You are on page 1of 21

‫البحث يف املادة القراءة‬

‫عن‬

‫نبذة عن أئمة املذاهب األربعة‬

‫حتت إشراف‬

‫الشيخ حممد علي الشهراين‬

‫حفظه هللا تعاىل‬

‫جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‬


‫معهد العلوم اإلسالمية والعربية يف جاكرات‬

‫‪1‬‬
‫حممدا عبده ورسوله‪،‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن ً‬
‫كثريا‪ .‬أما بعد ‪:‬‬
‫تسليما ً‬
‫صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه‪ ،‬وسلم ً‬

‫نشكر هللا العظيم الذي يساعدان يف اجلمع هذا البحث عن نبذة عن أئمة املذاهب األربعة‪.‬‬

‫قد مجعه الطالب الفقراء إىل هللا تعاىل‬

‫عبد هللا بن فجر الدين‬


‫حممد فوزان خمتار‬
‫حممد رشيد رضى‬
‫حممد آدم مالك‬
‫حممد فردوس‬

‫‪2‬‬
‫اإلمام‬
‫أبو حنيفة النعمان‬

‫ـ رمحه هللا ـ‬

‫احلنفي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أبو حنيفة النعمان اإلمام الفقيه‪ ،‬أحد أبرز الفقهاء والعلماء املسلمني‪ ،‬وهو صاحب املذهب‬
‫حّت نُِقل من خربه أنّه ال ينام من الليل إال القليل؛ ّأما أبوه اثبت‬
‫وقد كان اإلمام أبو حنيفة النعمان كثري العبادة‪ّ ،‬‬
‫كرم هللا وجهه‪،‬‬‫علي َّ‬
‫وحسن إسالمه‪ ،‬وقيل إنّه كان قد التقى ابإلمام ّ‬ ‫فقد كان اتجراً من أغنياء التُّجار‪ ،‬وقد أسلم ُ‬
‫قصة حياته وعلمه الواسع الغزير‪ ،‬ومن‬
‫احلقيقي‪ ،‬وما ّ‬
‫ّ‬ ‫فدعا له ولذريّته ابلربكة واخلري‪ ،‬فمن هو أبو حنيفة‪ ،‬وما امسه‬
‫هم شيوخه؟ هذه األسئلة اليت ستجيب عنها هذا البحث بتوفيق هللا‪.‬‬

‫َّسب‬
‫يف أبيب حنيفة النُّعمان االسم والن َ‬
‫‪ .1‬تعر ٌ‬

‫اسم أيب حنيفة ‪-‬رمحه هللا‪ -‬هو النُّعمان‪ ،‬واسم أبيه اثبت بن املْرُزابن‪ّ ،‬أما أبو حنيفة فهو ُكنية للنّعمان‪،‬‬
‫َ‬
‫يقة من قومه‪ ،‬وتعود أصوله األوىل إىل مدينة كابل‬ ‫أصله فارسي من بالد فارس‪ ،‬ويعود نَسبه إىل أسرة شريفة عر ٍ‬
‫َُ‬ ‫ّ‬
‫املرزابن فقد أسلم يف عهد اخلليفة الفاروق عمر بن اخلطاب‬ ‫احلايل‪ ،‬أما َجدُّه ُ‬
‫عاصمة دولة أفغانستان يف الوقت ّ‬
‫التيمي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫رضي هللا عنه‪ ،‬مثّ انتقل إىل الكوفة‪ ،‬وسكن فيها‪ ،‬وقيل يف تسميته‪ :‬هو (النعمان بن اثبت بن زوطى‬
‫الكويف‪ ،‬موىل بين تيم هللا بن ثعلبة)‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .2‬مكان الوالدة واترخيها‬

‫ُولِد اإلمام أبو حنيفة النعمان ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يف مدينة الكوفة يف العراق؛ حيث أقام ج ّده فيها‪ ،‬وكان‬
‫الراجح‪ ،‬املوافق للعام مثانني من اهلجرة النبويّة الشريفة‪ ،‬وقد كان‬
‫مولده يف سنة ستّمئة وتسعة وتسعني للميالد على ّ‬
‫أبويْه حيث مل يُنجبا سواه كما يظهر‪ ،‬وكان مولد أيب حنيفة يف حياة صغار‬
‫اإلمام أبو حنيفة النعمان وحيد َ‬
‫الصحابة رضوان هللا عنهم‪ ،‬فأدرك منهم أنساً بن مالك رضي هللا عنه‪ ،‬الذي ِ‬
‫قدم إىل الكوفة حينها‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪3‬‬
‫‪ .3‬النشأة‬

‫ترّب وترعرع وقضى معظم‬


‫نشأ اإلمام أبو حنيفة النعمان ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يف مكان مولده الكوفة‪ ،‬وفيها ّ‬
‫وترّب عليه‪،‬‬
‫حياته‪ ،‬وقد كان اثبت والد أيب حنيفة اتجراً موسراً‪ ،‬وكان من أهل الصالح وقد نشأ على اإلسالم ّ‬
‫لعلي الفالوذج يف عيد النريوز‪ ،‬ممّا‬ ‫حّت إنّه التقى عليّاً بن أيب طالب رمحه هللا‪ ،‬وقيل‪ :‬إن َّ‬
‫جد أيب حنيفة أهدى ّ‬ ‫ّ‬
‫يُنبئ أ ّن مجيع أسرة أيب حنيفة كان حاهلم الغىن؛ إذ إ ّن الفالوذج من احللوايت غالية الثمن يف ذلك الوقت‪ ،‬فلم‬
‫يكن أيكلها يف ذلك الوقت إال املوسرون‪ ،‬كما ُرِوي أ ّن اإلمام عليّاً بن أيب طالب ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬ملا التقاه‬
‫ّ‬
‫وهدى‪ .‬وأل ّن والد‬‫اثبت والد أيب حنيفة دعا له ابلربكة له ولذريّته‪ ،‬فكان منشأ أيب حنيفة على ذلك يف بيت دي ٍن ُ‬
‫أيب حنيفة كان اتجراً‪ ،‬فقد نشأ اإلمام أبو حنيفة يف كنف األسواق والتُّجار‪ ،‬وكان يف ّأول حياته كثري الرتدُّد عليها‬
‫قل تردُّده على األسواق‪ ،‬فكان ال يذهب إليها إال ملعرفة سري‬
‫توجه للعلم َّ‬
‫قل تردُّده على جمالس العلم‪ ،‬وملا ّ‬
‫بينما ّ‬
‫حّت ُرِوي أنّه كان خيتم القرآن يف شهر‬
‫متجره‪ ،‬وقد حفظ اإلمام القرآن الكرمي‪ ،‬وكان شديد التَّعلق فيه وبتالوته‪ّ ،‬‬
‫مرًة‪ ،‬ولو كان يف هذا الرقم شيءٌ من املبالغة ّإال أنّه يُنبِئ عن كثرة قراءة أيب حنيفة لكتاب‬
‫رمضان ما يقارب ستّني ّ‬
‫هللا وتعلُّقه فيه‪.‬‬

‫‪ .4‬علم أيب حنيفة وشيوخه‬

‫توجه إليه أبو حنيفة من علوم عصره هو علم الكالم‪ ،‬والعقائد‪ ،‬وأصول ال ّدين؛ حيث كان‬ ‫ّأول ما ّ‬
‫حّت برع يف هذا اجملال‪ ،‬وأصبح ممّن يُشار‬ ‫يناقش أهل املِلَل والنِّحل املختلفة‪ ،‬وينقاش امل ِ‬
‫الضالل‪ّ ،‬‬
‫لحدين وأهل ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫إليهم ابلبنان‪ ،‬ومل ُُيا ِوز حينها العشرين من عمره‪ ،‬مثّ َّ‬
‫توجه إىل علم الفقه‪ ،‬وكان قد تتلمذ على يدي العامل الفقيه‬
‫حّت صار أقرب تالميذه إليه‪ ،‬وقد قال محاد يف أيب حنيفة‪:‬‬
‫محَّاد بن أيب سليمان رمحه هللا‪ ،‬وهنل من علمه الغزير ّ‬
‫(ال ُيلس يف صدر احللقة حبذائي ‪-‬جبانيب‪ -‬غري أيب حنيفة)‪ .‬وقد اطَّلع اإلمام أبو حنيفة النعمان على مجيع‬
‫استقر على علم الفقه بعد أن علِم فضله ومكانته يف الدين وأمهيّته يف‬
‫املهمة‪ ،‬مثّ َّ‬
‫العلوم اإلسالمية والعلوم األخرى ّ‬
‫يتوجه إىل علم الفقه‪ ،‬فدرس العقيدة‪ ،‬والقراءات‪،‬‬
‫األوىل واآلخرة‪ ،‬وقد اطلع على أصول العلوم مجيعها قبل أن ّ‬
‫واحلديث‪ ،‬والنحو‪ ،‬واللغة‪ ،‬وعلوم القرآن‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬فلم ُيد يف مجيع تلك العلوم أشرف وال أرفع وال أفضل‬
‫استقر عليه‪.‬‬ ‫حّت إنّه كلّما قلَّب يف علم الفقه َ‬
‫وجده يسمو ويرتفع حّت َّ‬ ‫مآالً من علم الفقه؛ ّ‬

‫‪ .5‬التالميذ‬

‫‪4‬‬
‫عدد من العلماء الذين برزوا يف العلم الحقاً‪ ،‬بل إ ّن تالميذه‬
‫يدي اإلمام أيب حنيفة النعمان ٌ‬
‫تتلمذ على َ‬
‫احلنفي حتت إشراف معلّمهم أيب حنيفة؛ حيث مل يرد عنه أنّه كتب كتاابً‬
‫ّ‬ ‫هم من أرسى القواعد األوليّة للمذهب‬
‫كل ذلك على‬
‫اخلاصة‪ ،‬إال أ ّن اإلمام كان ُُيلي َّ‬
‫جامعاً يف الفقه يُظهر أقواله‪ ،‬واجتهاداته‪ ،‬وآراءه الفقهية‪ ،‬وفتاواه ّ‬
‫قرهم عليه‪ ،‬أو حيذف ما ُخيالف‬
‫تالميذه أثناء احللقات العلميّة اليت يعرضها عليهم‪ ،‬مثّ يراجع ما يكتبونه الحقاً ليُ َّ‬
‫يستقر‬
‫غري بعض ما كتبه تالميذه بعد االطّالع عليه‪ ،‬ممّا جعل مذهبه ُّ‬
‫ط أو خطأ‪ ،‬أو رّّبا يُ ّ‬
‫مذهبه أو كان فيه لغ ٌ‬
‫احلنفي ونشره للناس‪ .‬ومن بني أشهر‬
‫ّ‬ ‫ويستمر ويزدهر على أيدي تالميذه وتالميذهم الذين برعوا يف تدوين الفقه‬
‫ّ‬
‫تالميذ اإلمام أيب حنيفة؛ الشيخ أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم‪ ،‬ومن ُكتبه الشهرية كتاب اآلاثر‪ ،‬ومنها كذلك‬
‫كتابه اختالف أيب حنيفة وابن أيب ليلى‪ ،‬كما برع من تالميذ أيب حنيفة حممد بن احلسن الشيباين‪ ،‬وهو صاحب‬
‫احلنفي وتدوينه‪ ،‬مع أنّه مل يتتلمذ على يدي أيب حنيفة إال فرتةً قصريةً‪ ،‬مثّ‬
‫ّ‬ ‫الفضل األكرب يف ترسيخ دعائم املذهب‬
‫تتلمذ بعدها على أيدي أيب يوسف‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬ومالك‪ ،‬وغريهم من أساطيل الفقه‪.‬‬

‫‪ .6‬وفاة أيب حنيفة النعمان‬

‫تويف سنة مئة وإحدى‬


‫تويف اإلمام أبو حنيفة النعمان يف سنة مئة ومخسني للهجرة يف شهر رجب‪ ،‬وقيل إنّه ّ‬
‫تويف سنة مئة ومائة وثالث ومخسني‪ ،‬واألصوب يف ذلك هو الرأي األول‪ ،‬وكان أبو حنيفة حني‬
‫ومخسني‪ ،‬وقيل ّ‬
‫وفاته يبلغ من العمر سبعني سنةً‪ ،‬وممّا ُرِوي يف حاله قبل وفاته أنّه مكث أربعني سنةً يُصلّي الفجر بوضوء العشاء‪،‬‬
‫مرة؛ حيث كان شديد التعلُّق بكتاب هللا؛ فقد كان‬ ‫وقيل إنّه قرأ القرآن يف املوضع الذي مات فيه سبعة اآلف ّ‬
‫مرات‪ ،‬قيل ّإهنا بلغت ستّاً؛ لكثرة‬ ‫يصلّي الليل ويقرأ القرآن يف كل ليلة‪ ،‬وقد ِ‬
‫صلّي عليه يف مدينة بغداد ع ّدة ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الزحام يف جنازته‪ ،‬وقد ُدفِن فيها‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪5‬‬
‫اإلمام‬
‫مالك بن أنس‬
‫ـ رمحه هللا ـ‬
‫‪1‬‬
‫هذا الرجل‪:‬‬

‫" إذا ذكر العلماء فمالك النجم‪ ،‬ومالك حجة هللا على خلقه بعد التابعني" ‪.‬‬
‫اإلمام الشافعي‬
‫"القلب يسكن إىل حديثه‪ ،‬وإىل فتياه‪ ،‬وحقيق أن يسكن إليه‪ ..‬مالك عندان حجة ألنه شديد االتباع لآلاثر اليت‬
‫تصح عنده"‪.‬‬
‫اإلمام أمحد بن حنبل‬
‫"أمجعت طوائف العلماء على إمامة مالك‪ ،‬وجاللته‪ ،‬وعظيم سيادته‪ ،‬وتبجيله‪ ،‬وتوقريه‪ ،‬واإلذعان له يف احلفظ‪،‬‬
‫والتثبت وتعظيم حديث رسول هللا صلوات هللا وسالمه عليه"‪.‬‬
‫اإلمام النووي‬
‫"قد اتفق ملالك مناقب ما علمته اجتمعت ألحد غريه‪ ،‬أحدها‪ :‬طول العمر والرواية‪ ،‬اثنيها‪ :‬الذهن الثاقب والفهم‬
‫وسعة العلم‪ ،‬اثلثها‪ :‬اتفاق األئمة على دينه وعدالته واتباعه للسنن‪ ،‬مخسها‪ :‬تقدمه يف الفقه والفتوى وصحة‬
‫قواعده"‪.‬‬
‫اإلمام الذهيب‬

‫‪ .1‬امسه‪,‬ومولده‪,‬نشأته‬

‫هو أبو عبد هللا مالك بن أنس بن مالك بن أيب عامر األصبحي احلمريي املدين (‪١٧٩ - ٩٣‬هـ ‪٧١١ /‬‬
‫‪٧٩٥ -‬م) فقيه ِّ‬
‫وحمدث مسلم‪ ،‬واثين األئمة األربعة عند أهل السنة واجلماعة‪ ،‬وصاحب املذهب املالكي يف الفقه‬
‫اإلسالمي‪ .‬اشتُهر بعلمه الغزير وقوة حفظه للحديث النبوي وتثبُّته فيه‪ ،‬وكان معروفاً ابلصرب والذكاء واهليبة والوقار‬
‫واألخالق احلسنة‪ .‬وقد لقب اإلمام مالك إبمام األئمة لكثرة من أخذ عنه من أعالم هذه األمة وأئمتها مباشرة أو‬

‫‪ 1‬مالك بن أنس‪ ،‬عبد الغني الدقر‪ ،‬ص ‪٤‬‬

‫‪6‬‬
‫بواسطة‪ ،‬فممن أخذ عنه مباشرة اإلمام الشافعي واإلمام حممد بن احلسن واإلمام أبو يوسف صاحباً أيب حنيفة‪،‬‬
‫كما أخذ عنه اإلمام أمحد واإلمام البخاري واإلمام مسلم‪ ...‬بواسطة‪ .‬ولقب إبمام دار اهلجرة ألنه استمر مدة‬
‫طويلة كان فيها مرجع أهل املدينة (دار اهلجرة النبوية) الوحيد حّت قيل‪ :‬ال يفّت ومالك ابملدينة‪.‬‬

‫ُولد اإلمام مالك ابملدينة املنورة سنة ‪ ٩٣‬ه‪ ،‬ونشأ يف بيت كان مشتغالً بعلم احلديث واستطالع اآلاثر‬
‫وأخبار الصحابة وفتاويهم‪ ،‬فحفظ القرآن الكرمي يف صدر حياته‪ ،‬مث اجته إىل حفظ احلديث النبوي وتعلُّ ِم الفقه‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فالزم فقيه املدينة املنورة ابن هرمز سبع سنني يتعلم عنده‪ ،‬كما أخذ عن كثري من غريه من العلماء كنافع‬
‫موىل ابن عمر وابن شهاب الزهري‪ ،‬وبعد أن اكتملت دراسته لآلاثر وال ُفتيا‪ ،‬وبعد أن شهد له سبعون شيخاً من‬
‫درسه ابلسكينة والوقار‬
‫أهل العلم أنه موضع لذلك‪ ،‬اختذ له جملساً يف املسجد النبوي للدرس واإلفتاء‪ ،‬وقد ُعرف ُ‬
‫كثر من قول «ال أدري»‪ ،‬وكان يقول‪« :‬إمنا‬
‫يتحرز أن ُخيطئ يف إفتائه ويُ ُ‬
‫واحرتام األحاديث النبوية وإجالهلا‪ ،‬وكان ُ‬
‫أان بشر أخطئ وأصيب‪ ،‬فانظروا يف رأيي‪ ،‬فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به‪ ،‬وما مل يوافق الكتاب والسنة‬
‫فاتركوه»‪.‬‬

‫‪ .2‬أخالقه وصفاته‪:‬‬

‫قوة احلفظ‪:‬‬
‫كان اإلمام مالك إذا استمع إىل شيء استمع إليه حبرص ووعاه وعياً اتماً‪ ،‬حّت إنه ليسمع نيفاً وأربعني‬
‫حديثاً مرة واحدة‪ ،‬فيجيء يف اليوم التايل ويُلقي على من استمعها منه‪ ،‬وهو ابن شهاب الزهري‪ ،‬أربعني حديثاً‪ ،‬مما‬
‫املستودع للعلم»‪ .‬وقال اإلمام‬
‫َ‬ ‫يدل على قوة حفظه ووعيه‪ ،‬حّت قال له الزهري‪« :‬أنت من أوعية العلم‪ ،‬وإنك لنعم‬
‫مالك‪ :‬ساء حفظ الناس‪ ،‬لقد كنت آيت سعيد بن املسيب وعروة والقاسم وأاب سلمة ومحيداً وساملاً ‪-‬وعدَّد مجاعة‪-‬‬
‫فأدور عليهم‪ ،‬أمسع من كل واحد من اخلمسني حديثاً إىل املئة‪ ،‬مث أنصرف وقد حفظته كله من غري أن أخلط‬
‫حديث هذا يف حديث هذا‪.‬‬

‫الصرب‪:‬‬
‫ب الفقر حّت ابع أخشاب سقف بيته يف سبيل‬
‫كان اإلمام مالك صبوراً مثابراً‪ ،‬مغالباً لكل الصعاب‪ ،‬غالَ َ‬
‫العلم‪ ،‬وكان يذهب يف اهلجري إىل بيوت العلماء‪ ،‬ينتظر خروجهم‪ ،‬ويتبعهم حّت املسجد‪ ،‬وكان ُيلس على ابب‬

‫‪7‬‬
‫دار شيخه يف شدة الربد‪ ،‬ويتقي برد اجمللس بوسادة ُيلس عليها‪ ،‬وكان يقول‪« :‬ال يبلغ أحد ما يريد من هذا العلم‬
‫حّت يضر به الفقر‪ ،‬ويؤثره على كل حال»‪ .‬وكان اإلمام مالك أيخذ تالميذه بذلك‪ ،‬فيحثهم على احتمال املشاق‬
‫يف طلب العلم ابلقول والعمل‪.‬وكان اإلمام مالك يعمل يف نفسه ما ال يُلزمه الناس‪ ،‬وكان يقول‪« :‬ال يكون العامل‬
‫عاملاً حّت يعمل يف نفسه ّبا ال يفيت به الناس‪ ،‬حيتاط لنفسه ما لو تركه مل يكن عليه فيه إمث»‪.‬‬

‫الذكاء والفراسة‪:‬‬
‫رت إىل املدينة ولقيت مالكاً‬ ‫ِ‬
‫اتصف اإلمام مالك بقوة الفراسة‪ ،‬ولقد قال اإلمام الشافعي يف فراسته‪ :‬ملا س ُ‬
‫ومسع كالمي‪ ،‬نظر إيل ساعةً‪ ،‬وكانت له فراسة‪ ،‬مث قال يل‪« :‬ما امسك؟»‪ ،‬قلت‪« :‬حممد»‪ ،‬قال‪« :‬اي حممد‪ ،‬اتق‬
‫هللا‪ ،‬واجتنب املعاصي‪ ،‬فإنه سيكون لك الشأن من الشأن»‪ .‬ولقد قال أحد تالميذه‪« :‬كان يف مالك فراسةٌ ال‬
‫ختطئ»‪.‬‬

‫اهليبة والوقار‪:‬‬
‫الرجل ليدخل إىل جملسه فيُلقي السالم عليهم‬
‫كان اإلمام مالك ذا هيبة ووقار‪ ،‬يهابه تالميذه‪ ،‬حّت أن َ‬
‫فال ُيرُّد عليه أحد إال مههمة وإشارة‪ ،‬ويشريون إليه أال يتكلم مهابةً وإجالالً‪ ،‬كما كان يهابه احلكام‪ ،‬حّت إهنم‬
‫ليحسون ابلصغر يف حضرته‪ ،‬ويهابه أوالد اخللفاء‪ُ ،‬روي أنه كان يف جملسه مع أيب جعفر املنصور‪ ،‬وإذا صيب خيرج‬‫ُّ‬
‫مث يرجع‪ ،‬فقال أبو جعفر‪« :‬أتدري من هذا؟»‪ ،‬قال‪« :‬ال»‪ ،‬قال‪« :‬هذا ابين‪ ،‬وإمنا يفزع من شيبتك»‪ .‬بل كان‬
‫يهابه اخللفاء أنفسهم‪ ،‬فقد ُروي أن اخلليفة املهدي دعاه‪ ،‬وقد ازدحم الناس ّبجلسه‪ ،‬ومل يبق موضع جلالس‪ ،‬حّت‬
‫إذا حضر مالك تنحى الناس له حّت وصل إىل اخلليفة‪ ،‬فتنحى له عن بعض جملسه‪ ،‬فرفع إحدى ِرجليه ليفسح‬
‫وجملس أقوى أتثرياً من جملس‬
‫ٌ‬ ‫شيخ املدينة مهيباً‪ ،‬حّت صار له نفوٌذ أكرب من نفوذ واليها‪،‬‬
‫ملالك اجمللس‪ .‬وهكذا كان ُ‬
‫السلطان من غري أن يكون صاحب سلطان‪ ،‬قال ابن املاجشون‪« :‬دخلت على أمري املؤمنني املهدي‪ ،‬فما كان بيين‬
‫وبينه إال خادمه‪ ،‬فما هبته هيبيت مالكاً»‪ ،‬وقال سعيد بن أيب مرمي‪« :‬لقد كانت هيبته أشد من هيبة السلطان»‪.‬‬

‫صفته الشكلية‪:‬‬
‫كان اإلمام مالك طويالً جسيماً‪ ،‬شديد البياض إىل الشقرة‪ ،‬عظيم اهلامة‪ ،‬حسن الصورة‪ ،‬أصلع‪ ،‬أعني‪،‬‬
‫أشم‪ ،‬أزرق العينني‪ .‬قال عيسى بن عمر املدين‪« :‬ما رأيت بياضاً قط أحسن من وجه مالك‪ ،‬وكان عظيم اللحية‬

‫‪8‬‬
‫عريضها»‪ .‬وكان ربعةً من الرجال‪ ،‬وكان أيخذ أطراف شاربه ال حيلقه وال حيفيه‪ ،‬ويرى حلق الشارب ُمثلة‪ ،‬ويرتك له‬
‫سبلتني طويلتني‪ ،‬ومل يكن خيضب شعره‪ ،‬وقد ذَكر أمحد بن حنبل عن إسحاق بن عيسى الطباع قال‪ :‬رأيت مالكاً‬
‫بن أنس ال خيضب فسألته عن ذلك فقال‪« :‬بلغين عن علي رضي هللا عنه أنه كان ال خيضب»‪.‬‬

‫إعظام العلم ورفعةَ العامل‪ ،‬ويقول إن مروءة العامل أن‬


‫وكان اإلمام مالك يُعىن بلباسه عنايةً اتمةً‪ ،‬ويَرى بذلك َ‬
‫احلسن يرتديه ويظهر به‪ ،‬وأنه ينبغي أال تراه العيون إال بكامل اللباس حّت العمامة اجليدة‪ ،‬وقد كان‬
‫َ‬ ‫الثوب‬
‫خيتار َ‬
‫يلبس أجود اللباس وأغاله وأمجله‪ ،‬قال الزبريي‪ :‬كان مالك يلبس الثياب العدنية اجلياد‪ ،‬واخلراسانية واملصرية املرتفعة‬
‫أثر نعمته عليه»‪ .‬وكان يقول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫البيض‪ ،‬ويتطيب بطيب جيد ويقول‪« :‬ما أُحب ألحد أنعم هللا عليه إال أن يُرى ُ‬
‫«أحب للقارئ أن يكون أبيض الثياب»‪.‬‬

‫‪ .3‬شيوخه‪:‬‬

‫أدرك اإلمام مالك من الشيوخ ما مل يدركه أحد بعده‪ ،‬فقد أدرك من التابعني نفراً كثرياً‪ ،‬وأدرك من اتبعيهم نفراً‬
‫أكثر‪ ،‬واختار منهم من ارتضاه لدينه وفهمه وقيامه حبق الرواية وشروطها‪ ،‬وسكنت نفسه إليه‪ ،‬وترك الرواية عن أهل‬
‫ِدين وصالح ال يعرفون الرواية‪ ،‬فكان من أخذ عنهم تسعمائة شيخ منهم ثالمثئة من التابعني‪ ،‬ومن شيوخه‪ :‬ابن‬
‫هرمز‪ ،‬وهو أول شيخ له‪ ،‬وانفع موىل ابن عمر‪ ،‬وزيد بن أسلم‪ ،‬وابن شهاب الزهري‪ ،‬وأبو الزاند‪ ،‬وعبد الرمحن بن‬
‫القاسم بن حممد بن أيب بكر الصديق‪ ،‬وأيوب السختياين‪ ،‬وثور بن زيد الديلي‪ ،‬وإبراهيم ابن أيب عبلة املقدسي‪،‬‬
‫ومحيد الطويل‪ ،‬وربيعة بن أيب عبد الرمحن‪ ،‬وهشام بن عروة‪ ،‬وحيىي بن سعيد األنصاري‪ ،‬وعائشة بنت سعد بن أيب‬
‫‪2‬‬
‫وقاص‪ ،‬وعامر بن عبد هللا بن الزبري بن العوام‪ ،‬وأبو األسود حممد بن عبد الرمحن بن نوفل األسدي القرشي‪.‬‬

‫‪ .4‬فقهه وأصول مذهبه‪:‬‬

‫أصول فقهية ابملعىن املعروف‪ ،‬ومل أيخذ عنه أحد من أصحابه منهاجاً أو أصالً مما‬
‫مل يكن لإلمام مالك ٌ‬
‫عليه فقهه‪ ،‬ولكن استطاع أصحابه مث أصحاهبم من بعدهم أن يستقصوا فقهه‪ ،‬وينتزعوا منه األصول اليت بىن عليها‪،‬‬
‫وأما أصول املذهب املالكي فهي‪ :‬القرآن الكرمي‪ ،‬والسنة النبوية‪ ،‬واإلمجاع‪ ،‬وعمل أهل املدينة‪ ،‬والقياس‪ ،‬واملصاحل‬
‫املرسلة‪ ،‬واالستحسان‪ ،‬والعرف والعادات‪ ،‬وسد الذرائع‪ ،‬واالستصحاب‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وخلصها الشاطيب يف أربعة‪(:‬الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلمجاع‪ ،‬والرأي)‪ ،‬وتشمل السنة‪ :‬عمل أهل املدينة‪ ،‬وقول‬
‫الصحايب‪ ،‬ألن مفهوم السنة عند مالك يشملها‪ .‬ويشمل الرأي‪ :‬املصاحل املرسلة‪ ،‬وسد الذرائع‪ ،‬والعادات‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫واالستحسان‪ ،‬واالستصحاب‪ ،‬وكلها من وجوه الرأي‪.‬‬

‫‪ .5‬كتبه ومؤلفاته‪:‬‬

‫يُعد كتاب املوطأ من أوائل كتب احلديث وأشهرها يف ترتيبه وتركيبه‪ ،‬ويف اجتهاده ونقله‪ ،‬ويف حديثه وفقهه‪،‬‬
‫أعظم‬
‫فإذا ذكر املوطأ ذكر به اإلمام مالك وعظم به‪ ،‬وإذا ذكر اإلمام مالك ذكر به املوطأ وعظم به‪ ،‬وقد كان َ‬
‫عنت بكتاب من كتب الفقه واحلديث اعتناءَ الناس ابملوطأ‪ ،‬فإن‬
‫أقدمه‪ ،‬قال القاضي عياض‪« :‬مل يُ َ‬
‫مرجع يف عصره و َ‬
‫املوافق واملخالف أمجع على تقدُيه وتفضيله وروايته وتقدمي حديثه وتصحيحه‪ ،‬وقد اعتىن ابلكالم على رجاله وحديثه‬
‫والتصنيف يف ذلك عددٌ كثريٌ من املالكيني وغريهم من أصحاب احلديث والعربية»‪ .‬وقد أثىن كثريٌ من العلماء على‬
‫املوطأ‪ ،‬قال اإلمام الشافعي‪ « :‬ما يف األرض كتاب بعد كتاب هللا عز وجل أنفع من موطأ مالك‪ ،‬وإذا جاء األثر‬
‫أكثر صواابً من موطأ مالك»‪ ،‬وقال ابن‬
‫كتاب ُ‬
‫من كتاب مالك فهو الثُّرَّاي»‪ ،‬وقال أيضاً‪« :‬ما بعد كتاب هللا تعاىل ٌ‬
‫مهدي‪ « :‬ال أعلم من علم اإلسالم بعد القرآن أصح من موطأ مالك»‪ ،‬وقال ابن وهب‪« :‬من كتب موطأ مالك‬
‫وسئل اإلمام أمحد بن حنبل عن كتاب مالك بن أنس فقال‪« :‬ما‬
‫فال عليه أن يكتب من احلالل واحلرام شيئاً»‪ُ ،‬‬
‫أحسنه ملن تَديَّن به»‪.‬‬

‫مالك بكتاب أكثر شهرة من كتابه املوطأ‪ ،‬وكثري من الناس ال يعلم له غريه‪ ،‬والواقع أن له‬
‫مام ٌ‬‫مل يُعرف اإل ُ‬
‫آتليف غري املوطأ‪ ،‬قال ابن فرحون يف كتابه "الديباج املذهب"‪« :‬فمن أشهرها ‪-‬غري املوطأ‪ -‬رسالته يف القدر‪ ،‬والرد‬
‫على القدرية‪ ،‬إىل ابن وهب كما يقول القاضي عياض‪ ،‬ومنها‪ :‬كتابه يف النجوم‪ ،‬وحساب مدار الزمان ومنازل‬
‫‪4‬‬
‫القمر‪ ،‬وهو كتاب جيد جداً‪ ،‬وقد اعتمد عليه الناس يف هذا الباب‪ ،‬وجعلوه أصالً»‪.‬‬

‫‪ .6‬وفاته‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫مرض اإلمام مالك اثنني وعشرين يوماً‪ ،‬مث جاءته منيته‪ ،‬وأكثر الرواة على أنه مات سنة ‪179‬هـ‪ ،‬وقد قال‬
‫فيه القاضي عياض‪« :‬إنه الصحيح الذي عليه اجلمهور»‪ ،‬واختلفوا يف أي وقت منها‪ ،‬واألكثرون على أنه مات يف‬
‫الليلة الرابعة عشرة من ربيع الثاين منها‪ .‬ويف رواية عن بكر بن سليم الصراف قال‪ :‬دخلنا على مالك يف العشية اليت‬
‫قبض فيها‪ ،‬فقلنا‪« :‬اي أاب عبد هللا كيف جتدك؟»‪ ،‬قال‪« :‬ما أدري ما أقول لكم‪ ،‬أال إنكم ستعاينون غداً من عفو‬
‫هللا ما مل يكن لكم يف حساب»‪ ،‬قال‪« :‬ما برحنا حّت أغمضناه‪ ،‬وتويف رمحه هللا يوم األحد لعشر خلون من ربيع‬
‫األول سنة تسع وسبعني ومئة»‪ .‬وصلى عليه عبد هللا بن حممد بن إبراهيم أمريُ املدينة‪ ،‬وحضر جنازته ماشياً‪ ،‬وكان‬
‫نعشه‪ .‬وكانت وصية اإلمام مالك أن يُكفَّن يف ثياب بيض‪ ،‬ويُصلى عليه ّبوضع اجلنائز‪ ،‬فنُ ِّفذت‬ ‫أحد من محل َ‬ ‫َ‬
‫ودفن ابلبقيع‪.‬‬
‫وصيته‪ُ ،‬‬

‫‪11‬‬
‫اإلمام‬
‫الشافعي‬
‫ـ رمحه هللا ـ‬
‫‪ .1‬امسه‪,‬ومولده‬

‫هو حممد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد‬
‫املطلب‬

‫ابن عبد مناف أبو عبدهللا الكرشي الشافعي املكي ‪,‬وبنسب إىل جده شافع بن السائب صحايب صغري لقي النيب‬
‫ﷺ وهو شاب مرتعرع‪,‬والسائب بن عبيد كان يشبه النيب ﷺ ‪,‬ويلقب رمحه هللا بناصر احلديث ملا اشتهر عنه من‬
‫نصرته للحديث وحرصه على اتباعه‬

‫اتفق املؤرخون على أنه ولد عام ‪ 150‬ه ـ وهو العام الذي تويف اإلمام أبو حنيفة رمحهما هللا‪ ,‬ولد اإلمام‬

‫الشافعي يف مدينة غزة يف فلسطني‪ ،‬مث انتقلت عائلته إىل مدينة مكة وذلك عند بلوغه عمر السنتني‪ ،‬فحفظ‬

‫القرآن الكرمي كامالً وهو يبلغ األربع سنني‬

‫‪ .2‬نشأته‬

‫نشأ الشافعي يف غزة يتيما بعد أن مات أبوه فيها فاجتمع عليه الفقر واليتيم والبعد عن األهل لكن هذه‬
‫األمور مل تضره بعد أن وفقه هللا للسري يف طريق صحيح فكانت أمه تسكن غزة فنقلته إىل بالد احلجاز فحفظ‬
‫القرآن الكرمي وهو ابن سبع سنوات وحفظ موطأ اإلمام مالك وهو ابن عشر سنوات وبعدها أخذ يتتبع أماكن‬
‫العلماء وأيخذ منهم العلم ويدونه‪ ،‬كما نقل عنه ابن حجر قوله ‪":‬كنت يتيماً يف حجر أمي ومل يكن معها ما‬
‫تعطي املعلم وكان املعلم قد رضي مين أن أخلفه إذا قام فلما ختمت القرآن دخلت املسجد فكنت أجالس‬
‫العلماء فأحفظ احلديث أو املسألة وكانت داران يف شعب اخليف فكنت أكتب يف العظم فإذا كثر طرحته يف جرة‬
‫عظيمة"‪ 1.‬وبعدها أحب الشعر واللغة فأخذ يبحث عنها حّت يتعلمها ونقل البيهقي عن الشافعي يف بداية حياته‬
‫أنه كان يبحث عن تعلم شعر هذيل ويطلب أايم الناس واألدب ‪ ,2‬ولكن اإلمام الزبريي مل يستحب له أن يتعلم‬
‫اللغة حني رأى ما به من سرعة احلفظ والرباعة يف العلم فأشار عليه أبن يتعلم الفقه فقال له‪ :‬إمنا الشعر مروءة‬

‫‪12‬‬
‫الفتيان عليك ابلفقه ‪،‬فرتكه وأخذ ابلفقه‪,‬وكان من أحد األئمة يف علم الفقه وأصبح له مذهب يؤخذ به حّت اآلن‬
‫وهو يدرس يف كل الدنيا‪.‬‬

‫( مالزمته حملمد بن احلسن يف العراق)‬

‫الزم اإلمام الشافعي حممد بن احلسن وأخذ عنه فقه العراق وحديثه حّت قال ‪ :‬ح ــملــت عن حممد بن احلسن محل‬
‫خبيت ليس عليه إال مساعي‪ ,‬وكان معظما حملمد بن احلسن متام التعظيم مع ما ُيري بينهما من خالفات بني‬
‫املذهبني فالشافعي على مذهب أهل احلديث وحممد بن احلسن مذهب أهل الرأي‬

‫( رجوعه إىل مكة)‬

‫بعد أن حصل الشافعي ما استطاع من علم العراق كان قبل ذلك قد حصل على علم احلجاز شعر أن الوقت‬
‫لنشر ما عنده من العلم فعاد إىل مكة وبدأ يلقي دروسه يف احلرم املكي فكان احلجاج يسمعون من علمه وفقهه‬
‫فكانوا حيرصون والتقى يف هذه املدة كثري من العلماء وكانوا يعجبون بسعة اطالعه واستحضاره للدليل وحرصه‬
‫على متابعة السنة وعظم فقهه واستنباطه‪,‬أصوله وقواعده كلها من الكتاب والسنة‪.‬‬

‫( رحالته إىل مصر)‬

‫بعد عودة الشافعي إىل العراق حدثت أمور يف عاصمة اخلالفة جعلته يفكر ابهلجرة‪,‬تسلط علماء الكالم على‬
‫اخلليفة املأمون فانتشرت البدعة وماتت السنة وأصبح يسمع عن خوض املأمون يف املباحث الكالمية‬

‫وكانت نفسه تتوق إىل مصر رغما عنها وكان ال يدري حقيقية هذه الرغبة ولكنه استسلم أخريا لقضاء‬
‫هللا وهاجر بدينه من العراق وما هبا وخرج إىل مصر يقول‪:‬‬

‫ومن دوهنا أرض الـمهامــة والفـقـر ‪#‬‬ ‫‪ #‬لقد أصبحت نفسي تتوق إىل مصر‬

‫‪3‬‬
‫أســاق إلــيهـا أم أســاق إلـى الـقـبـر ‪#‬‬ ‫‪ #‬فوهللا ال أدري أل ـلــفوز وال ـغــىن‬

‫‪4‬‬
‫وحني قدم الشافعي مصر ذهب إىل جامع عمرو بن العاص وحتدث به ألول مرة أحبه الناس وتعلقوا به‬

‫‪ .3‬شيوخه‬

‫‪13‬‬
‫أخــذ الشافعي رمحه هللا العلم عن كثري من علمـ ــاء زمانه يف أماكن خمتلفة‪ ,‬فمنهم املكي واملدين والكويف‬
‫والبصري واليمين والشامي واملصري وقد ذكرهم البيهقي وابن كثري واملزي وابن حجر‬

‫❖ مسع احلديث على مجاعة من املشايخ واألئمة وقرأ بنفسه املوطأ على مالك من حفظه فأعجبته قراءته‬
‫ومهته‬
‫‪5‬‬
‫❖ وأخذ عنه علم احلجازيني بعد‪ ,‬أخذه عن مسلم بن خالد الزجني‬
‫❖ منهم من أهل مكة‬
‫✓ سفيان بن عيينة‬
‫✓ وعبد الرمحن بن أيب بكر‬
‫✓ إمساعيل بن عبد هللا املقري‬
‫✓ مسلم بن خالد‬
‫❖ ومن أهل املدينة‬
‫✓ مالك بن أنس بن أيب عامر األصبحي‬
‫✓ إبراهيم بن سعد بن عبد الرمحن بن عوف‬
‫✓ عبد العزيز بن حممد الداراوردي‬
‫✓ حممد بن إمساعيل بن أيب فديك‬
‫❖ ومن سائر البلدان‬
‫✓ هشام بن يوسف الصنعاين‬
‫✓ مطرف بن مازن الصنعاين‬

‫‪ .4‬تالميذه‬

‫ذكر البيحقي بعض من تتلمذ على الـشـ ـ ــافـعي‪,‬واملنتفعون بعلم الشافعي غريهم كثري ال حيصى عددهم إال‬
‫هللا فإن كل البالد اليت دخلها ونشر فيها علمه تتلمذ على يديه الكثري‬

‫‪14‬‬
‫ونذكر هنا أشهر تالميذه‬

‫✓ الربيع بن سليمان بن عبداجلبار اإلمام احملدث الفقيه الكبري ولد سنة ‪174‬ه ـ‬
‫✓ أبو إبراهيم إمساعيل بن حيىي بن إمساعيل بن عمرو املزين اإلمام العالمة فقيه امللة ولد سنة ‪175‬ه ـ ‪,‬‬
‫قال الشافعي ‪ :‬املزين انصر مذهيب‬
‫✓ أبو عبدهللا حممد بن عبدهللا بن عبداحلكيم ولد سنة ‪182‬ه ـ‬
‫✓ أبو يعقوب يوسف بن حيىي املصري البويطي اإلمام العالمة سيد الفقهاء صاحب الشافعي‪ ,‬كان إماما‬
‫يف العلم قدوة يف العمل‪ ,‬قال الشافعي‪( :‬ليس يف أصحايب أحد أعلم من البويطي)‬

‫‪ .5‬كتبه‬

‫✓ كتاب األم‬
‫✓ كتاب الرسالة اجلديدة‬

‫✓ كتاب اختالف األحاديث‬

‫✓ كتاب مجاع العلم‬


‫✓ كتاب أحكام القرآن‬
‫✓ كتاب بيان فرض هللا عز وجال‬

‫‪ .6‬وفاته‬

‫مكث الشافعي آخر عمره مشتغال بنشر العلم والتصنيف يف مصر حّت أضر ذلك جبسده فأصيب‬
‫ابلبواسري الت كانت تسبب له خروج الدم ولكن حبه للعلم جعله يؤثر طلبه ونشره والتصنيف فيه غلى نفسه‬
‫واستمر هكذا حّت وافته منية املوت يف آخر شهر رجب سنة ‪204‬ه ـ رمحه هللا رمحة واسعة‬

‫‪15‬‬
‫اإلمام‬
‫أمحد بن حنبل‬
‫ـ رمحه هللا ـ‬

‫امسه‪,‬ومولده‪,‬نشأته وحياته‬

‫هو أبو عبد هللا ‪ ،‬أمحد بن حممد بن حنبل بن هالل بن أسد بن إدريس بن عبد هللا بن حيان بن عبد هللا بن‬
‫أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة‬

‫ولد اإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا ‪ -‬يف املشهور املعروف ‪ -‬يف ربيع األول من سنة (‪164‬هـ)‪ ،‬ولد ببغداد ‪،‬‬
‫وقد جاءت أمه حامال به من "مرو" اليت كان هبا أبوه ‪ ،‬أبوه شيباين ‪ ،‬وأمه كذلك ‪ ،‬فلم يكن أعجميا وال هجينا‬
‫‪ ،‬بل كان عربياً خالصاً ‪ ،‬أصل أسرته من البصرة ‪ ،‬وكان جده والياً على سرخس ‪ ،‬وملا ظهرت الدعوة العباسية‬
‫قام معها ف ُقتِل يف ذلك ‪ ،‬وكان أبوه جندايً قائداً ‪ ،‬مات وهو صغري ‪.‬‬

‫اجتمع ألمحد مخسة أمور مل جتتمع لشخص إال سارت به إىل العال والسمو النفسي ‪ ،‬والبعد عن سفساف‬
‫األمور ‪ ،‬واالجتاه إىل معاليها ‪ ،‬تلك األمور هي ‪ :‬شرف النسب واحلسب ‪ ،‬واليتم الذي يـُنَ ِّشئُه منذ فجر الصبا‬
‫وحال من الفقر غري املدقع ‪ ،‬ال تستخذي به النفس ‪ ،‬فال يبطرها النعيم ‪ ،‬وال تذهلا املرتبة ‪،‬‬
‫معتمدا على نفسه ‪ٌ ،‬‬
‫ونزوع إىل العال الفكري بتقوى هللا تعاىل ‪ ،‬والْتَـ َقى كل ذلك بعقل ذكي وفكر أملعي ‪.‬‬
‫ومع هذه اخلصال قناعةٌ ٌ‬

‫نشأ اإلمام أمحد ببغداد ‪ ،‬وترّب هبا تربيته األوىل ‪ ،‬وقد كانت متوج ابلناس الذين اختلفت مشارهبم ‪ ،‬وختالفت‬
‫مآرهبم ‪ ،‬وزخرت أبنواع املعارف والفنون ‪ ،‬فيها القراء واحملدثون واملتصوفة وعلماء اللغة والفالسفة ‪ ،‬فقد كانت‬
‫حاضرة العامل اإلسالمي ‪ ،‬ر َاد فِقهَ الرأي يف صدر حياته ‪ ،‬بدليل أنه تلقَّى أول احلديث عن أيب يوسف صاحب‬

‫‪16‬‬
‫أيب حنيفة ‪ ،‬وهو قد كان من فقهاء الرأي ذوي القدم الثابتة فيه ‪ ،‬مث اجته إىل احلديث ‪ ،‬وعندما اعتزم يف مستهل‬
‫أول حم ِّدث‬
‫شبابه طلب احلديث كان ال بد أن أيخذ عن كل علماء احلديث يف العراق والشام واحلجاز ‪ ،‬ولعله ُ‬
‫ودوهنا ‪ ،‬فمسنده شاهد صادق الشهادة بذلك ‪ ،‬فهو قد مجع احلديث‬
‫قد مجع األحاديث من كل األقاليم َّ‬
‫احلجازي والشامي والبصري والكويف مجعا متناسبا ‪.‬‬

‫لزم يف بداية طلبه إماما من أئمة احلديث يف بغداد ‪ ،‬واستمر يالزمه حنو أربع سنوات ‪ ،‬فلم يرتكه حّت‬
‫بلغ العشرين من عمره ‪ ،‬ذلك اإلمام هو هشيم بن بشري الواسطي (ت ‪183‬هـ)‪ ،‬مث يف سنة (‪186‬هـ) ابتدأ‬
‫رحالته ليتلقى احلديث ‪ ،‬فرحل إىل البصرة ‪ ،‬وإىل احلجاز ‪ ،‬ورحل إىل اليمن ‪ ،‬ورحل إىل الكوفة ‪ ،‬وكان يود أن‬
‫الري ليسمع من جرير بن عبد احلميد ومل يكن قد رآه قبل يف بغداد ‪ ،‬ولكن أقعده عن الرحلة إليه‬
‫يرحل إىل ّ‬
‫عظيم النفقة عليه يف هذا السبيل ‪.‬‬
‫ُ‬
‫رحل إىل احلجاز مخس مرات ‪ ،‬أوالها سنة (‪187‬هـ)‪ ،‬ويف هذه الرحلة الْتَـ َقى مع الشافعي ‪ ،‬وأخذ مع‬
‫حديث اب ِن عيينة فقهَ الشافعي وأصولَه وبيانَه لناسخ القرآن ومنسوخه ‪ ،‬وكان لقاؤه ابلشافعي بعد ذلك يف بغداد‬
‫عندما جاء الشافعي إليها ويف جعبته فقهه وأصوله حمررة مقررة‪.‬‬

‫خرج إىل احلج مخس مرات ‪ ،‬ثالثة منها حج فيها ماشيا ‪ ،‬وضل يف إحداها عن الطريق ‪ ،‬وكان‬
‫يستطيب املشقة يف رحلة العبادة وطلب احلديث ‪ ،‬حّت إنه نوى سنة (‪198‬هـ) أن يذهب إىل احلج هو ورفيقه‬
‫حيىي بن معني ‪ ،‬وبعد احلج يذهبان إىل عبد الرزاق بن مهام بصنعاء اليمن ‪ ،‬وبينما مها يطوفان طواف القدوم إذا‬
‫عبد الرزاق يطوف ‪ ،‬فرآه ابن معني وكان يعرفه ‪ ،‬فسلم عليه ‪ ،‬وقال له ‪ :‬هذا أمحد بن حنبل أخوك ‪ ،‬فقال حياه‬
‫هللا وثبته ‪ ،‬فإنه يبلغين عنه كل مجيل ‪ .‬قال ‪ :‬جنيئ إليك غدا إن شاء هللا حّت نسمع ونكتب ‪ .‬فلما انصرف قال‬
‫أمحد معرتضا ‪ :‬مل أخذت على الشيخ موعدا ؟ قال ‪ :‬لنسمع منه ‪ ،‬قد أراحك هللا مسرية شهر ‪ ،‬ورجوع شهر ‪،‬‬
‫والنفقة ‪ .‬فقال أمحد ‪ :‬ما كنت ألفسد نييت ّبا تقول ؛ منضي ونسمع منه ‪ ،‬مث مضى بعد احلج حّت مسع بصنعاء‬
‫‪ ،‬ويف الطريق انقطعت به النفقة حّت أكرى نفسه من بعض احلمالني ‪ ،‬ورفض كل مساعدة من غريه ‪.‬‬

‫واستمر ِجدُّه يف طلب احلديث وروايته حّت بعد أن بلغ مبلغ اإلمامة ‪ ،‬حّت لقد رآه رجل من معاصريه‬
‫واحملربة يف يده يكتب ‪ .‬فقال له ‪ :‬اي أاب عبد هللا ‪ ،‬أنت قد بلغت هذا املبلغ وأنت إمام املسلمني ؟ فقال ‪ :‬مع‬
‫احملربة إىل املقربة ‪ .‬وكان رمحه هللا تعاىل يقول ‪ :‬أان أطلب العلم إىل أن أدخل القرب ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وهكذا كان أمحد يسري على احلكمة املأثورة ‪ :‬ال يزال الرجل عاملا ما دام يطلب العلم ‪ ،‬فإذا ظن أنه علم‬
‫‪ ،‬فقد جهل ‪ .‬نطق هبا عمله ‪ ،‬ونطق هبا لسانه يف تلك الكلمات ‪.‬‬

‫وكان رمحه هللا يطلب فيما يطلب علم الفقه واالستنباط مع الرواية ‪ ،‬وتلقى ذلك عن الشافعي وغريه ‪،‬‬
‫بل إننا لننتهي إىل نقبل ما قيل عنه من أنه كان حيفظ كتب أهل الرأي ‪ ،‬ولكن ال أيخذ هبا ‪ ،‬فقد قال تلميذه‬
‫اخلالل ‪ " :‬كان أمحد قد َكتَب ُكتب الرأي وحفظها‪ ،‬مث مل يلتفت إليها"‬

‫قال ابن اجلوزي ‪ :‬إن أمحد مل ينصب نفسه للحديث والفتوى إال بعد أن بلغ األربعني ‪ ،‬وبعد أن ذاع ذكره يف‬
‫اآلفاق اإلسالمية ‪ ،‬فازدحم الناس على درسه شديدا ‪ ،‬حّت ذكر بعض الرواة أن عدة من كانوا يستمعون إىل‬
‫درسه حنو مخسة آالف ‪ ،‬وأنه كان يكتب منهم حنو مخسمائة فقط ‪ ،‬والباقي يتعلمون من خلقه وهديه ومسته ‪،‬‬
‫وكان جملسه بعد العصر ‪ ،‬تسوده اهليبة والتعظيم حلديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬

‫وقد جاء يف " اتريخ الذهيب " عن املروذي صاحب أمحد يف وصف جمالسه ‪ " :‬مل أر الفقري يف جملس أعز منه يف‬
‫جملس أيب عبد هللا ‪ ،‬كان مائال إليها ‪ ،‬مقصرا عن أهل الدنيا ‪ ،‬وكان فيه حلم ‪ ،‬ومل يكن ابلعجول ‪ ،‬بل كان كثري‬
‫التواضع ‪ ،‬تعلوه السكينة والوقار ‪ ،‬وإذا جلس جملسه بعد العصر مل يتكلم حّت يسأل "‬

‫َّث ِمن‬
‫وكان ال حيدث إال من كتبه ‪ ،‬زايدة يف التوثيق والتأكيد ‪ ،‬حّت قال ولده عبد هللا ‪ " :‬ما رأيت أيب َحد َ‬
‫حفظه من غري كتاب ‪ ،‬إال أبقل من مائة حديث " ‪.‬‬

‫جترد‬
‫وُيدر بنا أن نشري إىل أمر ذي ابل ‪ ،‬وهو أن أمحد رضي هللا عنه كان حييا حياة سلفية خالصة ‪َّ ،‬‬
‫فيها من مالبسات العصر ومناحراته ‪ ،‬وما ُيري من منازالت فكرية وسياسية واجتماعية وحربية ‪ ،‬واختار أن‬
‫حيلق بروحه يف جو الصحابة والصفوة من التابعني ومن جاء بعدهم ‪ ،‬ممن هنج هنجهم واختار سبيلهم ‪ ،‬لذلك‬
‫كان علمه وفقهه هو السنة وفقهها ‪ ،‬ال خيوض يف أمر إال إذا علم أن الصحابة خاضوا فيه ‪ ،‬فإن علم ذلك اتبع‬
‫رأيهم ونفى غريه ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫كان أمحد يعيش من غلة عقار تركه له أبوه ‪ ،‬يتعفف بكرائها عن الناس ‪ ،‬وال يقبل عطية من أحد ‪ ،‬وكان عن‬
‫عطااي اخللفاء أعف ‪ ،‬حّت عرض عليه اإلمام الشافعي مرة أن يتوىل قضاء اليمن بطلب من " األمني " ‪ ،‬فقال‬
‫أمحد للشافعي ‪ " :‬اي أاب عبد هللا ! إن مسعت منك هذا اثنيا مل ترين عندك "‬

‫يروي حرملة بن حيىي تلمي ُذ الشافعي أنه قال ‪ " :‬خرجت من بغداد وما خلفت هبا أحدا أورع وال أتقى وال أفقه‬
‫من أمحد بن حنبل "‪.‬‬

‫وقال علي بن املديين ‪ " :‬أعرف أاب عبد هللا منذ مخسني سنة وهو يزداد خريا "‪.‬‬

‫وقال حيىي بن معني ‪ " :‬وهللا ال نقوى على ما يقوى عليه أمحد ‪ ،‬وال على طريقة أمحد "‪.‬‬

‫يقول إسحاق بن راهويه ‪ " :‬كنت أجالس ابلعراق أمحد بن حنبل وحيىي بن معني وأصحابنا‪ ،‬فكنا نتذكر احلديث‬
‫من طريق وطريقني وثالثة‪ ،‬فأقول ‪ :‬ما مراده ؟ ما تفسريه؟ ما فقهه ؟ فيقفون كلهم‪ ،‬إال أمحد بن حنبل "‪.‬‬

‫تعرض اإلمام إىل حمنة عظيمة بسبب دعوة املأمون الفقهاء واحملدثني أن يقولوا ّبقالته يف خلق القرآن ‪،‬‬
‫فحبس وضرب وتواىل ثالثة من اخللفاء على ذلك ‪ :‬املأمون ‪ ،‬واملعتصم ‪ ،‬والواثق ‪.‬‬

‫ُعرف اإلمام أمحد ابلصرب والقوة واجللد ‪ ،‬ويذكر أهل السري يف ذلك خربا ‪ ،‬أنه أدخل على اخلليفة يف‬
‫أايم احملنة وقد هولوا عليه لينطق ّبا ينجيه ويرضيهم ‪ ،‬وقد ضرب عنق رجلني يف حضرته ‪ ،‬ولكنه يف وسط ذلك‬
‫املنظر املروع وقع نظره أيضا على بعض أصحاب الشافعية ‪ ،‬فسأله ‪ :‬وأي شيء حتفظ عن الشافعي يف املسح‬
‫على اخلفني ‪ ،‬فأاثر ذلك دهشة احلاضرين وراعهم ذلك اجلنان الثابت الذي ربط هللا على قلب صاحبه ‪ ،‬حّت‬
‫لقد قال خصمه أمحد بن أيب دؤاد متعجبا ‪ :‬انظروا لرجل هو ذا يقدم لضرب عنقه فيناظر يف الفقه ‪ .‬ولكنها‬
‫اإلرادة القوية واإلُيان العميق والنفس املفوضة املسلمة لقضاء هللا ‪.‬‬

‫تويف هذا اإلمام العظيم ضحوة هنار اجلمعة ‪ ،‬الثنيت عشرة ليلة خلت من شهر ربيع األول ‪ ،‬سنة إحدى وأربعني‬
‫ومائتني ببغداد ‪.‬‬

‫ويف سرية هذا اإلمام الكثري من العرب والعظات ‪ ،‬رحم هللا اإلمام أمحد ومجيع أئمة املسلمني ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫الفهرس‬

‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬

‫مقدمة‪2 .......................................................‬‬

‫اإلمام أبو حنيفة النعمان‪3 .........................................‬‬

‫اإلمام مالك بن أنس ‪6.............................................‬‬


‫اإلمام الشافعي‪12 ................................................‬‬
‫اإلمام أمحد بن حنبل ‪16............................................‬‬
‫الفهرس‪20.......................................................‬‬

‫املراجع‪21 .......................................................‬‬

‫‪20‬‬
‫املراجع‬
‫‪ )1‬توايل التأسيس ملعايل حممد بن إدريس أتليف احلافظ بن حجر حققه أبو الفداء عبد هللا القاضي الناشر‬
‫‪ )2‬انظر مناقب الشافعي للبيهقي‪.96/1‬‬
‫‪ )3‬ديوان الشافعي ‪47‬‬
‫‪ )4‬مناقب الشافعي للبيهقي‪463/1‬‬
‫‪ )5‬ويكيبيداي‬
‫وينظر كتاب "سري أعالم نبالء" لإلمام الذهيب ‪.‬‬
‫‪ )6‬وينظر كتاب " سرية اإلمام املبجل أمحد بن حممد بن حنبل" للشيخ أمحد بن حيي النجمي ‪.‬‬
‫‪ )7‬وينظر كتاب " أمحد بن حنبل ‪ :‬حياته وعصره‪ ،‬آراؤه وفقهه " للشيخ حممد أبو زهرة ‪.‬‬
‫‪ )8‬حممد أبو زهرة (‪ ،)1977‬أبو حنيفة‪-‬حياته وعصره آراؤه وفقهه (الطبعة الثانية)‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪ :‬دار‬
‫الفكر العريب‪ ،‬صفحة‪27-18 :‬‬
‫‪ )9‬إمساعيل بن عمر بن كثري القرشي الدمشقي (‪ ،)2003‬البداية والنهاية‪ ،‬بريوت‪-‬لبنان‪ :‬دار عامل الكتب‪،‬‬
‫صفحة‪420-416 :‬‬
‫راغب السرجاين (‪" ،)1-5-2006‬اإلمام أبو حنيفة"‪www.islamstory.com ،‬‬ ‫‪)10‬‬
‫"أبو حنيفة"‪،www.library.islamweb.net ،‬‬ ‫‪)11‬‬

‫‪21‬‬

You might also like