى به‪ .‬فقال‪« :‬قولوا اللَّ ُه َّم إنَّا نَ ْستَ غْف ُر َك َونَتُ ُ‬
‫وب‬
‫ب َعلَْي ِه فَتَ َح اهلل لَهُ بابا ِم َن‬ ‫ك ِمن ُك ِّل ذَنْ ٍ ِ‬
‫ب َعل ْمنَاه أ َْو لَ ْم نَ ْعلَ ْمهُ في لَْي ٍل أ َْو نَ َها ٍر فَ َم ْن َواظَ َ‬ ‫إلَْي َ ْ‬
‫اب ال َف ْق ِر» كذا في رياض الصالحين‬ ‫الرْز ِق‪َ ،‬وغَلَ َق َع ْنهُ بابا ِم ْن أَبْ َو ِ‬
‫ِّ‬
‫االستِغْ َفا ِر) أي المقرون بالتوبة الصحيحة (فَ َم ْن‬ ‫ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أ ْكثِ ُروا م َن ْ‬
‫ب) أي‬ ‫ِ‬
‫ث الَ يَ ْحتَس ُ‬‫أَ ْكثَ َر ِم ْنهُ) أي االستغفار ( َج َع َل اهلل لَهُ ِم ْن ُك ِّل غَ ٍّم َو َه ٍّم فَ َرجا َوَرَزقَهُ من َح ْي ُ‬
‫من وجه ال يخطر بباله‪ ،‬وفي رواية ألحمد عن ابن عباس من أكثر من االستغفار جعل اهلل له من‬
‫كل هم فرجا‪ ،‬ومن كل ضيق مخرجا‪ ،‬ورزقه اهلل من حيث ال يحتسب‪ .‬وقال النووي في األذكار‬
‫وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫ث الَ‬ ‫ضيق َم ْخ َرجا‪َ ،‬وِم ْن ُك ِّل َه ٍّم فَ َرجا‪َ ،‬وَرَزقَهُ ِم ْن َح ْي ُ‬
‫االستِغْ َف َار َج َع َل اهلل لَهُ ِم ْن ُك ِّل ٍ‬
‫« َم ْن لَ ِزَم ْ‬
‫الع َم ِل ما يُ َك ِّف ُرَها‬ ‫ِ‬ ‫ت ذُنُوب ِ‬ ‫ِ‬
‫الع ْبد فَ لَ ْم يَ ُك ْن لَهُ م َن َ‬
‫ُ َ‬ ‫ب» وفي رواية أحمد عن عائشة‪ :‬إذا َكثُ َر ْ‬ ‫يَ ْحتَس ُ‬
‫كف َرَها َع ْنهُ بِ ِه‪ ،‬وهو حديث حسن‪ .‬وفي رواية بالهم‪ ،‬أي إذا كثرة ذنوب‬ ‫ابْتَالَهُ اهلل بال ُح ْز ِن لِيُ ِّ‬
‫اإلنسان المسلم‪ ،‬فلم يكن له من العمل الصالح ما يكفرها لفقده أو لقلته ابتاله اهلل بالحزن‬
‫ليكفرها عنه‪ ،‬فغالب ما يحصل من الهموم والغموم من التقصير في الطاعة‪.‬‬

‫{الباب الحادي والعشرون‪ :‬في فضيلة ذكر اهلل تعالى}‬


‫ون} [البقرة‪ ]252 :‬اختلف‬ ‫قال اهلل تعالى‪{ :‬فَاذْ ُكرونِي أَذْ ُكرُكم وا ْش ُكروا لي وال تَ ْك ُفر ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫العلماء في ذلك فقال ابن عباس‪ :‬اذكروني بطاعتي أذكركم بمعونتي‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪:‬‬
‫اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي‪ .‬وقال فضيل بن عياض‪ :‬فاذكروني بطاعتي أذكركم بثوابي‪.‬‬
‫وقال ابن كيسان‪ :‬فاذكروني بالشكر أذكركم بالزيادة‪ .‬وقيل‪ :‬اذكروني بالتوحيد واإليمان أذكركم‬
‫بالدرجات والجنان‪ ،‬وقيل‪ :‬اذكروني على ظهر األرض أذكركم في باطنها إذا نسيكم أهلها‪،‬‬
‫وقل‪ :‬اذكروني في الدنيا أذكركم في اآلخرة‪ ،‬وقيل‪ :‬اذكروني بالطاعات أذكركم بالمعافاة‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫اذكروني بالخالء والمالء أذكركم بالخالء والمالء‪ .‬وقيل‪ :‬اذكروني في النعمة والرخاء أذكركم‬
‫في الشدة والبالء‪ ،‬وقيل‪ :‬اذكروني بالتسليم والتفويض أذكركم بأصلح االختيار‪ .‬وقيل‪ :‬اذكروني‬
‫بالشوق والمحبة أذكركم بالوصل والقربة‪ .‬وقيل‪ :‬اذكروني بالمجد والثناء أذكركم بالعطاء‬
‫والجزاء‪ .‬وقيل‪ :‬اذكروني بالتوبة أذكركم بغفران الحوبة‪ ،‬اذكروني بالدعاء أذكركم بالعطاء‪،‬‬
‫اذكروني بالسؤال أذكركم بالنوال‪ ،‬اذكروني بال غفلة أذكركم بال مهلة‪ ،‬اذكروني بالندم أذكركم‬
‫بالكرم‪ ،‬اذكروني بالمعذرة أذكركم بالمغفرة‪ ،‬اذكروني باإلرادة أذكركم باإلفادة‪ ،‬اذكروني بالتنصل‬
‫أذكركم بالتفضل‪ ،‬اذكروني باإلخالص أذكركم بالخالص‪ ،‬اذكروني بالقلوب أذكركم بكشف‬
‫الكروب‪ ،‬اذكروني بال نسيان أذكركم باإليمان‪ ،‬اذكروني باالفتقار أذكركم باالقتدار‪ ،‬اذكروني‬
‫باالعتذار واالستغفار أذكركم بالرحمة واالغتفار‪ ،‬اذكروني باإليمان أذكركم بالجنان‪ ،‬اذكروني‬
‫باإلسالم أذكركم باإلكرام‪ ،‬اذكروني بالقلب أذكركم بكشف الحجب‪ ،‬اذكروني ذكرا فانيا‬
‫أذكركم ذكرا باقيا‪ ،‬اذكروني باالبتهال أذكركم باإلفضال‪ ،‬اذكروني بالتذلل أذكركم بمغفرة الزلل‪،‬‬
‫اذكروني باالعتراف أذكركم بمحو االقتراف‪ ،‬اذكروني بصفاء السر أذكركم بخالص البر‪،‬‬
‫اذكروني بالصدق أذكركم بالرفق‪ ،‬اذكروني بالصفو أذكركم بالعفو‪ ،‬اذكروني بالتعظيم أذكركم‬
‫بالتكريم‪ ،‬اذكروني بالتكبير أذكركم بالنجاة من السعير‪ ،‬اذكروني بترك الجفاء أذكركم بحفظ‬
‫الوفاء‪ ،‬اذكروني بترك الخطأ أذكركم بأنواع العطاء‪ ،‬اذكروني بالجهد في الخدمة أذكركم بإتمام‬
‫النعمة‪ ،‬اذكروني من حيث أنتم أذكركم من حيث أنا { َولَ ِذ ْك ُر اهلل أ ْك ُبر} [العنكبوت‪ ]56 :‬أفاد‬
‫ذلك الشيخ عبد القادر‪.‬‬
‫اق) لداللة حال الذاكر‬ ‫اإليمان) أي لواؤه (وب راءةٌ ِمن النِّ َف ِ‬
‫ِ‬ ‫(قال رسول اهلل‪ِ :‬ذ ْك ُر اهلل ِعلَ ُم‬
‫َََ َ َ‬
‫ان َو ِح ْرٌز) أي احتراس ( ِم َن‬‫الشيطَ ِ‬ ‫على أنه إنما ذكر اهلل إيمانا باهلل وتصديقا به (و ِح ِ‬
‫ص ٌن م َن ِّ ْ‬‫َ ْ‬
‫النيران) وقيل إذا تمكن الذكر من القلب فإذا دنا منه الشيطان صرع كما يصرع اإلنسان إذا دنا‬ ‫ِ‬
‫منه الشيطان فيقولون‪ :‬ما لهذا؟ فيقال‪ :‬قد مسه اإلنس كذا أفاد سيدي الشيخ عبد القادر‪.‬‬
‫الخ ِف ُّي) وقيل الذكر الخفي ال يرفعه الملك‪ ،‬ألنه‬ ‫ضل ِّ‬
‫الذ ْك ُر َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أَفْ َ ُ‬
‫ال اطالع له عليه فهو سر بين العبد وبين اهلل تعالى‪ .‬كذا ذكره الشيخ عبد القادر‪ ،‬وفي حديث‬
‫البيهقي عن عائشة‪ :‬الذكر الذي ال تسمعه الحفظة يزيد على الذكر الذي تسمعه الحفظة سبعين‬
‫ضعفا‪ .‬قال المناوي‪ :‬قيل أراد بذلك الذكر التدبر والتفكر في مصنوعات اهلل وآالئه والمتبادر‬
‫إرادة الذكر القلبي اه ‪.‬‬
‫وقال العلقمي‪ :‬لعل المراد به التدبر والتفكر في مصنوعات اهلل تعالى‪ ،‬وفي استباط‬
‫األحكام الشرعية‪ ،‬وتصور المسائل الفقهية التي يجريها الشخص على قلبه‪ ،‬ويتفكر فيها‪ ،‬ولهذا‬
‫َي الموَّكلُو َن بِ ِكتَابَِة األَ ْعم ِ‬
‫ال َولَ ْم يَ ُقل‬ ‫ِ‬
‫قال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬الَّذي ال تَ ْس َم ُعهُ َ‬
‫َ‬ ‫الح َفظَةُ أ ْ ُ َ‬
‫الَّذي الَ تَ ْعلَ ُمهُ»‪ .‬وسبب الزيادة في ذلك أنه في غالب مسائله نفع متعد وزيادة إيمان وإخالص‬
‫اه ‪.‬‬
‫ث ِذ ْك ُر اهلل تَ َعالى َعلَى‬‫مال) أي أصعبها وأثقلها (ثَالَ ٌ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أَ َش ُّد األَ ْع ِ‬
‫اف ال َفقي ِر‬‫ص ُ‬
‫ك وإنْ َ‬ ‫األخ) أي معاونته ( ِم ْن مالِ َ‬ ‫اساةُ ِ‬ ‫ال) أي في كل زمان ومكان ( َوُم َو َ‬ ‫ُك ِّل َح ٍ‬
‫ك) أي اجعل نفسك خادما للمحتاج الذي أصابه بؤس أي شدة (وقال صلى‬ ‫س ِم ْن نَ ْف ِس َ‬ ‫البَائِ ِ‬
‫ض ِذ ْك ِر اهلل َعز َو َجل) رواه‬ ‫ض اهلل بُغْ ُ‬ ‫المةُ بُغْ ِ‬ ‫ب اهلل ح ُّ ِ‬
‫ب ذ ْك ِر اهلل َو َع َ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل عليه وسلم‪َ :‬عالَ َمةُ ُح ِّ‬
‫البيهقي عن أنس بن مالك قال المناوي عالمة حب اهلل لعبده حب عبده لذكره‪ ،‬ألنه إذا أحب‬
‫عبدا ذكره وإذا ذكره حبب إليه ذكره وعكسه‪.‬‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ِ :‬ح َكايَة َع ِن اهلل تَ َعالى أَنَا َم َع َع ْبدي) أي بعلمي (إذا ذَ َكرني)‬
‫ت بي َش َفتَاهُ) قال ابن حجر العسقالني في بلوغ المرام أخرجه ابن‬ ‫وفي رواية ما ذكرني ( َوتَ َح َّرَك ْ‬
‫ماجه وصححه ابن حبان‪ ،‬وذكره البخاري تعليقا والمعلق ما حذف من أول إسناده قال‬
‫الحكيم‪ :‬هذا وما أشبهه من األحاديث في ذكر عن يقظة ال عن غفلة‪ ،‬ألن ذلك هو حقيقة‬
‫الذكر‪ ،‬فيكون بحيث ال يبقى عليه مع ذكره في ذلك الوقت ذكر نفسه‪ ،‬وال ذكر مخلوق فذلك‬
‫الذكر هو الصافي‪ ،‬ألنه قلب واحد فإذا شغل بشيء ذهل عما سواه‪ ،‬وهذا موجود في‬
‫المخلوقات لو أن رجالً دخل على ملك في الدنيا ألخذه من هيبته ما ال يذكر في ذلك الوقت‬
‫غيره‪ ،‬فكيف بملك الملوك‬
‫وف فِي‬ ‫ٱلسي ِ‬ ‫ض ُل ِم ْن َ‬
‫ض ْر ِ‬ ‫والع ِش ِّي أَفْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ُّ ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ذ ْك ُر اهلل تَ َعالَى بالغَ َداة َ‬
‫أفضل‬
‫ُ‬ ‫يل اهلل) وفي اإلحياء قال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬لَ ِذ ْك ُر اهلل َع َّز َو َجلَّ بالغَ َداةِ َوٱل َْع ِش ِّي‬ ‫َسبِ ِ‬
‫ال سحا‪.‬‬ ‫وم ْن إ ْعطَ ِاء ٱلم ِ‬
‫يل اهلل ِ‬ ‫الس ِ‬
‫يوف في َسبِ ِ‬ ‫ِم ْن حطم ُّ‬
‫َ‬
‫الذ ْك ِر ال إلهَ إالَّ اهلل) وفي رواية الديلمي عن أنس ِذ ْك ُر‬ ‫ضل ِّ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أَفْ َ ُ‬
‫وب‪ ،‬أي من أمراضها‪ ،‬أي هو دواء لها مما يلحقها من ظلمة الذنوب والغفلة‬ ‫اهلل ِش َفاءُ ال ُقلُ ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬اذْ ُكروا اهلل ِذ ْكرا َخ ِامالً) بخاء معجمة ثم بالالم‪ ،‬أي منخفضا‬
‫الخ ِف ُّي) رواه عبد‬ ‫(قيل) أي قال بعض الصحب (وما الذكر الخامل) يا رسول اهلل (قال‪ِّ :‬‬
‫الذ ْك ُر َ‬
‫اهلل بن المبارك عن ضمرة بن حبيب‪ ،‬أي فهو أفضل من الذكر جهرة لسالمته من نحو رياء‪،‬‬
‫وهذا عند جمع من الصوفية في غير ابتداء السلوك‪ ،‬أما في االبتداء فالذكر الجهري أنفع‪ ،‬وقد‬
‫كان النبي صلى اهلل عليه وسلم يأمر كل إنسان بما هو األصلح األنفع له‪.‬‬
‫الذاكِرو َن اهلل َكثِيرا) أي‬ ‫اد َدرجةً ِع ْن َد اهلل ي وم ِ‬
‫القيَ َام ِة َّ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أَفْ َ ِ ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ض ُل العبَ َ َ‬
‫والذاكرات‪ ،‬ولم يذكرهن مع إرادتهن تغليبا للمذكر على المؤنث رواه أحمد والترمذي عن أبي‬
‫سعيد الخدري بإسناد صحيح‪ ،‬واختلف في الذاكرين اهلل كثيرا فقال اإلمام أبو الحسن الواحدي‬
‫قال ابن عباس‪ :‬المراد يذكرون اهلل في أدبار الصلوات غدوا وعشيا‪ ،‬وفي المضاجع وكلما‬
‫استيقظ من نومه‪ ،‬وكلما غدا وراح من منزله ذكر اهلل تعالى‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬ال يكون من الذاكرين‬
‫اهلل كثيرا حتى يذكر اهلل تعالى قائما وقاعدا ومضطجعا‪ .‬وقال عطاء‪ :‬من صلى الصلوات‬
‫ين اهلل كثيرا} [األحزاب‪ ]53 :‬فقال‪:‬‬ ‫الخمس بحقوقها‪ ،‬فهو داخل في قوله تعالى‪ِ َّ { :‬‬
‫والذاكر َ‬
‫إذا واظب على األذكار المأثورة المثبتة صباحا ومساء‪ ،‬وفي األوقات واألحوال المختلفة ليالً‬
‫ونهارا‪ ،‬وهي مثبتة في عمل اليوم والليلة كان من الذاكرين اهلل كثيرا‪ ،‬كذا في السراج المنير‬
‫للعزيزي‪.‬‬
‫الخ ِف ُّي) وفي رواية المخفي بالميم‪ ،‬أي ما‬ ‫الذ ْك ِر ِّ‬
‫الذ ْك ُر َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬خ ْي ُر ِّ‬
‫أخفاه الذاكر عن الناس فهو أفضل من الجهر‪ ،‬وفي أحاديث أخر ما يفيد أن الجهر أفضل‪،‬‬
‫وجمع بأن اإلخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذى به نحو مصل والجهر أفضل حيث أمن‬
‫الرْز ِق َما يَ ْك ِفي) أي ما كان يقدر الكفاية رواه أحمد وابن‬ ‫ادةِ أ َ‬
‫َخ ُّفها َو َخ ْي ُر ِّ‬ ‫من ذلك ( َو َخ ْي ُر العِبَ َ‬
‫حبان والبيهقي عن سعد بن مالك وابن أبي وقاص بإسناد صحيح‪.‬‬

‫{الباب الثاني والعشرون‪ :‬في فضيلة التسبيح}‬


‫اجةٌ‬ ‫وعن الحسن رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن َكا َن لَهُ َح َ‬
‫ْح ْم ُد هلل َوالَ ٰإلهَ إالّ‬ ‫ف علَى ي ِمينِ ِه ولْي ُقل ٰه ِذهِ ال َكلِم ُ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‪َ ،‬وه َي ُس ْبحا َن اهلل َوال َ‬ ‫َ‬ ‫ع ْن َد ُم ْخلُوق فَ لْيَق ْ َ َ َ َ ْ‬
‫ضى اهلل‬ ‫ظيم‪ ،‬فَ َو َح ِّق ربِّي َما قَالَها َع ْب ٌد إال قَ َ‬ ‫الع ِ‬ ‫اهلل واهلل أَ ْكب ر‪ ،‬والَ حو َل والَ قُ َّو َة إالّ باهلل ِ‬
‫العل ِّي َ‬
‫َ‬ ‫َُ َ َْ َ‬ ‫َ‬
‫وت َحتّى يَ َرى َم ْق َع َدهُ فِي ال َجن َِّة‬ ‫الدنْيا و ِ‬
‫اآلخ َرةِ‪َ ،‬والَ يَ ُم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجتَهُ الّتي يَطْلُبُها َكائناً َما َكا َن م ْن أ ُُموِر ُّ َ‬ ‫َح َ‬
‫كذا في رياض الصالحين‬
‫ول‬‫ض َر ُج ٌل» أي إنسان ذكر أو أنثى (يَ ُق ُ‬ ‫(قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ما َعلَى األَ ْر ِ‬
‫ت) في‬ ‫ت ذُنُوبُهُ َولَْو َكانَ ْ‬‫وس ْب َحا َن اهلل َوالَ َح ْو َل َوال قُ َّو َة إالَّ باهلل إالَّ غُ ِف َر ْ‬
‫ال ٰإله إال اهلل واهلل أ ْكبَ ُر ُ‬
‫الكثرة ( ِمثْ َل َزبَ ِد البَ ْح ِر) أي وهو ما يعلو على وجهه عند هيجانه رواه ابن عمرو‪ ،‬وفي األحاديث‬
‫الزاكيات لسيدي البكري عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫َح ٌد يَ ُقول ال إلَه إال اهلل واهلل أ ْكبَ ُر َوالَ َح ْو َل والَ قُ َّوةَ إال باهلل إالَّ‬ ‫ض أَ‬ ‫عليه وسلم‪َ « :‬ما َعلَى األَ ْر ِ‬
‫ت ِمثْ َل َزبَ ِد البَ ْح ِر» حديث حسن أخرجه الترمذي‪ ،‬ورواه الحاكم‬ ‫ت َع ْنهُ َخطَايَاهُ‪َ ،‬ولَْو َكانَ ْ‬‫ُك ِّف َر ْ‬
‫وزاد‪ ،‬وسبحان اهلل والحمد هلل اه ‪.‬‬
‫ال ُس ْب َحا َن اهلل َوبِ َح ْم ِدهِ في يَ ْوٍم مائَةَ َم َّرةٍ) أي ولو متفرقة‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن قَ َ‬
‫ت ِمثْ َل َزبَ ِد البَ ْح ِر) رواه أحمد والبخاري ومسلم‬ ‫ت َخطَاياهُ) أي غفرت ذنوبه (وإ ْن َكانَ ْ‬ ‫( ُحطَّ ْ‬
‫والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة قال العلقمي وسبحان اهلل‪ ،‬معناه تنزيه عما ال يليق به من كل‬
‫نعت‪ ،‬وهو مضاف لمفعوله منصوب‪ ،‬أي سبحت اهلل تسبيحا فهو واقع موقع المصدر‪ ،‬ويجوز‬
‫أن يكون مضافا إلى الفاعل‪ ،‬أي نزه اهلل نفسه والمشهور األول‬
‫يزان) أي قول العبد سبحان اهلل يمأل‬ ‫الم ِ‬‫ف ِ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ُ :‬س ْب َحا َن اهلل نِ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والح ْم ُد هلل م ْلءُ الميزان) أي ثوابها يمأل الكفتين (واهلل أَ ْكبَ ُر م ْلءُ‬ ‫ثوابها إحدى كفتي الميزان ( َ‬
‫س ُدونَها ِس ٌتر َوال‬ ‫ض) أي لو قدر ثواب ذلك جسما لمأله ( َوال إله إال اهلل لَْي َ‬ ‫واألر ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫السموات ْ‬
‫ص إلى ربِّها َع َّز َو َج َّل) أي تصل‬ ‫ِ‬
‫اب) جمع بينهما للتأكيد‪ ،‬أي بال تصعد بل مانع ( َحتَّى تَ ْخلَ َ‬ ‫ح َج ُ‬
‫إليه بال عائق وال حاجب‪ ،‬وهو كناية عن سرعة قبولها‪ ،‬وكثرة ثوابها رواه السجزي عن ابن عمر‬
‫بن العاص‪ ،‬ورواه أيضا ابن عساكر عن أبي هريرة بإسناد ضعيف‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َهلَّ َل) أي قال ال إله إال اهلل ( َمائَةً َو َسبَّ َح) أي قال‪ :‬سبحان‬
‫اب ي ْعتِ ُق َها وس ْب ِع بدنَ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ات يَ ْن َح ُرَها)‬ ‫ََ َ‬ ‫اهلل ( َمائَةً َوَكبَّ َر) أي قال‪ :‬اهلل أكبر (فإنَّهُ َخ ْي ٌر م ْن َع ْش ِر ِرقَ ٍ َ‬
‫حديث حسن أخرجه ابن أبي الدنيا وابن أبي شيبة عن أنس بن مالك‪ ،‬وفي رواية النسائي عن‬
‫أبي هريرة بإسناد صحيح من سبح في دبر كل صالة الغداة مائة تسبيحة‪ ،‬وهلل مائة تهليلة‪،‬‬
‫غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر‬
‫والح ْم ُد هلل وال ٰإله إال اهلل َواهلل أَ ْكبَ ُر وال‬
‫ال ُس ْب َحا َن اهلل َ‬‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن قَ َ‬
‫ْف حسنَ ٍة ومحا َع ْنهُ مائَة ألْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫ب اهلل لَهُ مائَةَ أَل َ َ َ َ َ‬ ‫العلي العظيم َم َّرًة َواحد ًة َكتَ َ‬
‫َح ْو َل َوالَ قُ َّوة إال باهلل َ‬
‫ْف َد َر َج ٍة) وفي رواية البن أبي الدنيا عن عبد اهلل بن عمر أنه قال‪ :‬قال‬ ‫سيِّئَ ٍة ورفَع لَهُ مائَةَ أَل ِ‬
‫َ ََ َ‬
‫ِ‬ ‫ٰ‬
‫ب‬‫والح ْم ُد هلل وال إلهَ إالَّ اهلل واهلل أ ْكبَ ُر ُكت َ‬
‫ال ُس ْب َحا َن اهلل َ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن قَ َ‬
‫ف َع ْشر حسنَ ٍ‬ ‫كل حر ٍ‬
‫ات» وهو حديث حسن كذا في األحاديث الزاكيات للشيخ البكري‪،‬‬ ‫ُ ََ‬ ‫لَهُ بِ ِّ َ ْ‬
‫وفيه أيضا عن مصعب بن سعد قال‪ :‬حدثني أبي قال‪ :‬كنا عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫سائِِه» كيف يكسب‬ ‫َ‬‫ل‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫ْف حسن ٍة‪ ،‬فَسأَلَه سائِل ِ‬
‫م‬ ‫ل‬‫َ‬‫أ‬ ‫فقال‪« :‬أي عجز أَح ُد ُكم أَ ْن ي ْكسب ُكل ي وٍ‬
‫م‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ َّ َ ْ‬
‫ْف َخ ِطيئَ ٍة»‬ ‫ْف َحسنَ ٍة‪َ ،‬ويُ َح ُّ‬
‫ط َع ْنهُ أَل ُ‬ ‫ب لَهُ أل ُ َ‬
‫أحدنا ألف حسنة قال‪« :‬يسبِّح مائَةَ تَسبِ ٍ‬
‫يحة‪ ،‬فَيُ ْكتَ ُ‬‫ْ َ‬ ‫َُ ُ‬
‫حديث صحيح أخرجه مسلم وأخرجه الترمذي والنسائي‪ ،‬لكن بلفظ ويحط بغير ألف‪ ،‬وعليها‬
‫يحمل حديث مسلم اه ‪.‬‬
‫وب‬ ‫لخطَايا ُّ‬ ‫ال سبحا َن اهلل إلى ِ‬
‫آخ ِرَها تَنَاثَ َر ْ‬
‫والذنُ ُ‬ ‫ت َعنْهُ ا َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن قَ َ ُ ْ َ‬
‫الش َج ِر) وعن أنس رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أخذ غصناً‬ ‫راق َّ‬ ‫َكتَناثُ ِر أو ِ‬
‫ْ‬
‫فنفضه‪ ،‬فلم ينتفض ثم نفضه‪ ،‬فلم ينتفض ثم نفضه‪ ،‬فانتفض فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫ض‬
‫الخطايا َك َما تَ ْن ُف ُ‬
‫ض َ‬ ‫والح ْم ُد هلل وال ٰإله إالَّ اهلل واهلل أ ْكبر‪ ،‬تَ ْن ُف ُ‬ ‫وسلم‪َّ « :‬‬
‫إن ُس ْب َحا َن اهلل َ‬
‫َّ‬
‫الش َج َرةُ َوَرقَها» حديث صحيح رواه أحمد‪.‬‬
‫ت لَهُ بِ َها) أي بكل مرة‬
‫العظيم غُ ِر َس ْ‬
‫ال ُس ْب َحا َن َربي َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن قَ َ‬
‫الجن َِّة) وفي الجامع الصغير من قال‪ :‬سبحان اهلل وبحمده غرست له منها نخلة في‬ ‫( َش َج َرةٌ في َ‬
‫الجنة رواه ابن حبان والحاكم عن جابر بإسناد صحيح‪ ،‬وفي األحاديث الزاكيات عن عبد اهلل‬
‫ال ُس ْب َحا َن اهلل‬
‫بن عمر رضي اهلل عنهما قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن قَ َ‬
‫الجن َِّة» حديث صحيح أخرجه البزار ورواه الترمذي عن جابر‬ ‫َوبِ َح ْم ِدهِ غُ ِر َس ْ‬
‫ت لَهُ نَ ْخلَةٌ في َ‬
‫مرفوعا إال أنه قال من قال‪ :‬سبحان اهلل العظيم اه ‪.‬‬
‫ال ُس ْبحا َن َربي األ ْعلَى غَ َف َر اهلل لَهُ َوأَ ْد َخلَهُ َ‬
‫الجنَّة) وروي‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن قَ َ‬
‫أن أول من قال سبحان ربي األعلى ميكائيل كذا في تفسير الخطيب‬
‫الرْز َق وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬كلِ َمتَان)‬
‫ب ِّ‬‫يح يَ ْجلُ ُ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬الت ِ‬
‫َّسب ُ‬
‫ْ‬
‫قيلتان في الميزان) وصفهما بالخفة والثقل لبيان‬‫سان ثَ ِ‬ ‫المراد بالكلمة الكالم ( َخ ِفيفتان َعلَى اللِّ ِ‬
‫حم ِن) ومحبته‬
‫الر ٰ‬
‫قلة العمل وكثرة الثواب ( َحبيبتان) أي محبوبتان والمعنى محبوب قائلهما (إلى َّ‬
‫تعالى للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم ( ُس ْب َحا َن اهلل) معنى التسبيح تنزيه اهلل عما ال يليق به‬
‫من كل نقص ( َوبِ َح ْم ِدهِ) قيل الواو للحال والتقدير أسبح اهلل ملتبسا بحمده له من أجل توفيقه‬
‫وقيل عاطفة‪ ،‬والتقدير أسبح اهلل وألتبس بحمده‪ ،‬ويحتمل أن تكون الباء متعلقة بمحذوف‬
‫متقدم والتقدير‪ ،‬وأثني عليه بحمده فيكون سبحان اهلل جملة مستقلة وبحمده جملة أخرى‪.‬‬
‫الع ِظ ِ‬
‫يم) قال الكرماني‪ :‬صفات اهلل تعالى وجودية كالعلم والقدرة‪ ،‬وهي صفات‬ ‫( ُس ْب َحا َن اهلل َ‬
‫اإلكرام وعدمية كال شريك له‪ ،‬وال مثل وهي صفات الجالل‪ ،‬فالتسبيح إشارة إلى الجالل‬
‫والتحميد إشارة إلى صفات اإلكرام وترك التقييد مشعر بالتعميم‪ ،‬والمعنى أنزهه عن جميع‬
‫النقائص وأحمده بجميع الكماالت اه ‪ .‬ورواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه عن‬
‫أبي هريرة‪ .‬وكلمتان خبر مقدم وخفيفتان وما بعده صفة‪ ،‬والمبتدأ سبحان اهلل وبحمده سبحان‬
‫اهلل العظيم أفاد ذلك العزيزي‪.‬‬

‫{الباب الثالث والعشرون‪ :‬في فضيلة التوبة}‬


‫التوبة هي الرجوع عما كان مذموما في الشرع إلى ما هو محمود في الشرع‪ ،‬والعلم بأن‬
‫الذنوب والمعاصي مهلكات مبعدات من اهلل عز وجل‪ ،‬ومن جنته وتركها فقرب إلى اهلل عز‬
‫وجل وجنته‪ ،‬وآدم عليه السالم لما أكل من الشجرة المنهي عنها تطايرت الحلل عن جسده‪،‬‬
‫وبدت عورته‪ ،‬وبقي التاج واإلكليل على رأسه‪ ،‬فاستحيا أن يرتفعا عنه‪ ،‬فجاءه جبريل عليه‬
‫السالم‪ ،‬فأخذ التاج عن رأسه واإلكليل عن جبينه‪ ،‬ونودي هو وحواء أن اهبطا من جواري فإنه‬
‫ال يجاورني من عصاني‪ ،‬فالتفت إلى حواء بالحياء كذا أفاد الشيخ عبد القادر‬
‫تجب ما‬
‫ب لَهُ) أي فإن التوبة ُّ‬
‫ب َك َم ْن ال ذَنْ َ‬ ‫ب ِم َن َّ‬
‫الذنْ ِ‬ ‫ِ‬
‫(قال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬التَّائ ُ‬
‫ب وهو م ِقيم علَي ِه كالمست ه ِز ِ‬
‫ىء بَِربِّ ِه) رواه البيهقي وابن عساكر عن‬ ‫والم ْستَ غْ ِف ُر ِم َن َّ‬
‫الذنْ ِ َ ُ َ ُ ٌ َ ْ ُ ْ َ ْ‬ ‫قبلها ( ُ‬
‫ابن عباس‪ ،‬ولهذا قيل االستغفار باللسان توبة الكذابين‪ ،‬وهذا حديث موقوف‪ ،‬وهو ما قصر‬
‫على الصحابي قوالً أو فعالً ويسمى أثرا أيضا‪.‬‬
‫ب لَهُ) رواه الطبراني‬
‫ب َك َم ْن الَ ذَنْ َ‬ ‫ب ِم َن َّ‬
‫الذنْ ِ‬ ‫ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬النَّ َد ُم تَ ْوبَةٌ والتَّائ ُ‬
‫وأبو نعيم عن ابن سعيد األنصاري وضعفه البخاري وغيره‪ ،‬وعالمة صحة الندم رقة القلب‪،‬‬
‫ين فَإنَّ ُه ْم َأر ُّق‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سوا التَّواب َ‬
‫وغزارة الدمع‪ .‬ولهذا روي عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪« :‬جال ُ‬
‫ب ذَنْبا ثُ َّم نَ ِد َم َعلَْي ِه فَ ُه َو َك َّف َارتُهُ»‪ .‬وقال الحسن‬ ‫ِ‬
‫أَفْئ َدة» وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن أَ ْذنَ َ‬
‫رحمه اهلل‪ :‬التوبة على أربع دعائم‪ :‬استغفار باللسان وندم بالقلب وترك بالجوارح وإضمار أن ال‬
‫يعود‪ ،‬ذكر ذلك الشيخ عبد القادر الجيالني‬
‫ب) أو شابة‬ ‫ب إلى اهلل تَ َعالَى ِم ْن َش ٍّ‬
‫اب تَائِ ٍ‬ ‫َح ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬ما م ْن َش ْيء أ َ‬
‫اص ِيه) أو شيخة كذا‬ ‫يم) أي مصر ( َعلَى مع ِ‬ ‫ض إلى اهلل تَ َعالى ِم ْن َش ْي ٍخ ُم ِق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ََ‬ ‫ّ‬ ‫تائبة ( َوَما م ْن َش ْيء أَبْ غَ ُ‬
‫رواه أبو المظفر عن سلمان الفارسي‬
‫وب الت َّْوبَةُ) كما قال صلى اهلل‬ ‫يء ِحيلةٌ وحيلةُ ُّ‬
‫الذنُ ِ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬لِ ُك ِّل َش ٍ‬
‫الجنَّة فقالوا‪ :‬يا نبي اهلل وكيف يدخله الجنة؟‬ ‫ِ‬ ‫ب َّ‬ ‫ِ‬ ‫عليه وسلم‪َّ « :‬‬
‫ب فَ يُ ْدخلهُ َ‬ ‫الذنْ َ‬ ‫الع ْب َد لَيُ ْذن ُ‬
‫إن َ‬
‫الجنَّةَ» ذكر ذلك الشيخ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال‪ :‬يَ ُكو ُن َّ‬
‫ب َع ْي نَ ْيه يَ ْستَ غْف ُر م ْنهُ َويَ ْن َد ُم َعلَْيه َحتَّى يَ ْد ُخ َل َ‬‫صَ‬‫ب نُ ْ‬ ‫الذنْ ُ‬
‫عبد القادر الجيالني (وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬لِ ُك ِّل َشي ٍء َدواءٌ َو َدواءُ ُّ‬
‫الذنُ ِ‬
‫وب التَّوبَةُ)‪ .‬وقال‬ ‫ْ‬
‫أنس جاء رجل إلى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول اهلل إني أذنبت ذنبا‪ .‬قال‬
‫استَ غْ ِف ِر اهلل» قال‪ :‬إني أتوب ثم أعود‪ .‬قال صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪ْ « :‬‬
‫سير» قال يا نبي اهلل إذن تكثر ذنوبي‪ .‬فقال‬ ‫الح ُ‬
‫الش ْيطا ُن ُه َو َ‬ ‫ب َحتَّى يَ ُكو َن َّ‬ ‫ت فَتُ ْ‬ ‫« ُكلَّما أَ ْذنَ ْب َ‬
‫ك»‬‫صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬ع ْف ُو اهلل أ ْكثَ ُر ِم ْن ذُنُوبِ َ‬
‫الح ْوبَةَ) بفتح الحاء المهملة‪ ،‬أي الخطيئة وفي‬ ‫ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬الت َّْوبَةُ تَ ْهد ُم َ‬
‫لفظ الحوب بضم الحاء أي اإلثم‪ ،‬وروي عن الحسن رضي اهلل عنه عن النبي صلى اهلل عليه‬
‫اب اللَّه َعلَْي ِه‬
‫اب تَ َ‬ ‫الس َم ِاء واألَ ْر ِ‬
‫ض‪ ،‬ثُ َّم تَ َ‬ ‫َح ُد ُك ْم َحتَّى يَ ْمألَ َما بَ ْي َن َّ‬
‫وسلم أنه قال‪ :‬لَْو أَ ْخطَأَ أ َ‬
‫وب إلَْي ِه ُك َّل يَ ْوٍم مائَةَ َم َّرةٍ) رواه الشيخان‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬تُوبوا إلى اهلل فَإني أتُ ُ‬
‫عن ابن عمر بن الخطاب‪ ،‬وذكر المائة للتكبير ال للتحديد‪ ،‬وتوبة العوام من الذنوب‪ ،‬وتوبة‬
‫الخواص من غفلة القلوب‪ ،‬وخواص الخواص مما حوى المحبوب‪ ،‬فتوبة كل عبد بحسبه‬
‫ْس) أي‬ ‫َسوا) أي ال تقنطوا من رحمة اهلل (فَ َّ‬
‫إن اليَأ َ‬ ‫(وقال عليه السالم‪ :‬تُوبُوا إلى اهلل َوالَ تَ ْيأ ُ‬
‫القنوط من عفو اهلل ( ُك ْف ٌر) ويروى أن رجالً سأل ابن مسعود عن ذنب ألم به‪ ،‬هل له من توبة؟‬
‫فأعرض عنه ابن مسعود‪ ،‬ثم التفت إليه فرأى عينيه تذرفان فقال له‪ :‬إن للجنة ثمانية أبواب كلها‬
‫تفتح وتغلق إال باب التوبة فإن عليه ملكا موكالً به ال يغلق فاعمل وال تيأس‪ ،‬كذا في اإلحياء‪.‬‬
‫ت) أي‬‫بالصالةِ قَ ْبل ال َفو ِ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬ع ِّجلوا بالتَّوب ِة قَ ْبل المو ِ‬
‫ت َو َع ِّجلُوا َّ‬
‫َ ْ‬ ‫َْ َ َْ‬
‫فوت وقتها‪.‬‬
‫قال سيدي الشيخ عبد القادر‪ :‬شروط التوبة ثالثة‪ :‬أولها الندم على ما عمل من المخالفات‬
‫والثاني ترك الزالت في جميع الحاالت والساعات‪ .‬والثالث العزم على أن ال يعود إلى مثل ما‬
‫اقترف من المعاصي والخطيئات‪ .‬فالندم يورث عزما وقصدا فالعزم أن ال يعود إلى مثل ما‬
‫اقترف من المعاصي لعلمه أن المعاصي حائلة بينه بين ربه‪ ،‬ومعنى الندم توجع القلب عند علمه‬
‫بفوات محبوبه‪ ،‬فتطول أجزانه وانسكاب عبراته‪ ،‬فيعزم على أن ال يعود إلى مثل ذلك لما تحقق‬
‫عنده من العلم بشؤم ذلك‪ ،‬وأنه أضر من السم القاتل‪ ،‬والسبع الضاري‪ ،‬والنار المحرقة‬
‫والسيف القاطع‪ ،‬وأما القصد وهو إرادة التدارك‪ ،‬فله تعلق بالحال‪ ،‬وهو موجب ترك كل‬
‫محظور هو مالبس له‪ ،‬وأداء كل فرض هو متوجه عليه في الحال‪ ،‬وله تعلق بالماضي وهو‬
‫تدارك ما فرطه بالمستقبل‪ ،‬وهو المداومة على الطاعة‪ ،‬وترك المعصية إلى الموت‪ ،‬فأما شرط‬
‫صحته فيما يتعلق بالماضي فيفتش عما مضى من عمره سنة سنة‪ ،‬وشهرا شهرا ويوما يوما‪،‬‬
‫وساعة ساعة ونفسا نفسا‪ ،‬فينظر إلى الطاعات ما الذي قصر فيها‪ ،‬وإلى المعاصي ما الذي‬
‫قارف منها‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬تُوبُوا إلى َربِّ ُك ْم قَ ْب َل أ ْن تَ ُموتُوا) قال جابر بن عبد اهلل رضي اهلل‬
‫َّاس تُوبوا إلى اهلل قَ ْب َل‬ ‫عنهما‪ :‬خطبنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يوم الجمعة فقال‪« :‬أيُّ َها الن ُ‬
‫صلوا الَّذي بَ ْي نَ ُكم َوبَ ْي َن َربِّ ُك ْم تَ ْس َع ُدوا‪،‬‬ ‫الصالِحةِ قَ ْبل أ ْن تَ ْشتَغِلُوا و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫أ ْن تَ ُموتُوا‪َ ،‬وبَادروا باألَ ْع َمال َّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫َوأَ ْكثِ ُروا َّ‬
‫صروا» وقال صلى اهلل‬ ‫الم ْن َك ِر تُ ْن َ‬
‫صنُوا‪ ،‬وانْ َهوا َع ِن ُ‬ ‫بالم ْع ُروف تَ ْح ُ‬
‫وأمروا َ‬ ‫الص َدقَةَ تُ ْرَزقُوا‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫آد َم ما‬‫ابن َ‬‫ال أغوي َ‬ ‫ك الَ َأز ُ‬ ‫ك َو َجالَلِ َ‬
‫قال‪َ :‬و ِع َّزت َ‬
‫ض َ‬ ‫ط إلى األَ ْر ِ‬ ‫ين أ ُْهبِ َ‬ ‫ِ‬
‫إبليس ح َ‬
‫َ‬ ‫عليه وسلم‪َّ « :‬‬
‫إن‬
‫ب‪ :‬وعزتي َو َجاللي الَ أ َْمنَ ُعهُ الت َّْوبَةَ َما لَ ْم يَتَ غَ ْرغَ ْر بِنَ ْف ِس ِه» وعن‬ ‫الر ُّ‬
‫ال َّ‬‫س ِدهِ فَ َق َ‬
‫وح في َج َ‬‫الر ُ‬
‫َد َام ُّ‬
‫محمد بن عبد اهلل السلمي أنه قال‪ :‬جلست إلى نفر من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫اب قَ ْب َل‬
‫وسلم بالمدينة فقال رجل منهم‪ :‬سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪َ :‬م ْن تَ َ‬
‫اب اهلل َعلَْي ِه‪ .‬وقال آخر‪ :‬سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪َ :‬م ْن‬ ‫موتِ ِه بِنِص ِ ٍ‬
‫ف يَ ْوم تَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬
‫اب اهلل َعلَْي ِه‪ .‬وقال آخر‪ :‬سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫تاب قَبل موتِ ِه بِنِص ِ ٍ‬
‫ف يَ ْوم تَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ َ َْ‬
‫اب اهلل َعلَْيهِ‪ .‬وقد روى زاذان عن عبد اهلل بن مسعود عن سلمان‬ ‫ِ‬
‫اب قَ ْب َل الغَ ْرغَ َرة تَ َ‬
‫يقول‪َ :‬م ْن تَ َ‬
‫الفارسي أنه كان ت في اإلسرائيليات امرأة بغية مغنية مفتنة بجمالها‪ ،‬وكان باب دارها أبدا‬
‫مفتوحا‪ ،‬وهي قاعدة على السرير بحذاء الباب‪ ،‬فكل من مر بها ونظر إليها افتتن بها‪ ،‬واحتاج‬
‫إلى إحضار عشرة دنانير أو أكثر من ذلك حتى تأذن بالدخول عليها‪ ،‬فمر ببابها ذات يوم عابد‬
‫من عباد بني إسرا ئيل‪ ،‬فوقع بصره عليها في الدار وهي قاعدة على السرير‪ ،‬فافتتن بها وجعل‬
‫يجادل نفسه حتى أنه يدعو اهلل تعالى أن يزيل ذلك عن قلبه‪ ،‬فلم يزل ذلك عن نفسه‪ ،‬ولم‬
‫يملك نفسه حتى باع قماشا كان له‪ ،‬فجمع من الدنانير ما يحتاج إليه فجاء إلى بابها فأمرته أن‬
‫يسلم الذهب إلى وكيل لها وواعدته لمجيئه‪ ،‬فجاء إليها لذلك الوعد‪ ،‬وقد تزينت وجلست في‬
‫بيتها على سريرها‪ ،‬فدخل عليها العابد‪ ،‬وجلس معها على السرير‪ ،‬فلما مد يده إليها وانبسط‬
‫معها تداركه اهلل برحمته ببركة عبادته المتقدمة‪ ،‬فوقع في قلبه أن اهلل تعالى يراني في هذه الحالة‬
‫من فوق عرشه‪ ،‬وأ نا في الحرام‪ ،‬وقد حبط عملي كله فوقعت الهيبة في قلبه فارتعد في نفسه‬
‫وتغير لونه‪ ،‬فنظرت إليه المرأة فرأته متغير اللون فقالت له‪ :‬إيش أصابك يا رجل؟ فقال‪ :‬إني‬
‫أخاف اهلل ربي فأذني لي بالخروج‪ .‬فقالت له ويحك إن كثيرا من الناس يتمنون الذي وجدته‪،‬‬
‫فأيش هذا الذي أنت فيه؟ فقال‪ :‬إني أخاف اهلل جل ثناؤه وإن المال الذي دفعته إلى وكيلك‬
‫هو لك حالل فأذني لي بالخروج‪ .‬فقالت له‪ :‬كأنك لم تعمل هذا قط‪ .‬قال‪ :‬ال‪ .‬فقالت له‪ :‬من‬
‫أين أنت وما اسمك؟ فأخبرها أنه من قرية كذا واسمه كذا فأذنت له بالخروج من عندها‪ ،‬فخرج‬
‫وهو يدعو بالويل والثبور ويبكي على نفسه‪ ،‬فوقعت الهيبة في قلب المرأة ببركة ذلك العابد‬
‫فقالت في نفسها‪ :‬إن هذا الرجل أول ذنب أذنب فدخل عليه من الخوف ما دخل وإني قد‬
‫أذنبت منذ كذا وكذا سنة‪ ،‬وإن ربه الذي خاف منه هو ربي‪ ،‬فينبغي أن يكون خوفي أشد من‬
‫خوفه فتابت إلى اهلل تعالى‪ ،‬وغلقت الباب على الناس‪ ،‬ولبست ثيابا خلقة‪ ،‬وأقبلت على العبادة‬
‫فكانت في عبادتها ما شاء اهلل تعالى‪ ،‬فقالت في نفسها‪ :‬إني لو انتهيت إلى ذلك الرجل لعله‬
‫يتزوجني‪ ،‬فأكون عنده وأتعلم منه أمر ديني‪ ،‬ويكون عونا لي على عبادة ربي‪ ،‬فتجهزت وحملت‬
‫معها من األموال والخدم ما شاء اهلل‪ ،‬وانتهت إلى تلك القرية وسألت عنه‪ ،‬فأخبروا العابد أنه‬
‫قدمت امرأة تسأل عنك‪ ،‬فخرج العابد إليها‪ ،‬فلما رأته المرأة كشفت عن وجهها كي يعرفها‬
‫فلما رآها العابد وعرف وجهها‪ ،‬وتذكر األمر الذي كان بينه وبينها صاح صيحة فخرجت روحه‪،‬‬
‫فبقيت المرأة حزينة‪ ،‬وقالت في نفسها إني خرجت ألجله‪ ،‬وقد مات‪ .‬فقالت ألهل تلك القرية‪:‬‬
‫له أحد من أقربائه يحتاج إلى امرأة فقالوا لها‪ :‬لهذا الرجل أخ صالح لكنه معسر ال مال له‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬ال بأس به فإن لي ماالً يكفينا فجاء أخوه فتزوج بها فولدت له سبعا من البنين كلهم‬
‫صاروا أنبياء في بني إسرائيل وهذا ببركة الصدق والطاعة وحسن النية‪.‬‬

‫{الباب الرابع والعشرون‪ :‬في فضيلة الفقر}‬


‫قال الغزالي‪ :‬الفقر عبارة عن فقد ما هو محتاج إليه أما فقد ما ال حاجة إليه‪ ،‬فال يسمى‬
‫فقرا وإن كان المحتاج إليه موجودا مقدورا عليه لم يكن المحتاج فقيرا‬
‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال َف ْق ُر) الذي ال يؤدي إلى احتياج الناس (أَ ْزيَ ُن َعلَى‬
‫ِ ِ ِ‬
‫س) رواه الطبراني عن شداد بن أوس والبيهقي عن سعد‬ ‫س ِن َعلَى َخ ِّد ال َف َر ِ‬ ‫الم ْؤم ِن م َن الع َذا ِر َ‬
‫الح َ‬ ‫ُ‬
‫بن مسعود بإسناد ضعيف‬
‫َّاس َوَزيْ ٌن ِع ْن َد اهلل يَ ْو َم‬
‫َش ْي ٌن) أي عيب وقبح ( ِع ْن َد الن ِ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال َف ْق ُر‬
‫رواه الديلمي عن أنس‪ ،‬وإسناده ضعيف‪ ،‬وفي الخبر‬ ‫القيَ َام ِة) أي لسالمة صاحبه في الدارين‬
‫ِ‬
‫آخر األنبياء دخوال الجنة سليمان بن داود عليهما السالم لمكان ملكه‪ ،‬وآخر أصحابي دخوالً‬
‫الجنة عبد الرحمن بن عوف ألجل غناه‪.‬‬
‫ض ال ُف َق َر ِاء ِم ْن أَ ْخالَ ِق‬ ‫ِ‬ ‫ب ال ُف َقر ِاء ِمن أَ ْخ ِ‬
‫الق األَنْبِيَاء َوبُغْ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ُ :‬ح ُّ‬
‫اعنَ ِة) أي العتاة وهو بفتح الفاء والراء وكسر العين جمع فرعون فالفراعنة‪ .‬ثالثة‪ :‬فرعون‬ ‫ال َفر ِ‬
‫َ‬
‫الخليل واسمه سنان‪ ،‬وفرعون يوسف واسمه الريان بن الوليد‪ ،‬وفرعون موسى واسمه الوليد بن‬
‫مصعب كذا في المصباح‬
‫ساكِي ِن َوال ُف َق َر ِاء‬
‫الم َ‬
‫ب َ‬ ‫الجن َِّة ُح ُّ‬
‫اح َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬لِ ُك ِّل َشي ٍء ِم ْفت ِ‬
‫اح َوم ْفتَ ُ‬
‫ْ ٌَ‬
‫القيَ َامةِ) رواه أبو بكر بن الل عن عمر بن الخطاب‪ .‬وقال‬ ‫لِصب ِرِهم ُهم جلَساء اهلل تَعالى ي وم ِ‬
‫َ َْ َ‬ ‫َْ ْ ْ ُ َ ُ‬
‫يحيى بن معاذ حبك الفقراء من أخالق المرسلين‪ ،‬وإيثارك مجالستهم من عالمات الصالحين‪،‬‬
‫إن اهلل تَ َعالى يُ ِح ُّ‬
‫ب َع ْب َدهُ‬ ‫وفرارك من صحبتهم من عالمة المنافقين (وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫ف) أي المنكف عن الحرام والسؤال عن الناس‪ ،‬وقال المناوي أي المبالغ‬ ‫المتَ ِّ‬
‫عف َ‬ ‫ِ‬
‫قير ُ‬
‫الم ْؤم َن ال َف َ‬
‫ُ‬
‫ال) أي صاحب العيال‬ ‫في العفة مع وجود الحاجة لطموح بصيرته عن الخلق إن الخالق (أَبَا العِيَ ِ‬
‫رواه ابن ماجه عن عمران بن حصين‪ .‬قال المناوي‪ :‬وفي هذا الحديث إشعار بأنه يندب للفقير‬
‫إظهار التعفف‪ ،‬وعدم الشكوى‪.‬‬
‫(تنبيه) الفقر فقران‪ :‬فقر مثوبة‪ ،‬وفقر عقوبة‪ ،‬وعالمة األول أن يحسن خلقه‪ ،‬ويطيع ربه‪،‬‬
‫وال يشكو‪ ،‬ويشكر اهلل على فقره‪ ،‬والثاني أن يسيء خلقه ويعصي ويشكو ويتسخط‪ ،‬والذي‬
‫يحبه اهلل األول دون الثاني كذا أفاد العزيزي‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال َف ْق ُر أ ََمانَةٌ فَ َم ْن َكتَ َمهُ َكان) أي كتمه ( ِعبَ َ‬
‫ادةً َوَم ْن باح ِبه) أي‬
‫ِِ‬
‫ين) أي قدرهم كلفة التوسعة عليه رواه ابن عساكر عن عمر‬ ‫أظهره (فَ َق ْد قَ لَّد إخوانَهُ ُ‬
‫الم ْسلم َ‬
‫بإسناد ضعيف‪ .‬وفي هذا الحديث ندب كتمان الفقر ما لم يضطر كذا قاله العزيزي‬
‫الضعفاء ِم ْن َّأمتي) وفي رواية‬ ‫ِ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬طُوبى) أي الجنة (لِلْ ُفقر ِاء و‬
‫ف قَانِ ٌع‬ ‫ور ذُو ٍ‬
‫عيال ُمتَ َع ِّف ٌ‬ ‫َصبَ َح غَا ِزيا َر ُج ٌل َم ْستُ ٌ‬‫بات َحاجا َوأ ْ‬ ‫الديلمي عن أبي هريرة طُوبَى لِ َم ْن َ‬
‫ضاحكا فوالذي نَ ْفسي بِيَ ِدهِ إنَّ ُه ْم ُه ُم‬ ‫الدنْيا ي ْد ُخل علَي ِهم َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ج َع ْن ُه ْم َ‬ ‫ضاحكا‪ ،‬ويَ ْخ ُر ُ‬ ‫باليسي ِر م َن ُّ َ َ ُ َ ْ ْ‬
‫ازو َن في َسبِيل اهلل‪ ،‬والمعنى الخير الكثير لمن تابع بين حجه وغزوه كلما فرغ من‬ ‫الحاجون الغَ ُ‬
‫ُّ‬
‫َّاس ذُو ِع ٍ‬
‫يال‬ ‫ور بَ ْي َن الن ِ‬
‫أحدهما شرع في اآلخر قالوا‪ :‬ومن هذا يا رسول اهلل؟ قال‪َ « :‬ر ُج ٌل َم ْستُ ٌ‬
‫احكا‬ ‫ضِ‬‫الدنْيَا يَ ْد ُخ ُل َعلَى ِعيَالِ ِه َ‬ ‫ليل ِم َن ُّ‬ ‫راض بال َق ِ‬ ‫َّاس‪َ ،‬و َع َّما الَ يَ ِح ُّل ٍ‬
‫ف َع ْن ُس َؤ ِال الن ِ‬‫ُم ْن َك ٌّ‬
‫ص ِ‬ ‫ِ‬ ‫وي ْخرج ِمن ِع ْن ِد ِهم َ ِ‬
‫الص ِ‬
‫فات ُه ُم‬ ‫َّصفين ٰبهذه ِّ‬‫إن المت َ‬ ‫ريفه َّ‬ ‫ضاحكا‪ ،‬فواهلل الذي روحي ب ُق ْد َرت ِه َوتَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ََ ُ ُ ْ‬
‫أشار صلى اهلل عليه وسلم بهذا الحديث إلى فضل القناعة‬ ‫بيل اهلل»‪َ .‬‬ ‫ازون في َس ِ‬ ‫الحاجون الغَ ُ‬
‫ّ‬
‫والسعي على العيال‬
‫امات اهلل) تعالى‬‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال َف ْقر َكرامةٌ ِمن َكر ِ‬
‫ُ ََ ْ َ‬
‫ضلِي َعلى َجمي ِع َخل ِْق اهلل تَ َعالى)‪.‬‬ ‫ضل ِ‬
‫الفقير َعلَى الغَنِ ِّي َك َف ْ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬فَ ْ ُ‬
‫ب العِ ِ‬
‫باد إلى اهلل‬ ‫َح ُّ‬ ‫وروي عن علي كرم اهلل وجهه عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪« :‬أ َ‬
‫تَ َعالى ال َف ِق ُير ال َقانِ ُع بِ ِرْزقِ ِه الراضي َع ِن اهلل تَ َعالى»‬
‫عط ِيه اهلل ِمثْ ُل ال َف ْق ِر) وأوحى اهلل تعالى إلى إسماعيل‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬الَ َشيء ي ِ‬
‫َْ ُ‬
‫عليه السالم‪ :‬اطلبني عند المنكسرة قلوبهم قال‪ :‬ومن هم؟ قال‪ :‬الفقراء الصادقون‪ .‬وقال صلى‬
‫ضل ِمن ال َف ِقير إذا َكا َن ر ِ‬
‫اضيا»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َح َد أَفْ َ ُ َ‬
‫اهلل عليه وسلم‪« :‬ال أ َ‬

‫{الباب الخامس والعشرون‪ :‬في فضيلة النكاح}‬


‫س ِمنَّا» وهذا ذم لعلة‬ ‫ِ‬
‫الع ْي لَة فَ ْلي َ‬
‫يج َم َخافَةَ َ‬‫قال صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن تَ َر َك الت َّْز ِو َ‬
‫االمتناع ال ألصل الترك كذا في اإلحياء‬
‫والول ُد َر ْح َمةٌ فَأَ ْكرموا ْأوالَ َد ُك ْم َّ‬
‫فإن َك َر َامةَ‬ ‫ويج بَ َركةٌ َ‬
‫(قال النبي عليه الصالة والسالم‪ :‬الت َّْز ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ب) بكسر الغين‬ ‫اح ُسنَّتي) أي طريقتي (فَم ْن َرغ َ‬
‫ِ‬
‫ادةٌ‪ .‬وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬النِّ َك ُ‬ ‫األوالد ِعبَ َ‬
‫ِ‬
‫( َع ْن ُسنَّتِي) أي من لم يردها (فليس مني) أي فليس على منهاجي‪ .‬ومادة رغب إذا تعدى بفي‬
‫فمعناه أراد‪ ،‬وإذا تعدى بعن فمعناه لم يرد كما هنا‬
‫ت) رواه‬ ‫اد الب ْي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سُ َ‬ ‫الح البَ ْيت واإلماءُ فَ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫الح َرائ ُر) جمع حرة ( َ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم َ‬
‫الديلمي والثعلبي عن أبي هريرة وضعفه السخاوي قال المناوي‪ :‬ألن اإلماء متبذالت وال خشية‬
‫لهن على عروضهن‪ ،‬وال خير لهن بإقامة نظام البيت غالبا‬
‫اد أ ْن ي لْ َقى اهلل طَ ِ‬
‫اهرا ُمطَهَّرا) أي من األدناس المعنوية‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن َأر َ َ‬
‫الحرائَِر) رواه ابن ماجه عن أنس بن مالك ومعنى الطهارة هنا السالمة من اآلثام‬ ‫(فَ لْيَتَ َزَّو ِج َ‬
‫ِ‬
‫اإلماء الكتفاء النفس بهن عن‬ ‫سري‬
‫المتعلقة بالفروج‪ ،‬ألن تزوج الحرائر أعون على العفاف من تَ ِّ‬
‫طلب اإلماء غالبا بخالف العكس‬
‫اح) أي التزوج‪ ،‬فإنه جالب للبركة جار‬ ‫الرْز َق بالنِّ َك ِ‬
‫سوا ِّ‬ ‫ِ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬التَم ُ‬
‫للرزق إذا صلحت النية رواه الديلمي عن ابن عباس‪ ،‬وفي رواية للبزار تزوجوا يأتينكم باألموال‪،‬‬
‫وفي لفظ الرزق يزداد بالنكاح‬
‫ادةِ) رواه أبو يعلى عن أنس‬ ‫ف العِبَ َ‬ ‫ص َ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن تَ َزَّو َج فَ َق ْد أُ ْعطي نِ ْ‬
‫بن مالك‪ .‬وهذا حديث متروك وهو ما تفرد بروايته واحد وأجمع على ضعفه‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم ِش َر ُارُك ْم) أي بعض شراركم ( ُع َّزابُ ُكم) روه أبو يعلى والطبراني‬
‫وابن عدي عن أبي هريرة‪ ،‬وذلك ألنهم ليس لهم أفراط يهيئون لهم ما يحتاجون إليه في‬
‫اب‬ ‫الخب ر أَر ِاذ ُل ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫األم َوات ُع َّز ُ‬ ‫اء َ َ ْ َ‬ ‫اآلخرة‪ ،‬وقد نظم ذلك ابن العماد فقال‪ :‬ش َر ُارُك ْم ُع َّزابُ ُك ْم َج َ‬
‫ش ْر‬
‫البَ َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ِ :‬ش َر ُارُك ْم ُع َّزابُ ُك ْم َوأ ََر ِاذ ُل َم ْوتَا ُك ْم ُع َّزابُ ُك ْم) رواه اإلمام أحمد عن‬
‫عطية بن بسر بضم الموحدة وسكون المهملة‬
‫ان ِم ْن ُمتَأ َّه ٍل) أي متخذ أهالً أي زوجة‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ِ :‬شرارُكم ُع َّزاب ُكم رْكعتَ ِ‬
‫َُ ْ ُ ْ ََ‬
‫ين َرْك َعةً ِم ْن غَْير ُمتَأ َِّه ٍل) رواه ابن عدي عن أبي هريرة وهذا حديث يحتمل أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫( َخ ْي ٌر م ْن َس ْبع َ‬
‫المراد به الترغيب في التزويج ال الحقيقة كذا أفاده العزيزي‬
‫ص َدقَةٌ) أي إن نواها في الكل‬
‫ك َ‬
‫ك فَ ُه َو لَ َ‬
‫وجتَ َ‬
‫ت َز َ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬ما أط َْع ْم َ‬
‫كما قيده صلى اهلل عليه وسلم في الخبر الصحيح بقوله يحتسبها صدقة رواه أحمد والطبراني‬
‫عن المقدام بن معدي كرب بإسناد صحيح‪ ،‬وفي رواية دينار أنفقته في سبيل اهلل‪ ،‬أي في مؤن‬
‫الغزو أ و سبيل الخير ودينار أنفقته في رقبة‪ ،‬أي في إعتاقها‪ ،‬ودينار تصدقت به على مسكين‪،‬‬
‫ودينار أنفقته على أهلك‪ ،‬أي نفقة واجبة أو مندوبة أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك‪ ،‬أي‬
‫لما فيه من صلة الرحم رواه مسلم عن أبي هريرة‪ .‬قال القاضي البيضاوي‪ :‬دينار مبتدأ وأنفقته‬
‫صفة‪ ،‬وجملة أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك خبر‪.‬‬

‫{الباب السادس والعشرون‪ :‬في التشديد على الزنى}‬


‫اء َسبِيالً} [اإلسراء‪]23 :‬‬ ‫الزنَى إنَّه َكا َن فَ ِ‬
‫شةً َو َس َ‬‫اح َ‬ ‫قال اهلل تعالى‪َ { :‬والَ تَ ْق َربُوا ِّ ُ‬
‫ث ال َف ْق َر) أي يقل بركة الرزق رواه القضاعي‬‫الزنَى يُوِر ُ‬
‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ِّ :‬‬
‫والبيهقي عن ابن عمر بن الخطاب‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم) ِزنَى العينين بصيغة المثنى (النَّظَ ُر) أي النظر إلى ما ال يحل‬
‫يجر إلى الزنى رواه ابن سعد والطبراني وأبو نعيم عن علقمة بن الحويرث‬
‫ات) أي الالتي يحل للرجل الناظر‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬النَّظَر إلى النِّس ِاء األَ ْجنَبِيَّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫نكاحهن ( ِم َن ال َكبَائِ ِر) أي إذا وجدت الشهوة وخيف الفتنة‪ ،‬أي ميل القلب إليهن وإال‬
‫فمقدمات الزنى ليست كبائر كما في الزواجر‬
‫الم ْش ُي) أي إلى محال المعاصي ( َوِزنَى اليَ َديْ ِن‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ِ :‬زنَى ِّ‬
‫الر ْجلَْي ِن َ‬
‫الع ْي نَ ْي ِن النَّظَ ُر) أي إلى ما ال يحل‬ ‫ْش َوِزنَى َ‬ ‫البَط ُ‬
‫ط َع َم َل‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم َزنْيةٌ) بفتح الزاي وسكون النون وهو للمرة ( ِ‬
‫واح َدةٌ تُ ْحبِ ُ‬ ‫َ‬
‫ين َسنَةً) وروى ابن حبان في صحيحه أنه صلى اهلل عليه وسلم قال‪ :‬تَ َعبَّ َد َعابِ ٌد ِم ْن بَنِي‬ ‫ِ‬
‫َس ْبع َ‬
‫ب ِم ْن‬ ‫ت فَأ ْشر َ ِ‬
‫ف الراه ُ‬ ‫َ‬ ‫ض َّر ْ‬ ‫ض فَا ْخ َ‬‫ت األَ ْر ُ‬ ‫إسرائِيل فَ عب َد اهلل في صومعتِ ِه ِستِّين عاما‪ ،‬فأ َْمطَر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ََ‬ ‫ْ َ َ ََ‬
‫يف أ َْو َر ِغيفان‪ ،‬فَ بَ ْي نَ َما ُه َو في‬ ‫ت َخ ْيرا‪ ،‬فَ نَ َز َل َوَم َعهُ َر ِغ ٌ‬‫ازد ْد َ‬
‫ت فَ َ‬ ‫ص ْوَم َعتِ ِه فقال‪ :‬لَْو نَ َزل َ‬
‫ْت‪ ،‬فَ َذ َك َر َ‬ ‫َ‬
‫أغم َي َعلَْي ِه فَ نَ َز َل الغَ ِد َير لِيَ ْستَ ِح َّم‬
‫يها‪ ،‬ثُ َّم ِ‬ ‫ِ‬ ‫األَر ِ ِِ‬
‫ض لقيتهُ ْام َرأةٌ فَ لَ ْم يَ َزل يُ َكلِّ ُم َها َوتُ َكلِّ ُمهُ َحتّى غَش َ‬ ‫ْ‬
‫الزنْيَ ِة‪،‬‬
‫ْك َّ‬ ‫تين َسنَةً بِتِل َ‬ ‫ت ِعب َ ِ‬ ‫الرغي َفيْ ِن‪ ،‬ثُ َّم َم َ‬ ‫اء َسائِ ٌل فَأ َْوَمأَ إلَْي ِه أَ ْن يأ ُ‬
‫ادةُ س َ‬ ‫ات فَ ُوزنَ ْ َ‬ ‫ْخ َذ َّ‬ ‫فَ َج َ‬
‫ت َح َسنَاتُه‪ ،‬فَ غُِف َر لَهُ‬ ‫سنَاتِ ِه‪ ،‬فَ َر َج َح ْ‬ ‫يف أو َّ ِ ِ‬ ‫ضع َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الزنْيةُ بِح ِ ِ‬
‫الرغي َفان َم َع َح َ‬ ‫الرغ ُ ْ‬ ‫سناته‪ ،‬ثُ َّم ُو َ‬ ‫ت َّ َ َ َ‬ ‫فَ َر َج َح ْ‬
‫كذا في الزواجر‬
‫الشر ِك) أي الكفر (أَ ْعظُم ِع ْن َد اهلل ِمن نُطْ َفةٍ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬ما ِم ْن ذَنْ ٍ‬
‫ْ‬ ‫ب بَ ْع َد ِّ ْ‬
‫حل لَهُ) رواه ابن أبي الدنيا عن الهيثم بن مالك الطائي وقضية هذا‬ ‫ض َعها َر ُج ٌل فِي َرِح ٍم ال يَ ُّ‬
‫َو َ‬
‫الحديث أن الزنى أكبر الكبائر بعد الكفر‪ ،‬لكن في أحاديث أصح من هذا أن أكبرها بعد القتل‬
‫كذا أفاده العزيزي‬
‫الزانِي) وقال صلى‬ ‫ص ْي َحةٌ ِم ْن نَتَ ِن َر ِ‬
‫يح فَ ْر ِج َّ‬ ‫إن ألَ ْه ِل النَّا ِر َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫وه ُهم نارا‬ ‫الزنَاةُ تَ ْشتَعِ ُل ُو ُج ُ‬
‫إن ِّ‬‫اهلل عليه وسلم في رواية الطبراني‪َّ :‬‬
‫والزنى ال يج ِ‬
‫تمعان)‪.‬‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم الغنِي ِّ‬
‫َْ‬
‫ث الغَنَى) أي يكثر الرزق (وقال عليه الصالة‬ ‫الزنى يُوِر ُ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬تَ ْر ُك ِّ‬
‫بحيطان َدا ِرهِ) رواه ابن النجار‬
‫ِ‬ ‫والسالم‪َ :‬م ْن َزنَى) بالبناء للفاعل ( ُزنِ َي بِ ِه) بالبناء للمفعول ( َولَْو‬
‫عن أنس بن مالك‪ .‬قال المناوي‪ :‬وهذا إشارة إلى أن من عقوبة الزاني ما ال بد أن يعجل في‬
‫الدنيا‪ ،‬وهو أن يقع في الزنى في بعض أهل داره حتما مقضيا اه ‪.‬‬
‫وقد حكي أنه قيل لبعض الملوك‪ :‬إ ّن من زنى أو فعل شيئا من مقدمات الزنى يقتص مثله‬
‫من ذريته‪ ،‬فأراد الملك أن يجرب ذلك في بنته‪ ،‬وكانت في غاية الحسن والجمال‪ ،‬فتركها مع‬
‫امرأة فقيرة‪ ،‬وهي مزينة ومعها من أنواع الحلي والحلل‪ ،‬وأمرها أن ال تمنع أحدا أراد التعرض لها‬
‫بأي شيء‪ ،‬وأمرها بكشف وجهها‪ ،‬وأن تطوف بها األسواق‪ ،‬فامتثلت المرأة‪ ،‬فما مرت بها على‬
‫أحد إال وأطرق منها حياء وخجالً‪ ،‬ولم يمد أحد نظره إليها‪ ،‬فلما قربت بها المرأة إلى دار‬
‫الملك وأرادت الدخول بها أمسكها إنسان فقبلها ثم ذهب عنها‪ ،‬فدخلت على أبيها فسألها‬
‫عما وقع‪ ،‬فذكرت له القصة بتمامها‪ ،‬فسجد شكرا هلل تعالى وقال‪ :‬الحمد هلل ما وقع مني في‬
‫عمري إال قبلة واحدة في امرأة واحدة‪ ،‬فقد قصصت بها من ابنتي كذا في الجواهر‬
‫للسمرقندي‪.‬‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن َزنَى بامرأةٍ) أي مسلمة أو كافرة حرة أو أمة (فَتَ َح اهلل َعلَْي ِه‬
‫القيَ َام ِة) وعنه‬ ‫ات إلى ي وِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫واب ِم َن النَّا ِر يَ ْخ ُر ِج ِم ْن تِل َ‬
‫في قَب ِرهِ ثمانية أبْ ٍ‬
‫َْ‬ ‫ب َو َحيَّ ٌ‬ ‫األبواب َع َقا ِر ُ‬ ‫ْك‬
‫ْس ُع تَا ِر َك‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫واد فِ ِيه َحيَّ ٌ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪« :‬في جهنَّم ٍ‬
‫ات ُك ُّل َحيَّة ثُ ُخ ُن َرقَبَة ٱلبَعير تَل َ‬ ‫ََ‬
‫ب‬ ‫اس ُمهُ ُج ُّ‬ ‫ِ‬ ‫حمهُ َّ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫وإن في َج َهنَّم َواديا ْ‬ ‫هرى لَ ُ‬ ‫ين َسنَةً ثُ َّم يَتَ َّ‬‫الصالَة فَ يَ غْلي َس ّم َها في ج ْسمه َس ْبع َ‬
‫ب ِم ْن ها بَِق ْد ِر ٱلْب غْ ِل لَها سب عو َن َشوَكةً فِي ُك ِّل َشو ٍ‬ ‫زن فِ ِيه َحيَّ ٌ‬
‫الْح ِ‬
‫سم‬
‫كة راويةُ ٍّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َْ ُ‬ ‫ب ُك ُّل َع ْق َر ٍ َ‬ ‫ات َوع َقا ِر ُ‬ ‫ُ‬
‫يل ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫هرى لَ ْحمهُ َويَس ُ‬ ‫ْف َسنَ ٍة ثُ َّم يَتَ َّ‬‫الزانِي َوتُف ِرغُ َس َّم َها فِي ِج ْس ِم ِه يَ ِج ُد َم َر َارَة َو َجعِ َها أل َ‬‫ض ِرب َّ‬ ‫تَ ْ‬
‫سائِ ُك ْم‬ ‫اح َ ِ ِ‬ ‫والص ِدي ُد» كذا في الزواجر قال اهلل تعالى‪{ :‬والالَّتي يأتين ال َف ِ‬ ‫فَ ْرِج ِه ال َق ْي ُح َّ‬
‫شةَ م ْن ن َ‬ ‫َ َ‬
‫فاستَ ْش ِه ُدوا َعلَْي ِه َّن أ َْربَ َعةً ِم ْن ُك ْم} [النساء‪ ]52 :‬وقال اهلل تعالى‪{ :‬واللَّ َذا َن يَأتيانِها ِم ْن ُك ْم‬
‫ْ‬
‫إن اهلل َكا َن تَ َّوابا َرِحيما} [النساء‪ ]42 :‬قال أبو‬ ‫َصلَ َحا فَأَ ْع ِرضوا َعنْ ُه َما َّ‬
‫آذوه َما فإ ْن تَابَا َوأ ْ‬
‫فَ ُ‬
‫الليث السمرقندي في الجواهر‪ ،‬فإن لم يؤخذ الحد منهما في الدنيا أخذ في اآلخرة بسياط من‬
‫نار بين الخالئق في الموقف‪.‬‬

‫{قصة سيدنا أبي شحمة}‬


‫قال‪ :‬حدثنا عبد العزيز الحجاج الخوالني عن صفوان عن ابن عباس أنه قال‪ :‬كان لعمر بن‬
‫الخطاب رضي اهلل عنه ولدان‪ :‬الواحد اسمه عبد اهلل‪ ،‬واآلخر اسمه عبيد اهلل‪ ،‬ويكنى بأبي‬
‫شحمة‪ ،‬وكان أبو شحمة مواظبا لكتاب اهلل وقراءته‪ ،‬وتشبه قراءته قراءة رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فمرض ذات عام مرضا شديدا حتى أشرف على الموت‪ ،‬ثم بعد ذلك عافاه اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬فلما كان ذات يوم وجد الراحة في نفسه‪ ،‬فمر ذلك اليوم بدار اليهود واستضاف‬
‫عندهم‪ ،‬فأسقوه نبيذ التمر فشرب حتى طابت نفسه‪ ،‬فخرج من عندهم فمر بحائط بني‬
‫النجار‪ ،‬فوجد امرأة نائمة فراودها عن نفسها‪ ،‬فامتنعت ولم تقدر على ذلك االمتناع‪ ،‬فلما قضى‬
‫منها ما قضى تعلقت بأطواقه‪ ،‬ومزقت عليه أثوابه‪ ،‬وشتمته وصبرت على ما قد نزل بها فتربصت‬
‫أربعة أشهر فظهر حملها‪ ،‬فتربصت تسعة أشهر‪ ،‬فولدت غالما فلما أن انقطعت عنها أوجاعها‬
‫أخذت الولد‪ ،‬وأقبلت به إلى مسجد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وكان يومئذ عمر بن‬
‫الخطاب رضي اهلل عنه أمير المؤمنين يحكم بين الناس‪ ،‬فتقدمت إليه‪ ،‬ووضعت الولد بين يديه‪،‬‬
‫ثم قالت له‪ :‬يا أمير المؤمنين خذ هذا الولد فأنت أحق به مني فقال لها‪ :‬يا جارية كيف يكون‬
‫هذا ولدك وأنت والدته‪ ،‬وأكون أنا أحق به منك؟ فقالت له‪ :‬يا أمير المؤمنين هو من ولدك‪،‬‬
‫فقال لها‪ :‬وأي ولدي؟ فقالت‪ :‬من ولدك أبي شحمة‪ .‬فقال لها‪ :‬يا جارية أحالل أم حرام؟‬
‫فقالت‪ :‬يا أمير المؤمنين واهلل من قبلي حالل‪ ،‬ومن قبله حرام‪ .‬فقال‪ :‬وكيف ذلك؟ قالت‪:‬‬
‫خرجت من منزلي ذات يوم إلى حائط بني النجار أجتني البقل‪ ،‬فأدركني المساء‪ ،‬فنمت في‬
‫ذلك المكان‪ ،‬فمر علي ولدك أبو شحمة‪ ،‬وهو سكران فراودني عن نفسي‪ ،‬فامتنعت منه‪ ،‬ولم‬
‫أقدر على ذلك‪ ،‬فلما قضى مني ما قضى تعلقت بأطواقه‪ ،‬ومزقت عليه أثوابه‪ ،‬وانصرفت إلى‬
‫منزلي صابرة لما قد نزل بي‪ ،‬فانتظرت حيضي‪ ،‬فلم أحض‪ ،‬فتعجبت من ذلك‪ ،‬فتربصت تسعة‬
‫أشهر‪ ،‬فوضعت هذا الغالم‪ ،‬فخذه فأنت أحق به مني‪ ،‬فإني قد اخترت فضيحة الدنيا على‬
‫فضيحة اآلخرة‪ ،‬فبكى عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه حتى بل لحيته بالدموع وقال‪ :‬وافضيحة‬
‫عمر بن الخطاب غدا يوم القيامة بين يدي اهلل تعالى‪ ،‬ثم قال لها‪ :‬يا جارية اصدقيني الصحيح‪،‬‬
‫فإن صدقتني فأنا أنصفك‪ .‬فقالت‪ :‬وما تريد مني يا عمر واهلل ما كذبت عليك فيما قلت‪ ،‬وإني‬
‫صادقة غير كاذبة‪ ،‬وإن شئت حلفت بالمصحف ورقة ورقة‪ ،‬فأحضر لها عمر كتاب اهلل عز‬
‫وجل‪ ،‬فحلفت من سورة البقرة إلى سورة يس وقالت‪ :‬يا أمير المؤمنين إن هذا الولد من ولدك‬
‫أبي شحمة‪ ،‬فلما وصلت إلى سورة يس قال عمر بن الخطاب‪ :‬يا جارية فأنت واهلل صادقة غير‬
‫كاذبة‪ ،‬ثم إنه وثب قائما على قدميه وقال‪ :‬يا أصحاب رسول اهلل دوموا على ما أنتم عليه حتى‬
‫أعود إليكم‪ ،‬فغاب ساعة‪ ،‬وقد أتى‪ ،‬وفي يده ثالثون دينارا وعشرة أثواب فقال‪ :‬يا جارية خذي‬
‫هذه الثالثين دينارا وعشرة أثواب‪ ،‬واستحلّي من ولدي أبي شحمة في هذه الدنيا‪ ،‬وإن كان لك‬
‫قبله شيء فتأخذيه منه في الموقف بين يدي اهلل تعالى‪ ،‬فأخذت الجارية ذلك وولدها‬
‫وانصرفت‪ ،‬ثم قال عمر‪ :‬دوموا على ما أنتم عليه يا أصحاب رسول اهلل حتى أرجع إليكم‪ ،‬ثم‬
‫دخل إلى منزله‪ ،‬وجعل يطوف حول ولده أبي شحمة‪ ،‬فإذ هو جالس يتغدى فقال له‪ :‬السالم‬
‫عليك يا ولدي‪ .‬فقال‪ :‬وعليك السالم اد ُن مني وتغد معي‪ .‬قال عمر‪ :‬تغد يا ولدي ما أظن إال‬
‫أنه آخر زادك من الدنيا‪ .‬فقال‪ :‬يا أبت ومن أعلمك بذلك وقد قبض رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وقد انقطع الوحي من السماء وال وحي بعد رسول اهلل‪ .‬قال عمر‪ :‬ما علمت بذلك‪،‬‬
‫ولكن يا ولدي من ذنوب ارتكبتها ومعاص عصيتها فقال‪ :‬واهلل ما عصيت معصية‪ ،‬وال أذنبت‬
‫ذنبا‪ ،‬فإن كان قد بلغك أحد فاسألني عنه‪ ،‬فإني ال أكتم عنك شيئا فقال‪ :‬يا بني سألتك بالذي‬
‫يرى وال يرى‪ ،‬وهو بالمنظر األعلى هل مررت يوما من األيام بمسكنة اليهود واستضفت‬
‫عندهم‪ ،‬فسقوك خمرا من تمر فشربت حتى طابت نفسك‪ ،‬ثم خرجت من عندهم‪ ،‬فمررت‬
‫بحائط بني النجار‪ ،‬فرأيت امرأة نائمة فراودتها عن نفسها‪ ،‬وامتنعت فلم تقدر على ذلك‪ ،‬فلما‬
‫قضيت منها ما قضيت تعلقت بأطواقك‪ ،‬ومزقت عليك ثيابك وشتمتك‪ ،‬وانصرفت إلى منزلها‬
‫فلما سمع أبو شحمة كالم أمير المؤمنين أطرق رأسه حياء من أبيه‪ ،‬وجعل ال يرد جوابا وال‬
‫خطابا فقال‪ :‬يا بني تكلم‪ ،‬فإن صدقت فقد نجوت‪ ،‬وإن كذبت هكلت‪ .‬فقال‪ :‬يا أبت كان‬
‫ذلك مني‪ ،‬ولكن ندمت غاية الندم‪ .‬فقال‪ :‬يا بني ما ينفعك الندم بعد الخسران‪ ،‬وإنما أنت ابن‬
‫أمير المؤمنين ما يستطيع أحد أن يقول لك شيئا‪ ،‬وإنما أردت أن تفضحني بين أصحاب النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ثم إن أمير المؤمنين وثب قائما على قدميه‪ ،‬وقبض على يد أبي شحمة‬
‫فقال له‪ :‬أين تريد مني يا أبت وإلى أين تذهب بي؟ فقال‪ :‬إلى أصحاب رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم آخذ حق اهلل منك في الدنيا قبل أن يؤخذ منك في اآلخرة‪ .‬فقال‪ :‬سألتك باهلل يا‬
‫أبت خذ الحق مني في هذا المكان‪ ،‬وال تفضحني بين أصحاب النبي صلى اهلل عليه وسلم‬
‫فقال‪ :‬يا بني أنت فضحت نفسك‪ ،‬وفضحت أباك ثم لم يزل يمشي به حتى أوقفه على‬
‫أصحاب رسول اهلل فقالوا له‪ :‬ما وراءك يا عمر؟ فقال‪ :‬يا معشر المسلمين أال وإن ولدي أبا‬
‫شحمة قد اعترف بذنبه‪ ،‬وإن الجارية الصادقة غير كاذبة‪ ،‬ثم إن أمير المؤمنين دعا بغالم يقال‬
‫له مفلح فقال‪ :‬يا مفلح قد أفلح اليوم من استعلى اجلده يا مفلح‪ ،‬وأنت حر لوجه اهلل تعالى‬
‫فقال‪ :‬يا موالي وكيف أجلده ولو جلدت بعيرا لقتلته أو حائطا لهدمته؟ فقال له‪ :‬دع عنك‬
‫الكالم وخذ السوط بيدك واضربه على ظهره حتى يدخل الوجع إلى جوفه فإن مات فبأجله‪،‬‬
‫وإن عاش ف ال يعود إلى الذنب أبدا‪ ،‬فأخذ مفلح السوط بيده‪ ،‬وتقدم إلى أبي شحمة وقال يا‬
‫موالي‪ :‬ال تلمني ولم نفسك اهلل قد أمر وموالي عمر أمرني أن أضربك فقال له أبو شحمة‪:‬‬
‫افعل يا مفلح ما تؤمر وناد هذا جزاء من عصى ربه‪ ،‬واستحقر ذنبه‪ ،‬ثم إن مفلحا رفع يده‬
‫بالسوط حتى بان بياض إبطه وجلده عشرة اسياط‪ .‬فقال‪ :‬يا أبت اشتعلت النار في جسدي‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا بني إنها في جسد أبيك أحر ما في جسدك اضربه يا مفلح‪ ،‬فضربه عشرين جلدة‬
‫فقال‪ :‬يا أبت دعني أستريح‪ .‬فقال‪ :‬يا بني لو أن أهل النار في النار إذا طلبوا الراحة وجدوا‬
‫الراحة ألرحناك اضربه يا مفلح‪ ،‬فضربه ثالثين ضربة‪ .‬فقال‪ :‬يا أبت سألتك باهلل دعني أتوب‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا بني إذا أخذت حق اهلل منك‪ ،‬فإن شئت فتب‪ ،‬وإن شئت فعد‪ ،‬فإن عدت إلى مثل‬
‫تلك الفاحشة‪ ،‬فلك مثل ذلك يا مفلح اجلده‪ ،‬فجلده أربعين جلدة فقال‪ :‬يا أبت سألتك باهلل‬
‫اسقني شربة من الماء أبرد بها حرا في كبدي‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني لو أن أهل العذاب في النار إذا‬
‫طلبوا البارد من الزالل يسقون لسقيناك اجلده يا مفلح‪ ،‬فجلده خمسين جلدة‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبت‬
‫سألتك باهلل ارحمني فقال‪ :‬يا بني إن رحمتك في الدنيا لم ترحم غدا في اآلخرة اجلده يا مفلح‪،‬‬
‫فجلده ستين جلدة فقال‪ :‬يا أبت سألتك باهلل ادن مني وعانقني أعانقك قبل الممات فقال‪ :‬يا‬
‫بني إن عشت عانقتك‪ ،‬وإن مت فنلتقي غدا على الصراط اجلده يا مفلح‪ ،‬فجلده سبعين جلدة‬
‫فقال‪ :‬يا أبت نزل بي الموت فقال‪ :‬يا بني إذا رأيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقل له‪ :‬إن‬
‫أبي عمر بن الخطاب ضربني حتى قتلني اجلده يا مفلح‪ ،‬فضربه ثمانين جلدة‪ ،‬ثم رفع أبو‬
‫شحمة رأسه ونادى بأعلى صوته يا أصحاب رسول اهلل لم ال تسألون أبي أن يعفو عني‪ ،‬فتقدموا‬
‫إلى عمر بن الخطاب وقالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين خل عن الغالم‪ ،‬وانظر ما بقي من السياط فقال‪:‬‬
‫تأخ ْذ ُك ْم بِ ِه َما‬
‫يا أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ألم تقرؤوا في كتاب اهلل العزيز‪َ { :‬والَ ُ‬
‫َرأْفَةٌ في ِدي ِن اهلل} [النور‪ ]2 :‬ثم قال اجلده يا مفلح‪ ،‬فجلده تسعين جلدة فرفع أبو شحمة‬
‫رأسه‪ ،‬ونادى بأعلى صوته السالم عليكم يا أصحاب رسول اهلل سالم مودع ال يرجع إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬فتباكى أصحاب رسول اهلل بكاء شديدا‪ .‬فقال عمر‪ :‬اضربه يا مفلح ما بقي من حق اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬فضربه مائة جلدة‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا مفلح ارفع السوط عن ولدي فحركه‪ ،‬فإذا هو قد مات‬
‫فوثب عمر قائما على قدميه ونادى معاشر المسلمين‪ ،‬أال وإن ولدي أبا شحمة قد مات‪ ،‬ورب‬
‫الكعبة فأقبلوا يهرعون من كل جانب ومكان حتى انقض المسجد بالناس‪ ،‬وأكثروا البكاء‬
‫وأقبلت أمه وهي تندب وتقول‪ :‬هنيئا لك يا ولدي استودعتك عند من ال تخيب عنده الودائع‪،‬‬
‫ثم إن عمر حمله إلى منزله وغسله وكفنه ودفنه‪.‬‬
‫قال ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ :‬فرأيت في منامي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهو‬
‫كالبدر في تمامه وعليه ثياب بيض‪ ،‬وأبو شحمة بين يديه وعليه ثياب خضر‪ ،‬فتقدمت إليه‬
‫صلى اهلل عليه وسلم وسلمت عليه وقبلت بين عينيه فقال لي‪ :‬يا ابن عمي أقرىء عمر عني‬
‫السالم وقل له يقول لك رسول اهلل جزاك اهلل عني كل خير كما لم تضيع حق اهلل من بعدي‬
‫هنيئا لك يا عمر‪ ،‬وما أعد اهلل لك من القصور والغرفات في جنات النعيم‪ ،‬وإن ولدك أبا شحمة‬
‫قد بلغ في مقعد صدق عند مليك مقتدر‪ ،‬وقال ابن عباس‪ :‬فاستيقظت من منامي وأنا فرح‬
‫مسرور لما قد عاينت من بهجة رسول اهلل فأحييت تلك الليلة بالقيام إلى الصباح‪ ،‬ثم جئت إلى‬
‫المسجد وكان عمر بن الخطاب يومئذ حوله جماعة من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وهو يحدثهم في كتاب اهلل‪ ،‬فلما فرغ قلت يا عمر لقد رأيت في منامي سيد األولين‬
‫واآلخرين رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهو كالبدر في تمامه وأبو شحمة بين يديه وعليه‬
‫ثياب خضر‪ ،‬فتقدمت إليه صلى اهلل عليه وسلم وسلمت عليه فقال لي‪ :‬يا ابن عم أقرىء عمر‬
‫عني السالم وقل له‪ :‬يقول لك رسول اهلل جزاك اهلل عني كل خير كما لم تضيع حق اهلل تعالى‬
‫من بعدي هنيئا لك يا عمر ما أعد اهلل لك من القصور والغرفات في جنات النعيم‪ ،‬وإن ولدك‬
‫أبا شحمة قد بلغ في مقعد صدق عند مليك مقتدر اه ‪.‬‬

‫{الباب السابع والعشرون‪ :‬في التشديد على اللواط}‬


‫صبِ ُحو َن في‬ ‫وفي الزواجر قال صلى اهلل عليه وسلم في رواية الطبراني والبيهقي‪« :‬أ َْربَ َعةٌ يُ ْ‬
‫شبِّ ُهو َن‬
‫المتَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ضِ‬
‫سو َن في َسخط اهلل» وقيل له‪ :‬من هم يا رسول اهلل؟ قال‪ُ « :‬‬ ‫ب اهلل تَ َعالى َويُ ْم ُ‬ ‫غَ َ‬
‫جال»‬
‫الر َ‬ ‫هيمةَ‪َ ،‬والَّ ِذي يأتي ِّ‬ ‫ِّساء بِ ِّ ِ َّ ِ ِ‬ ‫ات ِمن الن ِ‬ ‫جال بالن ِ‬ ‫ِم َن ِّ‬
‫الر ِ‬
‫الر َجال‪َ ،‬والذي يَأتي البَ َ‬ ‫شبِّ َه ُ َ‬
‫والمتَ َ‬
‫ِّساء‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫اه ‪.‬‬
‫ش ْه َوةٍ َع َّذبَهُ اهلل تَ َعالى في النَّا ِر) أي نار‬ ‫(قال النبي عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن قَبَّ َل غُالَما بِ َ‬
‫ْف َس ٍنة) وإن كان إبراهيم خليل اهلل وموسى كليم اهلل وعيسى روح اهلل‬ ‫جهنم (أَل َ‬
‫اللوط ُّي بِم ِاء البح ِر لَم يجىء ي وم ِ‬
‫القيَ َام ِة إال ُجنُبا‪.‬‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬لَ ِو اغْتسل ِ‬
‫َ َ ْ ْ َ ْ َْ َ‬ ‫َََ‬
‫جام ِم ْن نَار‪ .‬وقال عليه الصالة‬ ‫ْجم بِلِ ٍ‬ ‫وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬من قَبَّل غُالما بِ َ ٍ ِ‬
‫ش ْه َوة أُل َ‬ ‫َْ َ‬
‫ش ْهوةٍ لَعنَهُ اهلل و ِ‬
‫أج َم ُعو َن‪.‬‬
‫َّاس ْ‬‫المالَئ َكةُ والن ُ‬ ‫َ َ‬ ‫س غُالما بِ َ َ َ‬ ‫والسالم‪َ :‬م ْن َم َّ‬
‫القيامةِ َو ُه َو أنْتَ ُن‬ ‫ٍ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن أَ ْد َخ َل قُبُ لَهُ في ُدبُ ِر ْام َرأة بَ َعثَهُ اهلل يَ ْو َم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بما يَ ُقول‪ْ ،‬أو أتى‬ ‫ص َّدقَهُ َ‬
‫الجج َفة) وفي رواية ألحمد وغيره عن أبي هريرة َم ْن أتى كاهنا فَ َ‬ ‫م َن َ‬
‫ىء ِم ّما أُنْ ِز َل َعلَى ُم َح َّم ٍد أي هذا إن استحل ذلك‪،‬‬ ‫ْامرأةً حائضا‪ ،‬أو أتى امرأةً في ُدبُ ِرها‪ ،‬فَ َق ْد بَ ِر َ‬
‫أو أراد صلى اهلل عليه وسلم الزجر والتنفير‪ ،‬وليس المراد حقيقة الكفر‪ ،‬وإال لما أمر في وطء‬
‫الحائض بالكفارة كذا أفاد العزيزي‬
‫الرجل) أي باللواط والمفاخذة (فَ ُهما َزانِي ِ‬
‫ان)‬‫َ َ‬ ‫الر ُج ُل َّ ُ َ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬إذا أتَى َّ‬
‫وحد الفاعل حد الزنى إن كان محصنا يرجم‪ ،‬وإن لم يكن محصنا يجلد مائة‪ ،‬وهو أظهر قولي‬
‫الشافعي وعلى المفعول به عند الشافعي على هذا القول جلد مائة‪ ،‬وتغريب عام رجالً كان أو‬
‫امرأة‪ ،‬محصنا كان أو غير محصن‪ ،‬وذهب قوم إلى أن اللوطي يرجم ولو غير محصن‪ ،‬والقول‬
‫المرأَ َة)‬ ‫ِ‬
‫المرأَةُ َ‬ ‫اآلخر للشافعي أنه يقتل الفاعل والمفعول به كما جاء في الحديث‪( :‬وإذا أتَت ْ‬
‫تان) قال أبو مسلم‪ :‬وحد فاعلة السحاق الحبس إلى الموت‬ ‫أي بالسحاق (فَ ُهما َزانِي ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬من قَبَّل غُالما بِ َ ٍ‬
‫شهوة فَ َكأَنَّما َزنَى َم َع أ ُِّمه َس ْبع َ‬
‫ين َم َّرًة َوَم ْن َزنَى‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ط في غُالٍَم أ ْ‬
‫َصبَ َح‬ ‫ين نَبيا وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن الَ َ‬ ‫َم َع أ ُِّمه َم َّرةً َواح َدةً‪ ،‬فَ َكأَنَّما قَتَ َل َس ْبع َ‬
‫في قَ ْب ِرهِ خن ِزيرا) وقال ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ :‬إن اللوطي إذا مات من غير توبة مسخ في‬
‫قبره خنزيرا وقيل‪ :‬في هذه األمة قوم‪ ،‬يقال لهم اللوطية‪ ،‬وهم ثالثة أصناف‪ :‬صنف ينظرون‪،‬‬
‫وصنف يصافحون‪ ،‬وصنف يعملون ذلك العمل الخبيث كذا في الزواجر‪.‬‬
‫موات‪ :‬يا ربَّنا أأ ُِم ْرنَا‬ ‫الس ٰ‬
‫ش وقالت َّ‬ ‫الع ْر ُ‬
‫الغالم ْاهتَ َّز َ‬
‫ُ‬ ‫س‬ ‫ِ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬إذا لُم َ‬
‫ِ‬ ‫نَ ْخ ِطفهُ وقَالَ ِ‬
‫اء في‬ ‫ِّس َ‬ ‫ت األَ ْر ُ‬
‫ض‪ :‬يا َربَّنَا أأم ْرنَا نَ ْب لَعهُ‪ ،‬وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬الَ تَأْتُوا الن َ‬ ‫َ‬
‫الح ِّق) أي ال يترك بيان الحق رواه أحمد‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أستاه ِه َّن) أي أدبارهن (ف َّ‬
‫إن اهلل ال يَ ْستَحي م َن َ‬
‫والترمذي‪.‬‬

‫{الباب الثامن والعشرون‪ :‬في منع شرب الخمر}‬


‫وهي المعتصر من العنب إذا غلى وقذف بالزبد أو من غير العنب‪ .‬وروي في الصحيحين‬
‫أن عمر رضي اهلل عنه قال على منبر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أال إن الخمر قد حرمت‬
‫وهي من خمسة‪ :‬من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل‪ ،‬أي ستره‬
‫كذا في الزواجر‪.‬‬
‫الخ ْم َر في ُّ‬
‫الدنْيا لَ ْم يَ ْش َربْها) أي الخمر (في‬ ‫ب َ‬ ‫(قال النبي عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن َش ِر َ‬
‫اآلخ َرةِ) قال بعضهم هذا وعيد بأنه ال يدخل الجنة‪ ،‬ألن الخمر شراب داخل الجنة‪ ،‬إال أنهم ال‬ ‫ِ‬
‫يصدعون عنها‪ ،‬وال ينزفون ومن دخل الجنة ال يحرم شربها‪ ،‬أو كان يدخل الجنة ويحرم شرب‬
‫الخمر‪ ،‬بأن ال يشتهي شربها في الجنة كما ال يشتهي منزلة من هو أرفع منه لحديث البيهقي من‬
‫شرب الخمر في الدنيا‪ ،‬ولم يتب لم يشربها في اآلخرة‪ ،‬وإن دخل الجنة وروى أحمد ومسلم‬
‫وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر كل مسكر خمر‪ ،‬وكل مسكر حرام‪ ،‬ومن‬
‫شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها‪ ،‬ولم يتب لم يشربها في اآلخرة‬
‫ِ‬
‫َصبَ َح ُم ْش ِركا َوَم ْن َش ِربَها ُم ْ‬
‫صبحا‬ ‫الخ ْم َر ُم ْمسيا أ ْ‬
‫ب َ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن َش ِر َ‬
‫سى ُم ْش ِركا) وفي الجامع من شرب بصقة من خمر‪ ،‬أي شيئا قليالً بقدر ما يخرج من الفم من‬ ‫أ َْم َ‬
‫البصاق‪ ،‬فاجلدوه ثمانين‪ ،‬أي إن كان حرا وإال فعشرين رواه الطبراني عن ابن عمرو بن العاص‪.‬‬
‫لخمر أ ُُّم َ ِ ِ‬
‫عين يَ ْوما)‬ ‫الخبَائث فَ َم ْن َش ِربَها لَ ْم تُ ْقبَ ْل َ‬
‫صالتُهُ أ َْربَ َ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬ا َ ْ ُ‬
‫خص صلى اهلل عليه وسلم الصالة بالذكر ألنها أفضل عبادات البدن واألربعين‪ ،‬ألن الخمر‬
‫ات َو ِه َي‬
‫تبقى في أعضائه أربعين يوما‪ .‬وقال بعضهم ذلك محمول على الزجر والتنفير‪( .‬فَإ ْن َم َ‬
‫اهلَيَّةً) أي كميتة أهل الجاهلية‪ ،‬أي صار منابذاً‬ ‫ات ِميتةً) بكسر الميم بالتنوين (ج ِ‬
‫في بَطنِ ِه َم َ‬
‫َ‬
‫للشرع تشبيها بأهل الجاهلية رواه الطبراني عن ابن عمرو بن العاص بإسناد حسن‬
‫جماعُ اإلثْ ِم) كما قال عثمان بن عفان رضي اهلل عنه‪:‬‬ ‫الخ ْم ُر َ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬‬
‫اجتنبوا الخمر فإنه كان ممن قبلكم رجل يتعبد ويعتزل الناس فلقيته امرأة بغي‪ ،‬أي زانية‬
‫فأرسلت جاريتها إليه فقالت‪ :‬إنا ندعوك لشهادة‪ ،‬فلما دخل من باب أغلقت الباب حتى أفضى‬
‫إلى تلك المرأة وعندها غالم وقدح من خمر فقالت‪ :‬واهلل ما دعوتك لشهادة‪ ،‬وإنما دعوتك‬
‫علي أو تقتل هذا الغالم أو تشرب هذا الخمر‪ ،‬فاختار شرب الخمر على الزنى والقتل‪،‬‬ ‫لتقع ّ‬
‫ألن كالًّ منهما أعظم وزرا من شرب الخمر‪ ،‬فلما شربها واقعها وقتل الغالم‪( .‬وقال عليه الصالة‬
‫الخ ْم ِر َمل ُْعو ٌن) ألنها حرام في كل دين‪ ،‬فإن حفظ العقل من الموبقات هو‬
‫ب َ‬ ‫والسالم‪َ :‬شا ِر ُ‬
‫الذي اتفق أهل الملل على وجوب حفظه‪.‬‬
‫الخم ِر َكعابِ ِد الالّ ِ‬
‫ت والعُ ّزى) أي إن استحل ذلك أو‬ ‫ب َْ َ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬شا ِر ُ‬
‫هو زجر وتنفير رواه الحارث بن أبي أسامة عن ابن عمر بن العاص‪ .‬والالت هو صنم ثقيف‪،‬‬
‫والعزى هي شجرة لغسان وهما أعظم أصنام الكفار‬
‫الخ ْم َر فَ َق ْد َك َف َر بِ َما أَنْ َز َل اهلل تَ َعالى َعلى أَنْبِيائِ ِه‬
‫ب َ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن َش ِر َ‬
‫ِ‬ ‫َوَم ْن َسلَّم َعلَى َشا ِر ِ‬
‫ين َسنَةً) وفي الزواجر قال‬ ‫ط اهلل تَ َعالى َع َملَهُ أ َْربع َ‬ ‫َحبَ َ‬
‫صافَ َحهُ أ ْ‬ ‫الخ ْم ِر أ َْو َ‬
‫ب َ‬ ‫َ‬
‫اه ْم وال تَ ْش َه ُدوا َجنَائَِزُه ْم َّ‬ ‫ِ‬
‫وإن‬ ‫ضُ‬‫ودوا َم ْر َ‬ ‫الخ ْم ِر وال تَ ُع ُ‬
‫سوا ُش َّراب َ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬ال تُ َجال ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قذرهُ ُك ُّل َم ْن‬ ‫ص ْد ِره يَس ُ‬
‫يل لُ َعابُهُ يُ ُ‬ ‫سانُهُ َعلَى َ‬ ‫الخ ْم ِر يجيءُ يَ ْو َم القيَامة ُم ْس َو ّدا َو ْج ُههُ ُم ْدلعا ل َ‬
‫ب َ‬ ‫َشا ِر َ‬
‫َرآه» قال بعض العلماء وإنما نهى عن عيادتهم والسالم عليهم‪ ،‬ألن شارب الخمر فاسق ملعون‬
‫قد لعنه اهلل ورسوله‪ ،‬فإن اشتراها أو عصرها كان ملعونا مرتين‪ ،‬وإن سقاها لغيره كان ملعونا‬
‫ثالث مرات‪ ،‬فلذلك نهى عن عيادته والسالم عليه إال أن يتوب‪ ،‬فإن تاب تاب اهلل عليه‬
‫ْب ام ٍ‬
‫رىء أبَدا) وفي حديث‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬ال يَ ْجتَ ِم ُع َ‬
‫الخ ْم ُر واإليما ُن في قَ ل ٍ ْ‬
‫الطبراني عن أبي هريرة من شرب خمرا‪ ،‬أي عالما مختارا خرج نور اإليمان من جوفه‪ ،‬أي فإن‬
‫تاب عاد إليه وعن الفضيل بن عياض أنه حضر عند تلميذ له حضره الموت‪ ،‬فجعل يلقنه‬
‫الشهادة ولسانه ال ينطق بها‪ ،‬فكررها عليه فقال‪ :‬أقولها وأنا بريء منها‪ ،‬ثم مات فخرج الفضيل‬
‫من عنده وهو يبكي‪ ،‬ثم رآه بعد مدة في منامه‪ ،‬وهو يسحب به في النار‪ .‬فقال له‪ :‬يا مسكين‬
‫بم نزعت منك المعرفة؟ فقال‪ :‬يا أستاذ كان بي علة فأتيت بعض األطباء‪ .‬فقال لي‪ :‬تشرب في‬
‫َ‬
‫كل سنة قدحا من الخمر‪ ،‬وإن لم تفعل تبق بك علتك‪ ،‬فكنت أشربها في كل سنة ألجل‬
‫التداوي‪ ،‬فهذا حال من شربها للتداوي‪ ،‬فكيف حال من يشربها لغير ذلك‪ ،‬نسأل اهلل العافية‬
‫من كل بالء ومحنة كذا في الزواجر‬
‫الشيطا ُن في ُدبُ ِرِه‬ ‫يل َع ْقلَهُ يَأتِ ِيه َّ‬
‫الخ ْم َر َحتَّى يُ ِز َ‬
‫ب َ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن َش ِر َ‬
‫الر ُج ُل ْامرأتَهُ) أي في قبلها وفي الزواجر قال صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن‬ ‫ين َم َّرةً َك َما يأتي َّ‬ ‫ِ‬
‫أ َْربَع َ‬
‫ِ‬
‫الخ ْم َر َو َس ِك َر لَ ْم يَ ْقبَ ِل اهلل منْهُ‬
‫ب َ‬ ‫ين لَْي لَةً‪َ ،‬وَم ْن َش ِر َ‬
‫ِ‬ ‫الخ ْم َر َولَ ْم يَ ْس َك ْر أَ ْع َر َ‬
‫ض اهلل َعنْهُ أ َْربَع َ‬ ‫ب َ‬ ‫َش ِر َ‬
‫ات َك َعابِ ِد َوثَ ٍن‪َ ،‬وَكا َن َح ّقا على‬ ‫ات فيها َم َ‬ ‫ص ْرفا َوالَ َع ْدالً‪ ،‬أي نفالً وال فرضا أربعين ليلة‪ ،‬فإ ْن َم َ‬ ‫َ‬
‫ص َارةُ أ َْه ِل النّا ِر ال َق ْي ُح‬
‫بال؟ قال‪ُ :‬ع َ‬ ‫الخ ِ‬
‫ول اهلل َوَما طينَةُ َ‬ ‫ال قيل‪ :‬يا َر ُس َ‬ ‫اهلل أَ ْن يَ ْس ِقيَهُ ِم ْن ِطينَ ِة ُ‬
‫الخبَ ِ‬
‫َو َّ‬
‫الد ُم»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اع َها)‬ ‫الخ ْم َر َو َشا ِربَ َها َو َساقيَ َها) أي للغير ( َوبَائ َع َها ُ‬
‫وم ْبتَ َ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬لَ َع َن اهلل َ‬
‫والم ْح ُمولَةَ إلَْي ِه َوآكِ َل ثَ َمنِها)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أي مشتريها ( َ ِ‬
‫وعاص َرَها َوُم ْعتَص َرَها) أي طالب عصرها ( َو َحاملَها َ‬
‫بمد الهمزة أي آخذه وخص األكل بالذكر‪ ،‬ألنه أغلب وجوه االنتفاع رواه أبو داود والحاكم‬
‫عن ابن عمر وهو حديث صحيح‪.‬‬

‫{الباب التاسع والعشرون‪ :‬في فضيلة الرمي}‬


‫أخرج مسلم وغيره عن عتبة بن عامر قال سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهو‬
‫الرْمي أَالَ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن‬ ‫استَطَ ْعتُ ْم م ْن قُ َّوة} [األنفال‪ ]4 :‬أَالَ إن ال ُق َّوةُ َّ ُ‬‫على المنبر يقول‪َ { :‬وأَع ُّدوا لَ ُه ْم ما ْ‬
‫الم َر ِام ثَالَثا»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ت َه ِذهِ الجملَةُ فِي َّ ِ‬ ‫الرْمي أَالَ َّ‬
‫الزَواج ِر َم َّرتَ ْي ِن َوفي بُلُوِغ َ‬ ‫ُْ‬ ‫الرْم ُي َوتَ َك َّرَر ْ‬
‫إن ال ُق َّو َة َّ‬ ‫ال ُق َّو َة َّ ُ‬
‫يل اهلل) أي في جهاد الكفار‬ ‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َرمى َس ْهما في َسبِ ِ‬
‫وإلعالء دين اهلل‪َ ( ،‬ك َم ْن أ ْعتَ َق َرقَبَةً) وفي رواية للترمذي والنسائي والحاكم عن أبي نجيح‬
‫بإسناد صحيح من رمى بسهم في سبيل اهلل‪ ،‬فهو له عدل محرر‪ ،‬أي مثل عتق رقبة بكسر‬
‫العين‪ ،‬وقد تفتح ومن بلغ بسهم فهو له درجة في الجنة‪ ،‬وانفرد الحاكم في رواية هذه الجملة‬
‫األخيرة‬
‫والرْم َي‬
‫احةَ) بكسر السين أي العوم ( َّ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬علِّ ُموا أ َْوالَ َد ُك ْم ِّ‬
‫السبَ َ‬
‫هام والمرأ َة ِ‬
‫المغْ َز َل) بكسر الميم‪ ،‬أي الغزل بالمغزل‪ ،‬ويجوز فتح الميم والزاي على أنه‬ ‫بالس ِ َ‬ ‫ِّ‬
‫مصدر ميمي‪ ،‬فال حاجة لتقدير المضاف رواه البيهقي عن ابن عمر بن الخطاب‪ .‬قال البيهقي‬
‫حديث منكر‪ ،‬أي وذلك ألن الغزل الئق بالمرأة واهلل يحب المؤمن المحترف‪ ،‬ويبغض البطال‬
‫كذا أفاد العزيزي‪ ،‬وفي رواية البن منده وأبي موسى والديلمي عن بكر بن عبد اهلل بن الربيع‬
‫األنصاري بإسناد ضعيف علموا أوالدكم السباحة والرماية ونعم لهو المؤمنة في بيتها الغزل‪ ،‬وإذا‬
‫دعاك أبواك فأجب أمك‪ ،‬أي أوالً ثم أباك أفاد هذا الحديث أن األم مقدمة على األب في البر‪.‬‬
‫الجه ِ‬
‫اد) أي كالرمي على‬ ‫كالرْم ِي َعلَى ِ َ‬
‫ض َّ‬ ‫الرْم ُي َعلَى الغَ َر ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫العدو في الجهاد‪ ،‬وفي رواية للديلمي عن ابن عمر الرمي خير ما لهوتم‪ ،‬أي الرمي بالسهام خير‬
‫ما لعبتم به تدريبا للحرب‪ ،‬وفي رواية للديلمي عن جابر بن عبد اهلل بإسناد ضعيف علموا بنيكم‬
‫الرمي‪ ،‬فإنه نكاية العدو‪ ،‬أي تعليم الرمي بالسهام لألبناء سنة مؤكدة‪ ،‬وهو أفضل من الضرب‬
‫بالسيف كذا أفاد العزيزي‬
‫َج ِر َعتْ ِق‬ ‫الم ْرَمى ِم َن الغَ َر ِ‬
‫ض َكا َن لَهُ قَدر أ ْ‬ ‫الس ْه َم َعلَى َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن يَ ُر ُّد َّ‬
‫يم فَ َق ْد تَ َر َك ُسنَّةً ِم ْن ُسنَّتِي‪ .‬وقال‬
‫َّعلِ ِ‬ ‫َرقَبَ ٍة‪ .‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن تَ َر َك َّ‬
‫الرْم َي بَ ْع َد الت ْ‬
‫س ِمنَّا) أي‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن ُعلِّ َم َّ‬
‫الرمي) أي بالسهام (ثُ َّم تَ َرَكهُ) أي رغبة عن السنة (فَ لَْي َ‬
‫ليس عامالً بأمرنا رواه مسلم عن عقبة بن عامر الجهني‪.‬‬
‫الرِم َي فَ لْيَ ْرتَم) أي من نسيه فليتعلمه ثانيا‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن تَ َر َك َّ‬
‫صانِي) رواه ابن‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن تَ َعلَّم َّ‬
‫الرْم َي) أي بالسهام (ثُ َّم تَ َرَكهُ فَ َق ْد َع َ‬
‫ماجه عن عقبة بن عامر قال المناوي‪ :‬ألنه حصل له الدفاع عن الدين ونكاية العدو‪ ،‬فتعين عليه‬
‫القيام بالجهاد‪ ،‬فإذا أهمله حتى جهله فقد فرط في القيام بما تعين عليه فيأثم وقال بعضهم هذا‬
‫وعيد شديد في نسيان الرمي بعد علمه‪ ،‬وهو مكروه كراهة شديدة لمن تركه بال عذر‬
‫اب أ َْو أَ ْخطَأَ َكا َن لَهُ َع ْت ُق‬
‫أص َ‬ ‫س ْه ٍم في َسبِ ِ‬
‫يل اهلل َ‬ ‫ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َرَمى ب َ‬
‫َرقَبَ ٍة) وفي الزواجر البن حجر وصح من شاب شيبة في اإلسالم كانت له نورا يوم القيامة‪ ،‬ومن‬
‫رمى بسهم في سبيل اهلل فبلغ العدو أو لم يبلغه‪ ،‬كان له كعتق رقبة ومن أعتق رقبة مؤمنة كانت‬
‫له فداء من النار عضوا بعضو‪.‬‬
‫اض الجنَّةِ‬ ‫فإن ما ب ين اله َدفَي ِن رو َ ِ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬تَ َعلَّ ُموا َّ‬
‫ضةٌ م ْن ِريَ ِ َ‬ ‫الرْم َي َّ َ ْ َ َ ْ َ ْ‬
‫يل اهلل) وفي الحديث كل شيء ليس من ذكر اهلل عز وجل‪ ،‬فهو لهو وسهو إال‬ ‫للرامي في َسبِ ِ‬
‫ّ‬
‫أربع خصال‪ :‬مشي الرجل بين الغرضين وتأديبه فرسه ومالعبته أهله وتعلمه السباحة‪ .‬وفي‬
‫الر ُج ُل في َسبِ ِ‬
‫يل اللَّه َع َّز َو َج َّل‪،‬‬ ‫س يَ ْرتَبِطُهُ َّ‬‫الخ ْي ُل ثَالَثَةٌ‪ :‬فَ َر ٌ‬
‫الحديث الصحيح الذي رواه أحمد‪َ :‬‬
‫الر ُجلُ َويُ َر ِاه ُن‪ ،‬فَثَ َمنُهُ وْزٌر‪َ ،‬وُرُكوبُهُ ِوْزٌر‬
‫س يُ َق ِام ُر َعلَْي ِه َّ‬ ‫َج ٌر َو َعا ِريَتُهُ أ ْ‬
‫َج ٌر‪َ ،‬وفَ َر ٌ‬ ‫َج ٌر‪َ ،‬وُرُكوبُهُ أ ْ‬
‫فَثَ َمنُهُ أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫سى أَ ْن يَ ُكو َن َسدادا م َن ال َف ْق ِر إ ْن َش َ‬
‫اء اهلل تَ َعالى‪.‬‬ ‫رس للبطْنَة فَ َع َ‬
‫َوفَ ٌ‬

‫{الباب الثالثون‪ :‬في فضيلة بر الوالدين}‬


‫أي وفي عقوبة عقوقهما كما في الحديث المرفوع‪ :‬ال يرى وجهي ثالثة أنفس‪ :‬العاق‬
‫يصل علي إذا ذكرت بين يديه كذا في الجوهر المنظم‪.‬‬ ‫لوالديه والتارك لسنتي‪ ،‬ومن لم ِّ‬
‫ضا الوالِ ِد) أي األصل وإن عال ( َو َس َخ ُ‬
‫ط‬ ‫ب في ِر َ‬
‫الر ِّ‬ ‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ِ :‬ر َ‬
‫ضا َّ‬
‫ض َع ْي ِن وهو شك من‬ ‫اهلل في س َخ ِط الوالِ ِد) أو قال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬الوال َديْ ِن» في المو ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الراوي رواه ابن حبان والحاكم وصححاه ورجح الترمذي أنه موقوف‪ ،‬وفي رواية رضا الرب في‬
‫رضا الوالد أي األصل‪ ،‬وإن عال‪ ،‬وسخط الرب في سخط الولد‪ ،‬أي الذي ال يخالف الشرع‬
‫رواه الترمذي والحاكم عن ابن عمرو بن العاص والبزار عن ابن عمر بن الخطاب وهو حديث‬
‫صحيح‪ .‬وهذا وعيد شديد يفيد أن العقوق كبيرة‪ ،‬وعلم من ذلك باألولى أن األم كذلك‪ ،‬وفي‬
‫رواية الطبراني عن ابن عمرو رضا الرب في رضا الوالدين‪ ،‬أي األصلين وإن علموا سخطه في‬
‫سخطهما‪.‬‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬بُ ُّروا آبَاءَ ُك ْم) أي وأمهاتكم (تَبُ َّرُك ْم أَبْنَا ُؤُك ْم) أي وبناتكم وكما‬
‫سا ُؤُك ْم) أي‬‫تدين تدان (و ِع ّفوا) بكسر العين أي عن نساء الناس فال تتعرضوا لهن بالزنى (تَعِ َّ ِ‬
‫فنَ‬ ‫َ‬
‫عن الرجال أي عن الزنى بهم رواه الطبراني عن ابن عمر بإسناد حسن‪ .‬قال البرماوي‪ :‬مضارع‬
‫المضاعف الالزم الكسر والمتعدي الضم‪ ،‬وما سمع من المضموم في األول نادر وما سمع من‬
‫المكسور في الثاني نادر‪ ،‬فيحفظ في كل منهما وال يقاس عليه‪.‬‬
‫اب‬ ‫َح ُد ُه َما فُتِ َح ْ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ت لَهُ أَبْ َو ُ‬ ‫َصبَ َح َولَهُ أبَ َوان َراضيان َع ْنهُ أ َْو أ َ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن أ ْ‬
‫َّم) وفي رواية البن‬ ‫أح ُد ُه َما فُتِ َح ْ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َج َهن َ‬ ‫ت لَهُ أبْ َو ُ‬ ‫سى َولَهُ أَبَ َوان َساخطَان َعلَْيه أ َْو َ‬ ‫الجنَّة َوَم ْن ْأم َ‬
‫َ‬
‫أصبح لَهُ ِ‬
‫بابان‬ ‫ِ ِ‬
‫َصبَ َح ُمطيعا هلل في َوال َديْه‪ ،‬أي أصليه المسلمين ْ َ َ‬ ‫عساكر عن ابن عباس‪َ :‬م ْن أ ْ‬
‫اح ٌد أي إن كان المطاع من الوالدين واحدا فالمفتوح‬ ‫احدا فَ و ِ‬ ‫ان ِمن الجن َِّة‪ ،‬وإ ْن َكا َن و ِ‬ ‫م ْفتُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وح َ َ‬ ‫َ َ‬
‫باب واحد قال المناوي‪ ،‬وفي هذا الحديث إشارة أن طاعة الوالدين لم تكن مستقلة‪ ،‬بل هي‬
‫طاعة اهلل وكذا العصيان واألذى‪.‬‬
‫َوإن‬‫وك فَأ َِج ْبهُ‬
‫اك أبُ َ‬
‫الصالة) أي النافلة (فَ َد َع َ‬
‫ت في َّ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬إذا ُك ْن َ‬
‫ك فَأ َِج ْب َها) أي فإن إجابة الوالدين في النفل أفضل من عدمها إن شق عليهما عدمها‪،‬‬ ‫ك أ ُُّم َ‬
‫َد َع ْت َ‬
‫وتحرم إجابة الوالدين في الفرض‪ ،‬وتبطل الصالة بها مطلقا‪ ،‬أي سواء كانت في الفرض أو في‬
‫النفل‪.‬‬
‫َّار) وقال أنس بن‬ ‫ِ ِ‬
‫أح َد ُهما يَ ْد ُخل الن َ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن آذى َوال َديْه أ َْو آذى َ‬
‫مالك رضي اهلل عنه‪ :‬كان على عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم رجل يسمى علقمة‪ ،‬وكان‬
‫كثير االجتهاد عظيم الصدقة‪ ،‬فمرض يوما مرضا شديدا واشتد مرضه‪ ،‬فبعثت زوجته إلى النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم فقالت‪ :‬يا رسول اهلل إن زوجي في نزع روحه‪ ،‬فأردت أن أعلمك بحاله‬
‫فقال النبي صلى اهلل عليه وسلم ألصحابه‪« :‬انْطَلِ ُقوا بِنَا إلَْي ِه قال‪ :‬فلما دخلوا عليه قال له النبي‬
‫ك فلم ينطق‪ ،‬فعلم أنه هالك فلقنه النبي صلى‬ ‫ف تَ َرى َحالَ َ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬يا َعلْ َق َمةُ َك ْي َ‬
‫اهلل عليه وسلم الشهادة فلم ينطق بها‪ ،‬فكرر عليه مراراً فلم ينطق‪ ،‬فعلم أنه هالك فقال صلى‬
‫َب؟ فقالوا له‪ :‬يارسول اهلل إن أباه قد مات‪ ،‬وإن له أماً كبيرة السن فدعا‬ ‫اهلل عليه وسلم‪ :‬أَلَهُ أ ٌ‬
‫بها النبي صلى اهلل عليه وسلم فأتوا بها إليه صلى اهلل عليه وسلم فقال لها النبي صلى اهلل عليه‬
‫ال َعلْ َق َمةَ؟ فقالت‪ :‬يا رسول اهلل كان يصوم ويتصدق ويصلي‪،‬‬
‫ف َكا َن َح ُ‬
‫وسلم‪ :‬يا أ َُّم َعلْ َق َمة َك ْي َ‬
‫وكان فاعالً للخير‪ ،‬لكني ساخطة عليه ألنه كان يؤثر زوجته على أمه‪ .‬فقال صلى اهلل عليه وسلم‬
‫واج َم ْع َحطَبا َحتّى أحرقَهُ بالنَّا ِر فقالت‪ :‬يا رسول اهلل ال تفعل بولدي‬ ‫ِ‬
‫لبعض أصحابه‪ :‬انْطَل ْق ْ‬
‫ض إال‬ ‫اب اهلل أَ َش ُّد َّ‬
‫إن اهلل تَ َعالى لَ ْم يَ ْر َ‬ ‫وثمرة فؤادي‪ .‬فقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬فَ َع َذ ُ‬
‫ساخطَةً َعلَْي ِه‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول اهلل أشهد‬ ‫ت ِ‬ ‫ِ‬
‫صيامهُ وص َدقَ تَهُ ما ُد ْم ِ‬ ‫بِ ِر َ ِ‬
‫صالَتَهُ َو َ َ َ َ‬
‫ضاك‪ ،‬وال يَ ْقبَ ُل َ‬
‫اهلل وأشهدك أني قد رضيت عليه‪ .‬فتقدم النبي صلى اهلل عليه وسلم إلى علقمة ولقنه الشهادة‬
‫فنطق بها ومات ساعته‪ ،‬قال أنس‪ :‬غسلوه وصلوا عليه ودفنوه فقام النبي صلى اهلل عليه وسلم‬
‫َّل َزْو َجتَهُ َعلَى َوالِ َدتِ ِه لَ ْم يَ ْقبَ ِل اهلل‬
‫واألنصا ِر َم ْن فَض َ‬
‫َ‬ ‫ين‬ ‫ِ‬
‫المهاجر َ‬
‫ِ‬
‫على شفير قبره وقال‪« :‬يا َم َعاش َر ُ‬
‫ص ْرفا َوالَ َع ْدالً‪ ،‬فالصرف هو النافلة‪ ،‬والعدل هو الفريضة»‪ ،‬كذا في الجواهر للسمرقندي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫م ْنهُ َ‬
‫ت فَ َّ‬
‫إن اهلل‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ِ :‬ح َكايَةٌ َع ِن اهلل تَ َعالى قُ ْل للبَا ِّر لَِوالِ َديْ ِه ا ْع َم ْل َما ِش ْئ َ‬
‫ك) وروى مسلم وغيره ال يجزي الولد والده إال أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه‪ ،‬وعن‬ ‫يَغْ ِف ُر لَ َ‬
‫صلَّى‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أبي هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪« :‬ما م ْن َع ْبد َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫يضةَ و َد َعا لِوالِ َديهِ بِ ِ ِ‬
‫اب اهلل ُد َعاءهُ‪َ ،‬وغَ َف َر لَهُ بِبَ َرَكة ُدعائه لهما‪ْ ،‬‬
‫ولو كانا‬ ‫استَ َج َ‬ ‫المغْف َرة إال ْ‬
‫َ ْ َ‬ ‫ال َف ِر َ َ‬
‫اس َق ْي ِن» كذا في رياض الصالحين‪.‬‬ ‫فَ ِ‬
‫الوالِ َديْ ِن) بكسر الباء الموحدة أي اإلحسان إليهما قوالً‬ ‫ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ب ُّر َ‬
‫وفعالً ( َك َّف َارةٌ لِلْ َكبَائِ ِر) وفي حديث الديلمي وغيره عن الحسن بن علي رضي اهلل عنهما بر‬
‫الوالدين يجزي عن الجهاد‪ ،‬أي ينوب ويقوم مقامه‪ .‬قال المناوي وهذا ورد جوابا لسائل اقتضى‬
‫حاله ذلك‪ ،‬وإال فالجهاد أعلى‪ ،‬وفي رواية البن عدي عن أبي هريرة بر الوالدين يزيد في العمر‪،‬‬
‫البار بأن يمضي في الطاعات أو بالنسبة لما في صحف المالئكة‬ ‫أي يبارك في عمر ّ‬
‫ض َع طَ َعاما طَيّبا في بَ ْيتِ ِه َوأَ َكلَهُ ُدو َن َوالِ َديْ ِه ِح َرَمهُ اهلل‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن َو َ‬
‫أح ُد َوالِ َديْ ِه َج ْو َعا ٌن‬
‫ات َش ْب َعانا َريَّانا َو َ‬‫الجن َِّة وقال عليه الصالة والسالم‪َ « :‬م ْن بَ َ‬ ‫عام َ‬ ‫تَ َعالى لَ ِذي َذ طَ ِ‬
‫شانا ولَم يستَ ِح اهلل تَعالى ِمن َع َذابِ ِه ي وم ِ‬
‫ٱلقيَ َام ِة)‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ش َرهُ اهلل يَ ْو َم ٱلقيَ َامة ج ْو َعاناً َو َعطْ َ َ ْ َ ْ‬‫شا ٌن َح َ‬‫ْأو َعطْ َ‬
‫يح َها ِم ْن َم ِس َيرةِ َخ ْمسمائَ ِة َع ٍام َوالَ‬ ‫وج ُد ِر ُ‬
‫الجنَّةَ يُ َ‬
‫إن َ‬ ‫وفي األحياء قال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ « :‬‬
‫عاق والَ قَ ِ‬ ‫ِ‬
‫اط ٌع َر َحم» اه ‪.‬‬ ‫يح َها ٌّ َ‬ ‫يَج ُد َر َ‬
‫ت يَ ُدهُ يَوم القيامة إلى‬ ‫َح َد َوالِ َديْ ِه غُلَّ ْ‬
‫ب أَ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن َرفَع يَ َدهُ لِيَ ْ‬
‫ض ِر َ‬
‫ض ِربُهُ‬‫الصراط َوتَ ْ‬ ‫وز َعلَى ِّ‬ ‫ُعنُ ِق ِه َم ْشلُولَةً قالوا يا رسول اهلل وإن ضربهما قال‪ :‬تُ ْقطَ ُع يَ ُدهُ قَ ْب َل أ ْن يَ ُج َ‬
‫المالئِ َكةُ) وعن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال‪ :‬سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫َ‬
‫ادةِ‪َ ،‬والَ‬ ‫وحهُ َعلَى غَْي ِر َّ‬ ‫ِ‬ ‫يقول‪« :‬ما ِمن رج ٍل م َ ِ‬
‫الش َه َ‬ ‫ات َوَوال َداهُ غَْير راضيَ ْي ِن َعلَْيه إالَّ أَ ْخ َر َج اهلل ُر َ‬ ‫ْ َُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ْخر ِ‬
‫صى اهلل تَ َعالى‪ ،‬هذا َج َزاءُ َم ْن َع َّق‬ ‫ج م ْن قَ ْب ِره إال وعلَى َو ْج ِهه َم ْكتُ ٌ‬
‫وب ٰهذا َج َزاءُ َم ْن َع َ‬ ‫ُ َُ‬
‫َوالِ َديْ ِه» وعن علي بن أبي طالب كرم اهلل وجهه ورضي اهلل عنه قال كنا جلوسا مع النبي صلى‬
‫اهلل عليه وسلم أنا وجماعة من الصحابة إذ أتاه رجل فقال‪ :‬السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬
‫فقلنا له‪ :‬وعليك السالم‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل إن عبد اهلل بن سالم يدعوك ليودعك‪ ،‬وإنه مريض‬
‫وعلى خروج من الدنيا‪ ،‬فلما سمع ذلك رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم استوى قائما‪ ،‬ثم قال‬
‫َخانا َع ْب َد اهلل ثم مضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هو ومن معه من‬
‫ور أ َ‬
‫وموا بنا نَ ُز ُ‬
‫لهم‪ :‬قُ ُ‬
‫أصحابه حتى أتوا إلى منزله فاستأذنوا عليه‪ ،‬فَأ َِذن لهم في الدخول فوجدوه في غمرات الموت‪،‬‬
‫فوقف رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عند رأسه وقال‪« :‬يا َع ْب َد اهلل قُ ْل أَ ْش َه ُد أ ْن الَ ٰإلهَ إالَّ اهلل‬
‫وأن ُم َح َّمدا َع ْب ُدهُ َوَر ُسولُهُ فقالها في أذنه ثالثا فلم يقلها فقال النبي صلى اهلل‬ ‫يك لَهُ َّ‬ ‫َو ْح َدهُ ال َش ِر َ‬
‫واسأَل َْها ما َكا َن‬ ‫ِ‬
‫الل إلى ْام َرأتِه ْ‬ ‫ض يا بِ ُ‬ ‫العلِ ِّي العظيم ْام ِ‬
‫عليه وسلم‪« :‬ال َح ْو َل َوال قُ َّوةَ إالَّ باهلل َ‬
‫الدنيا وما كا َن ُشغْلُهُ؟» فسألها فقالت له‪ :‬يا بالل وحق رسول اهلل ما أعرف من‬ ‫يَ ْع َم ُل َزْو ُجها في ُّ‬
‫يوم تزوجني أنه ترك الصالة خلف رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وال مضى عليه يوم إال‬
‫اسأَل َْها يا بِ ُ‬
‫الل‬ ‫جيب ْ‬‫األم َر لَ َع ٌ‬ ‫إن ْ‬ ‫تصدق فيه بشيء لوجه اهلل تعالى‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ « :‬‬
‫َه ْل لَهُ َوالِ َدةٌ؟» فقالت‪ :‬يا رسول اهلل إنها غضبانة عليه‪ .‬فقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬يا‬
‫ض لَِوالِ َدتِهِ» فمضى إليها وقال أجيبي النبي صلى اهلل عليه وسلم فقالت‪ :‬وما ذلك؟‬ ‫بِ ُ‬
‫الل ْام ِ‬
‫فقال‪ :‬يصلح بينك وبين ولدك عبد اهلل‪ ،‬وإنه على خروج من الدنيا‪ .‬فقالت وحق رسول اهلل ال‬
‫أمضي وال أ جعلنه في حل مما آذاني ال دنيا وال أخرى‪ ،‬ثم إنها امتنعت فأتى بالل إلى النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم وأعلمه فقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬يَا ُع َم ُر ويا َعلِ ُّي ا ْذ َهبَا‪ ،‬فَأْتِيَا‬
‫بِها» فذهبا إليها‪ ،‬فلما دخال عليها قاال لها‪ :‬أيتها العجوز إن النبي صلى اهلل عليه وسلم يدعوك‬
‫فقالت‪ :‬وما يريد مني فهل له من حاجة؟ فقاال لها‪ :‬ال بد أن تمشي معنا‪ ،‬فمشت معهما حتى‬
‫وز انْظُ ِري‬ ‫الع ُج ُ‬
‫أتت إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم فقال لها النبي صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬أيَّتُ َها َ‬
‫إلى َولَ ِد ِك َوَما ُه َو َعلَْي ِه»‪ ،‬فلما نظرت إليه قالت يا ولدي ال أجعلك اليوم في حل من حقي ال‬
‫وز َخافي اهلل َع َّز َو َج َّل‬ ‫الع ُج ُ‬
‫في الدنيا وال في اآلخرة فقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬أيَّتُ َها َ‬
‫واج َعلِيه فِي ِح ٍّل» فقالت‪ :‬يا رسول اهلل كيف أجعله في حل وهو قذرني وضربني وطردني من‬ ‫ْ‬
‫اج َعلِ ِيه في ِح ٍّل» فقالت العجوز أشهدك يا‬ ‫بيته ألجل امرأته‪ ،‬فقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ْ « :‬‬
‫رسول اهلل أنت ومن معك أني جعلته في حل‪ .‬فقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬يَا َع ْب َد اهلل‪:‬‬
‫قُ ْل أَ ْش َه ُد أ ْن الَ ٰإلهَ إالَّ اهلل َو ْح َدهُ الَ َش َ‬
‫ريك لَهُ‪ ،‬وأ َّ‬
‫َن ُم َح َّمدا َع ْب ُدهُ َوَر ُسولُهُ» فرفع صوته بالشهادة‬
‫ثم توفي على ذلك رضي اهلل عنه‪ ،‬فلما صلينا عليه ودفناه قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬يَا‬
‫ادةٍ» كذا في‬ ‫ين أَالَ َم ْن َكا َن لَهُ َوالِ َدةٌ َولَ ْم يَبَ َّرَها َخ َر َج ِم َن ُّ‬
‫الدنْيَا َعلَى غَْي ِر َش َه َ‬ ‫ِِ‬
‫الم ْسلم َ‬
‫ِ‬
‫َم َعاش َر ُ‬
‫رياض الصالحين للعارف باهلل يحيى النووي‪.‬‬

‫{الباب الحادي والثالثون‪ :‬في فضيلة تربية األوالد}‬


‫س َّمى‬ ‫قال أنس رضي اهلل عنه قال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬الغُالَ ُم يُ َع ُّق َع ْنهُ يَ ْو َم َّ ِ‬
‫الساب ِع َويُ َ‬
‫ث‬ ‫نين ُع ِز َل فِ َرا ُشهُ‪ ،‬فإذا بَلَ َغ ثَالَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ِّب‪ ،‬فَإذَا بَلَ َغ ت ْس َع س َ‬ ‫نين أُد َ‬
‫تس َ‬
‫ط َع ْنهُ األَذَى‪ ،‬فإذَا ب لَ َغ ِس َّ ِ‬
‫َ‬ ‫َويُ َما ُ‬
‫ال‪ :‬قَ ْد‬‫َخ َذ بِيَ ِدهِ َوقَ َ‬‫ت َع ْش َرة َسنَةً َزَّو َجهُ أبُوهُ ثُ َّم أ َ‬ ‫الصالَةِ‪ ،‬فَإذَا بَلَ َغ ِس َّ‬
‫ب َعلَى َّ‬ ‫ض ِر َ‬
‫َع ْش َرةَ َسنَةً ُ‬
‫اآلخ َرة» كذا في‬ ‫ك في ِ‬ ‫الدنْيَا َو َع َذابِ َ‬
‫ك في ُّ‬ ‫َعوذُ بِاهلل ِم ْن فِ ْت نَتِ َ‬ ‫ك َوأَنْ َك ْحتُ َ‬‫ك َو َعلَّ ْمتُ َ‬
‫ك أُ‬ ‫أَدَّبْتُ َ‬
‫اإلحياء‬
‫ض َل‬‫(قال النبي عليه الصالة والسالم‪ :‬ما نَ َح َل) بفتح النون والحاء المهملة ( َوالِ ٌد َولَ َدهُ أَفْ َ‬
‫س ٍن) رواه الترمذي والحاكم عن عمرو بن سعيد بن العاص‪ :‬أي ما أعطاه عطية‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫م ْن أ ََدب َح َ‬
‫أفضل من تأديبه بنحو توبيخ وتهديد وضرب على فعل الحسن‪ ،‬وتجنب القبيح‪ ،‬فإن حسن‬
‫األدب يرفع العبد المملوك إلى رتبة الملوك وعن أبي ذر رضي اهلل عنه قال‪ :‬كنت جالسا عند‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم وإذا بالحسن والحسين رضي اهلل عنهما ركبا على كتف جدهما‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهو يحدثنا‪ ،‬فلما فرغ من حديثه قال لهما‪ :‬انزال يا أوالدي‬
‫فأقبل علي كرم اهلل وجهه‪ ،‬فلما رأياه خافاه ونزال عن ظهر جدهما فقال لهما النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪َ :‬ما اللكما؟ قاال‪ :‬خفنا من أبينا‪ ،‬فأقبل علي رضي اهلل عنه عليهما وضربهما‪ .‬وقال‪:‬‬
‫ِ‬
‫س ْي َن فَإنَّ ُه َما‬
‫والح َ‬
‫س َن ُ‬ ‫األدب خير لكما فقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬يَا َعل ُّي ال تَ ْن َه ِر َ‬
‫الح َ‬
‫ريرةُ َكبِدي» فقال علي كرم اهلل وجهه سمعا وطاعة فنزل جبريل وقال‪:‬‬ ‫ريحانَتَاي ور َ ِ‬
‫احةُ قَ لْبي َو َس َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬
‫يا محمد الحق يقول اترك عليا يؤدبهما أشبعوا أوالدكم‪ ،‬وأحسنوا أسماءهم‪ ،‬وطيبوا أبدانهم‪،‬‬
‫مين َم ْن‬ ‫ِ‬
‫الم ْسل َ‬ ‫ش َر ُ‬ ‫ترزقوا شفاعتهم‪ ،‬فلما سمع بذلك النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪« :‬يَا َم ْع َ‬
‫إن َم ْن َعلَّم َولَ َدهُ َوأَدَّبَهُ َرَزقَهُ اهلل َش َف َ‬
‫اعتَهُ‪َ ،‬وَم ْن تَ َر َك‬ ‫رَزقَهُ اهلل تَ َعالى بِولَ ٍد فَ َعلَْي ِه بتَأْديبِ ِه وتَ ْعلِ ِ‬
‫يم ِه‪ ،‬فَ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب َع ِملَهُ َعلَْي ِه» كذا في رياض الصالحين‬ ‫اهالً َكا َن ُك ُّل ذَنْ ٍ‬ ‫ولَ َده ج ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫الر ُج ُل) وفي لفظ أحدكم ( َولَ َدهُ) أي يعلمه اآلداب‬ ‫ِّب َّ‬‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬أل ْن يُ َؤد َ‬
‫ِ‬
‫ص ٍاع) رواه الترمذي عن جابر بن‬ ‫ص َّد َق) أي كل يوم (بِ َ‬ ‫الشرعية والمندوبة ( َخ ْي ٌر لَهُ م ْن أ ْن يَتَ َ‬
‫سمرة وهو حديث حسن قال المناوي‪ :‬ألنه إذا أدبه صارت أفعاله من صدقاته الجارية وصدقة‬
‫الصاع ينقطع ثوابها‬
‫َح ِسنُوا َ‬
‫آدابَ ُه ْم) أي بأن تعلموهم رياضة‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬أَ ْك ِرُموا أوال َد ُك ْم َوأ ْ‬
‫النفس ومحاسن األخالق‪.‬‬
‫قال العلقمي‪ :‬واألدب هو استعمال ما يحمد قوالً وفعالً‪ .‬وقيل‪ :‬هو تعظيم َمن فوقك‬
‫والرفق بمن دونك رواه ابن ماجه عن أنس قال المناوي وفي هذا الحديث نكارة وضعف‪،‬‬
‫والمنكر هو الذي ال يعرف متنه من غير جهة راويه فال شاهد له‪ ،‬فما خالف فيه المنفرد من هو‬
‫أحفظ‪ ،‬وأضبط فشاذ مردود‪ ،‬وإن لم يخالف بل روى شيئا لم يروه غيره‪ ،‬وهو عدل ضابط‬
‫فصحيح أو غير ضابط‪ ،‬وال يبعد عن درجة الضابط فحسن‪ ،‬وإن بعد فشاذ منكر‪.‬‬
‫اد أ ْن يُ ْر ِغ َم) بضم الغين المعجمة أو فتحها أي يذل‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن أ ََر َ‬
‫ش ْك ٍر كالنَّظَ ِر إلى‬ ‫الد بِ ُ‬ ‫اس َدهُ فَ لْي َؤدِّب ولَ َدهُ وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬النَّظَر إلى وج ِه األَو ِ‬ ‫(ح ِ‬
‫َْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫الد ِستْ ٌر ِم َن النَّا ِر‪ .‬وقال‬ ‫فإن َكرامةَ األَو ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو ْجه نَبِيِّه‪ ،‬وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬أ ْك ِرُموا ْأوالَ َد ُك ْم َّ َ َ ْ‬
‫اءةٌ ِم َن النَّا ِر َوَك َر َامتُ ُه ْم َج َوا ٌز َعلَى‬ ‫عليه الصالة والسالم‪ :‬األَو ُ ِ ِ‬
‫الد حرٌز م َن النَّا ِر واألَ ْكلُ َم ُ‬
‫عه ْم بَ َر َ‬ ‫ْ‬
‫الص ِ‬
‫راط)‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫الجن َِّة‪.‬‬
‫أ َْوالَ َدهُ أَ ْك َرَمهُ اهلل في َ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬أَ ْك ِرُموا أوال َد ُك ْم َّ‬
‫فإن َم ْن أَ ْك َرَم‬
‫في النفاسة فالتنكير للتعظيم‬ ‫الجن َِّة َدارا) أي عظيمة جدا‬ ‫إن في َ‬ ‫وقال عليه الصالة والسالم‪َّ :‬‬
‫ال لَ َها َد ُار ال َف َر ِح) بفتح الفاء والراء وبالحاء المهملة‪ ،‬أي السرور أي تسمى بذلك بين أهلها‬‫(يُ َق ُ‬
‫(ال يَ ْد ُخلُها إالَّ َم ْن فَ َّر َح ِّ‬
‫الص ْب يَا َن) أي األطفال ذكورا وإناثا‪ ،‬وفي هذا الحديث شمول ألطفال‬
‫اإلنسان‪ ،‬وأطفال غيره ولليتيم وغيره‪ ،‬رواه أبو يعلى عن عائشة‪.‬‬
‫الجن َِّة َدارا يُقال لَ َها َد ُار ال َف َر ِح) أي تسمى بذلك (الَ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َّ :‬‬
‫إن في َ‬
‫نين) رواه حمزة بن يوسف وابن النجار عن عقبة بن عامر‬ ‫ي ْد ُخلُها إالّ من فَ َّرح ي تامى ِ‬
‫المؤم َ‬
‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬
‫الجهني‪ ،‬وهو حديث ضعيف‪ ،‬وذلك ألن الجزاء من جنس العمل فمن فرح من ليس له من‬
‫يفرحه فرحه اهلل تعالى بتلك الدار الغالية المقدار‪ ،‬واليتيم صغير ال أب له وتخصيص اليتامى في‬
‫هذا الحديث إنما هو لآلكدية‪.‬‬

‫{الباب الثاني والثالثون‪ :‬في فضيلة التواضع}‬


‫والعاقِبَةُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬تِل َ‬
‫سادا َ‬ ‫الد ُار اآلخ َرةُ نَ ْج َعلُ َها للَّذ َ‬
‫ين ال يُري ُدو َن ُعلُّوا في األَ ْرض َوال فَ َ‬ ‫ْك َّ‬
‫ين} [القصص‪ ]31 :‬والتواضع إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه‪ .‬وقيل‪ :‬هو‬ ‫لِل ِ‬
‫ْمتَّق َ‬
‫ُ‬
‫تعظيم من فوقه لفضله‪ .‬وقيل‪ :‬هو االستسالم للحق وترك االعتراض على الحكم من الحاكم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو أن تخضع للحق وتنقاد له وتقبله ممن قاله صغيرا أو كبيرا شريفا أو ضعيفا حرا أو‬
‫عبدا ذكرا أو غيره نظراً للقول ال للقائل‪ ،‬فهو إنما يتواضع للحق وينقاد له‪ .‬وقيل‪ :‬هو أن ال‬
‫يرى لنفسه مقاما وال حاالً يفضل بهما غيره‪ ،‬وال يرى أن في الخلق من هو شر منه كذا في‬
‫السراج المنير للعزيزي‪.‬‬
‫اض َع هلل) أي ألجل عظمة اهلل ( َرفَ َعهُ اهلل) أي في الدنيا واآلخرة ( َوَم ْن‬
‫(قال النبي‪َ :‬م ْن تَ َو َ‬
‫ض َعهُ اهلل) رواه ابن منده وأبو نعيم‪ .‬وفي رواية ألبي نعيم من تواضع هلل رفعه اهلل‪ ،‬فهو في‬ ‫تَ َّكبَ َر َو َ‬
‫نفسه ضعيف‪ ،‬وفي أنفس الناس عظيم‪ ،‬ومن تكبر وضعه اهلل فهو في أعين الناس صغير‪ ،‬وفي‬
‫نفسه كبير حتى لهو أهون عليهم من كلب أو خنزير‪ ،‬وعن أبي سلمة المدني عن أبيه عن جده‬
‫قال‪ :‬كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عندنا بقباء‪ ،‬وكان صائما فأتيناه عند إفطاره بقدح من‬
‫لبن وجعلنا فيه شيئا من عسل‪ ،‬فلما رفعه وذاقه وجد حالوة العسل فقال‪ :‬ما ٰهذا؟ قلنا‪ :‬يا‬
‫اض َع هلل َرفَ َعهُ اهلل‪،‬‬‫ُح ِّرُمهُ َوَم ْن تَ َو َ‬‫رسول اهلل جعلنا فيه شيئا من عسل فوضعه وقال‪ :‬أما أني ال أ َ‬
‫ِ‬
‫ذر أَفْ َق َرهُ اهلل‪َ ،‬وَم ْن أَ ْكثَ َر ذ ْك َر اهلل أ َ‬
‫َحبَّهُ اهلل َك َذا‬ ‫ص َد أَ ْغنَاهُ اهلل َوَم ْن بَ َ‬‫ض َعهُ اهلل َوَم ْن اقْتَ َ‬
‫َوَم ْن تَ َكبَّ َر َو َ‬
‫اإلحياء‪.‬‬‫في ْ‬
‫الس َم ِاء‬
‫ْسلَةٌ فِي َّ‬ ‫ان‪ِ :‬سل ِ‬ ‫ْسلَتَ ِ‬ ‫آد ِم ِّي إالَّ وفِي رأْ ِس ِه سل ِ‬
‫َ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬ما ِم ْن َ‬
‫السابِ َع ِة َوإذَا‬ ‫الس ِ‬‫ْسلَ ِة إلى َّ‬ ‫السل ِ‬
‫ماء َّ‬ ‫السابِ َع ِة ‪ ،‬فَإذَا تَ َو َ‬
‫اض َع َرفَ َعهُ اهلل بِ ِّ‬ ‫ض َّ‬ ‫ْسلَةٌ في األَ ْر ِ‬ ‫السابِع ِة و ِسل ِ‬
‫َّ َ َ‬
‫السابِ َع ِة) رواه الخرائطي والحسن بن سفيان‬ ‫ض َّ‬ ‫ْسلَ ِة إلى األَ ْر ِ‬ ‫بالسل ِ‬
‫ض َعهُ اهلل ِّ‬ ‫تَ َجبَّ َر) أي تكبر ( َو َ‬
‫وابن الل والديلمي‪ ،‬وفي رواية للطبراني عن ابن عباس وللبزار عن أبي هريرة بإسناد حسن ما‬
‫من آدمي إال في رأسه حكمة بيد ملك‪ ،‬فإذا تواضع قيل للملك ارفع حكمته‪ ،‬وإذا تكبر قيل‬
‫للملك ضع حكمته‪ ،‬فقوله ما من آدمي من زائدة قوله إال في نسخة إال وفي‪ ،‬أي بالواو التي‬
‫للحال قوله حكمة بفتح الحاء والكاف‪ ،‬وهي حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه‬
‫تمنعه من مخالفة راكبه‪ ،‬ولما كانت الحكمة تأخذ بفم الدابة‪ ،‬وكان الحنك متصالً بالرأس‬
‫جعلها تمنع من هي في رأسه كما تمنع الحكمة الدابة قوله بيد ملك‪ ،‬أي موكل باآلدمي قوله‬
‫فإذا تواضع‪ ،‬أي للحق والخلق قوله قيل للملك‪ ،‬أي من قبل اهلل قوله ارفع حكمته‪ ،‬أي قدره‬
‫ومنزلته قوله‪ ،‬وإذا تكبر قيل للملك ضع حكمته كناية عن إذالله‪ ،‬فإن من صفة الذليل أن‬
‫ينكس رأسه‪ ،‬فثمرة التكبر في الدنيا الذلة بين الخلق‪ ،‬وفي اآلخرة دخول النار‪.‬‬
‫عين) وفي اإلحياء بعد ذلك من أمتي‬ ‫ِ‬
‫المتَ َواض َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إذَا َرأيْتُ ُم ُ‬
‫رين فَتَ َكبَّ ُروا َعلَْي ِه ْم) وفي اإلحياء بعد ذلك‪ ،‬فإن ذلك مذلة‬ ‫المتَ َكبِّ َ‬
‫اض ُعوا لَ ُه ْم وإذَا َرأَيْتُ ُم ُ‬ ‫(فَ تَ َو َ‬
‫لهم وصغار قال ابن حجر‪ :‬هذا حديث غريب‪ ،‬وهو ما انفرد راويه بروايته‪.‬‬
‫ين‬ ‫ِِ‬ ‫ين‪َّ ،‬‬ ‫ِِ‬
‫المتَ َواضع َ‬ ‫اض َع َم َع ُ‬ ‫َّو ُ‬
‫فإن الت َ‬ ‫المتَ َواضع َ‬
‫اض ُعوا َم َع ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬تَ َو َ‬
‫ص َدقَةٌ‪ ،‬وقال عليه الصالة والسالم تِ ْه)‬ ‫رين َ‬‫المتَ َكبِّ َ‬ ‫ين‪َّ ،‬‬
‫فإن التَّ َكبُّ َر َم َع ُ‬ ‫المتَ َكبِّ ِر َ‬
‫ص َدقَةٌ َوتَ َكبَّ ُروا َم َع ُ‬
‫َ‬
‫إن التِّيه) أي التكبر (على التّ يَّاهِ) أي‬ ‫بكسر فسكون ( َعلَى التُّيّاهِ) أي تكبر على المتكبر (فَ َّ‬
‫بالس ِ‬ ‫ِ‬
‫الم‬ ‫ىء َّ‬ ‫اض ِع أَ ْن يَ ْبتَد َ‬
‫َّو ُ‬ ‫ص َدقَةٌ) أي مثل صدقة (وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬رأْ ُ‬
‫س الت َ‬ ‫المتكبر ( َ‬
‫ف)‬ ‫شر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم َجالِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اض ُع َم َعان َد ال ّ َ‬
‫َّو ُ‬
‫س‪ .‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬الت َ‬ ‫مين في َ‬ ‫الم ْسل َ‬ ‫َعلَى َم ْن لَقيَهُ م َن ُ‬
‫وخرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير فقال معاوية البن‬
‫َّاس‬
‫َّل لَهُ الن ُ‬‫ب أَ ْن يَتَ َمث َ‬
‫َح َّ‬‫عامر‪ :‬اجلس فإني سمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪َ « :‬م ْن أ َ‬
‫قِياما فَ لْيَتَبَ َّوأْ َم ْق َع َدهُ ِم َن النَّا ِر» وقيل التواضع سلم الشرف‪.‬‬
‫َّواض ُع) أراد صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫ف الت ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال َك َرُم التَّ ْق َوى َو َّ‬
‫الش َر ُ‬
‫بذلك أن الناس متساوون‪ ،‬وأن أحسابهم إنما هي بأفعالهم ال بأنسابهم‪ ،‬كذا نقله العزيزي عن‬
‫المناوي (واليَقين الغِنَى) أي ألن من تيقن أن له رزقا قدر له ال يتخطاه استغنى عن الجد في‬
‫الطلب رواه ابن أبي الدنيا عن يحيى بن أبي كثير وهو حديث ضعيف‪.‬‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ُ :‬ك ُّل ذي نِعم ٍة محسو ٌد ِ‬
‫اض ِع‪ .‬وقال صلى اهلل‬ ‫َّو ُ‬‫صاحبُها إالَّ الت َ‬ ‫َْ َ ْ ُ َ‬
‫اعنَ ِة) أي العتاة‬ ‫ِ‬
‫ياء والتَّ َكبُّ ر ِمن أ ْخالَ ِق ال ُك َّفا ِر وال َفر ِ‬ ‫ِ‬ ‫عليه وسلم‪ :‬التَّو ُ ِ‬
‫َ‬ ‫اض ُع م ْن أ ْخالق األَنْبِ َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن تَكبَّ َر َعلَى الف َقراء لَ َعنَهُ اهلل َوَم ْن تَ َكبَّ َر َعلَى ال ُعلَ َماء أَ ْخ َزاهُ‬
‫اهلل) وفي اإلحياء قال النبي صلى اهلل عليه وسلم ألصحابه يوما‪« :‬ما لي الَ َأرى َعلَْي ُكم َحالَ َو َة‬
‫َّواض ُع» اه ‪ .‬وقال ابن حجر هذا حديث غريب‪.‬‬ ‫ادةِ»؟ قالوا‪ :‬وما حالوة العيادة؟ قال‪« :‬الت ُ‬ ‫العِبَ َ‬
‫ضل العِب َ ِ‬
‫اض ُع» كذا في المستطرف لكن قال‬ ‫َّو ُ‬‫ادة الت َ‬ ‫وقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬أَ ْف َ ُ َ‬
‫ابن حجر في الزواجر هذا قول عائشة رضي اهلل عنها اه ‪.‬‬

‫{الباب الثالث والثالثون‪ :‬في فضيلة الصمت}‬


‫بشر فهو‬
‫اعلم أن اإلنسان إما أن يتكلم أو يسكت‪ ،‬فإن تكلم فإما بخير فهو ربح أو ّ‬
‫خسران‪ ،‬وإن سكت فإما عن شر فربح‪ ،‬وإما عن خير فخسران‪ ،‬فله في كالمه وسكوته ربحان‬
‫ينبغي تحصيلهما‪ ،‬وخسرانان ينبغي التخلص منهما‪ ،‬أفاد ذلك إبراهيم الشبرخيتي‪.‬‬
‫ت) أي السكوت عما‬ ‫الصم ِ‬ ‫شرةُ أ ْ ٍ ِ‬ ‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ِ :‬‬
‫َج َزاء ت ْس َعةٌ في َّ ْ‬ ‫العافيَةُ َع َ َ‬
‫َ‬
‫َّاس) رواه الديلمي عن ابن عباس‪ ،‬أي وذلك إذا استغنى‬ ‫الع ْزلَ ِة َع ِن الن ِ‬ ‫ال ثواب فيه ( ِ‬
‫والعاش ُر في ُ‬
‫َ‬
‫عنهم واستغنوا عنه‪ ،‬وإال فمتى دعاه الشرع إلى الخلطة بهم للتعلم أو التعليم فال خير في البعد‬
‫عنهم‪ ،‬وبهذا يجمع بين األدلة الدالة على طلب العزلة‪ ،‬واألدلة الدالة على طلب الخلطة‪ .‬قال‬
‫المناوي‪ :‬فينبغ ي للعاقل أن يختار العافية‪ ،‬فمن عجز واضطر إلى الخلطة لطلب المعيشة‪ ،‬فيلزم‬
‫الصمت كذا في السراج المنير‪ .‬وفي لفظ والجزء العاشر في ترك مجالسة السفهاء‪.‬‬
‫اءةُ) أي الفحش في‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬لِ ُك ِّل َشي ٍء نَجاسةٌ ونَجاسةُ اللِّ ِ‬
‫سان البَ َذ َ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ‬
‫المنطق وإن كان كالما صدقا‪ ،‬وفي رواية للطبراني عن ابن عمر من كثر كالمه كثر سقطه بفتح‬
‫القاف‪ ،‬أي خطؤه في القول ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه‪ ،‬ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به‪،‬‬
‫أي وذلك ألن السقط ما ال نفع فيه‪ ،‬فإن كان لغوا ال إثم فيه حوسب على تضييع عمره وصرفه‬
‫عن الذكر إلى الهذيان‪ ،‬ومن نوقش الحساب عذب‪.‬‬
‫ت) أي سكت عن النطق بما ال ثواب له (نَ َجا) أي‬ ‫ص َم َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫من العقاب والعتاب يوم المآب‬
‫وت العالِ ِم َشين) أي عيب (وَكالَمه َزين وَكالم الج ِ‬
‫اه ِل‬ ‫َ َُ ٌْ َ ُ َ‬ ‫ٌ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ُ :‬س ُك ُ َ‬
‫َش ْي ٌن َو ُس ُكوتُهُ َزيْ ٌن) قال لقمان البنه‪ :‬لو كان الكالم من فضة كان السكوت من ذهب‪ ،‬ومعناه‬
‫كما قال ابن المبارك‪ :‬لو كان الكالم في طاعة اهلل من فضة كان السكوت عن معصية اهلل من‬
‫اب‬ ‫ت إلى ٍ‬ ‫ضطُ ِرْر َ‬
‫كلمة فَ َد ْع َها َوبَ َ‬
‫َ‬ ‫ذهب‪ ،‬وما أحسن قول بعضهم من بحر المتقارب‪ :‬إذا ما ا ْ‬
‫ك ِم ْن َع ْس َج ِد قال إبراهيم العتكي نظما‬ ‫ك ِم ْن فِضَّةٍ لَ َكا َن ُس ُكوتُ َ‬‫ْص ِد فَ لَ ْو َكا َن نُطْ ُق َ‬
‫وت اق ِ‬ ‫الس ُك ِ‬
‫ُّ‬
‫ب َولَْو يَ ُكو ُن‬ ‫صِ‬ ‫ك ِح ْرَما ٌن فَ ُقل ُ‬
‫ْت لَ ُه ْم َما قَ َّد َر اهلل يَأتيني بِال نَ َ‬ ‫من بحر البسيط‪ :‬قَالُوا ُس ُكوتُ َ‬
‫ب وهذا صريح في أن الكف عن المعصية‬ ‫ت ِم ْن َذ َه ِ‬ ‫ش ُرهُ ِم َن اللُّ َج ْي ِن لَ َكا َن َّ‬
‫الص ْم ُ‬ ‫ين أَنْ ُ‬ ‫ِ‬
‫َكالمي ح َ‬
‫أفضل من عمل الطاعة‪ ،‬وفي أن الصمت أفضل من الكالم‪ ،‬لكن ذهب جماعة من السلف إلى‬
‫تفضيل الكالم‪ ،‬ألن نفعه متعد‪ ،‬وعلى هذا فقول الخير خير من الصمت‪ ،‬والصمت خير من‬
‫قول الشر أفاد ذلك الشبرخيتي‪.‬‬
‫وت إالَّ َع ْن ِذ ْك ِر اهلل تَ َعالى) والصمت قفل‬ ‫الس ُك ِ‬ ‫ِ‬
‫اإليمان ُّ‬ ‫َص ُل‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أ ْ‬
‫اب َش ٍّر لِنَ ْف ِس ِه إذا‬ ‫ِ‬
‫الفم كما قاله عمر رضي اهلل عنه‪ ،‬ولذا قيل من بحر الطويل‪َ :‬وَك ْم فَات ٍح أَبْ َو َ‬
‫فل‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫لَ ْم يَ ُك ْن ق ْفلٌ َعلَى فيه ُم ْق ُ‬
‫لعالِ ِم) أي لما فيه من الوقار المناسب لحق‬ ‫ِ‬
‫ت َزيْ ٌن ل َ‬ ‫الص ْم ُ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫اه ِل) أي ألن المرء جهله مستور ما لم يتكلم رواه أبو الشيخ عن محرز بن‬ ‫للج ِ‬
‫العلم (وس ْت ر ِ‬
‫ََ ٌ‬
‫زهير األسلمي‪.‬‬
‫ت نَ ْق َمةً) وقال‬ ‫ت نِ ْع َمةً َوَك ْم ِم ْن َكلَ ِم ٍة َجلَبَ ْ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬ك ْم ِم ْن َكلِ َم ٍة َسلَبَ ْ‬
‫بعضهم‪ :‬عفة اللسان صمته‪ ،‬فإن اللسان سبع ضار‪ ،‬فإن لم توثقه عدا عليك‪ ،‬وروي أن رجالً‬
‫سئل في مرض موته فقيل له‪ :‬أوصني فقال‪ :‬إن شئت جمعت لك علم العلماء وحكم الحكماء‬
‫وطب األطباء في ثالث كلمات‪ ،‬أما علم العلماء فإذا سئلت عما ال تعلم‪ ،‬فقل ال أعلم‪ .‬وأما‬
‫حكم الحكماء فإذا كنت جليس قوم‪ ،‬فكن أسكتهم‪ ،‬فإن أصابوا كنت من جملتهم‪ ،‬وإن‬
‫أخطؤوا سلمت من خطئهم‪ .‬وأما طب األطباء فإذا أكلت طعاما فال تقم إال ونفسك تشتهيه‪،‬‬
‫فإنه ال يلم بجسدك غير مرض الموت كذا في الفتوحات الوهبية للشبرخيتي‪.‬‬
‫َح َد ُم َه ّماتِ ِه) وقد قيل‪ :‬الصمت‬ ‫ِ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من أَ ْخر ِ‬
‫سانَهُ لَ ْم يَ ْستَح ّق أ َ‬
‫سلَ‬ ‫َْ َ َ‬
‫منام اللسان والتكلم يقظته‪ ،‬والمرء مخبوء تحت طي لسانه ال تحت طيلسانه‪.‬‬
‫الح ْك َمةُ) وهي استعمال النفس اإلنسانية باقتباس النظريات‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ِ :‬‬
‫الصم ِ‬
‫ت) رواه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫شرةُ ٍ‬
‫أج َزاء تَ ْس َعةٌ م ْن َها في العُ ْزلَة َوَواح ٌد في َّ ْ‬
‫على األفعال الفاضلة بقدر الطاقة ( َع َ َ ْ‬
‫ابن عدي وابن الل عن أبي هريرة بإسناد واه‪ .‬فينبغي للسالك تجنب العشرة سيما لغير الجنس‪،‬‬
‫أفاد ذلك العزيزي‪.‬‬
‫ت ُح ْك ٌم) أي هو حكمة أي نافع يمنع من الجهل‬ ‫الص ْم ُ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :‬‬
‫اعلُهُ) أي قل من يصمت عما ال فائدة فيه‪ ،‬ويمنع نفسه عن النطق بما يشينه‬‫والسفه (وقَلِيل فَ ِ‬
‫َ ٌ‬
‫رواه القضاعي عن أنس بن مالك والديلمي عن عمر بإسناد ضعيف قال بعضهم من بحر‬
‫الخفيف‪:‬‬
‫ول َع ْرضا َوطُوال‬ ‫ض َ‬ ‫ت ال ُف ُ‬
‫قَ ْد فَ َر ْش َ‬ ‫ص ْر قليالً‬ ‫ض ِ‬
‫ول قَ ِّ‬ ‫يَا َكثِ َير ال ُف ُ‬
‫ت َج ِميال ‪.‬‬ ‫اس ُك ِ‬
‫ت اآل َن إ ْن أ ََر ْد َ‬ ‫فَ ْ‬ ‫حظ‬ ‫ت ِم َن ال َقبِ ِ‬
‫يح بِ ٍّ‬ ‫َخ ْذ َ‬
‫قَ ْد أ َ‬

‫{الباب الرابع والثالثون‪ :‬في فضيلة اإلقالل من األكل والنوم والراحة}‬


‫وفي الخبر أن األكل على الشبع يورث البرص‬
‫ب‬ ‫اح ِة َو ُح ُّ‬
‫الر َ‬
‫ب َّ‬ ‫ب النّ ْوِم َو ُح ُّ‬ ‫ْب ُح ُّ‬ ‫ث قَ ْس َوةَ ال َقل ِ‬‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ثَالثَةٌ تُوِر ُ‬
‫األَ ْك ِل)‪.‬‬
‫القيَ َام ِة َوَم ْن‬
‫اع ي وم ِ‬
‫الدنْيَا) أي شبعا مذموما ( َج َ َ ْ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َشبِ َع في ُّ‬
‫الدنْيَا ُه ْم أ َْهلُ‬‫الجوِع في ُّ‬ ‫إن أ َْه َل ُ‬ ‫القيَ َام ِة) قال صلى اهلل عليه وسلم‪َّ « :‬‬ ‫الدنْيا َشبِع ي وم ِ‬
‫اع في ُّ َ َ َ ْ َ‬ ‫َج َ‬
‫الشب ِع في ِ‬
‫اآلخ َرةِ‪َّ ،‬‬
‫يها إالَّ‬ ‫المألَى َوَما تَ َر َك َع ْب ٌد أَ ْكلَةً يَ ْشتَ ِه َ‬‫الم ْت َخ ُمو َن َ‬
‫َّاس إلى اهلل ُ‬ ‫ض الن ِ‬
‫وإن أَبْ غَ َ‬ ‫َّ َ‬
‫الجن َِّة» كذا في اإلحياء وفي حديث صحيح للطبراني عن ابن عباس رضي‬ ‫ت لَهُ َد َرجةٌ في َ‬‫َكانَ ْ‬
‫اآلخ َرةِ أي في الزمن الالحق بعد‬ ‫الدنْيا هم أ َْهل الجوِع غَدا في ِ‬ ‫اهلل عنهما َّ‬
‫إن أ َْه َل َّ‬
‫الشبَ ِع في ُّ َ ُ ْ ُ ُ‬
‫الموت‪.‬‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن أ َك َل فَ ْو َق َّ‬
‫الشبَ ِع فَ َق ْد أَ َكل َ‬
‫الح َر َام) وقال صلى اهلل عليه‬
‫داء البَ َر َدةُ بفتح الراء التُّ ْخ َمةُ» وأخرج البيهقي عن إبراهيم بن علي الذهلي‬ ‫وسلم‪« :‬أَصل ُك ِّل ٍ‬
‫ُْ‬
‫قال‪ :‬اختار الحكماء من كالم الحكمة أربعة آالف كلمة‪ ،‬وأخرج منها أربعمائة كلمة‪ ،‬وأخرج‬
‫منها أربعون كلمة‪ ،‬وأخرج منها أربع كلمات‪ ،‬أولها ال تثق بالنساء‪ ،‬الثانية ال تحمل معدتك ما ال‬
‫تطيق‪ ،‬الثالثة ال يغرنك المال وإن كثر‪ ،‬الرابعة يكفيك من العلم ما تنتفع به‪ .‬كذا في السراج‬
‫المنير‪.‬‬
‫الجوعُ ُم ُّخ‬‫الجوعُ‪ .‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ُ :‬‬ ‫الع َم ِل ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬سيِّ ُد َ‬
‫العِب َ ِ‬
‫اع بَطْنَهُ‬‫أج َ‬‫ادة) أي خالصها وصفوتها وفي اإلحياء قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َعظُم ْ ِ‬
‫ت ف ْك َرتُه َوفَط َن قَ لْبَهُ» وقال ابن عباس قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن َشبِ َع َونَ َ‬
‫ام‬ ‫َ‬
‫سا قَ لْبُه» ثم قال‪ :‬لكل شيء زكاة وزكاة البدن الجوع‪.‬‬ ‫قَ َ‬
‫بالجوِع‬
‫وها ُ‬ ‫ك َوقِلَّ ِة َّ‬
‫الشبَ ِع َوطَ ِّه ُر َ‬ ‫الض ِح ِ‬
‫َحيوا قُلُوبَ ُك ْم بِِقلَّ ِة َّ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أ ْ‬
‫ص ُفو َوتَ ِر ُّق) هذا كما في اإلحياء وفي نسخة خبثت قلوبكم بالضحك واألكل فطهروها بالجوع‬ ‫تَ ْ‬
‫تنظروا إلى عظمة اهلل تعالى‪ .‬وقال الحسن‪ :‬قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ِ « :‬‬
‫ف‬ ‫ص ُ‬ ‫الف ْك ُر نِ ْ‬
‫ادةِ َوقِلَّةُ الطَّ َع ِام ِه َي العِبَ َ‬
‫ادةُ»‬ ‫العِبَ َ‬
‫فكرا) وفي‬ ‫(وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أَقْرب ُكم ِمني ي وم ِ‬
‫القيَ َام ِة أَ ْكثَرُك ْم ُجوعا َوتَ ُّ‬
‫ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َُ ْ‬
‫القيامةِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضلُ ُك ْم ع ْن َد اهلل َم ْن ِزلَةً يَ ْو َم َ َ‬
‫اإلحياء قال الحسن قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬أَفْ َ‬
‫القيام ِة ُكل ن ٍ‬
‫ؤوم أ ُك ٍ‬
‫ول‬ ‫ض ُك ْم ِع ْن َد اهلل َع َّز َو َج َّل يَ ْو َم ِ َ َ ُّ َ‬ ‫أَط َْولَ ُك ْم ُجوعا َوتَ َف ُّكراً فِي اهلل ُس ْب َحانَهُ َوأَبْ غَ ُ‬
‫َشر ٍ‬
‫وب»‬‫ُ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َكثُ َر طَ َع ُامهُ َكثُ َر َع َذابُهُ) أي بالحبس والحساب واللوم‬
‫والتعيير‪ ،‬فإن حالل الدنيا حساب كما في الحديث لقوله تعالى‪{ :‬ثُ َّم لِتُسألَ َّن ي وم ٍ‬
‫ئذ َع ِن النَّعِ ِ‬
‫يم}‬ ‫َْ َ‬
‫[التكاثر‪ ]1 :‬وليس المراد عذاب النار وإنما التعيير واللوم لتركه األدب مع اهلل ألنه آثر شهوة‬
‫نفسه واشتغل بذلك عن عبادة ربه مع تمكنه من ذلك من غير تعذر‪ ،‬وهذه الدار دار خدمة‬
‫للرب‪ ،‬وعبادة ال دا ر تنعم وشهوة فيستحق اللوم بذلك‪ ،‬والتعيير كذا في منهاج العابدين‪ ،‬وفي‬
‫البسوا َوُكلُوا وا ْش َربُوا‬
‫اإلحياء‪ ،‬وقال أبو سعيد الخدري قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ُ « :‬‬
‫ون‪ ،‬فَإنَّهُ ُج ْزءٌ ِم َن النُّبُ َّوةِ»‬ ‫في أَنْص ِ‬
‫اف البطُ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬ال ص َّحةَ َم َع َكثْ َرة الن َّْوم وال ص َّحةَ َم َع َكثْ َرة األَ ْك ِل َوالَ ش َفاءَ‬
‫الص ْب َحةَ) بضم الصاد المهملة أو بفتحها فسكون الموحدة‬ ‫بِ َح َر ٍام‪ .‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ُّ :‬‬
‫الرْز َق) أي بعضه أو تمنع البركة منه‪ ،‬ألنه وقت الذكر والفكر وتفرقة‬ ‫أي النوم أول النهار (تَ ْمنَ ُع ِّ‬
‫األرزاق الحسية والمعنوية كالعلوم والمعارف‪ ،‬رواه عبد اهلل ابن اإلمام أحمد وابن عدي والبيهقي‬
‫عن عثمان والبيهقي عن أنس بإسناد ضعيف‪.‬‬

‫{الباب الخامس والثالثون‪ :‬في فضيلة اإلقالل من الضحك}‬


‫قال األحنف‪ :‬كثرة الضحك تذهب الهيبة‪ ،‬وكثرة الفرح تذهب المروءة‪ ،‬ومن لزم شيئا‬
‫عرف به‪.‬‬
‫ْب) أي تورث الضغينة في‬ ‫ك تُ ِم ُ‬ ‫(وقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬كثْ رةُ الض ِ‬
‫يت ال َقل َ‬ ‫َّح ُ‬ ‫َ‬
‫بعض األحوال‪ ،‬وتسقط المهابة والوقار‪ ،‬وذلك ألن الضحك يدل على الغفلة عن اآلخرة كذا‬
‫في اإلحياء‬
‫الم ْس ِج ِد ظُل َْمةٌ في ال َق ْب ِر) أي يورث ظلمة القبر‪،‬‬
‫ك في َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬الض ِ‬
‫َّح ُ‬
‫فإنه يميت القلب وينسي ذكر الرب رواه الديلمي عن أنس‬
‫ك قَ ْه َق َهةً فَ َق ْد نَ ِس َي بابا ِم َن العِل ِْم) وفي اإلحياء‪ :‬قال‬
‫ض ِح َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم مرة لصهيب وبه رمد وهو يأكل تمرا‪« :‬أَتَأْ ُك ُل تَ ْمرا َوأَنْ َ‬
‫ت أ َْرَم ُد»؟ فقال‪:‬‬
‫إنما آكل بالشق اآلخر يا رسول اهلل‪ .‬فتبسم صلى اهلل عليه وسلم قال بعض الرواة حتى نظرت‬
‫إلى نواجذه‬
‫الع ْق ِل َم َّجةً) وفي المستطرف‬ ‫ِ‬ ‫ض ِح َ‬
‫ك قَ ْه َق َهةً فَ َق ْد َم َّج م َن َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫عن علي‪ :‬ما مزح أحد مزحة إال مج اهلل من عقله مجة‬
‫الدنْيا ب َكى كثيرا في ِ‬
‫اآلخ َرةِ) وقال يوسف‬ ‫ض ِح َ‬
‫ك َكثيرا في ُّ َ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫بن أسباط‪ :‬أقام الحسن ثالثين سنة لم يضحك‪ .‬وقيل‪ :‬أقام عطاء السلمي أربعين سنة لم‬
‫يضحك‬
‫استَ َح َّق بِ ِه‬ ‫ض ِح َ‬
‫ك َكثِيرا ْ‬ ‫ار َوَم ْن َ‬
‫الجبَّ ُ‬ ‫ض ِح َ‬
‫ك قَ ْه َق َهةً لَ َعنَهُ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َ‬
‫َّار) وفي رواية هناد بن السري عن الحسن البصري‪ :‬الضحك ضحكان ضحك يحبه اهلل‬ ‫الن ُ‬
‫وضحك يمقته اهلل‪ ،‬فأما الضحك الذي يحبه اهلل فالرجل يكشر في وجه أخيه لحداثة عهد به‬
‫وشوقا إلى رؤيته‪ .‬وأما الضحك الذي يمقت اهلل تعالى عليه‪ ،‬فالرجل يتكلم بالكلمة الجفاء‬
‫والباطل ليضحك أو ليضحك يهوي بها في جهنم سبعين خريفا‪ .‬والمعنى الضحك نوعان‬
‫ضحك يثيب اهلل عليه‪ ،‬وضحك يبغض اهلل صاحبه‪ ،‬أي يعاقبه إن شاء‪ ،‬فأما الضحك الذي‬
‫يثيب اهلل عليه‪ ،‬فضحك اإلنسان الذي يكشر عن أسنانه‪ ،‬ويبتسم في وجه أخيه في الدين‬
‫لحداثة لقائه‪ ،‬ولشوق إلى رؤيته‪ ،‬وأما الضحك الذي يبغض اهلل تعالى عليه‪ ،‬فهو الضحك‬
‫المتسبب عن تكلم الرجل الذي يتكلم بالكلمة الفاسدة ليضحك هو‪ ،‬أو ليضحك غيره يسقط‬
‫إلى السفل بسببها في جهنم يوم القيامة سبعين سنة‪.‬‬
‫قوله يكشر بكسر شين معجمة أي يظهر أسنانه‪ .‬قوله ليضحك أو ليضحك بمثناة تحتية‬
‫فيهما مفتوحة في األول مضمومة في الثاني‬
‫طؤهُ) وقال عمر رضي اهلل عنه‪ :‬من كثر‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬من َكثُر ِ‬
‫ض ْح ُكه َكثُ َر َخ ُ‬ ‫َْ َ‬
‫ضحكه قلت هيبته‪ ،‬ومن مزح استخف به‪ ،‬ومن أكثر من شيء عرف به‪ ،‬ومن كثر كالمه كثر‬
‫سقطه‪ ،‬ومن كثر سقطه قل حياؤه‪ ،‬ومن قل حياؤه قل ورعه‪ ،‬ومن قل ورعه مات قلبه‪ ،‬وقال‬
‫علي رضي اهلل عنه‪ :‬إياك أن تذكر من الكالم ما يكون مضحكا وإن حكيت ذلك عن غيرك‬
‫س) وفي حديث أحمد وأبي‬ ‫ضح ُكهُ يستَ ِخ ُّ ِ ِ‬
‫ِ‬
‫ف به النَّا ُ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َكثُ َر ْ َ ْ‬
‫داود والترمذي والحاكم عن معاوية بن حيدة بإسناد قوي ويل للذي يحدث فيكذب في حديثه‬
‫ليضحك به القوم‪ ،‬ويل له ويل له كرره إيذانا بشدة هلكته‪.‬‬
‫اءهُ) فحتى بمعنى كي‬
‫سَ‬ ‫ك بها ُجلَ َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن تَ َكلَّ َم بِ َكلِ َمةٍ حتى يَ ْ‬
‫ض َح َ‬
‫( َع َّذبَهُ اهلل تَ َعالى) وفي نسخة كبه اهلل أي ألقاه (في النَّا ِر) قال الغزالي‪ :‬المراد ما فيه إيذاء مسلم‬
‫ونحوه دون مجرد المزاح المباح‪ ،‬وفي رواية للترمذي وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة إن‬
‫الرجل ليتكلم بالكلمة ال يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار‪ ،‬والمعنى إن اإلنسان‬
‫ليتكلم بالكلمة ال يظن أنها ذنب يؤاخذ به يضحك بها القوم يسقط بسببها في جهنم سبعين‬
‫عاما‬
‫س ٌم) أي وهو الذي ينكشف فيه السن‪ ،‬وال‬ ‫حك األَنْبِيَ ِاء تَبَ ُّ‬
‫ض ُ‬‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫الشيطَ ِ‬
‫ان قَ ْه َق َهةٌ) فالتبسم مبادي الضحك‪،‬‬ ‫وضحك َّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫يسمع له صوت كذا في اإلحياء (‬
‫والضحك انبساط الوجه حتى تظهر األسنان من السرور‪ ،‬فإن كان بصوت‪ ،‬وكان بحيث يسمع‬
‫من بعد فهو القهقهة‪ ،‬وإال فالضحك وإن كان بال صوت‪ ،‬فهو التبسم كذا أفاد العزيزي نقالً عن‬
‫بعضهم وقيل‪ :‬إن يحيى بن زكريا لقي عيسى عليه السالم‪ .‬فقال يحيى‪ :‬ما لي أراك الهيا كأنك‬
‫آمن؟ فقال له عيسى‪ :‬ما لي أراك عابسا كأنك آيس؟ فقال‪ :‬ال نبرح حتى ينزل علينا الوحي‬
‫فأوحى اهلل إليهما أن أحبكما إلي أحسنكما ظنا بي‪ ،‬ويروى أن أحبكما إلي الطلق البسام‪.‬‬

‫{الباب السادس والثالثون‪ :‬في فضيلة عيادة المريض}‬


‫قال عثمان رضي اهلل عنه مرضت فعادني رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال‪« :‬بِ ْس ِم اهلل‬
‫َح ٌد ِم ْن َش ِّر‬ ‫ِ‬ ‫يم أ ُِعي ُذ َك باهلل األَح ِد َّ ِ ِ‬
‫الص َمد الَّذي لَ ْم يَل ْد َولَ ْم يُولَ ْد َولَ ْم يَ ُك ْن لَهُ ُك ُفوا أ َ‬ ‫َ‬ ‫الرِح ِ‬
‫الر ْح ٰم ِن َّ‬‫َّ‬
‫َما تَ ِج ُد» قالها مرارا ودخل صلى اهلل عليه وسلم على علي بن أبي طالب رضي اهلل عنه وهو‬
‫الدنيا‬‫ك أ َْو ُخ ُروجا ِم َن ُّ‬ ‫ص ْبرا َعلَى بَلِيَّتِ َ‬ ‫ك أ َْو َ‬ ‫يل َعافِيَتِ َ‬ ‫َسأَلُ َ ِ‬
‫ك تَ ْعج َ‬ ‫مريض فقال له‪« :‬قُ ْل اللَّ ُه َّم إنِّي أ ْ‬
‫اه َّن»‬
‫إح َد ُ‬
‫ك َستُ ْعطَى ْ‬ ‫ك فإنَّ َ‬‫إلى َر ْح َمتِ َ‬
‫يض) بضم العين والدال بينهما واو‪ ،‬أي زوروه (واتْ بَ ُعوا‬ ‫المر َ‬ ‫ودوا َ‬ ‫(قال النبي عليه السالم‪ُ :‬ع ُ‬
‫اآلخ َرةَ) أي أحوالها وأهوالها‪،‬‬ ‫الجن َازةَ) بسكون المثناة الفوقية وفتح الموحدة التحتية (تُ َذ ِّكرُكم ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫ََ‬
‫واألمر للندب رواه أحمد وابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد الخدري‬
‫ريض) أي الذي تطلب عيادته (يَ ْمشي في َم ْخ َرفَ ِة‬ ‫الم ِ‬ ‫ِ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬عائ ُد َ‬
‫الجن َِّة) فالمخرفة بفتح الميم البستان والجمع مخارف‪ ،‬أي يمشي في التقاط فواكه الجنة‪،‬‬ ‫َ‬
‫ومعناه أن العائد فيما يجوزه من الثواب كأنه على نخل الجنة يخترف‪ ،‬أي يجني ثمارها من‬
‫حيث إن فعله يوجب ذلك ( َحتَّى يَ ْرِج َع) رواه مسلم عن ثوبان عتيق رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وفي الدرر المنتثرة للسيوطي ثالث ال يعاد صاحب الرمد وصاحب الضرس وصاحب‬
‫الدمل رواه البيهقي في الشعب وضعفه من حديث أبي هريرة‬
‫ٍ‬
‫المريض أ ََّو َل يَ ْوم) أي زمان (فَ ِريْ َ‬
‫ضةٌ َوَما بَ ْع َد َها ُسنَّةٌ)‬ ‫ِ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ِ :‬عيَ َ‬
‫ادةُ‬
‫والمراد بالفرض والسنة هنا بحسب المروءة أو األخالق الجميلة ال بحسب الشرع كما قال‬
‫ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ :‬عيادة المريض مرة سنة‪ ،‬فما ازدادت فنافلة‪ ،‬أي زائدة في السنة‬
‫يض إالَّ بَ ْع َد ثَالَ ِثة أيّ ٍام) أي ال تطلب طلبا‬ ‫ب ِعيَ َ‬
‫ادةُ المر ِ‬ ‫ِ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬ال تَج ُ‬
‫مؤكدا إال بعدها أو ال تجب بحسب المروءة والعرف إال بعدها كما في اإلحياء‪.‬‬
‫ث فَ َوا ُق نَاقَ ٍة» وفي حديث‬
‫يض ب ْع َد ثَالَ ٍ‬
‫الم ِر ِ َ‬ ‫وروي أنه قال عليه الصالة والسالم‪ِ « :‬عيَ َ‬
‫ادةُ َ‬
‫الديلمي عن ابن عمر عيادة المريض أعظم أجرا من اتباع الجنازة‪ ،‬أي ألن فيها جبر خاطر‬
‫المريض وأهله‪.‬‬
‫صالحا َخ َر َج َم َعهُ َس ْب ُعو َن َملَكا يَ ْستَ غْ ِف ُرو َن لَهُ‪،‬‬
‫اد َم ِريضا َ‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬م ْن َع َ‬
‫ت المريض َم َعه َويَ ْد ُخلُو َن إلى بَ ْيتِ ِه) وفي اإلحياء عنه صلى اهلل عليه وسلم من‬ ‫وي ْخرجو َن ِمن ب ْي ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ََ ُ ُ‬
‫عاد مريضا قعد في مخارف الجنة حتى إذا قام وكل به سبعون ألف ملك يصلون عليه حتى‬
‫الليل‪.‬‬
‫الجن َِّة) بضم الخاء المعجمة وتفتح‬ ‫ِ‬
‫اد َمريضا لَ ْم يَ َز ْل في ُخرفَة َ‬
‫(وقال عليه السالم‪َ :‬م ْن َع َ‬
‫والراء ساكنة‪ ،‬أي فيما يخترف من التمر شبه ما يحوزه العائد من الثواب بما يحوزه المخترف‬
‫من الثمر‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بالخرفة هنا الطريق‪ .‬رواه مسلم عن ثوبان مولى المصطفى صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫ِ‬
‫وض) أي يمشي (في َر ْح َمة اهلل تَعالى فإذا َجلَ َ‬
‫ريض يَ ُخ ُ‬ ‫(وقال عليه السالم‪َ :‬عائ ُد َ‬
‫ِع ْن َدهُ) أي المريض (انْ غَ َمس فِيها) أي تلك الرحمة‪ ،‬وفي رواية لإلمام أحمد والطبراني عائد‬
‫المريض يخوض في الرحمة‪ ،‬فإذا جلس عنده غمرته الرحمة‬
‫يض أَ َش ُّد) أي أكثر ألما ( َعلَْي ِه ِمن مر ِ‬
‫ض ِه) وفي حديث‬ ‫المر ِ‬ ‫(وقال عليه السالم‪َ :‬ع َدم ِعي َ ِ‬
‫ْ ََ‬ ‫ادة َ‬ ‫ُ َ‬
‫صحيح للديلمي عن أبي أمامة الباهلي إذا عاد أحدكم مريضا فال يأكل عنده شيئا فإنه حظه من‬
‫عيادته‪ ،‬أي فيكره للعائد أكل شيء عند المريض‪ ،‬فإن أكل عنده فال ثواب له في العبادة قال‬
‫المناوي‪ :‬ويظهر أن مثل األكل شرب نحو السكر‪ ،‬فهو محبط لثواب العيادة كذا في السراج‬
‫المنير‬
‫ادةُ فَ َوا ُق نَاقَ ٍة) رواه البيهقي عن أنس بن مالك‪ ،‬أي زمان عيادة‬
‫(وقال عليه السالم‪ :‬العِيَ َ‬
‫المريض قدر فواق ناقة‪ ،‬وهو ما بين الحلبتين والفواق بضم الفاء وفتحها الزمان الذي بين‬
‫الحلبتين‪ ،‬ألن الناقة تحلب‪ ،‬ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر وتحلب‪ .‬وفي رواية للديلمي‬
‫عن جابر أفضل العيادة أجرا سرعة القيام من عند المريض‪ ،‬وهو حديث ضعيف‪ ،‬أي أفضل‬
‫زيارة المريض أن يكون قعود العائد عنده فواق ناقة‪ ،‬ألنه قد يبدو للمريض حاجة‪ ،‬وهذا في غير‬
‫متعهده ومن يأنس به كذا في السراج المنير‪ .‬وقال طاوس‪ :‬أفضل العيادة أخفها‪.‬‬
‫ضع أَح ُد ُكم ي َدهُ َعلَى وج ِه ِه أَو َعلَى ي ِدهِ‬ ‫الم ِ‬ ‫(وقال عليه السالم‪ :‬وِمن تَم ِام ِعي َ ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ْ‬ ‫ريض أَ ْن يَ َ َ َ ْ َ‬ ‫ادة َ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫صافَ َحةُ) أي عند المالقاة بعد السالم رواه أحمد‬ ‫ِِ‬
‫الم َ‬
‫مام تَحيَّتكم بَ ْي نَ ُكم ُ‬
‫ف ُه َو َوتَ ُ‬
‫فَيَ ْسأَلُه َك ْي َ‬
‫والطبراني عن أبي أمامة بإسناد ضعيف‪ ،‬وهذا تمام الحديث الذي أوله عائد المريض يخوض‬
‫َح ُد ُك ْم‬
‫اد أ َ‬
‫في الرحمة‪ ،‬وفي حديث صحيح في رواية الحاكم عن ابن عمرو بن العاص‪ :‬إذا َع َ‬
‫صالَةٍ‪ ،‬وفي رواية إلى‬ ‫ك إلى َ‬ ‫ك َع ُدوا أ َْو يَ ْمشي لَ َ‬ ‫م ِريضا فَ لْي ُقل‪ :‬اللَّ ُه َّم ا ْش ِ‬
‫ف َع ْب َد َك يَ ْن َكأ لَ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫َجنَ َازةٍ‪ ،‬أي إذا زار مسلما في مرضه فليقل في دعائه له ندبا‪ :‬اللهم اشف عبدك إلى آخره‪.‬‬
‫قوله‪ :‬ينكأ بفتح المثناة التحتية وسكون النون وفتح الكاف وبالهمزة وتركه‪ ،‬أي يجرح ويؤلم من‬
‫النكاية بكسر النون‪ ،‬وهي القتل واإلثخان وقوله عدوا‪ ،‬أي من الكفار أما إذا عاد كافرا فال‬
‫يمكن الدعاء له بذلك‪ ،‬وإن جازت عيادته‪.‬‬

‫{الباب السابع والثالثون‪ :‬في فضيلة ذكر الموت}‬


‫قال الغزالي‪ :‬الناس إما منهمك أو تائب‪ ،‬وإما مبتدىء أو عارف‪ ،‬أما المنهمك فال يذكر‬
‫الموت‪ ،‬وإن ذكره فيذكره للتأسف على دنياه‪ ،‬ويشتغل بمذمته‪ ،‬وهذه تزيد ذكر الموت من اهلل‬
‫بعدا‪ .‬وأما التائب‪ ،‬فإنه يكثر من ذكر الموت لينبعث به من قلبه الخوف والخشية‪ ،‬فيفي بتمام‬
‫التوبة وربما يكره الموت خيفة من أن يختطفه قبل تمام التوبة وقبل إصالح الزاد‪ ،‬وهو معذور‬
‫اء اهلل َك ِرَه اهلل‬ ‫ِ‬
‫في كراهة الموت‪ ،‬وال يدخل هذا تحت قوله صلى اهلل عليه وسلم‪َ « :‬م ْن َك ِرَه ل َق َ‬
‫لَِقاءُه» فإن هذا ليس يكره الموت ولقاء اهلل‪ ،‬وإنما يخاف فوت لقاء اهلل لتقصيره ونقصه‪ ،‬وهو‬
‫كالذي يتأخر عن لقاء الحبيب مشتغالً باالستعداد للقائه على وجه يرضاه فال يعد كارها للقائه‬
‫وعالمة هذا أن يكون دائم االستعداد له ال شغل له سواه وإال التحق بالمنهمك في الدنيا‪ .‬وأما‬
‫العارف‪ ،‬فإنه يذكر الموت دائما‪ ،‬ألنه موعد للقائه لحبيبه‪ ،‬والمحب ال ينسى قط موعد لقاء‬
‫الحبيب‪ ،‬وهذا في غالب األمر يستبطىء مجيء الموت ليتخلص من دار العاصين‪ ،‬وينتقل إلى‬
‫جوار رب العالمين‪ ،‬فالتائب معذور في كراهة الموت‪ ،‬وهذا معذور في حب الموت وتمنيه‬
‫وأعلى منهما رتبة من فوض أمره إلى اهلل تعالى‪ ،‬فصار ال يختار لنفسه موتا وال حياة‪ ،‬بل يكون‬
‫أحب األشياء إليه أحبها إلى مواله‪ ،‬فهذا قد انتهى بفرط الحب إلى مقام التسليم والرضا‪ ،‬وهو‬
‫المنتهى وعلى كل حال ففي ذكر الموت ثواب وفضل فإن المنهمك أيضا يستفيد بذكر الموت‬
‫التجافي عن الدنيا إذ يكدر عليه صفو لذته وكل ما يكدر على اإلنسان اللذات والشهوات‪،‬‬
‫فهو من أسباب النجاة‬
‫يب) أي المؤمن صدقا والمسلم حقا الذي‬ ‫ت ِجسر يُوصل َ ِ‬
‫الحب َ‬ ‫ُ‬ ‫الم ْو ُ ْ ٌ‬
‫(وقال عليه السالم‪َ :‬‬
‫الح ِ‬
‫بيب) وهو اهلل تعالى‪ ،‬وفي رواية ألبي نعيم والبيهقي عن‬ ‫سلم المسلمون من لسانه ويده (إلى َ‬
‫أنس بإسناد حسن‪ .‬الموت كفارة لكل مسلم‪ ،‬أي لما يلقاه من اآلالم واألوجاع التي لم يقع له‬
‫ما يقرب منها من قبل‬
‫ت األَُم َر ِاء‬ ‫ت ال ُف َق َر ِاء َوَم ْو ُ‬‫ت األَغْنِيَ ِاء َوَم ْو ُ‬ ‫العلَ َم ِاء َوَم ْو ُ‬
‫ت ُ‬ ‫ت أ َْربَ ٌع َم ْو ُ‬‫الم ْو ُ‬
‫(وقال عليه السالم‪َ :‬‬
‫ت العلَم ِاء ثُلمةٌ) أي انكسار (في الدِّي ِن) وفي لفظ فتنة (ومو ُ ِ ِ‬
‫س َرةٌ) بفتح الحاء‬ ‫ت األَغْنيَاء َح َ‬ ‫ََْ‬ ‫فَ َم ْو ُ ُ َ َ‬
‫ت األَُم َر ِاء فِ ْت نَةٌ)‬‫احةٌ َوَم ْو ُ‬ ‫ِ‬
‫ت ال ُف َق َراء َر َ‬ ‫المهملة والسين‪ ،‬أي أشد الحزن على الشيء الغائب ( َوَم ْو ُ‬
‫وفي لفظ نكبة‪ ،‬أي مصيبة أو انكسار‬
‫اء اهلل ال يَ ُموتُو َن وإنّما يَنْتَ ِقلُون ِم ْن َدا ٍر ٰإلى َدا ٍر أُ ْخ َرى) وقال أبو‬ ‫(وقال عليه السالم‪ِ َّ :‬‬
‫إن أ َْوليَ َ‬
‫علي الروذباري رضي اهلل عنه‪ :‬مات عندنا فقير غريب‪ ،‬فغسلته وصلينا عليه‪ ،‬ووضعته في لحده‪،‬‬
‫فكشفت عن وجهه ليصيبه التراب‪ ،‬ففتح عينيه وقال‪ :‬يا أبا علي أتذللني بين يدي من ذللني؟‬
‫فقلت‪ :‬يا سيدي أحياة بعد موت؟ قال‪ :‬أنا حي وكل محب هلل حي ألنصرنك غدا بجاهي يا‬
‫روذباري كذا في تحفة اإلخوان للشيخ أحمد الفشني‬
‫الم ْؤِم ِن) وفي رواية ألحمد والبيهقي عن عائشة‬
‫احةُ ُ‬
‫ت َر َ‬
‫الم ْو ُ‬
‫(وقال عليه السالم‪ :‬نَ َع ْم َ‬
‫بإسناد ضعيف موت الفجاءة راحة للمؤمن وأخذة أسف للفاجر‪.‬‬
‫قوله‪ :‬الفجاءة ب فاء مضمومة مع المد أو مفتوحة مع القصر‪ ،‬أي البغتة‪ .‬قوله‪ :‬أسف بفتح‬
‫السين‪ ،‬أي غضب وبكسرها ومد الهمزة‪ ،‬أي غضبان‪ ،‬قوله‪ :‬للمؤمن أي المتأهب للموت‬
‫المراقب له‪ .‬قوله‪ :‬للفاجر‪ ،‬أي للكافر والفاسق غير المتأهب للموت‪ ،‬فموت الفجاءة من آثا ِر‬
‫غضب اهلل‪ ،‬فإنه لم يتركه ليتوب ويستعد لآلخرة‪ ،‬ولم يمرضه ليكون كفارة‬
‫العلَ َم ِاء ظُل َْمةٌ) وفي لفظ ثلمة (في الدِّي ِن وقال عليه السالم‪ :‬إ َذا‬
‫ت ُ‬ ‫(وقال عليه السالم‪َ :‬م ْو ُ‬
‫آد َم) وفي رواية إذا مات اإلنسان (انْ َقطَ َع َع َملُهُ) أي فائدة عمله وتجديد ثوابه (إالّ ِم ْن‬ ‫ات ابْ َن َ‬
‫َم َ‬
‫ص َدقَة َجا ِريَة) أي متصلة كوقف وفي‬ ‫ٍ‬
‫ثَالَث) فإن ثوابها ال ينقطع‪ ،‬بل هو دائم متصل النفع ( َ‬
‫فع بِ ِه) كتعليم وتصنيف‪ .‬قال التاج السبكي والتصنيف أقوى‬ ‫ِ‬
‫رواية صدقة دائرة (أ َْو علْم يَ ْنتَ ُ‬
‫صالِح) أي مسلم يدعو له‪ ،‬ألنه السبب في وجوده وفائدة‬ ‫لطول بقائه على ممر الزمان (أ َْو َولَد َ‬
‫تقييد الدعاء بالولد مع أن دعاء غيره ينفعه تحريض الولد على الدعاء ألصله رواه البخاري‬
‫ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة وورد في أحاديث أخر زيادة على الثالثة‬
‫س‬‫آد َم لَْي َ‬‫ات ابْ ُن َ‬ ‫وفتشها السيوطي‪ ،‬فبلغت أحد عشر ونظمها في قوله من بحر الوافر‪ :‬إذا َم َ‬
‫ات تَ ْجري ِوَراثَةُ‬ ‫س النَّ ْخ ِل َّ‬ ‫ال غَْي ِر َع ْش ِر ُعلُ ٌ‬ ‫يَ ْجري َعلَْي ِه ِم ْن فِ َع ٍ‬
‫والص َدقَ ُ‬ ‫َّها َو ُد َعاءُ نَ ْج ٍل َوغَ ْر ُ‬
‫وم بَث َ‬
‫ت لِلْغَ ِر ِ‬
‫يب بَنَاه يَأْوي إلَْي ِه أ َْو بِنَاءُ َم َح ِّل ِذ ْك ِر‬ ‫ط ثَغْ ٍر َو َح ْف ُر البِْئ ِر أ َْو ْ‬
‫إج َراءُ نَ ْه ِر َوبَ ْي ٌ‬ ‫ف َوِربَا ُ‬ ‫صح ٍ‬
‫ُم ْ َ‬
‫اد ٍ‬‫رآن َكر ٍيم فَ ُخ ْذ َها ِمن أَح ِ‬ ‫وتَ ْعلِيم لِ ُق ٍ‬
‫يث بِ َح ْ‬
‫ص ِر‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ٌ‬
‫ات) بالذال المعجمة أي قاطعها (قالوا) أي‬ ‫اذم اللَّ َّذ ِ‬ ‫ِ‬
‫(وقال عليه السالم‪ :‬اذْ ُك ُروا َه َ‬
‫ت‬‫الم ْو ُ‬
‫ت َ‬ ‫الم ْو ُ‬
‫ت َ‬ ‫الم ْو ُ‬‫ول اهلل وما هاذم اللذات قال) صلى اهلل عليه وسلم ( َ‬ ‫األصحاب (يا َر ُس ُ‬
‫ثَالَثا) أي قال هذه الكلمة التي هي الموت ثالث مرات‪ .‬وفي رواية البن أبي الدنيا عن أنس‬
‫بإسناد ضعيف أكثروا ذكر الموت‪ ،‬فإنه يمحص الذنوب ويزهد في الدنيا فإن ذكرتموه عند‬
‫الغنى بكسر الغين وفتح النون هدمه بالدال المهملة أي أزاله‪ ،‬وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم‬
‫بعيشتكم‬
‫يب أ َْو) أي بل ( َعابِر َسبِ ٍ‬
‫يل) شبه‬ ‫ك غَ ِر ٌ‬
‫الدنْيا كأنَّ َ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ُ :‬ك ْن في ُّ‬
‫الناسك السالك بالغريب الذي ليس له مسكن يأويه‪ ،‬ثم ترقى وأضرب عنه إلى عابر السبيل‪،‬‬
‫ألن الغريب قد يسكن في بلد الغربة بخالف عابر سبيل‪ ،‬وهذا الحديث أصل في الحث على‬
‫الفراغ عن الدنيا والزهد فيها واالحتقار لها والقناعة فيها بالبلغة‪ .‬وقال النووي‪ :‬معنى هذا‬
‫الحديث ال تركن إلى الدنيا وال تتخذها وطنا وال تحدث نفسك بالبقاء فيها وال تتعلق منها بما‬
‫ال يتعلق به الغريب في غير وطنه وأول الحديث عن عبد اهلل بن عمر قال‪ :‬أخذ رسول اهلل صلى‬
‫ك ِم ْن أ َْه ِل ال ُقبُوِر) استمر‬
‫سَ‬ ‫اهلل عليه وسلم بمنكبي وقال‪ُ « :‬ك ْن فِي ُّ‬
‫الدنْيَا» إلى آخره ( َوعُ َّد نَ ْف َ‬
‫سائرا وعد نفسك من األموات رواه اإلمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر‪،‬‬
‫وكذا البخاري إال أنه ما روى هذه الجملة األخيرة‬
‫ض) أي غير‬ ‫ات واألَ ْر ِ‬ ‫السم ٰو ِ‬ ‫ات العالِم ب َك ْ ِ‬
‫ت َعلَْيه أ َْه ُل َّ َ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬إذا َم َ َ ُ َ‬
‫العالِ ِم‪ ،‬فَ ُه َو ُمنَافِ ٌق ُمنَافِ ٌق‬ ‫ِ ِ‬
‫ين يَ ْوما وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن لَ ْم يَ ْح َز ْن ل َم ْوت َ‬
‫ِ‬
‫اآلدميين ( َس ْبع َ‬
‫ُمنَافِ ٌق قالها ثالث مرات)‪.‬‬
‫المالَئِ َكةُ) أي يقول بعضهم لبعض‬ ‫ول َ‬ ‫ت تَ ُق ُ‬ ‫الميِّ ُ‬
‫ات َ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬إذا َم َ‬
‫استفهاما‪ ،‬والمراد المالئكة الذين يمشون أمام الجنازة (ما قَ َّد َم) بتشديد الدال‪ ،‬أي من العمل‬
‫ف) بتشديد الالم‪ ،‬أي ما ترك لورثته‬ ‫َّاس َما َخلَّ َ‬ ‫ول الن ُ‬
‫أهو صالح فنستغفر له أم غيره ( َويَ ُق ُ‬
‫فالمالئكة ليس اهتمامهم إال باألعمال واآلدميون إال بالمال رواه البيهقي عن أبي هريرة‪ ،‬وهو‬
‫حديث ضعيف‪.‬‬

‫{الباب الثامن والثالثون‪ :‬في فضيلة ذكر القبر وأهواله}‬


‫قال بعضهم‪ :‬رأيت عاصما في منامي بعد موته بسنتين فقلت‪ :‬أليس َّ‬
‫قد مت؟ قال‪ :‬بلى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فأين أنت؟ قال‪ :‬أنا واهلل في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة‬
‫جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد اهلل المزني‪ ،‬فتبلغنا أخباركم‪ .‬فقلت‪ :‬أجسامكم أم أرواحكم؟‬
‫قال‪ :‬هيهات بليت األجسام‪ ،‬وإنما تتالقى األرواح‪ .‬فقلت‪ :‬هل تعلمون بزيارتنا إياكم؟ قال‪:‬‬
‫نعلم بها عشية الجمعة‪ ،‬ويوم الجمعة كله ويوم السبت إلى طلوع الشمس‪ .‬قلت‪ :‬فكيف ذلك‬
‫دون األيام كلها؟ قال‪ :‬لفضل يوم الجمعة وعظمه كذا في تحفة اإلخوان‪.‬‬
‫الجن َِّة أو ُح ْف َرةٌ) بسكون الفاء‬ ‫اض َ‬ ‫ضةٌ ِم ْن ِريَ ِ‬ ‫(قال النبي عليه الصالة والسالم‪ :‬ال َق ْب ُر َرْو َ‬
‫وبالتاء ( ِم ْن ُح َف ِر النَّا ِر) فالحفر بضم الحاء وفتح الفاء وبحذف التاء في اآلخر‪ ،‬وهو جمع مثل‬
‫غرفة وغرف‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫اء َويُ َو َّس ُع لَهُ قَ ْب ُرهُ َس ْبع َ‬‫ض َر َ‬ ‫الم ْؤِم ُن في قَ ْب ِرهِ فِي َرْو َ‬
‫ض ٍة َخ ْ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ُ :‬‬
‫ضيءُ َحتَّى يَ ُكو َن كال َق َم ِر لَْي لَةَ البَ ْد ِر) وفي اإلحياء قال مالك بن أنس‪ :‬بلغني أن أرواح‬ ‫ِذراعا وي ِ‬
‫َ َُ‬
‫المؤمنين مرسلة تذهب حيث شاءت‬
‫ش في‬ ‫اب ال َق ْب ِر َما نَ َف َع ُهم َ‬
‫الع ْي ُ‬ ‫ف َع َذ ُ‬‫آد َم َعلِ ُموا َك ْي َ‬
‫أن بَنِي َ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬لَْو َّ‬
‫الدنْيَا فَتَ َع َّوذوا) أي استعينوا (باهلل ال َك ِر ِيم) أي الذي يعطي النوال قبل السؤال ( ِم ْن َع َذ ِ‬
‫اب ال َق ْب ِر‬ ‫ُّ‬
‫يم) أي الثقيل وفي حديث حسن للحاكم عن أبي ذر لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليالً‬ ‫الو ِخ ِ‬
‫َ‬
‫ولبكيتم كثيرا‪ ،‬ولما ساغ لكم الطعام والشراب‪ ،‬وعن الحسن البصري قال‪ :‬من علم أن الموت‬
‫مورده والقيامة موعده والوقوف بين يدي اهلل تعالى مشهده‪ ،‬فحقه أن يطول في الدنيا حزنه‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬ما ِم ْن َع ْب ٍد يَ ُم َّر بَِق ْب ِر َر ُج ٍل) أي إنسان ذكرا كان أو أنثى ( َكا َن‬
‫الم) رواه الخطيب وابن عساكر عن أبي‬ ‫الس َ‬ ‫ورد َعلَْيه َّ‬ ‫سلِّ ُم َعلَْي ِه إال عرفَهُ َّ‬ ‫يَ ْع ِرفُهُ في ُّ‬
‫الدنْيَا فَيُ َ‬
‫هريرة قال العزيزي وال مانع من خلق هذا اإلدراك برد الروح في بعض بدنه‪.‬‬
‫قال المناوي قوله صلى اهلل عليه وسلم كان يعرفه يفهم منه أنه إذا لم يعرفه ال يرد‪ ،‬وهو‬
‫غير مراد‪ .‬فقد أخرج ابن أبي الدنيا‪ ،‬وزاد في روايته وإن لم يعرفه رد عليه السالم اه ‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال لَهُ أ َْهلُ‬ ‫ين إالّ قَ َ‬ ‫الم ْسلم َ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬ما م ْن ُم ْسل ٍم َم َّر ب َق ْب ٍر م ْن َم َقاب ِر ُ‬
‫ك‬ ‫س ِد َك َو َد ُم َ‬
‫ك َعلَى َج َ‬ ‫اب لَ ْح ُم َ‬
‫ت َما نَ ْعلَ ُم لَ َذ َ‬‫ال ُقبُوِر يَا غَافِ ُل) أي عن عبادة اهلل تعالى (لَْو َعلِ ْم َ‬
‫ض َع في ال َق ْب ِر َوأُقْعِ َد َوقَ َ‬ ‫إن الع ْب َد الم ْؤِمن إذا و ِ‬ ‫َعلَى بَ َدنِ َ‬
‫ال ْأهلُهُ‬ ‫ك وقال عليه الصالة والسالم‪ُ َ ُ َ َّ :‬‬
‫ال‬‫اسيِّ َداهُ) فوا حرف نداء وندبة والهاء للوقف (وا َشري َفاهُ وا ِأم َيراهُ قَ َ‬ ‫ِ‬
‫وأَقْ ِربَا ُؤهُ وأَحبَّا ُؤهُ َوأَبْنَا ُؤه َو َ‬
‫ت‪ :‬يا ليتَ ُه ْم لَ ْم‬ ‫الميِّ ُ‬
‫ال َ‬ ‫ت أميرا قَ َ‬ ‫ت َش ِريفا َوأَنْ َ‬ ‫ت َسيِّدا َوأَنْ َ‬ ‫اس َم ْع َما يَ ُقولُو َن أَنْ َ‬
‫ت ُك ْن َ‬ ‫الملك ْ‬
‫ُ‬ ‫لَهُ‬
‫ضالَعُه) وفي رواية ألحمد وأبي داود والشيخين والنسائي‬ ‫ف بها أَ ْ‬‫ضغْطَةً تَ ْختَلِ ُ‬ ‫ضغَطُهُ َ‬ ‫يَ ُكونُوا فَيَ ْ‬
‫عن أنس بن مالك أن النبي صلى اهلل عليه وسلم دخل نخالً لبني النجار‪ ،‬فسمع صوتا‪ ،‬ففزع‬
‫اب ٰه ِذهِ ال ُقبُوِر»؟ فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل ناس ماتوا في الجاهلية‪ .‬فقال‪ :‬نعوذ‬ ‫َص َح ُ‬ ‫فقال‪َ « :‬م ْن أ ْ‬
‫باهلل من عذاب القبر‪ ،‬ومن فتنة الدجال‪ .‬قالوا‪ :‬وما ذاك يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬إن العبد إذا وضع‬
‫في قبره وتولى عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان‪ ،‬فيقعدانه فيقوالن له‪ :‬ما‬
‫كنت تقول في هذا الرجل لمحمد؟ فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد اهلل ورسوله‪ ،‬فيقال انظر‬
‫إلى مقعدك من النار قد أبدلك اهلل به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا‪ ،‬ويفسح له في قبره‬
‫سبعون ذراعا ويمأل عليه خضرا إلى يوم يبعثون‪ .‬وأما الكافر أو المنافق فيقال له‪ :‬ما كنت تقول‬
‫في هذا الرجل؟ فيقول‪ :‬ال أدري كنت أقول ما يقول الناس‪ .‬فيقال له‪ :‬ال دريت وال تليت‪ ،‬ثم‬
‫يضرب بمطراق من حديد ضربة بين أذنيه‪ ،‬فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين‪ ،‬ويضيق‬
‫عليه قبره حتى تختلف أضالعه قوله لمحمد‪ ،‬أي في محمد أي إن قول هذا الرجل في حق‬
‫مح مد‪ ،‬ومعنى هذا الرجل‪ ،‬أي الحاضر ذهنا عبر بذلك ال بنحو هذا النبي امتحانا للمسؤول‬
‫لئال يلقن منه‪.‬‬
‫قوله أو المنافق شك من الراوي أي أن أو بمعنى الواو‪ .‬والمنافق هو الذي أظهر اإلسالم‬
‫وأخفى الكفر‪ .‬قوله‪ :‬وال تليت بمثناة مفتوحة بعدها الم مفتوحة وتحتانية ساكنة‪ ،‬أي ال قرأت‬
‫القرآن أو المعنى ال اتبعت من يدري‬
‫صحيح‬ ‫بيح َوبَ َد ٍن‬
‫ص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬قال اهلل تَ َعالى يا عيسى َك ْم م ْن َو ْجه َ‬
‫يح‪ .‬وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬ال َق ْب ُر َّأو ُل َم ْن ِزٍل ِم ْن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولِس ٍ‬
‫ان فَ ِ‬
‫يح غدا بَ ْي َن أَطْبَاق النِّيران يَص ُ‬ ‫ص ٍ‬ ‫َ َ‬
‫الدنْيا) وكان عثمان بن عفان رضي اهلل عنه إذا وقع على قبر‬ ‫وآخ ُر َم ْن ِزٍل ِم ْن َمنَا ِزِل ُّ‬
‫اآلخرةِ ِ‬
‫ِ ِ‬
‫َمنَا ِزل َ‬
‫بكى ما ال يبكيه عند ذكر الجنة والنار‪ ،‬فقيل له في ذلك فقال سمعت رسول اهلل صلى اهلل‬
‫س ُر ِم ْنهُ»‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عليه وسلم يقول‪« :‬ال َق ْب ُر أ ََّو ُل َمنَا ِزِل اآلخ َرة‪ ،‬فَإ ْن نَ َجا َ‬
‫الع ْب ُد م ْنهُ فَ َما بَ ْع َدهُ أَيْ َ‬
‫ُّز ِ‬ ‫ِِِ‬
‫ول‪ .‬وقال عليه الصالة والسالم‪:‬‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬ال َق ْب ُر َم ْن ِزٌل الَ بُ َّد فيه م َن الن ُ‬
‫ض َعلَْي ِه َم ْق َع ُدهُ أي محل قعوده من الجنة أو النار بأن تعاد الروح إلى بدنه‬ ‫َح ُد ُك ْم ُع ِر َ‬
‫ات أ َ‬ ‫إذا َم َ‬
‫الجن َِّة) أي فمقعده من‬ ‫والع ِش ِّي) أي وقتهما (إ ْن َكا َن ِمن ْأه ِل ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الجنَّة فَم ْن أ َْه ِل َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أو بعضه (بالغَ َداة َ‬
‫مقاعد أهل الجنة (وإ ْن كا َن ِم ْن ْأه ِل النَّا ِر فَ ِم ْن أ َْه ِل النَّا ِر) أي فمقعده من مقاعد أهل النار‬
‫ال) أي له من قبل اهلل تعالى (هذا َم ْق َع ُد َك‬ ‫فليس الجزاء والشرط متحدين معنى بل لفظا (يُ َق ُ‬
‫القيَ َام ِة) أي ال تصل إليه إال بعد البعث‪ ،‬وهذا‬ ‫إلى ذلك المقعد (ي وم ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ك اهلل إلَْي ِه) أي ٰ‬ ‫َحتَّى يَ ْب َعثَ َ‬
‫واضح في حق المؤمن الخالص والكافر‪ ،‬وكذا المؤمن الذي يخلط عمله بذنب فيرى مقعده في‬
‫الجنة فيقال له‪ :‬هذا مقعدك‪ ،‬وستصير إليه بعد مجازاتك بالعقوبة على ما تستحق رواه الشيخان‬
‫والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر بن الخطاب‪.‬‬

‫{الباب التاسع والثالثون‪ :‬في منع النياحة على الميت}‬


‫وفي بعض النسخ تقديم هذا الباب على الباب الذي قبله قال النووي في األذكار‪ :‬واعلم‬
‫أن الني احة رفع الصوت بالندب‪ ،‬والندب تعديد النادبة بصوتها محاسن الميت‪ .‬وقيل‪ :‬هو‬
‫البكاء عليه مع تعديد محاسنه‪ .‬قال أصحابنا ويحرم رفع الصوت بإفراط البكاء‪ ،‬وأما البكاء‬
‫على الميت من غير ندب وال نياحة فليس بحرام انتهى‪.‬‬
‫اهلِيَّ ِة) وفي رواية البن ماجه‬
‫ال الج ِ‬ ‫ِ‬
‫احةُ َع َملٌ م ْن أ ْع َم ِ َ‬
‫(قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬النِّيَ َ‬
‫النياحة من أمر الجاهلية‪ ،‬وإن النائحة إذا ماتت ولم تتب قطع اهلل لها ثيابا من قطران ودرعا من‬
‫لهب النار‪ .‬قال ابن حجر‪ :‬فيحرم الندب وهو تعديد محاسن الميت كوا جباله‪ ،‬والنوح وهو‬
‫رفع الصوت بالندب ومثله إفراط رفعه بالبكاء‪ ،‬وإن لم يقترن بندب وال نوح وضرب نحو الخد‬
‫وشق نحو الجيب ونشر الشعر وحلقه ونتفه‪ ،‬وتسويد الوجه وإلقاء الرماد على الرأس‪ ،‬والدعاء‬
‫بالويل والثبور أي الهالك وكل شيء فيه تغيير للزي‪ ،‬كلبس ما اليعتاد لبسه أصالً‪ ،‬وكترك شيء‬
‫من لباسه والخروج بدونه على خالف العادة‪.‬‬
‫َّاس أ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪ .‬وقال‬ ‫والمالَئِ َكة والن ِ ْ‬
‫َج َمع َ‬ ‫احة َع ُد ٌو هلل َ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن فَ َع َل النِّيَ َ‬
‫ْب) وهذا يدل‬ ‫القي ِ‬
‫امة) أي الوقف (تَ ْنبَ ُح َكنَْب ِح ال َكل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬تَجيء النَّائ َحةُ يَ ْو َم َ‬
‫على أن النوح من الكبائر‪ .‬وفي حديث ضعيف البن عساكر عن أبي هريرة‪ :‬تجعل النوائح‪ ،‬أي‬
‫من النساء يوم القيامة صفين‪ :‬صف عن يمينهم وصف عن يسارهم أي أهل النار فينبحن على‬
‫أهل النار كما تنبح الكالب‪.‬‬
‫اء) أي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬تَجيءُ النَّائ َحةُ يَ ْو َم القيَ َامة) أي إلى الموقف ( َش ْعثَ َ‬
‫اء) أي كثيرة الغبار في بدنها ( َعلَْي َها) أي النائحة ( ِجلْبَ ٌ‬
‫اب) أي‬ ‫متلبدا شعرها وسخا جسدها (غَْب َر َ‬
‫ول َوا َويْالَهُ) فوا حرف نداء وندبة وياله منادى‬ ‫ملحفة ( ِم ْن نَا ٍر َوتَ َ‬
‫ض ُع يَ َد َها َعلَى َرأْ ِسها َوتَ ُق ُ‬
‫مندوب به واأللف للندبة والهاء لالستراحة‪ ،‬ومعنى النداء يا هالكي أقبل ويا حزني أقبل ويا‬
‫عذابي احضر فهذا وقتك‪ ،‬وألنها نادت الويل أن يحضرها لما عرض لها من األمر الفظيع‪ ،‬وفي‬
‫حديث اإلمام أحمد ومسلم عن أبي مالك األشعري‪ :‬النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم‬
‫القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب‪ ،‬والسربال قميص وكذا الدرع والقطران بفتح‬
‫فكسر نحاس مذاب‪ ،‬أو ما تداوى به اإلبل‪ ،‬والمعنى أنه يصير جلدها أجرب حتى يكون‬
‫الجرب كقميص على بدنها‪ ،‬وسر ذلك أن األجرب سريع األلم لتقرح جلده والقطران يقوي‬
‫اشتعال النار‬
‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬لَ َع َن اهلل النَّائِ َحةَ) أي الرافعة صوتها بالندب ويقال لها الصالقة‬
‫والحالَِقةَ) أي لرأسها عند المصيبة ( َ‬
‫والخا ِرقَةَ) أي لثوبها‬ ‫أيضا (والمستَ ِمعةَ) أي لنوحها ( ِ‬
‫ُْ َ‬
‫والسالِغَةَ) بالغين المعجمة أي الخادشة لوجهها (والو ِ‬
‫اش َمةَ) أي‬ ‫والشاقَّةَ) أي لجيب قميصها ( َّ‬‫( َّ‬
‫َ‬
‫اء) أي‬
‫والم ْرطَ َ‬
‫اء) أي الصائحة ( َ‬ ‫والم ْستَ ْو ِش َمةَ) أي التي تطلب الوشمة ( َّ‬
‫والسلْطَ َ‬ ‫التي تشم غيرها ( ُ‬
‫التي تنتف شعرها عند المصيبة‪ ،‬وفي خبر الشيخين عن عمر بن الخطاب أن الميت ليعذب‬
‫ببكاء الحي‪ ،‬أي بكاء مذموما بأن اقترن بنحو ندب أو نوح ال بمجرد دمع العين‪ ،‬ومحل ذلك‬
‫التعذيب إذا أوصاهم بفعل البكاء المذموم كما هو عادة الجاهلية كقول طرفة لزوجته من بحر‬
‫ب يَا ابْنَةَ َم ْعبَ ِد‬ ‫ِ‬
‫ت فَأنْ َع ْيني بِ َما أَنَا أ َْهلُهُ َو ُش ِّقي َعلَ َّي َ‬
‫الج ْي َ‬ ‫الطويل‪ :‬إذا ُم ُّ‬
‫ين) وفي‬ ‫ِ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬من نَاح ِع ْن َد ِ ِ ِ‬
‫المنَافق َ‬
‫اس ُمهُ في ديوان ُ‬ ‫ب ْ‬ ‫المصيبَة ُكت َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ‬
‫الزواجر قال أصحابنا وغيرهم ويتأكد لمن ابتلي بمصيبة بميت‪ ،‬أو في نفسه أو أهله أو ماله‪،‬‬
‫وإن خفت أن يكثر من قول إنا هلل وإنا إليه راجعون أأجرني في مصيبتي‪ ،‬واخلف لي خيرا منها‬
‫لخبر مسلم‪ ،‬إن من قال ذلك آجره اهلل وأخلف له خيرا منها‪ ،‬وألنه تعالى وعد من قال ذلك‬
‫بأن عليهم صلوات من ربهم ورحمة‪ ،‬وأنهم المهتدون أي للترجيح أو للجنة والثواب‬
‫ار ِع ْن َد نِ ْع َم ٍة) أي زمر‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ان في ُّ‬
‫الدنْيا َواآلخ َرة م ْزَم ٌ‬
‫ان ملْعونَ ِ‬
‫ِ‬
‫ص ْوتَ َ ُ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬‬
‫صيبَ ٍة) رواه البزار عن أنس‬ ‫بالمزمار عند حادث سرور (ورنَّةٌ) بتشديد النون أي صيحة ( ِع ْن َد م ِ‬
‫ُ‬ ‫ََ‬
‫بإسناد صحيح (وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬م ْن َخ َر َق بِيَ ِدهِ َج ْيبَا) وهو ما ينفتح من القميص‬
‫ضربهُ) أي الخد (أَو نَاح ِع ْن َد الم ِ‬
‫صيبَ ِة كا َن‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ش َخ ّدا) أي جرحه باألظفار (أ َْو َ َ َ‬
‫على الصدر (أ َْو َخ َد َ‬
‫اصيا هلل َوَر ُسولِ ِه) وفي رواية ابن ماجه وابن حبان عن أبي أمامة لعن اهلل الخامشة وجهها‬
‫َع ِ‬
‫والشاقة جيبها‪ ،‬والداعية بالويل والثبور‪ ،‬أي وذلك كقولها يا حزني ويا هالكي‪ ،‬فالويل الحزن‬
‫والثبور الهالك‪.‬‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬ال ي ِح ُّل لِلْمرأةِ أَ ْن تَطْرح َش ْعر رأْ ِسها ِع ْن َد الم ِ‬
‫صيبَ ِة فإ ْن طََر َحت‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صى اهلل‬ ‫ضائِها ي وم ال َقي ِام ِة‪ ،‬وَكانَ ْ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت م َّم ْن َع َ‬ ‫ب اهلل لها ب ُك ِّل َش ْع َرة َحيَّةً َعلَى أ ْع َ َ ْ َ َ َ‬ ‫َش ْع َر رأسها‪َ ،‬كتَ َ‬
‫َج َم ُعو َن) وفي رواية للنسائي عن أبي موسى األشعري‬ ‫ِ‬ ‫ولَعنَها اهلل و ِ‬
‫اس أ ْ‬ ‫المالَئ َكةُ واألنْبيَاءُ والنّ ُ‬
‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫بإسناد صحيح‪ :‬ليس منا من سلق وال من حلق وال من خرق‪ ،‬أي ليس من أهل سنتنا من رفع‬
‫صوته في المصيبة بالبكاء والنوح‪ ،‬وال من حلق شعره في المصيبة‪ ،‬وال من خرق ثوبه جزعا‪.‬‬
‫ود) أي عند‬ ‫س ِمنَّا) أي من أهل طريقنا ( َم ْن لَطَ َم ُ‬
‫الخ ُد َ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬لَْي َ‬
‫المصيبة وخص الخد بذلك لكونه الغالب في ذلك‪ ،‬وإال فضرب بقية البدن داخل في ذلك كذا‬
‫وب) جمع جيب وهو ما يفتح من القميص ليدخل فيه الرأس للبسه‪،‬‬ ‫أفاد العزيزي ( َو َش َّق ُ‬
‫الجيُ َ‬
‫اهلِيَّ ِة) وهي زمن الفترة‬
‫وجمع الخدود والجيوب باعتبار إرادة الجمع للتغليظ (و َدعا بِ َد ْعوى الج ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫قبل اإلسالم‪ ،‬أي نادى بمثل ندائهم نحو واكهفاه واجباله واسنداه رواه أحمد والشيخان‬
‫والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود‪ .‬وليس المراد بهذا الحديث إخراج من فعل ذلك‬
‫من الدين‪ ،‬ولكن فائدة قوله ليس منا المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك كما يقول‬
‫الرجل لولده عند معاتبته لست منك ولست مني‪ ،‬أي ما أنت على طريقتي‪ ،‬وفي المعنى ليس‬
‫على ديننا الكامل‪ ،‬وكأن السبب في ذلك ما تضمنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء‪ .‬وروي في‬
‫ف َش ْعرا‪ ،‬فَ َكأَنَّما‬ ‫الحديث‪ :‬من أَصاب ْتهُ م ِ‬
‫صيبَةٌ فَ َخ َر َق َعلَْي َها ثَ ْوبا أ َْو لَطَ َم َخ ّدا أ َْو َش َّق َج ْيبا أ َْو نَتَ َ‬ ‫َْ ََ ُ‬
‫ب بِ ِه َربَّهُ انتهى‪.‬‬ ‫َخ َذ ُرْمحا يُ ِريد أَ ْن يُ َحا ِر َ‬
‫أَ‬

‫{الباب األربعون‪ :‬في فضيلة الصبر عند المصيبة}‬


‫وفي الحديث ما أصيب عبد بمصيبة إال لذنب لم يغفر إال بها‪ ،‬أو درجة لم يكن يبلغها إال‬
‫بها‪ ،‬وفي رواية ابن أبي الدنيا‪ :‬ما أصاب رجالً من المسلمين نكبة فما فوقها حتى الشوكة إال‬
‫إلحدى خصلتين‪ :‬إما ليغفر اهلل له من الذنوب ذنبا لم يكن يغفر له إال بمثل ذلك أو يبلغ به‬
‫من الكرامة كرامة لم يكن يبلغها إال بمثل ذلك كذا في الزواجر‪ ،‬قال بعضهم‪ :‬الصبر صبران‪:‬‬
‫فاللئام أصبر أجساماً‪ ،‬والكرام أصبر نفوسا‪ ،‬وليس الصبر الممدوح أن يكون صاحبه قوي‬
‫الجسد على اللد والكد‪ ،‬كما هو من صفات البهائم‪ ،‬بل أن يكون للنفس غلوبا ولألمور‬
‫محتمالً‪ ،‬والفرق بين المتصبر والصابر والصبار أن األول هو الذي يتحمل المشاق‪ ،‬وتظهر‬
‫عليه‪ ،‬وإنما يمنعه من السخط خوف اهلل‪ ،‬والثاني هو من تعود حمل المشاق‪ ،‬فلم تظهر عليه‪،‬‬
‫والثالث هو الذي عود نفسه الهجوم على المكاره بال كلفة في ذلك دون المرارة كذا في‬
‫الفتوحات الوهبية‪.‬‬
‫الص ْب ُر) أي الكامل الذي يتفرع منه األجر الجزيل ( ِع ْن َد‬
‫ال النَّبِ ُّي عليه الصالة والسالم‪َّ :‬‬
‫(قَ َ‬
‫الص ْد َم ِة األُولَى) أي عند ابت داء المصيبة لكثرة المشقة فيها رواه البزار وأبو يعلى عن أبي هريرة‬‫َّ‬
‫رضي اهلل عنه‪ ،‬وهو حديث صحيح‪ .‬قال ابن حجر في معنى هذا الحديث‪ ،‬أي إنما يحمد‬
‫الصبر عند مفاجأة المصيبة‪ ،‬وأما فيما بعد فيقع السلو طبعا وفي حديث صحيح للبزار عن ابن‬
‫عباس الصبر عند أول مصيبة أي الصبر العظيم الثواب عند فورة المصيبة وابتدائها وبعد ذلك‬
‫تنكسر حدة المصيبة وحرارة الرزية‪.‬‬
‫الص ْب ُر َر ُجالً لَ َكا َن َر ُجالً َك ِريما) رواه أبو نعيم عن‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬لَْو َكا َن َّ‬
‫عائشة وإسناده ضعيف‪ .‬أي لو قدر أن الصبر رجل كان كريما‪ ،‬فكيف تتركونه‪ ،‬ولذا قال‬
‫الحسن البصري الصبر كنز من كنوز الجنة ال يعطيه اهلل إال لعبد كريم عنده (وقال عليه الصالة‬
‫اء لَهُ) أي‬ ‫ِ ٍ‬
‫ب اهلل َع ْبدا) أي أراد اهلل له الخير (ابْتَالَهُ) أي امتحنه (ببَالء الَ َد َو َ‬ ‫َح َّ‬
‫والسالم‪ :‬إ َذا أ َ‬
‫اجتَبَاهُ) أي‬
‫صبَ َر) أي على ذلك البالء ( ْ‬ ‫من مرض أو هم أو ضيق ليطهره من الذنوب (فإ ْن َ‬
‫واصطََفاهُ) أي اختاره وأحبه حبا عظيما‪.‬‬ ‫ض َي) على ذلك وعلى المبلي ( ْ‬ ‫اختاره (وإ ْن ر ِ‬
‫َ‬
‫ض ُل ِع ْن َد اهلل ِم ْن ُج ْر َع ِة غَْي ٍظ َكظَمها‬
‫ع َع ْب ٌد ُج ْر َعةً أَفْ َ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬ما تَ َّج َر َ‬
‫ابْتَ غَاء َو ْج ِه اهلل تَ َعالى) رواه اإلمام أحمد والطبراني عن عمر قال العزيزي‪ :‬أصل الجرعة‬
‫االبتالع‪ ،‬والتجرع شرب في عجلة والجرعة من الماء كاللقمة من الطعام‪ ،‬وهو ما يجرع مرة‬
‫واحدة‬
‫ض ِه َم ْن َح ِفظَ َها) أي‬
‫صايَا اهلل تَ َعالى في أ َْر َ‬ ‫ِ ِ‬
‫الص ْبر َوصيَّةٌ م ْن َو َ‬‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َّ :‬‬
‫ك) أي في العذاب وقال عمر بن الخطاب رضي‬ ‫ضيَّ َع َها َهلَ َ‬
‫الوصية (نَ َجا) أي من العتاب ( َوَم ْن َ‬
‫اهلل عنه لرجل‪ :‬إن صبرت مضى أمر اهلل وكنت مأجورا‪ ،‬وإن جزعت مضى أمر اهلل‪ ،‬وكنت‬
‫مأزورا‪.‬‬
‫وسى‬ ‫ان َعلَْي ِه َما َّ‬ ‫(وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬أَوحى اهلل تَعالى إلى موسى ب ِن عمر ِ‬
‫الم يَا ُم َ‬
‫الس ُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫صبِ ْر َعلَى بالئي َولَ ْم يَ ْش ُك ْر نَعمائي فَ لْيَ ْخ ُر ْج ِم ْن بَ ْي ِن أَرضي َو َس َمائِي‬
‫ضائِي َولَ ْم يَ ْ‬
‫ض بَِق َ‬
‫َم ْن لَ ْم يَ ْر َ‬
‫ب لَهُ َربّا ِسوائِي) في هذا الكالم أمر تهديد وحث على الرضا بالقضاء والصبر على البالء‪،‬‬ ‫َولْيَطْلُ ْ‬
‫وا لشكر على النعماء‪ ،‬وفي رواية للطبراني عن أبي هند الداري قال اهلل تعالى‪ :‬من لم يرض‬
‫بقضائي‪ ،‬ولم يصبر على بالئي‪ ،‬فليلتمس ربا سوائي‪ .‬وفي رواية للبيهقي عن أنس قال اهلل‬
‫تعالى‪ :‬من لم يرض بقضائي وقدري فليلتمس ربا غيري‪.‬‬
‫عمائة َد َر َج ٍة) وقال ابن عباس رضي‬ ‫الص ْب ر ِع ْن َد ِ ِ ِِ‬
‫المصيبَة بت ْس َ‬‫ُ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ُ َّ :‬‬
‫اهلل عنهما‪ :‬أفضل العدة الصبر عند الشدة‪،‬‬
‫اع ٍة َخ ْي ٌر ِم َن ُّ‬
‫الدنْيَا َوَما فِيها) وقال علي رضي اهلل‬ ‫ص ْب ُر َس َ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َ :‬‬
‫عنه‪ :‬الصبر مطية ال تكبو وسيف ال يلبو‪.‬‬
‫ص ْب ٌر‬ ‫ِ ٍ‬
‫الص ْب ُر َعلَى أ َْربَ َعة أ َْو ُجه) أي أنواعه باعتبار متعلقة أربعة ( َ‬
‫(وقال عليه الصالة والسالم‪َّ :‬‬
‫صيبَ ِة) أي على‬ ‫ض) أي على فعلها وتحمل مشاقها حتى يؤديها (وص ْب ر َعلَى الم ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌَ‬ ‫َعلَى ال َف َرائِ ِ‬
‫َّاس) أي بحيث يتركه على حالة حسنة وأمر‬ ‫ص ْب ٌر َعلَى أذَى الن ِ‬ ‫حرارتها بحيث ال يتسخطها ( َو َ‬
‫وص ْب ٌر َعلَى ال َف ْق ِر) أي على ضيق المعيشة ( َّ‬
‫فالص ْب ُر َعلَى‬ ‫جميل فال يحسب لهم حسابا أصالً ( َ‬
‫صيبَ ِة َمثُوبَةٌ) أي سبب‬‫والص ْب ر َعلَى الم ِ‬
‫ُ‬ ‫ض تَ ْوفي ٌق) أي حصول التوفيق من اهلل تعالى ( َّ ُ‬
‫ال َفرائِ ِ ِ‬
‫والص ْب ُر َعلَى أ َذى الن ِ‬
‫َّاس َم َحبَّةٌ) أي عالمة أنه محبوب عند اهلل‬ ‫لحصول الثواب من اهلل تعالى ( َّ‬
‫تعالى وعند الخلق‪ ،‬ولذلك عد بعضهم أن من أفضل أنواع الصبر الصبر على مخالطة الناس‬
‫والص ْب ُر َعلَى ال َف ْق ِر ِر َ‬
‫ضا اهلل تَ َعالى) أي دليل على أنه راض بقسمة اهلل تعالى وفي‬ ‫وتحمل أذاهم ( َّ‬
‫الحديث‪ :‬المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي ال يخالط‬
‫الناس‪ ،‬وال يصبر على أذاهم‪ ،‬رواه أحمد والبخاري وابن ماجه عن عمر بإسناد حسن‪.‬‬
‫صيبةٌ) أي شدة وبالء (في ب َدنِ ِه أو مالِهِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫دث َعلى َع ْبد ُم َ‬ ‫(وقال عليه الصالة والسالم‪ :‬إذَا َح َ‬
‫ب لَهُ) أي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫استَ ْحيَا اهلل يَ ْو َم القيَ َامة أَ ْن يَ ْنص َ‬
‫يل ْ‬ ‫ص ْب ٍر َج ِم ٍ‬
‫ك) أي المصيبة (بِ َ‬ ‫فاستَ ْقبَ َل ٰذلِ َ‬ ‫ِِ‬
‫أو َولَده ْ‬
‫ش َر لَهُ ِديوانا) فقوله استحيا جواب الشرط ومعناه ترك اهلل نصب‬ ‫لذلك العبد ( ِميزانا ْأو يَ ْن ُ‬
‫الميزان‪ ،‬ونشر الديوان ترك من يستحي أن يفعلهما‪ ،‬وفي بعض النسخ بدل هذا الحديث وروي‬
‫صيبَةً‬‫يدي م ِ‬ ‫ت إلى َعب ٍد ِمن َعبِ ِ‬ ‫ال اهلل تَ َعالَى إذا َو َّج ْه ُ‬ ‫عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪« :‬قَ َ‬
‫ُ‬ ‫ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫ب لَهُ‬ ‫ت يَ ْو َم القيَ َامة أ ْن أَنْص َ‬
‫استَ ْحيَ ْي ُ‬
‫يل ْ‬ ‫ص ْب ٍر َج ِم ٍ‬ ‫في بَ َدنِه أ َْو في َولَده ْأو في َماله ْ‬
‫فاستَ ْقبَ لَها بِ َ‬
‫ش َر لَهُ ديوانا» رواه الحكيم عن أنس‪ ،‬وإسناده ضعيف قيل الصبر الجميل أن يكون‬ ‫ِميزانا ْأو أنْ ُ‬
‫صاحب المصيبة في القوم ال يدرى من هو‪ ،‬وفي حديث رواه البيهقي والقضاعي عن أنس‪:‬‬
‫أفضل العبادات انتظار الفرج من اهلل‪ ،‬أي فإذا نزل بأحد بالء فترك الشكاية وصبر‪ ،‬وانتظر‬
‫الفرج فذلك من أفضل ال عبادات‪ ،‬ألن الصبر في البالء انقياد لقضاء اهلل تعالى‪ .‬وقد قال‬
‫الشاعر من بحر البسيط‪:‬‬
‫فالص ْب ُر يَ ْفتَ ُح ِمنْ َها ُك َّل ما ارتَتَ َجا‬
‫َّ‬ ‫سالِ ُك َها‬
‫ت َم َ‬‫س َّد ْ‬ ‫َّ‬
‫إن األُ ُم َ‬
‫ور إذا انْ َ‬
‫ت بِ َ‬
‫ص ْب ٍر أ ْن تَ َرى فَ َر َجا‬ ‫استَ َع ْن َ‬‫ت ُمطَالَبَةٌ إذا ْ‬ ‫َس َّن وإ ْن طَالَ ْ‬
‫ال تَ ْيأ َ‬
‫اب أَ ْن يَلِ َجا‬
‫اجتِ ِه َوُم ْد ِم ِن ال َق ْر ِع لألَبْ َو ِ‬
‫الصب ِر أ ْن يَ ْحظى بِ َح َ‬‫أَ ْخلِ ْق بذي َّ‬
‫وهذا آخر ما يسره اهلل تعالى في هذا الكتاب‪ ،‬والحمد هلل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي‬
‫لوال أن هدانا اهلل‪ ،‬الحمد هلل أوالً وآخرا وباطنا وظاهرا يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجالل‬
‫وجهك وعظيم سلطانك وصلى اهلل على سيدنا وموالنا محمد خاتم النبيين‪ ،‬وإمام المرسلين‬
‫وحبيب رب العالمين صلى اهلل عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين‪ ،‬وأصحابه البررة األكرمين‪،‬‬
‫وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

You might also like