Professional Documents
Culture Documents
Bahs PDF
Bahs PDF
عن
حتت إشراف
1
حممدا عبده ورسوله،
احلمد هلل رب العاملني ،وأشهد أن ال إله إال هللا ،وحده ال شريك له ،وأشهد أن ً
كثريا .أما بعد :
تسليما ً
صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه ،وسلم ً
نشكر هللا العظيم الذي يساعدان يف اجلمع هذا البحث عن نبذة عن أئمة املذاهب األربعة.
2
اإلمام
أبو حنيفة النعمان
ـ رمحه هللا ـ
احلنفي،
ّ أبو حنيفة النعمان اإلمام الفقيه ،أحد أبرز الفقهاء والعلماء املسلمني ،وهو صاحب املذهب
حّت نُِقل من خربه أنّه ال ينام من الليل إال القليل؛ ّأما أبوه اثبت
وقد كان اإلمام أبو حنيفة النعمان كثري العبادةّ ،
كرم هللا وجهه،علي َّ
وحسن إسالمه ،وقيل إنّه كان قد التقى ابإلمام ّ فقد كان اتجراً من أغنياء التُّجار ،وقد أسلم ُ
قصة حياته وعلمه الواسع الغزير ،ومن
احلقيقي ،وما ّ
ّ فدعا له ولذريّته ابلربكة واخلري ،فمن هو أبو حنيفة ،وما امسه
هم شيوخه؟ هذه األسئلة اليت ستجيب عنها هذا البحث بتوفيق هللا.
َّسب
يف أبيب حنيفة النُّعمان االسم والن َ
.1تعر ٌ
اسم أيب حنيفة -رمحه هللا -هو النُّعمان ،واسم أبيه اثبت بن املْرُزابنّ ،أما أبو حنيفة فهو ُكنية للنّعمان،
َ
يقة من قومه ،وتعود أصوله األوىل إىل مدينة كابل أصله فارسي من بالد فارس ،ويعود نَسبه إىل أسرة شريفة عر ٍ
َُ ّ
املرزابن فقد أسلم يف عهد اخلليفة الفاروق عمر بن اخلطاب احلايل ،أما َجدُّه ُ
عاصمة دولة أفغانستان يف الوقت ّ
التيمي،
ّ رضي هللا عنه ،مثّ انتقل إىل الكوفة ،وسكن فيها ،وقيل يف تسميته :هو (النعمان بن اثبت بن زوطى
الكويف ،موىل بين تيم هللا بن ثعلبة).
ّ
.2مكان الوالدة واترخيها
ُولِد اإلمام أبو حنيفة النعمان -رمحه هللا -يف مدينة الكوفة يف العراق؛ حيث أقام ج ّده فيها ،وكان
الراجح ،املوافق للعام مثانني من اهلجرة النبويّة الشريفة ،وقد كان
مولده يف سنة ستّمئة وتسعة وتسعني للميالد على ّ
أبويْه حيث مل يُنجبا سواه كما يظهر ،وكان مولد أيب حنيفة يف حياة صغار
اإلمام أبو حنيفة النعمان وحيد َ
الصحابة رضوان هللا عنهم ،فأدرك منهم أنساً بن مالك رضي هللا عنه ،الذي ِ
قدم إىل الكوفة حينها. ّ
3
.3النشأة
توجه إليه أبو حنيفة من علوم عصره هو علم الكالم ،والعقائد ،وأصول ال ّدين؛ حيث كان ّأول ما ّ
حّت برع يف هذا اجملال ،وأصبح ممّن يُشار يناقش أهل املِلَل والنِّحل املختلفة ،وينقاش امل ِ
الضاللّ ،
لحدين وأهل ّ
ُ َ
إليهم ابلبنان ،ومل ُُيا ِوز حينها العشرين من عمره ،مثّ َّ
توجه إىل علم الفقه ،وكان قد تتلمذ على يدي العامل الفقيه
حّت صار أقرب تالميذه إليه ،وقد قال محاد يف أيب حنيفة:
محَّاد بن أيب سليمان رمحه هللا ،وهنل من علمه الغزير ّ
(ال ُيلس يف صدر احللقة حبذائي -جبانيب -غري أيب حنيفة) .وقد اطَّلع اإلمام أبو حنيفة النعمان على مجيع
استقر على علم الفقه بعد أن علِم فضله ومكانته يف الدين وأمهيّته يف
املهمة ،مثّ َّ
العلوم اإلسالمية والعلوم األخرى ّ
يتوجه إىل علم الفقه ،فدرس العقيدة ،والقراءات،
األوىل واآلخرة ،وقد اطلع على أصول العلوم مجيعها قبل أن ّ
واحلديث ،والنحو ،واللغة ،وعلوم القرآن ،وغري ذلك ،فلم ُيد يف مجيع تلك العلوم أشرف وال أرفع وال أفضل
استقر عليه. حّت إنّه كلّما قلَّب يف علم الفقه َ
وجده يسمو ويرتفع حّت َّ مآالً من علم الفقه؛ ّ
.5التالميذ
4
عدد من العلماء الذين برزوا يف العلم الحقاً ،بل إ ّن تالميذه
يدي اإلمام أيب حنيفة النعمان ٌ
تتلمذ على َ
احلنفي حتت إشراف معلّمهم أيب حنيفة؛ حيث مل يرد عنه أنّه كتب كتاابً
ّ هم من أرسى القواعد األوليّة للمذهب
كل ذلك على
اخلاصة ،إال أ ّن اإلمام كان ُُيلي َّ
جامعاً يف الفقه يُظهر أقواله ،واجتهاداته ،وآراءه الفقهية ،وفتاواه ّ
قرهم عليه ،أو حيذف ما ُخيالف
تالميذه أثناء احللقات العلميّة اليت يعرضها عليهم ،مثّ يراجع ما يكتبونه الحقاً ليُ َّ
يستقر
غري بعض ما كتبه تالميذه بعد االطّالع عليه ،ممّا جعل مذهبه ُّ
ط أو خطأ ،أو رّّبا يُ ّ
مذهبه أو كان فيه لغ ٌ
احلنفي ونشره للناس .ومن بني أشهر
ّ ويستمر ويزدهر على أيدي تالميذه وتالميذهم الذين برعوا يف تدوين الفقه
ّ
تالميذ اإلمام أيب حنيفة؛ الشيخ أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم ،ومن ُكتبه الشهرية كتاب اآلاثر ،ومنها كذلك
كتابه اختالف أيب حنيفة وابن أيب ليلى ،كما برع من تالميذ أيب حنيفة حممد بن احلسن الشيباين ،وهو صاحب
احلنفي وتدوينه ،مع أنّه مل يتتلمذ على يدي أيب حنيفة إال فرتةً قصريةً ،مثّ
ّ الفضل األكرب يف ترسيخ دعائم املذهب
تتلمذ بعدها على أيدي أيب يوسف ،واألوزاعي ،ومالك ،وغريهم من أساطيل الفقه.
5
اإلمام
مالك بن أنس
ـ رمحه هللا ـ
1
هذا الرجل:
" إذا ذكر العلماء فمالك النجم ،ومالك حجة هللا على خلقه بعد التابعني" .
اإلمام الشافعي
"القلب يسكن إىل حديثه ،وإىل فتياه ،وحقيق أن يسكن إليه ..مالك عندان حجة ألنه شديد االتباع لآلاثر اليت
تصح عنده".
اإلمام أمحد بن حنبل
"أمجعت طوائف العلماء على إمامة مالك ،وجاللته ،وعظيم سيادته ،وتبجيله ،وتوقريه ،واإلذعان له يف احلفظ،
والتثبت وتعظيم حديث رسول هللا صلوات هللا وسالمه عليه".
اإلمام النووي
"قد اتفق ملالك مناقب ما علمته اجتمعت ألحد غريه ،أحدها :طول العمر والرواية ،اثنيها :الذهن الثاقب والفهم
وسعة العلم ،اثلثها :اتفاق األئمة على دينه وعدالته واتباعه للسنن ،مخسها :تقدمه يف الفقه والفتوى وصحة
قواعده".
اإلمام الذهيب
.1امسه,ومولده,نشأته
هو أبو عبد هللا مالك بن أنس بن مالك بن أيب عامر األصبحي احلمريي املدين (١٧٩ - ٩٣هـ ٧١١ /
٧٩٥ -م) فقيه ِّ
وحمدث مسلم ،واثين األئمة األربعة عند أهل السنة واجلماعة ،وصاحب املذهب املالكي يف الفقه
اإلسالمي .اشتُهر بعلمه الغزير وقوة حفظه للحديث النبوي وتثبُّته فيه ،وكان معروفاً ابلصرب والذكاء واهليبة والوقار
واألخالق احلسنة .وقد لقب اإلمام مالك إبمام األئمة لكثرة من أخذ عنه من أعالم هذه األمة وأئمتها مباشرة أو
6
بواسطة ،فممن أخذ عنه مباشرة اإلمام الشافعي واإلمام حممد بن احلسن واإلمام أبو يوسف صاحباً أيب حنيفة،
كما أخذ عنه اإلمام أمحد واإلمام البخاري واإلمام مسلم ...بواسطة .ولقب إبمام دار اهلجرة ألنه استمر مدة
طويلة كان فيها مرجع أهل املدينة (دار اهلجرة النبوية) الوحيد حّت قيل :ال يفّت ومالك ابملدينة.
ُولد اإلمام مالك ابملدينة املنورة سنة ٩٣ه ،ونشأ يف بيت كان مشتغالً بعلم احلديث واستطالع اآلاثر
وأخبار الصحابة وفتاويهم ،فحفظ القرآن الكرمي يف صدر حياته ،مث اجته إىل حفظ احلديث النبوي وتعلُّ ِم الفقه
اإلسالمي ،فالزم فقيه املدينة املنورة ابن هرمز سبع سنني يتعلم عنده ،كما أخذ عن كثري من غريه من العلماء كنافع
موىل ابن عمر وابن شهاب الزهري ،وبعد أن اكتملت دراسته لآلاثر وال ُفتيا ،وبعد أن شهد له سبعون شيخاً من
درسه ابلسكينة والوقار
أهل العلم أنه موضع لذلك ،اختذ له جملساً يف املسجد النبوي للدرس واإلفتاء ،وقد ُعرف ُ
كثر من قول «ال أدري» ،وكان يقول« :إمنا
يتحرز أن ُخيطئ يف إفتائه ويُ ُ
واحرتام األحاديث النبوية وإجالهلا ،وكان ُ
أان بشر أخطئ وأصيب ،فانظروا يف رأيي ،فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به ،وما مل يوافق الكتاب والسنة
فاتركوه».
.2أخالقه وصفاته:
قوة احلفظ:
كان اإلمام مالك إذا استمع إىل شيء استمع إليه حبرص ووعاه وعياً اتماً ،حّت إنه ليسمع نيفاً وأربعني
حديثاً مرة واحدة ،فيجيء يف اليوم التايل ويُلقي على من استمعها منه ،وهو ابن شهاب الزهري ،أربعني حديثاً ،مما
املستودع للعلم» .وقال اإلمام
َ يدل على قوة حفظه ووعيه ،حّت قال له الزهري« :أنت من أوعية العلم ،وإنك لنعم
مالك :ساء حفظ الناس ،لقد كنت آيت سعيد بن املسيب وعروة والقاسم وأاب سلمة ومحيداً وساملاً -وعدَّد مجاعة-
فأدور عليهم ،أمسع من كل واحد من اخلمسني حديثاً إىل املئة ،مث أنصرف وقد حفظته كله من غري أن أخلط
حديث هذا يف حديث هذا.
الصرب:
ب الفقر حّت ابع أخشاب سقف بيته يف سبيل
كان اإلمام مالك صبوراً مثابراً ،مغالباً لكل الصعاب ،غالَ َ
العلم ،وكان يذهب يف اهلجري إىل بيوت العلماء ،ينتظر خروجهم ،ويتبعهم حّت املسجد ،وكان ُيلس على ابب
7
دار شيخه يف شدة الربد ،ويتقي برد اجمللس بوسادة ُيلس عليها ،وكان يقول« :ال يبلغ أحد ما يريد من هذا العلم
حّت يضر به الفقر ،ويؤثره على كل حال» .وكان اإلمام مالك أيخذ تالميذه بذلك ،فيحثهم على احتمال املشاق
يف طلب العلم ابلقول والعمل.وكان اإلمام مالك يعمل يف نفسه ما ال يُلزمه الناس ،وكان يقول« :ال يكون العامل
عاملاً حّت يعمل يف نفسه ّبا ال يفيت به الناس ،حيتاط لنفسه ما لو تركه مل يكن عليه فيه إمث».
الذكاء والفراسة:
رت إىل املدينة ولقيت مالكاً ِ
اتصف اإلمام مالك بقوة الفراسة ،ولقد قال اإلمام الشافعي يف فراسته :ملا س ُ
ومسع كالمي ،نظر إيل ساعةً ،وكانت له فراسة ،مث قال يل« :ما امسك؟» ،قلت« :حممد» ،قال« :اي حممد ،اتق
هللا ،واجتنب املعاصي ،فإنه سيكون لك الشأن من الشأن» .ولقد قال أحد تالميذه« :كان يف مالك فراسةٌ ال
ختطئ».
اهليبة والوقار:
الرجل ليدخل إىل جملسه فيُلقي السالم عليهم
كان اإلمام مالك ذا هيبة ووقار ،يهابه تالميذه ،حّت أن َ
فال ُيرُّد عليه أحد إال مههمة وإشارة ،ويشريون إليه أال يتكلم مهابةً وإجالالً ،كما كان يهابه احلكام ،حّت إهنم
ليحسون ابلصغر يف حضرته ،ويهابه أوالد اخللفاءُ ،روي أنه كان يف جملسه مع أيب جعفر املنصور ،وإذا صيب خيرجُّ
مث يرجع ،فقال أبو جعفر« :أتدري من هذا؟» ،قال« :ال» ،قال« :هذا ابين ،وإمنا يفزع من شيبتك» .بل كان
يهابه اخللفاء أنفسهم ،فقد ُروي أن اخلليفة املهدي دعاه ،وقد ازدحم الناس ّبجلسه ،ومل يبق موضع جلالس ،حّت
إذا حضر مالك تنحى الناس له حّت وصل إىل اخلليفة ،فتنحى له عن بعض جملسه ،فرفع إحدى ِرجليه ليفسح
وجملس أقوى أتثرياً من جملس
ٌ شيخ املدينة مهيباً ،حّت صار له نفوٌذ أكرب من نفوذ واليها،
ملالك اجمللس .وهكذا كان ُ
السلطان من غري أن يكون صاحب سلطان ،قال ابن املاجشون« :دخلت على أمري املؤمنني املهدي ،فما كان بيين
وبينه إال خادمه ،فما هبته هيبيت مالكاً» ،وقال سعيد بن أيب مرمي« :لقد كانت هيبته أشد من هيبة السلطان».
صفته الشكلية:
كان اإلمام مالك طويالً جسيماً ،شديد البياض إىل الشقرة ،عظيم اهلامة ،حسن الصورة ،أصلع ،أعني،
أشم ،أزرق العينني .قال عيسى بن عمر املدين« :ما رأيت بياضاً قط أحسن من وجه مالك ،وكان عظيم اللحية
8
عريضها» .وكان ربعةً من الرجال ،وكان أيخذ أطراف شاربه ال حيلقه وال حيفيه ،ويرى حلق الشارب ُمثلة ،ويرتك له
سبلتني طويلتني ،ومل يكن خيضب شعره ،وقد ذَكر أمحد بن حنبل عن إسحاق بن عيسى الطباع قال :رأيت مالكاً
بن أنس ال خيضب فسألته عن ذلك فقال« :بلغين عن علي رضي هللا عنه أنه كان ال خيضب».
.3شيوخه:
أدرك اإلمام مالك من الشيوخ ما مل يدركه أحد بعده ،فقد أدرك من التابعني نفراً كثرياً ،وأدرك من اتبعيهم نفراً
أكثر ،واختار منهم من ارتضاه لدينه وفهمه وقيامه حبق الرواية وشروطها ،وسكنت نفسه إليه ،وترك الرواية عن أهل
ِدين وصالح ال يعرفون الرواية ،فكان من أخذ عنهم تسعمائة شيخ منهم ثالمثئة من التابعني ،ومن شيوخه :ابن
هرمز ،وهو أول شيخ له ،وانفع موىل ابن عمر ،وزيد بن أسلم ،وابن شهاب الزهري ،وأبو الزاند ،وعبد الرمحن بن
القاسم بن حممد بن أيب بكر الصديق ،وأيوب السختياين ،وثور بن زيد الديلي ،وإبراهيم ابن أيب عبلة املقدسي،
ومحيد الطويل ،وربيعة بن أيب عبد الرمحن ،وهشام بن عروة ،وحيىي بن سعيد األنصاري ،وعائشة بنت سعد بن أيب
2
وقاص ،وعامر بن عبد هللا بن الزبري بن العوام ،وأبو األسود حممد بن عبد الرمحن بن نوفل األسدي القرشي.
أصول فقهية ابملعىن املعروف ،ومل أيخذ عنه أحد من أصحابه منهاجاً أو أصالً مما
مل يكن لإلمام مالك ٌ
عليه فقهه ،ولكن استطاع أصحابه مث أصحاهبم من بعدهم أن يستقصوا فقهه ،وينتزعوا منه األصول اليت بىن عليها،
وأما أصول املذهب املالكي فهي :القرآن الكرمي ،والسنة النبوية ،واإلمجاع ،وعمل أهل املدينة ،والقياس ،واملصاحل
املرسلة ،واالستحسان ،والعرف والعادات ،وسد الذرائع ،واالستصحاب.
9
وخلصها الشاطيب يف أربعة(:الكتاب ،والسنة ،واإلمجاع ،والرأي) ،وتشمل السنة :عمل أهل املدينة ،وقول
الصحايب ،ألن مفهوم السنة عند مالك يشملها .ويشمل الرأي :املصاحل املرسلة ،وسد الذرائع ،والعادات،
3
واالستحسان ،واالستصحاب ،وكلها من وجوه الرأي.
.5كتبه ومؤلفاته:
يُعد كتاب املوطأ من أوائل كتب احلديث وأشهرها يف ترتيبه وتركيبه ،ويف اجتهاده ونقله ،ويف حديثه وفقهه،
أعظم
فإذا ذكر املوطأ ذكر به اإلمام مالك وعظم به ،وإذا ذكر اإلمام مالك ذكر به املوطأ وعظم به ،وقد كان َ
عنت بكتاب من كتب الفقه واحلديث اعتناءَ الناس ابملوطأ ،فإن
أقدمه ،قال القاضي عياض« :مل يُ َ
مرجع يف عصره و َ
املوافق واملخالف أمجع على تقدُيه وتفضيله وروايته وتقدمي حديثه وتصحيحه ،وقد اعتىن ابلكالم على رجاله وحديثه
والتصنيف يف ذلك عددٌ كثريٌ من املالكيني وغريهم من أصحاب احلديث والعربية» .وقد أثىن كثريٌ من العلماء على
املوطأ ،قال اإلمام الشافعي « :ما يف األرض كتاب بعد كتاب هللا عز وجل أنفع من موطأ مالك ،وإذا جاء األثر
أكثر صواابً من موطأ مالك» ،وقال ابن
كتاب ُ
من كتاب مالك فهو الثُّرَّاي» ،وقال أيضاً« :ما بعد كتاب هللا تعاىل ٌ
مهدي « :ال أعلم من علم اإلسالم بعد القرآن أصح من موطأ مالك» ،وقال ابن وهب« :من كتب موطأ مالك
وسئل اإلمام أمحد بن حنبل عن كتاب مالك بن أنس فقال« :ما
فال عليه أن يكتب من احلالل واحلرام شيئاً»ُ ،
أحسنه ملن تَديَّن به».
مالك بكتاب أكثر شهرة من كتابه املوطأ ،وكثري من الناس ال يعلم له غريه ،والواقع أن له
مام ٌمل يُعرف اإل ُ
آتليف غري املوطأ ،قال ابن فرحون يف كتابه "الديباج املذهب"« :فمن أشهرها -غري املوطأ -رسالته يف القدر ،والرد
على القدرية ،إىل ابن وهب كما يقول القاضي عياض ،ومنها :كتابه يف النجوم ،وحساب مدار الزمان ومنازل
4
القمر ،وهو كتاب جيد جداً ،وقد اعتمد عليه الناس يف هذا الباب ،وجعلوه أصالً».
.6وفاته:
10
مرض اإلمام مالك اثنني وعشرين يوماً ،مث جاءته منيته ،وأكثر الرواة على أنه مات سنة 179هـ ،وقد قال
فيه القاضي عياض« :إنه الصحيح الذي عليه اجلمهور» ،واختلفوا يف أي وقت منها ،واألكثرون على أنه مات يف
الليلة الرابعة عشرة من ربيع الثاين منها .ويف رواية عن بكر بن سليم الصراف قال :دخلنا على مالك يف العشية اليت
قبض فيها ،فقلنا« :اي أاب عبد هللا كيف جتدك؟» ،قال« :ما أدري ما أقول لكم ،أال إنكم ستعاينون غداً من عفو
هللا ما مل يكن لكم يف حساب» ،قال« :ما برحنا حّت أغمضناه ،وتويف رمحه هللا يوم األحد لعشر خلون من ربيع
األول سنة تسع وسبعني ومئة» .وصلى عليه عبد هللا بن حممد بن إبراهيم أمريُ املدينة ،وحضر جنازته ماشياً ،وكان
نعشه .وكانت وصية اإلمام مالك أن يُكفَّن يف ثياب بيض ،ويُصلى عليه ّبوضع اجلنائز ،فنُ ِّفذت أحد من محل َ َ
ودفن ابلبقيع.
وصيتهُ ،
11
اإلمام
الشافعي
ـ رمحه هللا ـ
.1امسه,ومولده
هو حممد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد
املطلب
ابن عبد مناف أبو عبدهللا الكرشي الشافعي املكي ,وبنسب إىل جده شافع بن السائب صحايب صغري لقي النيب
ﷺ وهو شاب مرتعرع,والسائب بن عبيد كان يشبه النيب ﷺ ,ويلقب رمحه هللا بناصر احلديث ملا اشتهر عنه من
نصرته للحديث وحرصه على اتباعه
اتفق املؤرخون على أنه ولد عام 150ه ـ وهو العام الذي تويف اإلمام أبو حنيفة رمحهما هللا ,ولد اإلمام
الشافعي يف مدينة غزة يف فلسطني ،مث انتقلت عائلته إىل مدينة مكة وذلك عند بلوغه عمر السنتني ،فحفظ
.2نشأته
نشأ الشافعي يف غزة يتيما بعد أن مات أبوه فيها فاجتمع عليه الفقر واليتيم والبعد عن األهل لكن هذه
األمور مل تضره بعد أن وفقه هللا للسري يف طريق صحيح فكانت أمه تسكن غزة فنقلته إىل بالد احلجاز فحفظ
القرآن الكرمي وهو ابن سبع سنوات وحفظ موطأ اإلمام مالك وهو ابن عشر سنوات وبعدها أخذ يتتبع أماكن
العلماء وأيخذ منهم العلم ويدونه ،كما نقل عنه ابن حجر قوله ":كنت يتيماً يف حجر أمي ومل يكن معها ما
تعطي املعلم وكان املعلم قد رضي مين أن أخلفه إذا قام فلما ختمت القرآن دخلت املسجد فكنت أجالس
العلماء فأحفظ احلديث أو املسألة وكانت داران يف شعب اخليف فكنت أكتب يف العظم فإذا كثر طرحته يف جرة
عظيمة" 1.وبعدها أحب الشعر واللغة فأخذ يبحث عنها حّت يتعلمها ونقل البيهقي عن الشافعي يف بداية حياته
أنه كان يبحث عن تعلم شعر هذيل ويطلب أايم الناس واألدب ,2ولكن اإلمام الزبريي مل يستحب له أن يتعلم
اللغة حني رأى ما به من سرعة احلفظ والرباعة يف العلم فأشار عليه أبن يتعلم الفقه فقال له :إمنا الشعر مروءة
12
الفتيان عليك ابلفقه ،فرتكه وأخذ ابلفقه,وكان من أحد األئمة يف علم الفقه وأصبح له مذهب يؤخذ به حّت اآلن
وهو يدرس يف كل الدنيا.
الزم اإلمام الشافعي حممد بن احلسن وأخذ عنه فقه العراق وحديثه حّت قال :ح ــملــت عن حممد بن احلسن محل
خبيت ليس عليه إال مساعي ,وكان معظما حملمد بن احلسن متام التعظيم مع ما ُيري بينهما من خالفات بني
املذهبني فالشافعي على مذهب أهل احلديث وحممد بن احلسن مذهب أهل الرأي
بعد أن حصل الشافعي ما استطاع من علم العراق كان قبل ذلك قد حصل على علم احلجاز شعر أن الوقت
لنشر ما عنده من العلم فعاد إىل مكة وبدأ يلقي دروسه يف احلرم املكي فكان احلجاج يسمعون من علمه وفقهه
فكانوا حيرصون والتقى يف هذه املدة كثري من العلماء وكانوا يعجبون بسعة اطالعه واستحضاره للدليل وحرصه
على متابعة السنة وعظم فقهه واستنباطه,أصوله وقواعده كلها من الكتاب والسنة.
بعد عودة الشافعي إىل العراق حدثت أمور يف عاصمة اخلالفة جعلته يفكر ابهلجرة,تسلط علماء الكالم على
اخلليفة املأمون فانتشرت البدعة وماتت السنة وأصبح يسمع عن خوض املأمون يف املباحث الكالمية
وكانت نفسه تتوق إىل مصر رغما عنها وكان ال يدري حقيقية هذه الرغبة ولكنه استسلم أخريا لقضاء
هللا وهاجر بدينه من العراق وما هبا وخرج إىل مصر يقول:
ومن دوهنا أرض الـمهامــة والفـقـر # #لقد أصبحت نفسي تتوق إىل مصر
3
أســاق إلــيهـا أم أســاق إلـى الـقـبـر # #فوهللا ال أدري أل ـلــفوز وال ـغــىن
4
وحني قدم الشافعي مصر ذهب إىل جامع عمرو بن العاص وحتدث به ألول مرة أحبه الناس وتعلقوا به
.3شيوخه
13
أخــذ الشافعي رمحه هللا العلم عن كثري من علمـ ــاء زمانه يف أماكن خمتلفة ,فمنهم املكي واملدين والكويف
والبصري واليمين والشامي واملصري وقد ذكرهم البيهقي وابن كثري واملزي وابن حجر
❖ مسع احلديث على مجاعة من املشايخ واألئمة وقرأ بنفسه املوطأ على مالك من حفظه فأعجبته قراءته
ومهته
5
❖ وأخذ عنه علم احلجازيني بعد ,أخذه عن مسلم بن خالد الزجني
❖ منهم من أهل مكة
✓ سفيان بن عيينة
✓ وعبد الرمحن بن أيب بكر
✓ إمساعيل بن عبد هللا املقري
✓ مسلم بن خالد
❖ ومن أهل املدينة
✓ مالك بن أنس بن أيب عامر األصبحي
✓ إبراهيم بن سعد بن عبد الرمحن بن عوف
✓ عبد العزيز بن حممد الداراوردي
✓ حممد بن إمساعيل بن أيب فديك
❖ ومن سائر البلدان
✓ هشام بن يوسف الصنعاين
✓ مطرف بن مازن الصنعاين
.4تالميذه
ذكر البيحقي بعض من تتلمذ على الـشـ ـ ــافـعي,واملنتفعون بعلم الشافعي غريهم كثري ال حيصى عددهم إال
هللا فإن كل البالد اليت دخلها ونشر فيها علمه تتلمذ على يديه الكثري
14
ونذكر هنا أشهر تالميذه
✓ الربيع بن سليمان بن عبداجلبار اإلمام احملدث الفقيه الكبري ولد سنة 174ه ـ
✓ أبو إبراهيم إمساعيل بن حيىي بن إمساعيل بن عمرو املزين اإلمام العالمة فقيه امللة ولد سنة 175ه ـ ,
قال الشافعي :املزين انصر مذهيب
✓ أبو عبدهللا حممد بن عبدهللا بن عبداحلكيم ولد سنة 182ه ـ
✓ أبو يعقوب يوسف بن حيىي املصري البويطي اإلمام العالمة سيد الفقهاء صاحب الشافعي ,كان إماما
يف العلم قدوة يف العمل ,قال الشافعي( :ليس يف أصحايب أحد أعلم من البويطي)
.5كتبه
✓ كتاب األم
✓ كتاب الرسالة اجلديدة
.6وفاته
مكث الشافعي آخر عمره مشتغال بنشر العلم والتصنيف يف مصر حّت أضر ذلك جبسده فأصيب
ابلبواسري الت كانت تسبب له خروج الدم ولكن حبه للعلم جعله يؤثر طلبه ونشره والتصنيف فيه غلى نفسه
واستمر هكذا حّت وافته منية املوت يف آخر شهر رجب سنة 204ه ـ رمحه هللا رمحة واسعة
15
اإلمام
أمحد بن حنبل
ـ رمحه هللا ـ
امسه,ومولده,نشأته وحياته
هو أبو عبد هللا ،أمحد بن حممد بن حنبل بن هالل بن أسد بن إدريس بن عبد هللا بن حيان بن عبد هللا بن
أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة
ولد اإلمام أمحد بن حنبل رمحه هللا -يف املشهور املعروف -يف ربيع األول من سنة (164هـ) ،ولد ببغداد ،
وقد جاءت أمه حامال به من "مرو" اليت كان هبا أبوه ،أبوه شيباين ،وأمه كذلك ،فلم يكن أعجميا وال هجينا
،بل كان عربياً خالصاً ،أصل أسرته من البصرة ،وكان جده والياً على سرخس ،وملا ظهرت الدعوة العباسية
قام معها ف ُقتِل يف ذلك ،وكان أبوه جندايً قائداً ،مات وهو صغري .
اجتمع ألمحد مخسة أمور مل جتتمع لشخص إال سارت به إىل العال والسمو النفسي ،والبعد عن سفساف
األمور ،واالجتاه إىل معاليها ،تلك األمور هي :شرف النسب واحلسب ،واليتم الذي يـُنَ ِّشئُه منذ فجر الصبا
وحال من الفقر غري املدقع ،ال تستخذي به النفس ،فال يبطرها النعيم ،وال تذهلا املرتبة ،
معتمدا على نفسه ٌ ،
ونزوع إىل العال الفكري بتقوى هللا تعاىل ،والْتَـ َقى كل ذلك بعقل ذكي وفكر أملعي .
ومع هذه اخلصال قناعةٌ ٌ
نشأ اإلمام أمحد ببغداد ،وترّب هبا تربيته األوىل ،وقد كانت متوج ابلناس الذين اختلفت مشارهبم ،وختالفت
مآرهبم ،وزخرت أبنواع املعارف والفنون ،فيها القراء واحملدثون واملتصوفة وعلماء اللغة والفالسفة ،فقد كانت
حاضرة العامل اإلسالمي ،ر َاد فِقهَ الرأي يف صدر حياته ،بدليل أنه تلقَّى أول احلديث عن أيب يوسف صاحب
16
أيب حنيفة ،وهو قد كان من فقهاء الرأي ذوي القدم الثابتة فيه ،مث اجته إىل احلديث ،وعندما اعتزم يف مستهل
أول حم ِّدث
شبابه طلب احلديث كان ال بد أن أيخذ عن كل علماء احلديث يف العراق والشام واحلجاز ،ولعله ُ
ودوهنا ،فمسنده شاهد صادق الشهادة بذلك ،فهو قد مجع احلديث
قد مجع األحاديث من كل األقاليم َّ
احلجازي والشامي والبصري والكويف مجعا متناسبا .
لزم يف بداية طلبه إماما من أئمة احلديث يف بغداد ،واستمر يالزمه حنو أربع سنوات ،فلم يرتكه حّت
بلغ العشرين من عمره ،ذلك اإلمام هو هشيم بن بشري الواسطي (ت 183هـ) ،مث يف سنة (186هـ) ابتدأ
رحالته ليتلقى احلديث ،فرحل إىل البصرة ،وإىل احلجاز ،ورحل إىل اليمن ،ورحل إىل الكوفة ،وكان يود أن
الري ليسمع من جرير بن عبد احلميد ومل يكن قد رآه قبل يف بغداد ،ولكن أقعده عن الرحلة إليه
يرحل إىل ّ
عظيم النفقة عليه يف هذا السبيل .
ُ
رحل إىل احلجاز مخس مرات ،أوالها سنة (187هـ) ،ويف هذه الرحلة الْتَـ َقى مع الشافعي ،وأخذ مع
حديث اب ِن عيينة فقهَ الشافعي وأصولَه وبيانَه لناسخ القرآن ومنسوخه ،وكان لقاؤه ابلشافعي بعد ذلك يف بغداد
عندما جاء الشافعي إليها ويف جعبته فقهه وأصوله حمررة مقررة.
خرج إىل احلج مخس مرات ،ثالثة منها حج فيها ماشيا ،وضل يف إحداها عن الطريق ،وكان
يستطيب املشقة يف رحلة العبادة وطلب احلديث ،حّت إنه نوى سنة (198هـ) أن يذهب إىل احلج هو ورفيقه
حيىي بن معني ،وبعد احلج يذهبان إىل عبد الرزاق بن مهام بصنعاء اليمن ،وبينما مها يطوفان طواف القدوم إذا
عبد الرزاق يطوف ،فرآه ابن معني وكان يعرفه ،فسلم عليه ،وقال له :هذا أمحد بن حنبل أخوك ،فقال حياه
هللا وثبته ،فإنه يبلغين عنه كل مجيل .قال :جنيئ إليك غدا إن شاء هللا حّت نسمع ونكتب .فلما انصرف قال
أمحد معرتضا :مل أخذت على الشيخ موعدا ؟ قال :لنسمع منه ،قد أراحك هللا مسرية شهر ،ورجوع شهر ،
والنفقة .فقال أمحد :ما كنت ألفسد نييت ّبا تقول ؛ منضي ونسمع منه ،مث مضى بعد احلج حّت مسع بصنعاء
،ويف الطريق انقطعت به النفقة حّت أكرى نفسه من بعض احلمالني ،ورفض كل مساعدة من غريه .
واستمر ِجدُّه يف طلب احلديث وروايته حّت بعد أن بلغ مبلغ اإلمامة ،حّت لقد رآه رجل من معاصريه
واحملربة يف يده يكتب .فقال له :اي أاب عبد هللا ،أنت قد بلغت هذا املبلغ وأنت إمام املسلمني ؟ فقال :مع
احملربة إىل املقربة .وكان رمحه هللا تعاىل يقول :أان أطلب العلم إىل أن أدخل القرب .
17
وهكذا كان أمحد يسري على احلكمة املأثورة :ال يزال الرجل عاملا ما دام يطلب العلم ،فإذا ظن أنه علم
،فقد جهل .نطق هبا عمله ،ونطق هبا لسانه يف تلك الكلمات .
وكان رمحه هللا يطلب فيما يطلب علم الفقه واالستنباط مع الرواية ،وتلقى ذلك عن الشافعي وغريه ،
بل إننا لننتهي إىل نقبل ما قيل عنه من أنه كان حيفظ كتب أهل الرأي ،ولكن ال أيخذ هبا ،فقد قال تلميذه
اخلالل " :كان أمحد قد َكتَب ُكتب الرأي وحفظها ،مث مل يلتفت إليها"
قال ابن اجلوزي :إن أمحد مل ينصب نفسه للحديث والفتوى إال بعد أن بلغ األربعني ،وبعد أن ذاع ذكره يف
اآلفاق اإلسالمية ،فازدحم الناس على درسه شديدا ،حّت ذكر بعض الرواة أن عدة من كانوا يستمعون إىل
درسه حنو مخسة آالف ،وأنه كان يكتب منهم حنو مخسمائة فقط ،والباقي يتعلمون من خلقه وهديه ومسته ،
وكان جملسه بعد العصر ،تسوده اهليبة والتعظيم حلديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .
وقد جاء يف " اتريخ الذهيب " عن املروذي صاحب أمحد يف وصف جمالسه " :مل أر الفقري يف جملس أعز منه يف
جملس أيب عبد هللا ،كان مائال إليها ،مقصرا عن أهل الدنيا ،وكان فيه حلم ،ومل يكن ابلعجول ،بل كان كثري
التواضع ،تعلوه السكينة والوقار ،وإذا جلس جملسه بعد العصر مل يتكلم حّت يسأل "
َّث ِمن
وكان ال حيدث إال من كتبه ،زايدة يف التوثيق والتأكيد ،حّت قال ولده عبد هللا " :ما رأيت أيب َحد َ
حفظه من غري كتاب ،إال أبقل من مائة حديث " .
جترد
وُيدر بنا أن نشري إىل أمر ذي ابل ،وهو أن أمحد رضي هللا عنه كان حييا حياة سلفية خالصة َّ ،
فيها من مالبسات العصر ومناحراته ،وما ُيري من منازالت فكرية وسياسية واجتماعية وحربية ،واختار أن
حيلق بروحه يف جو الصحابة والصفوة من التابعني ومن جاء بعدهم ،ممن هنج هنجهم واختار سبيلهم ،لذلك
كان علمه وفقهه هو السنة وفقهها ،ال خيوض يف أمر إال إذا علم أن الصحابة خاضوا فيه ،فإن علم ذلك اتبع
رأيهم ونفى غريه .
18
كان أمحد يعيش من غلة عقار تركه له أبوه ،يتعفف بكرائها عن الناس ،وال يقبل عطية من أحد ،وكان عن
عطااي اخللفاء أعف ،حّت عرض عليه اإلمام الشافعي مرة أن يتوىل قضاء اليمن بطلب من " األمني " ،فقال
أمحد للشافعي " :اي أاب عبد هللا ! إن مسعت منك هذا اثنيا مل ترين عندك "
يروي حرملة بن حيىي تلمي ُذ الشافعي أنه قال " :خرجت من بغداد وما خلفت هبا أحدا أورع وال أتقى وال أفقه
من أمحد بن حنبل ".
وقال علي بن املديين " :أعرف أاب عبد هللا منذ مخسني سنة وهو يزداد خريا ".
وقال حيىي بن معني " :وهللا ال نقوى على ما يقوى عليه أمحد ،وال على طريقة أمحد ".
يقول إسحاق بن راهويه " :كنت أجالس ابلعراق أمحد بن حنبل وحيىي بن معني وأصحابنا ،فكنا نتذكر احلديث
من طريق وطريقني وثالثة ،فأقول :ما مراده ؟ ما تفسريه؟ ما فقهه ؟ فيقفون كلهم ،إال أمحد بن حنبل ".
تعرض اإلمام إىل حمنة عظيمة بسبب دعوة املأمون الفقهاء واحملدثني أن يقولوا ّبقالته يف خلق القرآن ،
فحبس وضرب وتواىل ثالثة من اخللفاء على ذلك :املأمون ،واملعتصم ،والواثق .
ُعرف اإلمام أمحد ابلصرب والقوة واجللد ،ويذكر أهل السري يف ذلك خربا ،أنه أدخل على اخلليفة يف
أايم احملنة وقد هولوا عليه لينطق ّبا ينجيه ويرضيهم ،وقد ضرب عنق رجلني يف حضرته ،ولكنه يف وسط ذلك
املنظر املروع وقع نظره أيضا على بعض أصحاب الشافعية ،فسأله :وأي شيء حتفظ عن الشافعي يف املسح
على اخلفني ،فأاثر ذلك دهشة احلاضرين وراعهم ذلك اجلنان الثابت الذي ربط هللا على قلب صاحبه ،حّت
لقد قال خصمه أمحد بن أيب دؤاد متعجبا :انظروا لرجل هو ذا يقدم لضرب عنقه فيناظر يف الفقه .ولكنها
اإلرادة القوية واإلُيان العميق والنفس املفوضة املسلمة لقضاء هللا .
تويف هذا اإلمام العظيم ضحوة هنار اجلمعة ،الثنيت عشرة ليلة خلت من شهر ربيع األول ،سنة إحدى وأربعني
ومائتني ببغداد .
ويف سرية هذا اإلمام الكثري من العرب والعظات ،رحم هللا اإلمام أمحد ومجيع أئمة املسلمني .
19
الفهرس
الصفحة املوضوع
مقدمة2 .......................................................
املراجع21 .......................................................
20
املراجع
)1توايل التأسيس ملعايل حممد بن إدريس أتليف احلافظ بن حجر حققه أبو الفداء عبد هللا القاضي الناشر
)2انظر مناقب الشافعي للبيهقي.96/1
)3ديوان الشافعي 47
)4مناقب الشافعي للبيهقي463/1
)5ويكيبيداي
وينظر كتاب "سري أعالم نبالء" لإلمام الذهيب .
)6وينظر كتاب " سرية اإلمام املبجل أمحد بن حممد بن حنبل" للشيخ أمحد بن حيي النجمي .
)7وينظر كتاب " أمحد بن حنبل :حياته وعصره ،آراؤه وفقهه " للشيخ حممد أبو زهرة .
)8حممد أبو زهرة ( ،)1977أبو حنيفة-حياته وعصره آراؤه وفقهه (الطبعة الثانية) ،بريوت-لبنان :دار
الفكر العريب ،صفحة27-18 :
)9إمساعيل بن عمر بن كثري القرشي الدمشقي ( ،)2003البداية والنهاية ،بريوت-لبنان :دار عامل الكتب،
صفحة420-416 :
راغب السرجاين (" ،)1-5-2006اإلمام أبو حنيفة"www.islamstory.com ، )10
"أبو حنيفة"،www.library.islamweb.net ، )11
21