You are on page 1of 23

‫حقيقة‬

‫التصوف‬
‫وموقف الصوفية من‬
‫أصول العبادة والدين‬
‫فضيلة الشيخ صالح بن‬
‫فوزان بن عبدالله الفوزان‬
‫عضو هيئة كبار العلماء‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫المقدمة‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬أكمل لنا الدين ‪ ،‬وأتم علينا‬
‫النعمة ‪ ،‬ورضي لنا السالما دينا ‪ ،‬وأمرنا بالتمسك به إلى‬
‫َ‬
‫ول َ‬ ‫ه َ‬‫قات ِ ِ‬ ‫ق تُ َ‬
‫ح ّ‬‫ه َ‬‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ّ ُ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬‫الممات ‪َ } ،‬يا أي ّ َ‬
‫ن { ‪ ) ..‬ال عمران ( ‪ ،‬الية ‪' :‬‬ ‫ت َموت ُن إل ّ َ‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وأنُتم ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ُ‬
‫ها‬‫صى ب ِ َ‬ ‫و ّ‬ ‫و َ‬ ‫‪ ' 102‬وتلك وصية إبراهيم ويعقوب لبنيه ‪َ } .‬‬
‫ن‬
‫دي َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫فى ل َك ُ ُ‬ ‫صطَ َ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ي إِ ّ‬ ‫ب َيا ب َن ِ ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫ع ُ‬ ‫وي َ ْ‬‫َ‬ ‫ه‬
‫م ب َِني ِ‬‫هي ُ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫ن { ‪ ) ..‬البقرة ( ‪ ،‬الية ‪' :‬‬ ‫فل َ ت َموت ُن َإل ّ َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫وأنُتم ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫‪. ' 132‬‬
‫اللهم صل وسالم وبارك على عبدك ورساولك ‪ ،‬نبينا محمد‬
‫وعلى اله وأصحابه أجمعين ‪ .‬وبعد‬
‫فإن الله خلق الجن والنس لعبادته ‪ ،‬كما قال ـ تعالى }‬
‫ن { ‪ ) ..‬الذاريات ( ‪،‬‬ ‫دو ِ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫س إ ِّل ل ِي َ ْ‬ ‫لن َ‬ ‫وا ْ ِ‬ ‫ن َ‬
‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫الية ‪ ' 56 ' :‬وفي ذلك شرفهم ‪ ،‬وعزهم وساعادتهم في‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬لنهم بحاجة إلى ربهم ‪ ،‬ل غنى لهم عنه‬
‫طرفة عين ‪ ،‬وهو غني عنهم وعن عبادتهم ‪ ،‬كما قال ـ‬
‫م { ‪ ) ..‬الزمر( ‪،‬‬ ‫عنك ُ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ّ‬ ‫غن ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فُروا َ‬
‫فإ ِ ّ‬ ‫تعالى } ِإن ت َك ْ ُ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫فُروا ْ أنت ُ ْ‬ ‫ساى ِإن ت َك ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫الية ‪ . ' 7 ' :‬وقال تعالى } َ‬
‫ه لَ َ‬ ‫َ‬
‫ميدٌ{ ‪ ) ..‬إبراهيم‬ ‫ح ِ‬‫ي َ‬ ‫غن ِ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬‫ميعا ً َ‬ ‫ج ِ‬
‫ض َ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫من ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫( ‪ ،‬الية ‪ . ' 8 ' :‬والعبادة حق لله على خلقه ‪ ،‬وفائدتها‬
‫تعود إليهم ‪ ،‬فمن أبى أن يعبد الله فهو مستكبر ‪ ،‬ومن عبد‬
‫الله وعبد معه غيره فهو مشرك ‪ ،‬ومن عبد الله وحده بغير‬
‫ما شرع فهو مبتدع ‪ ،‬ومن عبد الله وحده بما شرع فهو‬
‫المؤمن الموحد ‪ .‬ولما كان العباد في ضرورة إلى العبادة ‪،‬‬
‫ول يمكنهم أن يعرفوا بأنفسهم حقيقتها التي ترضي الله‬
‫ـ سابحانه ـ وتوافق دينه ‪ ،‬لم يكلهم إلى أنفسهم ‪ ،‬بل‬
‫أرسال إليهم الرسال ‪ ،‬وأنزل الكتب لبيان حقيقة تلك‬
‫َ‬ ‫في ك ُ ّ ُ‬ ‫ول َ َ‬
‫ساول ً أ ِ‬
‫ن‬ ‫ة ّر ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫لأ ّ‬ ‫عث َْنا ِ‬ ‫قد ْ ب َ َ‬ ‫العبادة كما قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫ت{ ) النحل ( ‪ ،‬الية ‪. ' 36 ' :‬‬ ‫غو َ‬ ‫طا ُ‬‫جت َن ُِبوا ْ ال ّ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬ ‫دوا ْ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫ا ْ‬
‫ل إ ِّل‬ ‫َ‬
‫ساو ٍ‬ ‫من ّر ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫قب ْل ِ َ‬ ‫من َ‬ ‫سال َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫و َ‬ ‫وقال ـ تعالى ـ ‪َ } :‬‬
‫ن { ‪ ) ..‬النبياء ( ‪ ،‬الية‬ ‫دو ِ‬ ‫عب ُ ُ‬‫فا ْ‬‫ه إ ِّل أ ََنا َ‬
‫ه َل إ ِل َ َ‬
‫حي إل َي َ‬
‫ه أن ّ ُ‬
‫ِ ْ ِ‬ ‫ُنو ِ‬
‫‪ . ' 25 ' :‬فمن حاد عما بينته الرسال ونزلت به الكتب من‬
‫عبادة الله ‪ ،‬وعبد الله بما يملي عليه ذوقه وما تهواه‬
‫نفسه وما زينته له شياطين النس والجن فقد ضل عن‬
‫سابيل الله ولم تكن عبادته في الحقيقة عبادة لله ‪ ،‬بل هي‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫دىً ّ‬
‫ه ً‬
‫ر ُ‬
‫غي ْ ِ‬
‫واهُ ب ِ َ‬
‫ه َ‬
‫ع َ‬
‫ن ات ّب َ َ‬‫م ِ‬ ‫م ّ‬‫ل ِ‬‫ض ّ‬‫ن أَ َ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬ ‫عبادة لهواه ‪َ } :‬‬
‫ه{ ‪ ) ..‬القصص ( ‪ ،‬الية ‪ . ' 50 ' :‬وهذا الجنس كثير‬ ‫الل ّ ِ‬
‫في البشر ‪ ،‬وفي طليعتهم النصارىً ‪ ،‬ومن ضل من فرق‬
‫هذه المة ‪ ،‬كالصوفية فإنهم اختطوا لنفسهم خطة في‬

‫العبادة مخالفة لما شرعه الله في كثير من شعاراتهم ‪.‬‬


‫وهذا يتضح ببيان حقيقة العبادة التي شرعها الله على‬
‫لسان رساول الله ‪ " ،‬صلى الله عليه وسالم " ‪ ،‬وبيان ما‬
‫عليه الصوفية اليوما من احرافات عن حقيقة تلك العبادة ‪.‬‬
‫ضوابط العبادة الصحيحة‬
‫إن العبادة التي شرعها الله ـ سابحانه وتعالى ـ تنبني على‬
‫أصول وأساس ثابتة تتلخص فيما يلي ‪:‬‬

‫أول ‪ :‬أنها توقيفية ** بمعنى أنه ل مجال للرأي فيها ** بل‬


‫لبد أن يكون المشرع لها هو الله ـ سابحانه وتعالى ـ كما‬
‫ُ‬
‫ك‬‫ع َ‬
‫م َ‬‫ب َ‬ ‫من َتا َ‬ ‫و َ‬
‫ت َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ق ْ‬
‫سات َ ِ‬
‫فا ْ‬ ‫قال تعالى ـ لنبيه ‪َ } :‬‬
‫وا ْ{ ‪ ) ..‬هود ( ‪ ،‬الية ‪ . ' 112 ' :‬وقال تعالى ‪} :‬‬ ‫ْ‬ ‫ول َ ت َطْ َ‬
‫غ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واء‬
‫ه َ‬‫عأ ْ‬ ‫وَل ت َت ّب ِ ْ‬ ‫ها َ‬‫ع َ‬ ‫ر َ‬
‫فات ّب ِ ْ‬ ‫ن اْل ْ‬
‫م ِ‬ ‫م َ‬‫ة ّ‬
‫ع ٍ‬‫ري َ‬ ‫عَلى َ‬
‫ش ِ‬ ‫ك َ‬ ‫عل َْنا َ‬
‫ج َ‬‫م َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن { ‪ ) ..‬الجاثية ( ‪ ،‬الية ‪ . ' 18 ' :‬وقال عن‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬‫ن َل ي َ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫حى { ‪ ) ..‬الحقاف ( ‪ ،‬الية ‪' 9 ' :‬‬ ‫ما ُيو َ‬‫ع إ ِّل َ‬‫ن أت ّب ِ ُ‬ ‫نبيه ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬ل بد أن تكون العبادة خالصة لله ـ تعالى ـ من‬


‫جو‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫ف َ‬ ‫شوائب الشرك ‪ ،‬كما قال ـ تعالى ـ ‪َ } :‬‬
‫ه‬
‫ة َرب ّ ِ‬ ‫عَبادَ ِ‬ ‫ك بِ ِ‬‫ر ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫وَل ي ُ ْ‬ ‫صاِلحا ً َ‬ ‫مل ً َ‬ ‫ع َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬‫فل ْي َ ْ‬‫ه َ‬ ‫قاء َرب ّ ِ‬ ‫لِ َ‬
‫حدا ً{ ‪ ) ..‬الكهف ( ‪ ،‬الية ‪ ' 110 ' :‬فإن خالط العبادة‬ ‫َ‬
‫أ َ‬
‫ول َ ْ‬
‫و‬ ‫شيء من الشرك أبطلها ‪ ،‬كما قال ـ تعالى ـ ‪َ } :‬‬
‫ن { ‪ ) ..‬النعاما ( ‪،‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬‫ما َ‬ ‫هم ّ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫ط َ‬ ‫حب ِ َ‬ ‫كوا ْ ل َ َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫وإ َِلى‬
‫ك َ‬ ‫ي إ ِل َي ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫قدْ ُأو ِ‬ ‫ول َ َ‬ ‫الية ‪ . ' 88 ' :‬وقال ـ تعالى ـ ‪َ } :‬‬
‫ن‬‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫ول َت َ ُ‬‫ك َ‬ ‫مل ُ َ‬‫ع َ‬‫ن َ‬ ‫حب َطَ ّ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬‫شَرك ْ َ‬ ‫ن أَ ْ‬‫ك ل َئ ِ ْ‬ ‫قب ْل ِ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ن {‪)..‬الزمر( ‪،‬‬ ‫ري َ‬‫شاك ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫كن ّ‬ ‫و ُ‬‫عب ُدْ َ‬
‫فا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ َ‬ ‫ن‪ .‬ب َ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫سا ِ‬‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫اليتان‪65':‬ـ ‪'66‬‬

‫ثالثا ‪ :‬لبد أن تكون القدوة في العبادة والمبين لها‬


‫رساول الله " صلى الله عليه وسالم " كما قال ـ تعالى ـ ‪:‬‬
‫في رساول الل ّ ُ‬
‫ة{ ‪..‬‬
‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬
‫وةٌ َ‬ ‫سا َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫كا َ‬‫قد ْ َ‬‫} لَ َ‬
‫ما آَتاك ُ ُ‬
‫م‬ ‫و َ‬
‫) الحزاب ( ‪ ،‬الية ‪ . ' 21 ' :‬وقال ـ تعالى ـ ‪َ } :‬‬
‫هوا{ ‪ ) ..‬الحشر ( ‪،‬‬ ‫فانت َ ُ‬‫ه َ‬‫عن ْ ُ‬ ‫هاك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ما ن َ َ‬
‫و َ‬
‫ذوهُ َ‬ ‫خ ُ‬‫ف ُ‬‫ل َ‬
‫ساو ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫الية ‪ . ' 7 ' :‬وقال النبي ‪ " ،‬صلى الله عليه وسالم "‬
‫)) من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد (( الحديث رواه‬
‫مسلم ‪ .. .‬وفي رواية )) من أحدث في أمرنا هذا ما ليس‬
‫منه فهو رد (( متفق عليه ‪..‬‬
‫وقوله ‪ " ،‬صلى الله عليه وسالم " )) صلوا كما رأيتموني‬
‫أصلي (( متفق عليه ‪ ..‬وقوله ‪ " ،‬صلى الله عليه وسالم "‬
‫)) خذوا عني مناساككم (( ‪ .‬رواه مسلم ‪ ..‬إلى غير ذلك‬
‫من النصوص ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬أن العبادة محددة بمواقيت ومقادير ‪ ،‬ل يجوز‬


‫ن‬ ‫تعديها وتجاوزها ‪ ،‬كالصلة مثل ؛ قال ـ تعالى ـ ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫قوتا ً { ‪ ) ..‬النساء ( ‪،‬‬ ‫و ُ‬‫م ْ‬ ‫ن ك َِتابا ً ّ‬‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫عَلى ال ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫كان َ ْ‬‫صل َةَ َ‬‫ال ّ‬
‫الية ‪ . ' 103 ' :‬وكالحج قال ـ تعالى ـ ‪ } :‬الحج أشهر‬
‫معلومت { ‪ ) ..‬البقرة ( ‪ ،‬الية ‪ . ' 197 ' :‬وكالصياما ‪،‬‬
‫ه ال ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫قْرآ ُ‬ ‫في ِ‬‫ل ِ‬‫ز َ‬‫ي أن ِ‬ ‫ذ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫هُر َر َ‬ ‫ش ْ‬ ‫قال ـ تعالى ـ ‪َ } :‬‬
‫منك ُ ُ‬
‫م‬ ‫هد َ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫من َ‬ ‫ن َ‬
‫ف َ‬ ‫قا ِ‬‫فْر َ‬ ‫وال ْ ُ‬‫دىً َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ت ّ‬ ‫وب َي َّنا ٍ‬‫س َ‬ ‫ّ‬
‫دىً للّنا ِ‬ ‫ه ً‬
‫ُ‬
‫ه{ ‪ ) ..‬البقرة( ‪ ،‬الية ‪. '185':‬‬ ‫م ُ‬ ‫ص ْ‬‫فل ْي َ ُ‬‫هَر َ‬‫ش ْ‬‫ال ّ‬

‫خامسا ‪ :‬لبد أن تكون العبادة قائمة على محبة الله‬


‫تعالى ـ والذل له ‪ ،‬وخوفه ورجائه ‪ ،‬قال ـ تعالى ـ ‪} :‬‬
‫غون إَلى ربهم ال ْوسايل َ َ َ‬ ‫ُأوَلـئ ِ َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫ة أي ّ ُ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ ّ ِ ُ‬ ‫ن ي َب ْت َ ُ َ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َدْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذاَبهُ { ‪..‬‬ ‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫فو َ‬ ‫خا ُ‬ ‫وي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫مت َ ُ‬‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫جو َ‬ ‫وي َْر ُ‬ ‫ب َ‬ ‫قَر ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫الساراء ( ‪ ،‬الية ‪ . ' 57 ' :‬وقال ـ تعالى ـ عن أنبيائه ‪} :‬‬
‫هبا ً‬‫وَر َ‬ ‫غبا ً َ‬ ‫عون ََنا َر َ‬ ‫وي َدْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫كاُنوا ي ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫ن{ ‪) ..‬النبياء (‪ . ' 90 ' :‬قال ـ تعالى ـ ‪:‬‬ ‫عي َ‬ ‫ش ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫كاُنوا ل ََنا َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫فْر‬‫غ ِ‬‫وي َ ْ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫حب ِب ْك ُ‬‫عوِني ي ُ ْ‬ ‫فات ّب ِ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م تُ ِ‬ ‫ُ‬
‫ل ِإن كنت ُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫} ُ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ساو َ‬ ‫والّر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عوا ْ الل ّ َ‬‫طي ُ‬‫لأ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫م‪ُ .‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ذُُنوب َك ُ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ن{ ‪ ) ..‬ال عمران ( ‪،‬‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫وا ْ َ‬ ‫ول ّ ْ‬‫فِإن ت َ َ‬
‫اليتان ‪ 31 ' :‬ـ ‪ . ' 32‬فذكر ـ سابحانه ـ علمات محبة الله‬
‫وثمراتها‬
‫أما علماتها ‪ ::‬فاتباع الرساول " صلى الله عليه وسالم " ‪،‬‬
‫وطاعة الله ‪ ،‬وطاعة الرساول‬
‫أما ثمراتها ‪ ::‬فنيل محبة الله ـ سابحانه ـ ومغفرة الذنوب‬
‫والرحمة منه سابحانه‬
‫ساادساا ‪ :‬أن العبادة ل تسقط عن المكلف من بلوغه عاقل‬
‫إلى وفاته ‪ ،‬قال تعالى ـ ‪ } :‬ول تموتن إل وأنتم مسلمون‬
‫{ ‪ ) ..‬ال عمران ( ‪ ،‬الية ‪ . ' 102 ' :‬وقال ـ تعالى ـ ‪} :‬‬
‫ن{ ‪ ) ..‬الحجر ( ‪ ،‬الية ‪' 99 ' :‬‬
‫قي ُ‬ ‫حّتى ي َأ ْت ِي َ َ‬
‫ك ال ْي َ ِ‬ ‫عب ُدْ َرب ّ َ‬
‫ك َ‬ ‫وا ْ‬
‫َ‬
‫‪.‬‬
‫حقيقة التصوف‬
‫لفظ التصوف والصوفية لم يكن معروفا في صدر السالما‬
‫وإنما هو محدث بعد ذلك أو دخيل على السالما من أمم‬
‫أخرىً ‪ .‬قال شيخ السالما ابن تيمية ـ يرحمه الله ـ في‬
‫مجموع الفتاوىً ‪ )*) :‬أما لفظ الصوفية فإنه لم يكن‬
‫مشهورا في القرون الثلثة ‪ ،‬وإنما اشتهر التكلم به بعد‬
‫ذلك وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الئمة والشيوخ ‪،‬‬
‫كالماما أحمد بن حنبل ‪ ،‬وأبي ساليمان الداراني وغيرهما ‪،‬‬
‫وقد روي عن سافيان الثوري أنه تكلم به ‪ ،‬وبعضهم يذكر‬
‫ذلك عن الحسن البصري ‪ ،‬وتنازعوا في المعنى الذي‬
‫أضيف إليه الصوفي ‪ ،‬فإنه من أساماء النسب كالقرشي‬
‫والمدني وأمثال ذلك ‪ ،‬فقيل ‪ :‬إنه نسبة إلى أهل الصفة ‪،‬‬
‫وهو غلط ‪ ،‬لنه لو كان كذلك ‪ ،‬لقيل ‪ :‬صفي ‪ ،‬وقيل نسبة‬
‫إلى الصف المقدما بين يدي الله ـ وهو أيضا غلط فإنه لو‬
‫كان كذلك لقيل ‪ :‬صوفي ‪ ،‬وقيل نسبة إلى صوفة بن بشر‬
‫بن أد بن بشر بن طابخة ‪ ،‬قبيلة من العرب كانوا يجاورون‬
‫بمكة من الزمن القديم ينسب إليهم النساك ‪ ،‬وهذا وإن‬
‫كان موافقا للنسب من جهة اللفظ فإنه ضعيف أيضا ‪ ،‬لن‬
‫هؤلء لكان هذا النسب في زمن الصحابة والتابعين‬
‫وتابعيهم أولى ‪ .‬ولن غالب من تكلم باسام الصوفي ل‬
‫يعرف هذه القبيلة ول يرضى أن يكون مضافا إلى قبيلة‬
‫في الجاهلية ‪ ،‬ل وجود لها في السالما وقيل ـ وهو‬
‫العروف ـ أنه نسبة إلى الصوف ‪ ،‬فإنه أول ما ظهرت‬
‫الصوفية في البصرة ‪ .‬وأول من ابتنى دويرة الصوفية‬
‫بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد ‪ ،‬وعبد الواحد من أصحاب‬
‫الحسن ‪ ،‬وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة‬
‫والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في ساائر أهل المصار ‪(*( .‬‬
‫وقد روىً أبو الشيخ الصبهاني بإساناده عن محمد بن‬
‫سايرين أنه بلغه أن قوما يفضلون لباس الصوف ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫)*) إن قوما يتخيرون لباس الصوف يقولون إنهم‬
‫يتشبهون بالمسيح بن مريم ‪ ،‬وهدي نبينا أحب إلينا وكان "‬
‫صلى الله عليه وسالم " يلبس القطن وغيره ‪ ،‬أو كلما‬
‫نحوا من هذا ‪ ،‬ثم يقول بعد ذلك ‪ :‬هؤلء نسبوا إلى اللبسة‬
‫الظاهرة وهي لباس الصوف فقيل في أحدهم صوفي ‪،‬‬
‫وليس طريقهم مقيدا بلبس الصوف ول هم أوجبوا ذلك‬
‫ول علقوا المر به ـ لمن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال (‬
‫*( ‪ .‬إلى أن قال ‪ )*) :‬فهذا أصل التصوف ‪ ،‬ثم إنه بعد ذلك‬
‫تشعبوتنوع (*( ‪.‬إنتهى وكلمه )‪ .. (1‬ـ يرحمه الله ـ يعطي‬
‫أن التصوف نشأ في بلد السالما على يد عباد البصرة ‪..‬‬
‫نتيجة لمبالغتهم في الزهد والعبادة ثم تطور بعد ذلك ـ‬
‫والذي توصل إليه بعض الكتاب العصريين ـ أن التصوف‬
‫تسرب إلى بلد المسلمين من الديانات الخرىً كالديانة‬
‫الهندية والرهبانية النصرانية وقد يستأنس لهذا بما نقله‬
‫الشيخ عن ابن سايرين أنه قال ‪ )*) :‬إن قوما يتخيرون‬
‫لباس الصوف يقولون إنهم يتشبهون بالمسيح بن مريم ‪،‬‬
‫وهدي نبينا أحب إلينا ‪ (*( .‬فهذا يعطي أن التصوف له‬
‫علقة بالديانة النصرانية ؛؛ ويقولون الدكتور ‪ //‬صابر‬
‫طعيمة \\ في كتابه ‪ " :‬الصوفية معتقدا ومسلكا " ‪:‬‬
‫ويبدوا أنه لتأثير الرهبنة المسيحية التي كان فيها الرهبان‬
‫يلبسون الصوف وهم في أديرتهم كثرة كثيرة من‬
‫المنقطعين لهذه الممارساة على امتداد الرض التي‬
‫حررها السالما بالتوحيد أعطى هو الخر دورا في التأثير‬
‫الذي بدا على سالوك الوائل )‪ .. (2‬وقال الشيخ " إحسان‬
‫إلهي ظهير" ـ يرحمه الله ـ في كتابه ‪ " :‬التصوف ‪،‬‬
‫المنشأ والمصادر" )*) عندما نتعمق في تعاليم الصوفية‬
‫الوائل والواخر وأقاويلهم المنقولة منهم والمأثورة في‬
‫كتب الصوفية القديمة والحديثة نفسها نرىً بونا شاساعا‬
‫بينها وبين تعاليم القران والسنة ‪ ،‬وكذلك ل نرىً جذورها‬
‫وبذورها في سايرة سايد الخلق محمد " صلى الله عليه‬
‫وسالم " وأصحابه الكراما البررة خيار خلق الله وصفوة‬
‫الكون ‪ ،‬بل بعكس ذلك نراها مأخوذة مقفبسة من الرهبنة‬
‫المسيحية والبرهمة الهندوكية وتنسك اليهودية وزهد‬
‫البوذية ‪ .. (3) .‬ويقول الشيخ ‪ :‬عبد الرحمن الوكيل ـ‬
‫يرحمه الله ـ في مقدمة كتاب ‪ " :‬مصرع التصوف " ‪:‬‬
‫)*) إن التصوف أدنأ وأوألما كيدا ابتدعه الشيطان ليسخر‬

‫)‪ (1‬مجموع الفتاوى ) ‪( 18 ، 16 ، 7 ، 5 ، 11‬‬


‫)‪ (2‬ص ‪. 17‬‬
‫)‪ (3‬ص ‪. 28‬‬
‫معه عباد الله في حربه لله ولرساله ‪ ،‬إنه قناع المجوس‬
‫يتراءىً بأنه لرباني ‪ ،‬بل قناع كل عدو صوفي للدين الحق‬
‫فتش فيه تجد برهمية وبوذية وزرادشتية ومانوية‬
‫وديصانية ‪ ،‬تجد أفلطونية وغنوصية ‪ ،‬تجد فيه يهودية‬
‫ونصرانية ووثنية جاهلية )‪ (*( .. (4‬ومن خلل عرض اراء‬
‫هؤلء الكتاب المعاصرين في أصل الصوفية ‪ ،‬وغيرهم مما‬
‫لم نذكره كثيرون يرون هذا الرأي ‪ .‬يتبين أن الصوفية‬
‫دخيلة على السالما ‪ ،‬يظهر ذلك في ممارساات المنتسبين‬
‫إليها ـ تلك الممارساات الغريبة على السالما والبعيدة عن‬
‫هديه ن وإنما نعني بهذا المتأخرين من الصوفية حيث‬
‫كثرت وعظمت شطحاتهم ‪ .‬أما المتقدمون منهم فكانوا‬
‫على جانب من العتدال ‪ ،‬كالفضيل بن عياض ‪ ،‬والجنيد‬
‫وإبراهيم بن أدهم وغيرهم ‪.‬‬

‫)‪ (4‬ص ‪. 19‬‬


‫موقف الصوفية من العبادة والدين‬
‫للصوفية ـ خصوصا ـ المتأخرين منهم منهج في الدين‬
‫والعبادة يخالف منهج السلف ‪ ،‬ويبفعد كثيرا عن الكتاب‬
‫والسنة ‪ .‬فهم قد بنوا دينهم وعبادتهم على رساوما ورموز‬
‫واصطلحات اخترعوها ‪ ،‬وهي تتلخص فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ قصرهم العبادة على المحبة ‪ ،‬فهم يبنون عبادتهم لله‬


‫على جانب المحبة ‪ ،‬ويهملون الجوانب الخرىً ‪ ،‬كجانب‬
‫الخوف والرجاء ‪ ،‬كما قال بعضهم ‪ :‬أنا ل أعبد الله طمعا‬
‫في جنته ول خوفا من ناره ـ ول شك أن محبة الله ـ تعالى‬
‫ـ هي السااس الذي تبنى عليه العبادة ‪ .‬ولكن العبادة‬
‫ليست مقصورة على المحبة كما يزعمون ‪ ،‬بل لها جوانب‬
‫وأنواع كثيرة غير المحبة كالخوف والرجاء والذل‬
‫والخضوع والدعاء إلى غير ذلك ‪ ،‬فهي كما قال شيخ‬
‫السالما ابن تيمية ‪ )*) ..‬اسام جامع لما يحبه الله ويرضاه‬
‫من القوال والعمال الظاهرة والباطنة (*( ‪..‬‬

‫ويقول العلمة ابن القيم‬

‫مع ذل عابده هما قطبان‬ ‫وعبادة الرحمن غاية حبه‬


‫ما دار حتى قامت‬ ‫وعليهما فلك العبادة دائر‬
‫القطبان‬

‫ولهذا يقول بعض السلف ‪ :‬من عبدالله بالحب وحده هو‬


‫زنديق ‪ ،‬ومن عبده بالرجاء وحده هو مرجئ ‪ ،‬ومن عبده‬
‫بالخوف وحده فهو حروري ‪ ،‬ومن عبده بالحب والخوف‬
‫والرداء فهو موحد ‪ .‬وقد وصف الله رساله وأنبياءه ‪ ،‬بأنهم‬
‫يدعون ربهم خوفا وطمعا ‪ ،‬وأنهم يرجون رحمته‬
‫ويخافون عذابه ‪ ،‬وأنهم يدعونه رغبا ورهبا ‪ .‬قال شيخ‬
‫السالما ابن تيمية ـ يرحمه الله ـ ‪ )*) :‬ولهذا قد وجد في‬
‫نوع من المتأخرين من انبسط في دعوىً المحبة حتى‬
‫أخرجه ذلك إلى نوع من الرعونة والدعوىً التي تنافي‬
‫العبودية (*( ‪ ..‬وقال أيضا ‪ )*) :‬وكثير من السالكين‬
‫سالكوا في دعوىً حب الله أنواعا من الجهل بالدين ‪ ،‬إما‬
‫من تعدىً حدود الله ‪ ،‬وإما من تضييع حقوق الله ‪ .‬وإما من‬
‫إدعاء الدعاوىً الباطلة التي ل حقيقة لها ‪، (*( .. (5) .‬‬
‫وقال أيضا ‪ )*) :‬والذين توساعوا من الشيوخ في ساماع‬
‫القصائد المتضمنة للحب والشوق واللوما والعذل والغراما‬
‫كان هذا أصل مقصدهم ‪ ،‬ولهذا أنزل الله اية المحبة محنة‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫حّبو َ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ل ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫يمتحن بها المحب ‪ ،‬فقال ‪ُ } :‬‬
‫ق ْ‬
‫ه{ ‪ ) ..‬ال عمران ( ‪ ،‬الية ‪. ' 31 ' :‬‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫حب ِب ْك ُ ُ‬
‫عوِني ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫فات ّب ِ ُ‬
‫فل يكون محبا لله إل من يتبع رساوله ‪ ،‬وطاعة الرساول‬
‫ومتابعته ل تكون إل بتحقيق العبودية ‪ ،‬وكثير ممن يدعي‬
‫المحبة يخرج عن شريعته وسانته ‪ " ،‬صلى الله عليه وسالم‬
‫" ‪ ،‬ويدعي من الخيالت ما ل يتسع هذا الموضوع لذكره ‪،‬‬
‫حتى يظن أحدهم ساقوط المر ـ وتحليل الحراما له (‬
‫*( ‪ ، ..‬وقال أيضا ‪ )*) :‬وكثير من الضالين الذين اتبعوا‬
‫أشياء مبتدعة من الزهد والعبادة على غير علم ول نور‬
‫من الكتاب والسنة وقعوا فيما وقع فيه النصارىً من‬
‫دعوىً المحبة لله مع مخالفة شريعته وترك المجاهدة في‬
‫سابيله ونحو ذلك ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫فتبين بذلك أن القتصار على جانب المحبة ل يسمى‬
‫عبادة بل قد يؤول بصاحبه إلى الضلل بالخروج عن الدين‬

‫‪ 2‬ــ الصوفية في الغالب ل يرجعون في دينهمة‬


‫وعبادتهم إلى الكتاب والسنة والقتداء بالنبي ‪ " ،‬صلى‬
‫الله عليه وسالم " ‪ ،‬وإنما يرجعون إلى أذواقهم وما‬
‫يرسامه لهم شيوخهم من الطرق المبتدعة ‪ ،‬وال ذ كار‬
‫والوراد المبتدعة ‪ ،‬وربما يستدلون بالحكايات والمنامات‬
‫والحاديث الموضوعة لتصحيح ما هم عليه ‪ ،‬بدل من‬
‫الساتدلل بالكتاب والسنة ‪ ،‬هذا ما ينبغي عليه دين‬
‫الصوفية ‪ .‬ومن المعلوما أن العبادة ل تكون عبادة صحيحة‬
‫إل إذا كانت مبنية على ما جاء في الكتاب والسنة ‪ .‬قال‬
‫شيخ السالما ابن تيمية ويتمسكون ) يعني الصوفية ( في‬
‫الدين الذي يتقربون به إلى ربهم بنحو ما تمسك به‬

‫)‪ (5‬العبودية لشيخ السالما ابن تيمية ص ‪ 90‬طبعة الرئاساة العامة للفاتاء‬
‫النصارىً من الكلما المتشابه والحكايات التي ل يعرف‬
‫صدق قائلها ‪ ،‬ولو صدق لم يكن معصوما ‪ ،‬فيجعلون‬
‫متبوعهم وشيوخهم شارعين لهم دينا ‪ ،‬كما جعل‬
‫النصارىً قسيسيهم ورهبانهم شارعين لهم دينا ‪...‬‬
‫انتهى ‪.‬‬
‫ولما كان هذا مصدرهم الذي يرجعون إليه في دينهم‬
‫وعبادتهم ‪ ،‬وقد تركوا الرجوع إلى الكتاب والسنة صاروا‬
‫طي‬ ‫هـ َ‬ ‫أحزابا متفرقين ‪ .‬كما قال ـ تعالى ـ ‪َ } :‬‬
‫صَرا ِ‬‫ذا ِ‬ ‫ن َ‬
‫وأ ّ‬
‫َ‬
‫عن‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬ ‫فت َ َ‬
‫فّرقَ ب ِك ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عوا ْ ال ّ‬
‫سب ُ َ‬ ‫ول َ ت َت ّب ِ ُ‬
‫عوهُ َ‬ ‫قيما ً َ‬
‫فات ّب ِ ُ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ه { ‪ ) ..‬النعاما ( ‪ ،‬الية ‪ . ' 153 ' :‬فصراط الله‬ ‫ساِبيل ِ ِ‬
‫َ‬
‫واحد ‪ ،‬ل انقساما فيه ول اختلف عليه ‪ ،‬وما عداه فهو‬
‫سابل متفرقة تتفرق بمن سالكها ‪ ،‬وتبعده عن صراط الله‬
‫المستقيم ‪ ،‬وهذا ينطبق على فرق الصوفية فإن كل‬
‫فرقة لها طريقة ‪ ،‬خاصة تختلف عن طريقة الفرقة‬
‫الخرىً ‪ .‬ولكل فرقة شيخ يسمونه شيخ الطريقة يرسام‬
‫لها منهاجا يختلف عن منهاج الفرق الخرىً ‪ ،‬ويبتعد بهم‬
‫عن الصراط المستقيم ‪ .‬وهذا الشيخ الذي يسمونه شيخ‬
‫الطريقة يكون له مطلق التصرف وهم ينفذون ما يقول‬
‫ول يعترضون عليه بشيء ‪ .‬حتى قالوا ‪ :‬المريد مع شيخه‬
‫يكون كالميت مع غاساله وقد يدعي بعض هؤلء الشيوخ‬
‫أنه يتلقى من الله مباشرةما يأمربه مريدية وأتباعه ‪.‬‬

‫‪ 3‬ــ من دين الصوفية التزاما أذكار وأوراد يضعها لهم‬


‫شيوخهم فيتقيدون بها ‪ ،‬ويتعبدون بتلوتها ‪ ،‬وربما‬
‫فضلوا تلوتها على تلوة القران الكريم ‪ ،‬ويسمونها ذكر‬
‫الخاصة ‪ .‬زأما الذكر الوارد في الكتاب والسنة فيسمونه‬
‫ذكر العامة ‪ .‬فقول ل إله إل الله ‪ .‬عندهم هو ذكر العامة ‪،‬‬
‫وأما ذكر الخاصة ‪ :‬فهو السام المفرد ‪ ::‬الله ‪ ::‬وذكر‬
‫خاصة الخاصة ‪ ::‬هو ‪ ::‬قال شيخ السالما ابن تيمية ‪:‬‬
‫ومن زعم أن هذا الدين ‪ ،‬أي قول ل إله إل الله ذكر العامة‬
‫وأن ذكر الخاصة ـ هو السام المفرد ـ وذكر خاصة الخاصة‬
‫‪ ::‬هو ‪ ::‬أي السام المضمر فهو ضال مضل ‪ .‬واحتجاج‬
‫في‬ ‫م ِ‬‫ه ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ثُ ّ‬
‫م ذَْر ُ‬ ‫بعضهم على ذلك بقوله ـ تعالى ـ } ُ‬
‫ق ِ‬
‫ن { ‪ ) ..‬النعاما ( ‪ ،‬الية ‪ ' 91 ' :‬من بين‬ ‫م ي َل ْ َ‬
‫عُبو َ‬ ‫ه ْ‬
‫ض ِ‬
‫و ِ‬
‫خ ْ‬
‫َ‬
‫أبين غلط هؤلء ‪ ،‬بل من تحريفهم للكلم عن مواضعه ‪،‬‬
‫فإن السام ‪ ::‬الله ‪ ::‬مذكور في المر بجواب‬
‫الساتفهاما في الية قبله ‪ ،‬وهو قوله ـ تعالى ـ ‪ } :‬من‬
‫أنزل الكتب الذي جاء به موساى نورا وهدىً للناس { إلى‬
‫قوله ـ تعالى ـ } قل الله { أي الله هو الذي أنزل الكتاب‬
‫الذي جاء به موساى ‪ .‬فالسام ‪ ::‬الله ‪ ::‬مبتدأ خبره دل‬
‫عليه الساتفهاما ‪ ،‬كما فينظائر ذلك ‪ .‬نقول ‪ .‬من جارك ؟‬
‫فيقول ‪ :‬زيد ‪ .‬وأما السام المفرد مظهرا ومضمرا فليس‬
‫بكلما تاما ‪ ،‬ول جملة مفيدة ‪ ،‬ول يتعلق به إيمان ول كفر‬
‫ول أمر ول نهي ‪ ،‬ولم يذكر ذلك رساول الله ‪ " ،‬صلى الله‬
‫عليه وسالم " ‪ ،‬ول يعطي القلب نفسه معرفة مفيدة ‪ ،‬ول‬
‫حال نافعا ‪ ،‬وإنما يعطيه تصورا مطلقا ل يحكم فيه بنفي‬
‫ول إثبات ‪ .‬إلى أن قال ‪ :‬وقد وقع بعض من واظب على‬
‫هذا الذكر بالسام المفرد وبـ ـ ‪ ::‬هو ‪ ::‬في فنون من‬
‫التحاد ‪ ،‬وما يذكر عن بعض الشيوخ في أنه قال ‪ :‬أخاف‬
‫أن أموت بين النفي والثبات ‪ ،‬حال ل يقتدي فيها‬
‫بصاحبها ‪ ،‬فإن في ذلك من الغلط ما ل خفاء به ‪ ،‬إذ لو‬
‫مات العبد في هذه الحال لم يمت إل على ما قصده ونواه‬
‫‪ ،‬إذ العمال بالنيات ‪ ،‬وقد ثبت أن النبي ‪ " ،‬صلى الله‬
‫عليه وسالم "‪ ،‬أمر بتلقين الميت ل إله إل الله ‪ .‬وقال ‪:‬‬
‫)) من كان أخر كلمه ل إله إل الله دخل الجنة (( ولو كان‬
‫ما ذكره محظورا لم يلقن الميت كلمة يخاف أن يموت‬
‫في أثنائها موتا غير محمود ‪ .‬بل كان ما اختاره من ذكر‬
‫السام المفرد ‪ ،‬والذكر بالسام المضمر أبعد عن السنة ‪،‬‬
‫وأدخل في البدعة ‪ ،‬وأقرب إلى إضلل الشيطان ‪ ،‬فإن‬
‫من قال ‪ ::‬ياهوياهو‪ ، ::‬أو ‪ ::‬هو ‪ ، ::‬ونحو ذلك لم يكن‬
‫الضمير عائدا إل إلى ما يصوره قلبه ‪ ،‬والقلب قد يهتدي‬
‫وقد يضل ـ وقد صنف صاحب الفصوص )‪ .. (6‬كتابا ساماه‬
‫ما‬‫و َ‬‫كتاب ‪ " :‬الهو " وزعم بعضهم أن قوله ـ تعالى ـ ‪َ } :‬‬
‫ْ‬
‫ه ِإل ّ الل ّ ُ‬
‫ه { ‪ ) ..‬ال عمران ( ‪ ،‬الية ‪. ' 7 ' :‬‬ ‫ويل َ ُ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م ت َأ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫معناه ‪ :‬وما يعلم تأويل هذا السام الذي هو الهو ‪ ،‬وهذا‬
‫مما اتفق المسلمون بل العقلء على أنه من أبين الباطل‬
‫‪ .‬فقد يظن هذا من يظنه من هؤلء ‪ .‬حتى قلت لبعض من‬

‫)‪ (6‬يعني ابن عربي ‪.‬‬


‫قال شيئا من ذلك لو كان هذا كما قلته لكتبت الية وما‬
‫يعلم تأويل هو منفصلة )‪ ، .. (7‬أي كتبت ‪ ::‬هو ‪ ::‬منفصلة‬
‫عن ‪ :‬تأويل ‪...‬‬

‫‪ 4‬ــ غلو المتصوفة في الولياء والشيوخ خلف عقيدة‬


‫أهل السنة والجماعة ‪ .‬فإن عقيدة أهل السنة والجماعة‬
‫ما‬
‫موالة أولياء الله ومعاداة أعدائه ـ قال ـ تعالى ـ ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫صل َةَ‬ ‫ن ال ّ‬‫مو َ‬ ‫قي ُ‬‫ن يُ ِ‬
‫ذي َ‬‫مُنوا ْ ال ّ ِ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ه َ‬‫ساول ُ ُ‬‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ول ِي ّك ُ ُ‬
‫َ‬
‫ن { ‪ ) ..‬المائدة ( ‪ ،‬الية ‪55 ' :‬‬ ‫عو َ‬ ‫م َراك ِ ُ‬‫ه ْ‬ ‫و ُ‬
‫َ‬ ‫ن الّز َ‬
‫كاةَ‬ ‫ؤُتو َ‬ ‫وي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫وي‬ ‫خ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫عد ُ ّ‬ ‫ذوا َ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ِ‬‫' ‪ .‬وقال ـ تعالى ـ ‪َ } :‬يا أي ّ َ‬
‫ول َِياء { ‪ ) ..‬الممتحنة ( ‪ ،‬الية ‪. ' 1 ' :‬‬ ‫عدوك ُ َ‬
‫مأ ْ‬ ‫و َ ُ ّ ْ‬ ‫َ‬
‫وأولياءالله هم المؤمنون المتقون الذين يقيمون الصلة‬
‫ويؤتون الزكاة وهم راكعون ‪ ،‬ويجب علينا محبتهم‬
‫والقتداء بهم واحترامهم ـ وليست الولية وقفا على‬
‫أشخاص معينين ‪ .‬فكل مؤمن تقي فهو ولي لله ـ عز‬
‫وجل ـ ‪ ،‬وليس معصوما من الخطأ ‪ ،‬هذا معنى الولية‬
‫والولياء ‪ ،‬وما يجب في حقهم عند أهل السنة والجماعة ـ‬
‫أما الولياء عند الصوفية فلهم اعتبارات ومواصفات‬
‫أخرىً ‪ ،‬فهم يمنحون الولية لشخاص معينين من غير‬
‫دليل من الشارع على وليتهم ‪ ،‬وربما منحو الولية لمن‬
‫لم يعرف بإيمان ول تقوىً ‪ ،‬بل قد يعرف بضد ذلك من‬
‫الشعوذة والسحر واساتحلل المحرمات ‪ ،‬وربما فضلوا من‬
‫يدعون لهم الولية‬
‫على النبياء ‪ ،‬صلوات الله عليهم وسالمه عليهم ‪ ،‬كما‬
‫يقول أحدهم ‪:‬‬
‫فويق‬ ‫مقاما النبوة في برزخ‬
‫الرساول ودون الولي‬

‫ويقولون ‪ :‬إن الولياء يأحذون من المعدن الذي يأخذ منه‬


‫الملك الذي يوحي به إلى الرساول ‪ ،‬ويدعون لهم العصمة‬
‫‪ .‬قال شيخ السالما ابن تيمية ـ يرحمه الله ـ وكثير من‬
‫الناس يغلط في هذا الموضع فيظن في شخص أنه ولي‬
‫الله ‪ ،‬ويظن أن ولي الله يقبل منه كل ما يقوله ‪ ،‬ويسلم‬

‫رساالة العبودية ص ص ‪ 118 ، 117‬طبعة الف‬ ‫) ‪(7‬‬


‫إلبه كل ما يقوله ‪ .‬ويسلم إليه كل ما يفعله ‪ ،‬وإن خالف‬
‫الكتاب والسنة ‪ .‬فيوافق ذلك الشخص ‪ .‬ويخالف ما بعث‬
‫الله به الرساول الذي فرض الله على جميع الحلق تصديقه‬
‫فيما أخبر وطاعفه فيما أمر ‪ .‬إلى أن قال وهؤلء‬
‫ذوا ْ‬ ‫خ ُ‬‫مشابهون للنصارىً الذين قال الله فيهم ‪ :‬ـ } ات ّ َ‬
‫هبان َه َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫ح اب ْ َ‬ ‫سي َ‬‫م ِ‬‫وال ْ َ‬
‫ه َ‬‫ن الل ّ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫م أْرَبابا ً ّ‬ ‫وُر ْ َ ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫حَباَر ُ‬ ‫أ ْ‬
‫ُ‬
‫ه‬
‫حان َ ُ‬‫ساب ْ َ‬
‫و ُ‬ ‫ه َ‬‫ه ِإل ّ ُ‬‫حدا ً ل ّ إ َِلـ َ‬ ‫دوا ْ إ َِلـها ً َ‬
‫وا ِ‬ ‫مُروا ْ ِإل ّ ل ِي َ ْ‬
‫عب ُ ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن { ‪ ) ..‬التوبة ( ‪ ،‬الية ‪ . ' 31 ' :‬وفي المسند‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬
‫ش ِ‬‫ما ي ُ ْ‬‫ع ّ‬‫َ‬
‫وصححه الترمذي عن عدي بن حاتم في تفسير هذه الية ‪،‬‬
‫لما ساأل النبي ‪ " ،‬صلى الله عليه وسالم " ‪ ،‬عنها ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ما عبدوهم ‪ ،‬فقال النبي ‪ " ،‬صلى الله عليه وسالم " ‪،‬‬
‫أحلوا لهم الحراما ‪ ،‬وحرموا عليهم الحلل ‪ ،‬فأطاعوهم ‪.‬‬
‫وكانت هذه ‪ ،‬عبادتهم إيلهم ‪ ،‬إلى أن قال ‪ :‬وتجد كثيرا‬
‫من هؤلء ‪ :‬في اعتقاد كونه وليا لله ‪ ،‬أنه قد صدر عنه‬
‫مكاشفة في بعض المور أو بعض التصرفات الخارقة‬
‫للعادة ‪ ،‬مثل أن يشير إلى شخص فيموت أو يطير في‬
‫الهواء إلى مكة أو غيرها ‪ ،‬أو يمشي على الماء أحيانا أو‬
‫يمل إبريقا من الهواء ‪ ،‬أو أن بعض الناس اساتغاث به وهو‬
‫غائب أو ميت فراه قد جاءه فقضى حاجته ‪ ،‬أو يخبر الناس‬
‫بما سارق لهم أو بحال غائب لهم أو مريض أو نحو ذلك ‪.‬‬
‫وليس في هذه المور ما يدل على أن صاحبها ولي لله ‪.‬‬
‫بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء‬
‫أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر متابعته للرساول‬
‫‪ " ،‬صلى الله عليه وسالم " ‪ ،‬وموافقته لمره ونهيه ‪.‬‬
‫وكرامات أولياء الله أعظم من هذه المور ‪ .‬وهذه المور‬
‫الخارقة للعادة ‪ ،‬وإن كان قد يكون صاحبها وليا لله ‪ ،‬فقد‬
‫يكون عدوا لله ‪ ،‬فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار‬
‫والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين ‪ ،‬وتكون لهل‬
‫البدع ‪ ،‬وتكون من الشياطين ‪ ،‬فل يجوز أن يظن أن كل‬
‫من كان له شيء من هذه المور أنه ولي لله ‪ .‬بل‬
‫يعتبرأولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل‬
‫عليها الكتاب والسنة ‪ ،‬ويعرفون بنور اليمان والقران ‪،‬‬
‫وبحقائق اليمان الباطلة ‪ ،‬وشرائع السالما الظاهرة ‪.‬‬
‫مثال ذلك أن هذه المور المذكورة وأمثالها قد توجد في‬
‫أشخاص ويكون أحدهم ل يتوضأ ول يصلي الصلوات‬
‫المكتوبة ‪ ،‬بل يكون ملبسا للنجاساات معاشرا للكلب ‪،‬‬
‫يأوي إلى الحمامات والقمامين والمقابر والزابل ‪ ،‬رائحته‬
‫خبيثة ل يتطهر الطهارة الشرعية ول يتنظف ‪ .‬إلى أن‬
‫قال ‪ :‬فإذا كان الشخص مباشرا للنجاساات والخبائث التي‬
‫يحبها الشيطان ‪ ،‬أو يأوي إلى الحمامات والحشوش التي‬
‫تحضرها الشياطين ‪ ،‬أو يأكل الحيات والعقارب والزنابير‬
‫واذان الكلب التي هي خبائث وفواساق أو يشرب البول‬
‫ونحوه من النجاساات التي يحبها الشيطان ‪ ،‬أو يدعو غير‬
‫الله فيستغيث بالمخلوقات ويتوجه إليها أو يسجد إلى‬
‫ناحية شيخه ‪ ،‬ول يخلص الدين لرب العالمين ‪ ،‬أو يلبس‬
‫الكلب أو النيران أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة‬
‫أو يأوي إلى المقابر ول سايما إلى مقابر الكفار من‬
‫اليهود والنصارىً والمشركين ‪ ،‬أو يكره ساماع القران‬
‫وينفر عنه ‪ ،‬ويقدما عليه ساماع الغاني والشعار ‪ ،‬ويؤثر‬
‫ساماع مزامير الشيطان على ساماع كلما الرحمن ‪ ،‬فهذه‬
‫علمات أولياء الشيطان ل علمات أولياء الرحمن )‪... (8‬‬
‫انتهى ‪.‬‬
‫ولم يقف الصوفية عند هذا الحد من منح الولية لمثال‬
‫هؤلء بل غلوا فيهم حتى جعلوا فيهم شيئا من صفات‬
‫وتقربوا إليهم بأنواع النذور‪ ،‬وهتفوا بأسامائهم في‬
‫طلباتهم ‪ ،‬هذا منهج الصوفية في الولية والولياء ‪.‬‬

‫‪ 5‬ــ من دين الصوفية الباطل تقربهم إلى الله بالغناء‬


‫والرقص ‪ ،‬وضرب الدفوف والتصفيق ‪ .‬ويعتبرون هذا‬
‫عبادة لله ‪ .‬قال الدكتور ‪ //‬صابر طعيمة \\ في كتابه ‪" :‬‬
‫الصوفية معتقدا ومسلكا " ‪ :‬أصبح الرقص الصوفي‬
‫الحديث عند معظم الطرق الصوفية في مناسابات‬
‫الحتفال بموالد بعض كبارهم أن يجتمع التباع لسماع‬
‫النوتة الموسايقية التي يكون صوتها أحيانا أكثر من مائتي‬
‫عازف من الرجال والنساء ‪ ،‬ومبار التباع يجلسون في‬
‫هذه المناسابات يتناولون ألوانا من شرب الدخان ‪ ،‬وكبار‬
‫أئمة القوما وأتباعهم يقومون بمدارساة بعض الخرافات‬

‫)‪ (8‬مجموع الفتاوى ) ‪. ( 216 ، 210 ، 11‬‬


‫التي تنسب لمقبوريهم ‪ ،‬وقد انتهى إلى علمنا من‬
‫المطالعات أن الداء الموسايقي لبعض الطرق الصوفية‬
‫الحديثة مستمد مما يسمى ‪ )*) ..‬كورال صلوات الحاد‬
‫المسيحية (*( ‪ ..‬وقال شيخ السالما ابن تيمية ‪ :‬مبينا‬
‫وقت حدوث هذا ‪ .‬موقف الئمة منه ومن الذي أحدثه ‪...‬‬
‫اعلم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلثة المفضلة ‪ ،‬ل‬
‫بالحجاز ول بالشاما ‪ ،‬ول باليمن ‪ ،‬ول مصر ‪ ،‬ول المغرب‬
‫ول العراق ول خراساان من أهل الدين والصلحا والزهد‬
‫والعبادة من يجتمع على مثل ساماع المكاء والتصدية ‪،‬‬
‫وبدف ول بكف ‪ ،‬ول بقضيب وإنما أحدث هذا بعد ذلك في‬
‫أواخر المائة الثانية ‪ .‬فلما راه الئمة أنكروه فقال ‪:‬‬
‫الشافعي رضي الله عنه ‪ :‬خلفت ببغداد شيئا أحدثته‬
‫الزنادقة يسمونه " التغبير " يصدون به الناس عن القران‬
‫‪ ،‬وقال يزيد بن هارون ‪ :‬ما يغبر إل فاساق ‪ ،‬ومتى كان‬
‫التغبير ؟ ‪ ...‬وسائل الماما أحمد فقال ‪ :‬أكرهه هو حمدث ‪،‬‬
‫قيل ‪ :‬أتجلس معهم ‪ ،‬قال ‪ ،‬ل ‪ .‬وكذلك ساائر أئمة الدين‬
‫كرهوه ‪ ،‬وأكابر الشيوخ الصالحين لم يحضروه ‪ ،‬فلم‬
‫يحضره إبراهيم بن أدهم ول الفضيل بن عياض ‪ ،‬ول‬
‫معروف الكرخي ‪ ،‬ول أبو ساليمان الدارني ‪ ،‬ول أحمد بن‬
‫أبي الحواري ‪ ،‬والسري السقطي وأمثالهم والذين‬
‫حضروه من الشيوخ المحمودين تركوه في اخر أمرهم ‪،‬‬
‫وأعيان المشايخ عابوا أهله ‪ ،‬كما فعل ذلك عبد القادر‬
‫والشيخ أبو البيان ‪ ،‬وغيرهما من المشايخ ‪ ،‬وما ذكره‬
‫الشافعي ـ يرحمه الله ـ من أنه من إحداث الزنادقة ‪ ،‬كلما‬
‫إماما خبير بأصول السالما ‪ ،‬فإن هذا السماع لم يرغب‬
‫فيه ويدع إليه في الصل إل من هو متهم بالزندقة ‪ ،‬كابن‬
‫الراوندي والفارابي وابن ساينا وأمثالهم إلى أن قال ‪:‬‬
‫وأما الحنفاء أهل ملة إبراهيم الخليل ‪ ،‬الذي جعله الله‬
‫إماما ‪ ،‬وأهل دين السالما الذي ل يقبل الله من أحد دينا‬
‫غيره ‪ ،‬المتبعون لشريعة خاتم الرسال محمد ‪ " ،‬صلى الله‬
‫عليه وسالم " ‪ ،‬فليس فيهم من يرغب في ذلك ول يدعو‬
‫إليه ‪ ،‬وهؤلء هم أهل القران واليمان والهدىً والسعد‬
‫والرشاد والنور والفلحا وأهل المعرفة والعلم واليقين‬
‫والخلص لله والمحبة له والتوكل عليه والخشية له‬
‫والنابة إليه ‪ .‬إلى أن قال ‪ :‬ومن كان له خبرة بحقائق‬
‫الدين وأحوال القلوب ومعارفها وأذواقها ومواجيدها‬
‫عرف أن ساماع المكاء والتصدية ل يجلب للقلوب منفعة‬
‫ول مصلحة ‪ :‬إل وفي ضمن ذلك من الضرر والمفسدة ما‬
‫هو أعظم منه فهو للروحا كالخمر ‪ ،‬للجسد ولهذا يورث‬
‫أصحابه ساكرا أعظم من ساكر الخمر فيجدون لذة بل تمييز‬
‫‪ ،‬كما يجد شارب الخمر بل يحصل لهم أكثر وأكبر مما‬
‫يحصل لشارب الخمر ‪ ،‬ويصدهم ذلك عن ذكر اله وعن‬
‫الصلة أعظم مما يصدهم الخمر ويوقع بينهم العداوة‬
‫والبغضاء أعظم من الخمر ‪ .‬وقال أيضا ‪ :‬وأما الرقص فلم‬
‫يأمر الله به ول رساوله ‪ ،‬ول أحد من الئمة ‪ ،‬بل قد قال‬
‫من‬‫ض ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫غ ُ‬ ‫وا ْ‬‫ك َ‬ ‫شي ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫في َ‬ ‫صد ْ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫الله في كتابه ‪َ } :‬‬
‫ك{ ‪ ) ..‬لقمان ( ‪ ،‬الية ‪ . ' 19 ' :‬وقال في كتابه ‪} :‬‬ ‫وت ِ َ‬
‫ص ْ‬ ‫َ‬
‫ونا { ‪..‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ّ‬
‫ه ْ‬ ‫ض َ‬ ‫على الْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫شو َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫عَبادُ الّر ْ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫) الفرقان ( ‪ ،‬الية ‪ . ' 63 ' :‬أي بسكينة ووقار ‪ ،‬وإنما‬
‫عبادة المسلمين الركوع والسجود ‪ .‬بل الدف والرقص لم‬
‫يأمر الله به ول رساوله ‪ ،‬ول أحد من سالف المة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫وأما قول القائل هذه سابكة يصاد بها العواما فقد صدق‬
‫فإن أكثرهم إنما يتخذون ذلك شبكة لجل الطعاما‬
‫ها‬ ‫َ‬
‫والتوانس على الطعاما ‪ ،‬كما قال الله ـ تعالى ـ ‪َ } :‬يا أي ّ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫وا َ‬
‫ل‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن ل َي َأك ُُلو َ‬ ‫هَبا ِ‬ ‫والّر ْ‬ ‫ر َ‬ ‫حَبا ِ‬ ‫ن ال َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َِثيرا ً ّ‬ ‫مُنوا ْ إ ِ ّ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ل الّلهِ { ‪ ) ..‬التوبة ( ‪،‬‬ ‫ساِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫وي َ ُ‬‫ل َ‬ ‫س ِبال َْباطِ ِ‬ ‫الّنا ِ‬
‫الية ‪ . ' 34 ' :‬ومن فعل هذا فهو من أئمة الضلل الذين‬
‫َ‬
‫وك ُب ََراءَنا‬ ‫ساادَت ََنا َ‬ ‫عَنا َ‬ ‫قيل في رؤوساهم ‪َ } :‬رب َّنا إ ِّنا أطَ ْ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫عن ْ ُ‬‫وال ْ َ‬
‫ب َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫في ْ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ض ْ‬
‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ضّلوَنا ال ّ َ‬
‫سِبيل‪َ .‬رب َّنا آت ِ ِ‬ ‫فأ َ َ‬ ‫َ‬
‫عنا ً ك َِبيرا ً { ‪ ) ..‬الحزاب ( ‪ ،‬اليتان ‪ . ' 68 ، 67 ' :‬وأما‬ ‫لَ ْ‬
‫الصادقون منهم يتخذونه شبكة ‪ ،‬لكن هي شبكة مخرقة ‪،‬‬
‫يخرج منها الصيد إذا دخل فيها ‪ ،‬كما هو الواقع كثيرا ‪،‬‬
‫فإن الذين دخلوا في السماع المبتدع في الطريق ولم‬
‫يكن معهم أصل شرعي شرعه الله ورساوله ‪ ،‬أورثهم‬
‫أحوال فاسادة ‪ ..‬انتهى ‪.‬كلمه )‪ .. (9‬فهؤلء الصوفية‬
‫الذين يتقربون إلى الله بالغناء والرقص يصدق عليهم‬

‫)‪ (9‬مجموع الفتاوى )‪. ( 574 ، 569 ، 11‬‬


‫عبا ً{ ‪..‬‬
‫ول َ ِ‬
‫هوا ً َ‬
‫م لَ ْ‬ ‫ذوا ْ ِدين َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫خ ُ‬
‫ن ات ّ َ‬
‫ذي َ‬‫قول الله ـ تعالى ـ ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫) العراف ( ‪ ،‬الية ‪. ' 51 ' :‬‬

‫‪ 6‬ــ ومن دين الصوفية الباطل ما يسمونه بالحوال التي‬


‫تنتهي بصاحبها إلى الخروج عن التكاليف الشرعية نتيجة‬
‫لتطور التصوف ‪ ،‬فقد كان أصل التصوف ‪ ،‬كما ذكره ابن‬
‫الجوزي ‪ :‬رياضة النفس ‪ ،‬ومجاهدة الطبع ‪ ،‬برده عن‬
‫الخلق الرذيلة ‪ ،‬وحمله على الخلق الجميلة ‪ ،‬من الزهد‬
‫والحلم والصبر ‪ ،‬والخلص والصدق ‪ .‬قال وعلى هذا كان‬
‫أوائل القوما ‪ ،‬فلبس إبليس عليهم في أشياء ‪ ،‬ثم لبس‬
‫على من بعدهم من تابعيهم ‪ ،‬فكلما مضى قرن زاد طمعه‬
‫في القرن الثاني ‪ ،‬فزاد تلبسه عليهم إلى أن تمكن من‬
‫المتأخرين غاية التمكن ‪ ،‬وكان أصل تلبيسه عليهم أن‬
‫صدهم عن العلم وأراهم أن المقصود العمل ‪ ،‬فلما أطفأ‬
‫مصباحا العلم عندهم تخبطوا في الظلمات ‪ ،‬فمنهم من‬
‫أراه أن المقصود من ذلك ترك الدنيا في الجملة ‪،‬‬
‫فرفضوا ما يصلح أبدانهم ‪ ،‬وشبهوا المال بالعقارب‪.‬‬
‫ونسوا أنه خلق للمصالح وبالغوا في الحمل على النفوس‬
‫حتى إنه كان فيهم من ل يضطجع ‪ ،‬وهؤلء كانت‬
‫مقاصدهم حسنة غير أنهم على غير الجادة ‪ ،‬وفيهم من‬
‫كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الحاديث‬
‫الموضوعة وهو ل يدري ‪ ،‬ثم جاء أقواما فتكلموا لهم في‬
‫الجوع والفقر والوسااوس والخطرات وصنفوا في ذلك ‪،‬‬
‫مثل الحارث المحاسابي ‪ ،‬وجاء اخرون فهذبوا مذهب‬
‫الصوفية وأفراده بصفات ميزوة بها من الختصاص‬
‫بالمرقعة والسماع والوجد والرقص والتصفيق ‪ .‬ثم‬
‫مازال المر ينمى ‪ ،‬والشباحا يضعون لهم أوضاعا‬
‫ويتكلمون بمواقعاتهم ـ وبعدوا عن العلماء ورأوا ما هم‬
‫فيه أو في العلوما حتى ساموه العلم الباطن ‪ ،‬وجعلوا علم‬
‫الشريعة العلم الظاهر ‪ ،‬ومنهم من خرج به الجوع إلى‬
‫الخيالت الفاسادة فادعى عشق الحق والهيمان فيه ‪.‬‬
‫فكأنهم تخايلوا شخصا مستحسن الصورة فهاموا به ‪.‬‬
‫وهؤلء بين الكفر والبدعة ‪ ،‬ثم تشعبت بأقواما منهم‬
‫الطرق ففسدت عقائدهم ‪ .‬فمن هؤلء من قال بالحلول ‪،‬‬
‫ومنهم من قال بالتحاد ‪ ،‬وما زال إبليس يخبطهم بفنون‬
‫البدع حتى جعلوا لنفسهم ساننا ‪ ..‬انتهى )‪ .. (10‬وسائل‬
‫شيخ السالما ابن تيمية عن قوما داموا على الرياضة مرة‬
‫فرأوا أنهم قد تجوهروا ‪ ،‬فقالو ل نبالي الن ما علمنا ‪،‬‬
‫وإنما الوامر والنواهي رساوما العواما ‪ ،‬ولو تجوهروا‬
‫لسقطت عنهم ‪ ،‬وحاصل النبوة يرجع إلى الحكمة‬
‫والمصلحة ‪ ،‬والمراد منها ضبط العواما ‪ ،‬ولسنا نحن من‬
‫العواما ‪ ،‬فندخل في حجر التكليف لنا قد تجوهرنا وعرفنا‬
‫الحكمة فأجاب ‪ :‬ل ريب عند أهل العلم واليمان أن هذا‬
‫القول من أعظم الكفر وأغلطه ‪ ،‬وهو شر من قول‬
‫اليهود والنصارىً ‪ .‬فإن اليهودي والنصراني امن ببعض‬
‫الكتاب وكفر ببعض ‪ .‬وأولئك هم الكافرون حقا ‪ ،‬كما‬
‫أنهم يقرون أن لله أمرا ونهيا ‪ ،‬ووعدا ووعيدا ‪ ،‬وأن ذلك‬
‫متناول لهم إلى حين الموت ‪ ،‬هذا إن كانوا متمسكين‬
‫باليهودية والنصرانية المبدلة المنسوخة ‪ ،‬وأما إن كانوا‬
‫من منافقي أهل ملتهم كما هو الغالب على متكلميهم‬
‫ومتفلسفتهم كانوا شرا من منافقي هذه المة ‪ ،‬حيث‬
‫كانوا مظهرين للكفر ومبطنين للنفاق فهم شر ممن‬
‫يظهر إيمانا ويبطن نفاقا ‪ .‬والمقصود أن المتمسكين‬
‫بجملة منسوخة فيها تبديل خير من هؤلء الذين يزعمون‬
‫ساقوط المر والنهي عنهم بالكلية ‪ ،‬فإن هؤلء خارجون‬
‫في هذه الحال من جميع الكتب والشرائع والملل ‪ ،‬ل‬
‫يلتزمون لله أمرا ول نهيا بحال ‪ ،‬بل هؤلء شر من‬
‫المشركين المتمسكين ببقايا من الملل كمشركي العرب‬
‫الذين كانوا متمسكين ببقايا من دين إبراهيم ‪ ،‬عليه‬
‫السلما ‪ ،‬فإن أولئك معهم نوع من الحق يلتزمونه ‪ .‬وإن‬
‫كانوا مع ذلك مشركين ‪ ،‬وهؤلء خارجون عن التزاما شيء‬
‫من الحق بحيث يظنون أنهم قد صاروا سادىً ل أمر عليهم‬
‫ول نهي ـ إلى أن قال ‪ :‬ومن هؤلء من يحتج بقوله ‪} :‬‬
‫ن{ ‪ ) ..‬الحجر ( ‪ ،‬الية ‪99 ' :‬‬ ‫قي ُ‬ ‫حّتى ي َأ ْت ِي َ َ‬
‫ك ال ْي َ ِ‬ ‫عب ُدْ َرب ّ َ‬
‫ك َ‬ ‫وا ْ‬
‫َ‬
‫' ‪ .‬ويقول معناها ‪ :‬اعبد ربك حتى يحصل لك العلم‬
‫والمعرفة ‪ ،‬فإذا حصل ذلك ساقطت العبادة ‪ ،‬وربما قال‬
‫بعضهم ‪ :‬اعمل حتى يحصل لك حال ‪ ،‬فإذا حصل لك حال‬

‫تلبيس إبليس صفحة ) ‪. ( 158 ، 157‬‬ ‫) ‪(10‬‬


‫تصوفي ساقطت عنك العبادة ‪ ،‬وهؤلء فيهم من إذا ظن‬
‫حصول مطلوبة من المعرفة والحال اساتحل ترك‬
‫الفرائض وارتكاب المحارما ‪ .‬وهذا كفر كما تقدما إلى أن‬
‫حّتى‬ ‫ك َ‬ ‫عب ُدْ َرب ّ َ‬‫وا ْ‬ ‫قال ‪ :‬فأما اساتدللهم بقوله ـ تعالى ـ ‪َ } :‬‬
‫ن { ‪ ) ..‬الحجر ( ‪ ،‬الية ‪ ' 99 ' :‬فهي عليهم‬ ‫قي ُ‬ ‫ك ال ْي َ ِ‬ ‫ي َأ ْت ِي َ َ‬
‫ل لهم قال الحسن البصري ‪ )*) :‬إن الله لم يجعل لعمل‬
‫عب ُدْ َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫وا ْ‬ ‫المؤمن أجل دون الموت (*( ‪ :‬واقرأ قوله ‪َ } :‬‬
‫ن { ‪ ) ..‬الحجر ( ‪ ،‬الية ‪ ' 99 ' :‬وذلك أن‬ ‫قي ُ‬ ‫ك ال ْي َ ِ‬‫حّتى ي َأ ْت ِي َ َ‬ ‫َ‬
‫اليقين هنا الموت وما بعده باتفاق علماء المسلمين ‪،‬‬
‫ن‬‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫قاُلوا ل َ ْ‬
‫قر‪َ .‬‬ ‫سا َ َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬‫سال َك َك ُ ْ‬
‫ما َ‬ ‫وذلك قوله ‪َ } :‬‬
‫ن‪.‬‬
‫ضي َ‬ ‫خائ ِ ِ‬ ‫ع ال ْ َ‬‫م َ‬‫ض َ‬ ‫خو ُ‬ ‫وك ُّنا ن َ ُ‬ ‫ن { إلى قوله تعالى } َ‬ ‫صّلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن { ‪ ) ..‬المدثر ( ‪،‬‬ ‫قي ُ‬ ‫حّتى أ ََتاَنا ال ْي َ ِ‬
‫ن‪َ .‬‬ ‫دي ِ‬‫وما ِ ال ّ‬‫ب ب ِي َ ْ‬‫وك ُّنا ن ُك َذّ ُ‬ ‫َ‬
‫اليات ‪ . ' 47 ، 42 ' :‬فهذا قالوه في جهنم ‪ ،‬وأخبروا‬
‫أنهم كانوا على ما هم عليه من ترك الصلة والزكاة‬
‫والتكذيب بالخرة ‪ ،‬والخوض مع الخائضين ‪ ،‬حتى أتاهم‬
‫اليقين ‪ .‬ومعلوما أنهم مع هذا الحال لم يكونوا مؤمنين‬
‫بذلك في الدنيا ‪ ،‬ولم يكونوا مع الذين قال الله فيهم ‪} :‬‬
‫ن { ‪ ) ..‬البقرة ( ‪ ،‬الية ‪ . ' 4 ' :‬وإنما‬ ‫قُنو َ‬‫م ُيو ِ‬ ‫ه ْ‬
‫ة ُ‬ ‫خَر ِ‬ ‫وِبال ِ‬ ‫َ‬
‫)‪1‬‬
‫أراد بذلك أنه أتاهم ما يوعدون وهو اليقين ‪ ...‬انتهى‬
‫‪ .. (1‬فالية تدل على وجوب العبادة على العبد منذ بلوغه‬
‫سان التكليف عاقل ‪ :‬إلى أن يموت ‪ .‬وأنه ليس هناك حال‬
‫قبل الموت ينتهي عندها التكليف كما تزعمه الصوفية ‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫وبعد ‪ :‬فهذا هو دين الصوفية قديما وحديثا ‪ ،‬وهذا‬
‫موقفهم من العبادة ‪ ،‬ولم ننقل عنهم إل القليل مما‬
‫تضمنته كتبهم ‪ ،‬وكتب منتقديهم وما تدل عليه‬
‫ممارسااتهم المعاصرة ‪ ،‬ولم أتناول إل جانبا واحدا من‬
‫جوانب البحث حولهم هو جانب العبادة وموقفهم منها ‪،‬‬
‫وبقيت جوانب أخرىً تحتاج إلى محاضرات ‪ ،‬ومحاضرات‬
‫كموقفهم من التوحيد ‪ ،‬وموقفهم من الرساالت ‪،‬‬
‫وموقفهم من الشريعة والقدر ‪ ،‬إلى غير ذلك ‪.‬‬
‫) ‪ (11‬مجموع الفتاوى ) ‪. ( 418 ، 417 ، 402 ، 401 ، 11‬‬
‫هذا وأساأل الله ـ عز وجل ـ أن يرينا الحق حقا ويرزقنا‬
‫اتباعه ‪ ،‬ويرينا الباطل باطل ويرزقنا اجتنابه ‪ ،‬وأل يزيغ‬
‫قلوبنا بعد إذ هدانا ‪ .‬وصلى الله وسالم على نبينا محمد ‪،‬‬
‫واله وصحبه ‪.‬‬
‫الفهرس‬

‫الموضوع‬
‫المقدمة‪...........................................................‬‬
‫‪..........‬‬
‫ضوابط العبادة‬
‫الصحيحة‪....................................................‬‬
‫أول ‪ :‬أنها‬
‫توفيقية‪...........................................................‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أن تكون العبادة خالصة‬
‫لله‪............................................‬‬
‫ثالثا ‪ :‬أن يكون القدوة في العبادة والمبين لها رساول‬
‫الله صلى الله عليه وسالم‪.........‬‬
‫رابعا ‪ :‬أن العبادة محددة بمواقيت‬
‫ومقادير‪......................................‬‬
‫خامسا ‪ :‬أن تكون العبادة قائمة على محبة‬
‫الله‪.................................‬‬
‫ساادساا ‪ :‬أن تكون العبادة ل تسقط عن‬
‫المكلف‪..............................‬‬
‫حقيقة‬
‫التصوف‪...........................................................‬‬
‫‪..‬‬
‫موقف الصوفية من العبادة‬
‫والدين‪...........................................‬‬
‫الخاتمة‪............................................................‬‬
‫‪...........‬‬

You might also like